أَيْن تَجِد الشَّمْس تغرب فِي التَّوْرَاة فَقَالَ لَهُ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: سل أهل الْعَرَبيَّة فَإِنَّهُم أعلم بهَا وَأما أَنا فَإِنِّي أجد الشَّمْس تغرب فِي التَّوْرَاة فِي مَاء وطين - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمغرب -
قَالَ ابْن أبي حَاضر رَضِي الله عَنهُ: لَو أَنِّي عندكما أيدتك بِكَلَام وتزداد بِهِ بَصِيرَة فِي {حمئة}
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَمَا هُوَ قلت: فِيمَا نأثر قَول تبع فِيمَا ذكر بِهِ ذَا القرنين فِي كلفه بِالْعلمِ وإتباعه إِيَّاه: قد كَانَ ذُو القرنين عَمْرو مُسلما ملكا تدين لَهُ الْمُلُوك وتحسد فَأتى الْمَشَارِق والمغارب يَبْتَغِي أَسبَاب ملك من حَكِيم مرشد فَرَأى مغيب الشَّمْس عِنْد غُرُوبهَا فِي عين ذِي خلب وثاط حرمد فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا الخلب قلت: الطين بكلامهم
قَالَ: فَمَا الثاط قلت: الحمأة
قَالَ: فَمَا الحرمد قلت: الْأسود
فَدَعَا ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا غُلَاما فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ مَا يَقُول هَذَا الرجل
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فِي عين حمئة}
وَأخرج الْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ {فِي عين حمئة}
وَأخرج الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد رَضِي الله عَنهُ فِي إِيضَاح الْإِشْكَال من طَرِيق مصداع بن يحيى عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَقْرَأَنِيهِ أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ كَمَا أقرأه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {تغرب فِي عين حمئة} مُخَفّفَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الأعوج قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يقْرؤهَا {فِي عين حمئة} ثمَّ قَرَأَهَا / ذَات حمئة /
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ {فِي عين حمئة} قَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: مَا سَمِعت أحدا يقْرؤهَا كَمَا هِيَ فِي كتاب الله غير ابْن عَبَّاس فَإنَّا نجدها فِي التَّوْرَاة تغرب فِي حمئة سَوْدَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خَالَفت عَمْرو بن الْعَاصِ عِنْد مُعَاوِيَة فِي {حمئة} وحامية قرأتها(5/451)
{فِي عين حمئة} فَقَالَ عَمْرو: حامية فسألنا كَعْبًا فَقَالَ: إِنَّهَا فِي كتاب الله الْمنزل تغرب فِي طِينَة سَوْدَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن حَاضر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كُنَّا عِنْد مُعَاوِيَة فَقَرَأَ تغرب فِي عين حامية فَقلت لَهُ: مَا نقرؤها إِلَّا {فِي عين حمئة} فَأرْسل مُعَاوِيَة إِلَى كَعْب فَقَالَ: أَيْن تَجِد الشَّمْس فِي التَّوْرَاة تغرب قَالَ: أما الْعَرَبيَّة فَلَا علم لي بهَا وَأما أَنا فأجد الشَّمْس فِي التَّوْرَاة تغرب فِي مَاء وطين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن طَلْحَة بن عبيد الله أَنه كَانَ يقْرَأ فِي عين حامية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي عين حامية يَقُول: حارة
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَابْن منيع وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: نظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الشَّمْس حِين غَابَتْ فَقَالَ: نَار الله الحامية لَو مَا يزعها من أَمر الله لأحرقت مَا على الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ذَر قَالَ: كنت ردف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على حمَار فَرَأى الشَّمْس حِين غربت فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْن تغرب قلت: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِنَّهَا تغرب فِي عين حامية غير مَهْمُوزَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: بَلغنِي أَن الشَّمْس تغرب فِي عين تقذفها الْعين إِلَى الْمشرق
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مردوية عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَوجد عِنْدهَا قوما} قَالَ: مَدِينَة لَهَا اثْنَا عشر ألفا بَاب لَوْلَا أصوات أَهلهَا لسمع النَّاس دوِي الشَّمْس حِين تجب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعد بن أبي صَالح قَالَ: كَانَ يُقَال: لَوْلَا لغط أهل الرومية سمع النَّاس وجبة الشَّمْس حِين تقع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: لَوْلَا أصوات الصنافر لسمع وجبة الشَّمْس حِين تقع عِنْد غُرُوبهَا(5/452)
الْآيَة 87 - 100(5/453)
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله: {قَالَ أما من ظلم} قَالَ: من أشرك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَسَوف نعذبه} قَالَ: الْقَتْل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ عَذَابه أَن يجعلهم فِي بقر من صفر ثمَّ توقد تَحْتهم النَّار حَتَّى يتقطعوا فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلهُ جَزَاء الْحسنى} قَالَ: الْحسنى لَهُ جَزَاء(5/453)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وسنقول لَهُ من أمرنَا يسرا} قَالَ: مَعْرُوفا
وَالله تَعَالَى أعلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {حَتَّى إِذا بلغ مطلع الشَّمْس} الْآيَة
قَالَ: حدثت عَن الْحسن عَن سَمُرَة بن جُنْدُب
قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {لم نجْعَل لَهُم من دونهَا سترا} أَنَّهَا لم يبن فِيهَا بِنَاء قطّ كَانُوا إِذا طلعت الشَّمْس دخلُوا أسراباً لَهُم حَتَّى تَزُول الشَّمْس
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبَزَّار فِي أَمَالِيهِ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله: {تطلع على قوم لم نجْعَل لَهُم من دونهَا سترا} قَالَ: أَرضهم لَا تحْتَمل الْبناء فَإِذا طلعت الشَّمْس تغور فِي الْمِيَاه فَإِذا غَابَتْ خَرجُوا يتراعون كَمَا ترعى الْبَهَائِم
ثمَّ قَالَ الْحسن: هَذَا حَدِيث سَمُرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَنهم بِأَرْض لَا يثبت لَهُم فِيهَا شَيْء فهم إِذا طلعت دخلُوا فِي أسراب حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس خَرجُوا إِلَى حروثهم ومعايشهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سَلمَة بن كهيل فِي الْآيَة قَالَ: لَيست لَهُم أكناف إِذا طلعت الشَّمْس طلعت عَلَيْهِم لأَحَدهم أذنان يفترش وَاحِدَة ويلبس الْأُخْرَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وجدهَا تطلع على قوم} الْآيَة
قَالَ: يُقَال لَهُم الزنج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: تطلع على قوم حمر قصار مساكنهم الغيران فَيلقى لَهُم سمك أَكثر معيشتهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بِمَا لَدَيْهِ خَبرا} قَالَ: علما
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {حَتَّى إِذا بلغ بَين السدين} قَالَ: الجبلين أرمينية وأذربيجان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {قوما لَا يكادون يفقهُونَ قولا} قَالَ: التّرْك(5/454)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن تَمِيم بن جذيم أَنه كَانَ يقْرَأ {لَا يكادون يفقهُونَ قولا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: أَتَيْنَا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا وَهُوَ فِي قبَّة آدم لَهُ فَخرج إِلَيْنَا فَحَمدَ الله ثمَّ قَالَ: أبشركم أَنكُمْ ربع أهل الْجنَّة
فَقُلْنَا: نعم يَا رَسُول الله فَقَالَ: أبشركم أَنكُمْ ثلث أهل الْجنَّة
فَقُلْنَا: نعم يَا نَبِي الله قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة إِن مثلكُمْ فِي سَائِر الْأُمَم كَمثل شَعْرَة بَيْضَاء فِي جنب ثَوْر أسود أَو شَعْرَة سَوْدَاء فِي جنب ثَوْر أَبيض إِن بعدكم يَأْجُوج وَمَأْجُوج إِن الرجل مِنْهُم ليترك بعده من الذُّرِّيَّة ألفا فَمَا زَاد وَإِن وراءكم ثَلَاث أُمَم: منسك وتاويل وتاريس لَا يعلم عدتهمْ إِلَّا الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق الْبكالِي عَن عبد الله بن عمر قَالَ: إِن الله جزأ الْمَلَائِكَة وَالْإِنْس وَالْجِنّ عشرَة أَجزَاء تِسْعَة أَجزَاء مِنْهُم الْمَلَائِكَة وجزء وَاحِد الْجِنّ وَالْإِنْس
وجزأ الْمَلَائِكَة عشرَة أَجزَاء تِسْعَة مِنْهُم الكروبيون الَّذِي يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون وجزء وَاحِد لرسالاته ولخزائنه وَمَا يَشَاء من أمره
وجزأ الْإِنْس وَالْجِنّ عشرَة أَجزَاء فتسعة مِنْهُم الْجِنّ وَالْإِنْس جُزْء وَاحِد فَلَا يُولد من الْإِنْس ولد إِلَّا ولد من الْجِنّ تِسْعَة
وجزأ الْإِنْس عشرَة أَجزَاء تِسْعَة مِنْهُم يَأْجُوج وَمَأْجُوج وجزء سَائِر النَّاس وَالسَّمَاء ذَات الحبك
قَالَ: السَّمَاء السَّابِعَة وَالْحرم بحيالة الْعَرْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة أَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج يزِيدُونَ على الْإِنْس الضعفين وَأَن الْجِنّ يزِيدُونَ على الْإِنْس الضعفين وَأَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج رجلَانِ اسْمهَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: إِن الله جزأ الْإِنْس عشرَة أَجزَاء تِسْعَة مِنْهُم يَأْجُوج وَمَأْجُوج وجزء سَائِر النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: صوّرت الدُّنْيَا على خمس صور على صُورَة الطير بِرَأْسِهِ والصدر والجناحين والذنب فالمدينة وَمَكَّة واليمن الرَّأْس والصدر مصر وَالْعراق والجناح الْأَيْمن الْعرَاق وَخلف الْعرَاق أمة يُقَال لَهَا واق وَخلف واق أمة يُقَال وقواق وَخلف(5/455)
ذَلِك من الْأُمَم مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى
والجناح الْأَيْسَر السَّنَد وَخلف السَّنَد الْهِنْد وَخلف الْهِنْد أمة يُقَال لَهَا ناسك وَخلف ذَلِك أمة يُقَال لَهَا منسك وَخلف ذَلِك من الْأُمَم مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله تَعَالَى
والذنب من ذَات الْحمام إِلَى مغرب الشَّمْس وَشر مَا فِي الطير الذَّنب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَبدة بن أبي لبَابَة أَن الدُّنْيَا سَبْعَة أقاليم: فيأجوج وَمَأْجُوج فِي سِتَّة أقاليم وَسَائِر النَّاس فِي إقليم وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير عَن وهب بن جَابر الحيواني قَالَ: سَأَلت عبد الله بن عَمْرو عَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج: أَمن آدم هم قَالَ: نعم وَمن بعدهمْ ثَلَاث أُمَم لَا يعلم عَددهمْ إِلَّا الله تاويل وتاريس ومنسك
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَهُم أَنهَار يلقون مَا شاؤوا وَنسَاء يُجَامِعُونَ مَا شاؤوا وَشَجر يُلَقِّحُونَ مَا شاؤوا وَلَا يَمُوت رجل إِلَّا ترك من ذُريَّته ألفا فَصَاعِدا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج أمتان فِي كل أمة أَرْبَعمِائَة أمة لَا تشبه وَاحِدَة مِنْهُم الْأُخْرَى وَلَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى ينظر فِي مائَة عين من وَلَده
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: خلق يَأْجُوج وَمَأْجُوج ثَلَاث أَصْنَاف صنف أجسامهم كالأرز وصنف أَرْبَعَة أَذْرع طول وَأَرْبَعَة أَذْرع عرض وضنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بِالْأُخْرَى يَأْكُلُون مشائم نِسَائِهِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن خَالِد الْأَشَج قَالَ: إِن بني آدم وَبني إِبْلِيس ثَلَاثَة أَثلَاث: فثلثان بَنو إِبْلِيس وَثلث بَنو آدم وَبَنُو آدم ثَلَاثَة أَثلَاث: ثلثان يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَثلث سَائِر النَّاس
وَالنَّاس بعد ثَلَاث أَثلَاث: ثلث الأندلس وَثلث الْحَبَشَة وَثلث سَائِر النَّاس الْعَرَب والعجم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ قَبيلَة فسد ذُو القرنين على إِحْدَى وَعشْرين قَبيلَة وَترك قَبيلَة وهم الأتراك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه سُئِلَ عَن التّرْك فَقَالَ: هم سيارة لَيْسَ لَهُم أصل هم من يَأْجُوج وَمَأْجُوج لكِنهمْ خَرجُوا يغيرون على النَّاس فجَاء ذُو القرنين فسدّ بَينهم وَبَين قَومهمْ فَذَهَبُوا سيارة فِي الأَرْض(5/456)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج خمس وَعِشْرُونَ أمة لَيْسَ مِنْهَا أمة تشبه الْأُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْمثنى الأملوكي قَالَ: إِن الله ذَرأ لِجَهَنَّم يَأْجُوج وَمَأْجُوج لم يكن فيهم صديق قطّ وَلَا يكون ابداً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: مَا مَاتَ رجل من يَأْجُوج وَمَأْجُوج إِلَّا ترك ألف ذُرِّيَّة لصلبه فَصَاعِدا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج شبر وشبران وأطوالهم ثَلَاثَة أشبار وهم من ولد آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج من ولد آدم وَلَو أرْسلُوا لأفسدوا على النَّاس مَعَايشهمْ وَلَا يَمُوت رجل مِنْهُم إِلَّا ترك من ذُريَّته ألفا فَصَاعِدا وَإِن من وَرَاءَهُمْ ثَلَاث أُمَم: تاويل وتاريس ومنسك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: الْجِنّ وَالْإِنْس عشرَة أَجزَاء فتسعة أَجزَاء يَأْجُوج وَمَأْجُوج وجزء وَاحِد سَائِر النَّاس
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن أَوْس عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج لَهُم نسَاء يُجَامِعُونَ مَا شاؤوا وَشَجر يُلَقِّحُونَ مَا شاؤوا وَلَا يَمُوت رجل مِنْهُم إِلَّا ترك من ذُريَّته ألفا فَصَاعِدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عدي وَابْن عَسَاكِر وَابْن النجار عَن حُذَيْفَة قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَقَالَ: يَأْجُوج أمة وَمَأْجُوج أمة كل أمة بأربعمائة أمة
لَا يَمُوت أحدهم حَتَّى ينظر إِلَى ألف رجل من صلبه كل قد حمل السِّلَاح
قلت: يَا رَسُول الله صفهم لنا
قَالَ: هم ثَلَاثَة أَصْنَاف صنف مِنْهُم أَمْثَال الْأرز
قلت: وَمَا الْأرز قَالَ: شجر بِالشَّام طول الشَّجَرَة عشرُون وَمِائَة ذِرَاع فِي السَّمَاء
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَؤُلَاءِ الَّذين لَا يقوم لَهُم وَلَا حَدِيد وصنف مِنْهُم(5/457)
يفترش إِحْدَى أُذُنَيْهِ ويلتحف بِالْأُخْرَى لَا يَمرونَ بفيل وَلَا وَحش وَلَا جمل وَلَا خِنْزِير إِلَّا أكلوه وَمن مَاتَ مِنْهُم أكلوه مقدمتهم بِالشَّام وساقتهم يشربون أَنهَار الْمشرق وبحيرة طبرية
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَابْن مرْدَوَيْه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَعَثَنِي الله لَيْلَة أسرِي بِي إِلَى يَأْجُوج وَمَأْجُوج فدعوتهم إِلَى دين الله وعبادته فَأَبَوا أَن يجيبوني فهم فِي النَّار مَعَ من عصى من ولد آدم وَولد إِبْلِيس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر النَّسَفِيّ أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله قد رَأَيْت سد يَأْجُوج وَمَأْجُوج
قَالَ: انْعَتْهُ لي
قَالَ: كَالْبردِ المحبر طَريقَة سَوْدَاء وَطَرِيقَة سَوْدَاء
قَالَ: قد رَأَيْته
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج يحفرون السد كل يَوْم حَتَّى إِذا كَادُوا يرَوْنَ شُعَاع الشَّمْس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِم: ارْجعُوا فستفتحونه غَدا وَلَا يَسْتَثْنِي
فَإِذا أَصْبحُوا وجدوه قد رَجَعَ كَمَا كَانَ فَإِذا أَرَادَ الله بخروجهم على النَّاس قَالَ الَّذِي عَلَيْهِم: ارْجعُوا فستفتحونه إِن شَاءَ الله - ويستثني - فيعودون إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَته حِين تَرَكُوهُ فيحفرونه وَيخرجُونَ على النَّاس فيستقون الْمِيَاه ويتحصن النَّاس مِنْهُم فِي حصونهم فيرمون بسهامهم إِلَى السَّمَاء فترجع مخضبة بالدماء فَيَقُولُونَ: قهرنا من فِي الأَرْض وعلونا من السَّمَاء قسوة وعلوا
فيبعث الله عَلَيْهِم نغفاً فِي أَعْنَاقهم فيهلكون
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِن دَوَاب الأَرْض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن زَيْنَب بنت جحش قَالَت: اسْتَيْقَظَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نَومه وَهُوَ محمر وَجهه وَهُوَ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله
ويل للْعَرَب من شَرّ قد اقْترب فتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه - وَحلق - قلت: يَا رَسُول الله أنهلك وَفينَا الصالحون قَالَ: نعم إِذا كثر الْخبث
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فتح الْيَوْم من ردم يَأْجُوج وَمَأْجُوج مثل هَذِه - وَعقد بِيَدِهِ تسعين(5/458)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حبيب الأرجاني فِي قَوْله: {إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج مفسدون فِي الأَرْض} قَالَ: كَانَ فسادهم أَنهم كَانُوا يَأْكُلُون النَّاس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَهَل نجْعَل لَك خرجا} قَالَ: أجرا عَظِيما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: مَا صنع الله فَهُوَ السد وَمَا صنع السد النَّاس فَهُوَ السد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {مَا مكني فِيهِ رَبِّي خير} قَالَ: الَّذِي أَعْطَانِي رَبِّي هُوَ خير من الَّذِي تبذلون لي من الْخراج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أجعَل بَيْنكُم وَبينهمْ ردماً} قَالَ: هُوَ كأشد الْحجاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {زبر الْحَدِيد} قَالَ: قطع الْحَدِيد
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {زبر الْحَدِيد} قَالَ: قطع الْحَدِيد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يَقُول: تلظى عَلَيْهِم حِين شدّ حميمها بزبر الْحَدِيد وَالْحِجَارَة شَاجر وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بَين الصدفين} قَالَ: الجبلين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ {بَين الصدفين} بِفتْحَتَيْنِ قَالَ: يَعْنِي بَين الجبلين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ {بَين الصدفين} بِضَمَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بَين الصدفين} قَالَ: رَأس الجبلين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قطراً} قَالَ: النّحاس(5/459)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قطرا} قَالَ: نُحَاسا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {آتوني أفرغ عَلَيْهِ قطراً} قَالَ: نُحَاسا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {آتوني أفرغ عَلَيْهِ قطراً} قَالَ: نُحَاسا ليلزم بعضه بَعْضًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه} قَالَ: مَا اسْتَطَاعُوا أَن يرتقوه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه} يَقُول: أَن يعلوه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقباً} قَالَ: من أَسْفَله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَمَا اسطاعوا أَن يظهروه} قَالَ: من فَوْقه {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نقباً} قَالَ: من أَسْفَله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي جعله دكاء} قَالَ: جعله طَرِيقا كَمَا كَانَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي جعله دكاء} قَالَ: لَا أَدْرِي الجبلين يَعْنِي بِهِ أم مَا بَينهمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الرّبيع بن خَيْثَم أَنه كَانَ يقْرَأ {جعله دكاء} ممدوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج خلف السد لَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى يُولد لَهُ ألف لصلبه وهم يَغْدُونَ كل يَوْم على السد فيلحسونه وَقد جَعَلُوهُ مثل قشر الْبيض فَيَقُولُونَ: نرْجِع غَدا ونفتحه فيصبحون وَقد عَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قبل أَن يلحس فَلَا يزالون كَذَلِك حَتَّى يُولد فيهم مَوْلُود مُسلم فَإِذا غدوا يلحسون قَالَ لَهُم: قُولُوا بِسم الله فَإِذا قَالُوا بِسم الله فأرادوا أَن يرجِعوا حِين يمسون فَيَقُولُونَ: نرْجِع غَدا فنفتحه
فيصبحون وَقد عَاد إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فَيَقُول: قُولُوا إِن شَاءَ الله
فَيَقُولُونَ: إِن شَاءَ الله
فيصبحون وَهُوَ مثل قشر الْبيض فينقبونه فَيخْرجُونَ مِنْهُ على النَّاس فَيخرج أول من(5/460)
يخرج مِنْهُم سَبْعُونَ ألفا عَلَيْهِم التيجان ثمَّ يخرجُون من بعد ذَلِك أَفْوَاجًا فَيَأْتُونَ على النَّهر مثل نهركم هَذَا - يَعْنِي الْفُرَات - فيشربونه حَتَّى لَا يبْقى مِنْهُ شَيْء ثمَّ يَجِيء الفوج مِنْهُم حَتَّى ينْتَهوا إِلَيْهِ فَيَقُولُونَ: لقد كَانَ هَهُنَا مَاء مرّة وَذَلِكَ قَول الله: {فَإِذا جَاءَ وعد رَبِّي جعله دكاء} والدكّ التُّرَاب {وَكَانَ وعد رَبِّي حَقًا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج ينقرون السد بمناقرهم حَتَّى إِذا كَادُوا أَن يخرقوه قَالُوا: نرْجِع إِلَيْهِ غَدا فنفرغ مِنْهُ فيرجعون إِلَيْهِ وَقد عَاد كَمَا كَانَ فيرجعون فهم كَذَلِك وَإِذا بلغ الْأَمر ألقِي على بعض ألسنتهم يَقُولُونَ: نأتي إِن شَاءَ الله غَدا فنفرغ مِنْهُ فيأتونه وَهُوَ كَمَا هُوَ فيخرقونه فَيخْرجُونَ فَيَأْتِي أَوَّلهمْ على الْبحيرَة فيشربون مَا كَانَ فِيهَا من مَاء وَيَأْتِي أوسطهم عَلَيْهَا فيلحسون مَا كَانَ فِيهَا من الطين وَيَأْتِي آخِرهم عَلَيْهَا فَيَقُولُونَ: قد كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء
فيرمون بسهامهم نَحْو السَّمَاء فترجع مخضبة بالدماء فَيَقُولُونَ: قهرنا من فِي الأَرْض وظهرنا على من فِي السَّمَاء فيدعو عَلَيْهِم عِيسَى ابْن مَرْيَم فَيَقُول: اللَّهُمَّ لَا طَاقَة لنا بهم وَلَا يَد فاكفناهم بِمَا شِئْت فاكفناهم بِمَا شِئْت
فيبعث الله عَلَيْهِم دوداً يُقَال لَهُ النغف فيأخذهم فِي أقفائهم فيقتلهم حَتَّى تنتن الأَرْض من ريحهم ثمَّ يبْعَث الله عَلَيْهِم طيراً فتنقل أبدانهم إِلَى الْبَحْر وَيُرْسل الله إِلَيْهِم السَّمَاء أَرْبَعِينَ يَوْمًا فينبت الأَرْض حَتَّى أَن الرمانة لتشبع أهل الْبَيْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن كَعْب قَالَ: عرض أُسْكُفَّة يَأْجُوج وَمَأْجُوج الَّتِي تفتح لَهُم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا تحفيها حوافر خيلهم والعليا اثْنَا عشر ذِرَاعا تحفيها أسنة رماحهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِذا خرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج كَانَ عِيسَى ابْن مَرْيَم فِي ثلثمِائة من الْمُسلمين فِي قصر بِالشَّام يشْتَد عَلَيْهِم أَمرهم فَيدعونَ الله أَن يُهْلِكهُمْ فيسلط عَلَيْهِم النغف فتنتن الأَرْض مِنْهُم فَيدعونَ الله أَن يطهر الأَرْض مِنْهُم فَيُرْسل الله مَطَرا فيسيل مِنْهُم إِلَى الْبَحْر ثمَّ يخصب النَّاس حَتَّى أَن العنقود يشْبع مِنْهُ أهل الْبَيْت
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج يمر أَوَّلهمْ بنهر مثل دجلة ويمر آخِرهم فَيَقُول: قد كَانَ فِي هَذَا النَّهر مرّة(5/461)
مَاء وَلَا يَمُوت رجل إِلَّا ترك ألفا من ذُريَّته فَصَاعِدا وَمن بعدهمْ ثَلَاثَة أُمَم مَا يعلم عدتهمْ إِلَّا الله: تاريس وتاويل وناسك أَو منسك
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السد قَالَ: يحفرونه كل يَوْم حَتَّى إِذا كَادُوا يخرقونه قَالَ الَّذِي عَلَيْهِم: ارْجعُوا
فستخرقونه غَدا
قَالَ: فيعيده الله كأشد مَا كَانَ حَتَّى إِذا بلغُوا مدتهم وَأَرَادَ الله قَالَ الَّذِي عَلَيْهِم: ارْجعُوا فستخرقونه غَدا إِن شَاءَ الله - وَاسْتثنى - فيرجعون وَهُوَ كَهَيْئَته حِين تَرَكُوهُ فيخرقونه وَيخرجُونَ على النَّاس فيسقون الْمِيَاه وينفر النَّاس مِنْهُم فيرمون سِهَامهمْ فِي السَّمَاء فترجع مخضبة بالدماء فَيَقُولُونَ: قهرنا أهل الأَرْض وغلبنا فِي السَّمَاء قسوة وعلوا فيبعث الله عَلَيْهِم نغفاً فِي أقفائهم فيهلكهم
قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن دَوَاب الأَرْض لتسمن وتبطر وتشكر شكرا من لحومهم
وَأخرج الْحَاكِم وصحه عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا أعلم بِمَا مَعَ الدَّجَّال مِنْهُ مَعَه نهران أَحدهمَا نَار تأجج فِي عين من رَآهُ وَالْآخر مَاء أَبيض فَإِن أدْركهُ أحد مِنْكُم فليغمض وَيشْرب من الَّذِي يرَاهُ نَارا فَإِنَّهُ مَاء بَارِد وَإِيَّاكُم وَالْآخر فَإِنَّهُ الْفِتْنَة وَاعْلَمُوا أَنه مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يَقْرَؤُهُ من يكْتب وَمن لَا يكْتب وَإِن إِحْدَى عَيْنَيْهِ ممسوحة عَلَيْهَا ظفرة إِنَّه يطلع من آخر أمره على بطن الْأُرْدُن على ثنية أفِيق وكل أحد يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر بِبَطن الْأُرْدُن وَأَنه يقتل من الْمُسلمين ثلثا ويهزم ثلثا وَيبقى ثلث ويجن عَلَيْهِم اللَّيْل فَيَقُول بعض الْمُؤمنِينَ لبَعض: مَا تنتظرون أَن تلحقوا إخْوَانكُمْ فِي مرضاة ربكُم من كَانَ عِنْده فضل طَعَام فليغدُ بِهِ على أَخِيه وصلّوا حَتَّى ينفجر الْفجْر وعجلوا الصَّلَاة ثمَّ أَقبلُوا على عَدوكُمْ
فَلَمَّا قَامُوا يصلونَ نزل عِيسَى ابْن مَرْيَم أمامهم فصلى بهم فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: هَكَذَا فرّجوا بيني وَبَين عَدو الله فيذوب وسلط الله عَلَيْهِم من الْمُسلمين فيقتلونهم حَتَّى أَن الشّجر وَالْحجر لينادي: يَا عبد الله يَا عبد الرَّحْمَن
يَا مُسلم هَذَا يَهُودِيّ فاقتله
فيقتلهم الله ويُنْصر الْمُسلمُونَ فيكسرون الصَّلِيب وَيقْتلُونَ الْخِنْزِير ويضعون الْجِزْيَة فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك أخرج الله يَأْجُوج وَمَأْجُوج فيشرب أَوَّلهمْ الْبحيرَة وَيَجِيء آخِرهم وَقد انتشفوه وَلم يدعوا فِيهِ قَطْرَة فَيَقُولُونَ: ظهرنا على(5/462)
أَعْدَائِنَا قد كَانَ هَهُنَا أثر مَاء
فَيَجِيء نَبِي الله وَأَصْحَابه وَرَاءه حَتَّى يدخلُوا مَدِينَة من مَدَائِن فلسطين يُقَال لَهَا لد فَيَقُولُونَ: ظهرنا على من فِي الأَرْض فتعالوا نُقَاتِل من فِي السَّمَاء فيدعو الله نبيه عِنْد ذَلِك فيبعث الله عَلَيْهِم قرحَة فِي حُلُوقهمْ فَلَا يبْقى مِنْهُم بشر فيؤذي ريحهم الْمُسلمين فيدعو عِيسَى فَيُرْسل الله عَلَيْهِم ريحًا فتقذفهم فِي الْبَحْر أَجْمَعِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الزَّاهِرِيَّة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مقفل الْمُسلمين من الْمَلَاحِم دمشق ومقفلهم من الدَّجَّال بَيت الْمُقَدّس ومقفلهم من يَأْجُوج وَمَأْجُوج بَيت الطّور وَالله أعلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَتَركنَا بَعضهم يَوْمئِذٍ يموج فِي بعض} قَالَ: ذَلِك حِين يخرجُون على النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وَتَركنَا بَعضهم يَوْمئِذٍ يموج فِي بعض} قَالَ: هَذَا أول يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ ينْفخ فِي الصُّور على أثر ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق هَارُون بن عنترة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَتَركنَا بَعضهم يَوْمئِذٍ يموج فِي بعض} قَالَ: الْجِنّ وَالْإِنْس يموج بَعضهم فِي بعض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن هرون بن عنترة عَن شيخ من بني فَزَارَة فِي قَوْله: {وَتَركنَا بَعضهم يَوْمئِذٍ يموج فِي بعض} قَالَ: إِذا ماج الْجِنّ وَالْإِنْس بَعضهم فِي بعض قَالَ إِبْلِيس: أَنا أعلم لكم علم هَذَا الْأَمر فيظعن إِلَى الْمشرق فيجد الْمَلَائِكَة قد نطقوا الأَرْض ثمَّ يظعن إِلَى الْمغرب فيجد الْمَلَائِكَة قد نطقوا الأَرْض ثمَّ يظعن يَمِينا وَشمَالًا حَتَّى يَنْتَهِي إِلَى أقْصَى الأَرْض فيجد الْمَلَائِكَة قد نطقوا الأَرْض فَيَقُول: مَا من محيص فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ عرض لَهُ طَرِيق كَأَنَّهُ شواظ فَأخذ عَلَيْهِ هُوَ وَذريته
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ هجم على النَّار فَخرج إِلَيْهِ خَازِن من خزان النَّار فَقَالَ: يَا إِبْلِيس ألم تكن لَك الْمنزلَة عِنْد رَبك ألم تكن فِي الْجنان فَيَقُول: لَيْسَ هَذَا يَوْم عتاب لَو أَن الله افْترض عليّ عبَادَة لعبدتُه عبَادَة لم يعبده أحد من خلقه
فَيَقُول: إِن الله قد فرض عَلَيْك فَرِيضَة
فَيَقُول: مَا هِيَ(5/463)
فَيَقُول: يَأْمُرك أَن تدخل النَّار
فيتلكأ عَلَيْهِ فَيَقُول بِهِ وبذريته بجناحه فيقذفهم فِي النَّار فتزفر جَهَنَّم زفرَة لَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل إِلَّا جثا لِرُكْبَتَيْهِ
الْآيَة 101(5/464)
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذين كَانَت أَعينهم فِي غطاء عَن ذكري وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا} قَالَ: كَانُوا عميا عَن الْحق فَلَا يبصرونه صمًّا عَنهُ فَلَا يسمعونه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا} قَالَ: لَا يعْقلُونَ سمعا
وَالله أعلم
الْآيَة 102(5/464)
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أفحسب الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي من دوني أَوْلِيَاء} قَالَ: ظن كفرة بني آدم أَن يتخذوا الْمَلَائِكَة من دونه أَوْلِيَاء
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عليّ بن أبي طَالب أَنه قَرَأَ {أفحسب الَّذين كفرُوا أَن يتخذوا عبَادي من دوني أَوْلِيَاء} قَالَ أَبُو عبيد: بجزم السِّين وَضم الْبَاء
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة أَنه قَرَأَ {أفحسب الَّذين كفرُوا} يَقُول: أفحسبهم ذَلِك
الْآيَة 103 - 108(5/464)
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُصعب بن سعد قَالَ: سَأَلت أبي {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً} أهم الحرورية قَالَ: لَا هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى
أما الْيَهُود فكذبوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأما النَّصَارَى فكذبوا بِالْجنَّةِ وَقَالُوا: لَا طَعَام فِيهَا وَلَا شراب
والحرورية الَّذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه
وَكَانَ سعد يسميهم الْفَاسِقين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُصعب قَالَ: قلت لأبي {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً} الحرورية هم قَالَ: لَا وَلَكِن أَصْحَاب الصوامع والحرورية قوم زاغوا فأزاغ الله قُلُوبهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي خميصة عبد الله بن قيس قَالَ: سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب يَقُول فِي هَذِه الْآيَة {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً} إِنَّهُم الرهبان الَّذين حبسوا أنفسهم فِي السَّوَارِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب وَسَأَلَهُ ابْن الْكواء فَقَالَ: مَنْ {هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً} قَالَ: فجرة قُرَيْش
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق [] عَن عَليّ أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {قل هَل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً} قَالَ: لَا أَظن إِلَّا أَن الْخَوَارِج مِنْهُم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّه ليَأْتِي الرجل الْعَظِيم السمين يَوْم الْقِيَامَة لَا يزن عِنْد الله جنَاح بعوضة
وَقَالَ: اقرأوا إِن شِئْتُم {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا}(5/465)
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليؤتين يَوْم الْقِيَامَة بالعظيم الطَّوِيل الأكول الشروب فَلَا يزن عِنْد الله تبَارك تَعَالَى جنَاح بعوضة اقرؤوا إِن شِئْتُم {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس عَن كَعْب قَالَ: يمثل الْقُرْآن لمن كَانَ يعْمل بِهِ فِي الدُّنْيَا يَوْم الْقِيَامَة كأحسن صُورَة رَآهَا وَجها أحْسنه وأطيبه ريحًا فَيقوم بِجنب صَاحبه فَكلما جَاءَهُ روع هدأ روعه وسكنه وَبسط لَهُ أمله فَيَقُول لَهُ: جَزَاك الله خيرا من صَاحب فَمَا أحسن صُورَتك
وَأطيب رِيحك فَيَقُول لَهُ: أما تعرفنِي تعال فاركبني فطالما ركبتك فِي الدُّنْيَا أَنا عَمَلك
إِن عَمَلك كَانَ حسنا فترى صُورَتي حَسَنَة وَكَانَ طيبا فترى ريحي طيبَة
فيحمله فيوافي بِهِ الرب تبَارك وَتَعَالَى فَيَقُول: يَا رب هَذَا فلَان - وَهُوَ أعرف بِهِ مِنْهُ - قد شغلته فِي أَيَّام حَيَاته فِي الدُّنْيَا طالما اظمأت نَهَاره وأسهرت ليله فشفعني فِيهِ
فَيُوضَع تَاج الْملك على رَأسه ويكسى حلَّة الْملك فَيَقُول: يَا رب قد كنت أَرغب لَهُ عَن هَذَا وَأَرْجُو لَهُ مِنْك أفضل من هَذَا
فَيعْطى الْخلد بِيَمِينِهِ وَالنعْمَة بِشمَالِهِ فَيَقُول: يَا رب إِن كل تَاجر قد دخل على أَهله من تِجَارَته
فَيشفع فِي أَقَاربه
وَإِذا كَانَ كَافِرًا مثل لَهُ عمله فِي أقبح صُورَة رَآهَا وأنتنه فَكلما جَاءَهُ روع زَاده روعاً فَيَقُول: قبحك الله من صَاحب فَمَا أقبح صُورَتك وَمَا أنتن رِيحك
فَيَقُول: من أَنْت قَالَ: أما تعرفنِي أَنا عَمَلك إِن عَمَلك كَانَ قبيحاً فترى صُورَتي قبيحة وَكَانَ منتناً فترى ريحي مُنْتِنَة
فَيَقُول: تعال حَتَّى اركبك فطالما ركبتني فِي الدُّنْيَا
فيركبه فيوافي بِهِ الله فَلَا يُقيم لَهُ وزنا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عُمَيْر قَالَ: يُؤْتى بِالرجلِ الْعَظِيم الطَّوِيل يَوْم الْقِيَامَة فَيُوضَع فِي الْمِيزَان فَلَا يزن عِنْد الله جنَاح بعوضة ثمَّ تَلا {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا}
وَأخرج هناد عَن كَعْب بن عجْرَة فِي قَوْله: {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا}
قَالَ: يجاء بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فيوزن فَلَا يزن حَبَّة حِنْطَة ثمَّ يُوزن فَلَا يزن شعيرَة ثمَّ يُوزن فَلَا يزن جنَاح بعوضة
ثمَّ قَرَأَ {فَلَا نُقِيم لَهُم يَوْم الْقِيَامَة وزنا} يَقُول: لَيْسَ لَهُم وزن(5/466)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سلوا الله الفردوس فَإِنَّهَا سرة الْجنَّة وَإِن أهل الفردوس يسمعُونَ أطيط الْعَرْش
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس فَإِنَّهُ وسط الْجنَّة وَأَعْلَى الْجنَّة وفوقه عرش الرَّحْمَن وَمِنْه تفجر أَنهَار الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة بَين كل دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض والفردوس أَعْلَاهَا دَرَجَة وَمن فَوْقهَا يكون الْعَرْش وَمِنْهَا تفجر أَنهَار الْجنَّة الْأَرْبَعَة فَإِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن معَاذ بن جبل: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الْجنَّة مائَة دَرَجَة كل مِنْهَا مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وأعلاها الفردوس وَعَلَيْهَا يكون الْعَرْش وَهِي أَوسط شَيْء فِي الْجنَّة وَمِنْهَا تفجر أَنهَار الْجنَّة فَإِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جنَّة الفردوس هِيَ ربوة الْجنَّة الْعليا الَّتِي هِيَ أوسطها وأحسنها
وَأخرج الْبَزَّار عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة: إِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس فَإِنَّهُ أَعلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الفردوس أَعلَى دَرَجَة فِي الْجنَّة وفيهَا يكون عرش الرَّحْمَن وَمِنْهَا تفجر أَنهَار الْجنَّة الْأَرْبَعَة
وجنة عدن قَصَبَة الْجنَّة وفيهَا مَقْصُورَة الرَّحْمَن وَمِنْهَا يسمع أطيط الْعَرْش فَإِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الفردوس مَقْصُورَة الرَّحْمَن فِيهَا خِيَار الْأَنْهَار والأثمار(5/467)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الفردوس بُسْتَان بالرومية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: الفردوس هُوَ الْكَرم بالنبطية وَأَصله فرداساً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن الْحَارِث أَن ابْن عَبَّاس سَأَلَ كَعْبًا عَن الفردوس قَالَ: هِيَ جنَّات الأعناب بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير: الفردوس يَعْنِي الْجنَّة
قَالَ: وَالْجنَّة بِلِسَان الرومية الفردوس
وَأخرج النجاد فِي جُزْء التزاحم عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْجنَّة مائَة دَرَجَة مَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
والفردوس أَعلَى الْجنَّة فَإِذا سَأَلْتُم الله عز وَجل فسلوه الفردوس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حولا} قَالَ: متحولا
الْآيَة 109(5/468)
قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قل لَو كَانَ الْبَحْر مداداًَ لكلمات رَبِّي} يَقُول: علم رَبِّي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قل لَو كَانَ الْبَحْر مداداًَ لكلمات رَبِّي لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي} يَقُول: ينْفد مَاء الْبَحْر قبل أَن ينْفد كَلَام الله وحكمته
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي البخْترِي قَالَ: صحب سلمَان رجل ليتعلم مِنْهُ فَانْتهى إِلَى دجلة وَهِي تطفح فَقَالَ لَهُ سلمَان: أنزل فَاشْرَبْ
فَشرب قَالَ لَهُ: ازدد فازداد
قَالَ: كم نقصت مِنْهَا قَالَ: مَا عَسى أَن أنقص من هَذِه قَالَ سلمَان: فَكَذَلِك الْعلم تَأْخُذ مِنْهُ وَلَا تنقصه(5/468)
الْآيَة 110(5/469)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي الْمُشْركين الَّذين عبدُوا مَعَ الله إِلَهًا غَيره وَلَيْسَت هَذِه فِي الْمُؤمنِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْإِخْلَاص وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن طَاوس قَالَ: قَالَ رجل: يَا نَبِي الله إِنِّي أَقف مَوَاقِف أَبْتَغِي وَجه الله وَأحب أَن يرى موطني
فَلم يردّ عَلَيْهِ شَيْئا حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ مَوْصُولا عَن طَاوس عَن ابْن عَبَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ من الْمُسلمين من يُقَاتل وَهُوَ يحب أَن يرى مَكَانَهُ فَأنْزل الله {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} الْآيَة
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الصَّحَابَة وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ جُنْدُب بن زُهَيْر إِذا صلى أَو صَامَ أَو تصدق فَذكر بِخَير ارْتَاحَ فَزَاد فِي ذَلِك لمقالة النَّاس فلامه الله فَنزل فِي ذَلِك {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا}
وَأخرج هناد فِي الزّهْد عَن مُجَاهِد قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَتصدق بِالصَّدَقَةِ وألتمس بهَا مَا عِنْد الله وَأحب أَن يُقَال لي خيرا: فَنزلت {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} الْآيَة
وَأخرج هناد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد فِي قَوْله: {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} قَالَ: ثَوَاب ربه
{فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك} قَالَ: لَا يرائي {بِعبَادة ربه أحدا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} قَالَ: من كَانَ يخْشَى الْبَعْث فِي الْآخِرَة {فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا} من خلقه(5/469)
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ربكُم يَقُول: أَنا خير شريك فَمن أشرك معي فِي عمله أحدا من خلقي تركت الْعَمَل كُله لَهُ وَلم أقبل إِلَّا مَا كَانَ لي خَالِصا
ثمَّ قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كثير بن زِيَاد قَالَ: قلت لِلْحسنِ قَول الله: {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا} قَالَ: فِي الْمُؤمن نزلت
قلت: أشرك بِاللَّه قَالَ: لَا وَلَكِن أشرك بذلك الْعَمَل عملا يُرِيد الله بِهِ وَالنَّاس فَذَلِك يرد عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الْوَاحِد بن زيد قَالَ: قلت لِلْحسنِ: أَخْبرنِي عَن الرِّيَاء أشرك هُوَ قَالَ: نعم يَا بني وَمَا تقْرَأ {فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا} وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا جمع الله الْأَوَّلين والآخريين ببقيع وَاحِد ينفدهم الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الدَّاعِي قَالَ: أَنا خير شريك كل عَمل عُمل لي فِي دَار الدُّنْيَا كَانَ لي فِيهِ شريك فَأَنا أَدَعهُ الْيَوْم وَلَا أقبل الْيَوْم إِلَّا خَالِصا
ثمَّ قَرَأَ (إِلَّا عباد الله المخلصين) (الصافات آيَة 40) {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا}
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعد بن أبي فضَالة الْأنْصَارِيّ - وَكَانَ من الصَّحَابَة -: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا جمع الله الْأَوَّلين والآخرين ليَوْم لَا ريب فِيهِ نَادَى منادٍ: من كَانَ أشرك فِي عمل عمله لله أحدا فليطلب ثَوَابه من عِنْد غير الله فَإِن الله أغْنى الشُّرَكَاء عَن الشّرك
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله الرجل يُجَاهد فِي سَبِيل الله وَهُوَ يَبْتَغِي عرضا من الدُّنْيَا قَالَ: لَا أجر لَهُ
فأعظم النَّاس هَذِه فَعَاد الرجل فَقَالَ: لَا أجر لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْإِخْلَاص وَابْن مرْدَوَيْه والحالكم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: كُنَّا نعد الرِّيَاء على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشّرك الْأَصْغَر(5/470)
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من صلى يرائي فقد أشرك وَمن صَامَ يرائي فقد أشرك وَمن تصدق يرائي فقد أشرك
ثمَّ قَرَأَ {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} الْآيَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن شَدَّاد بن أَوْس رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَنا خير قسيم لمن أشرك بِي من أشرك بِي شَيْئا فَإِن عمله قَلِيله وَكَثِيره لشَرِيكه الَّذِي أشرك بِهِ أَنا عَنهُ غَنِي
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مَنْدَه وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم أَنه قيل لَهُ: أسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من صَامَ رِيَاء فقد أشرك وَمن صلى رِيَاء فقد أشرك وَمن تصدق رِيَاء فقد أشرك فَقَالَ: بلَى وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا هَذِه الْآيَة {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} فشق ذَلِك على الْقَوْم وَاشْتَدَّ عَلَيْهِم فَقَالَ: أَلا أفرجها عَنْكُم قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله فَقَالَ: هِيَ مثل الْآيَة فِي الرّوم (وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يَرْبُو عِنْد الله) (الرّوم آيَة 39) فَمن عمل رِيَاء لم يُكْتَبْ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الشّرك الْخَفي أَن يقوم الرجل يُصَلِّي لمَكَان رجل
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَخَاف على أمتِي الشّرك والشهوة الْخفية
قلت: أتشرك أمتك من بعْدك قَالَ: نعم أما إِنَّهُم لَا يعْبدُونَ شمساً وَلَا قمرا وَلَا حجر وَلَا وثناً وَلَكِن يراؤون النَّاس بأعمالهم
قلت: يَا رَسُول الله فالشهوة الْخفية قَالَ: يصبح أحدهم صَائِما فتعرض لَهُ شَهْوَة من شهواته فَيتْرك صَوْمه ويواقع شَهْوَته
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مدرويه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرويهِ عَن ربه قَالَ: أَنا خير الشُّرَكَاء فَمن عمل عملا أشرك فِيهِ غَيْرِي فَأَنا بَرِيء مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي أشرك(5/471)
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مَحْمُود بن لبيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ان أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم الشّرك الْأَصْغَر
قَالُوا: وَمَا الشّرك الْأَصْغَر يَا رَسُول الله قَالَ: الرِّيَاء يَقُول الله يَوْم الْقِيَامَة: إِذا جزي النَّاس بأعمالهم: اذْهَبُوا إِلَى الَّذين كُنْتُم تراؤون فِي الدُّنْيَا فانظروا هَل تَجِدُونَ عِنْدهم جَزَاء
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعرض أَعمال بني آدم بَين يَدي الله عز وَجل يَوْم الْقِيَامَة فِي صحف مختتمة فَيَقُول الله: ألقوا هَذَا واقبلوا هَذَا
فَتَقول الْمَلَائِكَة: يَا رب وَالله مَا رَأينَا مِنْهُ إِلَّا خيرا
فَيَقُول: إِن عمله كَانَ لغير وَجْهي وَلَا أقبل الْيَوْم من الْعَمَل إِلَّا مَا أُرِيد بِهِ وَجْهي
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن الضَّحَّاك بن قيس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله: أَنا خير شريك فَمن أشرك معي أحدا فَهُوَ لشريكي
يَا أَيهَا النَّاس أَخْلصُوا الْأَعْمَال لله فَإِن الله لَا يقبل من الْأَعْمَال إِلَّا مَا خلص لَهُ وَلَا تَقولُوا هَذَا لله وللرحم فَإِنَّهُ للرحم وَلَيْسَ لله مِنْهُ شَيْء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن الْجِهَاد والغزو قَالَ: يَا عبد الله: إِن قَاتَلت صَابِرًا محتسباً بَعثك الله صَابِرًا محتسباً وَإِن قَاتَلت مرائياً مكاثراً على أَي حَال قَاتَلت أَو قتلت بَعثك الله على تِلْكَ الْحَال
وَأخرج أَحْمد والدارمي وَالنَّسَائِيّ وَالرُّويَانِيّ وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن يحيى بن الْوَلِيد بن عبَادَة عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من غزا وَهُوَ لَا يَنْوِي فِي غزاته إِلَّا عقَالًا فَلهُ مَا نوى
وَأخرج الْحَاكِم عَن يعلى بن مُنَبّه قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَبْعَثنِي فِي سراياه فَبَعَثَنِي ذَات يَوْم وَكَانَ رجل يركب فَقلت لَهُ: إرحل
قَالَ: مَا أَنا بِخَارِج مَعَك
قلت: لم قَالَ: حَتَّى تجْعَل لي ثَلَاثَة دَنَانِير
قلت: الْآن حِين ودعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَنا براجع إِلَيْهِ إرحل وَلَك ثَلَاثَة دَنَانِير
فَلَمَّا رجعت من غزاتي ذكرت ذَلِك للنَّبِي فَقَالَ: أعْطهَا إِيَّاه فَإِنَّهَا حَظه من غزاته
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن أبي أُمَامَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَرَأَيْت رجلا غزا يلْتَمس الْأجر وَالذكر مَا لَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا شَيْء لَهُ
فَأَعَادَهَا ثَلَاث مَرَّات يَقُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(5/472)
لَا شَيْء لَهُ
ثمَّ قَالَ: إِن الله لَا يقبل من الْعَمَل إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصا وابتغي بِهِ وَجهه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الدُّنْيَا ملعونة مَلْعُون مَا فِيهَا إِلَّا مَا ابْتغى بِهِ وَجه الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يسمع يسمع الله بِهِ وَمن يرائي يرائي الله بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عبد الله بن عمر: وَسمعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من قَامَ بِخطْبَة لَا يلْتَمس بهَا إِلَّا رِيَاء وَسُمْعَة أوقفهُ الله عز وَجل يَوْم الْقِيَامَة فِي موقف رِيَاء وَسُمْعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من يرائي يرائي الله بِهِ وَمن يسمع يسمع الله بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيَّاكُمْ وشرك السرائر
قَالُوا: وَمَا شرك السرائر قَالَ: أَن يقوم أحدكُم يُرِيد صلَاته جاهداً لينْظر النَّاس إِلَيْهِ فَذَلِك شرك السرائر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من صلى صَلَاة وَالنَّاس يرونه فَليصل إِذا خلا مثلهَا وَإِلَّا فَإِنَّمَا هِيَ استهانة يستهين بهَا ربه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جِيءَ بالدنيا فيميز مِنْهَا مَا كَانَ لله وَمَا كَانَ لغير الله رمي بِهِ فِي نَار جَهَنَّم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَقَالَ: أَيهَا النَّاس اتَّقوا الشّرك فَإِنَّهُ أخْفى من دَبِيب النَّمْل
فَقَالُوا: وَكَيف نتقيه وَهُوَ أخْفى من دَبِيب النَّمْل يَا رَسُول الله قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذ بك أَن نشْرك بك شَيْئا نعلمهُ ونستغفر لما لَا نعلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: يجاء بالدنيا يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال: ميزوا مَا كَانَ لله فيميز ثمَّ يَقُول: ألقوا سائرها فِي النَّار(5/473)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معَاذ بن جبل: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن يَسِيرا من الرِّيَاء شرك وَإِن من عادى أَوْلِيَاء الله فقد بارز الله بالمحاربة وَإِن الله يحب الْأَبْرَار الأخفياء الأتقياء الَّذين إِن غَابُوا لم يفتقدوا وَإِن حَضَرُوا لم يدعوا وَلم يعرفوا قُلُوبهم مصابيح الدجى يخرجُون من كل غبراء مظْلمَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الإتقاء على الْعَمَل أَشد من الْعَمَل إِن الرجل ليعْمَل فَيكْتب لَهُ عمل صَالح مَعْمُول بِهِ فِي السِّرّ يضعف أجره سبعين ضعفا فَلَا يزَال بِهِ الشَّيْطَان حَتَّى يذكرهُ للنَّاس فَيكْتب عَلَانيَة ويمحى تَضْعِيف أجره كُله ثمَّ لَا يزَال بِهِ الشَّيْطَان حَتَّى يذكرهُ للنَّاس ثَانِيَة وَيُحب أَن يذكر ويحمد عَلَيْهِ فيمحى من الْعَلَانِيَة وَيكْتب رِيَاء فاتقى الله امْرُؤ صان دينه فَإِن الرِّيَاء شرك
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أحسن أوليائي عِنْدِي منزلَة رجل ذُو حَظّ من صَلَاة
أحسن عبَادَة ربه فِي السِّرّ وَكَانَ غامضاً فِي النَّاس لَا يشار إِلَيْهِ بالأصابع عجلت منيته وَقل تراثه وَقلت بوَاكِيهِ
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هِنْد الدَّارِيّ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من قَامَ مقَام رِيَاء أَو سمعة رايا الله بِهِ يَوْم الْقِيَامَة وَسمع بِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن النَّضر قَالَ: بَلغنِي أَن فِي جَهَنَّم وَاديا تعوّذ مِنْهُ جَهَنَّم كل يَوْم أَرْبَعمِائَة مرةٍ أعد ذَلِك للمرائين من الْقُرَّاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: تعوّذ بِاللَّه من جب الْحزن قيل من يسكنهُ قَالَ: المراؤون بأعمالهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله عز وَجل: كل من عمل عملا أَرَادَ بِهِ غَيْرِي فَأَنا مِنْهُ بَرِيء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتَّقوا الشّرك الْأَصْغَر قَالُوا: وَمَا الشّرك الْأَصْغَر قَالَ: الرِّيَاء يَوْم يجازي الله الْعباد بأعمالهم يَقُول: اذْهَبُوا إِلَى الَّذين كُنْتُم تراؤون فِي الدُّنْيَا انْظُرُوا
هَل تصيبون عِنْدهم جَزَاء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ: كل مَا لَا يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله يضمحل(5/474)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: قَالَ لي أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا الْعَالِيَة لَا تعْمل لغير الله فيكلك الله عز وَجل إِلَى عملت لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ربيع بن خُثيم قَالَ: مَا لم يرد بِهِ وَجه الله عز وَجل يضمحل
وَأخرج ابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن عَن إِسْمَاعِيل بن أبي رَافع قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا أخْبركُم بِسُورَة مَلأ عظمتها مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض شيعها سَبْعُونَ ألف ملك سُورَة الْكَهْف من قَرَأَهَا يَوْم الْجُمُعَة غفر الله لَهُ بهَا إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام من بعْدهَا وَأعْطى نورا يبلغ السَّمَاء وَوُقِيَ من فتْنَة الدَّجَّال
وَمن قَرَأَ الْخمس آيَات من خاتمتها حِين يَأْخُذ مضجعه من فرَاشه حفظ وَبعث من أَي اللَّيْل شَاءَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} الْآيَة
قَالَ: إِنَّهَا آخر آيَة نزلت من الْقُرْآن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي حَكِيم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو لم ينزل على أمتِي إِلَّا خَاتِمَة سُورَة الْكَهْف لكفتهم
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ والشيرازي فِي الألقاب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ فِي لَيْلَة {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه} الْآيَة كَانَ لَهُ نور من عدن أبين إِلَى مَكَّة حشوه الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: من حفظ خَاتِمَة الْكَهْف كَانَ لَهُ نور يَوْم الْقِيَامَة من لدن قرنه إِلَى قدمه
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ(5/475)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
19 -
سُورَة مَرْيَم
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَتسْعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة مَرْيَم أخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة مَرْيَم بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت سُورَة مَرْيَم بِمَكَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم والديلمي من طَرِيق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم الغساني عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: ولدت لي اللَّيْلَة جَارِيَة
فَقَالَ: وَاللَّيْلَة أنزلت عَليّ سُورَة مَرْيَم سمها مَرْيَم
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أم سَلمَة: أَن النَّجَاشِيّ قَالَ لجَعْفَر بن أبي طَالب: هَل مَعَك مِمَّا جَاءَ بِهِ - يَعْنِي رَسُول الله - من الله من شَيْء قَالَ: نعم
فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدرا من {كهيعص} فَبكى النَّجَاشِيّ حَتَّى أخضل لحيته وبكت أساقفته حَتَّى أخضلوا مصاحفهم حِين سمعُوا مَا تلِي عَلَيْهِم ثمَّ قَالَ النَّجَاشِيّ: إِن هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى ليخرج من مشكاة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُورق الْعجلِيّ قَالَ: صليت خلف ابْن عمر الظّهْر فَقَرَأَ بِسُورَة مَرْيَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: سَمِعت عبد الله بن عمر يقْرَأ فِي الظّهْر بكهيعص
وَأخرج ابْن سعد عَن هَاشم بن عَاصِم الْأَسْلَمِيّ عَن أَبِيه قَالَ: لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مكه إِلَى الْمَدِينَة فَانْتهى إِلَى الغميم أَتَاهُ بُرَيْدَة بن الخصيب فَأسلم(5/476)
قَالَ هَاشم: فَحَدثني الْمُنْذر بن جَهْضَم قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد علم بُرَيْدَة ليلتئذ صَدرا من سُورَة مَرْيَم
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قدمت الْمَدِينَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخَيْبَر فَوجدت رجلا من غفار يؤم النَّاس فِي صَلَاة الْفجْر فَسَمعته يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى سُورَة مَرْيَم وَفِي الثَّانِيَة ويل لِلْمُطَفِّفِينَ
الْآيَة 1 - 11(5/477)
كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: كَبِير هاد أَمِين عَزِيز صَادِق
وَفِي لفظ: كَاف بدل كَبِير(5/477)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وآدَم بن أبي إِيَاس وَعُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي التَّوْحِيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس {كهيعص} قَالَ: كَاف من كريم وهاء من هاد وياء من حَكِيم وَعين من عليم وصاد من صَادِق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة {كهيعص} هُوَ الهجاء المقطع الْكَاف من الْملك وَالْهَاء من الله وَالْيَاء وَالْعين من الْعَزِيز وَالصَّاد من المصوّر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْكَلْبِيّ أَنه سُئِلَ عَن {كهيعص} فَحدث عَن أبي صَالح عَن أم هَانِئ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَاف هاد عَالم صَادِق
وَأخرج عُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن فَاطِمَة بنت عَليّ قَالَت: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي {كهيعص} و (حم) و (يس) وَأَشْبَاه هَذَا هُوَ اسْم الله الْأَعْظَم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كهيعص} قسم أقسم الله بِهِ وَهُوَ من أَسمَاء الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: يَقُول: أَنا الْكَبِير الْهَادِي عليّ أَمِين صَادِق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: الْكَاف من الْملك وَالْهَاء من الله وَالْعين من الْعَزِيز وَالصَّاد من الصَّمد
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: الْكَاف مِفْتَاح اسْمه كَافِي وَالْهَاء مِفْتَاح اسْمه هادي وَالْعين مِفْتَاح اسْمه عَالم وَالصَّاد مِفْتَاح اسْمه صَادِق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: يَا من يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {كهيعص} قَالَ: اسْم من أَسمَاء الْقُرْآن
وَالله أعلم(5/478)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن يعمر أَنه كَانَ يقْرَأ {ذكر رَحْمَة رَبك عَبده زَكَرِيَّا} بِنَقْل يَقُول: لما دخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَاب وجد عِنْدهَا فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء
فَقَالَ: {ذكر رَحْمَة رَبك}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ زَكَرِيَّا نجاراً
وَأخرج إِسْحَق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن زَكَرِيَّا بن دَان أَبَا يحيى كَانَ من أَبنَاء الْأَنْبِيَاء الَّذين كَانُوا يَكْتُبُونَ الْوَحْي بِبَيْت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} قَالَ: لَا يُرِيد رِيَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} أَي بِقَلْبِه سرا
قَالَ قَتَادَة: إِن الله يحب الصَّوْت الْخَفي وَالْقلب النقي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ آخر أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل زَكَرِيَّا بن إِدْرِيس من ذُرِّيَّة يَعْقُوب دَعَا ربه سرا قَالَ: {رب إِنِّي وَهن الْعظم مني} إِلَى قَوْله: {خفت الموَالِي من ورائي} وهم الْعصبَة {يَرِثنِي وَيَرِث} نبوة (آل يَعْقُوب {فنادته الْمَلَائِكَة} وَهُوَ جِبْرِيل {إِنَّا نبشرك بِغُلَام اسْمه يحيى} فَلَمَّا سمع النداء جَاءَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا إِن الصَّوْت الَّذِي سَمِعت لَيْسَ من الله إِنَّمَا هُوَ من الشَّيْطَان يسخر بك فَشك وَقَالَ: {أَنى يكون لي غُلَام} يَقُول: من أَيْن يكون {وَقد بَلغنِي الْكبر وامرأتي عَاقِر} قَالَ الله: {وَقد خلقتك من قبل وَلم تَكُ شَيْئا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَهن الْعظم مني} يَقُول: ضعف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَهن الْعظم مني} قَالَ: نحول الْعظم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلم أكن بدعائك رب شقياً} قَالَ: قد كنت تُعَودني الْإِجَابَة فِيمَا مضى(5/479)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عُيَيْنَة فِي قَوْله: {وَلم أكن بدعائك رب شقياً} يَقُول: سعدت بدعائك وَإِن لم تعطني
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْعَاصِ قَالَ: أمْلى عليّ عُثْمَان بن عَفَّان من فِيهِ {وَإِنِّي خفت الموَالِي} بنقلها يَعْنِي بِنصب الْخَاء وَالْفَاء وَكسر التَّاء يَقُول قلت: {الموَالِي}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} قَالَ: الْوَرَثَة وهم عصبَة الرجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} قَالَ: الْعصبَة من آل يَعْقُوب وَكَانَ من وَرَائه غُلَام وَكَانَ زَكَرِيَّا من ذُرِّيَّة يَعْقُوب وَفِي لفظ: أَيُّوب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ زَكَرِيَّا لَا يُولد لَهُ فَسَأَلَ ربه فَقَالَ: {فَهَب لي من لَدُنْك وليا يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} قَالَ: يَرِثنِي مَالِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب النُّبُوَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} قَالَ: نبوته وَعلمه
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يرحم الله أخي زَكَرِيَّا مَا كَانَ عَلَيْهِ من وَرَثَة وَيرْحَم الله لوطاً إِن كَانَ ليأوي إِلَى ركن شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب} فَيَقُول: يَرث نبوتي ونبوة آل يَعْقُوب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن صَالح فِي قَوْله: {وَيَرِث من آل يَعْقُوب} قَالَ: السّنة وَالْعلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن يحيى بن يعمر أَنه قَرَأَهَا: {وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} مُشَدّدَة بِنصب الْخَاء وَكسر التَّاء وَقرأَهَا: {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب}(5/480)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {يَرِثنِي وَيَرِث من آل يَعْقُوب}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {يَرِثنِي} مثقل مَرْفُوع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب هَب لي ابْنا فولد لَهُ ابْن خرج عَلَيْهِ فَبعث إِلَيْهِ دَاوُد جَيْشًا فَقَالَ: إِن أخذتموه سليما فَابْعَثُوا إِلَيّ رجلا أعرف السرُور فِي وَجهه وَإِن قَتَلْتُمُوهُ فَابْعَثُوا إِلَيّ رجلا أعرف الشرّ فِي وَجهه فَقَتَلُوهُ فبعثوا إِلَيْهِ رجلا أسود فَلَمَّا رَآهُ علم أَنه قتل فَقَالَ: رب سَأَلت أَن تهب لي ابْنا فَخرج عَليّ فَقَالَ: إِنَّك لم تستثن
قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: لم يقل كَمَا قَالَ زَكَرِيَّا: {واجعله رب رَضِيا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: لما دَعَا زَكَرِيَّا ربه أَن يهب لَهُ غُلَاما هَبَط جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام - فبشره بِيَحْيَى
فَقَالَ زَكَرِيَّا عِنْدهَا: {أَنى يكون لي غُلَام} وَأخْبر بكبر سنه وَعلة زَوجته فَأخذ جِبْرِيل عوداً يَابسا فَجعله بَين كفي زَكَرِيَّا فَقَالَ: ادرجه بَين كفيك فَفعل فَإِذا فِي رَأسه عود بَين ورقتين يقطر مِنْهُمَا المَاء
فَقَالَ جِبْرِيل: إِن الَّذِي أخرج هَذَا الْوَرق من هَذَا العمود قَادر أَن يخرج من صلبك وَمن امْرَأَتك العاقر غُلَاما
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: لم يسم أحد يحيى قبله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: لم يسم أحد يحيى قبله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: لم تَلد العواقر مثله ولدا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: مثلا(5/481)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} قَالَ: شَبِيها
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء مثله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن يحيى بن خَلاد الزرقي أَنه لما ولد أَتَى بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحنكه وَقَالَ: لأسمينه اسْما لم يسم بعد يحيى بن زَكَرِيَّا فَسَماهُ يحيى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا أَدْرِي كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ هَذَا الْحَرْف {عتياً} أَو عييا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء وَالْحَاكِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَ ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن قَول الله: {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} مَا العتي قَالَ: الْبُؤْس من الْكبر قَالَ الشَّاعِر: إِنَّمَا يعْذر الْوَلِيد وَلَا يعْذر من كَانَ فِي الزَّمَان عتيا وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} قَالَ: نحول الْعظم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} يَقُول: هرماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} قَالَ: العتي الَّذِي عتا من الْوَلَد فِيمَا يرى فِي نَفسه لَا ولادَة فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن الثَّوْريّ قَالَ: بَلغنِي أَن زَكَرِيَّا كَانَ ابْن سبعين سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الْمُبَارك {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} قَالَ: سِتِّينَ سنة
وَأخرج الرامَهُرْمُزِي فِي الْإِسْنَاد عَن وهب بن مُنَبّه {وَقد بلغت من الْكبر عتيا} قَالَ: هَذِه الْمقَالة وَهُوَ ابْن سِتِّينَ أَو خمس وَسِتِّينَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ عتيا بِرَفْع الْعين
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن وثاب أَنه قَرَأَهَا {عتيا} وصليا بِكَسْر الْعين وَالصَّاد(5/482)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عقيل أَنه قَرَأَ وَقد بلغت من الْكبر عسيا بِالسِّين وَرفع الْعين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن نوف فِي قَوْله: {قَالَ رب اجْعَل لي آيَة} قَالَ: أَعْطِنِي آيَة أَنَّك قد استجبت لي
فَقَالَ: {آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سوياً} قَالَ ختم على لِسَانه وَهُوَ صَحِيح سوي لَيْسَ بِهِ من مرض فَلم يتَكَلَّم ثَلَاثَة أَيَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال سوياً} قَالَ: اعتقل لِسَانه من غير مرض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ثَلَاث لَيَال سويا} قَالَ: من غير خرس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثَلَاث لَيَال سويا} قَالَ: صَحِيحا لَا يمنعك الْكَلَام مرض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: حبس لِسَانه فَكَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يكلم أحدا وَهُوَ فِي ذَلِك يسبح وَيقْرَأ التَّوْرَاة فَإِذا أَرَادَ كَلَام النَّاس لم يسْتَطع أَن يكلمهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {فَخرج على قومه من الْمِحْرَاب} قَالَ: الْمِحْرَاب مُصَلَّاهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَأوحى إِلَيْهِم} قَالَ: كتب لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الحكم {فَأوحى إِلَيْهِم} قَالَ: كتب لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَأوحى إِلَيْهِم} قَالَ فَأَشَارَ زَكَرِيَّا
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {فَأوحى إِلَيْهِم أَن سبحوا} قَالَ: أَشَارَ إِلَيْهِم إِشَارَة(5/483)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {فَأوحى إِلَيْهِم} قَالَ: أَوْمَأ إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَأوحى إِلَيْهِم أَن سبحوا} قَالَ: صلوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {بكرَة وعشيا} قَالَ: أَمرهم بِالصَّلَاةِ بكرَة وعشيا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَأوحى إِلَيْهِم أَن سبحوا بكرَة وعشيا} قَالَ: البكرة صَلَاة الْفجْر وعشيا صَلَاة الْعَصْر
الْآيَة 12 - 15(5/484)
يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَا يحيى خُذ الْكتاب بِقُوَّة} قَالَ: بجد {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} قَالَ: الْفَهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {خُذ الْكتاب بِقُوَّة} يَقُول: اعْمَلْ بِمَا فِيهِ من فَرَائِضه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: سَأَلنَا عِكْرِمَة عَن قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} قَالَ: اللب
وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} قَالَ: أعطي الْفَهم وَالْعِبَادَة وَهُوَ ابْن سبع سِنِين
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} قَالَ: وَهُوَ ابْن ثَلَاث سِنِين
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي وَابْن عَسَاكِر عَن معمر بن رَاشد فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا} قَالَ: بَلغنِي أَن الصّبيان قَالُوا(5/484)
ليحيى بن زَكَرِيَّا: اذْهَبْ بِنَا نلعب قَالَ: مَا للعب خلقت
فَهُوَ قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة قَالَ: جَاءَ الغلمان إِلَى يحيى بن زَكَرِيَّا فَقَالَ: مَا للعب خلقت
قَالَ: فَأنْزل الله {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا}
وَأخرجه ابْن عَسَاكِر عَن معَاذ بن جبل مَرْفُوعا
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخه من طَرِيق سهل بن سعيد عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ الغلمان ليحيى بن زَكَرِيَّا: اذْهَبْ بِنَا نلعب فَقَالَ يحيى: مَا للعب خلقنَا اذْهَبُوا نصلي
فَهُوَ قَول الله: {وَآتَيْنَاهُ الحكم صَبيا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ الْقُرْآن قبل أَن يَحْتَلِم فقد أُوتِيَ الحكم صَبيا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس مَوْقُوفا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والزجاجي فِي أَمَالِيهِ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَحَنَانًا} قَالَ: لَا أَدْرِي مَا هُوَ إِلَّا أَنِّي أَظُنهُ تعطف الله على خلقه بِالرَّحْمَةِ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {وَحَنَانًا} فَلم يجر فِيهَا شَيْئا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَحَنَانًا من لدنا} قَالَ: رَحْمَة من عندنَا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ أَخْبرنِي عَن قَوْله: {وَحَنَانًا من لدنا} قَالَ: رَحْمَة من عندنَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت طرفَة بن العَبْد الْبكْرِيّ وَهُوَ يَقُول: أَبَا مُنْذر أفنيت فَاسْتَبق بَعْضنَا حنانيك بعض لشر أَهْون من بعض وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَحَنَانًا من لدنا} قَالَ: تعطفاً من ربه عَلَيْهِ(5/485)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وَحَنَانًا من لدنا} قَالَ: الرَّحْمَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع {وَحَنَانًا من لدنا} قَالَ: {رَحْمَة من عندنَا} لَا يملك عطاءها أحد غَيرنَا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سعيد الْجُهَنِيّ فِي قَوْله: {وَحَنَانًا من لدنا} قَالَ: الحنان المحبب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَحَنَانًا من لدنا} قَالَ: رَحْمَة من عندنَا {وَزَكَاة} قَالَ صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَزَكَاة} قَالَ: بركَة
وَفِي قَوْله: {وَكَانَ تقياً} قَالَ: طهر فَلم يعْمل بذنب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {وَكَانَ تقياً} قَالَ: لم يَعْصِهِ وَلم يهم بهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلم يكن جباراً عصياً} قَالَ: كَانَ سعيد بن الْمسيب يَقُول: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أحد يلقى الله يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا ذَا ذَنْب إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا قَالَ قَتَادَة: وَقَالَ الْحسن: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أذْنب يحيى بن زَكَرِيَّا قطّ وَلَا هم بِامْرَأَة
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ذكر رَحْمَة رَبك عَبده زَكَرِيَّا} قَالَ: ذكره الله برحمته مِنْهُ حَيْثُ دَعَاهُ {إِذْ نَادَى ربه نِدَاء خفِيا} يَعْنِي دَعَا ربه دُعَاء خفِيا فِي اللَّيْل لَا يسمع أحدا أَو يسمع أُذُنَيْهِ
فَقَالَ: {رب إِنِّي وَهن الْعظم مني} يَعْنِي ضعف الْعظم مني {واشتعل الرَّأْس شيباً} يَعْنِي غلب الْبيَاض السوَاد {وَلم أكن بدعائك رب شقياً} أَي لم أدعك قطّ فخيبتني فِيمَا مضى فتخيبني فِيمَا بَقِي فَكَمَا لم أشق بدعائي فِيمَا مضى فَكَذَلِك لَا أَشْقَى فِيمَا بَقِي عوّدتني الْإِجَابَة من نَفسك
{وَإِنِّي خفت الموَالِي من ورائي} فَلم يبْق لي وَارِث وَخفت الْعصبَة أَن ترثني {فَهَب لي من لَدُنْك وليا} يَعْنِي من عنْدك وليا {يَرِثنِي} يَعْنِي يَرث محرابي وعصاي وبرنس العربان وقلمي الَّذِي أكتب بِهِ الْوَحْي {وَيَرِث من آل يَعْقُوب} النبوّة {واجعله رب رَضِيا} يَعْنِي مرضياً عنْدك زاكياً بِالْعَمَلِ فَاسْتَجَاب الله لَهُ فَكَانَ قد دخل فِي(5/486)
السن هُوَ وَامْرَأَته
فَبينا هُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي الْمِحْرَاب حَيْثُ يذبح القربان إِذا هُوَ بِرَجُل عَلَيْهِ الْبيَاض حياله وَهُوَ جِبْرِيل فَقَالَ: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نبشرك بِغُلَام اسْمه يحيى} هُوَ اسْم من أَسمَاء الله اشتق من حَيّ سَمَّاهُ الله فَوق عَرْشه {لم نجْعَل لَهُ من قبل سميا} لم يَجْعَل لزكريا من قبل يحيى ولد لَهُ {هَل تعلم لَهُ سميا} يَعْنِي هَل تعلم لَهُ ولدا وَلم يكن لزكريا قبله ولد وَلم يكن قبل يحيى أحد يُسمى يحيى قَالَ: وَكَانَ اسْمه حَيا فَلَمَّا وهب الله لسارة إِسْحَق فَكَانَ اسْمهَا يسارة ويسارة من النِّسَاء الَّتِي لَا تَلد وَسَارة من النِّسَاء: الطالقة الرَّحِم الَّتِي تَلد فسماها الله سارة وحول الْيَاء من سارة إِلَى حَيّ فَسَماهُ يحيى فَقَالَ: {رب أَنى يكون لي غُلَام وَكَانَت امْرَأَتي عاقراً} خَافَ أَنَّهَا لَا تَلد
قَالَ: {كَذَلِك قَالَ رَبك} يَا زَكَرِيَّا {هُوَ عليّ هَين وَقد خلقتك من قبل} أَن أهب لَك يحيى {وَلم تَكُ شَيْئا} وَكَذَلِكَ أقدر على أَن أخلق من الْكَبِير والعاقر
وَذَلِكَ أَن إِبْلِيس أَتَاهُ فَقَالَ: يَا زَكَرِيَّا دعاؤك كَانَ خفِيا فأجبت بِصَوْت رفيع وبشرت بِصَوْت عَال ذَلِك صَوت من الشَّيْطَان لَيْسَ من جِبْرِيل وَلَا من رَبك
{قَالَ رب اجْعَل لي آيَة} حَتَّى أعرف أَن هَذِه الْبُشْرَى مِنْك
{قَالَ آيتك أَلا تكلم النَّاس ثَلَاث لَيَال} يَعْنِي صَحِيحا من غير خرس
فَحَاضَت زَوجته فَلَمَّا طهرت طَاف عَلَيْهَا فاستحملت فَأصْبح لَا يتَكَلَّم وَكَانَ إِذا أَرَادَ التَّسْبِيح وَالصَّلَاة أطلق الله لِسَانه فَإِذا أَرَادَ أَن يكلم النَّاس اعتقل لِسَانه فَلَا يَسْتَطِيع أَن يتَكَلَّم وَكَانَت عُقُوبَة لَهُ لِأَنَّهُ بشر بِالْوَلَدِ فَقَالَ: {أَنى يكون لي غُلَام} فخاف أَن يكون الصَّوْت من غير الله {فَخرج على قومه من الْمِحْرَاب} يَعْنِي من مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ
فَأوحى إِلَيْهِم بِكِتَاب كتبه بِيَدِهِ {أَن سبحوا بكرَة وعشياً} يَعْنِي صلوا صَلَاة الْغَدَاة وَالْعصر فولد لَهُ يحيى على مَا بشره الله نَبيا تقياً صَالحا {يَا يحيى خُذ الْكتاب بِقُوَّة} يَعْنِي بجد وَطَاعَة واجتهاد وشكر وبالعمل بِمَا فِيهِ {وَآتَيْنَاهُ الحكم} يَعْنِي الْفَهم {صَبيا} صَغِيرا وَذَلِكَ أَنه مر على صبية أتراب لَهُ يَلْعَبُونَ على شاطئ نهر بطين وبماء فَقَالُوا: يَا يحيى تعالَ حَتَّى نلعب فَقَالَ: سُبْحَانَ الله أَو للعب خلقنَا {وَحَنَانًا} يَعْنِي وَرَحْمَة {منا} وعطفاً {وَزَكَاة} يَعْنِي وَصدقَة على زَكَرِيَّا {وَكَانَ تقياً} يَعْنِي مطهراً مُطيعًا لله {وَبرا بِوَالِديهِ} كَانَ لَا يَعْصِيهمَا {وَلم يكن جباراً} يَعْنِي قتال النَّفس الَّتِي حرم الله قَتلهَا {عصياً} يَعْنِي عَاصِيا لرَبه
{وَسَلام عَلَيْهِ} يَعْنِي حِين سلم الله عَلَيْهِ {يَوْم ولد وَيَوْم يَمُوت وَيَوْم يبْعَث حَيا}(5/487)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم قَالَ: قَالَ مَالك: بَلغنِي أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام ابْنا خَالَة وَكَانَ حملهما جَمِيعًا مَعًا فبلغني أَن أم يحيى قَالَت لِمَرْيَم: إِنِّي أرى مَا فِي بَطْني يسْجد لما فِي بَطْنك
قَالَ مَالك: أرى ذَلِك لتفضيل الله عِيسَى لِأَن الله جعله يحيي الْمَوْتَى وَيُبرئ الأكمه والأبرص وَلم يكن ليحيى إِلَّا عشب الأَرْض وَإِن كَانَ ليبكي من خشيَة الله حَتَّى لَو كَانَ على خُذْهُ القار لأذابه وَلَقَد كَانَ الدمع اتخذ فِي وَجهه مجْرى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن خُزَيْمَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كُنَّا فِي حَلقَة فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نتذاكر فَضَائِل الْأَنْبِيَاء فَذَكرنَا نوحًا وَطول عِبَادَته وَذكرنَا إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَخرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا تذاكرون بَيْنكُم فَذَكرنَا لَهُ فَقَالَ: أما إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن يكون أحد خيرا من يحيى بن زَكَرِيَّا أما سَمِعْتُمْ الله كَيفَ وَصفه فِي الْقُرْآن {يَا يحيى خُذ الْكتاب بِقُوَّة} إِلَى قَوْله: {وَكَانَ تقياً} لم يعْمل سَيِّئَة قطّ وَلم يهم بهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن شهَاب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على أَصْحَابه يَوْمًا وهم يتذاكرون فضل الْأَنْبِيَاء فَقَالَ قَائِل: مُوسَى كَلمه الله تكليماً وَقَالَ قَائِل: عِيسَى روح الله وكلمته وَقَالَ قَائِل: إِبْرَاهِيم خَلِيل الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأَيْنَ الشَّهِيد ابْن الشَّهِيد يلبس الْوَبر وَيَأْكُل الشّجر مَخَافَة الذَّنب يحيى بن زَكَرِيَّا
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من أحد من ولد آدم إِلَّا وَقد أَخطَأ أَو هم بخطيئة إِلَّا يحيى بن زَكَرِيَّا لم يهم بخطيئة وَلم يعملها
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل بني آدم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة وَله ذَنْب إِلَّا مَا كَانَ من يحيى بن زَكَرِيَّا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن عَسَاكِر عَن يحيى بن جعدة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول: أَنا خير من يحيى بن زَكَرِيَّا مَا هم بخطيئة وَلَا حاكت فِي صَدره امْرَأَة(5/488)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ضَمرَة بن حبيب قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بعلت النِّسَاء عَن ولد يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول: أَنا أفضل من يحيى بن زَكَرِيَّا لم يحك فِي صَدره خَطِيئَة وَلم يهم بهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة رَفعه قَالَ: مَا ارتكض فِي النِّسَاء من جَنِين يَنْبَغِي لَهُ أَن يَقُول: أَنا أفضل من يحيى بن زَكَرِيَّا لِأَنَّهُ لم يحك فِي صَدره خَطِيئَة وَلم يهم بهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: إِن عِيسَى وَيحيى التقيا فَقَالَ يحيى لعيسى: اسْتغْفر لي أَنْت خير مني فَقَالَ لَهُ عِيسَى: بل أَنْت خير مني سلم الله عَلَيْك وسلمت أَنا على نَفسِي فَعرف وَالله فَضلهَا
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم والضياء عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحسن وَالْحُسَيْن سيداً شباب أهل الْجنَّة - إِلَّا ابْني الْخَالَة - عِيسَى ابْن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا
وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق سَمُرَة عَن كَعْب قَالَ: كَانَ يحيى لَا يقرب النِّسَاء وَلَا يشتهين وَكَانَ شَابًّا حسن الْوَجْه لين الْجنَاح قَلِيل الشّعْر قصير الْأَصَابِع طَوِيل الْأنف أقرن الحاجبين رَقِيق الصَّوْت كثير الْعِبَادَة قَوِيا فِي الطَّاعَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي بن كَعْب: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن من هوان الدُّنْيَا على الله أَن يحيى بن زَكَرِيَّا قتلته امْرَأَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: من أنكر الْبلَاء فَإِنِّي لَا أنكرهُ لقد ذكر لي أَنما قتل يحيى بن زَكَرِيَّا فِي زَانِيَة
وَأخرج إِسْحَق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيقه: أَنا يَعْقُوب الْكُوفِي عَن عَمْرو بن مَيْمُون عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ رأى زَكَرِيَّا فِي السَّمَاء فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا يحيى خبرني عَن قَتلك كَيفَ كَانَ وَلم قَتلك بَنو إِسْرَائِيل قَالَ: يَا مُحَمَّد إِن يحيى كَانَ خير أهل زَمَانه وأجملهم وأصبحهم وَجها وَكَانَ كَمَا قَالَ الله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} وَكَانَ لَا يحْتَاج إِلَى النِّسَاء فهويته امْرَأَة ملك بني إِسْرَائِيل وَكَانَت بغية فَأرْسلت إِلَيْهِ وَعَصَمَهُ الله وَامْتنع يحيى وأبى عَلَيْهَا وأجمعت على قتل يحيى وَلَهُم عيد يَجْتَمعُونَ فِي كل عَام وَكَانَت(5/489)
سنة الْملك أَن يوعد وَلَا يخلف وَلَا يكذب فَخرج الْملك للعيد فَقَامَتْ امْرَأَته فشيعته وَكَانَ بهَا معجباً وَلم تكن تسأله فِيمَا مضى فَلَمَّا أَن شيعته قَالَ الْملك: سليني فَمَا تسأليني شَيْئا إِلَّا أَعطيتك قَالَت: أُرِيد دم يحيى بن زَكَرِيَّا
قَالَ لَهَا: سليني غَيره
قَالَت: هُوَ ذَاك
قَالَ: هُوَ لَك فَبعث جلاوزتها إِلَى يحيى وَهُوَ فِي محرابه يُصَلِّي وَأَنا إِلَى جَانِبه أُصَلِّي فذبح فِي طست وَحمل رَأسه وَدَمه إِلَيْهَا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمَا بلغ من صبرك قَالَ: مَا انفتلت من صَلَاتي فَلَمَّا حمل رَأسه إِلَيْهَا وَوضع بَين يَديهَا - فَلَمَّا أَمْسوا - خسف الله بِالْملكِ وَأهل بَيته وحشمه فَلَمَّا أَصْبحُوا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل: لقد غضب إِلَه زَكَرِيَّا لزكريا فتعالوا حَتَّى نغضب لملكنا فنقتل زَكَرِيَّا فَخَرجُوا فِي طلبي ليقتلوني فَجَاءَنِي النذير فهربت مِنْهُم وإبليس أمامهم يدلهم عَليّ: فَلَمَّا أَن تخوفت أَن لَا أعجزهم عرضت لي شَجَرَة فنادتني فَقَالَت: إِلَيّ إِلَيّ وانصدعت لي فَدخلت فِيهَا وَجَاء إِبْلِيس حَتَّى أَخذ بِطرف رِدَائي والتأمت الشَّجَرَة وَبَقِي طرف رِدَائي خَارِجا من الشَّجَرَة وَجَاء بَنو إِسْرَائِيل فَقَالَ إِبْلِيس: أما رَأَيْتُمُوهُ دخل هَذِه الشَّجَرَة هَذَا طرف رِدَائه دخل بِهِ الشَّجَرَة فَقَالُوا: نحرق هَذِه الشَّجَرَة فَقَالَ إِبْلِيس: شقوه بِالْمِنْشَارِ شقاً
قَالَ: فشققت مَعَ الشَّجَرَة بِالْمِنْشَارِ
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا زَكَرِيَّا هَل وجدت لَهُ مساً أَو وَجعاً قَالَ: لَا إِنَّمَا وجدت تِلْكَ الشَّجَرَة جعل الله روحي فِيهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه أَن زَكَرِيَّا هرب وَدخل جَوف شَجَرَة فَوضع على الشَّجَرَة الْمِنْشَار وَقطع بنصفين فَلَمَّا وَقع الْمِنْشَار على ظَهره أنَّ فَأوحى الله يَا زَكَرِيَّا إِمَّا أَن تكف عَن أنينك أَو أقلب الأَرْض وَمن عَلَيْهَا فَسكت حَتَّى قطع نِصْفَيْنِ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن ميسرَة قَالَ: كَانَ طَعَام يحيى بن زَكَرِيَّا الْجَرَاد وَقُلُوب الشّجر وَكَانَ يَقُول: من أنعم مِنْك يَا يحيى طَعَامك الْجَرَاد وَقُلُوب الشّجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن عَسَاكِر عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ وَابْن الْمُبَارك وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ طعم يحيى بن زَكَرِيَّا العشب وَإِن كَانَ ليبكي من خشيَة الله حَتَّى لَو كَانَ القار على عينه لأحرقه وَلَقَد كَانَت الدُّمُوع اتَّخذت مجْرى فِي وَجهه(5/490)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يُونُس بن ميسرَة قَالَ: مر يحيى بن زَكَرِيَّا على دِينَار فَقَالَ: قبح هَذَا الْوَجْه يَا دِينَار يَا عبد العبيد ومعبد الْأَحْرَار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلَ يحيى بن زَكَرِيَّا ربه قَالَ: رب اجْعَلنِي أسلم على أَلْسِنَة النَّاس وَلَا يَقُولُونَ فيّ إِلَّا خيرا
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا يحيى لم أجعَل هَذَا لي فَكيف أجعله لَك
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ: بلغنَا أَن إِبْلِيس ظهر ليحيى بن زَكَرِيَّا فَرَأى عَلَيْهِ معاليق من كل شَيْء فَقَالَ لَهُ يحيى: مَا هَذِه قَالَ: هَذِه الشَّهَوَات الَّتِي أُصِيب بهَا بَنو آدم
قَالَ لَهُ يحيى: هَل لي فِيهَا شَيْء قَالَ: لَا
قَالَ: فَهَل تصيب مني شَيْئا قَالَ: رُبمَا شبعت فثقلناك عَن الصَّلَاة وَالذكر
قَالَ: هَل غَيره قَالَ: لَا
قَالَ: لَا جرم لَا أشْبع أبدا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَليّ بن زيد بن جدعَان عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن الْحُسَيْن بن عَليّ قَالَ: كَانَ ملك مَاتَ وَترك امْرَأَته وَابْنَته فورث ملكه أَخُوهُ فَأَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة أَخِيه فَاسْتَشَارَ يحيى بن زَكَرِيَّا فِي ذَلِك وَكَانَت الْمُلُوك فِي ذَلِك الزَّمَان يعلمُونَ بِأَمْر الْأَنْبِيَاء فَقَالَ لَهُ: لَا تتزوّجها فَإِنَّهَا بغي فَبلغ الْمَرْأَة ذَلِك فَقَالَت: ليقْتلن يحيى أَو ليخرجن من ملكه
فعمدت إِلَى ابْنَتهَا فصيغتها ثمَّ قَالَت اذهبي إِلَى عمك عِنْد الْمَلأ فَإِنَّهُ إِذا رآك سيدعوك ويجلسك فِي حجره وَيَقُول: سليني مَا شِئْت فَإنَّك لن تسأليني شَيْئا إِلَّا أَعطيتك فَإِذا قَالَ لَك قولي: فَقولِي لَا أَسأَلك شَيْئا إِلَّا رَأس يحيى وَكَانَت الْمُلُوك إِذا تكلم أحدهم بِشَيْء على رُؤُوس الْمَلأ ثمَّ لم يمض لَهُ نزع من ملكه
فَفعلت ذَلِك فَجعل يَأْتِيهِ الْمَوْت من قَتله يحيى وَجعل يَأْتِيهِ الْمَوْت من خُرُوجه من ملكه فَاخْتَارَ ملكه فَقتله فساخت بأمها الأَرْض
قَالَ ابْن جدعَان: فَحدثت بِهَذَا الحَدِيث ابْن الْمسيب فَقَالَ: أما أخْبرك كَيفَ كَانَ قتل زَكَرِيَّا قلت: لَا
قَالَ: إِن زَكَرِيَّا حَيْثُ قتل ابْنه انْطلق هَارِبا مِنْهُم واتبعوه حَتَّى أَتَى على شَجَرَة ذَات سَاق فدعته إِلَيْهَا فانطوت عَلَيْهِ وَبقيت من ثَوْبه هدبة تلعبها الرّيح فَانْطَلقُوا إِلَى الشَّجَرَة فَلم يَجدوا أَثَره عِنْدهَا فنظروا تِلْكَ الهدبة فدعوا الْمِنْشَار فَقطعُوا الشَّجَرَة فقطعوه فِيهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَمْرو قَالَ: الَّتِي قتلت يحيى بن زَكَرِيَّا امْرَأَة(5/491)
ورثت الْملك عَن آبائها فَأتيت بِرَأْس يحيى وَهِي على سريرها فَقَالَ للْأَرْض خذيها فأخذتها وسريرها فَذهب بهَا
وَأخرج إِسْحَق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن الزبير: أَن ملكا أَرَادَ أَن يتَزَوَّج ابْنة أَخِيه فاستفتى يحيى بن زَكَرِيَّا قَالَ: لَا تحل لَك
فَسَأَلت قَتله فَبعث إِلَيْهِ - وَهُوَ فِي محرابه يُصَلِّي - فذبحوه ثمَّ حزوا رَأسه وَأتوا بِهِ الْملك فَجعل الرَّأْس يَقُول: لَا يحل لَك مَا تُرِيدُ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن شَوْذَب قَالَ: قَالَ يحيى بن زَكَرِيَّا للَّذي جَاءَ يحز رَأسه: أما تعلم أَنِّي نَبِي قَالَ: بلَى وَلَكِنِّي مَأْمُور
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أوحى الله إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي قتلت بِيَحْيَى بن زَكَرِيَّا سبعين ألفا وَإِنِّي قَاتل بِابْن ابْنَتك سبيعن ألفا وَسبعين ألفا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: قتل على الصَّخْرَة الَّتِي فِي بَيت الْمُقَدّس سَبْعُونَ نَبيا مِنْهُم يحيى بن زَكَرِيَّا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قُرَّة قَالَ: مَا بَكت السَّمَاء على أحد إِلَّا على يحيى بن زَكَرِيَّا وَالْحُسَيْن بن عَليّ وحمرتها بكاؤها
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن خَالِد بن ثَابت الربعِي قَالَ: لما قتل فجرة بني إِسْرَائِيل - يحيى بن زَكَرِيَّا أوحى الله إِلَى نَبِي من أَنْبِيَائهمْ: أَن قل لبني إِسْرَائِيل إِلَى مَتى تجترئون على أَن تعصوا أَمْرِي وتقتلوا رُسُلِي وَحَتَّى مَتى أضمكم فِي كنفي كَمَا تضم الدَّجَاجَة أَوْلَادهَا فِي كنفها فتجترئون عَليّ اتَّقوا لَا أؤخذاكم بِكُل دم كَانَ بَين ابْني آدم وَيحيى بن زَكَرِيَّا وَاتَّقوا أَن أصرف عَنْكُم وَجْهي فَإِنِّي إِن صرفت عَنْكُم وَجْهي لَا أقبل عَلَيْكُم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما قتل يحيى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: بعض أَصْحَابه لصَاحب لَهُ: ابْعَثْ إِلَيّ بقميص نَبِي الله يحيى أشمه فَبعث بِهِ إِلَيْهِ فَإِذا سداه وَلحمَته لِيف
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن يُونُس بن عبيد قَالَ: بلغنَا أَنه كَانَ رجل يجور على مَمْلَكَته ويعدي عَلَيْهِم فائتمروا بقتْله فَقَالُوا: نَبِي الله زَكَرِيَّا بَين أظهرنَا فَلَو أتيناه فَأتوا منزله فَإِذا فتاة جميلَة رائعة قد أشرق لَهَا الْبَيْت حسنا(5/492)
فَقَالُوا: من أنتِ قَالَت: امْرَأَة زَكَرِيَّا
فَقَالُوا فِيمَا بَينهم: كُنَّا نرى نَبِي الله لَا يُرِيد الدُّنْيَا فَإِذا هُوَ عِنْده امْرَأَة من أجمل النِّسَاء ثمَّ إِنَّهُم رَأَوْهُ فِي عمل عِنْد قوم وَيعْمل لَهُم حَتَّى إِذا حضر غداؤه قرب رغيفين فَأكل وَلم يدعهم ثمَّ قَامَ فَعمل بَقِيَّة عمله ثمَّ علق خفيه على عُنُقه والمسحاة والكساء قَالَ: مَا حَاجَتكُمْ قَالُوا: قد جِئْنَا لأمر وَلَقَد كَاد يغلبنا مَا رَأينَا على مَا جِئْنَا لَهُ
قَالَ: فهاتوا قَالُوا: أَتَيْنَا مَنْزِلك فَإِذا امْرَأَة جميلَة رائعة وَكُنَّا نرى نَبِي الله لَا يُرِيد الدُّنْيَا فَقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا تزوجت امْرَأَة جميلَة رائعة لأكف بهَا بَصرِي وأحفظ بهَا فَرجي فَخرج نَبِي الله مِمَّا قَالُوا
قَالُوا: ورأيناك قدمت رغيفين فَأكلت وَلم تدعنا قَالَ: إِن الْقَوْم استأجروني على عمل فَخَشِيت أَن أَضْعَف عَن عَمَلهم وَلَو أكلْتُم معي لم يكفني وَلم يكفكم فَخرج نَبِي الله مِمَّا قَالُوا
قَالُوا: ورأيناك وضعت خفيك على عُنُقك والمسحاة والكساء
فَقَالَ: إِن هَذِه الأَرْض جَدِيدَة وكرهت أَن أنقل تُرَاب هَذِه فِي هَذِه فَخرج نَبِي الله مِمَّا قَالُوا
قَالُوا: إِن هَذَا الْملك يجور علينا ويظلمنا وَقد ائتمرنا لقتاله
قَالَ: أَي قوم لَا تَفعلُوا فَإِن إِزَالَة جبل من أَصله أَهْون من إِزَالَة ملك مُؤَجل
وَالله أعلم
الْآيَة 16 - 24(5/493)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِذْ انتبذت} أَي انْفَرَدت {من أَهلهَا مَكَانا شرقياً} قَالَ: قبل الْمشرق شاسعاً متنحياً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {انتبذت من أَهلهَا مَكَانا شرقياً} قَالَ: مَكَانا أظلتها الشَّمْس أَن يَرَاهَا أحد مِنْهُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا اتَّخذت النَّصَارَى الْمشرق قبْلَة لِأَن مَرْيَم اتَّخذت من أَهلهَا مَكَانا شرقيا فاتخذا ميلاده قبْلَة وَإِنَّمَا سجدت الْيَهُود على حرف حِين نتق فَوْقهم الْجَبَل فَجعلُوا يتخوفون وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ يتخوفون أَن يَقع عَلَيْهِم فسجدوا سَجْدَة رضيها الله فاتخذوها سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أهل الْكتاب كتب عَلَيْهِم الصَّلَاة إِلَى الْبَيْت وَالْحج إِلَيْهِ وَمَا صرفهم عَنهُ إِلَّا قَول رَبك: {إِذْ انتبذت من أَهلهَا مَكَانا شرقياً} قَالَ: خرجت مِنْهُم مَكَانا شرقياً فصلوا قبل مطلع الشَّمْس
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بلغت مَرْيَم فَإِذا هِيَ فِي بَيتهَا مُنْفَصِلَة إِذْ دخل عَلَيْهَا رجل بِغَيْر إِذن فَخَشِيت أَن يكون دخل عَلَيْهَا ليغتالها فَقَالَت: {إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً} قَالَ: {إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً} قَالَت: {أَنى يكون لي غُلَام وَلم يمسسني بشر وَلم أك بغياً} قَالَ: {كَذَلِك قَالَ رَبك} فَجعل جِبْرِيل يردد ذَلِك عَلَيْهَا وَتقول: {أَنى يكون لي غُلَام} وتغفلها جِبْرِيل فَنفخ فِي جيب درعها ونهض عَنْهَا وَاسْتمرّ بهَا حملهَا فَقَالَت: إِن خرجت نَحْو الْمغرب فالقوم يصلونَ نَحْو الْمغرب وَلَكِن أخرج نَحْو الْمشرق حَيْثُ لَا يراني أحد فَخرجت نَحْو الْمشرق فَبَيْنَمَا هِيَ تمشي إِذْ جاءها الْمَخَاض فَنَظَرت هَل تَجِد شَيْئا تستر بِهِ فَلم تَرَ إِلَّا جذع النَّخْلَة فَقَالَ: أستتر بِهَذَا الْجذع من النَّاس
وَكَانَ تَحت الْجذع نهر يجْرِي فانضمت إِلَى النَّخْلَة فَلَمَّا وَضعته خر كل شَيْء يعبد من دون الله فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا سَاجِدا لوجهه
وفزع إِبْلِيس فَخرج فَصَعدَ فَلم ير شَيْئا يُنكره وأتى الْمشرق فَلم ير شَيْئا يُنكره وَجعل لَا يصبر فَأتى الْمغرب لينْظر فَلم ير شَيْئا يُنكره
فَبينا هُوَ يطوف إِذْ مر بالنخلة فَإِذا هُوَ بِامْرَأَة مَعهَا(5/494)
غُلَام قد وَلدته وَإِذا بِالْمَلَائِكَةِ قد أَحدقُوا بهَا وبابنها وبالنخلة فَقَالَ: هَهُنَا حدث الْأَمر فَمَال إِلَيْهِم فَقَالَ: أَي شَيْء هَذَا الَّذِي حدث فكلمته الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: نَبِي ولد بِغَيْر ذكر
قَالَ: أما وَالله لأضِلَّنَ بِهِ أَكثر الْعَالمين
أضلّ الْيَهُود فَكَفرُوا بِهِ وأضل النَّصَارَى فَقَالُوا: هُوَ ابْن الله
قَالَ: وناداها ملك من تحتهَا {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} قَالَ إِبْلِيس: مَا حملت أُنْثَى إِلَّا بعلمي وَلَا وَضعته إِلَّا على كفي لَيْسَ هَذَا الْغُلَام لم أعلم بِهِ حِين حَملته أمه وَلم أعلم بِهِ حِين وَضعته
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَا: خرجت مَرْيَم إِلَى جَانب الْمِحْرَاب لحيض أَصَابَهَا فَلَمَّا طهرت إِذْ هِيَ بِرَجُل مَعهَا {فتمثل لَهَا بشرا} فَفَزِعت وَقَالَ: {إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً} فَخرجت وَعَلَيْهَا جلبابها فَأخذ بكمها فَنفخ فِي جيب درعها - وَكَانَ مشقوقاً من قدامها - فَدخلت النفخة صدرها فَحملت فأتتها أُخْتهَا امْرَأَة لَيْلَة تزورها فَلَمَّا فتحت لَهَا الْبَاب التزمتها فَقَالَت امْرَأَة زَكَرِيَّا: يَا مَرْيَم أشعرت أَنِّي حُبْلَى
قَالَت مَرْيَم: أشعرت أَيْضا أَنِّي حُبْلَى فَقَالَت امْرَأَة زَكَرِيَّا: فَإِنِّي وجدت مَا فِي بَطْني يسْجد للَّذي فِي بَطْنك
فَذَاك قَوْله: {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} فَولدت امْرَأَة زَكَرِيَّا يحيى
وَلما بلغ أَن تضع مَرْيَم خرجت إِلَى جَانب الْمِحْرَاب {فأجاءها الْمَخَاض إِلَى جذع النَّخْلَة قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا} الْآيَة {فناداها} جِبْرِيل {من تحتهَا ألاَّ تحزني} فَلَمَّا وَلدته ذهب الشَّيْطَان فَأخْبر بني إِسْرَائِيل: إِن مَرْيَم ولدت فَلَمَّا أرادوها على الْكَلَام أشارت إِلَى عِيسَى فَتكلم فَقَالَ: {إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب} الْآيَات
فَلَمَّا ولد لم يبْق فِي الأَرْض صنم إِلَّا خرَّ لوجهه
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم} يَقُول: قصّ ذكرهَا على الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومشركي الْعَرَب {إِذْ انتبذت} يَعْنِي خرجت {من أَهلهَا مَكَانا شرقياً} قَالَ: كَانَت خرجت من بَيت الْمُقَدّس مِمَّا يَلِي الْمشرق {فاتخذت من دونهم حِجَابا} وَذَلِكَ أَن الله لما أَرَادَ أَن يبتدئها بالكرامة(5/495)
ويبشرها بِعِيسَى وَكَانَت قد اغْتَسَلت من الْمَحِيض فتشرفت وَجعلت بَينهَا وَبَين قَومهَا {حِجَابا} يَعْنِي جبلا فَكَانَ الْجَبَل بَين مجلسها وَبَين بَيت الْمُقَدّس {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا} يَعْنِي جِبْرِيل {فتمثل لَهَا بشرا} فِي صُورَة الْآدَمِيّين {سوياً} يَعْنِي معتدلاً شَابًّا أَبيض الْوَجْه جَعدًا قططاً حِين اخضر شَاربه فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ قَائِما بَين يَديهَا
{قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً} وَذَلِكَ أَنَّهَا شبهته بشاب كَانَ يَرَاهَا وَيَمْشي مَعهَا يُقَال لَهُ يُوسُف من بني إِسْرَائِيل وَكَانَ من خدم بَيت الْمُقَدّس فخافت أَن يكون الشَّيْطَان قد استزه فَمن ثمَّ قَالَت: {إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً} يَعْنِي إِن كنت تخَاف الله
قَالَ جِبْرِيل: وَتَبَسم {إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً} يَعْنِي لله مُطيعًا من غير بشر
{قَالَت أَنى يكون لي غُلَام وَلم يمسسني بشر} يَعْنِي زوجا {وَلم أك بغياً} أَي مومسة
قَالَ جِبْرِيل: {كَذَلِك} يَعْنِي هَكَذَا {قَالَ رَبك هُوَ على هَين} يَعْنِي خلقه من غير بشر
{ولنجعله آيَة للنَّاس} يَعْنِي عِبْرَة وَالنَّاس هُنَا للْمُؤْمِنين خَاصَّة وَرَحْمَة لكمن صدق بِأَنَّهُ رَسُول الله
{وَكَانَ أمرا مقضياً} يَعْنِي كَائِنا أَن يكون من غير بشر
فَدَنَا جِبْرِيل فَنفخ فِي جيبها فَدخلت النفخة جوفها فاحتملت كَمَا تحمل النِّسَاء فِي الرَّحِم والمشيمة وَوَضَعته كَمَا تضع النِّسَاء فأصابها الْعَطش فَأجرى الله لَهَا جدولاً من الْأُرْدُن فَذَلِك قَوْله: {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} وَالسري الْجَدْوَل
وَحمل الْجذع من سَاعَته {رطبا جنياً} فناداها من تحتهَا جِبْرِيل {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة} لم يكن على رَأسهَا سقف وَكَانَت قد يَبِسَتْ مُنْذُ دهر طَوِيل فأحياها الله لَهَا وحملت فَذَلِك قَوْله: {تساقط عَلَيْك رطبا جنياً} يَعْنِي طرياً بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الْجَدْوَل {وقري عينا} بولدك
فَقَالَ: فَكيف بِي إِذا سَأَلُونِي من أَيْن هَذَا
قَالَ لَهَا جِبْرِيل: {فإمَّا تَرين} يَعْنِي فَإِذا رَأَيْت {من الْبشر أحدا} فأعنتك فِي أَمرك {فَقولِي إِنِّي نذرت للرحمن صوما} يَعْنِي صمتا فِي أَمر عِيسَى {فَلَنْ أكلم الْيَوْم إنسياً} فِي أمره
حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يعبر عني وَعَن نَفسه
قَالَ: ففقدوا مَرْيَم من مِحْرَابهَا فسألوا يُوسُف فَقَالَ: لَا علم لي بهَا وَأَن مِفْتَاح مِحْرَابهَا مَعَ زَكَرِيَّا
فطلبوا زَكَرِيَّا وفتحوا الْبَاب وَلَيْسَت فِيهِ فاتهموه فَأَخَذُوهُ ووبخوه فَقَالَ رجل: إِنِّي رَأَيْتهَا فِي مَوضِع كَذَا فَخَرجُوا فِي طلبَهَا فَسَمِعُوا صَوت عقيق فِي رَأس الْجذع الَّذِي مَرْيَم من تَحْتَهُ فَانْطَلقُوا إِلَيْهِ فَذَلِك قَول(5/496)
الله: {فَأَتَت بِهِ قَومهَا تحمله} قَالَ ابْن عَبَّاس: لما رَأَتْ بِأَن قَومهَا قد أَقبلُوا إِلَيْهَا احتملت الْوَلَد إِلَيْهِم حَتَّى تلقتهم بِهِ فَذَلِك قَوْله: {فَأَتَت بِهِ قَومهَا تحمله} أَي لَا تخَاف رِيبَة وَلَا تُهْمَة فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهَا شقّ أَبوهَا مدرعته وَجعل التُّرَاب على رَأسه وإخوتها وَآل زَكَرِيَّا {قَالُوا يَا مَرْيَم لقد جِئْت شَيْئا فرياً} يَعْنِي عَظِيما {يَا أُخْت هَارُون مَا كَانَ أَبوك امْرأ سوء وَمَا كَانَت أمك بغياً} يَعْنِي زَانِيَة
فأنَّى أتيت هَذَا الْأَمر مَعَ هَذَا الْأَخ الصَّالح وَالْأَب الصَّالح وَالأُم الصَّالح {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} تَقول لَهُم: أَن كَلمُوهُ فَإِنَّهُ سيخبركم {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} أَن لَا أكلمكم فِي أمره فَإِنَّهُ سيعبر عني فَيكون لكم آيَة وعبرة {قَالُوا كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} يَعْنِي من هُوَ فِي الْخرق طفْلا لَا ينْطق فأنطقه الله فَعبر عَن أمه وَكَانَ عِبْرَة لَهُم فَقَالَ: {إِنِّي عبد الله} فَلَمَّا أَن قَالَهَا ابْتَدَأَ يحيى وَهُوَ ابْن ثَلَاث سِنِين فَكَانَ أول من صدق بِهِ فَقَالَ: إِنِّي أشهد أَنَّك عبد الله وَرَسُوله
لتصديق قَول الله: {مُصدقا بِكَلِمَة من الله} فَقَالَ عِيسَى: {آتَانِي الْكتاب وَجَعَلَنِي نَبيا} إِلَيْكُم {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت} قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْبركَة الَّتِي جعلهَا الله لعيسى أَنه كَانَ معلما مؤدباً حَيْثُمَا توجه {وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة} يَعْنِي وَأَمرَنِي {وَبرا بوالدتي} فَلَا أعقها
قَالَ ابْن عَبَّاس حِين قَالَ: {وَبرا بوالدتي} قَالَ: زَكَرِيَّا: الله أكبر فَأَخذه فضمه إِلَى صَدره فَعَلمُوا أَنه خلق من غير بشر {وَلم يَجْعَلنِي جباراً شقياً} يَعْنِي متعظماً سفاكاً للدم
{وَالسَّلَام عليّ يَوْم ولدت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أبْعث حَيا} يَقُول الله: {ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَم قَول الْحق الَّذِي فِيهِ يمترون} يَعْنِي يَشكونَ بقوله للْيَهُود ثمَّ أمسك عِيسَى عَن الْكَلَام حَتَّى بلغ مبلغ النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت مَرْيَم: كنت إِذا خلوت حَدثنِي عِيسَى وكلمني وَهُوَ فِي بَطْني وَإِذا كنت مَعَ النَّاس سبح فِي بَطْني وَكبر وَأَنا أسمع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: حِين حملت وضعت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن مَرْيَم حملت لسبع أَو تسع سَاعَات وَوَضَعته من يَوْمهَا(5/497)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وضعت مَرْيَم لثمانية أشهر وَلذَلِك لَا يُولد مَوْلُود لثمانية أشهر إِلَّا مَاتَ لِئَلَّا تسب مَرْيَم بِعِيسَى
وَأخرج الْحَاكِم عَن زيد الْعَمى قَالَ: ولد عِيسَى يَوْمًا عَاشُورَاء
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن نوف قَالَ: كَانَت مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام فتاة بتولاً وَكَانَ زَكَرِيَّا زوج أُخْتهَا كفلها فَكَانَت مَعَه فَكَانَ يدْخل عَلَيْهِ يسلم عَلَيْهَا فتقرب إِلَيْهِ فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء فَدخل عَلَيْهَا زَكَرِيَّا مرّة فقربت إِلَيْهِ بعض مَا كَانَت تقرب (قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب هُنَالك دَعَا زَكَرِيَّا ربه) (آل عمرَان آيَة 38 - 39) إِلَى قَوْله: (آيتك أَن لَا تكلم النَّاس ثَلَاثَة أَيَّام إِلَّا زمرا) (آل عمرَان آيَة 42) {سوياً} صَحِيحا
{فَخرج على قومه من الْمِحْرَاب فَأوحى إِلَيْهِم} كتب لَهُم {أَن سبحوا بكرَة وعشياً} قَالَ: فَبَيْنَمَا هِيَ جالسة فِي منزلهَا إِذا رجل قَائِم بَين يَديهَا قد هتك الْحجب فَلَمَّا أَن رَأَتْهُ قَالَت: {إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً} قَالَ فَلَمَّا ذكرت الرَّحْمَن فزع جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: {إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً} إِلَى قَوْله: {وَكَانَ أمرا مقضياً} فَنفخ فِي جيبها جِبْرِيل فَحملت حَتَّى إِذا أثقلت وجعت مَا يجع النِّسَاء وَكَانَت فِي بَيت النُّبُوَّة فاستحيت وهربت حَيَاء من قَومهَا فَأخذت نَحْو الْمشرق وَأخذ قَومهَا فِي طلبَهَا فَجعلُوا يسْأَلُون رَأَيْتُمْ فتاة كَذَا وَكَذَا فَلَا يُخْبِرهُمْ أحد
وَأَخذهَا {الْمَخَاض إِلَى جذع النَّخْلَة} فتساندت إِلَى النَّخْلَة قَالَت: {يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا وَكنت نسياً منسياً} قَالَ: حَيْضَة من حَيْضَة {فناداها من تحتهَا} قَالَ: جِبْرِيل من أقْصَى الْوَادي {أَلا تحزني قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} قَالَ: جدولاً {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنياً} فَلَمَّا قَالَ لَهَا جِبْرِيل: اشْتَدَّ ظهرهَا وَطَابَتْ نَفسهَا فَقطعت سرته ولفته فِي خرقَة وَحَمَلته فلقي قَومهَا راعي بقر وهم فِي طلبَهَا
قَالُوا: يَا راعي هَل رَأَيْت فتاة كَذَا وَكَذَا قَالَ: لَا وَكن رَأَيْت اللَّيْلَة من بقري شَيْئا لم أره مِنْهَا قطّ فِيمَا خلا قَالَ: رَأَيْتهَا باتت سجدا نَحْو هَذَا الْوَادي فَانْطَلقُوا حَيْثُ(5/498)
وصف لَهُم فَلَمَّا رأتهم مَرْيَم جَلَست وَجعلت ترْضع عِيسَى فجاؤوا حَتَّى وقفُوا عَلَيْهَا {قَالُوا يَا مَرْيَم لقد جِئْت شَيْئا فرياً} قَالَ: أمرا عَظِيما: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أَن كَلمُوهُ فعجبوا مِنْهَا: قَالُوا: {كَيفَ نُكَلِّم من كَانَ فِي المهد صَبيا} {قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب} والمهد حجرها فَلَمَّا قَالُوا ذَلِك: ترك عِيسَى ثديها واتكأ على يسَاره ثمَّ تكلم {قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب وَجَعَلَنِي نَبيا} {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دمت حَيا وَبرا بوالدتي وَلم يَجْعَلنِي جباراً شقياً وَالسَّلَام عليّ يَوْم ولدت وَيَوْم أَمُوت وَيَوْم أبْعث حَيا} قَالَ: وَاخْتلف النَّاس فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لعمر بن الْخطاب لم أستحب النَّصَارَى الْحجب على مذابحهم قَالَ: إِنَّمَا يسْتَحبّ النَّصَارَى الْحجب على مذابحهم ومناسكهم لقَوْل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فاتخذت من دونهم حِجَابا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا} قَالَ: بعث الله إِلَيْهَا ملكا فَنفخ فِي جيبها فَدخل فِي الْفرج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فَأَرْسَلنَا إِلَيْهَا رُوحنَا} الْآيَة قَالَ: نفخ جِبْرِيل فِي درعها فبلغت حَيْثُ شَاءَ الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن يسَار: أَن جِبْرِيل أَتَاهَا فِي صُورَة رجل فكشف الْحجاب فَلَمَّا رَأَتْهُ تعوذت مِنْهُ فَنفخ فِي جيب درعها فبلغت فَذكر ذَلِك فِي الْمَدِينَة فَهجر زَكَرِيَّا وَترك وَكَانَ قبل ذَلِك يستفتى ويأتيه النَّاس حَتَّى إِن كَانَ ليسلم على الرجل فَمَا يكلمهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله: {فتمثل لَهَا بشرا سوياً} قَالَ: تمثل لَهَا روح عِيسَى فِي صُورَة بشر فَحَملته
قَالَ: حملت الَّذِي خاطبها دخل فِي فِيهَا(5/499)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي وَائِل فِي قَوْله: {قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً} قَالَ: لقد علمت مَرْيَم أَن التقي ذُو نهية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قَالَت إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً} قَالَ: إِنَّمَا خشيت أَن يكون إِنَّمَا يريدها عَن نَفسه
{قَالَ إِنَّمَا أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً} زَعَمُوا أَنه نفخ فِي جيب درعها وكمها
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لأهب لَك} مَهْمُوزَة بِالْألف وَفِي قِرَاءَة عبد الله ليهب لَك بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {غُلَاما زكياً} قَالَ: صَالحا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَلم أك بغياً} قَالَ زَانِيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَكَانا قصياً} قَالَ نَائِيا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {مَكَانا قصياً} قَالَ: قاصياً وَفِي قَوْله: {فأجاءها الْمَخَاض} قَالَ: ألجأها
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ: {فأجاءها الْمَخَاض} قَالَ: ألجأها قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت حسان بن ثَابت وَهُوَ يَقُول: إِذا شددنا شدَّة صَادِقَة فأجأناكم إِلَى سفح الْجَبَل وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فأجاءها الْمَخَاض} قَالَ: اضطرها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {فأجاءها الْمَخَاض} قَالَ فأداها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فأجاءها الْمَخَاض إِلَى جذع النَّخْلَة} قَالَ: كَانَ جذعاً يَابسا
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق هِلَال بن خباب عَن أبي عبيد الله(5/500)
{فأجاءها الْمَخَاض إِلَى جذع} نَخْلَة يابسة قد جِيءَ بِهِ ليبنى بِهِ بَيت يُقَال لَهُ بَيت لحم فحركته فَإِذا هُوَ نَخْلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي قدامَة قَالَ: أنبت لِمَرْيَم نَخْلَة تعلق بهَا كَمَا تعلق الْمَرْأَة بِالْمَرْأَةِ عِنْد الْولادَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَكنت نسياً منسياً} قَالَ: لم أخلق وَلم أك شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَكنت نسياً منسياً} قَالَ: حَيْضَة ملقاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكنت نسياً منسياً} قَالَ: حَيْضَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن نوف الْبكالِي عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَكنت نسياً منسياً} قَالَ حَيْضَة ملقاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَكنت نسياً منسياً} قَالَ: تَقول لَا أعرف وَلَا أَدْرِي من أَنا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَكنت نسياً منسياً} قَالَ: هُوَ السقط وَالله تَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ
وَأخرج أَبُو عبيد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَلْقَمَة أَنه قَرَأَ فخاطبها من تحتهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فناداها من تحتهَا} قَالَ: جِبْرِيل وَلم يتَكَلَّم عِيسَى حَتَّى أَتَت بِهِ قَومهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ الَّذِي ناداها هُوَ جِبْرِيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك وَعَمْرو بن مَيْمُون مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء {فناداها من تحتهَا} قَالَ: ملك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فناداها من تحتهَا} قَالَ: جِبْرِيل من أَسْفَل الْوَادي(5/501)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فناداها من تحتهَا} قَالَ: عِيسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فناداها من تحتهَا} قَالَ: هُوَ عِيسَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي بن كَعْب قَالَ الَّذِي خاطبها: هُوَ الَّذِي حَملته فِي جوفها دخل من فِيهَا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن زر بن حُبَيْش أَنه قَرَأَ {فناداها من تحتهَا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فناداها من تحتهَا} أَي الْملك من تَحت النَّخْلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: من قَرَأَ من تحتهَا فَهُوَ جِبْرِيل وَمن قَرَأَ من تحتهَا فَهُوَ عِيسَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي بكر بن عَيَّاش قَالَ: قَرَأَ عَاصِم بن أبي النجُود {فناداها من تحتهَا} بِالنّصب قَالَ: وَقَالَ عَاصِم: من قَرَأَ بِالنّصب فَهُوَ عِيسَى وَمن قَرَأَهَا بالخفض فَهُوَ جِبْرِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {جعل رَبك تَحْتك سرياً} قَالَ: نَبيا وَهُوَ عِيسَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن جرير بن حَازِم قَالَ: سَأَلَني مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر مَا يَقُول أصحابكم فِي قَوْله {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} قَالَ: فَقلت لَهُ: سَمِعت قَتَادَة يَقُول: الْجَدْوَل
قَالَ: فَأخْبر قَتَادَة عني فَإِنَّمَا نزل الْقُرْآن بلغتنا إِنَّه الرجل السّري
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} يُرِيد نَفسه أَي سرى أسرى مِنْهُ قيل فَالَّذِينَ يَقُولُونَ السّري الْبَحْر قَالَ: لَيْسَ كَذَلِك لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ يكون إِلَى جنبها وَلَا يكون النَّهر تحتهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن النجار عَن ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن السّري الَّذِي قَالَ الله لِمَرْيَم: {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} نهر أخرجه الله لَهَا لتشرب مِنْهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(5/502)
فِي قَوْله: {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} قَالَ: النَّهر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء فِي قَوْله: {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} قَالَ: هُوَ الْجَدْوَل وَهُوَ النَّهر الصَّغِير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} قَالَ: نهر عِيسَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عُثْمَان بن مُحصن قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {سرياً} قَالَ: الْجَدْوَل
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: سلم تَرَ الدالي مِنْهُ أزورا إِذا يعج فِي السّري هرهرا وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والطستي عَن ابْن عَبَّاس: إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ: {تَحْتك سرياً} قَالَ: السّري النَّهر الصَّغِير وَهُوَ الْجَدْوَل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: سهل الخليقة ماجد ذُو نائل مثل السريّ تمده الْأَنْهَار وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {سريا} قَالَ: الْجَدْوَل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة أَن الْحسن تَلا هَذِه الْآيَة وَإِلَى جنبه حميد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِي {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} قَالَ: إِن كَانَ لسريا وَإِن كَانَ لكريماً فَقَالَ حميد: يَا أَبَا سعيد إِنَّه الْجَدْوَل فَقَالَ لَهُ: لم تزل تعجبنا مجالستك وَلَكِن غلبتنا عَلَيْك الْأُمَرَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: السّري المَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سرياً} قَالَ: نَهرا بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {سرياً} قَالَ نَهرا بالقبطية
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان بن حُسَيْن فِي قَوْله: {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} قَالَ: تَلَاهَا الْحسن فَقَالَ: كَانَ وَالله {سرياً} يَعْنِي عِيسَى عَلَيْهِ(5/503)
السَّلَام فَقَالَ لَهُ خَالِد بن صَفْوَان: يَا أَبَا سعيد إِن الْعَرَب تسمي الْجَدْوَل السّري فَقَالَ: صدقت
الْآيَة 25(5/504)
وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة} قَالَ: حركيها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن مُجَاهِد {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة} قَالَ: كَانَت عَجْوَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْبَراء أَنه قَرَأَ يساقط عَلَيْك بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه قَرَأَ يساقط عَلَيْك بِالْيَاءِ يَعْنِي الْجذع
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَسْرُوق أَنه قَرَأَ {تساقط عَلَيْك رطبا جنياً} بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {تساقط} مثقلة بِالتَّاءِ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن طَلْحَة الإيابي أَنه قَرَأَ {تساقط عَلَيْك رطبا} مثقلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي نهيك أَنه قَرَأَ تسْقط عَلَيْك رطبا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {رطبا جنياً} قَالَ: طرياً
وَأخرج الْخَطِيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تساقط عَلَيْك رطبا جنياً} قَالَ: بغباره
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي والخطيب عَن أبي حباب مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي روق قَالَ: انْتَهَت مَرْيَم إِلَى جذع لَيْسَ لَهُ رَأس فأنبت الله لَهُ رَأْسا وَأنْبت فِيهِ رطبا وبسراً ومدبباً وموزاً فَلَمَّا هزت النَّخْلَة سقط عَلَيْهَا من جَمِيع مَا فِيهَا
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي قُدَّام قَالَ: أنبتت لِمَرْيَم نَخْلَة تعلق بهَا كَمَا تعلق الْمَرْأَة عِنْد الْولادَة
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن السّني وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ والعقيلي وَابْن عديّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أكْرمُوا(5/504)
عمتكم النَّخْلَة فَإِنَّهَا خلقت من الطين الَّذِي خلق مِنْهُ آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَلَيْسَ من الشّجر شَجَرَة تلقح غَيرهَا
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أطعموا نساءكم الولَّد الرطب فَإِن لم يكن رطب فتمر فَلَيْسَ من الشّجر شَجَرَة أكْرم من شَجَرَة نزلت تحتهَا مَرْيَم بنت عمرَان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مماذا خلقت النَّخْلَة قَالَ: خلقت النَّخْلَة وَالرُّمَّان وَالْعِنَب من فضل طِينَة آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سَلمَة بن قيس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أطعموا نساءكم فِي نفاسهن التَّمْر فَإِنَّهُ من كَانَ طعامها فِي نفَاسهَا التَّمْر: خرج وَلَدهَا ولدا حَلِيمًا فَإِنَّهُ كَانَ طَعَام مَرْيَم حَيْثُ ولدت عِيسَى وَلَو علم الله طَعَاما هُوَ خير لَهَا من التَّمْر لأطعمها إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد عَن شَقِيق قَالَ: لَو علم الله أَن شَيْئا للنفساء خير من الرطب لأمر مَرْيَم بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ لَيْسَ للنفساء خير من الرطب أَو التَّمْر وَقَالَ: إِن الله قَالَ: {وهزي إِلَيْك بجذع النَّخْلَة تساقط عَلَيْك رطبا جنياً}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن خَيْثَم قَالَ: لَيْسَ للنفساء عِنْدِي دَوَاء مثل الرطب وَلَا للْمَرِيض مثل الْعَسَل
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الشّعبِيّ قَالَ: كتب قَيْصر إِلَى عمر بن الْخطاب أَن رسلًا أَتَتْنِي من قبلك فَزَعَمت أَن قبلكُمْ شَجَرَة لَيست بخليقة لشَيْء من الْخَيْر تخرج مثل أَذَان الْحمير ثمَّ تشقق عَن مثل اللُّؤْلُؤ الْأَبْيَض ثمَّ تصير مثل الزمرد الْأَخْضَر ثمَّ تصير مثل الْيَاقُوت الْأَحْمَر ثمَّ تينع وتنضج فَتكون كأطيب فالوذج أكل ثمَّ تيبس فَتكون عصمَة للمقيم وَزَادا للْمُسَافِر فَإِن لم تكن رُسُلِي صدقتني فَلَا أرى هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا من شجر الْجنَّة فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن رسلك قد صدقتك هَذِه الشَّجَرَة عندنَا: وَهِي الَّتِي أنبتها الله على مَرْيَم حِين نفست بِعِيسَى
الْآيَة 26(5/505)
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} قَالَ: صمتا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ مثله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك أَنه كَانَ يقْرَأ {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} صمتا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَهَا {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} صمتا وَقَالَ: لَيْسَ إِلَّا أَن حملت فَوضعت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} قَالَ: كَانَ من بني إِسْرَائِيل من إِذا اجْتهد صَامَ من الْكَلَام كَمَا يَصُوم من الطَّعَام إِلَّا من ذكر الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حَارِثَة بن مضرب قَالَ: كنت عِنْد ابْن مَسْعُود فجَاء رجلَانِ فَسلم أَحدهمَا وَلم يسلم الآخر ثمَّ جلسا
فَقَالَ الْقَوْم: مَا لصاحبك لم يسلم قَالَ: إِنَّه نذر صوما لَا يكلم الْيَوْم إنسياً
فَقَالَ عبد الله: بئس مَا قلت إِنَّمَا كَانَت تِلْكَ الْمَرْأَة فَقَالَت ذَلِك ليَكُون عذرا لَهَا إِذا سُئِلت - وَكَانُوا يُنكرُونَ أَن يكون ولد من غير زوج إِلَّا زنا - فَتكلم وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وانه عَن الْمُنكر فَإِنَّهُ خير لَك
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الشّعبِيّ قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب {إِنِّي نذرت للرحمن صوما} صمتا
الْآيَة 27 - 28(5/506)
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
أخرج سعيد ين مَنْصُور وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَأَتَت بِهِ قَومهَا تحمله} قَالَ: بعد أَرْبَعِينَ يَوْمًا بعد مَا تعافت من نفَاسهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لقد جِئْت شَيْئا فرياً} قَالَ: عَظِيما(5/506)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لقد جِئْت شَيْئا فرياً} قَالَ: عَظِيما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز قَالَ: كَانَ فِي زمَان بني إِسْرَائِيل فِي بَيت الْمُقَدّس عِنْد عين سلوان عين فَكَانَت الْمَرْأَة إِذا قارفت أتوها بهَا فَشَرِبت مِنْهَا فَإِن كَانَت بريئة لم تضرها وَإِلَّا مَاتَت
فَلَمَّا حملت مَرْيَم أتوها بهَا على بغلة فَعَثَرَتْ بهَا فدعَتْ الله أَن يعقم رَحمهَا فعقم من يَوْمئِذٍ فَلَمَّا أتتها شربت مِنْهَا فَلم تَزْدَدْ إِلَّا خيرا ثمَّ دعت الله أَن لَا يفضح بهَا امْرَأَة مُؤمنَة فغارت الْعين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أهل نَجْرَان فَقَالُوا: أَرَأَيْت مَا تقرأون يَا أُخْت هَارُون ومُوسَى قبل عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا: قَالَ: فَرَجَعت فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: أَلا أَخْبَرتهم أَنهم كَانُوا يسمون بالأنبياء وَالصَّالِحِينَ قبلهم
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَا أُخْت هَارُون} الْآيَة قَالَ: كَانَت من أهل بَيت يعْرفُونَ بالصلاح وَلَا يعْرفُونَ بِالْفَسَادِ فِي النَّاس وَفِي النَّاس من يعرف بالصلاح ويتوالدون بِهِ وَآخَرُونَ يعْرفُونَ بِالْفَسَادِ ويتوالدون بِهِ وَكَانَ هَارُون مصلحاً محبباً فِي عشيرته وَلَيْسَ بهرون أخي مُوسَى وَلَكِن هرون آخر
ذكر لنا أَنه تبع جنَازَته يَوْم مَاتَ أَرْبَعُونَ ألفا من بني إِسْرَائِيل كلهم يسمون هرون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {يَا أُخْت هَارُون} قَالَ: سمعنَا أَنه اسْم وَافق اسْما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سِيرِين قَالَ: نبئت أَن كَعْبًا قَالَ: إِن قَوْله: {يَا أُخْت هَارُون} لَيْسَ بهرون أخي مُوسَى فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: كذبت
فَقَالَ: يَا أم الْمُؤمنِينَ إِن كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَه: فَهُوَ أعلم وَأخْبر وَإِلَّا فَإِنِّي أجد بَينهمَا سِتّمائَة سنة فَسَكَتَتْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة فِي قَوْله: {يَا أُخْت هَارُون}(5/507)
قَالَ: نسبت إِلَى هرون بن عمرَان لِأَنَّهَا كَانَت من سبطه كَقَوْلِك يَا أَخا الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَت من سبط هرون فَقيل لَهَا: {يَا أُخْت هَارُون} فَدُعِيت إِلَى سبطه كَالرّجلِ يَقُول للرجل: يَا أَخا بني لَيْث يَا أَخا بني فلَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {يَا أُخْت هَارُون} قَالَ: كَانَ هرون من قوم سوء زناة فنسبوها إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر بن عَيْش قَالَ: فِي قِرَاءَة أبي قَالُوا: يَا ذَا المهد
الْآيَة 29(5/508)
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أَن كَلمُوهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} قَالَ: أَمرتهم بِكَلَامِهِ
وَفِي قَوْله: {فِي المهد} قَالَ فِي الْحجر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: إِن مَرْيَم لما ولدت أَتَت بِهِ قَومهَا فَأخذُوا لَهَا الْحِجَارَة ليرموها فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ فَتكلم فَتَرَكُوهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: {المهد} المرباة
قَالَ إِبْرَاهِيم: المرباة المرجحة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن هِلَال بن يسَاف قَالَ: لم يتَكَلَّم فِي المهد إِلَّا ثَلَاثَة: صَاحب جريج وَعِيسَى وَصَاحب الحبشية
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: تكلم فِي المهد أَرْبَعَة عِيسَى وَصَاحب يُوسُف وَصَاحب جريج وَابْن ماشطة ابْنة فِرْعَوْن
الْآيَة 30 - 33(5/508)
قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {قَالَ إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب} الْآيَة
قَالَ: قضى فِيمَا قضى أَن أكون كَذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: كَانَ عِيسَى قد درس الْإِنْجِيل وأحكمه فِي بطن أمه
فَذَلِك قَوْله: {إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب}
وَأخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن لال فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت} قَالَ: جعلني نَفَّاعًا للنَّاس أَيْن اتجهت
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت} قَالَ: معلما ومؤدباً
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْن مَا كنت} قَالَ: معلما للخير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الَّذِي يعلم النَّاس الْخَيْر يسْتَغْفر لَهُ كل دَابَّة حَتَّى الْحُوت فِي الْبَحْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} قَالَ: هادياً مهدياً
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} قَالَ: نَفَّاعًا للنَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن نوف (وَبرا بوالدتي) أَي لَيْسَ لي أَب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلم يَجْعَلنِي جباراً شقياً} يَقُول: عصياً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان قَالَ: الْجَبَّار الشقي الَّذِي يُقبلُ على الْغَضَب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْعَوام بن حَوْشَب قَالَ: إِنَّك لَا تكَاد تَجِد عاقاً إِلَّا تَجدهُ جباراً ثمَّ قَرَأَ {وَبرا بوالدتي وَلم يَجْعَلنِي جباراً شقياً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: فقرات ابْن آدم ثَلَاث: يَوْم ولد وَيَوْم يَمُوت وَيَوْم يبْعَث وَهِي الَّتِي ذكر عِيسَى فِي قَوْله: {وَالسَّلَام عليّ} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن(5/509)
عَبَّاس قَالَ: مَا تكلم عِيسَى بعد الْآيَات الَّتِي تكلم بهَا حَتَّى بلغ مبلغ الصّبيان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأبي هُرَيْرَة أَن الله أطلق لِسَان عِيسَى مرّة أُخْرَى فِي صباه فَتكلم ثَلَاث مَرَّات حَتَّى بلغ مَا بلغ الصّبيان يَتَكَلَّمُونَ فَتكلم مُحَمَّدًا بتحميد لم تسمع الآذان مثله حَيْثُ أنطقه طفْلا فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنْت الْقَرِيب فِي علوك المتعالي فِي دنوك الرفيع على كل شَيْء من خلقك أَنْت الَّذِي نفذ بَصرك فِي خلقك وحارت الْأَبْصَار دون النّظر إِلَيْك أَنْت الَّذِي أشرقت بضوء نورك دجى الظلام وتلألأت بعظمتك أَرْكَان الْعَرْش نورا فَلم يبلغ أحد بِصفتِهِ صِفَتك فتباركت اللَّهُمَّ خَالق الْخلق بعزتك مُقَدّر الْأُمُور بحكمتك مبتدئ الْخلق بعظمتك ثمَّ أمسك الله لِسَانه حَتَّى بلغ
الْآيَة 34 - 37(5/510)
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ذَلِك عِيسَى ابْن مَرْيَم قَول الْحق} قَالَ: الله عز وَجل الْحق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذِي فِيهِ يمترون} قَالَ: اجْتمع بَنو إِسْرَائِيل فأخرجوا مِنْهُم أَرْبَعَة نفر أخرج من كل قوم عالمهم فتشاوروا فِي عِيسَى حِين رُفِعَ فَقَالَ أحدهم: هُوَ الله هَبَط إِلَى الأَرْض فأحيى من أحيى وأمات من أمات ثمَّ صعد إِلَى السَّمَاء وهم اليعقوبية فَقَالَت الثَّلَاثَة: كذبت
ثمَّ قَالَ اثْنَان مِنْهُم للثَّالِث: قل فِيهِ
فَقَالَ: هُوَ ابْن الله وهم النسطورية
فَقَالَ اثْنَان: كذبت
ثمَّ قَالَ أحد الْإِثْنَيْنِ للْآخر: قل فِيهِ
قَالَ: هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة: الله إِلَه وَعِيسَى إِلَه وَأمه إِلَه
وهم الإسرائيلية وهم مُلُوك النَّصَارَى
فَقَالَ الرَّابِع: كذبت
هُوَ عبد الله وَرَسُوله وروحه من كَلمته وهم الْمُسلمُونَ فَكَانَ لكل رجل مِنْهُم أَتبَاع على مَا قَالَ فَاقْتَتلُوا فَظهر على الْمُسلمين
فَذَلِك قَول الله:(5/510)
(وَيقْتلُونَ الَّذين يأمرون بِالْقِسْطِ بَين النَّاس) (آل عمرَان آيَة 21) قَالَ قَتَادَة: وهم الَّذين قَالَ الله: {فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم} قَالَ: اخْتلفُوا فِيهِ فصاروا أحزاباً فَاخْتلف الْقَوْم فَقَالَ المر يسلم: أنْشدكُمْ
هَل تعلمُونَ أَن عِيسَى كَانَ يطعم الطَّعَام وَأَن الله لَا يطعم الطَّعَام قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم
قَالَ: فَهَل تعلمُونَ أَن عِيسَى كَانَ ينَام وَأَن الله لَا ينَام قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم
فخصمهم الْمُسلمُونَ فانسل الْقَوْم فَذكر لنا أَن اليعقوبية ظَهرت يَوْمئِذٍ وَأُصِيب الْمُسلمُونَ فَأنْزل الله فِي ذَلِك الْقُرْآن (فويل للَّذين كفرُوا من مشْهد يَوْم عَظِيم) (آل عمرَان آيَة 21)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَاخْتلف الْأَحْزَاب من بَينهم} قَالَ: هم أهل الْكتاب
الْآيَة 38 - 40(5/511)
أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أسمع بهم وَأبْصر} يَقُول الْكفَّار يَوْمئِذٍ: أسمع شَيْء وأبصره وهم الْيَوْم لَا يسمعُونَ وَلَا يبصرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أسمع بهم وَأبْصر} قَالَ: اسْمَع قوم وَأبْصر قوم {يَوْم يأتوننا} قَالَ: ذَلِك وَالله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله: {أسمع بهم وَأبْصر يَوْم يأتوننا} قَالَ: وَالله ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة سمعُوا حِين لم يَنْفَعهُمْ السّمع وأبصروا حِين لم يَنْفَعهُمْ الْبَصَر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل(5/511)
النَّار النَّار يجاء بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْش أَمْلَح فَيُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار فَيُقَال: يَا أهل الْجنَّة هَل تعرفُون هَذَا فيشرفون وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نعم هَذَا الْمَوْت وَكلهمْ قد رَآهُ ثمَّ يُقَال: يَا أهل النَّار هَل تعرفُون هَذَا فيشرفون وَيَنْظُرُونَ وَيَقُولُونَ: نعم هَذَا الْمَوْت وَكلهمْ قد رَآهُ فَيُؤْمَر بِهِ فَيذْبَح فَيُقَال: يَا أهل الْجنَّة خُلُود بِلَا موت وَيَا أهل النَّار خُلُود بِلَا موت ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر وهم فِي غَفلَة} وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَقَالَ: أهل الدُّنْيَا فِي غَفلَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة} قَالَ: يُنَادى يَا أهل الْجنَّة فيشرفون وينادى يَا أهل النَّار فيشرفون وَيَنْظُرُونَ فَيُقَال: مَا تعرفُون هَذَا فَيَقُولُونَ: نعم فيجاء بِالْمَوْتِ فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح فَيُقَال: هَذَا الْمَوْت فَيقرب ويذبح ثمَّ يُقَال: يَا أهل الْجنَّة خُلُود لَا موت وَيَا أهل النَّار خُلُود وَلَا موت ثمَّ قَرَأَ {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة} قَالَ: يصوّر الله الْمَوْت فِي صُورَة كَبْش أَمْلَح فَيذْبَح فييأس أهل النَّار من الْمَوْت فِيمَا يرجونه فتأخذهم الْحَسْرَة من أجل الخلود فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر} قَالَ: إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار يَأْتِي الْمَوْت بِصُورَة كَبْش أَمْلَح حَتَّى يُوقف بَين الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ يُنَادي مُنَاد يَا أهل الْجنَّة هَذَا الْمَوْت الَّذِي كَانَ يُمِيت النَّاس فِي الدُّنْيَا وَلَا يبْقى أحد فِي عليين وَلَا فِي أَسْفَل دَرَجَة من الْجنَّة إِلَّا نظر إِلَيْهِ ثمَّ يُنَادي يَا أهل النَّار هَذَا الْمَوْت الَّذِي كَانَ يُمِيت النَّاس فِي الدُّنْيَا فَلَا يبْقى أحد فِي ضحضاح من النَّار وَلَا أَسْفَل دَرك من جَهَنَّم إِلَّا نظر إِلَيْهِ ثمَّ يذبح بَين الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ يُنَادي يَا أهل الْجنَّة هُوَ الخلود أَبَد الآبدين
وَيَا أهل النَّار هُوَ الخلود أَبَد الآبدين فيفرح أهل الْجنَّة فرحة لَو كَانَ أحد مَيتا من فرحة مَاتُوا ويشهق أهل النَّار شهقة لَو كَانَ أحدا مَيتا من شهقة مَاتُوا فَذَلِك قَوْله: {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الْحَسْرَة إِذْ قضي الْأَمر} يَقُول: إِذا ذبح الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس يَوْم الْحَسْرَة هُوَ من أَسمَاء(5/512)
يَوْم الْقِيَامَة
وَقَرَأَ (أَن تَقول نفس يَا حسرتا على مَا فرطت فِي جنب الله) (الزمر آيَة 56)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز: أَنه كتب إِلَى عَامله بِالْكُوفَةِ أما بعد: فَإِن الله كتب على خلقه حِين خلقهمْ الْمَوْت فَجعل مصيرهم إِلَيْهِ فَقَالَ: فِيمَا أنزل فِي كِتَابه الصَّادِق الَّذِي أنزلهُ بِعِلْمِهِ وَأشْهد مَلَائكَته على خلقه أَنه يَرث الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَإِلَيْهِ يرجعُونَ
الْآيَة 41 - 50(5/513)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49) وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)
أخرج أَبُو نعيم والديلمي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حق الْوَالِد على وَلَده أَن لَا يُسَمِّيه إِلَّا بِمَا سمى إِبْرَاهِيم أَبَاهُ يَا أَبَت وَلَا يُسَمِّيه باسمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لأرجمنك} قَالَ: لأشتمنك {واهجرني مَلِيًّا} قَالَ: حينا(5/513)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {واهجرني مَلِيًّا} قَالَ: اجتنبني سالما قبل أَن يصيبك مني عُقُوبَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {واهجرني مَلِيًّا} قَالَ: سالما
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {واهجرني مَلِيًّا} قَالَ: حينا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {واهجرني مَلِيًّا} مَا الملي قَالَ: طَويلا قَالَ فِيهِ المهلهل: وتصدعت شم الْجبَال لمَوْته وبكت عَلَيْهِ المرملات مَلِيًّا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّه كَانَ بِي حفيا} قَالَ: لطفيا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّه كَانَ بِي حفياً} قَالَ: عوده الْإِجَابَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب} قَالَ: يَقُول وهبنا لَهُ إِسْحَق ولدا وَيَعْقُوب ابْن ابْنه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا لَهُم لِسَان صدق عليا} قَالَ الثَّنَاء الْحسن
الْآيَة 51 - 53(5/514)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِنَّه كَانَ مخلصاً} بِنصب اللَّام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكَانَ رَسُولا نَبيا} قَالَ: النَّبِي وَحده الَّذِي تكلم وَينزل عَلَيْهِ وَلَا يُرْسل وَلَفظ ابْن(5/514)
أبي حَاتِم الْأَنْبِيَاء الَّذين لَيْسُوا برسل يُوحى إِلَى أحدهم وَلَا يُرْسل إِلَى أحدهم وَالرسل الْأَنْبِيَاء الَّذين يُوحى إِلَيْهِم ويرسلون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {جَانب الطّور الْأَيْمن} قَالَ: جَانب الْجَبَل الْأَيْمن {وقربناه نجيا} قَالَ: نجا بصدقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {وقربناه نجياً} قَالَ: قربه حَتَّى سمع صرير الْقَلَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ميسرَة {وقربناه نجياً} قَالَ: أدني حَتَّى سمع صرير الْقَلَم فِي الألواح وَهُوَ يكْتب التَّوْرَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وقربناه نجياً} قَالَ: أردفه جِبْرِيل حَتَّى سمع صرير الْقَلَم والتوراة تكْتب لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وقربناه نجياً} قَالَ: ادخل فِي السَّمَاء فَكلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وقربناه نجياً} قَالَ بَين السَّمَاء السَّابِعَة وَبَين الْعَرْش سَبْعُونَ ألف حجاب حجاب نور وحجاب ظلمَة حجاب نور وحجاب ظلمَة حجاب نور وحجاب ظلمَة فَمَا زَالَ مُوسَى يقرب حَتَّى كَانَ بَينه وَبَينه حجاب فَلَمَّا رأى مَكَانَهُ وَسمع صريف الْقَلَم (قَالَ: رب أَرِنِي أنظر إِلَيْك) (الْأَعْرَاف الْآيَة 143)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وهناد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس {وقربناه نجياً} حَتَّى سمع صريف الْقَلَم يكْتب فِي اللَّوْح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن معد يكرب قَالَ: لما قرب الله مُوسَى نجياً بطور سينا قَالَ: يَا مُوسَى إِذا خلقت لَك قلباً شاكراً وَلِسَانًا ذَاكِرًا وَزَوْجَة تعين على الْخَيْر فَلم أخزن عَنْك من الْخَيْر شَيْئا وَمن أخزن عَنهُ هَذَا فَلم أفتح لَهُ من الْخَيْر شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَوَهَبْنَا لَهُ من رَحْمَتنَا أَخَاهُ هَارُون نَبيا} قَالَ: كَانَ هرون أكبر من مُوسَى وَلَكِن إِنَّمَا وهب لَهُ نبوّته(5/515)
الْآيَة 54 - 55(5/516)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
أخرج الْحَاكِم من طَرِيق سَمُرَة عَن كَعْب قَالَ: كَانَ إِسْمَاعِيل نَبِي الله الَّذِي سَمَّاهُ صَادِق الْوَعْد وَكَانَ رجلا فِيهِ حِدة مُجَاهدًا أَعدَاء الله وَيُعْطِيه الله النَّصْر عَلَيْهِم وَالظفر وَكَانَ شَدِيد الْحَرْب على الْكفَّار لَا يخَاف فِي الله لومة لائم صَغِير الرَّأْس غليظ الْعُنُق طَوِيل الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ يضْرب بيدَيْهِ رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ قَائِم صَغِير الْعَينَيْنِ طَوِيل الْأنف عريض الْكَتف طَوِيل الْأَصَابِع بارز الْخلق قوي شَدِيد عنيف على الْكفَّار وَكَانَ يَأْمر أَهله بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَكَانَت زَكَاته القربات إِلَى الله من أَمْوَالهم وَكَانَ لَا يعد أحدا شَيْئا إِلَّا أنجزه فَسَماهُ الله (صَادِق الْوَعْد)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {إِنَّه كَانَ صَادِق الْوَعْد} قَالَ: لم يعد ربه عدَّة قطّ إِلَّا أنفذها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: بَلغنِي أَن إِسْمَاعِيل وصاحباً لَهُ أَتَيَا قَرْيَة فَقَالَ لَهُ صَاحبه: إِمَّا أَن أَجْلِس وَتدْخل فتشتري طَعَاما زادنا وَإِمَّا أَن أَدخل فاكفيك ذَلِك فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيل: بل ادخل أَنْت وَأَنا أَجْلِس أنتظرك فَدخل ثمَّ نسي فَخرج فَأَقَامَ مَكَانَهُ حَتَّى كَانَ الْحول من ذَلِك الْيَوْم فَمر بِهِ الرجل فَقَالَ لَهُ: أَنْت هَهُنَا حَتَّى السَّاعَة قَالَ: قلت لَك لَا أَبْرَح حَتَّى تَجِيء فَقَالَ تَعَالَى: {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِسْمَاعِيل إِنَّه كَانَ صَادِق الْوَعْد}
وَأخرج ابْن جرير عَن سهل بن سعد قَالَ: أَن إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام وعد رجلا أَن يَأْتِيهِ فجَاء وَنسي الرجل فظل بِهِ إِسْمَاعِيل وَبَات حَتَّى جَاءَ الرجل من الْغَد فَقَالَ: مَا بَرحت من هَهُنَا قَالَ: لَا قَالَ: إِنِّي نسيت قَالَ: لم أكن لأبرح حَتَّى تَأتِينِي
وَلذَلِك {كَانَ صَادِق الْوَعْد}
وَأخرج مُسلم عَن وَاثِلَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله اصْطفى من ولد إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل وَاصْطفى من ولد إِسْمَاعِيل كنَانَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا سيد الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة فِي اثْنَي عشر نَبيا مِنْهُم إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب(5/516)
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أول من نطق بِالْعَرَبِيَّةِ وَوضع الْكتاب على لَفظه ومنطقه ثمَّ جعله كتابا وَاحِدًا - مثل بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم - الْوُصُول - حَتَّى فرق بَينه وَلَده إِسْمَاعِيل
وَأخرج ابْن سعد عَن عقبَة بن بشير أَنه سَأَلَ مُحَمَّد بن عَليّ من أول من تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ قَالَ: إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم وَهُوَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة
قلت: فَمَا كَانَ كَلَام النَّاس قبل ذَلِك قَالَ العبرانية
وَأخرج ابْن سعد عَن الْوَاقِدِيّ عَن غير وَاحِد من أهل الْعلم أَن إِسْمَاعِيل ألهم من يَوْم ولد لِسَان الْعَرَب وَولد إِبْرَاهِيم أَجْمَعُونَ على لِسَان إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن سعد عَن عَليّ بن رَبَاح اللَّخْمِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل الْعَرَب من ولد إِسْمَاعِيل
وَأخرج ابْن سعد عَن إِسْحَق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة قَالَ: قبر أم إِسْمَاعِيل تَحت الْمِيزَاب بَين الرُّكْن وَالْبَيْت
الْآيَة 57 - 56(5/517)
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)
أخرج الحكم عَن سَمُرَة قَالَ: كَانَ إِدْرِيس أَبيض طَويلا ضخم الْبَطن عريض الصَّدْر قَلِيل شعر الْجَسَد كثير شعر الرَّأْس وَكَانَت إِحْدَى عَيْنَيْهِ أعظم من الْأُخْرَى وَكَانَت فِي صَدره نُكْتَة بَيْضَاء من غير برص فَلَمَّا رأى الله من أهل الأَرْض مَا رأى من جَوْرهمْ واعتدائهم فِي أَمر الله رَفعه الله إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَهُوَ حَيْثُ يَقُول {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: أَن إِدْرِيس أقدم من نوح بَعثه الله إِلَى قومه فَأَمرهمْ الله أَن يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله ويعملوا بِمَا شَاءَ فَأَبَوا فأهلكهم الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} قَالَ: كَانَ إِدْرِيس خياطاً
وَكَانَ لَا يغرز إِلَّا قَالَ: سُبْحَانَ الله
فَكَانَ يُمْسِي حِين يُمْسِي وَلَيْسَ فِي الأَرْض أحد أفضل مِنْهُ عملا فَاسْتَأْذن ملك من الْمَلَائِكَة ربه فَقَالَ يَا رب ائْذَنْ لي فاهبط إِلَى إِدْرِيس
فَأذن لَهُ فَأتى إِدْرِيس فَسلم عَلَيْهِ وَقَالَ: إِنِّي جئْتُك لأحدثك فَقَالَ: كَيفَ تُحَدِّثنِي وَأَنت ملك وَأَنا إِنْسَان ثمَّ قَالَ إِدْرِيس(5/517)
هَل بَيْنك وَبَين ملك الْمَوْت شَيْء قَالَ الْملك: ذَاك أخي من الْمَلَائِكَة فَقَالَ: هَل يَسْتَطِيع أَن ينسئني عِنْد الْمَوْت قَالَ: أما أَن يُؤَخر شَيْئا أَو يُقّدِّمَهُ فَلَا وَلَكِن سأكلمه لَك فيرفق بك عِنْد الْمَوْت فَقَالَ: اركب على جناحي فَركب إِدْرِيس فَصَعدَ إِلَى السَّمَاء الْعليا فلقي ملك الْمَوْت إِدْرِيس بَين جناحيه فَقَالَ لَهُ الْملك إِن لي إِلَيْك حَاجَة قَالَ: علمت حَاجَتك تكلمني فِي إِدْرِيس وَقد مُحي اسْمه من الصَّحِيفَة وَلم يبْق من أَجله إِلَّا نصف طرفَة عين فَمَاتَ إِدْرِيس بَين جناحي الْملك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت كَعْبًا عَن رفع إِدْرِيس {مَكَانا عليا} فَقَالَ: كَانَ عبدا تقياً رفع لَهُ من الْعَمَل الصَّالح مَا رفع لأهل الأَرْض فِي زَمَانه فَعجب الْملك الَّذِي كَانَ يصعد عَلَيْهِ عمله فَاسْتَأْذن ربه قَالَ: رب ائْذَنْ لي آتِي عَبدك هَذَا فأزوره فَأذن لَهُ فَنزل قَالَ: يَا إِدْرِيس أبشرْ فَإِنَّهُ رفع لَك من الْعَمَل الصَّالح مَا لَا رفع لأهل الأَرْض قَالَ: وَمَا علمك قَالَ إِنِّي ملك
قَالَ: وَإِن كنت ملكا قَالَ: فَإِنِّي على الْبَاب الَّذِي يصعد عَلَيْهِ عَمَلك
قَالَ: أَفلا تشفع إِلَى ملك الْمَوْت فيؤخر من أَجلي لِأَزْدَادَ شكرا وَعبادَة قَالَ الْملك: (لن يُؤَخر الله نفسا غذا جَاءَ أجلهَا) (المُنَافِقُونَ آيَة 11) قَالَ: قد علمت وَلكنه أطيب لنَفْسي فَحَمله الْملك على جناحيه فَصَعدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت هَذَا عبد تَقِيّ نَبِي رفع لَهُ من الْعَمَل الصَّالح مَا لَا يرفع لأهل الأَرْض وَإِنِّي أعجبني ذَلِك فاستأذنت رَبِّي عَلَيْهِ فَلَمَّا بَشرته بذلك سَأَلَني لأشفع لَهُ إِلَيْك لتؤخر لَهُ من أَجله لِيَزْدَادَ شكرا وَعبادَة
قَالَ: وَمن هَذَا قَالَ: إِدْرِيس فَنظر فِي كتاب مَعَه حَتَّى مر باسمه فَقَالَ: وَالله مَا بَقِي من أجل إِدْرِيس شَيْء فمحاه فَمَاتَ مَكَانَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} قَالَ: رفع إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَمَاتَ فِيهَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} قَالَ: حَدثنَا أنس بن مَالك أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما عرج بِي رَأَيْت إِدْرِيس فِي السَّمَاء الرَّابِعَة(5/518)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} قَالَ: فِي السَّمَاء الرَّابِعَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ وَالربيع مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: رفع إِدْرِيس كَمَا رفع عِيسَى وَلم يمت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد حسن عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِدْرِيس هُوَ إلْيَاس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عمر مولى غفرة يرفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن إِدْرِيس كَانَ نَبيا تقياً زكياً وَكَانَ يقسم دهره على نِصْفَيْنِ: ثَلَاثَة أَيَّام يعلم النَّاس الْخَيْر وَأَرْبَعَة أَيَّام يسيح فِي الأَرْض ويعبد الله مُجْتَهدا
وَكَانَ يصعد من عمله وَحده إِلَى السَّمَاء من الْخَيْر مثل مَا يصعد من جَمِيع أَعمال بني آدم وَإِن ملك الْمَوْت أحبه فِي الله فَأَتَاهُ حِين خرج للسياحة فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِي الله إِنِّي أُرِيد أَن تَأذن لي فِي صحبتك
فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس - وَهُوَ لَا يعرفهُ -: إِنَّك لن تقوى على صحبتي
قَالَ: بلَى إِنِّي أَرْجُو أَن يقويني الله على ذَلِك
فَخرج مَعَه يَوْمه ذَلِك حَتَّى إِذا كَانَ من آخر النَّهَار مر براعي غنم فَقَالَ ملك الْمَوْت لإدريس: يَا نَبِي الله إِنَّا لَا نَدْرِي حَيْثُ نمسي فَلَو أَخذنَا جفرة من هَذِه الْغنم فأفطرنا عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس: لَا تعد إِلَى مثل هَذَا تَدعُونِي إِلَى أَخذ مَا لَيْسَ لنا من حَيْثُ نمسي يَأْتِي الله برزق فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ الله بالرزق الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ فَقَالَ لملك الْمَوْت: تقدم فَكل
فَقَالَ ملك الْمَوْت: لَا وَالَّذِي أكرمك بِالنُّبُوَّةِ مَا أشتهي
فَأكل إِدْرِيس وقاما جَمِيعًا إِلَى الصَّلَاة ففتر إِدْرِيس وكل ومل ونعس وَملك الْمَوْت لَا يفتر وَلَا يمل وَلَا يَنْعس فَعجب مِنْهُ وَقَالَ: قد كنت أَظن أَنِّي أقوى النَّاس على الْعِبَادَة فَهَذَا أقوى مني فصغرت عِنْده عِبَادَته عِنْدَمَا رأى مِنْهُ
ثمَّ أصبحا فساحاً فَلَمَّا كَانَ آخر النَّهَار مرا بحديقة عِنَب فَقَالَ ملك الْمَوْت لإدريس: يَا نَبِي الله لَو أَخذنَا قطفاً من هَذَا الْعِنَب لأَنا لَا نَدْرِي حَيْثُ نمسي
فَقَالَ إِدْرِيس: ألم أَنْهَك عَن هَذَا وَأَنت حَيْثُ تمسي يأتينا الله برزق فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ الله الرزق الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ فَأكل إِدْرِيس فَقَالَ لملك الْمَوْت هَلُمَّ فَكل
فَقَالَ: لَا وَالَّذِي أكرمك بِالنُّبُوَّةِ يَا نَبِي الله لَا أشتهي
فَعجب ثمَّ قاما إِلَى الصَّلَاة ففتر(5/519)
إِدْرِيس أَيْضا وكل ومل وَملك الْمَوْت لَا يكلّ وَلَا يفتر وَلَا يَنْعس
فَقَالَ لَهُ عِنْد ذَلِك إِدْرِيس: لَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا أَنْت من بني آدم فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت عِنْده ذَلِك: أجل لست من بني آدم
فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس: فَمن أَنْت قَالَ: أَنا ملك الْمَوْت
فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس: أمرتَ فيَّ بِأَمْر فَقَالَ لَهُ: لَو أمرت فِيك بِأَمْر مَا ناظرتك [نظرتك] وَلَكِنِّي أحبك فِي الله وصحبتك لَهُ
فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس: يَا ملك الْمَوْت إِنَّك معي ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها لم تقبض روح أحد من الْخلق قَالَ: بلَى وَالَّذِي أكرمك بِالنُّبُوَّةِ يَا نَبِي الله إِنِّي مَعَك من حِين رَأَيْت وَإِنِّي أَقبض نفس من أمرت بِقَبض نَفسه فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَمَا الدُّنْيَا عِنْدِي إِلَّا بِمَنْزِلَة الْمَائِدَة بَين يَدي الرجل يمد يَده ليتناول مِنْهَا مَا شَاءَ
فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس: يَا ملك الْمَوْت أَسأَلك بِالَّذِي أحببتني لَهُ وَفِيه أَلا [أَلا] قضيت لي حَاجَة أسألكها فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: سلني مَا أَحْبَبْت يَا نَبِي الله
فَقَالَ: أحب أَن تذيقني الْمَوْت وتفرق بَين روحي وجسدي حَتَّى أجد طعم الْمَوْت ثمَّ ترد إِلَيّ روحي
فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت - عَلَيْهِ السَّلَام -: مَا أقدر على ذَلِك إِلَّا أَن اسْتَأْذن فِيهِ رَبِّي
فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام: فاستأذنه فِي ذَلِك
فعرج ملك الْمَوْت إِلَى ربه فَأذن لَهُ فَقبض نَفسه وَفرق بَين روحه وَجَسَده فَلَمَّا سقط إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام مَيتا رد إِلَيْهِ روحه وطفق يمسح وَجهه وَهُوَ يَقُول: يَا نَبِي الله مَا كنت أُرِيد أَن يكون هَذَا حظك من صحبتي فَلَمَّا أَفَاق قَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: يَا نَبِي الله كَيفَ وجدت قَالَ: يَا ملك الْمَوْت قد كنت أحدث وأسمع فَإِذا هُوَ أعظم مِمَّا كنت أحدث وأسمع ثمَّ قَالَ: يَا ملك الْمَوْت أُرِيد مِنْك حَاجَة أُخْرَى قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: تريني النَّار حَتَّى أنظر إِلَى لمحة مِنْهَا
فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: وَمَا لَك وَالنَّار إِنِّي لأرجو أَن لَا ترَاهَا وَلَا تكون من أَهلهَا قَالَ: بلَى أُرِيد ذَلِك ليَكُون أَشد لرهبتني وخوفي مِنْهَا فَانْطَلق إِلَى بَاب من أَبْوَاب جَهَنَّم فَنَادَى بعض خزنتها فَأَجَابُوهُ وَقَالُوا: من هَذَا قَالَ: أَنا ملك الْمَوْت
فارتعدت فرائصهم - قَالُوا: أمرت فِينَا بِأَمْر فَقَالَ: لَو أمرت فِيكُم بِأَمْر مَا ناظرتكم وَلَكِن نَبِي الله إِدْرِيس - عَلَيْهِ السَّلَام - سَأَلَني أَن تروه لمحة من النَّار
ففتحوا لَهُ قدر ثقب الْمخيط فَأَصَابَهُ من حرهَا ولهبها وزفيرها مَا صعق [هـ] فَقَالَ ملك الْمَوْت: أغلقوا فأغلقوا فَمسح ملك الْمَوْت وَجهه وَهُوَ يَقُول: يَا نَبِي الله مَا كنت أحب أَن يكون هَذَا حظك من صحبتي
فَلَمَّا أَفَاق(5/520)
قَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: يَا نَبِي الله كَيفَ رَأَيْت قَالَ: يَا ملك الْمَوْت كنت أحدث وأسمع فَإِذا هُوَ أعظم مِمَّا كنت أحدث وأسمع فَقَالَ لَهُ: يَا ملك الْمَوْت قد بقيت لي حَاجَة أُخْرَى لم يبْق غَيرهَا
قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: تريني لمحة من الْجنَّة
قَالَ لَهُ ملك الْمَوْت - عَلَيْهِ السَّلَام: يَا نَبِي الله أبشر فَإنَّك إِن شَاءَ الله من خِيَار أَهلهَا وَأَنَّهَا إِن شَاءَ الله مقيلك ومصيرك
فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت إِنِّي أحب أَن أنظر إِلَيْهَا وَلَعَلَّ ذَلِك أَن يكون أَشد لشوقي وحرصي وطلبي فَذهب بِهِ إِلَى بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة فَنَادَى بعض خزنتها فَأَجَابُوهُ فَقَالُوا: من هَذَا قَالَ: ملك الْمَوْت
فارتعدت فرائصهم وَقَالُوا: أمرت فِينَا بِشَيْء فَقَالَ: لَو أمرت فِيكُم بِشَيْء مَا ناظرتكم وَلَكِن نَبِي الله إِدْرِيس - عَلَيْهِ السَّلَام - سَأَلَ أَن ينظر إِلَى لمحة من الْجنَّة فافتحوا
فَلَمَّا فتح أَصَابَهُ من بردهَا وطيبها وريحانها مَا أَخذ بِقَلْبِه فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت إِنِّي أحب أَن أَدخل الْجنَّة فَآكل أَكلَة من ثمارها وأشرب شربة من مَائِهَا فَلَعَلَّ ذَلِك أَن يكون أَشد لطلبتي ورغبتي وحرصي
فَقَالَ: ادخل
فَدخل فَأكل من ثمارها وَشرب من مَائِهَا
فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: اخْرُج يَا نَبِي الله قد أصبت حَاجَتك حَتَّى يردك الله مَعَ الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة
فاحتضن بساق شَجَرَة من شجر الْجنَّة وَقَالَ: مَا أَنا بِخَارِج مِنْهَا وَإِن شِئْت أَن أخاصمك خاصمتك
فَأوحى الله إِلَى ملك الْمَوْت: قاضه الْخُصُومَة
فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: مَا الَّذِي تخاصمني بِهِ يَا نَبِي الله فَقَالَ إِدْرِيس: قَالَ الله تَعَالَى (كل نفس ذائقة الْمَوْت) (آل عمرَان الْآيَة 185) فقد ذقت الْمَوْت الَّذِي كتبه الله على خلقه مرّة وَاحِدَة
وَقَالَ الله: {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها كَانَ على رَبك حتما مقضيا} (مَرْيَم آيَة 76) وَقد وردتها أفأردها مرّة بعد مرّة وَإِنَّمَا كتب الله وُرُودهَا على خلقه مرّة وَاحِدَة وَقَالَ لأهل الْجنَّة: (وَمَا هم مِنْهَا بمخرجين) (الْحجر آيَة 48) أفأخرج من شَيْء سَاقه الله إليّ فَأوحى الله إِلَى ملك الْمَوْت: خصمك عَبدِي إِدْرِيس وَعِزَّتِي وَجَلَالِي: إِن فِي سَابق علمي قبل أَن أخلقه أَنه لَا موت عَلَيْهِ إِلَّا الموتة الَّتِي ماتها وَأَنه لَا يرى جَهَنَّم غلا [خلا] الْورْد الَّذِي وردهَا وَأَنه يدْخل الْجنَّة فِي السَّاعَة الَّتِي دَخلهَا وَأَنه لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا فَدَعْهُ يَا ملك الْمَوْت(5/521)
فقد خصمك وَإنَّهُ احْتج عَلَيْك بِحجَّة قَوِيَّة
فَلَمَّا قر قَرَار إِدْرِيس فِي الْجنَّة وألزمه الله دُخُولهَا قبل الْخَلَائق عجت الْمَلَائِكَة إِلَى رَبهم فَقَالُوا: رَبنَا خلقت [خلقتنا قبل] إِدْرِيس بِكَذَا وَكَذَا ألف سنة - وَلم نعصك طرفَة عين وَإِنَّمَا خلقت إِدْرِيس مُنْذُ أَيَّام قَلَائِل فأدخلته الْجنَّة قبلنَا فَأوحى الله إِلَيْهِم: يَا ملائكتي إِنَّمَا خلقتكم لعبادتي وتسبيحي وذكري وَجعلت فِيهَا لذتكم وَلم أجعَل لكم لَذَّة فِي مطعم وَلَا مشرب وَلَا فِي شَيْء سواهَا وقوّيتكم عَلَيْهَا وَجعلت فِي الأَرْض الزِّينَة والشهوات وَاللَّذَّات والمعاصي والمحارم وَإنَّهُ اجْتنب ذَلِك كُله من أَجلي وآثر هواي على هَوَاهُ ورضاي ومحبتي على رِضَاهُ ومحبته فَمن أَرَادَ مِنْكُم أَن يدْخل مدْخل إِدْرِيس فليهبط إِلَى الأَرْض فليعبدني بِعبَادة إِدْرِيس وَيعْمل بِعَمَل إِدْرِيس فَإِن عمل مثل إِدْرِيس أدخلهُ مدْخل إِدْرِيس وَإِن غير أَو بدل اسْتوْجبَ مدْخل الظَّالِمين
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: رَبنَا لَا نطلب ثَوابًا وَلَا تصيبنا بعقاب رَضِينَا بمكاننا مِنْك يَا رب وفضيلتك إيانا
وانتدب ثَلَاثَة من الْمَلَائِكَة: هاروت وماروت وَملك آخر رَضوا بِهِ فَأوحى الله إِلَيْهِم: أما إِذا اجْتَمَعْتُمْ على هَذَا فاحذروا إِن نفعكم الحذر فَإِنِّي أنذركم اعلموا أَن أكبر الْكَبَائِر عِنْدِي أَربع: - فَمَا عملتم سواهَا غفرته لكم وَإِن عملتموها لم أَغفر لكم
قَالُوا وَمَا هِيَ قَالَ: أَن لَا تعبدوا صنماً وَلَا تسفكوا دَمًا وَلَا تشْربُوا خمرًا وَلَا تطؤوا محرما
فهبطوا إِلَى الأَرْض على ذَلِك فَكَانُوا فِي الأَرْض على مثل مَا كَانَ عَلَيْهِ إِدْرِيس: يُقِيمُونَ أَرْبَعَة أَيَّام فِي سياحتهم وَثَلَاثَة أَيَّام يعلمُونَ النَّاس الْخَيْر ويدعونهم إِلَى عبَادَة الله تَعَالَى وطاعته
حَتَّى ابْتَلَاهُم الله بالزهرة وَكَانَت من أجمل النِّسَاء فَلَمَّا نظرُوا إِلَيْهَا افتتنوا بهَا -[لما] أَرَادَ الله وَلما سبق عَلَيْهِم فِي علمه مَعَ خذلان الله إيَّاهُم - فنسوا مَا تقدم إِلَيْهِم فَسَأَلُوهَا نَفسهَا
قَالَت لَهُم: نعم وَلَكِن لي زوج لَا أقدر على مَا تُرِيدُونَ مني إِلَّا أَن تقتلوه وأكون لكم
فَقَالَ بَعضهم لبَعض: إِنَّا قد أمرنَا أَن لَا نسفك دَمًا وَلَا نَطَأ محرما وَلَكِن نَفْعل هَذَا مَعَ هَذَا ثمَّ نتوب من هَذَا كُله
فَلَمَّا أحس الثَّالِث بالفتنة عصمه الله من ذَلِك كُله بالسماء فَدَخلَهَا فنجا وَأقَام هاروت وماروت لما كتب عَلَيْهِمَا فنشدا على زَوجهَا فقتلاه
فَلَمَّا أراداها قَالَ [قَالَت] : لي صنم أعبده وَأَنا أكره مَعْصِيَته وخلافه فَإِن أردتما فاسجدا لَهُ سَجْدَة وَاحِدَة
فدعتهما الْفِتْنَة إِلَى ذَلِك فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: إِنَّا قد أمرنَا أَن لَا نسفك دَمًا وَلَا نَطَأ حرما وَلَكنَّا نفعله ثمَّ نتوب من(5/522)
جَمِيعه فسجدوا لذَلِك الصَّنَم
فَلَمَّا أراداها قَالَت لَهما: قد بقيت لي حَاجَة أُخْرَى
قَالَا: وَمَا هِيَ قَالَت: لي شراب لَا يطيب لي من الْعَيْش إِلَّا بِهِ
قَالَا: وَمَا هُوَ قَالَت: الْخمر
فدعتهما الْفِتْنَة إِلَى ذَلِك فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: إِنَّا قد أمرنَا أَن لَا نشرب خمرًا فَقَالَ الآخر: إِنَّا قد أمرنَا أَن لَا نسفك دَمًا وَلَا نَطَأ محرما وَلَكنَّا نفعله ثمَّ نتوب من جَمِيعه
فشربا الْخمر
فَلَمَّا أراداها قَالَت: قد بقيت لي حَاجَة أُخْرَى
قَالَا: وَمَا هِيَ قَالَت: تعلماني الْكَلَام الَّذِي تعرجان بِهِ إِلَى السَّمَاء
فعلماها إِيَّاه فَلَمَّا تَكَلَّمت بِهِ عرجت إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا انْتَهَت إِلَى السَّمَاء مسخت نجماً فَلَمَّا ابتليا بِمَا ابتليا بِهِ عرجا إِلَى السَّمَاء فغلقت أَبْوَاب السَّمَاء دونهمَا وَقيل لَهما أَن السَّمَاء لَا يدخلهَا خطاء فَلَمَّا منعا من دُخُول السَّمَاء وعلما أَنَّهُمَا قد افتتنا وابتليا عجا إِلَى الله بِالدُّعَاءِ والتضرع والإبتهال فَأوحى الله إِلَيْهِمَا: حل عَلَيْكُمَا سخطي وَوَجَبَت فِيمَا تعرضتما واستوجبتما وَقد كنتما مَعَ ملائكتي فِي طَاعَتي وعبادتي حَتَّى عصيتما فصرتما بذلك إِلَى مَا صرتما إِلَيْهِ من معصيتي وَخلاف أَمْرِي فاختارا إِن شئتما عَذَاب الدُّنْيَا وَإِن شئتما عَذَاب الْآخِرَة
فعلما أَن عَذَاب الدُّنْيَا وَإِن طَال فمصيره إِلَى زَوَال وَأَن عَذَاب الْآخِرَة لَيْسَ لَهُ زَوَال وَلَا انْقِطَاع فاختارا عَذَاب الدُّنْيَا فهما بِبَابِل معلقين منكوسين مُقرنين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق دَاوُد بن أبي هِنْد عَن بعض أَصْحَابه قَالَ: كَانَ ملك الْمَوْت صديقا لإدريس عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ إِدْرِيس يَوْمًا: يَا ملك الْمَوْت قَالَ: لبيْك
قَالَ: أمتني فأرني كَيفَ الْمَوْت قَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: سُبْحَانَ الله يَا إِدْرِيس إِنَّمَا يفر أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض من الْمَوْت وتسألني أَن أريك كَيفَ الْمَوْت قَالَ: إِنِّي أحب أَن أرَاهُ فَلَمَّا ألح عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: يَا إِدْرِيس أَنا عبد مَمْلُوك مثلك وَلَيْسَ إليّ من الْأَمر شَيْء
قَالَ: فَصَعدَ ملك الْمَوْت فَقَالَ: رب إِن عَبدك سَأَلَني أَن أريه الْمَوْت كَيفَ هُوَ قَالَ الله لَهُ: فأمته
فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: يَا إِدْرِيس إِنَّمَا يفر الْخلق من الْمَوْت قَالَ: فأرني
فَلَمَّا مَاتَ بَقِي ملك الْمَوْت لَا يَسْتَطِيع أَن يرد نَفسه إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رب قد ترى مَا إِدْرِيس فِيهِ فَرد الله إِلَيْهِ روحه فَمَكثَ مَا شَاءَ حَيا ثمَّ قَالَ يَا ملك الْمَوْت: أدخلني الْجنَّة فَأنْظر إِلَيْهَا قَالَ لَهُ: يَا إِدْرِيس إِنَّمَا أَنا عبد مَمْلُوك مثلك لَيْسَ إليّ من الْأَمر شَيْء فألح عَلَيْهِ فَقَالَ ملك الْمَوْت: يَا رب إِن عبد إِدْرِيس قد ألح عليّ فَسَأَلَنِي أَن(5/523)
أدخلهُ الْجنَّة فيراها وَقد قلت لَهُ: إِنَّمَا أَنا عبد مثلك وَلَيْسَ إليّ من الْأَمر شَيْء
قَالَ الله: فَأدْخلهُ الْجنَّة قَالَ: إِن الله علم من إِدْرِيس مَا لَا أعلم أَنا فاحتمله ملك الْمَوْت فَأدْخلهُ الْجنَّة فَكَانَ فِيهَا مَا شَاءَ الله فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: اخْرُج بِنَا
قَالَ: لَا
قَالَ الله: (أفما نَحن بميتين إِلَّا موتنا الأولى) (الصافات آيَة 58) وَقَالَ الله: (وَمَا هم مِنْهَا بمخرجين) (الحجرات آيَة 48) وَمَا أَنا بِخَارِج مِنْهَا قَالَ ملك الْمَوْت: يَا رب قد تسمع مَا يَقُول عَبدك إِدْرِيس
قَالَ الله لَهُ: صدق عَبدِي هُوَ أعلم مِنْك فَاخْرُج مِنْهَا ودعه فِيهَا
فَقَالَ الله: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِدْرِيس إِنَّه كَانَ صديقا نَبيا وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} مَرْيَم آيَة 57 - 58 قَالَ: كَانَ إِدْرِيس أول نَبِي بَعثه الله فِي الأَرْض وَإنَّهُ كَانَ يعْمل فيرفع عمله مثل نصف أَعمال النَّاس ثمَّ إِن ملكا من الْمَلَائِكَة أحبه فَسَأَلَ الله أَن يَأْذَن لَهُ فيأتيه فَأذن لَهُ فَأَتَاهُ فَحَدَّثته بكرامته على الله فَقَالَ: يَا أَيهَا الْملك أَخْبرنِي كم بَقِي من أَجلي لعَلي أجتهد لله فِي الْعَمَل
قَالَ: يَا إِدْرِيس لَا يعلم هَذَا إِلَّا الله
قَالَ: فَهَل تَسْتَطِيع أَن تصعد بِي إِلَى السَّمَاء فَأنْظر فِي ملك الله فأجتهد لله فِي الْعَمَل
قَالَ: لَا إِلَّا أَن تشفع
فتشفع فَأمر بِهِ
فَحَمله تَحت جناحيه فَصَعدَ بِهِ حَتَّى إِذا بلغ السَّمَاء السَّادِسَة اسْتقْبل ملك الْمَوْت نازلاً من عِنْد الله فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت أَيْن تُرِيدُ قَالَ: أَقبض نفس إِدْرِيس
قَالَ: وَأَيْنَ أمرت أَن تقبض نَفسه قَالَ: فِي السَّمَاء السَّادِسَة
فَذهب الْملك ينظر إِلَى إِدْرِيس فَإِذا هُوَ برجليه يخفقان قد مَاتَ فَوَضعه فِي السَّمَاء السَّادِسَة
الْآيَة 58(5/524)
أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)
أخرج ابْن أبي حتم عَن السّديّ فِي قَوْله: {فَأُولَئِك مَعَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين} قَالَ: هَذِه تَسْمِيَة الْأَنْبِيَاء الَّذين ذكرهم
أما من ذُرِّيَّة آدم: فإدريس ونوح وَأما من حمل مَعَ نوح: فإبراهيم - وَأما ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم: فإسماعيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب
وَأما بني اسرئيل: فموسى هَارُون وزَكَرِيا وَيحيى وَعِيسَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {واجتبينا} قَالَ خلصنا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قيس بن سعد قَالَ: جَاءَ ابْن عَبَّاس حَتَّى قَامَ على عبيد بن عُمَيْر وَهُوَ يقص فَقَالَ: {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِبْرَاهِيم إِنَّه كَانَ صديقا نَبيا} مَرْيَم آيَة 42 {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِسْمَاعِيل} مَرْيَم آيَة 54 {وَاذْكُر فِي الْكتاب إِدْرِيس} الْآيَة
حَتَّى بلغ {أُولَئِكَ الَّذين أنعم الله عَلَيْهِم من النَّبِيين} قَالَ ابْن عَبَّاس: (ذكرهم بأيام الله) (إِبْرَاهِيم آيَة 6) وأثن على من أثنى الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْبكاء وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر بن الْخطاب: أَنه قَرَأَ سُورَة مَرْيَم فَسجدَ ثمَّ قَالَ: هَذَا السُّجُود فَأَيْنَ الْبكاء
الْآيَة 59 - 65(5/525)
فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا (63) وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {فخلف من بعدهمْ خلف} قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فخلف من بعدهمْ خلف} قَالَ: من هَذِه الْأمة يتراكبون فِي الطّرق كَمَا تراكب الْأَنْعَام لَا يستحيون من النَّاس وَلَا يخَافُونَ من الله فِي السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة} قَالَ: عِنْد قيام السَّاعَة - ذهَاب صَالح أمة مُحَمَّد - ينزو بَعضهم إِلَى بعض فِي الآزقة زناة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {أضاعوا الصَّلَاة} يَقُول: تركُوا الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة} قَالَ: لَيْسَ إضاعتها تَركهَا قد يضيع الْإِنْسَان الشَّيْء وَلَا يتْركهُ وَلَكِن إضاعتها إِذا لم يصلها لوَقْتهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله: {أضاعوا الصَّلَاة} قَالَ: صلوها لغير وَقتهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن مخيمرة فِي قَوْله: {أضاعوا الصَّلَاة} قَالَ: أخروا الصَّلَاة عَن ميقاتها وَلَو تركوها كفرُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن عمر بن عبد الْعَزِيز فِي قَوْله: {أضاعوا الصَّلَاة} قَالَ: لم يكن إضاعتها تَركهَا وَلَكِن أضاعوا الْمَوَاقِيت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: وَالله إِنِّي لأجد صفة الْمُنَافِقين فِي التَّوْرَاة: شرابين للقهوات: تباعين للشهوات لعانين للكعبات رقادين عَن العتمات مفرطين فِي الغدوات تراكين للصلوات تراكين للجمعات ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة وَاتبعُوا الشَّهَوَات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الْأَشْعَث قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: أَن الْقُلُوب الْمُعَلقَة بشهوات الدُّنْيَا عني محجوبة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة قَالَ: اغْتَسَلت أَنا وَآخر فرآنا عمر بن الْخطاب وأحدنا ينظر إِلَى صَاحبه فَقَالَ: إِنِّي لأخشى(5/526)
أَن تَكُونَا من الْخلف الَّذين قَالَ الله فيهم: {فخلف من بعدهمْ خلف أضاعوا الصَّلَاة وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غياً}
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتلا هَذِه الْآيَة {فخلف من بعدهمْ خلف} فَقَالَ: يكون خلف من عبد سِتِّينَ سنة {أضاعوا الصَّلَاة وَاتبعُوا الشَّهَوَات فَسَوف يلقون غيا} ثمَّ يكون خَلَفٌ: يقرؤون الْقُرْآن لَا يعدو تراقيهم وَيقْرَأ الْقُرْآن ثَلَاثَة: مُؤمن ومنافق وَفَاجِر
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عقبَة بن عَامر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: سيهلك من أمتِي أهل الْكتاب وَأهل اللين قلت يَا رَسُول الله: مَا أهل الْكتاب قَالَ: قوم يتعلمون الْكتاب يجادلون بِهِ الَّذين آمنُوا فَقلت: مَا أهل اللين قَالَ: قوم يتبعُون الشَّهَوَات ويضيعون الصَّلَوَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحكم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت ترسل بِالصَّدَقَةِ لأهل الصَّدَقَة وَتقول: لَا تعطوا مِنْهَا بربرياً وَلَا بربرية فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: هم الْخلف الَّذين قَالَ الله: {فخلف من بعدهمْ خلف}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يكون فِي أمتِي من يقتل على الْغَضَب ويرتشي فِي الحكم ويضيع الصَّلَوَات وَيتبع الشَّهَوَات وَلَا تردّ لَهُ راية قيل: يَا رَسُول الله أَمُؤْمِنُونَ هم قَالَ: بِالْإِيمَان يقرؤون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَسَوف يلقون غياً} قَالَ: خسراً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طرق عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {فَسَوف يلقون غياً} قَالَ: الغي نهر أَو وَاد من جَهَنَّم من قيح بعيد القعر خَبِيث الطّعْم يقذف فِيهِ الَّذين يتبعُون الشَّهَوَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْبَراء بن عَازِب فِي الْآيَة قَالَ: الغي وَاد فِي جَهَنَّم بعيد القعر منتن الرّيح
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي أُمَامَة(5/527)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَن صَخْرَة زنة عشرَة أَوَاقٍ قذف بهَا من شَفير جَهَنَّم مَا بلغت قعرها سبعين خَرِيفًا ثمَّ تَنْتَهِي إِلَى غي وأثام قلت: مَا غي وأثام قَالَ: نهران فِي أَسْفَل جَهَنَّم يسيل فِيهَا صديد أهل النَّار وهم اللَّذَان ذكر الله فِي كِتَابه {فَسَوف يلقون غياً} {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاماً} الْفرْقَان آيَة 68
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق نهشل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الغي وَاد فِي جَهَنَّم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة فِي قَوْله: {غياً} قَالَت: نهر فِي جَهَنَّم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن شقي بن ماتع قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم وَاديا يُسمى {غياً} يسيل دَمًا وقيحاً فَهُوَ لمن خلق لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يلقون غياً} قَالَ: سوءا {إِلَّا من تَابَ} قَالَ: من ذَنبه {وآمن} قَالَ: بربه {وَعمل صَالحا} قَالَ: بَينه وَبَين الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} قَالَ بَاطِلا
وَأخرج عبد بن حميد وهناد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ فِيهَا لَغوا} قَالَ: لَا يستبون
وَفِي قَوْله: {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشياً} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا بكرَة وَلَا عشي يُؤْتونَ بِهِ على النَّحْو الَّذِي يحبونَ من البكرة والعشي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشياً} قَالَ: يُؤْتونَ بِهِ فِي الْآخِرَة على مِقْدَار مَا كَانُوا يُؤْتونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ: سَأَلت زُهَيْر بن مُحَمَّد عَن قَوْله: {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا} قَالَ: لَيْسَ فِي الْجنَّة ليل وَلَا شمس وَلَا قمر هم فِي نور أبدا وَلَهُم مِقْدَار اللَّيْل وَالنَّهَار يعْرفُونَ مِقْدَار(5/528)
اللَّيْل بإرخاء الْحجب وإغلاق الْأَبْوَاب ويعرفون مِقْدَار النَّهَار بِرَفْع الْحجب وَفتح الْأَبْوَاب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول من طَرِيق أبان عَن الْحسن وَأبي قلَابَة قَالَا: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله هَل فِي الْجنَّة من ليل قَالَ: وَمَا هيجك على هَذَا قَالَ: سَمِعت الله يذكر فِي الْكتاب {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشياً} فَقلت اللَّيْل من البكرة والعشي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ هُنَاكَ ليل وَإِنَّمَا هُوَ ضوء نور يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدوّ وتأتيهم طرف الْهَدَايَا من الله لمواقيت الصَّلَوَات الَّتِي كَانُوا يصلونَ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وتسلم عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: كَانَت الْعَرَب فِي زمانها إِنَّمَا لَهَا أَكلَة وَاحِدَة فَمن أصَاب اثْنَتَيْنِ سمي فلَانا الناعم
فَأنْزل الله تَعَالَى يرغب عباده فِيمَا عِنْده {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: كَانُوا يعدون النَّعيم أَن يتغدى الرجل ثمَّ يتعشى
قَالَ الله لأهل الْجنَّة: {وَلَهُم رزقهم فِيهَا بكرَة وعشيا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من غَدَاة من غدوات الْجنَّة كل الْجنَّة غدوات إِلَّا أَن يزف إِلَى وليّ الله تَعَالَى فِيهَا زَوْجَة من الْحور الْعين أدناهن الَّتِي خلقت من زعفران
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {تِلْكَ الْجنَّة الَّتِي نورث} بالنُّون مُخَفّفَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شودب فِي قَوْله: {تِلْكَ الْجنَّة الَّتِي نورث من عبادنَا} قَالَ: لَيْسَ من أحد إِلَّا وَله فِي الْجنَّة منزل وَأَزْوَاج فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة ورث الله الْمُؤمن كَذَا وَكَذَا منزلا من منَازِل الْكفَّار
فَذَلِك قَوْله: {من عبادنَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن دَاوُد بن أبي هِنْد فِي قَوْله: {من كَانَ تقياً} قَالَ: موحداً
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس(5/529)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل: مَا يمنعك أَن تَزُورنَا أَكثر مِمَّا تَزُورنَا فنزات: {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك} إِلَى آخر الْآيَة
زَاد ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم فَكَانَ ذَلِك الْجَواب لمُحَمد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَي الْبِقَاع أحب إِلَى الله وأيها أبغضها إِلَى الله قَالَ: مَا أَدْرِي حَتَّى أسأَل جِبْرِيل وَكَانَ قد أَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ: لقد أَبْطَأت عليّ حَتَّى ظَنَنْت أَن بربي عليّ موجدة
فَقَالَ: {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: أَبْطَأَ جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ نزل فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عليهه وَسلم: مَا نزلت حَتَّى اشْتقت إِلَيْك فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: أَنا كنت إِلَيْك أشوق وَلَكِنِّي مَأْمُور فَأوحى الله إِلَى جِبْرِيل أَن قل لَهُ: {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: احْتبسَ جِبْرِيل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة حَتَّى حزن وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَشَكا إِلَى خَدِيجَة فَقَالَت خَدِيجَة: لَعَلَّ رَبك قد وَدعك أَو قلاك فَنزل جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة: (مَا وَدعك رَبك وَمَا قلى) (الضُّحَى آيَة 2) قَالَ: يَا جِبْرِيل احْتبست عني حَتَّى سَاءَ ظَنِّي فَقَالَ جِبْرِيل: {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: لبث جِبْرِيل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اثْنَتَيْ عشرَة لَيْلَة فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ: لقد رثت حَتَّى ظن الْمُشْركُونَ كل ظن فَنزلت الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: أَبْطَأت الرُّسُل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: مَا حَبسك عني قَالَ: كَيفَ نأتيكم وَأَنْتُم لَا تقصون أظفاركم وَلَا تنقون براجمكم وَلَا تأخذون شواربكم وَلَا تستاكون وَقَرَأَ {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: احْتبسَ جِبْرِيل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك وحزن فَأَتَاهُ جِبْرِيل وَقَالَ: يَا مُحَمَّد: {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك لَهُ مَا بَين أَيْدِينَا} يَعْنِي من الدُّنْيَا {وَمَا خلفنا} يَعْنِي من الْآخِرَة(5/530)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {لَهُ مَا بَين أَيْدِينَا} قَالَ: الدُّنْيَا {وَمَا خلفنا} قَالَ: الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {لَهُ مَا بَين أَيْدِينَا} قَالَ: من أَمر الْآخِرَة {وَمَا خلفنا} من أَمر الدُّنْيَا {وَمَا بَين ذَلِك} مَا بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا بَين ذَلِك} قَالَ: مَا بَين النفختين
وَأخرج هناد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة {وَمَا بَين ذَلِك} قَالَ: مَا بَين النفختين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَمَا كَانَ رَبك نسيا} قَالَ: {وَمَا كَانَ رَبك} لينساك يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الدَّرْدَاء رفع الحَدِيث قَالَ: مَا أحل الله فِي كِتَابه فَهُوَ حَلَال وَمَا حرم فَهُوَ حرَام وَمَا سكت عَنهُ فَهُوَ عَافِيَة فاقبلوا من الله عافيته فَإِن الله لم يكن لينسى شَيْئا
ثمَّ تَلا {وَمَا كَانَ رَبك نسيا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث جَابر مثله
وَأخرج الْحَاكِم عَن سلمَان سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السّمن والجبن [] وَالْفراء فَقَالَ: الْحَلَال مَا أحل الله فِي كِتَابه وَالْحرَام مَا حرم الله فِي كِتَابه وَمَا سكت عَنهُ فَهُوَ مِمَّا عَفا عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {هَل تعلم لَهُ سميا} قَالَ: هَل تعلم للرب مثلا أَو شبها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {هَل تعلم لَهُ سميا} قَالَ: لَيْسَ أحد يُسمى الرَّحْمَن غَيره
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {هَل تعلم لَهُ سميا} يَا مُحَمَّد هَل تعلم لإلهك من ولد(5/531)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {هَل تعلم لَهُ سميا} قَالَ: هَل تعلم لَهُ ولد قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: أما السمي فَأَنت مِنْهُ مكثر وَالْمَال مَال يغتدي وَيروح
الْآيَة 66 - 79(5/532)
وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66) أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (67) فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا (69) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا (70) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75) وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا (76) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَيَقُول الْإِنْسَان} الْآيَة قَالَ: قَالَهَا العَاصِي بن وَائِل(5/532)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لسوف أخرج} بِرَفْع الْألف {أَولا يذكر الْإِنْسَان} خَفِيفَة بِنصب الْيَاء وَرفع الْكَاف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {جثياً} قَالَ: قعُودا
وَفِي قَوْله {عتياً} قَالَ: مَعْصِيّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {عتيا} قَالَ: عصيا
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا أَدْرِي كَيفَ قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {عتياً} أَو {جثياً} فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا بِالضَّمِّ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن باباه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَأَنِّي أَرَاكُم بالكوم دون جَهَنَّم جاثين
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {جثياً} بِرَفْع الْجِيم و {عتيا} بِرَفْع الْعين وصليا بِرَفْع الصَّاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حول جَهَنَّم جثياً} قَالَ: قيَاما
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ثمَّ لننزعن} قَالَ لنبدأن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ثمَّ لننزعن} الْآيَة: قَالَ: {لننزعن من كل} أهل دين قادتهم ورؤوسهم فِي الشَّرّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {أَيهمْ أَشد على الرَّحْمَن عتياً} قَالَ: فِي الدُّنْيَا
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْأَحْوَص {ثمَّ لننزعن من كل شيعَة} الْآيَة
قَالَ: يبْدَأ بالأكابر فالأكابر جرما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يحْشر الأوّل على الآخر حَتَّى إِذا تكاملت الْعدة أثارهم جَمِيعًا ثمَّ بَدَأَ بالأكابر فالأكابر جرما ثمَّ قَرَأَ {فوربك لنحشرنهم} إِلَى قَوْله: {عتياً}
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لننزعن من كل شيعَة} قَالَ: من كل أمة أَشد على الرَّحْمَن {عتياً} قَالَ: كفرا(5/533)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ثمَّ لنَحْنُ أعلم بالذين هم أولى بهَا صلياً} يَقُول: إِنَّهُم أولى بالخلود فِي جَهَنَّم
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة وَابْن جرير بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة مدت الأَرْض مد الْأَدِيم وَزيد فِي سعتها كَذَا وَكَذَا وَجمع الْخَلَائق بصعيد وَاحِد جنهم وإنسهم فَإِذا كَانَ ذَلِك الْيَوْم قيضت هَذِه السَّمَاء الدُّنْيَا عَن أَهلهَا على وَجه الأَرْض وَلأَهل السَّمَاء وحدهم أَكثر من أهل الأَرْض جنهم وإنسهم بِضعْف فَإِذا نثروا على وَجه الأَرْض فزعوا إِلَيْهِم فَيَقُولُونَ: أفيكم رَبنَا فيفزعون من قَوْلهم وَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ رَبنَا لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ
ثمَّ تقاض السَّمَاء الثَّانِيَة وَلأَهل السَّمَاء الثَّانِيَة وحدهم أَكثر من أهل السَّمَاء الدُّنْيَا وَمن جَمِيع أهل الأَرْض بِضعْف جنهم وإنسهم فَإِذا نثروا على وَجه الأَرْض فزع إِلَيْهِم أهل الأَرْض فَيَقُولُونَ: أفيكم رَبنَا فيفزعون من قَوْلهم وَيَقُولُونَ: سُبْحَانَ رَبنَا لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ ثمَّ تقاض السَّمَوَات: سَمَاء سَمَاء كلما قيضت سَمَاء عَن أَهلهَا كَانَت أَكثر من أهل السَّمَوَات الَّتِي تحتهَا وَمن جَمِيع أهل الأَرْض بِضعْف فَإِذا نثروا على أهل الأَرْض يفزع إِلَيْهِم أهل الأَرْض فَيَقُولُونَ لَهُم مثل ذَلِك فيرجعون إِلَيْهِم مثل ذَلِك حَتَّى تقاض السَّمَاء السَّابِعَة فلأهل السَّمَاء السَّابِعَة أَكثر من أهل سِتّ سموات وَمن جَمِيع أهل الأَرْض بِضعْف فَيَجِيء الله فيهم والأمم جثيّ صُفُوف فينادي مُنَاد: ستعلمون الْيَوْم من أَصْحَاب الْكَرم ليقمْ الْحَمَّادُونَ لله على كل حَال فَيقومُونَ فَيسرحُونَ إِلَى الْجنَّة ثمَّ يُنَادي الثَّانِيَة: ستعلمون الْيَوْم من أَصْحَاب الْكَرم أَيْن الَّذين كَانَت (تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ) (السَّجْدَة آيَة 16) فَيقومُونَ فَيسرحُونَ إِلَى الْجنَّة ثمَّ يُنَادي الثَّالِثَة ستعلمون الْيَوْم من أَصْحَاب الْكَرم أَيْن الَّذين (لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة يخَافُونَ يَوْمًا تتقلب فِيهِ الْقُلُوب والأبصار) (النُّور آيَة 37) فَيقومُونَ فَيسرحُونَ إِلَى الْجنَّة
فَإِذا أَخذ كل من هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة خرج عنق من النَّار فَأَشْرَف(5/534)
عَليّ الْخَلَائق لَهُ عينان تبصران ولسان فصيح فَيَقُول: إِنِّي وكلت مِنْكُم بِثَلَاثَة: بِكُل جَبَّار عنيد فتلتقطهم من الصُّفُوف لقط الطير حب السمسم فتحبس بهم فِي جَهَنَّم ثمَّ تخرج ثَانِيَة فَتَقول: إِنِّي وكلت مِنْكُم بِمن آذَى الله تَعَالَى وَرَسُوله فتلتقطهم من الصُّفُوف لقط الطير حب السمسم فتحبس بهم فِي جَهَنَّم ثمَّ تخرج ثَالِثَة فَتَقول: إِنِّي وكلت بأصحاب التصاوير فتلقطهم من الصُّفُوف لقط الطير حب السمسم فتحبس بهم فِي جَهَنَّم فَإِذا أَخذ من هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة وَمن هَؤُلَاءِ ثَلَاثَة: نشرت الصُّحُف وَوضعت الموازين ودعي الْخَلَائق لِلْحسابِ
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سميَّة قَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُود فَقَالَ بَعْضنَا: لَا يدخلهَا مُؤمن وَقَالَ بَعضهم: يدْخلُونَهَا جَمِيعًا {ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا} فَلَقِيت جَابر بن عبد الله فَذكرت لَهُ فَقَالَ: وأهوى بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ صمتا إِن لم أكن سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يبْقى بر وَلَا فَاجر إِلَّا دَخلهَا فَتكون على الْمُؤمن بردا وَسلَامًا كَمَا كَانَت على إِبْرَاهِيم حَتَّى أَن للنار ضَجِيجًا من بردهمْ {ثمَّ ننجي الَّذين اتَّقوا وَنذر الظَّالِمين فِيهَا جثياً}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن مُجَاهِد قَالَ: خَاصم نَافِع بن الْأَزْرَق ابْن عَبَّاس فَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْوُرُود الدُّخُول: وَقَالَ نَافِع: لَا
فَقَرَأَ ابْن عَبَّاس (إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ) (الْأَنْبِيَاء آيَة 98) وَقَالَ: وردوا أم لَا وَقَرَأَ (يقدم قومه يَوْم الْقِيَامَة فأوردهم النَّار) (هود آيَة 98) أوردوا أم لَا أما أَنا وَأَنت فسندخلها فَانْظُر هَل نخرج مِنْهَا أم لَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها} قَالَ: يردُهَا البَرّ والفاجر
ألم تسمع قَوْله: (فأوردهم النَّار وَبئسَ الْورْد المورود) (هود آيَة 98) وَقَوله: {ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} مَرْيَم آيَة 86(5/535)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس: أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يطْلبُونَ الْعَاصِ بن وَائِل بدين فَأتوهُ يقايضونه فَقَالَ: ألستم تَزْعُمُونَ أَن فِي الْجنَّة ذَهَبا وَفِضة وَحَرِيرًا وَمن كل الثمرات قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَإِن مَوْعدكُمْ الْآخِرَة
وَالله لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا ولأوتين مثل كتابكُمْ الَّذِي جئْتُمْ بِهِ
فَقَالَ الله: {أَفَرَأَيْت الَّذِي كفر بِآيَاتِنَا} الْآيَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن قَالَ: كَانَ لرجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دين على رجل من الْمُشْركين فَأَتَاهُ يتقاضاه فَقَالَ أَلَسْت مَعَ هَذَا الرجل قَالَ: نعم
قَالَ أَلَيْسَ يزْعم أَن لكم جنَّة وَنَارًا وأموالاً وبنين قَالَ: بلَى
قَالَ: اذْهَبْ فلست بقاضيك إِلَّا ثمَّة
فأنزلت {أَفَرَأَيْت الَّذِي كفر بِآيَاتِنَا} إِلَى قَوْله: {ويأتينا فَردا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي اله عَنهُ فِي قَوْله: {أطلع الْغَيْب} يَقُول: أطلعه الله الْغَيْب يَقُول: مَاله فِيهِ {أم اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} بِعَمَل صَالح قدمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أم اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله يَرْجُو بهَا
وَالله أعلم
الْآيَة 80 - 82(5/536)
وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا (80) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (82)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ونرثه مَا يَقُول} قَالَ: مَاله وَولده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونرثه مَا يَقُول} قَالَ: مَاله وَولده وَذَاكَ الَّذِي قَالَ الْعَاصِ بن وَائِل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونرثه مَا يَقُول} قَالَ: مَا عِنْده
وَهُوَ قَوْله: {لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا} فِي حرف ابْن مَسْعُود / ونرثه مَا عِنْده ويأتينا فَردا / لَا مَال لَهُ وَلَا ولد(5/536)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي نهيك أَنه قَرَأَ {كلا سيكفرون بعبادتهم} بِرَفْع الْكَاف
قَالَ: يَعْنِي الْآلهَة كلهَا إِنَّهُم {سيكفرون بعبادتهم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِم ضداً} قَالَ: أعواناً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِم ضداً} قَالَ: أوثانهم يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار تكون عَلَيْهِم عوناً يَعْنِي أوثانهم تخاصمهم وتكذبهم يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِم ضداً} قَالَ: حسرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِم ضداً} قَالَ: قرناء فِي النَّار يلعن بَعضهم بَعْضًا ويتبرأ بَعضهم من بعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِم ضداً} قَالَ: أَعدَاء
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِم ضداً} مَا الضِّدّ قَالَ: قَالَ فِيهِ حَمْزَة بن عبد الْمطلب: وان تَكُونُوا لَهُم ضداً نَكُنْ لكم ضدا بغلباء مثل اللَّيْل مَكْتُوم
الْآيَة 83 - 87(5/537)
أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83) فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (84) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86) لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (87)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزاً} قَالَ: تغويهم إغواء(5/537)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {تؤزهم} قَالَ: تحرض الْمُشْركين على مُحَمَّد وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {تؤزهم أزاً} تشليهم أشلاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {تؤزهم أزاً} قَالَ: تزعجهم إزعاجاً إِلَى معاصي الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {ألم تَرَ أنَّا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزاً} قَالَ: كَقَوْلِه: (وَمن يَعش عَن ذكر الرَّحْمَن نقيض لَهُ شَيْطَانا) (الزخرف آيَة 36)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس: إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {تؤزهم أزاً} قَالَ: توقدهم وقوداً
قَالَ فِيهِ الشَّاعِر: حَكِيم أَمِين لَا يُبَالِي بخلبة إِذا أزه الأقوام لم يترمرم وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّمَا نعد لَهُم عدا} يَقُول: أنفاسهم الَّتِي يتنفسون فِي الدُّنْيَا فَهِيَ مَعْدُودَة كسنهم وآجالهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ فِي قَوْله: {إِنَّمَا نعد لَهُم عدا} قَالَ: كل شَيْء حَتَّى النَّفس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} قَالَ: ركباناً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} قَالَ: على الإِبل
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} قَالَ: على نَجَائِب رواحلها من زمرد وَيَاقُوت وَمن أَي لون شَاءَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} قَالَ: إِلَى الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} قَالَ: يفدون إِلَى رَبهم فيكرمون ويعطون ويحيون ويشفعون
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ(5/538)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على ثَلَاث طرائق: راغبين وراهبين وَاثْنَانِ على بعير وَثَلَاثَة على بعير وَأَرْبَعَة على بعير وَعشرَة على بعير وتحشر بَقِيَّتهمْ النَّار تقيل مَعَهم حَيْثُ قَالُوا وتبيت مَعَهم حَيْثُ باتوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} قَالَ: أما وَالله مَا يحشرون على أَقْدَامهم وَلَا يساقون سوقاً وَلَكنهُمْ يُؤْتونَ من الْجنَّة لم تنظر الْخَلَائق إِلَى مثلهَا: رِحَالهَا الذَّهَب وَأَزِمَّتهَا الزبرجد فيقعدون عَلَيْهَا حَتَّى يقرعُوا بَاب الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد وَفِي زَوَائِد الْمسند وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} فَقَالَ: أما وَالله مَا يحْشر الْوَفْد على أَرجُلهم وَلَا يساقون سوقاً وَلَكنهُمْ يُؤْتونَ بِنُوق من نُوق الْجنَّة لم تنظر الْخَلَائق إِلَى مثلهَا عَلَيْهَا رحال الذَّهَب وَأَزِمَّتهَا الزبرجد فيركبون عَلَيْهَا حَتَّى يطرقوا بَاب الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن عَليّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} قلت: يَا رَسُول الله هَل الْوَفْد إِلَّا الركب قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم إِذا خَرجُوا من قُبُورهم استقبلوا بِنُوق بيض لَهَا أَجْنِحَة وَعَلَيْهَا رحال الذَّهَب شرك نعَالهمْ نور يتلألأ كل خطْوَة مِنْهَا مثل مد الْبَصَر وينتهون إِلَى بَاب الْجنَّة فَإِذا حَلقَة من ياقوتة حَمْرَاء على صَفَائِح الذَّهَب وَإِذا شَجَرَة على بَاب الْجنَّة يَنْبع من أَصْلهَا عينان فَإِذا شربوا من إِحْدَى الْعَينَيْنِ فتغسل مَا فِي بطونهم من دنس ويغتسلون من الْأُخْرَى فَلَا تشعث أبشارهم وَلَا أشعراهم بعْدهَا أبدا فيضربون بالحلقة على الصفيحة فَلَو سَمِعت طنين الْحلقَة يَا عَليّ فَيبلغ كل حوراء أَن زَوجهَا قد أقبل فتستخفها العجلة فتبعث قيمها فَيفتح لَهُ الْبَاب فَإِذا رَآهُ خر لَهُ سَاجِدا فَيَقُول: ارْفَعْ رَأسك فَإِنَّمَا أَنا قَيِّمُكَ وُكِّلْتُ بِأَمْرك
فيتبعه ويقفو أَثَره فتستخف الْحَوْرَاء العجلة فَتخرج من خيام الدّرّ والياقوت حَتَّى تعتنقه ثمَّ تَقول: أَنْت حبي وَأَنا حبك وَأَنا الراضية فَلَا أَسخط أبدا وَأَنا الناعمة فَلَا أبأس أبدا وَأَنا الخالدة فَلَا أَمُوت أبدا وَأَنا المقيمة فَلَا أظعن أبدا فَيدْخل بَيْتا(5/539)
من أساسه إِلَى سقفه مائَة ألف ذِرَاع بني على جندل اللُّؤْلُؤ والياقوت طرائق حمر وطرائق خضر وطرائق صفر مَا مِنْهَا طَريقَة تشاكل صاحبتها
وَفِي الْبَيْت سَبْعُونَ سريراً على كل سَرِير سَبْعُونَ فراشا عَلَيْهَا سَبْعُونَ زَوْجَة على كل زَوْجَة سَبْعُونَ حلةٍ يُرَى مخ سَاقهَا من وَرَاء الْحلَل يقْضِي جماعهن فِي مِقْدَار لَيْلَة من لياليكم هَذِه تجْرِي من تَحْتهم الْأَنْهَار أَنهَار مطردَة (أَنهَار من مَاء غير آسن) (مُحَمَّد آيَة 15) صَاف لَيْسَ فِيهِ كدور (وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه) (مُحَمَّد آيَة 15) وَلم يخرج من ضروع الْمَاشِيَة
(وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين) (مُحَمَّد آيَة 15) لم يعصرها الرِّجَال بأقدامها
(وأنهار من عسل مصفى) (مُحَمَّد آيَة 15) لم يخرج من بطُون النَّحْل فيستحلي الثِّمَار فَإِن شَاءَ أكل قَائِما وَإِن شَاءَ أكل قَاعِدا وَإِن شَاءَ أكل مُتكئا فيشتهي الطَّعَام فيأتيه طير بيض أَجْنِحَتهَا فيأكل من جنوبها أَي لون شَاءَ ثمَّ تطير فتذهب فَيدْخل الْملك فَيَقُول: (سَلام عَلَيْكُم) (الزمر آيَة 73) (تلكم الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ) (الْأَعْرَاف آيَة 43)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُسلم بن جَعْفَر البَجلِيّ قَالَ: سَمِعت أَبَا معَاذ الْبَصْرِيّ: أَن عليا قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهُم إِذا خَرجُوا من قُبُورهم يستقبلون بِنُوق لَهَا أَجْنِحَة عَلَيْهَا رحال الذَّهَب شرك نعَالهمْ نور تلألأ كل خطْوَة مِنْهَا مد الْبَصَر فينتهون إِلَى شَجَرَة يَنْبع من أَصْلهَا عينان فيشربون من احداهما فَيغسل مَا فِي بطونهم من دنس ويغتسلون من الْأُخْرَى فَلَا تشعث أبشارهم وَلَا أشعارهم بعْدهَا أبدا وتحري عَلَيْهِم نَضرة النَّعيم فَيَأْتُونَ بَاب الْجنَّة فَإِذا حَلقَة من ياقوتة حَمْرَاء على صَفَائِح الذَّهَب فيضربون بالحلقة على الصفحة فَيسمع لَهَا طنين فَيبلغ كل حوراء: أَن زَوجهَا قد أقبل فتبعث قَيِّمَهَا فَيفتح لَهُ فَإِذا رَآهُ خر لَهُ سَاجِدا فَيَقُول: ارْفَعْ رَأسك إِنَّمَا أَنا قَيِّمُكَ وُكِّلْتُ بِأَمْرك فيتبعه ويقفو أَثَره فتستخف الْحَوْرَاء العجلة فَتخرج من خيام الدّرّ والياقوت حَتَّى تعتنقه ثمَّ تَقول: أَنْت حبي وَأَنا حبك وَأَنا الخالدة الَّتِي لَا أَمُوت وَأَنا الناعمة الَّتِي لَا أبأس وَأَنا الراضية الَّتِي لَا أَسخط وَأَنا المقيمة الَّتِي لَا أظعن فَيدْخل بَيْتا من أسه إِلَى سقفه مائَة ألف ذِرَاع بِنَاؤُه على جندل اللُّؤْلُؤ طرائق: أصفر وأحمر(5/540)
وأخضر لَيْسَ مِنْهَا طَريقَة تشاكل صاحبتها فِي الْبَيْت سَبْعُونَ سريراً على كل سَرِير سَبْعُونَ حشية على كل حشية سَبْعُونَ زَوْجَة على كل زَوْجَة سَبْعُونَ حلةٍ يُرَى مخ سَاقهَا من بَاطِن الْحلَل يقْضِي جِمَاعهَا فِي مِقْدَار لَيْلَة من لياليكم هَذِه الْأَنْهَار من تَحْتهم تطرد: (أَنهَار من مَاء غير آسن) (مُحَمَّد آيَة 15) قَالَ: صَاف لَا كدر فِيهِ (وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه) (مُحَمَّد آيَة 15) قَالَ: لم يخرج من ضروع الْمَاشِيَة (وأنهار من خمر لَذَّة للشاربين) (مُحَمَّد آيَة 15) قَالَ: لم تعصرها الرِّجَال بأقدامها (وأنهار من عسل مصفى) (مُحَمَّد آيَة 15) قَالَ: لم يخرج من بطُون النَّحْل فيستحلي الثِّمَار فَإِن شَاءَ أكل قَائِما وَإِن شَاءَ أكل قَاعِدا وَإِن شَاءَ أكل مُتكئا
ثمَّ تَلا (ودانية عَلَيْهِم ظلالها) (مُحَمَّد آيَة 15) الْآيَة
فيشتهي الطَّعَام فيأتيه طير أَبيض وَرُبمَا قَالَ: أَخْضَر فَترفع أَجْنِحَتهَا فيأكل من جنوبها أَي الألوان شَاءَ ثمَّ يطير فَيذْهب فَيدْخل الْملك فَيَقُول: (سَلام عَلَيْكُم) (تلكم الْجنَّة الَّتِي أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} قَالَ: عطاشاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} قَالَ: ظماء إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد: {ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} قَالَ: متقطعة أَعْنَاقهم من الْعَطش
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة: {ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا} قَالَ: عطاشاً
وَأخرج هناد عَن الْحسن مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وتبرأ من الْحول والقوّة وَلَا يَرْجُو إِلَّا الله(5/541)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض شُفَعَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مقَاتل بن حَيَّان {إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} قَالَ: الْعَهْد الصّلاح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} قَالَ: من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا دخل الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أَدخل على مُؤمن سُرُورًا فقد سرني وَمن سرني فقد اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا وَمن اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا فَلَا تمسه النَّار
إِن الله لَا يخلف الميعاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ {إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا} قَالَ: إِن الله يَقُول يَوْم الْقِيَامَة: من كَانَ لَهُ عِنْدِي عهد فَليقمْ فَلَا يقوم إِلَّا من قَالَ هَذَا فِي الدُّنْيَا
قُولُوا اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة إِنِّي أَعهد إِلَيْك فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا أَنَّك أَن تَكِلنِي إِلَى نَفسِي تقربني(5/542)
من الشَّرّ وَتُبَاعِدنِي من الْخَيْر وَإِنِّي لَا أَثِق إِلَّا بِرَحْمَتك فاجعله لي عنْدك عهدا تُؤَدِّيه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إنكى لَا تخلف الميعاد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من جَاءَ بالصلوات الْخمس يَوْم الْقِيَامَة - قد حَافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص مِنْهَا شَيْئا - جَاءَ لَهُ عِنْد الله عهد إِن لَا يعذبه وَمن جَاءَ قد انْتقصَ مِنْهُنَّ شَيْئا فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد إِن شَاءَ رَحمَه وَإِن شَاءَ عذبه
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَالَ فِي دبر كل صَلَاة - بَعْدَمَا سلم - هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات: كتبه ملك فِي رق فختم بِخَاتم ثمَّ دَفعهَا إليّ يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا بعث الله العَبْد من قَبره جَاءَهُ الْملك وَمَعَهُ الْكتاب يُنَادي: أَيْن أهل العهود حَتَّى تدفع إِلَيْهِم والكلمات أَن تَقول: اللَّهُمَّ فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم - إِنِّي أَعهد إِلَيْك فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا بأنك أَنْت الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت وَحدك لَا شريك لَك وَأَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك فَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي فَإنَّك إِن تَكِلنِي إِلَى نَفسِي تقربني من الشَّرّ وَتُبَاعِدنِي من الْخَيْر وَإِنِّي لَا أَثِق إِلَّا بِرَحْمَتك فَاجْعَلْ رحمتك لي عهدا عنْدك تُؤَدِّيه إِلَيّ يَوْم الْقِيَامَة: إِنَّك لَا تخلف الميعاد وَعَن طَاوس: أَنه أَمر بِهَذِهِ الْكَلِمَات فَكتبت فِي كَفنه
الْآيَة 88 - 97(5/543)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لقد جئْتُمْ شَيْئا إدّاً} قَالَ: قولا عَظِيما
وَفِي قَوْله: {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ} الْآيَة
قَالَ: إِن الشّرك فزعت مِنْهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَجَمِيع الْخَلَائق إِلَّا الثقلَيْن وكادت تَزُول مِنْهُ لِعَظَمَة الله: وكما لَا ينفع مَعَ الشّرك إِحْسَان الْمُشرك كَذَلِك نرجو أَن يغْفر الله ذنُوب الْمُوَحِّدين
وَفِي قَوْله: {وتخر الْجبَال هدّاً} قَالَ: هدماً
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق عون عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْجَبَل لينادي الْجَبَل باسمه يَا فلَان هَل مر بك الْيَوْم أحد ذكر الله فَإِذا قَالَ نعم استبشر
قَالَ عون: أفيسمعن الزُّور إِذا قيل وَلَا يسمعن الْخَيْر هِيَ للخير اسْمَع
وَقَرَأَ {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا} الْآيَات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: بَلغنِي أَن الجبلين إِذا(5/543)
أصبحا نَادَى أَحدهمَا صَاحبه يُنَادِيه باسمه فَيَقُول: أَي فلَان هَل مر بك ذَاكر لله فَيَقُول: نعم
فَيَقُول: لقد أقرّ الله عَيْنك وَلَكِن مَا مر بِي ذَاكر لله عز وَجل الْيَوْم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ تكَاد السَّمَوَات ينفطرن بِالْيَاءِ وَالنُّون {وتخر الْجبَال} بِالتَّاءِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يتفطرن مِنْهُ} قَالَ: الإنقطار الانشقاق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ} قَالَ: يتشققن من عَظمَة الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن هرون قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / تكَاد السَّمَوَات ينفطرن / بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَوْف: إِنَّه لما هَاجر إِلَى الْمَدِينَة - وجد فِي نَفسه على فِرَاق أَصْحَابه بِمَكَّة مِنْهُم: شيبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة وأميه بن خلف فَأنْزل الله {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن الْبَراء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعليّ: قل: اللَّهُمَّ اجْعَل لي عنْدك عهدا وَاجعَل لي عنْدك ودّاً وَاجعَل لي فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ مَوَدَّة فَأنْزل الله {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} قَالَ: فَنزلت فِي عَليّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} قَالَ: محبَّة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله: {سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} مَا هُوَ قَالَ: الْمحبَّة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ وَالْمَلَائِكَة المقربين
يَا عَليّ إِن الله أعْطى الْمُؤمن ثَلَاثًا
الْمِنَّة والمحبة والحلاوة والمهابة فِي صُدُور الصَّالِحين(5/544)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} قَالَ: محبَّة فِي النَّاس فِي الدُّنْيَا
وَأخرج هناد عَن الضَّحَّاك {سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} قَالَ: محبَّة فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وهناد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} قَالَ: يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا أحب الله عبدا نَادَى جِبْرِيل: إِنِّي قد أَحْبَبْت فلَانا فَأَحبهُ
فينادي فِي السَّمَاء ثمَّ تنزل لَهُ الْمحبَّة فِي أهل الأَرْض فَذَلِك قَول الله: {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} وَإِذا أبْغض الله عبدا نَادَى جِبْرِيل: إِنِّي قد أبغضت فلَانا فينادي فِي أهل السَّمَاء ثمَّ تنزل لَهُ الْبغضَاء فِي أهل الأَرْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن العَبْد ليلتمس مرضاة الله فَلَا يزَال كَذَلِك فَيَقُول الله لجبريل: إِن عَبدِي فلَانا يلْتَمس أَن يرضيني فرضائي عَلَيْهِ فَيَقُول جِبْرِيل: رَحْمَة الله على فلَان ويقوله حَملَة الْعَرْش ويقوله الَّذين يَلُونَهُمْ حَتَّى يَقُوله أهل السَّمَوَات السَّبع ثمَّ يهْبط إِلَى الأَرْض قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي الْآيَة الَّتِي أنزل الله فِي كِتَابه {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا} وَإِن العَبْد ليلتمس سخط الله فَيَقُول الله: يَا جِبْرِيل إِن فلَانا يسخطني أَلا وَإِن غَضَبي عَلَيْهِ فَيَقُول جِبْرِيل: غضب الله على فلَان ويقوله حَملَة الْعَرْش ويقوله من دونهم حَتَّى يَقُوله أهل السَّمَوَات السَّبع ثمَّ يهبد إِلَى الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب قَالَ: أجد فِي التَّوْرَاة: أَنه لم تكن محبَّة لأحد من أهل الأَرْض حَتَّى تكون بدؤها من الله تَعَالَى - ينزلها على أهل الأَرْض ثمَّ قَرَأت الْقُرْآن فَوجدت فِيهِ {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا}
وَأخرج الحيكم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس بِسَنَد ضَعِيف: أَن(5/545)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله أعْطى الْمُؤمن ثَلَاثَة: المقة والملاحة والمودة والمحبة فِي صُدُور الْمُؤمنِينَ ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سَيجْعَلُ لَهُم الرَّحْمَن ودا}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: كتب أَبُو الدَّرْدَاء إِلَى مسلمة بن مخلد سَلام عَلَيْك أما بعد: فَإِن العَبْد إِذا عمل بِطَاعَة الله أحبه الله فَإِذا أحبه الله حببه إِلَى عباده وَإِن العَبْد إِذا عمل بِمَعْصِيَة الله أبغضه الله فَإِذا أبغضه الله بغضه إِلَى عباده
وَأخرج الحيكم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لكل عبد صيت فَإِن كَانَ صَالحا وضع فِي الأَرْض وَإِن كَانَ شَيْئا وضع فِي الأَرْض
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن المقة من الله والصيت من السَّمَاء فَإِذا أحب الله عبدا قَالَ لجبريل: إِنِّي أحب فلَانا فينادي جِبْرِيل: إِن ربكُم يحب فلَانا فَأَحبُّوهُ فتنزل لَهُ الْمحبَّة فِي الأَرْض وَإِذا أبْغض عبدا قَالَ لجبريل: إِنِّي أبْغض فلَانا فَأَبْغضهُ فينادي جِبْرِيل: إِن ربكُم يبغض فلَانا فابغضوه فَيجْرِي لَهُ البغض فِي الأَرْض
وأخرح ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وتنذر بِهِ قوما لداً} قَالَ: فجاراً
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {لداً} قَالَ: صمًّا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لداً} قَالَ: خصماء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قوما لداً} قَالَ: جدلاً بِالْبَاطِلِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {قوما لداً} قَالَ: هم قُرَيْش
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {لداً} قَالَ: لَا يستقيمون
الْآيَة 98(5/546)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {هَل تحس مِنْهُم من أحد} قَالَ: هَل ترى مِنْهُم من أحد
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {هَل تحس مِنْهُم} بِرَفْع التَّاء وَكسر الْحَاء وَرفع السِّين وَلَا يدغمها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله تَعَالَى: {هَل تحس مِنْهُم من أحد أَو تسمع لَهُم ركزاً} قَالَ: هَل ترى عينا أَو تسمع صَوتا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: ذهب الْقَوْم فَلَا صَوت وَلَا عين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ركزاً} قَالَ: صَوتا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {ركزاً} فَقَالَ: حسا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: وَقد توجس ركزاً متفقد ندس بنية الصَّوْت مَا فِي سَمعه كذب(5/547)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
20
سُورَة طه
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَثَلَاثُونَ وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة طه أخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة طه بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة طه بِمَكَّة
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي التَّوْحِيد والعقيلي فِي الضُّعَفَاء وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى قَرَأَ طه وَيس قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بألفي عَام فَلَمَّا سَمِعت الْمَلَائِكَة الْقُرْآن قَالَت: طُوبَى لأمة ينزل عَلَيْهَا هَذَا وطوبى لأجواف تحمل هَذَا وطوبى لألسنة تَتَكَلَّم بِهَذَا
وَأخرج الديلمي عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَعْطَيْت السُّورَة الَّتِي ذكرت فِيهَا الْأَنْعَام من الذّكر الأول وَأعْطيت طه والطواسيم من أَلْوَاح مُوسَى وَأعْطيت فواتح الْقُرْآن وخواتيم الْبَقَرَة من تَحت الْعَرْش وَأعْطيت الْمفصل نَافِلَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل قُرْآن يوضع على أهل الْجنَّة فَلَا يقرؤون مِنْهُ شَيْئا إِلَّا طه وَيس فَإِنَّهُم يقرؤون بهما فِي الْجنَّة
الْآيَة 1 - 11(5/548)
طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى (8) وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9) إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي كَانَ يقوم على صُدُور قَدَمَيْهِ إِذا صلى فَأنْزل الله: {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالُوا لقد شقي هَذَا الرجل بربه فَأنْزل الله: {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ من اللَّيْل يرْبط نَفسه بِحَبل كي لَا ينَام فَأنْزل الله عَلَيْهِ {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرْبط نَفسه وَيَضَع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى فَنزلت: {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا أَيهَا المزمل قُم اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا) (سُورَة المزمل آيَة 1) قَامَ اللَّيْل كُله حَتَّى تورمت قدماه فَجعل يرفع رجلا وَيَضَع رجلا فهبط عَلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ: {طه} يَعْنِي: الأَرْض بقدميك يَا مُحَمَّد {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} وَأنزل (فاقرؤوا مَا تيَسّر من الْقُرْآن)
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد حسن عَن عَليّ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يراوح بَين قَدَمَيْهِ يقوم على كل رجل حَتَّى نزلت {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(5/549)
إِذا صلى قَامَ على رجل وَرفع الْأُخْرَى فَأنْزل الله {طه} يَعْنِي طأ الأَرْض يَا مُحَمَّد {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن بَان عَبَّاس فِي قَوْله: {طه} قَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُبمَا قَرَأَ الْقُرْآن إِذا صلى قَامَ على رجل وَاحِدَة فَأنْزل الله {طه} بِرِجْلَيْك {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما أنزل الله الْقُرْآن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ بِهِ وَأَصْحَابه فَقَالَ لَهُ كفار قُرَيْش: مَا أنزل الله هَذَا الْقُرْآن على مُحَمَّد إِلَّا ليشقى بِهِ
فَأنْزل الله {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {طه} قَالَ: يَا رجل
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {طه} بالنبطية أَي طا يَا رجل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {طه} بالنبطية أَي طا يَا رجل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {طه} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِك يَا رجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: {طه} يَا رجل بالنبطية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {طه} بالنبطية يَا رجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك قَالَ: {طه} يَا رجل بالنبطية
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {طه} يَا رجل بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {طه} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِك يَا مُحَمَّد بِلِسَان الْحَبَش
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {طه} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِك يَا رجل: بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {طه} قَالَ: كلمة عربت
وَأخرج عَن مُجَاهِد قَالَ: {طه} فواتح السُّور(5/550)
وَأخرج عَن مُحَمَّد بن كَعْب {طه} قَالَ: الطَّاء من ذِي الطول
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لي عشرَة أَسمَاء عِنْد رَبِّي قَالَ أَبُو الطُّفَيْل: حفظت مِنْهَا ثَمَانِيَة: مُحَمَّد وَأحمد وَأَبُو الْقَاسِم والفاتح والخاتم والماحي وَالْعَاقِب والحاشر وَزعم سيف أَن أَبَا جَعْفَر قَالَ: الاسمان الباقيان {طه} وَيس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن زر قَالَ: قَرَأَ رجل على ابْن مَسْعُود {طه} مَفْتُوحَة فَأَخذهَا عَلَيْهِ عبد الله {طه} مَكْسُورَة فَقَالَ لَهُ الرجل: إِنَّهَا بِمَعْنى ضع رجلك
فَقَالَ عبد الله: هَكَذَا قَرَأَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَكَذَا أنزلهَا جِبْرِيل
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: أول سُورَة تعلمتها من الْقُرْآن {طه} وَكنت إِذا قَرَأت {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا شقيت يَا عائش
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {طه مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} وَكَانَ يقوم اللَّيْل على رجلَيْهِ فَهِيَ بلغَة لعك إِن قلت لعكي يَا رجل لم يلْتَفت وَإِذا قلت {طه} الْتفت إِلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُرْوَة بن خَالِد رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت الضَّحَّاك وَقَالَ رجل من بني مَازِن بن مَالك: مَا يخفى عَليّ شَيْء من الْقُرْآن وَكَانَ قَارِئًا لِلْقُرْآنِ شَاعِرًا فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاك: أَنْت تَقول ذَلِك أَخْبرنِي مَا {طه} قَالَ: هِيَ من أَسمَاء الله الْحسنى
نَحْو: طسم وحم فَقَالَ الضَّحَّاك: إِنَّمَا هِيَ بالنبطية يَا رجل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مَسْعُود عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {طه} قسم أقسمه الله وَهُوَ من أَسمَاء الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} يَقُول: فِي الصَّلَاة هِيَ مثل قَوْله: (فاقرؤوا مَا تيَسّر مِنْهُ) (المزمل آيَة 20) قَالَ: وَكَانُوا يعلقون الحبال بصدروهم فِي الصَّلَاة(5/551)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} يَا رجل {مَا أنزلنَا عَلَيْك الْقُرْآن لتشقى} لَا وَالله مَا جعله الله شقياً وَلَكِن جعله الله رَحْمَة ونوراً ودليلاً إِلَى الْجنَّة {إِلَّا تذكرة لمن يخْشَى} قَالَ: إِن الله أنزل كِتَابه وَبعث رسله رَحْمَة رحم بهَا الْعباد لِيذْكُر ذَاكر وَينْتَفع رجل بِمَا سمع من كتاب الله وَهُوَ ذكر أنزلهُ الله فِيهِ حَلَاله وَحرمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {وَمَا تَحت الثرى} مَا تَحت سبع أَرضين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ثتادة قَالَ: {الثرى} كل شَيْء مبتل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ: {وَمَا تَحت الثرى} قَالَ: هِيَ الصَّخْرَة الَّتِي تَحت الأَرْض السَّابِعَة وَهِي صَخْرَة خضراء وَهُوَ سِجِّين الَّذِي فِيهِ كتاب الْكفَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: الثرى مَا حفر من التُّرَاب مبتلاً
وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر بن عبد الله: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ مَا تَحت هَذِه الأَرْض قَالَ: المَاء
قيل: فَمَا تَحت المَاء قَالَ: ظلمَة
قيل: فَمَا تَحت الظلمَة قَالَ: الْهَوَاء
قيل: فَمَا تَحت الْهَوَاء قَالَ: الثرى
قيل: فَمَا تَحت الثرى قَالَ: انْقَطع علم المخلوقين عِنْد علم الْخَالِق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد اللله قَالَ: كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك إِذْ عَارَضنَا رجل مترجب - يَعْنِي طَويلا فَدَنَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ بِخِطَام رَاحِلَته فَقَالَ: أَنْت مُحَمَّد قَالَ: نعم
قَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أَسأَلك عَن خِصَال لَا يعلمهَا أحد من أهل الأَرْض إِلَّا رجل أَو رجلَانِ فَقَالَ: سل عَمَّا شِئْت
قَالَ: يَا مُحَمَّد مَا تَحت هَذِه - يَعْنِي الأَرْض - قَالَ: خلق
قَالَ: فَمَا تَحْتهم قَالَ: أَرض
قَالَ: فَمَا تحتهَا قَالَ: خلق قَالَ: فَمَا تَحْتهم قَالَ: أَرض حَتَّى انْتهى إِلَى السَّابِعَة
قَالَ: فَمَا تَحت السَّابِعَة قَالَ: صَخْرَة
قَالَ: فَمَا تَحت الصَّخْرَة قَالَ: الْحُوت
قَالَ: فَمَا تَحت الْحُوت قَالَ: المَاء
قَالَ: فَمَا تَحت المَاء قَالَ: الظلمَة
قَالَ: فَمَا تَحت الظلمَة قَالَ: الْهَوَاء
قَالَ: فَمَا تَحت الْهَوَاء قَالَ: الثرى
قَالَ: فَمَا تَحت الثرى فَفَاضَتْ عينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالبكاء فَقَالَ: انْقَطع علم المخلوقين(5/552)
عِنْد علم الْخَالِق أَيهَا السَّائِل مَا المسؤول بِأَعْلَم من السَّائِل
قَالَ: صدقت أشهد أَنَّك رَسُول الله يَا مُحَمَّد أما إِنَّك لَو ادعيت تَحت الثرى شَيْئا لعَلِمت أَنَّك سَاحر كَذَّاب أشهد أَنَّك رَسُول الله ثمَّ ولى الرجل
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَيهَا النَّاس هَل تَدْرُونَ مَا هَذَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: هَذَا جِبْرِيل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يعلم السِّرّ وأخفى} قَالَ: السِّرّ مَا أسره ابْن آدم فِي نَفسه {وأخفى} مَا خَفِي ابْن آدم مِمَّا هُوَ فاعلة قبل أَن يُعلمهُ فَإِنَّهُ يعلم ذَلِك كُله فَعلمه فِيمَا مضى من ذَلِك وَمَا بَقِي علم وَاحِد وَجَمِيع الْخَلَائق عِنْده فِي ذَلِك كَنَفس وَاحِدَة وَهُوَ كَقَوْلِه: (مَا خَلقكُم وَلَا بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة) (لُقْمَان آيَة 28)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يعلم السِّرّ وأخفى} قَالَ: السِّرّ مَا عَلمته أَنْت وأخفى مَا قذف الله فِي قَلْبك مِمَّا لم تعلمه
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: يعلم مَا تسر فِي نَفسك وَيعلم مَا تعْمل غَدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {يعلم السِّرّ وأخفى} قَالَ: أخْفى من السِّرّ مَا حدثت بِهِ نَفسك وَمَا لم تحدث بِهِ نَفسك أَيْضا مِمَّا هُوَ كَائِن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يعلم السِّرّ وأخفى} قَالَ: الوسوسة والسر الْعَمَل الَّذِي تسرون من النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: السِّرّ مَا أسر الرجل إِلَى غَيره وأخفى من ذَلِك مَا أسر فِي نَفسه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة
قَالَ: السِّرّ مَا تسر فِي نَفسك وأخفى من السِّرّ مَا لم يكن بعد وَهُوَ كَائِن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة
قَالَ: السِّرّ مَا حدث بِهِ الرجل أَهله وأخفى مَا تَكَلَّمت بِهِ فِي نَفسك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {يعلم السِّرّ وأخفى} قَالَ: السِّرّ مَا أسررت فِي نَفسك {وأخفى} مَا لم تحدث بِهِ نَفسك(5/553)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله: {يعلم السِّرّ وأخفى} قَالَ: يعلم أسرار الْعباد {وأخفى} سره فَلَا نعلمهُ وَالله أعلم
وأخرح عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنِّي آنست نَارا} أَي أحسست نَارا
{أَو أجد على النَّار هدى} قَالَ: من يهديني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {أَو أجد على النَّار هدى} قَالَ: من يهديني إِلَى الطَّرِيق وَكَانُوا شَاتين فضلوا الطَّرِيق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَو أجد على النَّار هدى} يَقُول: من يدل على الطَّرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَو أجد على النَّار هدى} قَالَ: يهديه الطَّرِيق
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {أَو أجد على النَّار هدى} قَالَ: هادٍ يهديني إِلَى المَاء
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لما رأى مُوسَى النَّار انْطلق يسير حَتَّى وقف مِنْهَا قَرِيبا فَإِذا هُوَ بِنَار عَظِيمَة: تَفُور من ورق الشّجر خضراء شَدِيدَة الخضرة يُقَال لَهَا العليق لَا تزداد النَّار فِيمَا يرى إِلَّا عظما وتضرماً وَلَا تزداد الشَّجَرَة على شدَّة الْحَرِيق إِلَّا خضرَة وحسناً فَوقف ينظر لَا يدْرِي مَا يصنع إِلَّا أَنه قد ظن أَنَّهَا شَجَرَة تحترق وأوقد إِلَيْهَا موقد فنالها فاحترقت وَإنَّهُ إِنَّمَا يمْنَع النَّار شدَّة خضرتها وَكَثْرَة مَائِهَا وكثافة وَرقهَا وَعظم جذعها فَوضع أمرهَا على هَذَا فَوقف وَهُوَ يطْمع أَن يسْقط مِنْهَا شَيْء فيقتبسه فَلَمَّا طَال عَلَيْهِ ذَلِك أَهْوى إِلَيْهَا بضغث فِي يَده وَهُوَ يُرِيد أَن يقتبس من لهبها فَلَمَّا فعل ذَلِك مُوسَى مَالَتْ نَحوه كَأَنَّهَا تريده فاستأخر عَنْهَا وهاب ثمَّ عَاد فَطَافَ بهَا وَلم تزل تطمعه ويطمع بهَا ثمَّ لم يكن شَيْء بأوشك من خمودها فَاشْتَدَّ عِنْد ذَلِك عجبه وفكر مُوسَى فِي أمرهَا فَقَالَ: هِيَ نَار ممتنعة لَا يقتبس مِنْهَا وَلكنهَا تتضرم فِي جَوف شَجَرَة فَلَا تحرقها ثمَّ خمودها على قدر عظمها فِي أوشك من طرفَة عين
فَلَمَّا رأى ذَلِك مُوسَى قَالَ: إِن لهَذِهِ شَأْنًا
ثمَّ وضع أمرهَا على أَنَّهَا مأمورة أَو مصنوعة لَا يدْرِي من أمرهَا وَلَا بِمَا أمرت وَلَا من صنعها وَلَا لم صنعت فَوقف متحيراً لَا يدْرِي أيرجع أم يُقيم فَبينا هُوَ على ذَلِك(5/554)
إِذْ رمى بطرفه نَحْو فرعها فَإِذا هُوَ أَشد مِمَّا كَانَ خضرَة ساطعة فِي السَّمَاء ينظر إِلَيْهَا يغشى الظلام ثمَّ لم تزل الخضرة تنوّر وَتَصْفَر وتبيض حَتَّى صَارَت نورا ساطعاً عموداً بَين السَّمَاء وَالْأَرْض عَلَيْهِ مثل شُعَاع الشَّمْس تكل دونه الْأَبْصَار كلما نظر إِلَيْهِ يكَاد يخطف بَصَره فَعِنْدَ ذَلِك اشْتَدَّ خَوفه وحزنه فَرد يَده على عَيْنَيْهِ ولصق بِالْأَرْضِ وَسمع الحنين والوجس
إِلَّا أَنه سمع حِينَئِذٍ شَيْئا لم يسمع السامعون بِمثلِهِ عظما فَلَمَّا بلغ مُوسَى الكرب وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الهول نُودي من الشَّجَرَة فَقيل: يَا مُوسَى فَأجَاب سَرِيعا وَمَا يدْرِي من دَعَاهُ وَمَا كَانَ سرعَة إجَابَته إِلَّا استئناساً بالإنس فَقَالَ لبيْك مرَارًا إِنِّي لأسْمع صَوْتك وأحس حسك وَلَا أرى مَكَانك فَأَيْنَ أَنْت قَالَ: أَنا فَوْقك ومعك وخلفك وَأقرب إِلَيْك من نَفسك
فَلَمَّا سمع هَذَا مُوسَى علم أَنه لَا يَنْبَغِي هَذَا إِلَّا لرَبه فأيقن بِهِ فَقَالَ: كَذَلِك أَنْت يَا إلهي فكلامك اسْمَع أم رَسُولك قَالَ: بل أَنا الَّذِي أُكَلِّمك فادن مني فَجمع مُوسَى يَدَيْهِ فِي الْعَصَا ثمَّ تحامل حَتَّى اسْتَقل قَائِما فَرعدَت فرائصه حَتَّى اخْتلفت واضطربت رِجْلَاهُ وَانْقطع لِسَانه وانكسر قلبه وَلم يبْق مِنْهُ عظم يحمل آخر فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمَيِّت إِلَّا أَن روح الْحَيَاة تجْرِي فِيهِ ثمَّ زحف على ذَلِك وَهُوَ مرعوب حَتَّى وقف قَرِيبا من الشَّجَرَة الَّتِي نُودي مِنْهَا
فَقَالَ لَهُ الرب تبَارك وَتَعَالَى: {وَمَا تِلْكَ بيمينك يَا مُوسَى} قَالَ: هِيَ عصاي
قَالَ: مَا تصنع بهَا - وَلَا أحد أعلم مِنْهُ بذلك - قَالَ مُوسَى: {أتوكأ عَلَيْهَا وأهش بهَا على غنمي ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى} قد علمتها وَكَانَ لمُوسَى فِي الْعَصَا مآرب كَانَ لَهَا شعبتان ومحجن تَحت الشعبتين فَإِذا طَال الْغُصْن حناه بالمحجن وَإِذا أَرَادَ كَسره لواه بالشعبتين وَكَانَ يتَوَكَّأ عَلَيْهَا ويهش بهَا وَكَانَ إِذا شَاءَ أَلْقَاهَا على عَاتِقه فعلق بهَا قوسه وكنانته ومرجامه ومخلاته وثوبه وَزَادا إِن كَانَ مَعَه وَكَانَ إِذا ارتع فِي الْبَريَّة حَيْثُ لَا ظلّ لَهُ ركزها ثمَّ عرض بالوتد بَين شعبتيها وَألقى فَوْقهَا كساءه فاستظل بهَا مَا كَانَ مرتعاً وَكَانَ إِذا ورد مَاء يقصر عَنهُ رشاؤه وصل بهَا وَكَانَ يُقَاتل بهَا السبَاع عَن غنمه
قَالَ لَهُ الرب {ألقها يَا مُوسَى} فَظن مُوسَى أَنه يَقُول: ارفضها
فألقاها على وَجه الرَّفْض ثمَّ حانت مِنْهُ نظرة فَإِذا بأعظم ثعبان نظر إِلَيْهِ الناظرون يرى يلْتَمس كَأَنَّهُ يَبْتَغِي شَيْئا يُرِيد أَخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الْإِبِل فيلتقمها ويطعن بالناب من أنيابه فِي أصل الشَّجَرَة الْعَظِيمَة فيجتثها عينان توقدان نَارا وَقد عَاد المحجن عرقاً فِيهِ(5/555)
شعر مثل النيازك وَعَاد الشعبتان فهما مثل القليب الْوَاسِع فِيهِ أضراس وأنياب لَهَا صريف فَلَمَّا عاين ذَلِك مُوسَى (ولى مُدبرا وَلم يعقل) (النَّمْل آيَة 10) فَذهب حَتَّى أمعن وَرَأى أَنه قد أعجز الْحَيَّة ثمَّ ذكر ربه فَوقف استحياء مِنْهُ ثمَّ {نُودي يَا مُوسَى} أَن ارْجع حَيْثُ كنت فَرجع وَهُوَ شَدِيد الْخَوْف فَقَالَ: خُذْهَا بيمينك وَلَا تخف سنعيدها سيرتها الأولى
قَالَ: وَكَانَ على مُوسَى حِينَئِذٍ مدرعة فَجَعلهَا فِي يَده فَقَالَ لَهُ ملك: أَرَأَيْت يَا مُوسَى لَو أذن الله بِمَا تحاذر أَكَانَت المدرعة تغني عَنْك شَيْئا قَالَ: لَا
وَلَكِنِّي ضَعِيف وَمن ضعف خلقت
فكشف عَن يَده ثمَّ وَضعهَا على فَم الْحَيَّة ثمَّ سمع حس الأضراس والأنياب ثمَّ قبض فَإِذا هِيَ عَصَاهُ الَّتِي عهدها وَإِذا يَده فِي موضعهَا الَّذِي كَانَ يَضَعهَا إِذا تؤكأ بَين الشعبتين
قَالَ لَهُ ربه: ادن
فَلم يزل يدينه - حَتَّى شدّ ظَهره بجذع الشَّجَرَة
فاستقر وَذَهَبت عَنهُ الرعدة وَجمع يَدَيْهِ فِي الْعَصَا وخضع بِرَأْسِهِ وعنقه ثمَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي قد أقمتك الْيَوْم فِي مقَام لَا يَنْبَغِي لبشر بعْدك أَن يقوم مقامك
إِذْ أدنيتك وقربتك حَتَّى سَمِعت كَلَامي وَكنت بأقرب الْأَمْكِنَة مني فَانْطَلق برسالتي فَإنَّك بعيني وسمعي وَإِن مَعَك يَدي وبصري وَإِنِّي قد ألبستك جُبَّة من سلطاني لتكمل بهَا القوّة فِي أَمْرِي فَأَنت جند عَظِيم من جنودي بَعَثْتُك إِلَى خلق ضَعِيف من خلقي بطر من نعمتي وَأمن مكري وغرته الدُّنْيَا حَتَّى جحد حَقي وَأنكر ربوبيتي وعد من دوني وَزعم أَنه لَا يعرفنِي وَإِنِّي لأقسم بعزتي: لَوْلَا الْعذر وَالْحجّة الَّتِي وضعت بيني وَبَين خلقي
لبطشت بِهِ بطشة جَبَّار - يغْضب لغضبه السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال والبحار - فَإِن أمرت السَّمَاء حصبته وَإِن أمرت الأَرْض ابتلعته وَإِن أمرت الْبحار غرقته وَإِن أمرت الْجبَال دمرته وَلكنه هان عليّ وَسقط من عَيْني وَسعَهُ حلمي واستغنيت بِمَا عِنْدِي وَحقّ لي أَنِّي أَنا الْغَنِيّ لَا غَنِي غَيْرِي فَبَلغهُ رسالتي وادعه إِلَى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسْمِي وَذكره بآياتي وحذره نقمتي وبأسي وَأخْبرهُ أَنه لَا يقوم شَيْء لغضبي وَقل لَهُ فِيمَا بَين ذَلِك: {قولا لينًا لَعَلَّه يتَذَكَّر أَو يخْشَى} وَأخْبرهُ أَنِّي أَنا الْعَفو وَالْمَغْفِرَة أسْرع مني إِلَى الْغَضَب والعقوبة وَلَا يروعنك مَا ألبسته من لِبَاس الدُّنْيَا فَإِن ناصيته بيَدي لَيْسَ يطرف وَلَا ينْطق وَلَا يتنفس إِلَّا بإذني(5/556)
وَقل لَهُ: أجب رَبك فَإِنَّهُ وَاسع الْمَغْفِرَة فَإِنَّهُ قد أمهلك أَرْبَعمِائَة سنة - فِي كلهَا أَنْت مبارزه بالمحاربة تتشبه وتتمثل بِهِ وتصد عباده عَن سَبيله وَهُوَ يمطر عَلَيْك السَّمَاء وينبت لَك الأَرْض لم تسقم وَلم تهرم وَلم تفْتَقر وَلم تغلب وَلَو شَاءَ أَن يَجْعَل لَك ذَلِك أَو يسلبكه فعل وَلكنه ذُو أَنَاة وحلم عَظِيم وجاهده بِنَفْسِك وأخيك وأنتما محتسبان بجهاده فَإِنِّي لَو شِئْت أَن آتيه بِجُنُود لَا قبل لَهُ بهَا فعلت وَلَكِن ليعلم هَذَا العَبْد الضَّعِيف الَّذِي قد أَعْجَبته نَفسه وجموعه: أَن الفئة القليلة وَلَا قَلِيل مني تغلب الفئة الْكَبِيرَة بإذني وَلَا يعجبنكما زينته وَلَا مَا متع بِهِ وَلَا تمدا إِلَى ذَلِك أعينكما فَإِنَّهَا زهرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا وزينة المترفين وَإِنِّي لَو شِئْت أَن أزينكما من الدُّنْيَا بزينة يعلم فِرْعَوْن - حِين ينظر إِلَيْهَا - أَن مقدرته تعجز عَن مثل مَا أوتيتما فعلت وَلَكِن أَرغب بكما عَن ذَلِك وأزويه عنكما وَكَذَلِكَ أفعل بأوليائي وَقد نما مَا حويت لَهُم من ذَلِك فَإِنِّي لأذودهم عَن نعيمها ورخائها كَمَا يذود الرَّاعِي الشفيق غنمه من مواقع الهلكة وَإِنِّي لأجنبهم شكوها وغنمها كَمَا يجنب الرَّاعِي الشفيق إبِله عَن مبارك الْغرَّة وَمَا ذَاك لهوَانِهم عليّ وَلَكِن ليستكملوا نصِيبهم من كَرَامَتِي سالما موفراً لم تكَلمه الدُّنْيَا وَلم يطغه الْهوى وَاعْلَم أَنه لم يتزين إليّ الْعباد بزينة
هِيَ أبلغ فِيمَا عِنْدِي من الزّهْد فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ زِينَة الْمُتَّقِينَ عَلَيْهِم مِنْهُ: لِبَاس يعْرفُونَ بِهِ من السكينَة والخشوع (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود) (الْفَتْح آيَة 29) أُولَئِكَ هم أوليائي حَقًا فَإِذا لقيتهم فاخفض لَهُم جناحك وذلل لَهُم قَلْبك وَلِسَانك وَاعْلَم أَنه من أهان لي وليا أَو أخافه فقد بارزني بالمحاربة وبادأني وَعرض لي نَفسه وَدَعَانِي إِلَيْهَا وَأَنا أسْرع شَيْء إِلَى نصْرَة أوليائي فيظن الَّذِي يحاربني أَو يعاديني أَن يعجزني أَو يظنّ الَّذِي يبارزني أَن يسبقني أَو يفوتني وَكَيف وَأَنا الثائر لَهُم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لَا أكل نصرتهم إِلَى غَيْرِي قَالَ: فَأقبل مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن فِي مَدِينَة قد جعل حولهَا الْأسد فِي غيضة قد غرسها والأسد فِيهَا مَعَ ساستها إِذا أرسلها على أحد أَكلته وللمدينة أَرْبَعَة أَبْوَاب فِي الغيضة فَأقبل مُوسَى من الطَّرِيق الْأَعْظَم الَّذِي يرَاهُ فِرْعَوْن فَلَمَّا رَأَتْهُ الْأسد صاحت صياح الثعالب فَأنْكر ذَلِك الساسة وَفرقُوا من فِرْعَوْن فَأقبل مُوسَى حَتَّى انْتهى إِلَى الْبَاب الَّذِي فِيهِ فِرْعَوْن فقرعه بعصاه وَعَلِيهِ جُبَّة من صوف وَسَرَاويل فَلَمَّا رَآهُ البوّاب عجب من جراءته فَتَركه وَلم يَأْذَن لَهُ فَقَالَ:(5/557)
هَل تَدْرِي بَاب من أَنْت تضرب إِنَّمَا أَنْت تضرب بَاب سيدك
قَالَ: أَنْت وَأَنا وَفرْعَوْن عبيد لرَبي فَأَنا ناصره فَأخْبر البوّاب الَّذِي يَلِيهِ من البوابين حَتَّى بلغ ذَلِك أَدْنَاهُم ودونه سَبْعُونَ حِجَابا كل حَاجِب مِنْهُم تَحت يَده من الْجنُود مَا شَاءَ الله حَتَّى خلص الْخَبَر إِلَى فِرْعَوْن فَقَالَ: أدخلوه عليّ فَأدْخل فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ فِرْعَوْن: أعرفك قَالَ: نعم
قَالَ: {ألم نربك فِينَا وليدا} الشُّعَرَاء آيَة 18 قَالَ: فَرد إِلَيْهِ مُوسَى الَّذِي رد
قَالَ: فِرْعَوْن خذوه
فبادر مُوسَى (فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين) (الشُّعَرَاء آيَة 32) فَحملت على النَّاس فَانْهَزَمُوا مِنْهَا فَمَاتَ مِنْهُم خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا قتل بَعضهم بَعْضًا وَقَامَ فِرْعَوْن مُنْهَزِمًا حَتَّى دخل الْبَيْت فَقَالَ لمُوسَى: {فَاجْعَلْ بَيْننَا وَبَيْنك موعداً} نَنْظُر فِيهِ
قَالَ: مُوسَى: لم أُؤمر بذلك إِنَّمَا أمرت بمناجزتك وَإِن أَنْت لم تخرج إليّ دخلت عَلَيْك
فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: أَن اجْعَل بَيْنك وَبَينه أَََجَلًا وَقل لَهُ: أَن يَجعله هُوَ
قَالَ فِرْعَوْن: اجْعَلْهُ إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَفعل
قَالَ: وَكَانَ فِرْعَوْن لَا يَأْتِي الْخَلَاء إِلَّا فِي كل أَرْبَعِينَ يَوْمًا مرّة فَاخْتلف ذَلِك الْيَوْم أَرْبَعِينَ مرّة
قَالَ: وَخرج مُوسَى من الْمَدِينَة فَلَمَّا مر بالأسد خضعت لَهُ بأذنابها وسارت مَعَ مُوسَى تشعيه وَلَا تهيجه وَلَا أحدا من بني إِسْرَائِيل
الْآيَة 12 - 14(5/558)
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فاخلع نعليك} قَالَ: كَانَتَا من جلد حمَار ميت فَقيل لَهُ اخعلهما
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا بَال خلع النَّعْلَيْنِ فِي الصَّلَاة إِنَّمَا أَمر مُوسَى بخلع نَعْلَيْه إنَّهُمَا كَانَتَا من جلد حمَار ميت(5/558)
وَأخرج عبد بن حميد عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فاخلع نعليك} قَالَ: كَانَ نعلا مُوسَى من جلد حمَار ميت فَأَرَادَ رَبك أَن يمسهُ الْقُدس كُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم الزُّهْرِيّ فِي قَوْله: {فاخلع نعليك} قَالَ: كَانَتَا من جلد حمَار أَهلِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت نعلا مُوسَى الَّتِي قيل لَهُ اخعلهما: من جلد خِنْزِير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فاخلع نعليك} قَالَ كي تمس رَاحَة قَدَمَيْك الأَرْض الطّيبَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَلْقَمَة أَن ابْن مَسْعُود أَتَى أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ منزله فَحَضَرت الصَّلَاة فَقَالَ أَبُو مُوسَى رَضِي الله عَنهُ: - تقدم يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن فَإنَّك أقدم سنا وَأعلم
قَالَ: لَا
بل تقدم أَنْت فَإِنَّمَا أَتَيْنَاك فِي مَنْزِلك فَتقدم أَبُو مُوسَى رَضِي الله عَنهُ فَخلع نَعْلَيْه فَلَمَّا صلى قَالَ لَهُ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: - لم خلعت نعليك أبالواد الْمُقَدّس أَنْت لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِي الْخُفَّيْنِ والنعلين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِنَّك بالواد الْمُقَدّس} قَالَ: الْمُبَارك {طوى} قَالَ: اسْم الْوَادي(5/559)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {بالواد الْمُقَدّس} قَالَ: الطَّاهِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بالواد الْمُقَدّس} قَالَ: وَاد بلفلسطين قدس مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {بالواد الْمُقَدّس طوى} يَعْنِي الأَرْض المقدسى وَذَلِكَ أَنه مر بواديها لَيْلًا فطوي
يُقَال: طويت وَادي كَذَا وَكَذَا والطاوي من اللَّيْل وارتفع إِلَى أَعلَى الْوَادي وَذَلِكَ نَبِي الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّك بالواد الْمُقَدّس} قَالَ: الْمُبَارك: {طوى} قَالَ: اسْم الْوَادي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُبشر بن عبيد {طوى} بِغَيْر نون وادٍ بإيلة زعم أَنه طوي بِالْبركَةِ مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {طوى} قَالَ: طا الْوَادي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أبي نجيح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {طوى} قَالَ طا الأَرْض حافياً كَمَا تدخل الْكَعْبَة حافياً
يَقُول: من بركَة الْوَادي هَذَا قَول سعيد بن جُبَير
قَالَ: وَكَانَ مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ يَقُول: {طوى} اسْم الْوَادي
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بالواد الْمُقَدّس طوى} قَالَ: وَاد قدس مرَّتَيْنِ واسْمه {طوى}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {طوى} بِرَفْع الطَّاء وبنون فِيهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَكْتُوب على بَاب الْجنَّة: إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا لَا أعذب من قَالَهَا
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج عمر مُتَقَلِّدًا بِالسَّيْفِ فاقيه رجل من بني زهرَة فَقَالَ لَهُ: أَيْن تَغْدُو يَا عمر قَالَ: أُرِيد أَن أقتل مُحَمَّدًا
قَالَ: وَكَيف تأمن بني هَاشم وَبني زهرَة فَقَالَ لَهُ عمر: مَا أَرَاك إِلَّا قد صَبَأت وَتركت دينك قَالَ: أَفلا أدلك على الْعجب إِن أختك وختنك قد صبآ وتركا دينك فَمشى عمرا زَائِرًا حَتَّى أتاهما وَعِنْدَهُمَا خباب فَلَمَّا سمع خباب بحس عمر توارى فِي الْبَيْت فَدخل عَلَيْهِمَا فَقَالَ: مَا هَذِه الهينمة الَّتِي سَمعتهَا عنْدكُمْ وَكَانُوا يقرأون {طه} فَقَالَا: مَا عدا حَدِيثا تحدثنا بِهِ
قَالَ: فلعلكما قد صبأتما
فَقَالَ لَهُ خنته: يَا عمر إِن كَانَ الْحق فِي غير دينك فَوَثَبَ عمر على خنته فوطئه وطأ شَدِيدا: فَجَاءَت أُخْته لتدفعه عَن زَوجهَا فنفخها نفخة بِيَدِهِ فدمى وَجههَا
فَقَالَ عمر: أعطوني الْكتاب الَّذِي هُوَ عنْدكُمْ فَأَقْرَأهُ فَقَالَت أُخْته: إِنَّك رِجْس وَإنَّهُ (لَا يمسهُ إِلَّا الْمُطهرُونَ) (الْوَاقِعَة آيَة 79) فَقُمْ فَتَوَضَّأ فَقَامَ فَتَوَضَّأ ثمَّ أَخذ الْكتاب فَقَرَأَ {طه} حَتَّى انْتهى إِلَى {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وأقم الصَّلَاة لذكري}(5/560)
فَقَالَ عمر: دلوني على مُحَمَّد فَلَمَّا سمع خباب قَول عمر خرج من الْبَيْت فَقَالَ: أبشر يَا عمر فَإِنِّي أَرْجُو أَن تكون دَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَك - لَيْلَة الْخَمِيس - اللَّهُمَّ أعز الإِسلام بعمر بن الْخطاب أَو بعمر بن هِشَام فَخرج حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: قَالَ الله عز وَجل {إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني} من جَاءَنِي مِنْكُم بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله بالإخلاص دخل حصني وَمن دخل حصني أَمن عَذَابي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وأقم الصَّلَاة لذكري} قَالَ: إِذا صلى عبد ذكر ربه
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله: {وأقم الصَّلَاة لذكري} قَالَ: حِين تذكر
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا رقد أحدكُم عَن الصَّلَاة أَو غفل عَنْهَا فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله قَالَ أقِم الصَّلَاة لذكري
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَيْبَر أسرِي لَيْلَة حَتَّى أدْركهُ الْكرَى أَنَاخَ فعرس ثمَّ قَالَ: يَا بِلَال أكلأنا اللَّيْلَة قَالَ: فصلى بِلَال ثمَّ تساند إِلَى رَاحِلَته مُسْتَقْبل الْفجْر فغلبته عَيناهُ فَنَامَ فَلم يَسْتَيْقِظ أحد مِنْهُم حَتَّى ضربتهم الشَّمْس وَكَانَ أَوَّلهمْ استيقاظا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَي بِلَال فَقَالَ بِلَال: بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله أَخذ بنفسي الَّذِي أَخذ بِنَفْسِك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقتادوا ثمَّ أَنَاخَ فَتَوَضَّأ وَأقَام الصَّلَاة ثمَّ صلى مثل صلَاته للْوَقْت فِي تمكث ثمَّ قَالَ: من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا فَإِن الله قَالَ: {وأقم الصَّلَاة لذكري} وَكَانَ ابْن شهَاب يقْرؤهَا للذِّكْرَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن رجل غفل عَن الصَّلَاة حَتَّى طلعت الشَّمْس أَو غربت مَا(5/561)
كفارتها قَالَ: يتَقرَّب إِلَى الله وَيحسن وضوءه وَيُصلي الصَّلَاة ويستغفر الله فَلَا كَفَّارَة لَهَا إِلَّا ذَلِك إِن الله يَقُول: {وأقم الصَّلَاة لذكري}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سَمُرَة بن يحيى قَالَ: نسيت صَلَاة الْعَتَمَة حَتَّى أَصبَحت فَغَدَوْت إِلَى ابْن عَبَّاس فَأَخْبَرته فَقَالَ: قُم فصلها ثمَّ قَرَأَ {وأقم الصَّلَاة لذكري}
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِذا نسيت صَلَاة فاقضها مَتى ذكرت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ وَإِبْرَاهِيم فِي قَوْله: {وأقم الصَّلَاة لذكري}
قَالَا: صلِّها إِذا ذكرتها وَقد نسيتهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: من نَام عَن صَلَاة أَو نَسِيَهَا يُصَلِّي مَتى ذكرهَا عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند غُرُوبهَا ثمَّ قَرَأَ {وأقم الصَّلَاة لذكري} قَالَ: إِذا ذكرتها فصلها فِي أَي سَاعَة كنت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَقبلنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة فنزلنا دهاساً من الأَرْض - والدهاس الرمل - فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يكلؤنا قَالَ بِلَال: أَنا فَنَامُوا حَتَّى طلعت عَلَيْهِم الشَّمْس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: افعلوا كَمَا كُنْتُم تَفْعَلُونَ كَذَلِك لمن نَام أَو نسي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره الَّذِي نَامُوا فِيهِ حَتَّى طلعت الشَّمْس ثمَّ قَالَ: إِنَّكُم كُنْتُم أَمْوَاتًا فَرد الله إِلَيْكُم أرواحكم فَمن نَام عَن الصَّلَاة أَو نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا وَإِذا اسْتَيْقَظَ
الْآيَة 15 - 24(5/562)
إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن السَّاعَة آتِيَة أكاد أخفيها} يَقُول: لَا أظهر عَلَيْهَا أحدا غَيْرِي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن السَّاعَة آتِيَة أكاد أخفيها} قَالَ: أكاد أخفيها من نَفسِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أكاد أخفيها} قَالَ: من نَفسِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَنه قَرَأَ أكاد أخفيها من نَفسِي
يَقُول: لِأَنَّهَا لَا تخفى من نفس الله أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ من أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض أحد إِلَّا وَقد أخْفى الله عَنهُ علم السَّاعَة وَهِي فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود أكاد أخفيها عَن نَفسِي
يَقُول: أكتمها من الْخَلَائق حَتَّى لَو اسْتَطَعْت أَن أكتمها من نَفسِي فعلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة أكاد أخفيها عَن نَفسِي
قَالَ: لعمري لقد أخفاها الله من الْمَلَائِكَة المقربين وَمن الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {أكاد أخفيها} قَالَ: يخفيها من نَفسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن وَرْقَاء قَالَ: أَقْرَأَنيهَا سعيد بن جُبَير {أكاد أخفيها} يَعْنِي بِنصب الْألف وخفض الْفَاء
يَقُول: أظهرها
ثمَّ قَالَ أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: دأت شَهْرَيْن ثمَّ شهرا دميكاً مَا دميكين يخفيان عُمَيْرًا(5/563)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْفراء قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أكاد أخفيها من نَفسِي فَكيف أطْلعكُم عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن جميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لتجزى كل نفس بِمَا تسْعَى} قَالَ: لتعطى ثَوَاب مَا تعْمل
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ وَابْن شبْرمَة قَالَ: إِنَّمَا سمي هوى لِأَنَّهُ يهوي بِصَاحِبِهِ إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس: عَصا مُوسَى - قَالَ -: أعطَاهُ إِيَّاهَا ملك من الْمَلَائِكَة إِذْ توجه إِلَى مَدين فَكَانَت تضيء لَهُ بِاللَّيْلِ وَيضْرب بهَا الأَرْض فَيخرج لَهُ النَّبَات ويهش بهَا على غنمه ورق الشّجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {هِيَ عصاي أتوكأ عَلَيْهَا} قَالَ: إِذا مَشى مَعَ غنمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وأهش بهَا على غنمي} قَالَ: أضْرب بهَا الشّجر فيتساقط مِنْهُ الْوَرق على غنمي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن مَيْمُون فِي قَوْله: {وأهش بهَا على غنمي} قَالَ: الهش أَن يخبط الرجل بعصاه الشّجر فيتساقط الْوَرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: الهش الْعَصَا بَين الشعبتين ثمَّ يحركها حَتَّى يسْقط الْوَرق والخبط أَن يخبط حَتَّى يسْقط الْوَرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن أنس قَالَ: الهش أَن يضع الرجل المحجن فِي الْغُصْن ثمَّ يحركه حَتَّى يسْقط ورقه وثمره وَلَا يكسر الْعود فَهَذَا الهش وَلَا يخبط
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وأهش بهَا على غنمي} قَالَ: أخبط بهَا الشّجر
{ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى} قَالَ: حاجات أُخْرَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى} قَالَ: حوائج(5/564)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مآرب أُخْرَى} قَالَ: حاجات وَمَنَافع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مآرب أُخْرَى} يَقُول: حوائج أُخْرَى أحمل عَلَيْهَا المزود والسقاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ولي فِيهَا مآرب أُخْرَى} قَالَ: كَانَت تضيء لَهُ بِاللَّيْلِ وَكَانَت عَصا آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وأخلاج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس: {فألقاها فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى} وَلم تكن قبل ذَلِك حَيَّة فمرت بشجرة فَأَكَلتهَا وَمَرَّتْ بصخرة فابتلعتها فَجعل مُوسَى يسمع وَقع الصَّخْرَة فِي جوفها ف (ولى مُدبرا) (النَّمْل آيَة 10 والقصص 31) فَنُوديَ أَن يَا مُوسَى خُذْهَا فَلم يَأْخُذهَا ثمَّ نُودي الثَّانِيَة أَن {خُذْهَا وَلَا تخف} فَقيل لَهُ فِي الثَّالِثَة: (إِنَّك من الْآمنينَ) (الْقَصَص آيَة 31) فَأَخذهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {سنعيدها سيرتها الأولى} قَالَ: حالتها الأولى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سنعيدها سيرتها الأولى} قَالَ: هيئتها الأولى: {واضمم يدك إِلَى جناحك} قَالَ: أَدخل كفك تَحت عضدك {تخرج بَيْضَاء من غير سوء} قَالَ: من غير برص
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {من غير سوء} قَالَ: من غير برص
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أخرجهَا كَأَنَّهَا مِصْبَاح فَعلم مُوسَى أَنه قد لَقِي ربه وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {لنريك من آيَاتنَا الْكُبْرَى}(5/565)
الْآيَة 25 - 47(5/566)
قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِزَاءِ ثبير وَهُوَ يَقُول: أشرق ثبير أشرق ثبير اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِمَا سَأَلَك أخي مُوسَى أَن تشرح لي صَدْرِي وَأَن تيَسّر لي أَمْرِي وَأَن تحل عقدَة من لساني {يفقهوا قولي وَاجعَل لي وزيراً من أَهلِي هَارُون أخي اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إِنَّك كنت بِنَا بَصيرًا}
وَأخرج السلَفِي فِي الطيوريات بِسَنَد واه عَن أبي حعفر مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: لما نزلت {وَاجعَل لي وزيراً من أَهلِي هَارُون أخي اشْدُد بِهِ أزري} كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جبل ثمَّ دَعَا ربه وَقَالَ اللَّهُمَّ اشْدُد أزري بأخي عَليّ فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله(5/566)
عَنهُ فِي قَوْله: {واحلل عقدَة من لساني} قَالَ: عجمة بجمرة نَار أدخلها فِي فِيهِ عَن أَمر امْرَأَة فِرْعَوْن تدرأ بِهِ عَنهُ عُقُوبَة فِرْعَوْن حِين أَخذ مُوسَى بلحيته وَهُوَ لَا يعقل
قَالَ: هَذَا عدوّ لي فَقَالَت امْرَأَته: إِنَّه لَا يعقل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَاجعَل لي وزيراً من أَهلِي هَارُون أخي} قَالَ: كَانَ أكبر من مُوسَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة فِي قَوْله: {اشْدُد بِهِ أزري} قَالَ ظَهْري
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {اشْدُد بِهِ أزري} يَقُول: اشْدُد بِهِ أَمْرِي وقوّني بِهِ فَإِن لي بِهِ قوّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وأشركه فِي أَمْرِي} قَالَ: نُبِئَ هرون ساعتئذ حِين نبئ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة سَمِعت رجلا يَقُول: إِنِّي لأدري أَي أَخ فِي الدُّنْيَا كَانَ أَنْفَع لِأَخِيهِ: مُوسَى حِين سَأَلَ لِأَخِيهِ النبوّة
فَقَالَت: صدق وَالله
وَأخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: كَانَ هرون فصيحاً بَين النُّطْق يتَكَلَّم فِي تؤدة وَيَقُول بِعلم وحلم وَكَانَ أطول من مُوسَى طولا وأكبرهما فِي السن وأكثرهما لَحْمًا وأبيضهما جسماً وأعظمهما ألواحاً وَكَانَ مُوسَى جَعدًا آدم طوَالًا كَأَنَّهُ من رجال شنؤاة وَلم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا وَقد كَانَت عَلَيْهِ شامة النبوّة فِي يَده الْيُمْنَى إِلَّا أَن يكون نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن شامة النبوّة كَانَت بَين كَتفيهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم بن أبي النجُود أَنه قَرَأَ {كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إِنَّك كنت بِنَا بَصيرًا} بِنصب الْكَاف الأولى فِي كُلهنَّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش: أَنه كَانَ يجْزم هَذِه الكافات كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فاقذفيه فِي اليم} قَالَ هُوَ النّيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وألقيت عَلَيْك محبَّة مني} قَالَ: كَانَ كل من رَآهُ ألقيت عَلَيْهِ مِنْهُ محبَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سَلمَة بن كهيل - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وألقيت عَلَيْك محبَّة مني} قَالَ: حببتك إِلَى عبَادي(5/567)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وألقيت عَلَيْك محبَّة مني} قَالَ: حَيْثُ نظرت آسِيَة وَجه مُوسَى فرأت حسنا وملاحة فَعندهَا قَالَت لفرعون: (قُرَّة عين لي وَلَك لَا تقتلوه) (الْقَصَص آيَة 9)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي رَجَاء فِي قَوْله: {وألقيت عَلَيْك محبَّة مني} قَالَ: الملاحة والحلاوة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وألقيت عَلَيْك محبَّة مني} قَالَ: حلاوة فِي عَيْني مُوسَى لم ينظر إِلَيْهِ خلق إِلَّا أحبه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كنت مَعَ عبد الله بن عمر - رَضِي الله عَنهُ - فَتَلقاهُ النَّاس يسلمُونَ عَلَيْهِ ويحيونه ويثنون عَلَيْهِ وَيدعونَ لَهُ - فيضحك ابْن عمر - فَإِذا انصرفوا عَنهُ أقبل عَليّ فَقَالَ: إِن النَّاس ليجيئون حَتَّى لَو كنت أعطيهم الذَّهَب وَالْفِضَّة مَا زادوا عَلَيْهِ ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وألقيت عَلَيْك محبَّة مني}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي نهيك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ولتصنع على عَيْني} قَالَ: ولتعمل على عَيْني
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ولتصنع على عَيْني} قَالَ: تربى بِعَين الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ولتصنع على عَيْني} قَالَ: ولتغذى على عَيْني
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة يَقُول: أَنْت بعيني إِذْ جعلتك أمك فِي التابوت ثمَّ فِي الْبَحْر {إِذْ تمشي أختك}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّمَا قتل مُوسَى الَّذِي قتل من آل فِرْعَوْن خطأ
يَقُول الله: {وَقتلت نفسا فنجيناك من الْغم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فنجيناك من الْغم} قَالَ: من قتل النَّفس {وَفَتَنَّاك فُتُونًا} قَالَ: أخلصناك إخلاصاً(5/568)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَفَتَنَّاك فُتُونًا} قَالَ: ابتليناك إبتلاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَفَتَنَّاك فُتُونًا} قَالَ: ابتليناك ببلاء نعْمَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَفَتَنَّاك فُتُونًا} قَالَ: اختبرناك اختباراً
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَفَتَنَّاك فُتُونًا} قَالَ: بلَاء إلقاؤه فِي التابوت ثمَّ فِي اليم ثمَّ الْتِقَاط آل فِرْعَوْن إِيَّاه ثمَّ خُرُوجه خَائفًا يترقب
وَأخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَول الله تَعَالَى لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: {وَفَتَنَّاك فُتُونًا} فَسَأَلت عَن الْفُتُون مَا هُوَ فَقَالَ: اسْتَأْنف النَّهَار يَا ابْن جُبَير فَإِن لَهَا حَدِيثا طَويلا فَلَمَّا أَصبَحت غَدَوْت على ابْن عَبَّاس لأتنجز مَا وَعَدَني من حَدِيث الْفُتُون فَقَالَ: تَذَاكر فِرْعَوْن وجلساؤه مَا كَانَ الله عز وَجل - وعد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام - من أَن يَجْعَل فِي ذُريَّته أَنْبيَاء وملوكاً
فَقَالَ بَعضهم: إِن بني إِسْرَائِيل ينتظرون ذَلِك مَا يَشكونَ فِيهِ وَلَقَد كَانُوا يظنون أَنه يُوسُف بن يَعْقُوب فَلَمَّا هلك قَالُوا: لَيْسَ هَذَا كَانَ وعد الله إِبْرَاهِيم
قَالَ فِرْعَوْن: فَكيف ترَوْنَ فائتمروا وَأَجْمعُوا أَمرهم على أَن يبْعَث رجَالًا - مَعَه الشفار - يطوفون فِي بني إِسْرَائِيل: فَلَا يَجدونَ مولوداً إِلَّا ذبحوه فَفَعَلُوا فَلَمَّا رَأَوْا أَن الْكِبَار يموتون بآجالهم وَإِن الصغار يذبحون قَالُوا: يُوشك أَن يفني بَنو إِسْرَائِيل فتصيروا تباشروا الْأَعْمَال والخدمة الَّتِي كَانُوا يكفونكم فَاقْتُلُوا عَاما كل مَوْلُود ذكر فتقل أبناؤهم
ودعوا عَاما لَا تقتلُوا مِنْهُم أحدا فيشب الصغار مَكَان من يَمُوت من الْكِبَار فَإِنَّهُم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إيَّاكُمْ وَلنْ يفنوا بِمن تقتلون فتحتاجون إِلَيْهِم فاجمعوا أَمرهم على ذَلِك فَحملت أم مُوسَى بهرون فِي الْعَام الَّذِي لَا يذبح فِيهِ الغلمان فَولدت عَلَانيَة آمِنَة حَتَّى إِذا كَانَ فِي قَابل حملت بمُوسَى فَوَقع فِي قَلبهَا الْهم والحزن فَذَلِك من الْفُتُون يَا ابْن جُبَير لما دخل عَلَيْهِ فِي بطن أمه مَا يُرَاد بِهِ فَأوحى الله إِلَيْهَا أَن: (لَا تخافي وَلَا تحزني إِنَّا(5/569)
رادوه إِلَيْك وجاعلوه من الْمُرْسلين) (الْقَصَص آيَة 7) وأمرها إِذا وَلدته أَن تَجْعَلهُ فِي تَابُوت ثمَّ تلقيه فِي اليم فَلَمَّا ولدت فعلت مَا أمرت بِهِ حَتَّى إِذا توارى عَنْهَا ابْنهَا - أَتَاهَا الشَّيْطَان - وَقَالَت فِي نَفسهَا: مَا فعلت بِابْني لَو ذبح عِنْدِي فواريته وكفنته كَانَ أحب إليّ من أَن ألقيه إِلَى دَوَاب الْبَحْر وحيتانه
فَانْطَلق بِهِ المَاء حَتَّى أوفى بِهِ عِنْد مستقى جواري امْرَأَة فِرْعَوْن فرأينه فأخذنه فهممن أَن يفتحن الْبَاب فَقَالَ بَعضهنَّ لبَعض: إِن فِي هَذَا لمالاً وَإِنَّا إِن فتحناه لم تصدقنا امْرَأَة الْملك بِمَا وجدنَا فِيهِ فحملنه بهيئته لم يحركن مِنْهُ شَيْئا حَتَّى دفعنه إِلَيْهَا فَلَمَّا فَتحته رَأَتْ فِيهِ الْغُلَام فألقي عَلَيْهَا محبَّة لم تلق مِنْهَا على أحد من الْبشر قطّ (وَأصْبح فؤاد أم مُوسَى فَارغًا) (الْقَصَص آيَة 10) من ذكر كل شَيْء إِلَّا من ذكر مُوسَى
فَلَمَّا سمع الذَّبَّاحُونَ بأَمْره أَقبلُوا إِلَى امْرَأَة فِرْعَوْن بشفَارهمْ يُرِيدُونَ أَن يذبحوه وَذَلِكَ من الْفُتُون يَا ابْن جُبَير فَقَالَت للذباحين: إِن هَذَا الْوَاحِد لَا يزِيد فِي بني إِسْرَائِيل وَإِنِّي آتِي فِرْعَوْن فَأَسْتَوْهبهُ مِنْهُ فَإِن وهبه لي فقد أَحْسَنْتُم وَأَجْمَلْتُمْ وَإِن أَمر بذَبْحه لم أَلمكُم فَلَمَّا أَتَت بِهِ فِرْعَوْن قَالَت: (قُرَّة عين لي وَلَك لَا تقتلوه) (الْقَصَص آيَة 9) قَالَ فِرْعَوْن: يكون لَك وأمَّا لي فَلَا حَاجَة لي فِيهِ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي يحلف بِهِ لَو أقرّ فِرْعَوْن بِأَن يكون قُرَّة عين لَهُ كَمَا قَالَت امْرَأَته لهداه الله بِهِ كَمَا هدى بِهِ امْرَأَته وَلَكِن الله عز وَجل - حرمه ذَلِك فَأرْسلت إِلَى من حولهَا من كل امْرَأَة لَهَا لبن لتختار لَهُ ظِئْرًا فَكلما أَخَذته امْرَأَة مِنْهُنَّ لترضعه لم يقبل ثديها حَتَّى أشفقت امْرَأَة فِرْعَوْن أَن يمنتع من اللَّبن فَيَمُوت فأحزنها ذَلِك فَأمرت بِهِ فَأخْرج إِلَى السُّوق وَمجمع النَّاس ترجو أَن تَجِد لَهُ ظِئْرًا يَأْخُذ مِنْهَا فَلم يفعل وأصبحت أم مُوسَى والهاً فَقَالَت لأخته: قصي أَثَره واطلبيه هَل تسمعين لَهُ ذكرا أَحَي أم قد أَكلته الدَّوَابّ ونسيت الَّذِي كَانَ وعد الله
(فبصرت بِهِ أُخْته عَن جنب وهم لَا يَشْعُرُونَ) وَالْجنب أَن يسمو بصر الْإِنْسَان إِلَى شَيْء بعيد وَهُوَ إِلَى جنبه وَهُوَ لَا يشْعر بِهِ (فَقَالَت) - من الْفَرح حِين أعياهم الظوائر - (هَل أدلكم على أهل بَيت يكفلونه لكم وهم لَهُ ناصحون) فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا: وَمَا يدْريك مَا نصحهمْ لَهُ هَل يعرفونه(5/570)
حَتَّى شكوا فِي ذَلِك وَذَلِكَ من الْفُتُون يَا ابْن جُبَير
فَقَالَت: نصحهمْ لَهُ وشفقتهم عَلَيْهِ رغبتهم فِي جَانب الْملك رَجَاء شفقته
فتركوها فَانْطَلَقت إِلَى أمه فَأَخْبَرتهَا الْخَبَر فَجَاءَت فَلَمَّا وَضعته فِي حجرها نزا إِلَى ثديها فمصه حَتَّى امْتَلَأَ جنباه ريا وَانْطَلق الْبُشْرَى إِلَى امْرَأَة فِرْعَوْن يبشرونها: إِنَّا قد وجدنَا لابنك ظِئْرًا
فَأرْسلت إِلَيْهَا فَأتيت بهَا وَبِه فَلَمَّا رَأَتْ مَا يصنع قَالَت لَهَا: امكثي عِنْدِي أرضعني [أرضعي] ابْني هَذَا - فَإِنِّي لم أحب حب شَيْئا قطّ - قَالَت: لَا أَسْتَطِيع أَن أدع بَيْتِي وَوَلَدي فيضيع فَإِن طابت نَفسك أَن تعطينيه فَأذْهب بِهِ إِلَى بَيْتِي فَيكون معي لَا آلوه خيرا فعلت وَإِلَّا فَإِنِّي غير تاركة بَيْتِي وَوَلَدي
فَذكرت أم مُوسَى مَا كَانَ الله عز وَجل وعدها فتعاسرت على امْرَأَة فِرْعَوْن لذَلِك وأيقنت أَن الله عز وَجل منجز وعده
فَرَجَعت بابنها من يَوْمهَا فأنبته الله نباتاً حسنا وَحفظه لما قد قضى فِيهِ فَلم يزل بَنو إِسْرَائِيل - وهم يَجْتَمعُونَ فِي نَاحيَة الْقرْيَة - يمتنعون بِهِ من الظُّلم والسخرة مُنْذُ كَانَ فيهم فَلَمَّا ترعرع قَالَت امْرَأَة فِرْعَوْن لأم مُوسَى: أُرِيد أَن تريني ابْني فوعدتها يَوْمًا تزورها فِيهِ بِهِ
فَقَالَت لخزانها وجواريها وقهارمتها: لَا يبْقى مِنْكُم الْيَوْم وَاحِد إِلَّا اسْتقْبل ابْني بهدية وكرامة أرى ذَلِك فِيهِ وَأَنا باعثة أَمينا يحضر مَا صنع كل إِنْسَان مِنْكُم فَلم تزل الْهَدَايَا والنحل والكرامة تستقبله من حِين خرج من بَيت أمه إِلَى أَن دخل عَلَيْهَا فَلَمَّا دخل عَلَيْهَا أكرمته ونحلته وفرحت بِهِ وأعجبها ونحلت أمه لحسن أَثَرهَا عَلَيْهِ ثمَّ قَالَت لأنطلقن بِهِ إِلَى فِرْعَوْن فلينحله وليكرمنه
فَلَمَّا دخلت بِهِ عَلَيْهِ وَجَعَلته فِي حجره فَتَنَاول مُوسَى لحية فِرْعَوْن فَمدَّهَا إِلَى الأَرْض فَقَالَت لَهُ الغواة - من أَعدَاء الله -: أَلا ترى إِلَى مَا وعد الله إِبْرَاهِيم إِنَّه يرثك ويصرعك ويعلوك
فَأرْسل إِلَى الذباحين ليَذْبَحُوهُ
وَذَلِكَ من الْفُتُون يَا ابْن جُبَير بعد كل بلَاء ابْتُلِيَ بِهِ وَأُرِيد بِهِ فُتُونًا
فَجَاءَت امْرَأَة فِرْعَوْن تسْعَى إِلَى فِرْعَوْن فَقَالَت: مَا بدا لَك فِي هَذَا الصَّبِي الَّذِي وهبته لي قَالَ: أَلا ترينه يزْعم أَنه سيصرعني ويعلوني قَالَت لَهُ: اجْعَل بيني وَبَيْنك أمرا تعرف فِيهِ الْحق ائْتِ بجَمْرَتَيْن وَلُؤْلُؤَتَيْن فَقَربهُنَّ إِلَيْهِ فَإِن بَطش بالؤلؤتين واجتنب الْجَمْرَتَيْن علمت أَن يعقل وَإِن هُوَ تنَاول الْجَمْرَتَيْن وَلم يرد اللُّؤْلُؤَتَيْن فَاعْلَم أَن أحد لَا يُؤثر الْجَمْرَتَيْن على اللُّؤْلُؤَتَيْن وَهُوَ يعقل
فَلَمَّا قرب إِلَيْهِ الْجَمْرَتَيْن واللؤلؤتين أَخذ الْجَمْرَتَيْن فانتزعهما مِنْهُ مَخَافَة أَن يحرقا بدنه
فَقَالَ للْمَرْأَة: لَا يذبح
وَصَرفه الله عَنهُ بعد أَن كَانَ هم بِهِ وَكَانَ الله بَالغ أمره(5/571)
فِيهِ فَلَمَّا بلغ أشده - وَكَانَ من الرِّجَال - لم يكن أحد من آل فِرْعَوْن يخلص إِلَى أحد من بني إِسْرَائِيل مَعَه بظُلْم وَلَا بسخرة حَتَّى امْتَنعُوا كل الإمتناع
فَبَيْنَمَا هُوَ يمشي فِي نَاحيَة الْمَدِينَة إِذا هُوَ برجلَيْن يقتتلان - أَحدهمَا من بني إِسْرَائِيل وَالْآخر من آل فِرْعَوْن - فاستغاثة الإسرائيلي على الفرعوني فَغَضب مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبه لِأَنَّهُ تنَاوله وَهُوَ يعلم منزلَة مُوسَى من بني إِسْرَائِيل وَحفظه لَهُم: لَا يعلم إِلَّا أَن ذَلِك من الرَّضَاع من أم مُوسَى إِلَّا أَن يكون الله تَعَالَى أطلع مُوسَى من ذَلِك على مَا لم يطلع غَيره عَلَيْهِ فَوَكَزَ مُوسَى الفرعوني فَقتله وَلَيْسَ يراهما أحد إِلَّا الله ومُوسَى والإسرائيلي
(فَقَالَ) مُوسَى: حِين قتل الرجل (هَذَا من عمل الشَّيْطَان إِنَّه عَدو مضل مُبين) (الْقَصَص آيَة 15) ثمَّ (قَالَ رَبِّي إِنِّي ظلمت نَفسِي فَاغْفِر لي فغفر لَهُ وَأصْبح فِي الْمَدِينَة خَائفًا يترقب) (الْقَصَص آيَة 17) الْأَخْبَار فَأتى فِرْعَوْن فَقيل لَهُ: إِن بني إسرئيل قتلوا رجلا من آل فِرْعَوْن فَخذ لنا بحقنا وَلَا ترخص لَهُم
فَقَالَ ائْتُونِي بِهِ وَمن شهد عَلَيْهِ فَإِن الْملك - وَإِن كَانَ صَفوه مَعَ قومه لَا يَسْتَقِيم لَهُ أَن يُقيد بِغَيْر بَيِّنَة وَلَا ثَبت فَاطْلُبُوا علم ذَلِك آخذ لكم بحقكمز فَبَيْنَمَا هم يطوفون فَلَا يَجدونَ بَيِّنَة وَلَا ثبتاً إِذا مُوسَى من الْغَد قد رأى ذَلِك الإسرائيلي يُقَاتل فرعونياً آخر فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف مُوسَى قد نَدم على مَا كَانَ من وكزه الَّذِي رأى فَغَضب من الإسرائيلي لما فعل بالْأَمْس وَالْيَوْم وَقَالَ: (إِنَّك لغَوِيّ مُبين) (الْقَصَص آيَة 18) فَنظر الإسرائيلي إِلَى مُوسَى حِين قَالَ لَهُ مَا قَالَ - فَإِذا هُوَ غَضْبَان كغضبه بالْأَمْس - فخاف بَعْدَمَا قَالَ لَهُ: (إِنَّك لغَوِيّ مُبين) أَن يكون إِيَّاه أَرَادَ وَإِنَّمَا أَرَادَ الفرعوني (فَقَالَ: يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس) (الْقَصَص آيَة 19) وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِك مَخَافَة أَن يكون إِيَّاه أَرَادَ مُوسَى ليَقْتُلهُ فيتداركا فَانْطَلق الفرعوني إِلَى قومه فَأخْبرهُم بِمَا سمع من الإسرائيلي حِين يَقُول: (أَتُرِيدُ أَن تقتلني كَمَا قتلت نفسا بالْأَمْس) (الْقَصَص آيَة 19) فَأرْسل فِرْعَوْن الذباحين ليقتلوا مُوسَى فَأخذ رسل فِرْعَوْن فِي الطَّرِيق الْأَعْظَم يَمْشُونَ على هينتهم يطْلبُونَ مُوسَى وهم لَا يخَافُونَ أَن يفوتهُمْ (وَجَاء رجل) من شيعَة مُوسَى (من أقْصَى الْمَدِينَة) (الْقَصَص آيَة 20) فاختصر طَرِيقا قَرِيبا حَتَّى سبقهمْ إِلَى مُوسَى فَأخْبرهُ الْخَبَر
وَذَلِكَ من الْفُتُون يَا ابْن جُبَير(5/572)
فَخرج مُوسَى مُتَوَجها نَحْو مَدين لم يلق بلَاء مثل ذَلِك وَلَيْسَ لَهُ بِالطَّرِيقِ علم الْأَحْسَن ظَنّه بربه فَإِنَّهُ (قَالَ عَسى رَبِّي أَن يهديني سَوَاء السَّبِيل) (الْقَصَص آيَة 22) (وَلما ورد مَاء مَدين وجد عَلَيْهِ أمة من النَّاس يسقون وَوجد من دونهم امْرَأتَيْنِ تذودان) (الْقَصَص آيَة 23) يَعْنِي فَلم تسقيا غنمهما قَالَ: (مَا خطبكما) (الْقَصَص آيَة 23) معتزلتين لَا تسقيان مَعَ النَّاس قَالَتَا: لَيست لنا قُوَّة نزاحم الْقَوْم وَإِنَّمَا نَنْتَظِر فضول حياضهم (فسقى لَهما) (الْقَصَص آيَة 24) فَجعل يغْرف فِي الدَّلْو مَاء كثيرا حَتَّى كَانَتَا أول الرُّعَاة فراغاً - فانصرفتا إِلَى أَبِيهِمَا بغنمهما وَانْصَرف مُوسَى إِلَى شَجَرَة فاستظل بهَا (فَقَالَ رب إِنِّي لما أنزلت إِلَيّ من خير فَقير) ز فاستنكر أَبُو الجاريتين سرعَة صدورهما بغنمهما حفلاً بطاناً وَقَالَ: إِن لَكمَا الْيَوْم لشأناً: فحدثتاه بِمَا صنع مُوسَى
فَأمر إِحْدَاهمَا أَن تَدعُوهُ لَهُ فَأَتَتْهُ فدعته
فَلَمَّا كَلمه (قَالَ لَا تخف نجوت من الْقَوْم الظَّالِمين) (الْقَصَص آيَة 25) لَيْسَ لفرعون وَلَا لِقَوْمِهِ علينا سُلْطَانا ولسنا فِي مَمْلَكَته
قَالَت ابْنَته: (يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ إِن خير من اسْتَأْجَرت الْقوي الْأمين) (الْقَصَص آيَة 26) فَحَملته الْغيرَة أَن قَالَ: وَمَا يدْريك مَا قوته وَمَا أَمَانَته قَالَت: أما قوته: فَمَا رَأَيْت مِنْهُ حِين سقى لنا لم أر رجلا قطّ أقوى فِي ذَلِك السَّقْي مِنْهُ حِين سقى لنا: وأمانته: فَإِنَّهُ نظر حِين أَقبلت إِلَيْهِ وشخصت لَهُ فَلَمَّا علم أَنِّي امْرَأَة صوب رَأسه وَلم يرفعهُ وَلم ينظر إليّ حِين أَقبلت إِلَيْهِ حَتَّى بلغته رِسَالَتك
فَقَالَ لي: امشي خَلْفي وانعتي لي الطَّرِيق فَلم يقل هَذَا إِلَّا وَهُوَ أَمِين
فَسرِّي عَن أَبِيهَا وصدقها وَظن بِهِ الَّذِي قَالَت
فَقَالَ: هَل لَك (أَن أنكحك إِحْدَى ابْنَتي هَاتين على أَن تَأْجُرنِي ثَمَانِي حجج فَإِن أتممت عشرا فَمن عنْدك وَمَا أُرِيد أَن أشق عَلَيْك) (الْقَصَص آيَة 27) فَفعل وَكَانَت على مُوسَى ثَمَانِي حجج وَاجِبَة وَكَانَت سنتَانِ عدَّة مِنْهُ فَقضى الله عدته فأتمها عشرا
قَالَ سعيد: فَسَأَلَنِي رجل من أهل النَّصْرَانِيَّة من عُلَمَائهمْ: هَل تَدْرِي أَي الْأَجَليْنِ قضى مُوسَى قلت: لَا
وَأَنا يَوْمئِذٍ لَا أعلم
فَلَقِيت ابْن عَبَّاس فَذكرت لَهُ الَّذِي قَالَ النَّصْرَانِي فَقَالَ: أما كنت تعلم أَن ثمانياً وَاجِبَة لم يكن مُوسَى لينتقص مِنْهَا وَتعلم أَن الله تَعَالَى كَانَ قَاضِيا عَن مُوسَى عدته(5/573)
الَّتِي وعد فَإِنَّهُ قضى عشرا فَأخْبرت النَّصْرَانِي فَقَالَ: الَّذِي أخْبرك بِهَذَا هُوَ أعلم مِنْك
قلت: أجل وَأولى (سَار مُوسَى بأَهْله) وَرَأى من أَمر النَّار مَا قصّ الله عَلَيْك فِي الْقُرْآن وَأمر الْعَصَا وَيَده فَشَكا إِلَى ربه مَا يتخوف من آل فِرْعَوْن فِي الْقَتِيل وعقدة لِسَانه - فَإِنَّهُ كَانَ فِي لِسَانه عقدَة تَمنعهُ من كثير من الْكَلَام - فَسَأَلَ ربه أَن يُعينهُ بأَخيه هَارُون ليَكُون لَهُ ردْءًا وَيتَكَلَّم عَنهُ بِكَثِير مِمَّا لَا يفصح بِهِ فَأَتَاهُ الله سؤله فَحل عقدَة من لِسَانه وَأوحى إِلَى هَارُون وَأمره أَن يلقى مُوسَى
فَانْدفع مُوسَى بالعصا وَلَقي هَارُون فَانْطَلقَا جَمِيعًا إِلَى فِرْعَوْن فأقاما بِبَابِهِ حينا لَا يُؤذن لَهما ثمَّ أذن لَهما بعد حجاب شَدِيد فَقَالَا: {إِنَّا رَسُولا رَبك} فَقَالَ: {فَمن رَبكُمَا يَا مُوسَى} فَأَخْبَرَاهُ بِالَّذِي قصّ الله فِي الْقُرْآن
قَالَ: فَمَا تريدان وَذكره بالقتيل فَاعْتَذر بِمَا قد سَمِعت قَالَ: أُرِيد أَن تؤمن بِاللَّه وَترسل معي بني إِسْرَائِيل
فَأبى عَلَيْهِ ذَلِك وَقَالَ: ائْتِ بِآيَة إِن كنت من الصَّادِقين فَألْقى بعصاه فتحوّلت حَيَّة عَظِيمَة فاغرة فاها مسرعة إِلَى فِرْعَوْن - فَلَمَّا رأى فِرْعَوْن أَنَّهَا قاصدة إِلَيْهِ - خافها فاقتحم عَن سَرِيره واستغاث بمُوسَى: أَن يكفها عَنهُ فَفعل وَأخرج يَده من جيبه بَيْضَاء من غير سوء) يَعْنِي برص ثمَّ أَعَادَهَا إِلَى كمه فَصَارَت إِلَى لَوْنهَا الأول
فَاسْتَشَارَ الْمَلأ فِيمَا رأى فَقَالُوا لَهُ: {هَذَانِ لساحران يُريدَان أَن يخرجاكم من أَرْضكُم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} يعنون ملكهم الَّذِي هم فِيهِ والعيش فَأَبَوا على مُوسَى أَن يعطوه شَيْئا مِمَّا طلب
وَقَالُوا لَهُ: اجْمَعْ لَهُم السَّحَرَة - فَإِنَّهُم بأرضنا كثير - حَتَّى تغلب بسحرهم سحرهما (فَأرْسل فِرْعَوْن فِي الْمَدَائِن حاشرين) (الشُّعَرَاء آيَة 54) فحشر لَهُ كل سَاحر متعالم فَلَمَّا أَتَوا فِرْعَوْن قَالُوا: بِمَ يعْمل هَذَا السَّاحر
قَالُوا: يعْمل بالحيات والحبال
قَالَ: فَلَا وَالله مَا فِي الأَرْض قوم يعْملُونَ بالحيات والحبال والعصي بِالسحرِ مَا نعمل بِهِ فَمَا أجرنا إِن غلبناه قَالَ لَهُم: أَنْتُم أقاربي وخاصتي وَأَنا صانع بكم كل شَيْء أَحْبَبْتُم فتواعدوا ليَوْم الزِّينَة {وَأَن يحْشر النَّاس ضحى} قَالَ سعيد: فَحَدثني ابْن عَبَّاس: أَن يَوْم الزِّينَة - الْيَوْم الَّذِي أظهر الله فِيهِ مُوسَى على فِرْعَوْن والسحرة - وَهُوَ يَوْم عَاشُورَاء فَلَمَّا اجْتَمعُوا فِي صَعِيد وَاحِد
قَالَ النَّاس لبَعْضهِم لبَعض: اذْهَبُوا بِنَا فلنحضر هَذَا الْأَمر و (نتبع السَّحَرَة(5/574)
إِن كَانُوا هم الغالبين) (الشُّعَرَاء آيَة 40) - يعنون بذلك مُوسَى وَهَارُون استهزاء بهما - فَقَالُوا: يَا مُوسَى - لقدرتهم بسحرهم - (إِمَّا أَن تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون نَحن الملقين) (الْأَعْرَاف آيَة 115) قَالَ: ألقوا {فَألْقوا حبالهم وعصيهم وَقَالُوا بعزة فِرْعَوْن إِنَّا لنَحْنُ الغالبون} ) (الْأَعْرَاف آيَة 44) فَرَأى مُوسَى من سحرهم مَا أوجس مِنْهُ خيفة
فَأوحى الله إِلَيْهِ (أَن ألق عصاك) (الْقَصَص آيَة 31) فَلَمَّا أَلْقَاهَا صَارَت ثعباناً عَظِيما فاغرة فاها فَجعل الْعَصَا بدعوة مُوسَى تَلْتَبِس بالحبال حَتَّى صَارَت [] جردا إِلَى الثعبان حَتَّى تدخل فِيهِ حَتَّى مَا أبقت عَصا وَلَا حبلاً إِلَّا ابتلعته فَلَمَّا عاين السَّحَرَة ذَلِك قَالُوا: لَو كَانَ هَذَا سحرًا لم تبتلع من سحرنَا كل هَذَا وَلَكِن هَذَا من أَمر الله عز وَجل
فَآمَنا بِاللَّه وَبِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى ونتوب إِلَى الله عز وَجل مِمَّا كُنَّا فِيهِ فَكسر الله ظهر فِرْعَوْن فِي ذَلِك الموطن وأشياعه فَظهر الْحق وَبَطل مَا كَانُوا يعْملُونَ (فغلبوا هُنَالك وانقلبوا صاغرين) (الْأَعْرَاف الْآيَة 119) وَامْرَأَة فِرْعَوْن بارزة مبتذلة - تَدْعُو الله بالنصر لمُوسَى على فِرْعَوْن - فَمن رَآهَا - من آل فِرْعَوْن ظن أَنَّهَا تبذلت شَفَقَة على فِرْعَوْن وأشياعه وَإِنَّمَا كَانَ حزنها وهمها لمُوسَى
فَلَمَّا طَال مكث مُوسَى لمواعد فِرْعَوْن الكاذبة كلما جَاءَ بِآيَة وعد عِنْدهَا أَن يُرْسل مَعَه بني إِسْرَائِيل فَإِذا كشف ذَلِك عَنهُ نكث عَهده وَاخْتلف وعده حَتَّى أَمر مُوسَى بقَوْمه فَخرج بهم لَيْلًا
فَلَمَّا أصبح فِرْعَوْن وَرَأى أَنهم قد مضوا بعث فِي الْمَدِينَة وحولها حاشرين فتبعتهم جنود عَظِيمَة كَثِيرَة وَأوحى الله إِلَى الْبَحْر: إِذا ضربك عَبدِي مُوسَى فانفرق لَهُ اثْنَي عشر فرقا حَتَّى يجوز مُوسَى وَمن مَعَه ثمَّ التق بعد على من بَقِي من قوم فِرْعَوْن وأشياعه
فنسي مُوسَى أَن يضْرب بعصاه فَدفع إِلَى الْبَحْر وَله قصيف مَخَافَة أَن يضْربهُ بعصاه وَهُوَ غافل فَيصير عَاصِيا (فَلَمَّا ترَاءى الْجَمْعَانِ) وتقاربا (قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون) (الشُّعَرَاء الْآيَة 61) فافعل مَا أَمرك بِهِ رَبك فَإنَّك لم تكذب وَلم تكذب
قَالَ: وَعَدَني رَبِّي إِذا انْتَهَيْت إِلَى الْبَحْر أَن ينفرق لي حَتَّى أجوز ثمَّ ذكر بعد ذَلِك الْعَصَا فَضرب الْبَحْر - حِين دنا أَوَائِل جند فِرْعَوْن - من أَوَاخِر جند مُوسَى فانفرق الْبَحْر - كَمَا أمره الله وكما وعد مُوسَى فَلَمَّا جَازَ أَصْحَاب مُوسَى كلهم وَدخل أَصْحَاب فِرْعَوْن كلهم التقى الْبَحْر عَلَيْهِم كَمَا(5/575)
أمره الله عز وَجل فَمَا أَن جَاوز الْبَحْر (قَالَ أَصْحَاب مُوسَى: إِنَّا لمدركون) (الشُّعَرَاء الْآيَة 61) إِنَّا نَخَاف أَن لَا يكون فِرْعَوْن غرق وَلَا نَأْمَن هَلَاكه فَدَعَا ربه فَأخْرجهُ لَهُ بِبدنِهِ من الْبَحْر حَتَّى استيقنوا
ثمَّ مروا بعد ذَلِك (على قوم يعكفون على أصنام لَهُم قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة
قَالَ إِنَّكُم قوم تجهلون إِن هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هم فِيهِ وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ) (الْأَعْرَاف آيَة 138) قد رَأَيْتُمْ من العبر مَا يكفيكم وسمعتم بِهِ فَمضى حَتَّى أنزلهم منزلا ثمَّ قَالَ لَهُم: أطِيعُوا هَارُون فَإِنِّي قد استخلفته عَلَيْكُم وَإِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي وأجلهم ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَن يرجع إِلَيْهِم فِيهَا فَلَمَّا أَتَى ربه وَأَرَادَ أَن يكلمهُ فِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا - فصامهن ليلهن ونهارهن - كره أَن يكلم ربه وريح فَمه ريح فَم الصَّائِم فَتَنَاول مُوسَى من نَبَات الأَرْض شَيْئا فمضغه
فَقَالَ لَهُ ربه: - حِين أَتَاهُ - لم أفطرت وَهُوَ أعلم بِالَّذِي كَانَ
قَالَ: يَا رب إِنِّي كرهت أَن أُكَلِّمك إِلَّا فمي طيب الرّيح
قَالَ: وَمَا علمت يَا مُوسَى أَن ريح فَم الصَّائِم أطيب عِنْدِي من ريح الْمسك ارْجع حَتَّى تَصُوم عشرَة أَيَّام ثمَّ ائْتِنِي
فَفعل مُوسَى الَّذِي أمره الله بِهِ فَلَمَّا رأى قوم مُوسَى أَنه لم يَأْتهمْ للأجل ساءهم ذَلِك وَقد كَانَ هَارُون خطبهم وَقَالَ لَهُم: إِنَّكُم خَرجْتُمْ من مصر وعندكم ودائع لقوم فِرْعَوْن وعوار وَلكم فيهم مثل ذَلِك وَأَنا أرى أَن تحتسبوا مَا كَانَ لكم عِنْدهم وَلَا أحل لكم وَدِيعَة استودعتموها أَو عَارِية ولسنا نرى أَدَاء شَيْء من ذَلِك إِلَيْهِم وَلَا مُمْسِكيه
فحفر حُفْرَة وَأمر كل قوم عِنْدهم شَيْء من ذَلِك من مَتَاع أَو حلية بِأَن يدفنوه فِي الحفرة ثمَّ أوقد عَلَيْهِ النَّار فأحرقه وَقَالَ: لَا يكون لنا وَلَا لَهُم
وَكَانَ السامري رجلا من قوم يعْبدُونَ الْبَقر لَيْسَ من بني إِسْرَائِيل جَار لَهُم فَاحْتمل مَعَ بني إسرئيل حِين احتملوا فَقضى لَهُ أَن رأى أثر الْفرس فَقبض مِنْهُ قَبْضَة فَمر بهَارُون فَقَالَ لَهُ هَارُون: يَا سامري
أَلا تلقي مَا فِي يَديك - وَهُوَ قَابض عَلَيْهِ لَا يرَاهُ أحد [] طوال ذَلِك - فَقَالَ: هَذِه بضة [قَبْضَة] من أثر الرَّسُول الَّذِي جَاوز بكم الْبَحْر فَلَا ألقيها لشَيْء إِلَّا أَن تَدْعُو الله إِذا ألقيتها أَن يكون مَا أُرِيد
قَالَ: فألقاها ودعا لَهُ هَارُون
قَالَ: أُرِيد أَن يكون عجلاً فَاجْتمع مَا كَانَ فِي الحفرة من مَتَاع: نُحَاس أَو حَدِيد أَو حلى فَصَارَ عجلاً أجوف لَيْسَ فِيهِ روح لَهُ خوار
فَقَالَ ابْن عَبَّاس:(5/576)
وَالله مَا كَانَ لَهُ صَوت وَلَكِن الرّيح كَانَت تدخل فِي دبره وَتخرج من فِيهِ فَكَانَ ذَلِك الصَّوْت من ذَلِك
فَتفرق بَنو إِسْرَائِيل فَقَالَت فرقة: يَا سامري مَا هَذَا فَإنَّك أَنْت أعلم بِهِ فَقَالَ: هَذَا ربكُم وَلَكِن مُوسَى أَخطَأ الطَّرِيق
فَقَالُوا: لَا نكذب بِهَذَا {حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} طه آيَة 91 فَإِن يَك رَبنَا لم يكن ضيعنا وعجزنا حِين رَأَيْنَاهُ وَإِن لم يكن رَبنَا فإننا نتبع قَول مُوسَى
وَقَالَ فرقة: هَذَا من عمل الشَّيْطَان وَلَيْسَ رَبنَا وَلَا نصدق بِهِ وَلَا نؤمن بِهِ
وأشرب فرقة فِي قُلُوبهم التَّصْدِيق بِمَا قَالَ السامري فِي الْعجل: وأعلنوا التَّكْذِيب و {قَالَ لَهُم هَارُون من قبل يَا قوم إِنَّمَا فتنتم بِهِ وَإِن ربكُم الرَّحْمَن} وَلَيْسَ بهكذا
قَالُوا: فَمَا بَال مُوسَى وعدنا ثَلَاثِينَ لَيْلَة ثمَّ أخلفنا فَهَذِهِ أَرْبَعُونَ لَيْلَة: فَقَالَ سفهاؤهم: أَخطَأ ربه فَهُوَ يَطْلُبهُ ويتبعه
فَلَمَّا كلم الله مُوسَى وَقَالَ مَا قَالَ لَهُ وَأخْبرهُ بِمَا لَقِي قومه من بعده (فَرجع مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا) فَقَالَ لَهُم مَا سَمِعْتُمْ فِي الْقُرْآن (وَألقى الألواح وَأخذ بِرَأْس أَخِيه يجره إِلَيْهِ) (الْأَعْرَاف آيَة 150) من الْغَضَب غير أَنه عذر أَخَاهُ واستغفر ربه ثمَّ انْصَرف إِلَى السامري فَقَالَ لَهُ: مَا حملك على مَا صنعت فَقَالَ: {فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول} وفطنت وعميت عَلَيْكُم {فنبذتها وَكَذَلِكَ سَوَّلت لي نَفسِي} {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِن لَك فِي الْحَيَاة أَن تَقول لَا مساس} إِلَى قَوْله: {فِي اليم نسفاً} وَلَو كَانَ إِلَهًا لم يخلص إِلَى ذَلِك فاستيقن بَنو إِسْرَائِيل بالفتنة واغتبط الَّذين كَانَ رَأْيهمْ رَأْي هَارُون فَقَالُوا: يَا مُوسَى سل رَبك أَن يفتح لنا بَاب تَوْبَة نعملها ونكفر عَنَّا مَا عَملنَا (فَاخْتَارَ مُوسَى من قومه سبعين رجلا) (الْأَعْرَاف آيَة 155) لذَلِك لَا يألوا لخير خِيَار بني إِسْرَائِيل وَمن لم يُشْرك فِي الْعجل فَانْطَلق بهم ليسأل رَبهم التَّوْبَة فرجفت الأَرْض بهم فاستحيا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من قومه ووفده حِين فعل بهم ذَلِك فَقَالَ: ( {رب لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء} الْأَعْرَاف آيَة 155 الْآيَة
وَمِنْهُم من قد اطلع الله مِنْهُ على مَا أشْرب قلبه الْعجل وَالْإِيمَان بِهِ فَلذَلِك رجفت بهم الأَرْض
فَقَالَ: (رَحْمَتي وسعت كل شَيْء فسأكتبها للَّذين يَتَّقُونَ) إِلَى قَوْله: (وَالْإِنْجِيل) (الْأَعْرَاف آيَة 156) فَقَالَ: رب سَأَلتك التَّوْبَة لقومي فَقلت: إِن رحمت [رحمتك] كتبتها لقوم غير قومِي فليتك أخرتني حَتَّى أخرج فِي أمة ذَلِك الرجل المرحومة
قَالَ الله عز(5/577)
وَجل: فَإِن تَوْبَتهمْ أَن يقتل كل رجل مِنْهُم كل من لَقِي من وَالِد أَو ولد فيقتله بِالسَّيْفِ وَلَا يُبَالِي من قبل ذَلِك الموطن
فَتَابَ أُولَئِكَ الَّذين كَانَ خَفِي على مُوسَى وَهَارُون وَمَا طلع الله عابهم من ذنوبهم فَاعْتَرفُوا بهَا
وفعلوا مَا أمروا بِهِ فغفر الله للْقَاتِل والمقتول
ثمَّ سَار بهم مُوسَى مُتَوَجها نَحْو الأَرْض المقدسة فَأخذ الألواح بعد مَا سكت عَنهُ الْغَضَب وَأمرهمْ بِالَّذِي أمره الله أَن يبلغهم من الْوَظَائِف فَثقلَتْ عَلَيْهِم وأبوا أَن يقرُّوا بهَا حَتَّى نتق الله عَلَيْهِم الْجَبَل كَأَنَّهُ ظلة ودنا مِنْهُم حَتَّى خَافُوا أَن يَقع عَلَيْهِم فَأخذُوا الْكتاب بأيمانهم وهم مصغون ينظرُونَ الأَرْض وَالْكتاب الَّذِي أَخَذُوهُ بِأَيْدِيهِم وهم ينظرُونَ إِلَى الْجَبَل مَخَافَة أَن يَقع عَلَيْهِم
ثمَّ مضوا حَتَّى أَتَوا الأَرْض المقدسة فوجدوا فِيهَا مَدِينَة جبارين خلقهمْ خلق مُنكر وَذكروا من ثمارهم أمرا عجيباً من عظمها فَقَالُوا: يَا مُوسَى (إِن فِيهَا قوم جبارين) (الْمَائِدَة آيَة 22) لَا طَاقَة لنا الْيَوْم بهم وَلَا ندْخلهَا مَا داموا فِيهَا (فَإِن يخرجُوا مِنْهَا فَإنَّا داخلون) قَالَ رجلَانِ من الجبارين: آمنا بمُوسَى فَخَرَجَا إِلَيْهِ فَقَالَا: نَحن أعلم بقومنا إِن كُنْتُم تخافون مَا رَأَيْتُمْ من أجسامهم وعددهم فَإِنَّهُم لَيْسَ لَهُم قُلُوب وَلَا مَنْعَة عِنْدهم (فادخلوا عَلَيْهِم الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون) (الْمَائِدَة آيَة 23) وَيَقُول أنَاس إنَّهُمَا من قوم مُوسَى وَزعم سعيد أَنَّهُمَا من الجبارين آمنا بمُوسَى
يَقُول: (من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا) (الْمَائِدَة آيَة 33) وَإِنَّمَا يَعْنِي بذلك الَّذين يخافهم بَنو إِسْرَائِيل
فَقَالُوا: (يَا مُوسَى إِنَّا لن ندْخلهَا أبدا مَا داموا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ) (الْمَائِدَة آيَة 24) فأغضبوا مُوسَى فَدَعَا عَلَيْهِم فسماهم فاسقين وَلم يدع عَلَيْهِم قبل ذَلِك لما رأى فيهم من الْمعْصِيَة وإساءتهم - حَتَّى كَانَ يَوْمئِذٍ - فَدَعَا عَلَيْهِم فَاسْتَجَاب الله لَهُ وَسَمَّاهُمْ كَمَا سماهم مُوسَى فاسقين (فَحَرمهَا عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ يتيهون فِي الأَرْض) (الْمَائِدَة آيَة 26) يُصْبِحُونَ كل يَوْم فيسيرون لَيْسَ لَهُم قَرَار
ثمَّ ظلل عَلَيْهِم فِي التيه بالغمام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى وَجعل لَهُم ثيابًا لَا تبلى وَلَا تتسخ وَجعل بَين ظهرانيهم حجرا مربعًا وَأمر مُوسَى فَضَربهُ بعصاه (فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا) (الْبَقَرَة آيَة 60) فِي كل نَاحيَة ثَلَاث عُيُون وَأعلم كل سبط عينهم الَّتِي يشربون مِنْهَا لَا(5/578)
يرتحلون بهَا من مرحلة إِلَّا وجدوا ذَلِك الْحجر مِنْهُم بِالْمَكَانِ الَّذِي كَانَ مِنْهُم بالمنزل الأوّل
رفع الحَدِيث ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَصدق ذَلِك عِنْدِي: أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان سمع من ابْن عَبَّاس هَذَا الحَدِيث فَأنْكر عَلَيْهِ أَن يكون الفرعوني هُوَ الَّذِي أفشى على مُوسَى أَمر الْقَتِيل وَقَالَ: إِنَّمَا أفشى عَلَيْهِ الإسرائيلي
فَأخذ ابْن عَبَّاس بِيَدِهِ فَانْطَلق إِلَى سعد بن مَالك الزُّهْرِيّ فَقَالَ: أَرَأَيْت يَوْم حَدثنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن قَتِيل مُوسَى من آل فِرْعَوْن من أفشى عَلَيْهِ الإسرائيلي أَو الفرعوني قَالَ: أفشى عَلَيْهِ الفرعوني بِمَا سمع من الإسرائيلي الَّذِي شهد ذَلِك وحضره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَبثت سِنِين فِي أهل مَدين} قَالَ: عشر سِنِين {ثمَّ جِئْت على قدر يَا مُوسَى} طه آيَة 40 قَالَ على موعد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ثمَّ جِئْت على قدر} قَالَ: الْمِيقَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ثمَّ جِئْت على قدر} قَالَ: على موعد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تنيا فِي ذكري} قَالَ لَا تضعفا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس: إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله - عزَّ وَجل - {وَلَا تنيا فِي ذكري} قَالَ: وَلَا تضعفا عَن أَمْرِي
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: إِنِّي وَجدك مل ونيت وإنني أبغي الفكاك لَهُ بِكُل سَبِيل وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تنيا} قَالَ: لَا تبطئا(5/579)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فقولا لَهُ قولا لينًا} قَالَ: كنه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فقولا لَهُ قولا لينًا} قَالَ: كنياه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ: {فقولا لَهُ قولا لينًا} قَالَ: كنياه يَا أَبَا مرّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فقولا لَهُ قولا لينًا} قَالَ اعذرا إِلَيْهِ وقولا لَهُ: إِن لَك رَبًّا وَلَك معاداً وَإِن بَين يَديك جنَّة وَنَارًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْفضل بن عِيسَى الرقاشِي أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {فقولا لَهُ قولا لينًا} فَقَالَ: يَا من يتحبب إِلَى من يعاديه فَكيف بِمن يتَوَلَّى ويناديه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَعَلَّه يتَذَكَّر} قَالَ: هَل يتَذَكَّر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إننا نَخَاف أَن يفرط علينا} قَالَ: يعجل {أَو أَن يطغى} قَالَ: يعتدي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إننا نَخَاف أَن يفرط علينا أَو أَن يطغى} قَالَ: عُقُوبَة مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {قَالَ لَا تخافا إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وَأرى} قَالَ: أسمع مَا يَقُول {وَأرى} مَا يجاوبكما فَأُوحي إلَيْكُمَا فتجاوباه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد جيد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما بعث الله مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ: رب أَي شَيْء أَقُول قَالَ: قل أهيا شرا هيا
قَالَ الْأَعْمَش: تَفْسِير ذَلِك الْحَيّ قبل كل شَيْء والحي بعد كل شَيْء
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله مُوسَى إِلَى فِرْعَوْن قَالَ: لَا يغرنكما لِبَاسه الَّذِي ألبسته فَإِن ناصيته بيَدي فَلَا ينْطق وَلَا يطرف إِلَّا بإذني وَلَا يغرنكما مَا متع بِهِ من زهرَة الدُّنْيَا وزينة المترفين فَلَو شِئْت أَن أزينكما من زِينَة الدُّنْيَا بِشَيْء يعرف فِرْعَوْن أَن قدرته تعجز عَن ذَلِك لفَعَلت وَلَيْسَ ذَلِك لهوانكما عَليّ وَلَكِنِّي ألبستكما نصيبكما من الْكَرَامَة على: أَن لَا تنقصكما الدُّنْيَا(5/580)
شَيْئا وَإِنِّي لأذود أوليائي عَن الدُّنْيَا كَمَا يذود الرَّاعِي إبِله عَن مبارك 7 الْغيرَة وَإِنِّي لأجنبهم كَمَا يجنب الرَّاعِي إبِله عَن مراتع الهلكة أُرِيد أَن أنور بذلك صُدُورهمْ وأطهر بذلك قُلُوبهم فيَّ سِيمَاهُمْ الَّذين يعْرفُونَ وَأمرهمْ الَّذِي يفتخرون بِهِ وَأعلم: أَنه من أَخَاف لي وليا فقد بارزني وَأَنا الثائر لأوليائي يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ابْن عَبَّاس عَن أبي سُفْيَان بن حَرْب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى هِرقل من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى هِرقل عَظِيم الرّوم سَلام على من اتبع الْهدى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن قَتَادَة قَالَ: التَّسْلِيم على أهل الْكتاب إِذا دخلت عَلَيْهِم بُيُوتهم أَن تَقول: السَّلَام على من اتبع الْهدى
الْآيَة 48 - 52(5/581)
إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48) قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا قد أُوحِي إِلَيْنَا أَن الْعَذَاب على من كذب وَتَوَلَّى} قَالَ: من كذب بِكِتَاب الله وَتَوَلَّى عَن طَاعَة الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الَّذِي أعْطى كل شَيْء خلقه} قَالَ: خلق لكل شَيْء روحه ثمَّ {هدى} قَالَ: هداه لمنكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أعْطى كل شَيْء خلقه} يَقُول: مثله أعْطى الْإِنْسَان انسانة وَالْحمار حمارة وَالشَّاة شاته: {ثمَّ هدى} إِلَى الْجِمَاع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى} قَالَ: أعْطى كل شَيْء مَا يصلحه ثمَّ هداه لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله(5/581)
عَنهُ - فِي قَوْله: {أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى} قَالَ: سوى خلق كل دَابَّة ثمَّ هداها لما يصلحها وَعلمهَا إِيَّاه لم يَجْعَل خلق النَّاس كخلق الْبَهَائِم وَلَا خلق الْبَهَائِم كخلق النَّاس وَلَكِن (خلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا) (الْفرْقَان آيَة 2)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أعْطى كل شَيْء خلقه} قَالَ: أعْطى كل ذِي خلق مَا يصلحه وَلم يَجْعَل الْإِنْسَان فِي خلق الدَّابَّة وَلَا الدَّابَّة فِي خلق الْكَلْب وَلَا الْكَلْب فِي خلق الشَّاة وَأعْطى كل شَيْء مَا يَنْبَغِي لَهُ من النِّكَاح وهيأ كل شَيْء على ذَلِك لَيْسَ مِنْهَا شَيْء يملك شَيْئا فِي فعاله فِي الْخلق والرزق وَالنِّكَاح {ثمَّ هدى} قَالَ: هدى كل شَيْء إِلَى رزقه وَإِلَى زَوجته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أعْطى كل شَيْء خلقه} قَالَ: أعْطى كل شَيْء صورته {ثمَّ هدى} قَالَ: لمعيشته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أعْطى كل شَيْء خلقه ثمَّ هدى} قَالَ: ألم تَرَ إِلَى الْبَعِير كَيفَ يقوم لصَاحبه ينتظره حَتَّى يَجِيء هَذَا مِنْهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ثمَّ هدى} قَالَ: كَيفَ يَأْتِي الذّكر الْأُنْثَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سابط قَالَ: مَا أبهت الْبَهَائِم فَلم تبهم عَن أَربع: تعلم أَن الله رَبهَا وَيَأْتِي الذّكر الْأُنْثَى وتهتدي لمعايشها وَتخَاف الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قَالَ فَمَا بَال الْقُرُون الأولى} يَقُول: فَمَا حَال الْقُرُون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {لَا يضل رَبِّي} قَالَ: لَا يُخطئ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا يضل رَبِّي وَلَا ينسى} قَالَ: هما شَيْء وَاحِد(5/582)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا يضل رَبِّي وَلَا ينسى} قَالَ: {لَا يضل رَبِّي} الْكتاب {وَلَا ينسى} مَا فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْمليح قَالَ: النَّاس يعيبون علينا الْكتاب وَقَالَ الله تَعَالَى: {علمهَا عِنْد رَبِّي فِي كتاب}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هِلَال قَالَ: كُنَّا عِنْد قَتَادَة فَذكرُوا الْكتاب وسألوه عَن ذَلِك فَقَالَ: وَمَا بَأْس بذلك
أَلَيْسَ الله الْخَبِير يخبر قَالَ: {فَمَا بَال الْقُرُون الأولى قَالَ علمهَا عِنْد رَبِّي فِي كتاب}
الْآيَة 53 - 54(5/583)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأخرجنا بِهِ أَزْوَاجًا} يَقُول: أصنافاً فَكل صنف من نَبَات الأَرْض أَزوَاج
النّخل زوج صنف وَالْأَعْنَاب زوج صنف وكل شَيْء تنبته الأَرْض أَزوَاج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {من نَبَات شَتَّى} قَالَ: مُخْتَلف وَفِي قَوْله: {لأولي النهى} قَالَ: لأولي التقى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {لأولي النهى} قَالَ: لِذَوي الحجا والعقول
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لأولي النهى} قَالَ: لأولي الْوَرع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لأولي النهى} قَالَ: الَّذين ينتهون عَمَّا نهوا عَنهُ
الْآيَة 55 - 58(5/583)
مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: إِن الْملك ينْطَلق فَيَأْخُذ من تُرَاب الْمَكَان الَّذِي يدْفن فِيهِ فيذره على النُّطْفَة فيخلق من التُّرَاب وَمن النُّطْفَة وَذَلِكَ قَوْله مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ: لما وضعت أم كُلْثُوم بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْقَبْر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى} بِسم الله وَفِي سَبِيل الله وعَلى مِلَّة رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {تَارَة أُخْرَى} قَالَ مرّة أُخْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم ن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَكَانا سوى} قَالَ: منصفاً بَينهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَكَانا سوى} قَالَ: نصفا بيني وَبَيْنك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَكَانا سوى} قَالَ: عدلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَكَانا سوى} قَالَ: مَكَانا مستوياً يتَبَيَّن النَّاس سَوَاء فِيهِ لَا يكون صَوت وَلَا شَيْء يتغيب بعض ذَلِك عَن بعض مستو حِين يرى
الْآيَة 59 - 60(5/584)
قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة} قَالَ: يَوْم عَاشُورَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من(5/584)
صَامَ يَوْم الزِّينَة أدْرك مَا فَاتَهُ من صِيَام تِلْكَ السّنة وَمن تصدق يَوْمئِذٍ بِصَدقَة أدْرك مَا فَاتَهُ من صَدَقَة تِلْكَ السّنة يَعْنِي يَوْم عَاشُورَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة} قَالَ: هُوَ يَوْم عيد كَانَ لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة} قَالَ: هُوَ عيدهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة} قَالَ: يَوْم السُّوق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {مَوْعدكُمْ يَوْم الزِّينَة} قَالَ: يَوْم الْعِيد يَوْم يتفرغ النَّاس من الْأَعْمَال وَيشْهدُونَ ويحضرون ويرون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَأَن يحْشر النَّاس ضحى} قَالَ: يَجْتَمعُونَ لذَلِك الميعاد الَّذِي واعدوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي نهيك أَنه قَرَأَ وَأَن تحْشر النَّاس ضحى بِالتَّاءِ وَأَن تشحر النَّاس أَنْت قَالَ: فِرْعَوْن يحْشر قومه
الْآيَة 61 - 71(5/585)
قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} قَالَ: أولو الْعقل والشرف والأسنان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم ووكيع فِي الْغرُور عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} قَالَ باشرافكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى} قَالَ: يذهبا بِالَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقد أَفْلح الْيَوْم من استعلى} قَالَ: من غلب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {تلقف مَا صَنَعُوا} قَالَ: أَلْقَاهَا مُوسَى فتحوّلت حَيَّة تَأْكُل حبالهم وَمَا صَنَعُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جُنْدُب بن عبد الله البَجلِيّ رضّي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أَخَذْتُم السَّاحر فَاقْتُلُوهُ ثمَّ قَرَأَ {وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى} قَالَ: لَا يَأْمَن حَيْثُ وجد
الْآيَة 72 - 76(5/586)
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة: أَن سحرة فِرْعَوْن كَانُوا تِسْعمائَة فَقَالُوا لفرعون: إِن يَكُونَا هَذَانِ ساحران فَإنَّا نغلبهم فَإِنَّهُ لَا(5/586)
أَسحر منا وَإِن كَانَ من رب الْعَالمين فَلَمَّا كَانَ من أَمرهم {خروا سجدا} أَرَاهُم الله فِي سجودهم مَنَازِلهمْ الَّتِي إِلَيْهَا يصيرون فَعندهَا قَالُوا: {لن نؤثرك على مَا جَاءَنَا من الْبَينَات} إِلَى قَوْله: {وَالله خير وَأبقى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة قَالَ: لما وَقَعُوا سجدا رَأَوْا أهل النَّار وَأهل الْجنَّة وثواب أهليهما فَقَالُوا: {لن نؤثرك على مَا جَاءَنَا من الْبَينَات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السحر} قَالَ: أَخذ فِرْعَوْن أَرْبَعِينَ غُلَاما من بني إِسْرَائِيل فَأمر أَن يعلمُوا السحر بالعوماء وَقَالَ: علموهم تَعْلِيما لَا يَغْلِبهُمْ أحد فِي الأَرْض
قَالَ ابْن عَبَّاس: فهم من الَّذين قَالُوا: {إِنَّا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وَمَا أكرهتنا عَلَيْهِ من السَحَر}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {وَالله خير وَأبقى} قَالَ: خير مِنْك أَن أطيع وَأبقى مِنْك عذَابا إِن عصي
وَأخرج مُسلم وَأحمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَأتى على هَذِه الْآيَة {إِنَّه من يَأْتِ ربه مجرماً فَإِن لَهُ جَهَنَّم لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما أَهلهَا الَّذين هم أَهلهَا فَإِنَّهُم لَا يموتون فِيهَا وَلَا يحيون وَأما الَّذين لَيْسُوا بِأَهْلِهَا فَإِن النَّار تميتهم إماتة ثمَّ يقوم الشفعاء فيشفعون فَيُؤتى بهم ضبائر على نهر يُقَال لَهُ الْحَيَاة أَو الْحَيَوَان فينبتون كَمَا ينْبت القثاء فِي حميل السَّيْل وَالله أعلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثَلَاث من كن فِيهِ لم ينل الدَّرَجَات العلى: من تكهَّن أَو استقسم أَو رده من سَفَره طيرة
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أبي الدَّرْدَاء سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من كَانَ وصلَة لِأَخِيهِ إِلَى سُلْطَان فِي مبلغ بر أَو مدفع مَكْرُوه رَفعه الله فِي الدَّرَجَات
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عون بن عبد الله قَالَ: إِن الله ليدْخل خلقا الْجنَّة فيعطيهم حَتَّى يملوا وفوقهم نَاس فِي {الدَّرَجَات العلى} فَإِذا نظرُوا إِلَيْهِم عرفوهم فَيَقُول: يَا رَبنَا إِخْوَاننَا كُنَّا مَعَهم فَبِمَ فضلتهم علينا فَيُقَال: هَيْهَات
إِنَّهُم كَانُوا يجوعون حِين تشبعون ويظمؤون حِين تروون ويقومون حِين تنامون ويستحصون حِين تختصون(5/587)
فِيهِ قَالَ: {يَا قوم إِنَّمَا فتنتم بِهِ وَإِن ربكُم الرَّحْمَن فَاتبعُوني وَأَطيعُوا أَمْرِي قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} فَأَقَامَ هرون فِيمَن مَعَه من الْمُسلمين مَخَافَة أَن يَقُول لَهُ مُوسَى: {فرقت بَين بني إِسْرَائِيل وَلم ترقب قولي} وَكَانَ لَهُ سَامِعًا مُطيعًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن هرون مر بالسامري وَهُوَ يتنحت الْعجب فَقَالَ لَهُ: مَا تصنع قَالَ: اصْنَع مَا لَا يضر وَلَا ينفع فَقَالَ هرون: اللَّهُمَّ أعْطه مَا سَأَلَ على نَفسه وَمضى هرون فَقَالَ السامري: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك أَن يخور فخار
فَكَانَ إِذا خار سجدوا لَهُ وَإِذا خار رفعوا رؤوسهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل استعاروا حليا من القبط فَخَرجُوا بِهِ مَعَهم فَقَالَ لَهُم هَارُون: قد ذهب مُوسَى إِلَى السَّمَاء اجْمَعُوا هَذِه الْحلِيّ حَتَّى يَجِيء مُوسَى فَيَقْضِي فِيهِ مَا قضى فَجمع ثمَّ أذيب فَلَمَّا ألْقى السامري القبضة تحول {عجلاً جسداً لَهُ خوار} فَقَالَ: {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي} قَالَ: إِن مُوسَى ذهب يطْلب ربه فضل فَلم يعلم مَكَانَهُ وَهُوَ هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن جِبْرِيل لما نزل فَصَعدَ بمُوسَى إِلَى السَّمَاء بصر بِهِ السامري من بَين النَّاس فَقبض قَبْضَة من أثر الْفرس وَحمل جِبْرِيل مُوسَى خَلفه حَتَّى إِذا دنا من بَاب السَّمَاء صعد وَكتب الله الألواح وَهُوَ يسمع صرير الأقلام فِي الألواح فَلَمَّا أخبرهُ أَن قومه قد فتنُوا من بعده نزل مُوسَى فَأخذ الْعجل فأحرقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ السامري من أهل كرمان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ انْطلق مُوسَى إِلَى ربه فَكَلمهُ فَلَمَّا كَلمه قَالَ لَهُ: {وَمَا أعجلك عَن قَوْمك يَا مُوسَى} {قَالَ هم أولاء على أثري وعجلت إِلَيْك رب لترضى} قَالَ: {فَإنَّا قد فتنا قَوْمك من بعْدك وأضلهم السامري} فَلَمَّا خَبره خبرهم قَالَ: يَا رب هَذَا السامري أَمرهم أَن يتخذوا الْعجل
أَرَأَيْت الرّوح من نفخها فِيهِ قَالَ الرب: أَنا
قَالَ: يَا رب
فَأَنت إِذا أضللتهم
ثمَّ رَجَعَ {مُوسَى إِلَى قومه غَضْبَان أسفا} قَالَ: حَزينًا {قَالَ يَا قوم ألم}(5/588)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن عُمَيْر قَالَ: إِن الرجل وَعَبده يدخلَانِ الْجنَّة فَيكون عَبده أرفع دَرَجَة مِنْهُ فَيَقُول: يَا رب هَذَا كَانَ عَبدِي فِي الدُّنْيَا فَيُقَال: إِنَّه كَانَ أَكثر ذكرا لله تَعَالَى مِنْك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أهل الدَّرَجَات العلى ليراهم من تَحْتهم كَمَا ترَوْنَ الْكَوْكَب الذري فِي أفق السَّمَاء وَأَن أَبَا بكر وَعمر مِنْهُم وانعما
الْآيَة 77 - 97(5/589)
وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (77) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (79) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى (80) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى (81) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82) وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى (83) قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (85) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي (86) قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ (88) أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا (89) وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (90) قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى (91) قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (94) قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {فَاضْرب لَهُم طَرِيقا فِي الْبَحْر يبساً} قَالَ: يَابسا لَيْسَ فِيهِ مَاء وَلَا طين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {طَرِيقا فِي الْبَحْر يبساً} قَالَ: يَابسا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ أَصْحَاب مُوسَى: هَذَا فِرْعَوْن قد أدركنا وَهَذَا الْبَحْر قد عمنَا
فَأنْزل الله (وَلَا تخَاف دركاً وَلَا تخشى) من الْبَحْر غرقاً وَلَا وحلاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا تخَاف دركاً} قَالَ: من آل فِرْعَوْن {وَلَا تخشى} من الْبَحْر غرقاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {فغشيهم من اليم} قَالَ الْبَحْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا تطغوا فِيهِ} قَالَ: الطغيان فِيهِ أَن يَأْخُذهُ بِغَيْر حلّه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله: {فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي} قَالَ: فَينزل عَلَيْكُم غَضَبي(5/590)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش أَنه قَرَأَ {وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي} بِكَسْر اللَّام على تَفْسِير من يجب عَلَيْهِ غَضَبي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز فِي قَوْله: {وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي} قَالَ: إِن غَضَبه خلق من خلقه يَدعُوهُ فيكلمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فقد هوى} قَالَ: شقي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سقِِي بن ماتع: أَن فِي جَهَنَّم قصراً يرْمى الْكَافِر من أَعْلَاهُ فَيهْوِي فِي جَهَنَّم أَرْبَعِينَ قبل أَن يبلغ الصلصال فَذَلِك قَوْله: {وَمن يحلل عَلَيْهِ غَضَبي فقد هوى}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَإِنِّي لغفار لمن تَابَ} قَالَ: من الشّرك {آمن}
قَالَ: وحد الله {وَعمل صَالحا} قَالَ: أدّى الْفَرَائِض {ثمَّ اهْتَدَى} قَالَ: لم يشك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِنِّي لغفار} الْآيَة
قَالَ: تَابَ من الذَّنب وآمن من الشّرك
وَعَملا صَالحا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {ثمَّ اهْتَدَى} علم أَن لعمله ثَوابًا يجزى عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {ثمَّ اهْتَدَى} قَالَ: ثمَّ استقام لفرقة السّنة وَالْجَمَاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق عَمْرو بن مَيْمُون عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَعجل مُوسَى إِلَى ربه فَقَالَ الله: {وَمَا أعجلك عَن قَوْمك يَا مُوسَى قَالَ هم أولاء على أثري وعجلت إِلَيْك رب لترضى} قَالَ: فَرَأى فِي ظلّ الْعَرْش رجلا فَعجب لَهُ
فَقَالَ: من هَذَا يَا رب قَالَ: لَا أحَدثك حَدِيثه لَكِن سأحدثك بِثَلَاث فِيهِ: كَانَ لَا يسحد النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله وَلَا يعق وَالِديهِ وَلَا يمشي بالنميمة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن وهب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله لما وعد مُوسَى أَن يكلمهُ خرج للْوَقْت الَّذِي وعده فَبَيْنَمَا هُوَ يُنَاجِي ربه إِذْ سمع خَلفه صَوتا فَقَالَ إلهي إِنِّي أسمع خَلْفي صَوتا قَالَ: لَعَلَّ قَوْمك ضلوا قَالَ: إلهي من أضلهم قَالَ: السامري
قَالَ: كَيفَ أضلهم قَالَ:(5/591)
صاغ لَهُم {عجلاً جسداً لَهُ خوار} قَالَ: إلهي هَذَا السامري صاغ لَهُم الْعجل: فَمن نفخ فِيهِ الرّوح حَتَّى صَار لَهُ خوار قَالَ: أَنا يَا مُوسَى قَالَ: فبعزتك مَا أَضَلَّ قومِي أحد غَيْرك
قَالَ: صدقت
قَالَ: يَا حَكِيم الْحُكَمَاء لَا يَنْبَغِي حَكِيم أَن يكون أحكم مِنْك
وَأخرج ابْن جرير فِي تهذيبه عَن رَاشد بن سعد قَالَ: إِن مُوسَى لما قدم على ربه - وَاعد قومه أَرْبَعِينَ لَيْلَة - قَالَ: يَا مُوسَى إِن قَوْمك قد افتتنوا من بعْدك
قَالَ: يَا رب كَيفَ يفتنون وَقد نجيتهم من فِرْعَوْن ونجيتهم من الْبَحْر وأنعمت عَلَيْهِم وَفعلت بهم قَالَ: يَا مُوسَى إِنَّهُم اتَّخذُوا من بعْدك عجلاً لَهُ خوار قَالَ: يَا رب فَمن جعل فِيهِ الرّوح قَالَ: أَنا
قَالَ: فَأَنت يَا رب أضللتهم
قَالَ: يَا مُوسَى يَا رَأس النَّبِيين وَيَا أَبَا الْحُكَّام إِنِّي رَأَيْت ذَلِك فِي قُلُوبهم فيسرته لَهُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما تعجل مُوسَى إِلَى ربه عمد السامري فَجمع مَا قدر عَلَيْهِ من حلي بني إِسْرَائِيل فَضَربهُ عجلاً ثمَّ ألْقى القبضة فِي جَوْفه فَإِذا هُوَ عجل جَسَد لَهُ خوار فَقَالَ لَهُم السامري: {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى} فَقَالَ لَهُم هرون: {يَا قوم ألم يَعدكُم ربكُم وَعدا حسنا} فَلَمَّا أَن رَجَعَ مُوسَى أَخذ رَأسه أَخِيه فَقَالَ لَهُ هرون مَا قَالَ فَقَالَ مُوسَى للسامري: {فَمَا خَطبك} فَقَالَ: {فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول فنبذتها وَكَذَلِكَ سَوَّلت لي نَفسِي} فَعمد مُوسَى إِلَى الْعجل فَوضع عَلَيْهِ المبارد فبرده وَهُوَ على شطر نهر فَمَا شرب أحد من ذَلِك المَاء - مِمَّن كَانَ يعبد ذَلِك الْعجل - إِلَّا اصفر وَجهه مثل الذَّهَب فَقَالُوا: يَا مُوسَى مَا تَوْبَتنَا قَالَ: يقتل بَعْضكُم بَعْضًا فَأخذُوا السكاكين فَجعل الرجل يقتل أَبَاهُ وأخاه وَابْنه لَا يُبَالِي من قتل حَتَّى قتل مِنْهُم سَبْعُونَ ألفا فَأوحى الله إِلَى مُوسَى: مرهم فَلْيَرْفَعُوا أَيْديهم فقد غفرت لمن قتل وتبت على من بَقِي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما هجم فِرْعَوْن على الْبَحْر وَأَصْحَابه - وَكَانَ فِرْعَوْن على فرس أدهم حصان هاب الحصان أَن يقتحم الْبَحْر فَمثل لَهُ جِبْرِيل على فرس لأنثى فَلَمَّا رَآهَا الحصان هجم خلفهَا(5/592)
وَعرف السامري جِبْرِيل - لِأَن أمه حِين خَافت أَن يذبح خلفته فِي غَار وأطبقت عَلَيْهِ - فَكَانَ جِبْرِيل يَأْتِيهِ فيغذوه بأصابعه فِي وَاحِدَة لَبَنًا وَفِي الْأُخْرَى عسلاً وَفِي الْأُخْرَى سمناً فَلم يزل يغذوه حَتَّى نَشأ فَلَمَّا عاينه فِي الْبَحْر عرفه فَقبض قَبْضَة من أثر فرسه
قَالَ أَخذ من تَحت الْحَافِر قَبْضَة وَألقى فِي روع السامري: إِنَّك لَا تلقيها على شَيْء فَتَقول: كن كَذَا إِلَّا كَانَ فَلم تزل القبضة مَعَه فِي يَده حَتَّى جَاوز الْبَحْر فَلَمَّا جَاوز مُوسَى وَبَنُو إِسْرَائِيل الْبَحْر أغرق الله آل فِرْعَوْن
قَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هرون (اخلفني فِي قومِي وَأصْلح وَلَا تتبع سَبِيل المفسدين) وَمضى مُوسَى لموعد ربه وَكَانَ مَعَ بني إِسْرَائِيل حلي من حلي آل فِرْعَوْن فكأنهم تأثموا مِنْهُ فأخرجوه لتنزل النَّار فتأكله فَلَمَّا جَمَعُوهُ قَالَ السامري: بالقبضة هَكَذَا فقذفها فِيهِ وَقَالَ: كن عجلاً جسداً لَهُ خوار فَصَارَ {عجلاً جسداً لَهُ خوار} فَكَانَ يدْخل الرّيح من دبره وَيخرج من فِيهِ يسمع لَهُ صَوت فَقَالَ {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى} فعكفوا على الْعجل يعبدونه
فَقَالَ هَارُون: {يَا قوم إِنَّمَا فتنتم بِهِ وَإِن ربكُم الرَّحْمَن فَاتبعُوني وَأَطيعُوا أَمْرِي} {قَالُوا لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ السامري رجلا من أهل ماجرما وَكَانَ من قوم يعْبدُونَ الْبَقر فَكَانَ يحب عبَادَة الْبَقر فِي نَفسه وَكَانَ قد أظهر الْإِسْلَام فِي بني إِسْرَائِيل فَلَمَّا فصل مُوسَى إِلَى ربه قَالَ لَهُم هرون: إِنَّكُم قد حملتم {أوزاراً من زِينَة الْقَوْم} آل فِرْعَوْن ومتاعاً وحلياً فتطهروا مِنْهَا فَإِنَّهَا رِجْس وأوقد لَهُم نَارا فَقَالَ: اقذفوا مَا مَعكُمْ من ذَلِك فِيهَا فَجعلُوا يأْتونَ بِمَا مَعَهم فيقذفون فِيهَا وَرَأى السامري أثر فرس جِبْرِيل فَأخذ تُرَابا من أثر حَافره ثمَّ أقبل إِلَى النَّار فَقَالَ لهرون يَا نَبِي الله ألقِي مَا فِي يَدي قَالَ: نعم
وَلَا يظنّ هرون إِلَّا أَنه كبعض مَا جَاءَ بِهِ غَيره من ذَلِك الْحلِيّ والأمتعة فقذفه فِيهَا فَقَالَ: كن {عجلاً جسداً لَهُ خوار} فَكَانَ للبلاء والفتنة
فَقَالَ: {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى} فعكفوا عَلَيْهِ وأحبوه حبا لم يُحِبُّوا مثله شَيْئا قطّ: يَقُول الله: {فنسي} أَي ترك مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْإِسْلَام يَعْنِي السامري {أَفلا يرَوْنَ أَلاَّ يرجع إِلَيْهِم قولا وَلَا يملك لَهُم ضراً وَلَا نفعا} وَكَانَ اسْم السامري: مُوسَى بن ظفروقع فِي أَرض مصر فَدخل فِي بني إِسْرَائِيل فَلَمَّا رأى هرون مَا وَقَعُوا(5/593)
{يَعِدَكُم ربكُم وَعدا حسنا} إِلَى قَوْله: {مَا أخلفنا موعدك بملكنا} يَقُول: بطاقتنا {وَلَكنَّا حملنَا أوزاراً من زِينَة الْقَوْم} يَقُول: من حلي القبط: {فقذفناها فَكَذَلِك ألْقى السامري فَأخْرج لَهُم عجلاً جسداً لَهُ خوار} فعكفوا عَلَيْهِ يعبدونه وَكَانَ يخور وَيَمْشي
فَقَالَ لَهُم هرون: {يَا قوم إِنَّمَا فتنتم بِهِ} يَقُول ابتليتم بالعجل
قَالَ: {فَمَا خَطبك يَا سامري} مَا بالك
إِلَى قَوْله: {وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفاً لنحرقنه} قَالَ: فَأَخذه فذبحه ثمَّ خرقه بالمبرد
يَعْنِي سحكه ثمَّ ذراه فِي اليم
فَلم يبْق نهر يجْرِي يَوْمئِذٍ إِلَّا وَقع فِيهِ مِنْهُ شَيْء ثمَّ قَالَ لَهُم مُوسَى: اشربوا مِنْهُ فَشَرِبُوا
فَمن كَانَ يُحِبهُ خرج على شاربيه الذَّهَب فَذَلِك حِين يَقُول: {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل بكفرهم}
قَالَ: فَلَمَّا سقط فِي أَيدي بني إِسْرَائِيل حِين جَاءَ مُوسَى {وَرَأَوا أَنهم قد ضلوا قَالُوا لَئِن لم يَرْحَمنَا رَبنَا وَيغْفر لنا لنكونن من الخاسرين} فَأبى الله أَن يقبل تَوْبَة بني إِسْرَائِيل إِلَّا بِالْحَال الَّتِي كَرهُوا أَنهم كَرهُوا أَن يقاتلوهم حِين عبدُوا الْعجل {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم إِنَّكُم ظلمتم أَنفسكُم باتخاذكم الْعجل فتوبوا إِلَى بارئكم فَاقْتُلُوا أَنفسكُم} فاجتلد الَّذين عبدوه وَالَّذين لم يعبدوا بِالسُّيُوفِ فَكَانَ من قتل من الْفَرِيقَيْنِ شَهِيدا حَتَّى كثر الْقَتْل حَتَّى كَادُوا أَن يهْلكُوا حَتَّى قتل مِنْهُم سَبْعُونَ ألفا وَحَتَّى دَعَا مُوسَى وهرون: رَبنَا هَلَكت بَنو إِسْرَائِيل رَبنَا الْبَقِيَّة
الْبَقِيَّة
فَأَمرهمْ أَن يضعوا السِّلَاح وَتَابَ عَلَيْهِم فَكَانَ من قتل مِنْهُم كَانَ شَهِيدا وَمن بَقِي كَانَ مكفراً عَنهُ فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {فَتَابَ عَلَيْكُم إِنَّه هُوَ التواب الرَّحِيم}
ثمَّ إِن الله تَعَالَى أَمر مُوسَى أَن يَأْتِيهِ فِي نَاس من بني إِسْرَائِيل يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ من عبَادَة الْعجل فَوَعَدَهُمْ موعدا {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} ثمَّ ذهب ليعتذروا من عبَادَة الْعجل فَلَمَّا أَتَوا ذَلِك قَالُوا: {لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة} فَإنَّك قد كَلمته فأرناه {فَأَخَذتهم الصاعقة} فماتوا فَقَامَ مُوسَى يبكي وَيَدْعُو الله وَيَقُول: رب
مَاذَا أَقُول لنَبِيّ إِسْرَائِيل إِذا أتيتهم وَقد أهلكت خيارهم {رب لَو شِئْت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بِمَا فعل السُّفَهَاء منا} فَأوحى الله إِلَى مُوسَى أَن هَؤُلَاءِ السّبْعين مِمَّن اتَّخذُوا الْعجل
فَذَلِك حِين يَقُول مُوسَى: {إِن هِيَ إِلَّا فتنتك تضل بهَا من تشَاء} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أفطال عَلَيْكُم الْعَهْد} يَقُول: الْوَعْد وَفِي قَوْله: {فأخلفتم موعدي}(5/594)
يَقُول: عهدي وَفِي قَوْله: {مَا أخلفنا موعدك بملكنا} بِأَمْر ملكنا {وَلَكنَّا حملنَا أوزاراً} قَالَ: أثقالاً من زِينَة الْقَوْم وَهِي الْحلِيّ الَّذِي استعاروه من آل فِرْعَوْن {فقذفناها} قَالَ: فألقيناها {فَكَذَلِك ألْقى السامري} قَالَ: كَذَلِك صنع {فَأخْرج لَهُم عجلاً جسداً لَهُ خوار} قَالَ: حفيف الرّيح فِيهِ
فَهُوَ خواره والعجل ولد الْبَقَرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {بملكنا} قَالَ: بأمرنا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَا أخلفنا موعدك بملكنا} قَالَ: بطاقتنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بملكنا} قَالَ: بسلطاننا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن يحيى أَنه قَرَأَ {بملكنا} وملكنا وَاحِد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله: {هَذَا إِلَهكُم وإله مُوسَى فنسي} قَالَ: نسي مُوسَى أَن يذكر لكم: إِن هَذَا إلهه وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فنسي} قَالَ هم يَقُولُونَهُ قومه: أَخطَأ الرب الْعجل {أَفلا يرَوْنَ أَلاَّ يرجع إِلَيْهِم قولا} قَالَ: الْعجل {وَلَا يملك لَهُم ضراً} قَالَ: ضَلَالَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {قَالَ يَا هَارُون مَا مَنعك إِذْ رَأَيْتهمْ ضلوا أَلا تتبعن} قَالَ: تَدعهُمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: أمره مُوسَى أَن يصلح وَلَا يتبع سَبِيل المفسدين فَكَانَ من إِصْلَاحه أَن يُنكر الْعجل
فَذَلِك قَوْله: {إِلَّا تتبعن أفعصيت أَمْرِي} كَذَلِك أَيْضا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {إِنِّي خشيت أَن تَقول فرقت بَين بني إِسْرَائِيل} قَالَ: خشيت أَن يَتبعني بَعضهم ويتخلف بَعضهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي اله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنِّي خشيت أَن تَقول فرقت بَين بني إِسْرَائِيل} قَالَ: قد كره الصالحون الْفرْقَة قبلكُمْ(5/595)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَلم ترقب قولي} قَالَ: لم تنْتَظر قولي وَمَا أَنا صانع وَقَائِل
قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلم ترقب قولي} لم تحفظ قولي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قَالَ فَمَا خَطبك يَا سامري} قَالَ: لم يكن اسْمه وَلكنه كَانَ من قَرْيَة اسْمهَا سامرة {قَالَ بصرت بِمَا لم يبصروا بِهِ} يَعْنِي فرس جِبْرِيل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {بِمَا لم يبصروا بِهِ} بِالْيَاءِ وَرفع الصَّاد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول} قَالَ: من تَحت حافر فرس جِبْرِيل {فنبذتها} قَالَ: نبذ السامري على حلية بني إِسْرَائِيل فَانْقَلَبت عجلاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فقبضت قَبْضَة من أثر الرَّسُول} قَالَ: قبض السامري قَبْضَة من أثر الْفرس فصره فِي ثَوْبه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرؤهَا فقنصت بالصَّاد
قَالَ: والقبص بأطراف الْأَصَابِع
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْأَشْهب قَالَ: كَانَ الْحسن يقْرؤهَا فقبصت قبصة بالصَّاد يَعْنِي بأطراف أَصَابِعه وَكَانَ أَبُو رَجَاء يقْرؤهَا فقبصت قبصة بالصَّاد هَكَذَا بِجَمِيعِ كفيه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: القبضة ملْء الْكَفّ والقبصة بأطراف الْأَصَابِع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {فقبضت قَبْضَة} بالضاد على معنى الْقَبْض
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَإِن لَك فِي الْحَيَاة أَن تَقول لَا مساس} قَالَ: عُقُوبَة لَهُ {وَإِن لَك موعداً لن تخلفه} قَالَ: لن تغيب عَنهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَانْظُر إِلَى إلهك الَّذِي ظلت عَلَيْهِ عاكفاً}(5/596)
قَالَ: أَقمت {لنحرقنه} قَالَ: بالنَّار {ثمَّ لننسفنه فِي اليم نسفاً} قَالَ: لنذرينه فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {لنحرقنه} خَفِيفَة
يَقُول: إِن الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا يحرقان بالنَّار يسحل بالمبرد ثمَّ يلقى على النَّار فَيصير رَمَادا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة لنذبحنه ثمَّ لنحرقنه خَفِيفَة
قَالَ قَتَادَة: وَكَانَ لَهُ لحم وَدم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي نهيك الْأَزْدِيّ أَنه قَرَأَ {لنحرقنه} بِنصب النُّون وخفض الرَّاء وخففها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اليم الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ قَالَ: اليم النَّهر
الْآيَة 98 - 110(5/597)
إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا (99) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا (100) خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا (101) يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107) يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا (108) يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (110)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وسع كل شَيْء علما} يَقُول: مَلأ(5/597)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي زيد فِي قَوْله: {وَقد آتيناك من لدنا ذكرا} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يحمل يَوْم الْقِيَامَة وزراً} قَالَ: إِثْمًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا} يَقُول: بئس مَا حملُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا} قَالَ: لَيْسَ هِيَ وسألهم مَوْصُولَة يَنْبَغِي أَن يقطع فَإنَّك إِن وصلت لم تفهم وَلَيْسَ بهَا خَفَاء ساءلهم حملا {خَالِدين فِيهِ وساء لَهُم يَوْم الْقِيَامَة حملا} قَالَ: حمل السوء وبوئ صَاحبه النَّار
قَالَ: وَإِنَّمَا هِيَ {وساء لَهُم} مَقْطُوعَة وساء بعْدهَا لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: أَرَأَيْت قَوْله: {ونحشر الْمُجْرمين يَوْمئِذٍ زرقاً} وَأُخْرَى عميا
قَالَ: إِن يَوْم الْقِيَامَة فِيهِ حالات: يكونُونَ فِي حَال زرقاً وَفِي حَال عميا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يتخافتون بَينهم} قَالَ: يتسارّون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {إِذْ يَقُول أمثلهم طَريقَة} قَالَ: أعلمهم فِي نَفسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِذْ يَقُول أمثلهم طَريقَة} قَالَ: أعدلهم من الْكفَّار {إِن لبثتم} أَي فِي الدُّنْيَا {إِلَّا يَوْمًا} لما تقاصرت فِي أنفسهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَت قُرَيْش: يَا مُحَمَّد كَيفَ يفعل رَبك بِهَذِهِ الْجبَال يَوْم الْقِيَامَة فَنزلت {ويسألونك عَن الْجبَال} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فيذرها قاعاً} قَالَ: مستوياً {صفصفاً} قَالَ: لَا نَبَات فِيهِ {لَا ترى فِيهَا عوجا} قَالَ: وَاديا {وَلَا أمتاً} قَالَ: رابية
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزوجل: {فيذرها قاعاً صفصفاً} قَالَ: القاع الأملس
والصفصف المستوي
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول:(5/598)
ملمومة شهباء لَو قذفوا بهَا شماريخ من رضوى إِذا عَاد صفصفا وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {قاعاً صفصفاً لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتاً} قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: هِيَ الأَرْض الملساء الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رابية مُرْتَفعَة وَلَا انخفاض
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قاعاً صفصفاً} قَالَ: مستوياً {لَا ترى فِيهَا عوجا} قَالَ: خفضاً {وَلَا أمتاً} قَالَ: إرتفاعاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {صفصفاً} قَالَ: القاع: الأَرْض والصفصف: المستوية {لَا ترى فِيهَا عوجا} قَالَ: صدعاً
{وَلَا أمتاً} قَالَ: أكمة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا ترى فِيهَا عوجا} قَالَ: ميلًا {وَلَا أمتاً} قَالَ: الأمت الْأَثر مثل الشرَاك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: العوج الإرتفاع والأمت الْمَبْسُوط
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: يَعْنِي بالأمت حفراً
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى: {لَا ترى فِيهَا عوجا وَلَا أمتاً} مَا الأمت قَالَ: الشي الشاخص من الأَرْض قَالَ فِيهِ كَعْب بن زُهَيْر: فَأَبْصَرت لمحة من رَأس عكرشة فِي كَافِر مَا بِهِ أمت وَلَا شرف وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: يحْشر الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي ظلمَة تطوى السَّمَاء وتتناثر النُّجُوم وَتذهب الشَّمْس وَالْقَمَر وينادي مُنَاد فَيسمع النَّاس الصَّوْت يأتونه
فَذَلِك قَول الله: {يَوْمئِذٍ يتبعُون الدَّاعِي لَا عوج لَهُ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {يتبعُون الدَّاعِي لَا عوج لَهُ} قَالَ: لَا عوج عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَا عوج لَهُ} لَا يميلون عَنهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا تسمع إِلَّا همساً} قَالَ: الصَّوْت الْخَفي(5/599)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا تسمع إِلَّا همساً} قَالَ: صَوت وَطْء الْأَقْدَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {فَلَا تسمع إِلَّا همساً} قَالَ: أصوات أَقْدَامهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَسَعِيد فِي قَوْله: {فَلَا تسمع إِلَّا همساً} قَالَ: وَطْء الْأَقْدَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن حُصَيْن بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: كنت قَاعِدا عِنْد الشّعبِيّ فمرت علينا إبل قد كَانَ عَلَيْهَا جص فَطَرَحته فَسمِعت صَوت أخفافها فَقَالَ: هَذَا الهمس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا تسمع إِلَّا همساً} قَالَ: هُوَ خفض الصَّوْت بالْكلَام يُحَرك لِسَانه وشفتيه وَلَا يسمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا همساً} قَالَ: سر الحَدِيث وَصَوت الْأَقْدَام
وَالله أعلم
الْآيَة 111 - 114(5/600)
وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (112) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (113) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وعنت الْوُجُوه} قَالَ: ذلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وعنت الْوُجُوه} قَالَ: خَشَعت(5/600)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وعنت الْوُجُوه} قَالَ: استأسرت صَارُوا أُسَارَى كلهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {وعنت الْوُجُوه} قَالَ: خضعت
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {وعنت الْوُجُوه للحي القيوم} قَالَ: استسلمت وخضعت يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: ليبك عَلَيْك كل عان بكربه وَآل قصيّ من مقل وَذي وفر وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وعنت الْوُجُوه} قَالَ: الرُّكُوع وَالسُّجُود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طلق بن حبيب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وعنت الْوُجُوه للحي القيوم} قَالَ: هُوَ وضعك جبهتك وكفيك وركبتيك وأطراف قَدَمَيْك فِي السُّجُود
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقد خَابَ من حمل ظلما} قَالَ: شركا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَول: {وَقد خَابَ من حمل ظلما} قَالَ: شركا
وَفِي قَوْله: {فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضماً} قَالَ: {ظلما} أَن يُزَاد فِي سيئاته
{وَلَا هضماً} قَالَ: لَا ينقص من حَسَنَاته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا يخَاف ظلما وَلَا هضماً} قَالَ: لَا يخَاف أَن يظلم فيزاد فِي سيئاته وَلَا يهضم من حَسَنَاته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا يخَاف ظلما} قَالَ: أَن يُزَاد عَلَيْهِ أَكثر من ذنُوبه {وَلَا هضماً} قَالَ: أَن ينتقص من حَسَنَاته شَيْئا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا هضماً} قَالَ: غصبا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَو يحدث لَهُم ذكرا} قَالَ: الْقُرْآن {ذكرا} قَالَ: جدا وورعاً(5/601)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أنزل عَلَيْهِ جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ أتعب نَفسه فِي حفظه حَتَّى يشق على نَفسه يتخوف أَن يصعد جِبْرِيل وَلم يحفظه فينسى مَا علمه
فَقَالَ الله: {وَلَا تعجل بِالْقُرْآنِ من قبل أَن يقْضى إِلَيْك وحيه} وَقَالَ: (لَا تحرّك بِهِ لسَانك لتعجل بِهِ) (الْقِيَامَة آيَة 16)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا تعجل بِالْقُرْآنِ من قبل أَن يقْضى إِلَيْك وحيه} يَقُول: لَا تعجل حَتَّى نبينه لَك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: لطم رجل امْرَأَته فَجَاءَت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تطلب قصاصا فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا الْقصاص فَأنْزل الله {وَلَا تعجل بِالْقُرْآنِ من قبل أَن يقْضى إِلَيْك وحيه وَقل رب زِدْنِي علما} فَوقف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزلت (الرِّجَال قوّامون على النِّسَاء) (النِّسَاء آيَة 34) الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {من قبل أَن يقْضى إِلَيْك وحيه}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تعجل بِالْقُرْآنِ} قَالَ: لَا تمله على أحد حَتَّى نتمه لَك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من قبل أَن يقْضى إِلَيْك وحيه} قَالَ: تبيانه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللَّهُمَّ انفعني بِمَا علمتني وَعَلمنِي مَا يَنْفَعنِي وزدني علما وَالْحَمْد لله على كل حَال
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود: أَنه كَانَ يَدْعُو: اللَّهُمَّ زِدْنِي إِيمَانًا وفقها ويقينا وعلما
الْآيَة 115(5/602)
وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَابْن مَنْدَه فِي التَّوْحِيد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّمَا سمي الْإِنْسَان: لِأَنَّهُ عهد إِلَيْهِ فنسي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: لَو أَن أَحْلَام بني آدم جمعت مُنْذُ يَوْم خلق آدم إِلَى أَن تقوم السَّاعَة فَوضعت فِي كفة وحلم آدم فِي كفة لرجح حلمه بأحلامهم
ثمَّ قَالَ الله: {وَلم نجد لَهُ عزماً} قَالَ: حفظا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن قَالَ: كَانَ عقل آدم مثل عقل جَمِيع وَلَده
قَالَ الله: {فنسي وَلم نجد لَهُ عزماً}
وَأخرج عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَقَد عهدنا إِلَى آدم} قَالَ: أَن لَا يقرب الشَّجَرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مَنْدَه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلم نجد لَهُ عزماً} قَالَ: حفظا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فنسي} قَالَ: فَترك {وَلم نجد لَهُ عزماً} يَقُول: لم نجْعَل لَهُ عزماً
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله: (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسؤْكُم) (الْمَائِدَة آيَة 101) قَالَ: كَانَ رجال من الْمُهَاجِرين فِي أنسابهم شَيْء فَقَالُوا يَوْمًا: وَالله لَوَدِدْنَا أَن الله أنزل قُرْآنًا فِي نسبنا
فَأنْزل الله مَا قَرَأت ثمَّ قَالَ لي: إِن صَاحبكُم هَذَا - يَعْنِي عَليّ بن أبي طَالب - أَن ولِّي زهد وَلَكِنِّي أخْشَى عجب نَفسه أَن يذهب بِهِ
قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن صاحبنا من قد علمت
وَالله مَا نقُول أَنه غير وَلَا عدل وَلَا أَسخط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّام صحبته فَقَالَ: وَلَا فِي بنت أبي جهل
وَهُوَ يُرِيد أَن يخطبها على فَاطِمَة قلت: قَالَ الله فِي مَعْصِيّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام {وَلم نجد لَهُ عزماً} وصاحبنا لم يعزم على إسخاط رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن الخواطر الَّتِي لم يقدر على دَفعهَا عَن نَفسه
وَرُبمَا كَانَت من(5/603)
الْفَقِيه فِي دين الله الْعَالم بِأَمْر الله فَإِذا نبه عَلَيْهَا رَجَعَ وأناب
فَقَالَ: يَا ابْن عَبَّاس منْ ظَنّ أَنه يرد بحوركم فيغوص فِيهَا حَتَّى يبلغ قعرها فقد ظن عَجزا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لعمر بن الْخطاب: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لم يذكر الرجل وَلم ينس فَقَالَ: إِن على الْقلب طخاة كطخاة الْقَمَر فَإِذا تغشت الْقلب نسي ابْن آدم مَا كَانَ يذكر فَإِذا انجلت ذكر مَا نسي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تَأْكُلُوا بشمائلكم وَلَا تشْربُوا بشمائلكم فَإِن آدم أكل بِشمَالِهِ فنسي فأورث ذَلِك النسْيَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {وَلم نجد لَهُ عزما} قَالَ: حفظا لما أَمر بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلم نجد لَهُ عزماً} قَالَ: صبرا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: لَو وزن حلم آدم بحلم الْعَالمين لوزنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: لم يكن آدم من أولي الْعَزْم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فنسي} قَالَ: ترك مَا قدم إِلَيْهِ وَلَو كَانَ مِنْهُ نِسْيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ شَيْء لِأَن الله قد وضع عَن الْمُؤمنِينَ النسْيَان وَالْخَطَأ وَلَكِن آدم ترك مَا قدم إِلَيْهِ من أكل الشَّجَرَة
الْآيَة 116 - 122(5/604)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا يخرجنكما من الْجنَّة فتشقى} قَالَ: عَنى بِهِ شقاء الدُّنْيَا فَلَا تلقى ابْن آدم إِلَّا شقياً ناصباً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عَيْنِيَّة قَالَ: لم يقل فتشقيان لِأَنَّهَا دخلت مَعَه فَوَقع الْمَعْنى عَلَيْهِمَا جَمِيعًا وعَلى أولادهما كَقَوْلِه: (يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم) (الطَّلَاق آيَة 1) و (يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم) (التَّحْرِيم آيَة 1) فَدَخَلُوا فِي الْمَعْنى مَعَه وَإِنَّمَا كلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام لما أهبط إِلَى الأَرْض استقبله ثَوْر أبلق فَقيل لَهُ: اعْمَلْ عَلَيْهِ
فَجعل يمسح الْعرق عَن جَبينه وَيَقُول: هَذَا مَا وَعَدَني رَبِّي {فَلَا يخرجنكما من الْجنَّة فتشقى} ثمَّ نَادَى حَوَّاء: أحواء أَنْت عملت فِي هَذَا فَلَيْسَ أحد من بني آدم يعْمل على ثَوْر إِلَّا قَالَ: حوّاء دخلت عَلَيْهِم من قبل آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى} قَالَ: لَا يصيبك فِيهَا عَطش وَلَا حر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا تظمأ} قَالَ: لَا تعطش {وَلَا تضحى} قَالَ: لَا يصيبك فِيهَا حر
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس: إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {وَأَنَّك لَا تظمأ فِيهَا وَلَا تضحى} قَالَ: لَا تعرق فِيهَا من شدَّة الشَّمْس
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: رَأَتْ رجلا أما إِذا الشَّمْس عارضت فيضحى وَأما بالْعَشي فيخضر وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تضحى} قَالَ: لَا يصيبك حر الشَّمْس
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(5/605)
قَالَ إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا وَهِي شَجَرَة الْخلد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسكن الله آدم الْجنَّة وَزَوجته وَنَهَاهُ عَن الشَّجَرَة رأى غصونها متشعبة بَعْضهَا على بعض وَكَانَ لَهَا ثَمَر تَأْكُله الْمَلَائِكَة لخلدهم وَهِي الثَّمَرَة الَّتِي نهى الله آدم عَنْهَا وَزَوجته فَلَمَّا أَرَادَ إِبْلِيس أَن يستزلهما دخل الْحَيَّة وَكَانَت الْحَيَّة لَهَا أَربع قَوَائِم كَأَنَّهَا بُخْتِيَّة من أحسن دَابَّة خلقهَا الله فَلَمَّا دخلت الْحَيَّة الْجنَّة خرج من جوفها إِبْلِيس فَأخذ من الشَّجَرَة الَّتِي نهى الله آدم وَزَوجته عَنْهَا فجَاء بهَا إِلَى حَوَّاء فَقَالَ: انظري إِلَى هَذِه الشَّجَرَة مَا أطيب رِيحهَا وَأطيب طعمها وَأحسن لَوْنهَا فأخذتها حَوَّاء فَأَكَلتهَا ثمَّ ذهبت بهَا إِلَى آدم فَقَالَت: انْظُر إِلَى هَذِه الشَّجَرَة مَا أطيب رِيحهَا وَأطيب طعمها وَأحسن لَوْنهَا
فَأكل مِنْهَا آدم {فبدت لَهما سوآتهما} فَدخل آدم فِي جَوف الشَّجَرَة فناداه ربه: أَيْن أَنْت قَالَ: هَا أناذا يَا رب
قَالَ: أَلا تخرج قَالَ: أستحي مِنْك يَا رب
قَالَ: اهبط إِلَى الأَرْض
ثمَّ قَالَ: يَا حَوَّاء غررت عَبدِي فَإنَّك لَا تحملين حملا إِلَّا كرْهاً فَإِذا أردْت أَن تَضَعِي مَا فِي بَطْنك أشرفت على الْمَوْت مرَارًا
وَقَالَ للحية: أَنْت الَّتِي دخل الملعون فِي جوفك حَتَّى غرّ عَبدِي
أَنْت ملعونة لعنة تتحوّل قوائمك فِي بَطْنك وَلَا يكون لَك رزق إِلَّا التُّرَاب أَنْت عَدو بني آدم وهم أعداؤك أَيْنَمَا لقِيت أحد مِنْهُم أخذت بعقبيه وَحَيْثُ مَا لقيك أحد مِنْهُم شرخ رَأسك
قيل لوهب: وَهل كَانَت الْمَلَائِكَة تَأْكُل قَالَ: يفعل الله مَا يَشَاء
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عَلْقَمَة قَالَ: اقْتُلُوا الْحَيَّات كلهَا إِلَى الجان الَّذِي كَأَنَّهُ ميل فَإِنَّهُ جنها وَلَا يضر أحدكُم كَافِرًا قتل أَو مُسلما
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي عبد الله المغربي قَالَ: تفكر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي شَأْن آدم قَالَ: يَا رب خلقته بِيَدِك ونفخت فِيهِ من روحك وأسجدت لَهُ ملائكتك ثمَّ بذنب وَاحِد مَلَأت أَفْوَاه النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: (وَعصى آدم ربه فغوى) فَأوحى اله إِلَيْهِ: يَا إِبْرَاهِيم أما علمت أَن مُخَالفَة الحبيب على الحبيب شَدِيدَة(5/606)
الْآيَة 123 - 126(5/607)
قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)
أخرج الطَّبَرَانِيّ والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الطُّفَيْل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: {فَمن اتبع هُدَايَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اتبع كتاب الله هداه الله من الضَّلَالَة فِي الدُّنْيَا ووقاه سوء الْحساب يَوْم الْقِيَامَة
وَذَلِكَ أَن الله يَقُول: {فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا يضل وَلَا يشقى}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَجَارَ الله تَابع الْقُرْآن من أَن يضل فِي الدُّنْيَا أَو يشقى فِي الْآخِرَة
ثمَّ قَرَأَ: {فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا يضل وَلَا يشقى} قَالَ: لَا يضل فِي الدُّنْيَا وَلَا يشقى فِي الْآخِرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور ومسدد فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ مَرْفُوعا فِي قَوْله: {معيشة ضنكا} قَالَ: عَذَاب الْقَبْر
وَفِي لفظ عبد الرَّزَّاق قَالَ: يضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه
وَفِي لفظ ابْن أبي حَاتِم عَن ضمة الْقَبْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: إِن الْمَعيشَة الضنك: أَن يُسَلط عَلَيْهِ تِسْعَة وَتسْعُونَ تنيناً تنهشه فِي الْقَبْر
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {فَإِن لَهُ معيشة ضنكاً} قَالَ: الْمَعيشَة الضنك الَّتِي قَالَ الله: إِنَّه يُسَلط عَلَيْهِ تِسْعَة وَتسْعُونَ حَيَّة تنهش لَحْمه حَتَّى تقوم السَّاعَة(5/607)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم من وَجه آخر عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {فَإِن لَهُ معيشة ضنكاً} قَالَ: عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت والحكيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمُؤمن فِي قَبره فِي رَوْضَة خضراءويرحب لَهُ قَبره سبعين ذراعاويضيءحتى يكون كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر
هَل تَدْرُونَ فِيمَا أنزلت {فَإِن لَهُ معيشة ضنكاً} قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: عَذَاب الْكَافِر فِي قَبره يُسَلط عَلَيْهِ تِسْعَة وَتسْعُونَ تنيناً
هَل تَدْرُونَ مَا التنين تِسْعَة وَتسْعُونَ حَيَّة لكل حَيَّة سَبْعَة رُؤُوس يخدشونه ويلسعونه وينفخون فِي جمسه إِلَى يَوْم يبعثون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا حدثتكم بِحَدِيث أنبأتكم بِتَصْدِيق ذَلِك من كتاب الله إِن الْمُؤمن إِذا وضع فِي قَبره أَجْلِس فِيهِ فَيُقَال لَهُ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فيثبته الله فَيَقُول: رَبِّي الله وديني الإِسلام ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فيوسع لَهُ فِي قَبره ويروّح لَهُ فِيهِ
ثمَّ قَرَأَ عبد الله {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} فَإِذا مَاتَ الْكَافِر أَجْلِس فِي قَبره فَيُقَال لَهُ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فَيَقُول: لَا أَدْرِي
قَالَ: فيضيق عَلَيْهِ قَبره ويعذب فِيهِ
ثمَّ قَرَأَ: {وَمن أعرض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكاً}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {معيشة ضنكاً} قَالَ: الشَّقَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {معيشة ضنكاً} قَالَ: شدَّة عَلَيْهِ فِي النَّار
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {معيشة ضنكاً} قَالَ: الضنك الشَّديد من كل وَجه
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك
قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وَالْخَيْل قد لحق بِنَا فِي مارق ضنك نواحيه شَدِيد الْمُقدم(5/608)
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {فَإِن لَهُ معيشة ضنكاً} قَالَ: عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي صَالح وَالربيع مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: الْمَعيشَة الضنك خصم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {معيشة ضنكاً} قَالَ: يَقُول: كل مَال أَعْطيته عبدا من عبَادي قلّ أَو كثر لَا يطيعني فِيهِ فَلَا خير فِيهِ وَهُوَ الضنك فِي الْمَعيشَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {معيشة ضنكا} قَالَ: ضيقَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {معيشة ضنكاً} قَالَ: الضنك من الْمَعيشَة إِذا وسع الله على عَبده أَن يَجْعَل معيشته من الْحَرَام فَيَجْعَلهُ الله عَلَيْهِ ضيقا فِي نَار جَهَنَّم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن دِينَار فِي قَوْله: {معيشة ضنكا} قَالَ: يحول الله رزقه فِي الْحَرَام فَلَا يطعمهُ إِلَّا رانا حَتَّى يَمُوت فيعذبه عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {معيشة ضنكاً} قَالَ: الْعَمَل السيء والرزق الْخَبيث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {معيشة ضنكاً} قَالَ: فِي النَّار شوك وزقوم وغسلين والضريع وَلَيْسَ فِي الْقَبْر وَلَا فِي الدُّنْيَا معيشة مَا الْمَعيشَة والحياة إِلَّا فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {معيشة ضنكاً} ضيقَة يضيق عَلَيْهِ قَبره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَإِن لَهُ معيشة ضنكاً} قَالَ: رزقا {ونحشره يَوْم الْقِيَامَة أعمى} قَالَ: عَن الْحجَّة {قَالَ رب لم حشرتني أعمى وَقد كنت بَصيرًا} قَالَ: فِي الدُّنْيَا {قَالَ كَذَلِك أتتك آيَاتنَا فنسيتها وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى} قَالَ: تتْرك فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {ونحشره يَوْم الْقِيَامَة أعمى} قَالَ: لَيْسَ لَهُ حجَّة
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله:(5/609)
{ونحشره يَوْم الْقِيَامَة أعمى} قَالَ: عمي عَلَيْهِ كل شَيْء إِلَّا جَهَنَّم
وَفِي لفظ قَالَ: لَا يبصر إِلَّا النَّار
وَأخرج هناد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لم حشرتني أعمى} قَالَ: لَا حجَّة لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أتتك آيَاتنَا فنسيتها} يَقُول: تركتهَا أَن تعْمل بهَا
{وَكَذَلِكَ الْيَوْم تنسى} قَالَ: فِي النَّار
وَالله أعلم
الْآيَة 127 - 131(5/610)
وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {وَكَذَلِكَ نجزي من أسرف} قَالَ: من أشرك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أفلم يهد لَهُم} قَالَ: ألم نبين لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أفلم يهد لَهُم} قَالَ: أفلم نبين لَهُم {كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون يَمْشُونَ فِي مساكنهم} نَحْو عَاد وَثَمُود وَمن أهلك من الْأُمَم
وَفِي قَوْله: {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك لَكَانَ لزاماً وَأجل مُسَمّى} قَالَ: هَذَا من مقاديم الْكَلَام يَقُول: لَوْلَا كلمة من رَبك وَأجل مُسَمّى لَكَانَ لزاماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك لَكَانَ لزاماً} قَالَ: لَكَانَ أخذا وَلَكنَّا أخرناهم إِلَى يَوْم بدر وَهُوَ اللُّزُوم وتفسيرها {وَلَوْلَا كلمة سبقت من رَبك لَكَانَ لزاماً وَأجل مُسَمّى} لَكَانَ لزاماً وَلكنه تَقْدِيم وَتَأْخِير فِي الْكَلَام(5/610)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: الْأَجَل الْمُسَمّى الْكَلِمَة الَّتِي سبقت من رَبك {لَكَانَ لزاماً وَأجل مُسَمّى} قَالَ: أجل مُسَمّى الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَكَانَ لزاماً} قَالَ: موتا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا} قَالَ: هِيَ الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس} قَالَ: هِيَ صَلَاة الْفجْر {وَقبل غُرُوبهَا} قَالَ: صَلَاة الْعَصْر {وَمن آنَاء اللَّيْل} قَالَ: صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وأطراف النَّهَار} قَالَ: صَلَاة الظّهْر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن جرير عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا} قَالَ: {قبل طُلُوع الشَّمْس} صَلَاة الصُّبْح {وَقبل غُرُوبهَا} صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا} قَالَ: كَانَ هَذَا قبل أَن تفرض الصَّلَاة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن جرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ هَذَا الْقَمَر لَا تضَامون فِي رُؤْيَته فَإِن اسْتَطَعْتُم أَن لَا تغلبُوا على صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا فافعلوا
ثمَّ قَرَأَ: {وَسبح بِحَمْد رَبك قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عمَارَة بن رُومِية: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لن يلج النَّار أحد صلى قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا
وَأخرج الْحَاكِم عَن فضَالة بن وهب اللَّيْثِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: حَافظ على العصرين
قلت: وَمَا العصران قَالَ: صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَمن آنَاء اللَّيْل فسبح وأطراف النَّهَار} قَالَ: بعد الصُّبْح وَعند غرُوب الشَّمْس(5/611)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {لَعَلَّك ترْضى} قَالَ: الثَّوَاب فِيمَا يزيدك الله على ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن أَنه قَرَأَ {لَعَلَّك ترْضى} بِرَفْع التَّاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن زاهويه وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن أبي رَافع قَالَ: أضَاف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضيفاً وَلم يكن عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يصلحه فأرسلني إِلَى رجل من الْيَهُود أَن بعنا أَو أسلِفْنا دَقِيقًا إِلَى هِلَال رَجَب
فَقَالَ: لَا إِلَّا برهن
فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: أما وَالله إِنِّي لأمين فِي السَّمَاء أَمِين فِي الأَرْض وَلَو أَسْلفنِي أَو بَاعَنِي لَأَدَّيْت إِلَيْهِ اذْهَبْ بِدِرْعِي الْحَدِيد فَلَمَّا أخرج من عِنْده حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم} كَأَنَّهُ يعزيه عَن الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك} الْآيَة
قَالَ: تَعْزِيَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن مَا أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم مَا يفتح الله لكم من زهرَة الدُّنْيَا
قَالُوا: وَمَا زهرَة الدُّنْيَا يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَرَكَات الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {زهرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا {لنفتنهم فِيهِ} قَالَ: لنبتليهم فِيهِ {ورزق رَبك خير وَأبقى} قَالَ: مِمَّا متع بِهِ هَؤُلَاءِ من زهرَة الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {ورزق رَبك خير وَأبقى} يَقُول: رزق الْجنَّة
وَأخرج المرهبي فِي فضل الْعلم عَن زِيَاد الصدعي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من طلب الْعلم تكفل الله برزقه
وَأخرج المرهبي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من غَدا فِي طلب الْعلم أظلت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة وبورك لَهُ فِي معيشته وَلم ينقص من رزقه وَكَانَ عَلَيْهِ مُبَارَكًا(5/612)
الْآيَة 132(5/613)
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ} قَالَ: قَوْمك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله: {لَا نَسْأَلك رزقا} قَالَ: لَا نكلفك بِالطَّلَبِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة أَنه كَانَ إِذا دخل على أهل الدُّنْيَا فَرَأى من دنياهم طرفا فَإِذا رَجَعَ إِلَى أَهله فَدخل الدَّار قَرَأَ {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك} إِلَى قَوْله: {نَحن نرزقك} ثمَّ يَقُول: الصَّلَاة
الصَّلَاة رحمكم الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر وَابْن النجار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: لما نزلت {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ} كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجِيء إِلَى بَاب عليّ صَلَاة الْغَدَاة ثَمَانِيَة أشهر يَقُول: الصَّلَاة رحمكم الله (إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا) (الْأَحْزَاب آيَة 33)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ثَابت قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَصَابَت أَهله خصَاصَة نَادَى أَهله بِالصَّلَاةِ: صلوا
صلوا
قَالَ ثَابت: وَكَانَت الْأَنْبِيَاء إِذا نزل بهم أَمر فزعوا إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد عَن معمر عَن رجل من قُرَيْش قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل على أَهله بعض الضّيق فِي الرزق أَمر أَهله بِالصَّلَاةِ ثمَّ قَرَأَ {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ} الْآيَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد صَحِيح عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزلت بأَهْله شدَّة أَو ضيق أَمرهم بِالصَّلَاةِ وتلا {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ} الْآيَة
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن أسلم قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب يُصَلِّي من اللَّيْل مَا(5/613)
شَاءَ الله أَن يُصَلِّي حَتَّى إِذا كَانَ آخر اللَّيْل أيقظ أَهله للصَّلَاة وَيَقُول لَهُم: الصَّلَاة
الصَّلَاة
وَيَتْلُو هَذِه الْآيَة: {وَأمر أهلك بِالصَّلَاةِ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ: قَالَ لنا أبي: إِذا رأى أحدكُم شَيْئا من زِينَة الدُّنْيَا وزهرتها فليأت أَهله وليأمر أَهله بِالصَّلَاةِ وليصطبر عَلَيْهَا فَإِن الله قَالَ لنَبيه: {وَلَا تَمُدَّن عَيْنَيْك إِلَى مَا متعنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُم} وَقَرَأَ إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي وَله {وَالْعَاقبَة للتقوى} قَالَ: هِيَ الْجنَّة
وَالله أعلم
الْآيَة 133 - 135(5/614)
وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَو لم تأتهم بَيِّنَة مَا فِي الصُّحُف الأولى} قَالَ: التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة قَالَ: الْهَالِك فِي الفترة وَالْمَعْتُوه والمولود يَقُول: رب لم يأتني كتاب وَلَا رَسُول
وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَلَو أَنا أهلكناهم بِعَذَاب من قبله لقالوا رَبنَا لَوْلَا أرْسلت إِلَيْنَا رَسُولا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أَصْحَاب الصِّرَاط السوي} قَالَ: الْعدْل(5/614)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
21
سُورَة الْأَنْبِيَاء
مَكِّيَّة وآياتها اثْنَتَا عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْأَنْبِيَاء أخرج النّحاس فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخر البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْبِيَاء بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: بَنو إِسْرَائِيل والكهف وَمَرْيَم وطه والأنبياء هن من الْعتاق الأول وَهن من تلادي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن عَامر بن ربيعَة أَنه نزل بِهِ رجل من الْعَرَب وَأكْرم عَامر مثواه وكلم فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء الرجل فَقَالَ: إِنِّي استقطعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاديا مَا فِي الْعَرَب أفضل مِنْهُ وَقد أردْت أَن أقطع لَك مِنْهُ قِطْعَة تكون لَك ولعقبك
فَقَالَ عَامر: لَا حَاجَة لي فِي قطيعتك نزلت الْيَوْم سُورَة أذهلتنا عَن الدُّنْيَا {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون}
الْآيَة 1 - 15(5/615)
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (4) بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6) وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8) ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9) لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10) وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ (15)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم وهم فِي غَفلَة معرضون} قَالَ: من أَمر الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {اقْترب للنَّاس حسابهم} قَالَ: مَا يوعدون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مَا يَأْتِيهم من ذكر من رَبهم} يَقُول: مَا ينزل عَلَيْهِم شَيْء من الْقُرْآن
وَفِي قَوْله: {لاهية قُلُوبهم} قَالَ: غافلة
وَفِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} يَقُول: أَسرُّوا الَّذين ظلمُوا النَّجْوَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وأسروا النَّجْوَى} قَالَ: أَسرُّوا نَجوَاهُمْ بَينهم {هَل هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أفتأتون السحر} يَقُولُونَ: إِن مُتَابعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُتَابعَة السحر
وَفِي قَوْله: {قَالَ رَبِّي يعلم القَوْل} قَالَ: الْغَيْب وَفِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أباطيل أَحْلَام
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عدي عَن جُنْدُب البَجلِيّ أَنه قتل ساحراً كَانَ عِنْد الْوَلِيد بن عقبَة ثمَّ قَالَ: {أفتأتون السحر وَأَنْتُم تبصرون}(5/616)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {بل قَالُوا أضغاث أَحْلَام} أَي فعل الأحلام إِنَّمَا هِيَ رُؤْيا رَآهَا {بل افتراه بل هُوَ شَاعِر} كل هَذَا قد كَانَ مِنْهُ {فليأتنا بِآيَة كَمَا أرسل الأوّلون} كَمَا جَاءَ مُوسَى وَعِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَالرسل {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها} أَي أَن الرُّسُل كَانُوا إِذا جاؤوا قَومهمْ بِالْآيَاتِ فَلم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أهل مَكَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا ويسرك أَن نؤمن فحوّل لنا الصَّفَا ذَهَبا
فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن شِئْت كَانَ الَّذِي سَأَلَك قَوْمك وَلكنه إِن كَانَ ثمَّ لم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا وَإِن شِئْت اسْتَأْنَيْت بقومك
قَالَ: بل أستأني بقومي
فَأنْزل الله {مَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها أفهم يُؤمنُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أفهم يُؤمنُونَ} قَالَ: يصدقون بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمَا جعلناهم جسداً لَا يَأْكُلُون الطَّعَام} يَقُول: لم نجعلهم جسداً لَيْسَ يَأْكُلُون الطَّعَام إِنَّمَا جعلناهم جسداً يَأْكُلُون الطَّعَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا كَانُوا خَالِدين} قَالَ: لَا بُد لَهُم من الْمَوْت أَن يموتوا
وَفِي قَوْله: {ثمَّ صدقناهم الْوَعْد} إِلَى قَوْله: {وأهلكنا المسرفين} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لقد أنزلنَا إِلَيْكُم كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ شرفكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ حديثكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} قَالَ: فِيهِ دينكُمْ أمسك عَلَيْكُم دينكُمْ بِكِتَابِكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {كتابا فِيهِ ذكركُمْ} يَقُول: فِيهِ ذكر مَا تعنون بِهِ وَأمر آخرتكم ودنياكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث الله نَبيا من(5/617)
حمير يُقَال لَهُ شُعَيْب فَوَثَبَ إِلَيْهِ عبد بعصا فَسَار إِلَيْهِم بخْتنصر فَقَاتلهُمْ فَقَتلهُمْ حَتَّى لم يبْق مِنْهُم شَيْء وَفِيهِمْ أنزل الله {وَكم قصمنا من قَرْيَة كَانَت ظالمة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: هِيَ حصون بني أَزْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} قَالَ: أهلكناها
وَفِي قَوْله: {لَا تركضوا} قَالَ: لَا تَفِرُّوا
وَفِي قَوْله: {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} قَالَ: تتفهمون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا إِذا أحسوا بِالْعَذَابِ وَذَهَبت عَنْهُم الرُّسُل من بعد مَا أنذروهم فكذبوهم فَلَمَّا فقدوا الرُّسُل وأحسوا بِالْعَذَابِ أَرَادوا الرّجْعَة إِلَى الْإِيمَان وركضوا هاربين من الْعَذَاب فَقيل لَهُم: لَا تركضوا
فعرفوا أَنه لَا محيص لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {إِذا هم مِنْهَا يركضون} قَالَ: يفرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} يَقُول: ارْجعُوا إِلَى دنياكم الَّتِي أترفتم فِيهَا {لَعَلَّكُمْ تسْأَلُون} من دنياكم شَيْئا استهزاء بهم
وَفِي قَوْله: {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: لما رَأَوْا الْعَذَاب وعاينوه لم يكن لَهُم هجيري إِلَّا قَوْلهم: {إِنَّا كُنَّا ظالمين} حَتَّى دمر الله عَلَيْهِم وأهلكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ} قَالَ: ارْجعُوا إِلَى دُوركُمْ وَأَمْوَالكُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعوَاهُم} قَالَ: هم أهل حصون كَانُوا قتلوا نَبِيّهم فَأرْسل الله عَلَيْهِم بخْتنصر فَقَتلهُمْ
وَفِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً خامدين} قَالَ: بِالسَّيْفِ ضربت الْمَلَائِكَة وُجُوههم حَتَّى رجعُوا إِلَى مساكنهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب قَالَ: حَدثنِي رجل من المحررين قَالَ: كَانَ بِالْيمن قَرْيَتَانِ يُقَال لإحداهما حُضُور وَالْأُخْرَى فُلَانَة فبطروا وأترفوا حَتَّى كَانُوا(5/618)
يغلقون أَبْوَابهم فَلَمَّا أترفوا بعث الله إِلَيْهِم نَبيا فَدَعَاهُمْ فَقَتَلُوهُ فَألْقى الله فِي قلب بخْتنصر أَن يغزوهم فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا فقاتلوهم فهزموا جَيْشه ثمَّ رجعُوا منهزمين إِلَيْهِ فَجهز إِلَيْهِم جَيْشًا آخر أكثف من الأول فهزموهم أَيْضا فَلَمَّا رأى بخْتنصر ذَلِك غزاهم هُوَ بِنَفسِهِ فقاتلوه فَهَزَمَهُمْ حَتَّى خَرجُوا مِنْهَا يركضون فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: (لَا تركضوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أترفتم فِيهِ ومساكنكم) فَرَجَعُوا فَسَمِعُوا منادياً يَقُول: يَا لثارات النَّبِي فَقتلُوا بِالسَّيْفِ فَهِيَ الَّتِي قَالَ الله: {وَكم قصمنا من قَرْيَة} إِلَى قَوْله: {خامدين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {حَتَّى جعلناهم حصيداً} قَالَ: الْحَصاد {خامدين} قَالَ: كخمود النَّار إِذا طفئت
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {خامدين} قَالَ: ميتين
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: خلوا ثيابهن على عَوْرَاتهمْ فهم بأفنية الْبيُوت خمود
الْآيَة 16(5/619)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا خلقنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا لاعبين} يَقُول: مَا خلقناهما عَبَثا وَلَا بَاطِلا
الْآيَة 17 - 20(5/619)
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (17) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ (20)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو الْوَلَد(5/619)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} الْآيَة
يَقُول: لَو أردْت أَن أَتَّخِذ ولدا لأتخذت من الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: اللَّهْو بِلِسَان الْيمن الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: اللَّهْو بلغَة أهل الْيمن الْمَرْأَة
وَفِي قَوْله: {إِن كُنَّا فاعلين} أَي إِن ذَلِك لَا يكون وَلَا يَنْبَغِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: نسَاء {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من الْحور الْعين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً} قَالَ: لعباً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لاتخذناه من لدنا} قَالَ: من عندنَا {إِن كُنَّا فاعلين} أَي مَا كُنَّا فاعلين
يَقُول: وَمَا خلقنَا جنَّة وَلَا نَارا وَلَا موتا وَلَا بعثاً وَلَا حسابا وكل شَيْء فِي الْقُرْآن {إِن} فَهُوَ إِنْكَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بل نقذف بِالْحَقِّ} قَالَ: الْقُرْآن {على الْبَاطِل} قَالَ: اللّبْس {فَإِذا هُوَ زاهق} قَالَ: هَالك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلكم الويل مِمَّا تصفون} قَالَ: هِيَ وَالله لكل واصف كذب إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمن عِنْده} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} يَقُول: لَا يرجعُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَول: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يحسرون(5/620)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا يعيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَا يستحسرون} قَالَ: لَا ينقطعون من الْعِبَادَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ كَعْبًا عَن قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} أما شغلهمْ رِسَالَة أما شغلهمْ عمل فَقَالَ: جعل لَهُم التَّسْبِيح كَمَا جعل لكم النَّفس أَلَسْت تَأْكُل وتشرب وتجيء وَتذهب وتتكلم وَأَنت تتنفس فَكَذَلِك جعل لَهُم التَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} قَالَ: جعلت أنفاسهم تسبيحاً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: خلق الله الْمَلَائِكَة صمداً لَيْسَ لَهُم أَجْوَاف
الْآيَة 21 - 23(5/621)
أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (21) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قَالَ: يحيون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض هم ينشرون} قيقول: ينشرون الْمَوْتَى من الأَرْض يَقُول: يحيونهم من قُبُورهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا آلِهَة من الأَرْض} يَعْنِي مِمَّا اتَّخذُوا من الْحِجَارَة والخشب
وَفِي قَوْله: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله} قَالَ: لَو كَانَ مَعَهُمَا آلِهَة إِلَّا الله {لفسدتا فسبحان الله رب الْعَرْش} يسبح نَفسه تبَارك وَتَعَالَى إِذا قيل عَلَيْهِ الْبُهْتَان(5/621)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل} قَالَ: بعباده {وهم يسْأَلُون} قَالَ: عَن أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} قَالَ: لَا يسْأَل الْخَالِق عَمَّا يقْضِي فِي خلقه والخلق مسؤولون عَن أَعْمَالهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا فِي الأَرْض قوم أبْغض إليّ من الْقَدَرِيَّة وَمَا ذَلِك إِلَّا لأَنهم لَا يعلمُونَ قدرَة الله تَعَالَى
قَالَ الله: {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي بعض مَا أنزل الله فِي الْكتب: إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا قدرت الْخَيْر وَالشَّر فطوبى لمن قدرت على يَده الْخَيْر ويسّرْتُه لَهُ وويل لمن قدرت على يَده الشَّرّ ويسرته لَهُ
إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا لَا أُسْأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون فويل لمن قَالَ وَكَيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لما بعث الله موى وَكَلمه وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن نوف الْبكالِي قَالَ: قَالَ عُزَيْر فِيمَا يُنَاجِي ربه: يَا رب تخلق خلقا (تضل بهَا من تشَاء وتهدي من تشَاء) (الْأَعْرَاف آيَة 155) فَقَالَ لَهُ: يَا عُزَيْر أعرض عَن هَذَا
فَأَعَادَ فَقيل لَهُ: لتعرضن عَن هَذَا وَإِلَّا محوتك من النبوّة إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن دَاوُد بن أبي هِنْد أَن عُزَيْرًا سَأَلَ ربه عَن الْقدر فَقَالَ: سَأَلتنِي عَن علمي عُقُوبَتك أَن لَا أسميك فِي الْأَنْبِيَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك(5/622)
تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَانْتهى مُوسَى
فَلَمَّا بعث الله عُزَيْرًا وَأنزل عَلَيْهِ التَّوْرَاة بعد مَا كَانَ رَفعهَا عَن بني إِسْرَائِيل حَتَّى قَالَ: من قَالَ: إِنَّه ابْن الله قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم وَلَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَأَبت نَفسه حَتَّى سَأَلَ أَيْضا فَقَالَ: أتستطيع أَن تصرّ صرة من الشَّمْس قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بِمِكْيَال من ريح قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بمثقال من نور قَالَ: لَا
قَالَ: أفتستطيع أَن تَجِيء بقيراط من نور قَالَ: لَا
قَالَ: فَهَكَذَا إِن لَا تقدر على الَّذِي سَأَلت إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون أما أَنِّي لَا أجعَل عُقُوبَتك إِلَّا أَن أمحو اسْمك من الْأَنْبِيَاء فَلَا تذكر فيهم
فمحي اسْمه من الْأَنْبِيَاء فَلَيْسَ يذكر فيهم وَهُوَ نَبِي
فَلَمَّا بعث الله عِيسَى وَرَأى مَنْزِلَته من ربه وَعلمه الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَيُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك رب عَظِيم لَو شِئْت أَن تطاع لأطعت وَلَو شِئْت أَن لَا تعصى مَا عصيت وَأَنت تحب أَن تطاع وَأَنت فِي ذَلِك تعصى فَكيف يَا رب فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي لَا أسأَل عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون وَأَنت عَبدِي ورسولي وكلمتي ألقيتك إِلَى مَرْيَم وروح مني خلقتك من تُرَاب ثمَّ قلت لَك كن فَكنت لَئِن لم تَنْتَهِ لَأَفْعَلَنَّ بك كَمَا فعلت بصاحبك بَين يَديك
إِنِّي لَا أسَال عَمَّا أفعل وهم يسْأَلُون
فَجمع عِيسَى من تيعه وَقَالَ: الْقدر سرّ الله فَلَا تكلفوه
الْآيَة 24 - 25(5/623)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم اتَّخذُوا من دونه آلِهَة قل هاتوا برهانكم} يَقُول: هاتوا بينتكم على مَا تَقولُونَ {هَذَا ذكر من معي}(5/623)
يَقُول: هَذَا الْقُرْآن فِيهِ ذكر الْحَلَال وَالْحرَام {وَذكر من قبلي} يَقُول: فِيهِ ذكر أَعمال الْأُمَم السالفة وَمَا صنع الله بهم وَإِلَى مَا صَارُوا {بل أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ الْحق فهم معرضون} عَن كتاب الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} قَالَ: أرْسلت الرُّسُل بالإخلاص والتوحيد لله لَا يقبل مِنْهُم حَتَّى يقولوه ويقروا بِهِ والشرائع تخْتَلف فِي التَّوْرَاة شَرِيعَة وَفِي الْإِنْجِيل شَرِيعَة وَفِي الْقُرْآن شَرِيعَة حَلَال وَحرَام فَهَذَا كُله فِي الْإِخْلَاص لله وتوحيد الله
الْآيَة 27 - 30(5/624)
وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت الْيَهُود: إِن الله عز وَجل صاهر الْجِنّ فَكَانَت بَينهم الْمَلَائِكَة
فَقَالَ الله تَكْذِيبًا لَهُم {بل عباد مكرمون} أَي الْمَلَائِكَة لَيْسَ كَا قَالُوا بل هم عباد أكْرمهم الله بِعِبَادَتِهِ {لَا يسبقونه بالْقَوْل} يثني عَلَيْهِم {وَلَا يشفعون} قَالَ: لَا تشفع الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: لأهل التَّوْحِيد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: لمن رَضِي عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِلَّا لمن ارتضى} قَالَ: الَّذين ارتضاهم لشهادة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله(5/624)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَول الله {وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى} فَقَالَ: إِن شَفَاعَتِي لأهل الْكَبَائِر من أمتِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة أسرِي بِي مَرَرْت بِجِبْرِيل وَهُوَ باملأ الْأَعْلَى ملقى كالحلس الْبَالِي من خشيَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن يقل مِنْهُم} يَعْنِي من الْمَلَائِكَة {إِنِّي إِلَه من دونه} قَالَ: وَلم يقل ذَلِك أحد من الْمَلَائِكَة إِلَّا إِبْلِيس دَعَا إِلَى عبَادَة نَفسه وَشرع الْكفْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا كَانَت هَذِه خَاصَّة لإبليس
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: فتقت السَّمَاء بالغيث وفتقت الأَرْض بالنبات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً} قَالَ: لَا يخرج مِنْهَا شَيْء {ففتقناهما} قَالَ: فتقت السَّمَاء بالمطر وفتقت الأَرْض بالنبات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق عبد الله بن دِينَار عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رجلا أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَن {السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقا ففتقناهما} قَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِك الشَّيْخ فَاسْأَلْهُ ثمَّ تعالَ فَأَخْبرنِي مَا قَالَ
فَذهب إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ قَالَ: نعم كَانَت السَّمَاء رتقاء لَا تمطر وَكَانَت الأَرْض رتقاء لَا تنْبت فَلَمَّا خلق الله الأَرْض فتق هَذِه بالمطر وفتق هَذِه بالنبات
فَرجع الرجل على ابْن عمر فَأخْبرهُ فَقَالَ ابْن عمر: الْآن علمت أَن ابْن عَبَّاس قد أُوتِيَ فِي الْقُرْآن علما صدق ابْن عَبَّاس هَكَذَا كَانَت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً} قَالَ: ملتصقتين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن اللَّيْل كَانَ قبل أم النَّهَار قَالَ: اللَّيْل
ثمَّ قَرَأَ(5/625)
{إِن السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} فَهَل تعلمُونَ كَانَ بَينهمَا إِلَّا ظلمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: فتق من الأَرْض سِتّ أَرضين مَعهَا فَتلك سبع أَرضين بَعضهنَّ تَحت بعض وَمن السَّمَاء سبع سموات مِنْهَا مَعهَا فَتلك سبع سموات بَعضهنَّ فَوق بعض وَلم تكن الأَرْض وَالسَّمَاء مماستين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: كَانَت السَّمَاء وَاحِدَة ففتق مِنْهَا سبع سموات وَكَانَت الأَرْض وَاحِدَة ففتق مِنْهَا سبع أَرضين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله: {كَانَتَا رتقاً ففتقناهما} قَالَ: كَانَتَا جمعا ففصل الله بَينهمَا بِهَذَا الْهَوَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت السَّمَوَات والأرضون ملتزقتين فَلَمَّا رفع الله السَّمَاء وابتزها من الأَرْض فَكَانَ فتقها الَّذِي ذكر الله
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله إِنِّي إِذا رَأَيْتُك طابت نَفسِي وقرت عَيْني فأنبئني عَن كل شَيْء قَالَ: كل شَيْء خلق من المَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} قَالَ: نُطْفَة الرجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي اله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} قَالَ: خلق كل شَيْء من المَاء وَهُوَ حَيَاة كل شَيْء
الْآيَة 31 - 33(5/626)
وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا فِيهَا فجاجاً سبلاً} قَالَ: بَين الْجبَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فجاجاً} أَي أعلاماً {سبلاً} أَي طرقاً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا السَّمَاء سقفاً مَحْفُوظًا} قَالَ: مَرْفُوعا {وهم عَن آياتها معرضون} قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم من آيَات السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة أَن الْيَهُود قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَوْم الْجُمُعَة قَالَ: خلق الله فِي ساعتين مِنْهُ اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: دوران {يسبحون} قَالَ: يجرونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: فلكة كفلكة المغزل {يسبحون} قَالَ: يدورون فِي أَبْوَاب السَّمَاء مَا تَدور الفلكة فِي المغزل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: هُوَ فلك السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرة فِي فلك بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: الْفلك الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض من مجاري النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر
وَفِي قَوْله: {يسبحون} قَالَ: يجرونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل شَيْء يَدُور فَهُوَ فلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك يسبحون}(5/627)
النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر
قَالَ: كفلكة المغزل قَالَ: هُوَ مثل حسبان قَالَ: فَلَا يَدُور الْغَزل إِلَّا بالفلكة وَلَا تَدور الفلكة إِلَّا بالمغزل وَلَا يَدُور الرَّحَى إِلَّا بالحسبان وَلَا يَدُور الحسبان إِلَّا بالرحى كَذَلِك النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر لَا يدرن إِلَّا بِهِ وَلَا يَدُور إِلَّا بِهن قَالَ: والحسبان والفلك يصيران إِلَى شَيْء وَاحِد غير أَن الحسبان فِي الرَّحَى كالفلكة فِي المغزل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك} قَالَ: الْفلك كَهَيئَةِ حَدِيدَة الرَّحَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: يجرونَ فِي فلك السَّمَاء كَمَا رَأَيْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: هُوَ الدوران
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: المغزل قَالَ كَمَا تَدور الفلكة فِي المغزل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: وَكَانَ عبد الله يقْرَأ كل فِي فلك يعْملُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل فِي فلك يسبحون} قَالَ: يجرونَ
الْآيَة 34(5/628)
وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن جريج قَالَ: لما نعى جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَفسه قَالَ: يَا رب فَمن لأمتي فَنزلت {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي نَاحيَة الْمَدِينَة فجَاء فَدخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مسجى فَوضع فَاه على جبين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجعل يقبله ويبكي وَيَقُول: بِأبي وَأمي طبت حَيا وطبت مَيتا فَلَمَّا خرج مرّ بعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ(5/628)
يَقُول: مَا مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يَمُوت حَتَّى يقتل الله الْمُنَافِقين وَحَتَّى يخزي الله الْمُنَافِقين
قَالَ: وَكَانُوا قد اسْتَبْشَرُوا بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفعُوا رؤوسهم فَقَالَ: أَيهَا الرجل أَربع على نَفسك فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد مَاتَ
ألم تسمع الله يَقُول: (إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون) (الزمر آيَة 30) وَقَالَ: {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد أَفَإِن مت فهم الخالدون} قَالَ: ثمَّ أَتَى الْمِنْبَر فصعده فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِن كَانَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَهكُم الَّذِي تَعْبدُونَ فَإِن مُحَمَّدًا قد مَاتَ وَإِن كَانَ إِلَهكُم الَّذِي فِي السَّمَاء فَإِن إِلَهكُم لم يمت ثمَّ تَلا (وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل أَفَإِن مَاتَ أَو قتل انقلبتم على أعقابكم) (آل عمرَان آيَة 144) حَتَّى ختم الْآيَة
ثمَّ نزل وَقد استبشر الْمُسلمُونَ بذلك وَاشْتَدَّ فَرَحهمْ وَأخذت الْمُنَافِقين الكآبة
قَالَ عبد الله بن عمر: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لكَأَنَّمَا كَانَت على وُجُوهنَا أغطية فَكشفت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة قَالَت: دخل أَبُو بكر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد مَاتَ فَقبله وَقَالَ: وانبياه
واخليلاه
واصفياه
ثمَّ تَلا {وَمَا جعلنَا لبشر من قبلك الْخلد} الْآيَة
وَقَوله: (إِنَّك ميت وَإِنَّهُم ميتون)
الْآيَة 35(5/629)
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ونبلوكم بِالشَّرِّ وَالْخَيْر فتْنَة} قَالَ: نبتليكم بالشدة والرخاء وَالصِّحَّة والسقم والغنى والفقر والحلال وَالْحرَام وَالطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَالْهدى والضلالة
وَالله أعلم
الْآيَة 36(5/629)
وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ (36)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي سُفْيَان وَأبي جهل وهما يتحدثان فَلَمَّا رَآهُ أَبُو جهل ضحك وَقَالَ لأبي سُفْيَان: هَذَا نَبِي بني عبد منَاف
فَغَضب أَبُو سُفْيَان فَقَالَ: مَا تنكرون أَن يكون لبني عبد منَاف نَبِي
فَسَمعَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع إِلَى أبي جهل فَوَقع بِهِ وخوّفه وَقَالَ: مَا أَرَاك منتهياً حَتَّى يصيبك مَا أصَاب عمك
وَقَالَ لأبي سُفْيَان: أما إِنَّك لم تقل مَا قلت إِلَّا حمية فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَإِذا رآك الَّذين كفرُوا إِن يتخذونك إِلَّا هزوا} الْآيَة
الْآيَة 37 - 38(5/630)
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نفخ فِي آدم الرّوح ماد فِي رَأسه فعطس فَقَالَ: الْحَمد لله
فَقَالَت الْمَلَائِكَة: يَرْحَمك الله فَذهب لينهض قبل أَن تمور فِي رجلَيْهِ فَوَقع فَقَالَ الله: {خلق الإِنسان من عجل}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: أول مَا نفخ فِيهِ الرّوح نفخ فِي رَأسه ثمَّ فِي رُكْبَتَيْهِ فَذهب ليقوم قَالَ: {خلق الإِنسان من عجل}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {خلق الْإِنْسَان من عجل} قَالَ: آدم حِين خلق بعد كل شَيْء آخر النَّهَار من يَوْم خلق الْخلق فَلَمَّا أجْرى الرّوح فِي عَيْنَيْهِ وَلسَانه وَرَأسه وَلم يبغ أَسْفَله قَالَ: يَا رب استعجل بخلقي قبل غرُوب الشَّمْس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: نفخ الرب تبَارك وتعإلى الرّوح فِي نافوخ آدم فأبصر وَلم يعقل حَتَّى إِذا بلغ الرّوح قلبه وَنظر فَرَأى الْجنَّة ففعرف أَنه إِن قَامَ دَخلهَا وَلم يبلغ الرّوح أَسْفَله فَتحَرك فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {خلق الإِنسان من عجل}(5/630)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {خلق الْإِنْسَان من عجل} قَالَ: خلق عجولاً
وَالله أعلم
الْآيَة 39 - 41(5/631)
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (40) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (41)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عدي بن حَاتِم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا مِنْكُم أحد إِلَّا سيكلمه الله يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ بَينه وَبَينه حجاب يَحْجُبهُ وَلَا ترجمان يترجم لَهُ فَيَقُول: ألم أوتك مَالا فَيَقُول: بلَى
فَيَقُول: ألم أرسل إِلَيْك رَسُولا فَيَقُول: بلَى
فَينْظر عَن يَمِينه فَلَا يرى إِلَّا النَّار وَينظر عَن يسَاره فَلَا يرى إِلَّا النَّار وَينظر بَين يَدَيْهِ فَلَا يرى إِلَّا النَّار فليتق أحدكُم النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَإِن لم يجد فبكلمة طيبَة
الْآيَة 42 - 46(5/631)
قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ (42) أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ (43) بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ (44) قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنْذَرُونَ (45) وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (46)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قل من يكلؤكم} قَالَ: يحرسكم
وَفِي قَوْله: {وَلَا هم منا يصحبون} قَالَ: لَا ينْصرُونَ(5/631)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا هم منا يصحبون} قَالَ: لَا ينْصرُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قل من يكلؤكم} قَالَ: يحفظكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا هم منا يصحبون} قَالَ: لَا يجارون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا هم منا يصحبون} قَالَ: لَا يمْنَعُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أم لَهُم آلِهَة تمنعهم من دُوننَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نصر أنفسهم} يَعْنِي الْآلهَة {وَلَا هم منا يصحبون} يَقُول: لَا يصحبون من الله بِخَير
وَفِي قَوْله: {أَفلا يرَوْنَ أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: كَانَ الْحسن يَقُول: ظُهُور النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من قَاتله أَرضًا أَرضًا وقوما وقوما وَقَوله: {أفهم الغالبون} أَي لَيْسُوا بغالبين وَلَكِن الرَّسُول هُوَ الْغَالِب
وَفِي قَوْله: {قل إِنَّمَا أنذركم بِالْوَحْي} أَي بِهَذَا الْقُرْآن {وَلَا يسمع الصم الدُّعَاء إِذا مَا ينذرون} يَقُول: إِن الْكَافِر أَصمّ عَن كتاب الله لَا يسمعهُ وَلَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يعقله كَمَا يسمعهُ أهل الْإِيمَان
وَفِي قَوْله: {وَلَئِن مستهم نفحة} يَقُول: لَئِن أَصَابَتْهُم عُقُوبَة
الْآيَة 47(5/632)
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير فِي تهذيبه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَائِشَة أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني وأضربهم وأشتمهم فَكيف أَنا مِنْهُم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحْسب مَا خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إيَّاهُم فَإِن كَانَ عقابك إيَّاهُم دون ذنوبهم كَانَ فضلا لَك وَإِن كَانَ عقابك إيَّاهُم بِقدر ذنوبهم كَانَ كفافاً لَا لَك وَلَا عَلَيْك وَإِن عقابك إياك فَوق ذنوبهم اقْتصّ لَهُم مِنْك(5/632)
الْفضل
فَجعل الرجل يبكي ويهتف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما تقْرَأ كتاب الله {وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة فَلَا تظلم نفس شَيْئا وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا وَكفى بِنَا حاسبين} فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله مَا أجد لي وَلَهُم شَيْئا خيرا من مفارقتهم
أشهدك أَنهم أَحْرَار
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ ي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله كَيفَ ترى فِي رقيقنا نضربهم فَقَالَ: توزن ذنوبهم وعقوبتكم إيَّاهُم فَإِن كَانَت عقوبتكم أَكثر من ذنوبهم أخذُوا مِنْكُم
قَالَ: أَفَرَأَيْت سبّنا إيَّاهُم قَالَ: توزن ذنوبهم وأذاكم إيَّاهُم فَإِن كَانَ أذاكم إيَّاهُم أَكثر أعْطوا مِنْكُم
قَالَ: أَرَأَيْت يَا رَسُول الله وَلَدي أضربهم قَالَ: إِنَّك لَا تتهم فِي ولدك وَلَا تطيب نَفسك تشبع ويجوعون وتكسى ويعرون
وَأخرج الْحَكِيم عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي ضرب المماليك قَالَ: إِن كَانَ ذَلِك فِي كنهه وَإِلَّا أقيد مِنْكُم يَوْم الْقِيَامَة
قيل: يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي سبهم قَالَ: مثل ذَلِك
قَالَ: يَا رَسُول الله فَإنَّا نعاقب أَوْلَادنَا ونسبهم قَالَ: إِنَّهُم لَيْسُوا أَوْلَادكُم لأنكم لَا تتهمون على أَوْلَادكُم
وَأخرج الْحَكِيم عَن زِيَاد بن أبي زِيَاد قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لي مَالا وَإِن لي خدماً وَإِنِّي أغضب فأعرم وأشتم وأضرب
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: توزن ذنُوبه بعقوبتك فَإِن كَانَت سَوَاء فَلَا لَك وَلَا عَلَيْك وَإِن كَانَت الْعقُوبَة أَكثر فَإِنَّمَا هُوَ شَيْء يُؤْخَذ من حَسَنَاتك يَوْم الْقِيَامَة
فَقَالَ الرجل: أوه
أوه
يُؤْخَذ من حسناتي أشهدك يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن مماليكي أَحْرَار أَنا لَا أمسك شَيْئا يُؤْخَذ من حسناتي لَهُ
قَالَ: فحسبت مَاذَا ألم تسمع إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَنَضَع الموازين الْقسْط} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يجاء بِالنَّاسِ يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْمِيزَان فيتجادلون عِنْده أَشد الْجِدَال
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَنَضَع الموازين الْقسْط} الْآيَة
قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق) (الْأَعْرَاف آيَة 8)(5/633)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل آتَيْنَا بهَا بِمد الْألف
قَالَ: جازينا بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم بن أبي النجُود أَنه كَانَ يقْرَأ {وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أَتَيْنَا بهَا} على معنى جِئْنَا بهَا لَا يمد أَتَيْنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ مِثْقَال حَبَّة} قَالَ: وزن حَبَّة
وَفِي قَوْله: {وَكفى بِنَا حاسبين} قَالَ: محصين
الْآيَة 48 - 50(5/634)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ (48) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ (49) وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (50)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان وضياء} وَيَقُول: خُذُوا هَذِه الْوَاو واجعلوها هَهُنَا (وَالَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم
) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان وضياء} قَالَ: انزعوا هَذِه الْوَاو واجعلوها فِي (الَّذين يحملون الْعَرْش من حوله) (غَافِر آيَة 7)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان} قَالَ: التَّوْرَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان} قَالَ: الْفرْقَان التَّوْرَاة حلالها وحرامها مِمَّا فرق الله بَين الْحق وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفرْقَان} قَالَ: الْفرْقَان الْحق آتَاهُ الله مُوسَى وَهَارُون فرق بَينهمَا وَبَين فِرْعَوْن فصل بَينهم بِالْحَقِّ
وَقَرَأَ (وَمَا أنزلنَا على عَبدنَا يَوْم الْفرْقَان) (الْأَنْفَال آيَة 41) قَالَ: يَوْم بدر(5/634)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الْحسن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي لأجمع على عَبدِي خوفين وَلَا أجمع لَهُ أمنين فَمن خافني فِي الدُّنْيَا أمنته فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَهَذَا ذكر مبارك أَنزَلْنَاهُ} أَي هَذَا الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: خصلتان فيهمَا الْبركَة: الْقُرْآن والمطر
وتلا (وأنزلنا من السَّمَاء مَاء) {وَهَذَا ذكر مبارك} وَالله أعلم
الْآيَة 51 - 56(5/635)
وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده} قَالَ: هديناه صَغِيرا
وَفِي قَوْله: {مَا هَذِه التماثيل} قَالَ: الْأَصْنَام
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا إِبْرَاهِيم رشده} يَقُول: آتيناه هداه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون} قَالَ: عَابِدُونَ
وَفِي قَوْله: {قَالُوا وجدنَا آبَاءَنَا لَهَا عابدين} أَي على دين وانا متبعوهم على ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه مر على قوم(5/635)
يَلْعَبُونَ بالشطرنج فَقَالَ: مَا هَذِه التماثيل الَّتِي أَنْتُم لَهَا عاكفون لِأَن يمس أحدكُم جمراً حَتَّى يطفأ خير لَهُ من أَن يَمَسهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ: لَا يسلم على أَصْحَاب النردشير وَالشطْرَنْج
الْآيَة 57 - 67(5/636)
وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما خرج قوم إِبْرَاهِيم إِلَى عيدهم مروا عَلَيْهِ فَقَالُوا: يَا إِبْرَاهِيم أَلا تخرج مَعنا قَالَ: إِنِّي سقيم وَقد كَانَ بالْأَمْس قَالَ: {وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أَن توَلّوا مُدبرين} فَسَمعهُ نَاس مِنْهُم فَلَمَّا خَرجُوا انْطلق إِلَى أَهله فَأخذ طَعَاما ثمَّ انْطلق إِلَى آلِهَتهم فقرّبه إِلَيْهِم فَقَالَ: أَلا تَأْكُلُونَ فَكَسرهَا إِلَّا كَبِيرهمْ ثمَّ ربط فِي يَده الَّذِي كسر بِهِ آلِهَتهم فَلَمَّا رَجَعَ الْقَوْم من عيدهم دخلُوا فَإِذا هم بآلهتهم قد كسرت وَإِذا كَبِيرهمْ فِي يَده الَّذِي كسر بِهِ الْأَصْنَام قَالُوا: من فعل هَذَا بآلهتنا فَقَالَ الَّذين سمعُوا إِبْرَاهِيم قَالَ: {وتالله لأكيدن أصنامكم} سمعنَا فَتى يذكرهم
فجادلهم عِنْد ذَاك إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} قَالَ: قَول إِبْرَاهِيم حِين استتبعه قومه إِلَى عيدهم فَأبى وَقَالَ: إِنِّي سقيم فَسمع مِنْهُ وعيده أصنامهم رجل مِنْهُم اسْتَأْخَرَ وَهُوَ الَّذِي(5/636)
قَالَ: {سمعنَا فَتى يذكرهم يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم} وَجعل إِبْرَاهِيم الفأس الَّتِي أهلك بهَا أصنامهم مُسندَة إِلَى صدر كَبِيرهمْ الَّذِي تُرِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة أَن أَبَا إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن كَانَ يعْمل هَذِه الْأَصْنَام ثمَّ يشكها فِي حَبل وَيحمل إِبْرَاهِيم على عُنُقه وَيدْفَع إِلَيْهِ الْمَشْكُوك يدرو يَبِيعهَا فجَاء رجل يَشْتَرِي فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: مَا تصنع بِهَذَا حِين تشتريه قَالَ: أَسجد لَهُ
قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: أَنْت شيخ تسْجد لهَذَا الصَّغِير إِنَّمَا يَنْبَغِي للصَّغِير أَن يسْجد للكبير فَعندهَا {قَالُوا سمعنَا فَتى يذكرهم يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وتالله لأكيدن أصنامكم} قَالَ: ترى أَنه قَالَ ذَلِك من حَيْثُ لَا يسمعُونَ {فجعلهم جذاذاً} قَالَ: قطعا {إِلَّا كَبِيرا لَهُم} يَقُول: إِلَّا كَبِير آلِهَتهم وأنفسها وَأَعْظَمهَا فِي أنفسهم
{لَعَلَّهُم إِلَيْهِ يرجعُونَ} قَالَ: كايدهم بذلك لَعَلَّهُم يتذكرون أَو يبصرون
وَفِي قَوْله: {قَالُوا فَأتوا بِهِ على أعين النَّاس لَعَلَّهُم يشْهدُونَ} قَالَ: كَرهُوا أَن يأخذوه بِغَيْر بَيِّنَة
وَفِي قَوْله: {أَأَنْت فعلت هَذَا بآلهتنا يَا إِبْرَاهِيم} إِلَى قَوْله: {أَنْتُم الظَّالِمُونَ} قَالَ: وَهَذِه هِيَ الْخصْلَة الَّتِي كايدهم بهَا {ثمَّ نكسوا على رؤوسهم} قَالَ: أدْركْت الْقَوْم غيرَة سوء فَقَالُوا: {لقد علمت مَا هَؤُلَاءِ ينطقون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {جذاذاً} قَالَ: حطاماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {جذاذاً} قَالَ: فتاتاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} قَالَ: عَظِيم آلِهَتهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يكذب إِبْرَاهِيم فِي شَيْء قطّ إِلَّا فِي ثَلَاث كُلهنَّ فِي الله: قَوْله إِنِّي سقيم وَلم يكن سقيماً وَقَوله لسارة أُخْتِي وَقَوله: {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا}
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَأْتِي النَّاس إِبْرَاهِيم فَيَقُولُونَ لَهُ: اشفع لنا إِلَى رَبك
فَيَقُول: إِنِّي كذبت ثَلَاث كذبات
فَقَالَ النَّبِي(5/637)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْهَا كذبة إِلَّا مَا حل بهَا عَن دين الله قَوْله: (إِنِّي سقيم) (الصافات آيَة 89) وَقَوله: {بل فعله كَبِيرهمْ هَذَا} وَقَوله لسارة إِنَّهَا أُخْتِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَرَجَعُوا إِلَى أنفسهم} قَالَ: نظر بَعضهم إِلَى بعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {ثمَّ نكسوا على رؤوسهم} قَالَ: فِي الرَّأْي
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {أُفٍّ} يَعْنِي الرَّدِيء من الْكَلَام
الْآيَة 68 - 73(5/638)
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73)
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: تَلَوت هَذِه الْآيَة على عبد الله بن عمر فَقَالَ: أَتَدْرِي يَا مُجَاهِد من الَّذِي أَشَارَ بتحريق إِبْرَاهِيم بالنَّار قلت: لَا
قَالَ: رجل من أَعْرَاب فَارس يَعْنِي الأكراد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما جمع لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام مَا جمع وَأُلْقِي فِي النَّار جعل خَازِن الْمَطَر يَقُول: مَتى أومر بالمطر فَأرْسلهُ فَكَانَ أَمر الله أسْرع قَالَ الله: {كوني بردا وَسلَامًا} فَلم يبْق فِي الأَرْض نَار إِلَّا طفئت
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار لم تكن فِي الأَرْض دَابَّة إِلَّا تُطْفِئ عَنهُ النَّار غير الوزغ فَإِنَّهُ كَانَ ينْفخ على إِبْرَاهِيم فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتْله(5/638)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أم شريك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الأوزاغ وَقَالَ: كَانَت تنفخ على إِبْرَاهِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف أخبرنَا معمر عَن قَتَادَة عَن بَعضهم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَت الضفدع تُطْفِئ النَّار عَن إِبْرَاهِيم وَكَانَت الوزغ تنفخ عَلَيْهِ وَنهى عَن قتل هَذَا وَأمر بقتل هَذَا
وَأخرجه ابْن الْمُنْذر فَقَالَ: أخبرنَا أَبُو سعيد الشَّامي عَن أبان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبوا الضفدع فَإِنَّهُ صَوته تَسْبِيح وتقديس وتكبير إِن الْبَهَائِم اسْتَأْذَنت رَبهَا فِي أَن تُطْفِئ النَّار عَن إِبْرَاهِيم فَأذن للضفادع فتراكبت عَلَيْهِ فأبدلها الله بَحر النَّار برد المَاء
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك فِي السَّمَاء وَاحِد وَأَنا فِي الأَرْض وَاحِد أعبدك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَمْرو قَالَ: أول كلمة قَالَهَا إِبْرَاهِيم حِين ألقِي فِي النَّار حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن كَعْب قَالَ: مَا أحرقت النَّار من إِبْرَاهِيم إِلَّا وثَاقه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْمنْهَال بن عَمْرو قَالَ: أخْبرت أَن إِبْرَاهِيم ألقِي فِي النَّار فَكَانَ فِيهَا إِمَّا خمسين وَإِمَّا أَرْبَعِينَ قَالَ: مَا كنت أَيَّامًا وليالي قطّ أطيب عَيْشًا إِذْ كنت فِيهَا وددت أَن عيشي وحياتي كلهَا مثل عيشي إِذْ كنت فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما ألقِي إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن فِي النَّار قَالَ الْملك خَازِن الْمَطَر: يَا رب إِن خَلِيلك إِبْرَاهِيم رجا أَن يُؤذن لَهُ فَيُرْسل الْمَطَر فَكَانَ أَمر الله أسْرع من ذَلِك فَقَالَ: {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} فَلم يبْق فِي الأَرْض نَار إِلَّا طفئت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: الَّذِي قَالَ حرقوه هبون
فَخسفَ الله بِهِ الأَرْض فَهُوَ يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {قُلْنَا يَا نَار} قَالَ: كَانَ جِبْرِيل هُوَ الَّذِي قَالَهَا(5/639)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو لم يتبع بردهَا {سَلاما} لمات إِبْرَاهِيم من بردهَا فَلم يبْق فِي الأَرْض يَوْمئِذٍ نَار إِلَّا طفئت ظَنَنْت أَنَّهَا هِيَ تعنى
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عليّ فِي قَوْله: {قُلْنَا يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا} قَالَ: لَوْلَا أَنه قَالَ: {وَسلَامًا} لقَتله بردهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: لما أَرَادوا أَن يلْقوا إِبْرَاهِيم فِي النَّار نَادَى الْملك الَّذِي يُرْسل الْمَطَر: رب خَلِيلك رجا أَن يُؤذن لَهُ فَيُرْسل الْمَطَر فَقَالَ الله: {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} فَلم يبْق فِي الأَرْض يَوْمئِذٍ نَار إِلَّا بردت
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد من طَرِيق أبي هِلَال عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: لما أَرَادوا أَن يلْقوا إِبْرَاهِيم فِي النَّار جَاءَت عَامَّة الخليقة فَقَالَت: يَا رب خَلِيلك يلقى فِي النَّار فائذن لنا نطفئ عَنهُ
قَالَ: هُوَ خليلي لَيْسَ لي فِي الأَرْض خَلِيل غَيره وَأَنا آلهه لَيْسَ لَهُ إِلَه غَيْرِي فَإِن استغاثكم فأغيثوه وَإِلَّا فَدَعوهُ قَالَ: وَجَاء ملك الْقطر قَالَ: يَا رب خَلِيلك يلقى فِي النَّار فائذن لي أَن أطفئ عَنهُ بالقطر
قَالَ: هُوَ خليلي لَيْسَ لي فِي الأَرْض خَلِيل غَيره وَأَنا آلهه لَيْسَ لَهُ إِلَه غَيْرِي فَإِن اسْتَعَانَ بك فأعنه وَإِلَّا فَدَعْهُ
قَالَ: فَلَمَّا ألقِي فِي النَّار دَعَا بِدُعَاء نَسيَه أَبُو هِلَال فَقَالَ الله عز وَجل: {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} قَالَ: فبردت فِي الْمشرق وَالْمغْرب فَمَا أنضجت يَوْمئِذٍ كُرَاعًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ كَعْب: مَا انْتفع أحد من أهل الأَرْض يَوْمئِذٍ بِنَار وَلَا أحرقت النَّار يَوْمئِذٍ شَيْئا إِلَّا وثاق إِبْرَاهِيم
وَقَالَ قَتَادَة: لم تأت دَابَّة يَوْمئِذٍ إِلَّا أطفأت عَنهُ النَّار إِلَّا الوزغ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: يذكرُونَ أَن جِبْرِيل كَانَ مَعَ إِبْرَاهِيم فِي النَّار يمسح عَنهُ الْعرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة قَالَ: لما ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار قعد فِيهَا(5/640)
فأرسلوا إِلَى ملكهم فجَاء ينظر مُتَعَجِّبا
فطارت مِنْهُ شرارة فَوَقَعت على إِبْهَام رجله فاشتعل كَمَا تشتعل الصوفة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: خرج إِبْرَاهِيم من النَّار يعرق لم تحرق النَّار إِلَّا وثَاقه فَأخذُوا شَيخا مِنْهُم فجعلوه على نَار كَذَلِك فَاحْتَرَقَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُلَيْمَان بن صرد
وَكَانَ قد أدْرك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إِبْرَاهِيم لما أَرَادوا أَن يلقوه فِي النَّار جعلُوا يجمعُونَ لَهُ الْحَطب فَجعلت الْمَرْأَة الْعَجُوز تحمل على ظهرهَا فَيُقَال لَهَا: أَيْن تريدين فَتَقول: أذهب إِلَى هَذَا الَّذِي يذكر آلِهَتنَا
فَلَمَّا ذهب بِهِ لِيطْرَح فِي النَّار (قَالَ: إِنِّي ذَاهِب إِلَى رَبِّي سيهدين) (الصافات آيَة 99) فَلَمَّا طرح فِي النَّار قَالَ: حسبي الله وَنعم الْوَكِيل
فَقَالَ الله: {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} فَقَالَ أَبُو لوط - وَكَانَ عَمه - إِن النَّار لم تحرقه من أجل قرَابَته مني
فَأرْسل الله عنقًا من النَّار فَأَحْرَقتهُ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {قُلْنَا يَا نَار كوني بردا} قَالَ: بردت عَلَيْهِ حَتَّى كَانَت تؤذيه حَتَّى قيل: {وَسلَامًا} قَالَ: لَا تؤذيه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو لم يقل: {وَسلَامًا} لقَتله الْبرد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن أحسن شَيْء قَالَه أَبُو إِبْرَاهِيم لما رفع عَنهُ الطَّبَق وَهُوَ فِي النَّار وجده يرشح جَبينه فَقَالَ عِنْد ذَلِك: نعم الرب رَبك يَا ابراهيم
وَأخرج ابْن جرير عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة وَذبح إِسْحَق وَهُوَ ابْن سبع سِنِين
وَأخرج ابْن جرير عَن مُعْتَمر بن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن بعض أَصْحَابه قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى إِبْرَاهِيم وَهُوَ يوثق ليلقى فِي النَّار قَالَ: يَا إِبْرَاهِيم أَلَك حَاجَة قَالَ: أما إِلَيْك فَلَا
وَأخرج ابْن جرير عَن أَرقم أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: حِين جعلُوا يوثقونه(5/641)
ليلقوه فِي النَّار: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ رب الْعَالمين لَك الْحَمد وَلَك الْملك لَا شريك لَك
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {قُلْنَا يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا} قَالَ: السَّلَام لَا يُؤْذِيه بردهَا وَلَوْلَا أَنه قَالَ: {سَلاما} لَكَانَ الْبرد أَشد عَلَيْهِ من الْحر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَأَرَادُوا بِهِ كيداً فجعلناهم الأخسرين} قَالَ: ألقوا شَيخا فِي النَّار مِنْهُم لِأَن يُصِيبُوا نجاته كَمَا نجا إِبْرَاهِيم فَاحْتَرَقَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين} قَالَ: الشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله: {إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين} قَالَ: الشَّام
وَمَا من مَاء عذب إِلَّا يخرج من تِلْكَ الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس يهْبط من السَّمَاء إِلَى الصَّخْرَة ثمَّ يتفرق فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: بِالشَّام من قُبُور الْأَنْبِيَاء ألفا قبر وَسَبْعمائة قبر وَإِن دمشق معقل النَّاس فِي آخر الزَّمَان من الْمَلَاحِم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لوط: كَانَ ابْن أخي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما هرب إِبْرَاهِيم من كوثي وَخرج من النَّار وَلسَانه يَوْمئِذٍ سرياني فَلَمَّا عبر الْفُرَات من حران غيّر الله لِسَانه فَقلب عبرانياً حَيْثُ عبر الْفُرَات وَبعث ثمرود فِي نَحْو أَثَره وَقَالَ: لَا تدعوا أحدا يتَكَلَّم بالسُّرْيَانيَّة إِلَّا جئتموني بِهِ فَلَقوا إِبْرَاهِيم يتَكَلَّم بالعبرانية فَتَرَكُوهُ وَلم يعرفوا لغته
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن حسان بن عَطِيَّة قَالَ: أغار ملك نبط على لوط عَلَيْهِ السَّلَام فسباه وَأَهله فَبلغ ذَلِك إِبْرَاهِيم فَأقبل فِي طلبه فِي عدَّة أهل بدر ثَلَاثمِائَة وَثَلَاثَة عشر فَالتقى هُوَ وَتلك النبط فِي صحراء معفور فعبى إِبْرَاهِيم ميمنة وميسرة وَقَلْبًا وَكَانَ أول من عبى الْحَرْب هَكَذَا فَاقْتَتلُوا فَهَزَمَهُمْ إِبْرَاهِيم واستنقذ لوطاً وَأَهله
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {ونجيناه} يَعْنِي إِبْرَاهِيم {ولوطاً إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا للْعَالمين}(5/642)
قَالَ: هِيَ الأَرْض المقدسة الَّتِي بَارك الله فِيهَا للْعَالمين لِأَن كل مَاء عذب فِي الأَرْض مِنْهَا يخرج يَعْنِي من أصل الصَّخْرَة الَّتِي فِي بَيت الْمُقَدّس يهْبط من السَّمَاء إِلَى الصَّخْرَة ثمَّ يتفرق فِي الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ونجيناه ولوطاً} قَالَ: كَانَا بِأَرْض الْعرَاق فانجيا إِلَى أَرض الشَّام
وَكَانَ يُقَال: الشَّام عماد دَار الْهِجْرَة وَمَا نقص من الأَرْض زيد فِي الشَّام وَمَا نقص من الشَّام زيد فِي فلسطين
وَكَانَ يُقَال: هِيَ أَرض الْمَحْشَر والمنشر وفيهَا ينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام وَبهَا يهْلك الله شيخ الضَّلَالَة الدَّجَّال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: الشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: إِلَى حران
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق} قَالَ: ولدا {وَيَعْقُوب نَافِلَة} قَالَ: ابْن ابْن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق} قَالَ: أعطَاهُ {وَيَعْقُوب نَافِلَة} قَالَ: عَطِيَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ فِي الْآيَة قَالَ: دَعَا بِالْحَقِّ فاستجيب لَهُ وَزيد يَعْقُوب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم قَالَ: النَّافِلَة ابْن الابْن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ} الْآيَة
قَالَ: جعلهم الله أَئِمَّة يقْتَدى بهم فِي أَمر الله
الْآيَة 74 - 77(5/643)
وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ (74) وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77)
أخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: كَانَ فِي قوم لوط عشر خِصَال يعْرفُونَ بهَا: لعب الْحمام وَرمي البندق والمكاء والخذف فِي الأنداء وتسبيط الشّعْر وفرقعة العلك واسبال الْإِزَار وَحبس الأقبية وإتيان الرِّجَال والمنادمة على الشَّرَاب وستزيد هَذِه الْأمة عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سِتَّة من أَخْلَاق قوم لوط فِي هَذِه الْأمة: الجلاهق والصفر والبندق والخذف وَحل إِزَار القباء ومضغ العلك
واخرج اسحق بن بشر والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عشر خِصَال عملتها قوم لوط بهَا اهلكوا وتزيدها أمتِي بخلة: إتْيَان الرِّجَال بَعضهم بَعْضًا ورميهم بالجلاهق ولعبهم الْحمام وَضرب الدفوف وَشرب الْخُمُور وقص اللِّحْيَة وَطول الشَّارِب والصفر والتصفيق ولباس الْحَرِير وتزيدها أمتِي بخلة: إتْيَان النِّسَاء بَعضهنَّ بَعْضًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل سنَن قوم لوط قد فقدت إِلَّا ثَلَاثًا: جر نعال السيوف وقصف الْأَظْفَار وكشف الْعَوْرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتنَا} قَالَ: فِي الْإِسْلَام
الْآيَة 78 - 82(5/644)
وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ (80) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (81) وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ (82)
أخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: دَاوُد بن إيشا بن عُوَيْد بن عَابِر من ولد يهوذا بن يَعْقُوب وَكَانَ قَصِيرا أَزْرَق قَلِيل الشّعْر طَاهِر الْقلب
وَأخرج ابْن جرير عَن مرّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث} قَالَ: كَانَ الْحَرْث نبتاً فنفشت فِيهِ لَيْلًا فاختصموا فِيهِ إِلَى دَاوُد فَقضى بالغنم لأَصْحَاب الْحَرْث فَمروا على سُلَيْمَان فَذكرُوا ذَلِك لَهُ فَقَالَ: لَا تدفع الْغنم
فيصيبون مِنْهَا وَيقوم هَؤُلَاءِ على حرثهم فَإِذا عَاد كَمَا كَانَ ردوا عَلَيْهِم فَنزلت {ففهمناها سُلَيْمَان}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم والْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث إِذْ نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم} قَالَ: كرم قد أنبتت عناقيده فأفسدته الْغنم فَقضى دَاوُد بالغنم لصَاحب الْكَرم فَقَالَ سُلَيْمَان: أغير هَذَا يَا نَبِي الله قَالَ: وَمَا ذَاك قَالَ: تدفع الْكَرم إِلَى صَاحب الْغنم فَيقوم عَلَيْهِ حَتَّى يعود كَمَا كَانَ وتدفع الْغنم إِلَى صَاحب الْكَرم فَيُصِيب مِنْهَا حَتَّى إِذا عَاد الْكَرم كَمَا كَانَ دفعت الْكَرم لصَاحبه وَدفعت الْغنم إِلَى صَاحبهَا
فَذَلِك قَوْله: {ففهمناها سُلَيْمَان}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَسْرُوق قَالَ: الْحَرْث الَّذِي {نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم} إِنَّمَا كَانَ كرماً نفشت فِيهِ غنم الْقَوْم فَلم تدع فِيهِ ورقة وَلَا عنقوداً من عِنَب إِلَّا أَكلته فَأتوا دَاوُد فَأَعْطَاهُمْ رقابها فَقَالَ سُلَيْمَان: إِن صَاحب الْكَرم قد بَقِي لَهُ أصل كرمه وأصل أرضه بل تُؤْخَذ الْغنم فيعطاها أهل الْكَرم فَيكون لَهُم لَبنهَا وصوفها ونفعها وَيُعْطى أهل الْغنم الْكَرم فيعمرونه ويصلحونه حَتَّى يعود كَالَّذي كَانَ لَيْلَة نفشت فِيهِ الْغنم ثمَّ يعْطى أهل الْغنم غَنمهمْ وَأهل الْكَرم كرمهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَدَاوُد وَسليمَان} إِلَى(5/645)
قَوْله: {وَكُنَّا لحكمهم شَاهِدين} يَقُول: كُنَّا لما حكما شَاهِدين وَذَلِكَ أَن رجلَيْنِ دخلا على دَاوُد: أَحدهمَا صَاحب حرث وَالْآخر صَاحب غنم فَقَالَ صَاحب الْحَرْث: إِن هَذَا أرسل غنمه فِي حرثي فَلم تبْق من حرثي شَيْئا
فَقَالَ لَهُ دَاوُد: اذْهَبْ فَإِن الْغنم كلهَا لَك
فَقضى بذلك دَاوُد وَمر صَاحب الْغنم بِسُلَيْمَان فَأخْبرهُ بِالَّذِي قضى بِهِ دَاوُد فَدخل سُلَيْمَان على دَاوُد فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِن الْقَضَاء سوى الَّذِي قضيت
فَقَالَ: كَيفَ قَالَ سُلَيْمَان: إِن الْحَرْث لَا يخفى على صَاحبه مَا يخرج مِنْهُ فِي كل عَام فَلهُ من صَاحب الْغنم أَن ينْتَفع من أَوْلَادهَا وأصوافها وَأَشْعَارهَا حَتَّى يَسْتَوْفِي ثمن الْحَرْث فَإِن الْغنم لَهَا نسل كل عَام
فَقَالَ دَاوُد: قد أصبت الْقَضَاء كَمَا قضيت
ففهمها الله سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن جرير وَعبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: أَعْطَاهُم دَاوُد رِقَاب الْغنم بالحرث وَحكم سُلَيْمَان بجزة الْغنم وَأَلْبَانهَا لأهل الْحَرْث وَعَلَيْهِم رعاؤها ويحرث لَهُم أهل الْغنم حَتَّى يكون الْحَرْث كَهَيْئَته يَوْم أكل ثمَّ يدفعونه إِلَى أَهله وَيَأْخُذُونَ غَنمهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: النفش بِاللَّيْلِ والهمل بِالنَّهَارِ
ذكر لنا أَن غنم الْقَوْم وَقعت فِي زرع لَيْلًا فَرفع ذَلِك إِلَى دَاوُد فَقضى بالغنم لأَصْحَاب الزَّرْع فَقَالَ سُلَيْمَان: لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن لَهُ نسلها ورسلها وعوارضها وجزازها حَتَّى إِذا كَانَ من الْعَام الْمقبل كَهَيْئَته يَوْم أكل دفعت الْغنم إِلَى أَرْبَابهَا وَقبض صَاحب الزَّرْع زرعه
قَالَ الله: {ففهمناها سُلَيْمَان}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة وَالزهْرِيّ فِي الْآيَة قَالَ: نفشت غنم فِي حرث قوم فَقضى دَاوُد أَن يَأْخُذُوا الْغنم ففهمها الله سُلَيْمَان فَلَمَّا أخبر بِقَضَاء دَاوُد قَالَ: لَا وَلَكِن خُذُوا الْغنم وَلكم مَا خرج من رسلها وَأَوْلَادهَا وأصوافها إِلَى الْحول
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت امْرَأَة عابدة من بني إِسْرَائِيل وَكَانَت تبتلت الْمَرْأَة وَكَانَ لَهَا جاريتان جميلتان وَقد تبتلت الْمَرْأَة لَا تُرِيدُ الرِّجَال فَقَالَت إِحْدَى الجاريتين لِلْأُخْرَى: قد طَال علينا هَذَا الْبلَاء أما هَذِه فَلَا تُرِيدُ الرِّجَال وَلَا نزال بشر مَا كُنَّا لَهَا فَلَو أَنا فضحناها فرجمت فصرنا إِلَى الرِّجَال
فَأتيَا مَاء الْبيض فأتياها وَهِي سَاجِدَة فكشفتا عَن ثوبها ونضحتا فِي دبرهَا مَاء الْبيض وصرختا: إِنَّهَا قد(5/646)
بَغت
وَكَانَ من زنى فيهم حدّه الرَّجْم فَرفعت إِلَى دَاوُد وَمَاء الْبيض فِي ثِيَابهَا فَأَرَادَ رَجمهَا فَقَالَ سُلَيْمَان: ائْتُوا بِنَار فَإِنَّهُ إِن كَانَ مَاء الرِّجَال تفرق وَإِن كَانَ مَاء الْبيض اجْتمع
فَأتي بِنَار فوضعها عَلَيْهِ فَاجْتمع فدرأ عَنْهَا الرَّجْم فعطف دَاوُد على سُلَيْمَان فَأَحبهُ
ثمَّ كَانَ بعد ذَلِك أَصْحَاب الْحَرْث وَأَصْحَاب الشياه فَقضى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بالغنم لأَصْحَاب الْحَرْث فَخَرجُوا وَخرجت الرُّعَاة مَعَهم الْكلاب فَقَالَ سُلَيْمَان: كَيفَ قضى بَيْنكُم فأخبروه فَقَالَ: لَو وليت أَمرهم لقضيت بِغَيْر هَذَا الْقَضَاء
فَقيل لداود عَلَيْهِ السَّلَام: إِن سُلَيْمَان يَقُول كَذَا وَكَذَا
فَدَعَاهُ فَقَالَ: كَيفَ تقضي بَينهم فَقَالَ: أدفَع الْغنم إِلَى أَصْحَاب الْحَرْث هَذَا الْعَام فَيكون لَهُم أَوْلَادهَا وسلالها وَأَلْبَانهَا ومنافعها ويذر أَصْحَاب الْحَرْث الْحَرْث هَذَا الْعَام فَإِذا بلغ الْحَرْث الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَخذ هَؤُلَاءِ الْحَرْث ودفعوا إِلَى هَؤُلَاءِ الْغنم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {نفشت} قَالَ: رعت
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {نفشت} قَالَ: النفش الرَّعْي بِاللَّيْلِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول لبيد: بدلن بعد النفش الوجيفا وَبعد ول الْحزن الصريفا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن حرَام بن محيصة أَن نَاقَة الْبَراء بن عَازِب دخلت حَائِطا فأفسدت فِيهِ فَقضى فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على أَن على أهل الحوائط حفظهَا بِالنَّهَارِ وَإِن مَا أفسدت الْمَوَاشِي بِاللَّيْلِ ضَامِن على أَهلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن نَاقَة الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ دخلت حَائِطا لقوم فأفسدت عَلَيْهِم فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: على أهل الْحَائِط حفظ حائطهم بِالنَّهَارِ وعَلى أهل الْمَوَاشِي حفظ مَوَاشِيهمْ بِاللَّيْلِ ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَدَاوُد وَسليمَان} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: نفشت لَيْلًا(5/647)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ فافهمناها سُلَيْمَان
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الحكم بِمَا قضى بِهِ سُلَيْمَان وَلم يعب دَاوُد فِي حكمه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَهْون أهل النَّار عذَابا رجل يطَأ جَمْرَة يغلي مِنْهَا دماغه
فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ: وَمَا جرمه يَا رَسُول الله قَالَ: كَانَت لَهُ مَاشِيَة يغشى بهَا الزَّرْع ويؤذيه وَحرم الله الرزع وَمَا حوله غلوة سهم فاحذروا أَن لَا [] يسْتَحبّ الرجل مَا لَهُ فِي الدُّنْيَا وَيهْلك نَفسه فِي الْآخِرَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَانِ لَهما جَاءَ الذِّئْب فَأخذ أحد الِابْنَيْنِ فتحاكما إِلَى دَاوُد فَقضى لَهُ للكبرى فخرجتا فدعاهما سُلَيْمَان فَقَالَ: هاتوا السكين أشقه بَينهمَا
فَقَالَت الصُّغْرَى: يَرْحَمك الله هُوَ ابْنهَا لَا تشقه
فَقضى بِهِ للصغرى
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن امْرَأَة حسناء من بني إِسْرَائِيل راودها عَن نَفسهَا أَرْبَعَة من رُؤَسَائِهِمْ فامتنعت على كل وَاحِد مِنْهُم فاتفقوا فِيمَا بَينهم عَلَيْهَا فَشَهِدُوا عَلَيْهَا عِنْد دَاوُد أَنَّهَا مكنت من نَفسهَا كَلْبا لَهَا قد عوّدته ذَلِك مِنْهَا فَأمر برجمها
فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم جلس سُلَيْمَان وَاجْتمعَ مَعَه ولدان مثله فانتصب حَاكما وتزيا أَرْبَعَة مِنْهُم بزِي أُولَئِكَ وَآخر بزِي الْمَرْأَة وشهدوا عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مكنت من نَفسهَا كلبها
فَقَالَ سُلَيْمَان: فرقوا بَينهم
فَسَأَلَ أَوَّلهمْ: مَا كَانَ لون الْكَلْب فَقَالَ: أسود
فَعَزله واستدعى الآخر فَسَأَلَهُ عَن لَونه فَقَالَ: أَحْمَر وَقَالَ الآخر أغبش وَقَالَ الآخر أَبيض
فَأمر عِنْد ذَلِك بِقَتْلِهِم فحكي ذَلِك لداود فاستدعى من فوره أُولَئِكَ الْأَرْبَعَة فَسَأَلَهُمْ مُتَفَرّقين عَن لون ذَلِك الْكَلْب فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَأمر بِقَتْلِهِم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن أبي نجيح قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أوتينا مَا أُوتِيَ النَّاس وَلم يؤتوا وَعلمنَا مَا علم النَّاس وَلم يعلمُوا
فَلم يجد شَيْئا أفضل من ثَلَاث كَلِمَات: الْحلم فِي الْغَضَب وَالرِّضَا وَالْقَصْد فِي الْفقر والغنى وخشية الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة(5/648)
وَأخرج أَحْمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لِابْنِهِ: يَا بني إياك وَغَضب الْملك الظلوم فَإِن غَضَبه كغضب ملك الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن خَيْثَمَة قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: جربنَا الْعَيْش لينه وشديده فوجدناه يَكْفِي مِنْهُ أدناه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وأمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: يَا بني لَا تكْثر الْغيرَة على أهلك فترمى بالسوء من أَجلك وَإِن كَانَت بريئة
يَا بني إِن من الْحيَاء صمتا وَمِنْه وقاراً يَا بني إِن أَحْبَبْت أَن تغيظ عَدوك فَلَا ترفع الْعَصَا عَن ابْنك
يَا بني كَمَا يدْخل الوتد بَين الحجرين وكما تدخل الْحَيَّة بَين الحجرين كَذَلِك تدخل الْخَطِيئَة بَين البيعين
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: بلغنَا أَن سُلَيْمَان قَالَ لِابْنِهِ: امش وَرَاء الْأسد وَلَا تمش وَرَاء امْرَأَة
وَأخرج أَحْمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إِن من سوء الْعَيْش نقلا من بَيت إِلَى بَيت
وَقَالَ لِابْنِهِ: عَلَيْك بخشية الله فَإِنَّهَا غلبت كل شَيْء
وَأخرج أَحْمد عَن بكر بن عبد الله أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ سُلَيْمَان: أَي شَيْء أبرد وَأي شَيْء أحلى وَأي شَيْء أقرب وَأي شَيْء أقل وَأي شَيْء أَكثر وَأي شَيْء آنس وَأي شَيْء أوحش قَالَ: أحلى شَيْء روح الله من عباده وأبرد شَيْء عَفْو الله عَن عباده وعفو الْعباد بَعضهم عَن بعض
وآنس شَيْء الرّوح تكون فِي الْجَسَد وأوحش شَيْء الْجَسَد تنْزع مِنْهُ الرّوح وَأَقل شَيْء الْيَقِين وَأكْثر شَيْء الشَّك وَأقرب شَيْء الْآخِرَة من الدُّنْيَا وَأبْعد شَيْء الدُّنْيَا من الْآخِرَة
وَأخرج أَحْمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: لَا تقطعن أمرا حَتَّى تؤامر مرشداً فَإِذا فعلت ذَلِك فَلَا تحزن عَلَيْهِ
وَقَالَ: يَا بني مَا أقبح الْخَطِيئَة مَعَ المسكنة وأقبح الضَّلَالَة بعد الْهدى وأقبح من ذَلِك رجل كَانَ عابداً فَترك عبَادَة ربه
وَأخرج أَحْمد عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: عجبا للتاجر: كَيفَ يخلص يحلف بِالنَّهَارِ وينام بِاللَّيْلِ(5/649)
وَأخرج أَحْمد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان لِابْنِهِ: يَا بني إياك والنميمة فَإِنَّهَا كَحَد السَّيْف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن حميد الطَّوِيل: أَن إِيَاس بن مُعَاوِيَة لما استقضى آتَاهُ الْحسن فَرَآهُ حَزينًا فَبكى إِيَاس فَقَالَ: مَا يبكيك فَقَالَ: يَا أَبَا سعيد بَلغنِي أَن الْقُضَاة ثَلَاثَة: رجل اجْتهد فَأَخْطَأَ فَهُوَ فِي النَّار وَرجل مَال بِهِ الْهوى فَهُوَ فِي النَّار وَرجل اجْتهد فَأصَاب فَهُوَ فِي الْجنَّة
فَقَالَ الْحسن: إِن فِيمَا قصّ الله من نبأ دَاوُد مَا يرد ذَلِك
ثمَّ قَرَأَ {وَدَاوُد وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث} حَتَّى بلغ {وكلا آتَيْنَا حكما وعلماً} فَأثْنى على سُلَيْمَان وَلم يذم دَاوُد
ثمَّ قَالَ: أَخذ الله على الْحُكَّام ثَلَاثَة: أَن لَا يشتروا بآياته ثمنا قَلِيلا وَلَا يتبعوا الْهوى وَلَا يخشوا النَّاس
ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة (يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي الأَرْض) (ص آيَة 26) الْآيَة وَقَالَ (فَلَا تخشوا النَّاس واخشون) (الْمَائِدَة آيَة 44) وَقَالَ (وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا) (الْمَائِدَة آيَة 44)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يسبحْنَ وَالطير} قَالَ: يصلين مَعَ دَاوُد إِذا صلى {وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم} قَالَ: كَانَت صَفَائِح فَأول من مدها وحلقها دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج السّديّ فِي قَوْله: {وعلمناه صَنْعَة لبوس لكم} قَالَ: هِيَ دروع الْحَدِيد {لتحصنكم من بأسكم} قَالَ: من رتع السِّلَاح فِيكُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ لنحصنكم بالنُّون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن سُلَيْمَان بن حَيَّان قَالَ: كَانَ دَاوُد إِذا وجد فَتْرَة أَمر الْجبَال فسبحت حَتَّى يشتاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ عمر آدم ألف سنة وَكَانَ عمر دَاوُد سِتِّينَ سنة
فَقَالَ آدم: أَي رب زده من عمري أَرْبَعِينَ سنة
فأكمل لآدَم ألف سنة وأكمل لداود مائَة سنة(5/650)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَاتَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم السِّت فَجْأَة فعكفت الطير عَلَيْهِ تظله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يوضع لَهُ سِتّمائَة ألف كرْسِي ثمَّ يَجِيء أَشْرَاف النَّاس فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِيهِ ثمَّ يَجِيء أَشْرَاف الْجِنّ فَيَجْلِسُونَ مِمَّا يَلِي أَشْرَاف الْإِنْس ثمَّ يَدْعُو الطير فتظلهم ثمَّ يَدْعُو الرّيح فتحملهم فيسير مسيرَة شهر فِي الْغَدَاة الْوَاحِدَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: بلغنَا أَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عسكره مائَة فَرسَخ خَمْسَة وَعِشْرُونَ مِنْهَا للإنس وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للجن وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للوحش وَخَمْسَة وَعِشْرُونَ للطير وَكَانَ لَهُ ألف بَيت من قَوَارِير على الْخشب فِيهَا ثلثمِائة حرَّة وَسَبْعمائة سَرِيَّة فَأمر الرّيح العاصف فَرَفَعته فَأمر الرّيح فسارت بِهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ أَنِّي أَزِيد فِي ملكك أَن لَا يتَكَلَّم أحد بِشَيْء إِلَّا جَاءَت الرّيح فأخبرتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ سُلَيْمَان يَأْمر الرّيح فتجتمع كالطود الْعَظِيم ثمَّ يَأْمر بفراشه فَيُوضَع على أَعلَى مَكَان مِنْهَا ثمَّ يَدْعُو بفرس من ذَوَات الأجنحة فترتفع حَتَّى تصعد على فرَاشه ثمَّ يَأْمر الرّيح فترتفع بِهِ كل شرف دون السَّمَاء فَهُوَ يُطَأْطِئ رَأسه مَا يلْتَفت يَمِينا وَلَا شمالاً تَعْظِيمًا لله وشكراً لما يعلم من صغر مَا هُوَ فِيهِ فِي ملك الله يَضَعهُ الرّيح حَيْثُ يَشَاء أَن يَضَعهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ لِسُلَيْمَان مركب من خشب وَكَانَ فِيهِ ألف ركن فِي كل ركن ألف بَيت يركب مَعَه فِيهِ الْجِنّ وَالْإِنْس تَحت كل ركن ألف شَيْطَان يرفعون ذَلِك الْمركب فَإِذا ارْتَفع جَاءَت الرّيح الرخَاء فسارت بِهِ وَسَارُوا مَعَه فَلَا يدْرِي الْقَوْم إِلَّا قد أظلهم من الجيوش والجنود
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن السّديّ فِي قَوْله: {ولسليمان الرّيح عَاصِفَة} قَالَ: الرّيح الشَّدِيدَة {تجْرِي بأَمْره إِلَى الأَرْض الَّتِي باركنا فِيهَا} قَالَ: أَرض الشَّام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ولسليمان الرّيح} الْآيَة
قَالَ: ورث الله لِسُلَيْمَان دَاوُد فورثه نبوته وَملكه وزاده على ذَلِك أَنه سخر لَهُ الرِّيَاح وَالشَّيَاطِين(5/651)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه قَرَأَ {ولسليمان الرّيح} يَقُول: سخرنا لَهُ الرّيح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَمن الشَّيَاطِين من يغوصون لَهُ} قَالَ: يغوصون فِي المَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والديلمي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: ذكر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رقية الْحَيَّة فَقَالَ: اعرضها عَليّ
فعرضها عَلَيْهِ بِسم الله شجنية قرنية ملحة بَحر قفطا
فَقَالَ: هَذِه مواثيق أَخذهَا سُلَيْمَان على الْهَوَام وَلَا أرى بهَا بَأْسا
وَأخرج الْحَاكِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: أرخ بَنو اسحق من مبعث مُوسَى إِلَى ملك سُلَيْمَان
الْآيَة 83 - 86(5/652)
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (86)
أخرج الْحَاكِم من طَرِيق سَمُرَة عَن كَعْب قَالَ: كَانَ أَيُّوب بن أموص نَبِي الله الصابر طَويلا جعد الشّعْر وَاسع الْعَينَيْنِ حسن الْخلق وَكَانَ على جَبينه مَكْتُوب: الْمُبْتَلى الصابر وَكَانَ قصير الْعُنُق عريض الصَّدْر غليظ السَّاقَيْن والساعدين كَانَ يُعْطي الأرامل ويكسوهم جاهداً ناصحاً لله
وَأخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: أَيُّوب بن أموص بن رزاح بن عيص بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل
وَأخرج ابْن سعد عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: أول نَبِي بعث إِدْرِيس ثمَّ نوح ثمَّ إِبْرَاهِيم ثمَّ إِسْمَاعِيل وَإِسْحَق ثمَّ يَعْقُوب ثمَّ يُوسُف ثمَّ لوط ثمَّ هود ثمَّ صَالح ثمَّ شُعَيْب ثمَّ مُوسَى وَهَارُون ثمَّ إلْيَاس ثمَّ اليسع ثمَّ يُونُس ثمَّ أَيُّوب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: كَانَ أَيُّوب أعبد أهل زَمَانه وَأَكْثَرهم مَالا(5/652)
فَكَانَ لَا يشْبع حَتَّى يشْبع الجائع وَكَانَ لَا يكتسي حَتَّى يكسي العاري وَكَانَ إِبْلِيس قد أعياه أَمر أَيُّوب لقُوته فَلَا يقدر عَلَيْهِ وَكَانَ عبدا مَعْصُوما
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن عَسَاكِر عَن وهب أَنه سُئِلَ: مَا كَانَت شَرِيعَة قوم أَيُّوب قَالَ: التَّوْحِيد وَإِصْلَاح ذَات الْبَين
وَإِذا كَانَت لأحد مِنْهُم حَاجَة خر لله سَاجِدا ثمَّ طلب حَاجته
قيل: فَمَا كَانَ مَاله قَالَ: كَانَ لَهُ ثَلَاثَة آلَاف فدان مَعَ كل فدان عبد مَعَ كل عبد وليدة وَمَعَ كل وليد أتان وَأَرْبَعَة عشرَة ألف شَاة وَلم يبت لَيْلَة لَهُ إِلَّا وضيف وَرَاء بَابه وَلم يَأْكُل طَعَامه إِلَّا وَمَعَهُ مِسْكين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: مَا أصَاب إِبْلِيس من أَيُّوب فِي مَرضه إِلَّا الأنين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ الله لأيوب: تَدْرِي مَا جرمك إليّ حَتَّى ابتليتك فَقَالَ: لَا يَا رب
قَالَ: لِأَنَّك دخلت على فِرْعَوْن فداهنت عِنْده فِي كَلِمَتَيْنِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَنْب أَيُّوب أَنه اسْتَعَانَ بِهِ مِسْكين على ظلم يدرؤه عَنهُ فَلم يعنه وَلم يَأْمر بِمَعْرُوف وينه الظَّالِم عَن ظلمه الْمِسْكِين فابتلاه الله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن اللَّيْث بن سعد قَالَ: كَانَ السَّبَب الَّذِي ابْتُلِيَ فِيهِ أَيُّوب أَنه دخل أهل قريته على ملكهم - وَهُوَ جَبَّار من الْجَبَابِرَة - وَذكر بعض مَا كَانَ ظلمه النَّاس فكلموه فأبلغوا فِي كَلَامه ورفق أَيُّوب فِي كَلَامه لَهُ مَخَافَة مِنْهُ لزرعه فَقَالَ الله: اتَّقَيْت عبدا من عبَادي من أجل زرعك فَأنْزل الله بِهِ مَا أنزل من الْبلَاء
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ قَالَ: أجدب الشَّام فَكتب فِرْعَوْن إِلَى أَيُّوب: أَن هَلُمَّ إِلَيْنَا فَإِن لَك عندنَا سَعَة
فَأقبل بخيله وماشيته وبنيه فأقطعهم فَدخل شُعَيْب فَقَالَ فِرْعَوْن: أما تخَاف أَن يغْضب غضبة فيغضب لغضبه أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال والبحار فَسكت أَيُّوب فَلَمَّا خرجا من عِنْده أوحى الله إِلَى أَيُّوب: أوسكت عَن فِرْعَوْن لذهابك إِلَى أرضه استعد للبلاء
قَالَ: فديني قَالَ: أسلمه لَك
قَالَ: لَا أُبَالِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن ميسرَة قَالَ: لما(5/653)
ابتلى الله أَيُّوب بذهاب المَال والأهل وَالْولد فَلم يبْق لَهُ شَيْء أحسن الذّكر وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
ثمَّ قَالَ: أحمدك رب الَّذِي أَحْسَنت إليّ
قد أَعْطَيْتنِي المَال وَالْولد لم يبْق من قلبِي شُعْبَة إِلَّا قد دَخلهَا ذَلِك فَأخذت ذَلِك كُله مني وفزعت قلبِي فَلَيْسَ يحول بيني وَبَيْنك شَيْء لَا يعلم عدوي إِبْلِيس الَّذِي وصفت إِلَّا حسدني فلقي إِبْلِيس من ذها شَيْئا مُنْكرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ لأيوب أَخَوان فجاءا يَوْمًا فَلم يستطيعا أَن يدنوا مِنْهُ من رِيحه فقاما من بعيد فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: لَو كَانَ الله علم من أَيُّوب خيرا مَا ابتلاه بِهَذَا فجزع أَيُّوب من قَوْلهمَا جزعاً لم يجزع من شَيْء قطّ مثله قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنِّي لم أَبَت لَيْلَة قطّ شبعاً وَأَنا أعلم مَكَان جَائِع فصدقني
فصدّق من فِي السَّمَاء وهما يسمعان ثمَّ خر سَاجِدا وَقَالَ: اللَّهُمَّ بعزتك لَا أرفع رَأْسِي حَتَّى تكشف عني
فَمَا رفع رَأسه حَتَّى كشف الله عَنهُ
وأخرح ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: ضرب أَيُّوب بالبلاء ثمَّ بالبلاء بعد الْبلَاء بذهاب الْأَهْل وَالْمَال ثمَّ ابْتُلِيَ فِي بدنه ثمَّ ابْتُلِيَ حَتَّى قذف فِي بعض مزابل بني إِسْرَائِيل فَمَا يعلم أَيُّوب دَعَا الله يَوْمًا أَن يكْشف مَا بِهِ لَيْسَ إِلَّا صبرا وإحتساباً حَتَّى مر بِهِ رجلَانِ فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: لَو كَانَ لله فِي هَذَا حَاجَة مَا بلغ بِهِ هَذَا كُله
فَسمع أَيُّوب فشق عَلَيْهِ فَقَالَ: رب {مسني الضّر} ثمَّ رد ذَلِك إِلَى ربه فَقَالَ: {وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ فاستجبنا لَهُ فكشفنا مَا بِهِ من ضرّ وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: {وَآتَيْنَاهُ أَهله} فِي الدُّنْيَا {وَمثلهمْ مَعَهم} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: قيل لَهُ: يَا أَيُّوب إِن أهلك لَك فِي الْجنَّة فَإِن شِئْت آتيناك بهم وَإِن شِئْت تركناهم لَك فِي الْجنَّة وعوّضناك مثلهم
قَالَ: لَا بل اتركهم لي فِي الْجنَّة فتركوا لَهُ فِي الْجنَّة وعوّض مثلهم فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن نوف الْبكالِي فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: إِنِّي أدخرهم فِي الْآخِرَة وَأعْطِي مثلهم فِي الدُّنْيَا
فَحدث بذلك مطرف فَقَالَ: مَا عرفت وَجههَا قبل الْيَوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن الضَّحَّاك قَالَ: بلغ(5/654)
ابْن مَسْعُود أَن مَرْوَان قَالَ فِي هَذِه الْآيَة: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: أُوتِيَ بِأَهْل غير أَهله فَقَالَ ابْن مَسْعُود: بل أُوتِيَ بأعيانهم وَمثلهمْ مَعَهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: لم يَكُونُوا مَاتُوا ولكنعم غَيَّبُوا عَنهُ فَأَتَاهُ أَهله {وَمثلهمْ مَعَهم} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: أحياهم بأعيانهم وَزَاد إِلَيْهِم مثلهم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن وَقَتَادَة فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: أَحْيَا الله لَهُ أَهله بأعيانهم وزاده الله مثلهم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: من نسلهم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: مَا كَانَ بَقِي من أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام إِلَّا عَيناهُ وَقَلبه وَلسَانه فَكَانَت الدَّوَابّ تخْتَلف فِي جسده وَمكث فِي الكناسة سبع سِنِين وأياماً
وَأخرج أَحْمد عَن نوف الْبكالِي قَالَ: مر نفر من بني إِسْرَائِيل بِأَيُّوب فَقَالُوا: مَا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ إِلَّا بذنب عَظِيم أَصَابَهُ
فَسَمعَهَا أَيُّوب فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ: {مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} وَكَانَ قبل ذَلِك لَا يَدْعُو
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: لقد مكث أَيُّوب مطروحاً على كناسَة سبع سِنِين وأشهراً مَا يسْأَل الله أَن يكْشف مَا بِهِ وَمَا على وَجه الأَرْض خلق أكْرم من أَيُّوب فيزعمون أَن بعض النَّاس قَالَ: لَو كَانَ لرب هَذَا فِيهِ حَاجَة مَا صنع بِهِ هَذَا
فَعِنْدَ ذَلِك دَعَا
وَأخرج ابْن جريرعن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لم يكن بِأَيُّوب الْأكلَة إِنَّمَا يخرج مِنْهُ مثل ثدي النِّسَاء ثمَّ يتفقأ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَنِّي مسني الضّر وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} قَالَ: إِنَّه لما مَسّه الضّر أنساه الله الدُّعَاء أَن يَدعُوهُ فَيكْشف مَا بِهِ من ضرّ غير أَنه كَانَ يذكر الله كثيرا وَلَا يزِيدهُ الْبلَاء فِي الله إِلَّا رَغْبَة وَحسن إيقان فَلَمَّا انْتهى الْأَجَل وَقضى الله أَنه كاشف مَا بِهِ من ضرّ أذن لَهُ فِي الدُّعَاء ويسرّه لَهُ كَانَ قبل ذَلِك يَقُول تبَارك وَتَعَالَى: لَا يَنْبَغِي لعبدي أَيُّوب أَن يدعوني ثمَّ لَا أستجيب لَهُ
فَلَمَّا دَعَا(5/655)
اسْتَجَابَ لَهُ وأبدله بِكُل شَيْء ذهب لَهُ ضعفين رد أَهله وَمثلهمْ مَعَهم وَأثْنى عَلَيْهِ فَقَالَ: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نعم العَبْد إِنَّه أوّاب)
وَأخرج ابْن جرير عَن لَيْث قَالَ: أرسل مُجَاهِد رجلا يُقَال لَهُ قَاسم إِلَى عِكْرِمَة يسْأَله عَن قَول الله لأيوب {وَآتَيْنَاهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} فَقَالَ: قيل لَهُ: إِن أهلك لَك فِي الْآخِرَة فَإِن شِئْت عجلناهم لَك فِي الدُّنْيَا وَإِن شِئْت كَانُوا لَك فِي الْآخِرَة وآتيناك مثلهم فِي الدُّنْيَا
فَقَالَ: يكونُونَ فِي الْآخِرَة وأوتى مثلهم فِي الدُّنْيَا
فَرجع إِلَى مُجَاهِد فَقَالَ: أصَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {رَحْمَة من عندنَا وذكرى للعابدين} وَقَوله: (رَحْمَة منا وذكرى لأولي الْأَلْبَاب) (ص آيَة 43) قَالَ: إِنَّمَا هُوَ من أَصَابَهُ بلَاء فَذكر مَا أصَاب أَيُّوب فَلْيقل: إِنَّه قد أصَاب من هُوَ خير مني نَبِي من الْأَنْبِيَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: بَقِي أَيُّوب على كناسَة لنَبِيّ إِسْرَائِيل سبع سِنِين وأشهراً تخْتَلف فِيهِ الدَّوَابّ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: إِن أَيُّوب آتَاهُ الله تَعَالَى مَالا وَولدا وأوسع عَلَيْهِ فَلهُ من الشياه وَالْبَقر وَالْغنم وَالْإِبِل
وَإِن عَدو الله إِبْلِيس قيل لَهُ: هَل تقدر أَن تفتن أَيُّوب قَالَ: رب إِن أَيُّوب أصبح فِي دنيا من مَال وَولد فَلَا يَسْتَطِيع إِلَّا شكرك فسلطني على مَاله وَولده فسترى كَيفَ يطيعني ويعصيك
فَسلط على مَاله وَولده فَكَانَ يَأْتِي الْمَاشِيَة من مَاله من الْغنم فيحرقها بالنيران ثمَّ يَأْتِي أَيُّوب وَهُوَ يُصَلِّي متشبهاً براعي الْغنم فَيَقُول: يَا أَيُّوب تصلي لرب مَا ترك الله لَك من ماشيتك شَيْئا من الْغنم إِلَّا أحرقها بالنيران
وَكنت نَاحيَة فَجئْت لأخبرك
فَيَقُول أَيُّوب: اللَّهُمَّ أَنْت أَعْطَيْت وَأَنت أخذت مهما يبْق شَيْء أحمدك على حسن بلائك
فَلَا يقدر مِنْهُ على شَيْء مِمَّا يُرِيد ثمَّ يَأْتِي مَاشِيَته من الْبَقر فيحرقها بالنيران
ثمَّ يَأْتِي أَيُّوب فَيَقُول لَهُ ذَلِك وَيرد عَلَيْهِ أَيُّوب مثل ذَلِك
وَكَذَلِكَ فعل بِالْإِبِلِ حَتَّى مَا ترك لَهُ مَاشِيَة حَتَّى هدم الْبَيْت على وَلَده فَقَالَ: يَا أَيُّوب أرسل الله على ولدك من هدم عَلَيْهِم الْبيُوت حَتَّى يهْلكُوا فَيَقُول أَيُّوب مثل ذَلِك
وَقَالَ: رب هَذَا حِين أَحْسَنت إِلَيّ الْإِحْسَان كُله قد كنت قبل الْيَوْم يشغلني حب المَال بِالنَّهَارِ ويشغلني حب الْوَلَد بِاللَّيْلِ(5/656)
شَفَقَة عَلَيْهِم فَالْآن أفرغ سَمْعِي لَك وبصري وليلي ونهاري بِالذكر وَالْحَمْد وَالتَّقْدِيس والتهليل
فَيَنْصَرِف عَدو الله من عِنْده وَلم يصب مِنْهُ شَيْئا مِمَّا يُرِيد
ثمَّ إِن الله تَعَالَى قَالَ: كَيفَ رَأَيْت أَيُّوب قَالَ إِبْلِيس: إِن أَيُّوب قد علم أَنَّك سترد عَلَيْهِ مَاله وَولده وَلَكِن سَلطنِي على جسده فَإِن أَصَابَهُ الضّر فِيهِ أَطَاعَنِي وعصاك
فَسلط على جسده فَأَتَاهُ فَنفخ فِيهِ نفخة أقرح من لدن قرنه إِلَى قدمه فَأَصَابَهُ الْبلَاء بعد الْبلَاء حَتَّى حمل فَوضع على مزبلة كناسَة لبني إِسْرَائِيل فَلم يبْق لَهُ مَال وَلَا ولد وَلَا صديق وَلَا أحد يقربهُ غير رَحْمَة صبرت عَلَيْهِ تصدق عَلَيْهِ وتأتيه بِطَعَام وتحمد الله مَعَه إِذا حَمده وَأَيوب على ذَلِك لَا يفر من ذكر الله والتحميد وَالثنَاء على الله وَالصَّبْر على مَا ابتلاه الله
فَصَرَخَ إِبْلِيس صرخة جمع فِيهَا جُنُوده من أقطاء الْأَرْضين جزعاً من صَبر أَيُّوب فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ وَقَالُوا لَهُ: اجْتَمَعنَا إِلَيْك مَا أحزنك مَا أعياك قَالَ: أعياني هَذَا العَبْد الَّذِي سَأَلت رَبِّي أَن يسلطني على مَاله وَولده فَلم أدع لَهُ مَالا وَلَا ولدا فَلم يَزْدَدْ بذلك إِلَّا صبرا وثناء على الله تَعَالَى وتحميداً لَهُ ثمَّ سلطت على جسده فتركته قرحَة ملقاة على كناسَة بني إِسْرَائِيل لَا تقربه إِلَّا امْرَأَته فقد افتضحت بربي فاستعنت بكم لتعينوني عَلَيْهِ
فَقَالُوا لَهُ: أَيْن مكرك أَيْن علمك الَّذِي أهلكت بِهِ من مضى قَالَ: بَطل ذَلِك كُله فِي أَيُّوب فأشيروا عَليّ
قَالُوا: نشِير عَلَيْك أَرَأَيْت آدم حِين أخرجته من الْجنَّة من [] أَتَيْته قَالَ: من قبل امْرَأَته
قَالُوا: فشأنك بِأَيُّوب من قبل امْرَأَته فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيع أَن يعصيها وَلَيْسَ أحد يقربهُ غَيرهَا
قَالَ: أصبْتُم
فَانْطَلق حَتَّى أَتَى امْرَأَته وَهِي تصدق فتمثل لَهَا فِي صُورَة رجل فَقَالَ: أَيْن بعلك يَا أمة الله قَالَت: هَا هُوَ ذَاك يحك قروه ويتردد الدُّود فِي جسده
فَلَمَّا سَمعهَا طمع أَن تكون كلمة جزع فَوضع فِي صدرها فوسوس إِلَيْهَا فَذكرهَا مَا كَانَت فِيهِ من النعم وَالْمَال وَالدَّوَاب وَذكرهَا جمال أَيُّوب وشبابه وَمَا هُوَ فِيهِ من الضّر وَإِن ذَلِك لَا يَنْقَطِع عَنْهُم أبدا
فصرخت فَلَمَّا صرخت علم أَن قد جزعت فَأَتَاهُ بسخلة فَقَالَ: ليذبح هَذَا إِلَى أَيُّوب وَيبرأ
فَجَاءَت تصرخ: يَا أَيُّوب يَا أَيُّوب
حَتَّى مَتى يعذبك رَبك أَلا يَرْحَمك أَيْن المَال أَيْن الشَّبَاب أَيْن الْوَلَد أَيْن الصّديق أَيْن لونك الْحسن الَّذِي بلي وتلدد فِيهِ الدَّوَابّ
اذْبَحْ هَذِه السخلة واسترح
قَالَ: أَيُّوب: أتاكِ عَدو الله فَنفخ فِيك فَوجدَ فِيك رفقا فأجبِتِه ويلكِ أرأيتِ مَا تبكين عَلَيْهِ مِمَّا تذكرين مِمَّا كُنَّا فِيهِ من(5/657)
المَال وَالْولد وَالصِّحَّة والشباب من أعطانيه قَالَ [قَالَت] : الله
قَالَ: فكم متعنَا قَالَ [قَالَت] : ثَمَانِينَ سنة
قَالَ: فمذ كم ابتلانا الله بِهَذَا الْبلَاء الَّذِي ابتلانا بِهِ قَالَت: سبع سِنِين وأشهراً
قَالَ: ويلكِ
وَالله مَا عدلت وَلَا أنصفت رَبك إِلَّا صبرت حَتَّى نَكُون فِي هَذَا الْبلَاء الَّذِي ابتلانا رَبنَا ثَمَانِينَ سنة كَمَا كُنَّا فِي الرخَاء ثَمَانِينَ سنة وَالله لَئِن شفاني الله لأجلدنك مائَة جلدَة حيت أَمرتنِي أَن أذبح لغير الله
طَعَامك وشرابك الَّذِي أتيتني بِهِ عليّ حرَام أَن أَذُوق شَيْئا مِمَّا تَأتي بِهِ بعد إِذْ قلت لي هَذَا فاغربي عني فَلَا أراكِ
فَطُرِدَتْ فَذَهَبت فَقَالَ الشَّيْطَان: هَذَا قد وطّن نَفسه ثَمَانِينَ سنة على هَذَا الْبلَاء الَّذِي هُوَ فِيهِ فباء بالغلبة ورفضه
وَنظر إِلَى أَيُّوب قد طرد امْرَأَته وَلَيْسَ عِنْده طَعَام وَلَا شراب وَلَا صديق ومرّ بِهِ رجلَانِ وَهُوَ على تِلْكَ الْحَال وَلَا وَالله مَا على ظهر الأَرْض يَوْمئِذٍ أكْرم على الله من أَيُّوب فَقَالَ أحد الرجلَيْن لصَاحبه: لَو كَانَ لله فِي هَذَا حَاجَة مَا بلغ بِهِ هَذَا
فَلم يسمع أَيُّوب شَيْئا كَانَ أَشد عَلَيْهِ من هَذِه الْكَلِمَة فَقَالَ: رب {مسني الضّر} ثمَّ رد ذَلِك إِلَى الله فَقَالَ: {وَأَنت أرْحم الرَّاحِمِينَ} فَقيل لَهُ: (اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد) (ص آيَة 42) فركض بِرجلِهِ فنبعت عين مَاء فاغتسل مِنْهَا فَلم يبْق من دائه شَيْء ظَاهر إِلَّا سقط فَأذْهب الله عَنهُ كل ألم وكل سقم وَعَاد إِلَيْهِ شبابه وجماله أحسن مَا كَانَ ثمَّ ضرب بِرجلِهِ فنبعت عين أُخْرَى فَشرب مِنْهَا فَلم يبْق فِي جَوْفه دَاء إِلَّا خرج
فَقَامَ صَحِيحا وكسي حلَّة فَجعل يلْتَفت فَلَا يرى شَيْئا مِمَّا كَانَ لَهُ من أهل وَمَال إِلَّا وَقد أضعفه الله لَهُ حَتَّى ذكر لنا أَن المَاء الَّذِي اغْتسل بِهِ تطاير على صَدره جَراد من ذهب فَجعل يضمه بِيَدِهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا أَيُّوب ألم أغنك عَن هَذَا قَالَ: بلَى وَلكنهَا بركتك فَمن يشْبع مِنْهَا
فَخرج حَتَّى جلس على مَكَان مشرف ثمَّ إِن امْرَأَته قَالَت: أَرَأَيْت إِن كَانَ طردي إِلَى من أكله أَدَعهُ يَمُوت جوعا أَو يضيع فتأكله السبَاع لأرجعن إِلَيْهِ
فَرَجَعت فَلَا كناسَة ترى وَلَا تِلْكَ الْحَال الَّتِي كَانَت وَإِذا الْأُمُور قد تَغَيَّرت فَجعلت تَطوف حَيْثُ الكناسة وتبكي وَذَلِكَ بِعَين أَيُّوب وهابت صَاحب الْحلَّة أَن تَأتيه فتسأل عَنهُ
فَأرْسل إِلَيْهَا أَيُّوب فَدَعَاهَا فَقَالَ: مَا تريدين يَا أمة الله فَبَكَتْ وَقَالَت: أُرِيد ذَلِك الْمُبْتَلى الَّذِي كَانَ ملقى على الكناسة لَا أَدْرِي أضاع أم مَا فعل قَالَ لَهُ [لَهَا] أَيُّوب: مَا كَانَ منكِ فَبَكَتْ وَقَالَ: بعلي فَهَل(5/658)
رَأَيْته فَقَالَ: وَهل تعرفيته إِذا رَأَيْته قَالَت: وَهل يخفى على أحد رَآهُ ثمَّ جعلت تنظر إِلَيْهِ ويعرّفها بِهِ ثمَّ قَالَت: أما إِنَّه كَانَ أشبه خلق الله بك إِذْ كَانَ صَحِيحا
قَالَ: فَإِنِّي أَيُّوب الَّذِي أَمرتنِي أَن أذبح للشَّيْطَان وَإِنِّي أَطَعْت الله وعصيت الشَّيْطَان ودعوت الله فرّد عَليّ مَا تَرين
ثمَّ إِن الله رَحمهَا لصبرها مَعَه على الْبلَاء فَأمره تَخْفِيفًا عَنْهَا أَن يَأْخُذ جمَاعَة من الشّجر فيضربها ضَرْبَة وَاحِدَة تَخْفِيفًا عَنْهَا بصبرها مَعَه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: لم يكن الَّذِي أصَاب أَيُّوب الجذام وَلكنه أَصَابَهُ أَشد من ذَلِك كَانَ يخرج فِي جسده مثل ثدي الْمَرْأَة ثمَّ يتفقأ
وَأخرج أَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: إِن كَانَت الدودة لتقع من جَسَد أَيُّوب فيأخذها إِلَى مَكَانهَا وَيَقُول: كلي من رزق الله
وَأخرج الحلكم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس أَن امْرَأَة أَيُّوب قَالَت لَهُ: وَالله قد نزل بِي من الْجهد والفاقة مَا إِن بِعْت قَرْني برغيف فأطعمتك وَإنَّك رجل مجاب الدعْوَة فَادع الله أَن يشفيك
فَقَالَ: وَيحك
كُنَّا فِي النعماء سبعين سنة فَنحْن فِي الْبلَاء سبع سِنِين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن عَسَاكِر عَن طَلْحَة بن مطرف قَالَ: قَالَ إِبْلِيس: مَا أصبت من أَيُّوب شَيْئا قطّ أفرح بِهِ إِلَّا أَنِّي كنت إِذا سَمِعت أنينه علمت أَنِّي أوجعته
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: أَن أول من أَصَابَهُ الجدري أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أَيُّوب لبث بِهِ بلاؤه ثَمَانِي عشرَة سنة فرفضه الْقَرِيب والبعيد إِلَّا رجلَيْنِ من إخوانه كَانَا من أخص إخوانه كَانَا يغدوان إِلَيْهِ ويروحان فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه ذَات يَوْم: تعلم وَالله لقد أذْنب أَيُّوب ذَنبا مَا أذنبه أحد
قَالَ: وَمَا ذَاك قَالَ: مُنْذُ ثَمَانِي عشرَة سنة لم يرحمه الله فَيكْشف عَنهُ مَا بِهِ
فَلَمَّا جَاءَ إِلَى أَيُّوب لم يصبر الرجل حَتَّى ذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ أَيُّوب: لَا أَدْرِي مَا تَقول غير أَن الله يعلم أَنِّي(5/659)
كنت أَمر بِالرجلَيْنِ يتباعدان يذكران الله فأرجع إِلَى بَيْتِي فأولف بَينهمَا كَرَاهَة أَن يذكر الله لَا فِي حق
وَكَانَ يخرج لِحَاجَتِهِ فَإِذا قضى حَاجته أَمْسَكت امْرَأَته بِيَدِهِ حَتَّى يبلغ فَلَمَّا كَانَ ذَات يَوْم أَبْطَأَ عَلَيْهَا فَأوحى الله إِلَى أَيُّوب فِي مَكَانَهُ أَن (اركض برجلك هَذَا مغتسل بَارِد وشراب) (ص آيَة 42) فاستبطأته فَأَتَتْهُ فَأقبل عَلَيْهَا قد أذهب الله مَا بِهِ من الْبلَاء وَهُوَ أحسن مَا كَانَ فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَت: أَي بَارك الله فِيك هَل رَأَيْت نَبِي الله الْمُبْتَلى وَالله على ذَاك مَا رَأَيْت رجلا أشبه بِهِ مِنْك إِذْ كَانَ صَحِيحا
قَالَ: فَإِنِّي أَنا هُوَ
قَالَ: وَكَانَ لَهُ أندران [الأندر هُوَ البيدر كَمَا فِي النِّهَايَة] اندر للقمح وأندر للشعير فَبعث الله سحابتين فَلَمَّا كَانَت إِحْدَاهمَا على أندر الْقَمْح أفرغت فِيهِ الذَّهَب حَتَّى فاض وأفرغت الْأُخْرَى فِي أندر الشّعير الْوَرق حَتَّى فاض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهله وَمثلهمْ مَعَهم} قَالَ: رد الله امْرَأَته وَزَاد فِي شبابها حَتَّى ولدت لَهُ سِتَّة وَعشْرين ذكرا وأهبط الله إِلَيْهِ ملكا فَقَالَ: يَا أَيُّوب رَبك يُقْرِئك السَّلَام بصبرك على الْبلَاء فَاخْرُج إِلَى أندرك [الأندر هُوَ البيدر كَمَا فِي النِّهَايَة]
فَبعث الله سَحَابَة حَمْرَاء فَهَبَطت عَلَيْهِ بجراد الذَّهَب وَالْملك قَائِم يجمعه فَكَانَت الْجَرَاد تذْهب فيتبعها حَتَّى يردهَا فِي أندره
قَالَ الْملك: يَا أَيُّوب أَو مَا تشبع من الدَّاخِل حَتَّى تتبع الْخَارِج فَقَالَ: إِن هَذِه بركَة من بَرَكَات رَبِّي وَلست أشْبع مِنْهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَينا أَيُّوب يغْتَسل عُريَانا خر عَلَيْهِ جَراد من ذهب فَجعل أَيُّوب يحثي فِي ثَوْبه فناداه ربه: يَا أَيُّوب ألم أكن أغنيتك عَمَّا ترى قَالَ: بلَى وَعزَّتك وَلَكِن لَا غنى لي عَن بركتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما عافى الله أَيُّوب أمطر عَلَيْهِ جَرَادًا من ذهب فَجعل يَأْخُذهُ بِيَدِهِ ويجعله فِي ثَوْبه فَقيل لَهُ: يَا أَيُّوب أما تشبع قَالَ: وَمن يشْبع من فضلك ورحمتك(5/660)
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَن أَيُّوب عَاشَ بعد ذَلِك سبعين سنة بِأَرْض الرّوم على دين الحنيفية وعَلى ذَلِك مَاتَ وتغيروا بعد ذَلِك وغيروا دين إِبْرَاهِيم كَمَا غَيره من كَانَ قبلهم
وَأخرج الْحَاكِم عَن وهب قَالَ: عَاشَ أَيُّوب ثَلَاثًا وَتِسْعين سنة وَأوصى عِنْد مَوته إِلَى ابْنه حرمل وَقد بعث الله بعده بشر بن أَيُّوب نَبيا وَسَماهُ ذَا الكفل وَكَانَ مُقيما بِالشَّام عمره حَتَّى مَاتَ ابْن خمس وَسبعين سنة وَأَن بشرا أوصى إِلَى ابْنه عَبْدَانِ ثمَّ بعث الله بعدهمْ شعيباً
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي عبد الله الجدلي قَالَ: كَانَ أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من جَار عينه تراني وَقَلبه يرعاني إِن رأى حَسَنَة أطفأها وَإِن رأى سَيِّئَة أذاعها
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد قَالَ: يُؤْتى بِثَلَاثَة يَوْم الْقِيَامَة: بالغني وَالْمَرِيض وَالْعَبْد الْمَمْلُوك فَيُقَال للغني: مَا مَنعك من عبادتي فَيَقُول: يَا رب أكثرت لي من المَال فطغيت
فَيُؤتى بِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فِي ملكه فَيَقُول: أَنْت كنت أَشد شغلاً من هَذَا فَيَقُول: لَا بل هَذَا
قَالَ: فَإِن هَذَا لم يمنعهُ ذَلِك أَن عبدني
ثمَّ يُؤْتى بالمريض فَيَقُول: مَا مَنعك من عبادتي فَيَقُول: شغلت على جَسَدِي فَيُؤتى بِأَيُّوب فِي ضره فَيَقُول: أَنْت كنت أشدا ضراً من هَذَا قَالَ: لَا بل هَذَا
قَالَ: فَإِن هَذَا لم يمنعهُ ذَلِك أَن عبدني
ثمَّ يُؤْتى بالمملوك فَيَقُول: مَا مَنعك من عبادتي فَيَقُول: يَا رب جعلت عَليّ أَرْبَابًا يملكونني
فَيُؤتى بِيُوسُف فِي عبوديته فَيَقُول: أَنْت كنت أَشد عبودية أم هَذَا قَالَ: لَا بل هَذَا قَالَ: فَإِن هَذَا لم يمنعهُ أَن عبدني
وَالله أعلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَذَا الكفل} قَالَ: رجل صَالح غير نَبِي تكفل لنَبِيّ قومه أَن يَكْفِيهِ أَمر قومه ويقيمهم لَهُ وَيَقْضِي بَينهم بِالْعَدْلِ فَفعل ذَلِك فَسُمي {وَذَا الكفل}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: لما كبر اليسع قَالَ: لَو أَنِّي اسْتخْلفت رجلا على النَّاس يعْمل عَلَيْهِم فِي حَياتِي حَتَّى أنظر كَيفَ يعْمل فَجمع(5/661)
النَّاس فَقَالَ: من يتكفل لي بِثَلَاث: أستخلفه يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَلَا يغْضب قَالَ: فَقَامَ رجل تزدريه الْعين فَقَالَ: أَنا
فَقَالَ: أَنْت تَصُوم النَّهَار وَتقوم اللَّيْل وَلَا تغْضب قَالَ: نعم
قَالَ: فردّه من ذَلِك الْيَوْم وَقَالَ مثلهَا فِي الْيَوْم الآخر فَسكت النَّاس وَقَامَ ذَلِك الرجل فَقَالَ: أَنا
فاستخلفه
قَالَ: فَجعل إِبْلِيس يَقُول للشياطين: عَلَيْكُم بفلان فأعياهم ذَلِك فَقَالَ: دَعونِي وإياه
فَأَتَاهُ فِي صُورَة شيخ كَبِير فَقير فَأَتَاهُ حِين أَخذ مضجعه للقائلة - وَكَانَ لَا ينَام من اللَّيْل وَالنَّهَار إِلَّا تِلْكَ النومة - فدق الْبَاب فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: شيخ كَبِير مظلزم
قَالَ: فَقَامَ فَفتح الْبَاب فَجعل يكثر عَلَيْهِ فَقَالَ: إِن بيني وَبَين قومِي خُصُومَة وَإِنَّهُم ظلموني وفعلوا بِي وفعلوا
وَجعل يطول عَلَيْهِ حَتَّى حَضَره وَقت الرواح وَذَهَبت القائلة وَقَالَ: إِذا رحت فائتني آخذ لَك بحقك
فَانْطَلق وَرَاح وَكَانَ فِي مَجْلِسه فَجعل ينظر هَل يرى الشَّيْخ الْكَبِير الْمَظْلُوم فَلم يره فَقَامَ يبغيه فَلَمَّا كَانَ الْغَد جعل يقْضِي بَين النَّاس فينتظره فَلَا يرَاهُ فَلَمَّا رَاح إِلَى بَيته جَاءَ فدق عَلَيْهِ الْبَاب فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: الشَّيْخ الْكَبِير الْمَظْلُوم فَفتح لَهُ فَقَالَ: ألم أقل لَك إِذا قعدت فائتني قَالَ: إِنَّهُم أَخبث قوم
قَالَ: إِذا رحت فائتني ففاتته القائلة فراح فَجعل ينظر وَلَا يرَاهُ وشق عَلَيْهِ النعاس فَلَمَّا كَانَ تِلْكَ السَّاعَة جَاءَ فَقَالَ لَهُ الرجل: مَا وَرَاءَك قَالَ: إِنِّي قد أَتَيْته أمس فَذكرت لَهُ أَمْرِي
فَقَالَ: لَا وَالله لقد أمرنَا أَن لَا يدع أحدا يقربهُ
فَلَمَّا أعياه نظر فَرَأى كوّة فِي الْبَيْت فتسوّر مِنْهَا فَإِذا هُوَ فِي الْبَيْت فَإِذا هُوَ يدق الْبَاب من دَاخل فَاسْتَيْقَظَ الرجل فَقَالَ: يَا فلَان ألم آمُرك قَالَ: من قبلي وَالله لم تؤت فَانْظُر من أَيْن أتيت
فَقَامَ إِلَى الْبَاب فَإِذا هُوَ مغلق كَمَا أغلقه وَإِذا بِرَجُل مَعَه فِي الْبَيْت فَعرفهُ فَقَالَ لَهُ: عَدو الله قَالَ: نعم أعييتني فِي كل شَيْء فَفعلت مَا ترى لأغضبك
فَسَماهُ الله {وَذَا الكفل} لِأَنَّهُ تكفل بِأَمْر فوفى بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قَاض فِي بني إِسْرَائِيل فحضره الْمَوْت فَقَالَ: من يقوم مقَامي على أَن لَا يغْضب فَقَالَ رجل: أَنا
فَسُمي {وَذَا الكفل} فَكَانَ ليله جَمِيعًا يُصَلِّي ثمَّ يصبح صَائِما فَيَقْضِي بَين النَّاس وَله سَاعَة يقيلها فَكَانَ بذلك فَأَتَاهُ الشَّيْطَان عِنْد نومته فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: مَا لَك قَالَ: إِنْسَان مِسْكين لَهُ على رجل حق قد غلبني عَلَيْهِ
فَقَالُوا: كَمَا أَنْت حَتَّى يَسْتَيْقِظ(5/662)
قَالَ وَهُوَ فَوق نَائِم: فَجعل يَصِيح عمدا حَتَّى يغضبه
فَسمع فَقَالَ: مَا لَك قَالَ: إِنْسَان مِسْكين لي على رجل حق
قَالَ: اذْهَبْ فَقل لَهُ يعطيك
قَالَ: قد أَبى
قَالَ: اذْهَبْ أَنْت إِلَيْهِ
فَذهب ثمَّ جَاءَ من الْغَد فَقَالَ: مَا لَك قَالَ: ذهبت إِلَيْهِ فَلم يرفع بكلامك رَأْسا
قَالَ: اذْهَبْ أَنْت إِلَيْهِ
فَذهب ثمَّ جَاءَ من الْغَد حِين قَالَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: أخرج فعل الله بك تَجِيء كل يَوْم حِين ينَام لَا تَدعه ينَام فَجعل يَصِيح: من أجل أَنِّي إِنْسَان مِسْكين لَو كنت غَنِيا
فَسمع أَيْضا قَالَ: مَا لَك قَالَ: ذهبت إِلَيْهِ فضربني
قَالَ: امش حَتَّى أجيء مَعَك فَهُوَ مُمْسك بِيَدِهِ فَلَمَّا رَآهُ ذهب مَعَه نثر يَده مِنْهُ فَذهب ففر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: قَالَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء لمن مَعَه: أَيّكُم يكفل لي أَن يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَلَا يغْضب وَيكون معي فِي درجتي وَيكون بعدِي فِي مقَامي قَالَ شَاب من الْقَوْم: أَنا
ثمَّ أعَاد فَقَالَ الشَّاب: أَنا ثمَّ أعَاد فَقَالَ الشَّاب أَنا ثمَّ أعَاد فَقَالَ الشَّاب أَنا فَلَمَّا مَاتَ قَامَ بعده فِي مقَامه فَأَتَاهُ إِبْلِيس بَعْدَمَا قَالَ ليغضبه يستعديه فَقَالَ لرجل: اذْهَبْ مَعَه
فجَاء فَأخْبرهُ أَنه لم ير شَيْئا ثمَّ أَتَاهُ فَأرْسل مَعَه آخر فَجَاءَهُ فَأخْبرهُ أَنه لم ير شَيْئا ثمَّ أَتَاهُ فَقَامَ مَعَه فَأخذ بِيَدِهِ فانفلت مِنْهُ فَسُمي {وَذَا الكفل} لِأَنَّهُ كفل أَن لَا يغْضب
وَأخرج ابْن سعيد النقاش فِي كتاب الْقُضَاة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ نَبِي جمع أمته فَقَالَ: أَيّكُم يتكفل لي بِالْقضَاءِ بَين أمتِي على أَن لَا يغْضب فَقَامَ فَتى فَقَالَ: أَنا يَا رَسُول الله ثمَّ عَاد فَقَالَ الْفَتى أَنا ثمَّ قَالَ لَهُم الثَّالِثَة أَيّكُم يتكفل لي بِالْقضَاءِ بَين النَّاس على أَن لَا يغْضب فَقَالَ الْفَتى أَنا فاستخلفه فَأَتَاهُ الشَّيْطَان بعد حِين وَكَانَ يقْضِي حَتَّى إِذا انتصف النَّهَار ثمَّ رَجَعَ ثمَّ رَاح النَّاس فَأَتَاهُ الشَّيْطَان نصف النَّهَار وَهُوَ نَائِم فناداه حَتَّى أيقظه فاستعداه فَقَالَ: إِن كتابك رده وَلم يرفع بِهِ رَأْسا ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا فَأخذ الرجل بِيَدِهِ ثمَّ مَشى مَعَه سَاعَة فَلَمَّا رأى الشَّيْطَان ذَلِك نزع يَده من يَده ثمَّ فر فَسُمي {وَذَا الكفل}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن حجيرة الْأَكْبَر أَنه بلغه أَنه كَانَ ملك من مُلُوك بني إِسْرَائِيل عتى فِي ملكه فَلَمَّا حَضرته الْوَفَاة أَتَاهُ رؤوسهم فَقَالُوا: اسْتخْلف علينا ملكا نفزع إِلَيْهِ
فَجمع إِلَيْهِ رؤوسهم فَقَالَ: من رجل تكفل لي بِثَلَاث وأوليه(5/663)
ملكي فَلم يتَكَلَّم إِلَّا فَتى من الْقَوْم قَالَ أَنا
قَالَ: اجْلِسْ
ثمَّ قَالَهَا ثَانِيَة فَلم يتَكَلَّم أحد إِلَّا الْفَتى قَالَ: تكفل لي بِثَلَاث وأوليك ملكي قَالَ: نعم
قَالَ: تقوم اللَّيْل فَلَا ترقد وتصوم النَّهَار فَلَا تفطر وتحكم فَلَا تغْضب
قَالَ: نعم
قَالَ: قد وليتك ملكي فَلَمَّا أَن كَانَ مَكَانَهُ قَامَ اللَّيْل وَصَامَ النَّهَار وَحكم فَلَا يعجل وَلَا يغْضب يَغْدُو فيجلس لَهُم فتمثل لَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة رجل فَأَتَاهُ وَقد تحين مقِيله فَقَالَ: أعدني على رجل ظَلَمَنِي
فَأرْسل مَعَه رَسُولا فَجعل يطوف بِهِ وَذُو الكفل ينظره حَتَّى فَاتَتْهُ رقدته ثمَّ انْسَلَّ من وسط النَّاس فَأَتَاهُ رَسُول فَأخْبرهُ فراح للنَّاس فَجَلَسَ لَهُم فَقَالَ الشَّيْطَان: لَعَلَّه يرقد اللَّيْل وَلم يصم النَّهَار فَلَمَّا أَمْسَى صلى صلَاته الَّتِي كَانَ يُصَلِّي ثمَّ أَتَاهُ الْغَد وَقد تحين مقِيله فَقَالَ: أعدني على صَاحِبي
فَأرْسل مَعَه وانتظره وتبطأ حَتَّى فَاتَ ذُو الكفل رقدته ثمَّ أَتَاهُ الرَّسُول فَأخْبرهُ فراح وَلم ينم فَقَالَ الشَّيْطَان: اللَّيْلَة يرقد
فأمسى يُصَلِّي صلَاته كَمَا كَانَ يُصَلِّي
ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: قد صنعت بِهِ مَا صنعت لَعَلَّه يغْضب
قَالَ: أعدني على صَاحِبي
فَقَالَ: ألم أرسل مَعَك رَسُولا قَالَ: بلَى
وَلَكِن لم أَجِدهُ
فَقَالَ لَهُ ذُو الكفل: انْطلق فَأَنا ذَاهِب مَعَك
فَانْطَلق فَطَافَ بِهِ ثمَّ قَالَ لَهُ: أَتَدْرِي من أَنا قَالَ: لَا
قَالَ: أَنا الشَّيْطَان كنت تكفلت لصاحبك بِأَمْر فَأَرَدْت أَن تدع بعضه وَإِن الله قد عصمك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كَانَ ذُو الكفل بِنَبِي وَلَكِن كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل صَالح يُصَلِّي كل يَوْم مائَة صَلَاة فَتوفي فتكل لَهُ ذُو الكفل من بعده
فَكَانَ يُصَلِّي كل يَوْم مائَة صَلَاة فَسُمي ذَا الكفل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق سعيد مولى طَلْحَة عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ ذُو الكفل من بني إِسْرَائِيل لَا يتورع من ذَنْب عمله فَأَتَتْهُ امْرَأَة فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارا على أَن يَطَأهَا فَلَمَّا قعد مِنْهَا مقْعد الرجل من امْرَأَته أرعدت وبكت
فَقَالَ: مَا يبكيك أكرهتك
قَالَت: لَا وَلكنه عمل مَا عملته قطّ وَمَا حَملَنِي عَلَيْهِ إِلَّا الْحَاجة
فَقَالَ: تفعلين أَنْت هَذَا وَمَا فعلته اذهبي فَهِيَ لَك
وَقَالَ: وَالله لَا أعصي الله بعْدهَا أبدا
فَمَاتَ من ليلته فَأصْبح مَكْتُوبًا على بَابه: إِن الله قد غفر لذِي الكفل(5/664)
وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عَمْرو: قَالَ فِيهِ ذُو الكفل
الْآيَة 87 - 88(5/665)
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
أخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضباً} يَقُول: غضب على قومه {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} يَقُول: أَن لن نقضي عَلَيْهِ عُقُوبَة وَلَا بلَاء فِيمَا صنع بقَوْمه فِي غَضَبه عَلَيْهِم وفراره
قَالَ: وعقوبته أَخذ النُّون إِيَّاه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضباً} قَالَ: مغاضباً لِقَوْمِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن قيس قَالَ: كَانَت تكون أَنْبيَاء جَمِيعًا يكون عَلَيْهِم وَاحِد فَكَانَ يُوحى إِلَى ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أرسل فلَان إِلَى بني فلَان فَقَالَ الله: {إِذْ ذهب مغاضباً} قَالَ: مغاضباً لذَلِك النَّبِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَ: ظن أَن لن يَأْخُذهُ الْعَذَاب الَّذِي أَصَابَهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذْ ذهب مغاضباً} قَالَ: انْطلق آبقا {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} فَكَانَ لَهُ سلف من عمل صَالح فَلم يَدعه الله فبه أدْركهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَ: ظن أَن لن نعاقبه بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَ: أَن لن نقضي عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ}(5/665)
يَقُول: ظن أَن الله لن يقْضِي عَلَيْهِ عُقُوبَة وَلَا بلَاء فِي غَضَبه الَّذِي غضب على قومه فِرَاقه إيَّاهُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: لما الْتَقم الْحُوت يُونُس نبذ بِهِ إِلَى قَرَار الأَرْض فَسمع تَسْبِيح الأَرْض فَذَاك الَّذِي حاجه فناداه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَ: ظن أَن لن نعاقبه {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} قَالَ: ظلمَة اللَّيْل وظلمة الْبَحْر وظلمة بطن الْحُوت {أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} قَالَ الْمَلَائِكَة: صَوت مَعْرُوف فِي أَرض غَرِيبَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة والكلبي {فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} قَالَا: ظن أَن لن نقضي عَلَيْهِ الْعقُوبَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} قَالَ: ظلمَة اللَّيْل وظلمة الْبَحْر وظلمة بطن الْحُوت
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب وَعَمْرو بن مَيْمُون وَقَتَادَة مثله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْفرج بعد الشدَّة وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} قَالَ: ظلمَة اللَّيْل وظلمة بطن الْحُوت وظلمة الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: أوحى الله تَعَالَى إِلَى الْحُوت أَن: لَا تضر لَهُ لَحْمًا وَلَا عظما ثمَّ ابتلع الْحُوت حوت آخر قَالَ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَات} قَالَ: ظلمَة الْحُوت ثمَّ حوت ثمَّ ظلمَة الْبَحْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: كل تَسْبِيح فِي الْقُرْآن صَلَاة إِلَّا قَوْله: {سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين}
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ يَوْمًا: إِنِّي قد ضربتني أمواج الْقُرْآن البارحة فِي آيَتَيْنِ لم أعرف تأويلهما فَفَزِعت إِلَيْك
قَالَ: وَمَا هما قَالَ: قَول الله: {وَذَا النُّون إِذْ ذهب مغاضبا فَظن أَن لن نقدر عَلَيْهِ} وَأَنه يفوتهُ إِن أَرَادَهُ وَقَول الله:(5/666)
(حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا) (يُوسُف آيَة 110) كَيفَ هَذَا يظنون أَنه قد كذبهمْ مَا وعدهم فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أما يُونُس فَظن أَن لن تبلغ خطيئته أَن يقدر الله عَلَيْهِ فِيهَا الْعقَاب وَلم يشك أَن الله إِن أَرَادَهُ قدر عَلَيْهِ
وَأما الْآيَة الْأُخْرَى فَإِن الرُّسُل استيأسوا من إِيمَان قَومهمْ وظنوا أَن من عصاهم لرضا فِي الْعَلَانِيَة قد كذبهمْ فِي السِّرّ وَذَلِكَ لطول الْبلَاء وَلم تستيئس الرُّسُل من نصر الله وَلم يَظُنُّوا أَنهم كذبهمْ مَا وعدهم
فَقَالَ مُعَاوِيَة: فرجت عني با ابْن عَبَّاس فرج الله عَنْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم ن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما دَعَا يُونُس قومه أوحى الله إِلَيْهِ أَن الْعَذَاب يصبحهم فَقَالَ لَهُم فَقَالُوا: مَا كذب يُونُس وليصبحنا الْعَذَاب فتعالوا حَتَّى نخرج سخال كل شَيْء فنجعلها من أَوْلَادنَا لَعَلَّ الله أَن يرحمهم
فأخرجوا النِّسَاء مَعَ الْولدَان وأخرجوا الْإِبِل مَعَ فصلانها وأخرجوا الْبَقر مَعَ عجاجيلها وأخرجوا الْغنم مَعَ سخالها فجعلوه أمامهم وَأَقْبل الْعَذَاب
فَلَمَّا رَأَوْهُ جأروا إِلَى الله ودعوا وَبكى النِّسَاء والولدان ورغت الإِبل وفصلانها وخارت الْبَقر وعجاجيلها وثغت الْغنم وسخالها فَرَحِمهمْ الله فصرف ذَلِك الْعَذَاب عَنْهُم وَغَضب يُونُس فَقَالَ: كذبت فَهُوَ قَوْله: {إِذْ ذهب مغاضباً} فَمضى إِلَى الْبَحْر وَقوم رست سفينتهم فَقَالَ: احْمِلُونِي مَعكُمْ فَحَمَلُوهُ فَأخْرج الْجعل فَأَبَوا أَن يقبلوه مِنْهُ فَقَالَ: إِذا أخرج عَنْكُم
فقبلوه فَلَمَّا لجت السَّفِينَة فِي الْبَحْر أَخذهم الْبَحْر والأمواج فَقَالَ لَهُم يُونُس: اطرحوني تنجوا
قَالُوا: بل نمسكك ننجو
قَالَ: فساهموني - يَعْنِي قارعوني - فساهموه ثَلَاثًا فَوَقَعت عَلَيْهِ الْقرعَة فَأوحى إِلَى سَمَكَة يُقَال لَهَا النَّجْم من الْبَحْر الْأَخْضَر أَن شقي الْبحار حَتَّى تأخذي يُونُس فَلَيْسَ يُونُس لَك رزقا وَلَكِن بَطْنك لَهُ سجن فَلَا تخدشي لَهُ جلدا وَلَا تكسري لَهُ عظما فَجَاءَت حَتَّى اسْتقْبلت السَّفِينَة فقارعوه الثَّالِثَة فَوَقَعت عَلَيْهِ فاقتحم المَاء فالتقمته السَّمَكَة فشقت بِهِ الْبحار حَتَّى انْتَهَت بِهِ إِلَى الْبَحْر الْأَخْضَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما الْتَقم الْحُوت يُونُس ذهب بِهِ حَتَّى أوقفهُ بِالْأَرْضِ السَّابِعَة فَسمع تَسْبِيح الأَرْض(5/667)
فهيجه على التَّسْبِيح فَقَالَ: {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} فَأَخْرَجته حَتَّى ألقته على الأَرْض بِلَا شعر وَلَا ظفر مثل الصَّبِي المنفوس فأنبتت عَلَيْهِ شَجَرَة تظله وَيَأْكُل من تحتهَا من حشرات الأَرْض فَبينا هُوَ نَائِم تحتهَا إِذْ تساقط وَرقهَا قد يَبِسَتْ
فَشَكا ذَلِك إِلَى ربه فَقَالَ: تحزن على شَجَرَة يَبِسَتْ وَلَا تحزن على مائَة ألف أَو يزِيدُونَ يُعَذبُونَ وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْفرج وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَفعه: أَن يُونُس حِين بدا لَهُ أَن يَدْعُو الله بالكلمات حِين ناداه فِي بطن الْحُوت قَالَ: اللَّهُمَّ {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} فَأَقْبَلت الدعْوَة تحف بالعرش فَقَالَت الْمَلَائِكَة: هَذَا صَوت ضَعِيف مَعْرُوف فِي بِلَاد غَرِيبَة فَقَالَ: أما تعرفُون ذَلِك قَالَ: يَا رب وَمَا هُوَ قَالَ: ذَاك عَبدِي يُونُس
قَالُوا: عَبدك يُونُس الَّذِي لم يزل يرفع لَهُ عمل متقبل وَدعوهُ مجابة قَالَ: نعم
قَالُوا: يَا رب أَفلا ترحم مَا كَانَ يصنع فِي الرخَاء فتنجيه من الْبلَاء قَالَ: بلَى
فَأمر الْحُوت فطرحه بالعراء فأنبت الله عَلَيْهِ اليقطينة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا: لَيْسَ لعبد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى سبح الله فِي الظُّلُمَات
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ والحكيم فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: دَعْوَة ذِي النُّون إِذْ هُوَ فِي بطن الْحُوت {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} لم يدع بهَا مُسلم ربه فِي شَيْء قطّ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعد رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اسْم الله الَّذِي دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى دَعْوَة يُونُس بن مَتى
قلت: يَا رَسُول الله هِيَ ليونس خَاصَّة أم لجَماعَة الْمُسلمين قَالَ: هِيَ ليونس خَاصَّة وَلِلْمُؤْمنِينَ إِذا دعوا بهَا ألم تسمع قَول الله: {وَكَذَلِكَ ننجي الْمُؤمنِينَ} فَهُوَ شَرط من الله لمن دَعَاهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والدبلمي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(5/668)
قَالَ: هَذِه الْآيَة مفزع للأنبياء {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} نَادَى بهَا يُونُس فِي ظلمَة بطن الْحُوت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب وَإِذا سُئِلَ بِهِ أعْطى {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين}
وَأخرج الْحَاكِم عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَل أدلكم على اسْم الله الْأَعْظَم دُعَاء يُونُس {لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ إِنِّي كنت من الظَّالِمين} فأيما مُسلم دَعَا ربه بِهِ فِي مَرضه أَرْبَعِينَ مرّة فَمَاتَ فِي مَرضه ذَلِك أعطي أجر شَهِيد
وَإِن برأَ برأَ مغفوراً لَهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَالَ أَنا خير من يُونُس بن مَتى فقد كذب
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على ثنية فَقَالَ: مَا هَذِه قَالُوا: ثنية كَذَا وَكَذَا
قَالَ: كَأَنِّي أنظر إِلَى يُونُس على نَاقَة خطامها لِيف وَعَلِيهِ جُبَّة من صوف وَهُوَ يَقُول: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى - نِسْبَة إِلَى أَبِيه - أصَاب ذَنبا ثمَّ اجتباه ربه
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَقُولَن أحدكُم أَنا خير من يُونُس بن مَتى
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يَقُول أَنا خير من يُونُس بن مَتى
وَالله أعلم
الْآيَة 89 - 90(5/669)
وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَ فِي لِسَان امْرَأَة زَكَرِيَّا طول فأصلحه الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق وَابْن عَسَاكِر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَ فِي خلقهَا سوء وَفِي لسانها طول - وَهُوَ الْبذاء - فَأصْلح الله ذَلِك مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَ فِي خلقهَا شَيْء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَت لَا تَلد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَت لَا تَلد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: وهبنا لَهُ ولدا مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وأصلحنا لَهُ زوجه} قَالَ: كَانَت عاقراً فَجَعلهَا الله ولوداً ووهب لَهُ مِنْهَا يحيى
وَفِي قَوْله: {وَكَانُوا لنا خاشعين} قَالَ: أذلاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ويدعوننا رغباً ورهباً} قَالَ: {رغباً} طَمَعا وخوفاً وَلَيْسَ يَنْبَغِي لأَحَدهمَا أَن يُفَارق الآخر
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن الْحسن فِي قَوْله: {ويدعوننا رغباً ورهباً وَكَانُوا لنا خاشعين} قَالَ: الْخَوْف الدَّائِم فِي الْقلب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله: {ويدعوننا رغباً ورهباً} قَالَ: مَا دَامَ خوفهم رَبهم فَلم يُفَارق خَوفه قُلُوبهم إِن نزلت بهم رَغْبَة خَافُوا أَن يكون ذَلِك استدراجاً من الله لَهُم وَإِن نزلت بهم رهبة خَافُوا أَن يكون الله عز وَجل قد أَمر بأخذهم لبَعض مَا سلف مِنْهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول(5/670)
الله عز وَجل: {ويدعوننا رغبا ورهبا} قَالَ: {ورهبا} هَكَذَا وَبسط كفيه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن حَكِيم قَالَ: خَطَبنَا أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد فَإِنِّي أوصيكم بتقوى الله وَأَن تثنوا عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أهل وَأَن تخلطوا الرَّغْبَة بالرهبة فَإِن الله أثنى على زَكَرِيَّا وَأهل بَيته فَقَالَ: {إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات ويدعوننا رغباً ورهباً وَكَانُوا لنا خاشعين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَكَانُوا لنا خاشعين} قَالَ: متواضعين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك {وَكَانُوا لنا خاشعين} قَالَ: الذلة لله
الْآيَة 91(5/671)
وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (91)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كتب قَيْصر إِلَى مُعَاوِيَة: سَلام عَلَيْك أما بعد
فأنبئني بأكرم عباد الله عَلَيْهِ وَأكْرم إمائه عَلَيْهِ
فَكتب إِلَيْهِ: أما بعد
كتبت إِلَيّ تَسْأَلنِي فَقلت: أمّا أكْرم عباده عَلَيْهِ فآدم خلقه بِيَدِهِ وعلّمه الْأَسْمَاء كلهَا
وأمّا أكْرم إمائه عَلَيْهِ فمريم بنت عمرَان {الَّتِي أحصنت فرجهَا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فنفخنا فِيهَا من رُوحنَا} قَالَ: نفخ فِي جيبها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: نفخ فِي فرجهَا
الْآيَة 92 - 95(5/671)
إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} قَالَ: إِن هَذَا دينكُمْ دينا وَاحِدًا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} أَي دينكُمْ دين وَاحِد وربكم وَاحِد والشريعة مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد بن حميدعن الْكَلْبِيّ {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} قَالَ: لسانكم لِسَان وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وتقطعوا أَمرهم بَينهم} قَالَ: {وتقطعوا} اخْتلفُوا فِي الدّين
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ وَحرَام على قَرْيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن الزبير قَالَ: إِن صبياناً هَهُنَا يقرؤون وَحرم على قَرْيَة وَإِنَّمَا هِيَ {وَحرَام على قَرْيَة}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ {وَحرَام على قَرْيَة} بِالْألف
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها} قَالَ: وَجب إهلاكها
قَالَ: دمرناها {أَنهم لَا يرجعُونَ} قَالَ: إِلَى الدُّنْيَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وَحرم على قَرْيَة قَالَ: وَجب على قَرْيَة {أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ} كَمَا قَالَ: (ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ) (يس آيَة 31)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف وَحرم على قَرْيَة فَقيل لسَعِيد: أَي شَيْء حرم قَالَ: يحرم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة وَحرم قَالَ: وَجب {على قَرْيَة أهلكناها} قَالَ: كتبنَا عَلَيْهَا الْهَلَاك فِي دينهَا {أَنهم لَا يرجعُونَ} عَمَّا هم عَلَيْهِ(5/672)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة وَحرم قَالَ: وَجب بالحبشية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَحرَام على قَرْيَة} أَي وَجب عَلَيْهَا أَنَّهَا إِذا أهلكت لَا ترجع إِلَى دنياها
الْآيَة 96 - 97(5/673)
حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)
أخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {حَتَّى إِذا فتحت} خَفِيفَة {يَأْجُوج وَمَأْجُوج} مَهْمُوزَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: جَمِيع النَّاس من كَانَ مَكَان جاؤوا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ حدب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: من كل أكمة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من كل حدب} قَالَ: شرف {يَنْسلونَ} قَالَ: يقبلُونَ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: ينشرون من جَوف الأَرْض من كل نَاحيَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت طرفَة وَهُوَ يَقُول: فَأَما يومهم فَيوم سوء تخطفهن بالحدب الصقور وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج} قَالَ: هَذَا مُبْتَدأ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ من كل جدث بِالْجِيم والثاء مثل قَوْله: {فَإِذا هم من الأجداث إِلَى رَبهم يَنْسلونَ} (يس آيَة 51) وَهِي الْقُبُور
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: سَمِعت رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:(5/673)
يفتح يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَيخْرجُونَ على النَّاس كَمَا قَالَ الله: {من كل حدب يَنْسلونَ} فيغشون النَّاس وينحاز الْمُسلمُونَ عَنْهُم إِلَى مدائنهم وحصونهم ويضمون إِلَيْهِم مَوَاشِيهمْ وَيَشْرَبُونَ مياه الأَرْض حَتَّى يَتْرُكُوهُ يبساً حَتَّى إِن بَعضهم ليمر بذلك النَّهر فَيَقُول: قد كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء
حَتَّى إِذا لم يبْق من النَّاس أحد إِلَّا أَخذ فِي حصن أَو مَدِينَة قَالَ قَائِلهمْ: هَؤُلَاءِ أهل الأَرْض قد فَرغْنَا مِنْهُم وَبَقِي أهل السَّمَاء
قَالَ: يهز أحدهم حربته ثمَّ يَرْمِي بهَا إِلَى السَّمَاء فترجع إِلَيْهِ مخضبة دَمًا للبلاء والفتنة فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله دوداً فِي أَعْنَاقهم كنغف الْجَرَاد يخرج فِي أعناقه فيصبحون موتى لَا يسمع لَهُم حس فَيَقُول الْمُسلمُونَ: أَلا رجل يشري لنا نَفسه فَينْظر مَا فعل هَؤُلَاءِ الْعَدو فيتجرد رجل مِنْهُم محتسباً نَفسه قد أوطنها على أَنه مقتول فَينزل فيجدهم موتى بَعضهم على بعض فينادي معشر الْمُسلمين أَبْشِرُوا إِن الله قد كفاكم عَدوكُمْ
فَيخْرجُونَ من مدائنهم وحصونهم ويسرحون مَوَاشِيهمْ فَمَا يكون لَهَا مرعى إِلَّا لحومهم فتشكر عَنهُ أحسن مَا شكرت عَن شَيْء من النَّبَات أَصَابَته قطّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لقِيت لَيْلَة أسرِي بِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فتذاكروا أَمر السَّاعَة فَردُّوا أَمرهم إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالَ: لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى مُوسَى فَقَالَ: لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى عِيسَى فَقَالَ: أما وجبتهُّا فَلَا يعلم بهَا أحد إِلَّا الله وَفِيمَا عهد إليّ رَبِّي أَن الدَّجَّال خَارج وَمَعِي قضيبان فَإِذا رَآنِي ذاب كَمَا يذوب الرصاص فيهلكه الله إِذا رَآنِي حَتَّى أَن الْحجر وَالشَّجر يَقُول: يَا مُسلم إِن تحتي كَافِرًا فتعال فاقتله
فيهلكهم الله ثمَّ يرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ لَا يأْتونَ على شَيْء إِلَّا أهلكوه وَلَا يَمرونَ على مَاء إِلَّا شربوه ثمَّ يرجع النَّاس يَشْكُونَهُمْ فأدعو الله عَلَيْهِم فيهلكهم ويميتهم حَتَّى تجْرِي الأَرْض من نَتن ريحهم وَينزل الله الْمَطَر فيجترف أَجْسَادهم حَتَّى يقذفهم فِي الْبَحْر
وَفِيمَا عهد إِلَيّ رَبِّي إِذا كَانَ ذَلِك أَن السَّاعَة كالحامل المتم لَا يدْرِي أَهلهَا مَتى تفجأهم بولادتها لَيْلًا أَو نَهَارا
قَالَ ابْن مَسْعُود: فَوجدت تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله: {حَتَّى إِذا فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ واقترب الْوَعْد الْحق} الْآيَة
قَالَ:(5/674)
جَمِيع النَّاس من مَكَان كَانُوا جاؤوا مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة فَهُوَ حدب
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق خَالِد بن عبد الله بن حَرْمَلَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: خطب رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عاصب أُصْبُعه من لدغة عقرب فَقَالَ: إِنَّكُم تَقولُونَ لَا عدوّ لكم وَإِنَّكُمْ لَا تزالون تقاتلون عدوا حَتَّى يَأْتِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج عراض الْوُجُوه صغَار الْعُيُون صهب الشفار من كل حدب يَنْسلونَ
كَانَ وُجُوههم المجان المطرقة
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن أبي يزِيد قَالَ: رأى ابْن عَبَّاس صبياناً ينزو بَعضهم على بعض يَلْعَبُونَ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَكَذَا يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن النّواس بن سمْعَان قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم الدَّجَّال ذَات غَدَاة فخفض فِيهِ رفع حَتَّى ظننا أَنه فِي نَاحيَة النّخل فَقَالَ: غير الدَّجَّال أخوفني عَلَيْكُم فَإِن خرج وَأَنا فِيكُم فَأَنا حجيجه دونكم وَإِن يخرج وَلست فِيكُم فَكل امْرِئ حجيج نَفسه وَالله خليفتي على كل مُسلم
إِنَّه شَاب جعد قطط عينه طافئة وَإنَّهُ تخرج خيله بَين الشَّام وَالْعراق فعاث يَمِينا وَشمَالًا يَا عباد الله اثبتوا: قُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا لبثه فِي الأَرْض قَالَ: أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْم كَسنة وَيَوْم كشهر وَيَوْم كجمعة وَسَائِر الْأَيَّام كأيامكم
قُلْنَا: يَا رَسُول الله فَذَلِك الْيَوْم الَّذِي هُوَ كَسنة أتكفينا فِيهِ صَلَاة يَوْم وَلَيْلَة قَالَ: لَا
أقدروا لَهُ قدره
قُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا أسرعه فِي الأَرْض قَالَ: كالغيث يشْتَد بِهِ الرّيح فيمر بالحي فيدعوهم فيستجيبون لَهُ فيأمر السَّمَاء فتمطر وَالْأَرْض فتنبت وَتَروح عَلَيْهِم سارحتهم وَهِي أطول مَا كَانَ درا وأمده خواصر وأشبعه ضروعاً ويمرّ بالحي فيدعوهم فيردون عَلَيْهِ قَوْله فتتبعه أَمْوَالهم فيصبحون ممحلين لَيْسَ لَهُم من أَمْوَالهم شَيْء ويمر بالخربة فَيَقُول لَهَا: أَخْرِجِي كنوزك
فتتبعه كنوزها كيعاسيب النَّحْل وَيَأْمُر بِرَجُل فَيقْتل فيضربه ضَرْبَة بِالسَّيْفِ فيقطعه جزلتين رمية الْغَرَض ثمَّ يَدعُوهُ فَيقبل إِلَيْهِ
فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله الْمَسِيح ابْن مَرْيَم فَينزل عِنْد المنارة الْبَيْضَاء شَرْقي دمشق بَين مهرودتين وَاضِعا يَده على أَجْنِحَة ملكَيْنِ فيتبعه فيدركه فيقتله عِنْد بَاب لدّ الشَّرْقِي فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك أوحى الله إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم: أَنِّي قد أخرجت عباداً(5/675)
من عبَادي لَا يدان لَك بقتالهم فحرز عبَادي إِلَى الطّور
فيبعث الله يَأْجُوج وَمَأْجُوج كَمَا قَالَ الله: {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} فيرغب عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الله فَيُرْسل عَلَيْهِم نغفاً فِي رقابهم فيصبحون موتى كموت نفس وَاحِدَة فيهبط عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الأَرْض فيجدون نَتن ريحهم فيرغب عِيسَى وَأَصْحَابه إِلَى الله فَيُرْسل الله عَلَيْهِم طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حَيْثُ شَاءَ الله وَيُرْسل الله مَطَرا لَا يكن مِنْهُ بَيت مدر وَلَا بر أَرْبَعِينَ يَوْمًا فتغسل الأَرْض حَتَّى تتركها زلفة وَيُقَال للْأَرْض: أنبتي ثمرتك فَيَوْمئِذٍ يَأْكُل النَّفر من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك فِي الرُّسُل حَتَّى أَن اللقحة من الْإِبِل لتكفي الفئام من النَّاس واللقحة من الْبَقر تَكْفِي الْفَخْذ وَالشَّاة من الْغنم تَكْفِي الْبَيْت فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ بعث الله ريحًا طيبَة تَحت آباطهم فتقبض روح كل مُسلم وَيبقى شرار النَّاس يتهارجون تهارج الْحمر وَعَلَيْهِم تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو نتجت فرس عِنْد خُرُوجهمْ مَا ركب فلوها حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول الْآيَات: الدَّجَّال ونزول عِيسَى ونار تخرج من قَعْر عدن تَسوق النَّاس إِلَى الْمَحْشَر تقيل مَعَهم إِذا قَالُوا وتبيت مَعَهم إِذا باتوا وَالدُّخَان وَالدَّابَّة ويأجوج وَمَأْجُوج
قَالَ حُذَيْفَة: قلت: يَا رَسُول الله مَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج قَالَ: يَأْجُوج وَمَأْجُوج أُمَم كل أمة أَرْبَعمِائَة ألف أمة
لَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى يرى ألف عين تَطوف بَين يَدَيْهِ من صلبه وهم ولد آدم فيسيرون إِلَى خراب الدُّنْيَا وَيكون مقدمتهم بِالشَّام وساقتهم بالعراق فيمرون بأنهار الدُّنْيَا فيشربون الْفُرَات ودجلة وبحيرة طبرية حَتَّى يأْتونَ بَيت الْمُقَدّس فَيَقُولُونَ: قد قتلنَا أهل الدُّنْيَا فَقَاتلُوا من فِي السَّمَاء فيرمون بالنشاب إِلَى السَّمَاء فترجع نشابتهم مخضبة بِالدَّمِ فَيَقُولُونَ: قد قتلنَا من فِي السَّمَاء
وَعِيسَى والمسلمون بجبل طور سينين فَيُوحِي الله إِلَى عِيسَى: أَن أحرز عبَادي بِالطورِ وَمَا يَلِي أَيْلَة ثمَّ إِن عِيسَى يرفع يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء ويؤمن الْمُسلمُونَ فيبعث الله عَلَيْهِم دَابَّة يُقَال لَهَا النغف
تدخل فِي مناخرهم فيصبحون موتى من حاق الشَّام إِلَى حاق الْمشرق حَتَّى تنتن الأَرْض من جيفهم وَيَأْمُر الله السَّمَاء فتمطر كأفواه الْقرب فتغسل الأَرْض من جيفهم ونتنهم فَعِنْدَ ذَلِك طُلُوع الشَّمْس من مغْرِبهَا(5/676)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فيموجون فِي الأَرْض فيفسدون فِيهَا
ثمَّ قَرَأَ ابْن مَسْعُود {وهم من كل حدب يَنْسلونَ} قَالَ: ثمَّ يبْعَث الله عَلَيْهِم دَابَّة مثل النغف فتلج فِي أسماعهم ومناخرهم فيموتون مِنْهَا فتنتن الأَرْض مِنْهُم فَيُرْسل الله مَاء فيطهر الأَرْض مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطِيَّة قَالَ: قَالَ أَبُو سعيد: يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَلَا يتركون أحدا إِلَّا قَتَلُوهُ إِلَّا أهل الْحُصُون فيمرون على الْبحيرَة فيشربونها فيمر الْمَار فَيَقُول: كَأَنَّهُ كَانَ هَهُنَا مَاء فيبعث الله عَلَيْهِم النغف حَتَّى يكسر أَعْنَاقهم فيصيروا خبالاً فَيَقُول أهل الْحُصُون: لقد هلك أَعدَاء الله
فيرسلون رجلا لينْظر ويشرط عَلَيْهِم إِن وجدهم أَحيَاء أَن يرفعوه فيجدهم قد هَلَكُوا
فَينزل الله مَاء من السَّمَاء فيقذف بهم فِي الْبَحْر فَتطهر الأَرْض مِنْهُم ويغرس النَّاس بعدهمْ الشّجر وَالنَّخْل وَتخرج الأَرْض ثَمَرهَا كَمَا كَانَت تخرج فِي زمن يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب قَالَ: إِذا كَانَ عِنْد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج حفروا حَتَّى يسمع الَّذِي يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل قَالُوا: نجي غَدا نخرج
فيعيده الله كَمَا كَانَ فيجيئون غَدا فيحفرون حَتَّى يسمع الَّذين يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل قَالُوا: نجي فنخرج فيجيئون من الْغَد فيجدونه قد أَعَادَهُ الله تَعَالَى كَمَا كَانَ فيحفرونه حَتَّى يسمع الَّذين يَلُونَهُمْ قرع فؤوسهم فَإِذا كَانَ اللَّيْل ألْقى الله على لِسَان رجل مِنْهُم يَقُول: نجيء غَدا فنخرج إِن شَاءَ الله
فيجيئون من الْغَد فيجدونه كَمَا تَرَكُوهُ فيخرقون ثمَّ يخرجُون فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ثمَّ تمر الزمرة الثَّانِيَة فيلحسون طينها ثمَّ تمر الزمرة الثَّالِثَة فَيَقُولُونَ: كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء
ويفر النَّاس مِنْهُم وَلَا يقوم لَهُم شَيْء ويرمون بسهامهم إِلَى السَّمَاء فترجع مخضبة بالدماء فَيَقُولُونَ: غلبنا أهل الأَرْض وَأهل السَّمَاء فيدعو عَلَيْهِم عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: اللَّهُمَّ لَا طَاقَة وَلَا يَد لنا بهم فاكفناهم بِمَا شِئْت
فَيُرْسل الله عَلَيْهِم دوداً يُقَال لَهُ: النغف فتقرس رقابهم وَيبْعَث الله عَلَيْهِم طيراً فتأخذهم بمناقيرها فتلقيهم فِي الْبَحْر وَيبْعَث الله تَعَالَى عينا يُقَال لَهَا الْحَيَاة تطهر الأَرْض مِنْهُم وينبتها حَتَّى أَن الرمانة ليشبع مِنْهَا السكن قيل: وَمَا السكن يَا كَعْب قَالَ: أهل الْبَيْت
قَالَ: فَبينا النَّاس كَذَلِك إِذْ أَتَاهُم الصُّرَاخ أَن ذَا السويقتين أَتَى الْبَيْت يُريدهُ
فيبعث عِيسَى طَلِيعَة سَبْعمِائة أَو بَين السبعمائة والثمانمائة حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق(5/677)
يبْعَث الله ريحًا يَمَانِية طيبَة فَيقبض فِيهَا روح كل مُؤمن ثمَّ يبْقى محاح من النَّاس فيتسافدون كَمَا تتسافد الْبَهَائِم فَمثل السَّاعَة كَمثل رجل يطِيف حول فرسه ينظرها مَتى تضع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: مَا كَانَ مُنْذُ كَانَت الدُّنْيَا رَأس مائَة سنة إِلَّا كَانَ عِنْد رَأس الْمِائَة أَمر
قَالَ: فتحت يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وهم كَمَا قَالَ الله: {من كل حدب يَنْسلونَ} فَيَأْتِي أوّلهم على نهر عجاج فيشربونه كُله حَتَّى مَا يبْقى مِنْهُ قَطْرَة وَيَأْتِي آخِرهم فيمر فَيَقُول: قد كَانَ هَهُنَا مرّة مَاء فيفسدون فِي الأَرْض ويحاصرون الْمُؤمنِينَ فِي مَدِينَة إليا فيقولن: لم يبْق فِي الأَرْض أحد إِلَّا قد ذبحناه
هلموا نرمي من فِي السَّمَاء
فيرمون فِي السَّمَاء فترجع إِلَيْهِم سِهَامهمْ فِي نصلها الدَّم فَيَقُولُونَ: مَا بَقِي فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء أحد إِلَّا وَقد قَتَلْنَاهُ
فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ: يَا روح الله ادْع الله عَلَيْهِم
فيدعو عَلَيْهِم فيبعث الله فِي آذانهم النغف فيقتلهم جَمِيعًا فِي لَيْلَة وَاحِدَة حَتَّى تنتن الأَرْض من جيقهم فَيَقُول الْمُؤْمِنُونَ: يَا روح الله ادْع الله فَإنَّا نخشى أَن نموت من نَتن جيفهم
فيدعو الله فَيُرْسل عَلَيْهِم وابلاً من السَّمَاء فيجعلهم سيلاً فيقذفهم فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو أَن رجلا اقتنى فلواً بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج لم يركبه حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليحجن هَذَا الْبَيْت وليعتمرن بعد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {واقترب الْوَعْد الْحق} قَالَ: اقْترب يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عَن الرّبيع {واقترب الْوَعْد الْحق} قَالَ: قَامَت عَلَيْهِم السَّاعَة
الْآيَة 98 - 104(5/678)
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99) لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ (100) إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} قَالَ الْمُشْركُونَ: فالملائكة وَعِيسَى وعزير يعْبدُونَ من دون الله
فَنزلت {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} عِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ عبد الله بن الزِّبَعْرَى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: تزْعم أَن الله أنزل عَلَيْك هَذِه الْآيَة {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} قَالَ ابْن الزِّبَعْرَى: قد عبدت الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْمَلَائِكَة وعزير وَعِيسَى ابْن مَرْيَم كل هَؤُلَاءِ فِي النَّار مَعَ آلِهَتنَا فَنزلت (وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون) وَقَالُوا أآلهتنا خير أم هُوَ مَا ضربوه لَك إِلَّا جدلاً بل هم قوم خصمون) (الزخرف آيَة 57) ثمَّ نزلت {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون}
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} شقّ ذَلِك على أهل مَكَّة
وَقَالُوا: شتم الْآلهَة
فَقَالَ ابْن الزِّبَعْرَى: أَنا أخصم لكم مُحَمَّدًا ادعوهُ لي فدعي
فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هَذَا شَيْء لِآلِهَتِنَا خَاصَّة أم لكل عبد من دون الله قَالَ: بل لكل من عبد من دون الله
فَقَالَ ابْن الزِّبَعْرَى: خصمت
وَرب هَذِه البنية يَعْنِي الْكَعْبَة أَلَسْت تزْعم يَا مُحَمَّد أَن عِيسَى عبد صَالح وَأَن عُزَيْرًا عبد صَالح وَأَن الْمَلَائِكَة صَالِحُونَ(5/679)
قَالَ: بلَى
قَالَ: فَهَذِهِ النَّصَارَى تعبد عِيسَى
وَهَذِه الْيَهُود
تعبد عُزَيْرًا وَهَذِه بَنو مليح تعبد الْمَلَائِكَة فَضَجَّ أهل مَكَّة وفرحوا فَنزلت {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} عُزَيْر وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَة {أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} وَنزلت (وَلما ضرب ابْن مَرْيَم مثلا إِذا قَوْمك مِنْهُ يصدون) (الزخرف آيَة 57) قَالَ: هُوَ الصَّحِيح
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} ثمَّ نسختها {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} يَعْنِي عِيسَى وَمن كَانَ مَعَه
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله} يَعْنِي الْآلهَة وَمن يَعْبُدهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {حصب جَهَنَّم} قَالَ: وقودها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {حصب جَهَنَّم} قَالَ: شجر جَهَنَّم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {حصب جَهَنَّم} قَالَ: حطب جَهَنَّم بالزنجية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حصب جَهَنَّم} قَالَ: حطب جَهَنَّم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {حصب جَهَنَّم} قَالَ: يقذفون فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {حصب جَهَنَّم} قَالَ: حطبها
قَالَ بعض الْقُرَّاء حطب جَهَنَّم من قِرَاءَة عَائِشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {حصب جَهَنَّم} يَقُول: إِن جَهَنَّم تحصب بهم وَهُوَ الرَّمْي: يَقُول: يَرْمِي بهم فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: حضب جَهَنَّم بالضاد(5/680)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَالطَّبَرَانِيّ الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا بَقِي فِي النَّار من يخلد فِيهَا جعلُوا فِي توابيت من حَدِيد النَّار فِيهَا مسامير من حَدِيد نَار ثمَّ جعلت تِلْكَ التوابيت فِي توابيت من حَدِيد ثمَّ قذفوا فِي أَسف الْجَحِيم فَمَا يرى أحدهم أَنه يعذب فِي النَّار غَيره
ثمَّ قَرَأَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ {لَهُم فِيهَا زفير وهم فِيهَا لَا يسمعُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} قَالَ: عِيسَى وَالْمَلَائِكَة وعزير
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} قَالَ: عِيسَى وعزير وَالْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أصبغ عَن عَليّ فِي قَوْله: {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} الْآيَة
قَالَ: كل شَيْء يعبد من دون الله فِي النَّار إِلَّا الشَّمْس وَالْقَمَر وَعِيسَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} قَالَ: أُولَئِكَ أَوْلِيَاء الله يَمرونَ على الصِّرَاط مرا هُوَ أسْرع من الْبَرْق فَلَا تصيبهم و {يسمعُونَ حَسِيسهَا} وَيبقى الْكفَّار فِيهَا حَبِيسًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن بشير: أَن عليا قَرَأَ {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} فَقَالَ: أَنا مِنْهُم وَعمر مِنْهُم وَعُثْمَان مِنْهُم وَالزُّبَيْر مِنْهُم وَطَلْحَة مِنْهُم وَسعد وَعبد الرَّحْمَن مِنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} قَالَ: حيات على الصِّرَاط تلسعهم فَإِذا لسعتهم قَالُوا: حس
حس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} قَالَ: حيات على الصِّرَاط تَقول: حس حس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} قَالَ: السَّعَادَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن حَاطِب قَالَ:(5/681)
سُئِلَ عَليّ عَن هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} قَالَ: هُوَ عُثْمَان وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} يَقُول: لَا يسمع أهل الْجنَّة حسيس أهل النَّار إِذا نزلُوا مَنَازِلهمْ من الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان {لَا يسمعُونَ حَسِيسهَا} قَالَ: صَوتهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ قَالَا: قَالَ فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} إِلَى قَوْله: {وهم فِيهَا لَا يسمعُونَ} ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ: {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} فقد عبدت الْمَلَائِكَة من دون الله وعزير وَعِيسَى
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: يَقُول نَاس من النَّاس: إِن الله قَالَ: {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون} يَعْنِي من النَّاس أَجْمَعِينَ وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا يَعْنِي من يعبد الله تَعَالَى وَهُوَ لله مُطِيع مثل عِيسَى وَأمه وعزير وَالْمَلَائِكَة
وَاسْتثنى الله تَعَالَى هَؤُلَاءِ من الْآلهَة المعبودة الَّتِي هِيَ مَعَ من يَعْبُدهَا فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: أذا أطبقت جَهَنَّم على أَهلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} يَعْنِي النفخة الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: النَّار إِذا أطبقت على أَهلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْحسن {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: أذا أطبقت النَّار عَلَيْهِم يَعْنِي على الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: انصراف العَبْد حِين يُؤمر بِهِ إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن جرير فِي قَوْله: {لَا يحزنهم الْفَزع الْأَكْبَر} قَالَ: حِين تطبق جَهَنَّم
وَقَالَ: حِين ذبح الْمَوْت(5/682)
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن للمهاجرين مَنَابِر من ذهب يَجْلِسُونَ عَلَيْهَا يَوْم الْقِيَامَة قد أمنُوا من الْفَزع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بشر المدلجين فِي الظُّلم بمنابر من نور يَوْم الْقِيَامَة يفزع النَّاس وَلَا يفزعون
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: المتحابون فِي الله فِي ظلّ الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله على مَنَابِر من نور يفزع النَّاس وَلَا يفزعون
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاثَة على كُثْبَان الْمسك لَا يهولهم الْفَزع الْأَكْبَر يَوْم الْقِيَامَة: رجل أمَّ قوما وهم بِهِ راضون وَرجل كَانَ يُؤذن فِي كل يَوْم وَلَيْلَة وَعبد أدّى حق الله وَحقّ موَالِيه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وتتلقاهم الْمَلَائِكَة} قَالَ: تتلقاهم الْمَلَائِكَة الَّذين كَانُوا قرناءهم فِي الدُّنْيَا يَوْم الْقِيَامَة فَيَقُولُونَ: نَحن أولياؤكم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة لَا نفارقكم حَتَّى تدْخلُوا الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {هَذَا يومكم الَّذِي كُنْتُم توعدون} قَالَ: هَذَا قبل أَن يدخلُوا الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ فِي قَوْله: {كطي السّجل} قَالَ: ملك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة قَالَ: السّجل اسْم ملك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي قَوْله: {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل} قَالَ: السّجل ملك فَإِذا صد بالاستغفار قَالَ: اكتبوها نورا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي جَعْفَر الباقر قَالَ: السّجل ملك وَكَانَ هاروت وماروت من أعوانه وَكَانَ لَهُ كل يَوْم ثَلَاث لمحات ينظرهن فِي أم الْكتاب فَنظر نظرة لم تكن لَهُ فأبصر فِيهَا خلق آدم وَمَا فِيهِ من الْأُمُور فأسّر ذَلِك إِلَى هاروت وماروت فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى: (إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا) (الْبَقَرَة آيَة 30) قَالَ: ذَلِك استطالة على الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: السّجل ملك مُوكل بالصحف فَإِذا مَاتَ دفع كِتَابه إِلَى السّجل فطواه وَرَفعه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة(5/683)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: السّجل الصَّحِيفَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه فِي الْمعرفَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السّجل كَاتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ لرَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم كَاتب يُسمى السّجل وَهُوَ قَوْله: {يَوْم نطوي السَّمَاء كطي السّجل للكتب}
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السّجل هُوَ الرجل زَاد ابْن مرْدَوَيْه بلغَة الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كطي السّجل للكتب} قَالَ: كطي الصَّحِيفَة على الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَمَا بدأنا أوّل خلق نعيده} يَقُول: نهلك كل شَيْء كَمَا كَانَ أوّل مرّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كَمَا بدأنا أوّل خلق نعيده} قَالَ: عُرَاة حُفَاة غرلًا
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْدِي عَجُوز من بني عَامر فَقَالَ: من هَذِه الْعَجُوز يَا عَائِشَة فَقلت: إِحْدَى خَالَاتِي
فَقَالَت: ادْع الله أَن يدخلني الْجنَّة
فَقَالَ: إِن الْجنَّة لَا يدخلهَا الْعَجُوز
فَأخذ الْعَجُوز مَا أَخذهَا فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى ينشهنه خلقا غير خَلقهنَّ ثمَّ قَالَ: تحشرون حُفَاة عُرَاة غلفًا
فَقَالَت: حاشا لله من ذَلِك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بلَى
إِن الله تَعَالَى قَالَ: {كَمَا بدأنا أوّل خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} فَأول من يكسى إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: يَبْعَثهُم الله يَوْم الْقِيَامَة على قامة آدم وجسمه وَلسَانه السريانية عُرَاة حُفَاة غرلًا كَمَا ولدُوا
الْآيَة 105 - 108(5/684)
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ (106) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (108)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} الْقُرْآن {أَن الأَرْض} قَالَ: أَرض الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} قَالَ: يَعْنِي بِالذكر كتبنَا فِي الْقُرْآن من بعد التَّوْرَاة و {الأَرْض} أَرض الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} يَعْنِي بِالذكر التَّوْرَاة وَيَعْنِي بالزبور الْكتب من بعد التَّوْرَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} قَالَ: الْكتب
{من بعد الذّكر} قَالَ: التَّوْرَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الزبُور التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَالذكر الأَصْل الَّذِي نسخت مِنْهُ هَذِه الْكتب الَّذِي فِي السَّمَاء وَالْأَرْض أَرض الْجنَّة
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جريرعن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} قَالَ: الزبُور التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن {من بعد الذّكر} قَالَ: الذّكر الَّذِي فِي السَّمَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: الزبُور الْكتب وَالذكر أم الْكتاب عِنْد الله وَالْأَرْض الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: الزبُور الْكتب الَّتِي أنزلت على الْأَنْبِيَاء وَالذكر أم الْكتاب الَّذِي يكْتب فِيهِ الْأَشْيَاء قبل ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ: أَرض الْجنَّة(5/685)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور} الْآيَة
قَالَ: أخبر الله سُبْحَانَهُ فِي التَّوْرَاة وَالزَّبُور وسابق علمه قبل أَن تكون السَّمَوَات وَالْأَرْض أَن يُورث أمة مُحَمَّد الأَرْض ويدخلهم الْجنَّة وهم {الصالحون} وَفِي قَوْله: {لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: عَالمين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ: أَرض الْجنَّة يَرِثهَا الَّذين يصلونَ الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر} قَالَ: فِي زبور دَاوُد {من بعد} ذكر مُوسَى التَّوْرَاة {أَن الأَرْض يَرِثهَا} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كتب الله فِي زبور دَاوُد بعد التَّوْرَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {أَن الأَرْض يَرِثهَا} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ: الْجنَّة وَقَرَأَ (وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي صدقنا وعده وأورثنا الأَرْض نتبوّأ من الْجنَّة حَيْثُ نشَاء) (الزمر آيَة 74) قَالَ: فالجنة مبتدؤها فِي الأَرْض ثمَّ تذْهب درجاً علوّا
وَالنَّار مبتدؤها فِي الأَرْض وَبَينهمَا حجاب سور مَا يدْرِي أحد مَا ذَاك السُّور
وَقَرَأَ (بَاب بَاطِنه فِيهِ الرَّحْمَة وَظَاهره من قبله الْعَذَاب) (الْحَدِيد آيَة 13) قَالَ: ودرجها تذْهب سفالاً فِي الأَرْض ودرج الْجنَّة تذْهب علوّاً فِي السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن صَفْوَان قَالَ: سَأَلت عَامر بن عبد الله أَبَا الْيَمَان هَل لأنفس الْمُؤمنِينَ مُجْتَمع فَقَالَ: يَقُول الله: {وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} قَالَ: هِيَ الأَرْض الَّتِي تجمع إِلَيْهَا أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ حَتَّى يكون الْبَعْث(5/686)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله تَعَالَى: {أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} فَنحْن الصالحون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {إِن فِي هَذَا لبلاغاً} قَالَ: كل ذَلِك يُقَال: إِن فِي هَذِه السُّورَة وَفِي هَذَا الْقُرْآن لبلاغاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {أَن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: إِن فِي هَذَا لمَنْفَعَة وعلماً {لقوم عابدين} ذَلِك الْبَلَاغ
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب الْأَحْبَار {إِن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب فِي قَوْله: {إِن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: صَوْم شهر رَمَضَان والصلوات الْخمس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة {إِن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: فِي الصَّلَوَات الْخمس شغلاً لِلْعِبَادَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: هِيَ الصَّلَوَات الْخمس فِي الْمَسْجِد الْحَرَام جمَاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مُحَمَّد بن كَعْب {أَن فِي هَذَا لبلاغاً لقوم عابدين} قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {لقوم عابدين} قَالَ: الَّذين يُحَافِظُونَ على الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَة
وَأخرج عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لقوم عابدين} قَالَ: عاملين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} قَالَ: من آمن تمت لَهُ الرَّحْمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن لم يُؤمن عوفي مِمَّا كَانَ يُصِيب الْأُمَم فِي عَاجل الدُّنْيَا من الْعَذَاب من المسخ والخسف وَالْقَذْف
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله ادْع على الْمُشْركين
قَالَ: إِنِّي لم أبْعث لعاناً وَإِنَّمَا بعثت رَحْمَة(5/687)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله بَعَثَنِي رَحْمَة للْعَالمين وَهدى لِلْمُتقين
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا رجل من أمتِي سببته سبة فِي غَضَبي أَو لعنته لعنة فَإِنَّمَا أَنا رجل من ولد آدم أغضب كَمَا تغضبون وَإِنَّمَا بَعَثَنِي رَحْمَة للْعَالمين وأجعلها عَلَيْهِ صَلَاة يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا أَنا رَحْمَة مهداة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل يَا رَسُول الله أَلا تلعن قُريْشًا بِمَا أَتَوا إِلَيْك فَقَالَ: لم أبْعث لعاناً إِنَّمَا بعثت رَحْمَة يَقُول الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين}
الْآيَة 109 - 110(5/688)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (110)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {على سَوَاء} قَالَ: على مهل
الْآيَة 111 - 112(5/688)
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (112)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن عَسَاكِر عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} يَقُول: هَذَا الْملك
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما سلم الْحسن بن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - الْأَمر إِلَى مُعَاوِيَة قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: قُم فَتكلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: إِن هَذَا الْأَمر تركته لمعاوية
إِرَادَة إصْلَاح الْمُسلمين وحقن دِمَائِهِمْ {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم ومتاع إِلَى حِين} ثمَّ اسْتغْفر وَنزل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: خطب الْحسن رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أما بعد:(5/688)
أَيهَا النَّاس إِن الله هدَاكُمْ بأوّلنا وحقن دمائكم بآخرنا وَإِن لهَذَا الْأَمر مُدَّة وَالدُّنْيَا دوَل وَإِن الله تَعَالَى قَالَ لنَبيه: {وَإِن أَدْرِي أَقَرِيب أم بعيد مَا توعدون} إِلَى قَوْله: {ومتاع إِلَى حِين} الدَّهْر كُله
وَقَوله: (هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر) (الْإِنْسَان آيَة 1) الدَّهْر: الدَّهْر كُله
وَقَوله: (تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا) (إِبْرَاهِيم آيَة 25) قَالَ: هِيَ النَّخْلَة من حِين تثمر إِلَى أَن تصرم
وَقَوله: (ليسجننه حَتَّى حِين) (يُوسُف آيَة 35)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم} يَقُول: مَا أخْبركُم بِهِ من الْعَذَاب والساعة أَن يُؤَخر عَنْكُم لمدتكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ} قَالَ: لَا يحكم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِن إِنَّمَا يستعجل بذلك فِي الدُّنْيَا يسْأَل ربه على قومه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا شهد قتالاً قَالَ: {رب احكم بِالْحَقِّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت الْأَنْبِيَاء تَقول: (رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وَأَنت خير الفاتحين) (الْأَعْرَاف آيَة 89) فَأمر الله نبيه أَن يَقُول: {رب احكم بِالْحَقِّ} أَي اقْضِ بِالْحَقِّ
وَكَانَ رَسُول الله - صلى عَلَيْهِ وَسلم - يعلم أَنه على الْحق وَأَن عدوّه على الْبَاطِل وَكَانَ إِذا لَقِي العدوّ قَالَ: {رب احكم بِالْحَقِّ} وَالله أعلم
6(5/689)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (22)
سُورَة الْحَج
مَدِينَة وآياتها ثَمَان وَسَبْعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الْحَج أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: نزلت سُورَة الْحَج بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ سُورَة الْحَج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: نزل بِالْمَدِينَةِ من الْقُرْآن الْحَج غير أَربع آيَات مكيات {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي} الْحَج من الْآيَة 52 - 55 إِلَى {عَذَاب يَوْم عقيم} الْحَج من الْآيَة 52 - 55
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أفضلت سُورَة الْحَج على سَائِر الْقُرْآن بسجدتين قَالَ: نعم
فَمن لم يسجدهما فَلَا يقرأهما
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل وَالْبَيْهَقِيّ عَن خَالِد بن معدان: أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: (فضلت سُورَة الْحَج على الْقُرْآن بسجدتين)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة والإسماعيلي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَنه: كَانَ يسْجد سَجْدَتَيْنِ فِي الْحَج
قَالَ: أَن هَذِه السُّورَة فضلت على سَائِر السُّور بسجدتين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ وَأبي الدَّرْدَاء: انهما سجدا فِي الْحَج سَجْدَتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي سُورَة الْحَج سَجْدَتَانِ(6/3)
وَأخرج ابْن شيبَة من طَرِيق أبي الْعُرْيَان الْمُجَاشِعِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي الْحَج سَجْدَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَيْسَ فِي الْحَج إِلَّا سَجْدَة وَاحِدَة وَهِي الأولى وَالله أعلم(6/4)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)
- يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وماهم بسكارى وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن الْحسن وَغَيره عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} إِلَى قَوْله: {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} أنزلت عَلَيْهِ هَذِه وَهُوَ فِي سفر فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم ذَلِك قَالُوا الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: ذَلِك يَوْم يَقُول الله لآدَم: ابْعَثْ بعث النَّار
قَالَ: يَا رب وَمَا بعث النَّار قَالَ: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وواحداً إِلَى الْجنَّة) فانشأ الْمُسلمُونَ يَبْكُونَ
فَقَالَ رَسُول الله: - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قاربوا وسددوا فَإِنَّهَا لم تكن نبوّة قطّ إِلَّا كَانَ بَين يَديهَا جَاهِلِيَّة فتؤخذ الْعدة من الْجَاهِلِيَّة فَإِن تمت وَإِلَّا أكملت من الْمُنَافِقين وَمَا مثلكُمْ: إِلَّا كَمثل الرَّقْمَة فِي ذِرَاع الدَّابَّة أَو كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا ربع أهل الْجنَّة فكبروا ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا ثلث أهل الْجنَّة فكبروا ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأرجوا أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة فكبروا قَالَ: فَلَا أَدْرِي قَالَ الثُّلثَيْنِ أم لَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فتفاوت بَين اصحابه فِي السّير فَرفع رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - صَوته بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم}(6/4)
إِلَى قَوْله {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} فَلَمَّا سمع ذَلِك أَصْحَابه حثوا الْمطِي وَعرفُوا أَنه عِنْد قَول يَقُوله فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ أَي يَوْم ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: ذَلِك يَوْم يُنَادي الله تَعَالَى فِيهِ آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: يَا آدم ابْعَثْ بعث النَّار فَيَقُول أَي رب وَمَا بعث النَّار فَيَقُول من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ إِلَى النَّار وَوَاحِد فِي الْجنَّة فتعبس الْقَوْم حَتَّى مَا أبدوا بِضَاحِكَةٍ فَلَمَّا رأى رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الَّذِي بِأَصْحَابِهِ قَالَ: اعْمَلُوا وابشروا فو الَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ أَنكُمْ لمع خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْء إِلَّا أكثرتاه يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَمن مَاتَ من بني آدم وَمن بني إِبْلِيس فَسرِّي عَن الْقَوْم بعض الَّذِي يَجدونَ قَالَ اعْمَلُوا وابشروا فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُم فِي النَّاس إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الدَّابَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قفل عَن غَزْوَة الْعسرَة وَمَعَهُ أَصْحَابه بعد مَا شَارف الْمَدِينَة قَرَأَ {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} فَذكر نَحوه إِلَّا أَنه زَاد فِيهِ: لم يكن رسولان إِلَّا أَن كَانَ بَينهمَا فَتْرَة من الْجَاهِلِيَّة فهم أهل النَّار وَإِنَّكُمْ بَين ظهراني خَلِيقَتَيْنِ لَا يعادهما أحد من أهل الأَرْض إِلَّا كَثرَتَاهُ وهم يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم أهل النَّار وتكمل الْعدة من الْمُنَافِقين
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: نزلت {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} إِلَى قَوْله (وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد) على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي مسير لَهُ فَرفع بهَا صَوته حَتَّى ثاب إِلَيْهِ أَصْحَابه فَقَالَ: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم هَذَا هَذَا يَوْم يَقُول الله لآدَم: يَا آدم قُم فَابْعَثْ بعث النَّار من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين فكَبُر ذَلِك على الْمُسلمين فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سددوا وقاربوا وابشروا فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُم فِي النَّار إِلَّا كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الدَّابَّة وَإِن مَعكُمْ لخليقتين مَا كَانَتَا فِي شَيْء قطّ إِلَّا أكثرتاه: يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَمن هلك من كفرة الْإِنْس وَالْجِنّ
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة - وَأَصْحَابه(6/5)
عِنْده - {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ أَي يَوْم ذَاك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: ذَاك يَوْم يَقُول الله يَا آدم قُم فَابْعَثْ بعث النَّار
فَيَقُول: يارب من كم فَيَقُول: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وواحداً إِلَى الْجنَّة
فشق ذَلِك على الْقَوْم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لأرجو أَن تَكُونُوا شطر أهل الْجنَّة ثمَّ قَالَ: اعْمَلُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّكُم بَين خَلِيقَتَيْنِ لم تَكُونَا مَعَ أحد إِلَّا أكثرتاه: يَأْجُوج وَمَأْجُوج وَإِنَّمَا أَنْتُم فِي الْأُمَم كَالشَّامَةِ فِي جنب الْبَعِير أَو كالرقمة فِي ذِرَاع الدَّابَّة وَإِنَّمَا أمتِي جُزْء من ألف جُزْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسيره فِي غَزْوَة بني المصطلق إِذْ أنزل الله {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} إِلَى قَوْله {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} فَلَمَّا أنزلت عَلَيْهِ وقف على نَاقَته ثمَّ رفع بهَا صَوته فَتَلَاهَا على أَصْحَابه ثمَّ قَالَ لَهُم: أَتَدْرُونَ أَي يَوْم ذَاك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: ذَاك يَوْم يَقُول الله لآدَم: يَا آدم ابْعَثْ بعث النَّار من ولدك
فَيَقُول: يارب من كل كم فَيَقُول: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وواحداً إِلَى الْجنَّة
فَبكى الْمُسلمُونَ بكاء شَدِيدا وَدخل عَلَيْهِم أَمر شَدِيد
فَقَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا أَنْتُم فِي الْأُمَم إِلَّا كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الشَّاة السَّوْدَاء واني لأرجوا أَن تَكُونُوا نصف أهل الْجنَّة بل أَرْجُو أَن تَكُونُوا ثُلثي أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسير لَهُ
فَذكر نَحوه
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله يَوْم الْقِيَامَة: يَا آدم ابْعَثْ بعث النَّار
فَيَقُول: يَا رب وَمَا بعث النَّار فَيَقُول: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ فَعِنْدَ ذَلِك يشيب الْوَلِيد {وتضع كل ذَات حمل حملهَا وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} قَالَ: فشق ذَلِك على النَّاس فَقَالُوا: يَا رَسُول الله من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ وَيبقى الْوَاحِد فأينا ذَلِك الْوَاحِد فَقَالَ: من يَأْجُوج وَمَأْجُوج ألف ومنكم(6/6)
وَاحِد
وَهل أَنْتُم فِي الْأُمَم كالشعرة السَّوْدَاء فِي الثور الْأَبْيَض أَو كالشعرة الْبَيْضَاء فِي الثور الْأسود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَلْقَمَة فِي قَوْله {إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} قَالَ: الزلزلة قبل السَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ أَنه قَرَأَ {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} إِلَى قَوْله {وَلَكِن عَذَاب الله شَدِيد} قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا من آيَات السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عبيد بن عُمَيْر فِي الْآيَة
قَالَ: هَذِه الْأَشْيَاء تكون فِي الدُّنْيَا قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: زلزلتها شَرطهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إِن زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم} قَالَ: هَذَا بَدْء يَوْم الْقِيَامَة
وَفِي قَوْله {يَوْم ترونها تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} قَالَ: تتْرك وَلَدهَا للكرب الَّذِي نزل بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {يَوْم ترونها تذهل} قَالَ: تغفل
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {تذهل كل مُرْضِعَة عَمَّا أرضعت} قَالَ: ذهلت عَن أَوْلَادهَا لغير فطام {وتضع كل ذَات حمل حملهَا} قَالَ: أَلْقَت الْحَوَامِل مَا فِي بطونها لغير تَمام {وَترى النَّاس سكارى} قَالَ: من الْخَوْف {وَمَا هم بسكارى} قَالَ: من الشَّرَاب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الْحسن أَحْمد بن يزِيد الْحلْوانِي فِي كتاب الحروب عَن عمرَان بن حُصَيْن أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الْحسن الْحلْوانِي والحافظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي إِيضَاح الأشكال عَن أبي سعيد قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى} قَالَ الْأَعْمَش: وَهِي قراءتنا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن حُذَيْفَة أَنه كَانَ يقْرَأ {وَترى النَّاس سكارى وَمَا هم بسكارى}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ كَذَلِك(6/7)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي نهيك أَنه قَرَأَ {وَترى النَّاس} يَعْنِي تحسب النَّاس
قَالَ: لَو كَانَت مَنْصُوبَة كَانُوا سكارى وَلكنهَا {ترى} تحسب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع {وَترى النَّاس سكارى} قَالَ: ذَلِك عِنْد السَّاعَة يسكر الْكَبِير ويشيب الصَّغِير وتضع الْحَوَامِل مَا فِي بطونها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَمَا هم بسكارى} قَالَ: من الشَّرَاب
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ(6/8)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ (3) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (4)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم وَيتبع كل شَيْطَان مُرِيد كتب عَلَيْهِ أَنه من تولاه فَأَنَّهُ يضله ويهديه إِلَى عَذَاب السعير
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم} قَالَ: نزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيتبع كل شَيْطَان مُرِيد} قَالَ: تمرد على معاصي الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كتب عَلَيْهِ} قَالَ: كتب على الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كتب عَلَيْهِ} قَالَ: على الشَّيْطَان {أَنه من تولاه} قَالَ: اتبعهُ(6/8)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
- قَوْله تَعَالَى: ياأيها النَّاس إِن كُنْتُم فِي ريب من الْبَعْث فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ من تُرَاب ثمَّ من نُطْفَة ثمَّ من علقَة ثمَّ من مضغه مخلقة وَغير مخلقة لنبين لكم ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى ثمَّ نخرجكم طفْلا(6/8)
ثمَّ لتبلغوا أَشدّكُم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شَيْئا وَترى الأَرْض هامدة فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج
- أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ الصَّادِق المصدوق: إِن أحدكُم يجمع خلقه فِي بطن أمه أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَة ثمَّ يكون علقَة مثل ذَلِك ثمَّ يكون مُضْغَة مثل ذَلِك ثمَّ يُرْسل اليه الْملك فينفح فينفح الرّوح وَيُؤمر بِأَرْبَع كَلِمَات بكتب رزقه وأجله وَعَمله وشقي أَو سعيد
فوالذي لَا إِلَه إِلَّا غَيره إِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار فيدخلها وَإِن أحدكُم ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى مَا يكون بَينه وَبَينهَا إِلَّا ذِرَاع فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة فيدخلها
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن النُّطْفَة تكون فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ يَوْم على حَالهَا لَا تَتَغَيَّر فَإِذا مَضَت الْأَرْبَعُونَ صَارَت علقَة ثمَّ مُضْغَة كَذَلِك ثمَّ عظاماً كَذَلِك فَإِذا أَرَادَ أَن يُسَوِّي خلقه بعث إِلَيْهِ ملكا فَيَقُول: يَا رب أذكر أم أُنْثَى أشقي أم سعيد أقصير أم طَوِيل أناقص أم زَائِد قوته أَجله أصحيح أم سقيم فَيكْتب ذَلِك كُله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: النُّطْفَة إِذا اسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِم أَخذهَا ملك من الْأَرْحَام بكفه فَقَالَ: يَا رب مخلقة أم غير مخلقة فَإِن قيل غير مخلقة لم تكن نسمَة وقذفتها الرَّحِم دَمًا وَإِن قيل مخلقة قَالَ: يارب أذكر أم أُنْثَى أشقي أم سعيد مَا الْأَجَل وَمَا الْأَثر وَمَا الرزق وَبِأَيِّ أَرض تَمُوت فَيُقَال للنطفة: من رَبك فَتَقول: الله
فَيُقَال: من رازقك فَتَقول: الله
فَيُقَال لَهُ: اذْهَبْ إِلَى أمّ الْكتاب فَإنَّك ستجد فِيهِ قصَّة هَذِه النُّطْفَة
قَالَ: فتخلق فتعيش فِي أجلهَا وتأكل فِي رزقها وَتَطَأ فِي أَثَرهَا حَتَّى إِذا جَاءَ أجلهَا مَاتَت فدفنت فِي ذَلِك الْمَكَان(6/9)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا وَقعت النُّطْفَة فِي الرَّحِم بعث الله ملكا فَقَالَ: يَا رب مخلقة أَو غير مخلقة فَإِن قَالَ غير مخلقة مجها الرَّحِم دَمًا وَإِن قَالَ مخلقة قَالَ: يَا رب فَمَا صفة هَذِه النُّطْفَة
أذكر أم أُنْثَى وَمَا رزقها وَمَا أجلهَا أشقي أم سعيد فَيُقَال لَهُ: انْطلق إِلَى أم الْكتاب فاستنسخ مِنْهُ صفة هَذِه النُّطْفَة
فَينْطَلق فينسخها فَلَا يزَال مَعَه حَتَّى يَأْتِي على آخر صفتهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى وكل بالرحم ملكا قَالَ: أَي رب نُطْفَة أَي رب علقَة أَي رب مُضْغَة فَإِذا قضى الله تَعَالَى خلقهَا قَالَ: أَي رب شقى أَو سعيد ذكر أَو أُنْثَى فَمَا الرزق فَمَا الْأَجَل فَيكْتب كَذَلِك فِي بطن أمه
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن حُذَيْفَة بن أسيد الْغِفَارِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأذني هَاتين يَقُول: إِن النُّطْفَة تقع فِي الرَّحِم أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَفِي لفظ: إِذا مر بالنطفة إثنتان وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصورها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثمَّ قَالَ: يَا رب أذكر أم أُنْثَى فَيَقْضِي رَبك مَا يَشَاء وَيكْتب الْملك ثمَّ يَقُول: يَا رب أَجله فَيَقُول رَبك مَا شَاءَ وَيكْتب الْملك ثمَّ يَقُول: يَا رب رزقه وَيَقْضِي رَبك مَا يَشَاء وَيكْتب الْملك ثمَّ يخرج الْملك بالصحيفة فِي يَده فَلَا يزِيد على أمره وَلَا ينقص
وَفِي لفظ: يدْخل الْملك على النُّطْفَة بَعْدَمَا تَسْتَقِر فِي الرَّحِم بِأَرْبَعِينَ أَو خمس وَأَرْبَعين لَيْلَة فَيَقُول: يَا رب أشقي أَو سعيد فيُكْتَبان فَيَقُول: أَي رب أذكر أَو أُنْثَى فيكْتبان
فَيكْتب عمله وأثره وأجله ورزقه ثمَّ تطوى الصُّحُف فَلَا يُزَاد فِيهَا وَلَا ينقص
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مخلقة وَغير مخلقة} قَالَ: المخلقة مَا كَانَ حَيا {وَغير مخلقة} مَا كَانَ من سقط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْعلقَة الدَّم والمضغة اللَّحْم والمخلقة الَّتِي تمّ خلقهَا {وَغير مخلقة} السقط(6/10)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {مخلقة وَغير مخلقة} قَالَ: تَامَّة وَغير تَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ {وَغير مخلقة} السقط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِذا دخل فِي الْخلق الرَّابِع كَانَت نسمَة مخلقة وَإِذا قدم فِيهَا قبل ذَلِك فَهِيَ غير مخلقة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {مخلقة وَغير مخلقة} قَالَ: السقط مَخْلُوق وَغير مَخْلُوق {ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: التَّمام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: إِقَامَته فِي الرَّحِم حَتَّى يخرج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ونقر فِي الْأَرْحَام مَا نشَاء إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: هَذَا مَا كَانَ من ولد يُولد تَاما لَيْسَ بسقط
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لنبين لكم} قَالَ: إِنَّكُم كُنْتُم فِي بطُون أُمَّهَاتكُم كَذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَترى الأَرْض هامدة} قَالَ: لَا نَبَات فِيهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَترى الأَرْض هامدة} أَي غبراء متهشمة {فَإِذا أنزلنَا عَلَيْهَا المَاء اهتزت وربت} يَقُول: نفرق الْغَيْث فِي سبختها وربوها {وأنبتت من كل زوج بهيج} أَي حسن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {زوج بهيج} قَالَ: حسن(6/11)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)
- قَوْله تَعَالَى: ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق وَأَنه يحيي الْمَوْتَى وَأَنه على كل شَيْء قدير وَأَن السَّاعَة آتِيَة لاريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور
أخرج عبد بن حميد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن معَاذ بن جبل قَالَ: من علم أَن الله عز وَجل حق وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور دخل الْجنَّة(6/11)
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة عَن أبي بكر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا صلى الصُّبْح مرْحَبًا بِالنَّهَارِ الْجَدِيد وَالْكَاتِب والشهيد اكتبا: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأشْهد أَن الدّين كَمَا وصف وَالْكتاب كَمَا أنزل وَأشْهد أَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخه عَن أنس رَفعه: من قَالَ فِي كل يَوْم أَربع مَرَّات: أشهد أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين وَأَنه يحيي وَيُمِيت وَأَنه على كل شَيْء قدير وَأَن السَّاعَة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَن الله يبْعَث من فِي الْقُبُور صرف الله عَنهُ السوء(6/12)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يُجَادِل فِي الله بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير ثَانِي عطفه ليضل عَن سَبِيل الله لَهُ فِي الدُّنْيَا خزي ونذيقه يَوْم القيامه عَذَاب الْحَرِيق ذَلِك بِمَا قدمت يداك وَأَن الله لَيْسَ بظلام للعبيد
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بِغَيْر علم وَلَا هدى وَلَا كتاب مُنِير} قَالَ: يُضَاعف الشَّيْء وَهُوَ وَاحِد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: هُوَ المعرض من العظمة إِنَّمَا ينظر فِي جَانب وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: لاوي رَأسه معرضًا موليا لَا يُرِيد أَن يسمع مَا قيل لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: لاوي عُنُقه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: يعرض عَن الْحق {لَهُ فِي الدُّنْيَا خزي} قَالَ: قتل يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} أنزلت فِي النَّضر بن الْحَارِث(6/12)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثَانِي عطفه} قَالَ: هُوَ رجل من بني عبد الدَّار
قلت: شيبَة قَالَ: لَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ثَانِي عطفه} يَقُول: يعرض عَن ذكري
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ثَانِي عطفه} قَالَ: متكبراً فِي نَفسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن أحدهم يُحْرَق فِي الْيَوْم سبعين ألف مرّة(6/13)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (13) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (14)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف فَإِن أَصَابَهُ خير اطْمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَته فتْنَة انْقَلب على وَجهه خسر الدُّنْيَا والآخره ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين يَدْعُو من دون الله مَا لَا يضرّهُ وَمَا لَا يَنْفَعهُ ذَلِك هُوَ الضلال الْبعيد يَدْعُو لمن ضره أقرب من نَفعه لبئس الْمولى ولبئس العشير إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار ان الله يفعل مَا يُرِيد
أخرج البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} قَالَ: كَانَ الرجل يقدم الْمَدِينَة فَإِن ولدت امْرَأَته غُلَاما ونتجت خيله قَالَ: هَذَا دين صَالح وَإِن لم تَلد امْرَأَته وَلم تنْتج خيله قَالَ: هَذَا دين سوء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ نَاس من الْأَعْرَاب يأْتونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيسلمون فَإِذا رجعُوا إِلَى بِلَادهمْ فَإِن وجدوا عَام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قَالُوا: إِن ديننَا هَذَا صَالح فَتمسكُوا بِهِ وَإِن وجدوا عَام جَدب وعام ولاد سوء وعام قحط قَالُوا: مَا فِي ديننَا هَذَا خير
فَأنْزل الله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ أحدهم إِذا قدم الْمَدِينَة - وَهِي أَرض وبيئة - فَإِن صَحَّ بهَا(6/13)
جِسْمه ونتجبت فرسه مهْرا حسنا وَولدت امْرَأَته غُلَاما رَضِي بِهِ وَاطْمَأَنَّ اليه وَقَالَ: مَا أصبت مُنْذُ كنت على ديني هَذَا إِلَّا خيرا وَإِن رَجَعَ الْمَدِينَة وَولدت امْرَأَته جَارِيَة وتأخرت عَنهُ الصَّدَقَة أَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: وَالله مَا أصبت مُنْذُ كنت على دينك هَذَا إِلَّا شرا
وَذَلِكَ الْفِتْنَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطِيَّة عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أسلم رجل من الْيَهُود فَذهب بَصَره وَمَاله وَولده فتشاءم بِالْإِسْلَامِ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَقلنِي
فَقَالَ: إِن الْإِسْلَام لَا يُقَال
فَقَالَ: لم أصب فِي ديني هَذَا خيرا
ذهب بَصرِي وَمَالِي وَمَات وَلَدي
فَقَالَ: يَا يَهُودِيّ الْإِسْلَام يسبك الرِّجَال كَمَا تسبك النَّار خبث الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة
وَنزلت: {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} قَالَ: على شكّ
وَفِي قَوْله {فَإِن أَصَابَهُ خير} قَالَ: رخاء وعافية {اطْمَأَن بِهِ} قَالَ: اسْتَقر {وَإِن أَصَابَته فتْنَة} قَالَ: عَذَاب ومصيبة {انْقَلب على وَجهه} قَالَ: ارْتَدَّ على وَجهه كَافِرًا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} قَالَ: كَانَ الرجل يَأْتِي الْمَدِينَة مُهَاجرا فَإِن صَحَّ جِسْمه وَتَتَابَعَتْ عَلَيْهِ الصَّدَقَة وَولدت امْرَأَته غُلَاما وأنتجت فرسه مهْرا قَالَ: وَالله لنعم الدّين وجدت دين مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا مَا زلت أعرف الزِّيَادَة فِي جَسَدِي وَوَلَدي وَإِن سقم بهَا جِسْمه واحتبست عَلَيْهِ الصَّدَقَة وأزلقت فرسه وأصابته الْحَاجة وَولدت امْرَأَته الْجَارِيَة قَالَ: وَالله لبئس الدّين دين مُحَمَّد هَذَا وَالله مَا زلت أعرف النُّقْصَان فِي جَسَدِي وَأَهلي وَوَلَدي وَمَالِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يعبد الله على حرف} قَالَ: على شكّ {فَإِن أَصَابَهُ خير اطْمَأَن بِهِ وَإِن أَصَابَته فتْنَة انْقَلب على وَجهه} يَقُول: إِن أصَاب خصباً وسلوة من عَيْش وَمَا يَشْتَهِي اطْمَأَن إِلَيْهِ وَقَالَ: أَنا على حق وَأَنا أعرف الَّذِي أَنا عَلَيْهِ {وَإِن أَصَابَته فتْنَة} أَي بلَاء {انْقَلب على وَجهه} يَقُول: ترك مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْحق(6/14)
فَأنْكر مَعْرفَته خسر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
يَقُول: خسر دُنْيَاهُ الَّتِي كَانَ لَهَا يحزن وَبهَا يفرح وَلها يسْخط وَلها يرضى وَهِي همه وسدمه وطلبته وَنِيَّته ثمَّ أفْضى إِلَى الْآخِرَة وَلَيْسَ لَهُ حَسَنَة يعْطى بهَا خيرا {ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يَدْعُو من دون الله مَا لَا يضرّهُ} إِن عَصَاهُ فِي الدُّنْيَا {وَمَا لَا يَنْفَعهُ} إِن أطاعه وَهُوَ الصَّنَم {يَدْعُو لمن ضره أقرب من نَفعه} يَقُول: ضره فِي الْآخِرَة من أجل عِبَادَته إِيَّاه فِي الدُّنْيَا {لبئس الْمولى} يَقُول: الصَّنَم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {لبئس الْمولى ولبئس العشير} قَالَ: الصاحب(6/15)
مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (15) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ (16)
- قَوْله تَعَالَى: من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء ثمَّ ليقطع فَلْينْظر هَل يذْهبن كَيده مايغيظ وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَات بَيِّنَات وَأَن الله يهدي من يُرِيد
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله} قَالَ: من كَانَ يظنّ أَن لن ينصر الله مُحَمَّدًا {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فليمدد بِسَبَب} قَالَ: فليربط حبلاً {إِلَى السَّمَاء} قَالَ: إِلَى سَمَاء بَيته السّقف {ثمَّ ليقطع} قَالَ: ثمَّ يختنق بِهِ حَتَّى يَمُوت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله} يَقُول: أَن لن يرزقه الله {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} فليأخذ حبلاً فليربطه فِي سَمَاء بَيته فليختنق بِهِ {فَلْينْظر هَل يذْهبن كَيده مَا يغِيظ} قَالَ: فَلْينْظر هَل يَنْفَعهُ ذَلِك أَو يَأْتِيهِ برزق وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله} قَالَ: أَن لن يرزقه الله {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} قَالَ: بِحَبل بَيته {ثمَّ ليقطع} ثمَّ ليختنق {فَلْينْظر هَل يذْهبن كَيده} ذَلِك {مَا يغِيظ} قَالَ: ذَلِك خيفة أَن لَا يرْزق(6/15)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: من كَانَ يظنّ أَن لن ينصر الله نبيه ويكابد هَذَا الْأَمر ليقطعه عَنهُ فليقطع ذَلِك من أَصله من حَيْثُ يَأْتِيهِ فَإِن أَصله فِي السَّمَاء {ثمَّ ليقطع} أَي عَن النَّبِي الْوَحْي الَّذِي يَأْتِيهِ من الله إِن قدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: من كَانَ يظنّ أَن لن ينصر الله مُحَمَّدًا فليجعل حبلاً فِي سَمَاء بَيته فليختنق بِهِ فَلْينْظر هَل يغِيظ ذَلِك إِلَّا نَفسه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من كَانَ يظنّ أَن لن ينصره الله} يَقُول: من كَانَ يظنّ أَن الله غير نَاصِر دينه {فليمدد بِسَبَب إِلَى السَّمَاء} سَمَاء الْبَيْت فليختنق {فَلْينْظر} مَا يرد ذَلِك فِي يَده(6/16)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (17)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذين أشركوا إِن الله يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة أَن الله على كل شَيْء شَهِيد
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: الصائبون قوم يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة وَيصلونَ الْقبْلَة ويقرأون الزبُور {وَالْمَجُوس} عَبدة الشَّمْس وَالْقَمَر والنيران وَأما {الَّذين أشركوا} فهم عَبدة الْأَوْثَان {إِن الله يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: الْأَدْيَان سِتَّة: فخمسة للشَّيْطَان وَدين لله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِن الله يفصل بَينهم} قَالَ: فصل قَضَاءَهُ بَينهم فَجعل الْجنَّة مُشْتَركَة وَجعل هَذِه الْأمة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت الْيَهُود: عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى: الْمَسِيح ابْن الله
وَقَالَت الصابئة: نَحن نعْبد الْمَلَائِكَة من دون الله
وَقَالَت الْمَجُوس: نَحن نعْبد الشَّمْس وَالْقَمَر من دون الله
وَقَالَت الْمُشْركُونَ: نَحن نعْبد الْأَوْثَان من دون الله
فَأوحى الله إِلَى نبيه ليكذِّبَ قَوْلهم: (قل(6/16)
هُوَ الله أحد) (سُورَة الصَّمد الْآيَة 1) إِلَى آخرهَا (وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا) (الْإِسْرَاء آيَة 111) وَأنزل الله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: {الَّذين هادوا} الْيَهُود والصائبون لَيْسَ لَهُم كتاب الْمَجُوس أَصْحَاب الْأَصْنَام وَالْمُشْرِكُونَ نَصَارَى الْعَرَب(6/17)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (23)
- قَوْله تَعَالَى: ألم ترى أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَالْجِبَال وَالشَّجر وَالدَّوَاب وَكثير من النَّاس وَكثير حق عَلَيْهِ الْعَذَاب وَمن يهن الله فَمَا لَهُ من مكرم إِن الله يفعل مَا يَشَاء هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار يصب من فَوق رُؤْسهمْ الْحَمِيم يصهر بِهِ مافي بطونهم والجلود وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا وذوقوا عَذَاب الْحَرِيق إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار يحلونَ فِيهَا من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فِيهَا حَرِير
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ألم تَرَ أَن الله يسْجد لَهُ من فِي السَّمَاوَات} الْآيَة
قَالَ: سُجُود ظلّ هَذَا كُله {وَكثير من النَّاس} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ {وَكثير حق عَلَيْهِ الْعَذَاب} قَالَ: هَذَا الْكَافِر سُجُود ظله وَهُوَ كَارِه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: سُجُود كل شَيْء فيئه وَسُجُود الْجبَال فَيْئهَا(6/17)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الثَّوْب يسْجد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا فِي السَّمَاء من شمس وَلَا قمر وَلَا نجم إِلَّا يَقع سَاجِدا حَتَّى يغيب ثمَّ لَا ينْصَرف حَتَّى يُؤذن لَهُ فَيَأْخُذ ذَات الْيَمين حَتَّى يرجع إِلَى معلمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا فَاء الْفَيْء لم يبْق شَيْء من دَابَّة وَلَا طَائِر إِلَّا خر لله سَاجِدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن دِينَار رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رجلا يطوف بِالْبَيْتِ ويبكي فَإِذا هُوَ طَاوس فَقَالَ: عجبت من بُكَائِي قلت: نعم
قَالَ: وَرب هَذِه البنية إِن هَذَا الْقَمَر ليبكي من خشيَة الله وَلَا ذَنْب لَهُ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن أبي مليكَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر رجل على عبد الله بن عَمْرو وَهُوَ ساجد فِي الْحجر وَهُوَ يبكي فَقَالَ: أتعجب أَن أبْكِي من خشيَة الله وَهَذَا الْقَمَر يبكي من خشيَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لم يسْتَثْن من هَؤُلَاءِ أحدا حَتَّى إِذا جَاءَ ابْن آدم اسْتَثْنَاهُ فَقَالَ {وَكثير من النَّاس} قَالَ: وَالَّذِي أَحَق بالشكر هُوَ أَكْثَرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة والخلعي فِي فَوَائده عَن عَليّ أَنه قيل لَهُ: إِن هَهُنَا رجلا يتَكَلَّم فِي الْمَشِيئَة
فَقَالَ لَهُ عَليّ: يَا عبد الله خلقك الله لما يَشَاء أَو لما شِئْت قَالَ: بل لما يَشَاء
قَالَ: فيمرضك إِذا شَاءَ أَو إِذا شِئْت قَالَ: بل إِذا شَاءَ
قَالَ: فيشفيك إِذا شَاءَ أَو إِذا شِئْت قَالَ: بل إِذا شَاءَ
قَالَ: فيدخلك الْجنَّة حَيْثُ شَاءَ أَو حَيْثُ شِئْت قَالَ: بل حَيْثُ شَاءَ
قَالَ: وَالله لَو قلت غير ذَلِك لضَرَبْت الَّذِي فِيهِ عَيْنَاك بِالسَّيْفِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقسم قسما إِن هَذِه الْآيَة {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} إِلَى قَوْله {ان الله يفعل مَا يُرِيد} نزلت فِي الثَّلَاثَة وَالثَّلَاثَة الَّذين تبارزوا يَوْم بدر وهم: حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث(6/18)
وعليّ بن أبي طَالب وَعتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن عتبَة
قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَنا أول من يجثو فِي الْخُصُومَة على رُكْبَتَيْهِ بَين يَدي الله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق قيس بن عبَادَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَنا أول من يجثو بَين يَدي الرَّحْمَن للخصومة يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ قيس: فيهم نزلت {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: هم الَّذين بارزوا يَوْم بدر: عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وَعتبَة بن ربيعَة والوليد ابْن عتبَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بارز عَليّ وَحَمْزَة وَعبيدَة وَعتبَة وَشَيْبَة والوليد قَالُوا لَهُم: تكلمُوا نعرفكم
قَالَ: أَنا عَليّ وَهَذَا حَمْزَة وَهَذَا عُبَيْدَة
فَقَالُوا: أكفاء كرام فَقَالَ عَليّ: أدعوكم إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله
فَقَالَ عتبَة: هَلُمَّ للمبارزة
فبارز عَليّ شيبَة فَلم يلبث أَن قَتله وبارز حَمْزَة عتبَة فَقتله وبارز عُبَيْدَة الْوَلِيد فصعب عَلَيْهِ فَأتى عَليّ فَقتله
فَأنْزل الله {هَذَانِ خصمان}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: لما الْتَقَوْا يَوْم بدر قَالَ لَهُم عتبَة بن ربيعَة: لَا تقتلُوا هَذَا الرجل فَإِنَّهُ إِن يكن صَادِقا فَأنْتم أسعد النَّاس بصدقه وَإِن يكن كَاذِبًا فَأنْتم أَحَق من حقن دَمه
فقا أَبُو جهل بن هِشَام: لقد امْتَلَأت رعْبًا
فَقَالَ عتبَة: ستعلم أَيّنَا الجبان الْمُفْسد لِقَوْمِهِ
قَالَ: فبرز عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة فَنَادوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَقَالُوا: ابْعَثْ إِلَيْنَا أكفاءنا نقاتلهم
فَوَثَبَ غلمة من الْأَنْصَار من بني الْخَزْرَج فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجلسوا
قومُوا يَا بني هَاشم
فَقَامَ حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَعلي بن أبي طَالب وَعبيدَة بن الْحَارِث فبرزوا لَهُم فَقَالَ عتبَة: تكلمُوا نعرفكم أَن تَكُونُوا أكفاءنا قاتلناكم
قَالَ حَمْزَة: أَنا حَمْزَة بن عبد الْمطلب
أَنا أَسد الله وَأسد رَسُوله
فَقَالَ عتبَة: كُفْء كريم فَقَالَ عَليّ: أَنا عَليّ بن أبي كالب
فَقَالَ: كُفْء كريم فَقَالَ عُبَيْدَة
أَنا عُبَيْدَة بن الْحَارِث
فَقَالَ عتبَة: كُفْء كريم فَأخذ حَمْزَة شيبَة بن ربيعَة وَأخذ عَليّ بن أبي طَالب عتبَة بن ربيعَة وَأخذ عُبَيْدَة الْوَلِيد
فَأَما حَمْزَة فَأجَاز على شيبَة وَأما عَليّ فاختلفا ضربتين [] فَأَقَامَ فَأجَاز على عتبَة وَأما عُبَيْدَة فأصيبت رجله
قَالَ: فَرجع هَؤُلَاءِ وَقتل هَؤُلَاءِ فَنَادَى أَبُو(6/19)
جهل وَأَصْحَابه: لنا الْعُزَّى وَلَا عزى لكم فَنَادَى مُنَادِي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتْلَانَا فِي الْجنَّة وَقَتلَاكُمْ فِي النَّار
فَأنْزل الله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن لَاحق بن حميد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة يَوْم بدر {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} فِي عتبَة ابْن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة والوليد بن عتبَة
وَنزلت {إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} إِلَى قَوْله (وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد) فِي عَليّ بن أبي طَالب وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر اختصامها فِي الْبَعْث
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن قَالَ: هم الْكَافِرُونَ والمؤمنون اخْتَصَمُوا فِي رَبهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: هم أهل الْكتاب قَالُوا للْمُؤْمِنين نَحن أولى بِاللَّه وأقدم مِنْكُم كتابا وَنَبِينَا قبل نَبِيكُم
وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: نَحن أَحَق بِاللَّه آمنا بِمُحَمد وآمنا بنبيكم وَبِمَا أنزل الله من كتاب وَأَنْتُم تعرفُون كتَابنَا وَنَبِينَا ثمَّ تَرَكْتُمُوهُ وكفرتم بِهِ حسداً فَكَانَ ذَلِك خصومتهم فِي رَبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: اخْتصم الْمُسلمُونَ وَأهل الْكتاب فَقَالَ أهل الْكتاب: نَبينَا قبل نَبِيكُم وَكِتَابنَا قبل كتابكُمْ وَنحن أولى بِاللَّه مِنْكُم وَقَالَ الْمُسلمُونَ: إِن كتَابنَا يقْضِي على الْكتب كلهَا وَنَبِينَا خَاتم الْأَنْبِيَاء فَنحْن أولى بِاللَّه مِنْكُم فأفلج الله أهل الْإِسْلَام على من ناوأهم فَأنْزل الله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} إِلَى قَوْله {عَذَاب الْحَرِيق}
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {هَذَانِ خصمان اخْتَصَمُوا فِي رَبهم} قَالَ: هما الْجنَّة وَالنَّار اختصمتا فَقَالَت النَّار: خلقني الله لعقوبته
وَقَالَت الْجنَّة: خلقني الله لِرَحْمَتِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن جَاهد {فَالَّذِينَ كفرُوا قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} قَالَ: الْكَافِر قطعت لَهُ ثِيَاب من نَار وَالْمُؤمن يدْخلهُ الله جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار(6/20)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} من نُحَاس وَلَيْسَ من الْآنِية شَيْء إِذا حمي اشْتَدَّ بأحر مِنْهُ
وَفِي قَوْله {يصب من فَوق رؤوسهم الْحَمِيم} قَالَ: النّحاس يذاب على رؤوسهم
وَفِي قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم} قَالَ: تسيل أمعاؤهم والجلود قَالَ: تتناثر جُلُودهمْ حَتَّى يقوم كل عُضْو بحياله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَنه قَرَأَ قَوْله {قطعت لَهُم ثِيَاب من نَار} قَالَ: سُبْحَانَ من قطع من النَّار ثيابًا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كسي أهل النَّار والعري كَانَ خيرا لَهُم وأعطوا الْحَيَاة وَالْمَوْت كَانَ خيرا لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَنه تَلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الْحَمِيم ليصب على رؤوسهم فَينفذ الجمجمة حَتَّى يخلص إِلَى جَوْفه فيسلت مَا فِي جَوْفه حَتَّى يَمْرُق من قدمه وَهُوَ الصهر ثمَّ يُعَاد كَمَا كَانَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: يَأْتِيهِ الْملك يحمل الْإِنَاء بكليتين من حرارته فَإِذا أدناه من وَجهه يكرههُ فيرفع مقمعَة مَعَه فَيضْرب بهَا رَأسه فيفذغ دماغه ثمَّ يفرغ الْإِنَاء من دماغه فيصل إِلَى جَوْفه من دماغه
فَذَلِك قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم والجلود}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سعيد ابْن جُبَير قَالَ: إِذا جَاءَ أهل النَّار فِي النَّار اسْتَغَاثُوا بشجرة الزقوم فَأَكَلُوا مِنْهَا فاختنست جُلُود وُجُوههم فَلَو أَن ماراً يمر بهم يعرفهُمْ لعرف جُلُود وُجُوههم بهَا ثمَّ يصب عَلَيْهِم الْعَطش فَيَسْتَغِيثُونَ فَيُغَاثُونَ بِمَاء كَالْمهْلِ وَهُوَ الَّذِي قد سَقَطت عَنهُ الْجُلُود و {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم} يَمْشُونَ وأمعاؤهم تساقط وجلودهم ثمَّ يضْربُونَ
بمقامع من حَدِيد فَيسْقط كل عُضْو على حياله يدعونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم والجلود} قَالَ: يَمْشُونَ وأمعاؤهم تساقط وجلودهم
وَفِي قَوْله {وَلَهُم مَقَامِع من حَدِيد} قَالَ: يضْربُونَ بهَا فَيَقَع كل عُضْو على حياله(6/21)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي والطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {يصهر} قَالَ: يذاب {مَا فِي بطونهم} إِذا شربوا الْحَمِيم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: سخنت صهارته فظل عثانه فِي شيطل كَعْب بِهِ تَتَرَدَّد وظل مرتثياً للشمس تصهره حَتَّى اذا لشمس قَامَت جانباً عدلا وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم والجلود} قَالَ: يسقون مَاء إِذا دخل بطونهم أذابها والجلود مَعَ الْبُطُون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يصهر بِهِ مَا فِي بطونهم} قَالَ: يذاب إذابة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة {يصهر بِهِ} قَالَ: يذاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {يصهر بِهِ} قَالَ: يذاب كَمَا يذاب الشَّحْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَلَهُم مَقَامِع} قَالَ: مطارق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: كَانَ عمر يَقُول: أَكْثرُوا ذكر النَّار فَإِن حرهَا شَدِيد وَإِن قعرها بعيد وَإِن مقامعها حَدِيد
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن مِقْمَعًا من حَدِيد وضع فِي الأَرْض فَاجْتمع الثَّقَلَان مَا أَقلوهُ فِي الأَرْض وَلَو ضرب الْجَبَل بمقمع من حَدِيد لتفتت ثمَّ عَاد كَمَا كَانَ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سلمَان قَالَ: النَّار سَوْدَاء مظْلمَة لَا يضيء لهبا وَلَا جمرها
ثمَّ قَرَأَ {كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم أعيدوا فِيهَا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر الْقَارِي أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {كلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا من غم}(6/22)
فَبكى وَقَالَ: أَخْبرنِي زيد بن أسلم فِي هَذِه الْآيَة ان أهل النَّار فِي النَّار لَا يتنفسون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الفضيل بن عِيَاض فِي الْآيَة قَالَ: وَالله مَا طمعوا فِي الْخُرُوج لِأَن الأرجل مُقَيّدَة وَالْأَيْدِي موثقة وَلَكِن يرفعهم لهبا وتردهم مقامعها
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عمر قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشربه فِي الْآخِرَة وَمن شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لم يشرب فِي الْآخِرَة
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبَاس أهل الْجنَّة وشراب أهل الْجنَّة وآنية أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن الزبير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة
قَالَ ابْن الزبير من قبل نَفسه: وَمن لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة لم يدْخل الْجنَّة لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: {ولباسهم فِيهَا حَرِير}
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَإِن دخل الْجنَّة لبسه أهل الْجنَّة وَلم يلْبسهُ(6/23)
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
- قَوْله تَعَالَى: وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد إِن الَّذين كفرُوا ويصدون عَن سَبِيل الله وَالْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي جَعَلْنَاهُ للنَّاس سَوَاء العاكف فِيهِ والباد وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت أَن لَا تشرك بِي شَيْئا وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر يَأْتِين من كل فج عميق ليشهدوا مَنَافِع(6/23)
لَهُم ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وهدوا إِلَى الطّيب} قَالَ: ألهموا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل} قَالَ: فِي الْخُصُومَة إِذْ قَالُوا: الله مَوْلَانَا وَلَا مولى لكم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل} قَالَ: الْقُرْآن {وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد} قَالَ: الْإِسْلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل} قَالَ: الْإِخْلَاص {وهدوا إِلَى صِرَاط الحميد} قَالَ: الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وهدوا إِلَى الطّيب من القَوْل} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الَّذِي قَالَ (إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب)
وَأخرج عبد حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحرم كُله هُوَ الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: خلق الله فِيهِ سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سَوَاء} يَعْنِي شرعا وَاحِدًا {العاكف فِيهِ} قَالَ: أهل مَكَّة فِي مَكَّة أَيَّام الْحَج {والباد} قَالَ: من كَانَ فِي غير أَهلهَا من يعْتَكف بِهِ من الْآفَاق قَالَ: هم فِي منَازِل مَكَّة سَوَاء فَيَنْبَغِي لأهل مَكَّة أَن يوسعوا لَهُم حَتَّى يقضوا مناسكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ البادي وَأهل مَكَّة سَوَاء فِي الْمنزل وَالْحرم(6/24)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعَطَاء {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: سَوَاء فِي تَعْظِيم الْبَلَد وتحريمه
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: {سَوَاء} فِي جواره وأمنه وحرمته {العاكف فِيهِ} أهل مَكَّة {والباد} من يعتكفه من أهل الْآفَاق
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن حُصَيْن قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير: أعتكف بِمَكَّة قَالَ: لَا
أَنْت معتكف مَا أَقمت
قَالَ الله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: النَّاس بِمَكَّة سَوَاء لَيْسَ أحد أَحَق بالمنازل من أحد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من أَخذ من أجور بيُوت مَكَّة إِنَّمَا يَأْكُل فِي بَطْنه نَارا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عَطاء أَنه كَانَ يكره أَن تبَاع بيُوت مَكَّة أَو تكرى
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يكره إِجَارَة بيُوت مَكَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر أَن عمر نهى أَن تغلق أَبْوَاب دور مَكَّة فَإِن النَّاس كَانُوا ينزلون مِنْهَا حَيْثُ وجدوا حَتَّى كَانُوا يضْربُونَ فساطيطهم فِي الدّور
وَأخرج ابْن سعد عَن عمر بن الْخطاب أَن رجلا قَالَ لَهُ عِنْد الْمَرْوَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أقطعني مَكَانا لي ولعقبي
فَأَعْرض عَنهُ عمر وَقَالَ: هُوَ حرم الله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: بيُوت مَكَّة لَا تحل إِجَارَتهَا
وَأخرج ابْن أبي شية عَن ابْن جريج قَالَ: أَنا قَرَأت كتاب عمر بن عبد الْعَزِيز على النَّاس بِمَكَّة فنهاهم عَن كِرَاء بيُوت مَكَّة ودورها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم قَالَ: من أكل شَيْئا من كِرَاء مَكَّة فَإِنَّمَا يَأْكُل نَارا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: كَانَ عمر يمْنَع أهل مَكَّة أَن يجْعَلُوا لَهَا أبواباً حَتَّى ينزل الْحَاج فِي عرصات الدّور(6/25)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ: لم يكن للدور بِمَكَّة أَبْوَاب كَانَ أهل مصر وَأهل الْعرَاق يأْتونَ فَيدْخلُونَ دور مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط فِي قَوْله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: البادي الَّذِي يَجِيء من الْحَج والمقيمون سَوَاء فِي الْمنَازل ينزلون حَيْثُ شاؤوا وَلَا يخرج رجل من بَيته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله تَعَالَى {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: سَوَاء الْمُقِيم وَالَّذِي يرحل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سَوَاء العاكف فِيهِ والباد} قَالَ: ينزل أهل مَكَّة وَغَيرهم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَكَّة مُبَاحَة لَا تؤجر بيوتها وَلَا تبَاع رباعها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن عَلْقَمَة بن نَضْلَة قَالَ: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَمَا تدعى رباع مَكَّة إِلَّا السوائب من احْتَاجَ سكن وَمن اسْتغنى أسكن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عمر أَنه قَالَ: يَا أهل مَكَّة لَا تَتَّخِذُوا لدوركم أبواباً لينزل البادي حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج الدَّارقطني عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أكل كِرَاء بيُوت مَكَّة أكل نَارا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن رَاهَوَيْه وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَفعه فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: لَو أَن رجلا هم فِيهِ بإلحاد وَهُوَ بعدن أبين لأذاقه الله تَعَالَى عذَابا أَلِيمًا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم} قَالَ: من هم بخطيئة فَلم يعملها فِي سوى الْبَيْت لم تكْتب عَلَيْهِ حَتَّى يعملها وَمن هم بخطيئة فِي الْبَيْت لم يمته الله من الدُّنْيَا حَتَّى يذيقه من عَذَاب أَلِيم(6/26)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أنيس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه مَعَ رجلَيْنِ: أَحدهمَا مُهَاجِرِي وَالْآخر من الْأَنْصَار فافتخروا فِي الْأَنْسَاب فَغَضب عبد الله بن أنيس فَقتل الْأنْصَارِيّ ثمَّ ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وهرب إِلَى مَكَّة
فَنزلت فِيهِ {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم} يَعْنِي من لَجأ إِلَى الْحرم {بإلحاد} يَعْنِي بميل عَن الْإِسْلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد}
قَالَ: من لَجأ إِلَى الْحرم ليشرك فِيهِ عذبه الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: بشرك
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: هُوَ أَن يعبد فِيهِ غير الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} يَعْنِي أَن تستحل من الْحَرَام مَا حرم الله عَلَيْك من لِسَان أَو قتل فتظلم من لَا يظلمك وَتقتل من لَا يقتلك
فَإِذا فعل ذَلِك فقد وَجب لَهُ عَذَاب أَلِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن حبيب بن أبي ثَابت فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: هم المحتكرون الطَّعَام بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن يعلى بن أُميَّة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: احتكار الطَّعَام فِي الْحرم إلحاد فِيهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: احتكار الطَّعَام بِمَكَّة إلحاد بظُلْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: بيع الطَّعَام بِمَكَّة إلحاد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: احتكار الطَّعَام بِمَكَّة إلحاد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ لعبد الله بن عَمْرو(6/27)
فُسْطَاطَانِ: أَحدهمَا فِي الْحل وَالْآخر فِي الْحرم فَإِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي صلى فِي الَّذِي فِي الْحرم واذا أَرَادَ أَن يُعَاتب أَهله عَاتَبَهُمْ فِي الَّذِي فِي الْحل
فَقيل لَهُ فَقَالَ: كُنَّا نحدَّث أَن من الْإِلْحَاد فِيهِ أَن يَقُول الرجل: كلا وَالله وبلى وَالله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: شتم الْخَادِم فِي الْحرم ظلم فَمَا فَوْقه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تِجَارَة الْأَمِير بِمَكَّة إلحاد
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أقبل تبع بريد الْكَعْبَة حَتَّى إِذا كَانَ بكراع الغميم بعث الله تَعَالَى عَلَيْهِ ريحًا لَا يكَاد الْقَائِم يقوم إِلَّا بِمَشَقَّة
وَيذْهب الْقَائِم يقْعد فيصرع وَقَامَت عَلَيْهِ ولقوا مِنْهَا عناء ودعا تبع حبريه فَسَأَلَهُمَا: مَا هَذَا الَّذِي بعث عليّ قَالَا: أوتؤمنا قَالَ: أَنْتُم آمنون
قَالَا: فَإنَّك تُرِيدُ بَيْتا يمنعهُ الله مِمَّن أَرَادَهُ قَالَ: فَمَا يذهب هَذَا عني قَالَا: تجرد فِي ثَوْبَيْنِ ثمَّ تَقول: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ثمَّ تدخل فَتَطُوف بِهِ فَلَا تهيج أحدا من أَهله
قَالَ: فَإِن أَجمعت على هَذَا ذهبت هَذِه الرّيح عني قَالَا نعم
فتجرد ثمَّ لبّى فأدبرت الرّيح كَقطع اللَّيْل المظلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم نذقه من عَذَاب أَلِيم} قَالَ: حَدثنَا شيخ من عقب الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أَنهم أَخْبرُوهُ أَن أَيّمَا أحد أَرَادَ بِهِ مَا أَرَادَ أَصْحَاب الْفِيل عجل لَهُم الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا وَقَالَ: إِنَّمَا يُؤْتِي استحلاله من قبل أَهله
فَأَخْبرنِي عَنْهُم أَنه وجد سطران بِمَكَّة مكتوبان فِي الْمقَام: أما أَحدهمَا فَكَانَ كِتَابَته: بِسم الله وَالْبركَة وضعت بَيْتِي بِمَكَّة طَعَام أَهله اللَّحْم وَالسمن وَالتَّمْر وَمن دخله كَانَ آمنا لَا يحله إِلَّا أَهله
قَالَ: لَوْلَا أَن أَهله هم الَّذين فعلوا بِهِ مَا قد علمت لعجل لَهُم فِي الدُّنْيَا الْعَذَاب
قَالَ: ثمَّ أَخْبرنِي أَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قبل أَن يسْتَحل مِنْهُ الَّذِي يسْتَحل قَالَ: أجد مَكْتُوبًا فِي الْكتاب الأول: عبد الله يسْتَحل بِهِ الْحرم وَعِنْده عبد الله بن عَمْرو بن الْخطاب وَعبد الله بن الزبير
فَقَالَ: عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب قَالَ كل وَاحِد مِنْهُمَا: لست قاراً بِهِ إِلَّا حَاجا أَو مُعْتَمِرًا أَو حَاجَة لَا بُد مِنْهَا
وَسكت عبد الله بن الزبير فَلم يقل شَيْئا فاستحل من بعد ذَلِك(6/28)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من هم بسيئة لم تكْتب عَلَيْهِ حَتَّى يعملها
وَلَو أَن رجلا كَانَ بعدن أبين حدث نَفسه بِأَن يلْحد فِي الْبَيْت والإلحاد فِيهِ: أَن يسْتَحل فِيهِ مَا حرم الله عَلَيْهِ فَمَاتَ قبل أَن يصل إِلَى ذَلِك أذاقه الله من عَذَاب أَلِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد} قَالَ: ان الرجل ليهم بالخطيئة بِمَكَّة وَهُوَ بِأَرْض أُخْرَى فتكتب عَلَيْهِ وَمَا عَملهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: تضَاعف السَّيِّئَات بِمَكَّة كَمَا تضَاعف الْحَسَنَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: الْقَتْل والشرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أبي مليكَة أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَمن يرد فِيهِ بإلحاد بظُلْم} قَالَ: مَا كُنَّا نشك أَنَّهَا الذُّنُوب حَتَّى جَاءَ إعلاج من أهل الْبَصْرَة إِلَى إعلاج من أهل الْكُوفَة فزعموا أَنَّهَا الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: مَا من عبد يهم بذنب فيؤاخذه الله بِشَيْء حَتَّى يعمله إِلَّا من هم بِالْبَيْتِ الْعَتِيق شِرَاء فَإِنَّهُ من هم بِهِ شرا عجل الله لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْحجَّاج فِي الْآيَة قَالَ: إِن الرجل يحدث نَفسه أَن يعْمل ذَنبا بِمَكَّة فيكتبه الله عَلَيْهِ ذَنبا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن عَمْرو بِعَرَفَة ومنزله فِي الْحل ومسجده فِي الْحرم فَقلت لَهُ: لم تفعل هَذَا قَالَ: لِأَن الْعَمَل فِيهِ أفضل والخطيئة فِيهِ أعظم
وَالله أعلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دثر مَكَان الْبَيْت فَلم يحجه هود وَلَا صَالح حَتَّى بوأه الله لإِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق حَارِثَة بن مضرب عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم بِبِنَاء الْبَيْت خرج مَعَه إِسْمَاعِيل وَهَاجَر فَلَمَّا قدم مَكَّة رأى على رَأسه فِي مَوضِع الْبَيْت مثل الغمامة فِيهِ مثل الرَّأْس فَكَلمهُ فَقَالَ: يَا(6/29)
إِبْرَاهِيم ابْن على ظِلِّي أَو على قدري وَلَا تزد وَلَا تنقص
فَلَمَّا بنى خرج وَخلف إِسْمَاعِيل وَهَاجَر
وَذَلِكَ حِين يَقُول الله {وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن أبي ريَاح قَالَ: لما أهبط الله آدم كَانَ رِجْلَاهُ فِي الأَرْض وَرَأسه فِي السَّمَاء فَيسمع كَلَام أهل السَّمَاء ودعاءهم فيأنس إِلَيْهِم فهابت الْمَلَائِكَة مِنْهُ حَتَّى شكت إِلَى الله فِي دعائها وَفِي صلَاتهَا فأخفضه الله إِلَى الأَرْض فَلَمَّا فقد مَا كَانَ يسمع مِنْهُم استوحش حَتَّى شكا إِلَى الله فِي دُعَائِهِ وَفِي صلَاته فَوجه إِلَى مَكَّة فَكَانَ مَوضِع قدمه قَرْيَة وخطوة مفازة حَتَّى انْتهى إِلَى مَكَّة فَأنْزل الله ياقوتة من ياقوت الْجنَّة فَكَانَت على مَوضِع الْبَيْت الْآن فَلم يزل يُطَاف بِهِ حَتَّى أنزل الله الطوفان فَرفعت تِلْكَ الياقوتة حَتَّى بعث الله إِبْرَاهِيم فبناه
فَذَلِك قَول الله {وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة قَالَ: وضع الله الْبَيْت مَعَ آدم حِين أهبط الله آدم إِلَى الأَرْض وَكَانَ مهبطه بِأَرْض الْهِنْد وَكَانَ رَأسه فِي السَّمَاء وَرجلَاهُ فِي الأَرْض وَكَانَت الْمَلَائِكَة تهابه فنقص إِلَى سِتِّينَ ذِرَاعا فَحزن آدم إِذْ فقد أصوات الْمَلَائِكَة وتسبيحهم فَشَكا ذَلِك إِلَى الله فَقَالَ الله: يَا آدم إِنِّي قد أهبطت لَك بَيْتا يُطَاف بِهِ كَمَا يُطَاف حول عَرْشِي وَيصلى عِنْده كَمَا يصلى عِنْد عَرْشِي
فَاخْرُج إِلَيْهِ
فَخرج اليه آدم ومدّ لَهُ فِي خطوه فَكَانَ بَين كل خطوتين مفازة
فَلم تزل تِلْكَ المفاوز بعد على ذَلِك
وأتى آدم فَطَافَ بِهِ وَمن بعده من الْأَنْبِيَاء
قَالَ معمر: وَأَخْبرنِي أبان أَن الْبَيْت أهبط ياقوتة وَاحِدَة أَو درة وَاحِدَة
قَالَ معمر: وَبَلغنِي أَن سفينة نوح طافت بِالْبَيْتِ سبعا حَتَّى إِذا أغرق الله قوم نوح فقدوا بَقِي أساسه فبوّأه الله لإِبراهيم فبناه بعد ذَلِك
فَذَلِك قَول الله {وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت}
قَالَ معمر: قَالَ ابْن جريج: قَالَ نَاس: أرسل الله سُبْحَانَهُ سحابه فِيهَا رَأس فَقَالَ الرَّأْس: يَا ابرهيم إِن رَبك يَأْمُرك أَن تَأْخُذ قدر هَذِه السحابة
فَجعل ينظر إِلَيْهَا ويخط قدرهَا
قَالَ الرَّأْس: قد فعلت قَالَ: نعم
ثمَّ ارْتَفَعت فحفر فأبرز عَن أساس ثَابت فِي الأَرْض
قَالَ ابْن جريج: قَالَ مُجَاهِد: أقبل الْملك والصرد والسكينة مَعَ إِبْرَاهِيم من الشَّام فَقَالَت السكينَة:(6/30)
يَا إِبْرَاهِيم ريض على الْبَيْت
قَالَ: فَلذَلِك لَا يطوف الْبَيْت أَعْرَابِي وَلَا ملك من هَذِه الْمُلُوك إِلَّا رَأَيْت عَلَيْهِ السكينَة وَالْوَقار
قَالَ ابْن جريج: وَقَالَ ابْن الْمسيب: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: وَكَانَ الله استودع الرُّكْن أَبَا قبيس فَلَمَّا بنى إِبْرَاهِيم ناداه أَبُو قبيس فَقَالَ: يَا إِبْرَاهِيم هَذَا الرُّكْن فيّ فخده
فحفر عَنهُ فَوَضعه فَلَمَّا فرغ إِبْرَاهِيم من بنائِهِ قَالَ: قد فعلت يَا رب فأرنا مناسكنا
أبرزها لنا وعلمناها
فَبعث الله جِبْرِيل فحج بِهِ حَتَّى إِذا رأى عَرَفَة قَالَ: قد عرفت
وَكَانَ أَتَاهَا قبل ذَلِك مرّة
قَالَ: فَلذَلِك سميت عَرَفَة حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم النَّحْر عرض لَهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: احصب
فَحَصَبه بِسبع حَصَيَات
ثمَّ الْيَوْم الثَّانِي فالثالث فسدّ مَا بَين الجبلين - يَعْنِي إِبْلِيس - فَلذَلِك كَانَ رمي الْجمار
قَالَ: اعْل على ثبير
فعلاه فَنَادَى: يَا عباد الله أجِيبُوا الله
يَا عباد الله أطِيعُوا الله
فَسمع دَعوته من بَين الأبحر السَّبع مِمَّن كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من الْإِيمَان
فَهِيَ الَّتِي أعْطى الله إِبْرَاهِيم فِي الْمَنَاسِك قَوْله: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك وَلم يزل على وَجه الأَرْض سَبْعَة مُسلمُونَ فَصَاعِدا فلولا ذَلِك هَلَكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: كَانَ الْبَيْت غثاة - وَهِي المَاء - قبل أَن يخلق الله الأَرْض بِأَرْبَعِينَ عَاما وَمِنْه دحيت الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن السّديّ قَالَ: إِن الله عزَّ وجلَّ أَمر إِبْرَاهِيم أَن يَبْنِي الْبَيْت هُوَ وَإِسْمَاعِيل فَانْطَلق إِبْرَاهِيم حَتَّى أَتَى مَكَّة فَقَامَ هُوَ وَإِسْمَاعِيل وَأخذ المعاول لَا يدريان أَيْن الْبَيْت فَبعث الله ريحًا يُقَال لَهَا ريح الخجوج لَهَا جَنَاحَانِ وَرَأس فِي صُورَة حَيَّة فكنست لَهما مَا حول الْكَعْبَة من الْبَيْت الأول واتبعاها بالمعاول يحفران حَتَّى وضعا الأساس
فَذَلِك حِين يَقُول الله {وَإِذ بوأنا لإِبراهيم مَكَان الْبَيْت} فَلَمَّا بنيا الْقَوَاعِد فَبلغ مَكَان الرُّكْن قَالَ إِبْرَاهِيم لإسماعيل: اطلب لي حجرا حسنا أَضَعهُ هَهُنَا
قَالَ: يَا أَبَت اني كسلان لغب
قَالَ: عليّ ذَلِك
فَانْطَلق يطْلب لَهُ حجرا فَأَتَاهُ بِحجر فَلم يرضه فَقَالَ: ائْتِنِي بِحجر أحسن من هَذَا
فَانْطَلق يطْلب لَهُ حجرا فَجَاءَهُ جِبْرِيل بِالْحجرِ الْأسود من الْجنَّة وَكَانَ أَبيض ياقوتة بَيْضَاء مثل الثغامة وَكَانَ آدم هَبَط بِهِ من الْجنَّة فاسوّد من خَطَايَا النَّاس فَجَاءَهُ إِسْمَاعِيل بِحجر فَوجدَ عِنْده الرُّكْن فَقَالَ: يَا أَبَت من(6/31)
جَاءَك بِهَذَا قَالَ: جَاءَنِي بِهِ من هُوَ أنشط مِنْك
فَبَيْنَمَا هما يدعوان بالكلمات الَّتِي ابتلى بهَا إِبْرَاهِيم ربه فَلَمَّا فرغا من الْبُنيان أمره الله أَن يُنَادي
فَقَالَ {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حَوْشَب بن عقيل قَالَ: سَأَلت مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر: مَتى كَانَ الْبَيْت قَالَ: خلقت الْأَشْهر لَهُ
قلت: كم كَانَ طول بِنَاء إِبْرَاهِيم قَالَ: ثَمَانِيَة عشر ذِرَاعا
قلت: كم هُوَ الْيَوْم قَالَ: سِتَّة وَعِشْرُونَ ذِرَاعا: قلت: هَل بَقِي من حِجَارَة بِنَاء إِبْرَاهِيم شَيْء قَالَ: حشي بِهِ الْبَيْت إِلَّا حجرين مِمَّا يليا الْحجر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ الله لنَبيه {وطهر بَيْتِي للطائفين والقائمين والركع السُّجُود} قَالَ: طواف قبل الصَّلَاة
وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطّواف بِالْبَيْتِ بِمَنْزِلَة الصَّلَاة إِلَّا أَن الله قد أحل فِيهِ الْمنطق فَمن نطق فَلَا ينْطق إِلَّا بِخَير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {للطائفين} قَالَ: الَّذين يطوفون بِهِ {والقائمين} قَالَ: الْمُصَلِّين عِنْده
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: القائمون المصلون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن منيع وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم من بِنَاء الْبَيْت قَالَ: ربّ قد فرغت
فَقَالَ {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: ربّ وَمَا يبلغ صوتي قَالَ: أذّن وعليّ الْبَلَاغ
قَالَ: ربّ كَيفَ أَقُول قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس كتب عَلَيْكُم الْحَج إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق
فَسَمعهُ من بَين السَّمَاء وَالْأَرْض أَلا ترى أَنهم يجيئون من أقْصَى الأَرْض يلبون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بنى إِبْرَاهِيم الْبَيْت أوحى الله إِلَيْهِ أَن أذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ
فَقَالَ: أَلا إِن ربكُم قد اتخذ بَيْتا وأمركم أَن تحجوه
فَاسْتَجَاب لَهُ ماسمعه من حجر أَو شجر أَو أكمة أَو تُرَاب أَو شَيْء
فَقَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَمر الله إِبْرَاهِيم أَن يُنَادي فِي النَّاس بِالْحَجِّ صعد أَبَا قبيس فَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ثمَّ نَادَى: إِن الله كتب(6/32)
عَلَيْكُم الْحَج فأجيبوا ربكُم
فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء وَأول من أَجَابَهُ أهل الْيمن
فَلَيْسَ حَاج من يَوْمئِذٍ إِلَى أَن تقوم السَّاعَة إِلَّا من كَانَ أجَاب إِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ
وَأخرج الديلمي بسندٍ واهٍ عَن عَليّ رَفعه: لما نَادَى إِبْرَاهِيم بِالْحَجِّ لبّى الْخلق فَمن لبّى تَلْبِيَة وَاحِدَة حج وَاحِدَة وَمن لبّى مرَّتَيْنِ حج حجَّتَيْنِ وَمن زَاد فبحساب ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: قَامَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام على الْحجر فَنَادَى: يَا أَيهَا النَّاس كتب عَلَيْكُم الْحَج
فَأَسْمع من فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء فَأجَاب من آمن مِمَّن سبق فِي علم الله أَن يحجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: وقرت فِي كل ذكر وَأُنْثَى
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم من بِنَاء الْبَيْت أوحى الله إِلَيْهِ أَن {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} فَخرج فَنَادَى فِي النَّاس: يَا أَيهَا النَّاس إِن ربكُم قد اتخذ بَيْتا فحجوه
فَلم يسمعهُ حِينَئِذٍ من إنس وَلَا جن وَلَا شَجَرَة وَلَا أكمة وَلَا تُرَاب وَلَا جبل وَلَا مَاء وَلَا شَيْء إِلَّا قَالَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الْأَذَان عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أَخذ الْأَذَان من أَذَان إِبْرَاهِيم فِي الْحَج {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: فَأذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِدُعَاء النَّاس إِلَى الله اسْتقْبل الْمشرق فَدَعَا ثمَّ اسْتقْبل الْمغرب فَدَعَا ثمَّ اسْتقْبل الشَّام فَدَعَا ثمَّ اسْتقْبل الْيمن فَدَعَا فَأُجِيب: لبيْك لبيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة أَن الله أوحى إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَن {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} فَقَامَ على الْحجر فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله يَأْمُركُمْ بِالْحَجِّ
فَأَجَابَهُ من كَانَ مخلوقاً فِي الأَرْض يَوْمئِذٍ وَمن كَانَ فِي أَرْحَام النِّسَاء وَمن كَانَ فِي أصلاب الرِّجَال وَمن كَانَ فِي البحور فَقَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك(6/33)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ جِبْرِيل لإِبْرَاهِيم {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: كَيفَ أؤذن قَالَ: قل يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا إِلَى ربكُم
ثَلَاث مَرَّات
فَأجَاب الْعباد فَقَالُوا: لبيْك اللَّهُمَّ رَبنَا لبيْك لبيْك اللَّهُمَّ رَبنَا لبيْك
فَمن أجَاب إِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ من الْخلق فَهُوَ حَاج
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: لما فرغ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل من بِنَاء الْبَيْت أَمر إِبْرَاهِيم أَن يُؤذن بِالْحَجِّ فَقَامَ على الصَّفَا فَنَادَى بِصَوْت سَمعه مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا إِلَى ربكُم
فَأَجَابُوهُ وهم فِي أصلاب آبَائِهِم فَقَالُوا: لبيْك
قَالَ: فَإِنَّمَا يحجّ الْبَيْت الْيَوْم من أجَاب إِبْرَاهِيم يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: لما أذن إِبْرَاهِيم بِالْحَجِّ قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فلبى كل رطب ويابس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم أَن يُؤذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ قَامَ على الْمقَام فَنَادَى بِصَوْت أسمع من بَين الْمشرق وَالْمغْرب: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم: كَيفَ أَقُول قَالَ: قل يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فَمَا خلق الله من جبل وَلَا شجر ولاشيء من المطيعين لَهُ إِلَّا يُنَادي: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
فَصَارَت التَّلْبِيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيم: كَيفَ أَقُول قَالَ: قل يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فَمَا خلق الله من جبل وَلَا شجر وَلَا شَيْء من المطيعين لَهُ إِلَّا يُنَادي: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
فَصَارَت التَّلْبِيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: تطاول بِهِ الْمقَام حَتَّى كَانَ كأطول جبل فِي الأَرْض فَأذن فيهم بِالْحَجِّ فَأَسْمع من تَحت البحور السَّبع وَقَالُوا: لبيْك أَطعْنَا
لبيْك أجبنا
فَكل من حج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة مِمَّن اسْتَجَابَ لَهُ يَوْمئِذٍ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: قيل لإِبْرَاهِيم {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} قَالَ: يَا رب كَيفَ أَقُول قَالَ: قل لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
فَكَانَ إِبْرَاهِيم أول من لبّى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم بِالْحَجِّ قَامَ على الْمقَام فَنَادَى نِدَاء سَمعه جَمِيع أهل الأَرْض: أَلا إِن ربكُم قد وضع بَيْتا وأمركم أَن تحجوه
فَجعل الله فِي أثر قَدَمَيْهِ آيَة فِي الصَّخْرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ: صعد إِبْرَاهِيم على الصَّفَا(6/34)
فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فَأَسْمع من كَانَ حَيا فِي أصلاب الرِّجَال
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أجَاب إِبْرَاهِيم كل جنّي وإنسي وكل شجر وَحجر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَمر إِبْرَاهِيم أَن يُؤذن فِي النَّاس تواضعت لَهُ الْجبَال وَرفعت لَهُ الأَرْض فَقَامَ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صعد إِبْرَاهِيم أَبَا قبيس فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن إِبْرَاهِيم رَسُول الله
أَيهَا النَّاس إِن الله أَمرنِي أَن أنادي فِي النَّاس بِالْحَجِّ
أَيهَا النَّاس أجِيبُوا ربكُم
فَأَجَابَهُ من أَخذ الله مثاقه بِالْحَجِّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ} يَعْنِي بِالنَّاسِ أهل الْقبْلَة ألم تسمع أَنه قَالَ (إِن أول بَيت وضع للنَّاس
) إِلَى قَوْله (وَمن دخله كَانَ آمنا) (آل عمرَان آيَة 96) يَقُول: وَمن دخله من النَّاس الَّذين أَمر أَن يُؤذن فيهم وَكتب عَلَيْهِم الْحَج
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {يأتوك رجَالًا} قَالَ: مشَاة {وعَلى كل ضامر} قَالَ: الْإِبِل {يَأْتِين من كل فج عميق} قَالَ: بعيد
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: مَا آسى على شَيْء إِلَّا أَنِّي لم أكن حججْت رَاجِلا لِأَنِّي سَمِعت الله يَقُول {يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} وَهَكَذَا كَانَ يقرأوها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا آسى على شَيْء فَاتَنِي إِلَّا أَنِّي لم أحج مَاشِيا حَتَّى أدركني الْكبر أسمع الله تَعَالَى يَقُول {يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} فَبَدَأَ بِالرِّجَالِ قبل الركْبَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل حجا وهما ماشيان(6/35)
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من حج من مَكَّة مَاشِيا حَتَّى يرجع إِلَى مَكَّة كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة سَبْعمِائة حَسَنَة من حَسَنَات الْحرم
قيل: وَمَا حَسَنَات الْحرم قَالَ: بِكُل حَسَنَة مائَة ألف حَسَنَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن للْحَاج الرَّاكِب بِكُل خطْوَة تخطوها رَاحِلَته سبعين حَسَنَة وللماشي بِكُل قدم سَبْعمِائة حَسَنَة من حَسَنَات الْحرم
قيل: يَا رَسُول الله وَمَا حَسَنَات الْحرم قَالَ: الْحَسَنَة مائَة ألف حَسَنَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طان الْمَلَائِكَة لتصافح ركاب الْحجَّاج وتعتنق المشاة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يأتوك رجَالًا} قَالَ: على أَرجُلهم {وعَلى كل ضامر} قَالَ: الْإِبِل {يَأْتِين من كل فج عميق} يَعْنِي مَكَان بعيد
وَأخرج ابْن جرير وَعبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يحجون وَلَا يتزوّدون فَأنْزل الله (وتزودوا) (الْبَقَرَة آيَة 197)
وَكَانُوا يحجون وَلَا يركبون فَأنْزل الله {يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} فَأَمرهمْ بالزاد وَرخّص لَهُم فِي الرّكُوب والمتجر
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {من كل فج عميق} قَالَ: طَرِيق بعيد قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: فَسَارُوا العناء وسدوا الفجاج بأجساد عادلها آيدات وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يأتوك رجَالًا وعَلى كل ضامر} قَالَ: هم المشاة والركبان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وعَلى كل ضامر} قَالَ: مَا تبلغه الْمطِي حَتَّى تضمر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من كل فج عميق} قَالَ: طَرِيق بعيد(6/36)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ {من كل فج عميق} قَالَ: مَكَان بعيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: لَقِي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ ركباً يُرِيدُونَ الْبَيْت فَقَالَ: من أَنْتُم فَأَجَابَهُ أحدثهم سنا فَقَالَ: عباد الله الْمُسلمُونَ
فَقَالَ: من أَيْن جئْتُمْ قَالَ: من الْفَج العميق
قَالَ: أَيْن تُرِيدُونَ قَالَ: الْبَيْت الْعَتِيق
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: تأوّلها لعمر الله
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: من أميركم فَأَشَارَ إِلَى شيخ مِنْهُم فَقَالَ عمر: بل أَنْت أَمِيرهمْ لأحدثهم سنا الَّذِي أَجَابَهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم} قَالَ: أسواقاً كَانَت لَهُم
مَا ذكر الله مَنَافِع إِلَّا الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم} قَالَ: مَنَافِع فِي الدُّنْيَا وَمَنَافع فِي الْآخِرَة
فأمّا مَنَافِع الْآخِرَة فرضوان الله عز وَجل
وَأما مَنَافِع الدُّنْيَا فَمَا يصيبون من لُحُوم الْبدن فِي ذَلِك الْيَوْم والذبائح والتجارات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم} قَالَ: الْأجر فِي الْآخِرَة وَالتِّجَارَة فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويذكروا اسْم الله} قَالَ: فِيمَا ينحرون من الْبدن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ويذكروا اسْم الله} قَالَ: كَانَ يُقَال: إِذا ذبحت نسيكتك فَقل بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ هَذَا مِنْك وَلَك عَن فلَان ثمَّ كل وَأطْعم كَمَا أَمرك الله: الْجَار وَالْأَقْرَب فَالْأَقْرَب
وَأخرج أَبُو بكر الْمروزِي فِي كتاب الْعِيدَيْنِ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْأَيَّام المعلومات أَيَّام الْعشْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْأَيَّام المعلومات: يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام بعده(6/37)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فِي أَيَّام مَعْلُومَات} يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {فِي أَيَّام مَعْلُومَات} يَعْنِي أَيَّام التَّشْرِيق {على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} يَعْنِي الْبدن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَيَّام المعلومات والمعدودات هن جَمِيعهنَّ أَرْبَعَة أَيَّام
فالمعلومات يَوْم النَّحْر ويومان بعده
والمعدودات ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَيَّام المعلومات يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام بعده
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فِي أَيَّام مَعْلُومَات} قَالَ: قبل يَوْم التَّرويَة بِيَوْم وَيَوْم التَّرويَة وَيَوْم عَرَفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء وَمُجاهد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَيَّام المعلومات أَيَّام الْعشْر
وَأخرج عَن سعيد بن جُبَير وَالْحسن رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ لَا يَأْكُلُون من ذَبَائِح نِسَائِكُم فَأنْزل الله {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} فَرخص للْمُسلمين فَمن شَاءَ أكل وَمن شَاءَ لم يَأْكُل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ رخصَة إِن شَاءَ أكل وَإِن شَاءَ لم يَأْكُل
بِمَنْزِلَة قَوْله: (واذ حللتم فاصطادوا)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} قَالَ: إِذا ذبحتم فاهدوا وكلوا وأطعموا وأقلوا لُحُوم الْأَضَاحِي عنْدكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ رَضِي الله عَنهُ {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا البائس الْفَقِير} قَالَ: هِيَ فِي الْأَضَاحِي(6/38)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن شَاءَ أكل من الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة وَإِن شَاءَ لم يَأْكُل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَكُلُوا مِنْهَا} أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول للَّذي يبْعَث: بهديه مَعَه كُلْ ثلثا وَتصدق بِالثُّلثِ واهد لآل عتبَة ثلثا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: نحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كل جزور بضعَة فَجعلت فِي قدر فَأكل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي من اللَّحْم وحسوا من المرق
قَالَ سُفْيَان: لِأَن الله يَقُول {فَكُلُوا مِنْهَا}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأطعموا البائس} قَالَ: الزَّمن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {وأطعموا البائس الْفَقِير} قَالَ: {البائس} الَّذِي لم يجد شَيْئا من شدَّة الْحَاجة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت طرفَة وَهُوَ يَقُول: يَغْشَاهُم البائس المدقع والضيف وجار مجاور جنب وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَمُجاهد قَالَا {البائس} الَّذِي يمد كفيه إِلَى النَّاس يسْأَل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {البائس} الْمُضْطَر الَّذِي عَلَيْهِ الْبُؤْس و {الْفَقِير} الضَّعِيف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {البائس الْفَقِير} قَالَ: هما سَوَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {البائس الْفَقِير} الَّذِي بِهِ زَمَانه وَهُوَ فَقير(6/39)
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)
- قَوْله تَعَالَى: ثمَّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: التفث الْمَنَاسِك كلهَا(6/39)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: التفث قَضَاء النّسك كُله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ فِي التفث: حلق الرَّأْس وَالْأَخْذ من العارضين ونتف الابط وَحلق الْعَانَة وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة وَرمي الْجمار وقص الْأَظْفَار وقص الشَّارِب وَالذّبْح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ ليقضوا تفثهم} قَالَ: يَعْنِي بالتفث: وضع إحرامهم من حلق الرَّأْس وَلبس الثِّيَاب وقص الْأَظْفَار
وَنَحْو ذَلِك {وليوفوا نذورهم} قَالَ: يَعْنِي نحر مَا نذروا من الْبدن
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {ثمَّ ليقضوا تفثهم} قَالَ: التفث كل شَيْء أَحْرمُوا مِنْهُ {وليوفوا نذورهم} قَالَ: هُوَ الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {ليقضوا تفثهم} قَالَ: حلق الرَّأْس والعانة ونتف الأبط وقص الشَّارِب والأظافر وَرمي الْجمار وقص اللِّحْيَة: {وليوفوا نذورهم} قَالَ: نذر الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: التفث حلق الْعَانَة ونتف الابط وَأخذ من الشَّارِب وتقليم الأظافر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وليوفوا نذورهم} مثقله بجزم اللَّام
{وليطوفوا} بجزم اللَّام مثقلة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وليطوفوا} قَالَ: هُوَ الطّواف الْوَاجِب يَوْم النَّحْر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وليطوفوا} قَالَ: هُوَ الطّواف الْوَاجِب يَوْم النَّحْر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وليطوفوا} قَالَ: طواف الزِّيَارَة(6/40)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وليطوفوا} قَالَ: يَعْنِي زِيَارَة الْبَيْت
وَلَفظ ابْن جرير: هُوَ طواف الزِّيَارَة يَوْم النَّحْر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا سمى الله الْبَيْت الْعَتِيق لِأَن الله أعْتقهُ من الْجَبَابِرَة فَلم يظْهر عَلَيْهِ جَبَّار قطّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ أعتق من الْجَبَابِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ أعتق من الْجَبَابِرَة لم يَدعه جَبَّار قطّ
وَفِي لفظ: فَلَيْسَ فِي الأَرْض جَبَّار يَدعِي أَنه لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ لم يردهُ أحد بِسوء إِلَّا هلك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْبَيْت الْعَتِيق لِأَنَّهُ أعتق من الْغَرق فِي زمَان نوح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْعَتِيق لِأَنَّهُ أول بَيت وضع
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا جعل الطّواف بِالْبَيْتِ ملاذاً لِأَن الله لما خلق آدم أَمر إِبْلِيس بِالسُّجُود لَهُ فَأبى فَغَضب الرَّحْمَن فلاذت الْمَلَائِكَة بِالْبَيْتِ حَتَّى سكن غَضَبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} طَاف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وَرَائه
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحجر من الْبَيْت لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَاف بِالْبَيْتِ من وَرَائه وَقَالَ الله {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: طواف الْوَدَاع وَاجِب وَهُوَ قَول الله {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}(6/41)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَمْرَة قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: أَتَقْرَأُ سُورَة الْحَج يَقُول الله {وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} قَالَ: فَإِن آخر الْمَنَاسِك الطّواف بِالْبَيْتِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا ينفرون من منى إِلَى وُجُوههم فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكون آخر عَهدهم بِالْبَيْتِ وَرخّص للحائض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: من طَاف بِهَذَا الْبَيْت سبعا لَا يتَكَلَّم فِيهِ إِلَّا بتكبير أَو تهليل كَانَ عدل رَقَبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عمر قَالَ: من طَاف بِالْبَيْتِ أسبوعاً وَصلى رَكْعَتَيْنِ كَانَ مثل يَوْم وَلدته أمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من طَاف بِالْبَيْتِ كَانَ عدل رَقَبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من طَاف بِالْبَيْتِ سبعا يُحْصِيه كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة حَسَنَة ومحيت عَنهُ سَيِّئَة وَرفعت لَهُ دَرَجَة وَكَانَ لَهُ عدل رَقَبَة
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عقال قَالَ: طفت مَعَ أنس فِي مطرة فَقَالَ لنا: استأنفوا الْعَمَل فقد غفر لكم طفت من نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثل هَذَا الْيَوْم فَقَالَ: استأنفوا الْعَمَل فقد غفر لكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طَاف حول الْبَيْت أسبوعاً لَا يَلْغُو فِيهِ كَانَ عدل رَقَبَة يعتقها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من طَاف بِالْبَيْتِ خمسين أسبوعاً خرج من الذُّنُوب كَيَوْم وَلدته أمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جُبَير بن مطعم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يابني عبد منَاف لَا تمنعوا أحدا طَاف بِهَذَا الْبَيْت وَصلى أَي سَاعَة شَاءَ من ليل أَو نَهَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه طَاف بِالْبَيْتِ بعد الْعَصْر وَصلى رَكْعَتَيْنِ فَقيل لَهُ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيست كَسَائِر الْبلدَانِ(6/42)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا طَاف بِالْبَيْتِ اسْتَلم الْحجر والركن فِي كل طواف
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَأَيْت عمر بن الْخطاب قبَّل الْحجر وَسجد عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَّل الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَوضع خَدّه عَلَيْهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: احْفَظُوا هَذَا الحَدِيث
وَكَانَ يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَدْعُو بِهِ بَين الرُّكْنَيْنِ: رب قنعني بِمَا رزقتني وَبَارك لي فِيهِ واخلف عليّ كل غَائِبَة بِخَير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ان الطّواف بِالْبَيْتِ مثلا الصَّلَاة إِلَّا أَنكُمْ تتكلمون فَمن تكلم فَلَا يتَكَلَّم إِلَّا بِخَير
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شرب مَاء فِي الطّواف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الْأَعْلَى التَّيْمِيّ قَالَ: قَالَت خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا: يَا رَسُول الله مَا أَقُول وَأَنا أَطُوف بِالْبَيْتِ قَالَ: قولي: اللَّهُمَّ اغْفِر ذُنُوبِي وخطئي وعمدي وإسرافي فِي أَمْرِي إِنَّك إِن لَا تغْفر لي تهلكني
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أسمعت ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا أمرْتُم بِالطّوافِ بِهِ وَلم تؤمروا بِدُخُولِهِ
قَالَ: لم يكن نَهَانَا عَن دُخُوله وَلَكِن سمعته يَقُول: أَخْبرنِي أُسَامَة بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل الْبَيْت فَلَمَّا خرج ركع رَكْعَتَيْنِ فِي قبل الْبَيْت
وَقَالَ: هَذِه الْقبْلَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْدِي وَهُوَ قرير الْعين طيب النَّفس ثمَّ رَجَعَ وَهُوَ حَزِين فَقلت: يَا رَسُول الله خرجت من عِنْدِي وَأَنت كَذَا وَكَذَا
قَالَ: إِنِّي دخلت الْكَعْبَة
وددت أَنِّي لم أكن فعلته إِنِّي أَخَاف أَن أكون أَتعبت أمتِي من بعدِي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تَقول: عجبا للمرء الْمُسلم إِذا دخل الْكَعْبَة حِين يرفع بَصَره قِبَل السّقف يدع ذَلِك إجلالاً لله وإعظاماً دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَعْبَة مَا خلف بَصَره مَوضِع سُجُوده حَتَّى خرج مِنْهَا(6/43)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31)
- قَوْله تَعَالَى: ذَلِك وَمن يعظم حرمات الله فَهُوَ خير لَهُ عِنْد ربه وَأحلت لكم الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خرّ من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ذَلِك وَمن يعظم حرمات الله} قَالَ: الْحُرْمَة الْحَج وَالْعمْرَة وَمَا نهى الله عَنهُ من مَعَاصيه كلهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء وَعِكْرِمَة {ذَلِك وَمن يعظم حرمات الله} قَالَا: الْمعاصِي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمن يعظم حرمات الله} قَالَ: الحرمات الْمشعر الْحَرَام وَالْبَيْت الْحَرَام وَالْمَسْجِد الْحَرَام والبلد الْحَرَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم عَن عَيَّاش بن أبي ربيعَة المَخْزُومِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لن تزَال هَذِه الْأمة بِخَير مَا عظموا هَذِه الْحُرْمَة حق تعظيمها - يَعْنِي مَكَّة - فَإِذا ضيعوا ذَلِك هَلَكُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} يَقُول: اجتنبوا طَاعَة الشَّيْطَان فِي عبَادَة الْأَوْثَان {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} يَعْنِي الافتراء على الله والتكذيب بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَيمن بن خريم قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس عدلت شَهَادَة الزُّور إشراكاً بِاللَّه ثَلَاثًا ثمَّ قَرَأَ {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور}
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن خريم بن فاتك الْأَسدي قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الصُّبْح فَلَمَّا انْصَرف قَائِما قَالَ: عدلت شَهَادَة(6/44)
الزُّور الْإِشْرَاك بِاللَّه ثَلَاثًا ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أنبئكم بأكبر الْكَبَائِر قُلْنَا: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: الْإِشْرَاك بِاللَّه وعقوق الْوَالِدين - وَكَانَ مُتكئا فَجَلَسَ - فَقَالَ: أَلا وَقَول الزُّور
أَلا وَشَهَادَة الزُّور
فَمَا زَالَ يكررها حَتَّى قُلْنَا ليته سكت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: شَهَادَة الزُّور تعدل بالشرل بِاللَّه
ثمَّ قَرَأَ {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} قَالَ: الْكَذِب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {وَاجْتَنبُوا قَول الزُّور} يَعْنِي الشّرك بالْكلَام
وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ فَيَقُولُونَ فِي تلبيتهم: لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ} قَالَ: حجاجاً لله غير مُشْرِكين بِهِ
وَذَلِكَ أَن الْجَاهِلِيَّة كَانُوا يحجون مُشْرِكين فَلَمَّا أظهر الله الْإِسْلَام قَالَ الله للْمُسلمين: حجُّوا الْآن غير مُشْرِكين بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: كَانَ النَّاس يحجون وهم مشركون فَكَانُوا يسمونهم حنفَاء الْحجَّاج فَنزلت {حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن الْقَاسِم مولى أبي بكر الصّديق قَالَ: كَانَ نَاس من مُضر وَغَيرهم يحجون الْبَيْت وهم مشركون وَكَانَ من لَا يحجّ الْبَيْت من الْمُشْركين يَقُولُونَ: قُولُوا حنفَاء
فَقَالَ الله {حنفَاء لله غير مُشْرِكين بِهِ} يَقُول: حجاجاً غير مُشْرِكين بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن من حنفَاء قَالَ: مُسلمين
وَمَا كَانَ حنفَاء مُسلمين فهم حجاج
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {حنفَاء} قَالَ: حجاجاً(6/45)
وَأخرج عَن الضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {حنفَاء} قَالَ: متبعين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خرّ من السَّمَاء}
قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لمن أشرك بِاللَّه فِي بعده من الْهدى وهلاكه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فِي مَكَان سحيق} قَالَ: بعيد(6/46)
ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)
- قَوْله تَعَالَى: ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق وَلكُل أمة جعلنَا منسكا لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام فإلهكم إِلَه وَاحِد فَلهُ أَسْلمُوا وَبشر المخبتين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله} قَالَ: الْبدن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله} قَالَ: الاستسمان وَالِاسْتِحْسَان والاستعظام
وَفِي قَوْله {لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: إِلَى أَن تسمى بدنا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله} قَالَ: استعظام الْبدن واستسمانها واستحسانها {لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: ظُهُورهَا وأوبارها واشعارها وأصوافها إِلَى أَن تسمى هَديا
فَإِذا سميت هَديا ذهبت الْمَنَافِع {ثمَّ محلهَا} يَقُول: حِين يُسمى إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك وَعَطَاء فِي الأية قَالَ: الْمَنَافِع فِيهَا الرّكُوب عَلَيْهَا إِذا احْتَاجَ وَفِي أوبارها(6/46)
وَأَلْبَانهَا
وَالْأَجَل الْمُسَمّى: إِلَى أَن تقلد فَتَصِير بدناً {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} قَالَا: إِلَى يَوْم النَّحْر تنحر بمنى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} قَالَ: إِذا دخلت الْحرم فقد بلغت محلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن مُوسَى فِي قَوْله {ذَلِك وَمن يعظم شَعَائِر الله} قَالَ: الْوُقُوف بِعَرَفَة من شَعَائِر الله وبجمع من شَعَائِر الله وَالْبدن من شَعَائِر الله وَرمي الْجمار من شَعَائِر الله وَالْحلق من شَعَائِر الله
فَمن يعظمها {فَإِنَّهَا من تقوى الْقُلُوب لكم فِيهَا مَنَافِع إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: لكم فِي كل مشْعر مِنْهَا مَنَافِع إِلَى أَن تخْرجُوا مِنْهُ إِلَى غَيره {ثمَّ محلهَا إِلَى الْبَيْت الْعَتِيق} قَالَ: مَحل هَذِه الشعائر كلهَا الطّواف بِالْبَيْتِ الْعَتِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء أَنه سُئِلَ عَن شَعَائِر الله قَالَ: حرمات الله اجْتِنَاب سخط الله وَاتِّبَاع طَاعَته
فَذَلِك شَعَائِر الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلكُل أمة جعلنَا منسكاً} قَالَ: عيداً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلكُل أمة جعلنَا منسكاً} قَالَ: إهراق الدِّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَلكُل أمة جعلنَا منسكاً} قَالَ: ذبحا
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عمر: أَن رجلا أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرت بعيد الْأَضْحَى جعله الله لهَذِهِ الْأمة
قَالَ الرجل: فَإِن لم نجد إِلَّا ذَبِيحَة أُنْثَى أَو شَاة أعليّ اذْبَحْهَا قَالَ: لَا وَلَكِن قلم أظفارك وقص شاربك واحلق عانتك فَذَلِك تَمام أضحيتك عِنْد الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: نزل جِبْرِيل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ رَأَيْت عيدنا فَقَالَ: لقد تباهى بِهِ أهل السَّمَاء
اعْلَم يَا مُحَمَّد أَن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْمعز وَإِن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْبَقر وَإِن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْمعز وَإِن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْبَقر وَإِن الْجذع من الضَّأْن خير من السَّيِّد من الْإِبِل
وَلَو علم الله خيرا مِنْهُ فدى بهَا إِبْرَاهِيم(6/47)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم أَنه قَالَ: فِي هَذِه الْآيَة {وَلكُل أمة جعلنَا منسكاً} أَنه مَكَّة لم يَجْعَل الله لأمة قطّ منسكاً غَيرهَا
أخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر بن عبد الله: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى للنَّاس يَوْم النَّحْر فَلَمَّا فرغ من خطبَته وَصلَاته دَعَا بكبش فذبحه هُوَ بِنَفسِهِ وَقَالَ: بِسم الله وَالله أكبر
اللَّهُمَّ هَذَا عني وَعَمن لم يضح من أمتِي
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر قَالَ: ضحى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكبشين فِي يَوْم عيد فَقَالَ حِين وجههما: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين
اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك وَعَن مُحَمَّد وَأمته
ثمَّ سمى الله وَكبر وَذبح
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ أَنه قَالَ حِين ذبح: وجهت وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا مُسلما وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا من الْمُسلمين
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين فَسمى وَكبر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ إِذا ذبح قَالَ: بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك اللَّهُمَّ تقبل مني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {فَلهُ أَسْلمُوا} يَقُول: فَلهُ أَخْلصُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم
عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَبشر المخبتين} قَالَ: المطمئنين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَمْرو بن أَوْس {وَبشر المخبتين} قَالَ: المخبتون الَّذين لَا يظْلمُونَ النَّاس وَإِذا ظلمُوا لم ينتصروا(6/48)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَبشر المخبتين} قَالَ: المتواضعين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَبشر المخبتين} قَالَ: الوجلين
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ إِذا رأى الرّبيع بن خثيم قَالَ: {وَبشر المخبتين} وَقَالَ لَهُ: مَا رَأَيْتُك إِلَّا ذكرت المخبتين(6/49)
الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)
- قَوْله تَعَالَى: الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم وَالصَّابِرِينَ على مَا أَصَابَهُم والمقيمي الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله لكم فِيهَا خير فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف فَإِذا وَجَبت جنوبها فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا القانع والمعتر كَذَلِك سخرناها لكم لَعَلَّكُمْ تشكرون لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم كَذَلِك سخرها لكم لتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ وَبشر الْمُحْسِنِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {الَّذين إِذا ذكر الله وجلت قُلُوبهم} عِنْد مَا يخوفون {وَالصَّابِرِينَ على مَا أَصَابَهُم} من الْبلَاء والمصيبات {والمقيمي الصَّلَاة} يَعْنِي إِقَامَتهَا بأَدَاء مَا استحفظهم الله فِيهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وَالْبدن} خَفِيفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا نعلم الْبدن إِلَّا من الْإِبِل وَالْبَقر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبَدنَة ذَات الْخُف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبَدنَة ذَات الْبدن من الْإِبِل وَالْبَقر(6/49)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ الْبدن إِلَّا من الإِبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الْكَرِيم قَالَ: اخْتلف عَطاء وَالْحكم فَقَالَ عَطاء الْبدن من الْإِبِل وَالْبَقر
وَقَالَ الحكم: من الإِبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الْبدن الْبَعِير وَالْبَقَرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبدن من الْبَقر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن يَعْقُوب الريَاحي عَن أَبِيه قَالَ أوصى الي رجل وَأوصى ببدنة فَأتيت ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَقلت لَهُ: إِن رجلا أوصى إِلَيّ وَأوصى إِلَيّ ببدنة فَهَل تجزىء عني بقرة قَالَ: نعم
ثمَّ قَالَ: مِمَّن صَاحبكُم فَقلت: من بني ريَاح
قَالَ: وَمَتى تقتني
اقتنى بَنو ريَاح الْبَقر إِلَى الْإِبِل [] وَهُوَ صَاحبكُم وَإِنَّمَا الْبَقر للأسد وَعبد الْقَيْس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سميت الْبدن من قبل السمانة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {لكم فِيهَا خير} قَالَ: هِيَ الْبَدنَة
ان احْتَاجَ إِلَى ظهر ركب أَو إِلَى لبن شرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لكم فِيهَا خير} قَالَ: لكم أجر وَمَنَافع للبدن
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا يارسول الله مَا هَذِه الضاحي قَالَ: سنة أبيكم إِبْرَاهِيم قَالَ: فَمَا لنا فِيهَا يَا رَسُول الله قَالَ: بِكُل شَعْرَة حَسَنَة قَالُوا: فالصوف قَالَ: بِكُل شَعْرَة من الصُّوف حَسَنَة
وَأخرج ابْن عدي وَالدَّارقطني وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أنفقت الْوَرق فِي شَيْء أفضل من نحيرة فِي يَوْم عيد
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة - رَضِي الله(6/50)
عَنْهَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا عمل ابْن آدم يَوْم النَّحْر عملا أحب إِلَى الله من هراقه دم وَإِنَّهَا لتأتي يَوْم الْقِيَامَة بقرونها واظلافها وَأَشْعَارهَا وَإِن الدَّم ليَقَع من الله بمَكَان قبل أَن يَقع على الأَرْض فطيبوا بهَا نفسا
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أَب هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وجد سَعَة لَان يصحي فَلم يضح فَلَا يقربن مصلانا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن أنس قَالَ: حج سعيد بن الْمسيب وَحج مَعَه ابْن حَرْمَلَة فَاشْترى سعيد كَبْشًا فضحى بِهِ وَاشْترى ابْن حَرْمَلَة بَدَنَة بِسِتَّة دَنَانِير فنحرها
فَقَالَ لَهُ سعيد: اما كَانَ لَك فِينَا أُسْوَة فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يَقُول: {وَالْبدن جعلناها لكم من شَعَائِر الله لكم فِيهَا خير} فاحببت أَن آخذ الْخَيْر من حَيْثُ دلَّنِي الله عَلَيْهِ فاعجب ذَلِك ابْن الْمسيب مِنْهُ وَجعل يحدث بهَا عَنهُ
وَأخرج أَبُو نعيم الْحِلْية عَن ابْن عُيَيْنَة قَالَ: حج صَفْوَان بن سليم وَمَعَهُ سَبْعَة دَنَانِير فَاشْترى بهَا بَدَنَة فَقيل لَهُ: لَيْسَ مَعَك إِلَّا سَبْعَة دَنَانِير تشتري بهَا بَدَنَة فَقَالَ: إِنِّي سَمِعت الله يَقُول: {لكم فِيهَا خير}
وَأخرج قَاسم بن أصبغ وَابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: يَا أَيهَا النَّاس ضحوا وطيبوا بهَا نفسا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من عبد يُوَجه بأضحيته إِلَى الْقبْلَة إِلَّا كَانَ دَمهَا وقرنها وصوفها حَسَنَات محضرات فِي مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة فَإِن الدَّم إِن وَقع فِي التُّرَاب فَإِنَّمَا يَقع فِي حرز الله حَتَّى يُوفيه صَاحبه يَوْم الْقِيَامَة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - اعْمَلُوا قَلِيلا تجزوا كثيرا
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الأشد السملي عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أفضل الضَّحَايَا أغلاها وأسمنها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: مَا أنْفق النَّاس من نَفَقَة أعظم أجرا من دم يهراق يَوْم النَّحْر إِلَّا رحما محتاجة يصلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لكم فِيهَا خير} قَالَ: إِن احْتَاجَ إِلَى اللَّبن شرب وَإِن احْتَاجَ إِلَى الرّكُوب ركب وَإِن احْتَاجَ إِلَى الصُّوف أَخذ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ رجل لِابْنِ عَبَّاس أيركب الرجل الْبَدنَة على غير مثقل قَالَ: ويحلبها على غير مجهد(6/51)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يركب الرجل بدنته بِالْمَعْرُوفِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اركبوا الْهَدْي بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجدوا ظهرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَطاء رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - رخص لَهُم أَن يركبوها إِذا احتاجوا إِلَيْهَا
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يَسُوق بَدَنَة فَقَالَ: اركبها قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَة
قَالَ: اركبها وَيلك أَو يحك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - رأى رجلا يَسُوق بَدَنَة أَو هَدِيَّة فَقَالَ: اركبها فَقَالَ: إِنَّهَا بَدَنَة - أَو هَدِيَّة
قَالَ: وَإِن كَانَت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي ظبْيَان قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله {فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صواف} قَالَ: إِذا أردْت أَن تنحر الْبَدنَة فاقمها على ثَلَاث قَوَائِم معقولة ثمَّ قل: بِسم الله وَالله أكبر اللَّهُمَّ مِنْك وَلَك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {صواف} قَالَ: قيَاما معقولة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر: أَنه نحر بَدَنَة وَهِي قَائِمَة معقولة إِحْدَى يَديهَا
وَقَالَ: {صواف} كَمَا قَالَ الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رجلا أَنَاخَ بدنته وَهُوَ يَنْحَرهَا فَقَالَ: ابعثها قيام مُقَيّد سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه كَانُوا يعْقلُونَ من الْبَدنَة الْيُسْرَى وينحروها قَائِمَة على مَا هِيَ من قَوَائِمهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يَنْحَرهَا وَهِي معقولة يَدهَا الْيُمْنَى(6/52)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي الدنة كَيفَ تنحر قَالَ: تعقل يَدهَا الْيُسْرَى وينحرها من قبل يَدهَا الْيُمْنَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يعقل يَدهَا الْيُسْرَى إِذا أَرَادَ أَن يَنْحَرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: اعقل أَي الْيَدَيْنِ شِئْت
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَنه كَانَ يقْرَأ (فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صَوَافِن)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد فِي قَوْله (صَوَافِن) قَالَ: معقولة على ثَلَاثَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ عبد الله بن مَسْعُود يقْرَأ (فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صَوَافِن) أَي معقولة قيَاما
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ: أَنه كَانَ يقرأُها (صَوَافِن) قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر ينْحَر بدنته وَهِي على ثَلَاثَة قَوَائِم قيَاما معقولة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: من قَرَأَهَا (صَوَافِن) قَالَ: معقولة
وَمن قَرَأَهَا {صواف} قَالَ: يصف بَين يَديهَا
وَلَفظ عبد بن حميد من قَرَأَهَا {صواف} فَهِيَ قَائِمَة مَضْمُومَة يَديهَا
وَمن قَرَأَهَا (صَوَافِن) قيَاما معقولة وَلَفظ ابْن أبي شيبَة الصَّواف على أَربع والصوافن على ثَلَاثَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه كَانَ يَقْرَأها {صواف} قَالَ: خاصلة
لله تَعَالَى قَالَ: كَانُوا يذبحونها لأصنامهم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم أَنه قَرَأَ (فاذكروا اسْم الله عَلَيْهَا صوافي) بِالْيَاءِ منتصبة
وَقَالَ: خَالِصَة لله من الشّرك لأَنهم كَانُوا يشركُونَ فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا نحروها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَإِذا وَجَبت} قَالَ: سَقَطت على جنبها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَإِذا وَجَبت} قَالَ نحرت(6/53)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فَإِذا وَجَبت جنوبها} قَالَ: إِذا سَقَطت إِلَى الأَرْض
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله ابْن قرط قَالَ: قدم إِلَى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بدنات خمس أَو سِتّ فطفقن يزدلفن إِلَيْهِ بأيتهن يبْدَأ فَلَمَّا وَجَبت جنوبها قَالَ: من شَاءَ اقتطع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه: كَانَ يطعم من بدنه قبل أَن يَأْكُل مِنْهَا وَيَقُول: {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} هما سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا لَا يَأْكُلُون من شَيْء جَعَلُوهُ لله ثمَّ رخص لَهُم أَن يَأْكُلُوا من الْهَدْي وَالْأَضَاحِي وأشباهه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ قَالَ: لَا يُؤْكَل من النّذر وَلَا من جَزَاء الصَّيْد وَلَا مِمَّا جعل للْمَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لَا يُؤْكَل من النّذر وَلَا من الْكَفَّارَة وَلَا مِمَّا جعل للْمَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ قَالَ: أمرنَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نطعم من الضَّحَايَا الْجَار والسائل والمتعفف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ بمنى فَتلا هَذِه الْآيَة {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا القانع والمعتر} وَقَالَ: لغلام مَعَه هَذِه القانع الَّذِي يقنع بِمَا آتيته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القانع الْمُتَعَفِّف والمعتر السَّائِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس القانع الَّذِي يقنع بِمَا أُوتِيَ والمعتر الَّذِي يعْتَرض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القانع الَّذِي يجلس فِي بَيته
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس: إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {القانع والمعتر} قَالَ: القانع الَّذِي يقنع بِمَا عطي والمعتر الَّذِي يعتر من الْأَبْوَاب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: على مكثريهم حق من يعتريهم وَعند المقلين السماحة والبذل وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن(6/54)
هَذِه الْآيَة قَالَ: أما القانع فالقانع بِمَا أرْسلت إِلَيْهِ فِي بَيته
والمعتر الَّذِي يعتريك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القانع الَّذِي يسْأَل والمعتر الَّذِي يعْتَرض لَوْلَا يسْأَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: القانع السَّائِل الَّذِي يسْأَل ثمَّ أنْشد قَول الشَّاعِر: لمَال الْمَرْء يصلحه فَيبقى معاقره أعف من القنوع وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: القانع الَّذِي يقنع اليك بِمَا فِي يَديك والمعتر الَّذِي يتَصَدَّى إِلَيْك لتطعمه
وَلَفظ ابْن أبي شيبَة والمعتر الَّذِي يعتريك ويريك نَفسه وَلَا يَسْأَلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: القانع الطامع بِمَا قبلك وَلَا يَسْأَلك والمعتر الَّذِي يعتريك وَلَا يَسْأَلك
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: القانع الَّذِي يسْأَل فَيعْطى فِي يَدَيْهِ والمعتر الَّذِي يعتر فيطوف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: القانع أهل مَكَّة
والمعتر سَائِر النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: القانع السَّائِل والمعتر معتر الْبدن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: البائس الَّذِي يسْأَل بِيَدِهِ إِذا سَأَلَ والقانع الطامع الَّذِي يطْمع فِي ذبيحتك من جيرانك
والمعتر الَّذِي يعتريك بِنَفسِهِ وَلَا يَسْأَلك يتَعَرَّض لَك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة مَا الَّذِي آكل وَمَا الَّذِي أعطي القانع والمعتر قَالَ: اقسمها ثَلَاثَة أَجزَاء
قيل: مَا القانع قَالَ: من كَانَ حولك
قيل: وَإِن ذبح قَالَ: وَإِن ذبح
والمعتر: الَّذِي يَأْتِيك ويسألك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ إِذا ذَبَحُوا(6/55)
استقبلوا الْكَعْبَة بالدماء فينضحون بهَا نَحْو الْكَعْبَة
فَأَرَادَ الْمُسلمُونَ أَن يَفْعَلُوا ذَلِك فَأنْزل الله {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة ينضحون الْبَيْت بلحوم الْإِبِل ودمائها
فَقَالَ: أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنحْن أَحَق أَن ننضح
فَأنْزل الله {لن ينَال الله لحومها}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: النصب لَيست بأصنام الصَّنَم يصوّر وينقش وَهَذِه حِجَارَة تنصب ثلثمِائة وَسِتُّونَ حجرا فَكَانُوا إِذا ذَبَحُوا نضحوا الدَّم على مَا أقبل من الْبَيْت وشرحوا اللَّحْم وجعلوه على الْحِجَارَة
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يعظمون الْبَيْت بِالدَّمِ فَنحْن أَحَق أَن نعظمه
فَكَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - لم يكره مَا قَالُوا
فَنزلت {لن ينَال الله لحومها وَلَا دماؤها}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان {لن ينَال الله} قَالَ: لن يرفع إِلَى الله {لحومها وَلَا دماؤها وَلَكِن} نحر الْبدن من تقوى الله وطاعته
يَقُول: يرفع إِلَى الله مِنْكُم: الْأَعْمَال الصَّالِحَة وَالتَّقوى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم {وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} قَالَ: مَا التمس بِهِ وَجه الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَلَكِن يَنَالهُ التَّقْوَى مِنْكُم} يَقُول: إِن كَانَت من طيب وكنتم طيبين وصل إِلَيّ أَعمالكُم وتقبلتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} قَالَ: على ذَبحهَا فِي تِلْكَ الْأَيَّام
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن قَالَ: أمرنَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَن نلبس أَجود مَا نجد وَأَن نتطيب بأجود مَا نجد وَأَن نضحي بأسمن مَا نجد وَالْبَقَرَة عَن سَبْعَة وَالْجَزُور عَن سَبْعَة وَأَن نظهر التَّكْبِير وعلينا السكينَة وَالْوَقار وَالله أعلم(6/56)
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا إِن الله لَا يحب كل خوان كفور
أخرج عبد بن حميد عز عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِن الله يدافع} بِالْألف وَرفع الْيَاء(6/56)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله يدافع عَن الَّذين آمنُوا} قَالَ: وَالله مَا يضيع الله رجلا قطّ حفظ لَهُ دينه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله: إِن الله لَا يحب
قَالَ: لَا يقرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن كفور يَعْنِي بِهِ الْكفَّار(6/57)
أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)
- قَوْله تَعَالَى: أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقدير
أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما خرج النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - من مَكَّة قَالَ أَبُو بكر: أخرجُوا نَبِيّهم إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ليهلكن الْقَوْم فَنزلت {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} الْآيَة
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَأها {أذن} قَالَ أَبُو بكر: فَعمِلت أَنه سَيكون قتال
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَهِي أول آيَة نزلت فِي الْقِتَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد قَالَ: خرج نَاس مُؤمنُونَ مُهَاجِرين من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فاتبعهم كفار قُرَيْش فَأذن لَهُم فِي قِتَالهمْ فَأنْزل الله {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} الْآيَة
فقاتلوهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير أَن أول آيَة أنزلت فِي الْقِتَال حِين ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ بِمَكَّة وسطت بهم عَشَائِرهمْ ليفتنوهم عَن الْإِسْلَام وأخرجوهم من دِيَارهمْ وتظاهروا عَلَيْهِم فَأنْزل الله {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا} الْآيَة
وَذَلِكَ حِين أذن الله لرَسُوله بِالْخرُوجِ وَأذن لَهُم بِالْقِتَالِ(6/57)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَت أول آيَة نزلت فِي الْقِتَال {أذن للَّذين يُقَاتلُون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {أذن للَّذين يُقَاتلُون} قَالَ: أذن لَهُم فِي قِتَالهمْ بَعْدَمَا عفى عَنْهُم عشر سِنِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {أذن للَّذين يُقَاتلُون} قَالَ النَّبِي: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه {بِأَنَّهُم ظلمُوا} يَعْنِي ظلمهم أهل مَكَّة حِين أخرجوهم من دِيَارهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: أشرف عَلَيْهِم عُثْمَان من الْقصر فَقَالَ: ائْتُونِي بِرَجُل قارىء كتاب الله فَأتوهُ بصعصعة بن صوحان فَتكلم بِكَلَام فَقَالَ: {أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا وَإِن الله على نَصرهم لقدير} فَقَالَ لَهُ عُثْمَان: كذبت لَيست لَك وَلَا لأصحابك وَلكنهَا لي ولأصحابي(6/58)
الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (42) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (43) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (44)
- قَوْله تَعَالَى: الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ بِغَيْر حق إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبنَا الله وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لهدمت صوامع وَبيع وصلوات ومساجد يذكر فِيهَا اسْم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إِن الله لقوي عَزِيز الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونهوا عَن الْمُنكر وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور وَإِن يُكذِّبُوك فقد كذبت قبلهم قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَقوم إِبْرَاهِيم وَقوم لوط وَأَصْحَاب مَدين وَكذب مُوسَى فأمليت للْكَافِرِينَ ثمَّ أخذتهم فَكيف كَانَ نَكِير
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ} أَي من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {بِغَيْر حق} يَعْنِي مُحَمَّدًا - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه(6/58)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ: فِينَا نزلت هَذِه الْآيَة {الَّذين أخرجُوا من دِيَارهمْ بِغَيْر حق} وَالْآيَة بعْدهَا أخرجنَا من دِيَارنَا {بِغَيْر حق} ثمَّ مكنا فِي الأَرْض فَأَقَمْنَا الصَّلَاة وآتينا الزَّكَاة وأمرنا بِالْمَعْرُوفِ ونهينا عَن الْمُنكر فَهِيَ لي ولأصحابي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ثَابت بن عَوْسَجَة الخضيري قَالَ: حَدثنِي سَبْعَة وَعِشْرُونَ من أَصْحَاب عَليّ وَعبد الله مِنْهُم لَاحق بن الْأَقْمَر والعيزار بن جَرْوَل وعطية الْقرظِيّ أَن عليا قَالَ: إِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب مُحَمَّد {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} قَالَ: لَوْلَا دفع الله بأصحاب مُحَمَّد عَن التَّابِعين لهدمت صوامع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} بِغَيْر الْألف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس}
قَالَ: لَوْلَا الْقِتَال وَالْجهَاد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة
قَالَ: دفع الْمُشْركُونَ بِالْمُسْلِمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: منع بَعضهم بِبَعْض فِي الشَّهَادَة وَفِي الْحق وَفِيمَا يكون مثل هَذَا يَقُول: لَوْلَا هَذَا لهلكت هَذِه الصوامع وَمَا ذكر مَعهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لهدّمت صوامع}
قَالَ: الصوامع الَّتِي تكون فِيهَا الرهبان وَالْبيع مَسَاجِد الْيَهُود وصلوات كنائس النَّصَارَى والمساجد مَسَاجِد الْمُسلمين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: البيع بيع النَّصَارَى وصلوات كنائس الْيَهُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: صلوَات كنائس الْيَهُود يسمون الْكَنِيسَة صَلَاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم الجحدري أَنه قَرَأَ {وصلوات} قَالَ: الصَّلَوَات دون الصوامع
قَالَ: وَكَيف تهدم الصَّلَاة وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: البيع بيع النَّصَارَى والصلوات: بيع صغَار لِلنَّصَارَى(6/59)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ: صوامع الرهبان وَبيع النَّصَارَى وصلوات مَسَاجِد الصابئين: يسمونها بصلوات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {صوامع} قَالَ: هِيَ للصابئين وَبيع لِلنَّصَارَى وصلوات كنائس الْيَهُود ومساجد للْمُسلمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة
قَالَ: الصوامع صوامع الرهبان وَبيع كنائس وصلوات ومساجد لأهل الْكتاب وَلأَهل الْإِسْلَام بالطرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: وصلوات أهل الْإِسْلَام تَنْقَطِع إِذا دخل عَلَيْهِم الْعَدو
تَنْقَطِع الْعِبَادَة من الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {يذكر فِيهَا اسْم الله كثيرا} يَعْنِي فِي كل مِمَّا ذكر من الصوامع
والصلوات والمساجد يَقُول: فِي كل هَذَا يذكر اسْم الله وَلم يخص الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض} قَالَ: أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض} قَالَ: هم الْوُلَاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله: {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض} قَالَ: أَرض الْمَدِينَة {أَقَامُوا الصَّلَاة} قَالَ: الْمَكْتُوبَة
{وَآتوا الزَّكَاة} قَالَ: الْمَفْرُوضَة {وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله {ونهوا عَن الْمُنكر} قَالَ: الشّرك بِاللَّه {وَللَّه عَاقِبَة الْأُمُور} قَالَ: وَعند الله ثَوَاب مَا صَنَعُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة
قَالَ: كَانَ أَمرهم بِالْمَعْرُوفِ أَنهم دعوا إِلَى الله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ وَكَانَ نهيهم أَنهم نهوا عَن عبَادَة الشَّيْطَان
وَعبادَة الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض} قَالَ: هَذَا شَرط الله على هَذِه الْأمة وَالله أعلم(6/60)
فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45)
- قَوْله تَعَالَى: فكأين من قَرْيَة أهلكناها وَهِي ظالمه فَهِيَ خاوية على عروشها وبئر معطلة وَقصر مشيد
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَهِيَ خاوية على عروشها} قَالَ: خربة لَيْسَ فها أحد {وبئر معطلة} قَالَ: عطلها أَهلهَا وتركوها {وَقصر مشيد} قَالَ شيدوه وحصنوه فهلكوا وتركوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وبئر معطلة} قَالَ: الَّتِي تركت لَا أهل لَهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَقصر مشيد} قَالَ: هُوَ المجصص
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {وَقصر مشيد} قَالَ: شيد بالجص والآجر
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عدي بن زيد وَهُوَ يَقُول: شاده مرمرا وجلله كلسا فللطير فِي ذراه وكور وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَقصر مشيد} قَالَ: بالقصة
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق عَن عَطاء {وَقصر مشيد} قَالَ: مجصص(6/61)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)
- قَوْله تَعَالَى: أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فَتكون لَهُم قُلُوب يعْقلُونَ بهَا أوآذان يسمعُونَ بهَا فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار وَلَكِن تعمى الْقُلُوب الَّتِي فِي الصُّدُور
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التفكر عَن ابْن دِينَار قَالَ: أوحى الله إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَن اتخذ نَعْلَيْنِ من حَدِيد وعصا ثمَّ سح فِي الأَرْض فاطلب الْآثَار والعبر حَتَّى تحفوا النَّعْلَانِ وتنكسر الْعَصَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار} قَالَ: مَا هَذِه الْأَبْصَار الَّتِي فِي الرؤوس فَإِنَّهَا جعلهَا الله مَنْفَعَة وبلغة وَأما الْبَصَر النافع فَهُوَ فِي الْقلب
ذكر لنا أَنَّهَا نزلت فِي عبد الله بن زَائِدَة يَعْنِي ابْن أم مَكْتُوم(6/61)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة فِي شعب الإِيمان والديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن عبد الله بن جَراد قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - لَيْسَ الْأَعْمَى من يعمى بَصَره وَلَكِن الْأَعْمَى من تعمى بصيرته(6/62)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48)
- قَوْله تَعَالَى: ويستعجلونك بِالْعَذَابِ وَلنْ يخلف الله وعده وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ وكأين من قَرْيَة أمليت لَهَا وَهِي ظالمه ثمَّ أَخَذتهَا وإلي الْمصير
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ويستعجلونك بِالْعَذَابِ} قَالَ: قَالَ نَاس من جهلة هَذِه الْأمة {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحق من عنْدك فَأمْطر علينا حِجَارَة من السَّمَاء أَو ائتنا بِعَذَاب أَلِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: من الْأَيَّام السِّتَّة الَّتِي خلق الله فِيهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: مَا طول ذَلِك الْيَوْم على الْمُؤمن إِلَّا كَمَا بَين الأولى وَالْعصر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الدُّنْيَا جُمُعَة من جمع الْآخِرَة سَبْعَة آلَاف سنة فقد مضى مِنْهَا سِتَّة آلَاف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الأمل عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا جُمُعَة من جمع الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن رجل من أهل الْكتاب أسلم قَالَ: {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام} {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ} وَجعل أجل الدُّنْيَا سِتَّة أَيَّام وَجعل(6/62)
السَّاعَة فِي الْيَوْم السَّابِع فقد مَضَت السِّتَّة الْأَيَّام وَأَنْتُم فِي الْيَوْم السَّابِع فَمثل ذَلِك مثل الْحَامِل إِذا دخلت فِي شهرها فَفِي أَيَّة سَاعَة ولدت كَانَ تَمامًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن صَفْوَان بن سلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فُقَرَاء الْمُسلمين يدْخلُونَ الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء من الْمُسلمين بِنصْف يَوْم
قيل: وَمَا نصف الْيَوْم قَالَ خَمْسمِائَة عَام وتلا {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ضمير بن نَهَار قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة يدْخل فُقَرَاء الْمُسلمين الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِنصْف يَوْم
قلت: وَمَا مِقْدَار نصف يَوْم قَالَ: أَو مَا تقْرَأ الْقُرْآن {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ضمير بن نَهَار عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يدْخل فُقَرَاء أمتِي الْجنَّة قبل أغنيائهم بِنصْف يَوْم وتلا {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من صلى على جَنَازَة فَانْصَرف قبل أَن يفرغ مِنْهَا كَانَ لَهُ قِيرَاط فَإِن انْتظر حَتَّى يفرغ مِنْهَا كَانَ لَهُ قيراطان والقيراط مثل أحد فِي مِيزَانه يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ قَالَ ابْن عَبَّاس: حق لِعَظَمَة رَبنَا أَن يكون قيراطه مثل أحد ويومه كألف سنة
وَأخرج ابْن عدي والديلمي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الدُّنْيَا كلهَا سَبْعَة أَيَّام من أَيَّام الْآخِرَة وَذَلِكَ قَول الله {وَإِن يَوْمًا عِنْد رَبك كألف سنة مِمَّا تَعدونَ}(6/63)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (49) فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (50) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51)
- قَوْله تَعَالَى: قل ياأيها النَّاس إِنَّمَا أَنا لكم نَذِير مُبين فَالَّذِينَ آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم مغْفرَة ورزق كريم وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم
أخرج بن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: إِذا سَمِعت الله يَقُول {ورزق كريم} فَهِيَ الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {معاجزين} فِي كل الْقُرْآن يَعْنِي بِأَلف وَقَالَ: مشاقين(6/63)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {معاجزين} قَالَ مراغمين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الزبير أَنه كَانَ يقْرَأ (وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معجزين) يَعْنِي مثبطين
وَأخرج بن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير: أَنه كَانَ يعجب من الَّذين يقرأُون هَذِه الْآيَة {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين} قَالَ: لَيْسَ معاجزين من كَلَام الْعَرَب إِنَّمَا هِيَ (معجزين) يَعْنِي مثبطين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فِي آيَاتنَا معاجزين} قَالَ: مبطئين يبطئون النَّاس عَن اتِّبَاع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَالَّذين سعوا فِي آيَاتنَا معاجزين} قَالَ: كذبُوا بآيَات الله وظنوا أَنهم يعجزون الله وَلنْ يعجزوه(6/64)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57)
- قَوْله تَعَالَى: وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقِي الشَّيْطَان ثمَّ يحكم الله آيَاته وَالله عليم حَكِيم ليجعل مَا يلقِي الشَّيْطَان فتْنَة للَّذين فِي قُلُوبهم مرض والقاسية قُلُوبهم وَإِن الظَّالِمين لفي شقَاق بعيد وليعلم الَّذين أُوتُوا الْعلم أَنه الْحق من رَبك فيؤمنوا بِهِ فتخيت لَهُ قُلُوبهم وَإِن الله لهاد الَّذين آمنُوا إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا فِي مرية مِنْهُ حَتَّى تأتيهم السَّاعَة بَغْتَة أَو يَأْتِيهم عَذَاب يَوْم عقيم الْملك يَوْمئِذٍ لله يحكم بَينهم فَالَّذِينَ آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات فِي جنَّات النَّعيم وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِك لَهُم عَذَاب مهين(6/64)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ (وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي وَلَا مُحدث)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: إِن فِيمَا أنزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي} وَلَا مُحدث فنسخت مُحدث والمحدثون: صَاحب يس ولقمان وَهُوَ من آل فِرْعَوْن وَصَاحب مُوسَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: النَّبِي وَحده الَّذِي يكلم وَينزل عَلَيْهِ وَلَا يُرْسل
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق السّديّ عَن أبي صَالح قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَقَالَ الْمُشْركُونَ: ان ذكر آلِهَتنَا بِخَير ذكرنَا آلِهَته بِخَير ف {ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} النَّجْم آيَة 19 إنَّهُنَّ لفي الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
قَالَ: فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته}
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِن أمْنِيته أَن يسلم قومه
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة بِسَنَد رِجَاله ثِقَات من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى ففرح الْمُشْركُونَ بذلك وَقَالُوا: قد ذكر آلِهَتنَا فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: اقْرَأ عليَّ مَا جئْتُك بِهِ فَقَرَأَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
فَقَالَ: مَا أَتَيْتُك بِهَذَا هَذَا من الشَّيْطَان
فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة النَّجْم فَلَمَّا بلغ هَذَا الْموضع {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
قَالُوا: مَا ذكر آلِهَتنَا بِخَير قبل الْيَوْم فَسجدَ وسجدوا(6/65)
ثمَّ جَاءَهُ جِبْرِيل بعد ذَلِك قَالَ: اعْرِض عليَّ مَا جئْتُك بِهِ
فَلَمَّا بلغ: تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
قَالَ لَهُ جِبْرِيل: لم آتِك بِهَذَا هَذَا من الشَّيْطَان فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بَيْنَمَا هُوَ يُصَلِّي إِذْ نزلت عَلَيْهِ قصَّة آلِهَة الْعَرَب فَجعل يتلوها فَسَمعهُ الْمُشْركُونَ فَقَالُوا: إِنَّا نَسْمَعهُ يذكر آلِهَتنَا بِخَير فدنوا مِنْهُ فَبَيْنَمَا هُوَ يتلوها وَهُوَ يَقُول: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} ألْقى الشَّيْطَان: إِن تِلْكَ الغرانيق العلى مِنْهَا الشَّفَاعَة ترتجى
فعلق يتلوها فَنزل جِبْرِيل فنسخها ثمَّ قَالَ: {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي} إِلَى قَوْله {حَكِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَمن طَرِيق أبي بكر الْهُذلِيّ وَأَيوب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَمن طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَمَّن حَدثهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ سُورَة النَّجْم وَهُوَ بِمَكَّة فَأتى على هَذِه الْآيَة {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه: إنَّهُنَّ الغرانيق العلى
فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق يُونُس عَن ابْن شهَاب حَدثنِي أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة قَرَأَ سُورَة النَّجْم فَلَمَّا بلغ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} قَالَ: إِن شفاعتهن ترتجى وسها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ففرح الْمُشْركُونَ بذلك فَقَالَ: إِلَّا إِنَّمَا كَانَ ذَلِك من الشَّيْطَان فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} حَتَّى بلغ {عَذَاب يَوْم عقيم} مُرْسل صَحِيح الْإِسْنَاد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُوسَى بن عقبَة عَن ابْن شهَاب قَالَ: لما أنزلت سُورَة النَّجْم وَكَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ: لَو كَانَ هَذَا الرجل يذكر آلِهَتنَا بِخَير أقرنناه وَأَصْحَابه وَلَكِن لَا يذكر من خَالف دينه من الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِمثل الَّذِي يذكر آلِهَتنَا من الشتم وَالشَّر
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد اشْتَدَّ عَلَيْهِ مَا ناله وَأَصْحَابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنته ضلالتهم فَكَانَ يتَمَنَّى كف أذاهم فَلَمَّا أنزل الله سُورَة النَّجْم قَالَ: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} القى الشَّيْطَان(6/66)
عِنْدهَا كَلِمَات حِين ذكر الطواغيت فَقَالَ: وانهن لَهُنَّ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لهي الَّتِي ترتجى
فَكَانَ ذَلِك من سجع الشَّيْطَان وفتنه فَوَقَعت هَاتَانِ الكلمتان فِي قلب مُشْرك بِمَكَّة وذلقت بهَا ألسنتهم وتباشروا بهَا وَقَالُوا: ان مُحَمَّد قد رَجَعَ إِلَى دينه الأوّل وَدين قومه
فَلَمَّا بلغ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - آخر النَّجْم سجد وَسجد كل من حضر من مُسلم ومشرك ففشت تِلْكَ الْكَلِمَة فِي النَّاس وأظهرها الشَّيْطَان حَتَّى بلغت أَرض الْحَبَشَة
فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي}
فَلَمَّا بيَّن الله قَضَاءَهُ وبرأه من سجع الشَّيْطَان انْقَلب الْمُشْركُونَ بضلالتهم وعداوتهم للْمُسلمين واشتدوا عَلَيْهِ
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُوسَى بن عقبَة وَلم يذكر ابْن شهَاب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عُرْوَة مثله سَوَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَمُحَمّد بن قيس قَالَا: جلس رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي نَاد من أندية قُرَيْش كثير أَهله فتمنى يَوْمئِذٍ أَن لَا يَأْتِيهِ من الله شَيْء فَيَتَفَرَّقُونَ عَنهُ
فَأنْزل الله عَلَيْهِ (والنجم اذا هوى) (النَّجْم آيَة 1) فقرأها رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - حَتَّى بلغ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} النَّجْم آيَة 19
ألْقى الشَّيْطَان كَلِمَتَيْنِ: تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
فَتكلم بهَا ثمَّ مضى فَقَرَأَ السُّورَة كلهَا ثمَّ سجد فِي آخر السُّورَة وَسجد الْقَوْم جَمِيعًا مَعَه وَرَضوا بِمَا تكلم بِهِ فَلَمَّا أَمْسَى أَتَاهُ جِبْرِيل فَعرض عَلَيْهِ السُّورَة فَلَمَّا بلغ الْكَلِمَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ألْقى الشَّيْطَان عَلَيْهِ قَالَ: مَا جئْتُك بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ
فَقَالَ رَسُول الله: - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - افتريت على الله وَقلت مَا لم يقل
فَأوحى الله إِلَيْهِ {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} إِلَى قَوْله (نَصِيرًا) (الْإِسْرَاء آيَة 73 - 75) فَمَا زَالَ مغموماً مهموماً من شَأْن الْكَلِمَتَيْنِ حَتَّى نزلت {وَمَا أرسلنَا من قبلك}
فَسرِّي عَنهُ وَطَابَتْ نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ بِمَكَّة أنزل عَلَيْهِ فِي آلِهَة الْعَرَب فَجعل يَتْلُو اللات والعزى وَيكثر ترديدها فَسَمعهُ أهل مَكَّة وَهُوَ يذكر آلِهَتهم فَفَرِحُوا بذلك ودنوا يسمعُونَ فَألْقى الشَّيْطَان فِي تِلَاوَته: تِلْكَ الغرانيق(6/67)
العلى مِنْهَا الشَّفَاعَة ترتجى فقرأها النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَذَلِك فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك} إِلَى قَوْله {حَكِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد صَحِيح عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ لرَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: لَو ذكرت آلِهَتنَا فِي قَوْلك قعدنا مَعَك فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَك إِلَّا أراذل النَّاس وضعفاؤهم فَكَانُوا إِذا رأونا عنْدك تحدث النَّاس بذلك فأتوك
فَقَامَ يُصَلِّي فَقَرَأَ {والنجم} حَتَّى بلغ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تِلْكَ الغرانيق العلى وَشَفَاعَتهنَّ ترتجى ومثلهن لَا ينسى فَلَمَّا فرغ من ختم السُّورَة سجد وَسجد الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ
فَبلغ الْحَبَشَة: ان النَّاس قد أَسْلمُوا فشق ذَلِك على النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك} إِلَى قَوْله {عَذَاب يَوْم عقيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: نزلت سُورَة النَّجْم بِمَكَّة فَقَالَت قُرَيْش: يَا مُحَمَّد إِنَّه يجالسك الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين ويأتيك النَّاس من أقطار الأَرْض فَإِن ذكرت آلِهَتنَا بِخَير جالسناك فَقَرَأَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - سُورَة {النَّجْم} فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} النَّجْم آيَة 19 ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه: وَهِي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى
فَلَمَّا فرغ من السُّورَة سجد وَسجد الْمُسلمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ إِلَّا أَبَا احيحة [] سعيد بن الْعَاصِ فَإِنَّهُ أَخذ كفا من تُرَاب فَسجدَ عَلَيْهَا وَقَالَ: قد آن لِابْنِ أبي كَبْشَة أَن يذكر آلِهَتنَا بِخَير فَبلغ ذَلِك الْمُسلمين الَّذين كَانُوا بِالْحَبَشَةِ: أَن قُريْشًا قد أسلمت فأرادوا أَن يقبلُوا وَاشْتَدَّ على رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وعَلى أَصْحَابه مَا ألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يُصَلِّي عِنْد الْمقَام إِذْ نعس فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه كلمة فَتكلم بهَا وَتعلق بهَا الْمُشْركُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه ونعس وَإِن شفاعتهم لترتجى وَإِنَّهَا لمع الغرانيق العلى فحفظها الْمُشْركُونَ وَأخْبرهمْ الشَّيْطَان: أَن نَبِي الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قد قَرَأَهَا فذلت بهَا ألسنتهم فَأنْزل الله {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي}
فدحر الله الشَّيْطَان ولقن نبيه حجَّته(6/68)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد: أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ النَّجْم فَألْقى الشَّيْطَان على فِيهِ أحكم آيَاته
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ذَات يَوْم {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى ألكم الذّكر وَله الْأُنْثَى تِلْكَ إِذا قسْمَة ضيزى} النَّجْم آيَة 19 - 23 فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَان رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - تِلْكَ إِذن فِي الغرانيق العلى تِلْكَ إِذن شَفَاعَة ترتجى فَفَزعَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وجزع فَأوحى الله إِلَيْهِ {وَكم من ملك فِي السَّمَاوَات لَا تغني شفاعتهم شَيْئا} النَّجْم آيَة 26 ثمَّ أوحى إِلَيْهِ فَفرج عَنهُ {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} إِلَى قَوْله {حَكِيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: خرج النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِلَى الْمَسْجِد ليُصَلِّي فَبَيْنَمَا هُوَ يقْرَأ إِذْ قَالَ: {أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى} فَألْقى الشَّيْطَان على لِسَانه فَقَالَ: تِلْكَ الغرانقة العلى وَإِن شفاعتهن ترتجى حَتَّى إِذا بلغ آخر السُّورَة سجد وَسجد أَصْحَابه وَسجد الْمُشْركُونَ لذكره آلِهَتهم فَلَمَّا رفع رَأسه حملوه فاشتدوا بِهِ بَين قطري مَكَّة يَقُولُونَ: نَبِي بني عبد منَاف حَتَّى إِذا جَاءَهُ جِبْرِيل عرض عَلَيْهِ فَقَرَأَ ذَيْنك الحرفين فَقَالَ جِبْرِيل معَاذ الله أَن أكون أقرأتك هَذَا فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ فَأنْزل الله يطيب نَفسه {وَمَا أرسلنَا من قبلك}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} يَقُول: إِذا حدّث ألْقى الشَّيْطَان فِي حَدِيثه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِذا تمنى} يَعْنِي بالتمني التِّلَاوَة وَالْقِرَاءَة {ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته} فِي تِلَاوَة النَّبِي {فَينْسَخ الله} ينْسَخ جِبْرِيل بِأَمْر الله {مَا يلقِي الشَّيْطَان} على لِسَان النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {إِذا تمنى} قَالَ: تكلم فِي أمْنِيته قَالَ: كَلَامه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {ليجعل مَا يلقِي الشَّيْطَان فتْنَة للَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: المُنَافِقُونَ {والقاسية قُلُوبهم} يَعْنِي الْمُشْركين {وليعلم الَّذين أُوتُوا الْعلم أَنه الْحق}(6/69)
قَالَ: الْقُرْآن {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا فِي مرية مِنْهُ} قَالَ: من الْقُرْآن {عَذَاب يَوْم عقيم} قَالَ: لَيْسَ مَعَه لَيْلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي {مرية مِنْهُ} قَالَ: مِمَّا جَاءَ بِهِ الْخَبيث إِبْلِيس لَا يخرج من قُلُوبهم زادهم ضَلَالَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {عَذَاب يَوْم عقيم} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب قَالَ: أَربع كن يَوْم بدر {أَو يَأْتِيهم عَذَاب يَوْم عقيم} ذَاك يَوْم بدر {فَسَوف يكون لزاماً} الْفرْقَان آيَة 77 ذَاك يَوْم بدر {يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى} الدُّخان آيَة 16 ذَاك يَوْم بدر {ولنذيقنهم من الْعَذَاب الْأَدْنَى دون الْعَذَاب الْأَكْبَر} السَّجْدَة آيَة 21 ذَاك يَوْم بدر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {عَذَاب يَوْم عقيم} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد عَذَاب {يَوْم عقيم} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة لَا لَيْلَة لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك مثله(6/70)
وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59)
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا وَإِن الله لَهو خير الرازقين ليدخلنهم مدخلًا يرضونه وَإِن الله لعليم حَلِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان الْفَارِسِي: سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول: من مَاتَ مرابطاً أجْرى الله عَلَيْهِ مثل ذَلِك الْأجر وأجرى عَلَيْهِ الرزق(6/70)
وَأمن الفتانين وأقرأوا إِن شِئْتُم {وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا} إِلَى قَوْله: {حَلِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن فضَالة بن عبيد الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ: - إِنَّه كَانَ برودس - فَمروا بجنازتين: أَحدهمَا قَتِيل وَالْآخر متوفى
فَمَال النَّاس على الْقَتِيل فَقَالَ فضَالة: مَا لي أرى النَّاس مالوا مَعَ هَذَا وَتركُوا هَذَا فَقَالُوا: هَذَا لقتيل فِي سَبِيل الله فَقَالَ: وَالله مَا أُبَالِي من أَي حفرتيهما بعثت
اسمعوا كتاب الله {وَالَّذين هَاجرُوا فِي سَبِيل الله ثمَّ قتلوا أَو مَاتُوا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {مدخلًا يرضونه} قَالَ: الْجنَّة(6/71)
ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64)
- قَوْله تَعَالَى: ذَلِك وَمن عاقب بِمثل مَا عُوقِبَ بِهِ ثمَّ بغى عَلَيْهِ لينصرنه الله إِن الله لعفو غَفُور ذَلِك بِأَن الله يولج اللَّيْل فِي النَّهَار ويولج النَّهَار فِي اللَّيْل وَأَن الله سميع بَصِير ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق وَإِن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل وَأَن الله هُوَ الْعلي الْكَبِير ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة إِن الله لطيف خَبِير لَهُ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَإِن الله لَهو الْغَنِيّ الحميد
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله: {ذَلِك وَمن عاقب} الْآيَة
قَالَ: إِن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بعث سَرِيَّة فِي لَيْلَتَيْنِ بَقِيَتَا من الْمحرم فَلَقوا الْمُشْركين فَقَالَ الْمُشْركُونَ بَعضهم لبَعض: قَاتلُوا أَصْحَاب مُحَمَّد فَإِنَّهُم يحرمُونَ الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام وَإِن أَصْحَاب مُحَمَّد: ناشدوهم وذكروهم بِاللَّه أَن يعرضُوا لقتالهم فَإِنَّهُم لَا يسْتَحلُّونَ الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام إِلَّا من بادئهم وَإِن الْمُشْركين بدأوا وقاتلوهم فاستحل الصَّحَابَة قِتَالهمْ عِنْد ذَلِك فقاتلوهم ونصرهم الله عَلَيْهِم(6/71)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ذَلِك وَمن عاقب}
قَالَ: تعاون الْمُشْركُونَ على النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَأَصْحَابه فأخرجوه فوعد الله ان ينصره وَهُوَ فِي الْقصاص أَيْضا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن مَا يدعونَ من دونه هُوَ الْبَاطِل} قَالَ: الشَّيْطَان(6/72)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66)
- قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ أَن الله سخر لكم مَا فِي الأَرْض والفلك تجْرِي فِي الْبَحْر بأَمْره ويمسك السَّمَاء أَن تقع على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ إِن الله بِالنَّاسِ لرؤوف رَحِيم وَهُوَ الَّذِي أحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ إِن الْإِنْسَان لكفور
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أتيت سُلْطَانا مهيباً تخَاف أَن يَسْطُو بك فَقل: الله أكبر الله أكبر من خلقه جَمِيعًا الله أعز مِمَّن أَخَاف وَأحذر أعوذ بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الممسك السَّمَوَات السَّبع أَن يقعن على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ من شَرّ عَبدك فلَان وَجُنُوده وأشياعه من الْجِنّ وَالْإِنْس إلهي كن لي جاراً من شرهم جلّ شَأْنك وَعز جَارك وتبارك إسمك وَلَا إِلَه غَيْرك ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {إِن الْإِنْسَان لكفور} قَالَ: يعد المصيبات وينسى النعم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {إِن الْإِنْسَان لكفور} يَعْنِي بِهِ الْكفَّار وَالله أعلم(6/72)
لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67) وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)
- قَوْله تَعَالَى: لكل أمة جعلنَا منسكاً هم ناسكوه فَلَا ينازعنك فِي الْأَمر وادع إِلَى رَبك إِنَّك لعلى هدى مُسْتَقِيم وَإِن جادلوك فَقل الله أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ الله يحكم بَيْنكُم يَوْم القيامه فِيمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْمليح قَالَ: الْأمة مَا بَين الْأَرْبَعين إِلَى الْمِائَة فَصَاعِدا(6/72)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن الْحُسَيْن {لكل أمة جعلنَا منسكاً هم ناسكوه} قَالَ: ذبحا هم ذابحوه
حَدثنِي أَبُو رَافع أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا ضحى: اشْترى كبشين سمينين أملحين أقرنين فَإِذا خطب وَصلى ذبح احدهما ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا عَن أمتِي جَمِيعًا من شهد لَك بِالتَّوْحِيدِ ولي بالبلاغ ثمَّ أَتَى بِالْآخرِ فذبحه وَقَالَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَن مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد ثمَّ يطعمهما الْمَسَاكِين وَيَأْكُل هُوَ وَأَهله مِنْهُمَا
فَمَكثْنَا سنتَيْن قد كفانا الله الْغرم والمؤنة لَيْسَ أحد من بني هَاشم يُضحي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {هم ناسكوه} يَعْنِي هم ذابحوه {فَلَا ينازعنك فِي الْأَمر} يَعْنِي فِي أَمر الذَّبَائِح
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {لكل أمة جعلنَا منسكاً هم ناسكوه} قَالَ ذبحا هم ذابحوه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {منسكاً هم ناسكوه} قَالَ: اهراقه دم الْهَدْي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لكل أمة جعلنَا منسكاً} قَالَ: ذبحا وحجاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فَلَا ينازعنك فِي الْأَمر} قَول أهل الشّرك
أما مَا ذبح الله بِيَمِينِهِ فَلَا تَأْكُلُونَ وَأما مَا ذبحتم بِأَيْدِيكُمْ فَهُوَ حَلَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ {وادع إِلَى رَبك} قَالَ: إِلَى دين رَبك {إِنَّك لعلى هدى} قَالَ: دين مُسْتَقِيم {وَإِن جادلوك} يَعْنِي فِي الذَّبَائِح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جريج {وَإِن جادلوك فَقل الله أعلم بِمَا تَعْمَلُونَ} لنا أَعمالنَا وَلكم أَعمالكُم(6/73)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (71)
- قَوْله تَعَالَى: ألم تعلم أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِن ذَلِك فِي كتاب إِن ذَلِك على الله يسير ويعبدون من دون الله مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ علم وَمَا للظالمين من نصير(6/73)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خلق الله اللَّوْح الْمَحْفُوظ لمسيرة مائَة عَام وَقَالَ: للقلم - قبل أَن يخلق الْخلق وَهُوَ على الْعَرْش - اكْتُبْ قَالَ: مَا أكتب قَالَ: علمي فِي خلقي إِلَى يَوْم تقوم السَّاعَة فَجرى الْقَلَم بِمَا هُوَ كَائِن فِي علم الله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَذَلِك قَوْله للنَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - {ألم تعلم أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْض} يَعْنِي مَا فِي السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع {إِن ذَلِك} الْعلم {فِي كتاب} يَعْنِي فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرضين {إِن ذَلِك على الله يسير} يَعْنِي هَين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: سيفتح الله على أمتِي بَابا من الْقدر فِي آخر الزَّمَان لَا يسده شَيْء ويكفيكم من ذَلِك أَن تَقولُوا: {ألم تعلم أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِن ذَلِك فِي كتاب إِن ذَلِك على الله يسير}
وَأخرج اللالكائي فِي السّنة من طَرِيق آخر عَن سُلَيْمَان بن جَعْفَر الْقرشِي مَرْفُوعا مثله مُرْسلا(6/74)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (72)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا تتلى عَلَيْهِم آيَاتنَا بَيِّنَات تعرف فِي وُجُوه الَّذين كفرُوا الْمُنكر يكادون يسطون بالذين يَتلون عَلَيْهِم آيَاتنَا قل أفأنبئكم بشر من ذَلِكُم النَّار وعدها الله الَّذين كفرُوا وَبئسَ الْمصير
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يكادون يسطون} قَالَ: يبطشون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يكادون يسطون} قَالَ: يبطشون
كفار قُرَيْش وَالله أعلم(6/74)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)
- قَوْله تَعَالَى: ياأيها النَّاس ضرب مثل فَاسْتَمعُوا لَهُ إِن الَّذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا وَلَو اجْتَمعُوا لَهُ وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا لَا يستنقذوه مِنْهُ ضعف الطَّالِب وَالْمَطْلُوب ماقدروا الله حق قدره إِن الله لقوي عَزِيز(6/74)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَا أَيهَا النَّاس ضرب مثل فَاسْتَمعُوا لَهُ} قَالَ: نزلت فِي صنم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ {ضعف الطَّالِب} آلِهَتكُم {وَالْمَطْلُوب} الذُّبَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لن يخلقوا ذباباً} يَعْنِي الصَّنَم لَا يخلق ذباباً {وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا} يَقُول: يَجْعَل للأصنام طَعَام فَيَقَع عَلَيْهِ الذُّبَاب فيأكل مِنْهُ فَلَا يَسْتَطِيع أَن يستنقذه مِنْهُ ثمَّ رَجَعَ إِلَى النَّاس وَإِلَى الْأَصْنَام {ضعف الطَّالِب} الَّذِي يطْلب إِلَى هَذَا الصَّنَم الَّذِي لَا يخلق ذباباً وَلَا يَسْتَطِيع أَن يستنقذ مَا سلب مِنْهُ وضعف {وَالْمَطْلُوب} إِلَيْهِ
الَّذِي لَا يخلق ذباباً وَلَا يستنقذ مَا سلب مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين تدعون من دون الله} إِلَى قَوْله: {لَا يستنقذوه مِنْهُ} قَالَ: الْأَصْنَام
ذَلِك الشَّيْء من الذُّبَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {مَا قدرُوا الله حق قدره} قَالَ: حِين يعْبدُونَ مَعَ الله مَا لَا ينتصف من الذُّبَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن طَارق بن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ سلمَان دخل رجل الْجنَّة فِي ذُبَاب وَدخل رجل النَّار فِي ذُبَاب
قَالُوا: وَمَا الذُّبَاب فَرَأى ذباباً على ثوب إِنْسَان فَقَالَ: هَذَا الذُّبَاب
قَالُوا: وَكَيف ذَلِك قَالَ: مر رجلَانِ مسلمان على قوم يعكفون على صنم لَهُم لَا يُجَاوِزهُ أحد حَتَّى يقرب لَهُ شَيْئا فَقَالُوا لَهما: قربا لصنمنا قربانا
قالاك لَا نشْرك بِاللَّه شَيْئا
قَالُوا: قربا مَا شئتما وَلَو ذباباً
فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا ترى قَالَ أَحدهمَا: لَا أشرك بِاللَّه شَيْئا
فَقتل فَدخل الْجنَّة
فَقَالَ الآخر: بِيَدِهِ على وَجهه فَأخذ ذباباً فَأَلْقَاهُ على الصَّنَم فَخلوا سَبيله فَدخل النَّار(6/75)
اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)
- قَوْله تَعَالَى: الله يصطفي من الْمَلَائِكَة رسلًا وَمن النَّاس إِن الله سميع بَصِير يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور ياأيها الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا واسجدوا واعبدوا ربكُم وافعلوا الْخَيْر لَعَلَّكُمْ تفلحون(6/75)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رصي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الَّذِي {يصطفى} من النَّاس هم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: إِن الله اصْطفى مُوسَى بالْكلَام وَإِبْرَاهِيم بالخلة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مُوسَى بن عمرَان صفي الله
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه والباوردي وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أبي أوفى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت على رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فِي مَسْجِد الْمَدِينَة فَجعل يَقُول: أَيْن فلَان أَيْن فلَان فَلم يزل يتفقدهم وَينصب إِلَيْهِم حَتَّى اجْتَمعُوا عِنْده فَقَالَ: إِنِّي محدثكم بِحَدِيث فاحفظوه وعوه وَحَدثُوا بِهِ من بعدكم إِن الله اصْطفى من خلقه خلقا ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {الله يصطفي من الْمَلَائِكَة رسلًا وَمن النَّاس} خلقا يدخلهم الْجنَّة وَإِنِّي مصطفٍ مِنْكُم من أحب أَن اصطفيه ومؤاخ بَيْنكُم كَمَا آخى الله بَين الْمَلَائِكَة قُم يَا أَبَا بكر
فَقَامَ فَجَثَا بَين يَدَيْهِ
فَقَالَ: إِن لَك عِنْدِي يدا أَن الله يجْزِيك بهَا فَلَو كنت متخذاً خَلِيلًا لاتخذتك خَلِيلًا فَأَنت مني بِمَنْزِلَة قَمِيصِي من جَسَدِي وحرك قَمِيصه بِيَدِهِ
ثمَّ قَالَ: ادن يَا عمر فَدَنَا ثمَّ قَالَ: ادن يَا عمر فَدَنَا ثمَّ قَالَ: كنت شَدِيد الثغب علينا أَبَا حَفْص فدعوت الله أَن يعز الدّين بك أَو بِأبي جهل فَفعل الله ذَلِك لَك وَكنت أحبهما إليّ فَأَنت معي فِي الْجنَّة ثَالِث ثَلَاثَة من هَذِه الْأمة
ثمَّ تنحى وآخى بَينه وَبَين أبي بكر ثمَّ دَعَا عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ: ادن يَا عُثْمَان ادن يَا عُثْمَان فَلم يزل يدنو مِنْهُ حَتَّى ألصق ركبته بركبة رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - ثمَّ نظر اليه ثمَّ نظر إِلَى السَّمَاء فَقَالَ: سُبْحَانَ الله الْعَظِيم ثَلَاث مَرَّات ثمَّ نظر إِلَى عُثْمَان فَإِذا ازراره محلولة فزرها رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - بِيَدِهِ ثمَّ قالك اجْمَعْ عطفي ردائك على نحرك فَإِن لَك شَأْنًا فِي أهل السَّمَاء أَنْت مِمَّن يرد عليّ الْحَوْض وأوداجه تشخب دَمًا فَأَقُول من فعل هَذَا بك فَتَقول فلَان
وَذَلِكَ كَلَام جِبْرِيل وَذَلِكَ إِذا هتف من السَّمَاء: إِلَّا أَن عُثْمَان أَمِير على كل خاذل
ثمَّ دَعَا عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: ادن ياأمين الله والامين فِي السَّمَاء يُسَلط الله على مَالك بِالْحَقِّ أما ان لَك عِنْدِي دَعْوَة وَقد أخرتها
قالك خر لي يَا رَسُول الله
قَالَ: حَملتنِي يَا عبد الرَّحْمَن أَمَانَة أَكثر(6/76)
الله مَالك
وَجعل يُحَرك يَده ثمَّ تنحى وآخى بَينه وَبَين عُثْمَان ثمَّ دخل طَلْحَة وَالزُّبَيْر فَقَالَ: ادْنُوا مني فدنوا مِنْهُ فَقَالَ: أَنْتُمَا حوارِي كحواري عِيسَى بن مَرْيَم
ثمَّ آخى بَينهمَا ثمَّ دَعَا سعد بن أبي وَقاص وعمار بن يَاسر فَقَالَ: يَا عمار تقتلك الفئة الباغية
ثمَّ آخى بَينهمَا ثمَّ دَعَا أَبَا الدَّرْدَاء وسلمان الْفَارِسِي فَقَالَ: يَا سلمَان أَنْت منا أهل الْبَيْت وَقد آتاك الله الْعلم الأول وَالْعلم الآخر وَالْكتاب الأول وَالْكتاب الآخر
ثمَّ قَالَ إِلَّا أنْشدك يَا أَبَا الدَّرْدَاء قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: إِن تنقدهم ينقدوك وَإِن تتركهم لَا يتركوك وَإِن تهرب مِنْهُم يدركوك فاقرضهم عرضك ليَوْم فقرك
فآخى بَينهمَا ثمَّ نظر فِي وُجُوه أَصْحَابه فَقَالَ: ابشروا وقروا عينا فَأنْتم أول من يرد عليّ الْحَوْض وَأَنْتُم فِي أَعلَى الغرف
ثمَّ نظر إِلَى عبد الله بن عمر فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي يهدي من الضَّلَالَة فَقَالَ عَليّ: يَا رَسُول الله ذهب روحي وَانْقطع ظَهْري حِين رَأَيْتُك فعلت مَا فعلت بِأَصْحَابِك غَيْرِي فَإِن كَانَ من سخط عَليّ فلك العتبى والكرامة
فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ وَمَا أخرتك إِلَّا لنَفْسي فَأَنت عِنْدِي بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى ووارثي
فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا أرث مِنْك قَالَ: مَا ورثت الْأَنْبِيَاء
قَالَ: وَمَا ورثت الْأَنْبِيَاء قبلك قَالَ: كتاب الله وَسنة نَبِيّهم وَأَنت معي فِي قصري فِي الْجنَّة مَعَ فَاطِمَة ابْنَتي وَأَنت أخي ورفيقي ثمَّ تَلا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - هَذِه
الْآيَة {اخواناً على سرر مُتَقَابلين}
الاخلاء فِي الله ينظر بَعضهم إِلَى بعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ارْكَعُوا}
قَالَ إِنَّمَا هِيَ أدب وموعظة(6/77)
وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)
- قَوْله تَعَالَى: وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده هُوَ اجتباكم وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل وَفِي هَذَا ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس فأقيموا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة واعتصموا بِاللَّه هُوَ مولاكم فَنعم الْمولى وَنعم النصير(6/77)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: قَالَ لي عمر أَلسنا كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} فِي آخر الزَّمَان كَمَا جاهدتم فِي أَوله قلت: بلَى
فَمَتَى هَذَا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: إِذا كَانَت بَنو أُميَّة الْأُمَرَاء وَبَنُو الْمُغيرَة الوزراء
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْمسور بن مخرمَة
قَالَ: قَالَ عمر لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَذكره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} قَالَ: جاهدوا عَدو مُحَمَّد حَتَّى يدخلُوا فِي الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} قَالَ: ان الرجل ليجاهد فِي الله حق جهاده وَمَا ضرب بِسيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} يَعْنِي الْعَمَل أَن يجتهدوا فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} قَالَ: يطاع فَلَا يعْصى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - {وَجَاهدُوا فِي الله حق جهاده} قَالَ: لَا تخافوا فِي الله لومة لائم {هُوَ اجتباكم} قَالَ: استخلصكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن فضَالة بن عبيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْمُجَاهِد من جَاهد نَفسه فِي طَاعَة الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - انها سَأَلت النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن هَذِه الْآيَة {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} قَالَ: من ضيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِابْنِ عَبَّاس أما علينا فِي الدّين من حرج فِي أَن نَسْرِق أَو نزني قَالَ: بلَى
قَالَ: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} قَالَ: الأصر الَّذِي كَانَ على بني إِسْرَائِيل وضع عَنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن شهَاب أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يَقُول: فِي(6/78)
قَوْله: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} توسعة الْإِسْلَام مَا جعل الله من التَّوْبَة وَمن الْكَفَّارَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عُثْمَان بن بشار عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} قَالَ: هَذَا فِي هِلَال رَمَضَان إِذا شكّ فِيهِ النَّاس وَفِي الْحَج إِذا شكوا فِي الْهلَال وَفِي الْأَضْحَى وَفِي الْفطر وَفِي أشباهه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق سعيد بن جُبَير أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْحَرج فَقَالَ: ادعوا لي رجلا من هُذَيْل فَجَاءَهُ فَقَالَ: مَا الْحَرج فِيكُم فَقَالَ: الحرجة من الشّجر الَّتِي لَيْسَ لَهَا مخرج
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَذَا الْحَرج الَّذِي لَيْسَ لَهُ مخرج
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عبيد الله بن أبي يزِيد أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ عَن الْحَرج فَقَالَ: هَهُنَا أحد من هُذَيْل فَقَالَ رجل: أَنا
فَقَالَ: مَا تَعدونَ الحرجة فِيكُم قَالَ: الشَّيْء الضّيق
قَالَ: هُوَ ذَاك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْحَرج الضّيق لم يَجعله ضيقا وَلكنه جعله وَاسِعًا أحل لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع {وَمَا ملكت أَيْمَانكُم} {حرم عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير}
وَأخرج مُحَمَّد بن يحيى الذهلي فِي الزهريات وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن شهَاب قَالَ: سَأَلَ عبد الْملك بن مَرْوَان عَليّ بن عبد الله عَن هَذِه الْآيَة {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} فَقَالَ عَليّ بن عبد الله: الْحَرج الضّيق جعل الله الْكَفَّارَات مخرجا من ذَلِك
سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن زيد بن عبد الله بن عمر قَالَ: قَرَأَ عمر بن الْخطاب هَذِه الْآيَة {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} ثمَّ قَالَ: ادعوا لي رجلا من بني مُدْلِج
قَالَ عمر: مَا الْحَرج فِيكُم قَالَ: الضّيق
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: غَابَ عَنَّا رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَوْمًا فَلم يخرج حَتَّى ظننا أَن لن يخرج فَلَمَّا خرج سجد سَجْدَة فظننا أَن نَفسه قد قبضت فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ: إِن رَبِّي عز وَجل إستشارني فِي أمتِي مَاذَا أفعل بهم(6/79)
فَقلت: مَا شِئْت أَي رب هم خلقك وعبادك فاستشارني الثَّانِيَة فَقلت لَهُ كَذَلِك فَقَالَ: لَا أخزيك فِي أمتك يَا مُحَمَّد وبشرني: إِن أول من يدْخل الْجنَّة من أمتِي معي سَبْعُونَ ألفا مَعَ كل ألف سَبْعُونَ ألفا لَيْسَ عَلَيْهِم حِسَاب
ثمَّ أرسل إِلَيّ ادْع تجب وسل تعط فَقلت لرَسُوله: أَو معطي رَبِّي سؤلي قَالَ: مَا أَرْسلنِي إِلَيْك إِلَّا ليعطيك
وَلَقَد أَعْطَانِي رَبِّي عز وَجل وَلَا فَخر وَغفر لي مَا تقدم من ذَنبي وَمَا تأخروأنا أَمْشِي حَيَاء وَأَعْطَانِي أَن لَا تجوع أمتِي وَلَا تغلبوأعطاني الْكَوْثَر فَهُوَ نهر فِي الْجنَّة يسيل فِي حَوْضِي وَأَعْطَانِي الْعِزّ والنصر والرعب يسْعَى بَين يَدي أمتِي شهرا وَأَعْطَانِي: أَنِّي أول الْأَنْبِيَاء أَدخل الْجنَّة وَطيب لي ولأمتي الْغَنِيمَة وَأحل لنا كثيرا مِمَّن شدد على من قبلنَا وَلم يَجْعَل علينا من حرج فَلم أجد لي شكرا إِلَّا هَذِه السَّجْدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله: {وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج} يَقُول: لم يضيق الدّين عَلَيْكُم وَلَكِن جعله وَاسِعًا لمن دخله وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ مِمَّا فرض عَلَيْهِم فِيهِ إِلَّا سَاق إِلَيْهِم عِنْد الِاضْطِرَار رخصَة والرخصة فِي الدُّنْيَا فِيهَا وسع عَلَيْهِم رَحْمَة مِنْهُ إِذا فرض عَلَيْهِم الصَّلَاة فِي الْمقَام أَربع رَكْعَات وَجعلهَا فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَعند الْخَوْف من الْعَدو رَكْعَة ثمَّ جعل فِي وجهة رخصَة أَن يوميء إِيمَاء أَن لم يَسْتَطِيع السُّجُود فِي أَي نَحْو كَانَ وَجهه لمن تجَاوز عَن السَّيِّئَات مِنْهُ وَالْخَطَأ وَجعل فِي الْوضُوء وَالْغسْل رخصَة إِذا لم يجد المَاء أَن يتيمموا الصَّعِيد وَجعل الصّيام على الْمُقِيم وَاجِبا وَرخّص فِيهِ للْمَرِيض وَالْمُسَافر عدَّة من أَيَّام أخر فَمن لم يطق فإطعام مِسْكين مَكَان كل يَوْم وَجعل فِي الْحَج رخصَة إِن لم يجد زاداً أَو حملاناً أَو حبس دونه وَجعل فِي الْجِهَاد رخصَة إِن لم يجد حملاناً أَو نَفَقَة وَجعل عِنْد الْجهد والاضطرار من الْجُوع: أَن رخص فِي الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير قدر مَا يرد نَفسه لَا يَمُوت جوعا فِي أشباه هَذَا فِي الْقُرْآن وسعة الله على هَذِه الْأمة رخصَة مِنْهُ سَاقهَا إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم} قَالَ: دين أبيكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل} قَالَ الله عز وَجل {سَمَّاكُم}(6/80)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين} قَالَ الله عز وَجل {سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل} قَالَ الْكتب كلهَا وَفِي الذّكر {وَفِي هَذَا} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هُوَ سَمَّاكُم} قَالَ الله {سَمَّاكُم الْمُسلمين من قبل وَفِي هَذَا} أَي فِي كتابكُمْ: {ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم} أَنه قد بَلغَكُمْ {وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس} أَن رسلهم قد بلغتهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين} قَالَ الله عز وَجل {من قبل} قَالَ: فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل {وَفِي هَذَا} قَالَ: الْقُرْآن {ليَكُون الرَّسُول شَهِيدا عَلَيْكُم} قَالَ: بأعمالكم {وتكونوا شُهَدَاء على النَّاس} قَالَ: على الْأُمَم بِأَن الرُّسُل قد بلغتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: لم يذكر الله بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَان غير هَذِه الْأمة ذكرت بهما جَمِيعًا وَلم يسمع بِأمة ذكرت بِالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَان غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {هُوَ سَمَّاكُم الْمُسلمين} قَالَ إِبْرَاهِيم: أَلا ترى إِلَى قَوْله {رَبنَا واجعلنا مُسلمين لَك} الْآيَة: كلهَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن حبَان وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ والموصلي وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان والباوردي وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ عَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: من دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّة فَإِنَّهُ من جثاء جَهَنَّم قَالَ رجل: يَا رَسُول الله وَإِن صَامَ وصلّى قَالَ: نعم
فَادعوا بدعوة الله الَّتِي سَمَّاكُم بهَا الْمُسلمين وَالْمُؤمنِينَ عباد الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن يزِيد الْأنْصَارِيّ قَالَ: تسموا بأسمائكم الَّتِي سَمَّاكُم الله بهَا: بالحنيفية وَالْإِسْلَام وَالْإِيمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَن مَكْحُول: أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: تسمى الله باسمين سمى بهما أمتِي: هُوَ السَّلَام وسمى أمتِي الْمُسلمين وَهُوَ الْمُؤمن وسمى أمتِي الْمُؤمنِينَ وَالله تَعَالَى أعلم(6/81)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
سُورَة الْمُؤْمِنُونَ
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَانِي عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْمُؤْمِنُونَ أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة الْمُؤمنِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة والطَّحَاوِي وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن ثَابت قَالَ صلى النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -: بِمَكَّة الصُّبْح فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الْمُؤمنِينَ حَتَّى إِذا جَاءَ ذكر مُوسَى وَهَارُون أَو ذكر عِيسَى أَخَذته سعلة فَرَكَعَ(6/82)
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1)
- قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ
أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر والعقيلي وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: كَانَ إِذا انْزِلْ على رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - الْوَحْي يسمع عِنْد وَجهه كَدَوِيِّ النَّحْل فَأنْزل عَلَيْهِ يَوْمًا فَمَكثْنَا سَاعَة فَسرِّي عَنهُ فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَرفع يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلَا تُنْقِِِِِِِِصْنَا وَأَكْرمنَا وَلَا تهنا وَأَعْطِنَا وَلَا تَحْرِمنَا وَآثرنَا وَلَا تُؤثر علينا وَارْضَ عَنَّا وَأَرْضنَا ثمَّ قَالَ: لقد أنزلت عَليّ عشر آيَات من أَقَامَهُنَّ دخل الْجنَّة ثمَّ قَرَأَ {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} حَتَّى ختم الْعشْر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن يزِيد بن بابنوس قَالَ: قُلْنَا لعَائِشَة كَيفَ كَانَ خلق رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: كَانَ خلقه الْقُرْآن
ثمَّ قَالَت: تقْرَأ سُورَة الْمُؤْمِنُونَ {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} فَقَرَأَ حَتَّى بلغ الْعشْر فَقَالَت: هَكَذَا كَانَ خلق رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم -
واخرج ابْن عدي وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - خلق الله جنَّة عدن وغرس أشجارها بِيَدِهِ وَقَالَ لَهَا: تكلمي
فَقَالَت {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث ابْن عَبَّاس مثله(6/82)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ: قَالَ كَعْب: لم يخلق الله بِيَدِهِ إِلَّا ثَلَاثَة
خلق آدم بِيَدِهِ والتوراة بِيَدِهِ وغرس جنَّة عدن بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: تكلمي
فَقَالَت: {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} لما علمت فِيهَا من الْكَرَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: لما غرس الله الْجنَّة نظر إِلَيْهَا فَقَالَ: {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: لما خلق الله الْجنَّة قَالَ {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} وَأنزل الله بِهِ قُرْآنًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} يَعْنِي: سعد المصدقون بتوحيد الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن طَلْحَة بن مصرف أَنه كَانَ يقْرَأ {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} بِرَفْع أَفْلح
وَأخرج عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ بِنصب (أَفْلح)
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ} قَالَ: فازوا وسعدوا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول لبيد
فاعقلي إِن كنت مَا تعقلي وَلَقَد أَفْلح من كَانَ عقل(6/83)
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)
- قَوْله تَعَالَى: الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد ابْن سِيرِين قَالَ: نبئت أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا صلى يرفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فَنزلت {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من وَجه آخر عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانَ النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِذا قَامَ فِي الصَّلَاة نظر هَكَذَا وَهَكَذَا يَمِينا وَشمَالًا فَنزلت {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} فحنى رَأسه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد ابْن سِيرِين قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة ويلتفتون يَمِينا وَشمَالًا فَأنْزل الله {قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} فَقَالُوا برؤوسهم فَلم يرفعوا أَبْصَارهم بعد ذَلِك فِي الصَّلَاة وَلم يلتفتوا يَمِينا وَلَا شمالاً(6/83)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين قَالَ كَانَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - رُبمَا ينظر إِلَى الشَّيْء فِي الصَّلَاة فَرفع بَصَره حَتَّى نزلت آيَة إِن لم تكن هَذِه فَلَا أَدْرِي مَا هِيَ {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} فَوضع رَأسه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - كَانَ إِذا صلى رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء فَنزلت {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} فطأطأ رَأسه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي قَوْله {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} قَالَ: كَانُوا إِذا قَامُوا فِي الصَّلَاة اقْبَلُوا على صلَاتهم وخفضوا أَبْصَارهم إِلَى مَوضِع سجودهم وَعَلمُوا أَن الله يقبل عَلَيْهِم فَلَا يلتفتون يَمِينا لَوْلَا شمالاً
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} قَالَ: الْخُشُوع فِي الْقلب وَإِن تلين كنفك للمرء الْمُسلم وَأَن لَا تلْتَفت فِي صَلَاتك
وَأخرج ابْن جرير وان الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} قَالَ: خائفون ساكنون
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - تعوذوا بِاللَّه من خشوع النِّفَاق
قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا خشوع النِّفَاق قَالَ: خشوع الْبدن ونفاق الْقلب
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: استعيذوا بِاللَّه من خشوع النِّفَاق
قيل لَهُ: وَمَا خشوع النِّفَاق قَالَ: إِن ترى الْجَسَد خَاشِعًا وَالْقلب لَيْسَ بخاشع
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: الْخُشُوع فِي الْقلب هُوَ الْخَوْف وغض الْبَصَر فِي الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} قَالَ: الْخُشُوع فِي الْقلب
وَقَالَ: ساكتون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} قَالَ: كَانَ خشوعهم فِي قُلُوبهم فغضوا بذلك أَبْصَارهم وخفضوا لذَلِك الْجنَاح(6/84)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} قَالَ: هُوَ سُكُون الْمَرْء فِي صلَاته
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: الْخُشُوع فِي الصَّلَاة السُّكُوت فِيهَا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن مُجَاهِد عَن عبد الله بن الزبير
أَنه كَانَ يقوم للصَّلَاة كَأَنَّهُ عود وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يفعل ذَلِك
وَقَالَ مُجَاهِد: هُوَ الْخُشُوع فِي الصَّلَاة
واخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن أَسمَاء بنت أبي بكر عَن أم رُومَان وَالِدَة عَائِشَة قَالَت: رَآنِي أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أتميل فِي صَلَاتي فزجرني زَجْرَة كدت أنصرف من صَلَاتي قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - يَقُول إِذا قَامَ أحدكُم فِي الصَّلَاة فليسكن أَطْرَافه لَا يتميل الْيَهُود فَإِن سُكُون الْأَطْرَاف فِي الصَّلَاة من تَمام الصَّلَاة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أَنه رأى رجلا يعبث بحليته فِي صلَاته فَقَالَ: لَو خشع قلب هَذَا خَشَعت جوارحه
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي قلَابَة قَالَ: سَأَلت مُسلم بن يسَار عَن الْخُشُوع فِي الصَّلَاة فَقَالَ: تضع بَصرك حَيْثُ تسْجد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: سَأَلت رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - عَن الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة فَقَالَ: هُوَ اختلاس يختلسه الشَّيْطَان من صَلَاة العَبْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ فِي مَرضه (اقعدوني اقعدوني فَإِن عِنْدِي وَدِيعَة أودعتها رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَا يلْتَفت أحدكُم فِي صلَاته فَإِن كَانَ لَا بُد فَاعِلا فَفِي غير مَا افْترض الله عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة من طَرِيق عَطاء قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: إِذا صليت فَإِن رَبك أمامك وَأَنت مناجيه فَلَا تلْتَفت
قَالَ عَطاء: وَبَلغنِي أَن الرب يَقُول: يَا ابْن آدم إِلَى من تلْتَفت أَنا خير لَك مِمَّن تلْتَفت إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: اياكم والالتفاف فِي الصَّلَاة فَإِنَّهُ لَا صَلَاة للمتلفت وَإِذا غلبتم على تطوع فَلَا تغلبُوا على الْمَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الله لَا يزَال مُقبلا على العَبْد(6/85)
مَا دَامَ فِي صلَاته مَا لم يحدث أَو يلْتَفت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن منقذ قَالَ: إِذا قَامَ الرجل إِلَى الصَّلَاة أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ فَإِذا الْتفت أعرض عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: إِذا قَامَ الرجل فِي الصَّلَاة أقبل الله عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ مَا لم يلْتَفت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الحكم قَالَ: إِن من تَمام الصَّلَاة أَن لَا تعرف من عَن يَمِينك وَلَا من عَن شمالك
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق جُبَير بن نفير بن عَوْف بن مَالك أَن رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - نظر إِلَى السَّمَاء يَوْمًا فَقَالَ: هَذَا أَوَان مَا يرفع الْعلم فَقَالَ لَهُ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ ابْن لبيد: يَا رَسُول الله كَيفَ يرفع وَقد أثبت فِي الْكتب ووعته الْقُلُوب فَقَالَ: إِن كنت لَا حَسبك من أفقه أهل الْمَدِينَة ثمَّ ذكر ضَلَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى على مَا فِي أَيْديهم من كتاب الله قَالَ: فَلَقِيت شَدَّاد بن أَوْس فَحَدَّثته فَقَالَ: صدق عَوْف أَلا أخْبرك بِأول ذَلِك
قلتُ: بلَى قَالَ: الْخُشُوع حَتَّى لَا ترى خَاشِعًا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق جُبَير بن نفير عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فشخص ببصره إِلَى السَّمَاء ثمَّ قَالَ: هَذَا أَوَان يختلس الْعلم من النَّاس حَتَّى لَا يقدروا مِنْهُ على شَيْء فَقَالَ زِيَاد بن لبيد: يَا رَسُول الله وَكَيف يختلس الْعلم منا وَقد قَرَأنَا الْقُرْآن فو الله لنقرأنه ولنقرئنه نِسَاءَنَا وابناءنا فَقَالَ: ثكلتك أمك يَا زِيَاد إِن كنت لَا عدك من فُقَهَاء أهل الْمَدِينَة هَذَا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل عِنْد الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمَاذَا يُغني عَنْهُم فَلَقِيت عبَادَة بن الصَّامِت فَقلت لَهُ: أَلا تسمع مَا يَقُول أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاء وأخبرته
فَقَالَ صدق وَإِن شِئْت لأحَدِّثَنَّكَ بِأول علم يرفع من النَّاس الْخُشُوع
يُوشك أَن تدخل الْمَسْجِد فَلَا ترى فِيهِ رجلا خَاشِعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة قَالَ: أول مَا تَفْقِدُونَ من دينكُمْ الْخُشُوع وَآخر مَا تَفْقِدُونَ من دينكُمْ الصَّلَاة
ولَتَنْقُضَنَّ عُرا الْإِسْلَام عُرْوَة عُرْوَة ولْيُصَلِّيَنَّ النِّسَاء وَهن حيض ولَتَسْلُكَنَّ طَرِيق من كَانَ قبلكُمْ حَذْو القِذة بالقذة وحذو النَّعْل بالنعل لَا تخطو طريقهم وَلَا تخطىء بكم حَتَّى تبقى فرقتان من فرق كَثِيرَة تَقول إِحْدَاهمَا: مَا بَال الصَّلَاة الْخمس لقد ضل من كَانَ قبلنَا إِنَّمَا قَالَ الله {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} هود
الْآيَة 114 لَا تصلوا إِلَّا ثَلَاثًا
وَتقول الْأُخْرَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّه(6/86)
كَإِيمَانِ الْمَلَائِكَة لَا فِينَا كَافِر وَلَا مُنَافِق حق على الله أَن يحشرها مَعَ الدَّجَّال
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الْيُسْر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مِنْكُم من يُصَلِّي الصَّلَاة كَامِلَة ومنكم من يُصَلِّي النّصْف وَالثلث وَالرّبع حَتَّى بلغ الْعشْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَابْن ماجة عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لينتهين قوم يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة أَو لَا ترجع إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا بَال أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي صلَاتهم فَاشْتَدَّ فِي ذَلِك حَتَّى قَالَ: لينتهن عَن ذَلِك أَو لَتُخْطَفَنَّ أبصارُهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لينتهين أَقوام يرفعون أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء فِي الصَّلَاة أَو لَا ترجع إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة قَالَ: أما يخْشَى أحدكُم إِذا رفع بَصَره إِلَى السَّمَاء أَن لَا يرجع إِلَيْهِ بَصَره يَعْنِي وَهُوَ فِي الصَّلَاة(6/87)
وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم فَإِنَّهُم غير ملومين فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك فَأُولَئِك هم العادون وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدهمْ رَاعُونَ وَالَّذين هم على صلواتهم يُحَافِظُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون} قَالَ: الْبَاطِل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {وَالَّذين هم عَن اللَّغْو} قَالَ: عَن الْمعاصِي
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين هم عَن اللَّغْو معرضون} قَالَ: أَتَاهُم وَالله من أَمر الله مَا وقذهم عَن الْبَاطِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَالَّذين هم لِلزَّكَاةِ فاعلون} يَعْنِي: الْأَمْوَال {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون} يَعْنِي: الْفَوَاحِش {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} يَعْنِي
وَلَا ئدهم {فَإِنَّهُم غير ملومين} قَالَ:(6/87)
لَا يلومون على جماع أَزوَاجهم وولائدهم {فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك} يَعْنِي
فَمن طلب الْفَوَاحِش بعد الْأزْوَاج والولائد طلب مَا لم يحل {فَأُولَئِك هم العادون} يَعْنِي: الْمُعْتَدِينَ فِي دينهم {وَالَّذين هم لِأَمَانَاتِهِمْ} يَعْنِي
بِهَذَا مَا ائتمنوا عَلَيْهِ فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس {وَعَهْدهمْ} قَالَ: يُوفونَ الْعَهْد {رَاعُونَ} قَالَ: حافظوْن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {إِلَّا على أَزوَاجهم} يَعْنِي
إِلَّا من امْرَأَته {أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} قَالَ: أمته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: كل فرج عَلَيْك حرَام إِلَّا فرجين
قَالَ الله {إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك فَأُولَئِك هم العادون} يَقُول: من تعدى الْحَلَال أَصَابَهُ الْحَرَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن فِي قَوْله {فَمن ابْتغى وَرَاء ذَلِك فَأُولَئِك هم العادون} قَالَ: الزِّنَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: سُئِلت عَائِشَة عَن مُتْعَة النِّسَاء فَقَالَت: بيني وَبَيْنكُم كتاب الله وقرأت {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم} فَمن ابْتغى وَرَاء مَا زوجه الله أَو ملكه فقد عدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن الْقَاسِم بن محمدأنه سُئِلَ عَن الْمُتْعَة فَقَالَ: إِنِّي لَا أرى تَحْرِيمهَا فِي الْقُرْآن ثمَّ تَلا {وَالَّذين هم لفروجهم حافظون إِلَّا على أَزوَاجهم أَو مَا ملكت أَيْمَانهم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة قَالَ: تسرت امْرَأَة غُلَاما لَهَا فَذكرت لعمر رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلَهَا: مَا حملك على هَذَا فَقَالَت: كنت أرى أَنه يحل لي مَا يحل للرجل من ملك الْيَمين
فَاسْتَشَارَ عمر رَضِي الله عَنهُ فِيهَا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: تأولت كتاب الله على غير تَأْوِيله
فَقَالَ عمر: لَا جرم وَالله لَا أُحِلُّكِ لحر بعده أبدا
كَأَنَّهُ عاقبها بذلك وَدَرَأَ الْحَد عَنْهَا وَأمر العَبْد أَن لَا يقربهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي بكر بن عبد الله أَنه سمع أَبَاهُ يَقُول: حضرت عمر ابْن عبد الْعَزِيز جَاءَتْهُ إمرأة من الْعَرَب بِغُلَام لَهَا رومي فَقَالَ: إِنِّي استسريته فَمَنَعَنِي بَنو عمي وَإِنَّمَا أَنا يمنزلة الرجل تكون لَهُ الوليدة فيطؤها فَأبى عَليّ بَنو عمي فَقَالَ لَهَا عمر: أتزوجت قبله قَالَت: نعم
قَالَ: أما وَالله لَوْلَا منزلتك من الْجَهَالَة(6/88)
لرجمتك بِالْحِجَارَةِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ عَن امْرَأَة أحلّت جاريتها لزَوجهَا فَقَالَ: لَا يحل لَك أَن تطَأ فرجا إِلَّا فرجا إِن شِئْت بِعْت وَإِن شِئْت وهبت وَإِن شِئْت أعتقت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن سعيد بن وهب قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ: إِن أُمِّي كَانَت لَهَا جَارِيَة وانه أحلتها إِلَيّ أَطُوف عَلَيْهَا
فَقَالَ: لَا تحل لَك إِلَّا أَن تشتريها أَو تهبها لَك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أحلّت امْرَأَة الرجل أَو ابْنَته أَو أُخْته لَهُ جاريتها فليصبها وَهِي لَهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَاوس أَنه قَالَ: هُوَ أحل من الطَّعَام فَإِن ولدت فولدها للَّذي أحلّت لَهُ وَهِي لسَيِّدهَا الأول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَطاء قَالَ: كَانَ يفعل يحل الرجل وليدته لغلامه وَابْنه وأخيه وَأَبِيهِ وَالْمَرْأَة لزَوجهَا وَلَقَد بَلغنِي أَن الرجل يُرْسل وليدته إِلَى ضَيفه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين قَالَ: الْفرج لَا يعار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: لَا يعار الْفرج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين هم على صلواتهم يُحَافِظُونَ} قَالَ: أَي على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن مَسْرُوق قَالَ: ماكان فِي الْقُرْآن {يُحَافِظُونَ} فَهُوَ على مَوَاقِيت الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قيل لَهُ: إِن الله يكثر ذكر الصَّلَاة فِي الْقُرْآن {الَّذين هم على صلَاتهم دائمون} المعارج الْآيَة 23 {وَالَّذين هم على صلواتهم يُحَافِظُونَ} قَالَ: ذَاك على مواقيتها
قَالُوا مَا كُنَّا نرى ذَلِك إِلَّا على تَركهَا
قَالَ: تَركهَا الْكفْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح فِي قَوْله {وَالَّذين هم على صلواتهم يُحَافِظُونَ} قَالَ: الْمَكْتُوبَة
وَالَّذِي فِي سَأَلَ التطّوع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَالَّذين هم على صلَاتهم يُحَافِظُونَ} قَالَ: على الْمَكْتُوبَة(6/89)
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)
- قَوْله تَعَالَى: أُولَئِكَ هم الوارثون الَّذين يَرِثُونَ الفردوس هم فِيهَا خَالدُونَ
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {الوارثون} قَالَ: يَرِثُونَ مساكنهم ومساكن إخْوَانهمْ الَّتِي أعدت لَهُم لَو أطاعوا الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَله منزلان منزل فِي الْجنَّة ومنزل فِي النَّار
فَإِذا مَاتَ فَدخل النَّار ورث أهل الْجنَّة منزلَة فَذَلِك قَوْله {أُولَئِكَ هم الوارثون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن أنس أَن الرّبيع بنت النَّضر أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ابْنهَا الْحَارِث بن سراقَة أُصِيب يَوْم بدر أَصَابَهُ سهم غرب فَقَالَت: أَخْبرنِي عَن حَارِثَة فَإِن كَانَ أصَاب الْجنَّة احتسبت وَصَبَرت وَإِن كَانَ لم يصب الْجنَّة اجتهدت فِي الدُّعَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أم حَارِثَة انها جنان فِي جنَّة وَإِن ابْنك أصَاب الفردوس الْأَعْلَى والفردوس ربوة الْجنَّة وأوسطها وأفضلها(6/90)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد خلقنَا الإِنسان من سلالة من طين ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة فِي قَرَار مكين ثمَّ خلقنَا النطفه علقَة فخلقنا الْعلقَة مُضْغَة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا الْعِظَام لَحْمًا ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ ثمَّ إِنَّكُم بعد ذَلِك لميتون ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة تبعثون
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد خلقنَا الإِنسان من سلالة من طين} قَالَ بَدْء آدم خلق من طين {ثمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَة} قَالَ: ذُرِّيَّة آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَلَقَد خلقنَا الإِنسان من سلالة من طين} قَالَ: هُوَ الطين إِذا قبضت عَلَيْهِ خرج مَاؤُهُ من بَين أصابعك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة}(6/90)
قَالَ: استل استلالاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {من سلالة} قَالَ: السلالة صفو المَاء الرَّقِيق الَّذِي يكون مِنْهُ الْوَلَد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {من سلالة} قَالَ: من مني آدم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان قَالَ: الْإِنْسَان خلق من طين وَإِنَّمَا تلين الْقُلُوب فِي الشتَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: استل آدم من طين وخلقت ذُريَّته من مَاء مهين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن النُّطْفَة إِذا وَقعت فِي الرَّحِم طارت فِي كل شعر وظفر فتمكث أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تنحدر فِي الرَّحِم فَتكون علقَة
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا النُّطْفَة الَّتِي يخلق مِنْهَا الْوَلَد ترْعد لَهَا الْأَعْضَاء وَالْعُرُوق كلهَا إِذا خرجت وَقعت فِي الرَّحِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلنَا ابْن عَبَّاس عَن الْعَزْل فَقَالَ: اذْهَبُوا فاسألوا النَّاس ثمَّ ائْتُونِي واخبروني فسألوا ثمَّ اخبروه أَنهم قَالُوا أَنَّهَا المؤودة الصُّغْرَى وتلا هَذِه الْآيَة {وَلَقَد خلقنَا الْإِنْسَان من سلالة} حَتَّى فرغ مِنْهَا ثمَّ قَالَ: كَيفَ تكون من الموؤدة حَتَّى تمر على هَذِه الْخلق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه سُئِلَ عَن عزل النِّسَاء فَقَالَ: ذَلِك الوأد الْخَفي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ فِي الْعَزْل: هِيَ الموؤدة الْخفية
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَن أَنه كَانَ يقْرَأ {فخلقنا المضغة عظاماً} وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة أَنه كَانَ يقْرَأ {فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا الْعِظَام لَحْمًا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (فخلقنا المضغة عظما) بِغَيْر ألف (فكسونا الْعِظَام) على واحده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} قَالَ: نفخ فِيهِ الرّوح(6/91)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} قَالَ: جعل فِيهِ الرّوح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة مثله
وَأخرج عبد حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} قَالَ: حِين اسْتَوَى بِهِ الشَّبَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} قَالَ: الْأَسْنَان وَالشعر قيل أَلَيْسَ قد يُولد وعَلى رَأسه الشّعْر قَالَ: فَأَيْنَ الْعَانَة والإِبط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن صَالح أبي الْخَلِيل قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَقَد خلقنَا الإِنسان من سلالة من طين} إِلَى قَوْله {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} قَالَ عمر {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا ختمت بِالَّذِي تَكَلَّمت يَا عمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: قَالَ عُزَيْر: يَا رب أمرت المَاء فجمد فِي وسط الْهَوَاء فَجعلت مِنْهُ سبعا وسميتها السَّمَوَات ثمَّ أمرت المَاء ينفتق على التُّرَاب وَأمرت التُّرَاب أَن يتَمَيَّز من المَاء فَكَانَ كَذَلِك فسميت ذَلِك جَمِيع الْأَرْضين وَجَمِيع المَاء الْبحار ثمَّ خلقت من المَاء أعمى عين بصرته وَمِنْهَا أَصمّ آذان أسمعته وَمِنْهَا ميت أنفس أحييته خلقت ذَلِك بِكَلِمَة وَاحِدَة مِنْهَا مَا عيشه المَاء وَمِنْهَا مَا لَا صَبر لَهُ على المَاء خلقا مُخْتَلفا فِي الْأَجْسَام والألوان جنسته أجناساً وَزَوجته أَزْوَاجًا وخلقت أصنافاً وألهمته الَّذِي خلقته ثمَّ خلقت من التُّرَاب وَالْمَاء دَوَاب الأَرْض وَمَا شيتها وسباعها {فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه وَمِنْهُم من يمشي على رجلَيْنِ وَمِنْهُم من يمشي على أَربع} النُّور الْآيَة 45 وَمِنْهُم الْعظم الصَّغِير ثمَّ وعظته بكتابك وحكمتك ثمَّ قضيت عَلَيْهِ الْمَوْت لَا محَالة
ثمَّ أَنْت تعيده كَمَا بَدأته وَقَالَ عُزَيْر: اللَّهُمَّ بكلمتك خلقت جَمِيع خلقك فَأتى على مشيئتك ثمَّ زرعت فِي أَرْضك كل نَبَات فِيهَا بِكَلِمَة وَاحِدَة وتراب وَاحِد تسقى بِمَاء وَاحِد فجَاء على مشيئتك مُخْتَلفا أكله ولونه وريحه وطعمه وَمِنْه الحلو وَمِنْه الحامض والمر وَالطّيب رِيحه والمنتن والقبيح وَالْحسن وَقَالَ عُزَيْر: يَا رب إِنَّمَا نَحن خلقك وَعمل يَديك خلقت أَجْسَادنَا فِي أَرْحَام أمهاتنا وصورتنا كَيفَ تشَاء بقدرتك
جعلت لنا أركاناً وَجعلت فِيهَا عظاماً وفتقت لنا أسماعاً وأبصاراً ثمَّ جعلت لنا فِي تِلْكَ الظلمَة نورا وَفِي ذَلِك الضّيق سَعَة وَفِي ذَلِك الْفَم روحاً ثمَّ هيأت لنا من فضلك رزقا متفاوتاً على مشيئتك لم(6/92)
تأن فِي ذَلِك مُؤنَة وَلم تعي مِنْهُ نصبا كَانَ عرشك على المَاء والظلمة على الْهَوَاء وَالْمَلَائِكَة يحملون عرشك ويسبحون بحَمْدك والخلق مُطِيع لَك خاشع من خوفك لَا يرى فِيهِ نور إِلَّا نورك ولايسمع فِيهِ صَوت إِلَّا سَمعك ثمَّ فتحت خزانَة النُّور وَطَرِيق الظلمَة فَكَانَا لَيْلًا وَنَهَارًا يختلفنا بِأَمْرك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: خلق الله آدم كَمَا شَاءَ وَمِمَّا شَاءَ فَكَانَ كَذَلِك {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} خلق من التُّرَاب وَالْمَاء فَمِنْهُ شعره ولحمه وَدَمه وعظامه وَجَسَده فَذَلِك بَدْء الْخلق الَّذِي خلق الله مِنْهُ ابْن آدم ثمَّ جعلت فِيهِ النَّفس فِيهَا يقوم وَيقْعد وَيسمع ويبصر وَيعلم مَا تعلم الدَّوَابّ وَيَتَّقِي مَا تتقي ثمَّ جعلت فِيهِ الرّوح فبه عرف الْحق من الْبَاطِل والرشد من الغي وَبِه حذر وَتقدم واستتر وَتعلم ودبر الْأُمُور كلهَا فَمن التُّرَاب يبوسته وَمن المَاء رطوبته فَهَذَا بَدْء الْخلق الَّذِي خلق الله مِنْهُ ابْن آدم كَمَا أحب أَن يكون ثمَّ جعلت فِيهِ من هَذِه الْفطر الْأَرْبَع أنواعاً من الْخلق أَرْبَعَة فِي جَسَد ابْن آدم فَهِيَ قوام جسده وملاكه بِإِذن الله وَهِي: الْمِرَّةُ السَّوْدَاء والْمِرَّةُ الصَّفْرَاء وَالدَّم والبلغم فيبوسته وحرارته من النَّفس ومسكنها فِي الدَّم وبرودته من قبل الرّوح ومسكنه فِي البلغم فَإِذا اعتدلت هَذِه الْفطر فِي الْجَسَد فَكَانَ من كل وَاحِد ربع كَانَ جسداً كَامِلا وجسماً صَحِيحا أَو إِن كثر وَاحِد مِنْهَا على صَاحبه قهرها وعلاها وَأدْخل عَلَيْهَا السقم من ناحيته وَإِن قل عَنْهَا وَأخذ عَنْهَا غلبت عَلَيْهِ وقهرته ومالت بِهِ وضعفت عَن قوتها وعجزت عَن طاقتها وَأدْخل عَلَيْهَا السقم من ناحيته فالطبيب الْعَالم بالداء يعلم من الْجَسَد حَيْثُ أُتِي سقمه أَمن نُقْصَان أم من زِيَادَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ قَالَ: إِذا نمت النُّطْفَة أَرْبَعَة أشهر بعث إِلَيْهَا ملك فَنفخ فِيهَا الرّوح فِي الظُّلُمَات الثَّلَاث فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} يَعْنِي نفخ الرّوح فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} يَقُول: خرج من بطن أمه بعد مَا خلق فَكَانَ من بَدْء خلقه الآخر أَن اسْتهلّ ثمَّ كَانَ من خلقه أَن دله على ثدي أمه ثمَّ كَانَ من خلقه أَن علم كَيفَ يبسط رجلَيْهِ إِلَى أَن قعد إِلَى أَن حبا إِلَى أَن قَامَ على رجلَيْهِ إِلَى أَن مَشى إِلَى أَن فطم تعلم كَيفَ يشرب وَيَأْكُل من الطَّعَام إِلَى أَن بلغ الْحلم إِلَى أَن بلغ أَن يتقلب فِي الْبِلَاد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} قَالَ: يَقُول(6/93)
بَعضهم هُوَ نَبَات الشّعْر وَبَعْضهمْ يَقُول: هُوَ نفخ الرّوح
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} قَالَ: يصنعون ويصنع الله وَالله خير الصانعين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ} قَالَ: عِيسَى بن مَرْيَم يخلق
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي حَاتِم وان مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ: قَالَ عمر: وَافَقت رَبِّي فِي أَربع
قلت: يَا رَسُول الله لَو صليت خلف الْمقَام
فَأنْزل الله {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مصلى} الْبَقَرَة الْآيَة 125 وَقلت: يَا رَسُول الله لَو اتَّخذت على نِسَائِك حِجَابا فَإِنَّهُ يدْخل عَلَيْك الْبر والفاجر
فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعا فَاسْأَلُوهُنَّ من وَرَاء حجاب} الْأَحْزَاب الْآيَة 53 وَقلت: لازواج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لتَنْتَهُنَّ أَو ليبدلنه الله أَزْوَاجًا خيرا مِنْكُن
فأنزلت {عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن} التَّحْرِيم الْآيَة 5
وَنزلت {وَلَقَد خلقنَا الإِنسان من سلالة من طين}
إِلَى قَوْله {ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خلقا آخر} فَقلت أَنا: فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ فَنزلت {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ}
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن ثَابت قَالَ: أمْلى على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {وَلَقَد خلقنَا الإِنسان من سلالة من طين} إِلَى قَوْله {خلقا آخر} فَقَالَ معَاذ بن جبل فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ معَاذ: مَا أضْحكك يَا رَسُول الله قَالَ: إِنَّهَا ختمت {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {وَلَقَد خلقنَا الإِنسان من سلالة من طين} قَالَ عمر: فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ فَنزلت {فَتَبَارَكَ الله أحسن الْخَالِقِينَ}(6/94)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد خلقنَا فَوْقكُم سبع طرائق وَمَا كُنَّا عَن الْخلق غافلين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد خلقنَا فَوْقكُم سبع طرائق} قَالَ: السَّمَوَات السَّبع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا كُنَّا عَن الْخلق غافلين} قَالَ: لَو كَانَ الله مغفلاً شَيْئا أغفل مَا تسفي الرِّيَاح من هَذِه الْآثَار يَعْنِي الخطا(6/94)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18) فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)
- قَوْله تَعَالَى: وأنزلنا من السَّمَاء مَاء بِقدر فأسكناه فِي الأَرْض وَإِنَّا على ذهَاب بِهِ لقادرون فأنشأنا لكم بِهِ جنَّات من نخيل وأعناب لكم فِيهَا فواكه كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
أخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أنزل الله من الْجنَّة إِلَى الأَرْض خَمْسَة أَنهَار
سيحون وَهُوَ نهر الْهِنْد وجيحون وَهُوَ نهر بَلخ ودجلة والفرات وهما نَهرا الْعرَاق والنيل وَهُوَ نهر مصر
أنزلهَا الله من عين وَاحِدَة من عُيُون الْجنَّة من أَسْفَل دَرَجَة من درجاتها على جناحي جِبْرِيل فاستودعها الْجبَال وأجراها فِي الأَرْض وَجعلهَا مَنَافِع للنَّاس فِي أَصْنَاف مَعَايشهمْ
فَذَلِك قَوْله {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء بِقدر فأسكناه فِي الأَرْض} فَإِذا كَانَ عِنْد خُرُوج يَأْجُوج وَمَأْجُوج أرسل الله جِبْرِيل فيرفع من الأَرْض الْقُرْآن وَالْعلم كُله وَالْحجر من ركن الْبَيْت ومقام إِبْرَاهِيم وتابوت مُوسَى بِمَا فِيهِ وَهَذِه الْأَنْهَار الْخَمْسَة فيرفع كل ذَلِك إِلَى السَّمَاء
فَذَلِك قَوْله {وَإِنَّا على ذهَاب بِهِ لقادرون} فَإِذا رفعت هَذِه الْأَشْيَاء من الأَرْض فقد أَهلهَا خير الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عطاف قَالَ: إِن الله أنزل أَرْبَعَة أَنهَار دجلة والفرات وسيحون وجيجون وَهُوَ المَاء الَّذِي قَالَ الله {وأنزلنا من السَّمَاء مَاء بِقدر} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {فأنشأنا لكم بِهِ جنَّات} قَالَ: هِيَ الْبَسَاتِين(6/95)
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)
- قَوْله تَعَالَى: وشجرة تخرج من طور سيناء تنْبت بالدهن وصبغ للآكلين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من طور سيناء} قَالَ: هُوَ الْجَبَل الَّذِي نُودي مِنْهُ مُوسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وشجرة تخرج} قَالَ: هِيَ الزَّيْتُون من طور سيناء قَالَ: جبل حسن {تنْبت بالدهن وصبغ للآكلين} قَالَ: جعل الله فِيهَا دهناً وأدماً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {من طور سيناء} قَالَ: الْمُبَارك {تنْبت بالدهن} قَالَ: تثمر الزَّيْت(6/95)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس {وشجرة تخرج من طور سيناء} قَالَ: هِيَ الزَّيْتُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وشجرة} قَالَ: هِيَ شَجَرَة الزَّيْتُون تنْبت بالزيت فَهُوَ دهن يدهن بِهِ وَهُوَ صبغ للآكلين يَأْكُلهُ النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سيناء اسْم الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الطّور الْجَبَل وسينا الْحِجَارَة وَفِي لفظ وسينا الشّجر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ {طور سيناء} قَالَ: جبل ذُو شجر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {تنْبت بالدهن} قَالَ: هُوَ الزَّيْت يُؤْكَل ويدهن بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {تنْبت بالدهن وصبغ للآكلين} قَالَ: يتادمون بِهِ ويصبغون بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (من طور سيناء) بِنصب السِّين ممدودة مَهْمُوزَة الْألف (تنْبت) بِنصب التَّاء وَرفع الْبَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُلَيْمَان بن عبد الْملك أَنه كَانَ يقْرَأ {تنْبت بالدهن} بِنصب التَّاء وَرفع الْبَاء(6/96)
وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (24) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ (25) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (26)
- قَوْله تَعَالَى: وَأَن لكم فِي الْأَنْعَام لعبرة نسقيكم مِمَّا فِي بطونها وَلكم فِيهَا مَنَافِع كَثِيرَة وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وعَلى الْفلك تحملون وَلَقَد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره أَفلا تَتَّقُون فَقَالَ الملؤ الَّذين كفرُوا من قومه مَا هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ يُرِيد أَن يتفضل عَلَيْكُم وَلَو شَاءَ الله لأنزل مَلَائِكَة مَا سمعنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلين إِن هُوَ إِلَّا رجل بِهِ جنَّة فتربصوا بِهِ حَتَّى حِين قَالَ رب انصرني بِمَا كذبون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَإِن لكم فِي الْأَنْعَام} قَالَ: الابل وَالْبَقر والضأن والمعز {وَلكم فِيهَا مَنَافِع} قَالَ: مَا تنْتج وَمِنْهَا مركب وَلبن وَلحم(6/96)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وعَلى الْفلك} قَالَ: السفن(6/97)
فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (27) فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (28)
- قَوْله تَعَالَى: فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك بأعيننا ووحينا فَإِذا جَاءَ أمرنَا وفار التَّنور فاسلك فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأهْلك إِلَّا من سبق عَلَيْهِ القَوْل مِنْهُم وَلَا تخاطبني فِي الَّذين ظلمُوا إِنَّهُم مغرقون فَإِذا استويت أَنْت وَمن مَعَك على الْفلك فَقل الْحَمد لله الَّذِي نجانا من الْقَوْم الظَّالِمين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فاسلك فِيهَا} الْآيَة
يَقُول: اجْعَل مَعَك فِي السَّفِينَة من كل زَوْجَيْنِ إثنين(6/97)
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (29)
- قَوْله تَعَالَى: وَقل رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَقل رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا} قَالَ لنوح حِين أنزل من السَّفِينَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (أنزلني منزلا) بِنصب الْمِيم وخفض الزَّاي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَقل رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين} قَالَ: يعلمكم كَيفَ تَقولُونَ إِذا ركبتم وَكَيف تَقولُونَ إِذا نزلتم أما عِنْد الرّكُوب {سُبْحَانَ الَّذِي سخر لنا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرنين وَإِنَّا إِلَى رَبنَا لمنقلبون} الزخرف الْآيَة 13 {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا إِن رَبِّي لغَفُور رَحِيم} هود الْآيَة 41 وَعند النُّزُول {رب أنزلني منزلا مُبَارَكًا وَأَنت خير المنزلين}(6/97)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
- قَوْله تَعَالَى: إِن فِي ذَلِك لآيَات وَإِن كُنَّا لمبتلين
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِن فِي ذَلِك لآيَات وَإِن كُنَّا لمبتلين} قَالَ: أَي ابتلى النَّاس قبلكُمْ(6/97)
ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (31) فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35)
- قَوْله تَعَالَى: ثمَّ أنشأنا من بعدهمْ قرنا آخَرين فَأَرْسَلنَا فيهم رَسُولا مِنْهُم أَن اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره أَفلا تَتَّقُون وَقَالَ الْمَلأ من قومه الَّذين كفرُوا وكذبوا بلقاء الْآخِرَة وأترفناهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بشر مثلكُمْ يَأْكُل مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيشْرب مِمَّا تشربون وَلَئِن أطعتم بشرا مثلكُمْ إِنَّكُم إِذا لخاسرون أيعدكم أَنكُمْ إِذا متم وكنتم تُرَابا وعظاما إِنَّكُم مخرجون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {قرنا} قَالَ: أمة(6/98)
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40)
- قَوْله تَعَالَى: هَيْهَات هَيْهَات لما توعدون إِن هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا نموت ونحياوما نَحن بمبعوثين إِن هُوَ إِلَّا رجل افترى على الله كذبا وَمَا نَحن لَهُ بمؤمنين قَالَ رب انصرني بِمَا كذبون قَالَ عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هَيْهَات هَيْهَات} قَالَ: بعيد بعيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {هَيْهَات لما توعدون} قَالَ: تبَاعد ذَلِك فِي أنفسهم يَعْنِي
الْبَعْث بعد الْمَوْت(6/98)
فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ (42) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (43)
- قَوْله تَعَالَى: فَأَخَذتهم الصَّيْحَة بِالْحَقِّ فجعلناهم غثاء فبعدا للْقَوْم الظَّالِمين ثمَّ أنشأنا من بعدهمْ قرونا آخَرين مَا تسبق من أمة أجلهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فجعلناهم غثاء} قَالَ: جعلُوا كالشيء الْمَيِّت الْبَالِي من الشّجر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فجعلناهم غثاء} قَالَ: هُوَ الشَّيْء الْبَالِي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {فجعلناهم غثاء} قَالَ: كالرميم الهامد الَّذِي يحْتَمل السَّيْل ثَمُود احتملوا كَذَلِك(6/98)
ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44) ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (45)
- قَوْله تَعَالَى: ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترى كل مَا جَاءَ أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بَعضهم بَعْضًا وجعلناهم أَحَادِيث فبعدا لقوم لَا يُؤمنُونَ ثمَّ أرسلنَا مُوسَى وأخاه هَارُون بِآيَاتِنَا وسلطان مُبين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ثمَّ أرسلنَا رسلنَا تترا} قَالَ: يتبع بَعضهم بَعْضًا
وَفِي لفظ قَالَ: بَعضهم على أثر بعض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد وَقَتَادَة رَضِي الله عَنهُ مثله وَالله أعلم(6/99)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ (47) فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ (48) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (49)
- قَوْله تَعَالَى: إِلَى فِرْعَوْن وملإئه فاستكبروا وَكَانُوا قوما عالين فَقَالُوا أنؤمن لبشرين مثلنَا وقومهما لنا عَابِدُونَ فكذبوهما فَكَانُوا من المهلكين وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب لَعَلَّهُم يَهْتَدُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكَانُوا قوما عالين} قَالَ: علوا على رسلهم وعصوا رسلهم ذَلِك علوهم
وَقَرَأَ {تِلْكَ الدَّار الْآخِرَة نَجْعَلهَا للَّذين لَا يُرِيدُونَ علوا فِي الأَرْض وَلَا فَسَادًا} الْقَصَص الْآيَة 83(6/99)
وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ (50)
- قَوْله تَعَالَى: وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة وآويناهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة} قَالَ: وَلدته مَرْيَم من غير أَب هُوَ لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة} قَالَ: عِبْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وآويناهما} قَالَ: عِيسَى وَأمه(6/99)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وآويناهما} قَالَ: عِيسَى وَأمه حِين أويا إِلَى الغوطة وَمَا حولهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وآويناهما إِلَى ربوة} الْآيَة
قَالَ: الربوة المستوى والمعين المَاء الْجَارِي وَهُوَ النَّهر الَّذِي قَالَ الله {قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ} مَرْيَم الْآيَة 24
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ: هِيَ الْمَكَان الْمُرْتَفع من الأَرْض وَهِي أحسن مَا يكون فِيهِ النَّبَات {ذَات قَرَار} ذَات خصب {ومعين} مَاء ظَاهر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِلَى ربوة} قَالَ: مستوية {ذَات قَرَار ومعين} قَالَ: مَاء جَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ الربوة الْمَكَان الْمُرْتَفع وَهُوَ لبيت الْمُقَدّس والمعين المَاء الظَّاهِر
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن الربوة بَيت الْمُقَدّس {ذَات قَرَار} ذَات ثَمَر كثير {ومعين} مَاء جَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ: هِيَ مصر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ: وَلَيْسَ الربى إِلَّا بِمصْر
وَالْمَاء حِين يُرْسل يكون الربى عَلَيْهَا الْقرى لَوْلَا الربى لغرقت تِلْكَ الْقرى
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ: هِيَ الْإسْكَنْدَريَّة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَن عِيسَى بن مَرْيَم أمسك عَن الْكَلَام بعد أَن كَلمهمْ طفْلا حَتَّى بلغ مَا يبلغ الغلمان ثمَّ أنطقه الله بعد ذَلِك بالحكمة وَالْبَيَان فَلَمَّا بلغ سبع سِنِين أسلمته أمه إِلَى رجل يُعلمهُ كَمَا يعلم الغلمان فَلَا يُعلمهُ شَيْئا إِلَّا بدره عِيسَى إِلَى علمه قبل أَن يُعلمهُ إِيَّاه فَعلمه أَبَا جاد فَقَالَ(6/100)
عِيسَى: مَا أَبُو جاد قَالَ الْمعلم: لَا أَدْرِي
فَقَالَ عِيسَى: كَيفَ تعلمني مَا لَا تَدْرِي فَقَالَ الْمعلم: إِذن فعلمني
فَقَالَ لَهُ عِيسَى: فَقُمْ من مجلسك فقَام
فَجَلَسَ عِيسَى مَجْلِسه فَقَالَ: سلني فَقَالَ الْمعلم: مَا أَبُو جاد فَقَالَ عِيسَى: ألف آلَاء الله باءِ بهاء الله جِيم بهجة الله وجماله فَعجب الْمعلم فَكَانَ أول من فسر أَبَا جاد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ عِيسَى يرى الْعَجَائِب فِي صباه إلهاماً من الله فَفَشَا ذَلِك فِي الْيَهُود وترعرع عِيسَى فهمت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل فخافت أمه عَلَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهَا: أَن تَنْطَلِق بِهِ إِلَى أَرض مصر فَذَلِك قَوْله {وَجَعَلنَا ابْن مَرْيَم وَأمه آيَة} فَسئلَ ابْن عَبَّاس: أَلا قَالَ آيتنان وهما آيتان: فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا قَالَ آيَة لِأَن عِيسَى من آدم وَلم يكن من أَب لم يشاركها فِي عِيسَى أحد فَصَارَ (آيَة
وَاحِدَة) {وآويناهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين} قَالَ: يَعْنِي أَرض مصر
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَتَمام الرَّازِيّ فِي فَضَائِل النبوّة وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَى ربوة} قَالَ: أنبئنا بِأَنَّهَا دمشق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن سَلام فِي قَوْله: {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ: هِيَ دمشق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يزِيد بن سَخْبَرَة الصَّحَابِيّ قَالَ: دمشق هِيَ الربوة الْمُبَارَكَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {وآويناهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين} قَالَ: أَتَدْرُونَ أَيْن هِيَ قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: هِيَ بِالشَّام بِأَرْض يُقَال لَهَا الغوطة مَدِينَة يُقَال لَهَا دمشق هِيَ خير مدن الشَّام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن سعيد بن الْمسيب {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ: هِيَ دمشق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن مرّة الْبَهْزِي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (الرملة الربوة)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {وآويناهما إِلَى ربوة} قَالَ: هِيَ الرملة فِي فلسطين وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيثه مَرْفُوعا(6/101)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن السكن وَابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن الْأَقْرَع بن شفي العكي رَضِي الله عَنهُ قَالَ دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مرض يعودنِي فَقلت: لَا أَحسب إِلَّا أَنِّي ميت من مرضِي
قَالَ: كلا لتبقين ولتهاجرن مِنْهَا إِلَى أَرض الشَّام وَتَمُوت وتدفن بالربوة من أَرض فلسطين
فَمَاتَ فِي خلَافَة عمر رَضِي الله عَنهُ وَدفن بالرملة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة عَن الْحسن فِي قَوْله {وآويناهما إِلَى ربوة ذَات قَرَار ومعين} قَالَ: هِيَ أَرض ذَات أَشجَار وأنهار يَعْنِي أَرض دمشق
وَفِي لفظ قَالَ: ذَات ثمار وَكَثْرَة مَاء هِيَ دمشق(6/102)
يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)
- قَوْله تَعَالَى: ياأيها الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقون
أخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس إِن الله طيب لَا يقبل إِلَّا طيبا {وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم} وَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كلوا من طَيّبَات مَا رزقناكم} ثمَّ ذكر الرجل يُطِيل السّفر أَشْعَث أغبر ومطعمه حرَام ومشربه حرَام وملبسه حرَام وغذي من الْحَرَام يمد يديث إِلَى السَّمَاء يارب يارب فَأنى يُسْتَجَاب لذَلِك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أم عبد الله أُخْت شَدَّاد بن أَوْس أَنَّهَا بعثت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقدح لبن عِنْد فطره وَهُوَ صَائِم فَرد إِلَيْهَا رسولها أَنى لَك هَذَا اللَّبن قَالَ: من شَاة لي
فَرد إِلَيْهَا رسولها انى لَك الشَّاة فَقَالَت: اشْتَرَيْتهَا من مَالِي
فَشرب مِنْهُ
فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أَتَتْهُ أم عبد الله فَقَالَت: يَا رَسُول الله بعثت إِلَيْك بِلَبن فَرددت إِلَيّ الرَّسُول فِيهِ فَقَالَ لَهَا: بذلك أُمِرَتْ الرُّسُل قبلي أَن لَا تَأْكُل إِلَّا طيبا وَلَا تعْمل إِلَّا صَالحا
وَأخرج عَبْدَانِ فِي الصَّحَابَة عَن حَفْص بن أبي جبلة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات} الْآيَة
قَالَ: ذَاك عِيسَى بن مَرْيَم يَأْكُل من غزل أمه مُرْسل حَفْص تَابِعِيّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن حَفْص الْفَزارِيّ مثله مَوْقُوفا عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي ميسرَة عَن عمر بن شُرَحْبِيل فِي قَوْله {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات} قَالَ:(6/102)
كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام يَأْكُل من غزل أمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَعْفَر بن سُلَيْمَان عَن ثَابت بن عبد الْوَهَّاب بن أبي حَفْص قَالَ: أَمْسَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام صَائِما فَلَمَّا كَانَ عِنْد إفطاره أَتَى بِشَربَة لبن فَقَالَ: من أَيْن لكم هَذَا اللَّبن قَالُوا: من شاتنا
قَالَ: وَمن أَيْن ثمنهَا قَالُوا: يَا نَبِي الله من أَيْن تسْأَل قَالَ: إِنَّا معاشر الرُّسُل أُمِرْنا أَن نَأْكُل من الطَّيِّبَات ونعمل صَالحا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن حَنْظَلَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا جَاءَنِي جِبْرِيل إِلَّا أَمرنِي بِهَاتَيْنِ الدعوتين
اللَّهُمَّ ارزقني طيبا واستعملني صَالحا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا} قَالَ: هَذِه للرسل ثمَّ قَالَ للنَّاس عَامَّة و {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 92 يَعْنِي
دينكُمْ دين وَاحِد(6/103)
فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)
- قَوْله تَعَالَى: فتقطعوا أَمرهم بَينهم زبرا كل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ فذرهم فِي غمرتهم حَتَّى حِين
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فتقطعوا أَمرهم بَينهم زبرا} قَالَ: وَقَالَ الْحسن: تقطعوا كتاب الله بَينهم فحرفوه وبدلوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فتقطعوا أَمرهم بَينهم زبرا} قَالَ: كتب الله حَيْثُ فرقوها قطعا {كل حزب} يَعْنِي: كل قِطْعَة وَهَؤُلَاء أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {فتقطعوا أَمرهم بَينهم زبرا} قَالَ: هَذَا مَا اخْتلفُوا فِيهِ من الْأَدْيَان {كل حزب} كل قوم {بِمَا لديهم فَرِحُونَ} معجبون برأيهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فذرهم فِي غمرتهم} قَالَ: فِي ضلالتهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فذرهم فِي غمرتهم} قَالَ: فِي ضلالتهم {حَتَّى حِين} قَالَ: الْمَوْت(6/103)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {فذرهم فِي غمرتهم حَتَّى حِين} قَالَ: يَوْم بدر(6/104)
أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)
- قَوْله تَعَالَى: أيحسبون إِنَّمَا نمدهم بِهِ من مَال وبنين نسارع لَهُم فِي الْخيرَات بل لَا يَشْعُرُونَ
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أيحسبون} قَالَ: قُرَيْش
{إِنَّمَا نمدهم بِهِ} قَالَ: نعطيهم {من مَال وبنين نسارع لَهُم فِي الْخيرَات} نزيد لَهُم فِي الْخَيْر بل نملي لَهُم فِي الْخَيْر وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {أيحسبون إِنَّمَا نمدهم بِهِ من مَال وبنين نسارع لَهُم فِي الْخيرَات بل لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: مكر وَالله بالقوم فِي أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ فَلَا تعتبروا النَّاس بِأَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادهمْ وَلَكِن اعتبروهم بالإِيمان وَالْعَمَل الصَّالح
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكرَة أَنه قَرَأَ (نسارع لَهُم فِي الْخيرَات)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْحسن
أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أُتِي بفروة كسْرَى فَوضعت بَين يَدَيْهِ وَفِي الْقَوْم سراقَة بن مَالك فَأخذ عمر سواريه فَرمى بهما إِلَى سراقَة فَأَخذهُمَا فجعلهما فِي يَدَيْهِ فبلغتا مَنْكِبَيْه فَقَالَ: الْحَمد لله سوارا كسْرَى بن هُرْمُز فِي يَدي سراقَة بن مَالك بن جعْشم أَعرابي من بني مُدْلِج
ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي قد علمت أَن رَسُولك قد كَانَ حَرِيصًا على أَن يُصِيب مَالا يُنْفِقهُ فِي سَبِيلك وعَلى عِبَادك فزويت عَنهُ ذَلِك نظرا مِنْك وخياراً اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن يكون هَذَا مكراً مِنْك بعمر ثمَّ تَلا {أيحسبون أَنما نمدهم بِهِ من مَال وبنين نسارع لَهُم فِي الْخيرَات بل لَا يَشْعُرُونَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن ميسرَة قَالَ: أجد فِيمَا أنزل الله على مُوسَى أيفرح عَبدِي الْمُؤمن أَن ابْسُطْ لَهُ الدُّنْيَا وَهُوَ أبعد لَهُ مني أَو يجزع عَبدِي الْمُؤمن أَن أَقبض عَنهُ الدُّنْيَا وَهُوَ أقرب لَهُ مني ثمَّ تَلا {أيحسبون أَنما نمدهم بِهِ من مَال وبنين} {نسارع لَهُم فِي الْخيرَات بل لَا يَشْعُرُونَ}(6/104)
إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61) وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين هم من خشيَة رَبهم مشفقون وَالَّذين هم بآيَات رَبهم يُؤمنُونَ وَالَّذين هم برَبهمْ لَا يشركُونَ وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا وَقُلُوبهمْ وَجلة أَنهم إِلَى رَبهم رَاجِعُون أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات وهم لَهَا سَابِقُونَ وَلَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا ولدينا كتاب ينْطق بِالْحَقِّ وهم لَا يظْلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: إِن الْمُؤمن جمع إحساناً وشفقة وَإِن الْمُنَافِق جمع اساءة وَأمنا ثمَّ تَلا {إِن الَّذين هم من خشيَة رَبهم مشفقون} إِلَى قَوْله {إِنَّهُم إِلَى رَبهم رَاجِعُون} وَقَالَ الْمُنَافِق {إِنَّمَا أُوتِيتهُ على علم عِنْدِي} الْقَصَص الْآيَة 71
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي نعت الْخَائِفِينَ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَائِشَة قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله
قَول الله {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا وَقُلُوبهمْ وَجلة} أهوَ الرجل يسرق ويزني وَيشْرب الْخمر وَهُوَ مَعَ ذَلِك يخَاف الله قَالَ: لَا وَلَكِن الرجل يَصُوم وَيتَصَدَّق وَيُصلي وَهُوَ مَعَ ذَلِك يخَاف الله أَن لَا يتَقَبَّل مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: يَا رَسُول الله {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا وَقُلُوبهمْ وَجلة} أهم الَّذين يخطئون ويعملون بِالْمَعَاصِي وَفِي لفظ: هُوَ الَّذِي يُذنب الذَّنب وَهُوَ وَجل مِنْهُ قَالَ: لَا وَلَكِن هم الَّذين يصلونَ وَيَصُومُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَقُلُوبهمْ وَجلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} قَالَ: يُعْطون مَا أعْطوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا وَقُلُوبهمْ وَجلة} قَالَ: يُعْطون مَا أعْطوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا وَقُلُوبهمْ وَجلة} قَالَ: يعْملُونَ خَائِفين(6/105)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عمر فِي قَوْله {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} قَالَ: الزَّكَاة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} قَالَت: هم الَّذين يَخْشونَ الله ويطيعونه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} قَالَ: يُعْطون مَا أعْطوا {وَقُلُوبهمْ وَجلة} قَالَ: مِمَّا يخَافُونَ مِمَّا بَين أَيْديهم من الْموقف وَسُوء الْحساب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} قَالَ: يُعْطون مَا أعْطوا {وَقُلُوبهمْ وَجلة} قَالَ: الْمُؤمن ينْفق مَاله وَقَلبه وَجل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن وَقَتَادَة انهما كَانَا يقرأان {يُؤْتونَ مَا آتوا} قَالَ: يعْملُونَ مَا عمِلُوا من الْخيرَات ويعطون مَا أعْطوا على خوف من الله عز وَجل
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا وَقُلُوبهمْ وَجلة} قَالَ: كَانُوا يعْملُونَ مَا يعْملُونَ من أَعمال الْبر وَيَخَافُونَ أَن لَا ينجيهم ذَلِك من عَذَاب الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: لِأَن تكون هَذِه الْآيَة كَمَا أَقرَأ أحب إليّ من حُمُرِ النِعَمْ
فَقَالَ لَهَا ابْن عَبَّاس: مَا هِيَ قَالَت: {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا أَتَوا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا أَتَوا} مَقْصُور من الْمَجِيء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أشته وَابْن الْأَنْبَارِي مَعًا فِي الْمَصَاحِف وَالدَّارقطني فِي الإِفراد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبيد بن عُمَيْر أَنه سَأَلَ عَائِشَة كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} أَو {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا آتوا} فَقَالَ: أَيَّتهمَا أحب إِلَيْك قلت: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لأَحَدهمَا أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا جَمِيعًا
قَالَت: أَيهمَا قلت {وَالَّذين يُؤْتونَ مَا أَتَوا} فَقَالَت: أشهد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَلِك كَانَ يَقْرَأها وَكَذَلِكَ أنزلت وَلَكِن الهجاء حرف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات وهم لَهَا سَابِقُونَ}(6/106)
قَالَ: سبقت لَهُم السَّعَادَة من الله(6/107)
بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63)
- قَوْله تَعَالَى: بل قُلُوبهم فِي غمرة من هَذَا وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بل قُلُوبهم فِي غمرة من هَذَا} قَالَ: يَعْنِي بالغمرة الْكفْر وَالشَّكّ {وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك} يَقُول: أَعمال سَيِّئَة دون الشّرك {هم لَهَا عاملون} قَالَ: لَا بُد لَهُم من أَن يعملوها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {بل قُلُوبهم فِي غمرة من هَذَا} قَالَ: فِي عمي من هَذَا الْقُرْآن {وَلَهُم أَعمال} قَالَ: خَطَايَا {من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون} قَالَ: لَا بُد لَهُم أَن يعملوها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بل قُلُوبهم فِي غمرة من هَذَا} قَالَ: فِي غَفلَة من أَعمال الْمُؤمنِينَ {وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك} قَالَ: هِيَ شَرّ من أَعمال الْمُؤمنِينَ ذكر الله {الَّذين هم من خشيَة رَبهم مشفقون} الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 57 وَالَّذين وَالَّذين ثمَّ قَالَ للْكَافِرِينَ {بل قُلُوبهم فِي غمرة من هَذَا وَلَهُم أَعمال} من دون الْأَعْمَال الَّتِي سمى الَّذين وَالَّذين وَالَّذين(6/107)
حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67)
- قَوْله تَعَالَى: حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ إِذْ هم يجأرون لَا تجأروا الْيَوْم إِنَّكُم منا لَا تنْصرُونَ قد كَانَت آياتي تتلى عَلَيْكُم فكنتم على أعقابكم تنكصون مسيكبرين بِهِ سامرا تهجرون
أخرج النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ} الْآيَة
قَالَ: هم أهل بدر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ} قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا نزلت فِي الَّذِي قتل الله يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ} قَالَ: بِالسُّيُوفِ يَوْم بدر {إِذا هم يجأرون} قَالَ: الَّذين بِمَكَّة(6/107)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ} قَالَ: بِالسَّيْفِ يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم} قَالَ: مستكبريهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِذا هم يجأرون} قَالَ: يستغيثون
وَفِي قَوْله: {فكنتم على أعقابكم تنكصون} قَالَ: تدبرون
وَفِي قَوْله {سامرا تهجرون} قَالَ: تسمرون حول الْبَيْت وتقولون هجراً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تنكصون} قَالَ: تستأخرون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {مستكبرين بِهِ} قَالَ: بِالْبَيْتِ وَالْحرَام {سامرا} قَالَ: كَانَ سامرهم لَا يخَاف مِمَّا اعطوا من الْأَمْن وَكَانَت الْعَرَب تخَاف سامرهم ويغزو بَعضهم بَعْضًا وَكَانَ أهل مَكَّة لَا يخَافُونَ ذَلِك بِمَا أعْطوا من الْأَمْن {تهجرون} قَالَ: يَتَكَلَّمُونَ بالشرك والبهتان فِي حرم الله وَعند بَيته قَالَ: وَكَانَ الْحسن يَقُول {سامرا تهجرون} كتاب الله وَنَبِي الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {مستكبرين بِهِ} قَالَ: بحرمي {سامراً تهجرون} قَالَ: الْقُرْآن وذكري ورسولي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {مستكبرين بِهِ} قَالَ: مستكبرين بحرمي {سامراً} فِيهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي من القَوْل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {مستكبرين بِهِ} قَالَ: بِمَكَّة بِالْبَلَدِ (سامرا) قَالَ: مجالساً {تهجرون} بالْقَوْل السيء فِي الْقُرْآن
وَأخرج عبد ابْن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح {مستكبرين بِهِ} قَالَ: بِالْقُرْآنِ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {سامراً تهجرون} قَالَ: كَانُوا يهجرون على اللَّهْو وَالْبَاطِل قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: وَبَاتُوا بشعب لَهُم سامراً إِذا خب نيرانهم أوقدوا(6/108)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت قُرَيْش تسمر حول الْبَيْت وَلَا تَطوف بِهِ ويفتخرون بِهِ فَأنْزل الله {مستكبرين بِهِ سامراً تهجرون}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سامراً تهجرون} قَالَ: كَانَت قُرَيْش يستحلقون حلقا يتحدثون حول الْبَيْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ {مستكبرين بِهِ سامراً تهجرون} قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يهجرون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي القَوْل فِي سمرهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {سامراً تهجرون} بِنصب التار وَرفع الْجِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة أَنه قَرَأَ {سامراً تهجرون} وَكَانُوا إِذا سمروا هجروا فِي القَوْل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {سامراً تهجرون} قَالَ: تهجرون الْحق
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا كره السمر حِين نزلت هَذِه الْآيَة {مستكبرين بِهِ سامراً تهجرون} قَالَ: مستكبرين بِالْبَيْتِ تَقولُونَ: نَحن أَهله {تهجرون} قَالَ: كَانُوا يهجرونه وَلَا يعمرونه(6/109)
أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75)
- قَوْله تَعَالَى: أفلم يدبروا القَوْل أم جَاءَهُم مَا لم يَأْتِ آبَاءَهُم الْأَوَّلين أم لم يعرفوا رسولهم فهم لَهُ منكرون أم يَقُولُونَ بِهِ جنَّة بل جَاءَهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرهم للحق كَارِهُون وَلَو اتبع الْحق أهواءهم لفسدت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ بل آتَيْنَاهُم بذكرهم فهم عَن ذكرهم معرضون أم تَسْأَلهُمْ خرجا فخراج رَبك خير وَهُوَ خير الرازقين وَإنَّك لتدعوهم إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم وَإِن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة عَن الصِّرَاط لناكبون وَلَو رحمناهم وكشفنا مَا بهم من ضرّ للجوا فِي طغيانهم يعمهون(6/109)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {أفلم يدبروا القَوْل} قَالَ: إِذا وَالله كَانُوا يَجدونَ فِي الْقُرْآن زاجراً عَن مَعْصِيّة الله لَو تدبره الْقَوْم وعقلوه
ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله {أم لم يعرفوا رسولهم} قَالَ: عرفوه وَلَكِن حسدوه وَفِي قَوْله {وَلَو اتبع الْحق أهواءهم} قَالَ: الْحق الله عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بل أتيناهم بذكرهم} قَالَ: بَينا لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بل أتيناهم بذكرهم} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن وَفِي قَوْله {أم تَسْأَلهُمْ أجرا} يَقُول: أم تَسْأَلهُمْ على مَا أتيناهم بِهِ جعلا
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {خرجا} قَالَ: أجرا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: الخرج وَمَا قبلهَا من الْقِصَّة لكفار قُرَيْش
وَأخرج عبد بن الحميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {أم تَسْأَلهُمْ خَرَجاً} بِغَيْر ألف {فخراج رَبك} بِالْألف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {أم تَسْأَلهُمْ خَرَجاً فخراج رَبك خير}
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإنَّك لتدعوهم إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: مَا فِيهِ: عوج
ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي رجلا فَقَالَ لَهُ أسلم
فتصعب لَهُ ذَلِك وَكبر عَلَيْهِ
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرَأَيْت لَو كنت فِي طَرِيق وعر وعث فَلَقِيت رجلا تعرف وَجهه وتعرف نسبه فدعاك إِلَى طَرِيق وَاسع سهل أَكنت تتبعه قَالَ: نعم
قَالَ: فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إِنَّك لفي أوعر من ذَلِك الطَّرِيق لَو كنت فِيهِ
وَإِنِّي لأدعوك إِلَى أسهل من ذَلِك الطَّرِيق لَو دعيت إِلَيْهِ
وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي رجلا فَقَالَ لَهُ: أسلم
فصعده ذَلِك فَقَالَ لَهُ نَبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرَأَيْت فتييك أَحدهمَا إِن حدث صدقك وَإِن أمنته أدّى إِلَيْك وَالْآخر إِن حدث كَذبك وَإِن ائتمنته خانك قَالَ: بلَى
فَتَاي الَّذِي إِذا حَدثنِي صدقني وَإِذا أمنته أدّى إِلَيّ
قَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كذاكم أَنْتُم عِنْد ربكُم(6/110)
وَأخرج عبد بن الحميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة عَن الصِّرَاط لناكبون} قَالَ: عَن الْحق عادلون
وَأخرج ابْن جرير فِي قَوْله {وَلَو رحمناهم وكشفنا مَا بهم من ضرّ} قَالَ: الْجُوع(6/111)
وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (78) وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (79) وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (80) بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ (81) قَالُوا أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (82) لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (83)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ حَتَّى إِذا فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد إِذا هم فِيهِ مبلسون وَهُوَ الَّذِي أنشألكم السّمع والأبصار والأفئدة قَلِيلا مَا تشكرون وَهُوَ الَّذِي ذرأكم فِي الأَرْض وَإِلَيْهِ تحشرون وَهُوَ الَّذِي يحيي وَيُمِيت وَله أختلاف اللَّيْل وَالنَّهَار أَفلا تعقلون بل قَالُوا مثل مَا قَالَ الْأَولونَ قَالُوا أإذا متْنا وَكُنَّا تُرَابا وعظاما أإنا لمبعوثون لقد وعدنا نَحن وآباؤنا هَذَا من قبل إِن هَذَا إِلَّا أساطير الْأَوَّلين
أخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ أَبُو سُفْيَان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أنْشدك الله وَالرحم فقد أكلنَا العلهز - يَعْنِي الْوَبر - بِالدَّمِ
فَأنْزل الله {وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس
أَن ثُمَامَة بن أنال الْحَنَفِيّ لما أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم وَهُوَ أَسِير فخلى سَبيله لحق بِالْيَمَامَةِ فحال بَين أهل مَكَّة وَبَين الْميرَة من الْيَمَامَة حَتَّى أكلت قُرَيْش العلهز فجَاء أَبُو سُفْيَان إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَلَيْسَ تزْعم أَنَّك بعثت رَحْمَة للْعَالمين قَالَ: بلَى
قَالَ: فقد قتلت الْآبَاء بِالسَّيْفِ وَالْأَبْنَاء بِالْجُوعِ
فَأنْزل الله {وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ} قَالَ: بِالسنةِ والجوع
وَأخرج العسكري فِي المواعظ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}(6/111)
أَي: لم يتواضعوا فِي الدُّعَاء وَلم يخضعوا وَلَو خضعوا لله لاستجاب لَهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: إِذا أصَاب النَّاس من قبل السُّلْطَان بلَاء فَإِنَّمَا هِيَ نقمة فَلَا تستقبلوا نقمة الله بالحمية وَلَكِن استقبلوها بالاستغفار واستكينوا وَتَضَرَّعُوا إِلَى الله وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَلَقَد أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لرَبهم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَتَّى إِذا فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد} قَالَ: قد مضى كَانَ يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {حَتَّى إِذا فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد} قَالَ: يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {حَتَّى إِذا فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد} قَالَ: لكفار قُرَيْش الْجُوع وَمَا قبلهَا من الْقِصَّة لَهُم أَيْضا(6/112)
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (93) رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (94) وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ (95)
- قَوْله تَعَالَى: قل لمن الأَرْض وَمن فِيهَا إِن كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل أَفلا تذكرُونَ قل من رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم سيقولون لله قل أَفلا تَتَّقُون قل من بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء وَهُوَ يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ إِن كُنْتُم تعلمُونَ سيقولون لله قل فَأنى تسحرون بل آتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ مَا اتخذ الله من ولد وَمَا كَانَ مَعَه من إِلَه إِذا لذهب كل إِلَه بِمَا خلق ولعلى بَعضهم على بعض سُبْحَانَ الله عَمَّا يصفونَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة فتعالى الله عَمَّا يشركُونَ قل رب إِمَّا تريني مَا يوعدون رب فَلَا تجعلني فِي الْقَوْم الظَّالِمين وَإِنَّا على أَن نريك مَا نعدهم لقادرون
أخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون قَالَ: فِي مصحف أبي بن كَعْب {سيقولون لله} كُلهنَّ بِغَيْر ألف
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن عَاصِم الجحدري قَالَ: فِي الإِمَام مصحف عُثْمَان بن عَفَّان
قَالَ: الَّذِي كتب للنَّاس لله لله كُلهنَّ بِغَيْر ألف(6/112)
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن أسيد بن زيد قَالَ: فِي مصحف عُثْمَان بن عَفَّان {سيقولون لله} ثلاثتهن بِغَيْر ألف
وَأخرج عبد بن الحميد عَن يحيى بن عَتيق قَالَ: رَأَيْت فِي مصحف الْحسن لله لله بِغَيْر ألف فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع
وَأخرج عبد بن الحميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {لله} بِغَيْر ألف كُلهنَّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {من بِيَدِهِ ملكوت كل شَيْء} قَالَ: خَزَائِن كل شَيْء(6/113)
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (96)
- قَوْله تَعَالَى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن السَّيئَة نَحن أعلم بِمَا يصفونَ
أخرج عبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن السَّيئَة} يَقُول: أعرض عَن أذاهم إياك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن السَّيئَة} قَالَ: بِالسَّلَامِ
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: نعمت وَالله الجرعة تتجرعها وَأَنت مظلوم فَمن اسْتَطَاعَ أَن يغلب الشَّرّ بِالْخَيرِ فَلْيفْعَل وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أنس فِي قَوْله {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحسن السَّيئَة} قَالَ: قَول الرجل لِأَخِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ يَقُول إِن كنت كَاذِبًا فَأَنا أسأَل الله أَن يغْفر لَك وَإِن كنت صَادِقا فَأَنا أسأَل الله أَن يغْفر لي
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أُتِي رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي قرَابَة أصلهم ويقطعون وَأحسن اليهم ويسيئون إليَّ ويجهلون عليّ وأحلم عَنْهُم
قَالَ: لَئِن كَانَ كَمَا تَقول كَأَنَّمَا تسفهم الْملَل وَلَا يزَال مَعَك من الله ظهير عَلَيْهِم مَا دمت على ذَلِك(6/113)
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (98)
- قَوْله تَعَالَى: وَقل رب أعوذ بك من همزات الشَّيَاطِين وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون(6/113)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلمنَا كَلِمَات نقولهن عِنْد النّوم من الْفَزع
بِسم الله أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة من غَضَبه وعقابه وَشر عباده وَمن همزات الشَّيَاطِين وَأَن يحْضرُون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَأَعُوذ بك رب أَن يحْضرُون} قَالَ: يحْضرُون فِي شَيْء من أَمْرِي
وَأخرج أَحْمد عَن خَالِد بن الْوَلِيد أَنه قَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي أجد وَحْشَة قَالَ: إِذا أخذت مضجعك فَقل: أعوذ بِكَلِمَات الله التَّامَّة من غَضَبه وعقابه وَشر عباده وَمن همزات الشَّيَاطِين وَأَن يحْضرُون فَإِنَّهُ لَا يَضرك وبالحري أَن لَا يَضرك(6/114)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)
- قَوْله تَعَالَى: حَتَّى إِذا جَاءَ أحدهم الْمَوْت قَالَ رب ارْجِعُونِ لعَلي أعمل صَالحا فِيمَا تركت كلا إِنَّهَا كلمة هُوَ قَائِلهَا وَمن ورائهم برزخ إِلَى يَوْم يبعثون
أخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِذا وضع الْكَافِر فِي قَبره مَقْعَده من النَّار قَالَ: {رب ارْجعُونِ} حَتَّى أَتُوب أعمل صَالحا فَيُقَال: قد عمرت مَا كنت معمراً
فيضيق عَلَيْهِ قَبره فَهُوَ كالمنهوش ينَام ويفزع تهوي إِلَيْهِ هوَام الأَرْض
حيّاتها وعقاربها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: ويل لأهل الْمعاصِي من أهل الْقُبُور يدْخل عَلَيْهِم فِي قُبُورهم حيات سود حَيَّة عِنْد رَأسه وحية عِنْد رجلَيْهِ يَضْرِبَانِهِ حَتَّى يَلْتَقِيَانِ فِي وَسطه
فَذَلِك الْعَذَاب فِي البرزخ الَّذِي قَالَ الله {وَمن ورائهم برزخ إِلَى يَوْم يبعثون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {قَالَ رب ارْجِعُونِ} قَالَ: هَذَا حِين يعاين قبل أَن يَذُوق الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: زَعَمُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة إِن الْمُؤمن إِذا عاين الْمَلَائِكَة قَالُوا: نُرْجِعك إِلَى الدُّنْيَا فَيَقُول: إِلَى دَار الهموم وَالْأَحْزَان بل قُدُماً إِلَى الله
وَأما الْكَافِر فَيَقُولُونَ لَهُ: نُرْجِعك فَيَقُول:(6/114)
{رب ارْجِعُونِ لعَلي أعمل صَالحا فِيمَا تركت}
وَأخرج الديلمي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذ حضر الْإِنْسَان الْوَفَاة يجمع لَهُ كل شَيْء يمنعهُ عَن الْحق فيحول بَين عَيْنَيْهِ فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول {رب ارْجِعُونِ لعَلي أعمل صَالحا فِيمَا تركت}
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {لعَلي أعمل صَالحا فِيمَا تركت} قَالَ: لعَلي أَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لعَلي أعمل صَالحا} قَالَ: أَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن حُسَيْن فِي قَوْله وَمن ورائهم برزخ قَالَ: أمامهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن ورائهم برزخ إِلَى يَوْم يبعثون} قَالَ: هُوَ مَا بَين الْمَوْت إِلَى الْبَعْث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: البرزخ الحاجز مَا بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَمن ورائهم برزخ إِلَى يَوْم يبعثون} قَالَ: حاجز بَين الْمَيِّت وَالرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: البرزخ مَا بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
لَيْسَ مَعَ أهل الدُّنْيَا يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَلَا مَعَ أهل الْآخِرَة يجازون بأعمالهم
وَأخرج عبد بن الحميد عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: البرزخ بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن الحميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: البرزخ بَقِيَّة الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن الحميد عَن قَتَادَة {وَمن ورائهم برزخ} قَالَ: أهل الْقُبُور فِي برزخ مَا بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة هم فِيهِ إِلَى يَوْم يبعثون
وَأخرج عبد بن الحميد عَن الرّبيع قَالَ: البرزخ الْقُبُور(6/115)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر قَالَ: البرزخ الْمَقَابِر
لَا هم فِي الدُّنْيَا وَلَا هم فِي الْآخِرَة فهم مقيمون إِلَى يَوْم يبعثون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وسمويه فِي فَوَائده عَن أبي أُمَامَة أَنه شهد جَنَازَة فَلَمَّا دفن الْمَيِّت قَالَ: هَذَا برزخ إِلَى يَوْم يبعثون
وَأخرج هناد عَن أبي محلم قَالَ: قيل لِلشَّعْبِيِّ مَاتَ فلَان قَالَ: لَيْسَ هُوَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة
هُوَ فِي البرزخ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَمن ورائهم برزخ} قَالَ: مَا بعد الْمَوْت(6/116)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101) فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (103)
- قَوْله تَعَالَى: فَإِذا نفخ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون فَمن ثقلت مَوَازِينه فَأُولَئِك هم المفلحون وَمن خفت مَوَازِينه فَأُولَئِك الَّذين خسروا أنفسهم فِي جَهَنَّم خَالدُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} قَالَ: حِين ينْفخ فِي الصُّور فَلَا يبْقى حَيّ إِلَّا الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن جرير عَن السّديّ {فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} قَالَ: فِي النفخة الأولى
وَأخرج عبد بن الحميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: لَيْسَ أحد من النَّاس يسْأَل أحدا بنسبه وَلَا بقرابته شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: لَا يسْأَل أحد يَوْمئِذٍ بِنسَب شَيْئا وَلَا ينمي إِلَيْهِ برحم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن الحميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون} وَقَوله {وَأَقْبل بَعضهم على بعض يتساءلون} الصافات الْآيَة 27 فَقَالَ: انها مَوَاقِف الَّذِي لَا أَنْسَاب بَينهم وَلَا يتساءلون عِنْد الصعقة الأولى لَا أَنْسَاب بَينهم فِيهَا إِذا صعقوا فَإِذا كَانَت النفخة الْآخِرَة فَإِذا هم قيام يتساءلون(6/116)
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن الْآيَتَيْنِ فَقَالَ: أما قَوْله {وَلَا يتساءلون} فَهَذَا فِي النفخة الأولى حِين لَا يبْقى على الأَرْض شَيْء
وَأما قَوْله {فَأقبل بَعضهم على بعض يتساءلون} الصافات الْآيَة 27 فَإِنَّهُم لما دخلُوا الْجنَّة أقبل بَعضهم على بعض يتساءلون
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله الْأَوَّلين والآخرين - وَفِي لفظ: يُؤْخَذ بيد العَبْد أَو الْأمة يَوْم الْقِيَامَة على رُؤُوس الأوّلين والآخرين - ثمَّ يُنَادي مُنَاد إِلَّا أَن هَذَا فلَان بن فلَان فَمن كَانَ لَهُ حق قبله فليأت إِلَى حَقه - وَفِي لفظ: من كَانَ لَهُ مظْلمَة فليجىء فليأخذ حَقه - فيفرح - وَالله - الْمَرْء أَن يكون لَهُ الْحق على وَالِده أَو وَلَده أَو زَوجته وَإِن كَانَ صَغِيرا
ومصداق ذَلِك فِي كتاب الله {فَإِذا نفخ فِي الصُّور فَلَا أَنْسَاب بَينهم يَوْمئِذٍ وَلَا يتساءلون}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: لَيْسَ شَيْء أبْغض إِلَى الإِنسان يَوْم الْقِيَامَة من أَن يرى من يعرفهُ مَخَافَة أَن يَدُور لَهُ عَلَيْهِ شَيْء ثمَّ قَرَأَ {يَوْم يفر الْمَرْء من أَخِيه} عِيسَى الْآيَة 34
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْأَنْسَاب تَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة غير نسبي وسببي وصهري
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ والضياء فِي المختارة عَن عمر بن الْخطاب
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كل سَبَب وَنسب مُنْقَطع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سببي ونسبي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل نسب وصهر يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا نسبي وصهري(6/117)
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)
- قَوْله تَعَالَى: تلفح وُجُوههم النَّار وهم فِيهَا كَالِحُونَ ألم تكن آياتي تتلى عَلَيْكُم فكنتم بهَا تكذبون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {تلفح وُجُوههم النَّار} قَالَ تنقح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي صفة النَّار عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {تلفح وُجُوههم النَّار} قَالَ: تلفحهم لفحة فتسيل لحومهم على أعصابهم(6/117)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن جَهَنَّم لما سيق إِلَيْهَا أَهلهَا تلقتهم بعنق فلفحتهم لفحة فَلم تدع لَحْمًا على عظم إِلَّا ألقته على العرقوب
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {تلفح وُجُوههم النَّار} قَالَ: لفحتهم لفحة فَمَا أبقت لَحْمًا على عظم إِلَّا ألقته على أَعْقَابهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن الحميد عَن أبي الْهُذيْل
مثله
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {تلفح وُجُوههم النَّار وهم فِيهَا كَالِحُونَ} قَالَ تَشْوِيه النَّار فتقلص شفته الْعليا حَتَّى تبلغ وسط رَأسه وَتَسْتَرْخِي شفته السُّفْلى حَتَّى تضرب سرته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مغيث بن سمي قَالَ: إِذا جِيءَ بِالرجلِ إِلَى النَّار قيل انْتظر حَتَّى تنحفك فَيُؤتى بكأس من سم الأفاعي والأساود إِذا أدناها من فِيهِ نثرت اللَّحْم على حِدة والعظم على حِدة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وهم فِيهَا كَالِحُونَ} قَالَ: كلوح الرَّأْس النضيج بَدَت أسنانهم وتقلصت شفاههم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَالِحُونَ} قَالَ: عابسون(6/118)
قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)
- قَوْله تَعَالَى: قَالُوا رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {قَالُوا رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا} قَالَ: شقوتهم الَّتِي كتبت عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن الحميد عَن الْحسن
أَنه كَانَ يقْرَأ (غلبت علينا شقاوتنا)
وَأخرج عبد بن الحميد عَن إِسْحَق قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (شقاوتنا)(6/118)
قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَ اخسؤا فِيهَا وَلَا تكَلمُون إِنَّه كَانَ فريق من عبَادي يَقُولُونَ رَبنَا آمنا فَاغْفِر لنا وارحمنا وَأَنت خير الرَّاحِمِينَ(6/118)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلقى على أهل النَّار الْجُوع حَتَّى يعدل مَا هم فِيهِ من الْعَذَاب فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَام من ضَرِيع لَا يسمن وَلَا يُغني من جوع فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ فَيُغَاثُونَ بِطَعَام ذِي غُصَّة فَيذكرُونَ أَنهم كَانُوا يجيزون الْغصَص فِي الدُّنْيَا بِالشرابِ فَيَسْتَغِيثُونَ بِالشرابِ فيرفع إِلَيْهِم الْحَمِيم بِكَلَالِيب الْحَدِيد فاذا دنت من وُجُوههم شَوَتْ وُجُوههم وَإِذا دخلت بطونهم قطعت مَا فِي بطونهم فَيَقُولُونَ: ادعوا خَزَنَة جَهَنَّم فَيدعونَ خَزَنَة جَهَنَّم إِن {ادعوا ربكُم يُخَفف عَنَّا يَوْمًا من الْعَذَاب} غَافِر الْآيَة 49 {فَيَقُولُونَ} {أولم تَكُ تَأْتيكُمْ رسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بلَى قَالُوا فَادعوا وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} غَافِر الآيه 50 فَيَقُولُونَ ادعوا مَالِكًا فَيدعونَ مَالِكًا فَيَقُولُونَ {يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك} الزخرف الآيه 77 فَيُجِيبهُمْ {إِنَّكُم مَاكِثُونَ} فَيَقُولُونَ ادعوا ربكُم فَلَا أحد خير من ربكُم فَيَقُولُونَ {رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ} الْمُؤْمِنُونَ الْآيَتَانِ 106 - 107 فَيُجِيبهُمْ {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمون} فَعِنْدَ ذَلِك يئوا من كل خير وَعند ذَلِك أخذُوا فِي الزَّفِير وَالْحَسْرَة وَالْوَيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن أبي حَاتِم بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: إِن أهل جَهَنَّم ينادون مَالِكًا {يَا مَالك ليَقْضِ علينا رَبك} فيذرهم أَرْبَعِينَ عَاما لَا يُجِيبهُمْ ثمَّ يُجِيبهُمْ {إِنَّكُم مَاكِثُونَ} ثمَّ ينادون رَبهم {رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فانا ظَالِمُونَ} فيذرهم مثلي الدُّنْيَا لَا يُجِيبهُمْ ثمَّ يُجِيبهُمْ {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمون} قَالَ: فيئس الْقَوْم بعْدهَا وَمَا هُوَ إِلَّا الزَّفِير والشهيق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: لأهل النَّار خمس دعوات يُجِيبهُمْ الله فِي أَرْبَعَة فَإِذا كَانَت الْخَامِسَة لم يتكلموا بعْدهَا أبدا يَقُولُونَ {رَبنَا أمتَّنا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ فاعترفنا بذنوبنا فَهَل إِلَى خُرُوج من سَبِيل}(6/119)
غَافِر الْآيَة 11 فَيُجِيبهُمْ الله {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذا دعيَ الله وَحده كَفرْتُمْ وَإِن يُشْرك بِهِ تؤمنوا فَالْحكم لله الْعلي الْكَبِير} غَافِر الْآيَة 12 ثمَّ يَقُولُونَ {رَبنَا أبصرنا وَسَمعنَا فارجعنا نعمل صَالحا انا موقنون} السَّجْدَة الْآيَة 12 فَيُجِيبهُمْ الله {فَذُوقُوا بِمَا نسيتم لِقَاء يومكم هَذَا إِنَّا نسيناكم وذوقوا عَذَاب الْخلد بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} السَّجْدَة الاية 14 ثمَّ يَقُولُونَ {رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب نجب دعوتك وَنَتبع الرُّسُل} إِبْرَاهِيم الْآيَة 44 فَيُجِيبهُمْ الله {أولم تَكُونُوا أقسمتم من قبل مَا لكم من زَوَال} ثمَّ يَقُولُونَ {رَبنَا أخرجنَا نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل} فاطر الْآيَة 37 فَيُجِيبهُمْ الله {أولم نُعَمِّركُمْ مَا يتَذَكَّر فِيهِ من تذكر وَجَاءَكُم النذير فَذُوقُوا فَمَا للظالمين من نصير} ثمَّ يَقُولُونَ {رَبنَا غلبت علينا شِقْوَتنَا وَكُنَّا قوما ضَالِّينَ رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فَإنَّا ظَالِمُونَ} الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 106 فَيُجِيبهُمْ الله {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} فَلَا يَتَكَلَّمُونَ بعْدهَا ابداً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: بلغنَا أَن أهل النَّار نادوا خَزَنَة جَهَنَّم أَن {ادعوا ربكُم يُخَفف عَنَّا يَوْمًا من الْعَذَاب} غَافِر الْآيَة 49 فَلم يجيبوهم مَا شَاءَ الله فَلَمَّا أجابوهم بعد حِين قَالُوا لَهُم {فَادعوا وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} غَافِر الْآيَة 50 ثمَّ نادوا {يَا مَالك} لخازن النَّار {ليَقْضِ علينا رَبك} الزخرف الْآيَة 77 فَسكت عَنْهُم مَالك مِقْدَار أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ أجابهم فَقَالَ {إِنَّكُم مَاكِثُونَ} ثمَّ نَادَى الأشقياء رَبهم فَقَالُوا {رَبنَا أخرجنَا مِنْهَا فَإِن عدنا فانا ظَالِمُونَ} فَسكت عَنْهُم
مِقْدَار الدُّنْيَا ثمَّ أجابهم بعد ذَلِك {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون}
وَأخرج عبد بن الحميد عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: تكلمُوا قبل ذَلِك وخاصموا فَلَمَّا كَانَ آخر ذَلِك قَالَ {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} قَالَ: منعُوا الْكَلَام آخر مَا عَلَيْهِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زِيَاد بن سعد الخرساني فِي قَوْله {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} قَالَ: فتنطبق عَلَيْهِم فَلَا يسمع مِنْهَا إِلَّا مثل طنين الطست
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {اخسؤوا} قَالَ: اصغروا(6/120)
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} قَالَ: هَذَا قَول الرب عز وَجل حِين انْقَطع كَلَامهم مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار عَن حُذَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله إِذا قَالَ لأهل النَّار {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون} عَادَتْ وُجُوههم قِطْعَة لحم لَيْسَ فِيهَا أفوه وَلَا مناخير تردد النَّفس فِي أَجْوَافهم
وَأخرج هناد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَيْسَ بعد الْآيَة خُرُوج {اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون}(6/121)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ (111)
- قَوْله تَعَالَى: فاتخذتموهم سخريا حَتَّى أنسوكم ذكري وكنتم مِنْهُم تضحكون إِنِّي جزيتهم الْيَوْم بِمَا صَبَرُوا أَنهم هم الفائزون
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فاتَّخذتموهم سخرياً} قَالَ: هما مُخْتَلِفَانِ
سخريا يَقُول الله {ليتَّخذ بَعضهم بَعْضًا سخريا} الزخرف الْآيَة 32 قَالَ: يسخرونهم وَالْآخرُونَ الَّذين يستهزؤن سخريا(6/121)
قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (114)
- قَوْله تَعَالَى: قل كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين قَالُوا لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم فاسأل العادين قل إِن لبثتم إِلَّا قَلِيلا لَو أَنكُمْ كُنْتُم تعلمُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَيفع بن عبد الكلَاعِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله إِذا أَدخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار قَالَ لأهل الْجنَّة {كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين} قَالُوا {لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم} قَالَ: لنعم مَا اتجرتم فِي يَوْم أَو بعض يَوْم رَحْمَتي ورضواني وجنتي اسكنوا فِيهَا خَالِدين مخلدين ثمَّ يَقُول: يَا أهل النَّار {كم لبثتم فِي الأَرْض عدد سِنِين} قَالُوا {لبثنا يَوْمًا أَو بعض يَوْم} فَيَقُول: بئس مَا اتجرتم فِي يَوْم أَو بعض يَوْم
نَارِي وسخطي امكثوا فِيهَا خَالِدين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فاسأل العادين} قَالَ: الْحساب(6/121)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فاسأل العادين} قَالَ: الْمَلَائِكَة(6/122)
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)
- قَوْله تَعَالَى: أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون فتعالى الله الْملك الْحق لَا إِلَه إِلَّا هُوَ رب الْعَرْش الْكَرِيم
أخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ فِي أذن مصاب {افحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا} حَتَّى ختم السُّورَة فبرأ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاذَا قَرَأت فِي أُذُنه فَأخْبرهُ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن رجلا موقناً قَرَأَهَا على جبل لزال
وَأخرج ابْن السّني وَابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة بِسَنَد من طَرِيق مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن أَبِيه قَالَ: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّة وأمرنا أَن نقُول إِذا نَحن أمسينا وأصبحنا {أفحسبتم أَنما خَلَقْنَاكُمْ عَبَثا وأنكم إِلَيْنَا لَا ترجعون} فقرأناها فغنمنا وَسلمنَا وَالله أعلم(6/122)
وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن يَدْعُو مَعَ الله إِلَهًا آخر لَا برهَان لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حسابه عِنْد ربه إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا برهَان لَهُ} قَالَ: لَا بَيِّنَة لَهُ
وَأخرج عبد بن الحميد عَن قَتَادَة {لَا برهَان لَهُ} قَالَ: لَا بَيِّنَة لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {لَا برهَان لَهُ} قَالَ: لَا حجَّة
وَأخرج عبد بن الحميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ) بِكَسْر الْألف فِي إِنَّه
وَأخرج عبد بن الحميد عَن الْحسن أَنه قَرَأَ (أَنه لَا يفلح الْكَافِرُونَ) بِنصب الْألف فِي انه(6/122)
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {فَإِنَّمَا حسابه عِنْد ربه إِنَّه لَا يفلح الْكَافِرُونَ} قَالَ: ذَاك حِسَاب الْكَافِر عِنْد الله إِنَّه لَا يفلح(6/123)
وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118)
- قَوْله تَعَالَى: وَقل رب اغْفِر وَارْحَمْ وَأَنت خير الرَّاحِمِينَ
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله عَلمنِي دُعَاء ادعو بِهِ فِي صَلَاتي قَالَ: قل اللَّهُمَّ إِنِّي ظلمت نَفسِي ظلما كثيرا وَأَنه لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت فَاغْفِر لي مغْفرَة من عنْدك وارحمني إِنَّك أَنْت الغفور الرَّحِيم(6/123)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
سُورَة النُّور
مَدَنِيَّة وآياتها أَربع وَسِتُّونَ
مُقَدّمَة سُورَة النُّور أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت سُورَة النُّور بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة مَرْفُوعا لَا تنزلوهن الغرف وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَة يَعْنِي النِّسَاء وعلموهن الْغَزل وَسورَة النُّور
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمُوا رجالكم سُورَة الْمَائِدَة وَعَلمُوا نِسَائِكُم سُورَة النُّور
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن حَارِثَة بن مضرب قَالَ: كتب إِلَيْنَا عمر بن الْخطاب
ان تعلمُوا سُورَة النِّسَاء والاحزاب والنور
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي وَائِل قَالَ: حججْت أَنا وَصَاحب لي وَابْن عَبَّاس على الحجن فَجعل يقْرَأ سُورَة النُّور ويفسرها فَقَالَ صَاحِبي: سُبْحَانَ الله
مَاذَا يخرج من رَأس هَذَا الرجل لَو سَمِعت هَذَا التّرْك لأسلمت(6/124)
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1)
- سُورَة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فِيهَا آيَات بَيِّنَات لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَارِثَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سُورَة أنزلناها وفرضناها} قَالَ: بيناها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وفرضناها} قَالَ: وفسرناها الْأَمر بالحلال وَالنَّهْي عَن الْحَرَام
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وفرضناها} قَالَ: فرض الله فِيهَا فَرَائِضه وَأحل حَلَاله وَحرم حرَامه وحدَّ حُدُوده وَأمر بِطَاعَتِهِ وَنهى عَن مَعْصِيَته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {وفرضناها} خَفِيفَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وأنزلنا فِيهَا آيَات بَيِّنَات} قَالَ: الْحَلَال وَالْحرَام وَالْحُدُود(6/124)
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
- قَوْله تَعَالَى: الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا كل وَاحِد مِنْهُمَا مائَة جلدَة وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} قَالَ: فِي الحدِّ أَن يُقَام عَلَيْهِم وَلَا يعطل
أما أَنه لَيْسَ بِشدَّة الْجلد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} قَالَ: فِي اقامة الْحَد
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} قَالَ: فِي تَعْطِيل الْحَد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمرَان بن حدير قَالَ: قلت لأبي مجلز {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} قَالَ: انا لنرجم الرجل أَو يجلد أَو يقطع قَالَ: لَيْسَ كَذَاك إِنَّمَا إِذا رفع للسُّلْطَان فَلَيْسَ لَهُ أَن يدعهم رَحْمَة لَهُم حَتَّى يُقيم عَلَيْهِم الْحَد
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن جرير عَن الْحسن {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} قَالَ: الْجلد الشَّديد
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وعامر {وَلَا تأخذكم بهما رأفة} قَالَا: شدَّة الْجلد فِي الزِّنَا وَيُعْطى كل عُضْو مِنْهُ حَقه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن الحميد وَابْن جرير عَن شُعْبَة قَالَ: قلت لحماد الزَّانِي يضْرب ضربا شَدِيدا قَالَ: نعم ويخلع عَنهُ ثِيَابه قَالَ الله {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} قلت لَهُ: إِنَّمَا ذَلِك فِي الحكم قَالَ: فِي الحكم وَالْجَلد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قضى الله وَرَسُوله إِن شهد أَرْبَعَة على بكرين جلدا كَمَا قَالَ الله مائَة جلدَة وغربا سنة غير الأَرْض الَّتِي كَانَا بهَا وتغريبهما سنتي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبيد الله بن عبد الله بن عمر
أَن جَارِيَة لِابْنِ عمر زنت فَضرب رِجْلَيْهَا(6/125)
وظهرها فَقلت {وَلَا تأخذكم بهما رأفة فِي دين الله} فَقَالَ: إِن الله لم يَأْمُرنِي أَن أقتلها
وَلَا أَن أجلد رَأسهَا وَقد أوجعت حَيْثُ ضربت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي بَرزَة الاسلمي أَنه أُتِي بِأمة لبَعض أَهله قد زنت وَعِنْده نفر نَحْو عشرَة فَأمر بهَا فاجلست فِي نَاحيَة ثمَّ أَمر بِثَوْب فَطرح عَلَيْهَا ثمَّ أعْطى السَّوْط رجلا فَقَالَ: اجلد خمسين جلدَة لَيْسَ باليسير وَلَا بالخضفة فَقَامَ فجلدها وَجعل يفرق عَلَيْهَا الضَّرْب ثمَّ قَرَأَ {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} قَالَ الطَّائِفَة الرجل فَمَا فَوْقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الطَّائِفَة عشرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: الطَّائِفَة وَاحِد إِلَى الْألف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أَمر الله أَن يشْهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ ليَكُون ذَلِك عِبْرَة وموعظة ونكالاً لَهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: ليحضر رجلَانِ فَصَاعِدا
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: الطَّائِفَة الثَّلَاثَة فَصَاعِدا
وَأخرج عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: الطَّائِفَة أَرْبَعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن نصر بن عَلْقَمَة فِي قَوْله {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} قَالَ: لَيْسَ ذَلِك للفضيحة إِنَّمَا ذَاك ليدعو الله لَهما بِالتَّوْبَةِ وَالرَّحْمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشَّيْبَانِيّ قَالَ: قلت لِابْنِ أبي أوفى رجم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم
قلت: بَعْدَمَا أنزلت سُورَة النُّور أَو قبلهَا قَالَ: لَا أَدْرِي(6/126)
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
- قَوْله تَعَالَى: الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة أَو مُشركَة والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك وَحرم ذَلِك على الْمُؤمنِينَ
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن الحميد وَابْن أبي شيبَة(6/126)
وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة} قَالَ: لَيْسَ هَذَا بِالنِّكَاحِ وَلَكِن الْجِمَاع لَا يَزْنِي بهَا حِين يَزْنِي إِلَّا زَان أَو مُشْرك وَحرم ذَلِك على الْمُؤمنِينَ يَعْنِي الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل: لما قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة قدموها وهم بِجهْد إِلَّا قَلِيل مِنْهُم وَالْمَدينَة غَالِيَة السّعر شَدِيدَة الْجهد وَفِي السُّوق زوان متعالنات من أهل الْكتاب وَأما الْأَنْصَار مِنْهُنَّ أُميَّة وليدة عبد الله بن أبي ونيسكة بنت أُميَّة لرجل من الْأَنْصَار فِي بَغَايَا من ولائد الْأَنْصَار قد رفعت كل إمرأة مِنْهُنَّ عَلامَة على بَابهَا ليعرف أَنَّهَا زَانِيَة وَكن من أخصب أهل الْمَدِينَة وَأَكْثَره خيرا فَرغب أنَاس من مُهَاجِرِي الْمُسلمين فِيمَا يكتسبن للَّذي هم فِيهِ من الْجهد فاشار بَعضهم على بعض لَو تزوّجنا بعض هَؤُلَاءِ الزواني فنصيب من فضول أطعامهنَّ فَقَالَ بَعضهم: نستأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتوهُ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله قد شقّ علينا الْجهد وَلَا نجد مَا نَأْكُل وَفِي السُّوق بَغَايَا نسَاء أهل الْكتاب وولائدهن وولائد الْأَنْصَار يكتسبن لأنفسهن فيصلح لنا أَن نتزوّج مِنْهُنَّ فنصيب من فضول مَا يكتسبن فَإِذا وجدنَا عَنْهُن غنى تركناهن فَأنْزل الله {الزَّانِي لَا ينْكح} فَحرم على الْمُؤمنِينَ أَن يتزوّجوا الزواني المسافحات العالنات زناهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير فِي قَوْله {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة اَوْ مُشركَة} قَالَ: كن نسَاء فِي الْجَاهِلِيَّة بغيات فَكَانَت مِنْهُنَّ امْرَأَة جميلَة تدعى أم مهزول فَكَانَ الرجل من فُقَرَاء الْمُسلمين يتزوّج إِحْدَاهُنَّ فتنفق عَلَيْهِ من كسبها فَنهى الله أَن يتزوّجهن أحد من الْمُسلمين
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُلَيْمَان بن يسَار فِي قَوْله {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة اَوْ مُشركَة} قَالَ: كن نسَاء فِي الْجَاهِلِيَّة بغيات فَنهى الله الْمُسلمين عَن نِكَاحهنَّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: كَانَت بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّة بَغَايَا آل فلَان وبغايا آل فلَان فَقَالَ الله {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة اَوْ مُشركَة والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك} فأحكم الله ذَلِك من أَمر الْجَاهِلِيَّة بِالْإِسْلَامِ
قيل لَهُ: أعن ابْن عَبَّاس قَالَ: نعم(6/127)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة اَوْ مُشركَة} قَالَ: رجال كَانُوا يُرِيدُونَ الزِّنَا بنساء زَوانٍ بَغَايَا متعالنات كن كَذَلِك فِي الْجَاهِلِيَّة
قيل لَهُم هَذَا حرَام فأرادوا نِكَاحهنَّ فَحرم الله عَلَيْهِم نِكَاحهنَّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ فِي بَدْء الإِسلام قوم يزنون قَالُوا: أَفلا نتزوّج النِّسَاء الَّتِي كُنَّا نفجر بِهن
فَأنْزل الله {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك} قَالَ إِنَّمَا عني بذلك الزِّنَا وَلم يعن بِهِ التَّزْوِيج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة أَو مُشركَة} قَالَ: لَا يَزْنِي حِين يَزْنِي إِلَّا بزانية مثله أَو مُشركَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: الزَّانِي من أهل الْقبْلَة لَا يَزْنِي إِلَّا بزانية مثله من أهل الْقبْلَة أَو مُشركَة من غير أهل الْقبْلَة والزانية من أهل الْقبْلَة لَا تَزني إِلَّا بزان مثلهَا من أهل الْقبْلَة أَو مُشْرك من غير أهل الْقبْلَة وَحرم الزِّنَا على الْمُؤمنِينَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُجَاهِد قَالَ: لما حرم الله الزِّنَا فَكَانَ زوان عِنْدهن جمال وَمَال فَقَالَ النَّاس حِين حُرِّم الزِّنَا: لتُطَلَّقْنَ فلنتزوّجهن
فَأنْزل الله فِي ذَلِك {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة}
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن عبد الله بن عمر قَالَ: كَانَت امْرَأَة يُقَال لَهَا أم مهزول وَكَانَت تسافح الرِّجَال وتشرط أَن تنْفق عَلَيْهِ فَأَرَادَ رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَتَزَوَّجهَا فَأنْزل الله {والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن(6/128)
شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: كَانَ رجل يُقَال لَهُ مرْثَد يحمل الْأُسَارَى من مَكَّة حَتَّى يَأْتِي بهم الْمَدِينَة وَكَانَت امْرَأَة بِمَكَّة يُقَال لَهَا عنَاق وَكَانَت صديقَة لَهُ وَأَنه وجد رجلا من أُسَارَى مَكَّة يحملهُ قَالَ: فَجئْت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى ظلّ حَائِط من حَوَائِط مَكَّة فِي لَيْلَة مُقْمِرَة فَجَاءَت عنَاق فَأَبْصَرت سَواد ظلّ تَحت الْحَائِط فَلَمَّا انْتَهَت إليّ عَرفتنِي فَقَالَت: مرْثَد
فَقلت: مرْثَد
فَقَالَت: مرْحَبًا وَأهلا هَلُمَّ فَبِتْ عندنَا اللَّيْلَة قلت: يَا عنَاق حرّم الله الزِّنَا قَالَت: يَا أهل الْخيام هَذَا الرجل يحمل أَسْرَاكُم قَالَ: فَتَبِعَنِي ثَمَانِيَة وسلكت الخندمة فانتهيت إِلَى غَار أَو كَهْف فَدخلت فجاؤا حَتَّى قَامُوا على رَأْسِي فبالوا وظل بَوْلهمْ على رَأْسِي ونحاهم الله عني ثمَّ رجعُوا وَرجعت إِلَى صَاحِبي فَحَملته حَتَّى قدمت الْمَدِينَة فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله أنكح عنَاقًا فَأمْسك فَلم يرد عليّ شَيْئا حَتَّى نزلت {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة اَوْ مُشركَة والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان أَو مُشْرك وَحرم ذَلِك على الْمُؤمنِينَ} فَلَا تنكحها
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن عمر فِي قَوْله {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة اَوْ مُشركَة} قَالَ: كَانَ نسَاء مَعْلُومَات فَكَانَ الرجل من فُقَرَاء الْمُسلمين يتَزَوَّج الْمَرْأَة مِنْهُنَّ لتنفق عَلَيْهِ فنهاهم الله عَن ذَلِك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَنَّهَا نزلت فِي بَغَايَا معلنات كن فِي الْجَاهِلِيَّة وَكن زوان مشركات فَحرم الله نِكَاحهنَّ على الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد مولى ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت مَعَ ابْن عَبَّاس فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: إِنِّي كنت أتبع امْرَأَة فَأَصَبْت مِنْهَا مَا حرّم الله عليّ وَقد رَزَقَنِي الله مِنْهَا تَوْبَة فَأَرَدْت أَن أتزوّجها فَقَالَ النَّاس {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة أَو مُشركَة} فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ هَذَا مَوضِع هَذِه الْآيَة إِنَّمَا كن نسَاء بَغَايَا متعالنات يجعلن على أبوابهن رايات يأتيهن النَّاس يعرفن بذلك فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة
تزَوجهَا فَمَا كَانَ فِيهَا من اثم فعلي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير(6/129)
قَالَ: كن نسَاء بَغَايَا فِي الْجَاهِلِيَّة كَانَ الرجل ينْكح الْمَرْأَة فِي الْإِسْلَام فَيُصِيب مِنْهَا فَحرم ذَلِك فِي الْإِسْلَام فَأنْزل الله {والزانية لَا ينْكِحهَا إِلَّا زَان}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن عدي وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينْكح الزَّانِي الْمَحْدُود إِلَّا مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الْحسن {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة} قَالَ: الْمَحْدُود لَا يتَزَوَّج إِلَّا محدودة مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَسَعِيد مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عليّ أَن رجلا تزوج امْرَأَة ثمَّ إِنَّه زنى فأقيم عَلَيْهِ الْحَد فجاؤا بِهِ إِلَى عَليّ فَفرق بَينه وَبَين زَوجته وَقَالَ لَهُ: لَا تتزوّج إِلَّا مجلودة مثلك
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة وَلَا ينظر إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة
الْعَاق لوَالِديهِ وَالْمَرْأَة المترجلة والديوث
وَأخرج ابْن ماجة عَن أنس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أَرَادَ أَن يلقى الله طَاهِرا مطهراً فليتزوّج الْحَرَائِر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو عبيد مَعًا فِي التَّارِيخ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب فِي هَذِه الْآيَة {الزَّانِي لَا ينْكح إِلَّا زَانِيَة} قَالَ: يرَوْنَ أَن هَذِه الْآيَة الَّتِي بعْدهَا نسختها {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} فهن من أيامى الْمُسلمين(6/130)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك وَأَصْلحُوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ} يَعْنِي الْحُكَّام إِذا رفع إِلَيْهِم جلدُوا الْقَاذِف ثَمَانِينَ جلدَة {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} يَعْنِي بعد الْجلد مَا دَامَ حَيا {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} العاصون فِيمَا قَالُوهُ من الْكَذِب(6/130)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك وَأَصْلحُوا} فَتَابَ الله عَلَيْهِم من الفسوق وَأما الشَّهَادَة فَلَا تجوز
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} إِلَى {رَحِيم} فَأنْزل الله الْجلد وَالتَّوْبَة تقبل وَالشَّهَادَة ترد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لأبي بكرَة: إِن تبت قبلت شهادتك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا الَّذين تَابُوا من بعد ذَلِك وَأَصْلحُوا} قَالَ: تَوْبَتهمْ اكذابهم أنفسهم فَإِن كذبُوا أنفسهم قبلت شَهَادَتهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي سُورَة النُّور {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ} وَاسْتثنى من ذَلِك فَقَالَ (وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم) فَإِذا حلفا فرق بَينهمَا وَإِن لم يحلفا أقيم الْحَد
الْجلد أَو الرَّجْم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} ثمَّ قَالَ {إِلَّا الَّذين تَابُوا} قَالَ: فَمن تَابَ وَأصْلح فشهادته فِي كتاب الله تقبل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ شهد على الْمُغيرَة بن شُعْبَة ثَلَاثَة بِالزِّنَا وَنكل زِيَاد فحد عمر الثَّلَاثَة وَقَالَ لَهُم: تُوبُوا تقبل شهادتكم فَتَابَ رجلَانِ وَلم يتب أَبُو بكرَة فَكَانَ لَا تقبل شَهَادَته وَكَانَ أَبُو بكرَة أَخا زِيَاد لأمه فَلَمَّا كَانَ من أَمر زِيَاد مَا كَانَ حلف أَبُو بكرَة أَن لَا يكلمهُ أبدا فَلم يكلمهُ حَتَّى مَاتَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: إِذا تَابَ الْقَاذِف وأكذب نَفسه قبلت شَهَادَته
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ وَالزهْرِيّ وَطَاوُس ومسروق قَالُوا: إِذا تَابَ الْقَاذِف قبلت شَهَادَته
وتوبته أَن يكذب نَفسه
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن قَالَا: الْقَاذِف إِذا تَابَ(6/131)
فتوبته فِيمَا بَينه وَبَين الله وَلَا تجوز شَهَادَته
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَكْحُول فِي الْقَاذِف اذا تَابَ لم تقبل شَهَادَته
وَأخرج عبد بن حميد عَن ممد بن سِيرِين قَالَ: الْقَاذِف إِذا تَابَ فَإِنَّمَا تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين الله فَأَما شَهَادَته فَلَا تجوز أبدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَا شَهَادَة لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين ربه من الْعَذَاب الْعَظِيم
وَلَا تقبل شَهَادَته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} قَالَ: كَانَ الْحسن يَقُول: لَا تقبل شَهَادَة الْقَاذِف أبدا
تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين الله
وَأخرج عبد بن حميد وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كل صَاحب حد تجوز شَهَادَته إِلَّا الْقَاذِف فَإِن تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين ربه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا تقبل للقاذف شَهَادَة
تَوْبَته بَينه وَبَين ربه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِيسَى بن عَاصِم قَالَ: كَانَ أَبُو بكرَة إِذا جَاءَهُ رجل يشهده قَالَ: أشهد غَيْرِي فَإِن الْمُسلمين قد فسقوني
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: شهِدت عمر بن الْخطاب حِين جلد قذفة الْمُغيرَة وَابْن شُعْبَة مِنْهُم أَبُو بكرَة وماتع وشبل ثمَّ دَعَا أَبَا بكرَة فَقَالَ: إِن تكذب نَفسك تجز شهادتك فَأبى أَن يكذب نَفسه
وَلم يكن عمر يُجِيز شَهَادَتهمَا حَتَّى هلكا فَذَلِك قَوْله {إِلَّا الَّذين تَابُوا} وتوبتهم اكذابهم أنفسهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى الله وَرَسُوله أَن لَا تقبل شَهَادَة ثَلَاثَة وَلَا اثْنَيْنِ وَلَا وَاحِد على الزِّنَا ويجلدون ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ وَلَا تقبل لَهُم شَهَادَة أبدا حَتَّى يتَبَيَّن للْمُسلمين مِنْهُم تَوْبَة نصوح وَإِصْلَاح
وَأخرج عبد بن حميد عَن جَعْفَر بن يرقان قَالَ: سَأَلت مَيْمُون بن مهْرَان عَن هَذِه الْآيَة {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} إِلَى قَوْله {إِلَّا الَّذين تَابُوا} فَجعل الله فِيهَا تَوْبَته
وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات لُعِنوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم}(6/132)
فَقَالَ: أما الأولى فَعَسَى أَن تكون قارفت وَأما الْأُخْرَى فَهِيَ الَّتِي لم تقارف شَيْئا من ذَلِك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: لما كَانَ زمن الْعَهْد الَّذِي كَانَ بَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَين أهل مَكَّة جعلت الْمَرْأَة تخرج من أهل مَكَّة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهاجرة فِي طلب الإِسلام فَقَالَ الْمُشْركُونَ: إِنَّمَا انْطَلَقت فِي طلب الرِّجَال فَأنْزل الله {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن قَالَ: الزِّنَا أَشد من الْقَذْف وَالْقَذْف أَشد من الشّرْب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَطاء قَالَ: جلد الزَّانِي أَشد من جلد الْفِرْيَة وَالْخمر وَجلد الْفِرْيَة وَالْخمر فَوق الْحَد وَالله تَعَالَى أعلم(6/133)
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم فشهادة أحدهم أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الصَّادِقين وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ ان كَانَ من الْكَاذِبين ويدرؤا عَنْهَا الْعَذَاب أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا أَن كَانَ من الصَّادِقين وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته وَأَن الله تواب حَكِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَاصِم بن عدي قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} قلت: يَا رَسُول الله إِلَى أَن يَأْتِي الرجل بأَرْبعَة شُهَدَاء قد خرج الرجل فَلم ألبث إِلَّا أَيَّامًا فَإِذا ابْن عَم لي مَعَه امْرَأَته وَمَعَهَا ابْن وَهِي تَقول: مِنْك
وَهُوَ يَقُول: لَيْسَ مني
فَنزلت آيَة اللّعان قَالَ عَاصِم: فَأَنا أول من تكلم وَأول من ابتلى بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَعبد الرَّزَّاق وَالطَّيَالِسِي وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} الْآيَة قَالَ سعد بن عبَادَة وَهُوَ(6/133)
سيد الْأَنْصَار: أهكذا أنزلت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا معشر الْأَنْصَار أَلا تَسْمَعُونَ مَا يَقُول سيدكم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَا تلمه فَإِنَّهُ رجل غيور
وَالله مَا تزوّج امْرَأَة قطّ إِلَّا بكرا وَمَا طلق امْرَأَة قطّ فاجترأ رجل منا على أَن يَتَزَوَّجهَا من شدَّة غيرته فَقَالَ سعد: يَا رَسُول الله إِنِّي لأعْلم أَنَّهَا حق وَأَنَّهَا من الله وَلَكِنِّي تعجبت إِنِّي لَو وجدت لكاعاً قد تفخذها رجل لم يكن لي أَن أهيجه وَلَا أحركه حَتَّى أُتِي بأَرْبعَة شُهَدَاء - فوَاللَّه - لَا آتِي بهم حَتَّى يقْضِي حَاجته قَالَ: فَمَا لَبِثُوا إِلَّا يَسِيرا حَتَّى جَاءَ هِلَال بن أُميَّة
وَهُوَ أحد الثَّلَاثَة الَّذين تيب عَلَيْهِم فجَاء من أرضه عشَاء فَدخل على امْرَأَته فَوجدَ عِنْدهَا رجلا فَرَأى بِعَيْنِه وَسمع بأذنيه فَلم يهجه حَتَّى أصبح فغدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي جِئْت أَهلِي عشَاء فَوجدت عِنْدهَا رجلا فَرَأَيْت بعيني وَسمعت بأذني فكره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا جَاءَ بِهِ وَاشْتَدَّ بِهِ وَاجْتمعت الْأَنْصَار فَقَالُوا: قد ابتلينا بِمَا قَالَ سعد بن عبَادَة الْآن
فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هِلَال بن أُميَّة وأبطل شَهَادَته فِي الْمُسلمين فَقَالَ هِلَال: وَالله إِنِّي لأرجو أَن يَجْعَل الله لي مِنْهَا مخرجا فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي قد أرى مَا اشْتَدَّ عَلَيْك مِمَّا جِئْت بِهِ وَالله يعلم ايْنَ لصَادِق وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد أَن يَأْمر بضربه إِذْ نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَحْي وَكَانَ اذا نزل عَلَيْهِ الْوَحْي عرفُوا ذَلِك فِي تَرَبد جلده فأمسكوا عَنهُ حَتَّى فرغ من الْوَحْي فَنزلت {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم} فَسرِّي عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَحْي فَقَالَ: اُبْشُرْ يَا هِلَال قد جعل الله لَك فرجا ومخرجا فَقَالَ هِلَال: قد كنت أَرْجُو ذَلِك من رَبِّي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارسلوا إِلَيْهَا فَجَاءَت فَتَلَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِمَا وذكرهما وأخبرهما أَن عَذَاب الْآخِرَة أَشد من عَذَاب الدُّنْيَا فَقَالَ هِلَال: وَالله يَا رَسُول الله لقد صدقت عَلَيْهَا فَقَالَت: كذب
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَاعِنُوا بَينهمَا فَقيل لهِلَال اشْهَدْ
فَشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الصَّادِقين فَلَمَّا كَانَ فِي الْخَامِسَة قيل لهِلَال: فَإِن عَذَاب الدُّنْيَا أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة وَإِن هَذِه الْمُوجبَة الَّتِي توجب عَلَيْك الْعَذَاب فَقَالَ: وَالله لَا يُعَذِّبنِي الله عَلَيْهَا كَمَا لم يجلدني عَلَيْهَا
فَشهد فِي الْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ ان كَانَ من الْكَاذِبين
ثمَّ قيل لَهَا اشهدي
فَشَهِدت أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين
فَلَمَّا كَانَت فِي الْخَامِسَة قيل لَهَا: اتقِي الله فَإِن عَذَاب الدُّنْيَا أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة وَإِن هَذِه(6/134)
الْمُوجبَة الَّتِي توجب عَلَيْك الْعَذَاب فتلكأت سَاعَة فَقَالَت: وَالله لَا أفضح قومِي فَشَهِدت فِي الْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا أَن كَانَ من الصَّادِقين
فَفرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا وَقضى أَنه لَا يدعى لأَب وَلَا يرْمى وَلَدهَا من أجل الشَّهَادَات الْخمس وَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَيْسَ لَهَا قوت وَلَا سُكْنى وَلَا عدَّة من أجل أَنَّهَا تفَرقا من غير طَلَاق وَلَا متوفى عَنْهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس: أَن هِلَال بن أُميَّة قذف امْرَأَته عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشريك بن سَحْمَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْبَيِّنَة أوحد فِي ظهرك
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِذا رأى أَحَدنَا على امْرَأَته رجلا ينْطَلق يلْتَمس الْبَيِّنَة فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْبَيِّنَة وإلاَّ حَدٌّ فِي ظهرك
فَقَالَ هِلَال: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ إِنِّي لصَادِق ولينزلن الله مَا يبرىء ظَهْري من الْحَد فَنزل جِبْرِيل فَأنْزل الله عَلَيْهِ {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} حَتَّى بلغ {إِن كَانَ من الصَّادِقين} فَانْصَرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِمَا فجَاء هِلَال يشْهد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الله يعلم أَن أَحَدكُمَا كَاذِب فَهَل مِنْكُمَا تائب ثمَّ قَامَت فَشَهِدت فَلَمَّا كَانَت عِنْد الْخَامِسَة وقفوها وَقَالُوا: إِنَّهَا مُوجبَة
فتلكأت وَنَكَصت حَتَّى ظننا أَنَّهَا ترجع ثمَّ قَالَت: لَا أفضح قومِي سَائِر الْيَوْم فمضت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبصروها فَإِن جَاءَت بِهِ أكحل الْعَينَيْنِ سابغ الاليتين خَدلج السَّاقَيْن فَهُوَ لِشَرِيك بن سَحْمَاء
فَجَاءَت بِهِ كَذَلِك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْلَا مَا مضى من كتاب الله لَكَانَ لي وَلها شَأْن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرمى امْرَأَته بِرَجُل
فكره ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل يردده حَتَّى أنزل الله {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} حَتَّى فرغ من الْآيَتَيْنِ فَأرْسل إِلَيْهِمَا فدعاهما فَقَالَ: إِن الله قد أنزل فيكما
فَدَعَا الرجل فَقَرَأَ عَلَيْهِ
فَشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه إِنَّه لمن الصَّادِقين ثمَّ أَمر بِهِ فَأمْسك على فِيهِ فوعظه فَقَالَ لَهُ: كل شَيْء أَهْون عَلَيْك من لعنة الله
ثمَّ أرْسلهُ فَقَالَ: لعنة الله عَلَيْهِ ان كَانَ من الْكَاذِبين ثمَّ دَعَا بهَا فَقَرَأَ عَلَيْهَا
فَشَهِدت أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الكاذبينن ثمَّ أَمر بهَا فَأمْسك على فِيهَا فوعظها وَقَالَ: وَيحك كل شَيْء أَهْون عَلَيْك من غضب الله ثمَّ أرْسلت فَقَالَت: غضب الله عَلَيْهَا أَن كَانَ من الصَّادِقين(6/135)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن امْرَأَتي زنت
وَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ منكس فِي الأَرْض ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ: قد أنزل الله فِيك وَفِي صَاحبَتك فَائت بهَا
فَجَاءَت فَقَالَ: قُم فاشهد أَربع شَهَادَات فَقَامَ فَشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الصَّادِقين
فَقَالَ لَهُ: وَيلك أَو وَيحك إِنَّهَا مُوجبَة
فَشهد الْخَامِسَة ان لعنة الله عَلَيْهِ ان كَانَ من الْكَاذِبين
ثمَّ قَامَت امْرَأَته فَشَهِدت أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين
ثمَّ قَالَ وَيلك أَو يحك إِنَّهَا مُوجبَة
فَشَهِدت الْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا أَن كَانَ من الصَّادِقين
ثمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَلَا سَبِيل لَك عَلَيْهَا فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَالِي
قَالَ: لَا مَال لَك إِن كنت صدقت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا استحللت من فرجهَا وَإِن كنت كذبت عَلَيْهَا فَذَاك أبعد لَك مِنْهَا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن الحميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلت عَن المتلاعنين أيفرق بَينهمَا فَقَالَ: سُبْحَانَ الله نعم
إِن أول من سَأَلَ عَن ذَلِك فلَان بن فلَان قَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت الرجل يرى امْرَأَته على فَاحِشَة فَإِن تكلم تكلم بِأَمْر عَظِيم وَإِن سكت سكت على مثل ذَلِك فَسكت فَلم يجبهُ فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك أَتَاهُ فَقَالَ: إِن الَّذين سَأَلتك عَنهُ قد ابْتليت بِهِ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فِي سُورَة النُّور {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} حَتَّى بلغ {أَن غضب الله عَلَيْهَا أَن كَانَ من الصَّادِقين} فَبَدَأَ بِالرجلِ فوعظه وَذكره وَأخْبرهُ أَن عَذَاب الدُّنْيَا أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا كذبتك
ثمَّ ثنى بِالْمَرْأَةِ فوعظها وَذكرهَا وأخبرها أَن عَذَاب الدُّنْيَا أَهْون من عَذَاب الْآخِرَة فَقَالَت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ أَنه لَكَاذِب
فَبَدَأَ بِالرجلِ فَشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الصَّادِقين وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ ان كَانَ من الْكَاذِبين
ثمَّ ثنى بِالْمَرْأَةِ فَشَهِدت أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا إِن كَانَ من الصَّادِقين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عَشِيَّة الْجُمُعَة فِي الْمَسْجِد فجَاء رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: أَحَدنَا إِذا رأى مَعَ امْرَأَته رجلا فَقتله(6/136)
قَتَلْتُمُوهُ وان تكلم جلدتموه وَإِن سكت سكت على غيظ وَالله لَئِن أَصبَحت صَالحا لَا سألن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَحَدنَا إِذا رأى مَعَ امْرَأَته رجلا فَقتله قَتَلْتُمُوهُ وان تكلم جلدتموه وَإِن سكت سكت على غيظ
اللَّهُمَّ احكم
فَنزلت آيَة اللّعان فَكَانَ ذَلِك الرجل أول من ابتلى بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن سعد قَالَ: جَاءَ عُوَيْمِر إِلَى عَاصِم بن عدي فَقَالَ: سل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَأَيْت رجلا وجد مَعَ امْرَأَته رجلا فَقتله أيقتل بِهِ أم كَيفَ يصنع: فَسَأَلَ عَاصِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمسَائِل فَلَقِيَهُ عُوَيْمِر فَقَالَ: وَالله لَآتِيَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا سألنه فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قد أنزل عَلَيْهِ
فَدَعَا بهما فَلَا عَن بَينهمَا قَالَ عُوَيْمِر: أَن انْطلق بهَا يَا رَسُول الله لقد كذبت عَلَيْهَا ففارقها قبل أَن يُخبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَارَت سنة المتلاعنين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبصروها فَإِن جَاءَت بِهِ أسحم أدعج الْعَينَيْنِ عَظِيم الاليتين فَلَا أرَاهُ إِلَّا قد صدق
وَإِن جَاءَت بِهِ أَحْمَر كَأَنَّهُ وحرة فَلَا أرَاهُ إِلَّا كَاذِبًا
فَجَاءَت بِهِ على النَّعْت الْمَكْرُوه
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: لأوّل لعان كَانَ فِي الإِسلام أَن شريك بن سَحْمَاء رَمَاه هِلَال بن أُميَّة بامرأته فَرَفَعته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرْبَعَة شُهُود وَإِلَّا فحد فِي ظهرك
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن الله ليعلم أَنِّي لصَادِق ولينزلن الله مَا يبرىء ظَهْري من الْجلد
فَأنْزل الله آيَة اللّعان {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} إِلَى آخر الْآيَة فَدَعَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أشهد بِاللَّه إِنَّك لمن الصَّادِقين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا
فَشهد بذلك أَربع شَهَادَات بِاللَّه ثمَّ قَالَ لَهُ فِي الْخَامِسَة: لعنة الله عَلَيْك إِن كنت من الْكَاذِبين فِيمَا رميتها بِهِ من الزِّنَا
فَفعل
ثمَّ دَعَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قومِي فاشهدي بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين فِيمَا رماك بِهِ من الزِّنَا
فَشَهِدت بذلك أَربع شَهَادَات ثمَّ قَالَ لَهَا فِي الْخَامِسَة وَغَضب الله عَلَيْك ان كَانَ من الصَّادِقين فِيمَا رماك بِهِ من الزِّنَا
قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَة أَو الْخَامِسَة سكتت سكته حَتَّى ظنُّوا أَنَّهَا ستعترف
ثمَّ قَالَت لَا أفضح قومِي سَائِر الْيَوْم فمضت على القَوْل(6/137)
فَفرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهمَا وَقَالَ: انْظُرُوا فَإِن جَاءَت بِهِ جَعدًا أخمش السَّاقَيْن فَهُوَ لِشَرِيك بن سَحْمَاء وَإِن جَاءَت بِهِ أَبيض سبطاً قصير الْعَينَيْنِ فَهُوَ لهِلَال بن أُميَّة فَجَاءَت بِهِ آدم جَعدًا أخمش السَّاقَيْن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْلَا مَا نزل فيهمَا من كتاب الله لَكَانَ لي وَلها شَأْن
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رجلا من الْأَنْصَار من بني زُرَيْق قذف امْرَأَته فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرد ذَلِك عَلَيْهِ أَربع مَرَّات
فَأنْزل الله آيَة الْمُلَاعنَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن السَّائِل قد نزل من الله أَمر عَظِيم فَأبى الرجل إِلَّا أَن يلاعنها وأبت أَلا تدرأ عَن نَفسهَا الْعَذَاب
فَتَلَاعَنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما تَجِيء بِهِ أصفر أخمش مفتول الْعِظَام فَهُوَ للملاعن واما تَجِيء بِهِ أسود كَالْجمَلِ الأورق فَهُوَ لغيره فَجَاءَت بِهِ أسود كَالْجمَلِ الأورق فَدَعَا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعله لعصبة أمه وَقَالَ: لَوْلَا الْآيَات الَّتِي مَضَت لَكَانَ فِيهِ كَذَا وَكَذَا
وَأخرج الْبَزَّار عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر لَو رَأَيْت مَعَ أم رُومَان رجلا مَا كنت فَاعِلا بِهِ قَالَ: كنت - وَالله - فَاعِلا بِهِ شرا قَالَ: فَأَنت يَا عمر قَالَ: كنت - وَالله - قَاتله فَنزلت {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} قلت: رجال إِسْنَاده ثِقَات إِلَّا أَن الْبَزَّار كَانَ يحدث من حفظه فيخطىء
وَقد أخرجه ابْن مرْدَوَيْه والديلمي من هَذَا الطَّرِيق وَزَاد بعد قَوْله كنت قَاتله قَالَ: فَأَنت يَا سُهَيْل بن بَيْضَاء قَالَ: كنت أَقُول لعن الله الْأَبْعَد فَهُوَ خَبِيث وَلعن الله البُعْدَى فَهِيَ خبيثة وَلعن الله أَو الثَّلَاثَة أخبر بِهَذَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تأوّلت الْقُرْآن(6/138)
يَا ابْن بَيْضَاء {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} وَهَذَا أصح من قَول الْبَزَّار فَنزلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن زيد بن نفيع أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي بكر: أَرَأَيْت لَو وجدت مَعَ أهلك رجلا كَيفَ كنت صانعاً قَالَ: إِذا لقتلته
ثمَّ قَالَ لعمر
فَقَالَ مثل ذَلِك
فتتابع الْقَوْم على قَول أبي بكر وَعمر
ثمَّ قَالَ لسهيل بن الْبَيْضَاء
قَالَ: كنت أَقُول لعنك الله فَأَنت خبيثة ولعنك الله فَأَنت خَبِيث وَلعن الله أول الثَّلَاثَة منا يخرج هَذَا الحَدِيث
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تأوّلت الْقُرْآن يَا ابْن الْبَيْضَاء لَو قَتله بِهِ وَلَو قذفه جلد وَلَو قَذفهَا لاعنها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} قَالَ: هُوَ الرجل يَرْمِي زَوجته بِالزِّنَا {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} يَعْنِي لَيْسَ للرجل شُهَدَاء غَيره ان امْرَأَته قد زنت فَرفع ذَلِك إِلَى الْحُكَّام فشهادة أحدهم - يَعْنِي الزَّوْج - يقوم بعد الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد فَيحلف أَربع شَهَادَات بِاللَّه يَقُول: أشهد بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَن فُلَانَة - يَعْنِي امْرَأَته - زَانِيَة
وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ - يَعْنِي على نَفسه - ان كَانَ من الْكَاذِبين فِي قَوْله
ويدرأ يدْفع الْحُكَّام عَن الْمَرْأَة الْعَذَاب - يَعْنِي الْحَد - أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه - يَعْنِي زَوجهَا - لمن الْكَاذِبين
فتقوم الْمَرْأَة مقَام زَوجهَا فَتَقول أَربع مَرَّات أشهد بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَنِّي لست بزانية وَإِن زَوجي لمن الْكَاذِبين
وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا - يَعْنِي على نَفسهَا - إِن كَانَ زَوجهَا من الصَّادِقين
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَالْخَامِسَة أَن لعنة الله عَلَيْهِ ان كَانَ من الْكَاذِبين} قَالَ: فَإِن هِيَ اعْترفت رجمت وَإِن هِيَ أَبَت يدْرَأ عَنْهَا الْعَذَاب قَالَ: عَذَاب الدُّنْيَا {أَن تشهد أَربع شَهَادَات بِاللَّه أَنه لمن الْكَاذِبين وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا ان كَانَ من الصَّادِقين}
ثمَّ يفرق بَينهمَا وَتعْتَد عدَّة الْمُطلقَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لَا يجْتَمع المتلاعنان أبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الشّعبِيّ قَالَ: اللّعان أعظم من الرَّجْم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: وَجَبت اللَّعْنَة على أكذبهما
وَأخرج الْبَزَّار عَن جَابر قَالَ: مَا نزلت آيَة التلاعن إِلَّا لِكَثْرَة السُّؤَال
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ سعد بن عبَادَة: إِنِّي لَو رَأَيْت أَهلِي وَمَعَهَا رجل أنْتَظر حَتَّى آتِي بأَرْبعَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَو رَأَيْته لعاجلته بِالسَّيْفِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معشر الْأَنْصَار اسمعوا مَا يَقُول سيدكم ان سَعْدا لغيور وَأَنا أغير مِنْهُ وَالله أغير مني
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سمع(6/139)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول حِين نزلت آيَة الْمُلَاعنَة أَيّمَا امْرَأَة أدخلت على قوم مَا لَيْسَ مِنْهُم فَلَيْسَتْ من الله فِي شَيْء وَلنْ يدخلهَا الله جنته
وَأَيّمَا رجل جحد وَلَده وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ احتجب الله مِنْهُ يَوْم الْقِيَامَة وفضحه على رُؤُوس الاولين والآخرين(6/140)
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين جاؤا بالإفك عصبَة مِنْكُم لاتحسبوه شرا لكم بل هُوَ خير لكم لكل امْرِئ مِنْهُم مَا اكْتسب من الإِثم وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَعبد بن الحميد وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ أَن يخرج إِلَى سفر أَقرع بَين أَزوَاجه فأيتهن خرج سهمها خرج بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه
قَالَت عَائِشَة: فأقرع بَيْننَا فِي غَزْوَة غَزَاهَا فَخرج سهمي فَخرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا نزل الْحجاب وَأَنا أحمل فِي هودجي وَأنزل فِيهِ فسرنا حَتَّى إِذا فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غزوته تِلْكَ وقفل فَدَنَوْنَا من الْمَدِينَة قافلين
آذن لَيْلَة بالرحيل فَقُمْت حِين آذنوا بالرحيل فمشيت حَتَّى جَاوَزت الْجَيْش فَلَمَّا قضيت شأني أَقبلت إِلَى رحلي فَإِذا عقد لي من جزع ظفار قد انْقَطع فَالْتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه وَأَقْبل الرَّهْط الَّذين كَانُوا يرحلون بِي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بَعِيري الَّذِي كنت أركب وهم يحسبون أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاء إِذْ ذَاك خفافاً لم يثقلهن اللَّحْم إِنَّمَا تَأْكُل الْمَرْأَة الْعلقَة من الطَّعَام فَلم يستنكر الْقَوْم خفَّة الهودج حِين رَفَعُوهُ وَكنت جَارِيَة حَدِيثَة السن فبعثوا الْجمل فَسَارُوا فَوجدت عقدي بَعْدَمَا اسْتمرّ الْجَيْش فَجئْت مَنَازِلهمْ وَلَيْسَ بهَا دَاع وَلَا مُجيب فيممت منزلي الَّذِي كنت بِهِ فظنت أَنهم سيفقدوني فيرجعون إِلَيّ
فَبينا أَنا جالسة فِي منزلي غلبتني فَنمت
وَكَانَ صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ ثمَّ الذكواني من وَرَاء الْجَيْش فأدلج فَأصْبح عِنْد منزلي فَرَأى سَواد إِنْسَان نَائِم فَأَتَانِي فعرفني حِين رَآنِي وَكَانَ يراني قبل الْحجاب فَاسْتَيْقَظت باسترجاعه حِين(6/140)
عرفني فخمرت وَجْهي بجلبابي وَالله مَا كلمني كلمة وَاحِدَة وَلَا سَمِعت مِنْهُ كلمة غير استرجاعه حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَته فوطىء على يَديهَا فركبتها فَانْطَلق يَقُود بِي الرَّاحِلَة حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْش بعد أَن نزلُوا موغرين فِي نحر الظهيرة فَهَلَك فِي من هلك
وَكَانَ الَّذِي تولى الافك عبد الله بن أبي ابْن سلول
فقدمنا الْمَدِينَة فاشتكيت حِين قدمت شهرا وَالنَّاس يفيضون فِي قَول أَصْحَاب الإِفك لَا أشعر بِشَيْء من ذَلِك وَهُوَ يريبني فِي وجعي أَنِّي لَا أعرف من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللطف الَّذِي كنت أرى مِنْهُ حِين أشتكي إِنَّمَا يدْخل عليَّ فَيسلم ثمَّ يقولك كَيفَ تيكم ثمَّ ينْصَرف
فَذَاك الَّذِي يريبني وَلَا أشعر بِالشَّرِّ حَتَّى خرجت بَعْدَمَا نقهت وَخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وَهِي متبرزنا وَكُنَّا لَا نخرج إِلَّا لَيْلًا إِلَى ليل وَذَلِكَ قبل أَن نتَّخذ الكنف قَرِيبا من بُيُوتنَا وأمرنا أَمر الْعَرَب الأول فِي التبرز قبل الْغَائِط
فَكُنَّا نتأذى بالكنف أَن نتخذها عِنْد بُيُوتنَا فَانْطَلَقت أَنا وَأم مسطح فَأَقْبَلت أَنا وَأم مسطح قبل بَيْتِي قد أشرعنا من ثيابنا فَعَثَرَتْ أم مسطح فِي مرْطهَا فَقَالَت: تعس مسطح فَقلت لَهَا: بئس مَا قلت اتسبين رجلا شهد بَدْرًا قَالَت: أَي هنتاه أَو لم تسمعي مَا قَالَ قلت: وَمَا قَالَ
فأخبرتني بقول أهل الإِفك فازددت مَرضا على مرضِي
فَلَمَّا رجعت إِلَى بَيْتِي دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم ثمَّ قَالَ: كَيفَ تيكم فَقلت: أتأذن لي أَن آتِي أَبَوي قَالَت: - وَأَنا حِينَئِذٍ أُرِيد أَن أستيقن الْخَبَر من قبلهمَا - قَالَت: فَأذن لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجئْت لأبوي فَقلت لأمي يَا أمتاه مَا يتحدث النَّاس قَالَت يَا بنية هوني عَلَيْك فو الله لقلما كَانَت امْرَأَة قطّ وضيئة عِنْد رجل يُحِبهَا وَلها ضرائر إِلَّا أكثرن عَلَيْهَا فَقلت - سُبْحَانَ الله - وَلَقَد تحدث النَّاس بِهَذَا فَبَكَيْت تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى أَصبَحت لَا يرقأ لي دمع وَلَا اكتحل بنوم ثمَّ أَصبَحت أبْكِي ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ بن أبي طَالب وَأُسَامَة بن زيد حِين استلبث الْوَحْي يستأمرهما فِي فِرَاق أَهله
فَأَما أُسَامَة فَأَشَارَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالَّذِي يعلم من بَرَاءَة أَهله وَبِالَّذِي يعلم لَهُم فِي نَفسه من الود فَقَالَ يَا رَسُول الله: أهلك وَلَا نعلم إِلَّا خيرا وَأما عليّ بن أبي طَالب فَقَالَ يَا رَسُول الله: لم يضيّق الله عَلَيْك وَالنِّسَاء سواهَا كثير وان تسْأَل الْجَارِيَة تصدقك
فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرِيرَة فَقَالَ:(6/141)
أَي بَرِيرَة هَل رَأَيْت شَيْئا يريبك قَالَت بَرِيرَة: لَا وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ ان رَأَيْت عَلَيْهَا أمرا أغمصه أَكثر من أَنَّهَا جَارِيَة حَدِيثَة السن تنام عَن عجين أَهلهَا فتأتي الدَّاجِن فتأكله
فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستعذر يَوْمئِذٍ من عبد الله بن أبي فَقَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر: يَا معشر الْمُسلمين من يعذرني من رجل بَلغنِي أَذَاهُ فِي أهل بَيْتِي فوَاللَّه مَا علمت على أَهلِي إِلَّا خيرا وَلَقَد ذكرُوا رجلا مَا علمت عَلَيْهِ إِلَّا خيرا وَمَا كَانَ يدْخل على أَهلِي إِلَّا معي
فَقَالَ سعد بن معَاذ الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّا أعذرك مِنْهُ إِن كَانَ من الْأَوْس ضربت عُنُقه وَإِن كَانَ من إِخْوَاننَا من بني الْخَزْرَج أمرتنا فَفَعَلْنَا أَمرك فَقَامَ سعد بن عبَادَة وَهُوَ سيد الْخَزْرَج وَكَانَ قبل ذَلِك رجلا صَالحا وَلَكِن احتملته الحمية فَقَالَ لسعد: كذبت لعمر الله مَا تقتله وَلَا تقدر على قَتله
فَقَامَ أسيد بن حضير وَهُوَ ابْن عَم سعد فَقَالَ لسعد بن عبَادَة: كذبت لنقتلنه فَإنَّك مُنَافِق تجَادل عَن الْمُنَافِقين
فتثاور الْحَيَّانِ الْأَوْس والخزرج حَتَّى هموا أَن يقتتلوا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم على الْمِنْبَر فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخفضهم حَتَّى سكتوا وَسكت
فَبَكَيْت يومي ذَلِك فَلَا يرقا لي دمع وَلَا أكتحل بنوم فَأصْبح أبواي عِنْدِي وَقد بَكَيْت لَيْلَتَيْنِ وَيَوْما لَا أكتحل بنوم وَلَا يرقا لي دمع وأبواي يظنان أَن الْبكاء فالق كَبِدِي
فَبَيْنَمَا هما جالسان عِنْدِي وَأَنا أبْكِي فاستأذنت على امْرَأَة من الْأَنْصَار فَأَذنت لَهَا فَجَلَست تبْكي معي فَبينا نَحن على ذَلِك دخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جلس وَلم يجلس عِنْدِي مُنْذُ قيل فيّ مَا قيل قبلهَا وَقد لبث شهرا لَا يُوحى إِلَيْهِ فِي شأني بِشَيْء فَتَشَهَّدْ حِين جلس ثمَّ قَالَ: أما بعد يَا عَائِشَة فَإِنَّهُ بَلغنِي عَنْك كَذَا وَكَذَا
فَإِن كنت بريئة فسيبرئك الله وَإِن كنت أَلممْت بذنب فاستغفري الله وتوبي إِلَيْهِ فَإِن العَبْد إِذا اعْترف بِذَنبِهِ ثمَّ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ
فَلَمَّا قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَالَته قلص دمعي حَتَّى مَا أحس مِنْهُ قَطْرَة فَقلت لأبي: أجب عني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَالله مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لأمي: أجيبي عني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: وَالله مَا أَدْرِي مَا أَقُول لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت وَأَنا جَارِيَة حَدِيثَة السن لَا أَقرَأ كثيرا من الْقُرْآن: إِنِّي وَالله لقد علمت أَنكُمْ سَمِعْتُمْ هَذَا الحَدِيث حَتَّى اسْتَقر فِي أَنفسكُم - وصدقتم بِهِ فلئن قلت لكم اني بريئة - وَالله يعلم اني بريئة - لَا تصدقوني وَلَئِن(6/142)
اعْترفت لكم بِأَمْر - وَالله يعلم أَنِّي مِنْهُ بريئة - لتصدقني وَالله لَا أجد لي وَلكم مثلا إِلَّا قَول أبي يُوسُف {فَصَبر جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} يُوسُف الْآيَة 18
ثمَّ تحولت فاضطجعت على فِرَاشِي وَأَنا حِينَئِذٍ أعلم أَنِّي بريئة وَأَن الله مبرئي ببراءتي وَلَكِن وَالله مَا كنت أَظن أَن الله منزل فِي شأني وَحيا يُتْلَى ولشأني فِي نَفسِي كَانَ أَحْقَر من أَن يتَكَلَّم الله فيّ بِأَمْر يُتْلَى وَلَكِن كنت أَرْجُو أَن يرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤْيا يبرئني الله بهَا قَالَت: فو الله مَا رام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَجْلِسه وَلَا خرج أحد من أهل الْبَيْت حَتَّى أنزل عَلَيْهِ فَأَخذه مَا كَانَ يَأْخُذهُ من البرحاء عِنْد الْوَحْي حَتَّى أَنه ليتحدر مِنْهُ مثل الجمان من الْعرق وَهُوَ فِي يَوْم شات من ثقل القَوْل الَّذِي أنزل عَلَيْهِ فَلَمَّا سري عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سري عَنهُ وَهُوَ يضْحك فَكَانَ أول كلمة تكلم بهَا أَن قَالَ: ابشري يَا عَائِشَة أما الله فقد برأك فَقَالَت أُمِّي: قومِي إِلَيْهِ فَقلت: وَالله لَا أقوم إِلَيْهِ وَلَا أَحْمد إِلَّا الله الَّذِي أنزل براءتي
وَأنزل الله {إِن الَّذين جاؤوا بالإِفك عصبَة مِنْكُم} الْعشْر الْآيَات كلهَا
فَلَمَّا أنزل الله هَذَا فِي براءتي قَالَ أَبُو بكر: وَكَانَ ينْفق على مسطح بن أَثَاثَة لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقره وَالله لَا أنْفق على مسطح شَيْئا أبدا بعد الَّذِي قَالَ لعَائِشَة مَا قَالَ فَأنْزل الله {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يؤتوا أولي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين} النُّور الْآيَة 22 إِلَى قَوْله {رَحِيم} قَالَ أَبُو بكر: وَالله إِنِّي أحب أَن يغْفر الله لي فَرجع إِلَى مسطح النَّفَقَة الَّتِي كَانَ ينْفق عَلَيْهِ وَقَالَ: وَالله لَا أَنْزعهَا مِنْهُ أبدا قَالَت عَائِشَة: فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل زَيْنَب ابْنة جحش عَن أَمْرِي فَقَالَ: يَا زَيْنَب مَاذَا علمت أَو رَأَيْت فَقَالَت: يَا رَسُول الله أحمي سَمْعِي وبصري مَا علمت إِلَّا خيرا قَالَت: وَهِي الَّتِي كَانَت تساميني من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعصمها الله بالورع وطفقت أُخْتهَا حمْنَة تحارب لَهَا فَهَلَكت فِيمَن هلك من أَصْحَاب الإِفك
وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: لما ذكر من شأني الَّذِي ذكر وَمَا علمت بِهِ
قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خَطِيبًا فَتشهد فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد أَشِيرُوا عليَّ فِي أنَاس أنبوا أَهلِي - وأيم الله - مَا علمت على أَهلِي من سوء وأنبوهم بِمن - وَالله - مَا علمت عَلَيْهِ من سوء قطّ وَلَا يدْخل بَيْتِي قطّ إِلَّا وَأَنا حَاضر وَلَا غبت فِي سفر إِلَّا غَابَ معي(6/143)
فَقَامَ سعد بن معَاذ فَقَالَ: ائْذَنْ لي يَا رَسُول الله أَن تضرب أَعْنَاقهم وَقَامَ رجل من بني الْخَزْرَج وَكَانَت أم حسان بن ثَابت من رَهْط ذَلِك الرجل فَقَالَ: كذبت أما وَالله لَو كَانُوا من الْأَوْس مَا أَحْبَبْت أَن تضرب أَعْنَاقهم حَتَّى كَاد أَن يكون بَين الْأَوْس والخزرج شَرْقي الْمَسْجِد وَمَا علمت
فَلَمَّا كَانَ مسَاء ذَلِك الْيَوْم خرجت لبَعض حَاجَتي وَمَعِي أم مسطح فَعَثَرَتْ فَقَالَت: تعس مسطح فَقلت: أَي أم تسبين ابْنك فَسَكَتَتْ ثمَّ عثرت الثَّالِثَة فَقَالَت: تعس مسطح فَقلت لَهَا: أَي أم تسبين ابْنك ثمَّ عثرت الثَّالِثَة فَقَالَت: تعس مسطح فانتهرتها فَقَالَت: وَالله لم أسبه إِلَّا فِيك فَقلت: فِي أَي شأني فَقَرَأت لي الحَدِيث
فَقلت وَقد كَانَ هَذَا قَالَت: نعم
وَالله
فَرَجَعت إِلَى بَيْتِي كَأَن الَّذِي خرجت لَهُ لَا أجد مِنْهُ قَلِيلا وَلَا كثيرا ووعكت فَقلت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرْسلنِي إِلَى بَيت أبي فَأرْسل معي الْغُلَام فَدخلت الدَّار فَوجدت أم رُومَان فِي السّفل وَأَبا بكر فَوق الْبَيْت يقْرَأ
فَقَالَت أُمِّي: مَا جَاءَ بك يَا بنية فَأَخْبَرتهَا وَذكرت لَهَا الحَدِيث وَإِذا هُوَ لم يبلغ مِنْهَا مثل مَا بلغ مني
فَقَالَت: يَا بنية خففي عَلَيْك الشَّأْن فَإِنَّهُ - وَالله - لقلما كَانَت امْرَأَة حسناء عِنْد رجل يُحِبهَا لَهَا ضرائر إِلَّا حسدتها وَقيل: فِيهَا
قلت: وَقد علم بِهِ أبي فَقَالَت: نعم قلت: وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: نعم
فاستعبرت وبكيت فَسمع أَبُو بكر صوتي وَهُوَ فَوق الْبَيْت يقْرَأ فَنزل فَقَالَ لأمي: مَا شَأْنهَا قَالَت: بلغَهَا الَّذِي ذكر من شَأْنهَا فَفَاضَتْ عَيناهُ فَقَالَ: أَقْسَمت عَلَيْك أَي بنية إِلَّا رجعت إِلَى بَيْتك فَرَجَعت
وَلَقَد جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْتِي فَسَأَلَ عني خادمي فَقَالَت: لَا وَالله مَا علمت عَلَيْهَا عَيْبا إِلَّا أَنَّهَا كَانَت ترقد حَتَّى تدخل الشَّاة فتأكل خميرها أَو عَجِينهَا وانتهرها بعض أَصْحَابه فَقَالَ: اصدقي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أسقطوا لهابه فَقَالَت - سُبْحَانَ الله - مَا علمت عَلَيْهَا إِلَّا مَا يعلم الصَّائِغ على تبر الذَّهَب الْأَحْمَر فَبلغ إِلَى ذَلِك الرجل الَّذِي قيل لَهُ فَقَالَ - سُبْحَانَ الله - وَالله مَا كشفت كنف أُنْثَى قطّ قَالَت: فَقتل شَهِيدا فِي سَبِيل الله قَالَ: وَأصْبح أبواي عِنْدِي فَلم يَزَالَا حَتَّى دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد صلى الْعَصْر ثمَّ دخل وَقد اكتنفني أبواي عَن يَمِيني وشمالي(6/144)
فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد يَا عَائِشَة إِن كنت قارفت سوأ أَو ظلمت فتوبي إِلَى الله فَإِن الله يقبل التَّوْبَة عَن عباده
قَالَت: وَقد جَاءَت إمرأة من الْأَنْصَار فَهِيَ جالسة بِالْبَابِ فَقلت: أَلا تَسْتَحي من هَذِه الْمَرْأَة أَن تذكر شَيْئا فوعظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالْتَفت إِلَى أبي فَقلت: أجبه قَالَ: مَاذَا أَقُول فَالْتَفت إِلَى أُمِّي فَقلت: أجيبيه قَالَت: أَقُول مَاذَا فَلَمَّا يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عَلَيْهِ ثمَّ قلت: أما بعد - فو الله - لَئِن قلت لكم أَنِّي لم أفعل - وَالله يشْهد أَنِّي لصادقة - مَا ذَاك بنافعي عنْدكُمْ وَقد تكلمتم بِهِ وأشربته قُلُوبكُمْ
وَإِن قلت: إِنِّي فعلت - وَالله يعلم أَنِّي لم أفعل - لتقولن قد باءت بِهِ على نَفسهَا وَأَنِّي - وَالله - لَا أجد لي وَلكم مثلا
والتمست اسْم يَعْقُوب فَلم أقدر عَلَيْهِ إِلَّا أَبَا يُوسُف حِين قَالَ {فَصَبر جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} يُوسُف الْآيَة 18
وَأنزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَاعَته فسكتنا فَرفع عَنهُ
وَإِنِّي لأتبين السرُور فِي وَجهه وَهُوَ يمسح جَبينه وَيَقُول: ابشري يَا عَائِشَة فقد أنزل الله براءتك قَالَت: وَقد كنت أَشد مِمَّا كنت غَضبا فَقَالَ لي أبواي: قومِي إِلَيْهِ فَقلت: وَالله لَا أقوم إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَده وَلَكِن أَحْمد الله الَّذِي أنزل براءتي لقد سمعتموه فَمَا أنكرتموه وَلَا غيرتموه وَكَانَت عَائِشَة تَقول: أما زَيْنَب بنة جحش فعصمها الله بدينها فَلم تقل إِلَّا خيرا وَأما أُخْتهَا حمْنَة فَهَلَكت فِيمَن هلك وَكَانَ الَّذِي تكلم فِيهَا مسطح وَحسان بن ثَابت وَالْمُنَافِق عبد الله بن أبي وَهُوَ الَّذِي كَانَ يستوشيه ويجمعه وَهُوَ الَّذِي كَانَ تولى كبره مِنْهُم هُوَ وَحمْنَة قَالَ: فَحلف أَبُو بكر أَن لَا ينفع مسطحًا بنافعة أبدا فَأنْزل الله {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم} النُّور الْآيَة 22
إِلَى آخر الْآيَة
يَعْنِي أَبَا بكر
{وَالسعَة أَن يؤتوا أولي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين} يَعْنِي مسطحًا
إِلَى قَوْله {أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم وَالله غَفُور رَحِيم} قَالَ أَبُو بكر: بلَى وَالله إِنَّا نحب أَن يغْفر الله لنا وَعَاد لَهُ كَمَا كَانَ يصنع
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم رُومَان قَالَ: بَينا أَنا عِنْد عَائِشَة اذ دخلت عَلَيْهَا امْرَأَة فَقَالَت: فعل الله بابنها وَفعل فَقَالَت عَائِشَة: وَلم قَالَت: إِنَّه كَانَ فِيمَن حدث الحَدِيث قَالَت عَائِشَة: وَأي حَدِيث قَالَت: كَذَا وَكَذَا قلت: وَقد بلغ ذَاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: نعم(6/145)
قلت: وَأَبا بكر قَالَت: نعم
فخرت عَائِشَة مغشياً عَلَيْهَا فَمَا أفاقت إِلَّا وَعَلَيْهَا حمى بنافض فَقُمْت فزبرتها وَجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا شَأْن هَذِه قلت: يَا رَسُول الله أَخَذتهَا حمى بنافض قَالَ: فَلَعَلَّهُ من حَدِيث تحدث بِهِ
قَالَت واستوت عَائِشَة قَاعِدَة فَقَالَت: وَالله لَئِن حَلَفت لَا تصدقوني
وَلَئِن اعتذرت إِلَيْكُم لَا تعذروني فمثلى ومثلكم كَمثل يَعْقُوب وبنيه {وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله عذرها فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه أَبُو بكر فَدخل فَقَالَ: يَا عَائِشَة إِن الله قد أنزل عذرك فَقَالَت: بِحَمْد الله لَا بحَمْدك فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر: أتقولين هَذَا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: نعم
قَالَت: وَكَانَ فِيمَن حدث الحَدِيث رجل كَانَ يعوله أَبُو بكر فَحلف أَبُو بكر أَن لَا يصله فَأنْزل {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة} إِلَى آخر الْآيَة قَالَ أَبُو بكر: بلَى
فوصله
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذا أَرَادَ سفر أَقرع بَين نِسَائِهِ فَأصَاب عَائِشَة الْقرعَة فِي غَزْوَة بني المصطلق فَلَمَّا كَانَ فِي جَوف اللَّيْل انْطَلَقت عَائِشَة لحَاجَة فانحلت قلادتها فَذَهَبت فِي طلبَهَا وَكَانَ مسطح يَتِيما لأبي بكر وَفِي عِيَاله فَلَمَّا رجعت عَائِشَة لم تَرَ الْعَسْكَر وَكَانَ صَفْوَان بن الْمُعَطل السّلمِيّ يتَخَلَّف عَن النَّاس فَيُصِيب الْقدح والجراب والاداوة فيحمله فَنظر فَإِذا عَائِشَة فَغطّى وَجهه عَنْهَا ثمَّ أدنى بعيره مِنْهَا فَانْتهى إِلَى الْعَسْكَر فَقَالُوا: قولا: وَقَالُوا فِيهِ قَالَ: ثمَّ ذكر الحَدِيث حَتَّى انْتهى وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَجِيء فَيقوم على الْبَاب فَيَقُول: كَيفَ تيكم حَتَّى جَاءَ يَوْمًا فَقَالَ: ابشري يَا عَائِشَة قد أنزل الله عذرك فَقَالَت: بِحَمْد الله لَا بحَمْدك وَأنزل فِي ذَلِك عشر آيَات {إِن الَّذين جاؤوا بالإِفك عصبَة مِنْكُم} فحد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسطحًا وَحمْنَة وَحسان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَدِهِ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا سَافر جَاءَ بِبَعْض نِسَائِهِ
وسافر بعائشة وَكَانَ لَهَا هودج وَكَانَ الهودج لَهُ رجال يحملونه
ويضعونه فعرس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَخرجت عَائِشَة للْحَاجة فباعدت فَلم يعلم بهَا فَاسْتَيْقَظَ النَّبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس قد ارتحلوا وَجَاء الَّذين يحملون الهودج(6/146)
فَحَمَلُوهُ فَلم يعلمُوا إِلَّا أَنَّهَا فِيهِ فَسَارُوا وَأَقْبَلت عَائِشَة فَوجدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّاس قد ارتحلوا فَجَلَست مَكَانهَا فَاسْتَيْقَظَ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ صَفْوَان بن معطل وَكَانَ لَا يقرب النِّسَاء فتقرب مِنْهَا وَمَعَهُ بعير لَهُ فَلَمَّا رَآهَا وَكَانَ قد عرفهَا وَهِي صَغِيرَة قَالَ: أم الْمُؤمنِينَ ولى وَجهه وَحملهَا ثمَّ أَخذ بِخِطَام الْجمل وَأَقْبل يَقُودهُ حَتَّى لحق النَّاس
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نزل وفقد عَائِشَة فَأَكْثرُوا القَوْل وَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فشق عَلَيْهِ حَتَّى اعتزلها وَاسْتَشَارَ فِيهَا زيد بن ثَابت وَغَيره فَقَالَ: يَا رَسُول الله دعها لَعَلَّ الله أَن يحدث أمره فِيهَا فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: النِّسَاء كثير
وَخرجت عَائِشَة لَيْلَة تمشي فِي نسَاء فَعَثَرَتْ أم مسطح فَقَالَت: تعس مسطح قَالَت عَائِشَة: بئس مَا قلت فَقَالَت: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا يَقُول فأخبريها
فَسَقَطت عَائِشَة مغشياً عَلَيْهَا ثمَّ أنزل الله {إِن الَّذين جاؤوا بالإِفك} الْآيَات
وَكَانَ أَبُو بكر يُعْطي مسطحًا ويصله ويبره فَحلف أَبُو بكر لَا يُعْطِيهِ فَنزل {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم} فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْتِيهَا ويبشرها فجَاء أَبُو بكر فَأَخْبرهَا بعذرها وَمَا أنزل الله فِيهَا فَقَالَت: بِحَمْد الله لَا بحَمْدك وَلَا بِحَمْد صَاحبك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَدِهِ عَن عمر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اراد سفرا أَقرع بَين نِسَائِهِ ثَلَاثًا فَمن أَصَابَته الْقرعَة خرج بهَا مَعَه فَلَمَّا غزا بني المصطلق أَقرع بَينهُنَّ فأصابت عَائِشَة وَأم سَلمَة فَخرج بهما مَعَه فَلَمَّا كَانُوا فِي بعض الطَّرِيق مَال رَحل أم سَلمَة فأناخوا بَعِيرهَا لِيُصْلِحُوا رَحلهَا وَكَانَت عَائِشَة تُرِيدُ قَضَاء حَاجَة فَلَمَّا أبركوا إبلهم قَالَت عَائِشَة: فَقلت فِي نَفسِي إِلَى مَا يصلح رَحل أم سَلمَة أَقْْضِي حَاجَتي
قَالَت: فَنزلت من الهودج وَلم يعلمُوا بنزولي
فَأتيت خربة فَانْقَطَعت قلادتي فاحتبست فِي جمعهَا ونظامها وَبعث الْقَوْم إبلهم ومضوا وظنوا أَنِّي فِي الهودج فَخرجت وَلم أر أحد فاتبعهم حَتَّى أعييت
فَقلت فِي نَفسِي: إِن الْقَوْم سيفقدوني ويرجعون فِي طلبي فَقُمْت على بعض الطَّرِيق فَمر بِي صَفْوَان بن الْمُعَطل وَكَانَ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَجعله على السَّاقَة فَجعله
وَكَانَ إِذا رَحل النَّاس قَامَ يُصَلِّي ثمَّ اتبعهم فَمَا سقط مِنْهُم من شَيْء حمله(6/147)
حَتَّى يَأْتِي بِهِ أَصْحَابه قَالَت عَائِشَة: فَلَمَّا مر بِي ظن أَنِّي رجل فَقَالَ: يَا نومان قُم فَإِن النَّاس قد مضوا فَقلت: إِنِّي لست رجلا أَنا عَائِشَة قَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون ثمَّ أَنَاخَ بعيره فعقل يَدَيْهِ ثمَّ ولى عني فَقَالَ يَا أمه: قومِي فاركبي فَإِذا ركبت فآذنيني قَالَت: فركبتُ فجَاء حَتَّى حل العقال ثمَّ بعث جمله فَأخذ بِخِطَام الْجمل قَالَ عمر: فَمَا كلمها كلَاما حَتَّى أَتَى بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ عبد الله بن أبي ابْن سلول للنَّاس: فجربها وَرب الْكَعْبَة وأعانه على ذَلِك حسان بن ثَابت ومسطح بن أَثَاثَة وَحمْنَة وشاع ذَلِك فِي الْعَسْكَر فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ فِي قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا قَالُوا حَتَّى رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة وأشاع عبد الله بن أبي هَذَا الحَدِيث فِي الْمَدِينَة وَاشْتَدَّ ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عَائِشَة: فَدخلت ذَات يَوْم أم مسطح فرأتني وَأَنا أُرِيد الْمَذْهَب فَحملت معي السطل وَفِيه مَاء فَوَقع السطل مِنْهَا فَقَالَت: تعس مسطح قَالَت لَهَا عَائِشَة - سُبْحَانَ الله - تسبين رجلا من أهل بدر وَهُوَ ابْنك قَالَت لَهَا أم مسطح: أَنه سَالَ بك السَّيْل وَأَنت لَا تدرين وأخبرتها بالْخبر
قَالَت: فَلَمَّا أَخْبَرتنِي أخذتني الْحمى بنافض مِمَّا كَانَ وَلم أجد الْمَذْهَب
قَالَت عَائِشَة: وَقد كنت أرى من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ذَلِك جفوة وَلم أدر من أَي شَيْء هُوَ فَلَمَّا حَدَّثتنِي أم مسطح علمت أَن جفوة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَاك فَلَمَّا دخل عليَّ قلت: تَأذن لي أَن أذهب إِلَى أَهلِي قَالَ: اذهبي فَخرجت عَائِشَة حَتَّى أَتَت أَبَاهَا فَقَالَ لَهَا: مَالك قلت: اخرجني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَيته قَالَ لَهَا أَبُو بكر: فأخرجك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَيته وآويك أَنا وَالله لَا آويك حَتَّى يَأْمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يؤويها فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر: وَالله مَا قيل لنا هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّة قطّ فَكيف وَقد أعزنا الله بالإِسلام فَبَكَتْ عَائِشَة وَأمّهَا أم رُومَان وَأَبُو بكر وَعبد الرَّحْمَن وَبكى مَعَهم أهل الدَّار
وَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَيهَا النَّاس من يعذرني مِمَّن يُؤْذِينِي فَقَامَ إِلَيْهِ سعد بن معَاذ فسل سَيْفه وَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّا أعذرك مِنْهُ إِن يكن من الْأَوْس أَتَيْتُك بِرَأْسِهِ وَإِن يكن من الْخَزْرَج أمرتنا بِأَمْرك(6/148)
فِيهِ فَقَامَ سعد بن عبَادَة فَقَالَ: كذبت وَالله مَا تقدر على قَتله انما طلبتنا بذحول كَانَت بَيْننَا وَبَيْنكُم فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ هَذَا: يال الْأَوْس وَقَالَ هَذَا: يال الْخَزْرَج
فاضطربوا بالنعال وَالْحِجَارَة فتلاطموا فَقَامَ أسيد بن حضير فَقَالَ: فيمَ الْكَلَام هَذَا رَسُول الله يَأْمُرنَا بأَمْره فنفعله عَن رغم أنف من رغم
وَنزل جِبْرِيل وَهُوَ على الْمِنْبَر فَلَمَّا سري عَنهُ تَلا عَلَيْهِم مَا نزل بِهِ جِبْرِيل {وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} الحجرات الْآيَة 9 إِلَى آخر الْآيَات فصاح النَّاس: رَضِينَا بِمَا أنزل الله وَقَامَ وَبَعْضهمْ إِلَى بعض وتلازموا وتصايحوا فَنزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمِنْبَر
وَأَبْطَأ الْوَحْي فِي عَائِشَة فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَليّ بن أبي طَالب وَأُسَامَة بن زيد وبريرة وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يستشير فِي أَمر أَهله لم يعد عليا وَأُسَامَة بن زيد بعد موت أَبِيه زيد فَقَالَ لعَلي: مَا تَقول فِي عَائِشَة فقد أهمني مَا قَالَ النَّاس قَالَ: يَا رَسُول الله قد قَالَ النَّاس وَقد حل لَك طَلاقهَا وَقَالَ لأسامة: مَا تَقول أَنْت قَالَ - سُبْحَانَ الله - مَا يحل لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم
فَقَالَ لبريرة: مَا تَقُولِينَ يَا بَرِيرَة قَالَت وَالله يَا رَسُول الله مَا علمت على أهلك إِلَّا خيرا إِلَّا أَنَّهَا امْرَأَة نَؤُم تنام حَتَّى تَجِيء الدَّاجِن فتأكل عَجِينهَا وَإِن كَانَ شَيْء من هَذَا ليخبرنك الله
فَخرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى منزل أبي بكر فَدخل عَلَيْهَا فَقَالَ: يَا عَائِشَة إِن كنت فعلت هَذَا الْأَمر فَقولِي لي حَتَّى أسْتَغْفر الله لَك فَقَالَت: وَالله لَا أسْتَغْفر الله مِنْهُ أبدا
إِن كنت قد فعلته فَلَا غفر الله لي وَمَا أجد مثلي ومثلكم إِلَّا مثل أبي يُوسُف اذْهَبْ اسْم يَعْقُوب من الأسف قَالَ {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ} يُوسُف الْآيَة 86
فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكلمها إِذْ نزل جِبْرِيل بِالْوَحْي فَأخذت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعسة فَسرِّي وَهُوَ يتبسم فَقَالَ: يَا عَائِشَة إِن الله قد أنزل عذرك فَقَالَت: بِحَمْد الله بحَمْدك
فَتلا عَلَيْهَا سُورَة النُّور إِلَى الْموضع الَّذِي انْتهى إِلَيْهِ عذرها وبراءتها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ك قومِي إِلَى الْبَيْت فَقَامَتْ
وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَسْجِد فَدَعَا أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح فَجمع النَّاس ثمَّ تَلا عَلَيْهِم مَا أنزل الله من الْبَرَاءَة لعَائِشَة وَبعث إِلَى عبد الله بن(6/149)
أبي فجيء بِهِ فَضَربهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدَّيْنِ وَبعث إِلَى حسان ومسطح وَحمْنَة فَضربُوا ضربا وجيعاً ووجيء فِي رقابهم قَالَ ابْن عمر: انما ضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن أبي حَدَّيْنِ لِأَنَّهُ من قذف أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَعَلَيهِ حدان
فَبعث أَبُو بكر إِلَى مسطح لَا وصلتك بدرهم أبدا وَلَا عطف عَلَيْك بِخَير أبدا ثمَّ طرده أَبُو بكر وَأخرجه من منزله
وَنزل الْقُرْآن {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ أَبُو بكر: أما إِذْ نزل الْقُرْآن يَأْمُرنِي فِيك لأضاعفن لَك
وَكَانَت امْرَأَة عبد الله بن أبيّ منافقَةً مَعَه فَنزل الْقُرْآن {الخبيثات} يَعْنِي امْرَأَة عبد الله {للخبيثين} يَعْنِي عبد الله {والخبيثون للخبيثات} عبد الله وَامْرَأَته {والطيبات} يَعْنِي عَائِشَة وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {للطيبين} يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْيُسْر الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة: يَا عَائِشَة قد أنزل الله عذرك قَالَت: بِحَمْد الله لَا بحَمْدك
فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عِنْد عَائِشَة فَبعث إِلَى عبد الله بن أبيّ فَضَربهُ حَدَّيْنِ وَبعث إِلَى مسطح وَحمْنَة فضربهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس {إِن الَّذين جاؤوا بالإِفك عصبَة مِنْكُم} يُرِيد أَن الَّذين جاؤا بِالْكَذِبِ على عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ أَرْبَعَة مِنْكُم {لَا تحسبوه شرا لكم بل هُوَ خير لكم} يُرِيد خيرا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبَرَاءَة لسيدة نسَاء الْمُؤمنِينَ وَخير لأبي بكر وَأم عَائِشَة وَصَفوَان بن الْمُعَطل {لكل امْرِئ مِنْهُم مَا اكْتسب من الإِثم وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم} يُرِيد إشاعته مِنْهُم يُرِيد عبد الله بن أُبي بن سلول {لَهُ عَذَاب عَظِيم} يُرِيد فِي الدُّنْيَا جلده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْآخِرَة مصيره إِلَى النَّار {لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا وَقَالُوا هَذَا إفْك مُبين} وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَشَارَ فِيهَا بَرِيرَة وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: خيرا وَقَالُوا: هَذَا كذب عَظِيم {لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء} لكانوا هم وَالَّذين شهدُوا كاذبين {فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} يُرِيد الْكَذِب بِعَيْنِه {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته} يُرِيد وَلَوْلَا مَا من الله بِهِ عَلَيْكُم وستركم {هَذَا بهتان عَظِيم} يُرِيد الْبُهْتَان الافتراء مثل قَوْله فِي مَرْيَم بهتاناً عَظِيما {يعظكم الله أَن تعودوا لمثله} يُرِيد مسطحًا(6/150)
وَحمْنَة وَحسان {وَيبين الله لكم الْآيَات} الَّتِي أنزلهَا فِي عَائِشَة والبراءة لَهَا {وَالله عليم} بِمَا فِي قُلُوبكُمْ من الندامة فِيمَا خضتم بِهِ {حَكِيم} فِي الْقَذْف ثَمَانِينَ جلدَة {إِن الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة} يُرِيد بعد هَذَا {فِي الَّذين آمنُوا} يُرِيد المحصنين وَالْمُحصنَات من المصدقين {لَهُم عَذَاب أَلِيم} وجيع فِي الدُّنْيَا يُرِيد الْحَد وَفِي الْآخِرَة الْعَذَاب فِي النَّار {وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ} مَا دَخَلْتُم فِيهِ وَمَا فِيهِ من شدَّة الْعَذَاب وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ شدَّة سخط الله على من فعل هَذَا
{وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم} يُرِيد لَوْلَا مَا تفضل الله بِهِ عَلَيْكُم {وَرَحمته} يُرِيد مسطحًا وَحمْنَة وَحسان {وَإِن الله رؤوف رَحِيم} يُرِيد من الرَّحْمَة رؤوف بكم حَيْثُ ندمتم وَرَجَعْتُمْ إِلَى الْحق {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} يُرِيد صدقُوا بتوحيد الله {لَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان} يُرِيد الزلات {فَإِنَّهُ يَأْمر بالفحشاء وَالْمُنكر} يُرِيد بالفحشاء عصيان الله وَالْمُنكر كل مَا يكره الله تَعَالَى {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته} يُرِيد مَا تفضل الله بِهِ عَلَيْكُم وَرَحِمَكُمْ {مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا} يُرِيد مَا قبل تَوْبَة أحد مِنْكُم أبدا {وَلَكِن الله يُزكي من يَشَاء} فقد شِئْت أَن يَتُوب عَلَيْكُم {وَالله سميع عليم} يُرِيد سميع لقولكم عليم بِمَا فِي أَنفسكُم من الندامة
{وَلَا يَأْتَلِ} يُرِيد وَلَا يحلف {أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة} يُرِيد وَلَا يحلف أَبُو بكر أَن لَا ينْفق على مسطح {أَن يؤتوا أولي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين والمهاجرين فِي سَبِيل الله وليعفوا وليصفحوا} فقد جعلت فِيك يَا أَبَا بكر الْفضل وَجعلت عنْدك السعَة والمعرفة بِاللَّه فَسَخِطَتْ يَا أَبَا بكر على مسطح فَلهُ قرَابَة وَله هِجْرَة ومسكنة ومشاهد رضيتها مِنْهُ يَوْم بدر {أَلا تحبون} يَا أَبَا بكر {أَن يغْفر الله لكم} يُرِيد فَاغْفِر لمسطح {وَالله غَفُور رَحِيم} يُرِيد فَإِنِّي غَفُور لمن أَخطَأ رَحِيم بأوليائي
{إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} يُرِيد العفائف {الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات} يُرِيد المصدقات بتوحيد الله وبرسله وَقد قَالَ حسان بن ثَابت فِي عَائِشَة: حصان رزان مَا تزن بريبة وتصبح غرثى من لُحُوم الغوافل فَقَالَت عَائِشَة: لكنك لست كَذَلِك {لعنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم} يَقُول أخرجهم من الإِيمان مثل قَوْله فِي سُورَة الْأَحْزَاب لِلْمُنَافِقين {ملعونين أَيْنَمَا ثقفوا أخذُوا وقتِّلوا تقتيلا} الْأَحْزَاب الْآيَة 61(6/151)
{وَالَّذِي تولى كبره} يُرِيد كبر الْقَذْف واشاعته عبد الله بن أبي الملعون {يَوْم تشهد عَلَيْهِم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} يُرِيد أَن الله ختم على ألسنتهم فَشَهِدت الْجَوَارِح وتكلمت على أَهلهَا بذلك وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا تَعَالَوْا نحلف بِاللَّه مَا كُنَّا مُشْرِكين فختم الله على ألسنتهم فتكلمت الْجَوَارِح بِمَا عمِلُوا ثمَّ شهِدت ألسنتهم عَلَيْهِم بعد ذَلِك
{يَوْمئِذٍ يوفيهم الله دينهم الْحق} يُرِيد يجازيهم بأعمالهم بِالْحَقِّ كَمَا يجازي أولياءه بالثواب كَذَلِك يجازي أعداءه بالعقاب كَقَوْلِه فِي الْحَمد {مَالك يَوْم الدّين} يُرِيد يَوْم الْجَزَاء {ويعلمون} يُرِيد يَوْم الْقِيَامَة {أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين} وَذَلِكَ أَن عبد الله بن أبي كَانَ يشك فِي الدُّنْيَا وَكَانَ رَأس الْمُنَافِقين فَذَلِك قَوْله {يَوْمئِذٍ يوفيهم الله دينهم الْحق} وَيعلم ابْن سلول {إِن الله هُوَ الْحق الْمُبين} يُرِيد انْقَطع الشَّك واستيقن حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ الْيَقِين
{الخبيثات للخبيثين} يُرِيد أَمْثَال عبد الله بن أبيّ وَمن شكّ فِي الله ويقذف مثل سيدة نسَاء الْعَالمين {والطيبات للطيبين} عَائِشَة طيبها الله لرَسُوله
أَتَى بهَا جِبْرِيل فِي سَرقَة من حَرِير قبل أَن تصور فِي رحم أمهَا فَقَالَ لَهُ: عَائِشَة بنت أبي بكر زَوجتك فِي الدُّنْيَا وزوجتك فِي الْجنَّة عوضا من خَدِيجَة وَذَلِكَ عِنْد مَوتهَا بشر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقر بهَا عَيناهُ
{والطيبون للطيبات} يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طيبه الله لنَفسِهِ وَجعله سيد ولد آدم {والطيبات} يُرِيد عَائِشَة {أُولَئِكَ مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ} يُرِيد برأها الله من كذب عبد الله بن أبي {لَهُم مغْفرَة} يُرِيد عصمَة فِي الدُّنْيَا {ومغفرة} فِي الْآخِرَة {ورزق كريم} يُرِيد الْجنَّة وثواب عَظِيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن سعيد بن جُبَير {أَن الَّذين جاؤوا بالإِفك} الْكَذِب {عصبَة مِنْكُم} يَعْنِي عبد الله بن أبي الْمُنَافِق وَحسان بن ثَابت ومسطح بن أَثَاثَة وَحمْنَة بنت جحش {لَا تحسبوه شرا لكم} يَقُول لعَائِشَة وَصَفوَان: لَا تحسبوا الَّذِي قيل لكم من الْكَذِب {شرا لكم بل هُوَ خير لكم} لأنكم تؤجرون على ذَلِك {لكل امْرِئ مِنْهُم} يَعْنِي مِمَّن خَاضَ فِي أَمر عَائِشَة {مَا اكْتسب من الإِثم} على قدر مَا خَاضَ فِيهِ من أمرهَا {وَالَّذِي تولى كبره} يَعْنِي حَظه مِنْهُم يَعْنِي القدفة وَهُوَ ابْن أبي رَأس الْمُنَافِقين وَهُوَ الَّذِي قَالَ: مَا بَرِئت مِنْهُ وَمَا برىء مِنْهَا {لَهُ عَذَاب عَظِيم}(6/152)
وَفِي هَذِه الْآيَة عِبْرَة عَظِيمَة لجَمِيع الْمُسلمين إِذا كَانَت فيهم خَطِيئَة فَمن أعَان عَلَيْهَا بِفعل أَو كَلَام أَو عرض لَهَا أَو أعجبه ذَلِك أَو رَضِي فَهُوَ فِي تِلْكَ الْخَطِيئَة على قدر مَا كَانَ مِنْهُ وَإِذا كَانَ خَطِيئَة بَين الْمُسلمين فَمن شهد وَكره فَهُوَ مثل الْغَائِب وَمن غَابَ وَرَضي فَهُوَ مثل شَاهد
{لَوْلَا إِذْ سمعتموه} قذف عَائِشَة وَصَفوَان {ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات} لِأَن مِنْهُم حمْنَة بنت جحش هلا كَذبْتُمْ بِهِ {بِأَنْفسِهِم خيرا} هلا ظن بَعضهم بِبَعْض خيرا أَنهم لم يزنوا {وَقَالُوا هَذَا إِِفك مُبين} الا قَالُوا هَذَا الْقَذْف كذب بَين {لَوْلَا جاؤوا عَلَيْهِ} يَعْنِي على الْقَذْف {بأَرْبعَة شُهَدَاء فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك} يَعْنِي الَّذِي قذفوا عَائِشَة {عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} فِي قَوْلهم {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} من تَأْخِير الْعقُوبَة {لمسكم فِيمَا أَفَضْتُم فِيهِ} يَعْنِي فِيمَا قُلْتُمْ من الْقَذْف {عَذَاب عَظِيم إِذْ تلقونه بألسنتكم} وَذَلِكَ حِين خَاضُوا فِي أَمر عَائِشَة فَقَالَ بَعضهم: سَمِعت فلَانا يَقُول كَذَا وَكَذَا وَقَالَ بَعضهم: بل كَانَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ {تلقونه بألسنتكم} يَقُول: يرويهِ بَعْضكُم عَن بعض {وتقولون بأفواهكم} يَعْنِي بألسنتكم من قَذفهَا {مَا لَيْسَ لكم بِهِ علم} يَعْنِي من غير أَن تعلمُوا أَن الَّذِي قُلْتُمْ من الْقَذْف حق {وتحسبونه هيناً} تحسبون أَن الْقَذْف ذَنْب هَين {وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم} يَعْنِي من الزُّور {لَوْلَا إِذْ سمعتموه} يَعْنِي الْقَذْف {قُلْتُمْ مَا يكون} يَعْنِي أَلا قُلْتُمْ مَا يكون {مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا} وَلم تره أَعيننَا {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} يَعْنِي أَلا قُلْتُمْ هَذَا كذب عَظِيم مثل مَا قَالَ سعد بن معَاذ الْأنْصَارِيّ: وَذَلِكَ أَن سَعْدا لما سمع قَول من قَالَ فِي أَمر عَائِشَة قَالَ {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} يَعْنِي أَلا قُلْتُمْ هَذَا كذب عَظِيم مثل مَا قَالَ سعد بن معَاذ الْأنْصَارِيّ: وَذَلِكَ أَن سَعْدا لما سمع قَول من قَالَ فِي أَمر عَائِشَة قَالَ {سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم} والبهتان الَّذِي يبهت فَيَقُول مَا لم يكن
{يعظكم الله أَن تعودوا لمثله أبدا} يَعْنِي الْقَذْف {إِن كُنْتُم مُؤمنين} يَعْنِي مُصدقين {وَيبين الله لكم الْآيَات} يَعْنِي مَا ذكر من المواعظ {إِن الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة} تفشوا وَيظْهر الزِّنَا {لَهُم عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا} بِالْحَدِّ {فِي الْآخِرَة عَذَاب النَّار}
{وَلَوْلَا فضل الله} لعاقبكم بِمَا قُلْتُمْ لعَائِشَة {وَإِن الله رؤوف رَحِيم} حِين عَفا عَنْكُم فَلم يعاقبكم {وَمن يتبع خطوَات الشَّيْطَان} يَعْنِي تزيينه {فَإِنَّهُ يَأْمر بالفحشاء} يَعْنِي بِالْمَعَاصِي {وَالْمُنكر} مَا لَا يعرف مثل مَا قيل لعَائِشَة {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته}(6/153)
يَعْنِي نعْمَته {مَا زكا} مَا صلح {وَلَكِن الله يُزكي} يصلح {من يَشَاء}
فَلَمَّا أنزل الله عذر عَائِشَة وبرأها وَكذب الَّذين قذفوها حلف أَبُو بكر أَن لَا يصل مسطح بن أَثَاثَة بِشَيْء أبدا لِأَنَّهُ كَانَ فِيمَن ادّعى على عَائِشَة من الْقَذْف وَكَانَ مسطح من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَكَانَ ابْن خَالَة أبي بكر وَكَانَ يَتِيما فِي حجره فَقِيرا فَلَمَّا حلف أَبُو بكر أَن لَا يصله نزلت فِي أبي بكر {وَلَا يَأْتَلِ} أَي وَلَا يحلف {أولُوا الْفضل مِنْكُم} يَعْنِي فِي الْغنى أَبَا بكر الصّديق {وَالسعَة} يَعْنِي فِي الرزق {أَن يؤتوا أولي الْقُرْبَى} يَعْنِي مسطح ابْن أَثَاثَة قرَابَة أبي بكر وَابْن خَالَته {وَالْمَسَاكِين} يَعْنِي أَن مسطحًا كَانَ فَقِيرا {والمهاجرين فِي سَبِيل الله} يَعْنِي أَن مسطحًا كَانَ من الْمُهَاجِرين {وليعفوا وليصفحوا} يَعْنِي ليتجاوزوا عَن مسطح {أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر: أما تحب أَن يغْفر الله لَك قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: فَاعْفُ وَاصْفَحْ فَقَالَ أَبُو بكر: قد عَفَوْت وصفحت لَا أمْنَعهُ مَعْرُوفا بعد الْيَوْم
{إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات} يَعْنِي يقذفون بِالزِّنَا الحافظات لفروجهن العفائف {الْغَافِلَات} يَعْنِي عَن الْفَوَاحِش يَعْنِي عَائِشَة {الْمُؤْمِنَات} يَعْنِي الصادقات {لعنُوا} يَعْنِي جلدُوا {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} يُعَذبُونَ بالنَّار يَعْنِي عبد الله بن أبي لِأَنَّهُ مُنَافِق لَهُ عَذَاب عَظِيم
{يَوْم تشهد عَلَيْهِم ألسنتهم} يَعْنِي من قذف عَائِشَة يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمئِذٍ} يَعْنِي فِي الْآخِرَة {يوفيهم الله دينهم الْحق} حسابهم الْعدْل لَا يظلمهم {ويعلمون أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين} يَعْنِي الْعدْل الْمُبين {الخبيثات} يَعْنِي السيء من الْكَلَام قذف عَائِشَة {للخبيثين} من الرِّجَال وَالنِّسَاء يَعْنِي الَّذين قذفوها {والخبيثون} يَعْنِي من الرِّجَال وَالنِّسَاء {للخبيثات} يَعْنِي السيء من الْكَلَام لِأَنَّهُ يَلِيق بهم الْكَلَام السيء {والطيبات} يَعْنِي الْحسن من الْكَلَام {للطيبين} من الرِّجَال وَالنِّسَاء يَعْنِي الَّذين ظنُّوا بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات خيرا {والطيبون} من الرِّجَال وَالنِّسَاء {للطيبات} لِلْحسنِ من الْكَلَام لِأَنَّهُ يَلِيق بهم الْكَلَام الْحسن {أُولَئِكَ} يَعْنِي الطيبين من الرِّجَال وَالنِّسَاء {مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ} هم برَاء من الْكَلَام السيء {لَهُم مغْفرَة} يَعْنِي لذنوبهم {ورزق كريم}(6/154)
يَعْنِي حسنا فِي الْجنَّة فَلَمَّا أنزل الله عذر عَائِشَة ضمهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى نَفسه وَهِي من أَزوَاجه فِي الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أنزل الله عُذْري وكادت الْأمة تهْلك فِي سببي فَلَمَّا سري عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعرج الْملك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَبِيك اذْهَبْ إِلَى ابْنَتك فاخبرها أَن الله قد أنزل عذرها من السَّمَاء قَالَت: فَأَتَانِي أبي وَهُوَ يعدو يكَاد أَن يعثر فَقَالَ: ابشري يَا بنية بِأبي وَأمي فَإِن الله قد أنزل عذرك قلت: بِحَمْد الله لَا بحَمْدك وَلَا بِحَمْد صَاحبك الَّذِي أرسلك ثمَّ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَنَاول ذراعي فَقلت بِيَدِهِ هَكَذَا فَأخذ أَبُو بكر النَّعْل ليعلوني بهَا فمنعته أُمِّي فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَقْسَمت لَا تفعل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: وَالله مَا كنت أَرْجُو أَن ينزل فيّ كتاب الله وَلَا أطمع فِيهِ وَلَكِنِّي كنت أَرْجُو أَن يرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رُؤْيا فَيذْهب مَا فِي نَفسه وَقد سَأَلَ الْجَارِيَة الحبشية فَقَالَت: وَالله لعَائِشَة أطيب من طيب الذَّهَب وَلكنهَا ترقد حَتَّى تدخل تدخل الشَّاة فتأكل عَجِينهَا وَالله لَئِن كَانَ مَا يَقُول النَّاس حَقًا ليخبرنك الله
فَعجب النَّاس من فقهها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الحكم ابْن عتيبة قَالَ: لما خَاضَ النَّاس فِي أَمر عَائِشَة أرسل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَائِشَة فَقَالَ: يَا عَائِشَة مَا يَقُول النَّاس فَقَالَت: لَا أعْتَذر من شَيْء قَالُوهُ حَتَّى ينزل عُذْري من السَّمَاء
فَأنْزل الله فِيهَا خمس عشرَة آيَة من سُورَة النُّور ثمَّ قَرَأَ حَتَّى بلغ {الخبيثات للخبيثين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: نزلت ثَمَان عشرَة آيَة مُتَوَالِيَات بتكذيب من قذف عَائِشَة وببراءتها
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن عَائِشَة قَالَت: لما رميت بِمَا رميت بِهِ هَمَمْت أَن آتِي قلبيا فاطرح نَفسِي فِيهِ
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح عَن عَائِشَة: أَنه لما نزل عذرها قبَّل أَبُو بكر رَأسهَا فَقَالَت: الا عذرتني فَقَالَ: أَي سَمَاء تُظِلنِي وَأي أَرض تُقِلني إِن قلت مَا لَا أعلم
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة قَالَت: لما نزلت عُذْري من السَّمَاء جَاءَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبرنِي بذلك فَقلت: بِحَمْد الله لَا بحَمْدك(6/155)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة قَالَت: لما نزل عُذْري قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمِنْبَر فَذكر ذَلِك وتلا الْقُرْآن فَلَمَّا نزل
أَمر برجلَيْن وَامْرَأَة فَضربُوا حَدَّيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن جحش قَالَ: تفاخرت عَائِشَة وَزَيْنَب فَقَالَت زَيْنَب: أَنا الَّتِي نزل تزويجي وَقَالَت عَائِشَة: وَأَنا الَّتِي نزل عُذْري فِي كِتَابه حِين حَملَنِي ابْن الْمُعَطل فَقَالَت لَهَا زَيْنَب: يَا عَائِشَة مَا قلت حِين ركبتيها قَالَت: قلت حسبي الله وَنعم الْوَكِيل قَالَت: قلتِ كلمة الْمُؤمنِينَ
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس: أَنه دخل على عَائِشَة قبل مَوتهَا وَهِي مغلوبة فَقَالَ: كَيفَ تجدينك قَالَت: بِخَير إِن اتَّقَيْت قَالَ: فَأَنت بِخَير
زوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينْكح بكرا غَيْرك وَنزل عذرك من السَّمَاء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت: خلال فيَّ تسع لم تكن لأحد إِلَّا مَا آتى الله مَرْيَم جَاءَ الْملك بِصُورَتي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَزَوَّجنِي وَأَنا ابْنة سبع سِنِين وَأهْديت إِلَيْهِ وَأَنا ابْنة تسع وتزوّجني بكرا وَكَانَ يَأْتِيهِ الْوَحْي وَأَنا وَهُوَ فِي لِحَاف وَاحِد وَكنت من أحب النَّاس إِلَيْهِ وَنزل فيَّ آيَات من الْقُرْآن كَادَت الْأمة تهْلك فِيهَا وَرَأَيْت جِبْرِيل وَلم يره أحد من نِسَائِهِ غَيْرِي وَقبض فِي بَيْتِي لم يَله أحد غير الْملك إِلَّا انا
وَأخرج ابْن سعد عَن عَائِشَة قَالَت: فضلت على نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعشر
قيل مَا هن يَا أم الْمُؤمنِينَ قَالَت: لم ينْكح بكرا قطّ غَيْرِي وَلم ينْكح امْرَأَة أبواها مهاجران غَيْرِي وَأنزل الله براءتي من السَّمَاء وجاءه جِبْرِيل بِصُورَتي من السَّمَاء فِي حريرة وَقَالَ تزوّجها فَإِنَّهَا امْرَأَتك وَكنت أَغْتَسِل أَنا وَهُوَ من اناء وَاحِد وَلم يكن يصنع ذَلِك بِأحد من نِسَائِهِ غَيْرِي وَكَانَ يُصَلِّي وَأَنا مُعْتَرضَة بَين يَدَيْهِ وَلم يكن يفعل ذَلِك بِأحد من نِسَائِهِ غَيْرِي وَكَانَ ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَهُوَ معي وَلم يكن ينزل عَلَيْهِ وَهُوَ مَعَ أحد من نِسَائِهِ غَيْرِي وَقبض الله نَفسه وَهُوَ بَين سحرِي وَنَحْرِي وَمَات فِي اللَّيْلَة الَّتِي كَانَ يَدُور عليَّ فِيهَا ودُفِنَ فِي بَيْتِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن الحميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن مُجَاهِد(6/156)
فِي قَوْله {إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم} قَالَ: أَصْحَاب عَائِشَة عبد الله بن أبي ابْن سلول ومسطح وَحسان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الَّذين افتروا على عَائِشَة حسان ومسطح وَحمْنَة بنت جحش وَعبد الله بن أبي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة: أَن عبد الْملك بن مَرْوَان كتب إِلَيْهِ يسْأَله عَن الَّذين جاؤا بالإِفك فَكتب إِلَيْهِ أَنه لم يسم مِنْهُم إِلَّا حسان ومسطح وَحمْنَة بنت جحش فِي آخَرين لَا علم لي بهم
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كنت عِنْد الْوَلِيد بن عبد الْملك فَقَالَ: الَّذِي تولى كبره مِنْهُم عَليّ
فَقلت: لَا
حَدثنِي سعيد بن الْمسيب وَعُرْوَة بن الزبير وعلقمة بن وَقاص وَعبيد الله بن عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود كلهم سمع عَائِشَة تَقول: الَّذِي تولى كبره عبد الله بن أبي قَالَ: فَقَالَ لي فَمَا كَانَ جرمه قلت: حَدثنِي شَيْخَانِ من قَوْمك أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام أَنَّهُمَا سمعا عَائِشَة تَقول: كَانَ مسيئاً فِي أَمْرِي
وَقَالَ يَعْقُوب بن شبة فِي مُسْنده: حَدثنَا الْحسن بن عَليّ الْحلْوانِي ثَنَا الشَّافِعِي ثَنَا عمي قَالَ: دخل سُلَيْمَان بن يسَار على هِشَام بن عبد الْملك فَقَالَ لَهُ: يَا سُلَيْمَان الَّذِي تولى كبره من هُوَ قَالَ: عبد الله بن أبي قَالَ: كذبت هُوَ عليّ
قَالَ أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلم بِمَا يَقُول فَدخل الزُّهْرِيّ فَقَالَ: يَا ابْن شهَاب من الَّذِي تولى كبره فَقَالَ لَهُ: ابْن أبي قَالَ: كذبت
هُوَ عليّ قَالَ: أَنا أكذب - لَا أَبَا لَك - لَو نَادَى منادٍ من السَّمَاء أَن الله أحل الْكَذِب مَا كذبت
حَدثنِي عُرْوَة وَسَعِيد وَعبيد الله وعلقمة عَن عَائِشَة: أَن الَّذِي تولى كبره عبد الله بن أبي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَسْرُوق قَالَ: دخل حسان بن ثَابت على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فشبب وَقَالَ: حصان رزان مَا تزن بريبة وتصبح غرثى من لُحُوم الغوافل(6/157)
قَالَت: لكنك لست كَذَلِك قلت: تدعين مثل هَذَا يدْخل عَلَيْك وَقد أنزل الله {وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم} فَقَالَت: وَأي عَذَاب أَشد من الْعَمى وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه أَو لَيْسَ فِي عَذَاب قد كف بَصَره وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الشّعبِيّ عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: مَا سَمِعت بِشَيْء أحسن من شعر حسان وَمَا تمثلت بِهِ إِلَّا رَجَوْت لَهُ الْجنَّة
قَوْله لأبي سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب بن هَاشم: هجوت مُحَمَّدًا وأجبت عَنهُ وَعند الله فِي ذَاك الْجَزَاء فان أبي ووالده وعرضي لعرض مُحَمَّد مِنْكُم وقاء أتشتمه وَلست لَهُ بكفء فشركما لخيركما الْفِدَاء لساني صارم لَا عيب فِيهِ وبحري لَا تكدره الدلاء فَقيل: يَا أم الْمُؤمنِينَ أَلَيْسَ هَذَا لَغوا قَالَت: لَا إِنَّمَا اللَّغْو مَا قيل عِنْد النِّسَاء قيل: أَلَيْسَ الله يَقُول {وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم} قَالَت: أَلَيْسَ قد أَصَابَهُ عَذَاب أَلِيم أَلَيْسَ قد أُصِيب بَصَره وكسع بِالسَّيْفِ وتعني الضَّرْبَة الَّتِي ضربهَا إِيَّاه صَفْوَان بن الْمُعَطل حِين بلغه عَنهُ أَنه تكلم فِي ذَلِك فعلاه بِالسَّيْفِ وَكَاد يقْتله وَأخرج مُحَمَّد بن سعد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَن عَائِشَة كَانَت تَأذن لحسان بن(6/158)
ثَابت وَتَدْعُو لَهُ بالوسادة وَتقول: لَا تُؤْذُوا حسان فَإِنَّهُ كَانَ ينصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَانِهِ وَقَالَ الله {وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم} وَقد عمي وَالله قَادر أَن يَجْعَل ذَلِك الْعَذَاب الْعَظِيم عماه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم} يَقُول: الَّذِي بَدَأَ بذلك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن مُجَاهِد {وَالَّذِي تولى كبره} قَالَ: عبد الله بن أبي ابْن سلول يذيعه
وَأخرج عبد بن الحميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن الَّذِي تولى كبره رجلَانِ من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَحدهمَا من قُرَيْش وَالْآخر من الْأَنْصَار
عبد الله بن أبيّ بن سلول وَلم يكن شرٌ قطُّ إِلَّا وَله قادة ورؤساء فِي شرهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَن عَائِشَة كَانَت تَأذن لحسان بن ثابتن وتلقي لَهُ الوسادة وَتقول
لَا تَقولُوا لحسان إِلَّا خيرا فَإِنَّهُ كَانَ يرد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد قَالَ الله {وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب عَظِيم} وَقد عمي والعمى عَذَاب عَظِيم وَالله قَادر على أَن يَجعله ذَلِك وَيغْفر لحسان ويدخله الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَسْرُوق قَالَ فِي قِرَاءَة عبد الله (وَالَّذِي تولى كبره مِنْهُم لَهُ عَذَاب أَلِيم)(6/159)
لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14)
- قَوْله تَعَالَى: لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا وَقَالُوا هَذَا إفْك مُبين لَوْلَا جاؤا عَلَيْهِ بأَرْبعَة شُهَدَاء فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لمسكم فِي مَا أَفَضْتُم فِيهِ عَذَاب عَظِيم(6/159)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن بعض الْأَنْصَار أَن امْرَأَة أبي أَيُّوب قَالَت لَهُ حِين قَالَ أهل الإِفك مَا قَالُوا: أَلا تسمع مَا يَقُول النَّاس فِي عَائِشَة قَالَ: بلَى وَذَلِكَ الْكَذِب أَكنت أَنْت فاعلة ذَلِك يَا أم أَيُّوب قَالَت: لَا وَالله قَالَ: فعائشة وَالله خير مِنْك وَأطيب إِنَّمَا هَذَا كذب وإفك بَاطِل فَلَمَّا نزل الْقُرْآن ذكر الله من قَالَ من الْفَاحِشَة مَا قَالَ من أهل الافك ثمَّ قَالَ {لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بِأَنْفسِهِم خيرا وَقَالُوا هَذَا إفْك مُبين} أَي كَمَا قَالَ أَبُو أَيُّوب وصاحبته
وَأخرج الواحدي وَابْن عَسَاكِر وَالْحَاكِم عَن أَفْلح مولى أبي أَيُّوب أَن أم أَيُّوب قَالَت: أَلا تسمع مَا يَقُول النَّاس فِي عَائِشَة قَالَ: بلَى وَذَلِكَ الْكَذِب أفكنت يَا أم أَيُّوب فاعلة ذَلِك قَالَت: لَا وَالله قَالَ: فعائشة وَالله خير مِنْك
فَلَمَّا نزل الْقُرْآن وَذكر أهل الافك قَالَ الله {لَوْلَا إِذْ سمعتموه ظن الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات}(6/160)
إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
- قَوْله تَعَالَى: إِذْ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم مَا لَيْسَ لكم بِهِ علم وتحسبونه هيناً وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ {إِذْ تلقونه بألسنتكم} قَالَ: يرويهِ بَعْضكُم عَن بعض
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {إِذْ تلقونه بألسنتكم} قَالَ: يرويهِ بَعْضكُم عَن بعض
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مليكَة قَالَ: كَانَت عَائِشَة تقْرَأ {إِذْ تلقونه بألسنتكم} وَتقول: إِنَّمَا هُوَ ولق القَوْل
والولق الْكَذِب قَالَ ابْن أبي مليكَة: هِيَ أعلم بِهِ من غَيرهَا لِأَن ذَلِك نزل فِيهَا
أما قَوْله تَعَالَى {وتحسبونه هيناً وَهُوَ عِنْد الله عَظِيم}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجل ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من سخط الله لَا يلقِي لَهَا بَالا يهوي بهَا فِي النَّار أبعد مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن حُذَيْفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قذف المحصنة يهدم عمل مائَة سنة(6/160)
وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ حِين أخْبرته امْرَأَته قَالَت: يَا أَبَا أَيُّوب أَلا تسمع مَا يتحدث النَّاس فَقَالَ (مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم) فَأنْزل الله {وَلَوْلَا إِذْ سمعتموه قُلْتُمْ مَا يكون لنا أَن نتكلم بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم}
وَأخرج سنيد فِي تَفْسِيره عَن سعيد بن جُبَير أَن سعد بن معَاذ لما سمع مَا قيل فِي أَمر عَائِشَة قَالَ: سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم
وَأخرج ابْن أخي سمي فِي فَوَائده عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كَانَ رجلَانِ من(6/160)
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سمعا شَيْئا من ذَلِك قَالَا: سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم
زيد بن حَارِثَة وَأَبُو أَيُّوب(6/161)
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)
- قَوْله تَعَالَى: يعظكم الله أَن تعودوا لمثله أبدا إِن كُنْتُم مُؤمنين وَيبين الله لكم الْآيَات وَالله عليم حَكِيم
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه {يعظكم الله أَن تعودوا لمثله أبدا} قَالَ يحرج الله عَلَيْكُم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَالطَّبَرَانِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يعظكم الله} قَالَ: يَنْهَاكُم(6/161)
إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة فِي الَّذين آمنُوا لَهُم عَذَاب أَلِيم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته أَن الله رؤوف رَحِيم
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن مُجَاهِد {إِن الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة} قَالَ: تظهر
يحدث عَن شَأْن عَائِشَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {إِن الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة} قَالَ: يحبونَ أَن يظْهر الزِّنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان قَالَ: من حدث بِمَا أَبْصرت عَيناهُ وَسمعت أذنَاهُ فَهُوَ من الَّذين يحبونَ أَن تشيع الْفَاحِشَة فِي الَّذين آمنُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: من أشاع الْفَاحِشَة فَعَلَيهِ النكال وَإِن كَانَ صَادِقا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الْعَامِل الْفَاحِشَة وَالَّذِي يشيع بهَا فِي الإِثم سَوَاء
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن شبْل بن عون قَالَ: كَانَ يُقَال من سمع بِفَاحِشَة فأفشاها فَهُوَ فِيهَا كَالَّذي أبداها(6/161)
وَأخرج أَحْمد عَن ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تُؤْذُوا عباد الله وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا تَطْلُبُوا عَوْرَاتهمْ
فَإِنَّهُ من طلب عَورَة أَخِيه الْمُسلم طلب الله عَوْرَته حَتَّى يَفْضَحهُ فِي بَيته(6/162)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)
- قَوْله تَعَالَى: ياأيها الَّذين آمنُوا لَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان وَمن يتبع خطوَات الشَّيْطَان فَإِنَّهُ يَأْمر بالفحشاء وَالْمُنكر وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكى مِنْكُم من أحد أبدا وَلَكِن الله يُزكي من يَشَاء وَالله سميع عليم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مَا زكا مِنْكُم} قَالَ: مَا اهْتَدَى أحد من الْخَلَائق لشَيْء من الْخَيْر(6/162)
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَا يَأْتَلِ أولو الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يَأْتُوا أولي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِين والمهاجرين فِي سَبِيل الله وليعفوا وليصفحوا أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم وَالله غَفُور رَحِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل} يَقُول: لَا تقسموا أَن لَا تنفقوا على أحد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ مسطح بن اثاثة مِمَّن تولى كبره من أهل الإِفك وَكَانَ قَرِيبا لأبي بكر وَكَانَ فِي عِيَاله فَحلف أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَن لَا ينيله خيرا أبدا فَأنْزل الله {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة} قَالَت: فَأَعَادَهُ أَبُو بكر إِلَى عِيَاله وَقَالَ: لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا تحللتها وأتيت الَّذِي هُوَ خير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل من قُرَيْش يُقَال لَهُ مسطح كَانَ بَينه وَبَين أبي بكر قرَابَة وَكَانَ يَتِيما فِي حجره وَكَانَ مِمَّن أذاع على عَائِشَة مَا(6/162)
أذاع فَلَمَّا أنزل الله براءتها وعذرها تألى أَبُو بكر لَا يرزؤه خيرا فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة
فَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا أَبَا بكر فَتَلَاهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَلا تحب أَن يغْفر الله لَك قَالَ: بلَى قَالَ: فَاعْفُ عَنهُ وَتجَاوز فَقَالَ أَبُو بكر: لَا جرم
وَالله لَا أمْنَعهُ مَعْرُوفا كنت أوليه قبل الْيَوْم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: كَانَ ذُو قرَابَة لأبي بكر مِمَّن كثر على عَائِشَة فَحلف أَبُو بكر لَا يصله بِشَيْء وَقد كَانَ يصله قبل ذَلِك فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة} إِلَى آخر الْآيَة فَصَارَ أَبُو بكر يضعف لَهُ بعد ذَلِك بَعْدَمَا نزلت هَذِه الْآيَة ضعْفي مَا كَانَ يُعْطِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: حلف أَبُو بكر لَا ينفع مسطح بن أَثَاثَة وَلَا يصله وَكَانَ بَينه وَبَين أبي بكر قرَابَة من قبل النِّسَاء فَأقبل إِلَى أبي بكر يعْتَذر فَقَالَ مسطح: جعلني الله فداءك وَالله الَّذِي أنزل على مُحَمَّد مَا قذفتها وَمَا تَكَلَّمت بِشَيْء مِمَّا قيل لَهَا أَي خَالِي - وَكَانَ أَبُو بكر خَاله - قَالَ أَبُو بكر: وَلَكِن قد ضحِكت وَأَعْجَبَك الَّذِي قيل فِيهَا قَالَ: لَعَلَّه يكون قد كَانَ بعض ذَلِك فَأنْزل الله فِي شَأْنه {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: حلف أَبُو بكر فِي يتيمين كَانَا فِي حجره كَانَا فِيمَن خَاضَ فِي أَمر عَائِشَة
أَحدهمَا مسطح بن اثاثة قد شهد بَدْرًا فَحلف لَا يصلهمَا وَلَا يصيبا مِنْهُ خيرا
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة} قَالَ: كَانَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد رموا عَائِشَة بالقبيح وأفشوا ذَلِك وَتَكَلَّمُوا فِيهَا فأقسم نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم أَبُو بكر أَن لَا يتصدقوا على رجل تكلم بِشَيْء من هَذَا وَلَا يصلوه قَالَ: لَا يقسم أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يصلوا أرحامهم وَأَن يعطوهم من أَمْوَالهم كَالَّذي كَانُوا يَفْعَلُونَ قبل ذَلِك فَأمر الله أَن يغْفر لَهُم وَأَن يعْفُو عَنْهُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي سَلمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نقص مَال من صَدَقَة قطّ
تصدقوا وَلَا عَفا رجل عَن مظْلمَة إِلَّا زَاده الله عزا
فاعفوا يعزكم(6/163)
الله وَلَا فتح رجل على نَفسه مَسْأَلَة النَّاس إِلَّا فتح الله لَهُ بَاب فقر
إِلَّا أَن الْعِفَّة خير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي وَائِل قَالَ: رَأَيْت عبد الله أَتَاهُ رجل بِرَجُل نشوان فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَد ثمَّ قَالَ للرجل الَّذِي جَاءَ بِهِ: مَا أَنْت مِنْهُ قَالَ: عَمه
قَالَ: ماأحسنت الْأَدَب وَلَا سترته {وليعفوا وليصفحوا أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم} ثمَّ قَالَ عبد الله: إِنِّي لأذكر أول رجل قطعه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى رجل فَلَمَّا أَمر بِهِ لتقطع يَده كَأَنَّمَا سف وَجهه رَمَادا فَقيل: يَا رَسُول الله كَانَ هَذَا شقّ عَلَيْك قَالَ: لَا يَنْبَغِي أَن تَكُونُوا للشَّيْطَان عوناً على أخيكم فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي للْحَاكِم إِذا انْتهى إِلَيْهِ حد إِلَّا أَن يقيمه وَإِن الله عَفْو يحب الْعَفو ثمَّ قَرَأَ {وليعفوا وليصفحوا أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم}(6/164)
إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)
- قَوْله تَعَالَى: إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات لُعِنوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات} قَالَ: نزلت فِي عَائِشَة خَاصَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن خصيف قَالَ: قلت لسَعِيد بن جُبَير أَيّمَا أَشد
الزِّنَا أم الْقَذْف قَالَ: الزِّنَا
قلت: إِن الله يَقُول {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات} قَالَ: إِنَّمَا أنزل هَذَا فِي شَأْن عَائِشَة خَاصَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الضَّحَّاك قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَائِشَة خَاصَّة {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جريرعن الضَّحَّاك {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات} قَالَ: إِنَّمَا عني بِهَذَا نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الجوزاء {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات}(6/164)
قَالَ: هَذِه لأمهات الْمُؤمنِينَ خَاصَّة
وأخرجابن أبي حَاتِم عَن سَلمَة بن نبيط {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات} قَالَ: هن نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَرَأَ سُورَة النُّور فَفَسَّرَهَا فَلَمَّا أَتَى على هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات} قَالَ: هَذِه فِي عَائِشَة وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يَجْعَل لمن فعل ذَلِك تَوْبَة وَجعل لمن رمى امْرَأَة من الْمُؤْمِنَات من غير أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّوْبَة ثمَّ قَرَأَ {وَالَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} إِلَى قَوْله {إِلَّا الَّذين تَابُوا} وَلم يَجْعَل لمن قذف امْرَأَة من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوْبَة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {لعنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُم عَذَاب عَظِيم} فهم بعض الْقَوْم أَن يقوم إِلَى ابْن عَبَّاس فَيقبل رَأسه لحسن مَا فسر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: رميت بِمَا رميت بِهِ وَأَنا غافلة فبلغني بعد ذَلِك: فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدِي جَالس إِذْ أُوحِي إِلَيْهِ وَهُوَ جَالس ثمَّ اسْتَوَى فَمسح على وَجهه وَقَالَ: يَا عَائِشَة ابشري فَقلت: بِحَمْد الله لَا بحَمْدك فَقَرَأَ {إِن الَّذين يرْمونَ الْمُحْصنَات الْغَافِلَات الْمُؤْمِنَات} حَتَّى بلغ {أُولَئِكَ مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ}(6/165)
يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
- قَوْله تَعَالَى: يَوْم تشهد عَلَيْهِم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بِمَا كَانُوا يعْملُونَ
أخرج أَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة عرف الْكَافِر بِعَمَلِهِ فَجحد وَخَاصم فَيُقَال: هَؤُلَاءِ جيرانك يشْهدُونَ عَلَيْك فَيَقُول: كذبُوا فَيُقَال: أهلك وعشيرتك فَيَقُول: كذبُوا فَيُقَال: احلفوا فَيحلفُونَ ثمَّ يصمتهم الله وَتشهد عَلَيْهِم ألسنتهم وأيديهم ثمَّ يدخلهم النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول من يخْتَصم يَوْم الْقِيَامَة الرجل وَامْرَأَته فَمَا ينْطق لسانها وَلَكِن يداها ورجلاها يَشْهَدَانِ عَلَيْهَا بِمَا كَانَت تغتاله أَو توليه أَو كلمة نَحْوهَا ويداه وَرجلَاهُ يشْهدُونَ(6/165)
عَلَيْهِ بِمَا كَانُوا يوليها ثمَّ يدعى الرجل وخوله فَمثل ذَلِك
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنكُمْ تدعون مُقَدّمَة أَفْوَاهكُم بالفدام وَإِن أول مَا يبين عَن أحدكُم فرجه وكفه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا ينْطق من ابْن آدم يَوْم الْقِيَامَة فَخذه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول مَا يستنطق من ابْن آدم جوارحه فِي محاقير عمله
فَيَقُول وَعزَّتك يَا رب إِن عِنْدِي المضرات الْعِظَام
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنِّي لأعْلم آخر رجل من أمتِي يجوز الصِّرَاط رجل يتلوى على الصِّرَاط كالغلام حِين يضْربهُ أَبوهُ
تزلّ يَده مرّة فتصيبها النَّار وتزل رجله مرّة فتصيبها النَّار فَتَقول لَهُ الْمَلَائِكَة: أَرَأَيْت إِن بَعثك الله من مقامك هَذَا فمشيت سوياً أتخبرنا بِكُل عمل عملته فَيَقُول: أَي وعزته لَا أكتمكم من عَمَلي شَيْئا فَيَقُولُونَ لَهُ: قُم فامش سوياً
فَيقوم فَيَمْشِي حَتَّى يُجَاوز الصِّرَاط فَيَقُولُونَ لَهُ: اُخْبُرْنَا باعمالك الَّتِي عملت فَيَقُول فِي نَفسه: إِن أَخْبَرتهم بِمَا عملت ردوني إِلَى مَكَاني فَيَقُول: لَا وعزته مَا عملت ذَنبا قطّ فَيَقُولُونَ: إِن لنا عَلَيْك بَيِّنَة فيلتفت يَمِينا وَشمَالًا هَل يرى من الْآدَمِيّين مِمَّن كَانَ يشْهد فِي الدُّنْيَا أحد
فَلَا يرَاهُ فَيَقُول: هاتوا بينتكم فيختم الله على فِيهِ فَتَنْطِق يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَجلده بِعَمَلِهِ فَيَقُول: أَي وَعزَّتك لقد عملتها وان عِنْدِي العظائم المضرات فَيَقُول: اذْهَبْ فقد غفرتها لَك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول عظم يتَكَلَّم من الإِنسان بعد أَن يخْتم على فِيهِ فَخذه من جَانِبه الْأَيْسَر(6/166)
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)
- قَوْله تَعَالَى: يَوْمئِذٍ يوفيهم الله دينهم الْحق ويعلمون أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْمئِذٍ يوفيهم الله دينهم الْحق} قَالَ: حسابهم وكل شَيْء فِي الْقُرْآن الدّين فَهُوَ الْحساب(6/166)
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة {يَوْمئِذٍ يوفيهم الله دينهم الْحق} أَي أَعْمَالهم الْحق لحقهم وَأهل الْبَاطِل لباطلهم {ويعلمون أَن الله هُوَ الْحق الْمُبين}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَهَا (الْحق) بِالرَّفْع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ: (يَوْمئِذٍ يُوفيه الله الْحق دينهم)(6/167)
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)
- قَوْله تَعَالَى: الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أُولَئِكَ مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مغْفرَة ورزق كريم
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الخبيثات} قَالَ: من الْكَلَام {للخبيثين} قَالَ: من الرِّجَال {والخبيثون} من الرِّجَال {للخبيثات} من الْكَلَام {والطيبات} من الْكَلَام {للطيبين} من النَّاس {والطيبون} من النَّاس {للطيبات} من الْكَلَام
نزلت فِي الَّذين قَالُوا فِي زَوْجَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالُوا من الْبُهْتَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الخبيثات} قَالَ من الْكَلَام {للخبيثين} من النَّاس {والخبيثون} من النَّاس {للخبيثات} من الْكَلَام {والطيبات} من الْكَلَام {للطيبين} من النَّاس {والطيبون} من النَّاس {للطيبات} من الْكَلَام {أُولَئِكَ مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ} قَالَ: من كَانَ طيبا فَهُوَ مبرأ من كل قَول خَبِيث لقَوْله يغْفر الله لَهُ
وَمن كَانَ خبيثاً فَهُوَ مبرأ من كل قَول صَالح يَقُوله يردهُ الله عَلَيْهِ لَا يقبله مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الخبيثات} قَالَ: من القَوْل وَالْعَمَل {للخبيثين} من النَّاس {والخبيثون} من النَّاس {للخبيثات} من القَوْل وَالْعَمَل {والطيبات} من القَوْل وَالْعَمَل {للطيبين} من النَّاس {والطيبون} من النَّاس {للطيبات} من القَوْل وَالْعَمَل {لَهُم مغْفرَة} لذنوبهم {ورزق كريم} هُوَ الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {للخبيثات} قَالَ: من الْكَلَام(6/167)
{للخبيثين} قَالَ: من النَّاس {والخبيثون} من النَّاس {للخبيثات} من الْكَلَام {والطيبات} من الْكَلَام {للطيبين} من النَّاس {والطيبون} من النَّاس {للطيبات} من الْكَلَام وَهَؤُلَاء {مبرؤون مِمَّا} يُقَال لَهُم من السوء يَعْنِي عَائِشَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير عَن الضَّحَّاك وَإِبْرَاهِيم
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء {الخبيثات} قَالَ: من القَوْل {للخبيثين} من النَّاس {والخبيثون} من النَّاس {للخبيثات} من القَوْل {والطيبات} من القَوْل {للطيبين} من النَّاس {والطيبون} من النَّاس {للطيبات} من القَوْل
أَلا ترى أَنَّك تسمع بِالْكَلِمَةِ الخبيثة من الرجل الصَّالح فَتَقول غفر الله لفُلَان مَا هَذَا من خلقه وَلَا من شيمه وَلَا مِمَّا يَقُول
قَالَ الله {أُولَئِكَ مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ} أَن يكون ذَلِك من شيمهم وَلَا من أخلاقهمن وَلَكِن الزلل قد يكون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى الجزار قَالَ: جَاءَ أَسِير بن جَابر إِلَى عبد الله فَقَالَ: قد سَمِعت الْوَلِيد بن عقبَة الْيَوْم تكلم بِكَلَام اعجبني فَقَالَ عبد الله: إِن الرجل الْمُؤمن يكون فِي فِيهِ الْكَلِمَة غير طيبَة تتجلجل فِي صَدره مَا تَسْتَقِر حَتَّى يلفظها فيسمعها رجل عِنْده مثلهَا فيضمها إِلَيْهَا
وان الرجل الْفَاجِر تكون فِي قلبه الْكَلِمَة الطّيبَة تتجلجل فِي صَدره مَا تَسْتَقِر حَتَّى يلفظها فيسمعها الرجل الَّذِي عِنْده مثلهَا فيضمها إِلَيْهَا
ثمَّ قَرَأَ عبد الله {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {الخبيثات للخبيثين} قَالَ: نزلت فِي عَائِشَة حِين رَمَاهَا الْمُنَافِق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذَلِك وَكَانَ عبد الله بن أبي هُوَ الْخَبيث فَكَانَ هُوَ أولى بِأَن تكون لَهُ الخبيثة وَيكون لَهَا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طيبا وَكَانَ أولى أَن تكون لَهُ الطّيبَة وَكَانَت عَائِشَة الطّيبَة فَكَانَت أولى أَن يكون لَهَا الطّيب وَفِي قَوْله {أُولَئِكَ مبرؤون مِمَّا يَقُولُونَ} قَالَ: هَهُنَا بَرِئت عَائِشَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: لقد نزل عُذْري من السَّمَاء وَلَقَد خلقت طيبَة وَعند طيب وَلَقَد وعدت مغْفرَة وَأَجرا عَظِيما
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ذكْوَان حَاجِب عَائِشَة قَالَ: دخل ابْن عَبَّاس على عَائِشَة(6/168)
فَقَالَ: ابشري مَا بَيْنك وَبَين أَن تلقي مُحَمَّدًا والأحبة إِلَّا أَن تخرج الرّوح من الْجَسَد كنت أحب نسَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى رَسُول الله وَلم يكن يحب رَسُول الله إِلَّا طيبا وَسَقَطت قلادتك لَيْلَة الْأَبْوَاء فَأنْزل الله إِن {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} النِّسَاء الْآيَة 43 وَكَانَ ذَلِك بسببك وَمَا أنزل الله لهَذِهِ الْأمة من الرُّخْصَة وَأنزل الله براءتك من فَوق سبع سموات جَاءَ بهَا الرّوح الْأمين فَأصْبح وَلَيْسَ مَسْجِد من مَسَاجِد الله يذكر الله يذكر الله فِيهِ إِلَّا هِيَ تتلى فِيهِ آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار قَالَت: دَعْنِي مِنْك يَا ابْن عَبَّاس فو الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي كنت نسياً منسياً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة حد الله الَّذين قذفوا عَائِشَة ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ على رُؤُوس الْخَلَائق فيستوهب رَبِّي الْمُهَاجِرين مِنْهُم فاستأمرك يَا عَائِشَة فَسمِعت عَائِشَة الْكَلَام وَهِي فِي الْبَيْت فَبَكَتْ ثمَّ قَالَت: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لَسُرُورُكَ أحب إليّ من سروري فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضَاحِكا وَقَالَ: إِنَّهَا ابْنة أَبِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فضل عَائِشَة على النِّسَاء كفضل الثَّرِيد على الطَّعَام
وَأخرج الْحَاكِم عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لَو جمع علم النَّاس كلهم ثمَّ علم أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكَانَتْ عَائِشَة أوسعهم علما
وَأخرج الْحَاكِم عَن عُرْوَة قَالَ مَا رَأَيْت أحدا أعلم بالحلال وَالْحرَام وَالْعلم وَالشعر والطب من عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَأخرج الْحَاكِم عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ: مَا رَأَيْت أحدا أفْصح من عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْحَاكِم عَن الْأَحْنَف قَالَ: سَمِعت خطْبَة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي والخطباء هَلُمَّ جرا فَمَا سَمِعت الْكَلَام من فَم مَخْلُوق أفخم وَلَا أحسن مِنْهُ من عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم عَن مَسْرُوق أَنه سُئِلَ أَكَانَت عَائِشَة تحسن الْفَرَائِض فَقَالَ: لقد رَأَيْت الأكابر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونها عَن الْفَرَائِض(6/169)
وَأخرج الْحَاكِم عَن عَطاء قَالَ: كَانَت عَائِشَة أفقه النَّاس وَأعلم النَّاس وَأحسن النَّاس رَأيا فِي الْعَامَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مسلمالبطين قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة زَوْجَتي فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: خلال فيَّ سبع لم تكن فِي أحد من النَّاس إِلَّا مَا آتى الله مَرْيَم بنت عمرَان
وَالله مَا أَقُول هَذَا لكَي أفتخر على صواحبي قيل: وَمَا هن قَالَت: نزل الْملك بِصُورَتي وَتَزَوَّجنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لسبع سِنِين وَأهْديت إِلَيْهِ وَأَنا بنت تسع سِنِين وَتَزَوَّجنِي بكرا لم يشركهُ فيَّ أحدٌ من النَّاس وَأَتَاهُ الْوَحْي وَأَنا وإياه فِي لِحَاف وَاحِد وَكنت من أحب النَّاس إِلَيْهِ وَنزل فيَّ آيَات من الْقُرْآن كَادَت الْأمة تهْلك فِيهِنَّ وَرَأَيْت جِبْرِيل لم يره أحد من نِسَائِهِ غَيْرِي وَقبض لم يَله أحد غير الْملك وَأَنا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: إِن جِبْرِيل يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام قَالَت عَائِشَة: وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد من طَرِيق أبي بكر مُحَمَّد بن عمر الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ عَن أَبِيه ثَنَا مُحَمَّد بن الْحسن الكاراني حَدثنِي إِبْرَاهِيم الخرجي قَالَ: ضَاقَ بِي شَيْء من أُمُور الدُّنْيَا فدعوت بدعوات يُقَال لَهَا دُعَاء الْفرج فَقلت: وَمَا هِيَ فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو عبد الله أَحْمد ابْن مُحَمَّد بن حَنْبَل حَدثنِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة ثَنَا مُحَمَّد بن وَاصل الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عَن جده عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة لأقر عينيها بِالْبَرَاءَةِ وَهِي تبْكي فَقَالَت: وَالله لقد هجرني الْقَرِيب والبعيد حَتَّى هجرتني الْهِرَّة وَمَا عرض عليَّ طَعَام وَلَا شراب فَكنت أرقد وَأَنا جائعة ظامئة فَرَأَيْت فِي مَنَامِي فَتى فَقَالَ لي: مَا لَك فَقلت: حزينة مِمَّا ذكر النَّاس فَقَالَ: ادعِي بِهَذِهِ يفرج عَنْك فَقلت: وَمَا هِيَ فَقَالَ: قولي يَا سابغ النعم ودافع النقم وَيَا فارج الغمم وَيَا كاشف الظُّلم يَا أعدل من حكم يَا حسيب من ظلم يَا ولي من ظلم يَا أول بِلَا بداية وَيَا آخر بِلَا نِهَايَة يَا من لَهُ اسْم بِلَا كنية اللَّهُمَّ اجْعَل لي من أَمْرِي فرجا ومخرجاً قَالَت: فانتبهت وَأَنا ريانة شبعانة وَقد أنزل الله مِنْهُ فَرجي قَالَ ابْن النجار: خبر غَرِيب(6/170)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا ذَلِكُم خير لكم لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ فَإِن ام تَجدوا فِيهَا أحد فَلَا تدخلوها حَتَّى يُؤذن لكم وَإِن قيل لكم ارْجعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أزكى لكم وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عليم لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تدْخلُوا بُيُوتًا غير مسكونة فِيهَا مَتَاع لكم وَالله يعلم مَا تبدون وَمَا تكتمون
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير من طَرِيق عدي بن ثَابت عَن رجل من الْأَنْصَار قَالَ: قَالَت: امْرَأَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أكون فِي بَيْتِي على الْحَالة الَّتِي لَا أحب أَن يراني عَلَيْهَا أحد ولد وَلَا وَالِد فيأتيني الْآتِي فَيدْخل عَليّ فَكيف أصنع وَلَفظ ابْن جرير: وانه لَا يزَال يدْخل عليَّ رجل من أَهلِي وَأَنا على تِلْكَ الْحَال فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ} الْآيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء فِي المختارة من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا} قَالَ: أَخطَأ الْكَاتِب إِنَّمَا هِيَ حَتَّى تستأذنوا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: فِي مصحف عبد الله (حَتَّى تسلموا على أَهلهَا وتستأذنوا)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: هِيَ فِي قِرَاءَة أبي (حَتَّى تسلموا وتستأذنوا)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حَتَّى تستأنسوا} قَالَ: حَتَّى تستأذنوا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الِاسْتِئْنَاس
الاسْتِئْذَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه(6/171)
عَن أبي أَيُّوب قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أَرَأَيْت قَول الله {حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا} هَذَا التَّسْلِيم قد عَرفْنَاهُ فَمَا الِاسْتِئْنَاس قَالَ: يتَكَلَّم الرجل بتسبيحة وَتَكْبِيرَة وَتَحْمِيدَة وَيَتَنَحْنَح فَيُؤذن أهل الْبَيْت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أَيُّوب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الِاسْتِئْنَاس
أَن تَدْعُو الْخَادِم حَتَّى يسْتَأْنس أهل الْبَيْت الَّذين يسلم عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى تستأنسوا} قَالَ: تنحنحوا وتنخموا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق ربعي قَالَ: حَدثنَا رجل من بني عَامر اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيت فَقَالَ: أَأَلِجُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِخَادِمِهِ: أخرج إِلَى هَذَا فَعلمه الاسْتِئْذَان فَقيل لَهُ: قل السَّلَام عَلَيْكُم
أَأدْخل
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن سعد الثَّقَفِيّ أَن رجلا اسْتَأْذن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَأَلِجُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأمة لَهُ يُقَال لَهَا رَوْضَة
قومِي إِلَى هَذَا فَعَلِّمِيهِ فَإِنَّهُ لَا يحسن يسْتَأْذن فَقولِي لَهُ يَقُول السَّلَام عَلَيْكُم
أَأدْخل
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق كلدة
أَن صَفْوَان بن أُميَّة بَعثه فِي الْفَتْح بلياي وصقانيس وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَعْلَى الْوَادي قَالَ: فَدخلت عَلَيْهِ وَلم أسلم وَلم اسْتَأْذن فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارْجع فَقل السَّلَام عَلَيْكُم
أَأدْخل
وَأخرج قَاسم بن أصبغ وَابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: اسْتَأْذن عمر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: السَّلَام على رَسُول الله السَّلَام عَلَيْكُم
أَيَدْخُلُ عمر وَأخرج ابْن وهب فِي كتاب الْمجَالِس وَابْن أبي شيبَة عَن زيد بن أسلم قَالَ: أَرْسلنِي أبي إِلَى ابْن عمر فَجِئْته فَقلت: أَأَلِجُ فَقَالَ: ادخل
فَلَمَّا دخلت قَالَ: مرْحَبًا يَا ابْن أخي لَا تقل أَأَلِجُ وَلَكِن قل السَّلَام عَلَيْكُم فَإِذا قَالُوا وَعَلَيْك فَقل
أَأدْخل فَإِن قَالُوا ادخل فَأدْخل(6/172)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أم أياس قَالَت: كنت فِي أَربع نسْوَة نستأذن على عَائِشَة فَقلت: ندخل فَقَالَت: لَا
فَقَالَت وَاحِدَة: السَّلَام عَلَيْكُم
أندخل قَالَت: ادخُلُوا ثمَّ قَالَت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا}
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّلَام قبل الْكَلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن أبي هُرَيْرَة
فِيمَن يسْتَأْذن قبل أَن يسلم قَالَ: لَا يُؤذن لَهُ حَتَّى يبْدَأ بِالسَّلَامِ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِذا دخل وَلم يقل السَّلَام عَلَيْكُم فَقل: لَا
حَتَّى تَأتي بالمفتاح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ عبد الله إِذا دخل الدَّار استأنس تكلم وَرفع صَوته
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: عَلَيْكُم أَن تستأذنوا على أُمَّهَاتكُم واخواتكم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا دخل الْبَصَر فَلَا اذن لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الاسْتِئْذَان فِي الْبيُوت فَقَالَ من دخلت عينه قبل أَن يسْتَأْذن وَيسلم فقد عصى الله وَلَا أذن لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ يشْهد أَنِّي رَسُول الله فَلَا يدْخل على أهل بَيت حَتَّى يسْتَأْنس وَيسلم فَإِذا نظر فِي قَعْر الْبَيْت فقد دخل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن هُذَيْل قَالَ: جَاءَ سعد فَوقف على بَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَأْذن فَقَامَ على الْبَاب فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا عَنْك فَإِنَّمَا الإِستئذان من النّظر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن بشر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(6/173)
إِذا أَتَى بَاب قوم لم يسْتَقْبل الْبَاب من تِلْقَاء وَجهه
وَلَكِن من رُكْنه الْأَيْمن أَو الايسر وَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم السَّلَام عَلَيْكُم وَذَلِكَ أَن الدّور لم يكن عَلَيْهَا يَوْمئِذٍ ستور
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن سهل بن سعد قَالَ: اطلع رجل من حجر فِي حجرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ مدرى يحك بهَا رَأسه فَقَالَ لَو أعلم أَنَّك تنظر لطعنت بهَا فِي عَيْنك إِنَّمَا جعل الاسْتِئْذَان من أجل الْبَصَر
وَفِي لفظ: إِنَّمَا جعل الله الإِذن من أجل الْبَصَر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن عبَادَة قَالَ: جِئْت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بَيته فَقُمْت مُقَابل الْبَاب فاستأذنت فَأَشَارَ إليَّ أَن تبَاعد وَقَالَ هَل الاسْتِئْذَان إِلَّا من أجل النّظر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن قَتَادَة فِي قَوْله {حَتَّى تستأنسوا} قَالَ: هُوَ الاسْتِئْذَان قَالَ: وَكَانَ يُقَال الاسْتِئْذَان ثَلَاث فَمن لم يُؤذن لَهُ فِيهِنَّ فَليرْجع
أما الأولى فَيسمع الْحَيّ
وَأما الثَّانِيَة فيأخذوا حذرهم
وَأما الثَّالِثَة فَإِن شاؤا أذنوا وان شاؤا ردُّوهُ
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كنت جَالِسا فِي مجْلِس من مجَالِس الْأَنْصَار فجَاء أَبُو مُوسَى فَزعًا فَقُلْنَا لَهُ: مَا أفزعك قَالَ: أَمرنِي عمر أَن آتيه فَأَتَيْته فاستأذنت ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لي فَرَجَعت فَقَالَ: مَا مَنعك أَن تَأتِينِي قلت: قد جِئْت فاستأذنت ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لي وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتَأْذن أحدكُم ثَلَاثًا فَلم يُؤذن لَهُ فَليرْجع قَالَ: لتَأْتِيني على هَذَا بِالْبَيِّنَةِ فَقَالُوا: لَا يقوم إِلَّا أَصْغَر الْقَوْم فَقَامَ أَبُو سعيد مَعَه فَشهد لَهُ فَقَالَ عمر لأبي مُوسَى: إِنِّي لم أتهمك وَلَكِن الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ} يَعْنِي بُيُوتًا لَيست لكم {حَتَّى تستأنسوا وتسلموا} فِيهَا تَقْدِيم يَعْنِي حَتَّى تسلموا ثمَّ تستأذنوا وَالسَّلَام قبل الاسْتِئْذَان {ذَلِكُم} يَعْنِي الاسْتِئْذَان وَالتَّسْلِيم {خير لكم} يَعْنِي أفضل من أَن تدخل من غير إِذن ان لَا تأثموا وَيَأْخُذ أهل الْبَيْت حذرهم {لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ} {فَإِن لم تَجدوا فِيهَا أحدا فَلَا تدخلوها حَتَّى يُؤذن لكم} يَعْنِي فِي(6/174)
الدُّخُول {وَإِن قيل لكم ارْجعُوا فَارْجِعُوا} يَعْنِي لَا تقعدوا وَلَا تقوموا على أَبْوَاب النَّاس {هُوَ أزكى لكم} يَعْنِي الرُّجُوع خير لكم من الْقيام وَالْقعُود على أَبْوَابهم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عليم} يَعْنِي بِمَا يكون عليم {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} يَعْنِي لَا حرج عَلَيْكُم {أَن تدْخلُوا بُيُوتًا غير مسكونة} يَعْنِي لَيْسَ بهَا سَاكن
وَهِي الْخَانَات الَّتِي على طرق النَّاس للْمُسَافِر لَا جنَاح عَلَيْكُم أَن تدخلوها بِغَيْر اسْتِئْذَان وَلَا تَسْلِيم {فِيهَا مَتَاع لكم} يَعْنِي مَنَافِع من الْبرد وَالْحر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِن لم تَجدوا فِيهَا أحدا} يَقُول: إِن لم يكن لكم فِيهَا مَتَاع فَلَا تدخلوها إِلَّا بِإِذن وَفِي قَوْله {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} قَالَ: كَانُوا يضعون بطرِيق الْمَدِينَة أقتاباً وامتعات فِي بيُوت لَيْسَ فِيهَا أحد فأحلت لَهُم أَن يدخلوها بِغَيْر إِذن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بُيُوتًا غير مسكونة} قَالَ: هِيَ بِالْبُيُوتِ الَّتِي منزلهَا السّفر لَا يسكنهَا أحد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله {بُيُوتًا غير مسكونة} قَالَ: هِيَ هَذِه الْخَانَات الَّتِي فِي الطّرق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {فِيهَا مَتَاع لكم} قَالَ: الْخَلَاء وَالْبَوْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {بُيُوتًا غير مسكونة} قَالَ: هِيَ الْبيُوت الْخَرِبَةُ لقَضَاء الْحَاجة
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فِيهَا مَتَاع لكم} يَعْنِي الْخَانَات
ينْتَفع بهَا من الْمَطَر وَالْبرد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بُيُوتًا غير مسكونة} قَالَ: هِيَ الْبيُوت الَّتِي ينزلها النَّاس فِي أسفارهم لَا أحد فِيهَا وَفِي قَوْله {فِيهَا مَتَاع لكم} قَالَ: بلغَة وَمَنْفَعَة
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رجل من الْمُهَاجِرين: لقد طلبت عمري كُله هَذِه الْآيَة فَمَا أدركتها
أَن اسْتَأْذن على بعض(6/175)
اخواني فَيَقُول لي: ارْجع
فأرجع وَأَنا مغتبط لقَوْله تَعَالَى {وَإِن قيل لكم ارْجعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أزكى لكم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا لَقِي صَاحبه لَا يسلم عَلَيْهِ يَقُول: حييت صباحاً
وحييت مسَاء
وَكَانَ ذَلِك تَحِيَّة الْقَوْم بَينهم وَكَانَ أحدهم ينْطَلق إِلَى صَاحبه فَلَا يسْتَأْذن حَتَّى يقتحم وَيَقُول: قد دخلت
فَيشق ذَلِك على الرجل وَلَعَلَّه يكون مَعَ أَهله فَغير الله ذَلِك كُله فِي ستر وعفة فَقَالَ {لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ} فَلَمَّا نزلت آيَة التَّسْلِيم فِي الْبيُوت والاستئذان فَقَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله فَكيف بتجار قُرَيْش الَّذين يَخْتَلِفُونَ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَالشَّام وَبَيت الْمُقَدّس وَلَهُم بيُوت مَعْلُومَة على الطَّرِيق فَكيف يستأذنون ويسلمون وَلَيْسَ فيهم سكان فَرخص الله فِي ذَلِك
فَأنْزل الله {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تدْخلُوا بُيُوتًا غير مسكونة} بِغَيْر اذن
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد فِي النَّاسِخ وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تدْخلُوا بُيُوتًا غير بُيُوتكُمْ حَتَّى تستأنسوا وتسلموا على أَهلهَا} ففسح وَاسْتثنى من ذَلِك فَقَالَ {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تدْخلُوا بُيُوتًا غير مسكونة فِيهَا مَتَاع لكم}(6/176)
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
- قَوْله تَعَالَى: قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم ويحفظوا فروجهم ذَلِك أزكى لَهُم إِن الله خَبِير بِمَا يصنعون
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: مر رجل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَرِيق من طرقات الْمَدِينَة فَنظر إِلَى امْرَأَة وَنظرت إِلَيْهِ فوسوس لَهما الشَّيْطَان: إِنَّه لم ينظر أَحدهمَا إِلَى الآخر إِلَّا اعجاباً بِهِ فَبينا الرجل يمشي إِلَى جنب حَائِط ينظر إِلَيْهَا إِذْ استقبله الْحَائِط فشق أَنفه فَقَالَ: وَالله لَا اغسل الدَّم حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعلمه أَمْرِي فَأَتَاهُ فَقص عَلَيْهِ قصَّته فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا عُقُوبَة ذَنْبك وَأنزل الله {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} الْآيَة أَي عَمَّا لَا يحل لَهُم {ويحفظوا فروجهم} أَي عَمَّا لَا يحل لَهُم(6/176)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} قَالَ: من شهواتهم عَمَّا يكره الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {قل للْمُؤْمِنين يغضوا من أَبْصَارهم} يَعْنِي أَبْصَارهم فَمن هُنَا صلَة فِي الْكَلَام
يَعْنِي يحفظوا أَبْصَارهم عَمَّا لَا يحل لَهُم النّظر إِلَيْهِ ويحفظوا فروجهم عَن الْفَوَاحِش {ذَلِك أزكى لَهُم} يَعْنِي غض الْبَصَر وَحفظ الْفرج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كل آيَة يذكر فِيهَا حفظ الْفرج فَهُوَ من الزِّنَا إِلَّا هَذِه الْآيَة فِي النُّور {ويحفظوا فروجهم} {ويحفظن فروجهن} فَهُوَ ان يَرَاهَا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قلت يَا رَسُول الله عوراتنا مَا نأتي مِنْهَا وَمَا نذر قَالَ: احفظ عورتك إِلَّا من زَوجتك أَو مَا ملكت يَمِينك قلت: يَا نَبِي الله إِذا كَانَ الْقَوْم بَعضهم فِي بعض قَالَ: إِن اسْتَطَعْت أَن لَا يَرَاهَا أحد فَلَا يرينها قلت: إِذا كَانَ أَحَدنَا خَالِيا قَالَ: الله أَحَق أَن يستحي مِنْهُ من النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْعَلَاء بن زِيَاد قَالَ: كَانَ يُقَال لَا تتبعن بَصرك حسن رِدَاء امْرَأَة فَإِن النّظر يَجْعَل شبقاً فِي الْقلب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشَّيْطَان من الرجل على ثَلَاثَة منَازِل
على عَيْنَيْهِ وَقَلبه وَذكره وَهُوَ من الْمَرْأَة على ثَلَاثَة
على عينهَا وقلبها وعجزها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جرير البَجلِيّ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نظرة الفجاة فَأمرنِي أَن أصرف بَصرِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي لاتتبع النظرة النظرة فَإِن لَك الأولى وَلَيْسَت لَك الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث عَليّ مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تجلسوا فِي الْمجَالِس فان كُنْتُم لابد فاعلين فَردُّوا السَّلَام وغضوا الْأَبْصَار واهدوا السَّبِيل وأعينوا على الحمولة(6/177)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَالْجُلُوس على الطرقات قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا لنا بُد من مجالسنا
نتحدث فِيهَا فَقَالَ: إِن أَبَيْتُم فاعطوا الطَّرِيق حَقه قَالُوا: وَمَا حق الطَّرِيق يَا رَسُول الله قَالَ: غض الْبَصَر وكف الْأَذَى ورد السَّلَام وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر
وَأخرج أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اكفلوا لي بست أكفل لكم بِالْجنَّةِ
إِذا حدث أحدكُم فَلَا يكذب واذ ائْتمن فَلَا يخن وَإِذا وعد فَلَا يخلف غضوا أبصاركم وَكفوا أَيْدِيكُم واحفظوا فروجكم
وَأخرج أَحْمد والحكيم فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من مُسلم ينظر إِلَى امْرَأَة أول رمقة ثمَّ يغض بَصَره إِلَّا أحدث الله لَهُ عبَادَة يجد حلاوتها فِي قلبه
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان الله عز وَجل كتب على ابْن آدم حَظه من الزِّنَا أدْرك ذَلِك لَا محَالة
فزنا الْعين النّظر وزنا اللِّسَان الْمنطق وزنا الْأُذُنَيْنِ الِاسْتِمَاع وزنا الْيَدَيْنِ الْبَطْش وزنا الرجلَيْن الخطو وَالنَّفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذَلِك أَو يكذبهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النظرة سهم من سِهَام إِبْلِيس مَسْمُومَة فَمن تَركهَا من خوف الله أثابه إِيماناً يجد حلاوته فِي قلبه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل عين باكية يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عينا غضت عَن محارم الله وعيناً سهرت فِي سَبِيل الله وعيناً خرج مِنْهَا مثل رَأس الذُّبَاب من خشيَة الله(6/178)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
- قَوْله تَعَالَى: وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن أَو آبائهن أَو آبَاء بعولتهن أَو أبنائهن أَو أَبنَاء بعولتهن أَو إخوانهن أَو بني إخوانهن أَو بني أخواتهن أَو نسائهن أَو مَا ملكت(6/178)
أيمانهن أَو التَّابِعين غير أولي الإِربة من الرِّجَال أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا على عورات النِّسَاء وَلَا يضربن بأرجلهن ليعلم مَا يخفين من زينتهن وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تفلحون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: بلغنَا - وَالله أعلم - أَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ حدث: أَن أَسمَاء بنت مرشد كَانَت فِي نخل لَهَا فِي بني حَارِثَة فَجعل النِّسَاء يدخلن عَلَيْهَا غير مؤتزرات فيبدو مَا فِي أرجلهن يَعْنِي الخلاخل ويبدو صدورهن وذوائبهن فَقَالَت أَسمَاء: مَا أقبح هَذَا
فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَلَا يبدين زينتهن} قَالَ: الزِّينَة
السوار والدملج والخلخال والقرط والقلادة {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: الثِّيَاب والجلبات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الزِّينَة زينتان
زِينَة ظَاهِرَة وزينة باطنة لَا يَرَاهَا إِلَّا الزَّوْج فاما الزِّينَة الظَّاهِرَة: فالثياب
وَأما الزِّينَة الْبَاطِنَة: فالكحل والسوار والخاتم وَلَفظ ابْن جرير فالظاهرة مِنْهَا: الثِّيَاب
وَمَا يخفي: فالخلخالان والقرطان والسوارن
وَأخرج احْمَد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا امْرَأَة استعطرت فَخرجت فمرت على قوم فيجدوا رِيحهَا فَهِيَ زَانِيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أنس فِي قَوْله {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: الْكحل والخاتم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: الْكحل والخاتم والقرط والقلادة(6/179)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: هُوَ خضاب الْكَفّ والخاتم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: وَجههَا وكفاها والخاتم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: رقْعَة الْوَجْه وباطن الْكَفّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سُئِلت عَن الزِّينَة الظَّاهِرَة فَقَالَت: الْقلب والفتخ وضمت طرف كمها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: الْوَجْه وثغرة النَّحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: الْوَجْه والكف
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء فِي قَوْله {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ الكفان وَالْوَجْه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: المسكتان والخاتم والكحل قَالَ قَتَادَة: وَبَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تخرج يَدهَا إِلَّا إِلَى هَهُنَا وَيقبض نصف الذِّرَاع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْمسور بن مخرمَة فِي قَوْله {إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: القلبين يَعْنِي السوار والخاتم والكحل
وَأخرج سنيد وَابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} قَالَ: الْخَاتم والمسكة قَالَ ابْن جريج
وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: الْقلب والفتخة
قَالَت عَائِشَة: دخلت على ابْنة أخي لأمي عبد الله بن الطُّفَيْل مزينة فَدخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعْرض فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: انها ابْنة أخي وَجَارِيَة فَقَالَ إِذا عركت الْمَرْأَة لم يحل لَهَا أَن تظهر إِلَّا وَجههَا(6/180)
وَإِلَّا مَا دون هَذَا وَقبض على ذِرَاع نَفسه فَترك بَين قَبضته وَبَين الْكَفّ مثل قَبْضَة أُخْرَى
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أم سَلمَة إِنَّهَا كَانَت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَيْمُونَة فَقَالَت: بَينا نَحن عِنْده أقبل ابْن أبي مَكْتُوم فَدخل عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احتجبا عَنهُ فَقَالَت: يَا رَسُول الله أَلَيْسَ هُوَ أعمى لَا يُبصرنَا فَقَالَ أفعمياوان أَنْتُمَا ألستما تبصرانه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة: أَن أَسمَاء بنت أبي بكر دخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهَا ثِيَاب رقاق فَأَعْرض عَنْهَا وَقَالَ يَا أَسمَاء إِن الْمَرْأَة إِذا بلغت الْمَحِيض لم يصلح أَن يُرى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجهه وكفه
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الْجَارِيَة إِذا حَاضَت لم يصلح أَن يرى مِنْهَا إِلَّا وَجههَا ويداها إِلَى الْمفصل وَالله أعلم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة قَالَت: رحم الله نسَاء الْمُهَاجِرَات الأول
لما أنزل الله {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} أَخذ النِّسَاء أزُرَهُنَّ فشققنها من قبل الْحَوَاشِي فَاخْتَمَرْنَ بهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَت: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} شققْنَ أكتف مُرُوطهنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل عَلَيْهَا وَهِي تختمر فَقَالَ: لية لَا ليتين
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن صَفِيَّة بنت شيبَة قَالَت: بَينا نَحن عِنْد عَائِشَة فذكرن نسَاء قُرَيْش وَفَضْلهنَّ فَقَالَت عَائِشَة: ان نسَاء قُرَيْش لفضلى وَإِنِّي وَالله مَا رَأَيْت أفضل من نسَاء الْأَنْصَار أَشد تَصْدِيقًا لكتاب الله وَلَا إِيمَانًا بالتنزيل لقد أنزلت سُورَة النُّور {وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} انْقَلب رِجَالهنَّ إلَيْهِنَّ يَتلون عَلَيْهِنَّ مَا أنزل إلَيْهِنَّ فِيهَا وَيَتْلُو الرجل على امْرَأَته وبنته(6/181)
وَأُخْته وعَلى ذِي قرَابَته فَمَا مِنْهُنَّ امْرَأَة إِلَّا قَامَت إِلَى مرْطهَا فَاعْتَجَرَتْ بِهِ تَصْدِيقًا وإيماناً بِمَا أنزل الله فِي كِتَابه فاصبحن وَرَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصبح متعجرات كَأَن على رؤوسهن الْغرْبَان
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة: أَن امْرَأَة دخلت عَلَيْهَا وَعَلَيْهَا خمار رَقِيق يشف جبينها فَأَخَذته عَائِشَة فشقته ثمَّ قَالَت: أَلا تعلمين مَا أنزل الله فِي سُورَة النُّور فدعَتْ لَهَا بخمار فكستها اياه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَليَضْرِبن} وليشددن {بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} يَعْنِي النَّحْر والصدر فَلَا يرى مِنْهُ شَيْء
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي النَّاسِخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي سُورَة النُّور {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا وَليَضْرِبن بِخُمُرِهِنَّ على جُيُوبهنَّ} وَقَالَ {يدنين عَلَيْهِنَّ من جلابيبهن} ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {وَالْقَوَاعِد من النِّسَاء اللَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جنَاح أَن يَضعن ثيابهن} والمتبرجات اللَّاتِي يخْرجن غير نحورهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا} والزينة الظَّاهِرَة
الْوَجْه وكحل الْعَينَيْنِ وخضاب الْكَفّ والخاتم فَهَذَا تظهره فِي بَيتهَا لمن دخل عَلَيْهَا ثمَّ قَالَ: {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن أَو آبائهن} والزينة الَّتِي تبديها لهَؤُلَاء قرطاها وقلادتها وسوارها فَأَما خلْخَالهَا ومعضدها ونحرها وشعرها فَإِنَّهَا لَا تبديه إِلَّا لزَوجهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَلَا يبدين زينتهن} يَعْنِي وَلَا يَضعن الجلباب وَهُوَ القناع من فَوق الْخمار {إِلَّا لبعولتهن أَو آبائهن} قَالَ: فَهُوَ محرم
وَكَذَلِكَ الْعم وَالْخَال {أَو نسائهن} يَعْنِي نسَاء الْمُؤْمِنَات {أَو مَا ملكت أيمانهن} يَعْنِي عبد الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ وَعِكْرِمَة فِي هَذِه الْآيَة {وَلَا يبدين زينتهن إِلَّا لبعولتهن} حَتَّى فرغ مِنْهَا قَالَ: لم يذكر الْعم وَالْخَال لِأَنَّهُمَا ينعتان لأبنائهما فَلَا تضع خمارها عِنْد الْعم وَالْخَال(6/182)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {أَو نسائهن} قَالَ: من المسلمات لَا تبديه ليهودية وَلَا لنصرانية وَهُوَ النَّحْر والقرط والوشاح وَمَا حوله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: لَا تضع الْمسلمَة خمارها أَي لَا تكون قَابِلَة عِنْد مُشركَة وَلَا تقبلهَا لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {أَو نسائهن} فلسن من نسائهن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه كتب إِلَى أبي عُبَيْدَة أما بعد
فَإِنَّهُ بَلغنِي أَن نسَاء الْمُسلمين يدخلن الحمامات مَعَ نسَاء أهل الشّرك فَإِنَّهُ لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن ينظر إِلَى عورتها إِلَّا أهل ملتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {أَو مَا ملكت أيمانهن} يَعْنِي عبد الْمَرْأَة لَا يحل لَهَا أَن تضع جلبابها عِنْد عبد زَوجهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا بَأْس أَن يرى العَبْد شعر سيدته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تضع الْمَرْأَة الجلباب عِنْد الْمَمْلُوك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى فَاطِمَة بِعَبْد قد وهبه لَهَا وعَلى فَاطِمَة ثوب إِذا قنعت بِهِ رَأسهَا لم يبلغ رِجْلَيْهَا وَإِذا غطت بِهِ رِجْلَيْهَا لم يبلغ رَأسهَا فَلَمَّا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تلقى قَالَ: إِنَّه لَيْسَ عَلَيْك بَأْس إِنَّمَا هُوَ أَبوك وغلامك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا كَانَ لإِحداكن مكَاتب وَكَانَ لَهُ مَا يُؤَدِّي فلتحتجب مِنْهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ العبيد يدْخلُونَ على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أَو مَا ملكت أيمانهن} قَالَ: فِي(6/183)
الْقِرَاءَة الأولى
الَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن طَاوس وَمُجاهد قَالَ: لَا ينظر الْمَمْلُوك لشعر سيدته قَالَا: وَفِي بعض الْقِرَاءَة (أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم الَّذين لم يبلغُوا الْحلم)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَطاء أَنه سُئِلَ: هَل يرى غُلَام الْمَرْأَة رَأسهَا وقدمها قَالَ: مَا أحب ذَلِك إِلَّا أَن يكون غُلَاما يسرا فَأَما رجل ذُو لحية فَلَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: لَا تغرنكم هَذِه الْآيَة {أَو مَا ملكت أيمانهن} إِنَّمَا عني بهَا الإِماء وَلم يعن بهَا العبيد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: تستتر الْمَرْأَة من غلامها
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن بن حميد وَابْن جريرعن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو التَّابِعين غير أولي الإِربة من الرِّجَال} قَالَ: هُوَ الَّذِي لَا يستحي مِنْهُ النِّسَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو التَّابِعين غير أولي الإِربة} قَالَ: هَذَا الرجل يتبع الْقَوْم وَهُوَ مُغفل فِي عقله لَا يكترث للنِّسَاء وَلَا يَشْتَهِي النِّسَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو التَّابِعين غير أولي الإِربة من الرِّجَال} قَالَ كَانَ الرجل يتبع الرجل فِي الزَّمَان الأول لَا يغار عَلَيْهِ وَلَا ترهب الْمَرْأَة أَن تضع خمارها عِنْده وَهُوَ الأحمق الَّذِي لَا حَاجَة لَهُ فِي النِّسَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن طَاوس {غير أولي الإِربة} قَالَ: هُوَ الأحمق الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي النِّسَاء أرب وَلَا حَاجَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {غير أولي الإِربة} قَالَ: هُوَ الأبله الَّذِي لَا يعرف أَمر النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {غير أولي الإِربة} قَالَ: هُوَ المخنث الَّذِي لَا يقوم زبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {غير أولي الإِربة من الرِّجَال} قَالَ: هُوَ الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطيق النِّسَاء(6/184)
وَأخرج عبد بن الحميد {غير أولي الإِربة} هُوَ الْعنين
وَعبد بن حميد ابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ {غير أولي الإِربة} قَالَ: هُوَ الْخصي والعنين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ هُوَ الَّذِي لَا يقوم زبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: هُوَ الْمَعْتُوه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: هُوَ الَّذِي لم يبلغ أربه أَن يطلع على عورات النِّسَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رجل يدْخل على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مخنث فَكَانُوا يعدونه من غير أولي الأربة فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا وَهُوَ عِنْد بعض نِسَائِهِ وَهُوَ ينعَت امْرَأَة قَالَ: إِذا أَقبلت أَقبلت بِأَرْبَع وَإِذا أَدْبَرت أَدْبَرت بثمان فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أرى هَذَا يعرف مَا هَهُنَا لَا يدخلن عَلَيْكُم فحجبوه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ يدْخل على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هيت وَإِنَّمَا كن يعددنه من غير أولي الإِربة من الرِّجَال فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم وَهُوَ ينعَت امْرَأَة يَقُول: إِنَّهَا إِذا أَقبلت أَقبلت بِأَرْبَع وَإِذا أَدْبَرت أَدْبَرت بثمان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أسمع هَذَا يعلم مَا هَهُنَا لَا يدخلن عَلَيْكُم فَأخْرجهُ فَكَانَ بِالْبَيْدَاءِ يدْخل كل جُمُعَة يستطعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا على عورات النِّسَاء} قَالَ: هم الَّذين لَا يَدْرُونَ مَا النِّسَاء من الصغر قبل الْحلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {أَو الطِّفْل الَّذين لم يظهروا على عورات النِّسَاء} قَالَ: الْغُلَام الَّذِي لم يَحْتَلِم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام قَالَ: كل شَيْء من الْمَرْأَة عَورَة حَتَّى ظفرها
وَالله أعلم(6/185)
وَأخرج ابْن جرير عَن حضرمي: أَن امْرَأَة اتَّخذت معرنين من فضَّة واتخذت جزعاً فمرت على الْقَوْم فَضربت برجلها فَوَقع الخلخال على الْجزع فصّوت فَأنْزل الله {وَلَا يضربن بأرجلهن ليعلم مَا يخفين من زينتهن}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يضربن بأرجلهن} وَهُوَ أَن تقرع الخلخال بِالْآخرِ عِنْد الرِّجَال أَو تكون على رِجْلَيْهَا خلاخل فتحركهن عِنْد الرِّجَال
فَنهى الله عَن ذَلِك لِأَنَّهُ من عمل الشَّيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَا يضربن بأرجلهن} قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة تضرب برجلها ليسمع قعقعة الخلخال فِيهَا فَنهى عَن ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَلَا يضربن بأرجلهن ليعلم مَا يخفين من زينتهن} قَالَ: الخلخال
نهى أَن تضرب برجلها ليسمع صَوت الخلخال
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: كن نسَاء الْجَاهِلِيَّة يلبسن الخلاخيل الصم فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَلَا يضربن بأرجلهن ليعلم مَا يخفين من زينتهن}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ: كَانَت المراة تمر على الْمجْلس فِي رجلهَا الخرز فَإِذا جَاوَزت الْمجْلس ضربت برجلها فَنزلت {وَلَا يضربن بأرجلهن}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: ان الْمَرْأَة كَانَت يكون فِي رجلهَا الخلخال فِيهِ الجلاجل فَإِذا دخل عَلَيْهَا غَرِيب تحرّك رجلهَا عمدا ليسمع صَوت الخلخال فَقَالَ: {وَلَا يضربن} يَعْنِي لَا يحركن أرجلهن {ليعلم مَا يخفين} يَعْنِي ليعلم الْغَرِيب اذا عَلَيْهَا مَا تخفي من زينتها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود {ليعلم مَا يخفين من زينتهن} قَالَ: الخلخال
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن مَيْمُونَة بنت سعد: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الرافلة فِي الزِّينَة فِي غير أَهلهَا كَمثل ظلمَة يَوْم الْقِيَامَة لَا نور لَهَا(6/186)
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْأَغَر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ياأيها النَّاس تُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا فَإِنِّي أَتُوب إِلَيْهِ كل يَوْم مائَة مرّة
وَأخرج أَحْمد عَن حُذَيْفَة قَالَ: كَانَ فِي لساني ذوب إِلَى أَهلِي فَلم أعده إِلَى غَيره فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيْن أَنْت من الاسْتِغْفَار يَا حُذَيْفَة أَنِّي لأستغفر الله فِي كل يَوْم مائَة مرّة وَأَتُوب إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي رَافع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ: كم للْمُؤْمِنين من ستر قَالَ: هِيَ أَكثر من أَن يُحْصى وَلَكِن الْمُؤمن إِذا عمل خَطِيئَة هتك مِنْهَا سترا فَإِذا تَابَ رَجَعَ إِلَيْهِ ذَلِك السّتْر وَتِسْعَة مَعَه واذا لم يتب هتك عَنهُ مِنْهَا ستر وَاحِد حَتَّى إِذا لم يبْق عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء قَالَ الله تَعَالَى لمن يَشَاء من مَلَائكَته: إِن بني آدم يعيرون وَلَا يغفرون فحفوه بأجنحتكم فيفعلون بِهِ ذَلِك فَإِن تَابَ رجعت إِلَيْهِ الأستار كلهَا وَإِذا لم يتب عجبت مِنْهُ الْمَلَائِكَة فَيَقُول الله لَهُم
اسلموه
فيسلموه حَتَّى لَا يستر مِنْهُ عَورَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن مُغفل سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: النَّدَم تَوْبَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: النَّدَم تَوْبَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أنس قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: النَّدَم تَوْبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ: عَن الرجل يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثمَّ يَتَزَوَّجهَا فَقَالَ: أوّله سفاح وَآخره نِكَاح وتوبتهما إِلَيّ جَمِيعًا أحب من توبتهما إِلَيّ مُتَفَرّقين إِن الله يَقُول {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ}(6/187)
وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)
- قَوْله تَعَالَى: وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْك وَالصَّالِحِينَ من عبادكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله وَالله وَاسع عليم
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَأنْكحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} قَالَ: قد أَمركُم الله - كَمَا تَسْمَعُونَ - أَن تنكحوهن فَإِنَّهُ أَغضّ لأبصارهم واحفظ لفروجهم(6/187)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه قَالَ: وَانْكِحُوا الصَّالِحين من عبيدكم وامائكم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ انكحوا الصَّالِحين والصالحات فَمَا تَبِعَهُمْ بعد ذَلِك فَهُوَ حسن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَانْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم} الْآيَة
قَالَ: أَمر الله سُبْحَانَهُ بِالنِّكَاحِ ورغبهم فِيهِ وَأمرهمْ أَن يتزوجوا أحرارهم وعبيدهم وَوَعدهمْ فِي ذَلِك الْغنى فَقَالَ {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم بِهِ من النِّكَاح ينجز لكم مَا وَعدكُم من الْغنى قَالَ تَعَالَى {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: مَا رَأَيْت كَرجل لم يلْتَمس الْغنى فِي الْبَاءَة وَقد وعده الله فِيهَا مَا وعده فَقَالَ {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة مَعًا فِي المُصَنّف عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: ابْتَغوا الْغنى فِي الْبَاءَة
وَفِي لفظ اطْلُبُوا الْفضل فِي الْبَاءَة وتلا {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: التمسوا الْغنى فِي النِّكَاح
يَقُول الله {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله}
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: التمسوا الرزق بِالنِّكَاحِ
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انكحوا النِّسَاء فَإِنَّهُنَّ يَأْتينكُمْ بِالْمَالِ وَأخرجه ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن عُرْوَة مَرْفُوعا مُرْسلا(6/188)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة حق على الله عونهم الناكح يُرِيد العفاف وَالْمكَاتب يُرِيد الْأَدَاء والغازي فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن جَابر قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشكو إِلَيْهِ الْفَاقَة فَأمره أَن يتَزَوَّج(6/189)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
- قَوْله تَعَالَى: وليستعفف الَّذين لَا يَجدونَ نِكَاحا حَتَّى يغنيهم الله من فَضله وَالَّذين بيتغون الْكتاب مِمَّا ملكت أَيْمَانكُم فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم وَلَا تكْرهُوا فتيتكم على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا لتبتغوا عرض الْحَيَاة الدني وَمن يكرههن فَإِن الله من بعد إكراههن غَفُور رَحِيم
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وليستعفف الَّذين لَا يَجدونَ نِكَاحا} قَالَ: هُوَ الرجل يرى الْمَرْأَة فَكَأَنَّهُ يَشْتَهِي فَإِن كَانَت لَهُ امْرَأَة فليذهب إِلَيْهَا فليقض حَاجته مِنْهَا وَإِن لم تكن لَهُ امْرَأَة فَلْينْظر فِي ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى يُغْنِيه الله من فَضله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي روق {وليستعفف} يَقُول: عَمَّا حرم الله عَلَيْهِم حَتَّى يرزقهم الله
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وليستعفف الَّذين لَا يَجدونَ نِكَاحا} الْآيَة قَالَ: ليتزوج من لَا يجد فَإِن الله سيغنيه
وَأخرج ابْن السكن فِي معرفَة الصَّحَابَة عَن عبد الله بن صبيح عَن أَبِيه قَالَ: كنت مَمْلُوكا لحويطب بن عبد الْعُزَّى
فَسَأَلته الْكتاب فَأبى فَنزلت {وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكتاب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَالَّذين يَبْتَغُونَ الْكتاب} يَعْنِي الَّذين يطْلبُونَ الْمُكَاتبَة من المملوكين(6/189)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {فكاتبوهم} قَالَ: هَذَا تَعْلِيم ورخصة وَلَيْسَت بعزيمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَامر الشّعبِيّ {فكاتبوهم} قَالَ: إِن شَاءَ كَاتب وَإِن شَاءَ لم يُكَاتب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن أنس بن مَالك قَالَ: سَأَلَني سِيرِين الْمُكَاتبَة فأبيت عَلَيْهِ فَأتى عمر بن الْخطاب فَأقبل عليَّ بِالدرةِ وَقَالَ: كَاتبه وتلا {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} فكاتبته
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} قَالَ: إِن علمْتُم فيهم حِرْفَة وَلَا ترسلوهم كلا على النَّاس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن علمْتُم فيهم خيرا} قَالَ: المَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن علمْتُم فيهم خيرا} قَالَ: أَمَانَة ووفاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} إِن علمت إِن مكاتبك يقضيك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء مَا قَوْله {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} الْخَيْر المَال أم الصّلاح أم كل ذَلِك قَالَ مَا أرَاهُ إِلَّا المَال كَقَوْلِه {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا} الْخَيْر
المَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي {إِن علمْتُم فيهم خيرا} قَالَ: إِن علمْتُم عِنْدهم أَمَانَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة وَإِبْرَاهِيم وَأبي صَالح
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: كَانَ ابْن عمر يكره أَن(6/190)
يُكَاتب عَبده إِذا لم يكن لَهُ حِرْفَة وَيَقُول: يطعمني من أوساخ النَّاس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد وَطَاوُس فِي قَوْله {إِن علمْتُم فيهم خيرا} قَالَ: مَالا وَأَمَانَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الْحسن مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن علمْتُم فيهم خيرا} قَالَ: إِن علمْتُم لَهُم حِيلَة وَلَا تلقوا مؤنتهم على الْمُسلمين {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} يَعْنِي ضَعُوا عَنْهُم من مكاتبتهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالرُّويَانِيّ فِي مُسْنده والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن بُرَيْدَة {وَآتُوهُمْ من مَال الله} قَالَ: حث النَّاس عَلَيْهِ أَن يعطوه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وَآتُوهُمْ من مَال الله} قَالَ: حث النَّاس عَلَيْهِ مولى وَغَيره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: يتْرك للْمكَاتب طَائِفَة من كِتَابَته
وَعبد بن الحميد ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس {وَآتُوهُمْ من مَال الله} أَمر الله الْمُؤمنِينَ أَن يعينوا فِي الرّقاب قَالَ عَليّ بن أبي طَالب: أَمر الله السَّيِّد أَن يدع للْمكَاتب الرّبع من ثمنه وَهَذَا تَعْلِيم من الله لَيْسَ بفريضة وَلَكِن فِيهِ أجر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ فِي قَوْله {إِن علمْتُم فيهم خيرا} قَالَ: مَالا
{وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} قَالَ: يتْرك للْمكَاتب الرّبع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ والديلمي وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن عبد الله بن حبيب عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم} قَالَ: يتْرك للْمكَاتب الرّبع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: يتْرك لَهُ الْعشْر من كِتَابَته(6/191)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَنه كَاتب عبدا لَهُ يكنى أَبَا أُميَّة فجَاء بنجمه حِين حل قَالَ: يَا أَبَا أُميَّة اذْهَبْ فَاسْتَعِنْ بِهِ فِي مُكَاتَبَتك قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو تركت حَتَّى يكون من آخر نجم قَالَ: أَخَاف أَن لَا أدْرك ذَلِك ثمَّ قَرَأَ {وَآتُوهُمْ من مَال الله الَّذِي آتَاكُم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ ابْن عمر إِذا كَانَ لَهُ مكَاتب لم يضع عَنهُ شَيْئا من أول نجومه مَخَافَة أَن يعجز فترجع إِلَيْهِ صدقته وَلكنه إِذا كَانَ فِي آخر مُكَاتبَته وضع عَنهُ مَا أحب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم {وَآتُوهُمْ من مَال الله} قَالَ: ذَلِك على الْوُلَاة
يعطوهم من الزَّكَاة يَقُول الله {وَفِي الرّقاب} التَّوْبَة الْآيَة 60
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبَزَّار وَالدَّارقطني وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي سُفْيَان عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ عبد الله بن أبي يَقُول لجارية لَهُ: اذهبي فابغينا شَيْئا وَكَانَت كارهة فَأنْزل الله {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء إِن أردن تَحَصُّنًا لتبتغوا عرض الْحَيَاة الدُّنْيَا وَمن يكرههن فَإِن الله من بعد إكراههن غَفُور رَحِيم} هَكَذَا كَانَ يَقْرَأها
وَأخرج مُسلم من هَذَا الطَّرِيق عَن جَابر: أَن جَارِيَة لعبد الله بن أبي يُقَال لَهَا مُسَيْكَة
وَأُخْرَى يُقَال لَهَا أُمَيْمَة
فَكَانَ يُرِيدهُمَا على الزِّنَا فشكيا ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم}
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: كَانَت مُسَيْكَة لبَعض الْأَنْصَار فَجَاءَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن سَيِّدي يكرهني على الْبغاء فَنزلت {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: كَانَت جَارِيَة لعبد الله بن أبي يُقَال لَهَا معَاذَة
يكرهها على الزِّنَا فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام نزلت {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء}(6/192)
قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يبغين اماؤهم فنهوا عَن ذَلِك فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يكْرهُونَ إماءهم على الزِّنَا يَأْخُذُونَ أُجُورهم فَنزلت الْآيَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس أَن جَارِيَة لعبد الله بن أبي كَانَت تَزني فِي الْجَاهِلِيَّة فَولدت لَهُ أَوْلَاد من الزِّنَا فَلَمَّا حرم الله الزِّنَا قَالَ لَهَا: مَا لَك لَا تزنين قَالَت: لَا وَالله لَا أزني أبدا فضربها فَأنْزل الله {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَن عبد الله بن أبي كَانَت لَهُ أمتان
مسيكه ومعاذة وَكَانَ يكرههما على الزِّنَا فَقَالَت إِحْدَاهمَا: إِن كَانَ خيرا فقد استكثرت مِنْهُ وَإِن كَانَ غير ذَلِك فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن أَدَعهُ
فَأنْزل الله {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن أبي وَكَانَت لَهُ جَارِيَة تكسب عَلَيْهِ فَأسْلمت وَحسن إسْلَامهَا فأرادها أَن تفعل كَمَا كَانَت تفعل فَأَبت عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ لعبد الله بن أبي جَارِيَة تدعى معَاذَة فَكَانَ إِذا نزل بِهِ ضيف أرسلها إِلَيْهِ ليواقعها إِرَادَة الثَّوَاب مِنْهُ والكرامة لَهُ فَأَقْبَلت الْجَارِيَة إِلَى أبي بكر فشكت ذَلِك إِلَيْهِ فَذكره أَبُو بكر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره بقبضها فصاح عبد الله بن أبي: من يعذرنا من مُحَمَّد يغلبنا على مماليكنا فَنزلت الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ أَن رجلا من قُرَيْش أسر يَوْم بدر وَكَانَ عِنْد عبد الله بن أبي أَسِيرًا وَكَانَت لعبد الله بن أبي جَارِيَة يُقَال لَهَا معَاذَة وَكَانَ الْقرشِي الْأَسير يريدها على نَفسهَا وَكَانَت مسلمة فَكَانَت تمْتَنع مِنْهُ لإِسلامها وَكَانَ عبد الله بن أبي يكرهها على ذَلِك ويضربها رَجَاء أَن تحمل للقرشي فيطلب فدَاء ولد فَأنْزل الله {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء}
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق مَالك عَن ابْن شهَاب أَن عمر بن ثَابت أَخا بني الْحَرْث بن الْخَزْرَج حَدثهُ: أَن هَذِه الْآيَة فِي سُورَة النُّور {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء}(6/193)
نزلت فِي معَاذَة جَارِيَة عبد الله بن أُبي بن سلول وَذَلِكَ أَن عَبَّاس بن عبد الْمطلب كَانَ عِنْدهم أَسِيرًا فَكَانَ عبد الله بن أبي يضْربهَا على أَن تمكن عباساً من نَفسهَا رَجَاء أَن تحمل مِنْهُ فَيَأْخُذ وَلَده فدَاء فَكَانَت تأبى عَلَيْهِ وَقَالَ: ذَلِك الْغَرَض الَّذِي كَانَ ابْن أُبي يَبْتَغِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا يأمرون ولائدهم أَن يباغوا فَكُن يفعلن ذَلِك ويصبن فيأتين بكسبهن قَالَ: وَكَانَ لعبد الله بن أبي جَارِيَة فَكَانَت تباغي وكرهت ذَلِك وَحلفت أَن لَا بِفِعْلِهِ فأكرهها فَأنْزل الله الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: بلغنَا - وَالله أعلم - أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي رجلَيْنِ كَانَا يكرهان أمتين لَهما إِحْدَاهمَا اسْمهَا مُسَيْكَة وَكَانَت للْأَنْصَارِيِّ وَالْأُخْرَى أُمَيْمَة أم مُسَيْكَة لعبد الله بن أبي وَكَانَت معَاذَة وأروى بِتِلْكَ الْمنزلَة فَأَتَت مُسَيْكَة وامها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذكرتا ذَلِك لَهُ فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء} يَعْنِي الزِّنَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تكْرهُوا فَتَيَاتكُم على الْبغاء} قَالَ: لَا تكْرهُوا إماءكم على الزِّنَا فَإِن فَعلْتُمْ فَإِن الله لَهُنَّ غَفُور رَحِيم وإثمهن على من يكرههن
وأخرجابن أبي شيبَة عَن رَافع بن خديج أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كسب الْحجام خَبِيث وَمهر الْبَغي خَبِيث
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مهر الْبَغي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (فَإِن الله من بعد اكراههن لَهُنَّ غَفُور رَحِيم) قَالَ: للمكرهات على الزِّنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {إِن أردن تَحَصُّنًا} أَي عفة وإسلاماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {لتبتغوا عرض الْحَيَاة الدُّنْيَا} يَعْنِي كَسْبهنَّ وألادهن من الزِّنَا(6/194)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَإِن الله من بعد إكراههن غَفُور رَحِيم} قَالَ: للمكرهات على الزِّنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَإِن الله من بعد إكراههن غَفُور رَحِيم} قَالَ: لَهُنَّ وَلَيْسَت لَهُم(6/195)
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْكُم آيَات مبينات ومثلا من الَّذين خلوا من قبلكُمْ وموعظة لِلْمُتقين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {وَلَقَد أنزلنَا إِلَيْكُم آيَات مبينات} يَعْنِي مَا فرض عَلَيْهِم فِي هَذِه السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير أَنه كَانَ يقْرَأ {فَإِن الله من بعد إكراههن غَفُور رَحِيم}(6/195)
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)
- قَوْله تَعَالَى: الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض مثل نوره كمشكاة فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح فِي زجاجة الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَب دري يُوقد من شَجَرَة مباركة زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية يكَاد زيتها يضيء وَلَو لم تمسسه نَار نور على نور يهدي الله لنوره من يَشَاء وَيضْرب الله الْأَمْثَال للنَّاس وَالله بِكُل شَيْء عليم
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تهجد فِي اللَّيْل يَدْعُو اللَّهُمَّ لَك الْحَمد أَنْت رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَلَك الْحَمد أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ وَلَك الْحَمد أَنْت قيام السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ أَنْت الْحق وقولك حق وَوَعدك حق ولقاؤك حق وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق والساعة حق الله لَك أسلمت وَبِك آمَنت وَعَلَيْك توكلت وَإِلَيْك أنبت وَبِك خَاصَمت وَإِلَيْك حاكمت فَاغْفِر لي مَا قدمت وَمَا أخرت وَمَا أسررت وَمَا أعلنت أَنْت إلهي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت(6/195)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أَرقم قَالَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي دبر صَلَاة الْغَدَاة وَفِي دبر الصَّلَاة اللَّهُمَّ رَبنَا وَرب كل شَيْء أَنا شَهِيد بأنك أَنْت الرب وَحدك لَا شريك لَك اللَّهُمَّ رَبنَا وَرب كل شَيْء أَنا شَهِيد أَن مُحَمَّدًا عَبدك وَرَسُولك اللَّهُمَّ رَبنَا وَرب كل شَيْء أَنا شَهِيد أَن الْعباد كلهم إخْوَة اللَّهُمَّ رَبنَا وَرب كل شَيْء إجعلني مخلصاً لَك وَأَهلي فِي كل سَاعَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ذَا الْجلَال والإِكرام اسْمَع واستجب الله أكبر الله أكبر الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض الله أكبر الله أكبر حسبي الله وَنعم الْوَكِيل الله أكبر الله أكبر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِنور وَجهك الَّذِي أشرقت لَهُ السَّمَوَات وَالْأَرْض أَن تجعلني فِي حرزك وحفظك وجوارك وَتَحْت كنفك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يدبر الْأَمر فيهمَا
نجومهما وشمسهما وقمرهما
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مثل نوره} الَّذِي أعطَاهُ الْمُؤمن {كمشكاة} مثل الكوّة {فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح فِي زجاجة الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَب دري يُوقد من شَجَرَة مباركة زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية} فِي سفح جبل لَا تصيبها الشَّمْس إِذا طلعت وَلَا إِذا غربت {يكَاد زيتها يضيء وَلَو لم تمسسه نَار نور على نور} فَذَلِك مثل قلب الْمُؤمن نور على نور {وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب بقيعة} قَالَ: أَعمال الْكفَّار اذا جاؤا رأوها مثل السراب إِذا أَتَاهُ الرجل قد احْتَاجَ إِلَى المَاء فَأَتَاهُ فَلم يجد شَيْئا
فَذَلِك مثل عمل الْكَافِر يرى أَن لَهُ ثَوابًا وَلَيْسَ لَهُ ثَوَاب {أَو كظلمات فِي بَحر لجي} إِلَى قَوْله {لم يكد يَرَاهَا} فَذَلِك مثل قلب الْكَافِر ظلمَة فَوق ظلمَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن الشّعبِيّ قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب / مثل نور الْمُؤمن كمشكاة /
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَقُول: مثل نور من آمن بِاللَّه كمشكاة قَالَ: وَهِي النقرة يَعْنِي الكوّة(6/196)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {مثل نوره} قَالَ: هِيَ خطأ من الْكَاتِب
هُوَ أعظم من أَن يكون نوره مثل نور الْمشكاة قَالَ: مثل نور الْمُؤمن كمشكاة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: هادي أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {مثل نوره} مثل هداه فِي قلب الْمُؤمن {كمشكاة} يَقُول: مَوضِع الفتيلة يَقُول: كَمَا يكَاد الزَّيْت الصافي يضيء قبل أَن تمسه النَّار إِذا مسته النَّار ازْدَادَ ضوأً على ضوئه كَذَلِك يكون قلب الْمُؤمن يعْمل بِالْهدى قبل أَن يَأْتِيهِ الْعلم فَإِذا أَتَاهُ الْعلم ازْدَادَ هدى على هدى ونوراً على نور
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: هِيَ فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب مثل نور من آمن بِهِ
أَو قَالَ مثل من آمن بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبيّ بن كَعْب {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مثل نوره} قَالَ: هُوَ الْمُؤمن الَّذِي جعل الإِيمان وَالْقُرْآن فِي صَدره فَضرب الله مثله فَقَالَ {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَبَدَأَ بِنور نَفسه ثمَّ ذكر نور الْمُؤمن فَقَالَ: مثل نور من آمن بِهِ فَكَانَ أُبي بن كَعْب يقْرؤهَا: مثل نور من آمن بِهِ فَهُوَ الْمُؤمن جعل الإِيمان وَالْقُرْآن فِي صَدره {كمشكاة} قَالَ: فصدر الْمُؤمن الْمشكاة {فِيهَا مِصْبَاح} والمصباح: النُّور وَهُوَ الْقُرْآن والإِيمان الَّذِي جعل فِي صَدره {فِي زجاجة} والزجاجة: قلبه
{كَأَنَّهَا كَوْكَب دري} فقلبه مِمَّا استنار فِيهِ الْقُرْآن والإِيمان كَأَنَّهُ كَوْكَب دري يَقُول: كَوْكَب مضيء
{يُوقد من شَجَرَة مباركة} والشجرة الْمُبَارَكَة: أصل الْمُبَارك الإِخلاص لله وَحده
وعبادته لَا شريك لَهُ
{زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: فَمثله كَمثل شَجَرَة التف بهَا الشجرن فَهِيَ خضراء ناعمة لَا تصيبها الشَّمْس على أَي حَالَة كَانَت لَا إِذا طلعت وَلَا إِذا غربت فَكَذَلِك هَذَا الْمُؤمن قد أجِير من أَن يصله شَيْء من الْفِتَن وَقد ابْتُلِيَ بهَا فثبته الله فِيهَا فَهُوَ بَين ارْبَعْ خلال
إِن قَالَ صدق وَإِن حكم عدل وَأَن أعْطى شكر وَإِن ابتلى صَبر
فَهُوَ فِي سَائِر النَّاس كَالرّجلِ الْحَيّ يمشي بَين قُبُور الْأَمْوَات {نور على نور} فَهُوَ يتقلب فِي خَمْسَة من(6/197)
النُّور
فَكَلَامه نور ومدخله نور ومخرجه نور ومصيره إِلَى نور يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الْجنَّة
ثمَّ ضرب مثل الْكَافِر فَقَالَ: {وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب} قَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَافِر يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ يحْسب أَن لَهُ عِنْد الله خيرا فَلَا يجده ويدخله الله النَّار قَالَ: وَضرب مثلا آخر للْكَافِرِ فَقَالَ {أَو كظلمات فِي بَحر لجي} فَهُوَ يتقلب فِي خمس من الظُّلم
فَكَلَامه ظلمَة وَعَمله ظلمَة ومخرجه ظلمَة ومدخله ظلمَة ومصيره يَوْم الْقِيَامَة إِلَى الظُّلُمَات إِلَى النَّار
فَكَذَلِك ميت الْأَحْيَاء يمشي فِي النَّاس لَا يدْرِي مَاذَا لَهُ وماذا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الْيَهُود قَالُوا لمُحَمد: كَيفَ يخلص نور الله من دون السَّمَاء فَضرب الله مثل ذَلِك لنوره فَقَالَ {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مثل نوره كمشكاة} والمشكاة: كوَّة الْبَيْت
{فِيهَا مِصْبَاح} وَهُوَ السراج يكون فِي الزجاجة
وَهُوَ مثل ضربه الله لطاعته فَسمى طَاعَته نورا ثمَّ سَمَّاهَا أنواعاً شَتَّى {لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: هِيَ وسط الشَّجَرَة لَا تنالها الشَّمْس إِذا طلعت وَلَا إِذا غربت وَذَلِكَ لوُجُود الزَّيْت {يكَاد زيتها يضيء} يَقُول: بِغَيْر نَار {نور على نور} يَعْنِي بذلك إِيمَان العَبْد وَعَمله {يهدي الله لنوره من يَشَاء} هُوَ مثل الْمُؤمن
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عديّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كمشكاة فِيهَا مِصْبَاح} قَالَ: الْمشكاة: جَوف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
والزجاجة: قلبه
والمصباح: النُّور الَّذِي فِي قلبه
{يُوقد من شَجَرَة مباركة} الشَّجَرَة: إِبْرَاهِيم
{زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية} لَا يَهُودِيَّة وَلَا نَصْرَانِيَّة ثمَّ قَرَأَ {مَا كَانَ إِبْرَاهِيم يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفا مُسلما وَمَا كَانَ من الْمُشْركين} آل عمرَان الْآيَة 67
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: جَاءَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِلَى كَعْب الْأَحْبَار فَقَالَ: حَدثنِي عَن قَول الله {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مثل نوره} قَالَ: مثل نور مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كمشكاة قَالَ: الْمشكاة الكوة
ضربهَا مثلا لفمه {فِيهَا مِصْبَاح} والمصباح: قلبه
{فِي زجاجة} والزجاجة صَدره
{كَأَنَّهَا كَوْكَب دري} شبه صدر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالكوكب الدُّرِّي ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِصْبَاح إِلَى قلبه فَقَالَ: توقد من شَجَرَة مباركة(6/198)
زيتونة يكَاد زيتها يضيء قَالَ: يكَاد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبين للنَّاس وَلَو لم يتَكَلَّم أَنه نَبِي كَمَا يكَاد ذَلِك الزَّيْت أَنه يضيء وَلَو لم تمسسه نَار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: الله هادي أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {مثل نوره} يَا مُحَمَّد فِي قَلْبك كَمثل هَذَا الْمِصْبَاح فِي هَذِه الْمشكاة فَكَمَا هَذَا الْمِصْبَاح فِي هَذِه الْمشكاة كَذَلِك فُؤَادك فِي قَلْبك
وَشبه قلب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالكوكب الدُّرِّي الَّذِي لَا يخبو [توقد من شَجَرَة مباركة زيتونة] تَأْخُذ دينك عَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَهِي الزيتونة {لَا شرقية وَلَا غربية} لَيْسَ بنصراني فَيصَلي نَحْو الْمشرق وَلَا يَهُودِيّ فَيصَلي نَحْو الْمغرب {يكَاد زيتها يضيء} فَيَقُول: يكَاد مُحَمَّد ينْطق بالحكمة قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ بِالنورِ الَّذِي جعل الله فِي قلبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {مثل نوره} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يكَاد زيتها يضيء} قَالَ: يكَاد من رأى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلم أَنه رَسُول الله وَإِن لم يتَكَلَّم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {الله نور السَّمَاوَات وَالْأَرْض مثل نوره} قَالَ مثل نور الْمُؤمن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {مثل نوره} قَالَ: مثل هَذَا الْقُرْآن فِي الْقلب {كمشكاة} قَالَ: ككوة
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن إلهي يَقُول إِن نوري هُدَايَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {كمشكاة} قَالَ: هِيَ مَوضِع الفتيلة من الْقنْدِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {كمشكاة} قَالَ: ككوة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ {كمشكاة} الكوّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْمشكاة بِلِسَان الْحَبَشَة
الكوّة(6/199)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمشكاة الكوة بلغَة الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن عِيَاض {كمشكاة} قَالَ: ككوة بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {كمشكاة} قَالَ: الكوة الَّتِي لَيست بنافذة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ الْمشكاة الكوة الَّتِي لَيْسَ لَهَا منفذ والمصباح السراج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {مثل نوره} قَالَ: مثل نور الله فِي قلب الْمُؤمن {كمشكاة} قَالَ: الكوة {كَأَنَّهَا كَوْكَب دري} قَالَ: مُنِير يضيء {زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: لَا يَفِي عَلَيْهَا ظلّ شَرْقي وَلَا غربي كُنَّا نتحدث انها صَاحِبَة الشَّمْس
وَهُوَ أصفى الزَّيْت وأطيبه وأعذبه هَذَا مثل ضربه الله لِلْقُرْآنِ أَي قد جَاءَكُم من الله نور وَهدى متظاهر أَن الْمُؤمن يسمع كتاب الله
فوعاه وَحفظه وانتفع بِمَا فِيهِ وَعمل بِهِ فَهَذَا مثل الْمُؤمن
وَأخرج عبد بن الحميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {كمشكاة} قَالَ: الصفر الَّذِي فِي جَوف الْقنْدِيل {فِيهَا مِصْبَاح} قَالَ: السراج {فِي زجاجة} قَالَ: الْقنْدِيل {لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: هِيَ الشَّمْس من حِين تطلع إِلَى أَن تغرب لَيْسَ لَهَا ظلّ وَذَلِكَ أَضْوَأ لزيتها وَأحسن لَهُنَّ وأنور لَهُ {نور على نور} قَالَ: النَّار على الزَّيْت جاورته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {كَأَنَّهَا كَوْكَب دري} قَالَ: يَعْنِي الزهرة
ضرب الله مثل الْمُؤمن مثل ذَلِك النُّور يَقُول: قلبه نور وجوفه نور وَيَمْشي فِي نور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {كَوْكَب دري} قَالَ: ضخم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله(6/200)
{زيتونة لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: قلب إِبْرَاهِيم لَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: شَجَرَة لَا يظلمها كَهْف وَلَا جبل وَلَا يواريها شَيْء وَهُوَ أَجود لزيتها
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة وَالضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ وَمُحَمّد بن سِيرِين
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: لَيست شرقية لَيْسَ فِيهَا غرب وَلَا غربية لَيْسَ فِيهَا شَرق وَلكنهَا شرقية غربية
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: هِيَ فِي وسط الشّجر لَا تصيبها الشَّمْس فِي شَرق وَلَا غرب وَهِي من وُجُوه الشّجر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك وَمُحَمّد بن كَعْب
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو كَانَت هَذِه الشَّجَرَة فِي الأَرْض لكَانَتْ شرقية أَو غربية
وَلكنه مثل ضربه الله لنوره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يُوقد من شَجَرَة مباركة} قَالَ: رجل صَالح {لَا شرقية وَلَا غربية} قَالَ: لَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ائتدموا بالزيت وادهنوا بِهِ فَإِنَّهُ يخرج من شَجَرَة مباركة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا ذكر عِنْدهَا الزَّيْت فَقَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر أَن يُؤْكَل ويدهن ويستعط بِهِ وَيَقُول إِنَّه من شَجَرَة مباركة(6/201)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن شريك بن سَلمَة قَالَ: ضفت عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ لَيْلَة فأطعمني كسوراً من رَأس بعير بَارِد وأطعمنا زيتاً
وَقَالَ: هَذَا الزَّيْت الْمُبَارك الَّذِي قَالَ الله لنَبيه
وَأخرج عبد بن الحميد عَن عِكْرِمَة {يكَاد زيتها يضيء} يَقُول: من شدَّة النُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ الضَّوْء إشراق الزَّيْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {نور على نور} قَالَ: نور النَّار وَنور الزَّيْت حِين اجْتمعَا أضاءا
وَكَذَلِكَ نور الْقُرْآن وَنور الإِيمان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْعَالِيَة {نور على نور} قَالَ: أَتَى نور الله تَعَالَى على نور مُحَمَّد(6/202)
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
- قَوْله تَعَالَى: فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بالغدوّ وَالْآصَال
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} قَالَ: هِيَ الْمَسَاجِد تكرم وَنهى عَن اللَّغْو فِيهَا {وَيذكر فِيهَا اسْمه} يُتْلَى فِيهَا كِتَابه يسبح: يُصَلِّي لَهُ فِيهَا بالغدوة: صَلَاة الْغَدَاة وَالْآصَال: صَلَاة الْعَصْر وهما أول مَا فرض الله من الصَّلَاة وَأحب أَن يذكرهما ويذكرهما عباده
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يجمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد ينفذهم الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الدَّاعِي فينادي مُنَاد: سَيعْلَمُ أهل الْجمع لمن الْكَرم الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات ثمَّ يَقُول: أَيْن الَّذين كَانَت تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع: ثمَّ يَقُول: أَيْن الَّذين كَانَت لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله ثمَّ يَقُول: أَيْن الْحَمَّادُونَ الَّذين كَانُوا يحْمَدُونَ رَبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} قَالَ: هِيَ الْمَسَاجِد
أذن الله فِي بنيانها ورفعها وَأمر بعمارتها وبطهورها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} قَالَ: فِي مَسَاجِد أَن تبنى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {أذن الله أَن ترفع} يَقُول:(6/202)
أَن تعظم بِذكرِهِ {يسبح} يُصَلِّي لَهُ فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} قَالَ: هِيَ بيُوت النَّبِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَربع مَسَاجِد لم يُبْنِهُنَّ إِلَّا نَبِي
الْكَعْبَة بناها إِبْرَاهِيم واسمعيل وَبَيت الْمُقَدّس بناه دَاوُد وَسليمَان وَمَسْجِد الْمَدِينَة بناه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَسْجِد قبَاء أسس على التَّقْوَى بناه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك وَبُرَيْدَة قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: أَي بيُوت هَذِه يَا رَسُول الله قَالَ: بيُوت الْأَنْبِيَاء
فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بكر فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذَا الْبَيْت مِنْهَا الْبَيْت عَليّ وَفَاطِمَة قَالَ: نعم
من أفاضلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن بُرَيْدَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمع رجلا يَقُول: من دَعَا إِلَى الْجمل الْأَحْمَر فِي الْمَسْجِد فَقَالَ: لَا وجدته ثَلَاثًا إِنَّمَا بنيت هَذِه الْمَسَاجِد للَّذي بنيت لَهُ: وَقَالَ أَبُو سِنَان الشَّيْبَانِيّ فِي قَوْله {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع} قَالَ: تعظم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة قَالَت: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبِنَاء الْمَسَاجِد فِي الدّور وَأَن تنظف وتطيب
وَأخرج أَحْمد عَن عُرْوَة بن الزبير عَمَّن حَدثهُ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا أَن نصْنَع الْمَسَاجِد فِي دُورنَا وَأَن نصلح صنعتها ونطهرها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو يعلى عَن ابْن عمر
أَن عمر كَانَ يجمر الْمَسْجِد فِي كل جُمُعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التفل فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة وكفارته أَن يواريه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البزاق فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة وَدَفنه حَسَنَة(6/203)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البزاق فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة وكفارته دَفنه
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم البزاق فِي الْمَسْجِد خَطِيئَة وكفارته دَفنه
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تبْعَث النخامة يَوْم الْقِيَامَة فِي الْقبْلَة وَهِي فِي وَجه صَاحبهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من بزق فِي قبْلَة وَلم يوارها جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أحمى مَا تكون حَتَّى تقع بَين عَيْنَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حُذَيْفَة قَالَ من صلى فبزق تجاه الْقبْلَة جَاءَت البزقة يَوْم الْقِيَامَة فِي وَجهه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ إِذا بزق فِي الْقبْلَة جَاءَت أحمى مَا تكون يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى تقع بَين عَيْنَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِن الْمَسْجِد لينزوي من المخاط أَو النخامة كَمَا تنزوي الْجلْدَة من النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْعَبَّاس بن عبد الرَّحْمَن الْهَاشِمِي قَالَ: أول مَا خلقت الْمَسَاجِد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي الْمَسْجِد نخامة فحكها ثمَّ أَمر بخلوق فلطخ مَكَانهَا قَالَ فخلق النَّاس الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى فِي قبْلَة الْمَسْجِد نخامة فَقَامَ إِلَيْهَا فحكها بِيَدِهِ ثمَّ دَعَا بخلوق فَقَالَ الشّعبِيّ: هُوَ سنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يَعْقُوب بن زيد
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتبع غُبَار الْمَسْجِد بجريدة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ الْمَسْجِد يرش ويقم على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن رجل من الْأَنْصَار قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وجد أحدكُم القملة فِي الْمَسْجِد فليصرها فِي ثَوْبه حَتَّى يُخرجهَا
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِصَال لَا ينبغين فِي(6/204)
الْمَسْجِد
لَا يتَّخذ طَرِيقا وَلَا يشهر فِيهِ سلَاح وَلَا يقبض فِيهِ بقوس وَلَا يتَّخذ سوقاً
وَأخرج ابْن ماجة عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَنبُوا مَسَاجِدكُمْ صِبْيَانكُمْ وَمَجَانِينكُمْ وشراركم وَبَيْعكُمْ وَخُصُومَاتكُمْ واقامة حُدُودكُمْ وسل سُيُوفكُمْ وَاتَّخذُوا على أَبْوَابهَا الْمَطَاهِر وبخروها فِي الْجمع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا مر أحدكُم بِالنَّبلِ فِي الْمَسْجِد فليمسك على نصولها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن البيع وَالشِّرَاء فِي الْمَسْجِد وَعَن تناشد الْأَشْعَار وَلَفظ ابْن أبي شيبَة عَن انشاد الضوال
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ثَوْبَان قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من رَأَيْتُمُوهُ ينشد شعرًا فِي الْمَسْجِد فَقولُوا لَهُ فض الله فَاك ثَلَاث مَرَّات وَمن رَأَيْتُمُوهُ ينشد ضَالَّة فِي الْمَسْجِد فَقولُوا لَا وَجدتهَا ثَلَاث مَرَّات وَمن رَأَيْتُمُوهُ يَبِيع أَو يبْتَاع فِي الْمَسْجِد فقولا: لَا أربح الله تجارتك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتسل السيوف وَلَا تنثر النبل فِي الْمَسَاجِد وَلَا يحلف بِاللَّه فِي الْمَسَاجِد وَلَا تمنع القائلة فِي الْمَسَاجِد مُقيما وَلَا مضيفاً وَلَا تبنى التصاوير وَلَا تزين بِالْقَوَارِيرِ فَإِنَّمَا بنيت بالأمانة وشرفت بالكرامة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تُقَام الْحُدُود فِي الْمَسَاجِد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ لرجل أخرج حَصَاة من الْمَسْجِد: ردهَا وَإِلَّا خاصمتك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: إِن الْحَصَاة إِذا أخرجت من الْمَسْجِد تناشد صَاحبهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: إِذا خرجت الْحَصَاة من الْمَسْجِد صاحت أَو سبحت(6/205)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الْحَصَاة تسب وتلعن من يُخرجهَا من الْمَسْجِد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ: الْحَصَاة إِذا خرجت من الْمَسْجِد تصيح حَتَّى ترد إِلَى موضعهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل الْمَسْجِد يَقُول: بِسم الله وَالسَّلَام على رَسُول الله
اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك
وَإِذا خرج قَالَ: بِسم الله وَالسَّلَام على رَسُول الله
اللَّهُمَّ اغْفِر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب فضلك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اعطوا الْمَسَاجِد حَقّهَا قيل: وَمَا حَقّهَا قَالَ: رَكْعَتَانِ قبل أَن تجْلِس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من أَشْرَاط السَّاعَة أَن تتَّخذ الْمَسَاجِد طرقاً
وَالله أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {يسبح لَهُ فِيهَا بالغدوّ وَالْآصَال}
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (يسبح) بِنصب الْبَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن صَلَاة الضُّحَى لفي الْقُرْآن وَمَا يغوص عَلَيْهَا الأغواص
فِي قَوْله {فِي بيُوت أذن الله أَن ترفع وَيذكر فِيهَا اسْمه يسبح لَهُ فِيهَا بالغدوّ وَالْآصَال}(6/206)
رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)
- قَوْله تَعَالَى: رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله واقام الصَّلَاة وايتاء الزَّكَاة يخَافُونَ يَوْمًا تتقلب فِيهِ الْقُلُوب والأبصار لِيَجْزِيَهُم الله أحسن مَا عمِلُوا ويزيدهم من فَضله وَالله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب
أخرج أَحْمد عَن أم سَلمَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خير مَسَاجِد النِّسَاء قَعْر بُيُوتهنَّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ عَن أَبِيه عَن جدته أم حميد قَالَت: قلت يَا رَسُول الله تَمْنَعنَا أَزوَاجنَا أَن نصلي مَعَك(6/206)
ونحب الصَّلَاة مَعَك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلاتكن فِي بيوتكن أفضل من صلاتكن فِي حجركن وصلاتكن فِي حجركن أفضل من صلاتكن فِي الْجَمَاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا صلت امْرَأَة قطّ صَلَاة أفضل من صَلَاة تصليها فِي بَيتهَا إِلَّا أَن تصلي عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام
إِلَّا عَجُوز فِي منقلبها يَعْنِي حقبها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} قَالَ: هم الَّذين يضْربُونَ فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} قَالَ: هم الَّذين يضْربُونَ فِي الأَرْض يَبْتَغُونَ من فضل الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} قَالَ: كَانُوا رجَالًا يَبْتَغُونَ من فضل الله يشْتَرونَ ويبيعون فَإِذا سمعُوا النداء بِالصَّلَاةِ ألقوا مَا بِأَيْدِيهِم وَقَامُوا إِلَى الْمَسْجِد فصلوا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} قَالَ: أما وَالله وَلَقَد كَانُوا تجارًا فَلم تكن تِجَارَتهمْ وَلَا بيعهم يلهيهم عَن ذكر الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: ضرب الله هَذَا الْمثل قَوْله {مثل نوره كمشكاة} لأولئك الْقَوْم الَّذين لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وَكَانُوا اتّجر النَّاس وأبيعهم وَلمن لم تكن تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} قَالَ: عَن شُهُود الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن عَطاء مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر:(6/207)
انه كَانَ فِي السُّوق فأقيمت الصَّلَاة فأغلقوا حوانيتهم ثمَّ دخلُوا الْمَسْجِد فَقَالَ ابْن عمر: فيهم نزلت {رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود أَنه رأى نَاسا من أهل السُّوق سمعُوا الْأَذَان فتركوا أمتعتهم وَقَامُوا إِلَى الصَّلَاة فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين قَالَ الله {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله} قَالَ: هم فِي أسواقهم يبيعون ويشترون فَإِذا جَاءَ وَقت الصَّلَاة لم يلههم البيع وَالشِّرَاء عَن الصَّلَاة {يخَافُونَ يَوْمًا تتقلب فِيهِ الْقُلُوب والأبصار} قَالَ: تتقلب فِي الْجوف وَلَا تقدر تخرج حَتَّى تقع فِي الحنجرة فَهُوَ قَوْله {إِذْ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر كاظمين} غَافِر الْآيَة 18
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {يخَافُونَ يَوْمًا} قَالَ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: أحب أَن أبايع على هَذَا الدرج وأربح كل يَوْم ثلثمِائة دِينَار وَأشْهد الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة أما أَنا لَا أزعم أَن ذَلِك لَيْسَ بحلال ولكنني أحب أَن أكون من الَّذين قَالَ الله {رجال لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله}
وَأخرج هناد بن السّري فِي الزّهْد وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي صَعِيد وَاحِد يسمعهم الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر
فَيقوم مُنَاد فينادي: أَيْن الَّذين كَانُوا يحْمَدُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء فَيقومُونَ - وهم قَلِيل - فَيدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ثمَّ يعود فينادي أَيْن الَّذين كَانَت تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع فَيقومُونَ - وهم قَلِيل - فَيدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب فَيَعُود فينادي أَيْن الَّذين كَانُوا لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله فَيقومُونَ - وهم قَلِيل - فَيدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب ثمَّ يقوم سَائِر النَّاس فيحاسبون
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَقَالَ: يجمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد(6/208)
ينفذهم الْبَصَر وَيسْمعهُمْ الدَّاعِي فنادي مُنَاد: سَيعْلَمُ أهل الْموقف لمن الْكَرم الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات ثمَّ يَقُول: أَيْن الَّذين كَانَت تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع ثمَّ يَقُول: أَيْن الَّذين كَانَت لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله وإقام الصَّلَاة إِلَى آخر الْآيَة
ثمَّ يَقُول: أَيْن الْحَمَّادُونَ الَّذين كَانُوا يحْمَدُونَ رَبهم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان عَن أبي سعيد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُول الرب عز وَجل سَيعْلَمُ أهل الْجمع الْيَوْم من أهل الْكَرم فَقيل: وَمن أهل الْكَرم يَا رَسُول الله قَالَ: أهل الذّكر فِي الْمَسَاجِد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نَادَى مُنَاد: سَيعْلَمُ أهل الْجمع من أولى بِالْكَرمِ
أَيْن الَّذين كَانَت تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ فَيقومُونَ فيتخطون رِقَاب النَّاس ثمَّ يناادي مُنَاد: سَيعْلَمُ أهل الْجمع من أولى بِالْكَرمِ
أَيْن الَّذين كَانَت لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَة وَلَا بيع عَن ذكر الله فَيقومُونَ فيتخطون رِقَاب النَّاس ثمَّ يُنَادي أَيْضا فَيَقُول: سَيعْلَمُ أهل الْجمع من أولى بِالْكَرمِ
أَيْن الْحَمَّادُونَ لله على كل حَال فَيقومُونَ وهم كثير
ثمَّ تكون التبعة والحساب على من بَقِي(6/209)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40)
- قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن مَاء حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجِدْهُ شَيْئا وَوجد الله عِنْده فوفاه حسابه وَالله سريع الْحساب أَو كظلمات فِي بَحر لجي يَغْشَاهُ موج من فَوْقه موج من فَوْقه سَحَاب ظلمات بَعْضهَا فَوق بعض إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا وَمن لم يَجْعَل الله لَهُ نورا فَمَا لَهُ من نور
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين كفرُوا أَعْمَالهم كسراب} الْآيَة
قَالَ: هُوَ مثل ضربه الله لرجل عَطش فَاشْتَدَّ عطشه فَرَأى سراباً فحسبه مَاء فَظن أَنه قدر عَلَيْهِ حَتَّى أَتَى فَلَمَّا أَتَاهُ لم يجده شَيْئا وَقبض عِنْد ذَلِك يَقُول الْكَافِر: كَذَلِك أَن عمله يُغني عَنهُ أَو نافعه شَيْئا
وَلَا يكون على شَيْء حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت فَأَتَاهُ الْمَوْت لم يجد عمله أغْنى عَنهُ شَيْئا وَلم يَنْفَعهُ إِلَّا(6/209)
كَمَا يَقع العطشان المشتد إِلَى السراب {أَو كظلمات فِي بَحر لجي} قَالَ: يَعْنِي بالظلمات: الْأَعْمَال
وبالبحر اللجي: قلب الإِنسان
{يَغْشَاهُ موج} يَعْنِي بذلك الغشاوة الَّتِي على الْقلب والسمع وَالْبَصَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كسراب بقيعة} يَقُول: أَرض مستوية
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كسراب بقيعة} قَالَ: بقاع من الأَرْض والسراب عمل الْكَافِر {حَتَّى إِذا جَاءَهُ لم يجِدْهُ شَيْئا} واتيانه إِيَّاه
مَوته وفراقه الدُّنْيَا {وَوجد الله عِنْده} وَوجد الله عِنْد فِرَاقه الدُّنْيَا {فوفاه حسابه}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {كسراب بقيعة} قَالَ: بقيعة من الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أَبِيه عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْكفَّار يبعثون يَوْم الْقِيَامَة ردا عطاشاً فَيَقُولُونَ: أَيْن المَاء فيمثل لَهُم السراب فيحسبونه مَاء فَيَنْطَلِقُونَ إِلَيْهِ فيجدون الله عِنْده فيوفيهم حسابهم
وَالله سريع الْحساب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {أَو كظلمات فِي بَحر لجي} قَالَ: اللجي: العميق القعر
{يَغْشَاهُ موج من فَوْقه موج} قَالَ: هَذَا مثل عمل الْكَافِر ف ضلاضلات لَيْسَ لَهُ مخرج وَلَا منفذ
أعمى فِيهَا لَا يبصر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: {إِذا أخرج يَده لم يكد يَرَاهَا} قَالَ: أما رَأَيْت الرجل يَقُول: وَالله مَا رَأَيْتهَا وَمَا كدت أَن أَرَاهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي امامة أَنه قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّكُم قد أَصْبَحْتُم وأمسيتم فِي منزل تقتسمون فِيهِ الْحَسَنَات والسيئات ويوشك أَن تظعنوا مِنْهُ إِلَى منزل آخر وَهُوَ الْقَبْر
بَيت الْوحدَة وَبَيت الظلمَة وَبَيت الضّيق إِلَّا مَا وسع الله ثمَّ تنقلون إِلَى مَوَاطِن يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّكُمْ لفي بعض المواطن حِين يغشى النَّاس أَمر من أَمر الله فتبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه ثمَّ تنتقلون إِلَى منزل آخر فيغشى ظلمَة(6/210)
شَدِيدَة ثمَّ يقسم النُّور فَيعْطى الْمُؤمن نورا وَيتْرك الْكَافِر وَالْمُنَافِق فَلَا يعْطى شَيْئا وَهُوَ الْمثل الَّذِي ضربه الله فِي كِتَابه {أَو كظلمات فِي بَحر لجي} إِلَى قَوْله {فَمَا لَهُ من نور} فَلَا يستضيء الْكَافِر وَالْمُنَافِق بِنور الْمُؤمن كَمَا لَا يستضيء الْأَعْمَى ببصر الْبَصِير(6/211)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)
- قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ أَن الله يسبح لَهُ من فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالطير صافات كل قد علم صلَاته وتسبيحه وَالله عليم بِمَا يَفْعَلُونَ لله ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِلَى الله الْمصير
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ألم تَرَ أَن الله يسبح لَهُ} إِلَى قَوْله {كل قد علم صلَاته وتسبيحه} قَالَ: الصَّلَاة للإِنسان وَالتَّسْبِيح لما سوى ذَلِك من خلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالطير صافات} قَالَ: بسط أجنحتهن
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَالطير صافات} قَالَ: صافات بأجنحتها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مسعر فِي قَوْله {وَالطير صافات كل قد علم صلَاته وتسبيحه} قَالَ: قد سمي لَهَا صَلَاة وَلم يذكر رُكُوعًا وَلَا سجودا(6/211)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (43) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (44)
- قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ أَن الله يزجي سحابا ثمَّ يؤلف بَينه ثمَّ يَجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وَينزل من السَّمَاء من جبال فِيهَا من برد فَيُصِيب بِهِ من يَشَاء ويصرفه عَن من يَشَاء يكَاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله اللَّيْل وَالنَّهَار إِن فِي ذَلِك لعبرة لأولي الْأَبْصَار
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فترى الودق} قَالَ: الْمَطَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فترى الودق} قَالَ: الْقطر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي بجيلة عَن أَبِيه قَالَ: {الودق} الْبَرْق(6/211)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {من خلاله} قَالَ: السَّحَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا (من خلله) بِفَتْح الْخَاء من غير ألف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن كَعْب قَالَ: لَو أَن الجليد ينزل من السَّمَاء الرَّابِعَة لم يمر بِشَيْء إِلَّا أهلكه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يكَاد سنا برقه} يَقُول: ضوء برقه
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {يكَاد سنا برقه} قَالَ: السنا الضَّوْء
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث وَهُوَ يَقُول: يَدْعُو إِلَى الْحق لَا يَنْبَغِي بِهِ بَدَلا يجلو بضوء سناه داجي الظُّلم وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {يكَاد سنا برقه} قَالَ: لمعان الْبَرْق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب أَن كَعْبًا سَأَلَ عبد الله بن عَمْرو عَن الْبَرْق قَالَ: هُوَ مَا يسْبق من الْبرد
وَقَرَأَ / جبال فِيهَا من برد يكَاد سنا برقه يذهب بالأبصار /
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يقلب الله اللَّيْل وَالنَّهَار} قَالَ: يَأْتِي اللَّيْل وَيذْهب بِالنَّهَارِ وَيَأْتِي بِالنَّهَارِ وَيذْهب بِاللَّيْلِ(6/212)
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46)
- قَوْله تَعَالَى: وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء فَمنهمْ من يمشي على بَطْنه وَمِنْهُم من يمشي على رجلَيْنِ وَمِنْهُم من يمشي على أَربع يخلق الله مَا يَشَاء أَن الله على كل شَيْء قدير لقد أنزلنَا آيَات مبينات وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وَالله خلق كل دَابَّة من مَاء} قَالَ: النُّطْفَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن مُغفل أَنه قَرَأَ / وَالله خَالق كل دَابَّة من مَاء /(6/212)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء يمشي على أَربع إِلَّا الانسان وَالله أعلم(6/213)
وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)
- قَوْله تَعَالَى: وَيَقُولُونَ آمنا بِاللَّه وبالرسول وأطعنا ثمَّ يتَوَلَّى فريق مِنْهُم من بعد ذَلِك وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَإِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم إِذا فريق مِنْهُم معرضون وَإِن يكن لَهُم يَأْتُوا إِلَيْهِ مذعنين أَفِي قُلُوبهم مرض أم ارْتَابُوا أم يخَافُونَ أَن يَحِيف الله عَلَيْهِم وَرَسُوله بل أُولَئِكَ هم الظَّالِمُونَ أَنما كَانَ قَول الْمُؤمنِينَ إِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم أَن يَقُولُوا سمعنَا وأطعنا وَأُولَئِكَ هم المفلحون وَمن يطع الله وَرَسُوله ويخشى الله ويتقه فَأُولَئِك هم الفائزون
- أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَيَقُولُونَ آمنا بِاللَّه وبالرسول وأطعنا ثمَّ يتَوَلَّى فريق مِنْهُم من بعد ذَلِك وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} قَالَ: أنَاس من الْمُنَافِقين أظهرُوا الإِيمان وَالطَّاعَة وهم فِي ذَلِك يصدون عَن سَبِيل الله وطاعته وَجِهَاد مَعَ رَسُوله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: إِن الرجل كَانَ يكون بَينه وَبَين الرجل خُصُومَة أَو مُنَازعَة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاذا دعِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محق أذعن وَعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سيقضي لَهُ بِالْحَقِّ وَإِذا أَرَادَ أَن يظلم فدعي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعرض وَقَالَ: انْطلق إِلَى فلَان فَأنْزل الله {وَإِذا دعوا إِلَى الله وَرَسُوله ليحكم بَينهم} إِلَى قَوْله {هم الظَّالِمُونَ} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ بَينه وَبَين أَخِيه شَيْء فَدَعَاهُ إِلَى حكم [حَاكم] من حكام الْمُسلمين فَلم يجب فَهُوَ ظَالِم لَا حق لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من دعِي إِلَى سُلْطَان فَلم يجب فَهُوَ ظَالِم لَا حق لَهُ(6/213)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (53)
- قَوْله تَعَالَى: وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن أَمرتهم ليخرجن قل لَا تقسموا طَاعَة مَعْرُوفَة إِن الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَتَى قوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَو أمرتنا أَن نخرج من أَمْوَالنَا لخرجنا فَأنْزل الله {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن أَمرتهم ليخرجن} قَالَ: ذَلِك من شَأْن الْجِهَاد {قل لَا تقسموا} قَالَ: يَأْمُرهُم أَن لَا يحلفوا على شَيْء {طَاعَة مَعْرُوفَة} قَالَ: أَمرهم أَن يكون مِنْهُم طَاعَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير أَن يقسموا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {طَاعَة مَعْرُوفَة} يَقُول قد عرفت طاعتكم أَي أَنكُمْ تكذبون بِهِ(6/214)
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)
- قَوْله تَعَالَى: قل أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول فَإِن توَلّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حمل وَعَلَيْكُم مَا حملتم وَإِن تطيعوه تهتدوا وَمَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ الْمُبين
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حمل} فَيبلغ مَا أرسل بِهِ إِلَيْكُم {وَعَلَيْكُم مَا حملتم} قَالَ: أَن تطيعوه وتعملوا بِمَا أَمركُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الزبير عَن جَابر أَنه سُئِلَ: إِن كَانَ على امام فَاجر فَلَقِيت مَعَه أهل ضَلَالَة أقَاتل أم لَا لَيْسَ بِي حبه وَلَا مُظَاهرَة قَالَ: قَاتل أهل الضَّلَالَة أَيْنَمَا وَجَدتهمْ وعَلى الإِمام مَا حمل وَعَلَيْك مَا حملت
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن وَائِل أَنه قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ علينا أُمَرَاء يعْملُونَ بِغَيْر طَاعَة الله تَعَالَى فَقَالَ: عَلَيْهِم مَا حملُوا وَعَلَيْكُم مَا حملتم(6/214)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير فِي تهذيبه وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَلْقَمَة بن وَائِل الْحَضْرَمِيّ عَن أَبِيه قَالَ: قدم يزِيد بن سَلمَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَرَأَيْت أَن كَانَ عليناا امراء يَأْخُذُوا منا الْحق وَلَا يعطونا فَقَالَ: إِنَّمَا عَلَيْهِم مَا حملُوا وَعَلَيْكُم مَا حملتم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَلْقَمَة بن وَائِل الْحَضْرَمِيّ عَن سَلمَة بن يزِيد الْجُهَنِيّ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن كَانَ علينا امراء من بعْدك يأخذونا بِالْحَقِّ الَّذِي علينا ويمنعونا الْحق الَّذِي جعله الله لنا نقاتلهم ونبغضهم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم مَا حملُوا وَعَلَيْكُم مَا حملتم(6/215)
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)
- قَوْله تَعَالَى: وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا وَمن كفر بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأَطيعُوا الرَّسُول لَعَلَّكُمْ ترحمون لَا تحسبن الَّذين كفرُوا معجزين فِي الأَرْض ومأواهم النَّار ولبئس الْمصير
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء فِي قَوْله {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم} الْآيَة
قَالَ: فِينَا نزلت وَنحن فِي خوف شَدِيد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِمَكَّة نَحوا من عشر سِنِين يدعونَ إِلَى الله وَحده وعبادته وَحده لَا شريك لَهُ سرا وهم خائفون لَا يؤمرون بِالْقِتَالِ حَتَّى أمروا بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة فقدموا الْمَدِينَة فَأَمرهمْ الله بِالْقِتَالِ وَكَانُوا بهَا خَائِفين يمسون فِي السِّلَاح ويصبحون فِي السِّلَاح فغيروا بذلك مَا شَاءَ الله ثمَّ إِن رجلا من أَصْحَابه قَالَ: يَا رَسُول الله أَبَد الدَّهْر نَحن خائفون هَكَذَا أما يَأْتِي علينا يَوْم نَأْمَن فِيهِ وَنَضَع فِيهِ السِّلَاح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن [] تغيرُوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى يجلس الرجل مِنْكُم فِي املأ الْعَظِيم مُحْتَبِيًا لَيست فيهم جَدِيدَة فَأنْزل الله {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض} إِلَى آخر الْآيَة
فاظهر الله نبيه على جَزِيرَة الْعَرَب فَأمنُوا وَوَضَعُوا السِّلَاح ثمَّ إِن الله قبض نبيه فَكَانُوا كَذَلِك آمِنين فِي امارة أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان حَتَّى وَقَعُوا فِيمَا وَقَعُوا وَكَفرُوا النِّعْمَة فَأدْخل الله عَلَيْهِم الْخَوْف الَّذِي(6/215)
كَانَ رفع عَنْهُم وَاتَّخذُوا الْحجر وَالشّرط وغيروا فَغير مَا بهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه الْمَدِينَة وآوتهم الْأَنْصَار رَمَتْهُمْ الْعَرَب عَن قَوس وَاحِدَة فَكَانُوا لَا يبيتُونَ إِلَّا فِي السِّلَاح وَلَا يُصْبِحُونَ إِلَّا فِيهِنَّ فَقَالُوا: أَتَرَوْنَ أَنا نَعِيش حَتَّى نبيت آمِنين مُطْمَئِنين لَا نَخَاف إِلَّا الله فَنزلت {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات}
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي بن كَعْب قَالَ: لما نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات} قَالَ: بشر هَذِه الْأمة بالسنا والرفعة وَالدّين والنصر والتمكين فِي الأَرْض فَمن عمل مِنْهُم عمل الْآخِرَة للدنيا لم يكن لَهُ فِي الْآخِرَة من نصيب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (ليستخلفهم) بِالْيَاءِ (فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف) بِرَفْع التَّاء وَكسر اللَّام (وليمكنن) بِالْيَاءِ مثقلة (وليبدلنهم) مُخَفّفَة بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض} قَالَ: أهل بَيت هَهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْقبْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم} قَالَ: هُوَ الإِسلام
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا} قَالَ: لَا يخَافُونَ أحدا غَيْرِي
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {يعبدونني لَا يشركُونَ بِي شَيْئا} قَالَ: لَا يخَافُونَ أحدا غَيْرِي {وَمن كفر بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} قَالَ: العاصون
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {وَمن كفر بعد ذَلِك} قَالَ: كفر بِهَذِهِ النِّعْمَة لَيْسَ الْكفْر بِاللَّه
وَعبد بن حميد ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الشعْثَاء قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ حُذَيْفَة وَابْن مَسْعُود فَقَالَ حُذَيْفَة: ذهب النِّفَاق إِنَّمَا كَانَ النِّفَاق على عهذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا هُوَ(6/216)
الْيَوْم الْكفْر بعد الإِيمان فَضَحِك ابْن مَسْعُود ثمَّ قَالَ: بِمَ تَقول قَالَ: بِهَذِهِ الْآيَة {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {لَا تحسبن الَّذين كفرُوا معجزين فِي الأَرْض} قَالَ: سابقين فِي الأَرْض وَالله تَعَالَى أعلم(6/217)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59)
- قَوْله تَعَالَى: ياأيها الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم ثَلَاث مَرَّات من قبل صَلَاة الْفجْر وَحين تضعون ثيابكم من الظهيرة وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء ثَلَاث عورات لكم لَيْسَ عَلَيْكُم وَلَا عَلَيْهِم جنَاح بعدهن طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضكُم على بعض كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات وَالله عليم حَكِيم وَإِذا بلغ الْأَطْفَال مِنْكُم الْحلم فليستأذنوا كَمَا اسْتَأْذن الَّذين من قبلهم كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته وَالله عليم حَكِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل ابْن حَيَّان قَالَ: بلغنَا أَن رجلا من الْأَنْصَار وَامْرَأَته أَسمَاء بنت مرشدة صنعا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما فَقَالَت أَسمَاء: يَا رَسُول الله مَا أقبح هَذَا انه ليدْخل على الْمَرْأَة وَزوجهَا وهما فِي ثوب وَاحِد كل مِنْهُمَا بِغَيْر إِذن فَأنْزل الله فِي ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} من العبيد والاماء {وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} قَالَ: من أحراركم من الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: كَانَ أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعجبهم أَن يواقعوا نِسَاءَهُمْ فِي هَذِه السَّاعَات ليغتسلوا ثمَّ يخرجُوا إِلَى الصَّلَاة فَأَمرهمْ الله أَن يأمروا المملوكين والغلمان أَن لَا يدخلُوا عَلَيْهِم فِي تِلْكَ السَّاعَات إِلَّا باذن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ثَعْلَبَة الْقرظِيّ عَن عبد الله بن سُوَيْد قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن العورات الثَّلَاث فَقَالَ إِذا أَنا وضعت ثِيَابِي بعد الظهيرة لم يلج عليّ أحد من الخدم من الَّذين لم يبلغُوا الْحلم وَلَا أحد من الاجراء إِلَّا باذن وَإِذا وضعت ثِيَابِي بعد صَلَاة الْعشَاء وَمن قبل صَلَاة الصُّبْح(6/217)
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن ثَعْلَبَة بن أبي مَالك الْقرظِيّ أَنه ركب عبد الله بن سُوَيْد أخي بني حَارِثَة بن الْحَارِث يسْأَله عَن العورات الثَّلَاث وَكَانَ يعْمل لَهُنَّ فَقَالَ: مَا تُرِيدُ قَالَ: أُرِيد أَن أعمل بِهن فَقَالَ: إِذا وضعت ثِيَابِي من الظهيرة لم يدْخل عَليّ أحد من أَهلِي بلغ الْحلم إِلَّا بإذني إِلَّا أَن أعدوه فَذَلِك اذنه وَلَا إِذا طلع الْفجْر وتحرك النَّاس حَتَّى تصلي الصَّلَاة وَلَا إِذا صليت الْعشَاء الْآخِرَة وَوضعت ثِيَابِي حَتَّى أَنَام
قَالَ: فَتلك العورات الثَّلَاث
وَأخرج ابْن سعد عَن سُوَيْد بن النُّعْمَان أَنه سُئِلَ عَن العورات الثَّلَاث فَقَالَ: إِذا وضعت ثِيَابِي من الظهيرة لم يدْخل عَليّ أحد من أَهلِي إِلَّا أَن أَدْعُوهُ فَذَلِك اذنه واذا طلع الْفجْر وتحرك النَّاس حَتَّى يُصَلِّي الصُّبْح وَإِذا صليت الْعشَاء وضعت ثِيَابِي فَتلك العورات الثَّلَاث
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آيَة لم يُؤمن بهَا أَكثر النَّاس
آيَة الاذن لآمر جاريتي هَذِه الْجَارِيَة قَصِيرَة قَائِمَة على رَأسه أَن تستأذن عَليّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: هَذِه الْآيَة تهاون النَّاس بهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} وَمَا نسخت قطّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} قَالَ: لَيست مَنْسُوخَة
قيل فَإِن النَّاس لَا يعْملُونَ بهَا قَالَ: الله الْمُسْتَعَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يمْكث النَّاس فِي السَّاعَات الَّذين ملكت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ترك النَّاس ثَلَاث آيَات فَلم يعملوا بِهن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} وَالْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء {وَإِذا حضر الْقِسْمَة} النِّسَاء الْآيَة 8 وَالْآيَة الَّتِي فِي الحجرات {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} الحجرات الْآيَة 13
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} قَالَ: إِذا خلا الرجل بأَهْله بعد الْعشَاء فَلَا يدْخل عَلَيْهِ خَادِم وَلَا صبي إِلَّا باذنه حَتَّى يُصَلِّي الْغَدَاة وَإِذا خلا(6/218)
بأَهْله عِنْد الظّهْر فَمثل ذَلِك وَرخّص لَهُم فِي الدُّخُول فِيمَا بَين ذَلِك بِغَيْر إِذن
وَهُوَ قَوْله {لَيْسَ عَلَيْكُم وَلَا عَلَيْهِم جنَاح بعدهن} فاما من بلغ الْحلم فَإِنَّهُ لَا يدْخل على الرجل وَأَهله إِلَّا باذن على كل حَال
وَهُوَ قَوْله {وَإِذا بلغ الْأَطْفَال مِنْكُم الْحلم فليستأذنوا كَمَا اسْتَأْذن الَّذين من قبلهم}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلَيْنِ سألاه عَن الاسْتِئْذَان فِي الثَّلَاث عورات الَّتِي أَمر الله بهَا فِي الْقُرْآن فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ان الله ستير يحب السّتْر وَكَانَ النَّاس لَيْسَ لَهُم ستور على أَبْوَابهم وَلَا حجال فِي بُيُوتهم فَرُبمَا فاجأ الرجل خادمه أَو وَلَده أَو يتيمه فِي حجره وَهُوَ على أَهله
فَأَمرهمْ الله أَن يستأذنوا فِي تِلْكَ العورات الَّتِي سمى الله ثمَّ جَاءَ الله بعد بالستور وَبسط الله عَلَيْهِم فِي الرزق فاتخذوا الستور وَاتَّخذُوا الحجال فَرَأى النَّاس أَن ذَلِك قد كفاهم من الاستذان الَّذِي أمروا بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر فِي قَوْله {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} قَالَ هُوَ على الذُّكُور دون الاناث
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عمر فِي قَوْله {ثَلَاث عورات لكم لَيْسَ عَلَيْكُم وَلَا عَلَيْهِم جنَاح بعدهن طَوَّافُونَ عَلَيْكُم} قَالَ: هُوَ للاناث دون الذُّكُور أَن يدخلُوا بِغَيْر إِذن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} قَالَ: نزلت فِي النِّسَاء أَن يسْتَأْذن علينا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} قَالَ: النِّسَاء فَإِن الرِّجَال يستأذنون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: هِيَ فِي النِّسَاء خَاصَّة
الرِّجَال يستأذنون على كل حَال بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة قَالَ: سَأَلت الشّعبِيّ عَن هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم} أمنسوخة هِيَ قَالَ: لَا(6/219)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} قَالَ: أبناءكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {طَوَّافُونَ عَلَيْكُم} قَالَ: يَعْنِي بالطوّافين: الدُّخُول وَالْخُرُوج غدْوَة وَعَشِيَّة بِغَيْر إِذن
وَفِي قَوْله {وَإِذا بلغ الْأَطْفَال} يَعْنِي الصغار {مِنْكُم الْحلم} يَعْنِي من الْأَحْرَار من ولد الرجل وأقاربه {فليستأذنوا كَمَا اسْتَأْذن الَّذين من قبلهم} يَعْنِي كَمَا اسْتَأْذن الْكِبَار من ولد الرجل وأقاربه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {كَمَا اسْتَأْذن الَّذين من قبلهم} قَالَ: كَمَا اسْتَأْذن الَّذين بلغُوا الْحلم من قبلهم الَّذين أمروا بالاستئذان على كل حَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: ليستأذن الرجل على أمه فانما نزلت {وَإِذا بلغ الْأَطْفَال مِنْكُم الْحلم} فِي ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن مَسْعُود أَن رجلا سَأَلَهُ اسْتَأْذن على أُمِّي فَقَالَ: نعم
مَا على كل أحيانها تحب أَن ترَاهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن جَابر قَالَ: ليستأذن الرجل على وَلَده وَأمه - وَإِن كَانَت عجوزاً - وأخيه وَأُخْته وَأَبِيهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَطاء أَنه سَأَلَ ابْن عَبَّاس اسْتَأْذن على أُخْتِي قَالَ: نعم
قلت إِنَّهَا فِي حجري وَإِنِّي أنْفق عَلَيْهَا وانها معي فِي الْبَيْت اسْتَأْذن عَلَيْهَا قَالَ: نعم
إِن الله يَقُول {لِيَسْتَأْذِنكُم الَّذين ملكت أَيْمَانكُم وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} فَلم يُؤمر هَؤُلَاءِ بالإِذن إِلَّا فِي هَؤُلَاءِ العورات الثَّلَاث قَالَ: {وَإِذا بلغ الْأَطْفَال مِنْكُم الْحلم فليستأذنوا كَمَا اسْتَأْذن الَّذين من قبلهم} فالإِذن وَاجِب على خلق الله أَجْمَعِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَأْذن على أُمِّي قَالَ: نعم
أَتُحِبُّ أَن ترَاهَا عُرْيَانَة
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن عَطاء بن يسَار أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله اسْتَأْذن على أُمِّي قَالَ: نعم
قَالَ: إِنِّي مَعهَا فِي الْبَيْت قَالَ: اسْتَأْذن عَلَيْهَا قَالَ: إِنِّي خَادِمهَا أفاستأذن عَلَيْهَا كلما دخلت قَالَ: أفتحب أَن ترَاهَا عُرْيَانَة قَالَ: لَا
قَالَ: فَاسْتَأْذن عَلَيْهَا(6/220)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة أَنه سُئِلَ أيستأذن الرجل على والدته قَالَ: نعم
إِن لم تفعل رَأَيْت مِنْهَا مَا تكره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين فِي قَوْله {وَالَّذين لم يبلغُوا الْحلم مِنْكُم} قَالَ: كَانُوا يعلمونا إِذا جَاءَ أَحَدنَا أَن نقُول السَّلَام عَلَيْكُم
أَيَدْخُلُ فلَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ قَالَ الله تَعَالَى {وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} وَإِنَّمَا الْعَتَمَة عتمة الابل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ الْعشَاء فَإِنَّمَا هِيَ فِي كتاب الله الْعشَاء وَإِنَّمَا يعتم بحلاب الإِبل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (ثَلَاث عورات) بِالنّصب(6/221)
وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60)
- قَوْله تَعَالَى: وَالْقَوَاعِد من النِّسَاء اللَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جنَاح أَن يَضعن ثيابهن غير متبرجات بزينه وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ وَالله سميع عليم
أخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن عَبَّاس {وَقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن} فنسخ وَاسْتثنى من ذَلِك {وَالْقَوَاعِد من النِّسَاء اللَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالْقَوَاعِد من النِّسَاء} قَالَ: هِيَ الْمَرْأَة لَا جنَاح عَلَيْهَا أَن تجْلِس فِي بَيتهَا بدرع وخمار وتضع عَنْهَا الجلباب مَا لم تتبرج لما يكره الله وَهُوَ قَوْله {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جنَاح أَن يَضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة}
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {أَن يَضعن ثيابهن} وَيَقُول: هِيَ الجلباب(6/221)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جنَاح أَن يَضعن ثيابهن} قَالَ: الجلباب والرداء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر فِي الْآيَة قَالَ: تضع الجلباب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {وَالْقَوَاعِد من النِّسَاء} يَقُول: الْمَرْأَة إِذا قعدت عَن النِّكَاح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَالْقَوَاعِد من النِّسَاء} يَعْنِي الْمَرْأَة الْكَبِيرَة الَّتِي لَا تحيض من الْكبر {اللَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا} يَعْنِي تزويجاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {اللَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا} قَالَ: لَا يردنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: أَخْبرنِي مُسلم مولى امْرَأَة حُذَيْفَة بن الْيَمَان أَنه خضب رَأس مولاته فَدخلت عَلَيْهَا فسألتها فَقَالَت: نعم يَا بني إِنِّي من {وَالْقَوَاعِد من النِّسَاء اللَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا} وَقد قَالَ الله فِي ذَلِك مَا سَمِعت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: فِي مصحف أبي بن كَعْب ومصحف ابْن مَسْعُود (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جنَاح أَن يَضعن جلابيبهن غير متبرجات)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن (فَلَيْسَ عَلَيْهِم جنَاح أَن يَضعن جلابيبهن خير متبرجات)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا كَانَا يقرآن (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جنَاح أَن يَضعن جلابيبهن غير متبرجات)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت: عَن الخضاب والصباغ والقرطين والخلخال وَخَاتم الذَّهَب وَثيَاب الرقَاق فَقَالَ: يَا معشر النِّسَاء قصتكن كلهَا وَاحِدَة أحل الله لَكِن الزِّينَة غير متبرجات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ} قَالَ: يلبسن جلابيبهن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن عَاصِم الْأَحول قَالَ:(6/222)
دخلت على حَفْصَة بنت سِيرِين وَقد أَلْقَت عَلَيْهَا ثِيَابهَا فَقلت أَلَيْسَ يَقُول الله {وَالْقَوَاعِد من النِّسَاء اللَّاتِي لَا يرجون نِكَاحا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جنَاح أَن يَضعن ثيابهن} قَالَ: اقْرَأ مَا بعده {وَأَن يستعففن خير لَهُنَّ} وَهُوَ ثِيَاب الجلباب(6/223)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
- قَوْله تَعَالَى: لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج وَلَا على الْأَعْرَج حرج وَلَا على الْمَرِيض حرج وَلَا على أَنفسكُم أَن تَأْكُلُوا من بُيُوتكُمْ أَو بيُوت آبائكم أَو بيُوت أُمَّهَاتكُم أَو بيُوت إخْوَانكُمْ أَو بيُوت أخواتكم أَو بيُوت أعمامكم أَو بيُوت عماتكم أَو بيُوت أخوالكم أَو بيُوت خالاتكم أَو مَا ملكتم مفاتحه أَو صديقكم لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَو أشتاتا فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات لَعَلَّكُمْ تعقلون
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} النِّسَاء الْآيَة 29 قَالَت الْأَنْصَار: مَا بِالْمَدِينَةِ مَال أعز من الطَّعَام
كَانُوا يتحرجون أَن يَأْكُلُوا مَعَ الْأَعْمَى يَقُولُونَ: أَنه لَا يبصر مَوضِع الطَّعَام وَكَانُوا يتحرجون الْأكل مَعَ الْأَعْرَج يَقُولُونَ: الصَّحِيح يسْبقهُ إِلَى الْمَكَان وَلَا يَسْتَطِيع أَن يزاحم ويتحرجون الْأكل مَعَ الْمَرِيض يَقُولُونَ: لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْكُل مثل الصَّحِيح وَكَانُوا يتحرجون أَن يَأْكُلُوا فِي بيُوت أقربائهم فَنزلت {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} يَعْنِي فِي الْأكل مَعَ الْأَعْمَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مقسم قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يَأْكُلُوا مَعَ الْأَعْمَى والأعرج وَالْمَرِيض لأَنهم لَا ينالون كَمَا ينَال الصَّحِيح فَنزلت {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَإِبْرَاهِيم وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ الرجل يذهب بالأعمى أَو(6/223)
الْأَعْرَج وَالْمَرِيض إِلَى بَيت أَبِيه أَو بَيت أَخِيه أَو بَيت أُخْته أَو بَيت عَمه أَو بَيت عمته أَو بَيت خَاله أَو بَيت خَالَته فَكَانَ الزمنى يتحرجون من ذَلِك يَقُولُونَ: إِنَّمَا يذهبوا بِنَا إِلَى بيُوت غَيرهم فَنزلت هَذِه الْآيَة رخصَة لَهُم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن النجار عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ الْمُسلمُونَ يرغبون فِي النفير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيدفعون مفاتيحهم إِلَى أمنائهم وَيَقُولُونَ لَهُم: قد أحلننا لكم أَن تَأْكُلُوا مِمَّا احتجتم إِلَيْهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّه لَا يحل لنا أَن نَأْكُل إِنَّهُم أذنوا لنا من غير طيب أنفسهم وَإِنَّمَا نَحن أُمَنَاء فَأنْزل الله {وَلَا على أَنفسكُم أَن تَأْكُلُوا} إِلَى قَوْله {أَو مَا ملكتم مفاتحه}
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي عبيد الله ابْن عبد الله وَابْن مسيب أَنه كَانَ رجال من أهل الْعلم يحدثُونَ إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة فِي أُمَنَاء الْمُسلمين كَانُوا يرغبون فِي النفير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبِيل الله فيعطون مفاتيحهم أمناءهم وَيَقُولُونَ لَهُم: قد أَحللنَا لكم أَن تَأْكُلُوا مِمَّا فِي بُيُوتنَا فَيَقُول الَّذين استودعوهم المفاتيح: وَالله مَا يحل لنا مِمَّا فِي بُيُوتهم شَيْء وَإِن أحلوه لنا حَتَّى يرجِعوا إِلَيْنَا وانها لأمانة ائتمنا عَلَيْهَا فَلم يزَالُوا على ذَلِك حَتَّى أنزل الله هَذِه الْآيَة فطابت أنفسهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} النِّسَاء الْآيَة 29 قَالَ الْمُسلمُونَ: إِن الله قد نَهَانَا أَن نَأْكُل أَمْوَالنَا بَيْننَا بِالْبَاطِلِ وَالطَّعَام هُوَ من أفضل الْأَمْوَال فَلَا يحل لأحد منا أَن يَأْكُل من عِنْد أحد
فَكف النَّاس عَن ذَلِك فَأنْزل الله {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} إِلَى قَوْله {أَو مَا ملكتم مفاتحه} وَهُوَ الرجل يُوكل الرجل بضيعته وَالَّذِي رخص الله أَن يَأْكُل من ذَلِك الطَّعَام وَالتَّمْر وَشرب اللَّبن وَكَانُوا أَيْضا يتحرجون أَن يَأْكُل الرجل الطَّعَام وَحده حَتَّى يكون مَعَه غَيره فَرخص الله لَهُم فَقَالَ {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَو أشتاتاً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أهل الْمَدِينَة قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يخالطهم فِي طعامهم أعمى وَلَا مَرِيض وَلَا أعرج لِأَن الْأَعْمَى لَا يبصر طيب الطَّعَام وَالْمَرِيض لَا يَسْتَوْفِي الطَّعَام كَمَا يَسْتَوْفِي الصَّحِيح والأعرج لَا يَسْتَطِيع الْمُزَاحمَة على الطَّعَام فَنزلت رخصَة فِي مؤاكلتهم(6/224)
وَأخرج الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج الْحَارِث غازياً مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخلف على أَهله خَالِد بن زيد فحرج أَن يَأْكُل من طَعَامه وَكَانَ مجهوداً فَنزلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج} الْآيَة مَا بَال الْأَعْمَى والأعرج وَالْمَرِيض ذكرُوا هُنَا فَقَالَ: أخبرنَا عبيد الله أَن الْمُسلمين كَانُوا إِذا غزوا أَقَامُوا أوصاتهم وَكَانُوا يدْفَعُونَ إِلَيْهِم مَفَاتِيح أَبْوَابهم يَقُولُونَ: قد أَحللنَا لكم أَن تَأْكُلُوا مِمَّا فِي بُيُوتنَا وَكَانُوا يتحرجون من ذَلِك يَقُولُونَ: لَا ندْخلهَا وهم غيب فأنزلت هَذِه الْآيَة رخصَة لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ هَذَا الْحَيّ من بني كنَانَة بن خُزَيْمَة يرى أحدهم أَن عَلَيْهِ مخزاة أَن يَأْكُل وَحده فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى إِن كَانَ الرجل يَسُوق الذود الحفل وَهُوَ جَائِع حَتَّى يجد من يؤاكله ويشاربه فَأنْزل الله {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَو أشتاتاً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عطرمة وَأبي صَالح قَالَا: كَانَت الْأَنْصَار إِذا نزل بهم الضَّيْف لَا يَأْكُلُون مَعَه حَتَّى يَأْكُل مَعَهم الضَّيْف فَنزلت رخصَة لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَو صديقكم} قَالَ: إِذا دخلت بَيت صديقك من غير مؤامرته ثمَّ أكلت من طَعَامه بِغَيْر إِذْنه لم يكن بذلك بَأْس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {أَو صديقكم} قَالَ: هَذَا شَيْء قد انْقَطع إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوله وَلم يكن لَهُم أَبْوَاب وَكَانَت الستور مرخاة فَرُبمَا دخل الرجل الْبَيْت وَلَيْسَ فِيهِ أحد فَرُبمَا وجد الطَّعَام وَهُوَ جَائِع فسوّغ لَهُ الله أَن يَأْكُلهُ قَالَ: وَذهب ذَلِك
الْيَوْم الْبيُوت فِيهَا أَهلهَا فَإِذا خَرجُوا أغلقوا فقد ذهب ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم} يَقُول: إِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَهلهَا تَحِيَّة من عِنْد الله
وَهُوَ السَّلَام لِأَنَّهُ اسْم الله وَهُوَ تَحِيَّة أهل الْجنَّة(6/225)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِذا دخلت على أهلك فَسلم عَلَيْهِم تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة قَالَ أَبُو الزبير: مَا رَأَيْته إِلَّا أوجبه
وَأخرج الْحَاكِم عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا دَخَلْتُم بُيُوتكُمْ فَسَلمُوا على أَهلهَا واذا طَعِمْتُمْ فاذكروا اسْم الله وَإِذا سلم أحدكُم حِين يدْخل بَيته وَذكر اسْم الله على طَعَامه يَقُول الشَّيْطَان لأَصْحَابه: لَا مبيت لكم وَلَا عشَاء وَإِذا لم يسلم أحدكُم وَلم يسم يَقُول الشَّيْطَان لأَصْحَابه: أدركتم الْمبيت وَالْعشَاء
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن جَابر أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا دخل الرجل بَيته فَذكر الله عِنْد دُخُوله وَعند طَعَامه قَالَ الشَّيْطَان: لَا مبيت لكم وَلَا عشَاء فَإِذا دخل فَلم يذكر الله عِنْد دُخُوله قَالَ الشَّيْطَان: أدركتم الْمبيت وَإِن لم يذكر الله عِنْد طَعَامه قَالَ الشَّيْطَان: أدركتم الْمبيت وَالْعشَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل بَيته يَقُول السَّلَام علينا من رَبنَا التَّحِيَّات الطَّيِّبَات المباركات لله سَلام عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: إِذا دخلت على أهلك فَقل: السَّلَام عَلَيْكُم تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة فَإِذا لم يكن فِيهِ أحد فَقل: السَّلَام علينا من رَبنَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ماهان فِي قَوْله {فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم} قَالَ: يَقُول السَّلَام علينا من رَبنَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي البخْترِي قَالَ: جَاءَ الاشعث بن قيس وَجَرِير بن عبد الله البَجلِيّ إِلَى سلمَان فَقَالَا: جئْنَاك من عِنْد أَخِيك أبي الدَّرْدَاء قَالَ: فَأَيْنَ هديته الَّتِي أرسلها مَعَكُمَا فالا: مَا أرسل مَعنا بهدية قَالَ: اتقيا الله وأديا الْأَمَانَة مَا جَاءَنِي أحد من عِنْده إِلَّا جَاءَ مَعَه بهدية قَالَا: وَالله مَا بعث مَعنا شَيْئا إِلَّا أَنه قَالَ: اقرؤوه مني السَّلَام قَالَ: فَأَي هَدِيَّة كنت أُرِيد مِنْكُمَا غير هَدِيَّة وَأي هَدِيَّة أفضل من السَّلَام تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة(6/226)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من سره أَن لَا يجد الشَّيْطَان عِنْده طَعَاما وَلَا مقيلا وَلَا مبيتا فليسلم إِذا دخل بَيته وليسم على طَعَامه
وَأخرج ابْن عدي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ أحدكُم على حجرته ليدْخل فليسم الله فَإِنَّهُ يرجع قرينه من الشَّيْطَان الَّذِي مَعَه وَلَا يدْخل فَإِذا دَخَلْتُم فَسَلمُوا فَأَنَّهُ يخرج ساكنه مِنْهُم وَإِذا وضع الطَّعَام فسموا فَإِنَّكُم تدحرون الْخَبيث إِبْلِيس عَن أرزاقكم وَلَا يشرككم فِيهَا وَإِذا ارتحلتم دَابَّة فسموا الله حِين تضعون أول حلْس فَإِن كل دَابَّة معتقدة وَإِنَّكُمْ إِذا سميتم حططتموه عَن ظهرهَا وَإِن نسيتم ذَلِك شرككم فِي مراكبكم
وَلَا تبيتوا منديل الْغمر مَعكُمْ فِي الْبَيْت فَأَنَّهُ بَيت الشَّيْطَان ومضجعه وَلَا تتركوا الْعِمَامَة ممسية إِذا جمعت فِي جَانب الْحُجْرَة فَإِنَّهَا مقْعد الشَّيْطَان وَلَا تسكنوا بُيُوتًا غير مغلقة وَلَا تفترشوا الزبالا الَّتِي تُفْضِي إِلَى ظُهُور الدَّوَابّ وَلَا تبيتوا على سطح لَيْسَ بمحجور وَإِذا سَمِعْتُمْ نباح الْكلاب أَو نهيق الْحمار فاستعيذوا بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَإِنَّهُمَا لَا يريان الشَّيْطَان إِلَّا نبح الْكَلْب ونهق الْحمار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للاسلام ضِيَاء وعلامات كمنار الطَّرِيق فرأسها وجماعها شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله واقام الصَّلَاة وايتاء الزَّكَاة وَتَمام الْوضُوء وَالْحكم بِكِتَاب الله وَسنة نبيه وَطَاعَة وُلَاة الْأَمر وتسليمكم على أَنفسكُم وتسليمكم إِذا دَخَلْتُم بُيُوتكُمْ وتسليمكم على بني آدم إِذا لقيتموهم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أنس قَالَ: أَوْصَانِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخمْس خِصَال قَالَ أَسْبغ الْوضُوء يزدْ فِي عمركن وَسلم على من لقيك من أمتِي تكْثر حَسَنَاتك وَإِذا دخلت بَيْتك فَسلم على أهل بَيْتك يكثر خير بَيْتك وصل صَلَاة الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاة الْأَوَّابِينَ قبلك يَا أنس ارْحَمْ الصَّغِير وَوقر الْكَبِير تكن من رُفَقَائِي يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم} قَالَ: هُوَ الْمَسْجِد إِذا دَخلته فَقل: السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين(6/227)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك قَالَ: إِذا دخلت بَيْتا فِيهِ نَاس من الْمُسلمين فَسلم عَلَيْهِم وَإِن لم يكن فِيهِ أحد أَو كَانَ فِيهِ نَاس من الْمُشْركين فَقل: السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن ابْن عمر قَالَ: إِذا دخل الْبَيْت غير المسكون أَو الْمَسْجِد فيلقل: السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: إِذا دخلت بَيْتك وَلَيْسَ فِيهِ أحد أَو بَيت غَيْرك فَقل: بِسم الله وَالْحَمْد لله السَّلَام علينا من رَبنَا السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم} قَالَ: إِذا دخلت بَيْتك فَسلم على أهلك وَإِذا دخلت بَيْتا لَا أحد فِيهِ فَقل: السَّلَام علينا وعَلى عباد الله الصَّالِحين فَإِنَّهُ كَانَ يُؤمر بذلك وَحدثنَا أَن الْمَلَائِكَة ترد عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {فَسَلمُوا على أَنفسكُم} قَالَ: ليسلم بَعْضكُم على بعض كَقَوْلِه {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} النِّسَاء الْآيَة 29
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فَسَلمُوا على أَنفسكُم} قَالَ: إِذا دخل الْمُسلم على الْمُسلم سلم عَلَيْهِ مثل قَوْله {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم} النِّسَاء الْآيَة 29 إِنَّمَا هُوَ لَا تقتل أَخَاك الْمُسلم وَقَوله {ثمَّ أَنْتُم هَؤُلَاءِ تقتلون أَنفسكُم} الْبَقَرَة الْآيَة 85 قَالَ: يقتل بَعْضكُم بَعْضًا
قُرَيْظَة وَالنضير
وَقَوله {جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} الرّوم الْآيَة 21 كَيفَ يكون زوج الإِنسان من نَفسه إِنَّمَا هِيَ جعل لكم أرواحاا من بني آدم وَلم يَجْعَل من الإِبل وَالْبَقر وكل شَيْء فِي الْقُرْآن على هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَسَلمُوا على أَنفسكُم} قَالَ: بَعْضكُم على بعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أخذت التَّشَهُّد إِلَّا من كتاب الله(6/228)
سَمِعت الله يَقُول {فَإِذا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلمُوا على أَنفسكُم تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة طيبَة} فالتشهد فِي الصَّلَاة التَّحِيَّات المباركات الطَّيِّبَات لله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ثَابت بن عبيد قَالَ: أتيت ابْن عمر قبل الْغَدَاة
وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد فَقَالَ لي: أَلا سلمت حِين جِئْت فانها تَحِيَّة من عِنْد الله مباركة(6/229)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَإِذا كَانُوا مَعَه على أَمر جَامع لم يذهبوا حَتَّى يستأذنوه إِن الَّذين يَسْتَأْذِنُونَك أُولَئِكَ الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَرَسُوله فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم واستغفرلهم الله إِن الله غَفُور رَحِيم لاتجعلوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَا: لما أَقبلت قُرَيْش عَام الْأَحْزَاب نزلُوا بمجمع الأسيال من بِئْر رومة بِالْمَدِينَةِ قائدها أَبُو سُفْيَان وَأَقْبَلت غطفان حَتَّى نزلُوا بتغمين إِلَى جَانب أحد وَجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر وَضرب الخَنْدَق على الْمَدِينَة وَعمل فِيهِ وَعمل الْمُسلمُونَ فِيهِ وابطأ رجال من الْمُنَافِقين وَجعلُوا يورون بالضعيف من الْعَمَل فيتسللون إِلَى أَهْليهمْ بِغَيْر علم من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا اذن وَجعل الرجل من الْمُسلمين إِذا نابته النائبة من الْحَاجة الَّتِي لابد مِنْهَا يذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويستأذنه فِي اللحوق لِحَاجَتِهِ فَيَأْذَن لَهُ فَإِذا قضى حَاجته رَجَعَ فَأنْزل الله فِي أُولَئِكَ الْمُؤمنِينَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَإِذا كَانُوا مَعَه على أَمر جَامع} إِلَى قَوْله {وَالله بِكُل شَيْء عليم} النُّور الْآيَة 64
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا كَانُوا مَعَه على أَمر جَامع لم يذهبوا حَتَّى يستأذنوه}(6/229)
قَالَ: ذَلِك فِي الْغَزْو وَالْجُمُعَة وَإِذن الإِمام يَوْم الْجُمُعَة: أَن يُشِير بِيَدِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن مَكْحُول فِي قَوْله {وَإِذا كَانُوا مَعَه على أَمر جَامع} قَالَ: إِذا جمعهم لأمر حزبهم من الْحَرْب وَنَحْوه لم يذهبوا حَتَّى يستأذنوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ فِي الْجِهَاد وَالْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {على أَمر جَامع} قَالَ: من طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانَ النَّاس يستأذنون فِي الْجُمُعَة وَيَقُولُونَ: هَكَذَا ويشيرون بِثَلَاث أَصَابِع
فَلَمَّا كَانَ زِيَاد كثر عَلَيْهِ فَاغْتَمَّ فَقَالَ: من أمسك على أُذُنه فَهُوَ أُذُنه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مَكْحُول فِي الْآيَة قَالَ: يعْمل بهَا الْآن فِي الْجُمُعَة والزحف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِسْمَعِيل بن عَيَّاش قَالَ: رَأَيْت عَمْرو بن قيس السكونِي يخْطب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو المدلَّهْ الْيحصبِي فِي شَيْء وجده فِي بَطْنه فَأَشَارَ إِلَيْهِ عَمْرو بِيَدِهِ أَي انْصَرف فَسَأَلت عمرا وَأَبا المدلَّهْ فَقَالَ: هَكَذَا كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنعون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا} قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: يَا مُحَمَّد
يَا أَبَا الْقَاسِم
فنهاهم الله عَن ذَلِك اعظاما لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا} يَعْنِي كدعاء أحدكُم إِذا دَعَا أَخَاهُ باسمه وَلَكِن وقروه وعظموه وَقُولُوا لَهُ: يَا رَسُول الله
وَيَا نَبِي الله
وَأخرج عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي تَفْسِيره وَأَبُو نعيم فِي تَفْسِيره عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا} يُرِيد وَلَا تصيحوا بِهِ من(6/230)
بعيد: يَا أَبَا الْقَاسِم
وَلَكِن كَمَا قَالَ الله فِي الحجرات {إِن الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله} الحجرات الْآيَة 3
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: أَمرهم الله أَن يَدعُوهُ: يَا رَسُول الله
فِي لين وتواضع وَلَا يَقُولُوا: يَا مُحَمَّد
فِي تجهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أَمر الله أَن يهاب نبيه وَأَن يُبَجَّلَ وَأَن يعظم وَأَن يفخم ويشرف
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: لَا تَقولُوا يَا مُحَمَّد
وَلَكِن قُولُوا يَا رَسُول الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير وَالْحسن
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم} يَقُول: دَعْوَة الرَّسُول عَلَيْكُم مُوجبَة فاحذرها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الشّعبِيّ فِي الْآيَة قَالَ: لَا تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم على بعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله {قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
كَانَ يثقل عَلَيْهِم الحَدِيث فِي يَوْم الْجُمُعَة - وَيَعْنِي بِالْحَدِيثِ الْخطْبَة - فيلوذون بِبَعْض الصَّحَابَة حَتَّى يخرجُوا من الْمَسْجِد وَكَانَ لَا يصلح للرجل أَن يخرج من الْمَسْجِد إِلَّا بِإِذن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم الْجُمُعَة بَعْدَمَا يَأْخُذ فِي الْخطْبَة وَكَانَ إِذا أَرَادَ أحدهم الْخُرُوج أَشَارَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَأْذَن لَهُ من غير أَن يتَكَلَّم الرجل لِأَن الرجل مِنْهُم كَانَ اذا تكلم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب بطلت جمعته
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن مقَاتل قَالَ: كَانَ لَا يخرج أحد لرعاف أَو أَحْدَاث حَتَّى يسْتَأْذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشِير إِلَيْهِ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تلِي الابهام فَيَأْذَن لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُشِير إِلَيْهِ بِيَدِهِ وَكَانَ من الْمُنَافِقين من يثقل عَلَيْهِ الْخطْبَة وَالْجُلُوس فِي الْمَسْجِد فَكَانَ إِذا اسْتَأْذن رجل من الْمُسلمين قَامَ الْمُنَافِق إِلَى جنبه يسْتَتر بِهِ حَتَّى يخرج فَأنْزل الله {قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا}(6/231)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا} قَالَ: يَتَسَلَّلُونَ عَن نَبِي الله وَعَن كِتَابه وَعَن ذكره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لِوَاذًا} قَالَ: خلافًا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان {قد يعلم الله الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا} قَالَ: يَتَسَلَّلُونَ من الصَّفّ فِي الْقِتَال {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة} قَالَ: أَن يطبع على قُلُوبهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن بن صَالح قَالَ: إِنِّي لخائف على من ترك الْمسْح على الْخُفَّيْنِ أَن يكون دَاخِلا فِي هَذِه الْآيَة {فليحذر الَّذين يخالفون عَن أمره أَن تصيبهم فتْنَة أَو يصيبهم عَذَاب أَلِيم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: نهي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه أَن يقاتلوا نَاحيَة من خَيْبَر فَانْصَرف الرِّجَال عَنْهُم وَبَقِي رجل فَقَاتلهُمْ فَرَمَوْهُ فَقَتَلُوهُ فجيء بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أبعد مَا نهينَا عَن الْقِتَال فَقَالُوا: نعم
فَتَركه وَلم يصل عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد قَالَ: أَشد حَدِيث سمعناه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله فِي سعد بن معَاذ فِي أَمر الْقَبْر
وَلما كَانَت غَزْوَة تَبُوك قَالَ لَا يخرج مَعنا إِلَّا رجل مُقْوٍ فَخرج رجل على بكر لَهُ صَعب فصرعه فَمَاتَ فَقَالَ النَّاس: الشَّهِيد الشَّهِيد
فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا أَن يُنَادي فِي النَّاس لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مُؤمنَة وَلَا يدْخل الْجنَّة عَاص
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن زيد بن أسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه ذَات يَوْم وَهُوَ مُسْتَقْبل الْعَدو: لَا يُقَاتل أحد مِنْكُم فَعمد رجل مِنْهُم وَرمى الْعَدو وَقَاتلهمْ فَقَتَلُوهُ فَقيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسشتهد فلَان فَقَالَ: أبعد مَا نهيت عَن الْقِتَال قَالُوا: نعم
قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة عَاص
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لَا يستأذنك الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه} قَالَ: كَانَ لَا يَسْتَأْذِنهُ إِذا غزا إِلَّا المُنَافِقُونَ
فَكَانَ لَا يحل لأحد أَن يسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يتَخَلَّف بعده إِذا غزا وَلَا تَنْطَلِق سَرِيَّة إِلَّا باذنه وَلم يَجْعَل الله للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَأْذَن لأحد حَتَّى نزلت الْآيَة {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذين آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَإِذا كَانُوا مَعَه على أَمر جَامع}(6/232)
يَقُول: أَمر طَاعَة {لم يذهبوا حَتَّى يستأذنوه} فَجعل الاذن إِلَيْهِ يَأْذَن لمن يَشَاء
فَكَانَ إِذا جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس لأمر يَأْمُرهُم وينهاهم صَبر الْمُؤْمِنُونَ فِي مجَالِسهمْ وأحبوا مَا أحدث لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يُوحى إِلَيْهِ وَبِمَا أَحبُّوا وكرهوا فَإِذا كَانَ شَيْء مِمَّا يكره المُنَافِقُونَ خَرجُوا يَتَسَلَّلُونَ يلوذ الرجل بِالرجلِ يسْتَتر لكَي لَا يرَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ الله تَعَالَى: إِن الله تَعَالَى يبصر الَّذين يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُم لِوَاذًا(6/233)
أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)
- قَوْله تَعَالَى: أَلا إِن لله مافي السَّمَوَات وَالْأَرْض قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ وَيَوْم يرجعُونَ إِلَيْهِ فينبئهم بِمَا عمِلُوا وَالله بِكُل شَيْء عليم
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد يعلم مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} الْآيَة
قَالَ: مَا كَانَ قوم قطّ على أَمر وَلَا على حَال إِلَّا كاانوا بِعَين الله وَإِلَّا كَانَ عَلَيْهِم شَاهد من الله
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ هَذِه الْآيَة
يَعْنِي خَاتِمَة سُورَة النُّور
وَهُوَ عَاجل أصبعيه تَحت عَيْنَيْهِ يَقُول
(وَالله بِكُل شَيْء بَصِير) وَالله أعلم(6/233)
سُورَة الْفرْقَان
مَكِّيَّة وآياتها سبع وَسَبْعُونَ مُقَدّمَة سُورَة الْفرْقَان أخرج ابْن الضريس والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْفرْقَان بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير قَالَ: نزلت بِمَكَّة سُورَة الْفرْقَان
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: سَمِعت هِشَام بن حَكِيم يقْرَأ سُورَة الْفرْقَان فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتَمَعْت لقرَاءَته فاذا هُوَ يقْرَأ على حُرُوف كَثِيرَة لم يقرئنيها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكدت أساوره فِي الصَّلَاة فتصبرت حَتَّى سلم فلببته بردائه فَقلت: من أَقْرَأَك هَذِه السُّورَة الَّتِي سَمِعتك تقْرَأ قَالَ: أَقْرَأَنيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: كذبت
فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقْرَأَنيهَا على غير مَا قَرَأت فَانْطَلَقت بِهِ أقوده إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: أَنى سَمِعت هَذَا يقْرَأ سُورَة الْفرْقَان على حُرُوف لم تقرئنيها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهشام: اقْرَأ
فَقَرَأَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذَلِك أنزلت ثمَّ قَالَ: اقْرَأ يَا عمر
فَقَرَأت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذَلِك أنزلت
إِن هَذَا الْقُرْآن أنزل على سَبْعَة أحرف فاقرأوا مَا تيَسّر مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن حميد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الصُّبْح فَقَرَأَ سُورَة الْفرْقَان فاسقط آيَة فَلَمَّا سلم قَالَ: هَل فِي الْقَوْم أبي فَقَالَ أبي: هَا أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ: ألم أسقط آيَة قَالَ: بلَى
قَالَ: فَلم لم تفتحها عَليّ قَالَ: حسبتها آيَة نسخت قَالَ: لَا
وَلَكِنِّي أسقطتها
وَالله تَعَالَى أعلم
- بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم(6/234)
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5) قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)
تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا الَّذِي لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَخلق كل شَيْء(6/234)
فقدره تَقْديرا وَاتَّخذُوا من دونه آلِهَة لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون وَلَا يملكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضرا ولانفعا وَلَا يملكُونَ موتا ولاحياة وَلَا نشورا وَقَالَ الَّذين كفرُوا إِن هَذَا إِلَّا إفْك افتراه وأعانه عَلَيْهِ قوم آخَرُونَ فقد جاؤوا ظلما وزوراً وَقَالُوا أساطير الْأَوَّلين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بكرَة وَأَصِيلا قل أنزلهُ الَّذِي يعلم السِّرّ فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض إِنَّه كَانَ غَفُورًا رحِيما وَقَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك فَيكون مَعَه نذيراً أَو يلقى إِلَيْهِ كنز أَو تكون لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تتبعون إِلَّا رجلا مسحورا أنظر كَيفَ ضربوا لَك الْأَمْثَال فضلوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصورا بل كذبُوا بالساعة واعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تبَارك تفَاعل من الْبركَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده} قَالَ: هُوَ الْقُرْآن فِيهِ حَلَال الله وَحَرَامه وشرائعه وَدينه فرق الله بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل {ليَكُون للْعَالمين نذيراً} قَالَ: بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَذِير من الله لينذر النَّاس بَأْس الله وَوَقَائعه بِمن خلا قبلكُمْ {وَخلق كل شَيْء فقدره تَقْديرا} قَالَ: بَين لكل شَيْء من خلقه صَلَاحه وَجعل ذَلِك بِقدر مَعْلُوم
{وَاتَّخذُوا من دونه آلِهَة} قَالَ: هِيَ هَذِه الْأَوْثَان الَّتِي تعبد من دون الله {لَا يخلقون شَيْئا وهم يخلقون} وَهُوَ الله الْخَالِق الرازق وَهَذِه الْأَوْثَان تُخْلَقُ وَلَا تخلقُ شَيْئا وَلَا تضر وَلَا تَنْفَع وَلَا تملك موتا وَلَا حَيَاة وَلَا نشوراً يَعْنِي بعثاً {وَقَالَ الَّذين كفرُوا إِن هَذَا} هَذَا قَول مُشْركي الْعَرَب {إِلَّا إفْك} هُوَ الْكَذِب {افتراه وأعانه عَلَيْهِ} أَي على حَدِيثه هَذَا(6/235)
وَأمره {قوم آخَرُونَ فقد جاؤوا} فقد أَتَوا {ظلما وزوراً} {وَقَالُوا أساطير الْأَوَّلين} قَالَ: كذب الْأَوَّلين وأحاديثهم {وَقَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول} قَالَ: عجب الْكفَّار من ذَلِك أَن يكون رَسُول {يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا أنزل إِلَيْهِ ملك فَيكون مَعَه نذيراً أَو يلقى إِلَيْهِ كنز أَو تكون لَهُ جنَّة يَأْكُل مِنْهَا} قَالَ الله يرد عَلَيْهِم {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك} يَقُول: خيرا مِمَّا قَالَ الْكفَّار من الْكَنْز وَالْجنَّة {جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار وَيجْعَل لَك قصوراً} قَالَ: وَإنَّهُ وَالله من دخل الْجنَّة ليصيبن قصوراً لَا تبلى وَلَا تهدم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن افك فَهُوَ كذب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأعانه عَلَيْهِ قوم آخَرُونَ} قَالَ: يهود {فقد جاؤوا ظلما وزوراً} قَالَ: كذبا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
أَن عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب وَالنضْر بن الْحَارِث وَأَبا البخْترِي وَالْأسود بن الْمطلب وَزَمعَة بن الْأسود والوليد بن الْمُغيرَة وَأَبا جهل بن هِشَام وَعبد الله بن أُميَّة وَأُميَّة بن خلف والعاصي بن وَائِل وَنبيه بن الْحجَّاج
اجْتَمعُوا فَقَالَ بَعضهم لبَعض: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّد فكلموه وخاصموه حَتَّى تعذروا مِنْهُ فبعثوا إِلَيْهِ أَن أَشْرَاف قَوْمك قد اجْتَمعُوا لَك ليكلموك قَالَ: فَجَاءَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ: يَا مُحَمَّد انا بعثنَا إِلَيْك لنعذر مِنْك
فَإِن كنت إِنَّمَا جِئْت بِهَذَا الحَدِيث تطلب بِهِ مَالا جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا وَإِن كنت تطلب الشّرف فَنحْن نسودك وَإِن كنت تُرِيدُ ملكا ملكناك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالِي مِمَّا تقولن: مَا جِئتُكُمْ بِهِ أطلب أَمْوَالكُم وَلَا الشّرف فِيكُم وَلَا الْملك عَلَيْكُم وَلَكِن الله بَعَثَنِي إِلَيْكُم رَسُولا وَأنزل عليَّ كتابا وَأَمرَنِي أَن أكون لكم بشيراً وَنَذِيرا فبلغتكم رِسَالَة رَبِّي وَنَصَحْت لكم فَإِن تقبلُوا مني مَا جِئتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حظكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِن تردوه عَليّ أَصْبِر لأمر الله حَتَّى يحكم الله بيني وَبَيْنكُم
قَالُوا: يَا مُحَمَّد فَإِن كنت غير قَابل منا شَيْئا مِمَّا عرضنَا عَلَيْك [] قَالُوا:(6/236)
فاذا لم تقبل هَذَا فسل لنَفسك وسل رَبك أَن يبْعَث مَعَك ملكا يصدقك بِمَا تَقول ويراجعنا عَنْك وسله أَن يَجْعَل لَك جنَانًا وقصوراً من ذهب وَفِضة تغنيك عَمَّا تبتغي - فَإنَّك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش
كَمَا نلتمسه - حَتَّى نَعْرِف فضلك ومنزلتك من رَبك إِن كنت رَسُولا كَمَا تزْعم
فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَنا بفاعل
مَا أَنا بِالَّذِي يسْأَل ربه هَذَا
وَمَا بُعثتُ إِلَيْكُم بِهَذَا وَلَكِن الله بَعَثَنِي بشيراً وَنَذِيرا فَأنْزل الله فِي قَوْلهم ذَلِك {وَقَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام} إِلَى قَوْله {وَجَعَلنَا بَعْضكُم لبَعض فتْنَة أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبك بَصيرًا} أَي جعلت بَعْضكُم لبَعض بلَاء لتصبروا وَلَو شِئْت أَن أجعَل الدُّنْيَا مَعَ رَسُولي فَلَا تخالفوه لفَعَلت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تتبعون} قَالَه الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه يَوْم دَار الندوة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أنظر كَيفَ ضربوا لَك الْأَمْثَال فضلوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} قَالَ: مخرجا يخرجهم من الْأَمْثَال الَّتِي ضربوا لَك وَفِي قَوْله {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك جنَّات تجْرِي} قَالَ: حَوَائِط {وَيجْعَل لَك قصورا} قَالَ: بُيُوتًا مبينَة مشيدة
كَانَت قُرَيْش ترى الْبَيْت من حِجَارَة قصراً كَائِنا مَا كَانَ
وَأخرج الواحدي وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما عير الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالفاقة قَالُوا {مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق} حزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك فَنزل جِبْرِيل فَقَالَ: إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول {وَمَا أرسلنَا قبلك من الْمُرْسلين إِلَّا أَنهم ليأكلون الطَّعَام ويمشون فِي الْأَسْوَاق} ثمَّ أَتَاهُ رضوَان خَازِن الْجنان وَمَعَهُ سفط من نور يتلألأ فَقَالَ: هَذِه مَفَاتِيح خَزَائِن الدُّنْيَا فَنظر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جِبْرِيل كالمستشير لَهُ فَضرب جِبْرِيل إِلَى الأَرْض أَن تواضع فَقَالَ: يَا رضوَان لَا حَاجَة لي فِيهَا فَنُوديَ: أَن ارْفَعْ بَصرك فَرفع فَإِذا السَّمَوَات فتحت أَبْوَابهَا إِلَى الْعَرْش وبدت جنَّات عدن فَرَأى منَازِل الْأَنْبِيَاء وعرفهم وَإِذا مَنَازِله فَوق منَازِل الْأَنْبِيَاء فَقَالَ: رضيت
ويرون أَن هَذِه الْآيَة أنزلهَا رضوَان {تبَارك الَّذِي إِن شَاءَ جعل لَك خيرا من ذَلِك}(6/237)