روحه تنْبت بالحلى وَالْحلَل وَإِن أَغْصَانهَا لترى من وَرَاء سور الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن عتبَة بن عبد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله فِي الْجنَّة فَاكِهَة قَالَ: نعم فِيهَا شَجَرَة تدعى طُوبَى هِيَ نطاق الفردوس
قَالَ: قَالَ أَي شجر أَرْضنَا تشبه قَالَ: لَيْسَ تشبه شَيْئا من شجر أَرْضك
وَلَكِن أتيت الشَّام قَالَ: لَا
قَالَ: فَإِنَّهَا تشبه شَجَرَة بِالشَّام تدعى الجوزة تنْبت على سَاق وَاحِد ثمَّ ينشر أَعْلَاهَا
قَالَ: مَا عظم أَصْلهَا قَالَ: لَو ارتحلت جَذَعَة من إبل أهلك مَا أحطت بأصلها حَتَّى تنكسر ترقوتاها هرماً
قَالَ فَهَل فِيهَا عِنَب قَالَ: نعم
قَالَ: مَا عظم العنقود مِنْهُ قَالَ: مسيرَة شهر للغراب الأبقع
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تَارِيخه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله طُوبَى لمن رآك وآمن بك قَالَ: {طُوبَى} لمن رَآنِي وآمن وطوبى ثمَّ طُوبَى لمن آمن بِي وَلم يرني
قَالَ رجل: وَمَا طُوبَى
قَالَ: شَجَرَة فِي الْجنَّة مسيرَة مائَة عَام تخرج من اكمامها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي صفة الْجنَّة وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مِنْكُم من أحد يدْخل الْجنَّة إِلَّا انْطلق بِهِ إِلَى طُوبَى فتنفتح لَهُ أكمامها فَيَأْخُذ لَهُ من أَي ذَلِك شَاءَ
إِن شَاءَ أَبيض وَإِن شَاءَ أَحْمَر وَإِن شَاءَ أَخْضَر وَإِن شَاءَ أصفر وَإِن شَاءَ أسود
مثل شقائق النُّعْمَان وأرق وَأحسن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سِيرِين - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: شَجَرَة فِي الْجنَّة أَصْلهَا فِي حجرَة عَليّ وَلَيْسَ فِي الْجنَّة حجرَة إِلَّا وفيهَا غُصْن من أَغْصَانهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر رجل من أهل الشَّام قَالَ: إِن رَبك أَخذ لؤلؤة فوضعها ثمَّ دملجها ثمَّ فرشها وسط الْجنَّة فَقَالَ لَهَا امتدي حَتَّى تبلغي مرضاتي
فَفعلت ثمَّ أَخذ شَجَرَة فغرسها وسط اللؤلؤة ثمَّ قَالَ لَهَا: امتدي فَفعلت فَلَمَّا اسْتَوَت تَفَجَّرَتْ من أُصُولهَا أَنهَار الْجنَّة وَهِي طُوبَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن فرقد السبخي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أوحى الله(4/644)
إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فِي الإِنجيل: يَا عِيسَى جد فِي أَمْرِي وَلَا تهزل واسمع قولي وأطع أَمْرِي
يَا ابْن الْبكر البتول إِنِّي خلقتك من غير فَحل وجعلتك وأمك آيَة للْعَالمين فإياي فاعبدْ وَعلي ّفتوكل وَخذ الْكتاب بِقُوَّة
قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أَي رب أَي كتاب آخذ بقوّة
قَالَ: خُذ كتاب الإِنجيل بقوّة ففسره لأهل السريانية وَأخْبرهمْ إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا الْحَيّ القيوم البديع الدَّائِم الَّذِي لَا زَوَال لَهُ فآمنوا بِاللَّه وَرَسُوله النَّبِي الْأُمِّي الَّذِي يكون فِي آخر الزَّمَان فصدقوه واتبعوه صَاحب الْجمل والمدرعة والهراوة والتاج الانجل الْعين المقرون الحاجبين صَاحب الكساء الَّذِي إِنَّمَا نَسْله من الْمُبَارَكَة - يَعْنِي خَدِيجَة - يَا عِيسَى لَهَا بَيت من لُؤْلُؤ من قصب موصل بِالذَّهَب لَا يسمع فِيهِ أَذَى وَلَا نصب لَهَا ابْنة - يَعْنِي فَاطِمَة وَلها ابْنَانِ فيستشهدان - يَعْنِي الْحسن وَالْحُسَيْن - طُوبَى لمن سمع كَلَامه وَأدْركَ زَمَانه وَشهد أَيَّامه
قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب وَمَا طُوبَى قَالَ: شَجَرَة فِي الْجنَّة أَنا غرستها بيَدي وأسكنتها ملائكتي أَصْلهَا من رضوَان وماؤها من تسنيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ {طُوبَى} فِي الْجنَّة حملهَا مِثَال ثدي النِّسَاء فِيهِ حلل أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء وَابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهُ طُوبَى ضروع كلهَا ترْضع صبيان أهل الْجنَّة فَمن مَاتَ من الصّبيان الَّذين يرضعون رضع من طُوبَى وأنّ سقط الْمَرْأَة يكون فِي نهر من أَنهَار الْجنَّة يتقلب فِيهِ حَتَّى تقوم الْقِيَامَة فيبعث ابْن أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة كل شَجَرَة فِي الْجنَّة مِنْهَا أَغْصَانهَا من وَرَاء سور الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهَا طُوبَى يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام مَا يقطعهَا زهرها رياط وورقها برود وقضبانها عنبر وبطحاؤها ياقوت وترابها كافور ووحلها مسك يخرج من أَصْلهَا أَنهَار الْخمر وَاللَّبن وَالْعَسَل وَهِي مجْلِس من مجَالِس أهل الْجنَّة ومتحدث بَينهم
فَبَيْنَمَا هم فِي مجلسهم إذْ أَتَتْهُم مَلَائِكَة من رَبهم يقودون خيماً مزمومة بسلاسل من ذهب وجوهها كالمصابيح من حسنها(4/645)
ووبرها كخد المرعزي من لينه عَلَيْهَا رحال ألواحها من ياقوت ودفوفها من ذهب وثيابها من سندس واستبرق فينيخونها وَيَقُولُونَ: رَبنَا أرسلنَا إِلَيْكُم لتزوره
فيركبوها فَهِيَ أسْرع من الطَّائِر واوطأ من الْفراش نجباء من غير مهنة يسير الرجل إِلَى جنب أَخِيه وَهُوَ يكلمهُ ويناجيه لَا يُصِيب إِذن رَاحِلَة مِنْهَا إِذن صاحبتها وَلَا تزل رَاحِلَة بزلل صاحبتها حَتَّى أَن الشَّجَرَة لتنحى عَن طرقهم لِئَلَّا يفرق بَين الرجل وأخيه
فَيَأْتُونَ إِلَى الرَّحْمَن الرَّحِيم فيسفر لَهُم عَن وَجهه الْكَرِيم حَتَّى ينْظرُوا إِلَيْهِ فَإِذا رَأَوْهُ قَالُوا: اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام وَحقّ لَك الْجلَال وَالْإِكْرَام
وَيَقُول عز وَجل عِنْد ذَلِك: أَنا السَّلَام ومني السَّلَام وَعَلَيْكُم حقت رَحْمَتي ومحبتي مرْحَبًا بعبادي الَّذين خشوني بِالْغَيْبِ وأطاعوا أَمْرِي
فَيَقُولُونَ: رَبنَا إِنَّا لم نعبدك حق عبادتك وَلم نقدرك حق قدرك فَأذن لنا فِي السُّجُود قدامك
فَيَقُول الله عز وَجل: إِنَّهَا لَيست بدار نصب وَلَا عبَادَة وَلكنهَا دَار ملك ونعيم وَإِنِّي قد رفعت عَنْكُم نصب الْعِبَادَة فسلوني مَا شِئْتُم فَإِن لكل رجل مِنْكُم أمْنِيته
فيسألونه حَتَّى إِن أقصرهم أُمْنِية ليقول: ربّ تنافس أهل الدُّنْيَا فِي دنياهم فتضايقوا فِيهَا
ربّ فائتني كل شَيْء كَانُوا فِيهِ من يَوْم خلقتها إِلَى أَن انْتَهَت الدُّنْيَا فَيَقُول الله عز وَجل: لقد قصرت بك أمنيتك وَلَقَد سَأَلت دون منزلتك هَذَا لَك مني وسأتحفك بمنزلتي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي عطائي نكد وَلَا تصريد ثمَّ يَقُول: اعرضوا على عبَادي مَا لم تبلغ أمانيهم وَلم يخْطر على بَال
فيعرضون عَلَيْهِم حَتَّى تقصر بهم أمانيهم الَّتِي فِي أنفسهم فَيكون فِيمَا يعرضون عَلَيْهِم: براذين مقرنة على كل أَرْبَعَة مِنْهُم سَرِير من ياقوتة وَاحِدَة على كل مِنْهَا قبَّة من ذهب مفرغة فِي كل قبَّة مِنْهَا فرش من فرش الْجنَّة مُظَاهرَة فِي كل قبَّة مِنْهَا جاريتان من الْحور الْعين على كل جَارِيَة مِنْهُنَّ ثَوْبَان من ثِيَاب الْجنَّة وَلَيْسَ فِي الْجنَّة ألوان إِلَّا وَهُوَ فيهمَا وَلَا ريح طيبَة إِلَّا وَقد عبقتا بِهِ ينفذ ضوء وُجُوههمَا غلظ الْقبَّة حَتَّى يظنّ من يراهما أَنَّهُمَا من دون الْقبَّة يرى مخهما من فَوق أسرتهمَا كالسلك الْأَبْيَض من ياقوتة حَمْرَاء يريان لَهُ من الْفضل على صاحبته كفضل الشَّمْس على الْحِجَارَة أَو أفضل
وَيرى هُوَ لَهما مثل ذَلِك ثمَّ يدْخل إِلَيْهِمَا فيجيئآنه ويقبلانه ويعانقانه ويقولان لَهُ: وَالله مَا ظننا أَن الله يخلق مثل ذَلِك
ثمَّ يَأْمر الله تَعَالَى الْمَلَائِكَة فيسيرون بهم صفا فِي الْجنَّة حَتَّى يَنْتَهِي كل رجل مِنْهُم إِلَى منزله الَّذِي أعد لَهُ(4/646)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن فَاطِمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهَا طُوبَى لَو يسير الرَّاكِب الْجَواب فِي ظلها لسار فِيهِ مائَة عَام قبل أَن يقطعهُ وورقها برود خضر وزهرها رياط صفر وأقتادها سندس واستبرق وَثَمَرهَا حلل خضر وصمغها زنجبيل وَعسل وبطحاؤها ياقوت أَحْمَر وزمرد أَخْضَر وترابها مسك وَعَنْبَر وكافور أصفر وحشيشها زعفران منبع والأجوج ناججان فِي غير وقود ينفجر من أَصْلهَا
أنهارها السلسبيل والمعين فِي الرَّحِيق وظلها مجْلِس من مجَالِس أهل الْجنَّة يألفونه ومتحدث يجمعهُمْ
فَبَيْنَمَا هم يَوْمًا فِي ظلها يتحدثون إِذْ جَاءَتْهُم مَلَائِكَة يقودون نجباً جبلت من الْيَاقُوت ثمَّ نفخ فِيهَا الرّوح مزمومة بسلاسل من ذهب كَأَن وجوهها المصابيح نضارة وبرها خَز أَحْمَر ومرعز أَحْمَر يخترطان
لم ينظر الناظرون إِلَى مثله حسنا وبهاء وَلَا من غير مهانة عَلَيْهَا رحال ألواحها من الدّرّ والياقوت مفضضة بِاللُّؤْلُؤِ والمرجان فأناخوا إِلَيْهِم تِلْكَ النجائب ثمَّ قَالُوا لَهُم: ربكُم يقرئكم السَّلَام ويستزيركم لتنظروا إِلَيْهِ وَينظر إِلَيْكُم وتحيونه ويحييكم وتكلمونه ويكلمكم ويزيدكم من فَضله وسعته إِنَّه ذُو رَحْمَة وَاسِعَة وَفضل عَظِيم
فتحوّل كل رجل مِنْهُم على رَاحِلَته حَتَّى انْطَلقُوا صفا وَاحِدًا معتدلاً لَا يفوت مِنْهُ شَيْء وَلَا يفوت اذن نَاقَة إِذن صاحبتها وَلَا بركَة نَاقَة بركَة صَاحبهَا وَلَا يَمرونَ بشجرة من أَشجَار الْجنَّة إِلَّا أتحفتهم بثمرها ورجلت لَهُم عَن طريقها كَرَاهِيَة أَن تثلم صفهم أَو تفرق بَين رجل ورفيقه
فَلَمَّا دفعُوا إِلَى الْجَبَّار تَعَالَى سفر لَهُم عَن وَجهه الْكَرِيم وتجلى لَهُم فِي عَظمته الْعَظِيم يحييهم بِالسَّلَامِ
فَقَالُوا: رَبنَا أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام لَك حق الْجلَال والإِكرام
قَالَ لَهُم رَبهم: أَنا السَّلَام ومني السَّلَام ولي حق الْجلَال وَالْإِكْرَام فمرحبا بعبادي الَّذين حفظوا وصيتي ورعوا عهدي وخافوني بِالْغَيْبِ وَكَانُوا مني على كل حَال مشفقين
قَالُوا: أما وَعزَّتك وعظمتك وجلالك وعلو مَكَانك مَا قدرناك حق قدرك وَلَا أدينا إِلَيْك كل حَقك فَأذن لنا بِالسُّجُود لَك
قَالَ لَهُم رَبهم: إِنِّي قد وضعت عَنْكُم مُؤنَة الْعِبَادَة وأرحت لكم أبدانكم طالما نصبتم لي الْأَبدَان وأعنتم لي الْوُجُوه فَالْآن أَفَضْتُم إِلَى روحي ورحمتي وكرامتي وطولي وَجَلَالِي وعلو مَكَاني وعظمة شأني
فَمَا يزالون فِي الْأَمَانِي والعطايا والمواهب حَتَّى أَن المقصر مِنْهُم فِي أمْنِيته ليتمنى مثل(4/647)
جَمِيع الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خلقهَا الله تَعَالَى إِلَى يَوْم يفنيها
قَالَ لَهُم رَبهم: لقد قصرتم فِي أمانيكم ورضيتم بِدُونِ مَا يحِق لكم فقد أوجبت لكم مَا سَأَلْتُم وتمنيتم وألحقت بكم وزدتكم مَا قصرت عَنهُ أمانيكم
فانظروا إِلَى مواهب ربكُم الَّتِي وهبكم
فَإِذا بقباب فِي الرفيق الْأَعْلَى وغرف مَبْنِيَّة من الدّرّ والمرجان أَبْوَابهَا من ذهب وسررها من ياقوت وفرشها من سندس واستبرق ومنابرها من نور يفور من أَبْوَابهَا وأعراصها نور مثل شُعَاع الشَّمْس عِنْده مثل الْكَوْكَب الدُّرِّي فِي النَّهَار المضيء وَإِذا بقصور شامخة فِي أَعلَى عليين من الْيَاقُوت يزهر نورها
فلولا أَنه مسخر إِذن لالتمع الْأَبْصَار فَمَا كَانَ من تِلْكَ الْقُصُور من الْيَاقُوت الْأَبْيَض فَهُوَ مفروش بالحرير الْأَبْيَض
وَمَا كَانَ مِنْهَا من الْيَاقُوت الْأَحْمَر فَهُوَ مفروش بالعبقري
وَمَا كَانَ مِنْهَا من الْيَاقُوت الْأَخْضَر فَهُوَ مفروش بالسندس الْأَخْضَر
وَمَا كَانَ مِنْهَا من الْيَاقُوت الْأَصْفَر فَهُوَ مفروش بالأرجوان الْأَصْفَر مبوبة بالزمرد الْأَخْضَر وَالذَّهَب الْأَحْمَر وَالْفِضَّة الْبَيْضَاء
قواعدها وأركانها من الْجَوْهَر وشرفها قباب من لُؤْلُؤ وبروجها غرف من المرجان
فَلَمَّا انصرفوا إِلَى مَا أَعْطَاهُم رَبهم قربت لَهُم براذين من ياقوت أَبيض منفوخ فِيهَا الرّوح بجنبها الْولدَان المخلدون بيد كل وليد مِنْهُم حِكْمَة برذون من تِلْكَ البراذين ولجمها وأعنتها من فضَّة بَيْضَاء منظومة بالدر والياقوت سُرُوجهَا سرر موضونة مفروشة بالسندس والاستبرق فَانْطَلَقت بهم تِلْكَ البراذين تزف بهم وَتَطَأ رياض الْجنَّة
فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى مَنَازِلهمْ وجدوا الْمَلَائِكَة قعُودا على مَنَابِر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنوهم كَرَامَة رَبهم
فَلَمَّا دخلُوا قصورهم وجدوا فِيهَا جَمِيع مَا تطاول بِهِ عَلَيْهِم رَبهم مِمَّا سَأَلُوا وتمنوا وَإِذا على بَاب كل قصر من تِلْكَ الْقُصُور أَرْبَعَة جنان {جنتان} {ذواتا أفنان} وجنتان {مدهامتان} و (فيهمَا عينان نضاختان) (سُورَة الرَّحْمَن آيَة 66) وَفِيهِمَا من كل فَاكِهَة زوجان و (حور مقصورات فِي الْخيام) (سُورَة الرَّحْمَن آيَة 72) فَلَمَّا تبوأوا مَنَازِلهمْ واستقروا قرارهم قَالَ لَهُم رَبهم: هَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا: نعم وربنا
قَالَ: هَل رَضِيتُمْ بِثَوَاب ربكُم قَالُوا: رَبنَا رَضِينَا فارض عَنَّا
قَالَ: برضاي عَنْكُم حللتم دَاري ونظرتم إِلَى وَجْهي وصافحتم(4/648)
ملائكتي فهنيئا هَنِيئًا لكم عَطاء غير مجذوذ لَيْسَ فِيهِ تنغيص وَلَا تصريد فَعِنْدَ ذَلِك قَالُوا: الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن وأحلنا دَار المقامة من فَضله لَا يمسنا فِيهَا نصب وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب إِن رَبنَا لغَفُور شكور
وَأخرج عبد بن حميد عَن زيد مولى بني مَخْزُوم قَالَ: سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - يَقُول: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها مائَة عَام لَا يقطعهَا واقرؤوا إِن شِئْتُم (وظل مَمْدُود) فَبلغ ذَلِك كَعْبًا - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: صدق وَالَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَالْفرْقَان على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَو أَن رجلا ركب حقة أَو جَذَعَة ثمَّ دَار بِأَصْل تِلْكَ الشَّجَرَة مَا بلغَهَا حَتَّى يسْقط هرما
إِن الله عز وَجل غرسها بِيَدِهِ وَنفخ فِيهَا من روحه وَإِن أفنانها من وَرَاء سور الْجنَّة وَمَا فِي الْجنَّة نهر إِلَّا يخرج من أصل تِلْكَ الشَّجَرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مغيث بن سمي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة لَو أَن رجلا ركب قلوصاً جذعاً أَو جَذَعَة ثمَّ دَار بهَا لم يبلغ الْمَكَان الَّذِي ارتحل مِنْهُ حَتَّى يَمُوت هرماً
وَمَا من أهل الْجنَّة منزل إِلَّا غُصْن من تِلْكَ الشَّجَرَة متدل عَلَيْهِم فَإِذا أَرَادوا أَن يَأْكُلُوا من الثَّمَرَة تدلى إِلَيْهِم فَيَأْكُلُونَ مَا شاؤوا
وَيَجِيء الطير فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ قديداً وشوياً مَا شاؤوا ثمَّ يطير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة لَو أَن رَاكِبًا ركب حقة أَو جَذَعَة فأطاف بهَا مَا بلغ ذَلِك الْموضع الَّذِي ركب فِيهِ حَتَّى يقْتله الْهَرم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: ذكر عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {طُوبَى} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا بكر هَل بلغك طُوبَى قَالَ: الله تَعَالَى وَرَسُوله أعلم
قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة لَا يعلم طولهَا إِلَّا الله تَعَالَى يسير الرَّاكِب تَحت غُصْن من أَغْصَانهَا سبعين خَرِيفًا
وَرقهَا الْحلَل يَقع عَلَيْهَا الطير كأمثال البخت
قَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ -: إِن ذَلِك الطير ناعم قَالَ: أنعم مِنْهُ من يَأْكُلهُ وَأَنت مِنْهُم يَا أَبَا بكر إِن شَاءَ الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: طُوبَى شَجَرَة فِي الْجنَّة غرسها الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيهَا من روحه وَإِن أَغْصَانهَا لترى من وَرَاء سور الْجنَّة تنْبت الحلى وَالثِّمَار منهدلة على أفواهها(4/649)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مغيث بن سمي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة لَيْسَ فِي الْجنَّة دَار إِلَّا يُظِلّهَا غُصْن من أَغْصَانهَا فِيهِ من ألوان الثَّمر
وَيَقَع عَلَيْهَا طير أَمْثَال البخت فَإِذا اشْتهى الرجل طيراً دَعَاهُ فَيَقَع على خوانه فيأكل من إِحْدَى جانبيه شواء وَالْآخر قديداً ثمَّ يصير طائراً فيطير فَيذْهب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي العزاء وَابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن فِي الْجنَّة شَجَرَة يُقَال لَهَا طُوبَى كلهَا ضروع فَمن مَاتَ من الصّبيان الَّذين يرضعون رضع من طُوبَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: غِبْطَة {وَحسن مآب} قَالَ: حسن مرجع
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - {وَحسن مآب} قَالَ: حسن مُنْقَلب
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - مثله
الْآيَة 30(4/650)
كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (30)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وهم يكفرون بالرحمن} قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - زمن الْحُدَيْبِيَة - حِين صَالح قُرَيْش كتب فِي الْكتاب: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
فَقَالَت قُرَيْش: أما الرَّحْمَن فَلَا نعرفه وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يَكْتُبُونَ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ
فَقَالَ أَصْحَابه: دَعْنَا نقاتلهم
قَالَ: لَا وَلَكِن اكتبوا كَمَا يُرِيدُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا لما كَاتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُريْشًا فِي الْحُدَيْبِيَة كتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
فَقَالُوا: لَا(4/650)
نكتب الرَّحْمَن وَمَا نَدْرِي مَا الرَّحْمَن
وَمَا نكتب إِلَّا بِاسْمِك اللَّهُمَّ فَأنْزل الله تَعَالَى {وهم يكفرون بالرحمن} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَإِلَيْهِ متاب} قَالَ: تَوْبَتِي
الْآيَات 31 - 34(4/651)
وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (31) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (34)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ كَمَا تَقول فأرِنا أشياخنا الَّذين من الْمَوْتَى نكلمهم وافسح لنا هَذِه الْجبَال - جبال مَكَّة - الَّتِي قد ضمتنا
فَنزلت {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالُوا لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو سيرت لنا جبال مَكَّة حَتَّى تتسع فَنَحْرُث فِيهَا أَو قطعتْ لنا الأَرْض كَمَا كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام يقطع لِقَوْمِهِ بِالرِّيحِ أَو أَحييت لنا الْمَوْتَى كَمَا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يحيي الْمَوْتَى لِقَوْمِهِ
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} الْآيَة إِلَى قَوْله {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا} قَالَ: أفلم يتَبَيَّن(4/651)
الَّذين آمنُوا قَالُوا: هَل تروي هَذَا الحَدِيث عَن أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ من قُرَيْش لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو وسعت لنا أَوديَة مَكَّة وسيرت جبالها فاحترثناها وأحييت من مَاتَ منا واقطع بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى
فَأنْزل الله {وَلَو أَن قُرْآنًا}
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن مرْدَوَيْه عَن الزبير بن العوّام - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما نزلت (وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين) (سُورَة الشُّعَرَاء آيَة 214) صَاح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أبي قبيس: يَا آل عبد منَاف إِنِّي نَذِير فَجَاءَتْهُ قُرَيْش فَحَذَّرَهُمْ وَأَنْذرهُمْ
فَقَالُوا: تزْعم أَنَّك نَبِي يُوحى إِلَيْك وَأَن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام سخرت لَهُ الرّيح وَالْجِبَال وَإِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام سخر لَهُ الْبَحْر وَإِن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يحيي الْمَوْتَى فَادع الله أَن يسير عَنَّا هَذِه الْجبَال وَيفجر لنا الأَرْض أَنهَارًا فنتخذها مَحَارِث فَنَزْرَع وَنَأْكُل وَإِلَّا فَادع الله أَن يحيي لنا الْمَوْتَى فنكلمهم وَيُكَلِّمُونَا وَإِلَّا فَادع الله أَن يَجْعَل هَذِه الصَّخْرَة الَّتِي تَحْتك ذَهَبا فَنَنْحِت مِنْهَا وَتُغْنِينَا عَن رحْلَة الشتَاء والصيف فَإنَّك تزْعم أَنَّك كَهَيْئَتِهِمْ
فَبينا نَحن حوله إِذْ نزل عَلَيْهِ الْوَحْي فَلَمَّا سرى عَنهُ الْوَحْي قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد أَعْطَانِي الله مَا سَأَلْتُم وَلَو شِئْت لَكَانَ وَلكنه خيرني بَين أَن تدْخلُوا بَاب الرَّحْمَة فَيُؤمن مؤمنكم وَبَين أَن يكلكم إِلَى مَا اخترتم لأنفسكم فتضلوا عَن بَاب الرَّحْمَة وَلَا يُؤمن مؤمنكم فاخترت بَاب الرَّحْمَة ويؤمن مؤمنكم وَأَخْبرنِي إِن أَعْطَاكُم ذَلِك ثمَّ كَفرْتُمْ يعذبكم عذَابا لَا يعذبه أحدا من الْعَالمين
فَنزلت (وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا ان كذب بهَا الْأَولونَ) (سُورَة الْإِسْرَاء آيَة 59) حَتَّى قَرَأَ ثَلَاث آيَات
وَنزلت {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة أَن هَذِه الْآيَة {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال أَو قطعت بِهِ الأَرْض أَو كلم بِهِ الْمَوْتَى} مَكِّيَّة(4/652)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} الْآيَة قَالَ: قَول كفار قُرَيْش لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سيّر جبالنا تتسع لنا أَرْضنَا فَإِنَّهَا ضيقَة أَو قرب لنا الشَّام فَإنَّا نتجر إِلَيْهَا أَو أخرج لنا آبَاءَنَا من الْقُبُور نكلمهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالُوا: سير بِالْقُرْآنِ الْجبَال قطع بِالْقُرْآنِ الأَرْض أخرج بِهِ مَوتَانا
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ كفار مَكَّة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سيّر لنا الْجبَال كَمَا سخرت لداود وَقطع لنا الأَرْض كَمَا قطعت لِسُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام فاغدُ بهَا شهرا ورح بهَا شهرا أَو كلم لنا الْمَوْتَى كَمَا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام يكلمهم
يَقُول: لم أنزل بِهَذَا كتابا وَلَكِن كَانَ شَيْئا أُعطيته أنبيائي ورسلي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَت قُرَيْش لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن كنت نَبيا كَمَا تزْعم فباعد عَن مَكَّة اخشبيها هذَيْن مسيرَة أَرْبَعَة أَيَّام أَو خَمْسَة أَيَّام فَإِنَّهَا ضيقَة حَتَّى نَزْرَع فِيهَا أَو نرعى وَابعث لنا آبَائِنَا من الْمَوْتَى حَتَّى يُكَلِّمُونَا وَيُخْبِرُونَا إِنَّك نَبِي أَو احْمِلْنَا إِلَى الشَّام أَو إِلَى الْيمن أَو إِلَى الْحيرَة حَتَّى نَذْهَب وَنَجِيء فِي لَيْلَة كَمَا زعمت إِنَّك فعلته
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} الْآيَة
وَأخرج إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {بل لله الْأَمر جَمِيعًا} لَا يصنع من ذَلِك إِلَّا مَا يَشَاء وَلم يكن ليفعل
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه كَانَ يقْرَأ {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَرَأَ [أفلم يتَبَيَّن الَّذين آمنُوا] فَقيل لَهُ: إِنَّهَا فِي الْمُصحف {أفلم ييأس} فَقَالَ: أَظن الْكَاتِب كتبهَا وَهُوَ ناعس
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرَأ [أفلم يتَبَيَّن الَّذين آمنُوا]
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {أفلم ييأس} يَقُول: يعلم(4/653)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا} قَالَ: أفلم يعلم بلغَة بني مَالك
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت مَالك بن عَوْف يَقُول: لقد يئس الأقوام أَنِّي أَنا ابْنه وَإِن كنت عَن أَرض الْعَشِيرَة نَائِيا وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ صَالح - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: فِي قَوْله {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا} قَالَ: أفلم يعلم بلغَة هوَازن
وَأنْشد قَول مَالك بن عَوْف النضري: أَقُول لَهُم بِالشعبِ إِذا ييئسونني ألم تعلم أَنِّي ابْن فَارس زَهْدَم وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا} قَالَ: أفلم يعلم الَّذين آمنُوا وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا} قَالَ: ألم يعرف الَّذين آمنُوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - {أفلم ييأس} قَالَ: أفلم يعلم
وَمن النَّاس من يقْرؤهَا ((أفلم يتَبَيَّن)) وَإِنَّمَا هوكالاستنقاء أفلم يعقلوا ليعلموا أَن الله يفعل ذَلِك لم يَيْأَسُوا من ذَلِك وهم يعلمُونَ أَن الله تَعَالَى لَو شَاءَ فعل ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة - رَضِي الله عَنهُ - {أفلم ييأس الَّذين آمنُوا} قَالَ: قد يئس الَّذين آمنُوا أَن يهدوا وَلَو شَاءَ الله {لهدى النَّاس جَمِيعًا}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} قَالَ: السَّرَايَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} قَالَ: سَرِيَّة {أَو تحل قَرِيبا من دَارهم} قَالَ: أَنْت يَا مُحَمَّد {حَتَّى يَأْتِي وعد الله} قَالَ فتح مَكَّة(4/654)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} قَالَ: سَرِيَّة من سَرَايَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَو تحل} يَا مُحَمَّد {قَرِيبا من دَارهم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {القارعة} السَّرَايَا {أَو تحل قَرِيبا من دَارهم} قَالَ: الْحُدَيْبِيَة {حَتَّى يَأْتِي وعد الله} قَالَ: فتح مَكَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا} الْآيَة
قَالَ: نزلت بِالْمَدِينَةِ فِي سَرَايَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{أَو تحل} أَنْت يَا مُحَمَّد {قَرِيبا من دَارهم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} قَالَ: نكبة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة} قَالَ: عَذَاب من السَّمَاء {أَو تحل قَرِيبا من دَارهم} يَعْنِي نزُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهم وقتاله إيَّاهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَو تحل قَرِيبا من دَارهم} قَالَ: أَو تحل القارعة قَرِيبا من دَارهم {حَتَّى يَأْتِي وعد الله} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَقَد استهزئ برسل من قبلك} وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ رجل خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحاكيه ويلمطه فَرَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كَذَلِك فَكُن
فَرجع إِلَى أَهله فلبط بِهِ مغشياً شهرا ثمَّ أَفَاق حِين أَفَاق وَهُوَ كَمَا حاكى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} قَالَ: يَعْنِي بذلك نَفسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} قَالَ: الله تَعَالَى قَائِم بِالْقِسْطِ وَالْعدْل(4/655)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} قَالَ: ذَلِكُم ربكُم تبَارك وَتَعَالَى قَائِم على بني آدم بأرزاقهم وآجالهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} قَالَ: الله عز وَجل الْقَائِم على كل نفس {بِمَا كسبت} على رزقها وعَلى عَملهَا
وَفِي لفظ: قَائِم على كل بر وَفَاجِر يرزقهم ويكلؤهم ثمَّ يُشْرك بِهِ مِنْهُم من أشرك {وَجعلُوا لله شُرَكَاء} يَقُول: آلِهَة مَعَه {قل سموهم} وَلَو سموا آلِهَة لكذبوا وَقَالُوا فِي ذَلِك غير الْحق لِأَن الله تَعَالَى وَاحِد لَا شريك لَهُ {أم تنبئونه بِمَا لَا يعلم فِي الأَرْض} يَقُول: لَا يعلم الله تَعَالَى فِي الأَرْض إِلَهًا غَيره {أم بِظَاهِر من القَوْل} يَقُول: أم بباطل من القَوْل وَكذب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} يَعْنِي بذلك نَفسه يَقُول {قَائِم على كل نفس} على كل بر وَفَاجِر {بِمَا كسبت} وعَلى رزقهم وعَلى طعامهم فَأَنا على ذَلِك وهم عَبِيدِي ثمَّ جعلُوا لي شُرَكَاء {قل سموهم} وَلَو سموهم كذبُوا فِي ذَلِك لَا يعلم الله تَعَالَى من إِلَه غير الله فَذَلِك قَوْله {أم تنبئونه بِمَا لَا يعلم فِي الأَرْض}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ربيعَة الجرشِي - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَامَ فِي النَّاس يَوْمًا فَقَالَ: اتَّقوا الله فِي السرائر وَمَا ترخى عَلَيْهِ الستور
مَا بَال أحدكُم ينْزع عَن الْخَطِيئَة للنبطي يمر بِهِ وَالْأمة من إمائه وَالله تَعَالَى يَقُول {أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت} وَيحكم فأجلوا مقَام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَا يُؤمن أحدكُم أَن يمسخه قرداً أَو خنزيراً بمعصيته إِيَّاه فَإِذا هُوَ خزي فِي الدُّنْيَا وعقوبة فِي الْآخِرَة
فَقَالَ رجل من الْقَوْم: وَالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَيَكُونن ذَاك يَا ربيعَة فَنظر الْقَوْم من الْحَالِف فَإِذا هُوَ عبد الرَّحْمَن بن غنم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أم بِظَاهِر من القَوْل} قَالَ: بِظَنّ {بل زين للَّذين كفرُوا مَكْرهمْ} قَالَ: قَوْلهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أم بِظَاهِر من القَوْل} قَالَ: الظَّاهِر من القَوْل هُوَ الْبَاطِل(4/656)
الْآيَة 35(4/657)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (35)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {مثل الْجنَّة} قَالَ: نعت الْجنَّة لَيْسَ للجنة مثل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أكلهَا دَائِم} قَالَ: لذتها دائمة فِي أَفْوَاههم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن خَارِجَة بن مُصعب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كفرت الْجَهْمِية بآيَات من الْقُرْآن قَالُوا: إِن الْجنَّة تنفد وَمن قَالَ تنفد فقد كفر بِالْقُرْآنِ
قَالَ الله تَعَالَى (إِن هَذَا لرزقنا مَا لَهُ من نفاد) (سُورَة ص آيَة 54) وَقَالَ: (لَا مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة) (سُورَة الْوَاقِعَة آيَة 33) فَمن قَالَ إِنَّهَا تَنْقَطِع فقد كفر
وَقَالَ: عَطاء غير مجذوذ فَمن قَالَ إِنَّهَا تَنْقَطِع فقد كفر
وَقَالَ {أكلهَا دَائِم وظلها} فَمن قَالَ إِنَّهَا لَا تدوم فقد كفر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا من شَيْء من ثمار الدُّنْيَا أشبه بثمار الْجنَّة من الموز لِأَنَّك لَا تطلبه فِي صيف وَلَا شتاء إِلَّا وجدته
قَالَ الله تَعَالَى {أكلهَا دَائِم}
الْآيَات 36 - 40(4/657)
وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (36) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (37) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (39) وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يفرحون بِمَا أنزل إِلَيْك} قَالَ: أُولَئِكَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرحوا بِكِتَاب الله وبرسوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصَدقُوا بِهِ {وَمن الْأَحْزَاب من يُنكر بعضه} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يفرحون بِمَا أنزل إِلَيْك} قَالَ: هَذَا من آمن برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْكتاب يفرحون بذلك
وَقَرَأَ (وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ وَمِنْهُم من لَا يُؤمن بِهِ) (سُورَة يُونُس آيَة 40) {وَمن الْأَحْزَاب من يُنكر بعضه} قَالَ: الْأَحْزَاب الْأُمَم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس مِنْهُم من آمن بِهِ وَمِنْهُم من أنكرهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمن الْأَحْزَاب} قَالَ: من أهل الْكتاب {من يُنكر بعضه} قَالَ: بعض الْقُرْآن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَإِلَيْهِ مآب} قَالَ: إِلَيْهِ مصير كل عبد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {مَا لَك من الله من ولي وَلَا واق} قَالَ: من أحد يمنعك من عَذَاب الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن عَن سَمُرَة قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن التبتل وَقَرَأَ قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك وَجَعَلنَا لَهُم أَزْوَاجًا وذرية}(4/658)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن هِشَام قَالَ: دخلت على عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - فَقلت: إِنِّي أُرِيد أَن أتبتل
قَالَت: لَا تفعل أما سَمِعت الله يَقُول {وَلَقَد أرسلنَا رسلًا من قبلك وَجَعَلنَا لَهُم أَزْوَاجًا وذرية}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي أَيُّوب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَربع من سنَن الْمُرْسلين: التعطر وَالنِّكَاح والسواك والختان
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف بِلَفْظ الْخِتَان والسواك والتعطر وَالنِّكَاح من سنتي
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لكل أجل كتاب} يَقُول: لكل كتاب ينزل من السَّمَاء أجل فَيَمْحُو الله من ذَلِك مَا يَشَاء {وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَت قُرَيْش حِين أنزل {وَمَا كَانَ لرَسُول أَن يَأْتِي بِآيَة إِلَّا بِإِذن الله} مَا نرَاك يَا مُحَمَّد تملك من شَيْء وَلَقَد فرغ من الْأَمر
فأنزلت هَذِه الْآيَة تخويفاً لَهُم ووعيداً لَهُم {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} إِنَّا إِن شِئْنَا أحدثنا لَهُ من أمرنَا مَا شِئْنَا وَيحدث الله تَعَالَى فِي كل رَمَضَان فَيَمْحُو الله مَا يَشَاء {وَيثبت} من أرزاق النَّاس ومصائبهم وَمَا يعطيهم وَمَا يقسم لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: ينزل الله تَعَالَى فِي كل شهر رَمَضَان إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا يدبر أَمر السّنة إِلَى السّنة فِي لَيْلَة الْقدر فَيَمْحُو مَا يَشَاء وَيثبت إِلَّا الشقوة والسعادة والحياة وَالْمَمَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {يمحو الله مَا يَشَاء} هُوَ الرجل يعْمل الزَّمَان بِطَاعَة الله ثمَّ يعود لمعصية الله تَعَالَى فَيَمُوت على ضلاله فَهُوَ الَّذِي يمحو وَالَّذِي يثبت الرجل الَّذِي يعْمل بِمَعْصِيَة الله تَعَالَى وَقد سبق لَهُ خير حَتَّى يَمُوت وَهُوَ فِي طَاعَة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى(4/659)
وَأخرج ابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: من أحد الْكِتَابَيْنِ هما كِتَابَانِ يمحو الله مَا يَشَاء من أَحدهمَا وَيثبت {وَعِنْده أم الْكتاب} أَي جملَة الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: إِن لله لوحاً مَحْفُوظًا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام من درة بَيْضَاء لَهُ دفتان من ياقوت والدفتان لوحان لله كل يَوْم ثَلَاث وَسِتُّونَ لَحْظَة يمحو مَا يَشَاء {وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله تَعَالَى ينزل فِي ثَلَاث سَاعَات يبْقين من اللَّيْل فَينْسَخ الذّكر فِي السَّاعَة الأولى مِنْهَا ينظر فِي الذّكر الَّذِي لَا ينظر فِيهِ أحد غَيره فَيَمْحُو مَا يَشَاء وَيثبت
ثمَّ ينزل فِي السَّاعَة الثَّانِيَة إِلَى جنَّة عدن وَهِي دَاره الَّتِي لم تَرَهَا عين وَلم تخطر على قلب بشر لَا يسكنهَا من بني آدم غير ثَلَاثَة: النَّبِيين وَالصديقين وَالشُّهَدَاء ثمَّ يَقُول: طُوبَى لمن نزلك
ثمَّ ينزل فِي السَّاعَة الثَّالِثَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا بِرُوحِهِ وَمَلَائِكَته فتنتفض فَيَقُول: قومِي بعزتي ثمَّ يطلع إِلَى عباده فَيَقُول: هَل من مُسْتَغْفِر فَأغْفِر لَهُ هَل من دَاع فَأُجِيبَهُ حَتَّى يُصَلِّي الْفجْر وَذَلِكَ قَوْله (إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهوداً) (سُورَة الْإِسْرَاء آيَة 78) يَقُول: يشهده الله وملائكة اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} إِلَّا الشقوة والسعادة والحياة وَالْمَوْت
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْكَلْبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: يمحو من الرزق وَيزِيد فِيهِ ويمحو من الْأَجَل وَيزِيد فِيهِ
فَقيل لَهُ: من حَدثَك بِهَذَا قَالَ: أَبُو صَالح عَن جَابر بن عبد الله بن ربَاب الْأنْصَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن(4/660)
قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: ذَلِك كل لَيْلَة الْقدر يرفع ويخفض ويرزق غير الْحَيَاة وَالْمَوْت والشقاوة والسعادة فَإِن ذَلِك لَا يَزُول
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ لَهُ لأقرن عَيْنَيْك بتفسيرها ولأقرن عين أمتِي بعدِي بتفسيرها الصَّدَقَة على وَجههَا وبر الْوَالِدين واصطناع الْمَعْرُوف يحول الشَّقَاء سَعَادَة وَيزِيد فِي الْعُمر ويقي مصَارِع السوء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لَا ينفع الحذر من الْقدر وَلَكِن الله يمحو بِالدُّعَاءِ مَا يَشَاء من الْقدر
وَأخرج ابْن جرير عَن قيس بن عباد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْعَاشِر من رَجَب هُوَ يَوْم يمحو الله فِيهِ مَا يَشَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن قيس بن عباد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لله أَمر فِي كل لَيْلَة الْعَاشِر من أشهر الْحرم أما الْعشْر من الْأَضْحَى فَيوم النَّحْر
وَأما الْعشْر من الْمحرم فَيوم عَاشُورَاء
وَأما الْعشْر من رَجَب فَفِيهِ {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: ونسيت مَا قَالَ فِي ذِي الْقعدَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ: اللَّهُمَّ إِن كنت كتبت عَليّ شقاوة أَو ذَنبا فامحه فَإنَّك تمحو مَا تشَاء وَتثبت وعندك أم الْكتاب فاجعله سَعَادَة ومغفرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاء عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا دَعَا عبد قطّ بِهَذِهِ الدَّعْوَات إِلَّا وسع الله لَهُ فِي معيشته يَا ذَا الْمَنّ وَلَا يمن عَلَيْهِ يَا ذَا الْجلَال والإِكرام يَا ذَا الطول لَا إِلَه إِلَّا أَنْت ظهر اللاجين وجار المستجيرين ومأمن الْخَائِفِينَ إِن كنت كتبتني فِي أم الْكتاب شقياً فامح عني اسْم الشَّقَاء وأثبتني عنْدك سعيداً وَإِن كنت كتبتني عنْدك فِي أم الْكتاب محروماً مقتراً عليّ رِزْقِي فامح حرماني وَيسر رِزْقِي وأثبتني عنْدك سعيداً موفقاً للخير فَإنَّك تَقول فِي كتابك الَّذِي أنزلت {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن السَّائِب بن ملجان من أهل الشَّام - وَكَانَ قد أدْرك الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم - قَالَ: لما دخل عمر - رَضِي(4/661)
الله عَنهُ - الشَّام حمد الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَوعظ وَذكر وَأمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهى عَن الْمُنكر ثمَّ قَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَامَ فِينَا خَطِيبًا كقيامي فِيكُم فَأمر بتقوى الله وصلَة الرَّحِم وَصَلَاح ذَات الْبَين وَقَالَ: عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فَإِن يَد الله على الْجَمَاعَة وَإِن الشَّيْطَان مَعَ الْوَاحِد وَهُوَ من الِاثْنَيْنِ أبعد
لَا يخلونّ رجل بِامْرَأَة فَإِن الشَّيْطَان ثالثهما وَمن ساءته سيئته وسرته حسنته فَهُوَ أَمارَة الْمُسلم الْمُؤمن وأمارة الْمُنَافِق الَّذِي لَا تسوءه سيئته وَلَا تسرهُ حسنته إِن عمل خيرا لم يرج من الله فِي ذَلِك ثَوابًا وَإِن عمل شرا لم يخف من الله فِي ذَلِك الشَّرّ عُقُوبَة وأجملوا فِي طلب الدُّنْيَا فَإِن الله قد تكفل بأرزاقكم وكلّ سيتم لَهُ عمله الَّذِي كَانَ عَاملا اسْتَعِينُوا الله على أَعمالكُم فَإِنَّهُ يمحو مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب صلى الله على نَبينَا مُحَمَّد وَآله وَعَلِيهِ السَّلَام وَرَحْمَة الله السَّلَام عَلَيْكُم
قَالَ الْبَيْهَقِيّ - رَضِي الله عَنهُ -: هَذِه خطْبَة عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - على أهل الشَّام أَثَرهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ أَبُو رومي من شَرّ أهل زَمَانه وَكَانَ لَا يدع شَيْئا من الْمَحَارِم إِلَّا ارْتَكَبهُ وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَئِن رَأَيْت أَبَا رومي فِي بعض أَزِقَّة الْمَدِينَة لَأَضرِبَن عُنُقه وَإِن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ ضيف لَهُ فَقَالَ لامْرَأَته: اذهبي إِلَى أبي رومي فَخذي لنا مِنْهُ بدرهم طَعَاما حَتَّى ييسره الله تَعَالَى
فَقَالَت لَهُ: إِنَّك تبعثني إِلَى أبي رومي وَهُوَ من أفسق أهل الْمَدِينَة
فَقَالَ: اذهبي فَلَيْسَ عَلَيْك مِنْهُ بَأْس إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَانْطَلَقت إِلَيْهِ فَضربت عَلَيْهِ الْبَاب فَقَالَ: من هَذَا قَالَت: فُلَانَة
قَالَ: مَا كنت لنا بزوّارة فَفتح لَهَا الْبَاب فَأَخذهَا بِكَلَام رفث ومدّ يَده إِلَيْهَا فَأَخذهَا رعدة شَدِيدَة
فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنك قَالَت: إِن هَذَا عمل مَا عملته قطّ
قَالَ أَبُو رومي: ثكلت أَبَا رومي أمه هَذَا عمل عمله مُنْذُ هُوَ صَغِير لَا تَأْخُذهُ رعدة وَلَا يُبَالِي على أبي رومي عهد الله إِن عَاد لشَيْء من هَذَا أبدا فَلَمَّا أصبح غَدا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مرْحَبًا بِأبي رومي وَأخذ يُوسع لَهُ بِالْمَكَانِ وَقَالَ لَهُ يَا أَبَا رومي مَا عملت البارحة فَقَالَ: مَا عَسى أَن أعمل يَا نَبِي الله أَنا شَرّ أهل الأَرْض
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قد حول مكتبك إِلَى الْجنَّة
فَقَالَ {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت}(4/662)
وَأخرج يَعْقُوب بن سُفْيَان وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أَبُو رومي من شَرّ أهل زَمَانه وَكَانَ لَا يدع شَيْئا من الْمَحَارِم إِلَّا ارْتَكَبهُ فَلَمَّا غَد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بعيد قَالَ: مرْحَبًا بِأبي رومي وَأخذ يُوسع لَهُ الْمَكَان فَقَالَ: يَا أَبَا رومي مَا عملت البارحة قَالَ: مَا عَسى أَن أعمل يَا نَبِي الله أَنا شَرّ أهل الأَرْض فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قد حول مكتبك إِلَى الْجنَّة فَقَالَ {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: إِن الله ينزل كل شَيْء يكون فِي السّنة فِي لَيْلَة الْقدر فَيَمْحُو مَا يَشَاء من الْآجَال والأرزاق والمقادير إِلَّا الشَّقَاء والسعادة فَإِنَّهُمَا ثابتان
وَأخرج ابْن جرير عَن مَنْصُور - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سَأَلت مُجَاهدًا - رَضِي الله عَنهُ - فَقلت: أَرَأَيْت دُعَاء أَحَدنَا يَقُول: اللَّهُمَّ إِن كَانَ اسْمِي فِي السُّعَدَاء فأثبته فيهم وَإِن كَانَ فِي الأشقياء فامحه مِنْهُم واجعله فِي السُّعَدَاء
فَقَالَ: حسن
ثمَّ لَقيته بعد ذَلِك بحول أَو أَكثر من ذَلِك فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مباركة إِنَّا كُنَّا منذرين فِيهَا يفرق كل أم حَكِيم) (سُورَة الدُّخان آيَة 3 و 4) قَالَ: يَعْنِي فِي لَيْلَة الْقدر مَا يكون فِي السّنة من رزق أَو مُصِيبَة ثمَّ يقدم مَا يَشَاء وَيُؤَخر مَا يَشَاء
فَأَما كتاب الشَّقَاء والسعادة فَهُوَ ثَابت لَا يُغير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: إِلَّا الْحَيَاة وَالْمَوْت والشقاء والسَّعَادَة فَإِنَّهُمَا لَا يتغيران
وَأخرج ابْن جرير عَن شَقِيق بن أبي وَائِل قَالَ: كَانَ مِمَّا يكثر أَن يَدْعُو بهؤلاء الدَّعْوَات: اللَّهُمَّ إِن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء وَإِن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا فَإنَّك تمحو مَا تشَاء وَتثبت وعندك أم الْكتاب(4/663)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله - أَنه كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِن كنت كتبتني فِي السُّعَدَاء فأثبتني فِي السُّعَدَاء وَإِن كنت كتبتني فِي الأشقياء فامحني من الأشقياء وأثبتني فِي السُّعَدَاء فَإنَّك تمحو مَا تشَاء وَتثبت وعندك أم الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ لعمر - رَضِي الله عَنهُ - يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَوْلَا آيَة فِي كتاب الله لأنبأتك بِمَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: قَول الله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت وَعِنْده أم الْكتاب}
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: يَقُول: انسخ مَا شِئْت واصنع فِي الْآجَال مَا شِئْت وَإِن شِئْت زِدْت فِيهَا وَإِن شِئْت نقصت {وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: جملَة الْكتاب وَعلمه يَعْنِي بذلك مَا ينْسَخ مِنْهُ وَمَا يثبت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: يُبدل الله مَا يَشَاء من الْقُرْآن فينسخه وَيثبت مَا يَشَاء فَلَا يُبدلهُ {وَعِنْده أم الْكتاب} يَقُول: وَجُمْلَة ذَلِك عِنْده فِي أم الْكتاب النَّاسِخ والمنسوخ وَمَا يُبدل وَمَا يثبت كل ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: هِيَ مثل قَوْله (مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا) (سُورَة الْبَقَرَة آيَة 106) وَقَوله {وَعِنْده أم الْكتاب} أَي جملَة الْكتاب وَأَصله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ {يمحو الله مَا يَشَاء} : مِمَّا ينزل على الْأَنْبِيَاء {وَيثبت} مَا يَشَاء مِمَّا ينزل على الْأَنْبِيَاء {وَعِنْده أم الْكتاب} لَا يُغير وَلَا يُبدل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - {يمحو الله مَا يَشَاء} قَالَ: ينْسَخ {وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: الذّكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: يمحو الله الْآيَة بِالْآيَةِ {وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: أصل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لكل أجل كتاب} قَالَ: أجل بني آدم فِي كتاب {يمحو الله مَا يَشَاء} قَالَ: من جَاءَ أَجله {وَيثبت} قَالَ: من لم يَجِيء أَجله بعد فَهُوَ يجْرِي إِلَى أَجله(4/664)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: {يمحو الله} رزق هَذَا الْمَيِّت {وَيثبت} رزق هَذَا الْمَخْلُوق الْحَيّ
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} قَالَ: يثبت فِي الْبَطن الشَّقَاء والسعادة وكل شَيْء هُوَ كَائِن فَيقدم مِنْهُ مَا يَشَاء وَيُؤَخر مَا يَشَاء
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي الدَّرْدَاء - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {يمحو الله مَا يَشَاء وَيثبت} مُخَفّفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: الذّكر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَعِنْده أم الْكتاب} قَالَ: الذّكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن سيار عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه سَأَلَ كَعْبًا رَضِي الله عَنهُ عَن أم الْكتاب فَقَالَ: علم الله مَا هُوَ خَالق وَمَا خلقه عاملون
فَقَالَ لعلمه: كن كتابا
فَكَانَ كتابا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - {وَعِنْده أم الْكتاب} يَقُول: عِنْده الَّذِي لَا يُبدل
الْآيَات 41 - 42(4/665)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (41) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (42)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} قَالَ: ذهَاب الْعلمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} قَالَ: موت علمائها وفقهائها وَذَهَاب خِيَار أَهلهَا(4/665)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} قَالَ: موت الْعلمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: كَانَ عِكْرِمَة يَقُول: هُوَ قبض النَّاس
وَكَانَ الْحسن يَقُول: هُوَ ظُهُور الْمُسلمين على الْمُشْركين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: أَو لم يرَوا أَنا نفتح لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأَرْض بعد الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} يَعْنِي بذلك مَا فتح الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك نقصانها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: يَعْنِي أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينتقص لَهُ مَا حوله من الْأَرْضين فَيَنْظُرُونَ إِلَى ذَلِك فَلَا يعتبرون
وَقَالَ الله فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام (ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون) (سُورَة الْأَنْبِيَاء آيَة 44) قَالَ: بل نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه هم الغالبون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَطِيَّة - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: نَقصهَا الله من الْمُشْركين للْمُسلمين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} قَالَ: نفتحها لَك من أطرافها
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - {أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: أَو لم يرَوا أَنا نفتح لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرضًا بعد أَرض وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} يَقُول: نُقْصَان أَهلهَا وبركتها(4/666)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة قَالَ: إِنَّمَا تنقص الْأَنْفس والثمرات وَأما الأَرْض فَلَا تنقص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: لَو كَانَت الأَرْض تنقص لضاق عَلَيْك حشك وَلَكِن تنقص الْأَنْفس والثمرات
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الْمَوْت
لَو كَانَت الأَرْض تنقص لم تَجِد مَكَانا تجْلِس فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أَو لم يرَوا أَنا نأتي الأَرْض ننقصها من أطرافها} قَالَ: أَو لم يرَوا إِلَى الْقرْيَة تخرب حَتَّى يكون الْعمرَان فِي نَاحيَة مِنْهَا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ننقصها من أطرافها} قَالَ: خرابها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك - رَضِي الله عَنهُ - {ننقصها من أطرافها} قَالَ: الْقرْيَة الَّتِي تخرب نَاحيَة مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - {وَالله يحكم لَا معقب لحكمه} لَيْسَ أحد يتعقب حكمه فَيردهُ كَمَا يتعقب أهل الدُّنْيَا بَعضهم حكم بعض فَيردهُ
أما قَوْله تَعَالَى: {فَللَّه الْمَكْر جَمِيعًا} وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء: رب أَعنِي وَلَا تعن عليّ وَانْصُرْنِي وَلَا تنصر عليّ وامكر لي وَلَا تَمْكُر عليّ واهدني وَيسر الْهدى لي وَانْصُرْنِي على من بغى عليّ
الْآيَة 43(4/667)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (43)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْقُف من الْيمن فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل تجدني فِي الإِنجيل رَسُولا(4/667)
قَالَ: لَا
فَأنْزل الله {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم وَمن عِنْده علم الْكتاب} يَقُول: عبد الله بن سَلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الْملك بن عُمَيْر أَن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام قَالَ: قَالَ عبد الله بن سَلام: قد أنزل الله فِي الْقُرْآن {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم وَمن عِنْده علم الْكتاب}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الْملك بن عُمَيْر عَن جُنْدُب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: جَاءَ عبد الله بن سَلام - رَضِي الله عَنهُ - حَتَّى أَخذ بِعضَادَتَيْ بَاب الْمَسْجِد ثمَّ قَالَ: أنْشدكُمْ بِاللَّه أتعلمون أَنِّي أَنا الَّذِي أنزلت فِيهِ {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالُوا: اللَّهُمَّ نعم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن عبد الله بن سَلام - رَضِي الله عَنهُ - أَنه لَقِي الَّذين أَرَادوا قتل عُثْمَان - رَضِي الله عَنهُ - فناشدهم فِيمَن تعلمُونَ نزل {قل كفى بِاللَّه شَهِيدا بيني وَبَيْنكُم وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالُوا: فِيك
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرَأ {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ: هُوَ عبد الله بن سَلام
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ: هم أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ من أهل الْكتاب قوم يشْهدُونَ بِالْحَقِّ ويعرفونه مِنْهُم عبد الله بن سَلام والجارود وَتَمِيم الدَّارِيّ وسلمان الْفَارِسِي
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عدي بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ: من عِنْد الله علم الْكتاب
وَأخرج تَمام فِي فَوَائده وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ: من عِنْد الله علم الْكتاب
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن(4/668)
عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه كَانَ يقْرَأ {وَمن عِنْده علم الْكتاب} يَقُول: وَمن عِنْد الله علم الْكتاب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَمن عِنْده علم الْكتاب} أهوَ عبد الله بن سَلام - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: وَكَيف وَهَذِه السُّورَة مَكِّيَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا نزل فِي عبد الله بن سَلام - رَضِي الله عَنهُ - شَيْء من الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ: جِبْرِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَمن عِنْده علم الْكتاب} قَالَ: هُوَ الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - شَدِيدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلق يَوْمًا حَتَّى دنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَمعهُ وَهُوَ يقْرَأ (وَمَا كنت تتلو من قبله من كتاب وَلَا تخطه بيمينك إِذا لرتاب المبطلون
) حَتَّى بلغ (الظَّالِمُونَ
) (سُورَة العنكبوت آيَة 48 - 49) وسَمعه وَهُوَ يقْرَأ {وَيَقُول الَّذين كفرُوا لست مُرْسلا} إِلَى قَوْله {علم الْكتاب} فانتظره حَتَّى سلم فأسرع فِي أَثَره فَأسلم
5(4/669)
مُقَدّمَة سُورَة إِبْرَاهِيم أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ نزلت سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الزبير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: نزلت سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة
وَأخرج النّحاس فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: سُورَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام نزلت بِمَكَّة سوى آيَتَيْنِ نزلتا بِالْمَدِينَةِ وهما: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} الْآيَتَيْنِ نزلتا فِي قَتْلَى بدر من الْمُشْركين
(14)
سُورَة إِبْرَاهِيم
مَكِّيَّة وآياتها ثِنْتَانِ وَخَمْسُونَ
آيَة 1 - 4(5/3)
الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (3) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لتخرج النَّاس من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} قَالَ: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {يستحبون} قَالَ: يختارون
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: إِن الله فضل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أهل السَّمَاء وعَلى الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
قيل: مَا فَضله على أهل السَّمَاء قَالَ: إِن الله قَالَ لأهل السَّمَاء: (وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم) (سُورَة الْأَنْبِيَاء آيَة 29) وَقَالَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ليغفر لَك الله ماتقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر) (سُورَة الْفَتْح آيَة 2) فَكتب لَهُ بَرَاءَة من النَّار قيل لَهُ: فَمَا فَضله على الْأَنْبِيَاء قَالَ: إِن الله تَعَالَى يَقُول {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} وَقَالَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس) (سُورَة سبأ آيَة 28) فَأرْسلهُ إِلَى الانس وَالْجِنّ وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يبْعَث الله نَبيا إِلَّا بلغَة قومه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يُوحى إِلَيْهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَينزل هُوَ إِلَى كل نَبِي بِلِسَان قومه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} قَالَ: بلغَة قومه إِن كَانَ عَرَبيا فعربياً وَإِن كَانَ عجمياً فعجمياً وَإِن كَانَ سريانياً فسريانياً ليبين لَهُم الَّذِي أرسل الله إِلَيْهِم ليتَّخذ بذلك الْحجَّة علهم(5/4)
وَأخرج الْخَطِيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن عمر - رَضِي الله - عَنْهُمَا {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} قَالَ: أرسل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَان قومه عَرَبِيّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عُثْمَان بن عَفَّان - رَضِي الله عَنهُ - (إِلَّا بِلِسَان قومه) قَالَ: نزل الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: نزل الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لم ينزل وَحي إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ ثمَّ يترجم كل نَبِي لِقَوْمِهِ بلسانهم
قَالَ: لِسَان يَوْم الْقِيَامَة السريانية وَمن دخل الْجنَّة تكلم بِالْعَرَبِيَّةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لَا تَأْكُلُوا ذَبِيحَة الْمَجُوس وَلَا ذَبِيحَة نَصَارَى الْعَرَب أترونهم أهل الْكتاب فَإِنَّهُم لَيْسُوا بِأَهْل كتاب
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم} وَإِنَّمَا أرسل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام بِلِسَان قومه وَأرْسل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلِسَان قومه عَرَبِيّ فَلَا لِسَان عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أخذُوا وَلَا مَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتبعُوا فَلَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحهم فَإِنَّهُم لَيْسُوا بِأَهْل كتاب
آيَة 5 - 6(5/5)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (5) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد وَعَطَاء وَعبيد بن عُمَيْر فِي قَوْله: {وَلَقَد أرسلنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} قَالَ: بِالْبَيِّنَاتِ التسع: الطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والعصا وَيَده والسنين وَنقص من الثمرات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي(5/5)
قَوْله: {أَن أخرج قَوْمك من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} قَالَ: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى
وَأخرج النَّسَائِيّ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: بنعم الله وآلائه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: نعم الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما نزلت {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: وعظهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الله بن سَلمَة عَن عَليّ أَو الزبير قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْطُبنَا فيذكرنا بأيام الله حَتَّى نَعْرِف ذَلِك فِي وَجهه كَأَنَّمَا يذكر قوما يصبحهم الْأَمر غدْوَة أَو عَشِيَّة وَكَانَ إِذا كَانَ حَدِيث عهد بِجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لم يبتسم ضَاحِكا حَتَّى يرْتَفع عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: بِالنعَم الَّتِي أنعم بهَا عَلَيْهِم أنجاهم من آل فِرْعَوْن وفلق لَهُم الْبَحْر وظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَذكرهمْ بأيام الله} قَالَ: بوقائع الله فِي الْقُرُون الأولى
وَأخرج عبد بن حميد ابْن جرير وابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} قَالَ: نعم العَبْد عبد إِذا ابْتُلِيَ صَبر وَإِذا أعطي شكر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريح - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {لكل صبار شكور} قَالَ: وجدنَا أصبرهم أشكرهم وأشكرهم أصبرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق أبي ظبْيَان عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصَّبْر نصف الإِيمان وَالْيَقِين الإِيمان كُله
قَالَ: فَذكرت هَذَا الحَدِيث للعلاء بن يزِيد - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: أوليس هَذَا فِي الْقُرْآن {إِن فِي ذَلِك لآيَات لكل صبار شكور} إِن فِي ذَلِك لآيَات للموقنين(5/6)
آيَة 7 - 8(5/7)
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَإِذ تَأذن ربكُم لَئِن شكرتم لأزيدنكم} قَالَ: أخْبرهُم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَن ربه عز وَجل أَنهم إِن شكروا النِّعْمَة زادهم من فَضله وأوسع لَهُم فِي الرزق وأظهرهم على الْعَالمين
وَأخرج عبد الله بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَإِذ تَأذن ربكُم لَئِن شكرتم لأزيدنكم} قَالَ: حق على الله أَن يُعْطي من سَأَلَهُ وَيزِيد من شكره وَالله منعم يحب الشَّاكِرِينَ فاشكروا لله نَعَمَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: (لَئِن شكرتم لأزيدنكم) قَالَ: من طَاعَتي
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإيمانعن عَليّ بن الصَّالح - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} قَالَ: لَا تذْهب أَنفسكُم إِلَى الدُّنْيَا فَإِنَّهَا أَهْون على الله من ذَلِك
وَلَكِن يَقُول {لَئِن شكرتم} هَذِه النِّعْمَة إِنَّهَا مني {لأزيدنكم} من طَاعَتي
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي زُهَيْر يحيى بن عُطَارِد بن مُصعب عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أعطي أحد أَرْبَعَة فَمنع أَرْبَعَة مَا أعطي أحد الشُّكْر فَمنع الزِّيَادَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَمَا أعطي أحد الدُّعَاء فَمنع الإِجابة لِأَن الله يَقُول: (ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم) وَمَا أعطي أحد الاسْتِغْفَار فَمنع الْمَغْفِرَة لِأَن الله يَقُول: (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا) (سُورَة نوح آيَة 10) وَمَا أعطي أحد التَّوْبَة فَمنع التقبل لِأَن الله يَقُول: (وهوالذي يقبل التَّوْبَة عَن عباده) (سُورَة الشورى آيَة 25)(5/7)
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَائل فَأمر لَهُ بتمرة فَلم يَأْخُذهَا وَأَتَاهُ آخر فَأمر لَهُ بتمرة فقبلها وَقَالَ: تَمْرَة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: اذهبي إِلَى أم سَلمَة فَأعْطِيه الْأَرْبَعين درهما الَّتِي عِنْدهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ -: أَن سَائِلًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ تَمْرَة فَقَالَ الرجل سُبْحَانَ الله
نَبِي من الْأَنْبِيَاء يتَصَدَّق بتمرة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما علمت أَن فِيهَا مَثَاقِيل ذَر كَثِيرَة فَأَتَاهُ آخر فَسَأَلَهُ فَأعْطَاهُ فَقَالَ تَمْرَة من نَبِي لَا تُفَارِقنِي هَذِه التمرة مَا بقيت وَلَا أَزَال أَرْجُو بركتها أبدا
فَأمر لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَعْرُوف وَمَا لبث الرجل أَن اسْتغنى
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق مَالك بن أنس عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد ابْن عَليّ بن الْحُسَيْن قَالَ - لما قَالَ لَهُ سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ -: لَا أقوم حَتَّى تُحَدِّثنِي - قَالَ جَعْفَر - رَضِي الله عَنهُ -: أما أَنِّي أحَدثك وَمَا كَثْرَة الحَدِيث بِخَير لَك يَا سُفْيَان إِذا أنعم الله عَلَيْك بِنِعْمَة فَأَحْبَبْت بقاءها ودوامها فَأكْثر من الْحَمد وَالشُّكْر عَلَيْهَا فَإِن الله تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابه: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَإِذا اسْتَبْطَأَتْ الرزق فَأكْثر من الاسْتِغْفَار فَإِن الله قَالَ فِي كِتَابه: (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين) (سُورَة نوح الْآيَات 10 - 11 - 12
) يَعْنِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة (وَيجْعَل لكم جنَّات وَيجْعَل لكم أَنهَارًا) (الشورى آيَة 25) ياسفيان إِذا أحزنك أَمر من سُلْطَان أوغيره فَأكْثر من لاحول وَلَا قوّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهَا مِفْتَاح الْفرج وكنز من كنوز الْجنَّة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَربع من أعطيهن لم يمْنَع من الله أَرْبعا: من أعطي الدُّعَاء لم يمْنَع الاجابة قَالَ الله: (ادْعُونِي استجب لكم) وَمن أعطي الاسْتِغْفَار لم يمْنَع الْمَغْفِرَة قَالَ الله تَعَالَى: (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا) وَمن أعطي الشُّكْر لم يمْنَع الزِّيَادَة قَالَ الله: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَمن أعطي التَّوْبَة لم يمْنَع الْقبُول قَالَ الله: (وهوالذي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَن السَّيِّئَات)(5/8)
وَأخرج ابْن مرويه عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أعطي الشُّكْر لم يحرم الزِّيَادَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَمن أعطي التَّوْبَة لم يحرم الْقبُول لِأَن الله يَقُول: (وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أُلْهِمَ خَمْسَة لم يحرم خَمْسَة من ألهم الدُّعَاء لم يحرم الإِجابة لِأَن الله يَقُول: (ادْعُونِي استجب لكم) وَمن ألهم التَّوْبَة لم يحرم الْقبُول لِأَن الله يَقُول: (وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده) وَمن ألهم الشُّكْر لم يحرم الزِّيَادَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {لَئِن شكرتم لأزيدنكم} وَمن ألهم الاسْتِغْفَار لم يحرم الْمَغْفِرَة لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا) وَمن ألهم النَّفَقَة لم يحرم الْخلف لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: (وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه) (سُورَة سبأ آيَة 29
)
آيَة 9(5/9)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرؤهَا وعاداً وثموداً وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله قَالَ: كذب النسابون
وأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن مَيْمُون - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي مجلز - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رجل لعَلي بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ -: أَنا أنسب النَّاس
قَالَ: إِنَّك لَا تنْسب النَّاس
قَالَ: بلَى
فَقَالَ لَهُ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى: (وعاداً وثمودا(5/9)
وَأَصْحَاب الرس وقروناً بَين ذَلِك كثيرا) (سُورَة الْفرْقَان آيَة 38
) قَالَ: أَنا أنسب ذَلِك الْكثير
قَالَ: أَرَأَيْت قَوْله: {ألم يأتكم نبأ الَّذين من قبلكُمْ قوم نوح وَعَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ لَا يعلمهُمْ إِلَّا الله} فَسكت
وَأخرج أَبُو عيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا وجدنَا أحدا يعرف مَا وَرَاء معد بن عدنان
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: بَين عدنان وَإِسْمَاعِيل ثَلَاثُونَ أَبَا لَا يعْرفُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة قَالَ: لما سمعُوا كتاب الله عجبوا وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِم إِلَى أَفْوَاههم {وَقَالُوا إِنَّا كفرنا بِمَا أرسلتم بِهِ وَإِنَّا لفي شكّ مِمَّا تدعوننا إِلَيْهِ مريب} يَقُولُونَ: لَا نصدقكم فِيمَا جئْتُمْ بِهِ فَإِن عندنَا فِيهِ شكا قَوِيا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} قَالَ: كذبُوا رسلهم بِمَا جاؤوهم من الْبَينَات فَردُّوهُ عَلَيْهِم بأفواههم وَقَالُوا: {وَإِنَّا لفي شكّ مِمَّا تدعوننا إِلَيْهِ مريب} وكذبوا مَا فِي الله عز وَجل شكّ أَفِي من فطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَأنزل من السَّمَاء مَاء فَأخْرج بِهِ من الثمرات رزقا لكم وَأظْهر لكم من النعم والآلاء الظَّاهِرَة مَا لَا يشك فِي الله عز وَجل
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} قَالَ: ردوا عَلَيْهِم قَوْلهم وكذبوهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} قَالَ: عضوا عَلَيْهَا
وَفِي لفظ: عضوا على أناملهم غيظاً على رسلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن يزِيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم}(5/10)
قَالَ: أدخلُوا أَصَابِعهم فِي أَفْوَاههم
قَالَ: وَإِذا غضب الْإِنْسَان عض على يَده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {فَردُّوا أَيْديهم فِي أَفْوَاههم} قَالَ: هُوَ التَّكْذِيب
آيَة 10 - 12(5/11)
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (10) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (12)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: مَا قد خطّ من الْأَجَل فَإِذا جَاءَ الْأَجَل من الله لم يُؤَخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويؤخركم إِلَى أجل مُسَمّى} قَالَ: مَا قد خطّ الْأَجَل فَإِذا جَاءَ الْأَجَل من الله لم يُؤَخر
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي الد دَاء - رَضِي الله عَنهُ - مَرْفُوعا: إِذا آذَاك البرغوث فَخذ قدحاً من مَاء واقرأ عَلَيْهِ سبع مَرَّات {وَمَا لنا أَلا نتوكل على الله}(5/11)
الْآيَة ثمَّ ترش حول فراشك
وَأخرج المستغفري فِي الدَّعْوَات عَن أبي ذَر - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَإِذا آذَاك البرغوث فَخذ قدحاً من مَاء واقرأ عَلَيْهِ سبع مَرَّات {وَمَا لنا أَلا نتوكل على الله} الْآيَة
فَإِن كُنْتُم مُؤمنين فكفوا شركم وأذاكم عَنَّا ثمَّ ترشه حول فراشك فَإنَّك تبيت آمنا من شَرها
آيَة 13 - 16(5/12)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (15) مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الرُّسُل والؤمنون يستضعفهم قَومهمْ ويقهرونهم ويكذبونهم ويدعونهم إِلَى أَن يعودوا فِي ملتهم فَأبى الله لرسله والؤمنين أَن يعودوا فِي مِلَّة الْكفْر وَأمرهمْ أَن يتوكلوا على الله وَأمرهمْ أَن يستفتحوا على الْجَبَابِرَة وَوَعدهمْ أَن يسكنهم الأَرْض من بعدهمْ فأنجز الله لَهُم وعدهم واستَفتحوا كَمَا أَمرهم الله أَن يستفتحوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ولنسكننكم الأَرْض من بعدهمْ} قَالَ: وعدهم النَّصْر فِي الدُّنْيَا وَالْجنَّة فِي الْآخِرَة
فَبين اله تَعَالَى من يسكنهَا من عباده فَقَالَ: (وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان) (سُورَة الرَّحْمَن آيَة 46
) وَإِن لله مقَاما هُوَ قائمه وَإِن أهل الإِيمان خَافُوا ذَلِك الْمقَام فنصبوا ودأبوا اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما أنزل الله على نبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا) (سُورَة التَّحْرِيم آيَة 6
) تَلَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه ذَات لَيْلَة فَخر فَتى مغشياً عَلَيْهِ فَوضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على فُؤَاده فَإِذا هُوَ يَتَحَرَّك فَقَالَ: يَا فَتى قل لَا إِلَه إِلَّا الله
فَقَالَهَا(5/12)
فبشره بِالْجنَّةِ فَقَالَ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله أَمن بَيْننَا قَالَ: أما سَمِعْتُمْ قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد}
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد - رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا هَذِه الْآيَة (ياأيها الَّذين آمنُوا قوا أَنفسكُم وأهليكم نَارا وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة) (سُورَة التَّحْرِيم آيَة 6
) وَلَفظ الْحَكِيم لما أنزل الله على نبيه صلى الله علية وَسلم هَذِه الْآيَة تَلَاهَا على أَصْحَابه وَفِيهِمْ شيخ
وَلَفظ الْحَكِيم فَتى
فَقَالَ: يارسول الله حِجَارَة جَهَنَّم كحجارة الدُّنْيَا فَقَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لصخرة من صَخْر جَهَنَّم أعظم من جبال الدُّنْيَا
فَوَقع مغشياً عَلَيْهِ فَوضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على فُؤَاده فَإِذا هُوَ حَيّ فناداه فَقَالَ: قل لَا إِلَه إِلَّا الله
فَقَالَهَا فبشره بِالْجنَّةِ: فَقَالَ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله أَمن بَيْننَا فَقَالَ: نعم يَقُول الله عز وَجل (وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان) (سُورَة الرَّحْمَن آيَة 46
) {ذَلِك لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد}
وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق حَمَّاد بن أبي حميد عَن مَكْحُول عَن عِيَاض بن سُلَيْمَان - رَضِي الله عَنهُ - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خِيَار أمتِي فِيمَا أنبأني الْمَلأ الْأَعْلَى قوم يَضْحَكُونَ جَهرا فِي سَعَة رَحْمَة رَبهم ويبكون سرا من خوف عَذَاب رَبهم يذكرُونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي فِي الْبيُوت الطّيبَة والمساجد ويدعونه بألسنتهم رغباً ورهبا ويسألونه بأيدهم خفضاً ورفعاً ويقبلون بقلوبهم عوداً وبدءاً فمؤنتهم على النَّاس خَفِيفَة وعَلى أنفسهم ثَقيلَة يدبون بِاللَّيْلِ حُفَاة على أَقْدَامهم كدبيب النَّمْل بِلَا روح وَلَا بذخ يقرؤن الْقُرْآن ويقربون القربان وَيلبسُونَ الخلقان عَلَيْهِم من الله تَعَالَى شُهُود حَاضِرَة وَعين حافظة يتوسمون الْعباد ويتفكرون فِي الْبِلَاد أَرْوَاحهم فِي الدُّنْيَا وَقُلُوبهمْ فِي الْآخِرَة لَيْسَ لَهُم هم إِلَّا أمامهم
أعدُّوا الْجَوَاز لقبورهم وَالْجَوَاز لسلبهم والاستعداد لمقامهم ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ذَلِك لمن خَافَ مقَامي وَخَافَ وَعِيد} قَالَ الذَّهَبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - هَذَا حَدِيث عَجِيب مُنكر وَأَحْسبهُ أَدخل عَليّ بن السماك - رَضِي الله - عَنهُ يَعْنِي(5/13)
شيخ الْحَاكِم الَّذِي حَدثهُ بِهِ
قَالَ: وَلَا وَجه لذكره فِي هَذَا الْكتاب - يَعْنِي الْمُسْتَدْرك - قَالَ وَحَمَّاد ضَعِيف وَلَكِن لَا يحْتَمل مثل هَذَا وَمَكْحُول مُدَلّس وعياض لَا يدْرِي من هُوَ
انْتهى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {واستفتحوا} قَالَ للرسل كلهَا
يَقُول: استنصروا
وَفِي قَوْله: {وخاب كل جَبَّار عنيد} قَالَ: معاند للحق مُجَانب لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {واستفتحوا} قَالَ: استنصرت الرُّسُل على قَومهَا {وخاب كل جَبَّار عنيد} يَقُول: بعيد عَن الْحق معرض عَنهُ أَبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {عنيد} قَالَ: هوالناكب عَن الْحق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: يجمع الله الْخلق فِي صَعِيد وَاحِد يَوْم الْقِيَامَة: الْجِنّ والإِنس وَالدَّوَاب والهوام فَيخرج عنق من النَّار فَيَقُول وكلت بالعزيز الْكَرِيم والجبار العنيد الَّذِي جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر
قَالَ: فيلقطهم كَمَا يلقط الطيرالحب فيحتوي عَلَيْهِم ثمَّ يذهب بهم إِلَى مَدِينَة من النَّار يُقَال لَهَا كَيْت وَكَيْت فيثوون فِيهَا عَام قبل الْقَضَاء
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة لَهُ عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينْطق فَيَقُول: إِنِّي وكلت بِثَلَاثَة: بِكُل جَبَّار عنيد وَبِكُل من دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر وبالمصوّرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج عنق من النَّار يَوْم الْقِيَامَة فيتكلم بِلِسَان طلق ذلق لَهُ عينان يبصر بهما ولسان يتَكَلَّم بِهِ فَيَقُول: إِنِّي أمرت بِكُل جَبَّار عنيد وَمن دَعَا مَعَ الله إِلَهًا آخر وَمن قتل نفسا بِغَيْر نفس فتنضم عَلَيْهِم فتقذفهم فِي النَّار قبل النَّاس بِخَمْسِمِائَة سنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(5/14)
قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم وَاديا يُقَال لَهُ: هبهب حق على الله أَن يسكنهُ كل جَبَّار
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله: {كل جَبَّار عنيد} قَالَ: الْجَبَّار الْعيار والعنيد الَّذِي يعند عَن حق الله تَعَالَى
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: مصر على الْحِنْث لَا تخفى شواكله يَا وَيْح كل مصر الْقلب جَبَّار وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي أُمَامَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {ويسقى من مَاء صديد يتجرعه} قَالَ: يقرب إِلَيْهِ فيتكرهه فَإِذا دنا مِنْهُ شوى وَجهه وَوَقعت فَرْوَة رَأسه فَإِذا شربه قطع أمعاءه حَتَّى يخرج من دبره
يَقُول الله تَعَالَى: (وَسقوا مَاء حميماً فَقطع أمعاءهم) (سُورَة مُحَمَّد آيَة 15) قَالَ: (وَإِن يستغيثوا يغاثوا بِمَاء كَالْمهْلِ يشوي الْوُجُوه) (سُورَة الْكَهْف آيَة 29)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {من مَاء صديد} قَالَ: مَا يسيل بَين جلد الْكَافِر ولحمه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويسقى من مَاء صديد} قَالَ: الْقَيْح وَالدَّم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {من مَاء صديد} قَالَ: دم وقيح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويسقى من مَاء صديد} قَالَ: مَاء يسيل من بَين لَحْمه وَجلده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ لَو أَن دلواً من صديد جَهَنَّم دُلي من السَّمَاء فَوجدَ أهل الأَرْض رِيحه لأفسد عَلَيْهِم الدُّنْيَا(5/15)
آيَة - 17(5/16)
يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (17)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} قَالَ: أَنْوَاع الْعَذَاب
وَلَيْسَ مِنْهَا نوع إِلَّا الْمَوْت يَأْتِيهِ مِنْهُ لَو كَانَ يَمُوت وَلكنه لَا يَمُوت لِأَن الله لَا يقْضِي عَلَيْهِم فيموتوا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان وَمَا هُوَ بميت} قَالَ: تعلق نَفسه عِنْد حنجرته فَلَا تخرج من فِيهِ فَيَمُوت
وَلَا ترجع إِلَى مَكَانهَا من جَوْفه فيجد لذَلِك رَاحَة فتنفعه الْحَيَاة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} قَالَ: من كل عظم وعرق وَعصب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُحَمَّد بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} قَالَ: من كل عُضْو ومفصل
وَأخرج بن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ - رَضِي الله عَنهُ - {ويأتيه الْمَوْت من كل مَكَان} قَالَ: من كل مَوضِع شَعْرَة فِي جسده {وَمن وَرَائه عَذَاب غليظ} قَالَ: الخلود
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن فُضَيْل بن عِيَاض فِي قَوْله: {وَمن وَرَائه عَذَاب غليظ} قَالَ حبس الأنفاس
آيَة 18 - 20(5/16)
مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (18) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {مثل الَّذين كفرُوا برَبهمْ أَعْمَالهم كرماد} قَالَ: الَّذين كفرُوا برَبهمْ عبدُوا غَيره(5/16)
فأعمالهم يَوْم الْقِيَامَة كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يَوْم عاصف لايقدرون على شَيْء من أَعْمَالهم يَنْفَعهُمْ كَمَا لَا يقدر على الرماد إِذا أرسل فِي يَوْم عاصف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: مثل أَعمال الْكفَّار كرماد ضَربته الرّيح فَلم ير مِنْهُ شَيْء فَكَمَا لم ير ذَلِك الرماد وَلم يقدر مِنْهُ على شَيْء كَذَلِك الْكفَّار لم يقدروا من أَعْمَالهم على شَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {كرماد اشتدت بِهِ الرّيح} قَالَ: حَملته الرّيح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَيَأْتِ بِخلق جَدِيد} قَالَ: بِخلق آخر
آيَة - 21(5/17)
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ (21)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {فَقَالَ الضُّعَفَاء} قَالَ: الأتباع {للَّذين استكبروا} قَالَ: للقادة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا} قَالَ: جزعوا مئة سنة وصبروا مئة سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: إِن أهل النَّار قَالَ بَعضهم لبَعض: تَعَالَوْا نبك ونتضرع إِلَى الله تَعَالَى فَإِنَّمَا أدْرك أهل الْجنَّة الْجنَّة ببكائهم وتضرعهم إِلَى الله
فبكوا فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ قَالُوا: تَعَالَوْا نصبر فَإِنَّمَا أدْرك أهل الْجنَّة الْجنَّة بِالصبرِ
فصبروا صبرا لم ير مثله فَلَمَّا يَنْفَعهُمْ ذَلِك
فَعِنْدَ ذَلِك قَالُوا: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا مَا لنا من محيص}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا أَحسب فِي قَوْله: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا مَا لنا من محيص} قَالَ: يَقُول أهل النَّار: هلموا فلنصبر فيصبرون خَمْسمِائَة عَام فَلَمَّا(5/17)
رَأَوْا ذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ قَالُوا: هلموا فلنجزع
فيبكون خَمْسمِائَة عَام فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ قَالُوا: {سَوَاء علينا أجزعنا أم صَبرنَا مَا لنا من محيص}
آيَة - 22(5/18)
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)
أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن عقبَة بن عَامر - رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إذاجمع الله الأوّلين والآخرين وَقضى بَينهم وَفرغ من الْقَضَاء يَقُول الْمُؤْمِنُونَ: قد قضى بَيْننَا رَبنَا وَفرغ من الْقَضَاء فَمن يشفع لنا إِلَى رَبنَا فَيَقُولُونَ: آدم خلقه الله بِيَدِهِ وَكَلمه
فيأتونه فَيَقُولُونَ: قد قضى رَبنَا وَفرغ من الْقَضَاء قُم أَنْت فاشفع إِلَى رَبنَا
فَيَقُول: ائْتُوا نوحًا فَيَأْتُونَ نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فيدلهم على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فيدلهم على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فيدلهم على عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَأْتُونَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: أدلكم على الْعَرَبِيّ الْأُمِّي فَيَأْتُوني فَيَأْذَن الله لي أَن أقوم إِلَيْهِ فيثور مجلسي من أطيب ريح شمها أحد قطّ
حَتَّى آتِي رَبِّي فيشفعني وَيجْعَل لي نورا من شعر رَأْسِي إِلَى ظفر قدمي
وَيَقُول الْكَافِرُونَ عِنْد ذَلِك: قد وجد الْمُؤْمِنُونَ من يشفع لَهُم مَا هُوَ إِلَّا إِبْلِيس
فَهُوَ الَّذِي أضلنا
فَيَأْتُونَ إِبْلِيس فَيَقُولُونَ: قد وجد الْمُؤْمِنُونَ من يشفع لَهُم قُم أَنْت فاشفع لنا فَإنَّك أَنْت أضللتنا
فَيقوم إِبْلِيس فيثور مَجْلِسه من أنتن ريح شمها أحد قطّ ثمَّ يعظم لِجَهَنَّم وَيَقُول عِنْد ذَلِك {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق ووعدتكم فأخلفتكم}
الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {وَقَالَ الشَّيْطَان لما قضي الْأَمر} الْآيَة
قَالَ إِبْلِيس يخطبهم فَقَالَ: {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق ووعدتكم فأخلفتكم} إِلَى قَوْله: {مَا أَنا بمصرخكم}(5/18)
يَقُول: بمغن عَنْهُم شَيْئا {وَمَا أَنْتُم بمصرخيّ إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون من قبل} قَالَ: فَلَمَّا سمعُوا مقَالَته مقتوا أنفسهم فنودوا (لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم) (سُورَة غَافِر 10) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَامَ إِبْلِيس خَطِيبًا على مِنْبَر من نَار فَقَالَ: {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق} إِلَى قَوْله: {وَمَا أَنْتُم بمصرخي} قَالَ: بناصري {إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون من قبل} قَالَ: بطاعتكم إيَّايَ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: خطيبان يقومان يَوْم الْقِيَامَة إِبْلِيس وَعِيسَى بن مَرْيَم فاما إِبْلِيس فَيقوم فِي حزبه فَيَقُول هَذَا القَوْل
وَأما عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: (مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله رَبِّي وربكم وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد)
(سُورَة الْمَائِدَة آيَة 117) وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن من النَّاس من يذلله الشَّيْطَان كَمَا يذلل أحدكُم قعوده من الإِبل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي اله عَنهُ - فِي قَوْله: {مَا أَنا بمصرخكم وَمَا أَنْتُم بمصرخيّ} قَالَ: مَا أَنا بنافعكم وَمَا أَنْتُم بنافعي {إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون من قبل} قَالَ: شركَة عِبَادَته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {مَا أَنا بمصرخكم} قَالَ: مَا أَنا بمغيثكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {بمصرخيّ} قَالَ: بمغيثيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {إِنِّي كفرت بِمَا أشركتمون من قبل} يَقُول: عصيت الله فِيكُم(5/19)
آيَة - 23(5/20)
وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (23)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {تحيتهم فِيهَا سَلام} قَالَ: الْمَلَائِكَة يسلمُونَ عَلَيْهِم فِي الْجنَّة
آيَة 24 - 26(5/20)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {ألم تَرَ كَيفَ ضرب الله مثلا كلمة طيبَة} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَّا الله {كشجرة طيبَة} وهومؤمن {أَصْلهَا ثَابت} يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله {ثَابت} فِي قَول الْمُؤمن {وفرعها فِي السَّمَاء} يَقُول: يرفع بهَا عمل الْمُؤمن إِلَى السَّمَاء {وَمثل كلمة خبيثة} وَهِي الشّرك {كشجرة خبيثة} وَهِي الْكَافِر {اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} يَقُول الشّرك لَيْسَ لَهُ أصل يَأْخُذ بِهِ الْكَافِر وَلَا برهَان لَهُ وَلَا يقبل الله مَعَ الشّرك عملا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {ألم تَرَ كَيفَ ضرب الله مثلا} الْآيَة
قَالَ: يَعْنِي بِالشَّجَرَةِ الطّيبَة الْمُؤمن
وَيَعْنِي بِالْأَصْلِ الثَّابِت فِي الأَرْض وبالفرع فِي السَّمَاء يكون الْمُؤمن يعْمل فِي الأَرْض وَيتَكَلَّم فَيبلغ عمله وَقَوله السَّمَاء وَهُوَ فِي الأَرْض {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} يَقُول: يذكر الله كل سَاعَة من اللَّيْل وَالنَّهَار
وَفِي قَوْله: {وَمثل كلمة خبيثة} قَالَ: ضرب الله مثل الشَّجَرَة الخبيثة كَمثل الْكَافِر يَقُول: إِن الشَّجَرَة الخبيثة {اجتثت} من فَوق الأَرْض {مَا لَهَا من قَرَار} يَعْنِي أَن الْكَافِر لَا يقبل عمله وَلَا يصعد إِلَى الله تَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ أصل ثَابت فِي الأَرْض وَلَا فرع فِي السَّمَاء يَقُول: لَيْسَ لَهُ عمل صَالح فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة(5/20)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {كلمة طيبَة كشجرة طيبَة أَصْلهَا ثَابت} فِي الأَرْض وَكَذَلِكَ كَانَ يقْرؤهَا
قَالَ: ذَلِك الْمُؤمن ضرب مثله
قَالَ: الإِخلاص لله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ {أَصْلهَا ثَابت} قَالَ: أصل عمله ثَابت فِي الأَرْض {وفرعها فِي السَّمَاء} قَالَ: ذكره فِي السَّمَاء {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: يصعد عمله أوّل النَّهَار وَآخره {وَمثل كلمة خبيثة} قَالَ: هَذَا الْكَافِر لَيْسَ لَهُ عمل فِي الأَرْض وَلَا ذكر فِي السَّمَاء {اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} قَالَ: أَعْمَالهم يحملون أوزارهم على ظُهُورهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله: {ضرب الله مثلا كلمة طيبَة كشجرة طيبَة} قَالَ: ذَلِك مثل الْمُؤمن لَا يزَال يخرج مِنْهُ كَلَام طيب وَعمل صَالح يصعد إِلَيْهِ {وَمثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} قَالَ: ذَلِك مثل الْكَافِر لَا يصعد لَهُ قَول طيب وَلَا عمل صَالح
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله - عَنهُ فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} إِلَى قَوْله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: تَجْتَمِع ثَمَرَتهَا كل حِين
وَهَذَا مثل الْمُؤمن يعْمل كل حِين وكل سَاعَة من النَّهَار وكل سَاعَة من اللَّيْل وَفِي الشتَاء وَفِي الصَّيف بِطَاعَة الله
قَالَ: وَضرب الله مثل الْكَافِر {كشجرة خبيثة اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} يَقُول: لَيْسَ لَهَا أصل وَلَا فرع وَلَيْسَت لَهَا ثَمَرَة وَلَيْسَت لَهَا مَنْفَعَة
كَذَلِك الْكَافِر لَيْسَ يعْمل خيرا وَلَا يَقُوله وَلم يَجْعَل الله تَعَالَى فِيهِ بركَة وَلَا مَنْفَعَة لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الله جعل طَاعَته نورا ومعصيته ظلمَة
إِن الإِيمان فِي الدُّنْيَا هُوَ النُّور يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ إِنَّه لَا خير فِي قَول وَلَا عمل لَيْسَ لَهُ أصل وَلَا فرع وَإنَّهُ قد ضرب مثل الإِيمان فَقَالَ: {ألم تَرَ كَيفَ ضرب الله مثلا كلمة طيبَة} إِلَى قَوْله: {وفرعها فِي السَّمَاء} وَإِنَّمَا هِيَ الْأَمْثَال فِي الإِيمان وَالْكفْر
فَذكر أَن العَبْد الْمُؤمن المخلص هُوَ الشَّجَرَة
إِنَّمَا ثَبت أَصله فِي الأَرْض وَبلغ فَرعه فِي السَّمَاء
إِن الأَصْل الثَّابِت الإِخلاص لله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ ثمَّ إِن الْفَرْع هِيَ الْحَسَنَة
ثمَّ يصعد عمله أول النَّهَار وَآخره فَهِيَ {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} ثمَّ هِيَ أَرْبَعَة(5/21)
أَعمال إِذا جمعهَا العَبْد: الإِخلاص لله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ وخشيته وحبه وَذكره
إذاجمع ذَلِك فَلَا تضره الْفِتَن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله ذهب أهل الدُّثُور بِالْأُجُورِ
فَقَالَ: أَرَأَيْت لَو عمد إِلَى مَتَاع الدُّنْيَا فَركب بَعْضهَا إِلَى بعض أَكَانَ يبلغ السَّمَاء
أَفلا أخْبرك بِعَمَل أَصله فِي الأَرْض وفرعه فِي السَّمَاء تَقول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله عشر مَرَّات فِي دبر كل صَلَاة
فَذَلِك أَصله فِي الأَرْض وفرعه فِي السَّمَاء
أخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبرَاز وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقناع من بسر فَقَالَ: {مثلا كلمة طيبَة كشجرة طيبَة} حَتَّى بلغ {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة {وَمثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة} حَتَّى بلغ {مَا لَهَا من قَرَار} قَالَ: هِيَ الحنظلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والرامهرمزي فِي الْأَمْثَال عَن شُعَيْب بن الْحجاب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كُنَّا عِنْد أنس فأتينا بطبق عَلَيْهِ رطب فَقَالَ أنس - رَضِي الله عَنهُ لأبي الْعَالِيَة - رَضِي الله عَنهُ - كل يَا أَبَا الْعَالِيَة فَإِن هَذَا من الشَّجَرَة الَّتِي ذكر الله فِي كِتَابه ضرب الله مثلا طيبَة كشجرة طيبَة ثَابت أَصْلهَا قَالَ: هَكَذَا قَرَأَهَا يَوْمئِذٍ أنس
قَالَ التِّرْمِذِيّ - رَضِي الله عَنهُ -: هَذَا الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد جيد عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ الَّتِي لَا ينقص وَرقهَا
هِيَ النَّخْلَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جريروابن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اخبروني مثل الرجل الْمُسلم لَا يتحات وَرقهَا وَلَا وَلَا تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا
قَالَ عبد الله - رَضِي الله عَنهُ -: فَوَقع فِي نَفسِي أَنَّهَا النَّخْلَة فَأَرَدْت أَن أَقُول: هِيَ النَّخْلَة فَإِذا أَنا أَصْغَر الْقَوْم
وَثمّ أَبُو بكر وَعمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَلَمَّا لم يتكلما بِشَيْء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ النَّخْلَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما نزلت هَذِه(5/22)
الْآيَة {ضرب الله مثلا كلمة طيبَة كشجرة طيبَة} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَدْرُونَ أَي شَجَرَة هَذِه قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: هِيَ النَّخْلَة
قَالَ عبد الله بن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَقلت وَالَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لقد وَقع فِي نَفسِي أَنَّهَا النَّخْلَة وَلَكِنِّي كنت أَصْغَر الْقَوْم لم أحب أَن أَتكَلّم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك: لَيْسَ منا من لم يوقر كَبِيرنَا وَيرْحَم صَغِيرنَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا الشَّجَرَة الطّيبَة قَالَ ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا -: فَأَرَدْت أَن أَقُول هِيَ النَّخْلَة فَمَنَعَنِي مَكَان عمر
فَقَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ النَّخْلَة وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ بكرَة وَعَشِيَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة
وَقَوله: {كشجرة خبيثة} قَالَ: هِيَ الحنظلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والرامهرمزي عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ النَّخْلَة لَا يزَال فِيهَا شَيْء ينْتَفع بِهِ إِمَّا ثَمَرَة وَإِمَّا حطب
قَالَ: وَكَذَلِكَ الْكَلِمَة الطّيبَة تَنْفَع صَاحبهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: كل سَاعَة بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار والشتاء والصيف
وَذَلِكَ مثل الْمُؤمن يُطِيع ربه بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار والشتاء والصيف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {تؤتي أكلهَا} قَالَ: يكون أَخْضَر ثمَّ يكون أصفر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: جذاذ النّخل(5/23)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن رجل حلف أَن لَا يصنع كَذَا وَكَذَا إِلَى حِين فَقَالَ: إِن من الْحِين حينا يدْرك وَمن الْحِين حينا لَا يدْرك
فالحين الَّذِي لَا يدْرك قَوْله: (ولتعلمن نبأه بعد حِين) (ص آيَة 88
) والحين الَّذِي يدْرك {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} وَذَلِكَ من حِين تصرم النَّخْلَة إِلَى حِين تطلع وَذَلِكَ سِتَّة أشهر
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت أَن لَا أكلم أخي حينا
فَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا -: أوقتَّ شَيْئا
قَالَ: لَا
قَالَ: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول: {تؤتي أكلهَا كل حِين بِإِذن رَبهَا} فالحين سنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْحِين سِتَّة أشهر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الْحِين قد يكون غدْوَة وَعَشِيَّة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه سُئِلَ عَن رجل حلف لَا يكلم أَخَاهُ حينا
قَالَ: الْحِين سِتَّة اشهر
ثمَّ ذكر النَّخْلَة مَا بَين حملهَا إِلَى صرامها سِتَّة أشهر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - الْحِين حينان: حِين يعرف وَحين لَا يعرف
فَأَما الْحِين الَّذِي لَا يعرف فَقَوله: (ولتعلمن نبأه بعد حِين) (ص آيَة 88
) وَأما الْحِين الَّذِي يعرف فَقَوله: {تؤتي أكلهَا كل حِين}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {كل حِين} قَالَ: كل سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ أرسل إليّ عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ: يامولى ابْن عَبَّاس إِنِّي حَلَفت أَن ل اأفعل كَذَا وَكَذَا حينا فَمَا(5/24)
الْحِين الَّذِي يعرف بِهِ فَقلت إِن من الْحِين حينا لَا يدْرك فَقَوْل الله: (هَل أَتَى على الإِنسان حِين من الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا) (الإِنسان آيَة 1) وَالله مَا نَدْرِي كم أَتَى لَهُ إِلَى أَن خلق وَأما الَّذِي يدْرك فَقَوله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} فَهُوَ مابين الْعَام إِلَى الْعَام الْمقبل فَقَالَ: أصبت يَا مولى ابْن عَبَّاس مَا أحسن مَا قلت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد ابْن الْمسيب قَالَ: الْحِين يكون شَهْرَيْن والنخلة إِنَّمَا يكون حملهَا شَهْرَيْن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: تُؤْكَل ثَمَرَتهَا فِي الشتَاء والصيف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: فِي كل سَبْعَة أشهر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {تؤتي أكلهَا كل حِين} قَالَ: هوشجر جوز الْهِنْد لَا يتعطل من ثَمَر يحمل فِي كل شهر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله: {كشجرة طيبَة} قَالَ: هِيَ شَجَرَة فِي الْجنَّة
وَفِي قَوْله: {كشجرة خبيثة} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لم يخلق الله هَذِه الشَّجَرَة على وَجه الأَرْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ان الله قلب الْعباد ظهرا وبطناً فَكَانَ خير الْعَرَب قُريْشًا
وَهِي الشَّجَرَة الْمُبَارَكَة الَّتِي قَالَ الله فِي كِتَابه: {مثلا كلمة طيبَة} يَعْنِي الْقُرْآن {كشجرة طيبَة} يَعْنِي بهَا قُريْشًا {أَصْلهَا ثَابت} يَقُول: أَصْلهَا كَبِير {وفرعها فِي السَّمَاء} يَقُول: الشّرف الَّذِي شرفهم الله بالإِسلام الَّذِي هدَاهُم الله لَهُ وجعلهم من أَهله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق حَيَّان بن شُعْبَة عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كشجرة خبيثة} قَالَ: الشريان
قلت لأنس: وَمَا الشريان قَالَ: الحنظل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر حميد بن زِيَاد الْخَرَّاط فِي الْآيَة قَالَ: الشَّجَرَة الخبيثة الَّتِي تجْعَل فِي الْمُسكر(5/25)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قعد نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا هَذِه الْآيَة {اجتثت من فَوق الأَرْض مَا لَهَا من قَرَار} فَقَالُوا: يَا رَسُول الله نرَاهُ الكمأة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الكمأة من الْمَنّ وماؤها شِفَاء للعين
والعجوة من الْجنَّة وَهِي شِفَاء من السم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {اجتثت من فَوق الأَرْض} قَالَ: استؤصلت من فَوق الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اعقلوا من الله الْأَمْثَال
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: أَن رجلا لَقِي رجلا من أهل الْعلم فَقَالَ: مَا تَقول فِي الْكَلِمَة الخبيثة فَقَالَ: مَا أعلم لَهَا فِي الأَرْض مُسْتَقرًّا وَلَا فِي السَّمَاء مصعداً إِلَّا أَن تلْزم صَاحبهَا حَتَّى يوافي بهَا الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ عَن أبي الْعَالِيَة: أَن رجلا خالجت الرّيح رِدَاءَهُ فلعنها
فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تلعنها فَإِنَّهَا مأمورة وَإنَّهُ من لعن شَيْئا لَيْسَ لَهُ بِأَهْل رجعت اللَّعْنَة على صَاحبهَا
آيَة - 27(5/26)
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمُسلم إِذا سُئِلَ فِي الْقَبْر يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
فَذَلِك قَوْله سُبْحَانَهُ: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ فِي قَول الله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: ذَلِك فِي الْقَبْر إِن كَانَ صَالحا وفْق وَإِن كَانَ لَا خير فِيهِ وجد أثلة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد بن حَنْبَل وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه(5/26)
وَالْحَاكِم فِي صَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة رجل من الْأَنْصَار فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْر وَلما يلْحد فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَلَسْنَا حوله - وَكَأن على رؤوسنا الطير - وَفِي يَده عودا ينكت بِهِ الأَرْض فَرفع رَأسه فَقَالَ: استعيذوا بِاللَّه من عَذَاب الْقَبْر - مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
ثمَّ قَالَ: إنَّ العَبْد الْمُؤمن إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الْآخِرَة نزل إِلَيْهِ مَلَائِكَة من السَّمَاء بيض الْوُجُوه كأنَّ وُجُوههم الشَّمْس مَعَهم كفن من أكفان الْجنَّة وحنوط من حنوط الْجنَّة حَتَّى يجلسوا مِنْهُ مد الْبَصَر
ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت ثمَّ يجلس عِنْد رَأسه فَيَقُول: أيتها النَّفس المطمئنة اخْرُجِي إِلَى مغْفرَة من الله ورضوان
قَالَ: فَتخرج
تسيل كَمَا تسيل القطرة من فِي السقاء وَإِن كُنْتُم ترَوْنَ غير ذَلِك فيأخذها فَإِذا أَخذهَا لم يدعوها فِي يَده طرفَة عين حَتَّى يأخذوها فيجعلوها فِي ذَلِك الْكَفَن وَفِي ذَلِك الحنوط وَيخرج مِنْهَا أطيب نفحة مسك وجدت على وَجه الأَرْض فيصعدون بهَا فَلَا يَمرونَ على ملإٍ من الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الطّيب فَيَقُولُونَ: فلَان بن فلَان بِأَحْسَن أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يسمونها فِي الدُّنْيَا وَحَتَّى ينْتَهوا بهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيستفتحون لَهُ فَيفتح لَهُم فيشيعه من كل سَمَاء مقربوها إِلَى السَّمَاء الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى تَنْتَهِي بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَيَقُول الله: اكتبوا كتاب عَبدِي فِي عليين وأعيدوه إِلَى الأَرْض فَإِنِّي مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى
فتعاد روحه فِي جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك فَيَقُول: رَبِّي الله
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دينك فَيَقُول: ديني الإِسلام
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول: هُوَ رَسُول الله
فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا علمك فَيَقُول: قَرَأت كتاب الله فآمنت بِهِ وصدّقت
فينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن صدق عَبدِي فافرشوه من الْجنَّة وألبسوه من الْجنَّة وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره ويأتيه رجل حسن الْوَجْه حسن الثِّيَاب طيب الرّيح فَيَقُول: أبشر بِالَّذِي يَسُرك
هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد
فَيَقُول لَهُ: من أَنْت فوجهك الْوَجْه يَجِيء بِالْخَيرِ
فَيَقُول لَهُ: أَنا عَمَلك الصَّالح
فَيَقُول: رب أقِم السَّاعَة
رب أقِم السَّاعَة حَتَّى أرجع إِلَى أَهلِي وَمَالِي
قَالَ: وَإِن العَبْد الْكَافِر إِذا كَانَ فِي انْقِطَاع من الدُّنْيَا وإقبال من الْآخِرَة نزل(5/27)
إِلَيْهِ من السَّمَاء مَلَائِكَة سوء الْوُجُوه مَعَهم مسوح
فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مد الْبَصَر ثمَّ يَجِيء ملك الْمَوْت حَتَّى يجلس عِنْد رَأسه يَقُول: أيتها النَّفس الخبيثة اخْرُجِي إِلَى سخط من الله وَغَضب
فَتفرق فِي جسده فينتزعها كَمَا ينتزع السفود من الصُّوف المبلول فيأخذها
فَإِذا أَخذهَا لم يدعوها فِي يَده طرفَة عين حَتَّى يجعلوها فِي تِلْكَ المسوح
وَيخرج مِنْهَا كأنتن ريح جيفة وجدت على وَجه الأَرْض
فيصعدون بهَا
فَلَا يَمرونَ بهَا على ملإٍ من الْمَلَائِكَة
إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرّوح الْخَبيث
فَيَقُولُونَ فلَان بن فلَان بأقبح أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسمى بهَا فِي الدُّنْيَا
حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيستفتح فَلَا يفتح لَهُ
ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء) (الْحَج آيَة 31) فَيَقُول الله عز وَجل اكتبوا كِتَابه فِي سِجِّين فِي الأَرْض السُّفْلى
فتطرح روحه طرحاً
ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خرّ من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} (الْحَج آيَة 31) فتعاد روحه فِي جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك فَيَقُول: من رَبك هاه
هاه
لَا أَدْرِي
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دينك فَيَقُول: هاه
هاه لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَيَقُول: هاه
هاه
لَا أَدْرِي فينادي مُنَاد من السَّمَاء أَن كذب عَبدِي فافرشوه من النَّار وافتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار
فيأتيه من حرهَا وسمومها ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف فِيهِ أضلاعه ويأتيه رجل قَبِيح الْوَجْه قَبِيح الثِّيَاب منتن الرّيح فَيَقُول أبشر بِالَّذِي يسوءك
هَذَا يَوْمك الَّذِي كنت توعد
فَيَقُول: من أَنْت
فوجهك الْوَجْه يَجِيء بِالشَّرِّ
فَيَقُول: أَنا عَمَلك الْخَبيث
فَيَقُول: رب لَا تقم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: التثبيت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا إِذا جَاءَ الْملكَانِ إِلَى الرجل والقبر فَقَالَا لَهُ: من رَبك قَالَ: رَبِّي الله
قَالَا: وَمَا دينك قَالَ: ديني الإِسلام قَالَا: وَمن نبيك قَالَ: نبيي مُحَمَّد فَذَلِك التثبيت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله(5/28)
عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي هَذِه الْآيَة {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: {فِي الْآخِرَة} الْقَبْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: المخاطبة فِي الْقَبْر: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: هَذَا فِي الْقَبْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِي يفتن أهل الْقُبُور وَفِيه نزلت {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت}
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَائِشَة قَالَت: قلت يارسول الله تبتلى هَذِه الْأمة فِي قبورها فَكيف بِي وَأَنا امْرَأَة ضَعِيفَة قَالَ: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَذكر قبض روح الْمُؤمن: فيأتيه آتٍ فَيَقُول: من رَبك فَيَقُول: الله
فَيَقُول: وَمَا دينك فَيَقُول: الإِسلام
فَيَقُول: وَمن نبيك فَيَقُول: مُحَمَّد
ثمَّ يسْأَل الثَّانِيَة فَيَقُول مثل ذَلِك ثمَّ يسْأَل الثَّالِثَة وَيُؤْخَذ أخذا شَدِيدا فَيَقُول مثل ذَلِك
فَذَلِك قَول الله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا حَضَره الْمَوْت شهدته الْمَلَائِكَة فَسَلمُوا عَلَيْهِ وبشروه بِالْجنَّةِ فَإِذا مَاتَ مَشوا مَعَه فِي جنَازَته ثمَّ صلوا عَلَيْهِ مَعَ النَّاس فَإِذا دفن أَجْلِس فِي قَبره فَيُقَال لَهُ: من رَبك فَيَقُول: رَبِّي الله
فَيُقَال لَهُ: من رَسُولك فَيَقُول: مُحَمَّد
فَيُقَال لَهُ: مَا شهادتك فَيَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
فَذَلِك قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا} الْآيَة
فيوسع لَهُ فِي قَبره مد بَصَره
وَأما الْكَافِر فتنزل الْمَلَائِكَة فيبسطون أَيْديهم - والبسط هُوَ الضَّرْب - يضْربُونَ وُجُوههم وأدبارهم عِنْد الْمَوْت فَإِذا دخل قَبره أقعد فَقيل لَهُ من رَبك فَلم يرجع(5/29)
إِلَيْهِم شَيْئا فَذَلِك قَوْله: {ويضل الله الظَّالِمين}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا مَاتَ أَجْلِس فِي قَبره فَيُقَال لَهُ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فَيَقُول: رَبِّي الله وديني الإِسلام ونبيي مُحَمَّد
فيوسع لَهُ فِي قَبره ويفرج لَهُ فِيهِ
ثمَّ قَرَأَ {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} الْآيَة
وَإِن الْكَافِر إِذا دخل قَبره أَجْلِس فَقيل لَهُ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فَيَقُول لَا أَدْرِي
فيضيق عَلَيْهِ قَبره ويعذب فِيهِ
ثمَّ قَرَأَ ابْن مَسْعُود (وَمن أعرض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا) (طه آيَة 124)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مَنْدَه وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي قَتَادَة الْأنْصَارِيّ قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا مَاتَ أَجْلِس فِي قَبره فَيُقَال لَهُ: من رَبك فَيَقُول: الله
فَيُقَال لَهُ: من نبيك فَيَقُول: مُحَمَّد بن عبد الله
فَيُقَال لَهُ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى منزلتك لَو زِغْت
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَنْزِلك فِي الْجنَّة أَن ثبتّ
وأذا مَاتَ الْكَافِر أَجْلِس فِي قبر فَيُقَال: من رَبك من نبيك
فَيَقُول: لَا أَدْرِي
كنت أسمع النَّاس يَقُولُونَ
فَيُقَال لَهُ: لَا دَريت
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَيُقَال لَهُ انْظُر إِلَى مَنْزِلك لَو ثَبَتّ ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى مَنْزِلك إِذْ زِغْت
فَذَلِك قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن أبي عَاصِم فِي السّنة وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر بِسَنَد صَحِيح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَنَازَة فَقَالَ: ياأ يها النَّاس إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها فَإِذا الإِنسان دفن فَتفرق عَنهُ أَصْحَابه جَاءَهُ ملك فِي يَده مطراق فأقعده قَالَ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَإِن كَانَ مُؤمنا قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَيَقُول لَهُ: صدقت
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار(5/30)
فَيَقُول لَهُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلك لَو كفرت بِرَبِّك فَأَما إِذا آمَنت فَهَذَا مَنْزِلك
فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فيريد أَن ينْهض إِلَيْهِ فَيَقُول لَهُ: اسكن
ويفسح لَهُ فِي قَبره
وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو منافقاً قيل لَهُ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول: لَا أَدْرِي
سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا
فَيَقُول لَا دَريت وَلَا تليت وَلَا اهتديت
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فَيَقُول: هَذَا مَنْزِلك لَو آمَنت بِرَبِّك فَأَما إِذْ كفرت بِهِ فَإِن الله أبدلك مِنْهُ هَذَا وَيفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار ثمَّ يقمعه مقمعَة بالمطراق يسْمعهَا خلق الله كلهَا غيرالثقلين
فَقَالَ بعض الْقَوْم: يَا رَسُول الله مَا أحد يقوم عَلَيْهِ ملك فِي يَده مطراق إِلَّا هُبل عِنْد ذَلِك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: شَهِدنَا جَنَازَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا فرغ من دَفنهَا وَانْصَرف النَّاس قَالَ: إِنَّه الْآن يسمع خَفق نعالكم أَتَاهُ مُنكر وَنَكِير
عيناهما مثل قدور النّحاس وأنيابهما مثل صياصي الْبَقر وأصواتهما مثل الرَّعْد فيجلسانه فيسألانه مَا كَانَ يعبد وَمن نبيه
فَإِن كَانَ مِمَّن يعبد الله قَالَ: كنت أعبد الله ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى فَآمَنا بِهِ واتبعناه
فَذَلِك قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} فَيُقَال لَهُ: على الْيَقِين حييت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة ويُوسع لَهُ فِي حفرته
وَإِن كَانَ من أهل الشَّك قَالَ: لَا أَدْرِي
سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته
فَيُقَال لَهُ: على الشَّك حييت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث
ثمَّ يفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار ويسلط عَلَيْهِ عقارب وتنانين لَو نفخ أحدهم فِي الدُّنْيَا مَا أنبتت شَيْئا تنهشه وتؤمر الأَرْض فتنضم عَلَيْهِ حَتَّى تخْتَلف أضلاعه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الْمَيِّت إِذا وضع فِي قَبره إِنَّه ليسمع خَفق نعَالهمْ حِين يولون عَنهُ فَإِذا كَانَ مُؤمنا كَانَت الصَّلَاة عِنْد رَأسه وَالزَّكَاة عَن يَمِينه وَالصَّوْم عَن شِمَاله
وَفعل الْخيرَات وَالْمَعْرُوف والاحسان إِلَى النَّاس من قبل رجلَيْهِ
فَيُؤتى من قبل رَأسه فَتَقول الصَّلَاة: لَيْسَ قبلي مدْخل
فَيُؤتى عَن يَمِينه فَتَقول الزَّكَاة: لَيْسَ قبلي مدْخل
وَيُؤْتى من قبل شِمَاله فَيَقُول الصَّوْم: لَيْسَ قبلي(5/31)
مدْخل
ثمَّ يُؤْتى من قبل رجلَيْهِ فَيَقُول فعل الْخيرَات وَالْمَعْرُوف والإِحسان إِلَى النَّاس: لَيْسَ قبلي مدْخل
فَيُقَال لَهُ: اجْلِسْ
فيجلس وَقد مثلت لَهُ الشَّمْس قد قربت للغروب فَيُقَال: أخبرنَا عَمَّا نَسْأَلك
فَيَقُول: دَعْنِي حَتَّى أُصَلِّي
فَيُقَال: إِنَّك ستفعل فَأخْبرنَا عَمَّا نَسْأَلك
فَيَقُول: عَم تَسْأَلُونِي فَيُقَال لَهُ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَيَقُول: أشهد أَنه رَسُول الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ من عِنْد رَبنَا فصدقْنا واتبعْنا
فَيُقَال لَهُ: صدقت
على هَذَا حييت وعَلى هَذَا مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله
ويفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره
فَذَلِك قَول الله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} وَيُقَال: افتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار فَيُقَال: هَذَا كَانَ مَنْزِلك لَو عصيت الله
فَيَزْدَاد غِبْطَة وسرور فيعاد الْجَسَد إِلَى مَا بدا مِنْهُ من التُّرَاب وَيجْعَل روحه فِي النسيم الطّيب وَهِي طير خضر تعلق فِي شجر فِي الْجنَّة
وَأما الْكَافِر فَيُؤتى فِي قَبره من قبل رَأسه فَلَا يُوجد شَيْء
فَيُؤتى من قبل رجلَيْهِ فَلَا يُوجد شَيْء
فيجلس خَائفًا مَرْعُوبًا
فَيُقَال لَهُ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم وَمَا تشهد بِهِ فَلَا يَهْتَدِي لاسمه
فَيُقَال: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَيَقُول سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت كَمَا قَالُوا: فَيُقَال لَهُ: صدقت
على هَذَا حييت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه
فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: (وَمن أعرض عَن ذكري فَإِن لَهُ معيشة ضنكا) (طه آيَة 124)
فَيُقَال: افتحوا لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة
فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة
فَيُقَال هَذَا مَنْزِلك وَمَا أعد الله لَك لَو كنت أطعته فَيَزْدَاد حسرة وثبوراً
ثمَّ يُقَال: افتحوا لَهُ بَابا إِلَى النَّار فَيفتح لَهُ بابٌ إِلَيْهَا فَيُقَال لَهُ: هَذَا مَنْزِلك وَمَا أعد الله لَك فَيَزْدَاد حسرة وثبوراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هر يرة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: ذَاك إِذا قيل فِي الْقَبْر: من رَبك وَمَا دينك فَيَقُول رَبِّي الله وديني الْإِسْلَام ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى من الله فآمنت بِهِ وصدقت
فَيُقَال لَهُ: صدقت على هَذَا عِشْت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث(5/32)
وَأخرج ابْن جرير عَن طَاوس فِي قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} الْآيَة
هِيَ فتْنَة الْقَبْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْمسيب بن رَافع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي صَاحب الْقَبْر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي الْمَيِّت الَّذِي يسْأَل فِي قَبره عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {يثبت الله الَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: هَذَا فِي الْقَبْر ومخاطبته
وَأخرج ابْن جرير وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله {وَفِي الْآخِرَة} قَالَ الْمَسْأَلَة فِي الْقَبْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: أما الْحَيَاة الدُّنْيَا فيثبتهم بِالْخَيرِ وَالْعَمَل الصَّالح
وَأما قَوْله: {وَفِي الْآخِرَة} فَفِي الْقَبْر وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى: {يثبت الله الَّذين آمنُوا} قَالَ: هُوَ الْمُؤمن فِي قَبره عِنْد محنته يَأْتِيهِ ممتحناه فَيَقُولَانِ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك
فَيَقُول: الله رَبِّي وديني الإِسلام
فَيَقُولَانِ: ثبتك الله لما يحب ويرضى
ويفسحان لَهُ فِي قَبره مد الْبَصَر ويفتحان لَهُ بَابا إِلَى الْجنَّة ويقولان: نم قرير الْعين نومَة الشَّاب النَّائِم الآمن فِي خير مقيل
وَفِيه نزلت (أَصْحَاب الْجنَّة يَوْمئِذٍ خير مُسْتَقرًّا وَأحسن مقيلا) (الْفرْقَان آيَة 24)
وَأما الْكَافِر فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ: من رَبك وَمَا دينك وَمن نبيك فَيَقُول: لَا أَدْرِي
فَيَقُولَانِ: لَا دَريت وَلَا اهتديت
فيضربانه بِسَوْط من النَّار يذعر لَهَا كل دَابَّة مَا خلا الْجِنّ والإِنس ثمَّ يفتحان لَهُ بَابا إِلَى النَّار ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى يخرج دماغه من بَين أَظْفَاره ولحمه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وضع الْمَيِّت فِي قَبره جَاءَهُ ملكان فَسَأَلَاهُ فَقَالَا: كَيفَ تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي(5/33)
كَانَ بَين أظْهركُم الَّذِي يُقَال لَهُ مُحَمَّد فلقنه الله الثَّبَات وثبات الْقَبْر خمس: أَن يَقُول العَبْد: رَبِّي الله وديني الإِسلام
ونبيي مُحَمَّد أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله ثمَّ قَالَا لَهُ: اسْكُتْ فَإنَّك عِشْت مُؤمنا ومت مُؤمنا وتبعث مُؤمنا
ثمَّ أرياه منزله من الْجنَّة يتلألأ بِنور عرش الرَّحْمَن
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن العَبْد إِذا وضع فِي قبر وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه: إِنَّه ليسمع قرع نعَالهمْ يَأْتِيهِ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل - زَاد ابْن مرْدَوَيْه: - الَّذِي كَانَ بَين أظْهركُم الَّذِي يُقَال لَهُ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَأَما الْمُؤمن فَيَقُول: اشْهَدْ أَنه عبد الله وَرَسُوله
فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى مَقْعَدك من النَّار قد أبدلك الله بِهِ مقْعدا من الْجنَّة
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا قَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: وَذكر لنا أَنه يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا ويملأ عَلَيْهِ خضرًا
وَأما الْمُنَافِق وَالْكَافِر فَيُقَال لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول: لَا أَدْرِي كنت أَقُول كَمَا يَقُول النَّاس
فَيُقَال لَهُ لَا دَريت وَلَا تليت
وَيضْرب بمطراق من حَدِيد ضَرْبَة فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ إِلَّا الثقلَيْن
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها وَإِن الْمُؤمن إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فَسَأَلَهُ: مَا كنت تعبد فَإِن الله هداه قَالَ: كنت أعبد الله
فَيُقَال لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول هُوَ عبد الله وَرَسُوله
فَمَا يسْأَل عَن شَيْء بعْدهَا فَينْطَلق إِلَى بَيت كَانَ لَهُ فِي النَّار فَيُقَال لَهُ: هَذَا بَيْتك كَانَ لَك فِي النَّار وَلَكِن الله عصمك ورحمك فأبدلك بَيْتا فِي الْجنَّة
فَيَقُول: دَعونِي حَتَّى أذهب فابشر أَهلِي
فَيُقَال لَهُ: اسكن
وَإِن الْكَافِر إِذا وضع فِي قَبره أَتَاهُ ملك فينتهره فَيَقُول لَهُ: ماكنت تعبد فَيَقُول: لَا أَدْرِي
فَيَقُول لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول: كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس
فَيَضْرِبُونَهُ بمطراق من حَدِيد بَين أُذُنَيْهِ فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا الْخلق إِلَّا الثقلَيْن
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن فتاني الْقَبْر(5/34)
فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن هَذِه الْأمة تبتلى فِي قبورها فَإِذا أَدخل الْمُؤمن قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه جَاءَهُ ملك شَدِيد الِانْتِهَار فَيَقُول لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول الْمُؤمن: أَقُول أَنه رَسُول الله وَعَبده
فَيَقُول الْملك: انْظُر إِلَى مَقْعَدك الَّذِي كَانَ من النَّار قد أنجاك الله مِنْهُ وأبدله بمقعدك الَّذِي ترى من النَّار مَقْعَدك الَّذِي ترى من الْجنَّة
فَيَرَاهُمَا كليهمَا فَيَقُول الْمُؤمن: دَعونِي أبشر أَهلِي
فَيُقَال لَهُ: اسكن
وَأما الْمُنَافِق فيقعد إِذا تولى عَنهُ أَهله فَيُقَال لَهُ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول: لَا أَدْرِي
أَقُول مَا يَقُول النَّاس
فَيُقَال لَهُ: لَا دَريت
هَذَا مَقْعَدك الَّذِي كَانَ لَك من الْجنَّة قد أبدلك الله مَكَانَهُ مَقْعَدك من النَّار
قَالَ جَابر رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يبْعَث كل عبد فِي الْقَبْر على مَا مَاتَ الْمُؤمن على ايمانه وَالْمُنَافِق على نفَاقه
وَأخرج ابْن أبي عَاصِم فِي السّنة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي سُفْيَان عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا وضع الْمُؤمن فِي قَبره أَتَاهُ ملكان فانتهراه فَقَامَ يهب كَمَا يهب النَّائِم فَيُقَال لَهُ: من رَبك فَيَقُول: الله رَبِّي وَالْإِسْلَام ديني وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نبيي
فينادي مُنَاد أَن صدق عَبدِي
فافرشوه من الْجنَّة وألبسوه من الْجنَّة فَيَقُول: دَعونِي أخبر أَهلِي
فَيُقَال لَهُ: اسكن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أَنْت ياعمر إِذا انْتهى بك إِلَى الأَرْض فحفر لَك ثَلَاثَة أَذْرع وشبر فِي ذِرَاع وشبر ثمَّ أَتَاك مُنكر وَنَكِير أسودان يجران شعرهما كَأَن أصواتهما الرَّعْد القاصف وَكَأن أعينهما الْبَرْق الخاطف يحفران الأَرْض بأنيابهما فأجلساك فَزعًا فتلتلاك وتوهلاك
فَقَالَ: يَا رَسُول الله وَأَنا يَوْمئِذٍ على مَا أَنا عَلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالَ: أكفيكهما بِإِذن الله يَا رَسُول الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمَيِّت ليسمع خَفق نعَالهمْ حِين يولون ثمَّ يجلس فَيُقَال لَهُ: من رَبك فَيَقُول الله رَبِّي
ثمَّ يُقَال لَهُ: مَا دينك فَيَقُول: الإِسلام
ثمَّ يُقَال لَهُ من نبيك فَيَقُول: مُحَمَّد
فَيُقَال: وَمَا علمك فَيَقُول: عَرفته وَآمَنت بِهِ وصدقت بِمَا جَاءَ بِهِ من الْكتاب
ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره مد الْبَصَر وَيجْعَل روحه مَعَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ(5/35)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: اسْم الْملكَيْنِ اللَّذين يأتيان فِي الْقَبْر مُنكر وَنَكِير
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ والآجري فِي الشَّرِيعَة وَابْن عدي عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكر فتّاني الْقَبْر فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أترد إِلَيْنَا عقولنا يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم كهيئتكم الْيَوْم
فَقَالَ عمر بِفِيهِ الْحجر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْبَعْث وَالْحَاكِم فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي عَذَاب الْقَبْر عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أَنْت إِذا كنت فِي أَرْبَعَة أَذْرع فِي ذراعين وَرَأَيْت مُنكر وَنَكِير قلت: يَا رَسُول الله وَمَا مُنكر وَنَكِير
قَالَ: فتّانا الْقَبْر يبحثان الأَرْض بأنيابهما ويطآن فِي أشعارهما أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف
مَعَهُمَا مرزبة لَو أجتمع عَلَيْهِمَا أهل منى لم يطيقوا رَفعهَا هِيَ أيسر عَلَيْهِمَا من عصاي هَذِه فامتحناك فَإِن تعاييت أَو تلويت ضرباك ضَرْبَة تصير بهَا رَمَادا
قلت يَا رَسُول وَأَنا على حَالي هَذِه قَالَ: نعم
قلت: إِذا أكفيكهما وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي عَاصِم والآجري وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا قبر الْمَيِّت أَتَاهُ ملكان أسودان أزرقان يُقَال لأَحَدهمَا مُنكر وَالْآخر نَكِير
فَيَقُولَانِ: مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول مَا كَانَ يَقُول: هُوَ عبد الله وَرَسُوله
أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله
فَيَقُولَانِ: قد كُنَّا نعلم أَنَّك تَقول هَذَا
ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره سَبْعُونَ ذِرَاعا فِي سبعين ثمَّ ينور لَهُ فِيهِ فَيُقَال لَهُ: نم
فَيَقُول: أرجع إِلَى أَهلِي فَأخْبرهُم
فَيَقُولُونَ: نم كنومة الْعَرُوس الَّذِي لَا يوقظه إِلَّا أحب أَهله إِلَيْهِ حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك فَإِن كَانَ منافقاً قَالَ: سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ فَقلت مثله لَا أَدْرِي
فَيَقُولُونَ: قد كُنَّا نعلم أَنَّك كنت تَقول ذَلِك
فَيُقَال للْأَرْض: التئمي عَلَيْهِ فتختلف أضلاعه فَلَا يزَال فِيهَا معذباً حَتَّى يَبْعَثهُ الله من مضجعه ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر رَضِي الله عَنهُ: كَيفَ أَنْت إِذا رَأَيْت مُنْكرا ونكيراً قَالَ: وَمَا مُنكر وَنَكِير(5/36)
قَالَ: فتّانا الْقَبْر أصواتهما كالرعد القاصف وأبصارهما كالبرق الخاطف يطآن فِي أشعارهما ويحفران بأنيابهما
مَعَهُمَا عَصا من حَدِيد لَو اجْتمع عَلَيْهَا أهل منى لم يقلوها
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّه قد أُوحِي إِلَيّ أَنكُمْ تفتنون فِي الْقُبُور فَيُقَال مَا علمكُم بِهَذَا الرجل فاما الْمُؤمن أوالموقن فَيَقُول: هُوَ مُحَمَّد رَسُول الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهدى فأجبنا وَاتَّبَعنَا
فَيُقَال لَهُ: قد علمنَا إِن كنت لمؤمناً ثمَّ صَالحا
وَأما الْمُنَافِق أَو المرتاب فَيَقُول لَا أَدْرِي
سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت
وَأخرج أَحْمد عَن أَسمَاء رَضِي الله عنهاعن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا أَدخل الْإِنْسَان قَبره فَإِن كَانَ مُؤمنا أحف بِهِ عمله الصَّلَاة وَالصِّيَام
فيأتيه الْملك من نَحْو الصَّلَاة فَتَردهُ وَمن نَحْو الصّيام فَيردهُ فيناديه: اجْلِسْ
فيجلس فَيَقُول لَهُ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ من قَالَ مُحَمَّد قَالَ أشهد أَنه رَسُول الله
فَيَقُول: وَمَا يدْريك أَدْرَكته قَالَ: أشهد أَنه رَسُول
فَيَقُول: على ذَلِك عِشْت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث
وَإِن كَانَ فَاجِرًا أَو كَافِرًا جَاءَهُ الْملك وَلَيْسَ بَينه وَبَينه شَيْء يردهُ فأجلسه وَقَالَ: مَا تَقول فِي هَذَا الرجل قَالَ: أَي رجل قَالَ: مُحَمَّد
فَيَقُول: وَالله مَا أَدْرِي
سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ شَيْئا فقلته
فَيَقُول لَهُ الْملك: على ذَلِك عِشْت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث
ويسلط عَلَيْهِ دَابَّة فِي قَبره مَعهَا سَوط ثَمَرَته جَمْرَة مثل عرف الْبَعِير يضْربهُ مَا شَاءَ الله
لَا تسمع صَوته فترحمه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: جَاءَت يَهُودِيَّة فاستطعمت على بَابي فَقَالَت: أَطْعمُونِي أعاذكم الله من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر فَلم أزل أحسبها حَتَّى آتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقلت: يارسول الله مَا تَقول هَذِه الْيَهُودِيَّة
قَالَ: وَمَا تَقول قلت: تَقول أعاذكم الله من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر
فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع يَدَيْهِ مدّاً يستعيذ بِاللَّه من فتْنَة الدَّجَّال وَمن فتْنَة عَذَاب الْقَبْر ثمَّ قَالَ: أما فتْنَة الدَّجَّال فَإِنَّهُ لم يكن نَبِي إِلَّا قد حذر أمته وسأحذركموه بِحَدِيث لم يحدثه نَبِي أمته إِنَّه أَعور وَالله لَيْسَ بأعور مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يَقْرَؤُهُ كل مُؤمن(5/37)
وَأما فتْنَة الْقَبْر فَبِي تفتنون وعني تُسْألون فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح أَجْلِس فِي قَبره غير فزع وَلَا مشغوف ثمَّ يُقَال لَهُ: فيمَ كنت فَيَقُول: فِي الإِسلام فَيُقَال: مَا هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم فَيَقُول: مُحَمَّد رَسُول الله جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ من عِنْد الله فَصَدَّقْنَاهُ
فيفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا فَيُقَال لَهُ: انْظُر إِلَى مَا وقاك الله
ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة إِلَى الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال: هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا
وَيُقَال: على الْيَقِين كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله
وَإِذا كَانَ الرجل السوء جلس فِي قَبره فَزعًا مشغوفاً فَيُقَال لَهُ: فيمَ كنت فَيَقُول: لَا أَدْرِي
فَيُقَال: ماهذا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم فَيَقُول: سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ قولا فَقلت كَمَا قَالُوا فيفرج لَهُ فُرْجَة قبل الْجنَّة فَينْظر إِلَى زهرتها وَمَا فِيهَا فَيُقَال: انْظُر إِلَى مَا صرف الله عَنْك ثمَّ يفرج لَهُ فُرْجَة قبل النَّار فَينْظر إِلَيْهَا يحطم بَعْضهَا بَعْضًا وَيُقَال: هَذَا مَقْعَدك مِنْهَا على الشَّك كنت وَعَلِيهِ مت وَعَلِيهِ تبْعَث إِن شَاءَ الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْمَوْتَى يفتنون فِي قُبُورهم سبعا فَكَانُوا يستحبون أَن يطعم عَنْهُم تِلْكَ الْأَيَّام
وَأخرج ابْن جرير فِي مُصَنفه عَن الْحَارِث بن أبي الْحَرْث عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: يفتن رجلَانِ: مُؤمن ومنافق فَأَما الْمُؤمن فيفتن سبعا
وَأما الْمُنَافِق فيقتن أَرْبَعِينَ صباحاً
وَأخرج ابْن شاهين فِي السّنة عَن رَاشد بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: تعلمُوا حجتكم فَإِنَّكُم مسؤولون حَتَّى إِنَّه كَانَ أهل الْبَيْت من الْأَنْصَار يحضر الرجل مِنْهُم الْمَوْت فيوصونه والغلام إِذا عقل فَيَقُولُونَ لَهُ: إِذا سألوك: من رَبك فَقل: الله رَبِّي
وَمَا دينك فَقل الإِسلام ديني
وَمن نبيك فَقل مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أبونعيم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على قبر رجل من أَصْحَابه حِين فرغ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون اللَّهُمَّ نزل بك وَأَنت خير منزول بِهِ جافِ الأَرْض عَن جَنْبَيْهِ وَافْتَحْ أَبْوَاب السَّمَاء لروحه واقبله مِنْك بِقبُول حسن وثبّت عِنْد الْمسَائِل مَنْطِقه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر(5/38)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجنَازَة عِنْد قَبره وَصَاحبه يدْفن فَقَالَ: اسْتَغْفرُوا لأخيكم واسألوا لَهُ التثبيت فَإِنَّهُ الْآن يُسْأل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقوم على الْقَبْر بَعْدَمَا يسوّى عَلَيْهِ فَيَقُول: اللَّهُمَّ نزل بك صاحبنا وَخلف الدُّنْيَا خلف ظَهره اللَّهُمَّ ثبّت عِنْد الْمَسْأَلَة مَنْطِقه وَلَا تبتله فِي قَبره بِمَا لَا طَاقَة بِهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا مَاتَ أحد من اخوانكم فسوّيتم التُّرَاب عَلَيْهِ فَليقمْ أحدكُم على رَأس قَبره ثمَّ ليقل: يَا فلَان بن فُلَانَة فَإِنَّهُ يسمعهُ وَلَا يُجيب ثمَّ يَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدا ثمَّ يَقُول: يَا فلَان بن فُلَانَة فَإِنَّهُ يَقُول: ارشدنا رَحِمك الله وَلَكِن لَا يَشْعُرُونَ فَلْيقل: اذكر مَا خرجت عَلَيْهِ من الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رضيت بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا
فَإِن مُنْكرا ونكيراً يَأْخُذ كل وَاحِد مِنْهُمَا بيد صَاحبه وَيَقُول: انْطلق بِنَا مَا يقعدنا عِنْد من لقن حجَّته فَيكون حجيجه دونهمَا
قَالَ رجل: يَا رَسُول الله فَإِن لم يعرف أمه قَالَ: ينْسبهُ إِلَى حَوَّاء يَا فلَان ابْن حَوَّاء
وَأخرج ابْن مَنْدَه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا مت فدفنتموني فَليقمْ إِنْسَان عِنْد رَأْسِي فَلْيقل: ياصدي بن عجلَان اذكر مَا كنت عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن رَاشد بن سعد وضمرة بن حبيب وَحَكِيم بن عُمَيْر قَالُوا: إِذا سوّي على الْمَيِّت قَبره وَانْصَرف النَّاس عَنهُ كَانَ يسْتَحبّ أَن يُقَال للْمَيت عِنْد قَبره: يَا فلَان قل لَا إِلَه إِلَّا الله ثَلَاث مَرَّات يَا فلَان قل رَبِّي الله وديني الإِسلام ونبيي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ينْصَرف
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عَمْرو بن مرّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا يستحبون إِذا وضع الْمَيِّت فِي اللَّحْد أَن يُقَال: اللَّهُمَّ أعذه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا سُئِلَ الْمَيِّت من رَبك ترايا لَهُ الشَّيْطَان فِي صُورَة فيشير إِلَى نَفسه أَنِّي أَنا رَبك(5/39)
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن رَاشد بن سعد رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله مَا بَال الْمُؤمنِينَ يفتنون فِي قُبُورهم إِلَّا الشَّهِيد
فَقَالَ: كفى ببارقة السيوف على رَأسه فتْنَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خدم رَسُول الله رجل من الْأَشْعَرِيين سبع حجج فَقَالَ: إِن لهَذَا علينا حَقًا ادعوهُ فَليرْفَعْ إِلَيْنَا حَاجته فَدَعوهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتك
فَقَالَ: يَا رَسُول الله دَعْنِي حَتَّى أصبح فأستخير الله
فَلَمَّا أصبح دَعَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَسأَلك الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ: فأعني على نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مَيْمُون بن أبي شبيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أردْت الْجُمُعَة فِي زمَان الْحجَّاج فتهيأت للذهاب وَقلت: أَيْن أذهب أُصَلِّي خلف هَذَا فَقلت مرّة أذهب وَمرَّة لَا أذهب فناداني مُنَاد من جِهَة الْبَيْت (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله) (الْجُمُعَة آيَة 9
) قَالَ: وَجَلَست مرّة أكتب كتابا فَعرض لي شَيْء إِن أَنا كتبته زين كتابي وَكنت قد كذبت وَإِن أَنا تركته كَانَ فِي كتابي بعض الْقبْح وَكنت قد صدقت
فَقلت: مرّة أكتبه وَقلت: مرّة لَا أكتبه
فأجمع رَأْيِي على تَركه فتركته فناداني منادٍ من جَانب الْبَيْت {يثبت الله الَّذين آمنُوا بالْقَوْل الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} الْآيَة
آيَة 29 - 34(5/40)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم كفار أهل مَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هما الأفجران من قُرَيْش: بَنو الْمُغيرَة وَبَنُو أُميَّة
فَأَما بَنو الْمُغيرَة فكفيتموهم يَوْم بدر
وَأما بَنو أُميَّة فمتعوا إِلَى حِين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ لعمر رَضِي الله عَنهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذِه الْآيَة {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم الأفجران من قُرَيْش: أخوالي وأعمامك
فَأَما أخوالي فاستأصلهم الله يَوْم بدر
وَأما أعمامك فأملى الله لَهُم إِلَى حِين وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هما الأفجران من قُرَيْش بَنو أُميَّة وَبَنُو الْمُغيرَة
فَأَما بَنو الْمُغيرَة فَقطع الله دابرهم يَوْم بدر
وَأما بَنو أُميَّة فمتعوا إِلَى حِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي الطُّفَيْل رَضِي الله عَنهُ أَن ابْن الْكواء رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ عليا رَضِي الله عَنهُ من {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم الْفجار من قُرَيْش كفيتهم يَوْم بدر
قَالَ:(5/41)
فَمن (الَّذين ضل سَعْيهمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا) (الْكَهْف آيَة 104
) قَالَ: مِنْهُم أهل حروراء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: بَنو أُميَّة وَبَنُو مَخْزُوم رَهْط أبي جهل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ارطأة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت عليا رَضِي الله عَنهُ على الْمِنْبَر يَقُول: {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} النَّاس مِنْهَا بُرَآء غير قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أبي حُسَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَامَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ أَلا أحد يسألني عَن الْقُرْآن فوَاللَّه لَو أعلم الْيَوْم أحد أعلم بِهِ مني وَإِن كَانَ من وَرَاء البحور لأتيته
فَقَامَ عبد الله بن الْكواء رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: مَنْ {الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم مشركو قُرَيْش أَتَتْهُم نعْمَة الله الايمان فبدلوا قَومهمْ دَار الْبَوَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم فِي الكنى عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم كفار قُرَيْش الَّذين نحرُوا يَوْم بدر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ هم الْمُشْركُونَ من أهل بدر
وَأخرج مَالك فِي تَفْسِيره عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم كفار قُرَيْش الَّذين قتلوا يَوْم بدر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الَّذين قتلوا من قُرَيْش يَوْم بدر {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} قَالَ: هم قُرَيْش
وَمُحَمّد النِّعْمَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا} الْآيَة
قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنهم أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه الَّذين قَتلهمْ الله يَوْم بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا}(5/42)
قَالَ: هُوَ جبلة بن الْأَيْهَم وَالَّذين اتَّبعُوهُ من الْعَرَب فَلَحقُوا بالروم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَأَحلُّوا قَومهمْ دَار الْبَوَار} قَالَ: أحلُّوا من أطاعهم من قَومهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {دَار الْبَوَار} قَالَ: النَّار
قَالَ: وَقد بَين الله ذَلِك وأخبرك بِهِ فَقَالَ: {جَهَنَّم يصلونها وَبئسَ الْقَرار}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {جَهَنَّم يصلونها} قَالَ: هِيَ دَارهم فِي الْآخِرَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَجعلُوا لله أنداداً} قَالَ: أشركوا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي رزين فِي قَوْله: {قل تمَتَّعُوا فَإِن مصيركم إِلَى النَّار} قَالَ: تمَتَّعُوا إِلَى أجلكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ وَلَا خلال} قَالَ: إِن الله تَعَالَى قد علم أَن فِي الدُّنْيَا بيوعاً وخلالاً يتخالون بهَا فِي الدُّنْيَا فَلْينْظر رجل من يخالل وعلام يصاحب فَإِن كَانَ لله فليداوم وَإِن كَانَ لغير الله فَليعلم أَن كل خلة ستصير على أَهلهَا عَدَاوَة يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا خلة الْمُتَّقِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وسخر لكم الْأَنْهَار} قَالَ: بِكُل بَلْدَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وسخر لكم الشَّمْس وَالْقَمَر دائبين} قَالَ: دؤوبهما فِي طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الشَّمْس بِمَنْزِلَة الساقية تجْرِي بِالنَّهَارِ فِي السَّمَاء فِي فلكها فَإِذا غربت جرت اللَّيْل فِي فلكها تَحت الأَرْض حَتَّى تطلع من مشرقها وَكَذَلِكَ الْقَمَر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وآتاكم من كل مَا سألتموه} قَالَ: من كل شَيْء رغبتم إِلَيْهِ فِيهِ(5/43)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وآتاكم من كل مَا سألتموه} قَالَ: من كل الَّذِي سَأَلْتُمُونِي تَفْسِيره أَعْطَاكُم أَشْيَاء مَا سألتموها وَلم تلتمسوها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن طلق بن حبيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن حق الله أثقل من أَن يقوم بِهِ الْعباد وَإِن نعم الله أَكثر من أَن تحصيها الْعباد وَلَكِن أَصْبحُوا توّابين وأمسوا توابين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن بكر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا قَالَ عبد قطّ الْحَمد لله إِلَّا وَجَبت عَلَيْهِ نعْمَة بقول الْحَمد لله فَقيل: فَمَا جَزَاء تِلْكَ النِّعْمَة قَالَ: جزاؤها أَن يَقُول الْحَمد لله فَجَاءَت نعْمَة أُخْرَى فَلَا تنفد نعم الله وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سُلَيْمَان التَّمِيمِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله أنعم على الْعباد على قدره وكلفهم الشُّكْر على قدرهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا ابْن آدم إِذا أردْت أَن تعرف قدر مَا أنعم الله عَلَيْك فغمض عَيْنَيْك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من لم يعرف نعْمَة الله عَلَيْهِ إِلَّا فِي مطعمه ومشربه فقد قل علمه وَحضر عَذَابه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا أنعم الله على الْعباد نعْمَة أعظم من أَن عرّفهم لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن لَا إِلَه إِلَّا الله لَهُم فِي الْآخِرَة كَالْمَاءِ فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن لله على أهل النَّار منَّة فَلَو شَاءَ أَن يعذبهم بأشد من النَّار لعذبهم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن صَالح قَالَ: كَانَ بعض الْعلمَاء إِذا تَلا {وَإِن تعدوا نعْمَة الله لَا تحصوها} قَالَ: سُبْحَانَ من لم يَجْعَل من معرفَة نعمه إِلَّا الْمعرفَة بالتقصير عَن مَعْرفَتهَا كَمَا لم يَجْعَل فِي أحد من ادراكه أَكثر من الْعلم أَنه لَا يُدْرِكهُ فَجعل معرفَة نعمه بالتقصير عَن مَعْرفَتهَا شكرا كَمَا شكر علم الْعَالمين أَنهم لَا يدركونه فَجعله إِيمَانًا علما مِنْهُ أَن الْعباد لَا يجاوزون ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أَيُّوب الْقرشِي مولى بني هَاشم قَالَ:(5/44)
قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: رب أَخْبرنِي مَا أدنى نِعْمَتك عليّ
فَأوحى الله: يَا دَاوُد تنفس
فتنفس فَقَالَ: هَذَا أدنى نعمتي عَلَيْك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عبد الله عَابِد خمسين عَاما فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي قد غفرت لَك
قَالَ: يَا رب وَمَا تغْفر لي
وَلم أذْنب
فَأذن الله تَعَالَى لعرق فِي عُنُقه فَضرب عَلَيْهِ فَلم ينم وَلم يصلِّ ثمَّ سكن فَنَامَ تِلْكَ اللَّيْلَة فَشَكا إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لقِيت من ضَرْبَان الْعرق
قَالَ الْملك: إِن رَبك يَقُول إِن عبادتك خمسين سنة تعدل سُكُون ذَلِك الْعرق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر لي ظلمي وكفري
قَالَ قَائِل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا الظُّلم
فَمَا بَال الْكفْر
قَالَ: {إِن الْإِنْسَان لظلوم كفار}
آيَة 35 - 36(5/45)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذ قَالَ ابراهيم رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} قَالَ: فَاسْتَجَاب الله تَعَالَى لإِبراهيم عَلَيْهِ السَّلَام دَعوته فِي وَلَده فَلم يعبد أحد من وَلَده صنماً بعد دَعوته وَجعل هَذَا الْبَلَد آمنا ورزق أَهله من الثمرات وَجعله إِمَامًا وَجعل من ذُريَّته من يُقيم الصَّلَاة وَتقبل دعاءه وَأرَاهُ مَنَاسِكه وَتَابَ عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس} قَالَ: الْأَصْنَام {فَمن تَبِعنِي فَإِنَّهُ مني وَمن عَصَانِي فَإنَّك غَفُور رَحِيم} قَالَ: اسمعوا إِلَى قَول خَلِيل الله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لَا وَالله مَا كَانُوا لعانين وَلَا طعانين
قَالَ: وَكَانَ يُقَال: إِن من أشرار عباد الله كل لعان
قَالَ: وَقَالَ نَبِي الله ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام (إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وان تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم) (الْمَائِدَة آيَة 118
)(5/45)
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي دَعَوْت للْعَرَب فَقلت: اللَّهُمَّ من لقيك مِنْهُم مُؤمنا موقناً بك مُصدقا بلقائك فَاغْفِر لَهُ أَيَّام حَيَاته
وَهِي دَعْوَة أَبينَا إِبْرَاهِيم ولواء الْحَمد بيَدي يَوْم الْقِيَامَة وَمن أقرب النَّاس إِلَى لِوَائِي يَوْمئِذٍ الْعَرَب
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عقيل بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أتاه السِّتَّة نفر من الْأَنْصَار جلس إِلَيْهِم عِنْد جَمْرَة الْعقبَة فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وَإِلَى عِبَادَته والمؤازرة على دينه فَسَأَلُوهُ أَن يعرض عَلَيْهِم مَا أوحيَ إِلَيْهِ فَقَرَأَ من سُورَة إِبْرَاهِيم {وَإِذ قَالَ ابراهيم رب اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} إِلَى آخر السُّورَة
فرق الْقَوْم وأخبتوا حِين سمعُوا مِنْهُ مَا سمعُوا وأجابوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: من يَأْمَن الْبلَاء بعد قَول إِبْرَاهِيم {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام}
وَأخرج عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: لم يعبد أحد من ولد إِسْمَاعِيل الْأَصْنَام لقَوْله: {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} قيل: فَكيف لم يدْخل ولد إِسْحَق وَسَائِر ولد إِبْرَاهِيم قَالَ: لِأَنَّهُ دَعَا لأهل هَذَا الْبَلَد أَن لَا يعبدوا الْأَصْنَام ودعا لَهُم بالأمن
فَقَالَ: {اجْعَل هَذَا الْبَلَد آمنا} وَلم يدع لجَمِيع الْبلدَانِ بذلك
وَقَالَ: {واجنبني وَبني أَن نعْبد الْأَصْنَام} فِيهِ وَقد خص أَهله وَقَالَ: {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم رَبنَا ليقيموا الصَّلَاة}
آيَة - 37(5/46)
رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
أخرج الْوَاقِدِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَامر بن سعد عَن أَبِيه قَالَ: كَانَت سارة عَلَيْهَا السَّلَام تَحت إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَمَكثت مَعَه دهراً لَا ترزق مِنْهُ ولدا فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِك وهبت لَهُ هَاجر أمة قبطية
فَولدت لَهُ إِسْمَاعِيل عَلَيْهِ السَّلَام فغارت من ذَلِك سارة رَضِي الله عَنْهَا فَوجدت فِي نَفسهَا وعتبت على هَاجر فَحَلَفت أَن تقطع مِنْهَا ثَلَاثَة أَشْرَاف فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: هَل لَك أَن تبري(5/46)
يَمِينك فَقَالَت: كَيفَ أصنع قَالَ: اثقبي أذنيها واخفضيها والخفض هُوَ الْخِتَان
فَفعلت ذَلِك بهَا فَوضعت هَاجر رَضِي الله عَنْهَا فِي أذنيها قرطين فازدادت بهما بحسنا
فَقَالَت سارة رَضِي الله عَنْهَا: أَرَانِي إِنَّمَا زدتها جمالاً فَلم تقاره على كَونه مَعهَا وَوَجَدَ بهَا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وجدا شَدِيدا فنقلها إِلَى مَكَّة فَكَانَ يزورها فِي كل يَوْم من الشَّام على الْبراق من شغفه بهَا وَقلة صبره عَنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع} قَالَ: اسكن إِسْمَاعِيل وَأمه مَكَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} لَو قَالَ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَة النَّاس تهوي إِلَيْهِم لغلبتكم عَلَيْهِ التّرْك وَالروم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} قَالَ: لَو قَالَ أَفْئِدَة النَّاس تهوي إِلَيْهِم لازدحمت عَلَيْهِ فَارس وَالروم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة وطاوساً وَعَطَاء بن أبي رَبَاح عَن هَذِه الْآيَة فَقَالُوا: الْبَيْت تهوي إِلَيْهِ قُلُوبهم يأتونه
وَفِي لفظ قَالُوا: هواهم إِلَى مَكَّة أَن يحجوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} قَالَ: تنْزع إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي
أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لما دَعَا للحرم وارزق أَهله من الثمرات نقل الله الطَّائِف من فلسطين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله تَعَالَى نقل قَرْيَة من قرى الشَّام فوضعها بِالطَّائِف لدَعْوَة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {بواد غير ذِي زرع} قَالَ: مَكَّة
لم يكن بهَا زرع يَوْمئِذٍ
وأحرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رَبنَا إِنِّي أسكنت من ذريتي بواد غير ذِي زرع عِنْد بَيْتك الْمحرم} وَأَنه بَيت طهره الله من السوء وَجعله قبْلَة وَجعله حرمه اخْتَارَهُ نَبِي الله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام لوَلَده
وَقد(5/47)
ذكر لنا أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي خطبَته: إِن هَذَا الْبَيْت أول من وليه نَاس من (طسم) فعصوا فِيهِ واستخفوا بِحقِّهِ وَاسْتَحَلُّوا حرمته فأهلكهم الله ثمَّ وليه نَاس من جرهم فعصوا فِيهِ واستخفوا بِحقِّهِ وَاسْتَحَلُّوا حرمته فأهلكهم الله ثمَّ وليتموه معاشر قُرَيْش
فَلَا تعصوا وَلَا تستخفوا بِحقِّهِ وَلَا تستحلوا حرمته وَصَلَاة فِيهِ أفضل من مائَة صَلَاة بِغَيْرِهِ والمعاصي فِيهِ على قدر ذَلِك
وَأخرج ابْن ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم سَأَلَ الله أَن يَجْعَل أُنَاسًا من النَّاس يهوون سُكْنى مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {فَاجْعَلْ أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} يَقُول: خُذ بقلوب النَّاس إِلَيْهِم فَإِنَّهُ حَيْثُ يهوي الْقلب يذهب الْجَسَد فَلذَلِك لَيْسَ من مُؤمن إِلَّا وَقَلبه مُعَلّق بحب الْكَعْبَة
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: لَو أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين دَعَا قَالَ: اجْعَل افئدة النَّاس تهوي إِلَيْهِم
لازدحمت عَلَيْهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَلكنه خص حِين قَالَ: {أَفْئِدَة من النَّاس} فَجعل ذَلِك أَفْئِدَة الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو كَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: فَاجْعَلْ أَفْئِدَة النَّاس تهوي إِلَيْهِم لحجه الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالنَّاس كلهم وَلكنه قَالَ: {أَفْئِدَة من النَّاس} فَخص بِهِ الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل الْمَدِينَة: اللَّهُمَّ بَارك لَهُم فِي صاعهم ومدهم وَاجعَل أَفْئِدَة النَّاس تهوي إِلَيْهِم
آيَة 38 - 43(5/48)
رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {رَبنَا إِنَّك تعلم مَا نخفي} من حب إِسْمَاعِيل وَأمه {وَمَا نعلن} قَالَ: وَمَا نظهر من الْجفَاء لَهما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الْحَمد لله الَّذِي وهب لي على الْكبر إِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق} قَالَ: هَذَا بعد ذَاك بِحِين
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: بشر إِبْرَاهِيم بعد سبع عشرَة وَمِائَة سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رب اجْعَلنِي مُقيم الصَّلَاة وَمن ذريتي} قَالَ: فَلَنْ يزَال من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام نَاس على الْفطْرَة يعْبدُونَ الله تَعَالَى حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا يسرني بنصيبي من دَعْوَة نوح وَإِبْرَاهِيم للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات حمر النعم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تحسبن الله غافلاً عَمَّا يعْمل الظَّالِمُونَ} قَالَ: هِيَ تَعْزِيَة للمظلوم ووعيد للظالم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل عقيم لَا يُولد لَهُ ولد فَكَانَ يخرج
فَإِذا رأى غُلَاما من غلْمَان بني إِسْرَائِيل عَلَيْهِ حلى يخدعه حَتَّى يدْخلهُ فيقتله وَيُلْقِيه فِي مطمورة لَهُ
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذا لَقِي غلامين أَخَوَيْنِ عَلَيْهِمَا حلى لَهما فأدخلهما فَقَتَلَهُمَا وطرحهما فِي مطمورة لَهُ
وَكَانَت لَهُ امْرَأَة مسلمة تنهاه عَن ذَلِك فَتَقول لَهُ: إِنِّي أحذرك النقمَة من الله تَعَالَى
وَكَانَ يَقُول: لَو أَن الله آخذني على شَيْء آخذني يَوْم فعلت كَذَا وَكَذَا
فَتَقول إِن صاعك لم يمتلئ بعد وَلَو قد امْتَلَأَ صاعك أُخِذْت
فَلَمَّا قتل الغلامين(5/49)
الْأَخَوَيْنِ خرج أَبوهُمَا يطلبهما فَلم يجد أحدا يُخبرهُ عَنْهُمَا فَأتى نَبيا من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام: هَل كَانَت لَهما لعبة يلعبان بهَا قَالَ: نعم
كَانَ لَهما جرْوٌ فَأتى بالجرو فَوضع النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام خَاتمه بَين عَيْنَيْهِ ثمَّ خلى سَبيله وَقَالَ لَهُ: أول دَار يدخلهَا من بني إِسْرَائِيل فِيهَا تبيان فَأقبل الجرو يَتَخَلَّل الدّور بِهِ حَتَّى دخل دَارا فَدَخَلُوا خَلفه فوجدوا الغلامين مقتولين مَعَ غُلَام قد قَتله وطرحهم فِي المطمورة فَانْطَلقُوا بِهِ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَأمر بِهِ أَن يصلب
فَلَمَّا وضع على خشبته أَتَتْهُ امْرَأَته فَقَالَت: يَا فلَان قد كنت أحذرك هَذَا الْيَوْم وأخبرك أَن الله تَعَالَى غير تاركك وَأَنت تَقول: لَو أَن الله آخذني على شَيْء آخذني يَوْم فعلت كَذَا وَكَذَا فأخبرتك أَن صاعك بعد لم يمتلئ
أَلا وَإِن صاعك هَذَا
أَلا وَأَن امْتَلَأَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّمَا يؤخرهم ليَوْم تشخص فِيهِ الْأَبْصَار} قَالَ: شخصت فِيهِ وَالله أَبْصَارهم فَلَا ترتد إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن جريروابن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مهطعين} قَالَ: يَعْنِي بالاهطاع النّظر من غير أَن تطرف {مقنعي رؤوسهم} قَالَ: الاقناع رفع رؤوسهم {لَا يرْتَد إِلَيْهِم طرفهم} قَالَ: شاخصة أَبْصَارهم {وأفئدتهم هَوَاء} لَيْسَ فِيهَا شَيْء من الْخَيْر فَهِيَ كالخربة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {مهطعين} قَالَ: مديمي النّظر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {مُهْطِعِين} قَالَ: مُسْرِعين
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {مُهْطِعِين} مَا المهطع قَالَ: النَّاظر
قَالَ فِيهِ الشَّاعِر: إِذا دَعَانَا فأهطعنا لدعوته دَاع سميع فلفونا وساقونا قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن قَوْله: {مقنعي رؤوسهم} مَا الْمقنع قَالَ: الرافع رَأسه
قَالَ فِيهِ كَعْب بن زُهَيْر:(5/50)
هجان وحمر مقنعات رؤوسها وأصفر مشمول من الزهر فَاقِع وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن تَمِيم بن حذام رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مهطعين} قَالَ: هُوَ التجميح وَالْعرب تَقول للرجل إِذا قبض مابين عَيْنَيْهِ: لقد جمح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مقنعي رؤوسهم} قَالَ: رافعي رؤوسهم يجيئون وهم ينظرُونَ {لَا يرْتَد إِلَيْهِم طرفهم وأفئدتهم هَوَاء} تمور فِي أَجْوَافهم إِلَى حُلُوقهمْ لَيْسَ لَهَا مَكَان تَسْتَقِر فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وأفئدتهم هَوَاء} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء خرجت من صُدُورهمْ فشبت فِي حُلُوقهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مرّة رَضِي الله عَنهُ {وأفئدتهم هَوَاء} قَالَ: متخرقة لَا تعي شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يحْشر النَّاس هَكَذَا وَوضع رَأسه وَأمْسك بِيَمِينِهِ على شِمَاله عِنْد صَدره
آيَة 44 - 49(5/51)
وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وأنذر النَّاس يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب} يَقُول: أَنْذرهُمْ فِي الدُّنْيَا من قبل أَن يَأْتِيهم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وأنذر النَّاس يَوْم يَأْتِيهم الْعَذَاب} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة {فَيَقُول الَّذين ظلمُوا رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب} قَالَ: مُدَّة يعْملُونَ فِيهَا من الدُّنْيَا {أولم تَكُونُوا أقسمتم من قبل} لقَوْله: (وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت) {مَا لكم من زَوَال} قَالَ: الِانْتِقَال من الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن أهل النَّار ينادون {رَبنَا أخرنا إِلَى أجل قريب نجب دعوتك وَنَتبع الرُّسُل} فَرد عَلَيْهِم {أولم تَكُونُوا أقسمتم من قبل مَا لكم من زَوَال} إِلَى قَوْله: {لتزول مِنْهُ الْجبَال}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَا لكم من زَوَال} عَمَّا أَنْتُم فِيهِ إِلَى مَا تَقولُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {مَا لكم من زَوَال} قَالَ: بعث بعد الْمَوْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وسكنتم فِي مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم} قَالَ: سكن النَّاس فِي مسَاكِن قوم نوح وَعَاد وَثَمُود
وقرون بَين ذَلِك كَثِيرَة مِمَّن هلك من الْأُمَم {وَتبين لكم كَيفَ فعلنَا بهم وضربنا لكم الْأَمْثَال} قَالَ: قد وَالله بعث الله رسله وَأنزل كتبه وَضرب لكم الْأَمْثَال فَلَا يصم فِيهَا إِلَّا الأصمّ وَلَا يخيب إِلَّا الخائب فاعقلوا عَن الله أمره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وسكنتم فِي مسَاكِن الَّذين ظلمُوا أنفسهم} قَالَ: عملتم بِمثل أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وضربنا لكم الْأَمْثَال} قَالَ: الْأَشْبَاه(5/52)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ} يَقُول: مَا كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرْبَعَة أحرف فِي الْقُرْآن {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} مَا كَانَ مَكْرهمْ وَقَوله: (لاتخذناه من لدنا إِن كُنَّا فاعلين) مَا كُنَّا فاعلين
وَقَوله: (إِن كَانَ للرحمن ولد) مَا كَانَ للرحمن من ولد وَقَوله: (وَلَقَد مكناهم فِي مَا إِن مكناهم فِيهِ) مَا مكناكم فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ} يَقُول شركهم
كَقَوْلِه: (تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ)
وأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا لقد جئْتُمْ شَيْئا إدا تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدا)
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَن الْحسن كَانَ يَقُول: كَانَ أَهْون على الله وأصغر من أَن تَزُول مِنْهُ الْجبَال يصفهم بذلك
قَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ: وَفِي مصحف عبد الله بن مَسْعُود {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} وَكَانَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول عِنْد ذَلِك (تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدّا) أَي لكلامهم ذَلِك
وَأخرج ابْن حميد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر: كَانَ يقْرَأ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ} بالنُّون {لتزول} بِرَفْع اللَّام الثَّانِيَة وَفتح الأولى
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرَأ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول} بِكَسْر اللَّام الأولى وَفتح الثَّانِيَة
وَيَقُول: فَإِن مَكْرهمْ أَهْون وأضعف من ذَلِك
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَرَأَ وَإِن كَاد مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال يَعْنِي بِالدَّال(5/53)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه كَانَ يقْرَأ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ}
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أبِي بن كَعْب أَنه قَرَأَ {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ وَإِن كَاد مَكْرهمْ
قَالَ: وَتَفْسِيره عِنْده (تكَاد السَّمَوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال) (هَذَا أَن دعوا للرحمن ولدا)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ {لتزول} بِفَتْح اللَّام الأولى وَرفع الثَّانِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} ثمَّ فَسرهَا فَقَالَ: إِن جباراً من الْجَبَابِرَة قَالَ: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أنظر إِلَى مَا فِي السَّمَاء فَأمر بفراخ النسور تعلف اللَّحْم حَتَّى شبت وغلظت وَأمر بتابوت فنجر يسع رجلَيْنِ ثمَّ جعل فِي وَسطه خَشَبَة ثمَّ ربط أرجلهن بِأَوْتَادٍ ثمَّ جوَّعهن ثمَّ جعل على رَأس الْخَشَبَة لَحْمًا ثمَّ دخل هُوَ وَصَاحبه فِي التابوت ثمَّ ربطهن إِلَى قَوَائِم التابوت ثمَّ خلى عَنْهُن يردن اللَّحْم فذهبن بِهِ مَا شَاءَ الله تَعَالَى
ثمَّ قَالَ لصَاحبه: افْتَحْ فَانْظُر مَاذَا ترى
فَفتح فَقَالَ: أنظر إِلَى الْجبَال
كَأَنَّهَا الذُّبَاب
قَالَ: أغلق
فأغلق فطرن بِهِ مَا شَاءَ الله ثمَّ قَالَ: افْتَحْ
فَفتح
فَقَالَ: انْظُر مَاذَا ترى
فَقَالَ: مَا أرى إِلَّا السَّمَاء وَمَا أَرَاهَا تزداد إِلَّا بعدا
قَالَ: صوّب الْخَشَبَة
فصوّبها فانقضت تُرِيدُ اللَّحْم فَسمع الْجبَال هدتها فَكَادَتْ تَزُول عَن مراتبها
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَخذ الَّذِي حاجَّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فِي ربه نسرين صغيرين فربّاهما حَتَّى استغلظا واستعلجا وشبّا فأوثق رجل كل وَاحِد مِنْهُمَا بِوتْر إِلَى تَابُوت
وجوّعهما وَقعد هُوَ وَرجل آخر فِي التابوت وَرفع فِي التابوت عَصا على رَأسه اللَّحْم فطَارَا وَجعل يَقُول لصَاحبه: انْظُر مَاذَا ترى قَالَ: أرى كَذَا وَكَذَا
حَتَّى قَالَ: أرى الدُّنْيَا كَأَنَّهَا ذُبَاب
قَالَ: صوّب الْعَصَا
فَصَوَّبَها فهبطا
قَالَ: فَهُوَ قَول الله تَعَالَى: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال}(5/54)
وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَن بخت نصر جوّع نسوراً ثمَّ جعل عَلَيْهِنَّ تابوتاً ثمَّ دخله وَجعل رماحاً فِي أطرافها وَاللَّحم فَوْقهَا فَعَلَتْ تذْهب نَحْو اللَّحْم حَتَّى انْقَطع بَصَره من الأَرْض وَأَهْلهَا فَنُوديَ: أَيهَا الطاغية أَيْن تُرِيدُ فَفرق ثمَّ سمع الصَّوْت فَوْقه فصوب الرماح فقوضت النسور فَفَزِعت الْجبَال من هدّتها وكادت الْجبَال أَن تَزُول من حسّ ذَلِك
فَذَلِك قَوْله: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} كَذَا قَرَأَهَا مُجَاهِد
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: إِن نمْرُود صَاحب النسور لَعنه الله أَمر بتابوت فَجعل وَجعل مَعَه رجلا ثمَّ أَمر بالنسور فَاحْتمل فَلَمَّا صعد قَالَ لصَاحبه: أَي شَيْء ترى قَالَ: أرى المَاء وجزيرة - يَعْنِي الدُّنْيَا - ثمَّ صعد فَقَالَ لصَاحبه: أَي شَيْء ترى قَالَ: مَا نزداد من السَّمَاء إِلَّا بعدا
قَالَ: اهبط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي عُبَيْدَة إِن جبارا من الْجَبَابِرَة قَالَ: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أنظر إِلَى من فِي السَّمَاء
فَسلط عَلَيْهِ أَضْعَف خلقه فَدخلت بعوضة فِي أَنفه فَأَخذه الْمَوْت فَقَالَ: اضربوا رَأْسِي
فضربوه حَتَّى نثروا دماغه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} قَالَ: انْطلق نَاس وَأخذُوا هَذِه النسور فعلقوا عَلَيْهَا كَهَيئَةِ التوابيت ثمَّ أرسلوها فِي السَّمَاء فرأتها الْجبَال فظنت أَنه شَيْء نزل من السَّمَاء فتحركت لذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: أَمر الَّذِي حاجّ إِبْرَاهِيم فِي ربه بإبراهيم فَأخْرج من مدينته فلقي لوطاً على بَاب الْمَدِينَة وَهُوَ ابْن أَخِيه فَدَعَاهُ فَآمن بِهِ وَقَالَ: إِنِّي مهَاجر إِلَى رَبِّي
وَحلف نمْرُود أَن يطْلب إِلَه إِبْرَاهِيم فَأخذ أَرْبَعَة فراخ من فراخ النسور فربّاهن بالخبز وَاللَّحم
حَتَّى إِذا كبرن وغلظن واستعلجن قرنهنّ بتابوت وَقعد فِي ذَلِك التابوت ثمَّ رفع رجلا من لحم لَهُنَّ فطرن حَتَّى إِذا دهم فِي السَّمَاء أشرف فَنظر إِلَى الأَرْض وَإِلَى الْجبَال تدب كدبيب النَّمْل ثمَّ رفع لَهُنَّ اللَّحْم ثمَّ نظر فَرَأى الأَرْض محيطاً بهَا بَحر كَأَنَّهَا فلكة فِي مَاء ثمَّ(5/55)
رفع طَويلا فِي ظلمَة فَلم ير مَا فَوْقه وَلم ير مَا تَحْتَهُ فَألْقى اللَّحْم فَأَتْبَعته منقضات فَلَمَّا نظرت الْجبَال إلَيْهِنَّ قد أقبلن منقضات وسمعن حفيفهن فزعت الْجبَال وكادت أَن تَزُول من أمكنتها وَلم يفعلن
فَذَلِك قَوْله: {وَقد مكروا مَكْرهمْ وَعند الله مَكْرهمْ وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال} وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود وَإِن كَاد مَكْرهمْ فَكَانَ طيورهن بِهِ من بَيت الْمُقَدّس ووقوعهن فِي جبال الدُّخان
فَلَمَّا رأى أَنه لَا يُطيق شَيْئا أَخذ فِي بُنيان الصرح فبناه حَتَّى أسْندهُ إِلَى السَّمَاء ارْتقى فَوْقه ينظر يزْعم إِلَى إِلَه إِبْرَاهِيم فأحدث وَلم يكن يحدث وَأخذ الله بُنْيَانه من الْقَوَاعِد (فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم وأتاهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ) (النَّحْل آيَة 26
) يَقُول: من مأمنهم وَأَخذهم من أساس الصرح فَانْتقضَ بهم
سقط فتبلبت أَلْسِنَة النَّاس يَوْمئِذٍ من الْفَزع فتكلموا بِثَلَاثَة وَسبعين لِسَانا فَلذَلِك سميت بابل وَكَانَ قبل ذَلِك بالسُّرْيَانيَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن الله عَزِيز ذُو انتقام} قَالَ: عَزِيز وَالله فِي أمره يملي وكيده متين ثمَّ إِذا انتقم انتقم بِقَدرِهِ
وَأخرج مُسلم وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ حبر من الْيَهُود إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيْن يكون النَّاس يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض فَقَالَ رَسُول الله صاى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم فِي الظلمَة دون الجسر
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أَنا أول النَّاس سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه الْآيَة {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قلت: أَيْن النَّاس يَوْمئِذٍ قَالَ على الصِّرَاط
وَأخرج البرَاز وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَول الله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: أَرض بَيْضَاء كَأَنَّهَا فضَّة لم يسفك فِيهَا دم حرَام وَلم يعْمل فِيهَا خَطِيئَة(5/56)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: تبدل الأَرْض أَرضًا بَيْضَاء كَأَنَّهَا سبيكة فضَّة لم يسفك فِيهَا دم حرَام وَلم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن ثَابت قَالَ: أَتَى الْيَهُود النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونه فَقَالَ: جاؤوني
سأخبرهم قبل أَن يَسْأَلُونِي {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: أَرض بَيْضَاء كالفضة فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: أَرض بَيْضَاء كالنقي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} قَالَ: أَرض بَيْضَاء لم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة وَلم يسفك عَلَيْهَا دم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} قَالَ: يبدلها الله يَوْم الْقِيَامَة بِأَرْض من فضَّة لم يعْمل عَلَيْهَا الْخَطَايَا ثمَّ ينزل الْجَبَّار عز وَجل عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي الْآيَة قَالَ: تبدل الأَرْض من فضَّة وَالسَّمَاء من ذهب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} زعم أَنَّهَا تكون فضَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} قَالَ: أَرض كَأَنَّهَا فضَّة وَالسَّمَاوَات كَذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات} قَالَ: يُزَاد فِيهَا وَينْقص مِنْهَا وَتذهب آكامها وجبالها وأوديتها وشجرها وَمَا فِيهَا وتمد مدّ الْأَدِيم العكاظي أَرض بَيْضَاء مثل الْفضة لم يسفك فِيهَا دم وَلم يعْمل عَلَيْهَا خَطِيئَة وَالسَّمَوَات تذْهب شمسها وقمرها وننجومها
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على أَرض بَيْضَاء عفراء كقرصة نقي لَيْسَ فِيهَا معلم لأحد(5/57)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تكون الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة خبْزَة وَاحِدَة يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّار بِيَدِهِ كَمَا يَتَكَفَّأ أحدكُم خبزته فِي السفرة نزلا لأهل الْجنَّة
قَالَ: فَأَتَاهُ رجل من الْيَهُود فَقَالَ: بَارك الله عَلَيْك أَبَا الْقَاسِم
أَلا أخْبرك بِنزل أهل الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: تكون الأَرْض خبْزَة وَاحِدَة يَوْم الْقِيَامَة كَمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَنظر إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ثمَّ قَالَ: أَلا أخْبرك بِإِدَامِهِمْ قَالَ: بلَى
قَالَ: إدَامهمْ ثَوْر
قَالُوا: ماهذا قَالَ هَذَا ثَوْر بِالْأُمِّ يَأْكُل من زِيَادَة كَبِدهَا سَبْعُونَ ألفا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَفْلح مولى أبي أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا من يهود سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} مَا الَّذِي تبدل بِهِ فَقَالَ: خبْزَة
فَقَالَ الْيَهُودِيّ: درمكة بِأبي أَنْت
قَالَ: فَضَحِك ثمَّ قَالَ: قَاتل الله يهود هَل تَدْرُونَ مَا الدرمكة لباب الْخبز
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: تبدل الأَرْض خبْزَة بَيْضَاء يَأْكُل الْمُؤمن وَمن تَحت قَدَمَيْهِ
وَأخرج وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تبدل الأَرْض بَيْضَاء مثل الخبزة يَأْكُل مِنْهَا أهل الإسلا م حَتَّى يفرغوا من الْحساب
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} قَالَ: خبز يَأْكُل مِنْهَا الْمُؤْمِنُونَ من تَحت أَقْدَامهم
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حبر من الْيَهُود وَقَالَ: أَرَأَيْت إِذْ يَقُول الله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} فَأَيْنَ الْخلق عِنْد ذَلِك قَالَ: أضياف الله لن يعجزهم مَا لَدَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة
قَالَ: بلغنَا أَن هَذِه الأَرْض تطوى وَإِلَى جنبها أُخْرَى يحْشر النَّاس مِنْهَا إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ: تغير السَّمَوَات جنَانًا وَيصير مَكَان الْبَحْر نَارا وتبدل الأَرْض غَيرهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الأَرْض كلهَا نَار يَوْم الْقِيَامَة(5/58)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {يَوْم تبدل الأَرْض غير الأَرْض} الْآيَة
قَالَ: هَذَا يَوْم الْقِيَامَة خلق سوى الْخلق الأول
وأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: هِيَ رُخَام من الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مُقرنين فِي الأصفاد} قَالَ: الكبول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مُقرنين فِي الأصفاد} قَالَ: فِي الْقُيُود والاغلال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فِي الأصفاد} قَالَ: فِي السلَاسِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فِي الأصفاد} يَقُول: فِي وثاق
آيَة 50 - 52(5/59)
سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {سرابيلهم} قَالَ: قمصهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: السرابيل القمص
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من قطران} قَالَ: قطران الابل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {من قطران} قَالَ: هَذَا القطران يطلى بِهِ حَتَّى يشتعل نَارا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من قطران} قَالَ: هُوَ النّحاس الْمُذَاب(5/59)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: سرابيلهم من قطرآن قَالَ: من نُحَاس آن قَالَ: قد أَنى لَهُم أَن يعذبوا بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ من قطر آن قَالَ: الْقطر الصفر والآن الْحَار
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرؤهَا من قطر قَالَ: من صفر يحمي عَلَيْهِ آن
قَالَ: قد انْتهى حره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وتغشى وُجُوههم النَّار} قَالَ تلفحهم فتحرقهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النائحة إِذا لم تتب قبل مَوتهَا تُقَام يَوْم الْقِيَامَة وَعَلَيْهَا سربال من قطران وَدرع من حَرْب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النائحة إِذْ لم تتب قبل مَوتهَا توقف فِي طَرِيق بَين الْجنَّة وَالنَّار سرابيلها من قطران وتغشى وَجههَا النَّار
أما قَوْله تَعَالَى: {هَذَا بَلَاغ للنَّاس ولينذروا بِهِ وليعلموا أَنما هُوَ إِلَه وَاحِد وليذكر أولُوا الْأَلْبَاب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {هَذَا بَلَاغ للنَّاس} قَالَ الْقُرْآن (ولينذروا بِهِ) قَالَ بِالْقُرْآنِ(5/60)
(15)
سُورَة الْحجر
مَكِّيَّة وأياتها تسع وَتسْعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الْحجر أخرج النّحاس فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة الْحجر بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت سُورَة الْحجر بِمَكَّة
آيَة 1 - 2(5/61)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الر} و {الم} قَالَ: فواتح يفْتَتح بهَا كَلَامه {تِلْكَ آيَات الْكتاب} قَالَ التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب} قَالَ: الْكتب الَّتِي كَانَت قبل الْقُرْآن {وَقُرْآن مُبين} قَالَ: مُبين وَالله هداه ورشده وخيره
قَوْله تَعَالَى: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}
أخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَأبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَالُوا: ودّ الْمُشْركُونَ يَوْم بدر حِين ضربت أَعْنَاقهم حِين عرضوا على النَّار أَنهم كَانُوا مُؤمنين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس(5/61)
رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة يتَمَنَّى الَّذين كفرُوا {لَو كَانُوا مُسلمين} قَالَ: مُوَحِّدين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَالَ: هَذَا فِي الجهنميين
إِذا رَأَوْهُمْ يخرجُون من النَّار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد بن السّري فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم فِي صَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا زَالَ الله يشفع وَيدخل الْجنَّة ويشفع وَيرْحَم حَتَّى يَقُول: من كَانَ مُسلما فَلْيدْخلْ الْجنَّة
فَذَلِك قَوْله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس وَأنس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا تذاكرا هَذِه الْآيَة {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} فَقَالَا: هَذَا حَيْثُ يجمع الله بَين أهل الْخَطَايَا من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين فِي النَّار فَيَقُول الْمُشْركُونَ: مَا أغْنى عَنْكُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ
فيغضب الله لَهُم فيخرجهم بِفضل رَحمته
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَالَ: إِذا خرج من النَّار من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صاى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن نَاسا من أمتِي يُعَذبُونَ بِذُنُوبِهِمْ فيكونون فِي النَّار مَا شَاءَ الله أَن يَكُونُوا ثمَّ يعيرهم أهل الشّرك فَيَقُولُونَ: مَا نرى مَا كُنْتُم فِيهِ من تصديقكم نفعكم
فَلَا يبْقى موحد إِلَّا أخرجه الله تَعَالَى من النَّار ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي عَاصِم فِي السّنة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا اجْتمع أهل النَّار فِي النَّار وَمَعَهُمْ من شَاءَ الله من أهل الْقبْلَة قَالَ الْكفَّار للْمُسلمين: ألم تَكُونُوا مُسلمين قَالُوا: بلَى
قَالُوا: فَمَا أغْنى عَنْكُم الإِسلام وَقد صرتم مَعنا فِي النَّار قَالُوا: كَانَت لنا ذنُوب فأخذنا بهَا
فَسمع الله مَا قَالُوا فَأمر بِكُل من كَانَ فِي النَّار من أهل الْقبْلَة(5/62)
فأخرجوا فَلَمَّا رأى ذَلِك من بَقِي من الْكفَّار قَالُوا: يَا ليتنا كُنَّا مُسلمين فنخرج كَمَا خَرجُوا ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب وَقُرْآن مُبين رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}
وَأخرج اسحق بن رَاهَوَيْه وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه سُئِلَ: هَل سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْآيَة شَيْئا {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَالَ: نعم سمعته يَقُول: يُخْرج الله أُنَاسًا من الْمُؤمنِينَ من النَّار بَعْدَمَا يَأْخُذ نقمته مِنْهُم لما أدخلهم الله النَّار مَعَ الْمُشْركين قَالَ لَهُم الْمُشْركُونَ: ألستم كُنْتُم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ أَوْلِيَاء الله فِي الدُّنْيَا فَمَا بالكم مَعنا فِي النَّار فَإِذا سمع الله ذَلِك مِنْهُم أذن فِي الشَّفَاعَة لَهُم فَيشفع الْمَلَائِكَة والنبيون والمؤمنون حَتَّى يخرجُوا بِإِذن الله فاذا رأى الْمُشْركُونَ ذَلِك قَالُوا: يَا ليتنا كُنَّا مثلهم فتدركنا الشَّفَاعَة فنخرج مَعَهم
فَذَلِك قَول الله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَالَ: فيسمون فِي الْجنَّة الجهنميين من أجل سَواد فِي وُجُوههم فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا أذهب عَنَّا هَذَا الِاسْم فيأمرهم فيغتسلون فِي نهر الْجنَّة فَيذْهب ذَلِك الِاسْم عَنْهُم
وَأخرج هناد بن السّري وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن نَاسا من أهل لَا إِلَه إِلَّا الله يدْخلُونَ النَّار بِذُنُوبِهِمْ فَيَقُول لَهُم أهل اللات والعزى: مَا أغْنى عَنْكُم قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنْتُم مَعنا فِي النَّار فيغضب الله لَهُم فيخرجهم فيلقيهم فِي نهر الْحَيَاة فيبرؤون من حرقهم كَمَا يبرأ الْقَمَر من خسوفه فَيدْخلُونَ الْجنَّة ويسمون فِيهَا الجهنميين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول من يَأْذَن الله عز وَجل لَهُ يَوْم الْقِيَامَة فِي الْكَلَام والشفاعة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيُقَال لَهُ: قلْ تسمعْ وسلْ تُعْطَه
قَالَ: فَيَخرُّ سَاجِدا(5/63)
فيثني على الله ثَنَاء لم يُثْنِ عَلَيْهِ أحدٌ فَيُقَال: ارْفَعْ رَأسك
فيرفع رَأسه فَيَقُول: أَي رب أمتِي
أمتِي
فَيخرج لَهُ ثلث من فِي النَّار من أمته ثمَّ يُقَال: قل تسمع وسل تعط
فيخرّ سَاجِدا فيثني على الله ثَنَاء لم يثنه أحد
فَيُقَال: ارْفَعْ رَأسك
فيرفع رَأسه وَيَقُول: أَي رب أمتِي
أمتِي
فَيخرج لَهُ ثلث آخر من أمته ثمَّ يُقَال لَهُ: قل تسمع وسل تعط
فيخرّ سَاجِدا فيثني على الله ثَنَاء لم يثنه أحد
فَيُقَال: ارْفَعْ رَأسك
فيرفع رَأسه وَيَقُول: رب أمتِي
أمتِي
فَيخرج لَهُ الثُّلُث الْبَاقِي
فَقيل لِلْحسنِ: أَن أَبَا حَمْزَة يحدث بِكَذَا وَكَذَا
فَقَالَ: يرحم الله أَبَا حَمْزَة نسي الرَّابِعَة
قيل وَمَا الرَّابِعَة قَالَ: من لَيست لَهُ حَسَنَة إِلَّا لَا إِلَه إِلَّا الله
فَيَقُول: رب أمتِي
أمتِي
فَيُقَال لَهُ: يَا مُحَمَّد هَؤُلَاءِ ينجيهم الله برحمته حَتَّى لَا يبْقى أحد مِمَّن قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول أهل جَهَنَّم (مَا لنا من شافعين وَلَا صديق حميم فَلَو أَن لنا كرة فنكون من الْمُؤمنِينَ) وَقَوله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يقوم نَبِيكُم رَابِع أَرْبَعَة فَيشفع فَلَا يبْقى فِي النَّار إِلَّا مَا شَاءَ الله من الْمُشْركين فَذَلِك قَوْله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن شاهين فِي السّنة عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَصْحَاب الْكَبَائِر من موحّدي الْأُمَم كلهَا الَّذين مَاتُوا على كبائرهم غير نادمين وَلَا تَائِبين من دخل مِنْهُم جَهَنَّم لَا تزرقّ أَعينهم وَلَا تسودّ وُجُوههم وَلَا يقرنون بالشياطين وَلَا يغلون بالسلاسل وَلَا يجرعون الْحَمِيم وَلَا يلبسُونَ القطران حرم الله أَجْسَادهم على الخلود من أجل التَّوْحِيد وصورهم على النَّار من أجل السُّجُود فَمنهمْ من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى قَدَمَيْهِ وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى عَقِبَيْهِ وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى فَخذيهِ وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى حجزته وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى عُنُقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم وَمِنْهُم منن يمْكث فِيهَا شهرا ثمَّ يخرج مِنْهَا وَمِنْهُم من يمْكث فِيهَا سنة ثمَّ يخرج مِنْهَا وأطولهم فِيهَا مكثاً بِقدر الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْم خلقت إِلَى أَن تفنى فَإِذا أَرَادَ الله أَن يخرجهم مِنْهَا قَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَمن فِي النَّار من أهل الْأَدْيَان والأوثان لمن فِي النَّار من أهل التَّوْحِيد: آمنتم بِاللَّه وَكتبه وَرُسُله فَنحْن وَأَنْتُم الْيَوْم فِي النَّار سَوَاء
فيغضب الله لَهُم غَضَباً لم يغضَبْه لشَيْء فِيمَا مضى فيخرجهم إِلَى عين بَين الْجنَّة والصراط فينبتون فِيهَا نَبَات الطراثيث فِي حميل السَّيْل ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة
مَكْتُوب فِي جباههم: هَؤُلَاءِ الجهنميون عُتَقَاء الرَّحْمَن
فيمكثون فِي الْجنَّة مَا شَاءَ الله أَن يمكثوا ثمَّ يسْأَلُون الله تَعَالَى أَن يمحو ذَلِك الإِسم عَنْهُم فيبعث الله ملكا فيمحوه ثمَّ يبْعَث الله مَلَائِكَة(5/64)
مَعَهم مسامير من نَار فيطبقونها على من بَقِي فِيهَا يسمرونها بِتِلْكَ المسامير فينساهم الله على عَرْشه ويشتغل عَنْهُم أهل الْجنَّة بنعيمهم ولذاتهم
وَذَلِكَ قَوْله: {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زَكَرِيَّا بن يحيى صَاحب الْقَضِيب قَالَ: سَأَلت أَبَا غَالب رَضِي الله عَنهُ عَن هَذِه الْآيَة {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انها نزلت فِي الْخَوَارِج حِين رَأَوْا تجَاوز الله عَن الْمُسلمين وَعَن هَذِه الْأمة وَالْجَمَاعَة قَالُوا: يَا ليتنا كُنَّا مُسلمين
وَأخرج الْحَاكِم فِي الكنى عَن حَمَّاد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن هَذِه الْآيَة {رُبمَا يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين} قَالَ: حدثت أَن أهل الشّرك قَالُوا لمن دخل النَّار من أهل الإِسلام: مَا أغْنى عَنْكُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ
فيغضب الله لَهُم فَيَقُول للْمَلَائكَة والنبيين: اشفعوا لَهُم
فيشفعون لَهُم فَيخْرجُونَ حَتَّى ان إِبْلِيس ليتطاول رَجَاء أَن يدْخل مَعَهم فَعِنْدَ ذَلِك {يود الَّذين كفرُوا لَو كَانُوا مُسلمين}
آيَة - 3(5/65)
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ذرهم يَأْكُلُوا ويتمتعوا} الْآيَة
قَالَ: هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ذرهم} قَالَ: خل عَنْهُم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده لَا أعلمهُ إِلَّا رَفعه
قَالَ: صَلَاح أوّل هَذِه الْأمة بالزهد وَالْيَقِين وَيهْلك آخرهَا بالبخل والأمل
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غرس عوداً بَين يَدَيْهِ وَآخر إِلَى جنبه وَآخر بعده
قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِن هَذَا الإِنسان وَهَذَا أَجله وَهَذَا أمله فيتعاطى الأمل فيختلجه الْأَجَل دون ذَلِك(5/65)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الأمل وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مُثّل الإِنسان والأمل وَالْأَجَل فمثّل الْأَجَل إِلَى جَانِبه والأمل أَمَامه فَبَيْنَمَا هُوَ يطْلب الأمل إِذْ أَتَاهُ الْأَجَل فاختلجه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطّ خُطُوطًا وَخط خطا مِنْهَا نَاحيَة فَقَالَ: أَتَدْرُونَ ماهذا
هَذَا مثل ابْن آدم وَذَاكَ الْخط الأمل فَبَيْنَمَا هُوَ يؤمل إِذْ جَاءَهُ الْمَوْت
آيَة 4 - 5(5/66)
وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ (4) مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (5)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا وَلها كتاب مَعْلُوم} قَالَ: أجل مَعْلُوم وَفِي قَوْله: {مَا تسبق من أمة أجلهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} قَالَ: لَا مستأخر بعده
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَا تسبق من أمة أجلهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} قَالَ: نرى أَنه إِذا حضر أَجله فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر سَاعَة وَلَا يقدم
وَأما مَا لم يحضر أَجله فَإِن الله يُؤَخر مَا شَاءَ وَيقدم مَا شَاءَ
آيَة 6 - 9(5/66)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (6) لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (7) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُنْظَرِينَ (8) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
أخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَقَالُوا يَا أَيهَا الَّذِي نزل عَلَيْهِ الذّكر} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {لَو مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} قَالَ: مَا بَين ذَلِك إِلَى قَوْله: {وَلَو فتحنا عَلَيْهِم بَابا من السَّمَاء} قَالَ وَهَذَا من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير {فظلوا فِيهِ يعرجون} أَي فظلت الْمَلَائِكَة تعرج فنظروا إِلَيْهِ {لقالوا إِنَّمَا سكرت أبصارنا}(5/66)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {مَا ننزل الْمَلَائِكَة إِلَّا بِالْحَقِّ} قَالَ: بالرسالة وَالْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَمَا كَانُوا إِذا منظرين} قَالَ: وَمَا كَانُوا لَو تنزلت الْمَلَائِكَة بمنظرين من أَن يعذبوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِنَّا لَهُ لحافظون} قَالَ: عندنَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وَقَالَ فِي آيَة آخرى: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه) (فصلت آيَة 42
) وَالْبَاطِل إِبْلِيس
قَالَ: فأنزله الله ثمَّ حفظه فَلَا يَسْتَطِيع إِبْلِيس أَن يزِيد فِيهِ بَاطِلا وَلَا ينقص مِنْهُ حَقًا حفظه الله من ذَلِك وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
آيَة 10 - 13(5/67)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (10) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (11) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (13)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد أرسلنَا من قبلك فِي شيع الْأَوَّلين} قَالَ: أُمَم الْأَوَّلين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس فِي قَوْله: {كَذَلِك نسلكه فِي قُلُوب الْمُجْرمين لَا يُؤمنُونَ بِهِ} قَالَ: الشّرك نسلكه فِي قُلُوب الْمُشْركين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {كَذَلِك نسلكه} قَالَ: الشّرك نسلكه فِي قُلُوبهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {كَذَلِك نسلكه فِي قُلُوب الْمُجْرمين لَا يُؤمنُونَ بِهِ} قَالَ: إِذا كذبُوا سلك الله فِي(5/67)
قُلُوبهم أَن لَا يُؤمنُوا بِهِ {وَقد خلت سُنّةُ الْأَوَّلين} قَالَ: وقائع الله فِيمَن خلا من الْأُمَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {كَذَلِك نسلكه} قَالَ: هم كَمَا قَالَ الله: هُوَ أضلهم ومنعهم الْإِيمَان
آيَة 14 - 15(5/68)
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَو فتحنا عَلَيْهِم بَابا من السَّمَاء فظلوا فِيهِ يعرجون} يَقُول: وَلَو فتحنا عَلَيْهِم بَابا من السَّمَاء فظلت الْمَلَائِكَة تعرج فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ذَاهِبين وجائين لقَالَ أهل الشّرك: إِنَّمَا أخذت أبصارنا وَشبه علينا وسحرنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَلَو فتحنا عَلَيْهِم بَابا من السَّمَاء فظلوا فِيهِ يعرجون} قَالَ: رَجَعَ إِلَى قَوْله: {لَو مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} مَا بَين ذَلِك قَالَ ابْن جريج: قَالَ ابْن عَبَّاس: فظلت الْمَلَائِكَة تعرج فنظروا إِلَيْهِم {لقالوا إِنَّمَا سكرت} سدت {أبصارنا} قَالَ: قُرَيْش تَقوله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سكرت أبصارنا} قَالَ: سدت
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ {سكرت أبصارنا} خَفِيفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: من قَرَأَ {سكرت} مُشَدّدَة يَعْنِي سدّت وَمن قَرَأَ {سكرت} مُخَفّفَة فَإِنَّهُ يَعْنِي سحرت
آيَة 16 - 23(5/68)
وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (17) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ (18) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (19) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (22) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَقَد جعلنَا فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: كواكب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَلَقَد جعلنَا فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: الْكَوَاكِب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبِي صَالح فِي قَوْله: {وَلَقَد جعلنَا فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: الْكَوَاكِب الْعِظَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {وَلَقَد جعلنَا فِي السَّمَاء بروجاً} قَالَ: قصوراً فِي السَّمَاء فِيهَا الحرس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وحفظناها من كل شَيْطَان رجيم} قَالَ: الرَّجِيم الملعون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِلَّا من اسْترق السّمع} فَأَرَادَ أَن يخطف السّمع كَقَوْلِه: (إِلَّا من خطف الْخَطفَة) (الصافات آيَة 10)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا من اسْترق السّمع} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه: (إِلَّا من خطف الْخَطفَة فَأتبعهُ شهَاب مُبين) قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: إِن الشهب لَا تَقْتُل وَلَكِن تحرُق وتخبل وتجرح من غير أَن تقتل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ جرير بن عبد الله حَدثنِي يَا رَسُول الله عَن السَّمَاء الدُّنْيَا وَالْأَرْض السُّفْلى
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِن الله خلقهَا من دُخان ثمَّ رَفعهَا وَجعل فِيهَا سِرَاجًا وقمراً منيراً وزينها بمصابيح النُّجُوم وَجعلهَا رجوماً للشياطين وحفظها من كل شَيْطَان رجيم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَالْأَرْض مددناها} قَالَ: قَالَ عز وَجل فِي آيَة أُخْرَى (وَالْأَرْض(5/69)
بعد ذَلِك دحاها) قَالَ: ذكر لنا أَن أم الْقرى مَكَّة وَمِنْهَا دحيت الأَرْض
قَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ الْحسن يَقُول: أَخذ طِينَة فَقَالَ لَهَا انبسطي
وَفِي قَوْله: {وألقينا فِيهَا رواسي} قَالَ: رواسيها جبالها {وأنبتنا فِيهَا من كل شَيْء مَوْزُون} يَقُول: مَعْلُوم مقسوم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأنبتنا فِيهَا من كل شَيْء مَوْزُون} قَالَ: مَعْلُوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {من كل شَيْء مَوْزُون} قَالَ: مُقَدّر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من كل شَيْء مَوْزُون} قَالَ: مُقَدّر بِقدر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {من كل شَيْء مَوْزُون} قَالَ: الْأَشْيَاء الَّتِي توزن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من كل شَيْء مَوْزُون} قَالَ: مَا أنبتت الْجبَال مثل الْكحل وَشبهه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن لَسْتُم لَهُ برازقين} قَالَ: الدَّوَابّ والأنعام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَنْصُور فِي قَوْله: {وَمن لَسْتُم لَهُ برازقين} قَالَ: الْوَحْش
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه فِي العظمة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خَزَائِن الله الْكَلَام فَإِذا أَرَادَ شَيْئا قَالَ لَهُ كن فَكَانَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه} قَالَ: الْمَطَر خاصّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} قَالَ: الْمَطَر(5/70)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الحكم بن عتيبة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} قَالَ: مَا من عَام بِأَكْثَرَ مطر من عَام وَلَا أقل ولكنه يمطر قوم وَيحرم آخَرُونَ وَرُبمَا كَانَ فِي الْبَحْر
قَالَ: وبلغنا أَنه ينزل مَعَ الْقطر من الْمَلَائِكَة أَكثر من عدد ولدِ إِبْلِيس وَولد آدم يُحصونَ كل قَطْرَة حَيْثُ تقع وَمَا تنْبت وَمن يرْزق ذَلِك النَّبَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا نقص الْمَطَر مُنْذُ أنزلهُ الله وَلَكِن تمطر أَرض أَكثر مِمَّا تمطر الْأُخْرَى ثمَّ قَرَأَ {وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا من عَام بِأَمْطَر من من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ حَيْثُ شَاءَ ثمَّ قَرَأَ {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رصي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ أحد بِأَكْسَبَ من أحد وَلَا عَام بِأَمْطَر من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من عَام بِأَمْطَر من عَام وَلَكِن الله يصرفهُ حَيْثُ يَشَاء من الْبلدَانِ وَمَا نزلت قَطْرَة من السَّمَاء وَلَا خرجت من ريح إِلَّا بِمِكْيَال أَو بميزان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا نزل قطر إِلَّا بميزان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: ألستم تعلمُونَ أَن كتاب الله حق قَالُوا: بلَى
قَالَ: فاقرؤوا هَذِه الْآيَة {وَإِن من شَيْء إِلَّا عندنَا خزائنه وَمَا ننزله إِلَّا بِقدر مَعْلُوم} ألستم تؤمنون بِهَذَا وتعلمون أَنه حق قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَكيف تَلُومُونَنِي بعد هَذَا فَقَامَ الْأَحْنَف فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَة وَالله مَا نلومك على مَا فِي خَزَائِن الله وَلَكِن إِنَّمَا نلومك على مَا أنزلهُ الله من خزائنه فَجَعَلته أَنْت فِي خزائنك وأغلقت عَلَيْهِ بابك
فَسكت مُعَاوِيَة(5/71)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب السَّحَاب وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي فِي مُسْند الفردوس بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ريح الْجنُوب من الْجنَّة وَهِي الرّيح اللواقح الَّتِي ذكر الله فِي كِتَابه وفيهَا مَنَافِع للنَّاس
وَالشمَال من النَّار تخرج فتمر بِالْجنَّةِ فيصيبها نفحة مِنْهَا فبردها هَذَا من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نصرت بالصبا وأهلكت عَاد بالدبور والجنوب من الْجنَّة وَهِي الرّيح اللواقح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} قَالَ: يُرْسل الله الرّيح فَتحمل المَاء فتلقح بِهِ السَّحَاب فيدرّ كَمَا تدر اللقحة ثمَّ تمطر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يُرْسل الله الرّيح فَتحمل المَاء من السَّحَاب فتمر بِهِ السَّحَاب فيدرّ كَمَا تدر اللقحة
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} قَالَ: تلقح الشّجر وتمري السَّحَاب
وَأخرج أبوعبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي رَجَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت لِلْحسنِ رَضِي الله عَنهُ {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} قَالَ: لَوَاقِح للشجر قلت: أَو للسحاب قَالَ: وللسحاب تمر بِهِ حَتَّى تمطر
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} قَالَ: تلقح المَاء فِي السَّحَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاح لَوَاقِح} قَالَ: الرِّيَاح يبعثها الله على السَّحَاب فتلحقه فيمتلئ مَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: الرِّيَاح اللواقح تخرج من تَحت صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن حبَان وَابْن السّني فِي عمل يَوْم وَلَيْلَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اشتدت الرّيح يَقُول: اللَّهُمَّ لقحاً لَا عقيماً(5/72)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: يبْعَث الله المبشرة فتعم الأَرْض بِمَاء ثمَّ يبْعَث المثيرة فتثير السَّحَاب فَيَجْعَلهُ كسفاً ثمَّ يبْعَث الْمُؤَلّفَة فتؤلف بَينه فَيَجْعَلهُ ركاماً ثمَّ يبْعَث اللواقح فتلحقه فتمطر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: الأوراح أَرْبَعَة: ريح تعم وريح تثير تَجْعَلهُ كسفاً وريح تَجْعَلهُ ركاماً وريح تمطر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله: {لَوَاقِح} قَالَ: تلقح السَّحَاب تجمعه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله: {وَمَا أَنْتُم لَهُ بخازنين} قَالَ: بمانعين
وَفِي قَوْله: {وَنحن الوارثون} قَالَ: الْوَارِث الْبَاقِي
آيَة 24 - 25(5/73)
وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق أبي الجوزاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت امْرَأَة تصلي خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسناء من أحسن النَّاس فَكَانَ بعض الْقَوْم يتَقَدَّم حَتَّى يكون فِي الصَّفّ الأول لِئَلَّا يَرَاهَا وَيَسْتَأْخِر بَعضهم حَتَّى يكون فِي الصَّفّ الْمُؤخر فَإِذا ركع نظر من تَحت إبطَيْهِ فَأنْزل الله {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الجوزاء فِي قَوْله: {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم} قَالَ: فِي الصُّفُوف فِي الصَّلَاة
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا أشبه أَن يكون أصح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: {الْمُسْتَقْدِمِينَ} الصُّفُوف الْمُتَقَدّمَة والمستأخرين الصُّفُوف المؤخرة
وَأخرج ابْن جرير عَن مَرْوَان بن الحكم قَالَ: كَانَ أنَاس يَسْتَأْخِرُونَ فِي الصُّفُوف من أجل النِّسَاء فَأنْزل الله {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم} الْآيَة(5/73)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن دَاوُد بن صَالح قَالَ: قَالَ سهل بن حنيف الْأنْصَارِيّ: أَتَدْرُونَ فيمَ أنزلت {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} قلت: فِي سَبِيل الله
قَالَ: لَا وَلكنهَا فِي صُفُوف الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خير صُفُوف الرِّجَال أوّلها وَشر صُفُوف الرِّجَال آخرهَا
وَخير صُفُوف النِّسَاء آخرهَا وَشر صُفُوف النِّسَاء أوّلها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خير صُفُوف الرِّجَال مقدمها وشرها مؤخرها
وَخير صُفُوف النِّسَاء آخرهَا وشرها مقدمها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خير صُفُوف الرِّجَال الْمُقدم وشرها الْمُؤخر
وَخير صُفُوف النِّسَاء الْمُؤخر وشرها الْمُقدم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الصَّفّ الأول لعلى مثل صف الْمَلَائِكَة وَلَو تعلمُونَ لابْتَدرْتموه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد والدارمي وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ الأول
وَفِي لفظ على الصُّفُوف الأول
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّفّ الْمُقدم رقة فَقَالَ: إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصُّفُوف الأول
فازدحم النَّاس عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الَّذين يصلونَ فِي الصُّفُوف الْمُتَقَدّمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَامر بن مَسْعُود الْقرشِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو يعلم النَّاس مَا فِي الصَّفّ الأول مَا صفوا إِلَّا بِقرْعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي على الصَّفّ الْمُقدم ثَلَاثًا وعَلى الثَّانِي وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم}(5/74)
الْآيَة
قَالَ: فِي صُفُوف الصَّلَاة والقتال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُعْتَمر بن سُلَيْمَان عَن شُعَيْب بن عبد الْملك عَن مقَاتل بن سُلَيْمَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم} الْآيَة
قَالَ: بلغنَا أَنه فِي الْقِتَال
قَالَ مُعْتَمر: فَحدثت أبي فَقَالَ: لقد نزلت هَذِه الْآيَة قبل أَن يفْرض الْقِتَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} قَالَ: المتقدمون فِي طَاعَة الله والمستأخرون فِي مَعْصِيّة الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الْمُتَقَدِّمين فِي الْخَيْر من الْأُمَم
والمستأخرين المبطئين فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} قَالَ: يَعْنِي بالمستقدمين من مَاتَ
وبالمستأخرين من هُوَ حَيّ لم يمت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: {الْمُسْتَقْدِمِينَ} آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَمن مضى من ذُريَّته
و {الْمُسْتَأْخِرِينَ} من فِي أصلاب الرِّجَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: {الْمُسْتَقْدِمِينَ} آدم وَمن مَعَه
حِين نزلت هَذِه الْآيَة و {الْمُسْتَأْخِرِينَ} من كَانَ ذُرِّيَّة الْخلق بعد وَهُوَ كل مَخْلُوق كل أُولَئِكَ قد علمهمْ عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عون بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ عَن هَذِه الْآيَة: أَهِي فِي صُفُوف الصَّلَاة قَالَ: لَا {الْمُسْتَقْدِمِينَ} الْمَيِّت والمقتول و {الْمُسْتَأْخِرِينَ} من يلْحق بهم من بعد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ وَمُجاهد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُم وَلَقَد علمنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} قَالَا: من مَاتَ وَمن بَقِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: قدّم خلقا وَأخر خلقا فَعلم مَا قدم وَعلم مَا آخر(5/75)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: المستقدمون مَا مضى من الْأُمَم
والمستأخرون أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن رَبك هُوَ يحشرهم} قَالَ: الأوّل وَالْآخر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَإِن رَبك هُوَ يحشرهم} قَالَ: يحْشر هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَإِن رَبك هُوَ يحشرهم} قَالَ: يحْشر الْمُسْتَقْدِمِينَ والمستأخرين
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن رَبك هُوَ يحشرهم} قَالَ: يجمعهُمْ يَوْم الْقِيَامَة جَمِيعًا
آيَة 26(5/76)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (26)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خلق الله الإِنسان من ثَلَاث: من طين لازب وصلصال وحمأ مسنون
فالطين اللازب اللَّازِم الْجيد
والصلصال المرقق الَّذِي يصنع مِنْهُ الفخار
والحمأ الْمسنون الطين فِيهِ الحمأة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {من صلصال} قَالَ: الصلصال المَاء يَقع على الأَرْض الطّيبَة ثمَّ يحسر عَنْهَا فتيبس ثمَّ تصير مثل الخزف الرقَاق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الصلصال هُوَ التُّرَاب الْيَابِس الَّذِي يبل بعد يبسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الصلصال طين خُلِطَ برمل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الصلصال الَّذِي إِذا ضَربته صلصل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصلصال التُّرَاب الْيَابِس الَّذِي يسمع لَهُ صلصلة(5/76)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الصلصال الطين تعصره بِيَدِك فَيخرج المَاء من بَين أصابعك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {من حمإ مسنون} قَالَ: من طين رطب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {من حمإ مسنون} قَالَ: من طين منتن
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {من حمإ مسنون} قَالَ: الحمأة السَّوْدَاء وَهِي الثاط أَيْضا
والمسنون المصور
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَهُوَ يمدح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أغر كَأَن الْبَدْر مُسِنَّة وَجهه جلا الْغَيْم عَنهُ ضوءة فتبددا وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: خلق آدم من أَدِيم الأَرْض فألقي على الأَرْض حَتَّى صَار طيناً لازباً وَهُوَ الطين الملتزق ثمَّ ترك حَتَّى صَار حمأ مسنوناً وَهُوَ المنتن ثمَّ خلقه الله بِيَدِهِ فَكَانَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مصوراً حَتَّى يبس فَصَارَ صلصالاً كالفخار إِذا ضرب عَلَيْهِ صلصل
فَذَلِك الصلصال والفخار مثل ذَلِك وَالله أعلم
آيَة 27 - 35(5/77)
وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (27) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الجان مسيخ الْجِنّ كَمَا القردة والخنازير مسيخ الإِنس(5/77)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {والجان خلقناه من قبل} وَهُوَ إِبْلِيس خلق من قبل آدم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ إِبْلِيس من حَيّ من أَحيَاء الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ خلقُوا من نَار السمُوم من بَين الْمَلَائِكَة قَالَ: وخلقت الْجِنّ الَّذين ذكرُوا فِي الْقُرْآن من مارج من نَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم} قَالَ: من أحسن النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من نَار السمُوم} الحارة الَّتِي تقتل
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {السمُوم} الَّتِي خلق مِنْهَا الجان جُزْء من سبعين جُزْءا من نَار جَهَنَّم ثمَّ قَرَأَ {والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من سبعين جُزْءا من النبوّة وَهَذِه النَّار جُزْء من سبعين جُزْءا من نَار السمُوم الَّتِي خلق مِنْهَا الجان وتلا هَذِه الْآيَة {والجان خلقناه من قبل من نَار السمُوم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خلق الجان وَالشَّيَاطِين من نَار الشَّمْس
آيَة 36 - 48(5/78)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {قَالَ رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون} قَالَ: أَرَادَ إِبْلِيس أَن لَا يَذُوق الْمَوْت فَقيل: {فَإنَّك من المنظرين إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم} قَالَ: النفخة الأولى يَمُوت فِيهَا إِبْلِيس وَبَين النفخة والنفخة أَرْبَعُونَ سنة
قَالَ: فَيَمُوت إِبْلِيس أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قَالَ فَإنَّك من المنظرين} قَالَ: فَلم ينظره إِلَى يَوْم الْبَعْث وَلَكِن أنظرهُ إِلَى الْوَقْت الْمَعْلُوم
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} قَالَ: هَذِه ثنية الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {هَذَا صِرَاط عليّ مُسْتَقِيم} قَالَ: الْحق يرجع إِلَى الله وَعَلِيهِ طَرِيقه لَا يعرج على شَيْء
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {هَذَا صِرَاط عليّ مُسْتَقِيم} يَقُول: إليّ مُسْتَقِيم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن زِيَاد بن أبي مَرْيَم وَعبد الله بن كثير أَنَّهُمَا قرآ هَذَا صِرَاط مُسْتَقِيم وَقَالا: {عليّ} هِيَ إليّ وبمنزلتها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيم} أَي رفيع مُسْتَقِيم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين أَنه كَانَ يقْرَأ {هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيم} يَعْنِي رفيع
وَأخرج ابْن جرير عَن قيس بن عباد أَنه قَرَأَ {هَذَا صِرَاط عَليّ مُسْتَقِيم} يَقُول: رفيع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان}(5/79)
قَالَ: عبَادي الَّذين قضيت لَهُم الْجنَّة {لَيْسَ لَك عَلَيْهِم} أَن يذنبوا ذَنبا إِلَّا أغفره لَهُم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما لعن إِبْلِيس تَغَيَّرت صورته عَن صُورَة الْمَلَائِكَة فجزع لذَلِك فرن رنة
فَكل رنة فِي الدُّنْيَا إِلَى يَوْم الْقَامَة مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن قسيط قَالَ: كَانَت الْأَنْبِيَاء تكون لَهُم مَسَاجِد خَارِجَة من قراها فَإِذا أَرَادَ النَّبِي أَن يستنبئ ربه عَن شَيْء خرج إِلَى مَسْجِد فصلى مَا كتب لَهُ ثمَّ سَأَلَ مَا بدا لَهُ
فَبينا نَبِي فِي مَسْجده إِذْ جَاءَ إِبْلِيس حَتَّى جلس بَينه وَبَين الْقبْلَة فَقَالَ النَّبِي: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم ثَلَاثًا
فَقَالَ إِبْلِيس: أَخْبرنِي بِأَيّ شَيْء تنجو مني قَالَ النَّبِي: بل أَخْبرنِي بِأَيّ شَيْء تغلب ابْن آدم فَأخذ كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه فَقَالَ النَّبِي: إِن الله يَقُول: {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} قَالَ: إِبْلِيس: قد سَمِعت هَذَا قبل أَن تولد
قَالَ النَّبِي: وَيَقُول الله (وَإِمَّا يَنْزغَنك من الشَّيْطَان نَزغ فاستعذ بِاللَّه) (الْأَعْرَاف آيَة 200) وَإِنِّي وَالله مَا أحسست بك قطّ إِلَّا استعذت بِاللَّه مِنْك
قَالَ إِبْلِيس صدقت
بِهَذَا تنجو مني
فَقَالَ النَّبِي: فَأَخْبرنِي بِأَيّ شَيْء تغلب ابْن آدم قَالَ: آخذه عِنْد الْغَضَب وَعند الْهوى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب} قَالَ: جَهَنَّم والسعير ولظى والحطمة وسقر والجحيم والهاوية وَهِي أَسْفَلهَا
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وهناد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طرق عَن عَليّ قَالَ: أَبْوَاب جَهَنَّم سَبْعَة بَعْضهَا فَوق بعض
فتملأ الأوّل ثمَّ الثَّانِي ثمَّ الثَّالِث حَتَّى تملأ كلهَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن خطاب بن عبد الله قَالَ: قَالَ عَليّ: أَتَدْرُونَ كَيفَ أَبْوَاب جَهَنَّم قُلْنَا: كنحو هَذِه الْأَبْوَاب
قَالَ: لَا وَلكنهَا هَكَذَا
وَوضع يَده فَوق وَبسط يَده على يَده(5/80)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْخَلِيل بن مرّة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَا ينَام حَتَّى يقْرَأ (تبَارك) و (حم) السَّجْدَة
وَقَالَ: الحواميم سبع وأبواب جَهَنَّم سبع: جَهَنَّم والحطمة ولظى وسعير وسقر الهاوية والجحيم
تَجِيء كل حَامِيم مِنْهَا يَوْم الْقِيَامَة تقف على بَاب من الْأَبْوَاب فَتَقول: اللَّهُمَّ لَا تدخل هَذَا الْبَاب من كَانَ يُؤمن بِي ويقرأني مُرْسل
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لِجَهَنَّم سَبْعَة أَبْوَاب بَاب مِنْهَا لمن سلّ السَّيْف على أمتِي
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: للنار بَاب لَا يدْخلهُ إِلَّا من شفى غيظه بسخط الله
وَأخرج أَبُو نعيم عَن عَطاء الخرساني قَالَ: لِجَهَنَّم سَبْعَة أَبْوَاب أَشدّهَا غمّاً وكرباً وحراً وأنتنها ريحًا للزناة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لِجَهَنَّم بَاب لَا يدْخل مِنْهُ إِلَّا من أخفرني فِي أهل بَيْتِي وأراق دِمَاءَهُمْ من بعدِي
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان والطبري وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عتبَة بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: للجنة ثَمَانِيَة أَبْوَاب وللنار سَبْعَة أبوب وَبَعضهَا أفضل من بعض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تطلع الشَّمْس من جَهَنَّم بَين قَرْني شَيْطَان فَمَا ترفع من السَّمَاء قَصَبَة إِلَّا فتح لَهَا بَاب من أَبْوَاب النَّار حَتَّى إِذا كَانَت الظهيرة فتحت أَبْوَاب النَّار كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب} قَالَ: لَهَا سَبْعَة أطباق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب} قَالَ: أوّلها جَهَنَّم ثمَّ لظى ثمَّ الحطمة ثمَّ السعير ثمَّ سقر ثمَّ الْجَحِيم ثمَّ الهاوية
والجحيم فِيهَا أَبُو جهل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم} قَالَ: فَهِيَ وَالله منَازِل بأعمالهم(5/81)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَسمَاء أَبْوَاب جَهَنَّم: الحطمة والهاوية ولظى وسقر والجحيم والسعير وجهنم وَالنَّار هِيَ جماع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {جُزْء مقسوم} قَالَ: فريق مقسوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم} قَالَ: بَاب للْيَهُود وَبَاب لِلنَّصَارَى وَبَاب للصائبين وَبَاب للمجوس وَبَاب للَّذين أشركوا - وهم كفار الْعَرَب - وَبَاب لِلْمُنَافِقين وَبَاب لأهل التَّوْحِيد فَأهل التَّوْحِيد يُرْجَى لَهُم وَلَا يُرْجَى للآخرين أبدا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: تطلع الشَّمْس من جَهَنَّم بَين قَرْني شَيْطَان فَمَا تترفع من السَّمَاء قصَّة إِلَّا فتح لَهَا بَاب من أَبْوَاب النَّار حَتَّى إِذا كَانَت الظهيرة فتحت أَبْوَاب النَّار كلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الصِّرَاط بَين ظَهْري جَهَنَّم دحض مزلة والأنبياء عَلَيْهِ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سلم سلم
والمارُّ كَلمعِ الْبَرْق وكطرف الْعين وكأجاويد الْخَيل وَالْبِغَال والركاب
وَشد على الأقدم فناج مُسلم ومخدوش مُرْسل ومطروح فِيهَا و {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سَمُرَة بن جُنْدُب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم} قَالَ: إِن من أهل النَّار مَنْ تَأْخُذهُ النَّار إِلَى كَعْبَيه وَإِن مِنْهُم من تَأْخُذهُ النَّار إِلَى حجزته وَمِنْهُم من تَأْخُذهُ إِلَى تراقيه منَازِل بأعمالهم فَذَلِك قَوْله: {لَهَا سَبْعَة أَبْوَاب لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم} قَالَ: على كل بَاب مِنْهَا سَبْعُونَ ألف سرادق من نَار فِي كل سرادق سَبْعُونَ ألف قبَّة من نَار فِي كل قبَّة سَبْعُونَ ألف تنور من نَار لكل تنور مِنْهَا سَبْعُونَ ألف كوّة من نَار فِي كل كوّة سَبْعُونَ ألف صَخْرَة من نَار على كل صَخْرَة مِنْهَا سَبْعُونَ ألف حجر من النَّار فِي كل حجر مِنْهَا سَبْعُونَ ألف عقرب من النَّار لكل عقرب مِنْهَا سَبْعُونَ ألف ذَنْب من نَار لكل ذَنْب مِنْهَا سَبْعُونَ ألف فقارة من نَار فِي كل فقارة مِنْهَا سَبْعُونَ ألف قلَّة من سم وَسَبْعُونَ ألف موقد من نَار يوقدون تِلْكَ النَّار وَقَالَ: إِن أوّل من دخل من(5/82)
أهل النَّار وجدوا على الْبَاب أَرْبَعمِائَة ألف من خَزَنَة جَهَنَّم وسود وُجُوههم كالحة أنيابهم قد نزع الله الرَّحْمَة من قُلُوبهم لَيْسَ فِي قلب مِنْهُم مِثْقَال ذرة من الرَّحْمَة
وَأخرج أَبُو نعيم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن جَهَنَّم لَتُسَعَّرُ كل يَوْم وتفتح أَبْوَابهَا إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة فَإِنَّهَا لَا تفتح أَبْوَابهَا وَلَا تُسَعَّر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أَحَق مَا استعيذ من جَهَنَّم فِي السَّاعَة الَّتِي تفتح فِيهَا أَبْوَابهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَهَنَّم سَبْعَة نيران لَيْسَ مِنْهَا نَار إِلَّا وَهِي تنظر إِلَى النَّار الَّتِي تحتهَا تخَاف أَن تأكلها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن فِي النَّار سجناً لَا يدْخلهُ إِلَّا شرّ الأشرار قراره نَار وسقفه نَار وجدرانه نَار وتلفح فِيهِ النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: للشهيد نور وَلمن قَاتل الحرورية عشرَة أنوار وَكَانَ يَقُول: لِجَهَنَّم سَبْعَة أَبْوَاب بَاب مِنْهَا للحرورية
قَالَ: وَلَقَد خَرجُوا فِي زمَان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تَارِيخه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى: {لكل بَاب مِنْهُم جُزْء مقسوم} قَالَ: جُزْء أشركوا بِاللَّه وجزء شكوا فِي الله وجزء غفلوا عَن الله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة انجفل النَّاس إِلَيْهِ فَجِئْته لأنظر فِي وَجهه فَلَمَّا رَأَيْت وَجهه عرفت أَن وَجهه لَيْسَ بِوَجْه كَذَّاب فَكَانَ أول شَيْء سَمِعت مِنْهُ أَن قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أطعموا الطَّعَام وأفشوا السَّلَام وصلوا الْأَرْحَام وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {آمِنين} قَالَ: أمنُوا الْمَوْت فَلَا يموتون وَلَا يكبرُونَ وَلَا يسقمون وَلَا يعرون وَلَا يجوعون(5/83)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق لُقْمَان بن عَامر عَن أبي أُمَامَة قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة أحد حَتَّى ينْزع الله مَا فِي صُدُورهمْ من غل وَحَتَّى أَنه لينزع من صدر الرجل بِمَنْزِلَة السَّبع الضاري
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ: يدْخل أهل الْجنَّة الْجنَّة على مَا فِي صُدُورهمْ فِي الدُّنْيَا من الشحناء والضغائن حَتَّى إِذا نزلُوا وتقابلوا على السرر نزع الله مَا فِي صُدُورهمْ فِي الدُّنْيَا من غل
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} قَالَ: الْعَدَاوَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} قَالَ: حَدثنَا أَبُو المتَوَكل النَّاجِي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يخلص الْمُؤْمِنُونَ من النَّار فيحبسون على قنطرة بَين الْجنَّة وَالنَّار فيقتص لبَعْضهِم من بعض مظالم كَانَت بَينهم فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذا هُذِّبوا ونقوا أذن لَهُم فِي دُخُول الْجنَّة: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لأَحَدهم أهْدى لمنزله فِي الْجنَّة من منزله الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا
قَالَ قَتَادةُ: وَكَانَ يُقَالُ: مَا يُشَبَّهُ بِهِمْ إِلاَّ أَهْلُ جُمُعَةٍ حِينَ انْصَرَفُوا مِنْ جُمُعَتِهِمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يحبس أهل الْجنَّة بعد مَا يجوزون الصِّرَاط حَتَّى يُؤْخَذ لبَعْضهِم من بعض ظلاماتهم فِي الدُّنْيَا ويدخلون الْجنَّة وَلَيْسَ فِي قُلُوب بَعضهم على بعض غل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الْكَرِيم بن رشيد قَالَ: يَنْتَهِي أهل الْجنَّة إِلَى بَاب الْجنَّة وهم يتلاحظون تلاحظ الغيران فَإِذا دخلوها نزع الله مَا فِي صُدُورهمْ من غل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: قَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: فِينَا وَالله أهل بدر نزلت {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبد الله بن مليل عَن عَليّ فِي قَوْله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} قَالَ: نزلت فِي ثَلَاثَة أَحيَاء من الْعَرَب: فِي بني هَاشم وَبني تيم وَبني عدي
وَفِي أبي بكر وَفِي عمر(5/84)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن كثير النواء قَالَ: قلت لأبي جَعْفَر إِن فلَانا حَدثنِي عَن عَليّ بن الْحُسَيْن أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أبي بكر وَعمر وَعلي {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} قَالَ: وَالله إِنَّهَا لفيهم أنزلت
وفيمن تنزل إِلَّا فيهم قلت: وَأي غل هُوَ قَالَ: غل الْجَاهِلِيَّة
إِن بني تيم وَبني عدي وَبني هَاشم كَانَ بَينهم فِي الْجَاهِلِيَّة
فَلَمَّا أسلم هَؤُلَاءِ الْقَوْم تحابّوا وَأخذت أَبَا بكر الخاصرة فَجعل عَليّ يسخن يَده فيكوي بهَا خاصرة أبي بكر
فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم من طرق عَن عَليّ أَنه قَالَ لِابْنِ طَلْحَة: إِنِّي أَرْجُو أَن أكون أَنا وَأَبُوك من الَّذين قَالَ الله فيهم {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا على سرر مُتَقَابلين} فَقَالَ رجل من هَمدَان: إِن الله أعدل من ذَلِك
فصاح عَليّ صَيْحَة تداعى لَهَا الْقصر وَقَالَ: فَمن اذن إِن لم نَكُنْ نَحن أُولَئِكَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: إِنِّي لأرجو أَن أكون أَنا وَعُثْمَان وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة مِمَّن قَالَ الله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} قَالَ: نزلت فِي عشرَة أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَسعد وَسَعِيد وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعبد الله بن مَسْعُود
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح مَوْقُوفا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق النُّعْمَان بن بشير عَن عَليّ {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل} قَالَ: ذَاك عُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَأَنا
وَأخرج هنّاد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {على سرر مُتَقَابلين} قَالَ: لَا يرى بَعضهم قفا بعض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أهل الْجنَّة لَا ينظر بَعضهم فِي قفا بعض ثمَّ قَرَأَ (متكئين عَلَيْهَا مُتَقَابلين)(5/85)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن زيد بن أبي أوفى قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتلا هَذِه الْآيَة {اخواناً على سرر مُتَقَابلين} المتحابين فِي الله فِي الْجنَّة ينظر بَعضهم إِلَى بعض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لَا يمسهم فِيهَا نصب} قَالَ: الْمَشَقَّة والأذى
الْآيَة 49 - 50(5/86)
نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)
أخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اطلع علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْبَاب الَّذِي يدْخل مِنْهُ بَنو شيبَة فَقَالَ: أَلا أَرَاكُم تضحكون ثمَّ أدبر حَتَّى إِذا كَانَ الْحجر رَجَعَ إِلَيْنَا الْقَهْقَرَى فَقَالَ: إِنِّي لمّا خرجت جَاءَ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله يَقُول: لم تقنط عبَادي {نبئ عبَادي أَنِّي أَنا الغفور الرَّحِيم وَأَن عَذَابي هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُصعب بن ثَابت قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَاس من أَصْحَابه يَضْحَكُونَ فَقَالَ: اذْكروا الْجنَّة واذْكُرُوا النَّار
فَنزلت {نبئ عبَادي أَنِّي أَنا الغفور الرَّحِيم}
وَأخرج البرَاز وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَفر من أَصْحَابه وَقد عرض لَهُم شَيْء يضحكهم فَقَالَ: أتضحكون وَذكر الْجنَّة وَالنَّار بَين أَيْدِيكُم وَنزلت هَذِه الْآيَة {نبئ عبَادي أَنِّي أَنا الغفور الرَّحِيم وَأَن عَذَابي هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا
فَقَالَ: هَذَا الْملك يُنَادي لَا تقنط عبَادي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {نبئ عبَادي أَنِّي أَنا الغفور الرَّحِيم وَأَن عَذَابي هُوَ الْعَذَاب الْأَلِيم} قَالَ: بلغنَا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو يعلم العَبْد قدر عَفْو الله لما تورّع من حرَام
وَلَو يعلم قدر عَذَابه لجمع نَفسه(5/86)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله خلق الرَّحْمَة يَوْم خلقهَا مائَة رَحْمَة فَأمْسك عِنْده تِسْعَة وَتِسْعين رَحْمَة وَأرْسل فِي خلقه كلهم رَحْمَة وَاحِدَة
فَلَو يعلم الْكَافِر كل الَّذِي عِنْد الله من رَحمته لم ييأس من الرَّحْمَة
فَلَو يعلم الْمُؤمن بِكُل الَّذِي عِنْد الله من الْعَذَاب لم يَأْمَن من النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على رَهْط من الصَّحَابَة وهم يتحدثون فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو تعلمُونَ مَا أعلم لَضَحكْتُمْ قَلِيلا وَلَبَكيتُم كثيرا
فَلَمَّا انصرفنا أوحى الله إِلَيْهِ أَن يَا مُحَمَّد لم تقنط عبَادي
فَرجع إِلَيْهِم فَقَالَ: أَبْشِرُوا وقاربوا وسددوا
آيَة 51 - 77(5/87)
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60) فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (71) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (75) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (76) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (77)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {قَالُوا لَا توجل} قَالُوا لَا تخف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَبِمَ تبشرون} قَالَ: عجب من كبره وَكبر امْرَأَته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {من القانطين} قَالَ: الآيسين
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْأَعْمَش عَن يحيى أَنه قَرَأَهَا فَلَا تكن من القنطين بِغَيْر ألف
قَالَ: وَقَرَأَ {وَمن يقنط من رَحْمَة ربه} مَفْتُوحَة النُّون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: من ذهب يقنط النَّاس من رَحْمَة الله أَو يقنط نَفسه قفد أَخطَأ ثمَّ نزع بِهَذِهِ الْآيَة {وَمن يقنط من رَحْمَة ربه إِلَّا الضالون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَمن يقنط من رَحْمَة ربه} قَالَ: من ييأس من رَحْمَة ربه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأحمد فِي الزّهْد عَن مُوسَى بن عَليّ عَن أَبِيه قَالَ: بَلغنِي أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لِابْنِهِ سَام: يَا بني لَا تدخلن الْقَبْر وَفِي قَلْبك مِثْقَال ذرة من الشّرك بِاللَّه فَإِنَّهُ من يَأْتِ الله عز وَجل مُشْركًا فَلَا حجَّة لَهُ
وَيَا بني لَا تدخل الْقَبْر وَفِي قَلْبك مِثْقَال ذرة من الْكبر فَإِن الْكبر رِدَاء الله فَمن يُنَازع الله رِدَاءَهُ يغْضب الله عَلَيْهِ
وَيَا بني لَا تدخلن الْقَبْر وَفِي قَلْبك مِثْقَال ذرة من الْقنُوط فَإِنَّهُ لَا يقنط من رَحْمَة الله إِلَّا ضال
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْفَاجِر الراجي لرحمة الله أقرب من العابد القنط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: بيني وَبَين الْقَدَرِيَّة هَذِه الْآيَة {إِلَّا امْرَأَته قَدرنَا إِنَّهَا لمن الغابرين}(5/88)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّكُم قوم منكرون} قَالَ: أنكرهم لوط
وَفِي قَوْله: {بِمَا كَانُوا فِيهِ يمترون} قَالَ: بِعَذَاب قوم لوط
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {بِمَا كَانُوا فِيهِ يمترون} قَالَ: يَشكونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَاتبع أدبارهم} قَالَ: أَمر أَن يكون خلف أَهله يتبع أدبارهم فِي آخِرهم إِذا مَشوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وامضوا حَيْثُ تؤمرون} قَالَ: أخرجهم إِلَى الشَّام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد {وقضينا إِلَيْهِ ذَلِك الْأَمر} قَالَ: أَوْحَينَا إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن دابر هَؤُلَاءِ مَقْطُوع} يَعْنِي استئصالهم وهلاكهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَجَاء أهل الْمَدِينَة يستبشرون} قَالَ: اسْتَبْشَرُوا بأضياف نَبِي الله لوط حِين نزلُوا بِهِ لما أَرَادوا أَن يَأْتُوا إِلَيْهِم من الْمُنكر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أَو لم ننهك عَن الْعَالمين} قَالَ: يَقُولُونَ أَن تضيف أحدا أَو تؤويه {قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنْتُم فاعلين} قَالَ: أَمرهم لوط بتزويج النِّسَاء وَأَرَادَ أَن يقي أضيافه ببنانه وَالله أعلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والحرث بن أبي أُسَامَة وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبِي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا خلق الله وَمَا ذَرأ وَمَا برأَ نفسا أكْرم عَلَيْهِ من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمَا سَمِعت الله أقسم بحياة أحد غَيره
قَالَ: {لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون} يَقُول: وحياتك يَا مُحَمَّد وعمرك وبقائك فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لعمرك} قَالَ: لعيشك(5/89)
وأخرح ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا حلف الله بحياة أحد إِلَّا بحياة مُحَمَّد قَالَ: {لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون} وحياتك يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يَقُول الرجل: لعمري يرونه كَقَوْلِه وحياتي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون} قَالَ: لفي ضلالهم يَلْعَبُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش أَنه سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون} قَالَ: لفي غفلتهم يَتَرَدَّدُونَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فَأَخَذتهم الصَّيْحَة} قَالَ: {الصَّيْحَة} مثل الصاعقة كل شَيْء أهلك بِهِ قوم فَهُوَ صَاعِقَة وصيحة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {مشرقين} قَالَ: حِين أشرقت الشَّمْس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن فِي ذَلِك لآيَات} قَالَ: عَلامَة
أما ترى الرجل يُرْسل بِخَاتمِهِ إِلَى أَهله فَيَقُول هاتوا كَذَا وَكَذَا فَإِذا رَأَوْهُ عرفُوا أَنه حق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لآيَات للمتوسمين} قَالَ: للناظرين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لآيَات للمتوسمين} قَالَ: للمعتبرين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لآيَات للمتوسمين} قَالَ: هم المتفرسون
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد فِي قَوْله: {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} قَالَ: هم المتفرسون
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن السّني وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الطِّبّ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ(5/90)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله
ثمَّ قَرَأَ {إِن فِي ذَلِك لآيَات للمتوسمين} قَالَ: المتفرسين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِن الْمُؤمن ينظر بِنور الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم احْذَرُوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله وينطق بِتَوْفِيق الله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَابْن السّني وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لله عباداً يعْرفُونَ النَّاس بالتوسم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِنَّهَا لبسبيل مُقيم} يَقُول: لبهلاك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِنَّهَا لبسبيل مُقيم} يَقُول: لبطريق وَاضح
آيَة 78 - 87(5/91)
وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (78) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ (79) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (83) فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (84) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن مَدين وَأَصْحَاب الأيكة أمتان بعث الله إِلَيْهِمَا شعيباً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن كَانَ أَصْحَاب الأيكة} قَالَ: قوم شُعَيْب و {الأيكة} ذَات آجام وَشَجر كَانُوا فِيهَا(5/91)
وَأخرج ابْن جرير عَن خصيف فِي قَوْله: {أَصْحَاب الأيكة} قَالَ: الشّجر
وَكَانُوا يَأْكُلُون فِي الصَّيف الْفَاكِهَة الرّطبَة وَفِي الشتَاء الْيَابِسَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَإِن كَانَ أَصْحَاب الأيكة لظالمين} ذكر لنا أَنهم كَانُوا أهل غيضة وَكَانَ عَامَّة شجرهم هَذَا الدوم وَكَانَ رسولهم فِيمَا بلغنَا شُعَيْب أرسل إِلَيْهِم وَإِلَى أهل مَدين أرسل إِلَى أمتين من النَّاس وعذبتا بعذابين شَتَّى
أما أهل مَدين فَأَخَذتهم الصَّيْحَة
وَأما {أَصْحَاب الأيكة} فَكَانُوا أهل شجرٍ متكاوش
ذكر لنا أَنه سلط عَلَيْهِم الْحر سَبْعَة أَيَّام لَا يظلهم مِنْهُ ظلّ وَلَا يمنعهُم مِنْهُ شَيْء فَبعث الله عَلَيْهِم سَحَابَة فَجعلُوا يَلْتَمِسُونَ الرّوح مِنْهَا فَجَعلهَا الله عَلَيْهِم عذَابا بعث عَلَيْهِم نَارا فاضطرمت عَلَيْهِم فاكلتهم
فَذَلِك (عَذَاب يَوْم الظلة أَنه كَانَ عَذَاب يَوْم عَظِيم) (الشُّعَرَاء آيَة 189)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَصْحَاب الأيكة} قَالَ: الغيضة
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير {أَصْحَاب الأيكة} قَالَ: أَصْحَاب غيضة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: {الأيكة} الشّجر الملتف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {أَصْحَاب الأيكة} أهل مَدين و {الأيكة} الملتفة من الشّجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {الأيكة} مجمع الشّجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: إِن أهل مَدين عذبُوا بِثَلَاثَة أَصْنَاف من الْعَذَاب: أخذتهم الرجفة فِي دَارهم حَتَّى خَرجُوا مِنْهَا فَلَمَّا خَرجُوا مِنْهَا أَصَابَهُم فزع شَدِيد ففرقوا أَن يدخلُوا الْبيُوت أَن تسْقط عَلَيْهِم فَأرْسل الله عَلَيْهِم الظلة فَدخل تحتهَا رجل فَقَالَ: مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ ظلاً أطيب وَلَا ابرد(5/92)
هلموا أَيهَا النَّاس
فَدَخَلُوا جَمِيعًا تَحت الظلة فصاح فيهم صَيْحَة وَاحِدَة فماتوا جَمِيعًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وإنهما لبإمام مُبين} يَقُول: على الطَّرِيق
وَأخرج ابْن جريرعن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لبإمام مُبين} قَالَ: طَرِيق ظَاهر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وإنهما لبإمام مُبين} قَالَ: بطرِيق معلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لبإمام مُبين} قَالَ: طَرِيق وَاضح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لبإمام مُبين} قَالَ: بطرِيق مستبين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أَصْحَاب الْحجر} قَالَ: أَصْحَاب الْوَادي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ {أَصْحَاب الْحجر} ثَمُود قوم صَالح
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَاب الْحجر: لَا تدْخلُوا على هَؤُلَاءِ الْقَوْم إِلَّا أَن تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِن لم تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِم أَن يُصِيبكُم مثل مَا أَصَابَهُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام غَزْوَة تَبُوك بِالْحجرِ عِنْد بيُوت ثَمُود فاستقى النَّاس من مياه الْآبَار الَّتِي كَانَت تشرب مِنْهَا ثَمُود وعجنوا مِنْهَا ونصبوا الْقُدُور بِاللَّحْمِ فَأَمرهمْ بإهراق الْقُدُور
وعلفوا الْعَجِين الإِبل ثمَّ ارتحل بهم حَتَّى نزل بهم على الْبِئْر الَّتِي كَانَت تشرب مِنْهَا النَّاقة ونهاهم أَن يدخلُوا على الْقَوْم الَّذين عذبُوا فَقَالَ: إِنِّي أخْشَى أَن يصبكم مثل الَّذِي أَصَابَهُم فَلَا تدْخلُوا عَلَيْهِم(5/93)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر: أَن النَّاس لما نزلُوا مَعَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحجر أَرض ثَمُود استقوا من أبيارها وعجنوا بِهِ الْعَجِين
فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يهريقوا مَا استقوا ويعلفوا الإِبل الْعَجِين وَأمرهمْ أَن يَسْتَقُوا من الْبِئْر الَّتِي كَانَت ترد النَّاقة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سُبْرَة بن معبد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بِالْحجرِ لأَصْحَابه: من عمل من هَذَا المَاء شَيْئا فليلقه
قَالَ: وَمِنْهُم من عجن الْعَجِين وَمِنْهُم من حاس الحيس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن النجار عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {فاصفح الصفح الْجَمِيل} قَالَ: الرِّضَا بِغَيْر عتاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فاصفح الصفح الْجَمِيل} قَالَ: هُوَ الرِّضَا بِغَيْر عتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فاصفح الصفح الْجَمِيل} قَالَ: هَذَا الصفح الْجَمِيل كَانَ قبل الْقِتَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: السَّبع المثاني فَاتِحَة الْكتاب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: هِيَ فَاتِحَة الْكتاب
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: فَاتِحَة الْكتاب {وَالْقُرْآن الْعَظِيم} قَالَ: سَائِر الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس: أَنه سُئِلَ عَن السَّبع المثاني قَالَ: فَاتِحَة الْكتاب استثناها الله لأمة مُحَمَّد فَرَفعهَا فِي أم الْكتاب فدخرها لَهُم حَتَّى أخرجهَا وَلم يُعْطهَا أحدا قبله
قيل: فَأَيْنَ الْآيَة السَّابِعَة قَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَأخرج ابْن الضريس عَن سعيد بن جُبَير مثله(5/94)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: دُخرَتْ لنبيكم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تُدَّخَرَ لنَبِيّ سواهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: هِيَ أم الْقُرْآن تثنى فِي كل صَلَاة
وَأخرج ابْن الضريس وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: السَّبع المثاني فَاتِحَة الْكتاب
وَأخرج ابْن جريرعن أبي بن كَعْب قَالَ: السَّبع المثاني الْحَمد لله رب الْعَالمين
وَأخرج ابْن الضريس عَن يحيى بن يعمر وَأبي فَاخِتَة فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني وَالْقُرْآن الْعَظِيم} قَالَا: فَاتِحَة الْكتاب
وَأخرج ابْن الضريس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سبعا من المثاني} قَالَ: هِيَ أم الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن مثله
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: فَاتِحَة الْكتاب تثنى فِي كل رَكْعَة مَكْتُوبَة وتطوّع
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: هِيَ فَاتِحَة الْكتاب تثنى فِي كل رَكْعَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق الرّبيع عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: فَاتِحَة الْكتاب سبع آيَات
وَإِنَّمَا سميت {المثاني} لِأَنَّهُ ثنى بهَا كلما قَرَأَ الْقُرْآن قَرَأَهَا
قيل للربيع: إِنَّهُم يَقُولُونَ السَّبع الطول
قَالَ: لقد أنزلت هَذِه الْآيَة
وَمَا نزل من الطول شَيْء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: السَّبع الطوَال
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} قَالَ: هِيَ السَّبع الطول
وَلم يُعْطَهُنَّ أحدٌ إِلَّا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأعْطِي مُوسَى مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ(5/95)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أُوتِيَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {سبعا من المثاني} الطول
وأوتي مُوسَى سِتا فَلَمَّا ألْقى الألوح ذهب اثْنَتَانِ وَبَقِي أَرْبَعَة
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُبيّ بن كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَاتِحَة الْكتاب هِيَ السَّبع المثاني
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سبعا من المثاني} قَالَ: الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعرف وَيُونُس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {سبعا من المثاني} قَالَ: السَّبع الطول: الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعراف وَيُونُس
فَقيل لِابْنِ جُبَير: مَا قَوْله: {المثاني} قَالَ: ثنى فِيهَا الْقَضَاء والقصص
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سبعا من المثاني} قَالَ: الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام والأعراف والكهف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان {المثاني} المئين: الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء والمائدة والأنعام وَبَرَاءَة والأنفال سُورَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سبعا من المثاني} قَالَ: السَّبع الطول
قلت: لم سميت {المثاني} قَالَ: يتَرَدَّد فِيهِنَّ الْخَبَر والأمثال والعبر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {سبعا من المثاني} فَاتِحَة الْكتاب والسبع الطول مِنْهُنَّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زِيَاد بن أبي مَرْيَم فِي قَوْله: {سبعا من المثاني} قَالَ: أَعطيتك سبعا أخر أُؤمر وَأَنه وَبشر وأنذر وَاضْرِبْ الْأَمْثَال واعدد النعم واتل نبأ الْقُرُون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك قَالَ: الْقُرْآن كُله مثاني
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {سبعا من المثاني} قَالَ: هِيَ السَّبع الطول الأول {وَالْقُرْآن الْعَظِيم} سائره
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {المثاني} مَا ثني من(5/96)
الْقُرْآن
ألم تسمع لقَوْل الله (الله نزل أحسن الحَدِيث كتابا متشابهاً مثاني) (الْوَاقِعَة 16)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: {المثاني} الْقُرْآن يذكر الله الْقِصَّة الْوَاحِدَة مرَارًا
آيَة 88 - 96(5/97)
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (89) كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا تَمُدَّن عَيْنَيْك} الْآيَة
قَالَ: نهى الرجل أَن يتَمَنَّى مَال صَاحبه
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن أبي كثير: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بِإِبِل حَيّ يُقَال لَهُم بَنو الملوح أَو بَنو المصطلق قد عنست فِي أبوالها من السّمن
فتقنع بِثَوْبِهِ ومرّ وَلم ينظر إِلَيْهَا لقَوْله: {لَا تَمُدَّن عَيْنَيْك} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَزْوَاجًا مِنْهُم} قَالَ: الْأَغْنِيَاء الْأَمْثَال الْأَشْبَاه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: من أعطي الْقُرْآن فَمد عَيْنَيْهِ إِلَى شَيْء مِنْهَا فقد صغر الْقُرْآن
ألم تسمع قَوْله: {وَلَقَد آتيناك سبعا من المثاني} إِلَى قَوْله: {ورزق رَبك خير وَأبقى} قَالَ: يَعْنِي الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {واخفض جناحك} قَالَ: اخضع(5/97)
وَأخرج البُخَارِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَمَا أنزلنَا على المقتسمين الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} قَالَ: هم أهل الْكتاب جزأوه أَجزَاء فآمنوا بِبَعْضِه وَكَفرُوا بِبَعْضِه
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {عضين} فرقا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَرَأَيْت قَول الله {كَمَا أنزلنَا على المقتسمين} قَالَ: الْيَهُود وَالنَّصَارَى
قَالَ: {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} قَالَ: آمنُوا بِبَعْض وَكَفرُوا بِبَعْض
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة اجْتمع إِلَيْهِ نفر من قُرَيْش - وَكَانَ ذَا سنّ فيهم - وَقد حضر الْمَوْسِم فَقَالَ لَهُم: يامعشر قُرَيْش إِنَّه قد حضر هَذَا الْمَوْسِم وَإِن وُفُود الْعَرَب ستقدم عَلَيْكُم فِيهِ وَقد سمعُوا بِأَمْر صَاحبكُم هَذَا فاجمعوا فِيهِ رَأيا وَاحِدًا وَلَا تختلفوا فيُكَذِّب بَعْضكُم بَعْضًا
فَقَالُوا أَنْت فَقل وَأتم لنا بِهِ رَأيا نقُول بِهِ
قَالَ: لَا بل أَنْتُم قُولُوا لأسْمع
قَالُوا نقُول كَاهِن
قَالَ: مَا هُوَ بكاهن
لقد رَأينَا الْكُهَّان فَمَا هُوَ بزمزمة الْكُهَّان وَلَا بسجعهم
قَالُوا فَنَقُول مَجْنُون
قَالَ: مَا هُوَ بمجنون
لقد رَأينَا الْجُنُون وعرفناه فَمَا هُوَ بخنقه وَلَا بحائحه وَلَا وسوسته
قَالُوا: فَنَقُول شَاعِر
قَالَ: مَا هُوَ بشاعر
لقد عرفنَا الشّعْر كُله رَجَزه وهَزَجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه فَمَا هُوَ بالشعر
قَالُوا: فَنَقُول سَاحر
قَالَ: مَا هُوَ بساحر لقد رَأينَا السحار وسحرهم فَمَا هُوَ بنفثه وَلَا بعقده
قَالُوا فَمَاذَا نقُول قَالَ: وَالله إِن لقَوْله حلاوة وَإِن عَلَيْهِ لطلاوة وَإِن أَصله لعذق وَإِن فَرعه لجناء فَمَا أَنْتُم بقائلين من هَذَا شَيْئا إِلَّا عرف أَنه بَاطِل وَإِن أقرب القَوْل أَن تَقولُوا هُوَ سَاحر يفرق بَين الْمَرْء وَأَبِيهِ وَبَين الْمَرْء وأخيه وَبَين الْمَرْء وزوجه وَبَين الْمَرْء وعشيرته
فَتَفَرَّقُوا عَنهُ بذلك
فَأنْزل الله فِي الْوَلِيد وَذَلِكَ من قَوْله: (ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً
) إِلَى قَوْله (سأصليه سقر
) (المدثر آيَة 11 - 16) وَأنزل الله فِي أُولَئِكَ النَّفر الَّذين كَانُوا مَعَه {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} أَي أصنافاً {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ}(5/98)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} قَالَ: هم رَهْط من قُرَيْش عضهوا كتاب الله فَزعم بَعضهم أَنه سحر وَزعم بَعضهم أَنه كهَانَة وَزعم بَعضهم أَنه أساطير الْأَوَّلين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة يَقُول: العضه السحر بِلِسَان قُرَيْش
يَقُولُونَ لِلسَّاحِرَةِ: إِنَّهَا العاضهة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ) قَالَ: يسْأَل الْعباد كلهم يَوْم الْقِيَامَة عَن خلتين: عَمَّا كَانُوا يعْبدُونَ وَعَما أجابوا بِهِ الْمُرْسلين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ} وَقَالَ: (فَيَوْمئِذٍ لَا يسْأَل عَن ذَنبه إنس وَلَا جَان) (الرَّحْمَن آيَة 39) قَالَ: لَا يسألهم هَل عَمَلهم كَذَا وَكَذَا لِأَنَّهُ أعلم مِنْهُم بذلك وَلَكِن يَقُول: لم عملتم كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} فامضه
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي عُبَيْدَة أَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا زَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستخفياً حَتَّى نزل {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} فَخرج هُوَ وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَأعْرض عَن الْمُشْركين} قَالَ: نسخه قَوْله: (اقْتُلُوا الْمُشْركين) (التَّوْبَة آيَة 5)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} قَالَ: هَذَا أَمر من الله لنَبيه بتبليغ رسَالَته قومه وَجَمِيع من أرسل إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} قَالَ: اجهر بِالْقُرْآنِ فِي الصَّلَاة
وَأخرج عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} قَالَ: بِالْقُرْآنِ الَّذِي أُوحِي إِلَيْهِ أَن يبلغهم إِيَّاه(5/99)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} قَالَ: أعلن بِمَا تُؤمر
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستخفياً سِنِين لَا يظْهر شَيْئا مِمَّا أنزل الله حَتَّى نزلت {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر} يَعْنِي: أظهر أَمرك بِمَكَّة فقد أهلك الله الْمُسْتَهْزِئِينَ بك وَبِالْقُرْآنِ وهم خَمْسَة رَهْط
فَأَتَاهُ جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرَاهُم أَحيَاء بعد كلهم
فاهلكوا فِي يَوْم وَاحِد وَلَيْلَة
مِنْهُم الْعَاصِ ابْن وَائِل السَّهْمِي خرج فِي يَوْمه ذَلِك فِي يَوْم مطير فَخرج على رَاحِلَته يسير وَابْن لَهُ يتنزه ويتغدى فَنزل شعبًا من تِلْكَ الشعاب
فَلَمَّا وضع قدمه على الأَرْض قَالَ: لدغت
فطلبوا فَلم يَجدوا شَيْئا وَانْتَفَخَتْ رجله حَتَّى صَارَت مثل عنق الْبَعِير فَمَاتَ مَكَانَهُ
وَمِنْهُم الْحَارِث بن قيس السَّهْمِي أكل حوتا مالحا فَأَصَابَهُ غَلَبَة عَطش فَلم يزل يشرب عَلَيْهِ من المَاء حَتَّى أنقدّ بَطْنه فَمَاتَ وَهُوَ يَقُول: قتلني رب مُحَمَّد
وَمِنْهُم الْأسود بن الْمطلب وَكَانَ لَهُ زَمعَة بِالشَّام وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد دَعَا على الْأَب أَن يعمى بَصَره وَأَن يتكل وَلَده فَأَتَاهُ جِبْرِيل بِوَرَقَة خضراء فَرَمَاهُ بهَا فَذهب بَصَره
وَخرج يلاقي ابْنه وَمَعَهُ غُلَام لَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيل وَهُوَ قَاعد فِي أصل شَجَرَة فَجعل يَنْطَح رَأسه وَيضْرب وَجهه بالشوك فاستغاث بغلامه فَقَالَ لَهُ غُلَامه: لَا أرى أحدا يصنع بك شَيْئا غير نَفسك
حَتَّى مَاتَ وَهُوَ يَقُول: قتلني رب مُحَمَّد
وَمِنْهُم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة مرّ على نبل لرجل من خُزَاعَة قد راشها وجعاها فِي الشَّمْس فربطها فَانْكَسَرت فَتعلق بِهِ سهم مِنْهَا فَأصَاب أكحله فَقتله
وَمِنْهُم الْأسود بن عبد يَغُوث خرج من أَهله فَأَصَابَهُ السمُوم فاسودّ حَتَّى عَاد حَبَشِيًّا فَأتى أَهله فَلم يعرفوه فاغلقوا دونه الْبَاب حَتَّى مَاتَ
وَهُوَ يَقُول: قتلني رب مُحَمَّد
فَقَتلهُمْ الله جَمِيعًا فأظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره وأعلنه بِمَكَّة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل بِسَنَدَيْنِ ضعيفين عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} قَالَ: قد سلط عَلَيْهِم جِبْرِيل وأمرته بقيلهم فَعرض للوليد بن الْمُغيرَة فعثر بِهِ فعصره عَن نصل فِي رجله حَتَّى خرج رجيعه من أَنفه
وَعرض للأسود بن عبد الْعُزَّى وَهُوَ يشرب مَاء فَنفخ فِي ذَلِك حَتَّى انتفخ جَوْفه فانشق وَاعْترض للعاص بن وَائِل وَهُوَ مُتَوَجّه إِلَى الطَّائِف فنخسه بِشَبْرُقَةٍ فَجرى سمّها إِلَى(5/100)
رَأسه وَقتل الْحَارِث بن قيس بلكزة فَمَا زَالَ يفوق حَتَّى مَاتَ
وَقتل الْأسود بن عبد يَغُوث الزُّهْرِيّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} قَالَ: المستهزئون الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَالْأسود بن عبد يَغُوث وَالْأسود بن الْمطلب والْحَارث بن عبطل السَّهْمِي وَالْعَاص بن وَائِل فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَشَكَاهُمْ إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَرِنِي إيَّاهُم فَأرَاهُ الْوَلِيد
فَأَوْمأ جِبْرِيل إِلَى أكحله فَقَالَ: مَا صنعت شَيْئا
قَالَ: كفيتكه
ثمَّ أرَاهُ الْأسود بن الْمطلب فَأَوْمأ إِلَى عينه فَقَالَ: مَا صنعت شَيْئا
قَالَ: كَفَيْتُكَهُ
ثمَّ أرَاهُ الْحَرْث فَأَوْمأ إِلَى بَطْنه فَقَالَ: مَا صنعت شَيْئا
فَقَالَ: كفيتكه
ثمَّ أرَاهُ الْعَاصِ بن وَائِل فَأَوْمأ إِلَى أَخْمُصُهُ فَقَالَ: مَا صنعت شَيْئا
فَقَالَ كفيتكه
فَأَما الْوَلِيد فَمر بِرَجُل من خُزَاعَة وَهُوَ يريش نبْلًا فَأصَاب أكحله فقطعها
وَأما الْأسود بن الْمطلب فَنزل تَحت سَمُرَة فَجعل يَقُول: يَا بنيّ أَلا تدفعون عني قد هَلَكت وَطُعِنْتُ بالشوك فِي عَيْني
فَجعلُوا يَقُولُونَ: مَا نرى شَيْئا
فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى عتمت عَيناهُ
وَأما الْأسود بن عبد يَغُوث فَخرج فِي رَأسه قُرُوح فَمَاتَ مِنْهَا
وَأما الْحَارِث فَأَخذه المَاء الْأَصْفَر فِي بَطْنه حَتَّى خرج خرؤه من فِيهِ فَمَاتَ مِنْهُ
وَأما الْعَاصِ فَركب إِلَى الطَّائِف فَرَبَضَ على شبْرقَة فَدخل من أَخْمص قدمه شَوْكَة فَقتله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس أَن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة قَالَ: إِن مُحَمَّدًا كَاهِن يخبر بِمَا يكون قبل أَن يكون وَقَالَ أَبُو جهل: مُحَمَّد سَاحر يفرق بَين الْأَب وَالِابْن
وَقَالَ عقبَة بن أبي معيط: مُحَمَّد مَجْنُون يهذي فِي جُنُونه
وَقَالَ أبي بن خلف: مُحَمَّد كَذَّاب
فَأنْزل الله {انا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} فهلكوا قبل بدر
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن الْمُسْتَهْزِئِينَ ثَمَانِيَة: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَالْأسود بن عبد يَغُوث وَالْعَاص بن وَائِل والْحَارث بن عدي بن سهم وَعبد الْعُزَّى بن قصي
وَهُوَ أَبُو زَمعَة وَكلهمْ هلك قبل بدر بِمَوْت أَو مرض
والْحَارث بن قيس من العياطل(5/101)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {الْمُسْتَهْزِئِينَ} مِنْهُم: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَالْعَاص بن وَائِل والْحَارث بن قيس وَالْأسود بن الْمطلب وَالْأسود بن عبد يَغُوث وَأَبُو هَبَّار بن الْأسود
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} قَالَ: خَمْسَة من قُرَيْش كَانُوا يستهزئون برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم الْحَارِث بن عيطلة وَالْعَاص بن وَائِل وَالْأسود بن عبد يَغُوث والوليد بن الْمُغيرَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أنَاس بِمَكَّة فَجعلُوا يغمزون فِي قَفاهُ وَيَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي وَمَعَهُ جِبْرِيل
فغمز جِبْرِيل بِأُصْبُعِهِ فَوَقع مثل الظفر فِي أَجْسَادهم فَصَارَت قروحاً نتنة
فَلم يسْتَطع أحد أَن يدنوا مِنْهُم
وَأنزل الله {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عِكْرِمَة قَالَ: مكث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة خمس عشرَة سنة مِنْهَا أَربع أَو خمس يدعوا إِلَى الإِسلام سرا وَهُوَ خَائِف حَتَّى بعث الله على الرِّجَال الَّذين أنزل فيهم {انا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} والعضين بِلِسَان قُرَيْش السحر
وَأمر بعدوانهم فَقَالَ: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمر وَأعْرض عَن الْمُشْركين} ثمَّ أَمر بِالْخرُوجِ إِلَى الْمَدِينَة فَقدم فِي ثَمَان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول ثمَّ كَانَت وقْعَة بدر ففيهم أنزل الله (وَأَن يَعدكُم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم) (الْأَنْفَال آيَة 5) وَفِيهِمْ نزلت (سَيهْزمُ الْجمع) (الْقَمَر آيَة 45) وَفِيهِمْ نزلت: (حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ) وَفِيهِمْ نزلت (ليقطع طرفا من الَّذين كفرُوا) (آل عمرَان آيَة 127) وَفِيهِمْ نزلت (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء) أَرَادَ الله الْقَوْم وَأَرَادَ رَسُول الله العير وَفِيهِمْ نزلت (ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا
) (إِبْرَاهِيم آيَة 28) الْآيَة
وَفِيهِمْ نزلت (قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا) (آل عمرَان أَيَّة 13) فِي شَأْن العير (والركب أَسْفَل مِنْكُم) (الْأَنْفَال آيَة 42) أخذُوا أَسْفَل الْوَادي
فَهَذَا كُله فِي أهل بدر وَكَانَت قبل بدر بشهرين سَرِيَّة يَوْم قتل ابْن الْحَضْرَمِيّ ثمَّ كَانَت أحد ثمَّ يَوْم الْأَحْزَاب بعد أحد بِسنتَيْنِ ثمَّ كَانَت الْحُدَيْبِيَة - وَهُوَ يَوْم(5/102)
الشَّجَرَة - فَصَالحهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ على أَن يعْتَمر فِي عَام قَابل فِي هَذَا الشَّهْر
فَفِيهَا أنزلت (الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام) (الْبَقَرَة آيَة 149) فشهر الْعَام الأول بِشَهْر الْعَام فَكَانَت (الحرمات قصاص) ثمَّ كَانَ الْفَتْح بعد الْعمرَة فَفِيهَا نزلت (حَتَّى إِذا فتحنا عَلَيْهِم بَابا ذَا عَذَاب شَدِيد
) (الْمُؤْمِنُونَ آيَة 77) الْآيَة
وَذَلِكَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غزاهم وَلم يَكُونُوا عدوا لَهُ أهبة الْقِتَال وَلَقَد قتل من قُرَيْش يَوْمئِذٍ اربعة رَهْط من حلفائهم وَمن بني بكر خمسين أَو زِيَادَة
وَفِيهِمْ نزلت - لما دخلُوا فِي دين الله (هُوَ الَّذِي أنشألكم السّمع والابصار) (الْمُؤْمِنُونَ آيَة 78) ثمَّ خرج إِلَى حنين بعد عشْرين لَيْلَة ثمَّ إِلَى الْمَدِينَة ثمَّ أَمر أَبَا بكر على الْحَج
وَلما رَجَعَ أَبُو بكر من الْحَج غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك ثمَّ حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَام الْمقبل ثمَّ ودع النَّاس ثمَّ رَجَعَ فَتوفي لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله: {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} قَالَ: هَؤُلَاءِ فِيمَا سمعنَا خَمْسَة رَهْط استهزأوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا أَرَادَ صَاحب الْيمن أَن يرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة فَزعم أَن مُحَمَّدًا سَاحر
وَأَتَاهُ الْعَاصِ بن وَائِل وَأخْبرهُ أَن مُحَمَّدًا يعلم أساطير الْأَوَّلين فَجَاءَهُ آخر فَزعم أَنه كَاهِن وجاءه آخر فَزعم أَنه شَاعِر وَجَاء آخر فَزعم أَنه مَجْنُون فَكفى الله مُحَمَّدًا أُولَئِكَ الرَّهْط فِي لَيْلَة وَاحِدَة فأهلكهم بألوان من الْعَذَاب
كل رجل مِنْهُم أَصَابَهُ عَذَاب
فَأَما الْوَلِيد فَأتى على رجل من خُزَاعَة وَهُوَ يريش نبْلًا لَهُ فَمر بِهِ وَهُوَ يتبختر فَأَصَابَهُ مِنْهَا سهم فَقطع أكحله فَأَهْلَكَهُ الله
وَأما الْعَاصِ بن وَائِل فَإِنَّهُ دخل فِي شعب فَنزل فِي حَاجَة لَهُ فَخرجت إِلَيْهِ حَيَّة مثل العمود فلدغته فَأَهْلَكَهُ الله
وَأما الآخر فَكَانَ رجلا أَبيض حسن اللَّوْن خرج عشَاء فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَأَصَابَهُ سموم شَدِيدَة الْحر فَرجع إِلَى أَهله وَهُوَ مثل حبشِي فَقَالُوا: لست بصاحبنا
فَقَالَ: أَنا صَاحبكُم
فَقَتَلُوهُ
وَأما الآخر فَدخل فِي بِئْر لَهُ فَأَتَاهُ جِبْرِيل فعمه فِيهَا فَقَالَ: إِنِّي قتلت فَأَعِينُونِي: فَقَالُوا: وَالله مَا نرى أحدا
فَكَانَ كَذَلِك حَتَّى أهلكه الله
وَأما الآخر فَذهب إِلَى إبِله ينظر فِيهَا فَأَتَاهُ جِبْرِيل بشوك القتاد فَضَربهُ فَقَالَ: أعينوني فَإِنِّي قد هَلَكت
قَالُوا: وَالله مَا نرى أحدا
فَأَهْلَكَهُ الله فَكَانَ لَهُم فِي ذَلِك عِبْرَة(5/103)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحنى ظهر الْأسود بن عبد يَغُوث حَتَّى احقوقف صَدره
فَقَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِي خَالِي فَقَالَ جِبْرِيل: دَعه عَنْك فقد كفيته فَهُوَ من الْمُسْتَهْزِئِينَ
قَالَ: وَكَانُوا يَقُولُونَ سُورَة الْبَقَرَة وَسورَة العنكبوت يستهزئون بهَا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن قَتَادَة قَالَ: هَؤُلَاءِ رَهْط من قُرَيْش مِنْهُم الْأسود بن عبد يَغُوث وَالْأسود بن الْمطلب والوليد بن الْمُغيرَة وَالْعَاص بن وَائِل وعدي بن قيس
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن أبي بكر الْهُذلِيّ قَالَ: قيل لِلزهْرِيِّ إِن سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة اخْتلفَا فِي رجل من الْمُسْتَهْزِئِينَ فَقَالَ سعيد: الْحَارِث بن عيطلة
وَقَالَ عِكْرِمَة: الْحَارِث بن قيس: فَقَالَ: صدقا جَمِيعًا
كَانَت أمه تسمى عيطلة وَكَانَ أَبوهُ قيسا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَأَبُو نعيم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: المستهزئون سَبْعَة فَسمى مِنْهُم الْعَاصِ بن وَائِل والوليد بن الْمُغيرَة وَهَبَّار بن الْأسود وَعبد يَغُوث بن وهب والحرث بن عيطلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم عَن قَتَادَة ومقسم مولى ابْن عَبَّاس {إِنَّا كَفَيْنَاك الْمُسْتَهْزِئِينَ} قَالَ: هم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَالْعَاص بن وَائِل وعدي بن قيس وَالْأسود بن عبد يَغُوث وَالْأسود بن الْمطلب مروا رجلا رجلا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ جِبْرِيل فَإِذا مر بِهِ رجل مِنْهُم قَالَ لَهُ جِبْرِيل: كَيفَ مُحَمَّد هَذَا فَيَقُول: بئس عبد الله فَيَقُول جِبْرِيل: كَفَيْنَاكَهُ
فَأَما الْوَلِيد فتردّى فَتعلق سهم بردائه فَذهب يجلس فَقطع أكحله فنزف حَتَّى مَاتَ
وَأما الْأسود بن عبد يَغُوث فَأتى بِغُصْن فِيهِ شوك فَضرب بِهِ وَجهه فسالت حدقتاه على وَجهه فَمَاتَ
وَأما الْعَاصِ فوطئ على شَوْكَة فتساقط لَحْمه عَن عِظَامه حَتَّى هلك
وَأما الْأسود بن الْمطلب وعدي بن قيس فأحدهما قَامَ من اللَّيْل وَهُوَ ظمآن ليشْرب من جرة فَلم يزل يشرب حَتَّى انفتق بَطْنه فَمَاتَ
وَأما الآخر فلدغته حَيَّة فَمَاتَ(5/104)
آيَة 97 - 99(5/105)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم فِي التارخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أُوحِي لي أَن أجمع المَال وأكون من التاجرين وَلَكِن أُوحِي إِلَيّ أَن {فسبح بِحَمْد رَبك وَكن من الساجدين واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أُوحِي إِلَيّ أَن أجمع المَال وأكون من التاجرين وَلَكِن أُوحِي إِلَيّ أَن {فسبح بِحَمْد رَبك وَكن من الساجدين واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا أُوحِي إليّ أَن أكون تَاجِرًا وَلَا أجمع المَال متكاثران وَلَكِن أُوحِي إِلَيّ أَن {فسبح بِحَمْد رَبك وَكن من الساجدين واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن سَالم بن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ {واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} قَالَ: الْمَوْت
إِذا جَاءَهُ الْمَوْت جَاءَهُ تَصْدِيق مَا قَالَ الله لَهُ وحدثه من أَمر الْآخِرَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير عَن أم الْعَلَاء: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على عُثْمَان بن مَظْعُون وَقد مَاتَ فَقلت: رَحْمَة الله عَلَيْك أَبَا السَّائِب فشهادتي عَلَيْك لقد أكرمك الله
فَقَالَ: وَمَا يدْريك أَن الله أكْرمه
أما هُوَ فقد جَاءَهُ الْيَقِين إِنِّي لأرجو لَهُ الْخَيْر(5/105)
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خير مَا عاين النَّاس لَهُ رجل يمسك بعنان فرسه فالتمس الْقَتْل فِي مظانه
وَرجل فِي شعب من هَذِه الشعاب أَو فِي بطن وادٍ من هَذِه الأودية فِي غنيمَة أَن يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة ويعبد الله حَتَّى يَأْتِيهِ الْيَقِين لَيْسَ من النَّاس إِلَّا فِي خير
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من طلب مَا عِنْد الله كَانَت السَّمَاء ظلاله وَالْأَرْض فرَاشه لم يهتم بِشَيْء من أَمر الدُّنْيَا فَهُوَ لَا يزرع الزَّرْع وَهُوَ يَأْكُل الْخبز وَهُوَ لَا يغْرس الشّجر وَيَأْكُل الثِّمَار توكّلاً على الله وَطلب مرضاته فضمن الله السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع رزقه فهم يتعبأون بِهِ ويأتون بِهِ حَلَالا وَاسْتوْفى هُوَ رزقه بِغَيْر حِسَاب عبد الله حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِين
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ لِلْمُؤمنِ رَاحَة دون لِقَاء الله وَمن كَانَت رَاحَته فِي لِقَاء الله فَكَانَ قد كفي
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ(5/106)
(16)
سُورَة النَّحْل
مَكِّيَّة وآياتها ثَمَان وَعِشْرُونَ وَمِائَة
آيَة 1 - 4(5/107)
أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة النَّحْل بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير مثله
وَأخرج النّحاس من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُورَة النَّحْل نزلت بِمَكَّة سوى ثَلَاث آيَات من آخرهَا فانهن نَزَلْنَ بَين مَكَّة وَالْمَدينَة فِي منصرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {أَتَى أَمر الله} ذعر أَصْحَاب الرَّسُول حَتَّى نزلت {فَلَا تستعجلوه} فسكنوا
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر بن حَفْص قَالَ: لما نزلت {أَتَى أَمر الله} قَامُوا فَنزلت {فَلَا تستعجلوه}(5/107)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس {أَتَى أَمر الله} قَالَ: خُرُوج مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي بن كَعْب قَالَ: دخلت الْمَسْجِد فَصليت فَقَرَأت سُورَة النَّحْل وَجَاء رجلَانِ فقرآ خلاف قراءتنا فَأخذت بأيدهما فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله استقرئ هذَيْن فَقَرَأَ أَحدهمَا فَقَالَ: أصبت
ثمَّ استقرأ الآخر فَقَالَ: أصبت
فَدخل قلبِي أشدّ مِمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة من الشَّك والتكذيب فَضرب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَدْرِي فَقَالَ: أَعَاذَك الله من الشَّك والشيطان
فتصببت عرقاً قَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: اقْرَأ الْقُرْآن على حرف وَاحِد
فَقلت: إِن أمتِي لَا تَسْتَطِيع ذَلِك حَتَّى قَالَ: سبع مَرَّات
فَقَالَ لي: اقْرَأ على سَبْعَة أحرف بِكُل ردة رَددتهَا مَسْأَلَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه} قَالَ رجال من الْمُنَافِقين بَعضهم لبَعض: إِن هَذَا يزْعم أَن أَمر الله قد أَتَى فأمسكوا عَن بعض مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ حَتَّى تنظروا مَا هُوَ كَائِن فَلَمَّا رَأَوْا أَنه لَا ينزل شَيْء قَالُوا: مَا نرَاهُ نزل
فَنزلت {اقْترب للنَّاس حسابهم} الْآيَة
فَقَالُوا: إِن هَذَا يزْعم مثلهَا أَيْضا فَلَمَّا رَأَوْا أَنه لَا ينزل شَيْء قَالُوا: مَا نرَاهُ نزل شَيْء فَنزلت (وَلَئِن أخرنا عَنْهُم الْعَذَاب إِلَى أمة مَعْدُودَة
) (هود آيَة 8) الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تطلع عَلَيْكُم قبل السَّاعَة سَحَابَة سَوْدَاء من قبل الْمغرب مثل الترس فَمَا تزَال ترْتَفع فِي السَّمَاء حَتَّى تملأ السَّمَاء ثمَّ يُنَادي مُنَاد: ياأيها النَّاس فَيقبل النَّاس بَعضهم على بعض: هَل سَمِعْتُمْ فَمنهمْ من يَقُول: نعم
وَمِنْهُم من يشك
ثمَّ يُنَادي الثَّانِيَة: ياأيها النَّاس هَل سَمِعْتُمْ فَيَقُولُونَ: نعم
ثمَّ يُنَادي: أَيهَا النَّاس {أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الرجلَيْن لينشران الثَّوْب فَمَا يطويانه وَإِن الرجل ليملأ حَوْضه فَمَا يسْقِي فِيهِ شَيْئا وَإِن الرجل ليحلب نَاقَته فَمَا يشربه ويشغل النَّاس(5/108)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه} قَالَ: الْأَحْكَام وَالْحُدُود والفرائض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ} قَالَ: بِالْوَحْي
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {الرّوح} أَمر من أَمر الله وَخلق من خلق الله وصورهم على صُورَة بني آدم
وَمَا ينزل من السَّمَاء ملك إِلَّا وَمَعَهُ وَاحِد من الرّوح ثمَّ تَلا (يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا) (النبأ آيَة 38)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ من أمره} قَالَ: إِنَّه لَا ينزل ملك إِلَّا وَمَعَهُ روح كالحفيظ عَلَيْهِ لَا يتَكَلَّم وَلَا يرَاهُ ملك وَلَا شَيْء مِمَّا خلق الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ من أمره} قَالَ: بِالْوَحْي وَالرَّحْمَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ} قَالَ: بِالنُّبُوَّةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {ينزل الْمَلَائِكَة بِالروحِ} قَالَ: كل شَيْء تكلم بِهِ رَبنَا فَهُوَ روح {من أمره} قَالَ: بِالرَّحْمَةِ وَالْوَحي على من يَشَاء من عباده فيصطفي مِنْهُم رسلًا
{أَن أنذروا أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاتقون} قَالَ: بهَا بعث الله الْمُرْسلين أَن يوحد الله وجده ويطاع أمره ويجتنب سخطه
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن يسر بن جحاش قَالَ: بَصق رَسُول الله فِي كَفه ثمَّ قَالَ: يَقُول الله أَنى تعجزني وَقد خلقتك من(5/109)
مثل هَذِه حَتَّى إِذا سوّيتك فعدلتك مشيت بَين برديك وللأرض مِنْك وئيد
فَجمعت ومنعت حَتَّى إِذا بلغت الْحُلْقُوم قلت: أَتصدق وأنى أَوَان الصَّدَقَة
آيَة 6 - 8(5/110)
وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لكم فِيهَا دفء} قَالَ: الثِّيَاب {وَمَنَافع} قَالَ: مَا تنتفعون بِهِ من الْأَطْعِمَة والأشربة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع} قَالَ: نسل كل دَابَّة
وَأخرج الديلمي عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْبركَة فِي الْغنم وَالْجمال فِي الْإِبِل
وَأخرج ابْن ماجة عَن عُرْوَة الْبَارِقي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الابل عزّ لأَهْلهَا وَالْغنم بركَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلكم فِيهَا جمال حِين تريحون} قَالَ: إِذا راحت كأعظم مَا يكون أسنمة وَأحسن مَا تكون ضروعاً {وَحين تسرحون} قَالَ: إِذا سرحت لرعيها
قَالَ قَتَادَة: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الإِبل فَقَالَ: هِيَ عز لأَهْلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَتحمل أثقالكم إِلَى بلد} قَالَ يَعْنِي مَكَّة {لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس} قَالَ: لَو تكلفتموه لم تُطِيقُوا إِلَّا بِجهْد شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِلَّا بشق الْأَنْفس} قَالَ: مشقة عَلَيْكُم(5/110)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إيَّاكُمْ أَن تَتَّخِذُوا ظُهُور دوابكم مَنَابِر فَإِن الله تَعَالَى إِنَّمَا سخرها لكم لتبلغوا إِلَى بلد لم تَكُونُوا بالغيه إِلَّا بشق الْأَنْفس وَجعل لكم الأَرْض فعلَيْهَا فاقضوا حاجاتكم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن أنس عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على قوم وهم وقُوف على دَوَاب لَهُم ورواحل فَقَالَ لَهُم: اركبوا هَذِه الدَّوَابّ سَالِمَة ودعوها سَالِمَة وَلَا تتخذوها كراسي لأحاديثكم فِي الطّرق والأسواق فَرب مركوبه خير من راكبها وَأكْثر ذكرا لله تَعَالَى مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن دِينَار قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَتَّخِذُوا ظُهُور الدَّوَابّ كراسي لأحاديثكم فَرب رَاكب مركوبة هِيَ خير من راكبها وَأكْثر ذكرا لله تَعَالَى مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن دِينَار قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تَتَّخِذُوا ظُهُور الدَّوَابّ كراسي لأحاديثكم فَرب رَاكب مركوبة هِيَ خير مِنْهُ وأطوع لله مِنْهُ وَأكْثر ذكرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبيب قَالَ: كَانَ يكره طول الْوُقُوف على الدَّابَّة وَأَن تضرب وَهِي محسنة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو غفر لكم مَا تأتون إِلَى الْبَهَائِم لغفر لكم كثير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لتركبوها وزينة} قَالَ: جعلهَا لتركبوها وَجعلهَا زِينَة لكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة: أَن أَبَا عِيَاض كَانَ يقْرؤهَا {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} يَقُول: جعلهَا زِينَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْخَيل وحشية فذللها الله لإِسماعيل بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: بَلغنِي أَن الله أَرَادَ أَن يخلق الْفرس قَالَ لريح الْجنُوب: إِنِّي خَالق مِنْك خلقا أجعله(5/111)
عزا لأوليائي ومذلة لأعدائي وَحمى لأهل طَاعَتي فَقبض من الرّيح قَبْضَة فخلق مِنْهَا فرسا فَقَالَ: سميتك فرسا وجعلتك عَرَبيا الْخَيْر مَعْقُود بناصيتك والغنائم محازة على ظهرك والغنى مَعَك حَيْثُ كنت ارعاك لسعة الرزق على غَيْرك من الدَّوَابّ وجعلتك لَهَا سيداً وجعلتك تطير بِلَا جناحين فَأَنت للطلب وَأَنت للهرب وسأحمل عَلَيْك رجَالًا يسبحوني فتسبحني مَعَهم إِذا سبحوا ويهللوني فتهللني مَعَهم إِذا هللوا ويكبروني فتكبرني مَعَهم إِذا كبروا فَلَمَّا صَهل الْفرس قَالَ: باركت عَلَيْك أرهب بصهيلك الْمُشْركين أملأ مِنْهُ آذانهم وأرعب مِنْهُ قُلُوبهم وأذل أَعْنَاقهم فَلَمَّا عرض الْخلق على آدم وَسَمَّاهُمْ قَالَ الله تَعَالَى: يَا آدم اختر من خلقي من أَحْبَبْت فَاخْتَارَ الْفرس فَقَالَ الله: اخْتَرْت عزك وَعز ولدك بَاقٍ فيهم مَا بقوا وينتج مِنْهُ أولادك أَوْلَادًا فبركتي عَلَيْك وَعَلَيْهِم فَمَا من تَسْبِيحَة وَلَا تَهْلِيلَة وَلَا تَكْبِيرَة تكون من رَاكب الْفرس إِلَّا وَالْفرس تسمعها وتجيبه مثل قَوْله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: سَأَلَ رجل ابْن عَبَّاس عَن أكل لُحُوم الْخَيل فكرهها وَقَرَأَ {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكره لُحُوم الْخَيل وَيَقُول: قَالَ الله: {والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فَهَذِهِ للْأَكْل {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها} فَهَذِهِ للرُّكُوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد أَنه سُئِلَ عَن لُحُوم الْخَيل فَقَالَ: {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الحكم فِي قَوْله: {والأنعام خلقهَا لكم فِيهَا دفء وَمَنَافع وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} فَجعل مِنْهُ الْأكل ثمَّ قَرَأَ {وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالْحمير لتركبوها وزينة} قَالَ: لم يَجْعَل لكم فِيهَا أكلا وَكَانَ الحكم يَقُول: الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير حرَام فِي كتاب الله
وَأخرج أَبُو عبيد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع وَعَن لُحُوم الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير(5/112)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: طعمنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لُحُوم الْخَيل ونهانا عَن لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر بن عبد الله أَنهم ذَبَحُوا يَوْم خَيْبَر الْحمير وَالْبِغَال وَالْخَيْل فنهاهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْحمير وَالْبِغَال وَلم ينههم عَن الْخَيل
وَأخرج ابْن أبي شبية وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء عَن جَابر قَالَ: كُنَّا نَأْكُل لحم الْخَيل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قلت: وَالْبِغَال قَالَ: أما البغال فَلَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر عَن أَسمَاء قَالَت: نحرنا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسا فأكلناه
وَأخرج أَحْمد عَن دحْيَة الْكَلْبِيّ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أحمل لَك حمارا على فرس فينتج لَك بغلاً وتركبها قَالَ: إِنَّمَا يفعل ذَلِك الَّذين لَا يعلمُونَ
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {ويخلق مَا لَا تعلمُونَ} قَالَ البراذين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ويخلق مَا لَا تعلمُونَ} قَالَ: السوس فِي الثِّيَاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن مِمَّا خلق الله لأرضاً من لؤلؤة بَيْضَاء مسيرَة ألف عَام عَلَيْهَا جبل من ياقوتة حَمْرَاء محدق بهَا فِي تِلْكَ الأَرْض ملك قد مَلأ شرقها وغربها لَهُ سِتّمائَة رَأس فِي كل رَأس سِتّمائَة وَجه فِي كل وَجه سِتُّونَ ألف فَم
فِي كل فَم سِتُّونَ ألف لِسَان يثني على الله ويقدسه ويهلله ويكبره بِكُل لِسَان سِتّمائَة ألف وَسِتِّينَ ألف مرّة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نظر إِلَى عَظمَة الله فَيَقُول: وَعزَّتك مَا عبدتك حق عبادتك
فَذَلِك قَوْله: {ويخلق مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِن لله عباداً من وَرَاء الأندلس كَمَا بَيْننَا وَبَين الأندلس مَا يرَوْنَ أَن الله عَصَاهُ(5/113)
مَخْلُوق رضراضهم الدّرّ والياقوت وجبالهم الذَّهَب وَالْفِضَّة لَا يحرثون وَلَا يزرعون وَلَا يعْملُونَ عملا لَهُم شجر على أَبْوَابهم لَهَا ثَمَر هِيَ طعامهم وَشَجر لَهَا أوراق عراض هِيَ لباسهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب أَنه قيل لَهُ: أخبرنَا من أَتَى سعالة الرّيح وانه رأى بهَا أَربع نُجُوم كَأَنَّهَا أَرْبَعَة أقمار فَقَالَ وهب: {ويخلق مَا لَا تعلمُونَ}
آيَة 9 - 13(5/114)
وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وعَلى الله قصد السَّبِيل} يَقُول الْبَيَان {وَمِنْهَا جَائِر} قَالَ الْأَهْوَاء الْمُخْتَلفَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وعَلى الله قصد السَّبِيل} يَقُول: على الله أَن يبين الْهدى والضلالة {وَمِنْهَا جَائِر} قَالَ السَّبِيل المتفرقة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وعَلى الله قصد السَّبِيل} قَالَ طَرِيق الْحق على الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وعَلى الله قصد السَّبِيل} قَالَ: على الله بَيَان حَلَاله وَحَرَامه وطاعته ومعصيته {وَمِنْهَا جَائِر} قَالَ: على السَّبِيل ناكب عَن الْحق وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ومنكم جَائِر(5/114)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَليّ أَنه كَانَ يقْرَأ هَذِه الْآيَة فمنكم جَائِر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وعَلى الله قصد السَّبِيل} قَالَ: طَرِيق الْهدى {وَمِنْهَا جَائِر} قَالَ: من السبل جَائِر عَن الْحق وَقَرَأَ (وَلَا تتبعوا السبل فتقرق بكم عَن سَبيله) (الْأَنْعَام آيَة 153) {وَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ} لقصد السَّبِيل الَّذِي هُوَ الْحق وَقَرَأَ (وَلَو شَاءَ رَبك لأمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا) (يُونُس آيَة 99) وَقَرَأَ (وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها) (السَّجْدَة آيَة 13) وَالله أعلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فِيهِ تسيمون} قَالَ: ترعون فِيهِ أنعامكم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {فِيهِ تسيمون} قَالَ: فِيهِ ترعون
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: وَمَشى الْقَوْم بالعماد إِلَى الدو حاء أعماد المسيم بن المساق وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا ذَرأ لكم فِي الأَرْض} قَالَ: مَا خلق لكم فِي الأَرْض مُخْتَلفا: من الدَّوَابّ وَالشَّجر وَالثِّمَار
نعم من الله متظاهرة فاشكروها لله عز وَجل وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
آيَة 14(5/115)
وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مطر أَنه كَانَ لَا يرى بركوب الْبَحْر بَأْسا وَقَالَ: مَا ذكره الله فِي الْقُرْآن إِلَّا بِخَير(5/115)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يكره ركُوب الْبَحْر إِلَّا لثلاث: غازٍ أَو حَاج أَو مُعْتَمر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَلْقَمَة بن شهَاب الْقرشِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لم يدْرك الْغَزْو معي فليغزو فِي الْبَحْر فَإِن أجر يَوْم فِي الْبَحْر كَأَجر يَوْم فِي الْبر وَإِن الْقَتْل فِي الْبَحْر كالقتلتين فِي الْبر وَإِن المائد فِي السَّفِينَة كالمتشحط فِي دَمه وان خِيَار شُهَدَاء أمتِي أَصْحَاب الْكَفّ قَالُوا: وَمَا أَصْحَاب الْكَفّ يارسول الله قَالَ: قوم تتكفأ بهم مراكبهم فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن كَعْب الْأَحْبَار: إِن الله قَالَ للبحر الغربي حِين خلقه: قد خلقتك فأحسنت خلقك وَأَكْثَرت فِيك من المَاء وَإِنِّي حَامِل فِيك عباداً لي يكبروني ويهللوني ويسبحوني ويحمدوني فَكيف تعْمل بهم قَالَ: أغرقهم قَالَ الله: إِنِّي أحملهم على كفي وَأَجْعَل بأسك فِي نواحيك ثمَّ قَالَ للبحر الشَّرْقِي: قد خلقتك فأحسنت خلقك وَأَكْثَرت فِيك من المَاء وَإِنِّي حَامِل فِيك عباداً لي يكبروني ويهللوني ويسبحوني ويحمدوني فَكيف أَنْت فَاعل بهم قَالَ أكبرك مَعَهم وأحملهم بَين ظَهْري وبطني فَأعْطَاهُ الله الْحِلْية وَالصَّيْد الطّيب
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كلم الله الْبَحْر الغربي وكلم الْبَحْر الشَّرْقِي فَقَالَ للبحرالغربي: إِنِّي حَامِل فِيك عباداً من عبَادي فَمَا أَنْت صانع بهم قَالَ: أغرقهم
قَالَ: بأسك فِي نواحيك وَحرمه الْحِلْية وَالصَّيْد وكلم هَذَا الْبَحْر الشَّرْقِي فَقَالَ: إِنِّي حَامِل فِيك عباداً من عبَادي فَمَا أَنْت صانع بهم قَالَ: أحملهم على يَدي وأكون لَهُم كالوالدة لولدها فأثابه الْحِلْية وَالصَّيْد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَهُوَ الَّذِي سخر الْبَحْر لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طرياً} يَعْنِي حيتان الْبَحْر {وتستخرجوا مِنْهُ حلية تلبسونها} قَالَ: هَذَا اللُّؤْلُؤ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طرياً} قَالَ: هُوَ السّمك وَمَا فِيهِ من الدَّوَابّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قَتَادَة: إِنَّه سُئِلَ عَن رجل قَالَ لامْرَأَته: إِن أكلت لَحْمًا فَأَنت طَالِق فَأكلت سمكًا قَالَ: هِيَ طَالِق
قَالَ الله: {لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طرياً}(5/116)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: يَحْنَث قَالَ الله: {لتأكلوا مِنْهُ لَحْمًا طرياً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي جَعْفَر قَالَ: لَيْسَ فِي الْحلِيّ زَكَاة ثمَّ قَرَأَ {وتستخرجوا مِنْهُ حلية تلبسونها}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَترى الْفلك مواخر} قَالَ: جواري
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ} قَالَ: تمخر السفن الرِّيَاح وَلَا تمخر الرّيح السفن إِلَّا الْفلك الْعِظَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ} قَالَ: تشق المَاء بصدرها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ} قَالَ: السفينتان تجريان برِيح وَاحِدَة كل وَاحِدَة مُسْتَقْبلَة الْأُخْرَى
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَترى الْفلك مواخر فِيهِ} قَالَ: تجْرِي برِيح وَاحِدَة مقبلة ومدبرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {ولتبتغوا من فَضله} قَالَ: هُوَ التِّجَارَة وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
آيَة 15 - 23(5/117)
وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن عَن قيس بن عباد قَالَ: إِن الله لما خلق الأَرْض جَعَلتْ تَمور فَقَالَت الْمَلَائِكَة: مَا هَذِه بمُقِرَّة على ظهرهَا أحد فَأَصْبَحت صبحان وفيهَا رواسيها فَلم يدروا من أَيْن خلقت فَقَالُوا رَبنَا هَل من خلقك شَيْء أَشد من هَذَا قَالَ: نعم الْحَدِيد فَقَالُوا: هَل من خلقك شَيْء أَشد من الْحَدِيد قَالَ: نعم النَّار
قَالُوا: رَبنَا هَل من خلقك شَيْء أَشد من النَّار قَالَ: نعم المَاء
قَالُوا: رَبنَا هَل من خلقك شَيْء هُوَ أَشد من المَاء قَالَ: نعم الرّيح
قَالُوا: رَبنَا هَل من خلقك شَيْء هوأشد من الرّيح قَالَ: نعم الرجل
قَالُوا: رَبنَا هَل من خلقك شَيْء هُوَ أَشد من الرجل قَالَ: نعم الْمَرْأَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {رواسي} قَالَ: الْجبَال {أَن تميد بكم} قَالَ: أثبتها بالجبال وَلَوْلَا ذَلِك مَا أقرَّت عَلَيْهَا خلقا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {رواسي أَن تميد بكم} قَالَ: حَتَّى لَا تميد بكم
كَانُوا على الأَرْض تمور بهم لَا يسْتَقرّ بهَا فَأَصْبحُوا صبحاً وَقد جعل الله الْجبَال وَهِي الرواسِي أوتاداً فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِن تميد بكم} قَالَ: أَن تكفأ بكم وَفِي قَوْله: وأنهاراً قَالَ: بِكُل بَلْدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وسبلاً} قَالَ: السبل هِيَ الطّرق بَين الْجبَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والخطيب فِي كتاب فِي كتاب النُّجُوم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وسبلاً} قَالَ: طرقاً {وعلامات} قَالَ: هِيَ النُّجُوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وعلامات} قَالَ: أَنهَار الْجبَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ فِي قَوْله: {وعلامات} قَالَ: الْجبَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وعلامات} يَعْنِي معالم الطّرق بِالنَّهَارِ {وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} يَعْنِي بِاللَّيْلِ(5/118)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن إِبْرَاهِيم {وعلامات} قَالَ: هِيَ الاعلام الَّتِي فِي السَّمَاء {وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} قَالَ: يَهْتَدُونَ بِهِ فِي الْبَحْر فِي أسفارهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وعلامات وبالنجم هم يَهْتَدُونَ} قَالَ: مِنْهَا مَا يكون عَلامَة وَمِنْهَا مَا يهتدى بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يتَعَلَّم الرجل منَازِل الْقَمَر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يتَعَلَّم الرجل من النُّجُوم مَا يَهْتَدِي بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أَفَمَن يخلق كمن لَا يخلق} قَالَ: الله هُوَ الْخَالِق الرازق وَهَذِه الْأَوْثَان الَّتِي تعبد من دون الله تُخْلَقُ وَلَا تخلقُ شَيْئا وَلَا تملك لأَهْلهَا ضراً وَلَا نفعا
قَالَ الله: {أَفلا تذكرُونَ} وَفِي قَوْله: {وَالَّذين يدعونَ من دون الله} الْآيَة
قَالَ: هَذِه الْأَوْثَان الَّتِي تعبد من دون الله أموات لَا أَرْوَاح فِيهَا وَلَا تملك لأَهْلهَا خيرا وَلَا نفعا {إِلَهكُم إِلَه وَاحِد} قَالَ: الله إلهنا ومولانا وخالقنا ورازقنا وَلَا نعْبد وَلَا نَدْعُو غَيره
{فَالَّذِينَ لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة قُلُوبهم مُنكرَة} يَقُول مُنكرَة لهَذَا الحَدِيث {وهم مستكبرون} قَالَ: مستكبرون عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا جرم} يَقُول: بلَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {لَا جرم} يَعْنِي الْحق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم الضَّحَّاك فِي قَوْله: {لَا جرم} قَالَ: لَا كذب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِنَّه لَا يحب المستكبرين} قَالَ: هَذَا قَضَاء الله الَّذِي قضى {إِنَّه لَا يحب المستكبرين} وَذكر لنا أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يانبي الله إِنَّه ليعجبني الْجمال حَتَّى أود أَن علاقَة سَوْطِي وقبالة نَعْلي حسن فَهَل ترهب عليّ الْكبر فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ تَجِد قَلْبك قَالَ: أَجِدهُ عَارِفًا للحق مطمئناً إِلَيْهِ
قَالَ: فَلَيْسَ ذَاك(5/119)
بِالْكبرِ وَلَكِن الْكبر أَن تبطر الْحق وَتَغْمِص النَّاس فَلَا ترى أحدا أفضل مِنْك وَتَغْمِص الْحق فتجاوزه إِلَى غَيره
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحُسَيْن بن عَليّ أَنه كَانَ يجلس إِلَى الْمَسَاكِين ثمَّ يَقُول: {إِنَّه لَا يحب المستكبرين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ قَالَ: ثَلَاث من فعلهن لم يكْتب مستكبراً: من ركب الْحمار وَلم يسنكف وَمن اعتقل الشَّاة واحتلبها وأوسع للمسكين وَأحسن مُجَالَسَته
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عِيَاض بن حمَار الْمُجَاشِعِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي خطبَته إِن الله أوحى إليَّ أَن تواضعوا حَتَّى لَا يفخر أحد على أحد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَقُول الله: من تواضع لي هَكَذَا - وَأَشَارَ بباطن كَفه إِلَى الأَرْض وَأَدْنَاهُ من الأَرْض - رفعته هَكَذَا - وَأَشَارَ بباطن كَفه إِلَى السَّمَاء - ورفعها نَحْو السَّمَاء
وَأخرج الْخَطِيب وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَنه قَالَ على الْمِنْبَر: يَا أَيهَا النَّاس تواضعوا فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من تواضع لله رَفعه الله وَقَالَ: انْتَعش رفعك الله فَهُوَ فِي نَفسه صَغِير وَفِي أعين النَّاس عَظِيم وَمن تكبر وَضعه الله وَقَالَ: اخْسَأْ خفضك الله فَهُوَ فِي أعين النَّاس صَغِير وَفِي نَفسه كَبِير حَتَّى لَهو أَهْون عَلَيْهِم من كلب أَو خِنْزِير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من آدَمِيّ إِلَّا وَفِي رَأسه سلسلتان - سلسلة فِي السَّمَاء وسلسلة فِي الأَرْض - وَإِذا تواضع العَبْد رَفعه الْملك الَّذِي بِيَدِهِ السلسلة من السَّمَاء وَإِذا تجبر جذبته السلسلة الَّتِي فِي الأَرْض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من آدَمِيّ إِلَّا وَفِي رَأسه حِكْمَة - الْحِكْمَة بيد ملك - فَإِن تواضع قيل للْملك: ارْفَعْ حكمته وَإِن ارْتَفع قيل للْملك: ضع حكمته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من تكبر تَعَظُّمًا وَضعه الله وَمن تواضع لله تخشعاً رَفعه الله(5/120)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر وَلَا يدْخل النَّار من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان
فَقَالَ رجل: يارسول الله الرجل يحب أَن يكون ثَوْبه حسنا وَنَعله حسنا فَقَالَ: إِن الله جميل يحب الْجمال الْكبر بطر الْحق وَغَمص النَّاس
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي رَيْحَانَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يدْخل شَيْء من الْكبر الْجنَّة قَالَ قَائِل: يَا رَسُول الله إِنِّي أحب أَن أَتَجَمَّل بعلاقة سَوْطِي وَشسع نَعْلي فَقَالَ: إِن ذَلِك لَيْسَ بِالْكبرِ إِن الله جميل يحب الْجمال إِنَّمَا الْكبر من سفه الْحق وَغَمص النَّاس بِعَيْنيهِ
وَأخرجه الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ عَن سوار بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ قَالَ: قلت يارسول الله إِنِّي رجل حبب إليّ الْجمال وَأعْطيت مَا ترى فَمَا أحب أَن يَفُوقَنِي أحد فِي شسع افمِنَ الْكبر ذَاك قَالَ: لَا
قلت: فَمَا الْكبر يَا رَسُول الله قَالَ: من سفه الْحق وَغَمص النَّاس
وَأخرج الْبَغَوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ عَن سوار بن عَمْرو الْأنْصَارِيّ قَالَ: سَأَلَ رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل حبب إِلَيّ الْجمال حَتَّى إِنِّي لَا أحب أحدا يَفُوقَنِي بِشِرَاك افمن الْكبر ذَاك قَالَ: لَا
وَلَكِن الْكبر من غمص النَّاس وبطر الْحق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر عَن أبي رَيْحَانَة قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لأحب الْجمال حَتَّى فِي نَعْلي وعلاقة سَوْطِي أَفَمَن الْكبر ذَلِك قَالَ: إِن الله جميل يحب الْجمال وَيُحب أَن يرى أثر نعْمَته على عَبده الْكبر من سفه الْحق وَغَمص النَّاس أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن خريم بن فاتك أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لأحب الْجمال حَتَّى إِنِّي لَأحبهُ فِي شِرَاك نَعْلي وجلاد سَوْطِي وَإِن قومِي يَزْعمُونَ أَنه من الْكبر فَقَالَ: لَيْسَ الْكبر أَن يحب أحدكُم الْجمال وَلَكِن الْكبر أَن يسفه الْحق ويغمص النَّاس
وَأخرج سمويه فِي فَوَائده والباوردي وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ عَن ثَابت بن قيس بن شماس قَالَ: ذكر الْكبر عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن الله لَا يحب من(5/121)
كَانَ مختالاً فخوراً فَقَالَ رجل من الْقَوْم: وَالله يارسول الله إِن ثِيَابِي لتغسل فَيُعْجِبنِي بياضها ويعجبني علاقَة سَوْطِي وشراك نَعْلي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ ذَاك من الْكبر إِنَّمَا الْكبر: أَن تسفه الْحق وَتَغْمِص النَّاس
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أُسَامَة قَالَ: أقبل رجل من بني عَامر فَقَالَ: يَا رَسُول الله بلغنَا أَنَّك شددت فِي لبس الْحَرِير وَالذَّهَب وَإِنِّي لأحب الْجمال فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله جميل يحب الْجمال إِنَّمَا الْكبر من جهل الْحق وَغَمص النَّاس بِعَيْنِه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي رجل حبب إليَّ الْجمال وَأعْطيت مِنْهُ مَا ترى حَتَّى مَا أحب أَن يقوقني أحد بِشِرَاك أَو شسع أَفَمَن الْكبر هَذَا قَالَ: لَا وَلَكِن الْكبر من بطر الْحق وَغَمص النَّاس
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ مثله وَفِيه: إِن الرجل مَالك الرهاوي وَقَالَ الْبَغي بدل الْكبر
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَطاء بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أوصى نوح ابْنه فَقَالَ: إِنِّي مُوصِيك بِوَصِيَّة وقاصرها عَلَيْك حَتَّى لَا تنسى أوصيك بِاثْنَتَيْنِ وأنهاك عَن اثْنَتَيْنِ فَأَما اللَّتَان أوصيك بهما فَإِنِّي رأيتهما يكثران الولوج على الله عز وَجل وَرَأَيْت الله تبَارك وَتَعَالَى يستبشر بهما وَصَالح خلقه قل سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاة الْخلق وَبهَا يرْزق الْخلق وَقل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ فَإِن السَّمَوَات وَالْأَرْض لَو كُنَّ حَلقَة لقصمتها وَلَو كُنَّ فِي كفةٍ لرجحت بِهن وَأما اللَّتَان أَنهَاك عَنْهُمَا فالشرك وَالْكبر فَقَالَ عبد الله بن عَمْرو: يَا رَسُول الله الْكبر أَن يكون لي حلَّة حَسَنَة ألبسها قَالَ: لَا إِن الله جميل يحب الْجمال قَالَ: فالكبر أَن يكون لي دَابَّة صَالِحَة أركبها قَالَ: لَا قَالَ: فالكبر أَن يكون لي أَصْحَاب يتبعوني وأطعمهم قَالَ: لَا قَالَ: فأيما الْكبر يَا رَسُول الله قَالَ: إِن تسفه الْحق وَتَغْمِص النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: لَا يدْخل حَظِيرَة الْقُدس متكبر(5/122)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: المتكبرون يجْعَلُونَ يَوْم الْقِيَامَة فِي توابيت من نَار فتطبق عَلَيْهِم
وَأخرج أَحْمد والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من فَارق الرّوح جسده وَهُوَ بَرِيء من ثَلَاث دخل الْجنَّة الْكبر وَالدّين والغلول قَالَ: ابْن الْجَوْزِيّ: فِي جَامع المسانيد كَذَا وَكَذَا روى لنا الْكبر وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إِنَّمَا هُوَ الْكَنْز بالنُّون وَالزَّاي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال ذرة من كبر قَالُوا: يَا رَسُول الله هلكنا وَكَيف لنا أَن نعلم مَا فِي قُلُوبنَا من دأب الْكبر وَأَيْنَ هُوَ فَقَالَ: من لبس الصُّوف أَو حلب الشَّاة أَو أكل مَعَ من ملكت يَمِينه فَلَيْسَ فِي قلبه إِن شَاءَ الله الْكبر
وَأخرج تَمام فِي فَوَائده وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لبس الصُّوف وانتعل المخصوف وَركب حِمَاره وحلب شاته وَأكل مَعَ عِيَاله فقد نحى الله عَنهُ الْكبر
أَنا عبد ابْن عبد أَجْلِس جلْسَة العَبْد وآكل أَكلَة العَبْد إِنِّي أُوحِي إِلَيّ أَن تواضعوا وَلَا يبغ أحد على أحد أَن يَد الله مبسوطة فِي خلقه فَمن رفع نَفسه وَضعه الله وَمن وضع نَفسه رَفعه الله وَلَا يمشي امْرُؤ على الأَرْض شبْرًا يَبْتَغِي سُلْطَان الله الا أكبه الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن يزِيد بن ميسرَة قَالَ: قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: مَا لي لَا أرى فِيكُم أفضل عبَادَة قَالُوا: وَمَا أفضل عبَادَة يَا روح الله قَالَ: التَّوَاضُع لله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: إِنَّكُم لتدعون أفضل الْعِبَادَة: التَّوَاضُع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: أفضل الْعَمَل الْوَرع وَخير الْعِبَادَة التَّوَاضُع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من كبر كبّه الله على وَجهه فِي النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن للشَّيْطَان مصالي وفخوخاً وَإِن من مصاليه وفخوخه البطر بنعم اللله وَالْفَخْر بعطاء الله وَالْكبر على(5/123)
عباد الله وَاتِّبَاع الْهوى فِي غير ذَات الله تَعَالَى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا أنبئكم بِأَهْل النَّار كل فظ غليظ مستكبر
الا أنبئكم بِأَهْل الْجنَّة كل ضَعِيف متضعف ذِي طمرين لَا يؤبه لَهُ لَو أقسم على الله لَأَبَره
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: يَقُولُونَ فِي التيه: وَقد ركبت الْحمار ولبست الشملة وحلبت الشَّاة
وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من فعل هَذَا فَلَيْسَ فِيهِ من الْكبر شَيْء وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن شَدَّاد رفع الحَدِيث قَالَ: من لبس الصُّوف واعتقل الشَّاة وَركب الْحمار وَأجَاب دَعْوَة الرجل الدون أَو العَبْد لم يكْتب عَلَيْهِ من الْكبر شَيْء
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن سَلام أَنه رُؤِيَ فِي السُّوق على رَأسه حزمة حطب فَقيل لَهُ: أَلَيْسَ قد أوسع الله عَلَيْك قَالَ: بلَى وَلَكِنِّي أردْت أَن أدفَع الْكبر وَقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يدْخل الْجنَّة من فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من كبر وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأقبل رجل فَلَمَّا رَآهُ الْقَوْم أثنوا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أرى على وَجهه سفعة من النَّار
فَلَمَّا جَاءَ وَجلسَ قَالَ: أنْشدك بِاللَّه أجئت وَأَنت ترى أَنَّك أفضل الْقَوْم قَالَ: نعم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الْمُبَارك أَنه سُئِلَ عَن التَّوَاضُع فَقَالَ: التكبر على الْأَغْنِيَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الْمُبَارك قَالَ: من التَّوَاضُع أَن تضع نَفسك عِنْد من هُوَ دُونك فِي نعْمَة الدُّنْيَا حَتَّى تعلمه أَنه لَيْسَ لَك فضل عَلَيْهِ لدنياك وَأَن ترفع نَفسك عِنْد من هُوَ فَوْقك فِي دُنْيَاهُ حَتَّى تعلمه أَنه لَيْسَ لدنياه فضل عَلَيْك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من خضع لَغَنِيّ وَوضع لَهُ نَفسه اعظاماً لَهُ وَطَمَعًا فِيمَا قبله ذهب ثلثا مروءته وَشطر دينه
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عون بن عبد الله قَالَ: قَالَ عبد الله بن مَسْعُود: لَا يبلغ عبد حَقِيقَة الإِيمان حَتَّى يحل بذروته وَلَا يحل بذروته حَتَّى يكون الْفقر أحب إِلَيْهِ من الْغنى والتواضع أحب إِلَيْهِ من الشّرف وَحَتَّى يكون حامده وذامّه سَوَاء(5/124)
قَالَ: فَفَسَّرَهَا أَصْحَاب عبد الله قَالُوا: حَتَّى يكون الْفقر فِي الْحَلَال أحب إِلَيْهِ من الْغَنِيّ فِي الْحَرَام
وَحَتَّى يكون التَّوَاضُع فِي طَاعَة الله أحب إِلَيْهِ من الشّرف فِي مَعْصِيّة الله وَحَتَّى يكون يكون حامده وذامّه فِي الْحق سَوَاء
الْآيَة 24(5/125)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: اجْتمعت قُرَيْش فَقَالُوا: إِن مُحَمَّدًا رجل حُلْو اللِّسَان إِذا كَلمه الرجل ذهب بعقله فانظروا أُنَاسًا من أشرافكم الْمَعْدُودين الْمَعْرُوفَة أنسابهم فابعثوهم فِي كل طَرِيق من طرق مَكَّة على رَأس كل لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ فَمن جَاءَ يُريدهُ فَردُّوهُ عَنهُ
فَخرج نَاس مِنْهُم فِي كل طَرِيق فَكَانَ إِذا أقبل الرجل وافداً لِقَوْمِهِ ينظر مَا يَقُول مُحَمَّد فَينزل بهم
قَالُوا لَهُ: أَنا فلَان ابْن فلَان
فيعرفه بنسبه وَيَقُول: أَنا أخْبرك عَن مُحَمَّد فَلَا يُرِيد أَن يَعْنِي إِلَيْهِ وَهُوَ رجل كَذَّاب لم يتبعهُ على أمره إِلَّا السُّفَهَاء وَالْعَبِيد وَمن لَا خير فِيهِ
وَأما شُيُوخ قومه وخيارهم فمفارقون لَهُ فَيرجع أحدهم
فَذَلِك قَوْله: {وَإِذا قيل لَهُم مَاذَا أنزل ربكُم قَالُوا أساطير الأوّلين} فَإِذا كَانَ الْوَافِد مِمَّن عزم الله لَهُ على الرشاد فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك فِي مُحَمَّد قَالَ: بئس الْوَافِد انا لقومي إِن كنت جِئْت حَتَّى إِذا بلغت إِلَّا مسيرَة يَوْم رجعت قبل أَن ألْقى هَذَا الرجل
وَانْظُر مَا يَقُول: وَآتِي قومِي بِبَيَان أمره فَيدْخل مَكَّة فَيلقى الْمُؤمنِينَ فيسألهم: مَاذَا يَقُول مُحَمَّد فَيَقُولُونَ: (خيرا
للَّذين أَحْسنُوا فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَة) (سُورَة النَّحْل 30)
يَقُول: مَال (ولدار الْآخِرَة خير) (سُورَة النَّحْل 30) وَهِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة إِن أُنَاسًا من مُشْركي الْعَرَب يَقْعُدُونَ بطرِيق من أَتَى نَبِي الله فَإِذا مروا سألوهم فَأَخْبرُوهُمْ بِمَا سمعُوا من النَّبِي فَقَالُوا إِنَّمَا هُوَ أساطير الْأَوَّلين
الْآيَة 25(5/125)
لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ليحملوا أوزارهم كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة وَمن أوزار الَّذين يضلونهم بِغَيْر علم} يَقُول: يحملون من ذنوبهم ذنُوب الَّذين يضلونهم بِغَيْر علم وَذَلِكَ مثل قَوْله: (وأثقالاً مَعَ أثقالهم)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ليحملوا أوزارهم كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة} الْآيَة
قَالَ: حملهمْ ذنُوب أنفسهم وذنوب من اطاعهم وَلَا يُخَفف ذَلِك عَمَّن اطاعهم من الْعَذَاب شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {ليحملوا أوزارهم كَامِلَة} الْآيَة
قَالَ: قَالَ النَّبِي: أَيّمَا داعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَة فأتبع كَانَ عَلَيْهِ مثل أوزار من اتبعهُ من غير أَن ينقص من أوزارهم شَيْء
وَأَيّمَا دَاع إِلَى هدى فَاتبع فَلهُ مثل أُجُورهم من غير أَن ينقص من أُجُورهم شَيْء
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم أَنه بلغه أَنه يتَمَثَّل للْكَافِرِ عمله فِي صُورَة أقبح مَا خلق الله وَجها وأنتنه ريحًا فيجلس إِلَى جنبه
كلما أفزعه شَيْء زَاده وَكلما تخوّف شَيْئا زَاده خوفًا فَيَقُول: بئس الصاحب أَنْت وَمن أَنْت فَيَقُول: وَمَا تعرفنِي فَيَقُول: لَا
فَيَقُول: أَنا عَمَلك
كَانَ قبيحاً فَلذَلِك تراني قبيحاً وَكَانَ منتناً فَلذَلِك تراني منتناً
طأطئ إليَّ اركبك فطالما ركبتني فِي الدُّنْيَا
فيركبه
وَهُوَ قَوْله: {ليحملوا أوزارهم كَامِلَة يَوْم الْقِيَامَة} وَالله أعلم
الْآيَة 26 - 29(5/126)
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (26) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {قد مكر الَّذين من قبلهم} قَالَ: هُوَ نمْرُود بن كنعان حِين بنى الصرح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن زيد بن أسلم قَالَ: أول جَبَّار كَانَ فِي الأَرْض نمْرُود فَبعث الله عَلَيْهِ بعوضة فَدخلت فِي منخره فَمَكثَ أَرْبَعمِائَة سنة يضْرب رَأسه بالمطارق
وَارْحَمْ النَّاس بِهِ من جمع يَدَيْهِ فَضرب بهما رَأسه وَكَانَ جباراً أَرْبَعمِائَة سنة فَعَذَّبَهُ الله أَرْبَعمِائَة سنة كملكه ثمَّ أَمَاتَهُ الله
وَهُوَ الَّذِي بَنَى صرحاً إِلَى السَّمَاء الَّذِي قَالَ الله: {فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {قد مكر الَّذين من قبلهم} قَالَ: مكر نمْرُود بن كنعان الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قد مكر الَّذين من قبلهم فَأتى الله بنيانهم من الْقَوَاعِد} قَالَ: أَتَاهَا أَمر الله من أَصْلهَا {فَخر عَلَيْهِم السّقف من فَوْقهم} و {السّقف} عالي الْبيُوت فائتكفت بهم بُيُوتهم فأهلكهم الله ودرمرهم {وأتاهم الْعَذَاب من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تشاقون فيهم} يَقُول: تخالفوني
الْآيَة 30 - 31(5/127)
وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ (31)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَقيل للَّذين اتَّقوا} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ يُقَال لَهُم: {مَاذَا أنزل ربكُم} فَيَقُولُونَ {خيرا للَّذين أَحْسنُوا} أَي آمنُوا بِاللَّه وَكتبه وَأمرُوا بِطَاعَتِهِ وحثوا عباد الله على الْخَيْر ودعوهم إِلَيْهِ(5/127)
الْآيَة 32(5/128)
الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة طيبين} قَالَ: أَحيَاء وأمواتاً قدر الله ذَلِك لَهُم
وَأخرج ابْن مَالك وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو الْقَاسِم بن مَنْدَه فِي كتاب الْأَحْوَال وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: إِذا استقافت نفس العَبْد الْمُؤمن جَاءَهُ الْملك فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا ولي الله الله يقْرَأ عَلَيْك السَّلَام
ثمَّ نزع بِهَذِهِ الْآيَة {الَّذين تتوفاهم الْمَلَائِكَة طيبين يَقُولُونَ سَلام عَلَيْكُم}
الْآيَة 33 - 36(5/128)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (34) وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة} قَالَ: بِالْمَوْتِ
وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى (وَلَو ترى(5/128)
إِذْ يتوفى الَّذين كفرُوا الْمَلَائِكَة) (الْأَنْفَال آيَة 50) وَهُوَ ملك الْمَوْت وَله رسل {أَو يَأْتِي أَمر رَبك} وَذَاكَ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن تأتيهم الْمَلَائِكَة} يَقُول: عِنْد الْمَوْت حِين تتوفاهم {أَو يَأْتِي أَمر رَبك} قَالَ: ذَلِك يَوْم الْقِيَامَة
الْآيَة 37(5/129)
إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)
أخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ {فَإِن الله لَا يهدي} بِفَتْح الْيَاء {من يضل} بِضَم الْيَاء
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن الْأَعْمَش قَالَ: قَالَ لي الشّعبِيّ: يَا سُلَيْمَان كَيفَ تقْرَأ هَذَا الْحَرْف قلت: {لَا يهدي من يضل} فَقَالَ: كَذَلِك سَمِعت عَلْقَمَة يقْرؤهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ {لَا يهدي من يضل}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم أَنه قَرَأَ {لَا يهدي من يضل}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف {فَإِن الله لَا يهدي من يضل} قَالَ: من يضله الله لَا يهديه أحد
الْآيَة 38 - 39(5/129)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (38) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ (39)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانَ لرجل من الْمُسلمين على رجل من الْمُشْركين دين فَأَتَاهُ يتقاضاه فَكَانَ فِيمَا تكلم بِهِ وَالَّذِي أرجوه بعد الْمَوْت أَنه لكذا وَكَذَا
فَقَالَ لَهُ الْمُشرك: إِنَّك لتزعم أَنَّك تبْعَث من بعد الْمَوْت
فأقسم بِاللَّه جهد يَمِينه: لَا يبْعَث الله من يَمُوت
فَأنْزل الله: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن عَليّ فِي قَوْله: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت} قَالَ: نزلت فِي []
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ الله: سبني ابْن آدم وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يسبني وَكَذبَنِي وَلم يكن يَنْبَغِي لَهُ أَن يكذبنِي
فَأَما تَكْذِيبه إيَّايَ فَقَالَ: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَا يبْعَث الله من يَمُوت} وَقلت: {بلَى وَعدا عَلَيْهِ حَقًا} وَأما سبه إيَّايَ فَقَالَ: (إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة وَقلت: (هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد) (الصَّمد)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ليبين لَهُم الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} قَالَ: للنَّاس عَامَّة وَالله أعلم
الْآيَة 40 - 42(5/130)
إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (40) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان - وَاللَّفْظ لَهُ - عَن أبي ذَر عَن رَسُول الله قَالَ: يَقُول الله: يَا ابْن آدم كلكُمْ مذنب إِلَّا من عافيت
فاستغفروني أَغفر لكم
وكلكم فُقَرَاء إِلَّا من أغنيت فسلوني أُعْطِيكُم
وكلكم ضال إِلَّا من هديت فسلوني الْهدى أهدكم
وَمن استغفرني وَهُوَ يعلم أَنِّي ذُو قدرَة على أَن أَغفر لَهُ غفرت لَهُ وَلَا أُبَالِي(5/130)
وَلَو أَن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجْتَمعُوا على قلب أَشْقَى وَاحِد مِنْكُم مَا نقص ذَلِك من سلطاني مثل جنَاح بعوضة
وَلَو أَن أوّلكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجْتَمعُوا على قلب أتقى وَاحِد مِنْكُم مَا زادوا فِي سلطاني مثل جنَاح بعوضة
وَلَو أَن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم سَأَلُونِي حَتَّى تَنْتَهِي مَسْأَلَة كل وَاحِد مِنْكُم فأعطيتهم مَا سَأَلُونِي مَا نقص ذَلِك مِمَّا عِنْدِي كغرز إبرة غمسها أحدكُم فِي الْبَحْر وَذَلِكَ أَنِّي جواد ماجد وَاجِد عطائي كَلَام وعذابي كَلَام إِنَّمَا أَمْرِي لشَيْء إِذا أردته أَن أَقُول لَهُ {كن فَيكون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: إِنَّهُم قوم من أهل مَكَّة هَاجرُوا إِلَى رَسُول الله بعد ظلمهم ظَلَمَهُمُ الْمُشْركُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن دَاوُد بن أبي هِنْد قَالَ: نزلت {وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله من بعد مَا ظلمُوا} إِلَى قَوْله: {وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ} فِي أبي جندل بن سُهَيْل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله من بعد مَا ظلمُوا} قَالَ: هَؤُلَاءِ أَصْحَاب مُحَمَّد ظلمهم أهل مَكَّة فأخرجوهم من دِيَارهمْ حَتَّى لحق طوائف مِنْهُم بِأَرْض الْحَبَشَة ثمَّ بوأهم الله الْمَدِينَة بعد ذَلِك فَجَعلهَا لَهُم دَار هِجْرَة وَجعل لَهُم أنصاراً من الْمُؤمنِينَ {ولأجر الْآخِرَة أكبر} قَالَ: أَي وَالله لما يثيبهم عَلَيْهِ من جنته وَنعمته {أكبر لَو كَانُوا يعلمُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله: {لنبوّئنهم فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لنبوّئنهم فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: لنرزقنهم فِي الدُّنْيَا رزقا حسنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبان بن تغلب قَالَ: كَانَ الرّبيع بن خَيْثَم يقْرَأ هَذَا الْحَرْف فِي النَّحْل {وَالَّذين هَاجرُوا فِي الله من بعد مَا ظلمُوا لنبوئنهم فِي الدُّنْيَا حَسَنَة}(5/131)
وَيقْرَأ فِي العنكبوت (لَنَثْويَنَّهُمْ من الْجنَّة غرفا) (العنكبوت آيَة 58) وَيَقُول: التَّنَبُّؤ فِي الدُّنْيَا والثواء فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب: أَنه كَانَ إِذا أعْطى الرجل من الْمُهَاجِرين عَطاء يَقُول: خُذ
بَارك الله لَك هَذَا مَا وَعدك الله فِي الدُّنْيَا وَمَا ادّخر لَك فِي الْآخِرَة أكبر لَو كَانُوا يعلمُونَ
الْآيَة 43 - 48(5/132)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بعث الله مُحَمَّدًا رَسُولا أنْكرت الْعَرَب ذَلِك وَمن أنكر مِنْهُم قَالُوا: الله أعظم من أَن يكون رَسُوله بشرا مثل مُحَمَّد
فَأنْزل الله: (أَكَانَ للنَّاس عجبا أَن أَوْحَينَا إِلَى رجل مِنْهُم) (يُونُس آيَة 2) وَقَالَ: {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} يَعْنِي فاسألوا أهل الذّكر والكتب الْمَاضِيَة: أبشر كَانَت الرُّسُل الَّذين أَتَتْهُم أم مَلَائِكَة فَإِن كَانُوا مَلَائِكَة أتتكم وَإِن كَانُوا بشرا فَلَا تنكروا أَن يكون رَسُولا
ثمَّ قَالَ: (وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا يُوحى إِلَيْهِم من أهل الْقرى) (يُوسُف آيَة 109) أَي لَيْسُوا من أهل السَّمَاء كَمَا قُلْتُمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا}(5/132)
قَالَ: قَالَت الْعَرَب (لَوْلَا أنزل علينا الْمَلَائِكَة) (الْمَائِدَة آيَة 73) قَالَ الله: مَا أرْسلت الرُّسُل إِلَّا بشرا {فاسألوا} يَا معشر الْعَرَب {أهل الذّكر} وهم أهل الْكتاب من الْيَهُود وَالنَّصَارَى الَّذين جَاءَتْهُم قبلكُمْ {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} أَن الرُّسُل الَّذين كَانُوا من قبل مُحَمَّد كَانُوا بشرا مثله فَإِنَّهُم سيخبرونكم أَنهم كَانُوا بشرا مثله
وَأخر الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {فاسألوا أهل الذّكر} يَعْنِي مُشْركي قُرَيْش أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فِي التَّوْرَاة والإِنجيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فاسألوا أهل الذّكر} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن سَلام وَنَفر من أهل التَّوْرَاة وَكَانُوا أهل كتب يَقُول: فاسألوهم {إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} أَن الرجل ليُصَلِّي ويصوم ويحج ويعتمر وَأَنه لمنافق
قيل: يَا رَسُول الله بِمَاذَا دخل عَلَيْهِ النِّفَاق قَالَ: يطعن على إِمَامه وإمامه من قَالَ الله فِي كِتَابه: {فاسألوا أهل الذّكر أَن كُنْتُم لَا تعلمُونَ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله: لَا يَنْبَغِي للْعَالم أَن يسكت عَن علمه وَلَا يَنْبَغِي للجاهل أَن يسكت عَن جَهله
وَقد قَالَ الله {فاسألوا أهل الذّكر إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ} فَيَنْبَغِي لِلْمُؤمنِ أَن يعرف عمله على هدى أم على خِلَافه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {بِالْبَيِّنَاتِ} قَالَ: الْآيَات {والزبر} قَالَ: الْكتب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ عَن أَصْحَابه فِي قَوْله: {بِالْبَيِّنَاتِ والزبر} قَالَ: {الْبَينَات} الْحَلَال وَالْحرَام الَّذِي كَانَت تَجِيء بِهِ الْأَنْبِيَاء {والزبر} كتب الْأَنْبِيَاء {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر} قَالَ: هُوَ الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} قَالَ: مَا أحل لَهُم وَمَا حرم عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} قَالَ: أرْسلهُ الله إِلَيْهِم ليتَّخذ بذلك الْحجَّة عَلَيْهِم(5/133)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لَعَلَّهُم يتفكرون} قَالَ: يطيعون
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله مقَاما أخبرنَا بِمَا يكون إِلَى قيام السَّاعَة عقله منا من عقله ونسيه من نَسيَه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أفأمن الَّذين مكروا السَّيِّئَات} قَالَ: نمْرُود بن كنعان وَقَومه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أفأمن الَّذين مكروا السَّيِّئَات} أَي الشّرك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أفأمن الَّذين مكروا السَّيِّئَات} قَالَ: تكذيبهم الرُّسُل وأعمالهم بِالْمَعَاصِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم} قَالَ: فِي اخْتلَافهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم} قَالَ: إِن شِئْت أَخَذته فِي سَفَره
وَفِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} يَقُول: إِن شِئْت أَخَذته على أثر موت صَاحبه
وتخوف بذلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم} قَالَ: فِي أسفارهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ فِي تقلبهم} يَعْنِي على أَي حَال كَانُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} يَعْنِي أَن يَأْخُذ بَعْضًا بِالْعَذَابِ وَيتْرك بَعْضًا وَذَلِكَ أَنه كَانَ يعذب الْقرْيَة فيهلكها وَيتْرك الْأُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} قَالَ: ينقص من أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} قَالُوا: مَا نرى إِلَّا أَنه عِنْد تنقص مَا نردده من الْآيَات فَقَالَ عمر: مَا أرى إِلَّا أَنه على مَا تنتقصون من معاصي الله
فَخرج رجل مِمَّن كَانَ عِنْد عمر فلقي أَعْرَابِيًا فَقَالَ: يَا فلَان مَا فعل رَبك
فَقَالَ: قد تخيفته
يَعْنِي تنقصه
فَرجع إِلَى عمر فَأخْبرهُ فَقَالَ: قدر الله ذَلِك(5/134)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} قَالَ: يَأْخُذهُمْ بِنَقص بَعضهم بَعْضًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {أَو يَأْخُذهُمْ على تخوف} قَالَ: كَانَ يُقَال: التخوف هُوَ التنقص
تنقصهم من الْبَلَد والأطراف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أَو لم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل سجدا لله} قَالَ: ظلّ كل شَيْء فِيهِ وظل كل شَيْء سُجُوده
{الْيَمين} أول النَّهَار {وَالشَّمَائِل} آخر النَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {أَو لم يرَوا إِلَى مَا خلق الله من شَيْء يتفيأ ظلاله} قَالَ: إِذا فَاءَ الْفَيءُ توجه كل شَيْء سَاجِدا لله قِبَلَ الْقبْلَة من بَيت أَو شجر
قَالَ: فَكَانُوا يستحبون الصَّلَاة عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: إِذا فَاء الْفَيْء لم يبْق شَيْء من دَابَّة وَلَا طَائِر إِلَّا خر لله سَاجِدا
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله: أَربع قبل الظّهْر بعد الزَّوَال تحسب بمثلين من صَلَاة السحر
قَالَ رَسُول الله: وَلَيْسَ من شَيْء إِلَّا وَهُوَ يسبح الله تِلْكَ السَّاعَة ثمَّ قَرَأَ {يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل سجدا لله} الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم قَالَ: صلوا صَلَاة الآصال حَتَّى يفِيء الْفَيْء قبل النداء بِالظّهْرِ من صلاهَا فَكَأَنَّمَا تهجد بِاللَّيْلِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: فَيْء كل شَيْء ظله وَسُجُود كل شَيْء فِيهِ سُجُود الخيال فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: إِذا زَالَت الشَّمْس سجد كل شَيْء لله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة فِي قَوْله: {يتفيأ ظلاله عَن الْيَمين وَالشَّمَائِل} قَالَ: الغدو وَالْآصَال إِذا فَاء ظلّ كل شَيْء
أما الظل بِالْغَدَاةِ فَعَن الْيَمين وَأما بالْعَشي فَعَن الشَّمَائِل
إِذا كَانَ بِالْغَدَاةِ سجدت لله وَإِذا كَانَ بالْعَشي سجدت لَهُ(5/135)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي غَالب الشَّيْبَانِيّ قَالَ: أمواج الْبَحْر صلَاته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {داخرون} قَالَ: صاغرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وهم داخرون} قَالَ: صاغرون
الْآيَة 49 - 56(5/136)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52) وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَللَّه يسْجد مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض من دَابَّة} قَالَ: لم يدع شَيْئا من خلقه إِلَّا عَبده لَهُ طَائِعا أَو كَارِهًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: يسْجد من فِي السَّمَوَات طَوْعًا وَمن فِي الأَرْض طَوْعًا وَكرها
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {يخَافُونَ رَبهم من فَوْقهم} قَالَ: مَخَافَة الإجلال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: مر النَّبِي بِسَعْد وَهُوَ يَدْعُو بِأُصْبُعَيْهِ فَقَالَ لَهُ: يَا سعد أحد أحد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانُوا إِذا رَأَوْا إنْسَانا يَدْعُو بِأُصْبُعَيْهِ ضربوا إِحْدَاهمَا وَقَالُوا: {إِنَّمَا هُوَ إِلَه وَاحِد}(5/136)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: إِن الله يحب أَن يدعى هَكَذَا وأشارت بأصبع وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْإِخْلَاص يَعْنِي الدُّعَاء بالاصبع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: الدعاءهكذا - وَأَشَارَ بأصبع وَاحِدَة - مقمعَة الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْإِخْلَاص هَكَذَا
وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ وَالدُّعَاء هَكَذَا يَعْنِي ببطون كفيه
وللاستخارة هَكَذَا وَرفع يَدَيْهِ وَولى ظهرهما وَجهه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَله الدّين واصباً} قَالَ: {الدّين} الْإِخْلَاص {واصباً} دَائِما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح فِي قَوْله: {وَله الدّين واصباً} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَله الدّين واصباً} قَالَ: دَائِما
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَله الدّين واصباً} قَالَ: وَاجِبا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قولهك {وَله الدّين واصباً} مَا الواصب قَالَ: الدَّائِم
قَالَ فِيهِ أُميَّة بن أبي الصَّلْت: وَله الدّين واصباً وَله الْملك وَحمد لَهُ على كل حَال وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: إِن هَذَا الدّين دين واصب
شغل النَّاس وَحَال بَينهم وَبَين كثير من شهواتهم فَمَا يستطيعه من إِلَّا من عرف فَضله وَرَجا عاقبته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فإليه تجأرون} قَالَ: تتضرعون دُعَاء(5/137)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {فإليه تجأرون} يَقُول: تضجون بِالدُّعَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ثمَّ إِذا كشف الضّر عَنْكُم} الْآيَة قَالَ: الْخلق كلهم يُقِرُّونَ لله أَنه رَبهم ثمَّ يشركُونَ بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {فتمتعوا فَسَوف تعلمُونَ} قَالَ: هُوَ وَعِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ويجعلون لما لَا يعلمُونَ نَصِيبا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} قَالَ: يعلمُونَ أَن الله خلقهمْ ويضرهم وينفعهم ثمَّ يجْعَلُونَ لما يعلمُونَ أَنه يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ نَصِيبا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ويجعلون لما لَا يعلمُونَ نَصِيبا} قَالَ: هم مشركو الْعَرَب جعلُوا لأوثانهم وشياطينهم نَصِيبا مِمَّا رزقهم الله وجزأوا من أَمْوَالهم جُزْءا فجعلوه لأوثانهم وشياطينهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {ويجعلون لما لَا يعلمُونَ نَصِيبا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} هُوَ قَوْلهم هَذَا لله بزعمهم وَهَذَا لشركائنا
الْآيَة 57 - 60(5/138)
وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ويجعلون لله الْبَنَات} الْآيَات
يَقُول: يجْعَلُونَ لَهُ الْبَنَات يرضونهن لَهُ وَلَا يرضونهن لأَنْفُسِهِمْ
وَذَلِكَ أَنهم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا ولد للرجل مِنْهُم جَارِيَة أمْسكهَا على هون أَو دسّها فِي التُّرَاب وَهِي حَيَّة(5/138)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وَلَهُم مَا يشتهون} قَالَ: يَعْنِي بِهِ الْبَنِينَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَإِذا بشر أحدهم بِالْأُنْثَى ظلّ وَجهه مسوداً وَهُوَ كظيم} قَالَ: هَذَا صَنِيع مُشْركي الْعَرَب أخْبرهُم الله بخبث صنيعهم
فَأَما الْمُؤمن فَهُوَ حقيق أَن يرضى بِمَا قسم الله لَهُ وَقَضَاء الله خير من قَضَاء الْمَرْء لنَفسِهِ
ولعمري مَا نَدْرِي أَنه لخير لرب جَارِيَة خير لأَهْلهَا من غُلَام وَإِنَّمَا أخْبركُم الله بصنيعهم لتجتنبوه وَتَنْتَهُوا عَنهُ فَكَانَ أحدهم يغذو كَلْبه ويئد ابْنَته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الْعَرَب يقتلُون مَا ولد لَهُم من جَارِيَة فيدسونها فِي التُّرَاب وَهِي حَيَّة حَتَّى تَمُوت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {على هون} أَي هوان بلغَة قُرَيْش
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {أم يدسه فِي التُّرَاب} قَالَ: يئد ابْنَته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أَلا سَاءَ مَا يحكمون} قَالَ: بئس مَا حكمُوا
يَقُول: شَيْء لَا يرضونه لأَنْفُسِهِمْ فَكيف يرضونه لي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى} قَالَ: يَقُول لَيْسَ كمثله شَيْء
الْآيَة 61 - 67(5/139)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ (62) تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (64) وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بظلمهم مَا ترك عَلَيْهَا من دَابَّة} قَالَ: مَا سقاهم الْمَطَر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة يَقُول: إِذا قحط الْمَطَر لم يبْق فِي الأَرْض دَابَّة إِلَّا مَاتَت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بظلمهم مَا ترك عَلَيْهَا من دَابَّة} قَالَ: قد فعل الله ذَلِك فِي زمَان نوح أهلك الله مَا على ظهر الأَرْض من دَابَّة إِلَّا مَا حملت سفينة نوح
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: ذنُوب ابْن آدم قتلت الْجعل فِي جُحْره ثمَّ قَالَ: أَي وَالله
وَمن غرق قوم نوح عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَاد الْجعل أَن يعذب فِي جُحْره بذنب ابْن آدم ثمَّ قَرَأَ / وَلَو يُؤَاخذ الله النَّاس بظلمهم مَا ترك على ظهرهَا من دَابَّة /
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْعُقُوبَات عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَاد الضَّب أَن يَمُوت فِي جُحْره هولاً من ظلم ابْن آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة أَنه سمع رجلا يَقُول: إِن الظَّالِم لَا يضر إِلَّا نَفسه
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: بلَى
وَالله إِن الْحُبَارَى لتَمُوت هزلا وَكرها من ظلم الظَّالِم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله: لَو أَن الله يؤاخذني وَعِيسَى ابْن مَرْيَم بذنونبا وَفِي لفظ: بِمَا جنت هَاتَانِ - الْإِبْهَام وَالَّتِي تَلِيهَا - لعذبنا مَا يظلمنا شَيْئا(5/140)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ} قَالَ: يَقُول: تَجْعَلُونَ لي الْبَنَات وتكرهون ذَلِك لأنفسكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {ويجعلون لله مَا يكْرهُونَ} قَالَ: وَهن الْجَوَارِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وتصف ألسنتهم الْكَذِب أَن لَهُم الْحسنى} قَالَ: قَول كفار قُرَيْش لنا البنون وَللَّه الْبَنَات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وتصف ألسنتهم الْكَذِب} أَي يَتَكَلَّمُونَ بِأَن {لَهُم الْحسنى} الغلمان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَأَنَّهُمْ مفرطون} قَالَ: مسيئون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَأَنَّهُمْ مفرطون} قَالَ: متروكون فِي النَّار ينسون فِيهَا أبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَأَنَّهُمْ مفرطون} قَالَ: قد فرطوا فِي النَّار أَي معجلين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَأَنَّهُمْ مفرطون} قَالَ: معجل بهم إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن أبي كَبْشَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله قَالَ: مَا شرب أحد لَبَنًا فشرق إِن الله يَقُول: {لَبَنًا خَالِصا سائغاً للشاربين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سِيرِين
إِن ابْن عَبَّاس لَبَنًا فَقَالَ لَهُ مطرف: أَلا تمضمضت فَقَالَ: مَا أباليه بالة اسمح يسمح لَك
فَقَالَ قَائِل: إِنَّه يخرج من بَين فرث وَدم
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: قد قَالَ الله {لَبَنًا خَالِصا سائغاً للشاربين}(5/141)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} قَالَ: السكر مَا حرم من ثَمَرَتهَا والرزق الْحسن مَا حل من ثَمَرَتهَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: السكر الْحَرَام مِنْهُ والرزق الْحسن زبيبه وخله وعنبه ومنافعه
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: السكر النَّبِيذ والرزق الْحسن فنسختها هَذِه الْآيَة (إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر) (الْمَائِدَة آيَة 90)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير عَن أبي رزين فِي الْآيَة قَالَ: نزل هَذَا وهم يشربون الْخمر قبل أَن ينزل تَحْرِيمهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: السكر الْخلّ والنبيذ وَمَا أشبهه
والرزق الْحسن: الثَّمر وَالزَّبِيب وَمَا أشبهه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} قَالَ: فَحرم الله بعد ذَلِك السكر مَعَ تَحْرِيم الْخمر لِأَنَّهُ مِنْهُ ثمَّ قَالَ: {وَرِزْقًا حسنا} فَهُوَ الْحَلَال من الْخلّ وَالزَّبِيب والنبيذ وَأَشْبَاه ذَلِك فأقره الله وَجعله حَلَالا للْمُسلمين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} قَالَ: إِن النَّاس يسمون الْخمر سكرا وَكَانُوا يشربونها ثمَّ سَمَّاهَا الله بعد ذَلِك الْخمر حِين حرمت وَكَانَ ابْن عَبَّاس يزْعم أَن الْحَبَشَة يسمون الْخلّ السكر
وَقَوله: {وَرِزْقًا حسنا} يَعْنِي بذلك الْحَلَال التَّمْر وَالزَّبِيب وَكَانَ حَلَالا لَا يسكر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: السكر خمر(5/142)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير وَالْحسن وَالشعْبِيّ وَإِبْرَاهِيم وَأبي رزين مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف والنحاس عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا} قَالَ: خمور الْأَعَاجِم وَنسخت فِي سُورَة الْمَائِدَة
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: السكر الْحَرَام والرزق الْحسن الْحَلَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا} قَالَ: ذكر الله نعْمَته عَلَيْهِم فِي الْخمر قبل أَن يحرمها عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ فِي قَوْله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا} قَالَا: هِيَ مَنْسُوخَة
وَأخرج الْخَطِيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لكم فِي الْعِنَب أَشْيَاء تأكلونه عنباً وتشربونه عصيراً مَا لم ييبس وتتخذون مِنْهُ زبيباً وَربا وَالله أعلم
الْآيَة 68 - 70(5/143)
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل} قَالَ: ألهمها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: النَّحْل دَابَّة أَصْغَر من الجندب ووحيه إِلَيْهَا قذف فِي قلوبها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل} قَالَ: ألهمها إلهاماً وَلم يُرْسل إِلَيْهَا رَسُولا(5/143)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَأوحى رَبك إِلَى النَّحْل} قَالَ: أمرهَا أَن تَأْكُل من كل الثمرات وأمرها أَن تتبع سبل رَبهَا ذللاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فاسلكي سبل رَبك ذللاً} قَالَ: طرقاً لَا يتوعر عَلَيْهَا مَكَان سلكته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فاسلكي سبل رَبك ذللاً} قَالَ: مطيعة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: الذلول الَّذِي يُقَاد وَيذْهب بِهِ حَيْثُ أَرَادَ صَاحبه
قَالَ: فهم يخرجُون بالنحل وينتجعون بهَا
ويذهبون وَهِي تتبعهم
وَقَرَأَ {أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاماً فهم لَهَا مالكون وذللناها لَهُم} يس آيَة 71 - 72 الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فاسلكي سبل رَبك ذللاً} قَالَ: ذليلة لذَلِك
وَفِي قَوْله: {يخرج من بطونها شراب مُخْتَلف ألوانه} قَالَ: هَذَا الْعَسَل {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} يَقُول: فِيهِ شِفَاء الأوجاع الَّتِي شفاؤها فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يخرج من بطونها شراب مُخْتَلف ألوانه فِيهِ شِفَاء للنَّاس} يَعْنِي الْعَسَل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {شراب مُخْتَلف ألوانه فِيهِ شِفَاء للنَّاس} قَالَ: هُوَ الْعَسَل فِيهِ الشِّفَاء وَفِي الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْعَسَل فِيهِ شِفَاء من كل دَاء وَالْقُرْآن شِفَاء لما فِي الصُّدُور
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: عَلَيْكُم بِالشِّفَاءَيْنِ: الْعَسَل وَالْقُرْآن
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَيْكُم بِالشِّفَاءَيْنِ الْعَسَل وَالْقُرْآن(5/144)
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي قَالَ: الشِّفَاء فِي ثَلَاثَة فِي شرطة محجم أَو شربة عسل أَو كَيَّة بِنَار وَأَنا أنهِي أمتِي عَن الكي
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن أخي اسْتطْلقَ بَطْنه فَقَالَ: اسْقِهِ عسلاً: فَسَقَاهُ عسلاً ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا زَاده إِلَّا اسْتِطْلَاقًا: قَالَ: اذْهَبْ فاسقه عسلاً فَسَقَاهُ عسلاً ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا زَاده إِلَّا اسْتِطْلَاقًا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صدق الله وَكذب بطن أَخِيك اذْهَبْ فاسقه عسلاً فَذهب فَسَقَاهُ فبرأ
وَأخرج ابْن مَاجَه وَابْن السّني وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من لعق الْعَسَل ثَلَاث غدوات كل شهر لم يصبهُ عَظِيم من الْبلَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَامر بن مَالك قَالَ: بعثت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من وعك كَانَ بِي ألتمس مِنْهُ دَوَاء وشفاء فَبعث إليّ بعَكَّة من عسل
وَأخرج حميد بن زَنْجوَيْه عَن نَافِع أَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ لَا يشكو قرحَة وَلَا شَيْئا إِلَّا جعل عَلَيْهِ عسلاً حَتَّى الدُّمَّلَ إِذا كَانَ بِهِ طلاه عسلاً فَقُلْنَا لَهُ: تداوي الدُمَّلَّ بالعسل فَقَالَ أَلَيْسَ يَقُول الله: {فِيهِ شِفَاء للنَّاس}
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن مُعَاوِيَة بن خديج قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن كَانَ فِي شَيْء شَاءَ فَفِي شرطة من محجم أَو شربة من عسل أَو كَيَّة بِنَار تصيب ألماً وَمَا أحب أَن أكتوى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حشرم المجمري: أَن ملاعب الأسنة عَامر بن مَالك بعث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَله الدَّوَاء والشفاء من دَاء نزل بِهِ فَبعث إِلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَسَل أَو بعكة من عسل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عمر وَقَالَ: مثل الْمُؤمن كَمثل النحلة تَأْكُل طيبا وتضع طيبا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل النَّمْل والنحل(5/145)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مثل بلالٍ كَمثل النحلة غَدَتْ تَأْكُل من الحلو والمر ثمَّ هُوَ حُلْو كُله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لَا يحب الْفَاحِش وَلَا الْمُتَفَحِّش وَسُوء الْجوَار وَقَطِيعَة الرَّحِم ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا مثل الْمُؤمن كَمثل النحلة رتعت فَأكلت طيبا ثمَّ سَقَطت فَلم تؤذ وَلم تكسر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نهى عَن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد والضفدع
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل أَربع من الدَّوَابّ: النملة والنحلة والهدهد والصرد
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عمر الذُّبَاب أَرْبَعُونَ يَوْمًا والذباب كُله فِي النَّار إِلَّا النَّحْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف من طَرِيق مُجَاهِد عَن عبيد بن عُمَيْر أَو ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل الذُّبَاب فِي النَّار إِلَّا النَّحْل وَكَانَ ينْهَى عَن قَتلهَا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الذُّبَاب كلهَا فِي النَّار إِلَّا النَّحْل
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر} قَالَ: خمس وَسَبْعُونَ سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {ومنكم من يرد إِلَى أرذل الْعُمر} الْآيَة
أرذل الْعُمر هُوَ الْخَوْف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: من قَرَأَ الْقُرْآن لم يرد إِلَى أرذل الْعُمر ثمَّ قَرَأَ {لكَي لَا يعلم بعد علم شَيْئا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: إِن الْعَالم لَا يخرف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ يُقَال أَن أبقى النَّاس عقولاً قراء الْقُرْآن(5/146)
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَدْعُو أعوذ بك من الْبُخْل والكسل وأرذل الْعُمر وَعَذَاب الْقَبْر وفتنة الدَّجَّال وفتنة الْمحيا وفتنة الْمَمَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعوذ بِاللَّه من دُعَاء لَا يسمع وَمن قلب لَا يخشع وَمن علم لَا ينفع وَمن نفس لَا تشبع اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْجُوع فَإِنَّهُ بئس الضجيع
وَمن الْخِيَانَة فَإِنَّهَا بئست البطانة
وَأَعُوذ بك من الكسل والهرم وَالْبخل والجبن وَأَعُوذ بك أَن أرد إِلَى أرذل الْعُمر وَأَعُوذ بك من فتْنَة الدَّجَّال وَعَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يَدْعُو اللهمَّ إِنِّي أعوذ بك من الْبُخْل وَأَعُوذ بك من الْجُبْن وَأَعُوذ بك أَن أرد إِلَى أرذل الْعُمر وَأَعُوذ بك من فتْنَة الدُّنْيَا وَأَعُوذ بك من عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمَوْلُود حَتَّى يبلغ الْحِنْث مَا يعْمل من حَسَنَة أثبت لوالده أَو لوَالِديهِ وَإِن عمل سَيِّئَة لم تكْتب عَلَيْهِ وَلَا على وَالِديهِ فَإِذا بلغ الْحِنْث وَجرى عَلَيْهِ الْقَلَم أَمر الْملكَانِ اللَّذَان مَعَه فحفظاه وسددا فَإِذا بلغ أَرْبَعِينَ سنة فِي الْإِسْلَام آمنهُ الله من البلايا الثَّلَاثَة: من الْجُنُون والجذام والبرص فَإِذا بلغ الْخمسين ضاعف الله حَسَنَاته فَإِذا بلغ سِتِّينَ رزقه الله الانابة إِلَيْهِ فِيمَا يحب فَإِذا بلغ سبعين أحبه أهل السَّمَاء فَإِذا بلغ تسعين سنة غفر الله مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر وشفعه فِي أهل بَيته وَكَانَ اسْمه عِنْده أَسِير الله فِي أرضه فَإِذا بلغ إِلَى أرذل الْعُمر {لكَي لَا يعلم بعد علم شَيْئا} كتب الله لَهُ مثل مَا كَانَ يعْمل فِي صِحَّته من الْخَيْر وَإِن عمل سَيِّئَة لم تكْتب عَلَيْهِ
الْآيَة 71(5/147)
وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (71)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق} الْآيَة
يَقُول: لم يَكُونُوا يشركُونَ عبيدهم فِي أَمْوَالهم وَنِسَائِهِمْ وَكَيف تشركون عَبِيدِي معي فِي سلطاني(5/147)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل الْآلهَة الْبَاطِل مَعَ الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَالله فضل بَعْضكُم على بعض فِي الرزق} الْآيَة
قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله فَهَل مِنْكُم من أحد يُشَارك مَمْلُوكه فِي زَوجته وَفِي فرَاشه أفتعدلون بِاللَّه خلقه وعباده فَإِن لم ترض لنَفسك هَذَا فَالله أَحَق أَن تبرئه من ذَلِك وَلَا تعدل بِاللَّه أحدا من عباده وخلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي الْآيَة
قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله فِي شَأْن الْآلهَة فَقَالَ كَيفَ تعدلون بِي عبَادي وَلَا تعدلون عبيدكم بِأَنْفُسِكُمْ وتردون مَا فضلْتُمْ بِهِ عَلَيْهِم فتكونون أَنْتُم وهم فِي الرزق سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ اقنع برزقك فِي الدُّنْيَا فَإِن الرَّحْمَن فضل بعض عباده على بعض فِي الرزق بلَاء يبتلى بِهِ كلا فيبتلي بِهِ من بسط لَهُ كَيفَ شكره فِيهِ وشكره لله أَدَاؤُهُ الْحق الَّذِي افْترض عَلَيْهِ مِمَّا رزقه وخوله
الْآيَة 72(5/148)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَالله جعل لكم من أَنفسكُم أَزْوَاجًا} قَالَ: خلق آدم ثمَّ خلق زَوجته مِنْهُ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {بَنِينَ وحفدة} قَالَ الحفدة الْأخْتَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحفدة الأصهار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحفدة الْوَلَد وَولد الْوَلَد(5/148)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الحفدة بَنو الْبَنِينَ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل: {وحفدة} قَالَ: ولد الْوَلَد وهم الأعوان قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: حفد الولائد حَوْلهنَّ وَأسْلمت بأكفهن أزمة الاجمال وَأخرج ابْن جرير عَن أبي حَمْزَة قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن قَوْله: {بَنِينَ وحفدة} قَالَ: من أعانك فقد حفدك أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: حفد الولائد حَوْلهنَّ وَأسْلمت بأكفهن أزمة الاجمال وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قالك الحفدة بَنو امْرَأَة الرجل لَيْسُوا مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ: الحفدة الأعوان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الحفدة الخدم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: الحفدة البنون وَبَنُو البنون وَمن أعانك من أهل أَو خَادِم فقد حفدك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أفبالباطل يُؤمنُونَ} قَالَ: الشّرك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {أفبالباطل يُؤمنُونَ} قَالَ: الشَّيْطَان {وبنعمة الله} قَالَ: مُحَمَّد
الْآيَة 73 - 77(5/149)
وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73) فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (74) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (75) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ويعبدون من دون الله مَا لَا يملك لَهُم رزقا من السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: هَذِه الْأَوْثَان الَّتِي تعبد من دون الله لَا تملك لمن يَعْبُدهَا رزقا وَلَا ضراً وَلَا نفعا وَلَا حَيَاة وَلَا نشوراً {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال} فَإِنَّهُ أحد صَمد (لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد) (الصمدية: 3 الْآيَة)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال} يَعْنِي اتخاذهم الْأَصْنَام
يَقُول: لَا تجْعَلُوا معي إِلَهًا غَيْرِي فَإِنَّهُ لَا إِلَه غَيْرِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} يَعْنِي الْكَافِر إِنَّه لَا يَسْتَطِيع أَن ينْفق نَفَقَة فِي سَبِيل الله {وَمن رزقناه منا رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهراً} يَعْنِي الْمُؤمن وَهُوَ الْمثل فِي النَّفَقَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: (وَضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا) قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله للْكَافِرِ رزقه الله مَالا فَلم يقدم فِيهِ خيرا وَلم يعْمل فِيهِ بِطَاعَة الله
{وَمن رزقناه منا رزقا حسنا} قَالَ: هُوَ الْمُؤمن أعطَاهُ الله مَالا رزقا حَلَالا فَعمل فِيهِ بِطَاعَة الله وَأَخذه بشكر وَمَعْرِفَة حق الله فأثابه الله على مَا رزقه الرزق الْمُقِيم الدَّائِم لأَهله فِي الْجنَّة
قَالَ الله: {هَل يستويان مثلا} قَالَ: لَا وَالله لَا يستويان(5/150)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء وَمن رزقناه منا رزقا حسنا} و {رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم} {وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ} قَالَ: كل هَذَا مثل إِلَه الْحق وَمَا يدعونَ من دونه الْبَاطِل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} قَالَ: يَعْنِي بذلك الْآلهَة الَّتِي لَا تملك ضراً وَلَا نفعا وَلَا تقدر على شَيْء
ينفعها وَمن رزقنا منا رزقا حسنا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ سرا وجهراً قَالَ عَلَانيَة الْمُؤمن الَّذِي ينْفق سرا وجهراً لله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} قَالَ الصَّنَم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: إِن الله ضرب الْأَمْثَال على حسب الْأَعْمَال فَلَيْسَ عمل صَالح إِلَّا لَهُ الْمثل الصَّالح وَلَيْسَ عمل سوء إِلَّا لَهُ مثل سوء وَقَالَ: إِن مثل الْعَالم المتفهم كطريق بَين شجر وجبل فَهُوَ مُسْتَقِيم لَا يعوّجه شَيْء فَذَلِك مثل العَبْد الْمُؤمن الَّذِي قَرَأَ الْقُرْآن وَعمل بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر
عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} فِي رجل من قُرَيْش وَعَبده فِي هِشَام بن عمر وَهُوَ الَّذِي ينْفق مَاله سرا وجهراً وَفِي عبد أبي الجوزاء الَّذِي كَانَ ينهاه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ للْعَبد طَلَاق إِلَّا بِإِذن سَيّده
وَقَرَأَ {عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن الْمَمْلُوك يتَصَدَّق بِشَيْء قَالَ: {ضرب الله مثلا عبدا مَمْلُوكا لَا يقدر على شَيْء} لَا يتَصَدَّق بِشَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم} إِلَى آخر الْآيَة
يَعْنِي بالأبكم الَّذِي {وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ} الْكَافِر
وَبِقَوْلِهِ: {وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ} الْمُؤمن
وَهَذَا الْمثل فِي الْأَعْمَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن(5/151)
ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَضرب الله مثلا رجلَيْنِ أَحدهمَا أبكم} فِي رجلَيْنِ أَحدهمَا عُثْمَان بن عَفَّان وَمولى لَهُ كَافِر وَهُوَ أسيد بن أبي الْعيص كَانَ يكره الْإِسْلَام وَكَانَ عُثْمَان ينْفق عَلَيْهِ ويكفله ويكفيه الْمُؤْنَة وَكَانَ الآخر ينهاه عَن الصَّدَقَة وَالْمَعْرُوف فَنزلت فيهمَا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ} قَالَ: عُثْمَان بن عَفَّان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله للآلهة أَيْضا
أما الأبكم فالصنم فَإِنَّهُ أبكم لَا ينْطق {وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ} يُنْفقُونَ عَلَيْهِ وعَلى من يَأْتِيهِ وَلَا ينْفق عَلَيْهِم وَلَا يرزقهم {هَل يَسْتَوِي هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ} وَهُوَ الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أَحدهمَا أبكم} قَالَ: هُوَ الوثن {هَل يَسْتَوِي هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ} قَالَ: الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كل} قَالَ: الْكل الْعِيَال
كَانُوا إِذا ارتحلوا حملوه على بعير ذَلُول وَجعلُوا مَعَه نَفرا يمسكونه خشيَة أَن يسْقط فَهُوَ عناء وَعَذَاب وعيال عَلَيْهِم {هَل يَسْتَوِي هُوَ وَمن يَأْمر بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاط مُسْتَقِيم} يَعْنِي نَفسه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ خبر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر} هُوَ أَن يَقُول: كن أَو أقرب فالساعة {كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {كلمح الْبَصَر} يَقُول: كلمح ببصر الْعين من السرعة
أَو {أقرب} من ذَلِك إِذا أردنَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر أَو هُوَ أقرب} قَالَ: هُوَ أقرب وكل شَيْء فِي الْقُرْآن أَو فَهُوَ هَكَذَا (مائَة ألف أَو يزِيدُونَ) وَالله أعلم(5/152)
الْآيَة 78(5/153)
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَالله أخرجكم من بطُون أُمَّهَاتكُم} قَالَ: من الرَّحِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَجعل لكم السّمع والأبصار والأفئدة لَعَلَّكُمْ تشكرون} قَالَ: كَرَامَة أكْرمكُم الله بهَا فاشكروا نعمه
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن حَبَّة وَسَوَاء ابنَيْ خَالِد أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَهُوَ يعالج بِنَاء فَقَالَ لَهما: هَلُمَّ فعالجا مَعَه فعالجا فَلَمَّا فرغ أَمر لَهُم بِشَيْء وَقَالَ لَهما: لَا تَيْأَسا من الرزق مَا تهزهزت رؤوسكما
فَإِنَّهُ لَيْسَ من مَوْلُود يُولد من أمة إِلَّا أَحْمَر لَيْسَ عَلَيْهِ قشرة ثمَّ يرزقه الله
الْآيَة 79(5/153)
أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (79)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فِي جو السَّمَاء} فِي كبد السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {فِي جو السَّمَاء} قَالَ: جَوف السَّمَاء {مَا يمسكهن إِلَّا الله} قَالَ: يمسِكهُ الله على كل ذَلِك وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
الْآيَة 80(5/153)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (80)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَالله جعل لكم من بُيُوتكُمْ سكناً} قَالَ: تسكنون فِيهَا(5/153)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {جعل لكم من بُيُوتكُمْ سكناً} قَالَ: تسكنون وتقرون فِيهَا {وَجعل لكم من جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا} وَهِي خيام الْأَعْرَاب {تستخفونها} يَقُول فِي الْحمل {ومتاعاً إِلَى حِين} قَالَ: إِلَى الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {تستخفونها يَوْم ظعنكم} قَالَ بعض: بيُوت السيارة فِي سَاعَة وَفِي قَوْله: {وأوبارها} قَالَ: الْإِبِل {وَأَشْعَارهَا} قَالَ: الْغنم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أثاثاً} قَالَ: الأثاث المَال {ومتاعاً إِلَى حِين} يَقُول تنتفعون بِهِ إِلَى حِين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ: إِنَّمَا أنزل الْقُرْآن على قدر معرفَة الْعَرَب
أَلا ترى إِلَى قَوْله: {وَمن أصوافها وأوبارها} وَمَا جعل الله لَهُم من غير ذَلِك أعظم مِنْهُ وَأكْثر وَلَكنهُمْ كَانُوا أَصْحَاب وبر وَشعر
أَلا ترى إِلَى قَوْله: {وَالله جعل لكم مِمَّا خلق ظلالا وَجعل لكم من الْجبَال أكناناً} وَمَا جعل من السهل أعظم وَأكْثر وَلَكنهُمْ كَانُوا أَصْحَاب جبال
أَلا ترى إِلَى قَوْله: {وَجعل لكم سرابيل تقيكم الْحر} وَمَا يقي الْبرد أعظم وَأكْثر وَلَكنهُمْ كَانُوا أَصْحَاب حر
أَلا ترى إِلَى قَوْله: (من جبال فِيهَا من برد) يعجبهم بذلك وَمَا أنزل من الثَّلج أعظم وَأكْثر وَلَكنهُمْ كَانُوا لَا يعرفونه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ومتاعاً إِلَى حِين} قَالَ: إِلَى أجل وبلغة
الْآيَة 81 - 83(5/154)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ (83)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَالله جعل لكم مِمَّا خلق ظلالاً} قَالَ: من الشّجر وَمن غَيرهَا(5/154)
{وَجعل لكم من الْجبَال أكناناً} قَالَ: غارات يسكن فِيهَا
{وَجعل لكم سرابيل تقيكم الْحر} من الْقطن والكتان وَالصُّوف {وسرابيل تقيكم بأسكم} من الْحَدِيد {كَذَلِك يتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تسلمون} وَلذَلِك هَذِه السُّورَة تسمى سُورَة النعم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْكسَائي عَن حَمْزَة عَن الْأَعْمَش وَأبي بكر وَعَاصِم أَنهم قرأوا {لَعَلَّكُمْ تسلمون} بِرَفْع التَّاء من أسلمت
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {سرابيل تقيكم الْحر} قَالَ: يَعْنِي الثِّيَاب {وسرابيل تقيكم بأسكم} قَالَ: يَعْنِي الدروع وَالسِّلَاح {كَذَلِك يتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تسلمون} يَعْنِي من الْجِرَاحَات
وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا {تسلمون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ: أَن أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالله جعل لكم من بُيُوتكُمْ سكناً} قَالَ الْأَعرَابِي: نعم قَالَ: {وَجعل لكم من جُلُود الْأَنْعَام بُيُوتًا تستخفونها} قَالَ الْأَعرَابِي: نعم ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ كل ذَلِك يَقُول نعم حَتَّى بلغ {كَذَلِك يتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تسلمون} فولى الْأَعرَابِي فَأنْزل الله {يعْرفُونَ نعْمَة الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرهم الْكَافِرُونَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يعْرفُونَ نعْمَة الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا} قَالَ: هِيَ المساكن والأنعام وَمَا ترزقون مِنْهَا وسرابيل من الْحَدِيد وَالثيَاب تعرف هَذَا كفار قُرَيْش ثمَّ تنكره بِأَن تَقول: هَذَا كَانَ لآبائنا فورثونا إِيَّاه
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن كثير فِي الْآيَة قَالَ: يعلمُونَ أَن خلقهمْ وَأَعْطَاهُمْ بَعْدَمَا أَعْطَاهُم يكفرون فَهُوَ معرفهم نعْمَته ثمَّ إنكارهم إِيَّاهَا كفرهم بعد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عون بن عبد الله فِي قَوْله: {يعْرفُونَ نعْمَة الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا} قَالَ: انكارهم إِيَّاهَا أَن يَقُول الرجل: لَوْلَا فلَان أصابني كَذَا وَكَذَا وَلَوْلَا فلَان لم أصب كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي(5/155)
قَوْله: {يعْرفُونَ نعْمَة الله ثمَّ يُنْكِرُونَهَا} قَالَ مُحَمَّد: وَلَفظ ابْن أبي حَاتِم قَالَ: هَذَا فِي حَدِيث أبي جهل والأخنس حِين سَأَلَ الْأَخْنَس أَبَا جهل عَن مُحَمَّد: فَقَالَ: هُوَ نَبِي
الْآيَة 84 - 90(5/156)
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَيَوْم نبعث من كل أمة شَهِيدا} قَالَ: شهيدها نبيها على أَنه قد بلغ رسالات ربه
قَالَ الله: {وَجِئْنَا بك شَهِيدا على هَؤُلَاءِ} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة فاضت عَيناهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْعَالِيَة فِي قَوْله: {وَإِذا رأى الَّذين ظلمُوا الْعَذَاب فَلَا يُخَفف عَنْهُم وَلَا هم ينظرُونَ} قَالَ: هَذَا كَقَوْلِه: (هَذَا يَوْم لَا ينطقون وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَألْقوا إِلَيْهِم القَوْل} قَالَ: حدثوهم(5/156)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وألقوا إِلَى الله يَوْمئِذٍ السّلم} قَالَ: استسلموا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وألقوا إِلَى الله يَوْمئِذٍ السّلم} يَقُول: ذلوا واستسلموا يَوْمئِذٍ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد بن السّري وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله: {زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب} قَالَ: زيدوا عقارب لَهَا أَنْيَاب كالنخل الطوَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن الْبَراء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن قَول الله: {زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب} قَالَ: عقارب أَمْثَال النّخل الطوَال ينهشونهم فِي جَهَنَّم
وَأخرج هناد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أفاعي فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة: إِن أهل النَّار إِذا جزعوا من حرهَا اسْتَغَاثُوا بضحضاح فِي النَّار فَإِذا أَتَوْهُ تلقاهم عقارب كأنهن البغال الدهم وأفاع كأنهن البخاتي فضربنهم فَذَلِك الزِّيَادَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: إِن فِي جَهَنَّم لجبابا فِيهَا حيات أَمْثَال البخت وعقارب أَمْثَال البغال يستغيث أهل النَّار من تِلْكَ الْجبَاب إِلَى السَّاحِل فَتثبت إِلَيْهِم فتأخذ جباههم وشفارهم فكشطت لحومهم إِلَى أَقْدَامهم فسيتغيثون مِنْهَا إِلَى النَّار فتتبعهم حَتَّى تَجِد حرهَا فترجع وَهِي فِي أسراب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن لِجَهَنَّم سواحل فِيهَا حيات وعقارب أعناقها كأعناق البخت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْأَعْمَش عَن مَالك بن الْحَارِث قَالَ: إِذا طرح الرجل فِي النَّار هوى فِيهَا فَإِذا انْتهى إِلَى بعض أَبْوَابهَا قيل: مَكَانك حَتَّى تتحف فيسقى كأساً من سم الأساود والعقارب فيتميز الْجلد على حِدة وَالشعر على حِدة والعصب على حِدة وَالْعُرُوق على حِدة(5/157)
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب} قَالَ: خَمْسَة أَنهَار من نَار صبها الله عَلَيْهِم يُعَذبُونَ بِبَعْضِهَا بِاللَّيْلِ وببعضها بِالنَّهَارِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الزِّيَادَة خَمْسَة أَنهَار تجْرِي من تَحت الْعَرْش على رُؤُوس أهل النَّار ثَلَاثَة أَنهَار على مِقْدَار اللَّيْل ونهران على مِقْدَار النَّهَار فَذَلِك قَوْله: {زدناهم عذَابا فَوق الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يفسدون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: أَتَدْرِي مَا سَعَة جَهَنَّم قلت: لَا
قَالَ: إِن مَا بَين شحمة أذن أحدهم وَبَين عَاتِقه مسيرَة سبعين خَرِيفًا تجْرِي أَوديَة الْقَيْح وَالدَّم
قلت لَهُ: الْأَنْهَار قَالَ: لَا
بل الأودية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الله أنزل فِي هَذَا الْكتاب تبياناً لكل شَيْء وَلَقَد عَملنَا بَعْضًا مِمَّا بَين لنا فِي الْقُرْآن
ثمَّ تَلا {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبياناً لكل شَيْء}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الله وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من أَرَادَ الْعلم فليتنوّر الْقُرْآن فَإِنَّهُ فِيهِ علم الأوّلين والآخرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَا تهذوا الْقُرْآن كَهَذا الشّعْر وَلَا تنثروه نثر الدقل وقفُوا عِنْد عجائبه وحركوا بِهِ الْقُلُوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن هَذَا الْقُرْآن مأدبة الله فَمن دخل فِيهِ فَهُوَ آمن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن هَذِه الْقُلُوب أوعية فأشغلوها بِالْقُرْآنِ وَلَا تشغلوها بِغَيْرِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {تبياناً لكل شَيْء} قَالَ: مِمَّا أمروا بِهِ ونهوا عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبياناً لكل شَيْء} قَالَ: بِالسنةِ(5/158)
وَأخرج أَحْمد عَن عُثْمَان بن أبي الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت عِنْد رَسُول الله جَالِسا إِذْ شخص بَصَره فَقَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل فَأمرنِي أَن أَضَع هَذِه الْآيَة بِهَذَا الْموضع من السُّورَة {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والإِحسان} إِلَى قَوْله: {تذكرُونَ}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله بِفنَاء بَيته جَالِسا إِذْ مر بِهِ عُثْمَان بن مَظْعُون رَضِي الله عَنهُ فَجَلَسَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَيْنَمَا هُوَ يحدثه إِذْ شخص بَصَره إِلَى السَّمَاء فَنظر سَاعَة إِلَى السَّمَاء فَأخذ يضع بَصَره حَتَّى وَضعه على يَمِينه فِي الأَرْض فتحرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن جليسه عُثْمَان إِلَى حَيْثُ وضع رَأسه فَأخذ ينفض رَأسه كَأَنَّهُ يستفقه مَا يُقَال لَهُ فَلَمَّا قضى حَاجته شخص بصر رَسُول الله إِلَى السَّمَاء كَمَا شخص أول مرّة فَاتبعهُ بَصَره حَتَّى توارى فِي السَّمَاء فَأقبل إِلَى عُثْمَان كجلسته الأولى فَسَأَلَهُ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَتَانِي جِبْرِيل آنِفا
قَالَ: فَمَا قَالَ لَك قَالَ: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والإِحسان} إِلَى قَوْله: {تذكرُونَ} قَالَ عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ: فَذَلِك حِين اسْتَقر الْإِيمَان فِي قلبِي وأحببت مُحَمَّدًا
وَأخرج الباوردي وَابْن السكن وَابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغ أَكْثَم بن صَيْفِي مخرج رَسُول الله فَأَرَادَ أَن يَأْتِيهِ
فَأتى قومه فَانْتدبَ رجلَيْنِ فَأتيَا رَسُول الله فَقَالَا: نَحن رسل أَكْثَم يَسْأَلك من أَنْت وَمَا جِئْت بِهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا مُحَمَّد بن عبد الله عبد الله وَرَسُوله ثمَّ تَلا عَلَيْهِمَا هَذِه الْآيَة {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والإِحسان} إِلَى قَوْله: {تذكرُونَ} قَالَا: ردد علينا هَذَا القَوْل
فردده عَلَيْهِمَا حَتَّى حفظاه فَأتيَا أَكْثَم فَأَخْبَرَاهُ
فَلَمَّا سمع الْآيَة قَالَ: إِنِّي أرَاهُ يَأْمر بمكارم الْأَخْلَاق وَينْهى عَن ملائمها فكونوا فِي هَذَا الْأَمر رؤوساء وَلَا تَكُونُوا فِيهِ أذناباً
وَرَوَاهُ الْأمَوِي فِي مغازيه وَزَاد فَركب مُتَوَجها إِلَى النَّبِي فَمَاتَ فِي الطَّرِيق: قَالَ: وَيُقَال نزلت فِيهِ هَذِه الْآيَة (وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت) (النِّسَاء آيَة 100) الْآيَة(5/159)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {وَالْإِحْسَان} قَالَ: أَدَاء الْفَرَائِض {وإيتاء ذِي الْقُرْبَى} قَالَ: إِعْطَاء ذَوي الرَّحِم الْحق الَّذِي أوجبه الله عَلَيْك بِسَبَب الْقَرَابَة وَالرحم {وَينْهى عَن الْفَحْشَاء} قَالَ: الزِّنَا {وَالْمُنكر} قَالَ: الشّرك {وَالْبَغي} قَالَ: الْكبر وَالظُّلم: {يعظكم} يُوصِيكُم {لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُحَمّد بن نصر فِي الصَّلَاة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أعظم آيَة فِي كتاب الله تَعَالَى {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} آل عمرَان 2 وَأجْمع آيَة فِي كتاب الله للخير وَالشَّر - الْآيَة الَّتِي فِي النَّحْل - {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والإِحسان} وَأكْثر آيَة فِي كتاب الله تفويضاً {وَمن يتق الله يَجْعَل لَهُ مخرجا وَيَرْزقهُ من حَيْثُ لَا يحْتَسب} الطَّلَاق 2 - 3 وَأَشد آيَة فِي كتاب الله رَجَاء {يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} الزمر 53 الْآيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والإِحسان} إِلَى آخرهَا ثمَّ قَالَ: إِن الله عزَّ وجلَّ جمع لكم الْخَيْر كُله وَالشَّر كُله فِي آيَة وَاحِدَة فوَاللَّه مَا ترك الْعدْل وَالْإِحْسَان من طَاعَة الله شَيْئا إِلَّا جمعه وَلَا ترك الْفَحْشَاء وَالْمُنكر وَالْبَغي من مَعْصِيّة الله شَيْئا إِلَّا جمعه
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه من طَرِيق العكلي عَن أَبِيه قَالَ: مر عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ بِقوم يتحدثون فَقَالَ: فيمَ أَنْتُم فَقَالُوا: نتذاكر الْمُرُوءَة فَقَالَ: أَو مَا كفاكم الله عز وَجل ذَاك فِي كِتَابه إِذْ يَقُول الله: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والإِحسان} فالعدل الانصاف
والاحسان التفضل فَمَا بَقِي بعد هَذَا وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والإِحسان} الْآيَة
قَالَ: لَيْسَ من خلق حسن كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يعْملُونَ بِهِ(5/160)
ويعظمونه ويخشونه إِلَّا أَمر الله بِهِ وَلَيْسَ من خلق سيء كَانُوا يتعايرونه بَينهم إِلَّا نهى الله عَنهُ وَقدم فِيهِ وَإِنَّمَا نهى عَن سفاسف الْأَخْلَاق ومذامها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: دَعَاني عمر بن عبد الْعَزِيز فَقَالَ: صف لي الْعدْل فَقلت: بخ
سَأَلت عَن أَمر جسيم كُنْ لصغير النَّاس أَبَا ولكبيرهم ابْنا وللمثل مِنْهُم أَخا وللنساء كَذَلِك وعاقب النَّاس على قدر ذُنوبهم وعَلى قدر أَجْسَادهم وَلَا تضربن بِغَضَبِك سَوْطًا وَاحِدًا مُتَعَدِّيا فَتكون من العادين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم إِنَّمَا الْإِحْسَان أَن تحسن إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْك وَالله أعلم
الْآيَة 91(5/161)
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مزيدة بن جَابر فِي قَوْله: {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي بيعَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ من أسلم بَايع على الْإِسْلَام فَقَالَ: {وأوفوا بِعَهْد الله إِذا عاهدتم وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} فَلَا تحملنكم قلَّة مُحَمَّد وَأَصْحَابه وَكَثْرَة الْمُشْركين أَن تنقضوا الْبيعَة الَّتِي بايعتم على الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} قَالَ: تغليظها فِي الْحلف: {وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} قَالَ: وَكيلا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} يَقُول: بعد تشديدها وتغليظها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَلَا تنقضوا الْأَيْمَان بعد توكيدها} يَعْنِي بعد وتغليظها وتشديدها {وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} يَعْنِي فِي الْعَهْد شَهِيدا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ(5/161)
الْآيَة 92 - 96(5/162)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر بن حَفْص قَالَ: كَانَت سعيدة الأَسدِية مَجْنُونَة تجمع الشّعْر والليف فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: يَا عَطاء أَلا أريك امْرَأَة من أهل الْجنَّة فَأرَانِي حبشية صفراء فَقَالَ: هَذِه أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن بِي هَذِه الموتة - يَعْنِي الْجُنُون - فَادع الله أَن يعافيني
فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن شِئْت دَعَوْت الله فعافاك وَإِن شِئْت صبرت واحتسبت وَلَك الْجنَّة فَاخْتَارَتْ الصَّبْر وَالْجنَّة قَالَ: وَهَذِه الْمَجْنُونَة سعيدة الأَسدِية وَكَانَت تجمع الشّعْر والليف فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن كثير فِي قَوْله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها} قَالَ: خرقاء كَانَت بِمَكَّة تنقضه بَعْدَمَا تبرمه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها} قَالَ: كَانَت امْرَأَة بِمَكَّة كَانَت تسمى خرقاء مَكَّة كَانَت تغزل فَإِذا أبرمت غزلها تنقضه(5/162)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غزلها} قَالَ: نقضت حبلها بعد إبرامها إِيَّاه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة: لَو سَمِعْتُمْ بِامْرَأَة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: مَا أَحمَق هَذِه
وَهَذَا مثل ضربه الله لمن نكث عَهده
وَفِي قَوْله: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم دخلا بَيْنكُم} قَالَ: خِيَانَة وغدراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَن تكون أمة هِيَ أربى من أمة} قَالَ: نَاس أَكثر من نَاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَن تكون أمة هِيَ أربى من أمة} قَالَ: كَانُوا يحالفون الحلفاء فيجدون أَكثر مِنْهُم وأعز فينقضون حلف هَؤُلَاءِ ويحالفون هَؤُلَاءِ الَّذين هم أعز فنهوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: وَلَا تَكُونُوا فِي نقض الْعَهْد بِمَنْزِلَة الَّتِي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً يَعْنِي بعد مَا أبرمته {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانكُم} يَعْنِي الْعَهْد {دخلا بَيْنكُم} يَعْنِي بَين أهل الْعَهْد يَعْنِي مكراً أَو خديعة ليدْخل [] الْعلَّة فيستحل بِهِ نقض الْعَهْد {أَن تكون أمة هِيَ أربى من أمة} يَعْنِي أَكثر {إِنَّمَا يبلوكم الله بِهِ} يَعْنِي بِالْكَثْرَةِ {وليبينن لكم يَوْم الْقِيَامَة مَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون وَلَو شَاءَ الله لجعلكم أمة وَاحِدَة} يَعْنِي الْمسلمَة والمشركة {أمة وَاحِدَة} يَعْنِي مِلَّة الْإِسْلَام وَحدهَا {وَلَكِن يضل من يَشَاء} يَعْنِي عَن دينه وهم الْمُشْركُونَ {وَيهْدِي من يَشَاء} يَعْنِي الْمُسلمين {ولتسألن} يَوْم الْقِيَامَة {عَمَّا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} ثمَّ ضرب مثلا آخر للناقض الْعَهْد فَقَالَ: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانكُم} يَعْنِي الْعَهْد {دخلا بَيْنكُم فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا} يَقُول: إِن نَاقض الْعَهْد يزل فِي دينه كَمَا يزل قدم الرجل بعد الاسْتقَامَة {وتذوقوا السوء بِمَا صددتم عَن سَبِيل الله} يَعْنِي الْعقُوبَة {وَلَا تشتروا بِعَهْد الله ثمنا قَلِيلا} يَعْنِي عرضا من الدُّنْيَا يَسِيرا {إِنَّمَا عِنْد الله} يَعْنِي الثَّوَاب {هُوَ خير لكم} يَعْنِي أفضل لكم من العاجل {مَا عنْدكُمْ ينْفد} يَعْنِي مَا عنْدكُمْ من الْأَمْوَال يفنى {وَمَا عِنْد الله بَاقٍ} يَعْنِي وَمَا عِنْد الله فِي الْآخِرَة من الثَّوَاب دَائِم لَا يَزُول عَن أَهله وليجزين {الَّذين صَبَرُوا أجرهم بِأَحْسَن مَا كَانُوا يعْملُونَ} فِي الدُّنْيَا وَيَعْفُو عَن سيئاتهم(5/163)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إيَّاكُمْ وأرأيت فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بأرأيت وَلَا تقيسوا الشَّيْء بالشَّيْء {فتزل قدم بعد ثُبُوتهَا} وَإِذا سُئِلَ أحدكُم عَمَّا لَا يعلم فَلْيقل: لَا أعلم فَإِنَّهُ ثلث الْعلم
الْآيَة 97(5/164)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {من عمل صَالحا من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن فلنحيينه حَيَاة طيبَة} قَالَ: الْحَيَاة الطّيبَة الرزق الْحَلَال فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا
وَإِذا صَار إِلَى ربه جازاه بِأَحْسَن مَا كَانَ يعْمل
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {فلنحيينه حَيَاة طيبَة} قَالَ: الْحَيَاة الطّيبَة الرزق الْحَلَال فِي هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا وَإِذا صَار إِلَى ربه جازاه بِأَحْسَن مَا كَانَ يعْمل
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فلنحيينه حَيَاة طيبَة} قَالَ: يَأْكُل حَلَالا وَيشْرب حَلَالا ويلبس حَلَالا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {حَيَاة طيبَة} قَالَ: الْكسْب الطّيب وَالْعَمَل الصَّالح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {حَيَاة طيبَة} قَالَ: السَّعَادَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فلنحيينه حَيَاة طيبَة} قَالَ: القنوع
قَالَ: وَكَانَ رَسُول الله يَدْعُو: اللَّهُمَّ قنعني بِمَا رزقتني وَبَارك لي فِيهِ واخلف عليّ كل غَائِبَة لي بِخَير
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله: {فلنحيينه حَيَاة طيبَة} قَالَ: القناعة(5/164)
وَأخرج وَكِيع عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله: القناعة مَال لَا ينْفد
وَأخرج مُسلم عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله قَالَ: قد أَفْلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بِمَا آتَاهُ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن فضاة بن عبيد أَنه سمع رَسُول الله يَقُول: قد أَفْلح من هدي إِلَى الْإِسْلَام وَكَانَ عيشه كفافاً وقنع بِهِ
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله: القناعة مَال لَا ينْفد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حَيَاة طيبَة} قَالَ: مَا تطيب الْحَيَاة لأحد إِلَّا فِي الْجنَّة
الْآيَة 98(5/165)
فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم} قَالَ: هَذَا دَلِيل من الله دلّ عَلَيْهِ عباده
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ: الِاسْتِعَاذَة وَاجِبَة لكل قِرَاءَة فِي الصَّلَاة أَو غَيرهَا من أجل قَوْله: {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جُبَير بن مطعم: أَن النَّبِي لما دخل فِي الصَّلَاة كبر ثمَّ قَالَ أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يتَعَوَّذ يَقُول: أعوذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ: كَانَ رَسُول الله إِذا قَامَ من اللَّيْل فَاسْتَفْتَحَ الصَّلَاة قَالَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وتبارك اسْمك وَتَعَالَى جدك وَلَا إِلَه إِلَّا غَيْرك ثمَّ يَقُول: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي ذكر الْإِفْك قَالَت::(5/165)
جلس رَسُول الله وكشف عَن وَجهه وَقَالَ: أعوذ بِاللَّه السَّمِيع الْعَلِيم من الشَّيْطَان الرَّجِيم (إِن الَّذين جاؤوا بالإفك عصبَة مِنْكُم
) (النُّور آيَة 11) الْآيَات
الْآيَة 99 - 100(5/166)
إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله: {إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان على الَّذين آمنُوا} قَالَ: لَيْسَ لَهُ سُلْطَان على أَن يحملهم على ذَنْب لَا يغْفر لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه} قَالَ: حجَّته على الَّذين يتولونه {وَالَّذين هم بِهِ مشركون} قَالَ: يعدلونه بِرَبّ الْعَالمين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه} يَقُول: سُلْطَان الشَّيْطَان على من تولى الشَّيْطَان وَعمل بِمَعْصِيَة الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي الْآيَة قَالَ: إِن عَدو الله إِبْلِيس حِين غلبت عَلَيْهِ الشقاوة قَالَ: (لأغوينهم أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين) (ص آيَة 82 - 83) فَهَؤُلَاءِ الَّذين لم يَجْعَل للشَّيْطَان عَلَيْهِم سَبِيل وَإِنَّمَا سُلْطَانه على قوم اتخذوه وليا فأشركوه فِي أَعْمَالهم
الْآيَة 101 - 102(5/166)
وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)
أخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة} وَقَوله: (ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بَعْدَمَا(5/166)
فتنُوا) (النَّحْل 110) قَالَ: عبد الله بن سعد بن أبي سرح كَانَ يكْتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأزله الشَّيْطَان فلحق بالكفار
وَأمر بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقتل يَوْم الْفَتْح فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأجاره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة} قَالَ: هُوَ كَقَوْلِه (مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها) (الْبَقَرَة آيَة 106)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة} قَالَ: هَذَا فِي النَّاسِخ والمنسوخ
قَالَ: إِذا نسخنا آيَة وَجِئْنَا بغَيْرهَا
قَالُوا مَا بالك قلت: كَذَا وَكَذَا ثمَّ نقضته أَنْت تفتري
قَالَ الله: {وَالله أعلم بِمَا ينزل}
الْآيَة 103 - 105(5/167)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلم قينا بِمَكَّة اسْمه بلعام وَكَانَ عجمي اللِّسَان
فَكَانَ الْمُشْركُونَ يرَوْنَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل عَلَيْهِ وَيخرج من عِنْده فَقَالُوا: إِنَّمَا يُعلمهُ بلعام فَأنْزل الله {وَلَقَد نعلم أَنهم يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعلمهُ بشر} الْآيَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّمَا يُعلمهُ بشر} قَالَ: قَالُوا إِنَّمَا يعلم مُحَمَّدًا عَبدة بن الْحَضْرَمِيّ - وَهُوَ صَاحب الْكتب - فَقَالَ الله: {لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ أعجمي وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين}
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقرئ غُلَاما لبني الْمُغيرَة أعجمياً يُقَال لَهُ مقيس
وَأنزل الله {وَلَقَد نعلم أَنهم يَقُولُونَ} الْآيَة
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد {وَلَقَد نعلم أَنهم يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعلمهُ بشر}(5/167)
قَالَ: قَول قُرَيْش: إِنَّمَا يعلم مُحَمَّدًا بن الْحَضْرَمِيّ وَهُوَ صَاحب كتب {لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ أعجمي} يتَكَلَّم بالرومية {وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّمَا يعلم مُحَمَّدًا عَبدة بن الْحَضْرَمِيّ كَانَ يُسمى مقيس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا يُعلمهُ سلمَان الْفَارِسِي وَأنزل الله {لِسَان الَّذِي يلحدون إِلَيْهِ أعجمي}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب: أَن الَّذِي ذكر الله فِي كِتَابه أَنه قَالَ: {إِنَّمَا يُعلمهُ بشر} إِنَّمَا افْتتن من أَنه كَانَ يكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ يملي عَلَيْهِ سميع عليم أَو عَزِيز حَكِيم أَو نَحْو ذَلِك من خَوَاتِيم الْآيَة ثمَّ يشْتَغل عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول: يَا رَسُول الله أَعَزِيز حَكِيم أَو سميع عليم فَيَقُول: أَي ذَلِك كتبت فَهُوَ كَذَلِك فَافْتتنَ وَقَالَ: إِن مُحَمَّدًا ليكل ذَلِك إِلَيّ فأكتب مَا شِئْت
فَهَذَا الَّذِي ذكر لي سعيد بن الْمسيب من الْحُرُوف السَّبْعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا آذاه أهل مَكَّة دخل على عبد لبني الْحَضْرَمِيّ يُقَال لَهُ: أَبُو يسر كَانَ نَصْرَانِيّا وَكَانَ قد قَرَأَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فساءله وحدثه
فَلَمَّا رَآهُ الْمُشْركُونَ يدْخل عَلَيْهِ قَالُوا: يُعلمهُ أَبُو الْيُسْر
قَالَ الله: {وَهَذَا لِسَان عَرَبِيّ مُبين} ولسان أبي الْيُسْر أعجمي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُعَاوِيَة بن صَالح قَالَ: ذكر الْكَذِب عِنْد أبي أُمَامَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ عفوا أما تَسْمَعُونَ الله يَقُول: {إِنَّمَا يفتري الْكَذِب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بآيَات الله وَأُولَئِكَ هم الْكَاذِبُونَ}
وَأخرج الخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن عبد الله بن جَراد أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل يَزْنِي الْمُؤمن قَالَ: قد يكون ذَلِك
قَالَ: هَل يسرق الْمُؤمن قَالَ: قد يكون ذَلِك
قَالَ: هَل يكذب الْمُؤمن قَالَ: لَا
ثمَّ أتبعهَا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّمَا يفتري الْكَذِب الَّذين لَا يُؤمنُونَ}
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عبد الله بن جَراد قَالَ: قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء يَا(5/168)
رَسُول الله هَل يكذب الْمُؤمن قَالَ: لَا يُؤمن بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر من إِذا حدث كذب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم ثَلَاثًا: رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن حَتَّى إِذا رأى بهجته وتردى الْإِسْلَام أَعَارَهُ الله مَا شَاءَ اخْتَرَطَ سَيْفه وَضرب جَاره ورماه بالْكفْر
قَالُوا: يَا رَسُول الله أَيهمَا أولى بالْكفْر الرَّامِي أَو المرمي بِهِ قَالَ: الرَّامِي وَذُو خَليفَة قبلكُمْ آتَاهُ الله سُلْطَانه فَقَالَ: من أَطَاعَنِي فقد أطَاع الله وَمن عَصَانِي فقد عصى الله وَكذب مَا جعل الله خَليفَة حبه دون الْخَالِق وَرجل استهوته الْأَحَادِيث كلما كذب كذبة وَصلهَا بأطول مِنْهَا فَذَاك الَّذِي يدْرك الدَّجَّال فيتبعه
الْآيَة 106 - 110(5/169)
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يُهَاجر إِلَى الْمَدِينَة قَالَ لأَصْحَابه: تفَرقُوا عني فَمن كَانَت بِهِ قُوَّة فليتأخر إِلَى آخر اللَّيْل وَمن لم تكن بِهِ قُوَّة فليذهب فِي أول اللَّيْل فَإِذا سَمِعْتُمْ بِي قد اسْتَقَرَّتْ بِي الأَرْض فالحقوا بِي
فَأصْبح بِلَال الْمُؤَذّن وخباب وعمار وَجَارِيَة من قُرَيْش كَانَت أسلمت أَصْبحُوا بِمَكَّة فَأَخذهُم الْمُشْركُونَ وَأَبُو جهل فعرضوا(5/169)
على بِلَال أَن يكفر فَأبى فَجعلُوا يضعون درعاً من حَدِيد فِي الشَّمْس ثمَّ يلبسونها إِيَّاه فَإِذا ألبسوها إِيَّاه قَالَ: أحد
أحد
وَأما خباب فيجعلوا يجرونه فِي الشوك وَأما عمار فَقَالَ لَهُم كلمة أعجبتهم تقيةً وَأما الْجَارِيَة فوتد لَهَا أَبُو جهل أَرْبَعَة أوتاد ثمَّ مدها فَأدْخل الحربة فِي قبلهَا حَتَّى قَتلهَا ثمَّ خلوا عَن بِلَال وخباب وعمار فَلَحقُوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخبروه بِالَّذِي كَانَ من أَمرهم وَاشْتَدَّ على عمار الَّذِي كَانَ تكلم بِهِ
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ كَانَ قَلْبك حِين قلت الَّذِي قلت: أَكَانَ منشرحاً بِالَّذِي قلت أم لَا قَالَ: لَا
قَالَ: وَأنزل الله {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق أبي عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عمار عَن أَبِيه قَالَ: أَخذ الْمُشْركُونَ عمار بن يَاسر فَلم يَتْرُكُوهُ حَتَّى سبّ النَّبِي وَذكر آلِهَتهم
بِخَير ثمَّ تَرَكُوهُ فَلَمَّا أَتَى النَّبِي قَالَ: مَا وَرَاءَك شَيْء قَالَ: شَرّ مَا تركت حَتَّى نلْت مِنْك وَذكرت آلِهَتهم بِخَير قَالَ: كَيفَ تَجِد قَلْبك قَالَ: مطمئن بالايمان
قَالَ: إِن عَادوا فعد
فَنزلت {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان}
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين: إِن النَّبِي لَقِي عماراً وَهُوَ يبكي فَجعل يمسح عَن عَيْنَيْهِ وَيَقُول: أخذك الْكفَّار فغطوك فِي المَاء فَقلت كَذَا وَكَذَا
فَإِن عَادوا فَقل ذَلِك لَهُم
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي عُبَيْدَة بن مُحَمَّد بن عمار بن يَاسر فِي قَوْله: {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} قَالَ: ذَلِك عمار بن يَاسر وَفِي قَوْله: {وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا} قَالَ: ذَاك عبد الله بن أبي سرح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} قَالَ: نزلت فِي عمار بن يَاسر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الحكم {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} قَالَ: نزلت فِي عمار
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ أَن عبد الله بن أبي سرح أسلم ثمَّ ارْتَدَّ فلحق بالمشركين ووشى بِعَمَّار وخباب عِنْد ابْن الْحَضْرَمِيّ أَو ابْن عبد الدَّار فأخذوهما وعذبوهما حَتَّى كفرا فَنزلت {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان}(5/170)
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر وَابْن مردويهعن أبي المتَوَكل النَّاجِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عمار بن يَاسر إِلَى بِئْر للْمُشْرِكين يَسْتَقِي مِنْهَا وحولها ثَلَاث صُفُوف يحرسونها فاستقى فِي قربَة ثمَّ أقبل فَأَخَذُوهُ فأرادوه على أَن يتَكَلَّم بِكَلِمَة الْكفْر فأنزلت هَذِه الْآيَة فِيهِ {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة {إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان} نزلت فِي عمار بن يَاسر أَخذه بَنو الْمُغيرَة فغطوه فِي بِئْر وَقَالُوا: اكفر بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فاتبعهم على ذَلِك وَقَلبه كَارِه فَنزلت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {إِلَّا من أكره} فِي عَيَّاش بن أبي ربيعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أنَاس من أهل مَكَّة آمنُوا فَكتب إِلَيْهِم بعض الصَّحَابَة بِالْمَدِينَةِ: أَن هَاجرُوا فَإنَّا لَا نرى أَنكُمْ منا حَتَّى تهاجروا إِلَيْنَا فَخَرجُوا يُرِيدُونَ الْمَدِينَة فأدركتهم قُرَيْش فِي الطَّرِيق ففتنوهم فَكَفرُوا مكرهين ففيهم نزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد عَن عمر بن الحكم قَالَ: كَانَ عمار بن يَاسر يعذب حَتَّى لَا يدْرِي مَا يَقُول وَكَانَ صُهَيْب يعذب حَتَّى لَا يدْرِي مَا يَقُول وَكَانَ أَبُو فكهية يعذب حَتَّى لَا يدْرِي مَا يَقُول وبلال وعامر وَابْن فهَيْرَة وَقوم من الْمُسلمين وَفِيهِمْ نزلت هَذِه الْآيَة {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {من كفر بِاللَّه} الْآيَة قَالَ: أخبر الله سُبْحَانَهُ أَن {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه} فَعَلَيهِ غضب من الله وَله عَذَاب عَظِيم فَأَما من أكره فَتكلم بِلِسَانِهِ وَخَالفهُ قلبه بِالْإِيمَان لينجو بذلك من عدوه فَلَا حرج عَلَيْهِ لِأَن الله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يُؤَاخذ الْعباد بِمَا عقدت عَلَيْهِ قُلُوبهم
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ قَالَا فِي سُورَة النَّحْل {من كفر بِاللَّه من بعد إيمَانه إِلَّا من أكره وَقَلبه مطمئن بِالْإِيمَان وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا فَعَلَيْهِم غضب من الله وَلَهُم عَذَاب عَظِيم} ثمَّ نسخ وَاسْتثنى من ذَلِك فَقَالَ: {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا ثمَّ جاهدوا وصبروا إِن رَبك من بعْدهَا لغَفُور رَحِيم} وَهُوَ عبد الله بن أبي سرح الَّذِي كَانَ يكْتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأزله الشَّيْطَان(5/171)
فلحق بالكفار فَأمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقتل يَوْم فتح مَكَّة فَاسْتَجَارَ لَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان بن عَفَّان فأجاره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا} الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَنه لما أنزل الله أَن أهل مَكَّة لَا يقبل مِنْهُم إِسْلَام حَتَّى يهاجروا كتب بهَا أهل الْمَدِينَة إِلَى أَصْحَابهم من أهل مَكَّة فَخَرجُوا فأدركهم الْمُشْركُونَ فردوهم فَأنْزل الله (آلمَ أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون) (العنكبوت 1 - 2) فَكتب بِهَذَا أهل الْمَدِينَة إِلَى أهل مَكَّة فَلَمَّا جَاءَهُم ذَلِك تبايعوا على أَن يخرجُوا فَإِن لحق بهم الْمُشْركُونَ من أهل مَكَّة قاتلوهم حَتَّى ينجوا أَو يلْحقُوا بِاللَّه فَخَرجُوا فأدركهم الْمُشْركُونَ فقاتلوهم فَمنهمْ من قتل وَمِنْهُم من نجا
فَأنْزل الله {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِيمَن كَانَ يفتن من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ قوم من أهل مَكَّة قد أَسْلمُوا وَكَانُوا يستخفون بِالْإِسْلَامِ فَنزلت فيهم {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا} الْآيَة فَكَتَبُوا إِلَيْهِم بذلك أَن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا
فأدركهم الْمُشْركُونَ فقاتلوهم حَتَّى نجا من نجا وَقتل من قتل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن عيُونا لمُسَيْلمَة أخذُوا رجلَيْنِ من الْمُسلمين فَأتوهُ بهما فَقَالَ لأَحَدهمَا: أَتَشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ: نعم
قَالَ: أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله فَأَهوى إِلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي أَصَمّ
فَأمر بِهِ فَقتل
وَقَالَ للْآخر: أَتَشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ: نعم
قَالَ: أَتَشهد أَنِّي رَسُول الله قَالَ: نعم
فَأرْسلهُ
فَأتى النَّبِي فَأخْبرهُ فَقَالَ: أما صَاحبك فَمضى على إيمَانه وَأما أَنْت فأخِذْتَ الرُّخْصَة(5/172)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا} قَالَ: نزلت فِي عَيَّاش بن أبي ربيعَة أحد بني مَخْزُوم وَكَانَ أَخا أبي جهل لأمه وَكَانَ يضْربهُ سَوْطًا وراحلته سَوْطًا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي إِسْحَق فِي قَوْله: {ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي عمار بن يَاسر وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة والوليد بن أبي ربيعَة والوليد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنْهُم
الْآيَة 111(5/173)
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111)
أخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: كنت عِنْد عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: خوفنا يَا كَعْب فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أوليس فِيكُم كتاب الله وَحِكْمَة رَسُوله قَالَ: بلَى وَلَكِن خوفنا قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو وافيت الْقِيَامَة بِعَمَل سبعين نَبيا لازدريت عَمَلك مِمَّا ترى
قَالَ: زِدْنَا
قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَو فتح من جَهَنَّم قدر منخر ثَوْر بالمشرق وَرجل بالمغرب لغلا دماغه حَتَّى يسيل من حرّها
قَالَ: زِدْنَا
قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن جَهَنَّم لتزفر زفرَة يَوْم الْقِيَامَة لَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل إِلَّا خر جاثيا على ركبيته حَتَّى أَن إِبْرَاهِيم خَلِيله ليخرّ جاثياً على رُكْبَتَيْهِ فَيَقُول: ربّ نَفسِي
نَفسِي
لَا أَسأَلك الْيَوْم إِلَّا نَفسِي فَأَطْرَقَ عمر مَلِيًّا
قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أوليس تَجِدُونَ هَذَا فِي كتاب الله قَالَ: كَيفَ قلت: قَول الله فِي هَذِه الْآيَة {يَوْم تَأتي كل نفس تجَادل عَن نَفسهَا وَتوفى كل نفس مَا عملت وهم لَا يظْلمُونَ}
الْآيَة 112 - 114(5/173)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَضرب الله مثلا قَرْيَة كَانَت آمِنَة} الْآيَة
قَالَ: يَعْنِي مَكَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَضرب الله مثلا قَرْيَة} قَالَ: هِيَ مَكَّة أَلا ترى أَنه قَالَ: {وَلَقَد جَاءَهُم رَسُول مِنْهُم فَكَذبُوهُ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قَرْيَة كَانَت آمِنَة} قَالَ: مَكَّة
أَلا ترى إِلَى قَوْله: {وَلَقَد جَاءَهُم رَسُول مِنْهُم فَكَذبُوهُ فَأَخذهُم الْعَذَاب} قَالَ: أَخذهم الله بِالْجُوعِ وَالْخَوْف وَالْقَتْل الشَّديد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأذاقها الله لِبَاس الْجُوع وَالْخَوْف} قَالَ: فَأَخذهُم الله بِالْجُوعِ وَالْخَوْف وَالْقَتْل
وَفِي قَوْله: {وَلَقَد جَاءَهُم رَسُول مِنْهُم فَكَذبُوهُ} قَالَ: أَي وَالله يعْرفُونَ نسبه وَأمره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سليم بن عمر قَالَ: صَحِبت حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي خَارِجَة من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة فَأخْبرت أَن عُثْمَان قد قتل فَرَجَعت
وَقَالَت: ارْجعُوا بِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا للقرية الَّتِي قَالَ الله: {قَرْيَة كَانَت آمِنَة مطمئنة} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب
قَالَ: الْقرْيَة الَّتِي قَالَ الله: {كَانَت آمِنَة مطمئنة} هِيَ يثرب
الْآيَة 115(5/174)
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّمَا حرم عَلَيْكُم الْميتَة} قَالَ: إِن الْإِسْلَام دين مطهر طهره الله من كل سوء وَجعل لَك فِيهِ يَا ابْن آدم سَعَة إِذا اضطررت إِلَى شَيْء من ذَلِك(5/174)
الْآيَة 116 - 117(5/175)
وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام} قَالَ: هِيَ الْبحيرَة والسائبة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي نَضرة قَالَ: قَرَأت هَذِه الْآيَة فِي سُورَة النَّحْل {وَلَا تَقولُوا لما تصف أَلْسِنَتكُم الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حرَام} إِلَى آخر الْآيَة فَلم أزل أَخَاف الْفتيا إِلَى يومي هَذَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عَسى رجل أَن يَقُول إِن الله أَمر بِكَذَا وَنهى عَن كَذَا فَيَقُول الله عز وَجل لَهُ: كذبت
وَيَقُول: إِن الله حرم كَذَا وَأحل كَذَا فَيَقُول الله عز وَجل لَهُ: كذبت
الْآيَة 118 - 119(5/175)
وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (118) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {وعَلى الَّذين هادوا حرمنا مَا قَصَصنَا عَلَيْك من قبل} قَالَ: فِي سُورَة الْأَنْعَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وعَلى الَّذين هادوا حرمنا مَا قَصَصنَا عَلَيْك من قبل} قَالَ: مَا قصّ الله ذكره فِي سُورَة الْأَنْعَام حَيْثُ يَقُول: (وعَلى الَّذين هادوا حرمنا كل ذِي ظفر
) إِلَى قَوْله: (وَإِنَّا لصادقون) (الْأَنْعَام آيَة 146)(5/175)
الْآيَة 120 - 123(5/176)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ: مَا الْأمة قَالَ: الَّذِي يعلم النَّاس الْخَيْر
قَالُوا: فَمَا القانت قَالَ: الَّذِي يُطِيع الله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا} قَالَ: كَانَ على الْإِسْلَام وَلم يكن فِي زَمَانه من قومه أحد على الْإِسْلَام غَيره فَلذَلِك قَالَ الله: {كَانَ أمة قَانِتًا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة} قَالَ: إِمَامًا فِي الْخَيْر {قَانِتًا} قَالَ: مُطيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة} قَالَ: كَانَ مُؤمنا وَحده وَالنَّاس كفار كلهم
وَأخرج ابْن جرير عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: بِمَ يبْق فِي الأَرْض إِلَّا وفيهَا أَرْبَعَة عشر يدْفع الله بهم عَن أهل الأَرْض وَيخرج بركتها إِلَّا زمن إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ كَانَ وَحده
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من عبد يشْهد لَهُ أمة إِلَّا قبل الله شَهَادَتهم
وَالْأمة الرجل فَمَا فَوْقه إِن الله يَقُول: {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة قَانِتًا لله حَنِيفا وَلم يَك من الْمُشْركين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن إِبْرَاهِيم كَانَ أمة} قَالَ: إِمَام هدى يقْتَدى بِهِ وتتبع سنته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: لِسَان صدق(5/176)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: فَلَيْسَ من أهل دين إِلَّا يرضاه ويتولاه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة مَعًا فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَمْرو قَالَ: صل إِبْرَاهِيم الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب بِعَرَفَات ثمَّ وقف حَتَّى إِذا غَابَتْ الشَّمْس دفع
ثمَّ صلى الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع ثمَّ صلى الْفجْر كأسرع مَا يُصَلِّي أحد من الْمُسلمين ثمَّ وقف بِهِ حَتَّى إِذا كَانَ كأبطأ مَا يُصَلِّي أحد من الْمُسلمين دفع ثمَّ رمى الْجَمْرَة ثمَّ ذبح وَحلق ثمَّ أَفَاضَ بِهِ إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ فَقَالَ الله لنَبيه: {ثمَّ أَوْحَينَا إِلَيْك أَن اتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَة 124(5/177)
إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (124)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّمَا جعل السبت على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ} قَالَ: أَرَادَ الْجُمُعَة فَأخذُوا السبت مَكَانَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {إِنَّمَا جعل السبت على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ} قَالَ: إِن الله فرض على الْيَهُود الْجُمُعَة فَأَبَوا وَقَالُوا: يَا مُوسَى إِنَّه لم يخلق يَوْم السبت شَيْئا فَاجْعَلْ لنا السبت فَلَمَّا جعل عَلَيْهِم السبت استحلوا فِيهِ مَا حرم عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله: {إِنَّمَا جعل السبت على الَّذين اخْتلفُوا فِيهِ} قَالَ: بإستحلالهم إِيَّاه رأى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رجلا يحمل حطباً يَوْم السبت فَضرب عُنُقه
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نَحن الْآخرُونَ السَّابِقُونَ يَوْم الْقِيَامَة بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا وأوتيناه من بعدهمْ ثمَّ هَذَا يومهم الَّذِي فرض عَلَيْهِم يَوْم الْجُمُعَة فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فهدانا الله لَهُ فَالنَّاس لنا فِيهِ تبع الْيَهُود غَدا وَالنَّصَارَى بعد غَد
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة وَحُذَيْفَة قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أضلّ(5/177)
الله عَن الْجُمُعَة من كَانَ قبلنَا فَكَانَ للْيَهُود يَوْم السبت وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْم الْأَحَد فجَاء الله بِنَا فهدانا ليَوْم الْجُمُعَة والسبت والأحد وَكَذَلِكَ هم تبع لنا يَوْم الْقِيَامَة نخن الْآخرُونَ من أهل الدُّنْيَا والأولون يَوْم الْقِيَامَة الْمقْضِي لَهُم قبل الْخَلَائق وَالله أعلم
الْآيَة 125(5/178)
ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ليلى الْأَشْعَرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تمسكوا بِطَاعَة أئمتكم وَلَا تخالفوهم فَإِن طاعتهم طَاعَة الله معصيتهم مَعْصِيّة الله فَإِن الله إِنَّمَا بَعَثَنِي أَدْعُو إِلَى سَبيله بالحكمة وَالْمَوْعِظَة الْحَسَنَة فَمن خالفني فِي ذَلِك فَهُوَ من الهالكين وَقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله وَمن ولي من أَمركُم شَيْئا فَعمل بِغَيْر ذَلِك فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وجادلهم بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: أعرض عَن أذاهم إياك
الْآيَة 126 - 128(5/178)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
أخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَ يَوْم أحد أُصِيب من الْأَنْصَار أَرْبَعَة وَسِتُّونَ رجلا وَمن الْمُهَاجِرين سِتَّة مِنْهُم حَمْزَة فمثلوا بهم فَقَالَت الْأَنْصَار: لَئِن أصبْنَا مِنْهُم يَوْمًا مثل هَذَا لَنُربِيَنَّ عَلَيْهِم فَلَمَّا كَانَ يَوْم فتح مَكَّة أنزل الله: {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهو خير للصابرين}(5/178)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نصبر وَلَا نعاقب
كفوا عَن الْقَوْم إِلَّا أَرْبَعَة
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف على حَمْزَة حِين اسْتشْهد فَنظر إِلَى منظر لم يَرَ شَيْئا قطّ كَانَ أوجع لِقَلْبِهِ مِنْهُ وَنظر إِلَيْهِ قد مثل بِهِ فَقَالَ: رَحْمَة الله عَلَيْك فَإنَّك كنت مَا علمت وصُولا للرحم فعولًا لِلْخَيْرَاتِ وَلَوْلَا حزن من بعْدك عَلَيْك لسّرني أَن أتركك حَتَّى يحشرك الله من أَرْوَاح شَتَّى أما وَالله لَأُمَثِّلَن بسبعين مِنْهُم مَكَانك
فَنزل جِبْرِيل وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِف بخواتيم النَّحْل {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ} الْآيَة
فكفّر النَّبِي عَن يَمِينه وَأمْسك عَن الَّذِي أَرَادَ وصبر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم قتل حَمْزَة وَمثل بِهِ: لَئِن ظَفرت بِقُرَيْش لَأُمَثِّلَن بسبعين رجلا مِنْهُم
فَأنْزل الله {وَإِن عَاقَبْتُمْ} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل نصبر يَا رب: فَصَبر وَنهى عَن الْمثلَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما كَانَ يَوْم أحد وَانْصَرف الْمُشْركُونَ فَرَأى الْمُسلمُونَ بإخوانهم مثله جعلُوا يقطعون آذانهم وآنافهم ويشقون بطونهم
فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَئِن أنالَنَا الله مِنْهُم لنفعلن ولنفعلن
فَأنْزل الله {وَإِن عَاقَبْتُمْ} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل نصبر
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت سُورَة النَّحْل كلهَا بِمَكَّة إِلَّا ثَلَاث آيَات من آخرهَا نزلت بِالْمَدِينَةِ يَوْم أحد حَيْثُ قتل حَمْزَة وَمثل بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَئِن ظهرنا عَلَيْهِم لنمثلن بِثَلَاثِينَ رجلا مِنْهُم فَلَمَّا سمع الْمُسلمُونَ ذَلِك قَالُوا: وَالله لَئِن ظهرنا عَلَيْهِم لنمثلن بهم مثلَة لم يمثلها أحد من الْعَرَب بِأحد قطّ
فَأنْزل الله {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} قَالَ: هَذَا حِين أَمر الله نبيه أَن يُقَاتل من قَاتله ثمَّ نزلت بَرَاءَة وانسلاخ الْأَشْهر الْحرم
قَالَ: فَهَذَا من الْمَنْسُوخ(5/179)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانُوا قد أمروا بالصفح عَن الْمُشْركين فَأسلم رجال ذُو منعنة فَقَالُوا: يَا رَسُول الله صلى الله وَسلم لَو أذن الله لنا لانتصرنا من هَؤُلَاءِ الْكلاب
فَنزلت هَذِه الْآيَة ثمَّ نسخ ذَلِك بِالْجِهَادِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون} قَالَ: اتَّقوا فِيمَا حرم الله عَلَيْهِم وأحسنوا فِيمَا افْترض عَلَيْهِم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن هرم بن حَيَّان أَنه لما أنزل بِهِ الْمَوْت قَالُوا لَهُ: أوص
قَالَ: أوصيكم بآخر سُورَة النَّحْل {ادْع إِلَى سَبِيل رَبك بالحكمة} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} قَالَ: لَا تَعْتَدوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين فِي قَوْله: {وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} قَالَ: إِن أَخذ مِنْك رجل شَيْئا فَخذ مِنْهُ مثله(5/180)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (17)
سُورَة الْإِسْرَاء
مَكِّيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْإِسْرَاء أخرج النّحاس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة بني إِسْرَائِيل بِمَكَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ فِي بني إِسْرَائِيل والكهف وَمَرْيَم: أَنَّهُنَّ من الْعتاق الأول وَهن من تلادي
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ كل لَيْلَة بني إِسْرَائِيل وَالزمر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي عمر الشَّيْبَانِيّ قَالَ: صلى بِنَا عبد الله الْفجْر فَقَرَأَ بسورتين الْآخِرَة مِنْهُمَا بَنو إِسْرَائِيل
الْآيَة 1 - 8(5/181)
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)
أخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة أَنه قَرَأَ سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ من اللَّيْل من الْمَسْجِد الرحام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} قَالَ: {سُبْحَانَ} تَنْزِيه الله تَعَالَى {الَّذِي أسرى} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من الْمَسْجِد الْحَرَام} إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ رده إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: قلت لَهُ لما علا فخره سُبْحَانَ من عَلْقَمَة الفاخر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق ثَابت عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أتيت بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّة أَبيض طَوِيل فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل يضع حَافره عِنْد مُنْتَهى طرفه
فركبته حَتَّى أتيت بَيت الْمُقَدّس فربطته بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا الْأَنْبِيَاء ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فَصليت رَكْعَتَيْنِ ثمَّ خرجت فَجَاءَنِي جِبْرِيل بِإِنَاء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللَّبن فَقَالَ جِبْرِيل: اخْتَرْت الْفطْرَة
ثمَّ عرج بِنَا إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل: من أَنْت قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: قد بعث إِلَيْهِ
فَفتح لنا فَإِذا أَنا بِآدَم فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير
ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل: من أَنْت قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: قد بعث إِلَيْهِ
فَفتح لنا فَإِذا أَنا بإبني الْخَالَة عِيسَى ابْن مَرْيَم وَيحيى بن زَكَرِيَّا فرحّبا بِي ودعوا إِلَيّ بِخَير(5/182)
ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل: من أَنْت قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: قد بعث إِلَيْهِ
فَفتح لنا فَإِذا أَنا بِيُوسُف وَإِذا هُوَ قد أعطي شطر الْحسن فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير
ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: قد بعث إِلَيْهِ
فَفتح لنا فَإِذا أَنا بِإِدْرِيس فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير
ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: قد بعث إِلَيْهِ
فَفتح لنا فَإِذا أَنا بهَارُون فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير
ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: قد بعث إِلَيْهِ
فَفتح لنا فَإِذا أَنا بمُوسَى فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِخَير
ثمَّ عرج بِنَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: قد بعث إِلَيْهِ
فَفتح لنا فَإِذا أَنا بإبراهيم مُسْند ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَإِذا هُوَ يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ ثمَّ ذهب بِي إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا وَرقهَا فِيهَا كآذان الفيلة وَإِذا ثَمَرهَا كالقلال فَلَمَّا غشيها من أَمر الله مَا غشى تَغَيَّرت فَمَا أحد من خلق الله يَسْتَطِيع أَن ينعتها من حسنها فَأوحى إِلَيّ مَا أوحى وَفرض عليّ خمسين صَلَاة فِي كل يَوْم وَلَيْلَة فَنزلت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فرض رَبك على أمتك قلت: خمسين صَلَاة
قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِن أمتك لَا تطِيق ذَلِك فَإِنِّي قد بلوت بني إِسْرَائِيل وخبرتهم
فَرَجَعت إِلَى رَبِّي فَقلت: يَا رب خفف عَن أمتِي
فحط عني خمْسا فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقلت: حط عني خمْسا فَقَالَ: إِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف
قَالَ: فَلم أزل أرجع بَين رَبِّي ومُوسَى حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّد إنَّهُنَّ خمس صلوَات لكل يَوْم وَلَيْلَة بِكُل صَلَاة عشر فَتلك خَمْسُونَ صَلَاة وَمن هم بحسنة فَلم يعملها كتبت لَهُ حَسَنَة فَإِن عَملهَا كتبت لَهُ عشرا وَمن همّ بسيئة فَلم يعملها لم تكْتب شَيْئا فَإِن عَملهَا كتبت سَيِّئَة وَاحِدَة
فَنزلت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى(5/183)
مُوسَى فَأَخْبَرته فَقَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَقلت: قد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى استحيت مِنْهُ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق شريك بن عبد الله بن أبي نمر عَن أنس قَالَ: لَيْلَة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَسْجِد الْكَعْبَة جَاءَهُ ثَلَاثَة نفر قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِم فِي الْمَسْجِد الْحَرَام فَقَالَ أَوَّلهمْ: أَيهمْ هُوَ فَقَالَ أوسطهم: هُوَ خَيرهمْ
فَقَالَ أحدهم: خُذُوا
فَكَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة فَلم يرهم حَتَّى أَتَوْهُ لَيْلَة أُخْرَى فِيمَا يرى قلبه وتنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاء تنام أَعينهم وَلَا تنام قُلُوبهم فَلم يكلموه حَتَّى احتملوه فوصعوه عِنْد بِئْر زَمْزَم فتولاه مِنْهُم جِبْرِيل فشق جِبْرِيل مَا بَين نَحره إِلَى لبته حَتَّى فرغ من صَدره وجوفه فَغسله من مَاء زَمْزَم بِيَدِهِ حَتَّى أنقى جَوْفه ثمَّ أَتَى بطست من ذهب محشواً إِيمَانًا وَحِكْمَة فحشا بِهِ صَدره ولغاديده - يَعْنِي عروق حلقه - ثمَّ أطبقه ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَضرب بَابا من أَبْوَابهَا فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: مرْحَبًا بِهِ وَأهلا
وَوجد فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدم فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: هَذَا أَبوك آدم فسلمه عَلَيْهِ فَسلم عَلَيْهِ ورد عَلَيْهِ آدم وَقَالَ: مرْحَبًا وَأهلا بإبني
نعم الإبن أَنْت
فَإِذا هُوَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا بنهرين يطردان فَقَالَ: مَا هَذَانِ النهرين يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا النّيل والفرات عنصرهما
ثمَّ مضى بِهِ فِي السَّمَاء فَإِذا هُوَ بنهر آخر عَلَيْهِ قصر من لُؤْلُؤ وَزَبَرْجَد فَضرب بِيَدِهِ فَإِذا هُوَ مسك أذفر
قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي خبأ لَك رَبك
ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَقَالَت الْمَلَائِكَة لَهُ مثل مَا قَالَت لَهُ الأولى: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: مرْحَبًا بِهِ وَأهلا
ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَقَالُوا لَهُ مثل مَا قَالَت الأولى وَالثَّانيَِة
ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ عرج بِهِ إِلَى الْخَامِسَة فَقَالُوا مثل ذَلِك ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّادِسَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ عرج بِهِ إِلَى السَّابِعَة فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك كل سَمَاء فِيهَا أَنْبيَاء قد سماهم مِنْهُم إِدْرِيس فِي الثَّانِيَة وَهَارُون فِي الرَّابِعَة وَآخر فِي الْخَامِسَة وَلم أحفظ اسْمه وَإِبْرَاهِيم فِي السَّادِسَة(5/184)
ومُوسَى فِي السَّابِعَة بتفضيل كَلَام الله فَقَالَ مُوسَى: رب لم أَظن أَن ترفع عليّ أحدا ثمَّ علا بِهِ فَوق ذَلِك بِمَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهى ودنا الْجَبَّار رب الْعِزَّة فتدلّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قاب قوسين أَو أدنى فَأوحى الله فِيمَا يوحي إِلَيْهِ خمسين صَلَاة على أمتك كل يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ هَبَط حَتَّى بلغ مُوسَى فاحتبسه مُوسَى فَقَالَ: يَا مُحَمَّد مَاذَا عهد إِلَيْك رَبك قَالَ: عهد إِلَيّ خمسين صَلَاة كل يَوْم وَلَيْلَة
قَالَ: إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع ذَلِك ارْجع فليخفف عَنْك رَبك وعنهم
فَالْتَفت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّهُ يستشيره فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيل أَن نعم إِن شِئْت فعلا بِهِ إِلَى الْجَبَّار تبَارك وَتَعَالَى فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ: يَا رب خفف عَنَّا
فَإِن أمتِي لَا تَسْتَطِيع ذَلِك
فَوضع عَنهُ عشرات صلوَات
ثمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى واحتبسه قلم يزل يردده مُوسَى إِلَى ربه حَتَّى صَارَت إِلَى خمس صلوَات ثمَّ احتبسه مُوسَى عِنْد الْخمس فَقَالَ: يَا مُحَمَّد وَالله لقد راودت بني إِسْرَائِيل على أدنى من هَذَا فضعفوا وتركوه فأمتك أَضْعَف أجسادا وَقُلُوبًا وأبدانا وأبصارنا وأسماعاً فَارْجِع فليخفف عَنْك رَبك كل ذَلِك
يلْتَفت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جِبْرِيل ليشير عَلَيْهِ وَلَا يكره ذَلِك جِبْرِيل فرفعه عِنْد الْخَامِسَة فَقَالَ: يَا رب إِن أمتِي ضعفاء أَجْسَادهم وَقُلُوبهمْ وأسماعهم وأبدانهم فَخفف عَنَّا
فَقَالَ الْجَبَّار: يَا مُحَمَّد قَالَ: لبيْك وَسَعْديك
قَالَ: إِنَّه لَا يُبدل القَوْل لدي كَمَا فرضت عَلَيْك فِي أم الْكتاب وكل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا
فَهِيَ خَمْسُونَ فِي أم الْكتاب وَهِي خمس عَلَيْك
فَرجع إِلَى مُوسَى فَقَالَ: كَيفَ فعلت فَقَالَ: خفف عَنَّا أَعْطَانَا بِكُل حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا
فَقَالَ مُوسَى: قد وَالله راودت بني إِسْرَائِيل على أدنى من ذَلِك فَتَرَكُوهُ ارْجع إِلَى رَبك فليخفف عَنْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا مُوسَى قد وَالله استحييت من رَبِّي مِمَّا اخْتلفت إِلَيْهِ
قَالَ: فاهبط بِسم الله
واستيقظ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يزِيد بن أبي مَالك عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أتيت لَيْلَة أسرى بِي بِدَابَّة فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل خطوها عِنْد مُنْتَهى طرفها
كَانَت تسخّر للأنبياء قبلي فركبته معي جِبْرِيل فسرت فَقَالَ: انْزِلْ فَصَلِّ
فَفعلت
فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْن صليت صليت بِطيبَة وإليها المُهَاجر إِن شَاءَ الله
ثمَّ قَالَ: انْزِلْ فصل
فَفعلت فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْن صليت صليت بطور سيناء حَيْثُ كلم الله مُوسَى ثمَّ قَالَ: انْزِلْ فَصلِّ
فَصليت(5/185)
فَقَالَ أَتَدْرِي أَيْن صليت صليت بِبَيْت لحم حَيْثُ ولد عِيسَى
ثمَّ دخلت بَيت الْمُقَدّس فَجمع لي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فقدَّمني جِبْرِيل فَصليت بهم
ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَإِذا فِيهَا آدم فَقَالَ لي: سلم عَلَيْهِ فَقَالَ: مرْحَبًا بإبني وَالنَّبِيّ الصَّالح
ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَإِذا فِيهَا ابْنا الْخَالَة عِيسَى وَيحيى ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَإِذا فِيهَا يُوسُف
ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذا فِيهَا هَارُون
ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَإِذا فِيهَا إِدْرِيس
ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذا فِيهَا مُوسَى ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا فِيهَا إِبْرَاهِيم ثمَّ صعد بِي إِلَى فَوق السَّبع سموات وأتيت سِدْرَة الْمُنْتَهى فغشيتني ضَبَابَة
فَخَرَرْت سَاجِدا فَقيل لي: إِنِّي يَوْم خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض فرضت عَلَيْك وعَلى أمتك خمسين صَلَاة فَقُمْ بهَا أَنْت وَأمتك فمررت على إِبْرَاهِيم فَلم يسألني شَيْئا ثمَّ مَرَرْت على مُوسَى فَقَالَ لي: كم فرض عَلَيْك وعَلى أمتك قلت: خمسين صَلَاة
قَالَ: إِنَّك لن تَسْتَطِيع أَن تقوم بهَا أَنْت وَلَا أمتك فاسأل رَبك التَّخْفِيف
فَرَجَعت فَأتيت سِدْرَة الْمُنْتَهى فَخَرَرْت سَاجِدا
فَقلت: يَا رب فرضت عَليّ وعَلى أمتِي خمسين صَلَاة فَلَنْ أَسْتَطِيع أَن أقوم بهَا أَنا وَلَا أمتِي
فَخفف عني عشرا
فمررت على مُوسَى فَسَأَلَنِي فَقلت: خفف عني عشرا
قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَخفف عني عشرا ثمَّ عشرا حَتَّى قَالَ: هن خمس بِخَمْسِينَ فَقُمْ بهَا أَنْت وَأمتك
فَعلمت أَنَّهَا من الله صرى
فمررت على مُوسَى فَقَالَ لي: كم فرض عَلَيْك فَقلت: خمس صلوَات فَقَالَ: فرض على بني إِسْرَائِيل صلاتان فَمَا قَامُوا بهما فَقلت: إِنَّهَا من الله فَلم أرجع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن يزِيد بن أبي مَالك عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَ لَيْلَة أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِدَابَّة فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل
حمله جِبْرِيل عَلَيْهَا يَنْتَهِي خفها حَيْثُ يَنْتَهِي طرفها
فَلَمَّا بلغ بَيت الْمُقَدّس أَتَى إِلَى الْحجر الَّذِي ثمَّة فغمزه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بإصبعه فثقبه ثمَّ ربطها ثمَّ صعد
فَلَمَّا اسْتَويَا فِي صرحة الْمَسْجِد قَالَ جِبْرِيل: يَا مُحَمَّد هَل سَأَلت رَبك أَن يُرِيك الْحور الْعين قَالَ: نعم
قَالَ: فَانْطَلق إِلَى أُولَئِكَ النسْوَة فسلّم عَلَيْهِنَّ وَهن جُلُوس عَن يسَار الصَّخْرَة
فأتيتهن فسلَّمت عَلَيْهِنَّ فرددن عليَّ(5/186)
السَّلَام فَقلت: من أنتن فَقُلْنَ: خيرات حسان
نسَاء قوم أبرار نقوا فَلم يدرنوا وَأَقَامُوا فَلم يظعنوا وخلدوا فَلم يموتوا
ثمَّ انصرفت فَلم ألبث إِلَّا يَسِيرا حَتَّى اجْتمع نَاس كثير ثمَّ أذن مُؤذن وأقيمت الصَّلَاة فقمنا صُفُوفنَا فانتظرنا من يؤمنا فَأخذ جِبْرِيل بيَدي فقدّمني
فَصليت بهم فَلَمَّا انصرفت قَالَ جِبْرِيل: يَا مُحَمَّد أَتَدْرِي من صلَّى خَلفك قلت: لَا
قَالَ: صلى خَلفك كل نَبِي بَعثه الله
ثمَّ أَخذ بيَدي فَصَعدَ بِي إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا انتهينا إِلَى الْبَاب استفتح قَالُوا: من أَنْت قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قَالُوا: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: نعم
ففتحوا لَهُ وَقَالُوا: مرْحَبًا بك وبمن مَعَك
فَلَمَّا اسْتَوَى على ظهرهَا إِذا فِيهَا آدم
فَقَالَ لي جِبْرِيل: أَلا تسلِّم على أَبِيك آدم قلت: بلَى
فَأَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ فردّ عليّ وَقَالَ لي: مرْحَبًا بِابْني وَالنَّبِيّ الصَّالح
ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك فَإِذا فِيهَا عِيسَى وَيحيى
ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك فَإِذا فِيهَا يُوسُف
ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ قَالُوا لَهُ مثل ذَلِك فَإِذا فِيهَا إِدْرِيس
ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك فَإِذا فِيهَا هَارُون
ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك فَإِذا فِيهَا مُوسَى
ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا لَهُ مثل ذَلِك فَإِذا فِيهَا إِبْرَاهِيم
ثمَّ انْطلق بِي على ظهر السَّمَاء السَّابِعَة حَتَّى انْتهى بِي إِلَى نهر عَلَيْهِ خيام الْيَاقُوت واللؤلؤ والزبرجد وَعَلِيهِ طير خضر أنعم طير رَأَيْت
فَقلت: يَا جِبْرِيل إِن هَذَا الطير لناعم
قَالَ: يَا مُحَمَّد آكله انْعمْ مِنْهُ
ثمَّ قَالَ: اتدري أَي نهر هَذَا قلت: لَا
قَالَ: الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك الله إِيَّاه فَإِذا فِيهِ آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة تجْرِي على رَضْرَاض من الْيَاقُوت والزمرّد مَاؤُهُ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن فَأخذت من آنِية فاغترفت من ذَلِك المَاء فَشَرِبت فَإِذا هُوَ أحلى من الْعَسَل وَأَشد رَائِحَة من الْمسك
ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى انْتهى إِلَى الشَّجَرَة فغشيتني سَحَابَة فِيهَا من كل لون فرفضني جِبْرِيل وخررت سَاجِدا لله
فَقَالَ الله لي: يَا مُحَمَّد إِنِّي يَوْم خلقت السَّمَاوَات وَالْأَرْض فرضت عَلَيْك وعَلى أمتك خمسين صَلَاة فَقُمْ بهَا أَنْت وَأمتك
ثمَّ انجلت عني السحابة وَأخذ بيَدي جِبْرِيل فَانْصَرَفت سَرِيعا فَأتيت على إِبْرَاهِيم فَلم يقل لي شَيْئا ثمَّ أتيت على مُوسَى فَقَالَ: مَا صنعت يَا مُحَمَّد قلت:(5/187)
فرض عليَّ وعَلى أمتِي خمسين صَلَاة
قَالَ: فَلَنْ تستطيعها أَنْت وَلَا أمتك
فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ أَن يُخَفف عَنْك
فَرَجَعت سَرِيعا حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى الشَّجَرَة فغشيتني السحابة وخررت سَاجِدا وَقلت: رَبِّي خفف عنّا
قَالَ: قد وضعت عَنْكُم عشرا
ثمَّ انجلت عني السحابة فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقلت: وضع عني عشرا
قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ أَن يُخَفف عَنْكُم
فَوضع عشرا إِلَى أَن قَالَ: هن خمس بِخَمْسِينَ ثمَّ انحدر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل: مَا لي لم آتٍ على أهل سَمَاء إِلَّا رحبوا بِي وَضَحِكُوا إِلَيّ غير رجل وَاحِد سلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام ورحب بِي وَلم يضْحك إِلَيّ قَالَ: ذَاك مَالك خَازِن النَّار لم يضْحك مُنْذُ خلق وَلَو ضحك لأحد لضحك إِلَيْك
قَالَ: ثمَّ ركبت منصرفاً فَبَيْنَمَا هُوَ فِي بعض طَرِيقه مرّ بعير من قُرَيْش تحمل طَعَاما مِنْهَا جمل عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ غرارة سَوْدَاء وغرارة بَيْضَاء فَلَمَّا حَاذَى العير نفرت مِنْهُ واستدارت وصرع ذَلِك الْبَعِير وانكسر ثمَّ إِنَّه مضى فَأصْبح فَأخْبر عَمَّا كَانَ فَلَمَّا سمع الْمُشْركُونَ قَوْله أَتَوا أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالُوا: يَا أَبَا بكر هَل لَك فِي صَاحبك يخبر أَنه أَتَى فِي ليلته هَذِه مسيرَة شهر ثمَّ رَجَعَ من ليلته
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: إِن كَانَ قَالَه فقد صدق وَإِنَّا لنصدقنه فِيمَا هُوَ أبعد من هَذَا نصدقه على خبر السَّمَاء
فَقَالَ الْمُشْركُونَ لرَسُول الله مَا عَلامَة مَا تَقول قَالَ: مَرَرْت بعير لقريش وَهِي فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا فنفرت العير منا واستدارت
وفيهَا بعير عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ: غرارة بَيْضَاء وغرارة سَوْدَاء
فصرع فانكسر فَلَمَّا قدمت العير سألوهم فَأَخْبرُوهُمْ الْخَبَر على مثل مَا حَدثهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن ذَلِك سمي أَبُو بكر (الصّديق) وسألوه: هَل كَانَ فِيمَن حضر مَعَك مُوسَى وَعِيسَى قَالَ: نعم
قَالُوا: فصفهما
قَالَ: أما مُوسَى فَرجل آدم كَأَنَّهُ من رجال أزدعمان
وَأما عِيسَى فَرجل ربعَة سبط تعلوه حمرَة كَأَنَّهُ يتحادر من لحيته الجمان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن هَاشم بن عتبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبُرَاقِ فَكَأَنَّهَا هزت أذنيها فَقَالَ جِبْرِيل: يَا براق فوَاللَّه مَا ركبك مثله
وَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ بِعَجُوزٍ على جَانب الطَّرِيق فَقَالَ: مَا هَذِه يَا جِبْرِيل قَالَ: سر يَا مُحَمَّد
فَسَار مَا شَاءَ الله أَن يسير فَإِذا شَيْء يَدعُوهُ متنحياً عَن(5/188)
الطَّرِيق يَقُول: هَلُمَّ يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: سر يَا مُحَمَّد
فَسَار مَا شَاءَ الله أَن يسير فَلَقِيَهُ خلق من خلق الله فَقَالُوا: السَّلَام عَلَيْك يَا أول
السَّلَام عَلَيْك يَا آخر
السَّلَام عَلَيْك يَا حاشر
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: ارْدُدْ السَّلَام
فَرد السَّلَام ثمَّ لقِيه الثَّانِيَة فَقَالَ لَهُ مثل ذَلِك ثمَّ الثَّالِثَة كَذَلِك حَتَّى انْتهى إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَعرض عَلَيْهِ المَاء وَالْخمر وَاللَّبن فَتَنَاول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّبن
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أصبت الْفطْرَة وَلَو شربت المَاء لغرقت أمتك وَلَو شربت الْخمر لغوت أمتك ثمَّ بعث لَهُ آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَمن دونه من الْأَنْبِيَاء فأمّهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ قَالَ جِبْرِيل: أما الْعَجُوز الَّتِي رَأَيْت على جَانب الطَّرِيق فَلم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَقِي من عمر تِلْكَ الْعَجُوز وَأما الَّذِي أَرَادَ أَن تميل إِلَيْهِ فَذَاك عَدو الله إِبْلِيس أَرَادَ أَن تميل إِلَيْهِ
وَأما الَّذين سلمُوا عَلَيْك فإبراهيم ومُوسَى وَعِيسَى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق كثير بن خُنَيْس عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَيْنَمَا أَنا مُضْطَجع فِي الْمَسْجِد لَيْلَة نَائِما إِذْ رَأَيْت ثَلَاثَة نفر أَقبلُوا نحوي فَقَالَ الأول: هُوَ
هُوَ
قَالَ الْأَوْسَط: نعم
قَالَ الآخر: خُذُوا سيد الْقَوْم فَرَجَعُوا عني ثمَّ رَأَيْتهمْ اللَّيْلَة الثَّانِيَة فَقَالَ الأول: هُوَ
هُوَ
قَالَ الْأَوْسَط: نعم
قَالَ الآخر: خُذُوا سيد الْقَوْم فَرَجَعُوا عني حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الثَّالِثَة رَأَيْتهمْ فَقَالَ الأول هُوَ هُوَ
وَقَالَ الْأَوْسَط: نعم
وَقَالَ الآخر: خُذُوا سيد الْقَوْم حَتَّى جاؤوا بِي زَمْزَم فاستلقوني على ظَهْري ثمَّ غسلوا حشْوَة بَطْني ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض: أنقوا
ثمَّ أَتَى بطست من ذهب مَمْلُوءَة حِكْمَة وإيماناً فأفرغ فِي جوفي
ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قَالُوا: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قَالُوا: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
فَفتح
فَإِذا آدم إِذا نظر عَن يَمِينه ضحك وَإِذا نظر عَن شِمَاله بَكَى
قلت: ياجبريل من هَذَا
قَالَ: هَذَا أَبوك آدم إِذا نظر على يَمِينه رأى من فِي الْجنَّة من ذُريَّته ضحك وَإِذا نظر عَن يسَاره رأى من فِي النَّار من ذُريَّته بَكَى
ثمَّ قَالَ أنس بن مَالك: يَا ابْن أخي إِنَّه يطول عَليّ الحَدِيث
ثمَّ عرج بِي حَتَّى جَاءَ السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ
فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قَالَ: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قَالَ: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
فَفتح فَإِذا مُوسَى
ثمَّ(5/189)
عرج بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ
قيل من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قَالَ: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
فَفتح فَإِذا إِبْرَاهِيم قَالَ مرْحَبًا بالابن وَالرَّسُول
ثمَّ مضى حَتَّى جَاءَ الْجنَّة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قَالَ: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
فَفتح الْبَاب
قَالَ: فَدخلت الْجنَّة فأُعْطِيتُ الْكَوْثَر فَإِذا نهر فِي الْجنَّة عضادتاه بيُوت مجوفة من لُؤْلُؤ ثمَّ مضى حَتَّى جَاءَ سِدْرَة الْمُنْتَهى (فَتَدَلَّى فَكَانَ قاب قوسين أَو أدنى فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى) (النَّجْم آيَة 9)
فَفرض عليّ وعَلى أمتِي خمسين صَلَاة فَرَجَعت حَتَّى أَمر مُوسَى فَقَالَ: كم فرض عَلَيْك وعَلى أمتك قلت: خمسين صَلَاة
قَالَ: فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ يُخَفف عَنْك وَعَن أمتك
فَرَجَعت إِلَيْهِ فَوضع عني عشرا فمررت على مُوسَى فَقَالَ: كم فرض عَلَيْك وعَلى أمتك قلت: أَرْبَعِينَ صَلَاة
قَالَ: فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ يُخَفف عَنْك وَعَن أمتك
فَرَجَعت إِلَيْهِ فَوضع عني عشرا فمررت على مُوسَى فَقَالَ: كم فرض عَلَيْك وعَلى أمتك قلت: ثَلَاثِينَ صَلَاة
قَالَ: فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ يُخَفف عَنْك وَعَن أمتك
فَرَجَعت إِلَيْهِ فَوضع عني عشرا فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: كم فرض عَلَيْك وعَلى أمتك قلت: عشْرين صَلَاة
قَالَ: فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ يُخَفف عَنْك وَعَن أمتك
فَرَجَعت فَوضع عني عشرا ثمَّ مَرَرْت على مُوسَى فَقَالَ: كم فرض عَلَيْك وعَلى أمتك قلت: عشر صلوَات
قَالَ: فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ يُخَفف عَنْك وَعَن أمتك
فَرَجَعت فَوضع عني خمْسا
ثمَّ قَالَ: إِنَّه لَا يُبدل قولي وَلَا ينْسَخ كتابي تخفيفها عَنْكُم كتخفيف خمس صلوَات وَإِنَّهَا لكم كَأَجر خمسين صَلَاة
فمررت على مُوسَى فَقَالَ: كم فرض عَلَيْك وعَلى أمتك قلت: خمس صلوَات
قَالَ: فَارْجِع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ يُخَفف عَنْك وَعَن أمتك
فَإِن بني إِسْرَائِيل قد أُمِرُوا بأيسر من هَذَا فَلم يطيقوه
قَالَ: لقد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى إِنِّي لأَسْتَحي مِنْهُ
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَصَححهُ عَن شَدَّاد بن أَوْس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله كَيفَ أسرِي(5/190)
بك فَقَالَ: صليت بِأَصْحَابِي الْعَتَمَة بِمَكَّة معتماً فَأَتَانِي جِبْرِيل بِدَابَّة بَيْضَاء فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل وَقَالَ: اركب فاستصعبت عَليّ فأدارها بأذنها ثمَّ حَملَنِي عَلَيْهَا فَانْطَلَقت تهوي بِنَا
يَقع حافرها حَيْثُ أدْرك طرفها حَتَّى بلغنَا أَرضًا ذَات نخل فَقَالَ: انْزِلْ
فَنزلت فَقَالَ: صل
فَصليت ثمَّ ركبنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْن صليت قلت: الله أعلم
قَالَ: صليت بِيَثْرِب
صليت بِطيبَة ثمَّ انْطَلَقت تهوي بِنَا يَقع حافرها حَيْثُ أدْرك طرفها ثمَّ بلغنَا أَرضًا فَقَالَ: انْزِلْ
فَنزلت
فَقَالَ: صل فَصليت ثمَّ ركبنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْن صليت قلت: الله أعلم
قَالَ: صليت بمدين صليت عِنْد شَجَرَة مُوسَى ثمَّ انْطَلَقت تهوي بِنَا يَقع حافرها حَيْثُ أدْرك طرفها ثمَّ بلغنَا أَرضًا بَدَت لنا قُصُورهَا فَقَالَ: انْزِلْ فَنزلت ثمَّ قَالَ: صَلِّ فَصليت ثمَّ ركبنَا فَقَالَ: أَتَدْرِي أَيْن صليت فَقلت: الله أعلم
فَقَالَ: صليت بِبَيْت لحم حَيْثُ ولد عِيسَى الْمَسِيح ابْن مَرْيَم ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى دَخَلنَا الْمَدِينَة من بَابهَا الْيَمَانِيّ فَأتى قبْلَة الْمَسْجِد فَربط فِيهِ الدَّابَّة ودخلنا الْمَسْجِد من بَاب فِيهِ تميل الشَّمْس وَالْقَمَر فَصليت من الْمَسْجِد حَيْثُ شَاءَ الله وأخذني من الْعَطش أَشد مَا أَخَذَنِي فأُتيتُ بإناءين فِي أَحدهمَا لبن وَفِي الآخر عسل أرسل إِلَيّ بهما جمعيا فعدلت بَينهمَا فهداني الله فَأخذت اللَّبن فَشَرِبت حَتَّى فرغت مِنْهُ وَكَانَ إِلَى جَانِبي شيخ يبكي متكئ على منبره فَقَالَ: أَخذ صَاحبك الْفطْرَة وَإنَّهُ لمهدي
ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى أَتَيْنَا الْوَادي الَّذِي فِي الْمَدِينَة فَإِذا جَهَنَّم تنكشف عَن مثل الزرابي فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله كَيفَ وَجدتهَا قَالَ: مثل الْحمة السخنة
ثمَّ انْصَرف بِي فمررنا بعير قُرَيْش بمَكَان كَذَا وَكَذَا وَقد أَضَلُّوا بعير لَهُم قد جمعه فلَان فسلّمت عَلَيْهِم فَقَالَ بَعضهم: هَذَا صَوت مُحَمَّد ثمَّ أتيت أَصْحَابِي قبل الصُّبْح بِمَكَّة فَأَتَانِي أَبُو بكر فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَيْن كنت اللَّيْلَة قد التمستك فِي مَكَانك
فَقلت: أعلمت أَنِّي أتيت بَيت الْمُقَدّس اللَّيْلَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّه مسيرَة شهر فصفه لي
قَالَ: فَفتح لي صِرَاط كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أنبأتكم عَنهُ
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أشهد أَنَّك رَسُول الله
وَقَالَ الْمُشْركُونَ: انْظُرُوا إِلَى ابْن أبي كَبْشَة زعم أَنه أَتَى بَيت الْمُقَدّس اللَّيْلَة فَقَالَ: إِن من آيَة مَا أَقُول لكم: أَنِّي مَرَرْت بعير لكم بمَكَان كَذَا وَكَذَا وَقد أَضَلُّوا بعير لَهُم فَجَمعه فلَان وَإِن مَسِيرهمْ ينزلون بِكَذَا وَكَذَا ويأتونكم يَوْم كَذَا وَكَذَا ويقدمهم جمل آدم عَلَيْهِ شيخ أسود(5/191)
وغراراتن سوداوان فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم أشرف الْقَوْم ينظرُونَ حَتَّى كَانَ قَرِيبا من نصف النَّهَار قدمت العير يقدمهم ذَلِك الْجمل الَّذِي وَصفه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن مَالك بن صعصعة حَدثهُ أَن رَسُول الله حَدثهمْ عَن لَيْلَة أسرِي بِهِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنا فِي الْحطيم - وَرُبمَا قَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ - فِي الْحجر مُضْطَجعا إِذْ أَتَانِي آتٍ فَجعل يَقُول لصَاحبه: الْأَوْسَط بَين الثَّلَاثَة فَأَتَانِي فشق مَا بَين هَذِه إِلَى هَذِه - يَعْنِي من ثغر نَحره إِلَى شعرته - فاستخرج قلبِي فأوتيت بطست من ذهب مَمْلُوء إِيمَانًا وَحِكْمَة فَغسل قلبِي بِمَاء زَمْزَم ثمَّ حشى ثمَّ أُعِيد مَكَانَهُ
ثمَّ أُوتيت بِدَابَّة أَبيض دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار يُقَال لَهُ الْبراق يَقع خطوه عِنْد أقْصَى طرفه فَحملت عَلَيْهِ فَانْطَلق بِي جِبْرِيل حَتَّى أَتَى بِي السَّمَاء فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قيل: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قيل: مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ فَفتح لنا فَلَمَّا خلصت فَإِذا فِيهَا آدم فَقلت: يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ: هَذَا أَبوك آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَسلم عَلَيْهِ
فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عليّ السَّلَام ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالابن الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح
ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فاستفتحفقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قيل: أَو قد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قيل: مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ
فَفتح لنا فَلَمَّا خلصت إِذا يحيى وَعِيسَى وهما ابْنا الْخَالَة فَقلت: يَا جِبْرِيل من هَذَانِ قَالَ: هَذَانِ يحيى وَعِيسَى فَسلم عَلَيْهِمَا فَسلمت عَلَيْهِمَا فَردا السَّلَام ثمَّ قَالَا: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح
ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قيل: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قيل: مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ
فَفتح لنا فَلَمَّا خلصت إِذا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح
ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ قيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قيل: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قيل: مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ
فَفتح لنا فَلَمَّا خلصت إِذا إِدْرِيس عَلَيْهِ السَّلَام فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح
ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ(5/192)
فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قيل: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قيل: مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ
فَلَمَّا خلصت إِذا هَارُون فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح
ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قيل: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قيل: مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ
فَفتح لنا فَلَمَّا خلصت إِذا أَنا بمُوسَى فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالأخ الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح فَلَمَّا تجاوزت بَكَى
قيل لَهُ: مَا يبكيك قَالَ: أبْكِي لِأَن غُلَاما بُعِثَ بعدِي يدْخل الْجنَّة من أمته أَكثر مِمَّا يدخلهَا من أمتِي
ثمَّ صعد حَتَّى أَتَى إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قيل: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قيل: مرْحَبًا بِهِ ولنعم الْمَجِيء جَاءَ
فَفتح لنا فَلَمَّا خلصت إِذا إِبْرَاهِيم قلت: من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا أَبوك إِبْرَاهِيم فسلّم عَلَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ فَرد السَّلَام ثمَّ قَالَ: مرْحَبًا بالابن الصَّالح وَالنَّبِيّ الصَّالح
ثمَّ رفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا نبقها مثل قلال هجر وَإِذا وَرقهَا مثل آذان الفيلة وَإِذا أَرْبَعَة أَنهَار يخْرجن من أَصْلهَا: نهران باطنان: ونهران ظاهران فَقلت: يَا جِبْرِيل مَا هَذِه الْأَنْهَار
فَقَالَ: أما الباطنان فنهران فِي الْجنَّة
وَأما الظاهران فالنيل والفرات ثمَّ رفع إليَّ الْبَيْت الْمَعْمُور قلت: يَا جِبْرِيل مَا هَذَا قَالَ: هَذَا الْبَيْت الْمَعْمُور يدْخلهُ كل يَوْم سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة إِذا خَرجُوا مِنْهُ لم يعودوا فِيهِ آخر مَا عَلَيْهِم
ثمَّ أُتِيتُ باناءين أَحدهمَا خمر وَالْآخر لبن فعرضا عليّ فَقيل: خُذ أَيهمَا شِئْت فَأخذت اللَّبن فَقيل لي: أصبت الْفطْرَة أَنْت عَلَيْهَا وَأمتك
ثمَّ فرضت عليَّ الصَّلَاة خَمْسُونَ صَلَاة كل يَوْم فَنزلت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: مَا فرض رَبك على أمتك قلت: خمسين صَلَاة كل يَوْم
قَالَ: إِن أمتك لَا تَسْتَطِيع ذَلِك وَإِنِّي قد خبرت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك
فَرَجَعت إِلَى رَبِّي فحط عني خمْسا فَأَقْبَلت حَتَّى أتيت على مُوسَى فأنبأته بِمَا حط فَقَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك فَإِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك
قَالَ: فَمَا زلت بَين موى وَبَين رَبِّي يحط عني خمْسا خمْسا حَتَّى أَقبلت بِخمْس صلوَات فَأتيت على مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أمرت قلت: بِخمْس صلوَات كل يَوْم(5/193)
قَالَ: إِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك
إِنِّي بلوت النَّاس قبلك وعالجت بني إِسْرَائِيل أَشد المعالجة ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك
فَقلت: لقد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى لقد استحيت وَلَكِنِّي أرْضى وَأسلم فنوديت أَن يَا مُحَمَّد إِنِّي قد أمضيت فريضتي وخففت عَن عبَادي الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يُونُس عَن ابْن شهَاب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ يحدث أَن رَسُول الله قَالَ: فرج سقف بيني وَأَنا بِمَكَّة فَنزل جِبْرِيل فَفرج عَن صَدْرِي ثمَّ غسله بِمَا زَمْزَم ثمَّ جَاءَ بطست من ذهب ممتلئ حِكْمَة وإيماناً فأفرغه فِي صَدْرِي ثمَّ أطبقه ثمَّ أَخذ بيَدي فعرج بِي إِلَى السَّمَاء فَلَمَّا جِئْنَا السَّمَاء الدُّنْيَا قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لخازن السَّمَاء: افْتَحْ
قَالَ: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قَالَ: هَل مَعَك أحد قَالَ: نعم معي مُحَمَّد
قَالَ: أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
فَفتح فَلَمَّا علونا السَّمَاء الدُّنْيَا إِذا رجل قَاعد عَن يَمِينه أَسْوِدَة وعَلى يسَاره أَسْوِدَة فَإِذا نظر قبل يَمِينه تَبَسم وَإِذا نظر قبل شِمَاله بَكَى فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالح وَالِابْن الصَّالح قلت لجبريل: من هَذَا قَالَ: هَذَا آدم وَهَذِه الأسودة عَن يَمِينه وَعَن شِمَاله نسم بنيه فَأهل الْيَمين مِنْهُم أهل الْجنَّة
والأسودة الَّتِي عَن شِمَاله أهل النَّار فَإِذا نظر عَن يَمِينه ضحك وَإِذا نظر عَن شِمَاله بَكَى ثمَّ عرج بِي إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَقَالَ لخازنها افْتَحْ
فَقَالَ لَهُ خازنها مثل مَا قَالَ الأول فَفتح
قَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ: فَذكر أَنه وجد فِي السَّمَاوَات آدم وَإِدْرِيس ومُوسَى وَعِيسَى وَإِبْرَاهِيم وَلم يثبت كَيفَ مَنَازِلهمْ
قَالَ ابْن شهَاب: وَأَخْبرنِي ابْن حزم أَن ابْن عَبَّاس وَأَبا حَبَّة الْأنْصَارِيّ كَانَا يَقُولَانِ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثمَّ عرج بِي حَتَّى ظَهرت بمستوى أسمع فِيهِ صريف الأقلام
قَالَ ابْن حزم وَأنس: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَفرض الله على أمتِي خمسين صَلَاة فَرَجَعت بذلك حَتَّى مَرَرْت على مُوسَى فَقَالَ: مَا فرض الله على أمتك قلت: فرض خمسين صَلَاة
قَالَ: فَارْجِع إِلَى رَبك فَإِن أمتك لَا تطِيق ذَلِك فَرَجَعت فَوضع شطرها فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرته فَقَالَ: رَاجع رَبك فَإِن أمتك لَا تطِيق ذَلِك
فراجعت رَبِّي فَقَالَ: هِيَ خمس وَهن خَمْسُونَ لَا يُبدل القَوْل لدي فَرَجَعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: ارْجع إِلَى رَبك
قلت: قد(5/194)
استحيت من رَبِّي
ثمَّ انْطلق بِي حَتَّى انْتهى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فغشيتها ألوان لَا أَدْرِي مَا هِيَ ثمَّ أدخلت الْجنَّة فَإِذا فِيهَا جنابذ اللُّؤْلُؤ وَإِذا ترابها مسك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنَا رَسُول الله بِالْمَدِينَةِ عَن لَيْلَة أسرِي بِهِ من مَكَّة إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى قَالَ: بَينا أَنا نَائِم عشَاء بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام إِذْ أَتَانِي آتٍ فأيقظني فَاسْتَيْقَظت فَلم أر شَيْئا وَإِذا أَنا بكهيئة خيال فَأتبعهُ بَصرِي حَتَّى خرجت من الْمَسْجِد فَإِذا أَنا بِدَابَّة أدنى شُبْهَة بدوابكم هَذِه بغالكم غير أَن مُضْطَرب الْأُذُنَيْنِ يُقَال لَهُ الْبراق وَكَانَت الْأَنْبِيَاء تركبه قبلي
يَقع حَافره عِنْد مد بَصَره فركبته فَبينا أَنا أَسِير عَلَيْهِ إِذْ دَعَاني دَاع عَن يَمِيني: يَا مُحَمَّد انظرني أَسأَلك
فَلم أجبه ثمَّ دَعَاني دَاع عَن شمَالي يَا مُحَمَّد انظرني أَسأَلك فَلم أجبه فَبينا أَنا سَائِر إِذا بِامْرَأَة حَاسِرَة عَن ذراعيها وَعَلَيْهَا من كل زِينَة خلقهَا الله فَقَالَت: يَا مُحَمَّد أَنْظرنِي أَسأَلك
فَلَمَّا ألتفت إِلَيْهَا حَتَّى أتيت بَيت الْمُقَدّس فأوثقت دَابَّتي بالحلقة الَّتِي كَانَت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام توثقها بهَا ثمَّ أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بإناءين أَحدهمَا خمر وَالْآخر لبن فَشَرِبت اللَّبن وَتركت الْخمر فَقَالَ جِبْرِيل: أصبت الْفطْرَة أما أَنَّك لَو أخذت الْخمر غوت أمتك
فَقلت: الله أكبر
الله أكبر
فَقَالَ جِبْرِيل: مَا رَأَيْت فِي وَجهك هَذَا قلت: بَينا أَنا اسير إِذْ دَعَاني دَاع عَن يَمِيني: يَا مُحَمَّد انظرني أَسأَلك فَلم أجبه
قَالَ: ذَاك دَاعِي الْيَهُود أما لَو أَنَّك لَو أَجَبْته لتهودت أمتك
قلت: وَبينا أَنا أَسِير إِذْ دَعَاني دَاع عَن يساري: يَا مُحَمَّد انظرني أَسأَلك فَلم أجبه
قَالَ: ذَاك دَاعِي النَّصَارَى أما أَنَّك لَو أَجَبْته لتنصرت أمتك فَبَيْنَمَا أَنا أَسِير إِذا أَنا بِامْرَأَة حَاسِرَة عَن ذراعيها عَلَيْهَا من كل زِينَة تَقول: يَا مُحَمَّد انظرني أَسأَلك فَلم أجبها
قَالَ: تِلْكَ الدُّنْيَا أما أَنَّك لَو أجبتها لاختارت أمتك الدُّنْيَا على الْآخِرَة
ثمَّ دخلت أَنا وَجِبْرِيل بَيت الْمُقَدّس فصلى كل وَاحِد منا رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أتيت بالمعراج الَّذِي تعرج عَلَيْهِ أَرْوَاح بني آدم فَلم تَرَ الْخَلَائق أحسن من الْمِعْرَاج
أما رَأَيْت الْمَيِّت حِين رمى بَصَره طامحا إِلَى السَّمَاء عجبه الْمِعْرَاج
فَصَعدت أَنا وَجِبْرِيل فَإِذا أَنا بِملك يُقَال لَهُ اسماعيل وَهُوَ صَاحب سَمَاء الدُّنْيَا وَبَين يَدَيْهِ سَبْعُونَ ألف ملك مَعَ كل ملك جنده مائَة ألف
فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيل بَاب السَّمَاء قيل: من(5/195)
هَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد
قيل: قد بعث إِلَيْهِ قَالَ: نعم فَإِذا أَنا بِآدَم كَهَيْئَته يَوْم خلقه الله على صورته لم يتَغَيَّر مِنْهُ شَيْء وَإِذا هُوَ تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته الْمُؤمنِينَ فَيَقُول: روح طيبَة وَنَفس طيبَة اجْعَلُوهَا فِي عليين
ثمَّ تعرض عَلَيْهِ أَرْوَاح ذُريَّته الْكفَّار الْفجار فَيَقُول: روح خبيثة وَنَفس خبيثة اجْعَلُوهَا فِي سِجِّين
فَقلت: يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ: هَذَا أَبوك آدم فَسلم عَليّ ورحب بِي فَقَالَ: مرْحَبًا بالابن الصَّالح
ثمَّ مصيت هنيهة فَإِذا أَنا بأخونة عَلَيْهَا لحم قد أروح وأنتن عِنْدهَا أنَاس يَأْكُلُون مِنْهَا
قلت: يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ من أمتك يتركون الْحَلَال ويأتون الْحَرَام
وَفِي لفظ: فَإِذا أَنا بِقوم على مائدة عَلَيْهَا لحم مشوي كأحسن مَا رَأَيْت من اللَّحْم وَإِذا حوله جيف فَجعلُوا يقبلُونَ على الْجِيَف يَأْكُلُون مِنْهَا وَيدعونَ اللَّحْم فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ الزناة
عَمدُوا إِلَى مَا حرم الله عَلَيْهِم وَتركُوا مَا أحل الله لَهُم ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بِقوم بطونهم أَمْثَال الْبيُوت كلما نَهَضَ أحدهم خر يَقُول: الله لَا تقم السَّاعَة وهم على سابلة آل فِرْعَوْن فتجيء السابلة فتطؤهم فَسَمِعتهمْ يضجون إِلَى الله قلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ من أمتك الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بِأَقْوَام لَهُم مشافر كمشافر الْإِبِل قد وكِّل بهم من يَأْخُذ بمشافرهم ثمَّ يَجْعَل فِي أَفْوَاههم صخرا من نَار ثمَّ يخرج من أسافلهم فَسَمِعتهمْ يضجون إِلَى الله
قلت: يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ من أمتك (الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا وسيصلون سعيرا) ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بنساء يعلقن بثديهن وَنسَاء منكسات بأرجلهن فسمعتهن يضججن إِلَى الله قلت يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ النِّسَاء قَالَ: هَؤُلَاءِ اللَّاتِي يَزْنِين ويقتلن أَوْلَادهنَّ ثمَّ مضيت هنيهة فَإِذا أَنا بِأَقْوَام يقطع من جنُوبهم اللَّحْم ثمَّ يدس فِي أَفْوَاههم وَيَقُول: كلوا مِمَّا أكلْتُم فَإِذا أكره مَا خلق الله لَهُم ذَلِك
قلت: يَا جِبْرِيل من هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ الهمازون من أمتك اللمازون الَّذين يَأْكُلُون لُحُوم النَّاس
ثمَّ صعدنا إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَإِذا أَنا بِرَجُل أحسن مَا خلق الله قد فضل النَّاس بالْحسنِ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْر على سَائِر الْكَوَاكِب قلت: يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ: هَذَا أَخُوك يُوسُف وَمَعَهُ نفر من قومه فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ورحب بِي
ثمَّ صعدنا إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَإِذا أَنا(5/196)
بِابْني الْخَالَة يحيى وَعِيسَى ومعهما نفر من قومهما شَبيه أَحدهمَا بِصَاحِبِهِ ثيابهما وشعرهما فَسلمت عَلَيْهِمَا وسلما عَليّ ورحبا بِي
ثمَّ صعدنا إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذا أَنا بِإِدْرِيس قد رَفعه الله مَكَانا عليا فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ورحب بِي
ثمَّ صعدنا إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَإِذا أَنا بهَارُون وَنصف لحيته بَيْضَاء وَنِصْفهَا سَوْدَاء تكَاد لحيته تصيب سرته من طولهَا قلت: يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ: هَذَا المحبب فِي قومه
هَذَا هرون بن عمرَان وَمَعَهُ نفر كثير من قومه فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ورحب بِي
ثمَّ صعدنا إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَإِذا أَنا بمُوسَى رجل آدم كثير الشّعْر لَو كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصَانِ خرج شعره مِنْهُمَا وَإِذا هُوَ يَقُول: يزْعم النَّاس أَنِّي أكْرم الْخلق على الله وَهَذَا أكْرم على الله مني وَلَو كَانَ وَحده لم أبال وَلَكِن كل نَبِي وَمن تبعه من أمته
قلت: يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ: هَذَا أَخُوك مُوسَى بن عمرَان وَمَعَهُ نفر من قومه فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ ورحب بِي
ثمَّ صعدنا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا أَنا بإبراهيم وَإِذا هُوَ جَالس مُسْند ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَمَعَهُ نفر من قومه فَسلمت عَلَيْهِ وَسلم عَليّ وَقَالَ: مرْحَبًا بالابن الصَّالح فَقيل لي: هَذَا مَكَانك وَمَكَان أمتك ثمَّ تَلا (إِن أولى النَّاس بإبراهيم للَّذين اتَّبعُوهُ وَهَذَا النَّبِي وَالَّذين آمنُوا وَالله ولي الْمُؤمنِينَ) (آل عمرَان آيَة 68) وَإِذا بأمتي شطرين: شطر عَلَيْهِم ثِيَاب بيض كَأَنَّهَا الْقَرَاطِيس وَشطر عَلَيْهِم ثِيَاب رمد
ثمَّ دخلت الْبَيْت الْمَعْمُور وَدخل معي الَّذين عَلَيْهِم الثِّيَاب الْبيض وحجب الْآخرُونَ الَّذين عَلَيْهِم ثِيَاب رمد وهم على خير
فَصليت أَنا وَمن معي فِي الْبَيْت الْمَعْمُور ثمَّ خرجت أَنا وَمن معي قَالَ: وَالْبَيْت الْمَعْمُور يُصَلِّي فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون فِيهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
ثمَّ رفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا كل ورقة مِنْهَا تكَاد تغطي هَذِه الْأمة وغذا فِي أَصْلهَا عين تجْرِي يُقَال لَهَا سلسبيل فَيشق مِنْهَا نهران فَقلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل فَقَالَ: أما هَذِه فَهُوَ نهر الرَّحْمَة وَأما هَذَا فَهُوَ نهر الْكَوْثَر الَّذِي أعطاكه الله
فاغتسلت فِي نهر الرَّحْمَة فغفر لي من ذَنبي مَا تقدم وَمَا تَأَخّر ثمَّ أخذت على الْكَوْثَر حَتَّى دخلت الْجنَّة فَإِذا فِيهَا مَا لَا عين رَأَتْ وَمَا لَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر وَإِذا أَنا بأنهار من مَاء غير آسن وَأَنَّهَا من لبن لم يتَغَيَّر طعمه وأنهار من خمر لَذَّة(5/197)
للشاربين وأنهار من عسل مصفى
وَإِذا فِيهَا رمان كَأَنَّهُ جُلُود الْإِبِل المقتبة وَإِذا فِيهَا طير كَأَنَّهَا البخت
قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله إِن تِلْكَ الطير لناعمة قَالَ: آكلها أنعم مِنْهَا يَا أَبَا بكر وَإِنِّي لأرجو أَن تَأْكُل مِنْهَا
قَالَ: وَرَأَيْت فِيهَا جَارِيَة لعساء فسألتها لمن أَنْت فَقَالَت: لزيد بن حَارِثَة
فبشر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زيدا
ثمَّ عرضت عَليّ النَّار فَإِذا فِيهَا غضب الله وزجره ونقمته وَلَو طرح فِيهَا الْحِجَارَة وَالْحَدِيد لأكلتها ثمَّ غلقت دوني
ثمَّ إِنِّي رفعت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فتغشاها فَكَانَ بيني وَبَينه قاب قوسين أَو أدنى وَنزل على كل ورقة ملك من الْمَلَائِكَة ثمَّ إِن الله أَمرنِي بأَمْره وَفرض عَليّ خمسين صَلَاة وَقَالَ: لَك بِكُل حَسَنَة عشر وَإِذا هَمَمْت بِالْحَسَنَة فَلم تعملها كتبت لَك حَسَنَة فَإِذا عملتها كتبت لَك عشرا وَإِذا هَمَمْت بِالسَّيِّئَةِ فَلم تعملها لم يكْتب عَلَيْك شَيْء فَإِن عملتها كتبت عَلَيْك سَيِّئَة
ثمَّ دفعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أَمرك رَبك قلت: بِخَمْسِينَ صَلَاة
قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك فَإِن أمتك لَا يُطِيقُونَ ذَلِك
فَرَجَعت إِلَى رَبِّي فَقلت: يَا رب خفف عَن أمتِي فَإِنَّهَا أَضْعَف الْأُمَم
فَوضع عني عشرا
فَمَا زلت أختلف بَين مُوسَى وَبَين رَبِّي حَتَّى جعلهَا خمْسا فناداني ملك: عِنْدهَا تمت فريضتي وخففت عَن عبَادي فأعطيتهم بِكُل حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا
ثمَّ رجعت إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بِمَ أمرت قلت: بِخمْس صلوَات: قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك
قلت: قد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى استحييته
ثمَّ أصبح بِمَكَّة يُخْبِرهُمْ الْعَجَائِب: إِنِّي رَأَيْت البارحة بَيت الْمُقَدّس وعرج بِي إِلَى السَّمَاء ثمَّ رَأَيْت كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَبُو جهل: أَلا تعْجبُونَ مِمَّا يَقُول مُحَمَّد قَالَ: فَأَخْبَرته بعير لقريش لما كَانَت فِي مصعدي رَأَيْتهَا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا وَإِنَّهَا نفرت فَلَمَّا رجعت رَأَيْتهَا عِنْد الْعقبَة وَأَخْبَرتهمْ بِكُل رجل وبعيره كَذَا ومتاعه كَذَا
فَقَالَ رجل: أَنا أعلم النَّاس بِبَيْت الْمُقَدّس
فَكيف بِنَاؤُه وَكَيف هَيئته وَكَيف قربه من الْجَبَل فَرفع لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيت الْمُقَدّس فَنظر إِلَيْهِ فَقَالَ: بِنَاؤُه كَذَا وهيئته كَذَا وقربه من الْجَبَل كَذَا
فَقَالَ: صدقت
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى الَّذِي باركنا حوله لنريه من آيَاتنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيع الْبَصِير}(5/198)
قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى النَّبِي وَمَعَهُ مِيكَائِيل فَقَالَ جِبْرِيل لميكائيل عَلَيْهِمَا السَّلَام: ائْتِنِي بطست من مَاء زَمْزَم كَيْمَا أطهر قلبه وأشرح صَدره
فشق عَن بَطْنه فَغسله ثَلَاث مَرَّات وَاخْتلف إِلَيْهِ مِيكَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِثَلَاث طساس من مَاء زَمْزَم فشرح صَدره وَنزع مَا كَانَ فِيهِ من غلّ وملأه حلماً وعلماً وإيماناً ويقيناً وإسلاماً وَختم بَين كَتفيهِ بِخَاتم النبوّة ثمَّ أَتَاهُ بفرس فَحمل عَلَيْهِ
كل خطْوَة مِنْهُ مُنْتَهى بَصَره
فَسَار وَسَار مَعَه جِبْرِيل فَأتى على قوم يزرعون فِي يَوْم ويحصدون فِي يَوْم
كلما حصدوا عَاد كَمَا كَانَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل مَا هَذَا
قَالَ: هَؤُلَاءِ المجاهدون فِي سَبِيل الله يُضَاعف لَهُم الْحَسَنَة بسبعمائة ضعف وَمَا أَنْفقُوا من شَيْء فَهُوَ يخلفه
ثمَّ أَتَى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عَادَتْ كَمَا كَانَت وَلَا يفتر عَنْهُم من ذَلِك شَيْء فَقَالَ: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين تثتاقل رؤوسهم عَن الصَّلَاة
ثمَّ أَتَى على قوم على اقبالهم رقاع وعَلى أدبارهم رقاع
يسرحون كَمَا تسرح الْإِبِل وَالْغنم ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جَهَنَّم وحجارتها قَالَ: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل
قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين لَا يؤدون صدقَات أَمْوَالهم وَمَا ظلمهم الله شَيْئا
ثمَّ أَتَى على قوم بَين أَيْديهم لحم نضيج فِي قدر وَلحم آخر نيء خَبِيث فَجعلُوا يَأْكُلُون من النيء الْخَبيث ويتركون النضيج الطّيب
قلت: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا الرجل من أمتك
تكون عِنْده الْمَرْأَة الْحَلَال فَيَأْتِي امْرَأَة خبيثة فيبيت عِنْدهَا حَتَّى يصبح وَالْمَرْأَة تقوم من عِنْد زَوجهَا حَلَالا طيبا فتأتي رجلا خبيثاً تبيت مَعَه حَتَّى تصبح
ثمَّ أَتَى على خَشَبَة على الطَّرِيق لَا يمر بهَا ثوب إِلَّا شقته وَلَا شي إِلَّا خرقته قَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل
قَالَ: هَذَا مثل أوقام من أمتك
يَقْعُدُونَ على الطَّرِيق فيقطعونه
ثمَّ أَتَى على رجل قد جمع حزمة عَظِيمَة لَا يَسْتَطِيع حملهَا وَهُوَ يزِيد عَلَيْهَا فَقَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا الرجل من أمتك يكون عَلَيْهِ أمانات النَّاس لَا يقدر على أَدَائِهَا وَهُوَ يُرِيد أَن يحمل عَلَيْهَا
ثمَّ أَتَى على قوم تقْرض ألسنتهم بمقاريض من نَار
كلما قرضت عَادَتْ كَمَا كَانَت لَا يفتر عَنْهُم من ذَلِك شَيْء قَالَ: مَا هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل
قَالَ: هَؤُلَاءِ خطباء الْفِتْنَة
ثمَّ أَتَى على حجر صَغِير يخرج مِنْهُ ثَوْر عَظِيم فَجعل الثور يُرِيد أَن يرجع من حَيْثُ خرج فَلَا يَسْتَطِيع
قَالَ: مَا(5/199)
هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا الرجل يتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ الْعَظِيمَة ثمَّ ينْدَم عَلَيْهَا فَلَا يَسْتَطِيع أَن يردهَا
ثمَّ أَتَى على وَاد فَوجدَ ريحًا طيبَة بَارِدَة وريح مسك وَسمع صَوتا فَقَالَ: يَا جِبْرِيل مَا هَذَا قَالَ: هَذَا صَوت الْجنَّة
تَقول: يَا رب ائْتِنِي بِمَا وَعَدتنِي فقد كثرت غرفي واستبرقي وحريري وسندسي وعبقري ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي واكوابي وصحافي وأباريقي ومراكبي وعسلي ومائي ولبني وخمري فائتني مَا وَعَدتنِي فَقَالَ: لَك كل مُسلم ومسلمة وَمُؤمن ومؤمنة
قَالَت: رضيت
ثمَّ أَتَى على وادٍ فَسمع شكوى وَوجد ريحًا مُنْتِنَة فَقَالَ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا صَوت جَهَنَّم تَقول: رب ائْتِنِي بِمَا وَعَدتنِي فَلَقَد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي وَقد بعد قعري وَاشْتَدَّ حري فائتني مَا وَعَدتنِي قَالَ: لَك كل مُشْرك ومشركة وَكَافِر وكافرة وكل خَبِيث وخبيثة وكل جَبَّار لَا يُؤمن بِيَوْم الْحساب
قَالَت: قد رضيت
ثمَّ سَار حَتَّى أَتَى بَيت الْمُقَدّس فَنزل فَربط فرسه إِلَى صَخْرَة ثمَّ دخل فصلى مَعَ الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام
فَلَمَّا قضيت الصَّلَاة قَالُوا: يَا جِبْرِيل من هَذَا مَعَك قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالُوا: وَقد بعث إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ
ثمَّ لَقِي أَرْوَاح الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فَأَثْنوا على رَبهم فَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: الْحَمد لله الَّذِي اتَّخَذَنِي خَلِيلًا وَأَعْطَانِي ملكا عَظِيما وَجَعَلَنِي أمة قَانِتًا يؤتم بِي وأنقذني من النَّار وَجعلهَا عليّ بردا وَسلَامًا
ثمَّ إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أثنى على ربه عز وَجل فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي كلمني تكليماً وَجعل هَلَاك آل فِرْعَوْن وَنَجَاة بني إِسْرَائِيل على يَدي وَجعل من أمتِي (قوما يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ) (الْأَعْرَاف الْآيَة 159
وَنَصّ الْآيَة (وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ)
ثمَّ إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أثنى على ربه فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعل لي ملك عَظِيما وَعَلمنِي الزبُور وألان لي الْحَدِيد وسخر لي الْجبَال يسبحْنَ وَالطير وَأَعْطَانِي الْحِكْمَة وَفصل الْخطاب
ثمَّ إِن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أثنى على ربه فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي سخر لي الرِّيَاح وسخر لي الشَّيَاطِين يعْملُونَ مَا شِئْت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات وَعَلمنِي منطق الطير وآتاني من كل شَيْء فضلا وسخر لي جنود الشَّيَاطِين وَالْإِنْس وَالطير وفضلني على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ وآتاني ملكا عَظِيما لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي وَجعل ملكي(5/200)
ملكا طيبا لَيْسَ فِيهِ حِسَاب ثمَّ إِن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أثنى على ربه فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعلني كَلمته وَجعل مثلي مثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ: كن فَيكون وَعَلمنِي الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَجَعَلَنِي أخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون طيراً بِإِذن الله وَجَعَلَنِي أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الْمَوْتَى بِإِذن الله ورفعني وطهرني وأعاذني وَأمي من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَلم يكن للشَّيْطَان علينا سَبِيل
ثمَّ إِن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثنى على ربه عز وَجل فَقَالَ: كلكُمْ أثنى على ربه وَإِنِّي مثن على رَبِّي فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أَرْسلنِي رَحْمَة للْعَالمين وكافة للنَّاس بشيراً وَنَذِيرا وَأنزل عَليّ الْفرْقَان فِيهِ تبيان لكل شَيْء وَجعل أمتِي خير أمة أخرجت للنَّاس وَجعل أمتِي أمة وسطا وَجعل أمتِي هم الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وَشرح لي صَدْرِي وَوضع عني وزري وَرفع لي ذكري وَجَعَلَنِي فاتحاً وخاتماً
فَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: بِهَذَا فَضلكُمْ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ: أُتِي بآنية ثَلَاثَة مغطاة أفواهها فَأتي بِإِنَاء مِنْهَا فِيهِ مَاء فَقيل: اشرب فَشرب مِنْهُ يَسِيرا ثمَّ رفع إِلَيْهِ إِنَاء آخر فِيهِ لبن فَقيل: اشرب فَشرب مِنْهُ حَتَّى رُوِيَ ثمَّ رفع إِلَيْهِ إِنَاء آخر فِيهِ خمر فَقيل لَهُ: اشرب فَقَالَ: لَا أريده قد رويت
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: - عَلَيْهِ السَّلَام - أما إِنَّهَا ستحرم على أمتك وَلَو شربت مِنْهَا لم يتبعك من أمتك إِلَّا قَلِيل
ثمَّ صعدوا بِي إِلَى السَّمَاء فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا مُحَمَّد قَالُوا: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل تَامّ الْخلق لم ينقص من خلقه شَيْء كَمَا ينقص من خلق النَّاس على يَمِينه بَاب يخرج مِنْهُ ريح طيبَة وَعَن شِمَاله بَاب يخرج مِنْهُ ريح خبيثة إِذا نظر إِلَى الْبَاب الَّذِي عَن يَمِينه فَرح وَضحك وَإِذا نظر إِلَى الْبَاب الَّذِي عَن يسَاره بَكَى وحزن فَقلت يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ: هَذَا أَبوك آدم وَهَذَا الْبَاب الَّذِي يَمِينه بَاب الْجنَّة إِذا نظر إِلَى من يدْخلهُ من ذُريَّته ضحك واستبشر وَالْبَاب الَّذِي عَن شِمَاله بَاب جَهَنَّم إِذا نظر من يدْخلهُ بَكَى وحزن
ثمَّ صعد بِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى السَّمَاء الثَّانِيَة فَاسْتَفْتَحَ قيل: من هَذَا مَعَك قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: حَيَّاهُ الله من أَخ وَخَلِيفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَإِذا هُوَ بشابين قَالَ: يَا جِبْرِيل من هَذَانِ قَالَ: عِيسَى ابْن مَرْيَم وَيحيى بن(5/201)
زَكَرِيَّا
فَصَعدَ بِهِ إِلَى السَّمَاء الثَّالِثَة فَاسْتَفْتَحَ فَقَالُوا: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل قَالُوا: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قَالُوا: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل قد فضل على النَّاس كَمَا فضل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر على سَائِر الْكَوَاكِب قَالَ: من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا أَخُوك يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
ثمَّ صعد بِي إِلَى السَّمَاء الرَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل قَالُوا: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قَالُوا: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: حَيَّاهُ الله من أَخ وَمن خَليفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل قَالَ: من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا إِدْرِيس رَفعه الله مَكَان عليا
ثمَّ صعد إِلَى السَّمَاء الْخَامِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قَالُوا: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: مرْحَبًا بِهِ حَيَّاهُ الله من أَخ وَخَلِيفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ ثمَّ دخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل جَالس وَحَوله قوم يقص عَلَيْهِم قَالَ: من هَذَا يَا جِبْرِيل وَمن هَؤُلَاءِ حوله قَالَ: هَذَا هرون المحبب وَهَؤُلَاء بَنو إِسْرَائِيل
ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل لَهُ: من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قَالُوا: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: حَيَّاهُ الله من أَخ وَخَلِيفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَإِذا هُوَ بِرَجُل جَالس فجاوزه فَبكى الرجل قَالَ: يَا جِبْرِيل من هَذَا قَالَ: مُوسَى قَالَ: فَمَا لَهُ يبكي قَالَ: زعم بَنو إِسْرَائِيل أَنِّي أكْرم بني آدم على الله وَهَذَا رجل من بني آدم قد خلفني فِي دنيا وَأَنا فِي أُخْرَى فَلَو أَنه بِنَفسِهِ لم أبال وَلَكِن مَعَ كل نَبِي أمته
ثمَّ صعد بِهِ إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَاسْتَفْتَحَ فَقيل من هَذَا قَالَ: جِبْرِيل قيل: وَمن مَعَك قَالَ: مُحَمَّد قَالُوا: وَقد أرسل إِلَيْهِ قَالَ: نعم
قَالُوا: حَيَّاهُ الله من أَخ وَخَلِيفَة فَنعم الْأَخ وَنعم الْخَلِيفَة وَنعم الْمَجِيء جَاءَ فَدخل فَإِذا هُوَ بِرَجُل أشمط جَالس عِنْد بَاب الْجنَّة على كرْسِي وَعِنْده قوم جُلُوس بيض الْوُجُوه أَمْثَال الْقَرَاطِيس وَقوم فِي ألوانهم شَيْء فَقَامَ هَؤُلَاءِ الَّذين فِي ألوانها شَيْء فَدَخَلُوا نَهرا فاغتسلوا فِيهِ فَخَرجُوا وَقد خلص وَلم يكن فِي أبدانهم شَيْء ثمَّ دخلُوا نَهرا آخر فاغتسلوا فِيهِ فَخَرجُوا وَقد خلص من ألوانهم شَيْء ثمَّ دخلُوا نَهرا آخر فاغتسلوا فِيهِ فَخَرجُوا وَقد خلصت ألوانهم فَصَارَت مثل ألوان أَصْحَابهم فجاؤوا فجلسوا إِلَى أَصْحَابهم فَقَالَ:(5/202)
يَا جِبْرِيل من هَذَا الأشمط وَمن هَؤُلَاءِ بيض الْوُجُوه وَمن هَؤُلَاءِ الَّذين فِي ألوانهم شَيْء وَمَا هَذِه الْأَنْهَار الَّتِي دخلُوا قَالَ: هَذَا أَبوك إِبْرَاهِيم أول من شمط على الأَرْض
وَأما هَؤُلَاءِ الْبيض الْوُجُوه فقوم لم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم وَأما هَؤُلَاءِ الَّذين فِي ألوانهم شَيْء فقوم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا فتابوا فَتَابَ الله عَلَيْهِم وَأما الْأَنْهَار فأولها رَحْمَة الله وَالثَّانِي نعْمَة الله وَالثَّالِث سقاهم رَبهم شرابًا طهُورا
ثمَّ انْتهى إِلَى السِّدْرَة قيل لَهُ: هَذِه السِّدْرَة يَنْتَهِي إِلَيْهَا كل وَاحِد خلا من أمتك على نسك فَإِذا هِيَ شَجَرَة يخرج من أَصْلهَا أَنهَار من مَاء غير آسن وأنهار من لبن لم يتَغَيَّر طعمه وأنهار من خمرة لَذَّة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وَهِي شَجَرَة يسير الرَّاكِب فِي ظلها سبعين عَاما لَا يقطعهَا الورقة مِنْهَا مغطية للْأمة كلهَا فغشيها نور الخلاق عز وَجل وغشيتها الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام أَمْثَال الْغرْبَان حِين تقع على الشَّجَرَة
فَكَلمهُ الله تَعَالَى عِنْد ذَلِك فَقَالَ لَهُ: سل فَقَالَ: اتَّخذت إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وأعطيته ملكا عَظِيما وَكلمت مُوسَى تكليماً وَأعْطيت دَاوُد ملكا عَظِيما وألنت لَهُ الْحَدِيد وسخرت لَهُ الْجبَال وَأعْطيت سُلَيْمَان ملكا عَظِيما وسخرت لَهُ الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين وسخرت لَهُ الرِّيَاح وأعطيته ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده وَعلمت عِيسَى التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَجَعَلته يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى بإذنك وَأَعَذْتَهُ وأمَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم فَلم يكن للشَّيْطَان عَلَيْهِمَا سَبِيل
فَقَالَ لَهُ ربه عز وَجل: وَقد اتخذتك خَلِيلًا وَهُوَ مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة حبيب الرَّحْمَن وأرسلتك إِلَى النَّاس كَافَّة بشيراً وَنَذِيرا وشرحت لَك صدرك وَوضعت عَنْك وزرك
وَرفعت لَك ذكرك فَلَا أذكر إِلَّا وَذكرت معي وَجعلت أمتك خير أمة أخرجت للنَّاس وَجعلت أمتك لَا تجوز لَهُم خطْبَة حَتَّى يشْهدُوا أَنَّك عَبدِي ورسولي وَجعلت من أمتك أَقْوَامًا قُلُوبهم أَنَاجِيلهمْ وجعلتك أول النَّبِيين خلقا وَآخرهمْ بعثاً وأولهم يقْضى لَهُ وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعْطهَا نَبيا قبلك وأعطيتك خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش لم أعْطهَا نَبيا قبلك وأعطيتك الْكَوْثَر وأعطيتك ثَمَانِيَة أسْهم: الْإِسْلَام وَالْهجْرَة وَالْجهَاد وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة وَصَوْم رَمَضَان وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وجعلتك فاتحاً وخاتماً
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فضلني رَبِّي وأرسلني رَحْمَة للْعَالمين وكافة للنَّاس بشيراً وَنَذِيرا وَألقى فِي قلب عدوي الرعب من مسيرَة شهر وَأحل لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي وَجعلت لي(5/203)
الأَرْض كلهَا مَسْجِدا وَطهُورًا وَأعْطيت فواتح الْكَلَام وخواتمه وجوامعه وَعرضت عَليّ أمتِي فَلم يخف عَليّ التَّابِع والمتبوع ورأيتهم أَتَوا على قوم ينتعلون الشّعْر ورأيتهم أَتَوا على قوم عراض الْوُجُوه صغَار الْأَعْين كَأَنَّمَا خرمت أَعينهم بالمخيط فَلم يخف عليّ مَا هم لاقون من بعدِي وَأمرت بِخَمْسِينَ صَلَاة
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: بِمَ أمرت قَالَ: بِخَمْسِينَ صَلَاة قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَإِن أمتك أَضْعَف الْأُمَم فقد لقِيت من بني إِسْرَائِيل شدَّة فَرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ربه فَسَأَلَهُ التَّخْفِيف فَوضع عَنهُ عشرا ثمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَقَالَ: بكم أمرت قَالَ: بِأَرْبَعِينَ: قَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَرجع فَوضع عَنهُ عشرا إِلَى أَن جعلهَا خمْسا ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف قَالَ: قد رجعت إِلَى رَبِّي حَتَّى استحيت مِنْهُ فَمَا أَنا براجع إِلَيْهِ
قيل لَهُ: أما إِنَّك كَمَا صبرت نَفسك على خمس صلوَات فَإِنَّهُنَّ يجزين عَنْك خمسين صَلَاة وَإِن كل حَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا فَرضِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل الرِّضَا
قَالَ: وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من أَشَّدهم عَلَيْهِ حِين مر بِهِ وَخَيرهمْ لَهُ حِين رَجَعَ إِلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أَخِيه عِيسَى عَن أَبِيه عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه أبي ليلى: أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى النَّبِي بِالْبُرَاقِ فَحَمله بَين يَدَيْهِ ثمَّ جعل يسير بِهِ فَإِذا بلغ مَكَانا مطأطئاً طَالَتْ يَدَاهُ وَقصرت رِجْلَاهُ حَتَّى يَسْتَوِي بِهِ ثمَّ عرض لَهُ رجل عَن يَمِين الطَّرِيق فَجعل يُنَادِيه يَا مُحَمَّد إِلَى الطَّرِيق مرَّتَيْنِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: امْضِ وَلَا تكلم أحدا ثمَّ عرض لَهُ رجل عَن يسَار الطَّرِيق فَقَالَ لَهُ إِلَى الطَّرِيق يَا مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: امْضِ وَلَا تكلم أحدا ثمَّ عرضت لَهُ امْرَأَة حسناء جميلَة ثمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيل السَّلَام: تَدْرِي من الرجل الَّذِي دعَاك عَن يَمِين الطَّرِيق قَالَ: لَا قَالَ: تِلْكَ الْيَهُود دعتك إِلَى دينهم
ثمَّ قَالَ: تَدْرِي من الرجل الَّذِي دعَاك عَن يسَار الطَّرِيق قَالَ: لَا قَالَ: تِلْكَ النَّصَارَى دعتك إِلَى دينهم
ثمَّ قَالَ: تَدْرِي من الْمَرْأَة الْحَسْنَاء الجميلة قَالَ: لَا قَالَ: تِلْكَ الدُّنْيَا تدعوك إِلَى نَفسهَا ثمَّ انْطَلقَا حَتَّى أَتَيَا بَيت الْمُقَدّس فَإِذا هم بِنَفر جُلُوس فَقَالُوا مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي وَإِذا فِي النَّفر(5/204)
شيخ قَالَ: وَمن هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا أَبوك إِبْرَاهِيم وَهَذَا مُوسَى وَهَذَا عِيسَى ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فتدافعوا
حَتَّى قدمُوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَتَوا بأشربة فَاخْتَارَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّبن فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أصبت الْفطْرَة ثمَّ قيل لَهُ: قُم إِلَى رَبك فَقَامَ فَدخل ثمَّ جَاءَ فَقيل لَهُ: مَاذَا صنعت قَالَ: فرضت على أمتِي خَمْسُونَ صَلَاة فَقَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف لأمتك فَإِن أمتك لَا تطِيق هَذَا فَرجع ثمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: مَاذَا صنعت فَقَالَ: ردهَا إِلَى خمسين وَعشْرين فَقَالَ: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَرجع ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: ردهَا إِلَى اثْنَتَيْ عشرَة فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف فَرجع ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: ردهَا إِلَى خمس فَقَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: ارْجع فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيف قَالَ: قد استحيت من رَبِّي فَمَا أراجعه وَقد قَالَ لي رَبِّي أَن لَك بِكُل ردة رَددتهَا مَسْأَلَة أعْطَيْتُكَها
وَأخرج ابْن عَرَفَة فِي جزئه الْمَشْهُور وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه من طَرِيق أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِدَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار فَحَمَلَنِي عَلَيْهِ ثمَّ انْطلق يهوي بِنَا كلما صعد عقبَة اسْتَوَت رِجْلَاهُ كَذَلِك مَعَ يَدَيْهِ وَإِذا هَبَط اسْتَوَت يَدَاهُ مَعَ رجلَيْهِ حَتَّى مَرَرْنَا بِرَجُل طَوَال سِبْطَ آدم كَأَنَّهُ من رجال شنوأة وَهُوَ يَقُول: وَيرْفَع صَوته أكرمته وفضلته فدفعنا إِلَيْهِ فسلمنا فَرد السَّلَام فَقَالَ: من هَذَا مَعَك يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا أَحْمد قَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي الْعَرَبِيّ الَّذِي بلغ رِسَالَة ربه ونصح لأمته ثمَّ اندفعنا فَقلت: من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قلت: وَمن يُعَاتب قَالَ: يُعَاتب ربه فِيك قلت: وَيرْفَع صَوته على ربه قَالَ: إِن الله قد عرف لَهُ حَدِيثه ثمَّ اندفعنا حَتَّى مَرَرْنَا بشجرة كَأَن ثَمَرهَا السراح تحتهَا شيخ وَعِيَاله فَقَالَ لي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: اعمد إِلَى أَبِيك إِبْرَاهِيم فدفعنا إِلَيْهِ فسلمنا عَلَيْهِ فَرد السَّلَام فَقَالَ إِبْرَاهِيم: من مَعَك يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا ابْنك أَحْمد فَقَالَ: مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي الَّذِي بلغ رِسَالَة ربه ونصح لأمته يَا بني إِنَّك لَاق رَبك اللَّيْلَة وَإِن أمتك آخر الْأُمَم وأضعفها فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون حَاجَتك أَو جلها فِي أمتك فافعل ثمَّ اندفعنا حَتَّى انتهينا إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى فَنزلت(5/205)
فَربطت الدَّابَّة بالحلقة الَّتِي فِي بَاب الْمَسْجِد الَّتِي كَانَت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ترْبط بهَا ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فَعرفت النَّبِيين من بَين قَائِم وَرَاكِع وَسَاجِد ثمَّ أتيت بكأسين من عسل وَلبن فَأخذت اللَّبن فَشَرِبت فَضرب جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَنْكِبي وَقَالَ أصبت الْفطْرَة ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فأممتهم ثمَّ انصرفنا فأقبلنا
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَلْقَمَة رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتيت بِالْبُرَاقِ فركبته إِذا أَتَى على جبل ارْتَفَعت رِجْلَاهُ وَإِذا هَبَط ارْتَفَعت يَدَاهُ فَسَار بِنَا فِي أَرض غمَّة مُنْتِنَة ثمَّ أفضينا إِلَى أَرض فيحاء طيبَة فَسَأَلت جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: تِلْكَ أَرض النَّار وَهَذِه أَرض الْجنَّة فَأتيت على رجل قَائِم يُصَلِّي فَقلت: من هَذَا يَا جِبْرِيل فَقَالَ: هَذَا أَخُوك عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فسرنا فسمعنا صَوتا وتذمراً فأتينا على رجل فَقَالَ: من هَذَا مَعَك قَالَ: هَذَا أَخُوك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلم ودعا بِالْبركَةِ وَقَالَ: سل لأمتك الْيُسْر فَقلت من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا أَخُوك مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قلت على من كَانَ تذمره قَالَ: على ربه عز وَجل قلت: على ربه قَالَ: نعم
قد عرف حِدته ثمَّ سرنا فَرَأَيْت مصابيح وضُوءًا فَقلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذِه شَجَرَة أَبِيك إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ادن مِنْهَا فدنوت مِنْهَا فَرَحَّبَ بِي ودعا لي بِالْبركَةِ ثمَّ مضينا حَتَّى أَتَيْنَا بَيت الْمُقَدّس فَربطت الدَّابَّة بالحلقة الَّتِي ترْبط بهَا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ثمَّ دخلت الْمَسْجِد فنشرت لي الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام من سمى مِنْهُم وَمن لم يسم فَصليت بهم إِلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاث: إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صليت لَيْلَة أسرِي بِي فِي مقدم الْمَسْجِد ثمَّ دخلت إِلَى الصَّخْرَة فَإِذا ملك قَائِم مَعَه آنِية ثَلَاث فتناولت الْعَسَل فَشَرِبت مِنْهُ قَلِيلا ثمَّ تناولت الآخر فَشَرِبت مِنْهُ حَتَّى رويت فَإِذا هُوَ لبن فَقَالَ اشرب من الآخر فَإِذا هُوَ خمر قلت قد رويت
قَالَ: أما أَنَّك لَو شربت من هَذَا لم تَجْتَمِع أمتك على الْفطْرَة أبدا ثمَّ انْطلق بِي إِلَى السَّمَاء فَفرضت عليّ الصَّلَاة ثمَّ رجعت إِلَى خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا وَمَا تحوّلت عَن جَانبهَا الآخر(5/206)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم هَانِئ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: بَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ فِي بَيْتِي فَفَقَدته من اللَّيْل فَامْتنعَ عني النّوم مَخَافَة أَن يكون عرض لَهُ بعض قُرَيْش فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَانِي فَأخذ بيَدي فَأَخْرجنِي فَإِذا على الْبَاب دَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار فَحَمَلَنِي عَلَيْهَا ثمَّ انْطلق حَتَّى أَتَى بِي إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَأرَانِي إِبْرَاهِيم يشبه خلقه خلقي وَيُشبه خلقي خلقه وأرأني مُوسَى آدم طوَالًا سبط الشّعْر أشبهه بِرِجَال ازد شنوأة وَأرَانِي عِيسَى ابْن مَرْيَم ربعَة أَبيض يضْرب إِلَى الْحمرَة شبهته بِعُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَأرَانِي الدَّجَّال مَمْسُوح الْعين الْيُمْنَى شبهته بِقطن بن عبد الْعُزَّى قَالَ: وَأَنا أُرِيد أَن أخرج إِلَى قُرَيْش فَأخْبرهُم مَا رَأَيْت فَأخذت بِثَوْبِهِ فَقلت إِنِّي أذكرك الله إِنَّك تَأتي قوما يكذبُونَك وَيُنْكِرُونَ مَقَالَتك فَأَخَاف أَن يَسْطُوا بك قَالَت: فَضرب ثَوْبه من يَدي ثمَّ خرج إِلَيْهِم فَأَتَاهُم وهم جُلُوس فَأخْبرهُم فَقَامَ مطعم بن عدي فَقَالَ: يَا مُحَمَّد لَو كنت شَابًّا كَمَا كنت مَا تَكَلَّمت بِمَا تَكَلَّمت بِهِ وَأَنت بَين ظهرانينا
فَقَالَ رجل من الْقَوْم: يَا مُحَمَّد هَل مَرَرْت بِإِبِل لنا فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا قَالَ: نعم وَالله وَجَدتهمْ قد أَضَلُّوا بعير لَهُم فهم فِي طلبه قَالَ: هَل مَرَرْت بِإِبِل لبني فلَان قَالَ: نعم وَجَدتهمْ فِي مَكَان كَذَا وَكَذَا قد انْكَسَرت لَهُم نَاقَة حَمْرَاء فوجدتهم وَعِنْدهم قَصْعَة من مَاء فَشَرِبت مَا فِيهَا قَالُوا: فَأخْبرنَا عَن عدتهَا وَمَا فِيهَا من الرعاء
قَالَ: قد كنت عَن عدتهَا مَشْغُولًا فَقَامَ وأتى بِالْإِبِلِ فَعَدهَا وَعلم مَا فِيهَا من الرعاء
ثمَّ أَتَى قُريْشًا فَقَالَ لَهُ: سَأَلْتُمُونِي عَن إبل بني فلَان فَهِيَ كَذَا وَكَذَا وفيهَا من الرعاء فلَان وَفُلَان وَسَأَلْتُمُونِي عَن إبل بني فلَان فَهِيَ كَذَا وَكَذَا وفيهَا من الرعاء ابْن أبي قُحَافَة وَفُلَان وَفُلَان وَهِي مُصَبِّحَتكُمْ الْغَدَاة الثَّنية فقعدوا إِلَى الثَّنية ينظرُونَ أصدقهم مَا قَالَ فَاسْتَقْبلُوا الْإِبِل فسألوا هَل ضل لكم بعير قَالُوا: نعم
فسألوا الآخر هَل انْكَسَرَ لكم نَاقَة حَمْرَاء قَالُوا: نعم
قَالَ: فَهَل كَانَ عنْدكُمْ قَصْعَة من مَاء قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: وَالله أَنا وَضَعتهَا فَمَا شربهَا أحد منا وَلَا أهريقت فِي الأَرْض فَصدقهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وآمن بِهِ فَسُمي يَوْمئِذٍ الصّديق
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر عَن أم هَانِئ رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَلَس وَأَنا على فِرَاشِي فَقَالَ: شَعرت أَنِّي نمت اللَّيْلَة فِي الْمَسْجِد(5/207)
الْحَرَام فَأَتَانِي جِبْرِيل فَذهب بِي إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَإِذا دَابَّة أَبيض فَوق الْحمار وَدون الْبَغْل مُضْطَرب الْأُذُنَيْنِ فركبته فَكَانَ يضع حَافره فِي مد بَصَره إِذا أَخذ بِي فِي هبوط طَالَتْ يَدَاهُ وَقصرت رِجْلَاهُ وَإِذا أَخذ بِي فِي صعُود طَالَتْ رِجْلَاهُ وَقصرت يَدَاهُ وَجِبْرِيل لَا يفوتني حَتَّى انتهينا إِلَى بَيت الْمُقَدّس فأوثقته بالحلقة الَّتِي كَانَت الْأَنْبِيَاء توثق بهَا فنشر لي رَهْط من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام مِنْهُم إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَصليت بهم وكلمتهم وأتيت بإناءين أَحْمَر وأبيض فَشَرِبت الْأَبْيَض فَقَالَ لي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: شربت اللَّبن وَتركت الْخمر لَو شربت الْخمر لارتدت أمتك ثمَّ ركبته فَأتيت الْمَسْجِد الْحَرَام فَصليت بِهِ الْغَدَاة فتعلقت بردائه وَقلت: أنْشدك الله يَا ابْن عَم إِن تحدث بهَا قُريْشًا فيكذبك من صدقك فَضربت بيَدي على رِدَائه فانتزعته من يَدي فارتفع عَن بَطْنه فَنَظَرت إِلَى عكنه فَوق ازاره كَأَنَّهَا طي الْقَرَاطِيس وَإِذا نور سَاطِع عِنْد فُؤَاده كَاد أَن يختطف بَصرِي فَخَرَرْت سَاجِدَة فَلَمَّا رفعت رَأْسِي إِذا هُوَ قد خرج فَقلت لجاريتي: وَيحك اتبعيه وانظري مَاذَا يَقُول وماذا يُقَال لَهُ فَلَمَّا رجعت أَخْبَرتنِي أَنه انْتهى إِلَى نفر من قُرَيْش فيهم الْمطعم بن عدي وَعَمْرو بن هِشَام والوليد بن الْمُغيرَة
فَقَالَ: إِنِّي صليت اللَّيْلَة الْعشَاء فِي هَذِه الْمَسْجِد وَصليت بِهِ الْغَدَاة وأتيت فِيمَا بَين ذَلِك بِبَيْت الْمُقَدّس فنشر لي رَهْط من الْأَنْبِيَاء فيهم إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَصليت بهم وكلمتهم فَقَالَ عَمْرو بن هِشَام - كَالْمُسْتَهْزِئِ -: صفهم لي
فَقَالَ: أما عِيسَى ففوق الربعة وَدون الطَّوِيل عريض الصَّدْر جعد الشّعْر يعلوه صهبة كَأَنَّهُ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَأما مُوسَى فضخم آدم طوال كَأَنَّهُ من رجال شنوأة كثير الشّعْر غائر الْعَينَيْنِ متراكب الْأَسْنَان مقلص الشّفة خَارج اللثة عَابس وَأما إِبْرَاهِيم فوَاللَّه لأَنا أشبه النَّاس بِهِ خلقا فضجوا وأعظموا ذَاك فَقَالَ الْمطعم: كل أَمرك قبل الْيَوْم كَانَ أمماً غير قَوْلك الْيَوْم أَنا أشهد أَنَّك كَاذِب نَحن نضرب أكباد الْإِبِل إِلَى بَيت الْمُقَدّس مصعداً شهرا ومنحدراً شهرا تزْعم أَنَّك أَتَيْته فِي لَيْلَة وَاللات والعزى لَا أصدقك
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا مطعم بئس مَا قلت لِابْنِ أَخِيك جَبهته وكذبته أَنا أشهد أَنه صَادِق فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد صف لنا بَيت الْمُقَدّس قَالَ: دَخلته لَيْلًا وَخرجت مِنْهُ لَيْلًا فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فصوّره فِي جنَاحه فَجعل يَقُول بَاب مِنْهُ كَذَا فِي مَوضِع كَذَا وَبَاب مِنْهُ(5/208)
كَذَا فِي مَوضِع كَذَا وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يَقُول: صدقت صدقت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ: يَا أَبَا بكر إِن الله قد سماك الصّديق قَالُوا يَا مُحَمَّد أخبرنَا عَن عيرنَا قَالَ: أتيت على عير بني فلَان بِالرَّوْحَاءِ قد أَضَلُّوا نَاقَة لَهُم فَانْطَلقُوا فِي طلبَهَا فانتهيت إِلَى رحالهم لَيْسَ بهَا مِنْهُم أحد وَإِذا قدح مَاء فَشَرِبت مِنْهُ ثمَّ انْتَهَيْت إِلَى عير بني فلَان فنفرت مني الْإِبِل وبرك مِنْهَا جمل أَحْمَر عَلَيْهِ جوالق مخطط ببياض لَا أَدْرِي أكسر الْبَعِير أم لَا ثمَّ انْتَهَيْت إِلَى عير بني فلَان فِي التَّنْعِيم يقدمهَا جمل أَوْرَق وَهَا هِيَ ذه تطلع عَلَيْكُم من الثَّنية فَقَالَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة: سَاحر فَانْطَلقُوا فنظروا فوجدوا كَمَا قَالَ فَرَمَوْهُ بِالسحرِ وَقَالُوا: صدق الْوَلِيد
فَأنْزل الله (وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس) (الْإِسْرَاء آيَة 60)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن أم هَانِئ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا أسرِي برَسُول الله إِلَّا وَهُوَ فِي بَيْتِي نَائِم عِنْدِي تِلْكَ اللَّيْلَة فصلى الْعشَاء الْآخِرَة ثمَّ نَام وَنِمْنَا فَلَمَّا كَانَ قبيل الْفجْر أهبنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا صلى الصُّبْح وصلينا مَعَه قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أم هَانِئ لقد صليت مَعكُمْ الْعشَاء الْآخِرَة كَمَا رَأَيْت بِهَذَا الْوَادي ثمَّ جِئْت بَيت الْمُقَدّس فَصليت فِيهِ ثمَّ صليت صَلَاة الْغَدَاة مَعكُمْ الْآن كَمَا تَرين
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن عمر وَأم سَلمَة وَعَائِشَة وَأم هَانِئ وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا: أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة سبع عشرَة من شهر ربيع الأول قبل الْهِجْرَة بِسنة من شعب أبي طَالب إِلَى بَيت الْمُقَدّس
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حملت على دَابَّة بَيْضَاء بَين الْحمار وَبَين الْبَغْل فِي فَخذهَا جَنَاحَانِ تحفز بهما رِجْلَيْهَا فَلَمَّا دَنَوْت لأركبها شمست فَوضع جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَده على مَعْرفَتهَا ثمَّ قَالَ: أَلا تستحتين يَا براق مِمَّا تصنعين وَالله مَا ركبك عبد لله قبل مُحَمَّد أكْرم على الله مِنْهُ فاستحيت حَتَّى ارفضت عرقاً ثمَّ قرت حَتَّى ركبتها فعلت بأذنيها وقبضت الأَرْض حَتَّى كَانَ مُنْتَهى وَقع حافرها طرفها وَكَانَت طَوِيلَة الظّهْر طَوِيلَة الْأُذُنَيْنِ
وَخرج معي جِبْرِيل لَا يفوتني وَلَا أفوته حَتَّى أَتَى بَيت الْمُقَدّس فَأتى الْبراق إِلَى موقفه الَّذِي كَانَ يقف فربطه فِيهِ وَكَانَ مربط الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام رَأَيْت الْأَنْبِيَاء جمعُوا لي فَرَأَيْت إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَظَنَنْت أَنه لَا بُد أَن يكون لَهُم(5/209)
إِمَام فَقَدَّمَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى صليت بَين أَيْديهم وسألتهم فَقَالُوا: بعثنَا بِالتَّوْحِيدِ
وَقَالَ بَعضهم: فقد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة فتفرقت بَنو عبد الْمطلب يطلبونه يلتمسونه وَخرج الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ حَتَّى إِذا بلغ ذَا طوى فَجعل يصْرخ يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَجَابَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبيْك لبيْك فَقَالَ: ابْن أخي أعييت قَوْمك مُنْذُ اللَّيْلَة فَأَيْنَ كنت قَالَ: أتيت من بَيت الْمُقَدّس قَالَ: فِي ليلتك قَالَ: نعم
قَالَ: هَل أَصَابَك إِلَّا خير قَالَ: مَا أصابني إِلَّا خير
وَقَالَت أم هَانِئ رَضِي الله عَنْهَا: مَا أسرِي بِهِ إِلَّا من بيتنا بَينا هُوَ نَائِم عندنَا تِلْكَ اللَّيْلَة صلى الْعشَاء ثمَّ نَام فَلَمَّا كَانَ قبل الْفجْر أنبهناه للصبح فَقَامَ فصلى الصُّبْح
قَالَ: يَا أم هَانِئ لقد صليت مَعكُمْ الْعشَاء كَمَا رَأَيْت بِهَذَا الْوَادي ثمَّ قد جِئْت بَيت الْمُقَدّس فَصليت بِهِ ثمَّ صليت الْغَدَاة مَعكُمْ ثمَّ قَامَ ليخرج فقت لَا تحدث هَذَا النَّاس فيكذبوك ويؤذوك
فَقَالَ: وَالله لأحدثنهم فَأخْبرهُم فتعجبوا وَقَالُوا لم نسْمع بِمثل هَذَا قطّ
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل عَلَيْهِ السَّلَام: يَا جِبْرِيل إِن قومِي لَا يصدقوني قَالَ: يصدقك أَبُو بكر وَهُوَ الصّديق
وافتتن نَاس كثير وَضَلُّوا كَانُوا قد أَسْلمُوا وَقمت فِي الْحجر فجلا الله لي بَيت الْمُقَدّس فطفقت أخْبرهُم عَن آيَاته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ فَقَالَ بَعضهم: كم لِلْمَسْجِدِ من بَاب - وَلم أكن عددت أبوابه - فَجعلت أنظر إِلَيْهَا وأعدها بَابا وأعلمهم وَأَخْبَرتهمْ عَن عير لَهُم فِي الطَّرِيق وعلامات فِيهَا فوجدوا ذَلِك كَمَا أَخْبَرتهم
وَأنزل الله (وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس) قَالَ: كَانَت رُؤْيا عين رَآهَا بِعَيْنِه
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَى بِالْبُرَاقِ لَيْلَة أسرِي بِهِ مسرجاً مُلجمًا ليركبه فاستصعب عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أبمحمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تفعل هَذَا فوَاللَّه مَا ركبك خلق أكْرم على الله مِنْهُ
قَالَ: فأرفضّ عرقاً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة سبع عشرَة من شهر ربيع الأول قبل الْهِجْرَة بِسنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت الْمُقَدّس قبل خُرُوجه إِلَى الْمَدِينَة بِسِتَّة عشر شهرا(5/210)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت الْمُقَدّس قبل مهاجره بِسِتَّة عشر شهرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب حَيَاة الْأَنْبِيَاء عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَائِما يُصَلِّي فِي قَبره عِنْد الْكَثِيب الْأَحْمَر
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ مر على مُوسَى وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبره
قَالَ: وَذكر لي أَنه حمل على الْبراق
قَالَ: فأوثقت الْفرس
أَو قَالَ: الدَّابَّة بالحلقة
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ صفها لي يَا رَسُول الله قَالَ: كذه وذه
وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قد رَآهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء رَأَيْت مُوسَى يُصَلِّي فِي قَبره
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر على مُوسَى وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي مَرَرْت بمُوسَى وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي فِي قَبره
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما أسرِي بِالنَّبِيِّ جعل يمر بِالنَّبِيِّ والنبيين مَعَهم الرَّهْط والنبيين مَعَهم الْقَوْم وَالنَّبِيّ والنبيين لَيْسَ مَعَهم أحد حَتَّى مر بسواد عَظِيم فَقلت: من هَؤُلَاءِ فَقيل مُوسَى وَقَومه وَلَكِن ارْفَعْ رَأسك وَانْظُر فَإِذا سَواد عَظِيم قد سد الْأُفق من ذَا الْجَانِب وَذَا الْجَانِب فَقيل لي: هَؤُلَاءِ وَسوى هَؤُلَاءِ من أمتك سَبْعُونَ ألفا يدْخلُونَ الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب قَالَ: فَدخل وَلم يسألوه بِأَنْفسِهِم وَلم يُفَسر لَهُم
فَقَالَ قَائِلُونَ: نَحن هم
وَقَالَ قَائِلُونَ هم أَبْنَاؤُنَا الَّذين ولدُوا فِي الْإِسْلَام فَخرج فَقَالَ: هم الَّذين لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يسْتَرقونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ
فَقَامَ عكاشة بن مُحصن فَقَالَ: أَنا مِنْهُم يَا رَسُول الله فَقَالَ: أَنْت مِنْهُم فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ: أَنا مِنْهُم قَالَ: سَبَقَك بهَا عكاشة(5/211)
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي مرت بِي رَائِحَة طيبَة فَقلت: يَا جِبْرِيل مَا هَذِه الرَّائِحَة الطّيبَة قَالَ: ماشطة بنت فِرْعَوْن وَأَوْلَادهَا كَانَت تمشطهَا فَسقط الْمشْط من يَدهَا فَقَالَت بِسم الله فَقَالَت ابْنة فِرْعَوْن أبي قَالَت: بل رَبِّي وَرَبك وَرب أَبِيك
قَالَت: أولك رب غير أبي قَالَت: أَلَك رب غَيْرِي قَالَ: نعم رَبِّي وَرَبك الله الَّذِي فِي السَّمَاء
فَأمر ببقرة من نُحَاس فأحميت ثمَّ أَمر بهَا لتلقي فِيهَا وَأَوْلَادهَا
قَالَت: إِن لي إِلَيْك حَاجَة قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَت: تجمع عِظَامِي وَعِظَام وَلَدي فتدفنه جَمِيعًا
قَالَ: ذَلِك لَك لما لَك علينا من الْحق فَألْقوا وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى بلغ رضيعاً فيهم قَالَ: أسرعي يَا أمه وَلَا تقاعسي فَإنَّك على الْحق فألقيت هِيَ وَوَلدهَا
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَتكلم أَرْبَعَة وهم صغَار: هَذَا وَشَاهد يُوسُف وَصَاحب جريج وَعِيسَى ابْن مَرْيَم
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْلَة أسرِي بِي وجدت ريحًا طيبَة فَقلت: يَا جِبْرِيل مَا هَذِه قَالَ: هَذِه الماشطة وَزوجهَا وَابْنهَا بَيْنَمَا هِيَ تمشط ابْنة فِرْعَوْن إِذْ سقط الْمشْط من يَدهَا فَقَالَ: تعس فِرْعَوْن فَأخْبرت أَبَاهَا وَكَانَ للْمَرْأَة ابْنَانِ وَزوج فَأرْسل إِلَيْهِم فراود الْمَرْأَة وَزوجهَا أَن يرجعا عَن دينهما فأبيا فَقَالَ: إِنِّي قاتلكما: فَقَالَا إِحْسَان مِنْك إِلَيْنَا إِن قتلتنا أَن تجعلنا فِي بَيت فَفعل فَلَمَّا أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجد ريحة طيبَة فَسَأَلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأخْبرهُ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما عرج بِي مَرَرْت بِقوم لَهُم أظفار من نُحَاس يخمشون فِي وُجُوههم وصدورهم فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يَأْكُلُون لُحُوم النَّاس ويقعون فِي أعراضهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْلَة أسرِي بِي مَرَرْت بناس تقْرض شفاههم بمقاريض من نَار كلما قرضت عَادَتْ كَمَا كَانَت فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ خطباء أمتك الَّذين يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ(5/212)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة أسرِي بِي رَأَيْت رجلا يسبح فِي نهر يلقم الْحِجَارَة فَسَأَلت من هَذَا فَقيل لي: هَذَا آكل الرِّبَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما كَانَ لَيْلَة أسرِي بِي أَتَى جِبْرِيل الصَّخْرَة الَّتِي بِبَيْت الْمُقَدّس فَوضع أُصْبُعه فِيهَا فخرقها فَشد بهَا الْبراق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب بن سِنَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما عرض على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ المَاء ثمَّ الْخمر ثمَّ اللَّبن أَخذ اللَّبن
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أصبت الْفطْرَة وَبِه غذيت كل دَابَّة وَلَو أخذت الْخمر غويت وغوت أمتك وَكنت من أهل هَذِه وَأَشَارَ إِلَى الْوَادي الَّذِي يُقَال لَهُ وَادي جَهَنَّم فَنظر إِلَيْهِ فَإِذا هُوَ نَار تلتهب
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي لَيْلَة أسرِي بِي وضعت قدمي حَيْثُ تُوضَع أَقْدَام الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام من بَيت الْمُقَدّس وَعرض عليّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا أقرب النَّاس بِهِ شبها عُرْوَة بن مَسْعُود وَعرض عليّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا رجل جعد ضرب من الرِّجَال وَعرض عليّ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا أقرب النَّاس بِهِ شبها صَاحبكُم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حِين أسرِي بِي لقِيت مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فنعته فَإِذا هُوَ رجل مُضْطَرب رجل الرَّأْس كَأَنَّهُ من رجال شنوأة وَلَقِيت عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فنعته ربعَة أَحْمَر كَأَنَّمَا خرج من ديماس وَرَأَيْت إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنا أشبه وَلَده بِهِ وأتيت بإناءين فِي أَحدهمَا لبن وَفِي الآخر خمر قيل لي خُذ أَيهمَا شِئْت فَأخذت اللَّبن فَشَرِبت قيل لي هديت للفطرة أما لَو أَنَّك لَو أخذت الْخمر غوت أمتك
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد رَأَيْتنِي فِي الْحجر وقريش تَسْأَلنِي عَن مسراي فسألوني عَن أَشْيَاء من بَيت الْمُقَدّس لم أثبتها فكربت كرباً مَا كربت مثله قطّ فرفعه الله لي أنظر إِلَيْهِ مَا سَأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أنبأتهم بِهِ وَقد رَأَيْتنِي فِي جمَاعَة من الْأَنْبِيَاء(5/213)
صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم وَإِذا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَائِم وَإِذا رجل ضرب جعد كَأَنَّهُ من رجال شنوأة وَإِذا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَائِم يُصَلِّي أقرب النَّاس بِهِ شبها عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَإِذا إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قَائِم يُصَلِّي أشبه النَّاس بِهِ صَاحبكُم - يَعْنِي نَفسه - فحانت الصَّلَاة فأممتهم فَلَمَّا فرغت قَالَ قَائِل: يَا مُحَمَّد هَذَا مَالك خَازِن النَّار فَالْتَفت إِلَيْهِ فبدأني بِالسَّلَامِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسريَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى مَالِكًا خَازِن النَّار فَإِذا رجل عَابس يعرف الْغَضَب فِي وَجهه
وَأخرج أَحْمد عَن عبيد بن آدم عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ بالجابية فَذكر فتح بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ لكعب رَضِي الله عَنهُ: أَيْن ترى أَن أُصَلِّي قَالَ: خلف الصَّخْرَة
قَالَ: لَا
وَلَكِن أُصَلِّي حَيْثُ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتقدم إِلَى الْقبْلَة فصلى
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَيْلَة أسرِي بِالنَّبِيِّ دخل الْجنَّة فَسمع فِي جَانبهَا وجساً فَقَالَ: يَا جِبْرِيل مَا هَذَا فَقَالَ: هَذَا بِلَال الْمُؤَذّن
فَقَالَ النَّبِي حِين جَاءَ إِلَى النَّاس: قد أَفْلح بِلَال رَأَيْت لَهُ كَذَا وَكَذَا فَلَقِيَهُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ مرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الْأُمِّي قَالَ: وَهُوَ رجل آدم طَوِيل سبط شعره مَعَ أُذُنَيْهِ أَو فَوْقهمَا فَقَالَ: من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا مُوسَى فَمضى فَلَقِيَهُ رجل فَرَحَّبَ بِهِ قَالَ: من هَذَا قَالَ: هَذَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَمضى فَلَقِيَهُ شيخ جليل مهيب فَرَحَّبَ بِهِ وَسلم عَلَيْهِ وَكلهمْ يسلم عَلَيْهِ قَالَ: من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: أَبوك إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
قَالَ: وَنظر فِي النَّار فَإِذا قوم يَأْكُلُون الْجِيَف قَالَ: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يَأْكُلُون لُحُوم النَّاس
وَرَأى رجلا أَحْمَر أَزْرَق جدا قَالَ: من هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذَا عَاقِر النَّاقة فَلَمَّا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي ثمَّ الْتفت فَإِذا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يصلونَ مَعَه فَلَمَّا انْصَرف جِيءَ بقدحين أَحدهمَا عَن الْيَمين وَالْآخر عَن الشمَال فِي أَحدهمَا لبن وَفِي الْآخِرَة عسل فَأخذ اللَّبن فَشرب مِنْهُ فَقَالَ الَّذِي كَانَ مَعَه الْقدح: أصبت الْفطْرَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ:(5/214)
أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ جَاءَ من ليلته فَحَدثهُمْ بمسيره وبعلامة بَيت الْمُقَدّس وبعيرهم فَقَالَ نَاس: نَحن لَا نصدق مُحَمَّدًا بِمَا يَقُول: فَارْتَدُّوا كفَّارًا فَضرب الله رقابهم مَعَ أبي جهل
وَقَالَ أَبُو جهل: يخوفنا مُحَمَّد بشجرة الزقوم هاتوا تَمرا وزبداً فتزقموا بِهِ
وَرَأى الدَّجَّال فِي صورته رُؤْيا عين لَيْسَ برؤيا مَنَام
وَعِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِم السَّلَام فَسئلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الدَّجَّال فَقَالَ: رَأَيْته [] قيلمانياً أقمرهجان إِحْدَى عَيْنَيْهِ قَائِمَة كَأَنَّهَا كَوْكَب دري كَأَن شعره أَغْصَان شَجَرَة
وَرَأَيْت عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام شَابًّا أَبيض جعد الرَّأْس حَدِيد الْبَصَر مبطن الْخلق وَرَأَيْت مُوسَى أسحم آدم كثير الشّعْر شَدِيد الْخلق وَنظرت إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَلَا أنظر إِلَى أرب مِنْهُ إِلَّا نظرت إِلَيْهِ مني حَتَّى كَأَنَّهُ صَاحبكُم قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام سلم على أَبِيك فَسلمت عَلَيْهِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام رجلا طوَالًا جَعدًا كَأَنَّهُ من رجال شنوأة وَرَأَيْت عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام مَرْبُوع الْخلق إِلَى الْحمرَة وَالْبَيَاض سبط الرَّأْس وَرَأَيْت مَالِكًا خَازِن جَهَنَّم والدجال فِي آيَات أراهن الله قَالَ: (فَلَا تكن فِي مرية من لِقَائِه) (السَّجْدَة آيَة 73) فَكَانَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ يُفَسِّرهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسام قد لَقِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لقِيت لَيْلَة أسرِي بِي إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِم السَّلَام فتذاكروا أَمر السَّاعَة فَردُّوا أَمرهم إِلَى إِبْرَاهِيم فَقَالَ لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى مُوسَى فَقَالَ: لَا علم لي بهَا فَردُّوا أَمرهم إِلَى عِيسَى فَقَالَ: أما وجبتهُّا فَلَا يعلم بهَا أحد إِلَّا الله تَعَالَى
وَفِيمَا عهد إليّ رَبِّي أَن الدَّجَّال خَارج وَمَعِي قضيبان فَإِذا رَآنِي ذاب كَمَا يذوب الرصاص فيهلكه الله إِذا رَآنِي حَتَّى أَن الْحجر وَالشَّجر يَقُول: يَا مُسلم إِن تحتي كَافِرًا فتعال(5/215)
فاقتله فيهلكهم الله ثمَّ يرجع النَّاس إِلَى بِلَادهمْ وأوطانهم فَعِنْدَ ذَلِك يخرج يَأْجُوج وَمَأْجُوج وهم من كل حدب يَنْسلونَ فيطأون بِلَادهمْ لَا يأْتونَ على شَيْء إِلَّا أهلكوه لَا يَمرونَ على مَاء إِلَّا شربوه ثمَّ يرجع إِلَيّ فيشكونهم فأدعو الله تَعَالَى عَلَيْهِم فيهلكهم ويميتهم حَتَّى تجيف الأَرْض من نَتن ريحهم فَينزل الله الْمَطَر فيجترف أَجْسَادهم حَتَّى يقذفهم فِي الْبَحْر
فَفِيمَا عهد إليَّ رَبِّي إِن كَانَ كَذَلِك أَن السَّاعَة كالحامل المتم لَا يدْرِي أَهلهَا مَتى تفجؤهم بولادتها لَيْلًا أَو نَهَارا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ أَنه حدث عَن لَيْلَة أسرِي بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا زايل الْبراق حَتَّى فتحت لَهُ أَبْوَاب السَّمَاوَات فَرَأى الْجنَّة وَالنَّار ووعد الْآخِرَة أجمع ثمَّ عَاد وَلَفظ ابْن مرْدَوَيْه فأري مَا فِي السَّمَاوَات وأري مَا فِي الأَرْض قيل لَهُ أَي دَابَّة الْبراق قَالَ: دَابَّة طَوِيل أَبيض خطوه مد الْبَصَر
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة عرج بِي إِلَى السَّمَاء مَا مَرَرْت بسماء إِلَّا وجدت اسْمِي فِيهَا مَكْتُوبًا مُحَمَّد رَسُول الله وَأَبُو بكر الصّديق خَلْفي
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما عرج إِلَى السَّمَاء مَا مَرَرْت بسماء إِلَّا وجدت اسْمِي فِيهَا مَكْتُوبًا مُحَمَّد رَسُول الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي على الْمَلأ الْأَعْلَى فَإِذا جِبْرِيل كالحلس الْبَالِي من خشيَة الله وَفِي لفظ لِابْنِ مرْدَوَيْه مَرَرْت على جِبْرِيل فِي السَّمَاء الرَّابِعَة فَإِذا هُوَ كَأَنَّهُ حلْس بَال من خشيَة الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن عبد الرَّحْمَن بن قرط رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْلَة أسرِي بِي إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ بَين الْمقَام وزمزم جِبْرِيل عَن يَمِينه وَمِيكَائِيل عَن يسَاره فطَارَا بِهِ حَتَّى بلغ السَّمَاوَات العلى فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: سَمِعت تسبيحاً فِي السَّمَوَات العلى مَعَ تَسْبِيح كثير سبحت السَّمَاوَات العلى من ذِي المهابة مشفقات من ذِي العلوّ بِمَا علا سُبْحَانَ الْعلي الْأَعْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى(5/216)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرى بِي جِبْرِيل سَمِعت تسبيحاً فِي السَّمَاوَات العلى فَرَجَفَ فُؤَادِي فَقَالَ لي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: تقدم يَا مُحَمَّد وَلَا تخف فَإِن اسْمك مَكْتُوب على الْعَرْش لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة ووَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة أسرِي بِي لما نتهينا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة نظرت فَوق فَإِذا رعد وبرق وصواعق وأتيت على قوم بطونهم كالبيوت فِيهَا الْحَيَّات والعقارب ترى من خَارج بطونهم فَقلت: من هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ: هَؤُلَاءِ أَكلَة الرِّبَا فَلَمَّا نزلت إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا نظرت إِلَى أَسْفَل مني فَإِذا أَنا برهج ودخان وأصوات فَقلت: مَا هَذَا يَا جِبْرِيل قَالَ: هَذِه الشَّيَاطِين يحومون على أعين بني آدم لَا يتفكرون فِي ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَوْلَا ذَلِك لرأوا الْعَجَائِب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي مرت بالكوثر فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك رَبك فَضربت بيَدي على تربته فَإِذا مسك أذفر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما عرج بِي إِلَى السَّمَاء رَأَيْت نَهرا يطرد عجاجاً مثل السهْم أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل حافتاه قباب من در مجوف فَضربت بيَدي إِلَى جَانِبه فَإِذا مسكة ذفراء فضربيت بيَدي إِلَى رضراضها فَإِذا در
قلت: يَا جِبْرِيل مَا هَذَا النَّهر قَالَ: هَذَا الْكَوْثَر الَّذِي أَعْطَاك رَبك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت إِبْرَاهِيم لَيْلَة أسرِي بِي وَهُوَ أشبه من رَأَيْت بصاحبكم
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن رمدويه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: عرج بِي إِلَى السَّمَاء فَرَأَيْت إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن فَقَالَ إِبْرَاهِيم: يَا جِبْرِيل من هَذَا الَّذِي مَعَك فَقَالَ جِبْرِيل: هَذَا مُحَمَّد فَرَحَّبَ بِي وَقَالَ: مر أمتك فليكثروا من غراس الْجنَّة فَإِن(5/217)
تربَتهَا طيبَة وأرضها وَاسِعَة
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا غراس الْجنَّة قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتيت لَيْلَة أسرِي بِي على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أخبر أمتك أَن الْجنَّة قيعان وَأَن غراسها سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقِيت إِبْرَاهِيم لَيْلَة أسرِي بِي فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أَقْْرِئ أمتك مني السَّلَام وَأخْبرهمْ أَن الْجنَّة طيبَة التربة عذبة المَاء وَأَنَّهَا قيعان وَأَن غراسها: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي رَأَيْت الْجنَّة من درة بَيْضَاء فَقلت يَا جِبْرِيل إِنَّهُم يَسْأَلُونِي عَن الْجنَّة قَالَ: أخْبرهُم أَن أرْضهَا قيعان وترابها الْمسك
وَأخرج و [] الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي مَكْتُوبًا على بَاب الْجنَّة الصَّدَقَة بِعشر أَمْثَالهَا وَالْقَرْض بِثمَانِيَة عشر فَقلت: يَا جِبْرِيل مَا بَال الْقَرْض أفضل من الصَّدَقَة قَالَ: لِأَن السَّائِل يسْأَل وَعِنْده والمستقرض لَا يستقرض إِلَّا من حَاجَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء أدخلت الْجنَّة فَوَقَعت على شَجَرَة من أَشجَار الْجنَّة لم أر فِي الْجنَّة أحسن مِنْهَا وَلَا أَبيض وَرقا وَلَا أطيب ثَمَرَة فتناولت ثَمَرَة من ثمراتها فَأَكَلتهَا فَصَارَت نُطْفَة فِي صلبي فَلَمَّا هَبَطت إِلَى الأَرْض واقعت خَدِيجَة فَحملت بفاطمة رَضِي الله عَنْهَا فَإِذا أَنا اشْتقت إِلَى ريح الْجنَّة شممت ريح فَاطِمَة
وَأخرج الْحَاكِم وَضَعفه عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي اله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بسفرجلة فَأَكَلتهَا لَيْلَة أسرِي بِي فعلقت خَدِيجَة بفاطمة فَكنت إِذا اشْتقت إِلَى رَائِحَة الْجنَّة شممت رَقَبَة فَاطِمَة
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو قَاسم الْبَغَوِيّ وَابْن قَانِع كِلَاهُمَا فِي مُعْجم الصَّحَابَة وَابْن عدي(5/218)
وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن أسعد بن زُرَارَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة أسرِي بِي انْتَهَيْت إِلَى قصر من لؤلؤة وَلَفظ الْبَغَوِيّ أسرِي بِي فِي قفص من لؤلؤة فرَاشه ذهب يتلألأ نورا وَأعْطيت ثَلَاثًا: إِنَّك سيد الْمُرْسلين وَإِمَام الْمُتَّقِينَ وقأئد الغر المعجلين
وَأخرج ابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْحَمْرَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فَإِذا على سَاق الْعَرْش الْأَيْمن لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله: لما عرج بِي رَأَيْت على سَاق الْعَرْش مَكْتُوبًا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله أيدته بعلي
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْلَة أسرِي بِي رَأَيْت على الْعَرْش مَكْتُوبًا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله أَبُو بكر الصّديق عمر الْفَارُوق عُثْمَان ذُو النورين
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي فِي الْعَرْش فريدة خضراء فِيهَا مَكْتُوب بِنور أَبيض لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله أَبُو بكر الصّديق عمر الْفَارُوق
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يعلم رَسُوله الْأَذَان أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِدَابَّة يُقَال لَهَا الْبراق فَذهب يركبهَا فاستصعبت فَقَالَ لَهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: أسكني فوَاللَّه مَا ركبك عبد أكْرم على الله من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فركبها حَتَّى انْتهى إِلَى الْحجاب الَّذِي يَلِي الرَّحْمَن فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ خرج عَلَيْهِ ملك من الْحجاب فَقَالَ الْملك: الله أكبر الله أكبر فَقيل من وَرَاء الْحجاب: صدق عَبدِي أَنا أكبر أَنا أكبر ثمَّ قَالَ الْملك: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقيل هَل من وَرَاء الْحجاب: صدق عَبدِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا
فَقَالَ الْملك: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقيل من وَرَاء الْحجاب: صدق عَبدِي أَنا أرْسلت مُحَمَّدًا فَقَالَ الْملك: حيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح قد قَامَت الصَّلَاة
ثمَّ قَالَ: الله أكبر الله أكبر فَقيل من وَرَاء الْحجاب: صدق عَبدِي أَنا أكبر أَنا أكبر ثمَّ قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فَقيل من وَرَاء الْحجاب: صدق عَبدِي لَا إِلَه إِلَّا(5/219)
أَنا ثمَّ أَخذ الْملك بيد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقدمه فَأم أهل السَّمَوَات فيهم آدم ونوح فَيَوْمئِذٍ أكمل الله لمُحَمد الشّرف على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَانْتهى إِلَى مَكَان من السَّمَاء وقف فِيهِ وَبعث الله ملكا فَقَامَ من السَّمَاء مقَاما مَا قامه قبل ذَلِك فَقيل لَهُ: علمه الْأَذَان فَقَالَ الْملك: الله أكبر الله أكبر فَقَالَ الله: صدق عَبدِي أَنا الله الْأَكْبَر فَقَالَ الْملك: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ الله: صدق عَبدِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فَقَالَ الْملك: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله فَقَالَ الله: صدق عَبدِي أَنا أَرْسلتهُ وَأَنا اخترته وَأَنا ائتمنته فَقَالَ: حَيّ على الصَّلَاة فَقَالَ الله: صدق عَبدِي ودعا إِلَيّ فريضتي وحقي فَمن أَتَاهَا محتسباً كَانَت كَفَّارَة لكل ذَنْب فَقَالَ الْملك: حَيّ على الْفَلاح فَقَالَ الله: صدق عَبدِي أَنا أَقمت فرائضها وعدتها ومواقيتها ثمَّ قيل لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تقدم فَتقدم فائتم بِهِ أهل السَّمَوَات فتم لَهُ شرفه على سَائِر الْخَلَائق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء أذن جِبْرِيل فظنت الْمَلَائِكَة أَنه يُصَلِّي بهم فقدّمني فَصليت بِالْمَلَائِكَةِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِهِ إِلَى السَّمَاء أوحى إِلَيْهِ بِالْأَذَانِ فَنزل بِهِ فَعلمه جِبْرِيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - علم الْأَذَان لَيْلَة أسرِي بِهِ وفرضت عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرضت عَلَيْهِ الصَّلَاة لَيْلَة أسرِي بِهِ
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: فرض الله على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة خمسين صَلَاة فَسَأَلَ ربه فَجَعلهَا خمس صلوَات
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت الصَّلَاة خمسين وَالْغسْل من الْجَنَابَة سبع مَرَّات وَغسل الْبَوْل من الثَّوْب سبع مَرَّات فَلم يزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل حَتَّى الصَّلَاة خمْسا وَغسل الْجَنَابَة مرّة وَغسل الْبَوْل من الثَّوْب مرّة(5/220)
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسريَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْتهى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى وإليها يَنْتَهِي مَا يصعد بِهِ وَفِي لفظ: يعرج بِهِ من الْأَرْوَاح حَتَّى يقبض مِنْهَا وإليها يَنْتَهِي مَا يهْبط من فَوْقهَا حَتَّى يقبض (إِذْ يغشى السِّدْرَة مَا يغشى) (النَّجْم آيَة 16) قَالَ: غشيها فرَاش من ذهب
وَأعْطى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَوَات الْخمس وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة وَغفر لمن لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا من أمته الْمُقْحمَات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لما أسرِي بِي انْتَهَيْت إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَإِذا نبقها أَمْثَال القلال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ - وَسلم لما انْتهى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى رأى فراشا من ذهب يلوذ بهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت أبي بكر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: سَمِعت رَسُول الله - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يَقُول: يصف سِدْرَة الْمُنْتَهى فَقَالَ: فِيهَا فرَاش من ذهب وَثَمَرهَا كالقلال وأوراقها كآذان الفيلة قلت: يَا رَسُول مَا رَأَيْت عِنْدهَا قَالَ: رَأَيْته عِنْدهَا يَعْنِي ربه عز وَجل
وَأخرج و [] ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي بملأ من الْمَلَائِكَة إِلَّا قَالُوا لي يَا مُحَمَّد مر أمتك بالحجامة
وَأخرج أَحْمد ووَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مَرَرْت بملأ من الْمَلَائِكَة لَيْلَة أسرِي بِي إِلَّا قَالُوا عَلَيْك بالحجامة وَفِي لفظ مر أمتك بالحجامة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا مَرَرْت على مَلأ من الْمَلَائِكَة لَيْلَة أسرِي بِي إِلَّا أمروني بالحجامة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَعَثَنِي الله لَيْلَة أسرِي بِي إِلَى يَأْجُوج وَمَأْجُوج أدعوهم إِلَى دين الله وعبادته فَأمروا أَن يجيبوني وهم فِي النَّار مَعَ من يُحْصى من ولد آدم وَولد إِبْلِيس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن(5/221)
أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ فَكَانَ بِذِي طوى قَالَ: جِبْرِيل إِن قومِي لَا يصدقوني قَالَ يصدقك أَبُو بكر وَهُوَ الصّديق
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: لما أسرِي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى أصبح يحدث النَّاس بذلك فَارْتَد نَاس مِمَّن كَانُوا آمنُوا بِهِ وَصَدقُوهُ وَسعوا بذلك إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالُوا: هَل لَك فِي صَاحبك يزْعم أَنه أسرِي بِهِ اللَّيْلَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس
قَالَ: أَو قَالَ ذَلِك قَالُوا: نعم
قَالَ: لَئِن قَالَ ذَلِك لقد صدق
قَالُوا: فتصدقه أَنه ذهب اللَّيْلَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَجَاء قبل أَن يصبح قَالَ: نعم
إِنِّي لَأُصَدِّقهُ بِمَا هُوَ أبعد من ذَلِك أصدقه بِخَبَر السَّمَاء فِي غدْوَة أَو رَوْحَة
فَلذَلِك سمي أَبَا بكر الصّديق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما كَانَ لَيْلَة أسرِي بِي فَأَصْبَحت فِي مَكَّة قطعت وَعرفت أَن النَّاس مُكَذِّبِي فَقَعَدت مُعْتَزِلا حَزينًا فَمر بِهِ عدوّ الله أَبُو جهل فجَاء حَتَّى جلس إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ كل كَانَ من شَيْء قَالَ: نعم
قَالَ وَمَا هُوَ قَالَ: قَالَ إِنِّي أسرِي بِي اللَّيْلَة قَالَ: إِلَى أَيْن قَالَ: إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالَ: ثمَّ أَصبَحت بَين ظهرانينا قَالَ: نعم
فَلم يرد أَن يكذبهُ مَخَافَة أَن يجحده الحَدِيث إِن دَعَا قومه إِلَيْهِ
قَالَ: أَرَأَيْت إِن دَعَوْت قَوْمك أتحدثهم بِمَا حَدَّثتنِي قَالَ: نعم
قَالَ: هيا يَا معشر بني كَعْب بن لؤَي فانقضت إِلَيْهِ الْمجَالِس وجاؤوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهَا
قَالَ: حدث قَوْمك بِمَا حَدَّثتنِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أسرِي بِي اللَّيْلَة قَالُوا: إِلَى أَيْن قَالَ: إِلَى بَيت الْمُقَدّس قَالُوا إيليا قَالَ: نعم
قَالُوا: ثمَّ أَصبَحت بَين ظهرانينا قَالَ: نعم
قَالَ: فَمن بَين مُصَفِّق وَمن بَين وَاضع يَده على رَأسه معجبا قَالُوا: وتستطيع أَن تنْعَت الْمَسْجِد وَفِي الْقَوْم من قد سَافر إِلَيْهِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَذَهَبت أَنعَت فَمَا زلت أَنعَت حَتَّى الْتبس عليّ بعض النَّعْت فجيء بِالْمَسْجِدِ وَأَنا أنظر إِلَيْهِ حَتَّى وضع دون دَار عقيل أَو عقال فنعته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ فَقَامَ الْقَوْم أما النَّعْت فوَاللَّه لقد أصَاب(5/222)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما كذبتني قُرَيْش لما أسرِي بِي إِلَى بَيت الْمُقَدّس قُمْت فِي الْحجر فجلا الله لي بَيت الْمُقَدّس فطفقت أخْبرهُم عَن آيَاته وَأَنا أنظر إِلَيْهِ
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت قُرَيْش لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أخْبرهُم بمسراه إِلَى بَيت الْمُقَدّس أخبرنَا مَاذَا ضل عَنَّا وائتنا بِآيَة مَا تَقول: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ضلت مِنْكُم نَاقَة وَرْقَاء عَلَيْهَا بر لكم فَلَمَّا قدمت عَلَيْهِم قَالُوا انعت لنا مَا كَانَ عَلَيْهَا وَنشر لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا عَلَيْهَا كُله ينظر إِلَيْهِ فَأخْبرهُم بِمَا كَانَ عَلَيْهَا وهم قيام ينظرُونَ فَزَادَهُم ذَلِك شكا وتكذيباً
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسريَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبر قومه بالرفقة والعلامة فِي العير قَالُوا: فَمَتَى تَجِيء قَالَ: يَوْم الْأَرْبَعَاء فَلَمَّا كَانَ ذَلِك الْيَوْم أشرفت قُرَيْش ينظرُونَ وَقد ولى النَّهَار وَلم تجئ فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فزيد لَهُ فِي النَّهَار سَاعَة وحبست عَلَيْهِ الشَّمْس فَلم ترد الشَّمْس على أحد إِلَّا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعَلى يُوشَع بن نون عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَاتل الجبارين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسرِي بِالنَّبِيِّ أَتَى بِدَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار يضع حَافره عِنْد مُنْتَهى طرفه يُقَال لَهُ الْبراق
وَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعير للْمُشْرِكين فنفرت فَقَالُوا: يَا هَؤُلَاءِ مَا هَذَا فَقَالُوا مَا نرى شَيْئا مَا هَذِه الرَّائِحَة الأريح حَتَّى أَتَى بَيت الْمُقَدّس فَأتى بإناءين: فِي أَحدهمَا خمر وَفِي الآخر لبن فَأخذ اللَّبن فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: هديت وهديت أمتك
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن الْوَاقِدِيّ عَن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سُبْرَة وَغَيره من رِجَاله قَالُوا: كَانَ رَسُول الله يسْأَل ربه أَن يرِيه الْجنَّة وَالنَّار فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة السبت لسبع عشرَة خلت من رَمَضَان قبل الْهِجْرَة بِثمَانِيَة عشر شهرا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَائِم فِي بَيته ظهرا أَتَاهُ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل فَقَالَا: انْطلق إِلَى مَا سَأَلت الله فَانْطَلقَا بِهِ إِلَى السَّمَوَات مَا بَين الْمقَام وزمزم فَأتي بالمعراج فَإِذا هُوَ أحسن شَيْء منْظرًا فعرج بِهِ إِلَى السَّمَوَات سَمَاء سَمَاء فلقي فِيهَا الْأَنْبِيَاء وانْتهى إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى وَرَأى الْجنَّة وَالنَّار
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَلما انْتَهَيْت إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة لم أسمع إِلَّا(5/223)
صريف الأقلام وفرضت عَلَيْهِ الصَّلَوَات الْخمس وَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فصلى برَسُول الله الصَّلَوَات فِي مواقيتها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُنْذُ أسرِي بِهِ رِيحه ريح عروس وَأطيب من ريح عروس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جُبَير قَالَ: سَمِعت سُفْيَان الثَّوْريّ رَضِي الله عَنهُ سُئِلَ عَن لَيْلَة أسرِي بِهِ فَقَالَ: أسرِي بِبدنِهِ
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دحْيَة الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى قَيْصر وَكتب إلبه مَعَه فَلَقِيَهُ بحمص ودعا الترجمان فَإِذا فِي الْكتاب من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى قَيْصر صَاحب الرّوم فَغَضب أَخ لَهُ وَقَالَ: تنظر فِي كتاب رجل بَدَأَ بِنَفسِهِ قبلك وَسماك قَيْصر صَاحب الرّوم وَلم يذكر أَنَّك ملك قَالَ لَهُ قَيْصر: إِنَّك وَالله مَا علمت أَحمَق صَغِيرا مَجْنُونا كَبِيرا: تُرِيدُ أَن تحرق كتاب رجل قبل أَن أنظر فِيهِ فلعمري لَئِن كَانَ رَسُول الله كَمَا يَقُول: فنفسه أَحَق أَن يبْدَأ بهَا مني وَإِن كَانَ سماني صَاحب الرّوم فَلَقَد صدق مَا أَنا إِلَّا صَاحبهمْ وَمَا أملكهم وَلَكِن الله سخرهم لي وَلَو شَاءَ لسلطهم عَليّ
ثمَّ قَرَأَ قَيْصر الْكتاب فَقَالَ: يَا معشر الرّوم إِنِّي لأَظُن هَذَا الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى ابْن مَرْيَم وَلَو أعلم أَنه هُوَ مشيت إِلَيْهِ حَتَّى أخدمه بنفسي لَا يسْقط وضوءه إِلَّا على يَدي
قَالُوا: مَا كَانَ الله ليجعل ذَلِك فِي الإِعراب الْأُمِّيين ويدعنا وَنحن أهل الْكتاب
قَالَ: فَأصل الْهدى بيني وَبَيْنكُم الإِنجيل نَدْعُو بِهِ فنفتحه فَإِن كَانَ هُوَ إِيَّاه اتبعناه وَإِلَّا أعدنا عَلَيْهِ خواتمه كَمَا كَانَت إِنَّمَا هِيَ خَوَاتِيم مَكَان خَوَاتِم
قَالَ: وعَلى الإِنجيل يَوْمئِذٍ اثْنَا عشر خَاتمًا من ذهب ختم عَلَيْهِ هِرقل فَكَانَ كل ملك يليله بعده ظَاهر عَلَيْهِ بِخَاتم آخلا حَتَّى ألْقى ملك قَيْصر وَعَلِيهِ إثنا عشر خَاتمًا يخبر أوّلهم لآخرهم أَنه لَا يحل لَهُم أَن يفتحوا الْإِنْجِيل فِي دينهم وَإِنَّهُم يَوْم يفتحونه يُغير دينهم وَيهْلك ملكهم فَدَعَا بالإنجيل ففض عَنهُ أحد عشر خَاتمًا حَتَّى بَقِي عَلَيْهِ خَاتم وَاحِد فَقَامَتْ الشمامسة والأساقفة والبطارقة فشقوا ثِيَابهمْ وصكوا وُجُوههم ونتفوا رؤوسهم قَالَ: مَا لكم قَالُوا: الْيَوْم يهْلك ملك بَيْتك وَتغَير دين قَوْمك
قَالَ: فَأصل الْهدى عِنْدِي
قَالُوا: لَا تعجل حَتَّى نسْأَل عَن هَذَا ونكاتبه وَنَنْظُر فِي أمره قَالَ: فَمن نسْأَل عَنهُ قَالُوا: قوما كثيرا بِالشَّام فَأرْسل(5/224)
يَبْتَغِي قوما يسألهم
فَجمع لَهُ أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه فَقَالَ: أَخْبرنِي يَا أَبَا سُفْيَان عَن هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم
فَلم يأل أَن يصغر أمره مَا اسْتَطَاعَ قَالَ: أَيهَا الْملك لَا يكبر عَلَيْك شَأْنه إِنَّا لنقول: هُوَ سَاحر ونقول: هُوَ شَاعِر ونقول: هُوَ كَاهِن
قَالَ قَيْصر: كَذَلِك وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ كَانَ يُقَال للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام قبله
قَالَ: أَخْبرنِي عَن مَوْضِعه فِيكُم
قَالَ: هُوَ أوسطنا
قَالَ: كَذَلِك بعث الله كل نَبِي من أَوسط قومه
أَخْبرنِي عَن أَصْحَابه
قَالَ: غلماننا وأحداث أسنانهم والسفهاء أما رؤساؤنا فَلم يتبعهُ مِنْهُم أحد
قَالَ: أُولَئِكَ وَالله تبَاع الرُّسُل أما الْمَلأ والرؤوس فَأَخَذتهم الحمية
قَالَ: أَخْبرنِي عَن أَصْحَابه هَل يفارقونه بَعْدَمَا يدْخلُونَ فِي دينه قَالَ: مَا يُفَارِقهُ مِنْهُم أحد
قَالَ: فَلَا يزَال دَاخل مِنْكُم فِي دينه قَالَ: نعم
قَالَ: مَا تزيدونني عَلَيْهِ إِلَّا بَصِيرَة وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليوشكن أَن يغلب على مَا تَحت قدمي
يَا معشر الرّوم هلموا إِلَى أَن نجيب هَذَا الرجل إِلَى مَا دَعَا إِلَيْهِ ونسأله الشَّام أَن لَا يطَأ علينا أبدا
فَإِنَّهُ لم يكْتب قطّ نَبِي من الْأَنْبِيَاء إِلَى ملك من الْمُلُوك يَدعُوهُ إِلَى الله فَيُجِيبهُ إِلَى مَا دَعَاهُ ثمَّ يسْأَله مَسْأَلَة إِلَّا أعطَاهُ مَسْأَلته مَا كَانَت فأطيعوني
قَالُوا: لَا نطاوعك فِي هَذَا أبدا
قَالَ أَبُو سُفْيَان: وَالله مَا يَمْنعنِي من أَقُول عَلَيْهِ قولا أسْقطه من عينه إِلَّا أَنِّي أكره أَن أكذب عِنْده كذبة يَأْخُذهَا عَليّ وَلَا يصدقني حَتَّى ذكرت قَوْله لَيْلَة أسرِي بِهِ
قلت: أَيهَا الْملك أَنا أخْبرك عَنهُ خَبرا تعرف أَنه قد كذب
قَالَ: وَمَا هُوَ قلت: إِنَّه يزْعم لنا أَنه خرج من أَرْضنَا أَرض الْحرم فِي لَيْلَة فجَاء مَسْجِدكُمْ هَذَا مَسْجِد إيليا وَرجع إِلَيْنَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَة قبل الصَّباح قَالَ: وبطريق إيليا عِنْد رَأس قَيْصر
قَالَ البطريق: قد علمت تِلْكَ اللَّيْلَة
فَنظر إِلَيْهِ قَيْصر فَقَالَ مَا علمك بِهَذَا قَالَ: إِنِّي كنت لَا أَبيت لَيْلَة حَتَّى أغلق أَبْوَاب الْمَسْجِد فَلَمَّا كَانَت تِلْكَ اللَّيْلَة أغلقت الْأَبْوَاب كلهَا غير بَاب وَاحِد غلبني فاستعنت عَلَيْهِ عمالي وَمن يحضرني كلهم فعالجته فَلم نستطع أَن نحركه كَأَنَّمَا نزاول بِهِ جبلا فدعوت الناجرة فنظروا إِلَيْهِ فَقَالُوا هَذَا بَاب سقط عَلَيْهِ [] التجاق والبنيان فَلَا نستطيع أَن نحركه حَتَّى نصبح فَنَنْظُر من ايْنَ أَتَى فَرَجَعت وَتركته مَفْتُوحًا فَلَمَّا أَصبَحت غَدَوْت فَإِذا الْحجر الَّذِي من زَاوِيَة الْبَاب مثقوب وَإِذا فِيهِ أثر مربط الدَّابَّة فَقلت لِأَصْحَابِي مَا حبس هَذَا الْبَاب اللَّيْلَة إِلَّا على نَبِي فقد صلى اللَّيْلَة فِي مَسْجِدنَا
فَقَالَ قَيْصر: يَا معشر الرّوم أَلَيْسَ تعلمُونَ أَن(5/225)
بَين عِيسَى وَبَين السَّاعَة نَبِي بشركم بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَهَذَا هُوَ النَّبِي الَّذِي بشر بِهِ عِيسَى فأجيبوه إِلَى مَا دعل إِلَيْهِ
فَلَمَّا رأى نفورهم قَالَ: يَا معشر الرّوم دعَاكُمْ ملككم يختبركم كَيفَ صلابتكم فِي دينكُمْ فشتمتموه وسببتموه وَهُوَ بَين أظْهركُم فَخَروا لَهُ سجدا
وَأخرج الوَاسِطِيّ فِي فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ وقف الْبراق فِي الْموقف الَّذِي كَانَ يقف فِيهِ الْأَنْبِيَاء ثمَّ دخل من بَاب النَّبِي وَجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَمَامه فأضاء لَهُ ضوء كَمَا تضيء الشَّمْس ثمَّ تقدم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَمَامه حَتَّى كَانَ من شَامي الصَّخْرَة فَأذن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَنزلت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام من السَّمَاء وَحشر الله لَهُم الْمُرْسلين عَلَيْهِم السَّلَام فَأَقَامَ الصَّلَاة ثمَّ تقدم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَلَائِكَةِ وَالْمُرْسلِينَ ثمَّ تقدم قُدَّام ذَلِك إِلَى مَوضِع فَوضع لَهُ مرقاة من ذهب ومرقاة من فضَّة وَهُوَ الْمِعْرَاج حَتَّى عرج جِبْرِيل وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى السَّمَاء
وَأخرج الوَاسِطِيّ من طَرِيق أبي حُذَيْفَة مُؤذن بَيت الْمُقَدّس عَن جدته أَنَّهَا رَأَتْ صَفِيَّة زوج النَّبِي رَضِي الله عَنْهَا وكعبا رَضِي الله عَنهُ يَقُول: لَهَا يَا أم الْمُؤمنِينَ صلي هَهُنَا فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بالنبيين عَلَيْهِم السَّلَام حِين أسرِي بِهِ هَهُنَا وَأَوْمَأَ أَبُو حُذَيْفَة بِيَدِهِ على الْقبْلَة القصوى فِي دبر الصَّخْرَة
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن الْوَلِيد بن مُسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي بعض أشياخنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما ظهر على بَيت الْمُقَدّس لَيْلَة أسرِي بِهِ فَإِذا عَن يَمِين الْمَسْجِد وَعَن يسَاره نوران ساطعان فَقلت يَا جِبْرِيل مَا هَذَانِ النوران قَالَ: أما هَذَا الَّذِي عَن يَمِينك فَإِنَّهُ محراب أَخِيك دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَام - وَأما هَذَا الَّذِي عَن يسارك فعلى قبر أختك مَرْيَم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَينا أَنا نَائِم فِي الْحجر جَاءَنِي جِبْرِيل فهمزني بِرجلِهِ فَجَلَست فَلم أر شَيْئا فعدت لمضجعي فَجَاءَنِي الثَّانِيَة فهمزني بقدمه فَجَلَست فَلم أر شَيْئا فعدت لمضجعي فَجَاءَنِي فهمزني بقدمه فَجَلَست فَأخذ بعضدي فَقُمْت مَعَه فَخرج إِلَى بَاب الْمَسْجِد فَإِذا دَابَّة أَبيض بَين الْحمار والبغل لَهُ فِي فَخذيهِ جناحتن يحفز بهما رجلَيْهِ يضع يَده فِي مُنْتَهى طرفه فَحَمَلَنِي ثمَّ(5/226)
خرج لَا يفوتني وَلَا أفوته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَأبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَعَن مرّة الْهَمدَانِي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} الْآيَة
قَالَ: أَتَى جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَحَمله على الْبراق فَسَار بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس فَمر بِأبي سُفْيَان فِي بعض الطَّرِيق وَهُوَ يحتلب نَاقَة فنفرت من حس الْبراق فأهرقت اللَّبن فسب أَبُو سُفْيَان من نفرها ونَدَّ جمل لَهُم أَوْرَق فَذهب إِلَى بعض الْمِيَاه فطلبوه فَأَخَذُوهُ وَمر بواد فَنفخ عَلَيْهِ من ريح الْمسك فَسَأَلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا هَذَا الرّيح فَقَالَ: هَؤُلَاءِ أهل بَيت من الْمُسلمين حرقوا بالنَّار فِي الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن حِوَالَة الْأَزْدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي عمودا أَبيض كَأَنَّهُ لؤلؤة تحمله الْمَلَائِكَة قلت: مَا تحملون قَالُوا: عَمُود الْإِسْلَام أمرنَا أَن نضعه بِالشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ} قَالَ: أسرِي بِهِ من شعب أبي طَالب
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: مَا فقدت جَسَد رَسُول الله وَلَكِن الله أسرى بِرُوحِهِ
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان: أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن مسرى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَت رُؤْيا من الله صَادِقَة
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي جِبْرِيل بِالْبُرَاقِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: قد رَأَيْتهَا يَا رَسُول الله قَالَ: صفها لي قَالَ: بَدَنَة
قَالَ: صدقت قد رَأَيْتهَا يَا أَبَا بكر
وَأخرج الْخَطِيب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما أسرِي بِي إِلَى السَّمَاء قربني الله تَعَالَى حَتَّى كَانَ بيني وَبَينه كقاب قوسين أَو أدنى لَا بل أدنى وَعَلمنِي المسميات قَالَ: يَا مُحَمَّد قلت: لبيْك يَا رب قَالَ: هَل غمك أَن جعلتك آخر النَّبِيين قلت: يَا رب لَا
قَالَ: فَهَل غم أمتك أَن جعلتهم آخر الْأُمَم قلت: يَا رب لَا قَالَ: أبلغ أمتك مني السَّلَام - وَأخْبرهمْ أَنِّي جعلتهم آخر الْأُمَم لأفضح الْأُمَم عِنْدهم وَلَا أفضحهم عِنْد الْأُمَم(5/227)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أم هَانِئ رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِهِ: إِنِّي أُرِيد أَن أخرج إِلَى قُرَيْش فَأخْبرهُم فَكَذبُوهُ وَصدقه أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ - فَسُمي يَوْمئِذٍ الصّديق
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَخْبرنِي ابْن الْمسيب وَأَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أسرِي بِهِ على الْبراق - وَهِي دَابَّة إِبْرَاهِيم الَّتِي كَانَ يزور عَلَيْهَا الْبَيْت الْحَرَام يَقع حافرها مَوضِع طرفها
قَالَ: فمرت بعير من عيرات قُرَيْش - بواد من تِلْكَ الأودية فنفر بعير عَلَيْهِ غِرَارَتَانِ سَوْدَاء وزرقاء حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيليا فَأتي بقدحين قدح خمر وقدح لبن فَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّبن
قَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: هديت إِلَى الْفطْرَة لَو أخذت قدح الْخمر غوت أمتك
قَالَ ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ: فَأَخْبرنِي ابْن الْمسيب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي هُنَاكَ إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فنعتهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أما مُوسَى فَضرب رجل الرَّأْس كَأَنَّهُ من رجال شنوأة وَأما عِيسَى فَرجل أَحْمَر كَأَنَّمَا خرج من ديماس فَأشبه من رَأَيْت بِهِ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ وَأما إِبْرَاهِيم فَأَنا أشبه وَلَده بِهِ
فَلَمَّا رَجَعَ رَسُول الله حدث قُريْشًا أَنه أسرِي بِهِ فَارْتَد نَاس كثير بَعْدَمَا أَسْلمُوا
قَالَ أَبُو سَلمَة: فَأتى أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ - فَقيل لَهُ: هَل لَك فِي صَاحبك يزْعم أَنه أسرِي بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس ثمَّ رَجَعَ فِي لَيْلَة وَاحِدَة
قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أَو قَالَ ذَلِك قَالُوا: نعم
قَالَ: فَأشْهد إِن كَانَ قَالَ ذَلِك لقد صدق
قَالُوا: أفتشهد أَنه جَاءَ الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة قَالَ: إِنِّي أصدقه بأبعد من ذَلِك أصدقه بِخَبَر السَّمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن جريج قَالَ نَافِع بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ وَغَيره: لما أصبح النَّبِي من اللَّيْلَة الَّتِي أسرِي بِهِ فِيهَا لم يرعه إِلَّا جِبْرِيل عَلَيْهِ الشَّمْس يتدلى حِين زاغت الشَّمْس وَلذَلِك سميت الأولى فَأمر بِلَالًا يَصِيح فِي النَّاس الصَّلَاة جَامِعَة فَاجْتمعُوا فصلى جِبْرِيل بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - للنَّاس طوّل الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين ثمَّ قصروا فِي الْبَاقِيَتَيْنِ ثمَّ سلم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّاس ثمَّ فِي الْعَصْر عمل مثل ذَلِك فَفَعَلُوا كَمَا فعلوا فِي الظّهْر ثمَّ نزل فِي أول اللَّيْل فصيح الصلاةُ جَامِعَة فصلى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - للنَّاس طوّل فِي(5/228)
الأولتين وَقصر فِي الثَّالِثَة ثمَّ سلم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّاس ثمَّ لما ذهب ثلث اللَّيْل نزل فصيح الصَّلَاة جَامِعَة فَاجْتمعُوا فصلى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس فَقَرَأَ فِي الأولتين فطوّل وجَهَرَ وَقصر فِي الْبَاقِيَتَيْنِ ثمَّ سلم جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النَّاس ثمَّ لما طلع الْفجْر صِيحَ الصَّلَاة جَامِعَة فصلى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس فَقَرَأَ فيهمَا وجهر وَطول وَرفع صَوته ثمَّ سلم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَسلم النَّبِي على النَّاس
وَأخرج أَبُو بكر الوَاسِطِيّ فِي كتاب فَضَائِل بَيت الْمُقَدّس عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت الأَرْض مَاء فَبعث الله تَعَالَى ريحًا فمسحت المَاء مسحا فظهرت الأَرْض زبدة فَقَسمهَا أَربع قطع: خلق من قِطْعَة مَكَّة وَالثَّانيَِة مَكَّة وَالثَّالِثَة بَيت الْمُقَدّس وَالرَّابِعَة الْكُوفَة
وَقَالَ الوَاسِطِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَرَادَ أَن يعلم عدد بني إِسْرَائِيل كم هم فَبعث نقباء وعرفاء وَأمرهمْ أَن يرفعوا إِلَيْهِ مَا بلغ عَددهمْ فعتب الله عَلَيْهِ لذَلِك وَقَالَ: قد علمت أَنِّي وعدت إِبْرَاهِيم أَن أبارك فِيهِ وَفِي ذُريَّته حَتَّى أجعلهم كعدد الذَّر وأجعلهم لَا يُحْصى عَددهمْ وَأَرَدْت أَن تعلم عَددهمْ إِنَّه لَا يُحْصى عَددهمْ فَاخْتَارُوا إثنين أَن أبتليكم بِالْجُوعِ ثَلَاث سِنِين أَو أسلط عَلَيْكُم الْعَدو ثَلَاثَة أشهر أَو الْمَوْت ثَلَاثَة أَيَّام فَأَشَارَ بذلك دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام على بني إِسْرَائِيل فَقَالُوا مَا لنا بِالْجُوعِ ثَلَاث سِنِين صَبر وَلَا بالعدوّ ثَلَاثَة أشهر صَبر فَلَيْسَ لَهُم تقية فَإِن كَانَ لَا بُد فالموت بِيَدِهِ لَا بِيَدِهِ غَيره
فَمَاتَ مِنْهُم فِي سَاعَة أُلُوف كَثِيرَة مَا يدْرِي عَددهمْ فَلَمَّا رأى ذَلِك دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام شقّ عَلَيْهِ مَا بلغه من كَثْرَة الْمَوْت فَسَأَلَ الله ودعا فَقَالَ: يَا رب أَنا آكل الحامض وَبَنُو إِسْرَائِيل تدرس أَنا طلبت ذَلِك وَأمرت بِهِ بني إِسْرَائِيل فَمَا كَانَ من شَيْء فَبِي وارفع عَن بني إِسْرَائِيل
فَاسْتَجَاب لَهُ وَرفع عَنْهُم الْمَوْت فَرَأى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام سالين سيوفهم يغمدونها يرفعون فِي سلم من ذهب من الصَّخْرَة فَقَالَ دَاوُد: هَذَا مَكَان يَنْبَغِي أَن يبْنى فِيهِ لله مَسْجِد أَو تكرمة وَأَرَادَ أَن يَأْخُذ فِي بُنْيَانه فَأوحى الله إِلَيْهِ: هَذَا بَيت الْمُقَدّس وَإنَّك بسطت يدك(5/229)
فِي الدِّمَاء فلست ببانيه وَلَكِن ابْن لَك اسْمه سُلَيْمَان أسلمه من الدِّمَاء
فَلَمَّا ملك سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بناه وشرفه فَلَمَّا أَرَادَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَن يبنيه قَالَ للشياطين: إِن الله عز وَجل أَمرنِي أَن أبني بَيْتا لَهُ لَا يقطع فِيهِ حجر بحديدة
فَقَالَت الشَّيَاطِين: لَا يقدر على هَذَا إِلَّا شَيْطَان فِي الْبَحْر لَهُ مشربَة يردهَا فَانْطَلقُوا إِلَى مشْربَته فأخرجوا ماءها وَجعلُوا مَكَانَهُ خمرًا فجَاء يشرب فَوجدَ ريحًا فَقَالَ شَيْئا وَلم يشرب فَلَمَّا اشْتَدَّ ظمؤه جَاءَ فَشرب فَأخذ فَبَيْنَمَا هم فِي الطَّرِيق إِذا هم بِرَجُل يَبِيع الثوم بالبصل فَضَحِك ثمَّ مر بِامْرَأَة تكهن لقوم فَضَحِك فَلَمَّا انْتهى إِلَى سُلَيْمَان أخبر بضحكه فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَرَرْت بِرَجُل يَبِيع الدَّوَاء بالداء ومررت بِامْرَأَة تكهن وتحتها كنز لَا تعلم بِهِ
فَذكر لَهُ شَأْن الْبناء فَأمر أَن يُؤْتى بِقدر من نُحَاس لَا تقلها الْبَقر
فجعلوها على فروخ النسْر فَفَعَلُوا ذَلِك فَأقبل إِلَيْهِ فَلم يصل إِلَى فروخه فعلا فِي جوّ السَّمَاء ثمَّ تدلى فَأقبل بِعُود فِي منقاره فَوَضعه على الْقدر فانفلقت فعمدوا إِلَى ذَلِك الْعود فَأَخَذُوهُ فَعَلمُوا [فعملوا] بِهِ الْحِجَارَة
وَأخرج ابْن سعد عَن سَالم أبي النَّضر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كثر الْمُسلمُونَ فِي عهد عمر رَضِي الله عَنهُ ضَاقَ بهم الْمَسْجِد فَاشْترى عمر رَضِي الله عَنهُ مَا حول الْمَسْجِد من الدّور إِلَّا دَار الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَحجر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ للْعَبَّاس: يَا أَبَا الْفضل إِن مَسْجِد الْمُسلمين فِي مَسْجِدهمْ قد ضَاقَ بهم وَقد ابتعت مَا حوله من الْمنَازل نوسع بِهِ على الْمُسلمين فِي مَسْجِدهمْ إِلَّا دَارك وَحجر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ
قَالَ عمر: فَأَما حجر أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ فَلَا سَبِيل إِلَيْهَا وَأما دَارك فبعينها بِمَا شِئْت من بَيت مَال الْمُسلمين أوسع بهَا فِي مَسْجِدهمْ
فَقَالَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: مَا كنت لأَفْعَل
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: اختر مني أحدى ثَلَاث: إِمَّا أَن تبيعنيها بِمَا شِئْت من بَيت مَال الْمُسلمين وَإِمَّا أَن أحطك حَيْثُ شِئْت من الْمَدِينَة وأبنيها لَك من بَيت مَال الْمُسلمين وَإِمَّا أَن تصدق بهَا على الْمُسلمين فيوسع بهَا فِي مَسْجِدهمْ
فَقَالَ: لَا وَلَا وَاحِدَة مِنْهَا
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: اجْعَل بيني وَبَيْنك من شِئْت
فَقَالَ أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَانْطَلقَا إِلَى أبي فقصا عَلَيْهِ الْقِصَّة
فَقَالَ أبي رَضِي الله عَنهُ: إِن شئتما حدثتكما بِحَدِيث سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَا: حَدثنَا
فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله أوحى إِلَى دَاوُد ابْن لي بَيْتا أُذْكَرُ فِيهِ فَخط لَهُ هَذِه(5/230)
الخطة - خطة بَيت الْمُقَدّس - فَإِذا بربعها زَاوِيَة بَيت من بني إِسْرَائِيل فَسَأَلَ دَاوُد أَن يَبِيعهُ إِيَّاه فَأبى فَحدث دَاوُد نَفسه أَن يَأْخُذهُ مِنْهُ فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن يَا دَاوُد أَمرتك أَن تبني لي بَيْتا أذكر فِيهِ فَأَرَدْت أَن تدخل فِي بَيْتِي الْغَصْب وَلَيْسَ من شأني الْغَصْب وَإِن عُقُوبَتك أَن لَا تبنيه قَالَ: يَا رب فَمن وَلَدي قَالَ: من ولدك
قَالَ: فَأخذ عمر رَضِي الله عَنهُ بِمَجَامِع ثِيَاب أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ: جئْتُك بِشَيْء فَجئْت بِمَا هُوَ أَشد مِنْهُ لتخرجنّ مِمَّا قلت فجَاء يَقُودهُ حَتَّى أدخلهُ الْمَسْجِد فأوقفه على حَلقَة من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - فيهم أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ أبي رَضِي الله عَنهُ: إِنِّي نشدت الله رجلا سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر حَدِيث بَيت الْمُقَدّس حَيْثُ أَمر الله تَعَالَى دَاوُد أَن يبنيه إِلَّا ذكره
فَقَالَ أَبُو ذَر: أَنا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ آخر: أَنا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأرْسل أَبَيَا
فَأقبل أبي على عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا عمر أتتهمني على حَدِيث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: يَا أَبَا الْمُنْذر لَا وَالله مَا اتهمتك عَلَيْهِ وَلَكِنِّي كرهت أَن يكون الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظَاهرا
قَالَ: وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ للْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: اذْهَبْ فَلَا أعرض لَك فِي ذَلِك
فَقَالَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: أما إِذْ فعلت هَذَا فَإِنِّي تَصَدَّقت بهَا على الْمُسلمين أوسع بهَا عَلَيْهِم فِي مَسْجِدهمْ فَأَما وَأَنت تخاصمني فَلَا
فَخط لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ دَاره الَّتِي هِيَ لَهُ الْيَوْم وبناها من بَيت مَال الْمُسلمين
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت للْعَبَّاس دَار بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: هبها لي أَو بِعَينهَا حَتَّى أدخلها فِي الْمَسْجِد فَأبى
قَالَ: اجْعَل بيني وَبَيْنك رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلَا أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ بَينهمَا فَقضى أبي على عمر
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: مَا من أَصْحَاب رَسُول الله أحد أجرأ عَليّ من أبي
قَالَ: إِذْ أنصح لَك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أما علمت قصَّة الْمَرْأَة أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لما بنى بَيت الْمُقَدّس ادخل فِيهِ بَيت امْرَأَة بِغَيْر إِذْنهَا فَلَمَّا بلغ حجر لرجال منع بناءه فَقَالَ: أَي رب إِذْ منعتني فَفِي عَقبي من بعدِي
فَلَمَّا كَانَ بعد قَالَ لَهُ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: أَلَيْسَ قد قضيت لي قَالَ: بلَى
قَالَ: فَهِيَ لَك قد جَعلتهَا لله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ:(5/231)
أَرَادَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَن يَأْخُذ دَار الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب ليزِيد بهَا فِي الْمَسْجِد فَأبى الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن يُعْطِيهَا إِيَّاه
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ لآخذنها
قَالَ: فَاجْعَلْ بيني وَبَيْنك أبي بن كَعْب
قَالَ: نعم فَأتيَا أَبَيَا فذكرا لَهُ فَقَالَ أبي رَضِي الله عَنهُ: أوحى الله إِلَى سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَن يَبْنِي بَيت الْمُقَدّس وَكَانَت أَرض لرجل فَاشْترى مِنْهُ الأَرْض فَلَمَّا أعطَاهُ الثّمن قَالَ: الَّذِي أَعْطَيْتنِي خير أم الَّذِي أخذت مني قَالَ: بل الَّذِي أخذت مِنْك
قَالَ: فَإِنِّي لَا أُجِيز ثمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِشَيْء أَكثر من ذَلِك فَصنعَ الرجل مثل ذَلِك مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَاشْترط عَلَيْهِ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: أَنِّي أبتاعها مِنْك على حكمك وَلَا تَسْأَلنِي أَيهمَا خير
قَالَ: نعم
فاشتراها مِنْهُ بحكمة فاحتكم إثني عشر ألف قِنْطَار ذَهَبا فتعاظم ذَلِك سُلَيْمَان أَن يُعْطِيهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ إِن كنت تعطيه من شَيْء هُوَ لَك فَأَنت أعلم وَإِن كنت تعطيه من رزقنا فأعطه حَتَّى يرضى
قَالَ: فَفعل
قَالَ: وَإِنِّي أرى أَن عباسا رَضِي الله عَنهُ أَحَق بداره حَتَّى يرضى
قَالَ الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: فَإذْ قضيت فَإِنِّي أجعلها صَدَقَة على الْمُسلمين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ للْعَبَّاس بن عبد الْمطلب دَار إِلَى جنب مَسْجِد الْمَدِينَة فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ بِعَينهَا
وَأَرَادَ عمر أَن يدخلهَا فِي الْمَسْجِد فَأبى الْعَبَّاس أَن يَبِيعهَا إِيَّاه
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: فهبها لي فَأبى
فَقَالَ عمر: فوسعها أَنْت فِي الْمَسْجِد
فَأبى فَقَالَ عمر: لَا بُد لَك من إِحْدَاهُنَّ فَأبى عَلَيْهِ
قَالَ: فَخذ بيني وَبَيْنك رجلا
فأخذا أبي بن كَعْب فاختصما إِلَيْهِ فَقَالَ أبي لعمر: مَا أرى أَن تخرجه من دَاره حَتَّى ترضيه: فَقَالَ لَهُ عمر: أَرَأَيْت قضاءك هَذَا فِي كتاب الله أم سنة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبي: بل سنة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ عمر: وَمَا ذَاك قَالَ: إِنِّي سَمِعت رَسُول الله يَقُول: إِن سُلَيْمَان بن دَاوُد لما بنى بَيت الْمُقَدّس جعل كلما بنى حَائِطا أصبح منهدماً فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن لَا تبن فِي حق رجل حَتَّى ترضيه فَتَركه عمر رَضِي الله عَنهُ فوسعها الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ بعد ذَلِك فِي الْمَسْجِد
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَمر الله تَعَالَى دَاوُد أَن يَبْنِي بَيت الْمُقَدّس قَالَ: يَا رب وَأَيْنَ أبنيه قَالَ: حَيْثُ ترى الْملك شاهراً(5/232)
سَيْفه قَالَ: فَرَآهُ فِي ذَلِك الْمَكَان
فَأخذ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَأَسَّسَ قَوَاعِده وَرفع حَائِطه فَلَمَّا ارْتَفع انْهَدم
فَقَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب أَمرتنِي أَن أبني لَك بَيْتا فَلَمَّا ارْتَفع هدمته فَقَالَ: يَا دَاوُد إِنَّمَا جعلت خليفتني فِي خلقي لم أَخَذته من صَاحبه بِغَيْر ثمن إِنَّه يبنيه رجل من ولدك فَلَمَّا كَانَ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام ساوم صَاحب الأَرْض بهَا
فَقَالَ لَهُ: هِيَ بقنطار فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: قد استوجبتها فَقَالَ لَهُ صَاحب الأَرْض: هِيَ خير أم ذَاك قَالَ: لَا بل هِيَ خير قَالَ: فَإِنَّهُ قد بدا لي
قَالَ: أَو لَيْسَ قد أوجبتها
قَالَ: لَا وَلَكِن البيعان بِالْخِيَارِ مَا لم يَتَفَرَّقَا
قَالَ ابْن الْمُبَارك رَضِي الله عَنهُ: هَذَا أصل الْخِيَار
فَلم يزل يزايده وَيَقُول مثل قَوْله الأول حَتَّى استوجبتها مِنْهُ بِتِسْعَة قناطير فبناه سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى فرغ مِنْهُ وتغلقت أَبْوَابهَا فعالجها سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أَن يفتحها فَلم تنفتح حَتَّى قَالَ فِي دُعَائِهِ: بصلوات أبي دَاوُد إِلَّا تفتحت الْأَبْوَاب فتفتحت الْأَبْوَاب
قَالَ: ففرغ لَهُ سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام: عشرَة آلَاف من قراء بني إِسْرَائِيل خَمْسَة آلَاف بِاللَّيْلِ وَخَمْسَة آلَاف بِالنَّهَارِ وَلَا تَأتي سَاعَة من ليل وَلَا نَهَار إِلَّا الله عز وَجل يعبد فِيهِ
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن الشَّيْبَانِيّ قَالَ: أوحى الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: إِنَّك لم تتمّ بِنَاء بَيت الْمُقَدّس
قَالَ أَي رب وَلم قَالَ: لِأَنَّك غمرت يدك فِي الدَّم
قَالَ: أَي رب وَلم يكن ذَلِك فِي طَاعَتك قَالَ: بلَى وَإِن كَانَ
وَأخرج ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والواسطي عَن رَافع بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ الله لداود عَلَيْهِ السَّلَام: ابْن لي بَيْتا فِي الأَرْض فَبنى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام بَيْتا لنَفسِهِ قبل الْبَيْت الَّذِي أَمر بِهِ
فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا دَاوُد قضيت بَيْتك قبل بَيْتِي قَالَ: يَا رب هَكَذَا قلت: من ملك اسْتَأْثر ثمَّ أَخذ فِي بِنَاء الْمَسْجِد فَلَمَّا تمّ السُّور سقط ثلث فَشَكا ذَلِك إِلَى الله
فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنَّك لَا تصلح أَن تبني لي بَيْتا قَالَ: وَلم يَا رب قَالَ: لما جرى على يَديك من الدِّمَاء قَالَ: يَا رب أَو لم يكن ذَلِك فِي هَوَاك ومحبتك قَالَ: بلَى وَلَكنهُمْ عبَادي وَأَنا أرحمهم فشق ذَلِك عَلَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ لَا تحزن فَإِنِّي سأقضي بناءه على يَدي ابْنك سُلَيْمَان فَلَمَّا مَاتَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَخذ سُلَيْمَان فِي بنائِهِ فَلَمَّا تمّ قرب القرابين وَذبح الذَّبَائِح وَجمع بني إِسْرَائِيل(5/233)
فَأوحى الله تَعَالَى إِلَيْهِ: قد أرى سرورك ببنيان بَيْتِي فاسأني أعطك قَالَ: أَسأَلك ثَلَاث خِصَال: حكما يُصَادف حكمك وملكاً لَا يَنْبَغِي لأحد من بعدِي وَمن أَتَى هَذَا الْبَيْت لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة فِيهِ خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: - أما الاثنتان فقد أعطيهما وَأَنا أَرْجُو أَن يكون قد أعطي الثَّالِثَة
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن كَعْب قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: ابْن لي بَيت الْمُقَدّس: فعارضه بِبِنَاء لَهُ
فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا دَاوُد أَمرتك أَن تبني بَيْتا لي فعارضته بِبِنَاء لَك لَيْسَ لَك أَن تبنيه قَالَ: يَا رب فَفِي عَقبي
قَالَ: فِي عقبك
فَلَمَّا ولي سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام أوحى الله إِلَيْهِ أَن ابْن بَيت الْمُقَدّس فبناه فَلَمَّا خر سَاجِدا شاكرا لَهُ تَعَالَى
قَالَ: يَا رب من دخله من خَائِف فَأَمنهُ أَو من دَاع فاستجب لَهُ أَو مُسْتَغْفِر فَاغْفِر لَهُ فَأوحى الله إِلَيْهِ إِنِّي قد خصصت لآل دَاوُد الدُّعَاء قَالَ: فذبح أَرْبَعَة آلَاف بقرة وَسَبْعَة آلَاف شَاة وصنع طَعَاما ودعا بني إِسْرَائِيل
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام لما بنى بَيت الْمُقَدّس سَأَلَ ربه ثَلَاثًا فَأعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَأَنا أَرْجُو أَن يكون أعطَاهُ الثَّالِثَة
سَأَلَهُ حكما يُصَادف حكمه فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَسَأَلَهُ ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده فَأعْطَاهُ إِيَّاه وَسَأَلَهُ أَيّمَا رجل خرج من بَيته لَا يُرِيد إِلَّا الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَسْجِد يَعْنِي بَيت الْمُقَدّس خرج من خطيئته كَيَوْم وَلدته أمه قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَنحن نرجو أَن يكون الله أعطَاهُ ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والواسطي عَن عبد الله بن عمر قَالَ: إِن الْحرم لَحَرَم فِي السَّمَوَات السَّبع بمقداره من الأَرْض
وَإِن بَيت الْمُقَدّس لمقدس فِي السَّمَوَات السَّبع بمقداره من الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن أبي سعيد(5/234)
الْخُدْرِيّ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد: الْمَسْجِد الْحَرَام ومسجدي هَذَا وَالْمَسْجِد الْأَقْصَى
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما فرغ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام من بِنَاء بَيت الْمُقَدّس أنبت الله لَهُ شجرتين عِنْد بَاب الرَّحْمَة: إِحْدَاهمَا تنْبت الذَّهَب وَالْأُخْرَى تنْبت الْفضة
فَكَانَ فِي كل يَوْم ينتزع من كل وَاحِدَة مِائَتي رَطْل من ذهب وَفِضة ففرش الْمَسْجِد بلاطة ذَهَبا وبلاطة فضَّة فَلَمَّا جَاءَ بخْتنصر خربه وَاحْتمل مِنْهُ ثَمَانِينَ عجلة ذَهَبا وَفِضة فطرحه برومية
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن يحيى بن عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ: لما بنى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس نهى أَن يدْخل الرخام بَيت الْمُقَدّس لِأَنَّهُ الْحجر الملعون فَخر على الْحِجَارَة فلعن
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تَذَاكرنَا وَنحن عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيهمَا أفضل مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَلَاة فِي مَسْجِدي هَذَا أفضل من أَربع صلوَات فِيهِ ولنعم الْمصلى وليوشكن أَن يكون للرجل مثل بسط فرشه من الأَرْض حَيْثُ يرى مِنْهُ بَيت الْمُقَدّس خير لَهُ من الدُّنْيَا جَمِيعًا أَو قَالَ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله عزَّ وجلَّ ينظر إِلَى بَيت الْمُقَدّس كل يَوْم مرَّتَيْنِ
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ وَهُوَ بِبَيْت الْمُقَدّس: يَا نَافِع أخرج بِنَا من هَذَا الْبَيْت فَإِن السَّيِّئَات تضَاعف فِيهِ كَمَا تضَاعف الْحَسَنَات
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ: أَن مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهَا سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن بَيت الْمُقَدّس قَالَ: نعم الْمسكن بَيت الْمُقَدّس وَمن صلى فِيهِ صَلَاة بِأَلف صَلَاة فِيمَا سواهُ قَالَت: فَمن لم يطق ذَلِك قَالَ فليهد إِلَيْهِ زيتاً
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من صلى فِي بَيت الْمُقَدّس ظهرا وعصراً ومغرباً وعشاءً وصبحاً ثمَّ صلى الْغَدَاة خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه(5/235)
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: شكا بَيت الْمُقَدّس إِلَى الله عز وَجل الخراب فَقيل: هَل يتَكَلَّم الْمَسْجِد فَقَالَ: إِنَّه مَا من مَسْجِد إِلَّا وَله عينان يبصر بهما ولسان يتَكَلَّم بِهِ وَإنَّهُ ليلتوي من البزاق والنجاسة كَمَا تلتوي الدَّابَّة من ضَرْبَة السَّوْط
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن كَعْب فِي بَيت الْمُقَدّس: الْيَوْم فِيهِ كألف يَوْم والشهر فِيهِ كألف شهر وَالسّنة فِيهِ كألف سنة وَمن مَاتَ فِيهِ فَكَأَنَّمَا مَاتَ فِي السَّمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج الوَاسِطِيّ عَن الشَّيْبَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ يعد من الْخُلَفَاء إِلَّا من ملك المسجدين الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الَّذِي باركنا حوله} قَالَ: أنبتنا حوله الشّجر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وآتينا مُوسَى الْكتاب وجعلناه هدى لبني إِسْرَائِيل} قَالَ جعله الله لَهُم هدى يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وَجعله رَحْمَة لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَلا تَتَّخِذُوا من دوني وَكيلا} قَالَ: شَرِيكا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح} قَالَ: هُوَ على النداء يَا ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن زيد الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذُرِّيَّة من حملنَا مَعَ نوح مَا كَانَ مَعَ نوح إِلَّا أَرْبَعَة أَوْلَاد: حام وسام وَيَافث وكوش فَذَاك أَرْبَعَة أَوْلَاد انتسلوا هَذَا الْخلق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي فَاطِمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام لَا يحمل شَيْئا صَغِيرا وَلَا كَبِيرا إِلَّا قَالَ: بِسم الله وَالْحَمْد لله فَسَماهُ الله عبدا شكُورًا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ نوح عَلَيْهِ(5/236)
السَّلَام إِذا لبس ثوبا أَو طعم طَعَاما قَالَ: الْحَمد لله فَسُمي عبدا شكُورًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن سعيد بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ الصَّحَابِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سمي نوح عَلَيْهِ السَّلَام عبدا شكُورًا لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أكل أَو شرب أَو لبس ثوبا حمد الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن نوحًا لم يقم عَن خلاء قطّ إِلَّا قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أذاقني لذته وَأبقى فيّ منفعَته وَأخرج عني أَذَاهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن العوّام قَالَ: حدثت أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَقُول: الْحَمد لله الَّذِي أذاقني لذته وَأبقى فِي منفعَته وأذهب عني أَذَاهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أصبغ بن زيد: إِن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا خرج من الكنيف قَالَ ذَلِك فَسُمي {عبدا شكُورًا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ: إِن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا خرج من الْغَائِط قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي أذهب عني الْأَذَى وعافاني
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: شكره أَن يُسَمِّي إِذا أكل ويحمد الله إِذا فرغ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّه كَانَ عبدا شكُورًا} قَالَ: لم يَأْكُل شَيْئا قطّ إِلَّا أَحْمد الله وَلم يشرب شرابًا قطّ إِلَّا حمد الله عَلَيْهِ فَأثْنى عَلَيْهِ {إِنَّه كَانَ عبدا شكُورًا}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي اله عَنهُ قَالَ: كَانَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أكل قَالَ: الْحَمد لله وَإِذا شرب قَالَ: الْحَمد لله وَإِذا لبس قَالَ: الْحَمد لله وَإِذا ركب قَالَ: الْحَمد لله فَسَماهُ الله {عبدا شكُورًا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن أنس الْجُهَنِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّمَا سمى الله نوحًا {عبدا شكُورًا} لِأَنَّهُ كَانَ إِذا أَمْسَى وَأصْبح قَالَ:(5/237)
سُبْحَانَ الله حِين تمسون وَحين تُصبحُونَ وَله الْحَمد فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض وعشياً وَحين تظْهرُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: حق الطَّعَام أَن يَقُول العَبْد: بِسم الله اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيمَا رزقتنا وشكره أَن يَقُول: الْحَمد لله الَّذِي أطعمنَا وَسَقَانَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن تَمِيم بن سَلمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حدثت أَن الرجل إِذا ذكر اسْم الله على طَعَامه وَحمد الله على آخِره لم يسْأَل عَن نعيم لَذَّة الطَّعَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء عَن حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب أَنه لبس ثوبا جَدِيدا فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي كساني مَا أواري بِهِ عورتي وأتجمل بِهِ فِي حَياتِي
ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من لبس ثوبا جَدِيدا فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي كساني مَا أواري بِهِ عورتي وأتجمل بِهِ فِي حَياتِي ثمَّ عمد إِلَى الثَّوْب الَّذِي خلق فَتصدق بِهِ كَانَ فِي كنف الله وَفِي حفظ الله وَفِي ستر الله حَيا وَمَيتًا قَالَهَا ثَلَاثًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا لبس أحدكُم ثوبا جَدِيدا فَلْيقل الْحَمد لله الَّذِي كساني مَا أواري بِهِ عورتي وأتجمل بِهِ فِي النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عون بن عبد الله قَالَ: لبس رجلا ثوبا جَدِيدا فَحَمدَ الله فَأدْخل الْجنَّة أَو غفر لَهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل} قَالَ: أعلمناهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل} قَالَ: أخبرناهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل} قَالَ: قضينا عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ} قَالَ: هَذَا تَفْسِير الَّذِي قبله(5/238)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن طَاوس قَالَ: كنت عِنْد ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ومعنا رجل من الْقَدَرِيَّة فَقلت إِن أُنَاسًا يَقُولُونَ لَا قدر
قَالَ: أوفي الْقَوْم أحد مِنْهُم قلت: لَو كَانَ مَا كنت تصنع بِهِ قَالَ: لَو كَانَ فيهم أحد مِنْهُم لأخذت بِرَأْسِهِ
ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ ولتعلن علوا كَبِيرا}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله عهد إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي التَّوْرَاة {لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ}
فَكَانَ أوّل الْفساد: قتل زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام فَبعث الله عَلَيْهِم ملك النبط فَبعث الْجنُود وَكَانَت أساورته ألف فَارس فهم أولو بَأْس فتحصنت بَنو إِسْرَائِيل وَخرج فيهم بخْتنصر يَتِيما مِسْكينا إِنَّمَا خرج يستطعم وتلطف حَتَّى دخل الْمَدِينَة فَأتى مجَالِسهمْ وهم يَقُولُونَ: لَو يعلم عدوّنا مَا قذف فِي قُلُوبنَا من الرعب بذنوبنا مَا أَرَادوا قتالنا فَخرج بخْتنصر حِين سمع ذَلِك مِنْهُم وَأَشد الْقيام على الْجَيْش فَرَجَعُوا وَذَلِكَ قَول الله: {فَإِذا جَاءَ وعد أولاهما بعثنَا عَلَيْكُم عباداً لنا أولي بَأْس شَدِيد} الْآيَة
ثمَّ أَن بني إِسْرَائِيل تجهزوا فغزوا النبط فَأَصَابُوا مِنْهُم فاستنقذوا مَا فِي أَيْديهم فَذَلِك قَوْله: {ثمَّ رددنا لكم الكرة عَلَيْهِم} الْآيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ} قَالَ: الأولى قتل زَكَرِيَّا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْأُخْرَى قتل يحيى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ} قَالَ: أفسدوا فِي الْمرة الأولى فَبعث الله عَلَيْهِم جالوت فَقَتلهُمْ وأفسدوا الْمرة الثَّانِيَة فَقتلُوا يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَام فَبعث الله عَلَيْهِم بخْتنصر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بعث الله عَلَيْهِم فِي الأولى جالوت فجاس خلال دِيَارهمْ وَضرب عَلَيْهِم الْخراج والذل فسألوا الله أَن يبْعَث إِلَيْهِم ملكا يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله فَبعث الله طالوت فَقتل جالوت فنصر بَنو إِسْرَائِيل وَقتل جالوت بيَدي دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام وَرجع إِلَى بني(5/239)
إِسْرَائِيل ملكهم فَلَمَّا أفسدوا: بعث الله عَلَيْهِم فِي الْمرة الْآخِرَة بخْتنصر فخرب الْمَسَاجِد وتبر {مَا علوا تتبيراً} قَالَ الله: بعد الأولى وَالْآخِرَة (عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ وَإِن عدتم عدنا) قَالَ: فعادوا فَسلط الله عَلَيْهِم الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي هَاشم الْعَبْدي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: ملك مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب أَرْبَعَة: مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ أما الكافران فالفرخان [و] بخْتنصر
فَأَنْشَأَ أَبُو هَاشم يحدث قَالَ: كَانَ رجل من أهل الشَّام صَالحا فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل فِي الْكتاب} إِلَى قَوْله: {علوا كَبِيرا}
قَالَ: يَا رب أما الأولى فقد فاتتني فأرني الْآخِرَة
فَأتى وَهُوَ قَاعد فِي مُصَلَّاهُ قد خَفق بِرَأْسِهِ فَقيل: الَّذِي سَأَلت عَنهُ بِبَابِل واسْمه بخْتنصر
فَعرف الرجل أَنه قد اسْتُجِيبَ لَهُ فَاحْتمل جراباً من دَنَانِير فَأقبل حَتَّى انْتهى إِلَى بابل فَدخل على الفرخان فَقَالَ: إِنِّي قد جِئْت بِمَال فأقسمه بَين الْمَسَاكِين
فَأمر بِهِ فَأنْزل فجمعوهم لَهُ ثمَّ جعل يعطيهم ويسألهم عَن أسمائهم حَتَّى إِذا فرغ مِمَّن بِحَضْرَتِهِ قيل لَهُ: فَإِنَّهُ قد بقيت مِنْهُم بقايا فِي الرساتيق فَجعل يبْعَث فتاه حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْل رَجَعَ إِلَيْهِ فاقرأه رجلا رجلا فَأتى على ذكر بخْتنصر فَقَالَ: قف
كَيفَ قلت قَالَ: بخْتنصر
قَالَ: وَمَا بخْتنصر هَذَا قَالَ: هُوَ أَشَّدهم فاقة وَهُوَ مقْعد يَأْتِي عَلَيْهِ السفارون فيلقي أحدهم إِلَيْهِ الكسرة وَيَأْخُذ بِأَنْفِهِ
قَالَ: فَإِنِّي مُسلم بِهِ [] لَا بُد
قَالَ الآخر: فَإِنَّمَا هُوَ فِي خيمة لَهُ يحدث فِيهَا حَتَّى أذهب فأقلبها وأغسله
قَالَ: دُونك هَذِه الدَّنَانِير
فَأقبل إِلَيْهِ بِالدَّنَانِيرِ فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا
ثمَّ رَجَعَ إِلَى صَاحبه فجَاء مَعَه فَدخل الْخَيْمَة فَقَالَ: مَا اسْمك قَالَ: بخْتنصر
قَالَ: من سماك بخْتنصر قَالَ: من عَسى أَن يسميني إِلَّا أُمِّي قَالَ: فَهَل لَك أحد قَالَ: لَا وَالله إِنِّي لههنا أَخَاف بِاللَّيْلِ أَن تأكلني الذئاب
قَالَ: فَأَي النَّاس أَشد بلَاء قَالَ: أَنا
قَالَ: أَفَرَأَيْت إِن ملكت يَوْمًا من دهر أَتجْعَلُ لي أَن لَا تعصيني قَالَ أَي سَيِّدي لَا يَضرك أَن لَا تهزأ بِي
قَالَ: أَرَأَيْت إِن ملكت مرّة أَتجْعَلُ لي أَن لَا تعصيني قَالَ: أما هَذِه فَلَا أجعلها لَك وَلَكِن سَوف أكرمك كَرَامَة لَا أكرمها أحدا
قَالَ دُونك هَذِه الدَّنَانِير ثمَّ انْطلق فلحق بأرضه فَقَامَ الآخر فَاسْتَوَى على رجلَيْهِ ثمَّ انْطلق فَاشْترى حمارا وأرساناً ثمَّ جعل يستعرض تِلْكَ الْأَعَاجِم فيجزها فيبيعه ثمَّ قَالَ: إِلَى مَتى هَذَا الشَّقَاء فَعمد فَبَاعَ ذَلِك الْحمار وَتلك الأرسان(5/240)
واكتسى كسْوَة ثمَّ أَتَى بَاب الْملك فَجعل يُشِير عَلَيْهِم بِالرَّأْيِ وترتفع مَنْزِلَته حَتَّى انْتَهوا إِلَى بواب الفرخان الَّذِي يَلِيهِ فَقَالَ لَهُ الفرخان: قد ذكر لي رجل عنْدك فَمَا هُوَ قَالَ: مَا رَأَيْت مثله قطّ قَالَ: ائْتِنِي بِهِ فَكَلمهُ فأعجب بِهِ
قَالَ: إِن بَيت الْمُقَدّس وَتلك الْبِلَاد قد استعصوا علينا وانا باعثون عَلَيْهِم بعثاً وَإِنِّي باعث إِلَى الْبِلَاد من يختبرها فَنظر حِينَئِذٍ إِلَى رجال من أهل الأرب والمكيدة فبعثهم جواسيس فَلَمَّا فصلوا إِذا بخْتنصر قد أَتَى بخرجيه على بغلة قَالَ: أَيْن تُرِيدُ قَالَ: مَعَهم قَالَ: أَفلا آذنتني فابعثك عَلَيْهِم قَالَ: لَا حَتَّى إِذا وَقَعُوا بِالْأَرْضِ قَالَ: تفَرقُوا
وَسَأَلَ بخْتنصر عَن أفضل أهل الْبَلَد فَدلَّ عَلَيْهِ فَألْقى خرجيه فِي دَاره
قَالَ لصَاحب الْمنزل: أَلا تُخبرنِي عَن أهل بلادك قَالَ: على الْخَبِير سَقَطت هم قوم فيهم كتاب فَلَا يقيمونه وأنبياء فَلَا يطيعونهم وهم متفرقون
قَالَ بخْتنصر كالمتعجب مِنْهُ: كتاب لَا يقيمونه وأنبياء لَا يطيعونهم وهم متفرقون فكتبهن فِي ورقة وَألقى فِي خرجيه وَقَالَ: ارتحلوا
فاقبلوا حَتَّى قدمُوا على الفرخان فَجعل يسْأَل كل رجل مِنْهُم فَجعل الرجل يَقُول: أَتَيْنَا بِلَاد كَذَا وَلها حصن كَذَا وَلها نهر كَذَا قَالَ: يَا بخْتنصر مَا تَقول قَالَ: قدمنَا أَرضًا على قوم لَهُم كتاب لَا يقيمونه وأنبياء لَا يطيعونهم وهم متفرقون
فَأمر حِينَئِذٍ فندب النَّاس وَبعث إِلَيْهِم سبعين ألفا وَأمر عَلَيْهِم بخْتنصر فَسَارُوا حَتَّى إِذا علوا فِي الأَرْض أدركهم الْبَرِيد إِن الفرخان قد مَاتَ وَلم يسْتَخْلف أحدا
قَالَ للنَّاس: مَكَانكُمْ
ثمَّ أقبل على الْبَرِيد حَتَّى قدم على النَّاس وَقَالَ: كَيفَ صَنَعْتُم قَالُوا: كرهنا أَن نقطع أمرا دُونك
قَالَ: إِن النَّاس قد بايعوني
فَبَايعُوهُ ثمَّ اسْتخْلف عَلَيْهِم وَكتب بَينهم كتابا ثمَّ انْطلق بهم سَرِيعا حَتَّى قدم على أَصْحَابه فَأَرَاهُم الْكتاب فَبَايعُوهُ وَقَالُوا: مَا بِنَا رَغْبَة عَنْك
فَسَارُوا فَلَمَّا سمع أهل بَيت الْمُقَدّس تفَرقُوا وطاروا تَحت كل كَوْكَب فشعث مَا هُنَاكَ أَي أفسد وَقتل من قتل وَخرب بَيت الْمُقَدّس واستبى أَبنَاء الْأَنْبِيَاء فيهم دانيال
فَسمع بِهِ صَاحب الدَّنَانِير فَأَتَاهُ فَقَالَ: هَل تعرفنِي قَالَ: نعم
فأدنى مَجْلِسه وَلم يشفعه فِي شَيْء حَتَّى إِذا نزل بابل لَا ترد لَهُ راية
فَكَانَ كَذَلِك مَا شَاءَ الله ثمَّ إِنَّه رأى رُؤْيا فأفظعته فَأصْبح قد نَسِيَهَا
قَالَ: عليّ بالسحرة والكهنة
قَالَ: أخبروني عَن رُؤْيا رَأَيْتهَا اللَّيْلَة وَالله لتخبرني بهَا أَو لأقتلنكم
قَالُوا: مَا هِيَ قَالَ: قد نسيتهَا قَالُوا: مَا عندنَا من هَذَا علم إِلَّا أَن(5/241)
ترسل إِلَى أَبنَاء الْأَنْبِيَاء
فَأرْسل إِلَى أَبنَاء الْأَنْبِيَاء
قَالَ: أخبروني عَن رُؤْيا رَأَيْتهَا اللَّيْلَة وَالله لتخبروني بهَا أَو لأقتلنكم
قَالُوا: مَا هِيَ قَالَ: قد نسيتهَا
قَالُوا غيب وَلَا يعلم الْغَيْب إِلَّا الله تَعَالَى
قَالَ وَالله لتخبرني بهَا أَو لَأَضرِبَن أَعْنَاقكُم
قَالُوا: فَدَعْنَا حَتَّى نَتَوَضَّأ وَنُصَلِّي وندعو الله تَعَالَى
قَالَ: فافعلوا
فَانْطَلقُوا فَأحْسنُوا الْوضُوء فَأتوا صَعِيدا طيبا فدعوا الله فَأخْبرُوا بهَا ثمَّ رجعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: رَأَيْت كَأَن رَأسك من ذهب وصدرك من فخار ووسطك من نُحَاس ورجليك من حَدِيد
قَالَ: نعم
قَالَ: أخبروني بعبارتها أَو لأقتلنكم
قَالُوا: فَدَعْنَا نَدْعُو رَبنَا
قَالَ اذْهَبُوا فدعوا رَبهم فَاسْتَجَاب لَهُم فَرَجَعُوا إِلَيْهِ قَالُوا: رَأَيْت كَأَن رَأسك من ذهب ملكك هَذَا يذهب عِنْد رَأس الْحول من هَذِه اللَّيْلَة
قَالَ: ثمَّ مَه قَالُوا: ثمَّ يكون بعْدك ملك يفخر على النَّاس ثمَّ يكون ملك يخْشَى النَّاس شدته ثمَّ يكون ملك لَا يقلهُ شَيْء إِنَّمَا هُوَ مثل الْحَدِيد يَعْنِي الْإِسْلَام
فَأمر بحصن فَبنِي لَهُ بَينه وَبَين السَّمَاء ثمَّ جعل ينطقه بمقاعد الرِّجَال والاحراس وَقَالَ لَهُم: إِنَّمَا هِيَ هَذِه اللَّيْلَة لَا يجوز عَلَيْكُم أحد وَإِن قَالَ أَنا بخْتنصر إِلَّا قَتَلْتُمُوهُ مَكَانَهُ كَائِنا من كَانَ من النَّاس
فَقعدَ كل أنَاس فِي مكانهم الَّذِي وكلوا بِهِ
واهتاج بَطْنه من اللَّيْل فكره أَن يرى مَقْعَده هُنَاكَ
وَضرب على أسمخة الْقَوْم فاستثقلوا نوماً فَأتى عَلَيْهِم وهم نيام ثمَّ أَتَى عَلَيْهِم فَاسْتَيْقَظَ بَعضهم فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: بخْتنصر
قَالَ: هَذَا الَّذِي حفي إِلَيْنَا فِيهِ اللَّيْلَة
فَضَربهُ فَقتله فَأصْبح الْخَبيث قَتِيلا
وَأخرج ابْن جرير نَحوه أخصر مِنْهُ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ وَعَن السّديّ وَعَن وهب بن مُنَبّه
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: ظهر بخْتنصر على الشَّام فخرب بَيت الْمُقَدّس وقتلهم ثمَّ أَتَى دمشق فَوجدَ بهَا دَمًا يغلي على كباء فَسَأَلَهُمْ مَا هَذَا الدَّم قَالُوا: أدركنا آبَائِنَا على هَذَا وَكلما [] ظهر عَلَيْهِم الْبكاء ظهر فَقتل على ذَلِك الدَّم سبعين ألفا من الْمُسلمين وَغَيرهم فسكن
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ: أَن بخْتنصر لما قتل بني إِسْرَائِيل وَهدم بَيت الْمُقَدّس وَسَار بسبايا بني إِسْرَائِيل إِلَى أَرض بابل فسامهم سوء الْعَذَاب أَرَادَ أَن يتَنَاوَل السَّمَاء فَطلب حِيلَة يصعد بهَا فَسلط الله عَلَيْهِ(5/242)
بعوضة فَدخلت منخره فوقفت فِي دماغه فَلم تزل تَأْكُل دماغه وَهُوَ يضْرب رَأسه بِالْحجرِ حَتَّى مَاتَ
وَأخرج ابْن جرير عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن بني إِسْرَائِيل لما اعتدوا فِي السبت وعلوا وَقتلُوا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام بعث الله عَلَيْهِم ملك فَارس بخْتنصر وَكَانَ الله ملكه سَبْعمِائة سنة فَسَار إِلَيْهِم حَتَّى دخل بَيت الْمُقَدّس فحاصرها وَفتحهَا وَقتل على دم زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام سبعين ألفا ثمَّ سبى أَهلهَا وَبني الْأَنْبِيَاء وسلب حلى بَيت الْمُقَدّس واستخرج مِنْهَا سبعين ألفا وَمِائَة ألف عجلة من حلى حَتَّى أوردهُ بابل قَالَ حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ: فَقلت: يَا رَسُول الله لقد كَانَ بَيت الْمُقَدّس عَظِيما عِنْد الله قَالَ: أجل فبناه سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام من ذهباودر وَيَاقُوت وَزَبَرْجَد وَكَانَ بلاطة ذَهَبا وبلاطة فضَّة وعمده ذَهَبا أعطَاهُ الله ذَلِك وسخر لَهُ الشَّيَاطِين يأتونه بِهَذِهِ الْأَشْيَاء فِي طرفَة عين فَسَار بخْتنصر بِهَذِهِ الْأَشْيَاء حَتَّى نزل بهَا بابل فَأَقَامَ بَنو إِسْرَائِيل مائَة سنة يعذبهم الْمَجُوس وَأَبْنَاء الْمَجُوس فيهم الْأَنْبِيَاء وَأَبْنَاء الْأَنْبِيَاء ثمَّ إِن الله رَحِمهم فَأوحى إِلَى ملك من مُلُوك فَارس يُقَال لَهُ كورس - وَكَانَ مُؤمنا -: أَن سر إِلَى بقايا بني إِسْرَائِيل حَتَّى تستنقذهم فَسَار كورس ببني إِسْرَائِيل وَدخل بَيت الْمُقَدّس حَتَّى رده إِلَيْهِ فَأَقَامَ بَنو إِسْرَائِيل مُطِيعِينَ لله مائَة سنة ثمَّ إِنَّهُم عَادوا فِي الْمعاصِي فَسلط عَلَيْهِم ابطنانحوس فغزا ثَانِيًا بِمن غزا مَعَ بخْتنصر فغزا بني إِسْرَائِيل حَتَّى أَتَاهُم بَيت الْمُقَدّس فسبى أَهلهَا وأحرق بَيت الْمُقَدّس
وَقَالَ لَهُم: يَا بني إِسْرَائِيل إِن عدتم فِي الْمعاصِي عدنا عَلَيْكُم فِي السباء فعادوا فِي الْمعاصِي فسير الله علبهم السباء الثَّالِث: ملك رُومِية يُقَال لَهُ فاقس بن اسبايوس فغزاهم فِي الْبر وَالْبَحْر فسباهم وسيَّر حلى بَيت الْمُقَدّس وأحرق بَيت الْمُقَدّس بالنيران فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَهَذَا من صفة حلى بَيت الْمُقَدّس وَيَردهُ الْمهْدي إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَهُوَ ألف سفينة وَسَبْعمائة سفينة يرسى بهَا على يافا حَتَّى تنْتَقل إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَبهَا يجْتَمع إِلَيْهِ الأوّلون وَالْآخرُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ إفسادهم الَّذِي يفسدون فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ: قتل زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَام وَيحيى بن زَكَرِيَّا فَسلط عَلَيْهِم سَابُور ذَا الأكتاف ملكا من مُلُوك فَارس من قبل زَكَرِيَّا وسلط عَلَيْهِم بخْتنصر من قبل يحيى(5/243)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَإِذا جَاءَ وعد أولاهما} قَالَ: إِذا جَاءَ وعد أولى تينك الْمَرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ قضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل {لتفسدن فِي الأَرْض مرَّتَيْنِ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {بعثنَا عَلَيْكُم عباداً لنا أولي بَأْس شَدِيد} قَالَ جند أَتَوا من فَارس يتجسسون من أخبارهم ويسمعون حَدِيثهمْ مَعَهم بخْتنصر فوعى حَدِيثهمْ من بَين أَصْحَابه ثمَّ رجعت فَارس وَلم يكثر قتال ونصرت عَلَيْهِم بَنو إِسْرَائِيل فَهَذَا وعد الأولى {فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة} بعث ملك فَارس بِبَابِل جَيْشًا وَأمر عَلَيْهِم بخْتنصر فدمروهم فَهَذَا وعد الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فجاسوا} قَالَ فَمَشَوْا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أما الْمرة الأولى فَسلط عَلَيْهِم جالوت حَتَّى بعث طالوت وَمَعَهُ دَاوُد فَقتله دَاوُد ثمَّ رد الكرة لبني إِسْرَائِيل {وجعلناكم أَكثر نفيراً} أَي عددا وَذَلِكَ فِي زمَان دَاوُد {فَإِذا جَاءَ وعد الْآخِرَة} آخر العقوبتين {ليسوؤوا وُجُوهكُم} قَالَ ليقبحوا وُجُوهكُم {وليدخلوا الْمَسْجِد كَمَا دَخَلُوهُ أول مرّة} قَالَ: كَمَا دخل عدوهم قبل ذَلِك {وليتبروا مَا علوا تتبيرا} قَالَ: يدمروا مَا علوا تدميراً فَبعث الله عَلَيْهِم فِي الْآخِرَة بخْتنصر البابلي الْمَجُوسِيّ أبْغض خلق الله إِلَيْهِ فسبى وَقتل وَخرب بَيت الْمُقَدّس وسامهم سوء الْعَذَاب
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الْآخِرَة أَشد من الأولى بِكَثِير فَإِن الأولى كَانَت هزيمَة فَقَط وَالْآخِرَة كَانَت تدميراً وَحرق بخْتنصر التَّوْرَاة حَتَّى لم يتْرك فِيهَا حرفا وَاحِدًا وَخرب بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {تتبيراً} قَالَ: تدميراً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {تبرنا} دمرنا بالنبطية(5/244)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ} قَالَ: كَانَت الرَّحْمَة الَّتِي وعدهم: بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن عدتم عدنا} قَالَ: فعادوا فَبعث الله عَلَيْهِم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فهم يُعْطون (الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون) (التَّوْبَة آيَة - 29)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} قَالَ: سجناً
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا جَهَنَّم للْكَافِرِينَ حَصِيرا} يَقُول: جعل الله مأواهم فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حَصِيرا} قَالَ: يحصرون فِيهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {حَصِيرا} قَالَ: فراشا ومهادا
الْآيَة 9 - 10(5/245)
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {إِن هَذَا الْقُرْآن يهدي للَّتِي هِيَ أقوم} قَالَ: للَّتِي هِيَ أصوب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: إِن الْقُرْآن يدلكم على دائكم ودوائكم فَأَما دائكم فالذنوب والخطايا وَأما دواؤكم فالاستغفار
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَتْلُو كثيرا {إِن هَذَا الْقُرْآن يهدي للَّتِي هِيَ أقوم} خَفِيف(5/245)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَن لَهُم أجرا كَبِيرا} قَالَ: الْجنَّة
وكل شَيْء فِي الْقُرْآن أجر كَبِير ورزق كَبِير ورزق كريم فَهُوَ الْجنَّة
الْآيَة 11(5/246)
وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ويدع الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دعاءه بِالْخَيرِ} يَعْنِي قَول الْإِنْسَان: اللَّهُمَّ إلعنه واغضب عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ويدع الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دعاءه بِالْخَيرِ} قَالَ: ذَلِك دُعَاء الْإِنْسَان بِالشَّرِّ على وَلَده وعَلى امْرَأَته يغْضب أحدهم فيدعو عَلَيْهِ فيسب نَفسه ويسب زَوجته وَمَاله وَولده فَإِن أعطَاهُ الله ذَلِك شقّ عَلَيْهِ فيمنعه ذَلِك ثمَّ يَدْعُو بِالْخَيرِ فيعطيه
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ: فِي قَوْله: {ويدع الْإِنْسَان بِالشَّرِّ دعاءه بِالْخَيرِ} قَالَ: ذَلِك دُعَاء الْإِنْسَان بِالشَّرِّ على وَلَده وعَلى امْرَأَته يعجل فِيهِ فيدعو عَلَيْهِ لَا يحب أَن يُصِيبهُ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَزَّار عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تدعوا على أَنفسكُم لَا تدعوا على أَوْلَادكُم لَا تدعوا على أَمْوَالكُم لَا توافقوا من الله سَاعَة فِيهَا إِجَابَة فيستجيب لكم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَكَانَ الْإِنْسَان عجولاً} قَالَ: ضجراً لَا صَبر لَهُ على سراء وَلَا ضراء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول مَا خلق الله من آدم عَلَيْهِ السَّلَام رَأسه فَجعل ينظر وَهُوَ يخلق وَبقيت رِجْلَاهُ فَلَمَّا كَانَ بعد الْعَصْر قَالَ: يَا رب اعجل قبل اللَّيْل فَذَلِك قَوْله: {وَكَانَ الْإِنْسَان عجولاً}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: لما خلق الله آدم خلق عَيْنَيْهِ قبل بَقِيَّة جسده فَقَالَ: أَي رب أتم بَقِيَّة خلقي قبل غيبوبة الشَّمْس فَأنْزل الله {وَكَانَ الْإِنْسَان عجولا}(5/246)
الْآيَة 12 - 14(5/247)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله خلق شمسين من نور عَرْشه فاما مَا كَانَ فِي سَابق علمه أَنه يَدعهَا شمساً فَإِنَّهُ خلقهَا مثل الدُّنْيَا على قدرهَا مَا بَين مشارقها وَمَغَارِبهَا وَأما مَا كَانَ فِي سَابق علمه أَنه يطمسها ويجعلها قمراً فَإِنَّهُ خلقهَا دون الشَّمْس فِي الْعظم وَلَكِن إِنَّمَا يرى صغرها لشدَّة ارْتِفَاع السَّمَاء وَبعدهَا من الأَرْض فَلَو ترك الشَّمْس كَمَا كَانَ خلقهَا أول مرّة لم يعرف اللَّيْل من النَّهَار وَلَا النَّهَار من اللَّيْل وَلم يدر الصَّائِم إِلَى مَتى يَصُوم وَمَتى يفْطر وَلم يدر الْمُسلمُونَ مَتى وَقت حجهم وَكَيف عدد الْأَيَّام والشهور والسنين والحساب فَأرْسل جِبْرِيل فَأمر جنَاحه عَن وَجه الْقَمَر - وَهُوَ يَوْمئِذٍ شمس - ثَلَاث مَرَّات فطمس عَنهُ الضَّوْء وَبَقِي فِيهِ النُّور فَذَلِك قَوْله: {وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ} الْآيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد المَقْبُري: أَن عبد الله بن سَلام رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر فَقَالَ: كَانَا شمسين
فَقَالَ: قَالَ الله: {وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فمحونا آيَة اللَّيْل} فالسواد الَّذِي رَأَيْت من المحو
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فمحونا آيَة اللَّيْل} قَالَ: هُوَ السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة
قَالَ: كَانَ اللَّيْل وَالنَّهَار سَوَاء فمحا الله آيَة اللَّيْل فَجَعلهَا مظْلمَة وَترك آيَة النَّهَار كَمَا هِيَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فمحونا آيَة اللَّيْل} قَالَ: هُوَ السوَاد بِاللَّيْلِ(5/247)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ} قَالَ: كَانَ الْقَمَر يضيء كَمَا تضيء الشَّمْس وَالْقَمَر آيَة اللَّيْل وَالشَّمْس آيَة النَّهَار {فمحونا آيَة اللَّيْل} قَالَ: السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كتب هِرقل إِلَى مُعَاوِيَة يسْأَله عَن ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَي مَكَان إِذا صليت فِيهِ ظَنَنْت أَنَّك لم تصل إِلَى قبْلَة وَأي مَكَان طلعت فِيهِ الشَّمْس مرّة لم تطلع فِيهِ قبل وَلَا بعد وَعَن السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر فَسَأَلَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَكتب إِلَيْهِ أما الْمَكَان الأول: فَهُوَ ظهر الْكَعْبَة
وَأما الثَّانِي: فالبحر حِين فرقه الله لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام
وَأما السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر: فَهُوَ المحو
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: خلق الله نور الشَّمْس سبعين جُزْءا أَو نور الْقَمَر سبعين جُزْءا فمحا من نور الْقَمَر تِسْعَة وَسِتِّينَ جُزْءا فَجعله مَعَ نور الشَّمْس فالشمس على مائَة وَتِسْعَة وَثَلَاثِينَ جُزْءا وَالْقَمَر على جُزْء وَاحِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت شمس بِاللَّيْلِ وشمس بِالنَّهَارِ فمحا الله شمس اللَّيْل فَهُوَ المحو الَّذِي فِي الْقَمَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فمحونا آيَة اللَّيْل} قَالَ: انْظُر إِلَى الْهلَال لَيْلَة ثَلَاث عشرَة أَو أَربع عشرَة فَإنَّك ترى فِيهِ كَهَيئَةِ الرجل آخِذا بِرَأْس رجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فمحونا آيَة اللَّيْل وَجَعَلنَا آيَة النَّهَار مبصرة} قَالَ: ظلمَة اللَّيْل وسدف النَّهَار {لتبتغوا فضلا من ربكُم} قَالَ: جعل لكم (سبحا طَويلا) (المزمل آيَة 7)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فصلناه} يَقُول: بَيناهُ(5/248)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء بن السَّائِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَخْبرنِي غير وَاحِد أَن قَاضِيا من قُضَاة الشَّام أَتَى عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ رَأَيْت رُؤْيا أفظعتني
قَالَ: وَمَا رَأَيْت قَالَ: رَأَيْت الشَّمْس وَالْقَمَر يقتتلان والنجوم مَعَهُمَا نِصْفَيْنِ
قَالَ: فَمَعَ أَيهمَا كنت قَالَ: مَعَ الْقَمَر على الشَّمْس
قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: {وَجَعَلنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ فمحونا آيَة اللَّيْل وَجَعَلنَا آيَة النَّهَار مبصرة} فَانْطَلق فوَاللَّه لَا تعْمل لي عملا أبدا
قَالَ عَطاء رَضِي الله عَنهُ: فبلغني أَنه قتل مَعَ مُعَاوِيَة يَوْم صفّين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ ابْن الْكواء عليا رَضِي الله عَنهُ عَن السوَاد الَّذِي فِي الْقَمَر قَالَ: هُوَ قَول الله تَعَالَى: {فمحونا آيَة اللَّيْل}
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير بِسَنَد حسن عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: طَائِر كل إِنْسَان فِي عُنُقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة بن أسيد رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن النُّطْفَة الَّتِي يخلق مِنْهَا النَّسمَة تطير فِي الْمَرْأَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعين لَيْلَة فَلَا يبْقى مِنْهَا شعر وَلَا بشر وَلَا عرق وَلَا عظم إِلَّا دخله حَتَّى أَنَّهَا لتدخل بَين الظفر وَاللَّحم فَإِذا مضى لَهَا أَرْبَعُونَ لَيْلَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا أهبطه الله إِلَى الرَّحِم فَكَانَ علقَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعين لَيْلَة ثمَّ يكون مُضْغَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعين لَيْلَة فَإِذا تمت لَهَا أَرْبَعَة أشهر بعث الله إِلَيْهَا ملك الْأَرْحَام فيخلق على يَده لَحمهَا ودمها وشعرها وبشرها ثمَّ يَقُول: صوّر
فَيَقُول: يَا رب مَا أصور أزائد أم نَاقص أذكر أم أُنْثَى أجميل أم ذميم أَجْعَد أم سبط أقصير أم طَوِيل أَبيض أم آدم أسويّ أم غير سويّ فَيكْتب من ذَلِك مَا يَأْمر بِهِ
ثمَّ يَقُول الْملك: يَا رب أشقيّ أم سعيد فَإِن كَانَ سعيداً نفخ فِيهِ بالسعادة فِي آخر أَجله وَإِن كَانَ شقياً: نفخ فِيهِ الشقاوة فِي آخر أَجله
ثمَّ يَقُول: اكْتُبْ أَثَرهَا وَرِزْقهَا ومصيبتها وعملها بِالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَة فَيكْتب من ذَلِك مَا يَأْمُرهُ الله بِهِ ثمَّ يَقُول الْملك: يَا رب مَا أصنع بِهَذَا الْكتاب فَيَقُول: علقه فِي عُنُقه إِلَى قضائي عَلَيْهِ
فَذَلِك قَوْله: {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي(5/249)
قَوْله: {ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه} قَالَ: سعادته وشقاوته وَمَا قدره الله لَهُ وَعَلِيهِ فَهُوَ لَازمه أَيْنَمَا كَانَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جوبير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {طَائِره فِي عُنُقه} قَالَ: قَالَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ الشَّقَاء والسعادة والرزق وَالْأَجَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {طَائِره فِي عُنُقه} قَالَ: كِتَابه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه} أَي عمله
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي كتاب الْقدر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه} قَالَ: مَا من مَوْلُود يُولد إِلَّا وَفِي عُنُقه ورقة مَكْتُوب فِيهَا شقي أَو سعيد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ألزمناه طَائِره} قَالَ: عمله {وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشوراً} قَالَ: هُوَ عمله الَّذِي عمل أحصي عَلَيْهِ فَأخْرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة مَا كتب عَلَيْهِ من الْعَمَل فقرأه منشوراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الْكَافِر يخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتاب فَيَقُول: رب إِنَّك قد قضيت
إِنَّك لست بظلام للعبيد فَاجْعَلْنِي أحاسب نَفسِي
فَيُقَال لَهُ: {اقْرَأ كتابك كفى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حسيباً}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه} يَقْرَؤُهُ يَوْم الْقِيَامَة {كتابا يلقاه منشوراً}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ وَيخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا بِفَتْح الْيَاء يَعْنِي يخرج الطَّائِر كتابا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {اقْرَأ كتابك} قَالَ: سيقرأ يَوْمئِذٍ من لم يكن قَارِئًا فِي الدُّنْيَا(5/250)
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا ابْن آدم بسطت لَك صحيفَة ووكل بك ملكان كريمان أَحدهمَا عَن يَمِينك وَالْآخر عَن يسارك حَتَّى إِذا مت طويت صحيفتك فَجعلت فِي عُنُقك مَعَك فِي قبرك حَتَّى تخرج يَوْم الْقِيَامَة
فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول: {وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه} حَتَّى بلغ عَلَيْك {حسيباً}
وَأخرج ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد بِسَنَد ضَعِيف عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: سَالَتْ خَدِيجَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين فَقَالَ: هم مَعَ آبَائِهِم ثمَّ سَأَلته بعد ذَلِك فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين ثمَّ سَأَلته بعد مَا استحكم الْإِسْلَام فَنزلت {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} فَقَالَ: هم على الْفطْرَة أَو قَالَ: فِي الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: حَدثنِي الصعب بن جثامة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله إِنِّي قضيت فِي الْبَنَات من ذَرَارِي الْمُشْركين قَالَ: هم مِنْهُم
وَأخرج ابْن سعد وقاسم بن أصبغ وَابْن عبد الْبر عَن خنساء بنت مُعَاوِيَة الضمرية عَن عَمها قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: النَّبِي فِي الْجنَّة والشهيد فِي الْجنَّة والمولود فِي الْجنَّة والوئيد
وَأخرج قَاسم بن أصبغ وَابْن عبد الْبر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُشْركين قَالَ: هم خدم أهل الْجنَّة
وَأخرج عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَطْفَال الْمُشْركين خدم أهل الْجنَّة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن عبد الْبر وَضَعفه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَوْلَاد الْمُسلمين أَيْن هم قَالَ: فِي الْجنَّة وَسَأَلته عَن ولدان الْمُشْركين أَيْن هم قَالَ: فِي النَّار قلت: يَا رَسُول الله لم يدركوا الْأَعْمَال وَلم تجر عَلَيْهِم القلام قَالَ: رَبك أعلم بِمَا كَانُوا عاملين وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن شِئْت أسمعتك تضاغيهم فِي النَّار
وَأخرج قَاسم بن أصبغ وَابْن عبد الْبر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا(5/251)
قَالَ: كنت أَقُول فِي أَطْفَال الْمُشْركين هم مَعَ آبَائِهِم حَتَّى حَدثنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ عَنْهُم فَقَالَ: رَبهم أعلم بهم وَبِمَا كَانُوا عاملين فَأَمْسَكت عَن قولي
وَأخرج قَاسم بن أصبغ وَابْن عبد الْبر عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن أَوْلَاد الْمُشْركين فَقَالَ: الله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين وَالله أعلم
الْآيَة 15 - 17(5/252)
مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله أهل الفترة: الْمَعْتُوه والأصم والأبكم والشيوخ الَّذين لم يدركوا الْإِسْلَام ثمَّ أرسل إِلَيْهِم رَسُولا أَن ادخُلُوا النَّار فَيَقُولُونَ كَيفَ وَلم تأتنا رسل قَالَ: وَايْم الله لَو دخلوها لكَانَتْ عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا ثمَّ يُرْسل إِلَيْهِم فيطيعه من كَانَ يُرِيد أَن يطيعه
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: اقرأوا إِن شِئْتُم {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا}
وَأخرج اسحق بن رَاهَوَيْه وَأحمد وَابْن حبَان وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الِاعْتِقَاد عَن الْأسود بن سريع رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرْبَعَة يحتجون يَوْم الْقِيَامَة: رجل أَصمّ لَا يسمع شَيْئا وَرجل أَحمَق وَرجل هرم وَرجل مَاتَ فِي الْفطْرَة فَأَما الْأَصَم فَيَقُول: رب لقد جَاءَ الْإِسْلَام وَمَا أسمع شَيْئا وَأما الأحمق فَيَقُول: رب جَاءَ الْإِسْلَام وَالصبيان يحذفونني بالبعر وَأما الْهَرم فَيَقُول: رب لقد جَاءَ الْإِسْلَام وَمَا أَعقل شَيْئا وَأما الَّذِي مَاتَ فِي الْفطْرَة فَيَقُول: رب مَا آتَانِي لَك رَسُول
فَيَأْخُذ مواثيقهم وَيُرْسل إِلَيْهِم رَسُولا أَن ادخُلُوا النَّار
قَالَ: فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو دخلوها كَانَت عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا وَمن لم يدخلهَا سحب إِلَيْهَا(5/252)
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مثله غير أَنه قَالَ فِي آخِره: فَمن دَخلهَا كَانَت عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَمن لم يدخلهَا سحب إِلَيْهَا
وَأخرج قَاسم بن أصبغ وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بأَرْبعَة: بالمولود وَالْمَعْتُوه وَمن مَاتَ فِي الفترة وَالشَّيْخ الْهَرم الفاني كلهم يتَكَلَّم بحجته فَيَقُول الرب تبَارك وَتَعَالَى: لعنق من جَهَنَّم أبرزي وَيَقُول لكم: غَنِي كنت أبْعث إِلَى عبَادي رسلًا من أنفسهم وَإِنِّي رَسُول نَفسِي إِلَيْكُم
فَيَقُول لَهُم: ادخُلُوا هَذِه فَيَقُول: من كتب عَلَيْهِ الشَّقَاء يَا رب أندخلها وَمِنْهَا كُنَّا نفر قَالَ: وَأما من كتب لَهُ السَّعَادَة فيمضي فِيهَا فَيَقُول الرب: قد عاينتموني فعصيتموني فَأنْتم لرسلي أَشد تَكْذِيبًا ومعصية فَيدْخل هَؤُلَاءِ الْجنَّة وَهَؤُلَاء النَّار
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بالممسوخ عقلا وبالهالك فِي الفترة وبالهالك صَغِيرا فَيَقُول الممسوخ عقلا: يَا رب لَو آتيتني عقلا مَا كَانَ من آتيته عقلا بِأَسْعَد بعقله مني وَيَقُول الْهَالِك فِي الفترة رب لَو أَتَانِي مِنْك عهد مَا كَانَ من أَتَاهُ مِنْك عهد بِأَسْعَد بعهدك مني وَيَقُول الْهَالِك صَغِيرا: يَا رب لَو آتيتني عمرا مَا كَانَ من أَتَيْته عمرا بِأَسْعَد بعمره مني فَيَقُول الرب تبَارك وَتَعَالَى: فَإِنِّي آمركُم بِأَمْر تطيعوني فَيَقُولُونَ: نعم وَعزَّتك فَيَقُول لَهُم: اذْهَبُوا فادخلوا جَهَنَّم وَلَو دخلوها مَا ضرتهم شَيْئا فَخرج عَلَيْهِم قوابص من نَار يظنون أَنَّهَا قد أهلكت مَا خلق الله من شَيْء فيرجعون سرَاعًا وَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا خرجنَا وَعزَّتك نُرِيد دُخُولهَا فَخرجت علينا قوابص من نَار ظننا أَن قد أهلكت مَا خلق الله من شَيْء ثمَّ يَأْمُرهُم ثَانِيَة فيرجعون كَذَلِك وَيَقُولُونَ: كَذَلِك فَيَقُول الرب: خلقتكم على علمي وَإِلَى علمي تصيرون ضميهم فتأخذهم النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُحَاسب يَوْم الْقِيَامَة الَّذين أرسل إِلَيْهِم الرُّسُل فَيدْخل الله الْجنَّة من أطاعه وَيدخل النَّار من عَصَاهُ وَيبقى قوم من الْولدَان وَالَّذين هَلَكُوا فِي الفترة فَيَقُول: وَإِنِّي آمركُم أَن(5/253)
تدْخلُوا هَذِه النَّار فَيخرج لَهُم عنق مِنْهَا فَمن دَخلهَا كَانَت نجاته وَمن نكص فَلم يدخلهَا كَانَت هَلَكته
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ رجل فَسَأَلَهُ عَن ذَرَارِي الْمُشْركين الَّذين هَلَكُوا صغَارًا فَوضع رَأسه سَاعَة ثمَّ قَالَ: أَيْن السَّائِل فَقَالَ: هَا أَنا يَا رَسُول الله فَقَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى إِذا قضى بَين أهل الْجنَّة وَالنَّار لم يبْق غَيرهم عجّوا فَقَالُوا: اللَّهُمَّ رَبنَا لم تأتنا رسلك وَلم نعلم شَيْئا فَأرْسل إِلَيْهِم ملكا وَالله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين فَقَالَ: إِنِّي رَسُول ربكُم إِلَيْكُم فَانْطَلقُوا فاتبعوا حَتَّى أَتَوا النَّار فَقَالَ: إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تقتحوا فِيهَا فَاقْتَحَمت طَائِفَة مِنْهُم ثمَّ أخرجُوا من حَيْثُ لَا يشْعر أَصْحَابهم فَجعلُوا فِي السَّابِقين المقربين ثمَّ جَاءَهُم الرَّسُول فَقَالَ: إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تقتحموا فِي النَّار فَاقْتَحَمت طَائِفَة أُخْرَى ثمَّ خَرجُوا من حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ فَجعلُوا فِي أَصْحَاب الْيَمين ثمَّ جَاءَ الرَّسُول فَقَالَ: إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تقتحموا فِي النَّار فَقَالُوا: رَبنَا لَا طَاقَة لنا بِعَذَابِك فَأمر بهم فَجمعت نواصيهم وأقدامهم ثمَّ ألقوا فِي النَّار وَالله أعلم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أمرنَا مُتْرَفِيهَا} قَالَ أمروا بِالطَّاعَةِ فعصوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول فِي قَوْله: {وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة} الْآيَة
قَالَ: {أمرنَا مُتْرَفِيهَا} بِحَق فخالفوه فَحق عَلَيْهِم بذلك التدمير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَإِذا أردنَا أَن نهلك قَرْيَة أمرنَا مُتْرَفِيهَا} قَالَ: سلطنا شِرَارهَا فعصوا فِيهَا فَإِذا فعلوا ذَلِك أهلكناهم بِالْعَذَابِ
وَهُوَ قَوْله: {وَكَذَلِكَ جعلنَا فِي كل قَرْيَة أكَابِر مجرميها ليمكروا فِيهَا} الْأَنْعَام آيَة 123
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله وَجل: {أمرنَا مُتْرَفِيهَا} قَالَ: سلطنا عَلَيْهِم الْجَبَابِرَة فساموهم(5/254)
سوء الْعَذَاب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: إِن يعطبوا يبرموا وَإِن أمروا يَوْمًا يصيروا للهلك والفقد وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ كَانَ يقْرَأ {أمرنَا مُتْرَفِيهَا} مثقلة
يَقُول: أمرنَا عَلَيْهِم أُمَرَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَرَأَ آمرنا مُتْرَفِيهَا يَعْنِي بِالْمدِّ
قَالَ: أكثرنا فساقها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {أمرنَا مُتْرَفِيهَا} قَالَ: أكثرناهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ {أمرنَا مُتْرَفِيهَا} قَالَ: أكثرنا
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نقُول للحي إِذا كَثُرُوا فِي الْجَاهِلِيَّة قد أمروا بني فلَان
الْآيَة 18 - 21(5/255)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من كَانَ يُرِيد العاجلة} قَالَ: من كَانَ يُرِيد بِعَمَلِهِ الدُّنْيَا {عجلنا لَهُ فِيهَا مَا نشَاء لمن نُرِيد} ذَاك بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من كَانَ يُرِيد العاجلة} قَالَ: من كَانَت همه ورغبته وطلبته وَنِيَّته عجل الله لَهُ فِيهَا مَا يَشَاء ثمَّ اضطره إِلَى جَهَنَّم {يصلاها مذموماً} فِي نقمة الله {مَدْحُورًا} فِي(5/255)
عَذَاب الله
وَفِي قَوْله: {وَمن أَرَادَ الْآخِرَة وسعى لَهَا سعيها وَهُوَ مُؤمن فَأُولَئِك كَانَ سَعْيهمْ مشكوراً} قَالَ: شكر الله لَهُ الْيَسِير وَتجَاوز عَنهُ الْكثير
وَفِي قَوْله: {كلا نمد هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء من عَطاء رَبك} أَي: أَن الله قسم الدُّنْيَا بَين الْبر والفاجر وَالْآخِرَة: خُصُوصا عِنْد رَبك لِلْمُتقين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلا نمد} الْآيَة
قَالَ: كلا نرْزق فِي الدُّنْيَا الْبر والفاجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلا نمد هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء} يَقُول: نمد الْكفَّار وَالْمُؤمنِينَ {من عَطاء رَبك} يَقُول: من الرزق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كلا نمد} الْآيَة قَالَ: نرْزق من أَرَادَ الدُّنْيَا ونرزق من أَرَادَ الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلا نمد هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء} قَالَ: هَؤُلَاءِ أَصْحَاب الدُّنْيَا وَهَؤُلَاء أَصْحَاب الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلا نمد هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء} هَؤُلَاءِ أهل الدُّنْيَا وَهَؤُلَاء أهل الْآخِرَة {وَمَا كَانَ عَطاء رَبك مَحْظُورًا} قَالَ مَمْنُوعًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَحْظُورًا} قَالَ مَمْنُوعًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {انْظُر كَيفَ فضلنَا بَعضهم على بعض} أَي فِي الدُّنْيَا: {وللآخرة أكبر دَرَجَات وأكبر تَفْضِيلًا} وَإِن للْمُؤْمِنين فِي الْجنَّة منَازِل وَإِن لَهُم فَضَائِل بأعمالهم
وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَين أَعلَى أهل الْجنَّة وأسفلهم دَرَجَة كالنجم يرى فِي مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وللآخرة أكبر دَرَجَات وأكبر تَفْضِيلًا} قَالَ: إِن أهل الْجنَّة بَعضهم فَوق بعض دَرَجَات الْأَعْلَى يرى فَضله على من هُوَ أَسْفَل مِنْهُ والأسفل لَا يرى أَن فَوْقه أحدا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن سلمَان رَضِي الله(5/256)
عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مَا من عبد يُرِيد أَن يرْتَفع فِي الدُّنْيَا دَرَجَة فارتفع إِلَّا وَضعه الله فِي الْآخِرَة دَرَجَة أكبر مِنْهَا وأطول ثمَّ قَرَأَ {وللآخرة أكبر دَرَجَات وأكبر تَفْضِيلًا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وهناد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا يُصِيب عبد من الدُّنْيَا شَيْئا إِلَّا نقص من درجاته عِنْد الله وَإِن كَانَ على الله كَرِيمًا
الْآيَة 22(5/257)
لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مذموماً} يَقُول ملوماً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فتقعد مذموماً} يَقُول: فِي نقمة الله {مخذولاً} فِي عَذَاب الله
الْآيَة 23 - 25(5/257)
وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} قَالَ: التزقت الْوَاو بالصَّاد وَأَنْتُم تقرؤونها {وَقضى رَبك}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن منيع وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مَيْمُون بن(5/257)
مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزل الله هَذَا الْحَرْف على لِسَان نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووصى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه فالتصقت إِحْدَى الواوين بالصاْد فَقَرَأَ النَّاس {وَقضى رَبك} وَلَو نزلت على الْقَضَاء مَا أشرك بِهِ أحد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ ووصى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه
وَأخرج ابْن جرير عَن حبيب بن أبي ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَعْطَانِي ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مُصحفا فَقَالَ: هَذَا على قِرَاءَة أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فَرَأَيْت فِيهِ ووصى رَبك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: فِي حرف ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ ووصى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَهَا ووصى رَبك قَالَ: إِنَّهُم ألصقوا إِحْدَى الواوين بالصَّاد فَصَارَت قافاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَقضى رَبك} قَالَ: أَمر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} قَالَ: عهد رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا اياه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وبالوالدين إحساناً} يَقُول: برا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} فِيمَا تميط عَنْهُمَا من الْأَذَى الْخَلَاء وَالْبَوْل كَمَا كَانَا لَا يقولانه فِيمَا كَانَا يميطان عَنْك من الْخَلَاء وَالْبَوْل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: {فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} فَمَا سواهُ
وَأخرج الديلمي عَن الْحسن بن عَليّ - رَضِي الله عَنْهُمَا - مَرْفُوعا لَو علم الله شَيْئا من العقوق أدنى من {أُفٍّ} لَحَرَّمَهُ(5/258)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقل لَهما قولا كَرِيمًا} قَالَ: لَا تمنعهما شَيْئا أَرَادَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ مَا برّ الْوَالِدين قَالَ: أَن تبذل لَهما مَا ملكت وَأَن تطيعهما فِيمَا أمراك بِهِ إِلَّا أَن يكون مَعْصِيّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: إلام يَنْتَهِي العقوق قَالَ: أَن يحرمهما ويهجرهما وَيحد النّظر إِلَى وجههما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَقل لَهما قولا كَرِيمًا} قَالَ: يَقُول: يَا أَبَت يَا أمه وَلَا يسميهما بأسمائهما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: أَتَى رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ شيخ فَقَالَ: من هَذَا مَعَك قَالَ: أبي
قَالَ: لَا تمشين أَمَامه وَلَا تقعدن قبله وَلَا تَدعه باسمه وَلَا تستب لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقل لَهما قولا كَرِيمًا} قَالَ: إِذا دعواك فَقل لَهما لبيكما وسعديكما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقل لَهما قولا كَرِيمًا} قَالَ: قولا لينًا سهلاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الهداج التجِيبِي قَالَ: قلت لسَعِيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ كل مَا ذكر الله فِي الْقُرْآن من بر الْوَالِدين فقد عَرفته إِلَّا قَوْله: {وَقل لَهما قولا كَرِيمًا} مَا هَذَا القَوْل الْكَرِيم قَالَ ابْن الْمسيب: قَول العَبْد المذنب للسَّيِّد الْفظ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة فِي قَوْله: {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} قَالَ: تلين لَهما حَتَّى لَا يمتنعا من شَيْء أحباه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} يَقُول اخضع لوالديك كَمَا يخضع العَبْد للسَّيِّد الْفظ الغليظ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح رَضِي(5/259)
الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} قَالَ: لَا ترفع يَديك عَلَيْهِمَا إِذا كلمتهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} قَالَ: إِن أغضباك فَلَا تنظر إِلَيْهِمَا شزراً فَإِنَّهُ أوّل مَا يعرف غضب الْمَرْء بِشدَّة نظره إِلَى من غضب عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا برَّ أَبَاهُ من حدّ إِلَيْهِ الطّرف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله: {واخفض لَهما جنَاح الذل من الرَّحْمَة} قَالَ: إِن سباك أَو لعناك فَقل رحمكما الله غفر الله لَكمَا
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {واخفض لَهما جنَاح الذل} بِكَسْر الذَّال
وَأخرج عَن عَاصِم الجحدري رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن أبي مرّة مولى عقيل: أَن أَبَا هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - كَانَت أمه فِي بَيت وَهُوَ فِي آخر فَكَانَ يقف على بَابهَا وَيَقُول: السَّلَام عَلَيْك يَا أمتاه وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته فَتَقول: وَعَلَيْك يَا بني فَيَقُول: رَحِمك الله كَمَا ربيتني صَغِيرا فَتَقول: رَحِمك الله كَمَا بررتني كَبِيرا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَقل رب ارحمهما كَمَا ربياني صَغِيرا} ثمَّ أنزل الله بعد هَذَا (مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى) (التَّوْبَة آيَة 113)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر} إِلَى قَوْله: {كَمَا ربياني صَغِيرا} قد نسختها الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة (مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين) (التَّوْبَة آيَة 113) الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والنحاس وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة رَضِي الله(5/260)
عَنهُ قَالَ: نسخ من هَذِه الْآيَة حرف وَاحِد لَا يَنْبَغِي لأحد من الْمُسلمين أَن يسْتَغْفر لوَالِديهِ إِذا كَانُوا مُشْرِكين وَلم يقل {رب ارحمهما كَمَا ربياني صَغِيرا} وَلَكِن ليخفض لَهما جنَاح الَّذِي من الرَّحْمَة وَليقل لَهما قولا مَعْرُوفا
قَالَ الله تَعَالَى: (مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ربكُم أعلم بِمَا فِي نفوسكم} قَالَ: تكون البادرة من الْوَلَد إِلَى الْوَالِد فَقَالَ الله: {إِن تَكُونُوا صالحين} أَي تكون النِّيَّة صَادِقَة ببرهما {فَإِنَّهُ كَانَ للأوّابين غَفُورًا} للبادرة الَّتِي بدرت مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَإِنَّهُ كَانَ للأوّابين} قَالَ: الرجاعين من الذَّنب إِلَى التَّوْبَة وَمن السَّيِّئَات إِلَى الْحَسَنَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {للأوّابين} قَالَ: للمطيعين الْمُحْسِنِينَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {للأوّابين} قَالَ: للتوّابين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأوّاب التوّاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْعَمَل أحب إِلَى الله قَالَ: الصَّلَاة على وَقتهَا قلت: ثمَّ أَي قَالَ: ثمَّ بر الْوَالِدين قلت: ثمَّ أَي قَالَ: ثمَّ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: رضَا الله فِي رضَا الْوَالِد وَسخط الله فِي سخط الْوَالِد
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ:(5/261)
قلت يَا رَسُول الله من أبر قَالَ: أمك
قلت: من أبر قَالَ: أمك
قلت: من أبر قَالَ: أمك
قلت: من أبر قَالَ: أَبَاك ثمَّ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه أَتَاهُ رجل فَقَالَ: إِنِّي خطبت امْرَأَة فَأَبت أَن تنكحني وخطبها غَيْرِي فأحبت أَن تنكحه فغرت عَلَيْهَا فقتلتها فَهَل لي من تَوْبَة قَالَ: أمك حَيَّة قَالَ: لَا
قَالَ: تب إِلَى الله وتقرب إِلَيْهِ مَا اسْتَطَعْت
فَذَهَبت فَسَأَلت ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - لم سَأَلت عَن حَيَاة أمه فَقَالَ: إِنِّي لَا أعلم عملا أقرب إِلَى الله من بر الوالدة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رجل نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا تَأْمُرنِي قَالَ: بر أمك ثمَّ عَاد فَقَالَ: بر أمك ثمَّ عَاد فَقَالَ: بر أمك ثمَّ عَاد الرَّابِعَة فَقَالَ: بر أَبَاك وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا من مُسلم لَهُ والدان يصبح إِلَيْهِمَا محسناً إِلَّا فتح الله لَهُ بَابَيْنِ - يَعْنِي من الْجنَّة - وَإِن كَانَ وَاحِد فواحد وَإِن أغضب أَحدهمَا لم يرض الله عَنهُ حَتَّى يرضى عَنهُ
قيل: وَإِن ظلماه قَالَ: وَإِن ظلماه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: لَا يَجْزِي ولد وَالِده إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه قيعتقه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يبايعه على الْهِجْرَة وَترك أَبَوَيْهِ يَبْكِيَانِ قَالَ: فَارْجِع إِلَيْهِمَا وأضحكهما كَمَا أبكيتهما
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد الْجِهَاد فَقَالَ: أَلَك والدان قَالَ: نعم
قَالَ: ففيهما فَجَاهد
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله(5/262)
عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رغم أَنفه رغم أَنفه رغم أَنفه قَالُوا يَا رَسُول الله: من قَالَ: من أدْرك وَالِديهِ عِنْد الْكبر أَو أَحدهمَا فَدخل النَّار
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن معَاذ بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بر وَالِديهِ طُوبَى لَهُ زَاد الله فِي عمره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - أَنه أبْصر رجلَيْنِ فَقَالَ: لأَحَدهمَا مَا هَذَا مِنْك فَقَالَ أبي فقا: لَا تسمه
وَفِي لفظ لَا تَدعه باسمه وَلَا تمش أَمَامه وَلَا تجْلِس قبله حَتَّى يجلس وَلَا تستب لَهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رضَا الله فِي رضَا الْوَالِدين وَسخط الله فِي سخط الْوَالِدين
وَأخرج سعيد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُعَاوِيَة بن جَابر عَن أَبِيه قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسْتَشِيرهُ فِي الْجِهَاد فَقَالَ: أَلَك وَالِدَة قَالَ نعم
قَالَ: اذْهَبْ فالزمها فَإِن الْجنَّة قد عِنْد رِجْلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَلْحَة رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أُرِيد الْغَزْو وَقد جِئْت إِلَيْك أستشيرك فَقَالَ: هَل لَك من أم قَالَ: نعم
قَالَ: فالزمها فَإِن الْجنَّة عِنْد رِجْلَيْهَا ثمَّ الثَّانِيَة ثمَّ الثَّالِثَة كَمثل ذَلِك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - أَتَى رجل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي أشتهي الْجِهَاد وَلَا أقدر عَلَيْهِ فَقَالَ: هَل بَقِي أحد من والديك قَالَ: أُمِّي قَالَ: فتق الله فِيهَا فَإِذا فعلت ذَلِك فَأَنت حَاج ومعتمر وَمُجاهد فَإِذا دعتك أمك فَاتق الله وبرّها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنومك على السرير بَين والديك تضحكهما ويضحكانك أفضل من جهادك بِالسَّيْفِ فِي سَبِيل الله(5/263)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن خِدَاش بن سَلامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصِي امْرأ بِأُمِّهِ ثَلَاث مرار وأوصي امْرأ بِأَبِيهِ مرَّتَيْنِ وأوصي امْرأ بمولاه الَّذِي يَلِيهِ وَإِن كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ أَذَى يُؤْذِيه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْوَالِد وسط أَبْوَاب الْجنَّة فاحفظ ذَلِك الْبَاب أَو ضَيِّعْهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أَرَانِي فِي الْجنَّة فَبينا أَنا فِيهَا إِذْ سَمِعت صَوت رجل بِالْقُرْآنِ فَقلت: من هَذَا قَالُوا: حَارِثَة بن النُّعْمَان كَذَلِك الْبر كَذَلِك الْبر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نمت فرأيتني فِي الْجنَّة فَسمِعت قَارِئًا يقْرَأ فَقلت من هَذَا قَالُوا: حَارِثَة بن النُّعْمَان فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَذَلِك الْبر كَذَلِك الْبر كَذَلِك الْبر قَالَ: وَكَانَ أبر النَّاس بِأُمِّهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مر رجل لَهُ جسم - يَعْنِي خلقا - فَقَالُوا: لَو كَانَ هَذَا فِي سَبِيل الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَعَلَّه يكد على أبوين شيخين كبيرين فَهُوَ فِي سَبِيل الله
لَعَلَّه يكد على صبية صغَار فَهُوَ فِي سَبِيل الله
لَعَلَّه يكد على نَفسه ليغنيها عَن النَّاس فَهُوَ فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أحب أَن يمد الله فِي عمره وَيزِيد فِي رزقه فليبر وَالِديهِ وَليصل رَحمَه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَالَ: مَا من ولد بار ينظر إِلَى وَالِديهِ نظرة رَحْمَة إِلَّا كتب الله لَهُ بِكُل نظرة حجَّة مبرورة قَالُوا: وَإِن نظر كل يَوْم مائَة مرّة قَالَ: نعم
الله أكبر وَأطيب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نظر الْوَلَد إِلَى وَالِده - يَعْنِي - فسرّ بِهِ كَانَ للْوَلَد عتق نسمَة قيل: يَا رَسُول الله وَإِن نظر ثَلَاثمِائَة وَسِتِّينَ نظرة قَالَ: الله أكبر من ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: النّظر إِلَى الْوَالِد عبَادَة(5/264)
وَالنَّظَر إِلَى الْكَعْبَة عبَادَة وَالنَّظَر إِلَى الْمُصحف عبَادَة وَالنَّظَر إِلَى أَخِيك حبا لَهُ فِي الله عبَادَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قبل بَين عَيْني أمه كَانَ لَهُ سترا من النَّار
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أذنبت ذَنبا عَظِيما فَهَل لي من تَوْبَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلَك والدان قَالَ: لَا
قَالَ: أَلَك خَالَة قَالَ: نعم
قَالَ: فبرها إِذن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أم أَيمن رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوصى بعض أهل بَيته فَقَالَ: لَا تشرك بِاللَّه وَإِن عذبت وَإِن حرقت وأطع رَبك ووالديك وَإِن أمراك أَن تخرج من كل شَيْء فَاخْرُج وَلَا تتْرك الصَّلَاة مُتَعَمدا فَإِنَّهُ من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله إياك وَالْخمر فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ وَإِيَّاك وَالْمَعْصِيَة فَإِنَّهَا تسخط الله لَا تنازِعَنَّ الْأَمر أَهله وَإِن رَأَيْت أَنه لَك لَا تَفِر من الزَّحْف وَإِن أصَاب النَّاس موت وَأَنت فيهم فَأثْبت أنْفق على أهلك من طولك وَلَا ترفع عصاك عَنْهُم وأخفهم فِي الله عز وَجل
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أسيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله هَل بَقِي عَليّ من بر أَبَوي شَيْء بعد مَوْتهمَا أبرهما بِهِ قَالَ: نعم
خِصَال أَربع: الدُّعَاء لَهما وَالِاسْتِغْفَار لَهما وانفاذ عهدهما وإكرام صديقهما وصلَة الرَّحِم الَّتِي لَا رحم لَك إِلَّا من قبلهمَا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أبر الْبر أَن يصل الرجل أهل ودّ أَبِيه بعد أَن يولي الْأَب
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن عبد الله بن سَلام - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: وَالَّذِي بعث مُحَمَّد بِالْحَقِّ إِنَّه لفي كتاب الله لَا تقطع من كَانَ يصل أَبَاك فتطفئ بذلك نورك
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُحَمَّد بن طَلْحَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي(5/265)
بكر الصّديق: أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ لرجل من الْعَرَب كَانَ يَصْحَبهُ - يُقَال لَهُ عفير - يَا عفير كَيفَ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الودّ قَالَ سمعته يَقُول: الودّ يتوارث والعداوة كَذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَلَا ولد زنا وَلَا مدمن خمر وَلَا منان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَالِديهِ وَلَا منان وَلَا ولد زنية وَلَا مدمن خمر وَلَا قَاطع رحم وَلَا من أَتَى ذَات رحم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن طلق بن عليّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَو أدْركْت وَالِدي أَو أَحدهمَا وَأَنا فِي صَلَاة الْعشَاء وَقد قَرَأت فِيهَا بِفَاتِحَة الْكتاب فَنَادَى يَا مُحَمَّد لأجبتهما لبيْك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه من طَرِيق اللَّيْث بن سعد حَدثنِي يزِيد بن حَوْشَب الفِهري عَن أَبِيه: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَو كَانَ جريج الراهب فَقِيها عَالما لعلم أَن إجَابَته أمه أفضل من عِبَادَته ربه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مَكْحُول قَالَ: إِذا دعتك والدتك وَأَنت فِي الصَّلَاة فأجبها وَإِذا دعَاك أَبوك فَلَا تجبه حَتَّى تفرغ من صَلَاتك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا دعتك أمك فِي الصَّلَاة فأجبها وَإِذا دعَاك أَبوك فَلَا تجبه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أدْرك وَالِديهِ أَو أَحدهمَا ثمَّ دخل النَّار من بعد ذَلِك فَأَبْعَده الله وأسحقه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن معَاذ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من الْعباد عباد لَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا ينظر إِلَيْهِم وَلَا يزكيهم وَلَا يطهرهم قيل: من أُولَئِكَ يَا رَسُول الله قَالَ: المتبرئ من وَالِديهِ رَغْبَة عَنْهُمَا والمتبرئ من وَلَده وَرجل أنعم عَلَيْهِ قوم فَكفر نعمتهم وتبرأ مِنْهُم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن(5/266)
أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة من قتل نَبيا أَو قَتله نَبِي أَو قتل أحد وَالِديهِ والمصوّرون وعالم لم ينْتَفع بِعِلْمِهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي فِي مساوئ الْأَخْلَاق من طَرِيق بكار بن عبد الْعَزِيز بن أبي بكرَة عَن أَبِيه عَن جده أبي بكرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل الذُّنُوب يُؤَخر الله مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عقوق الْوَالِدين فَإِنَّهُ يعجله لصَاحبه فِي الْحَيَاة قبل الْمَمَات وَمن رايا رايا الله بِهِ وَمن سمع سمع الله بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن من السّنة أَن توقر أَرْبَعَة: الْعَالم وَذُو الشيبة وَالسُّلْطَان وَالْوَالِد
قَالَ: وَيُقَال أَن من الْجفَاء: أَن يَدْعُو الرجل وَالِده باسمه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن العقوق مَا تجدونه فِي كتاب الله عقوق الْوَالِدين قَالَ: إِذا أقسم عَلَيْهِ لم يبره وَإِذا سَأَلَهُ لم يُعْطه وَإِذا ائتمنه خَان فَذَلِك العقوق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاث دعوات مستجابات: دُعَاء الْوَالِد على وَلَده ودعوة الْمَظْلُوم ودعوة الْمُسَافِر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن النُّعْمَان يرفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من زار قبر أَبَوَيْهِ أَو أَحدهمَا فِي كل جُمُعَة غفر لَهُ وَكتب برّاً
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الرجل ليَمُوت والداه وَهُوَ عَاق لَهما فيدعو لَهما من بعدهمَا فيكتبه الله من البارين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن العَبْد يَمُوت والداه أَو أَحدهمَا وَإنَّهُ لَهما عَاق فَلَا يزَال يَدْعُو لَهما ويستغفر لَهما حَتَّى يَكْتُبهُ الله بارّاً
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن من عق وَالِديهِ فِي حياتهما ثمَّ قضى دينا إِن كَانَ عَلَيْهِمَا واسْتغْفر لَهما وَلم يستسب لَهما كتب بارّاً وَمن بر وَالِديهِ فِي حياتهما ثمَّ لم يقْض دينا إِن كَانَ عَلَيْهِمَا وَلم يسْتَغْفر لَهما واستسب لَهما كتب عاقاً(5/267)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أصبح مُطيعًا لله فِي وَالِديهِ أصبح لَهُ بَابَانِ مفتوحان من الْجنَّة وَإِن كَانَ وَاحِدًا فواحداً وَمن أَمْسَى عَاصِيا لله فِي وَالِديهِ أصبح لَهُ بَابَانِ مفتوحان من النَّار وَإِن كَانَ وَاحِدًا فواحدا فَقَالَ رجل: وَإِن ظلماه قَالَ: وَإِن ظلماه وَإِن ظلماه وَإِن ظلماه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْمُنْكَدر بن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أبي يبيت على السَّطْح يروح على أمه وَعمي يُصَلِّي إِلَى الصَّباح فَقَالَ لَهُ أبي مَا يسرني أَن لَيْلَتي بليلتك
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الْمُبَارك قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر بَات عمر أخي يُصَلِّي وَبت أغمز رجل أُمِّي وَمَا أحب أَن لَيْلَتي بليلته
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: أَنه كَانَ يضع خَدّه على الأَرْض ثمَّ يَقُول لأمه: يَا أمه قومِي فضعي قدمك على خدي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس قَالَ: كَانَ رجل لَهُ أَرْبَعَة بَنِينَ فَمَرض فَقَالَ أحدهم: إِمَّا أَن تمرضوه وَلَيْسَ لكم من مِيرَاثه شَيْء وَأما أَن أمرضه وَلَيْسَ لي من مِيرَاثه شَيْء قَالُوا: بل مَرضه وَلَيْسَ لَك من مِيرَاثه شَيْء فمرضه فَمَاتَ وَلم يَأْخُذ من مَاله شَيْئا فَأتي فِي النّوم فَقيل لَهُ: ائْتِ مَكَان كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهُ مائَة دِينَار فَقَالَ فِي نَومه أفيها بركَة قَالُوا: لَا
فَأصْبح فَذكر ذَلِك لامْرَأَته فَقَالَت لَهُ خُذْهَا فَإِن من بركتها: أَن تكتسي مِنْهَا وتعيش بهَا فَأبى فَلَمَّا أَمْسَى أُتِي فِي النّوم فَقيل لَهُ: ائْتِ مَكَان كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهُ عشرَة دَنَانِير فَقَالَ: فِيهَا بركَة قَالُوا: لَا فَأصْبح فَذكر ذَلِك لامْرَأَته فَقَالَت لَهُ مثل ذَلِك فَأبى أَن يَأْخُذهَا فَأتي فِي النّوم فِي اللَّيْلَة الثَّالِثَة: أَن ائْتِ مَكَان كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهُ دِينَارا فَقَالَ: أفيه بركَة قَالُوا: نعم
فَذهب فَأخذ الدِّينَار ثمَّ خرج بِهِ إِلَى السُّوق فَإِذا هُوَ بِرَجُل يحمل حوتين فَقَالَ بكم هَذَانِ فَقَالَ بِدِينَار فَأَخذهُمَا مِنْهُ بالدينار ثمَّ انْطلق فَلَمَّا دخل بَيته شقّ الحوتين فَوجدَ فِي بطن كل وَاحِد مِنْهُمَا درة لم ير النَّاس مثلهَا فَبعث الْملك بدرة ليشتريها فَلم تُوجد إِلَّا عِنْده فَبَاعَهَا بوقر ثَلَاثِينَ بغلاً ذَهَبا فَلَمَّا رَآهَا الْملك قَالَ: مَا تصلح هَذِه إِلَّا(5/268)
بأخت فَاطْلُبُوا مثلهَا وَإِن أضعفتم
قَالَ: فجاؤوا فَقَالُوا: عنْدك أُخْتهَا نعطيك ضعف مَا أعطيناك قَالَ: أَو تَفْعَلُونَ قَالُوا: نعم
فَأَعْطَاهُمْ أُخْتهَا بِضعْف مَا أخذُوا الأولى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قدم أَبُو مُوسَى وَأَبُو عَامر على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايعُوهُ وَأَسْلمُوا
قَالَ: مَا فعلت امْرَأَة مِنْكُم تدعى كَذَا وَكَذَا قَالُوا تركناها فِي أَهلهَا
قَالَ: فَإِنَّهَا قد غفر لَهَا
قَالُوا: بِمَ يَا رَسُول الله قَالَ: ببرها والدتها قَالَ: كَانَت لَهَا أم عَجُوز كَبِيرَة فَجَاءَهُمْ النذير: إِن الْعَدو يُرِيد أَن يُغير عَلَيْكُم اللَّيْلَة فارتحلوا ليلحقوا بعظيم قَومهمْ وَلم يكن مَعهَا مَا تحْتَمل عَلَيْهِ فعمدت إِلَى أمهَا فَجعلت تحملهَا على ظهرهَا فَإِذا أعيت وَضَعتهَا ثمَّ ألصقت بَطنهَا بِبَطن أمهَا وَجعلت رِجْلَيْهَا تَحت رجْلي أمهَا من الرمضاء حَتَّى نجت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ طلع شَاب فَقُلْنَا: لَو كَانَ هَذَا الشَّاب جعل شبابه ونشاطه وقوته فِي سَبِيل الله فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقالتنا
فَقَالَ: وَمَا فِي سَبِيل الله إِلَّا من قتل وَمن سعى على وَالِديهِ فَهُوَ فِي سَبِيل الله وَمن سعى على عِيَاله فَهُوَ فِي سَبِيل الله وَمن سعى على نَفسه يغنيها فَهُوَ فِي سَبِيل الله تَعَالَى
وَأخرج الْحَاكِم عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قلت يَا رَسُول الله أَي النَّاس أعظم حَقًا على الْمَرْأَة
قَالَ: زَوجهَا
قلت: فَأَي النَّاس أعظم حَقًا على الرجل
قَالَ: أمه
وَأخرج الْحَاكِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله يَقُول: لعن الله من ذبح لغير الله ثمَّ تولى غير مَوْلَاهُ وَلعن الله الْعَاق لوَالِديهِ وَلعن الله من نقض منار الأَرْض
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا عفوا عَن نسَاء النَّاس تعف نِسَاؤُكُمْ وبروا آبائكم تبركم أبناؤكم وَمن أَتَاهُ أَخُوهُ متنصلاً فليقبل ذَلِك مِنْهُ محقاً كَانَ أَو مُبْطلًا فَإِن لم يفعل لم يرد على الْحَوْض
وَأخرج الْحَاكِم عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا بروا آبَاءَكُم(5/269)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ: إِن رجلا هَاجر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْيمن فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد هَاجَرت من الشّرك - وَلكنه الْجِهَاد - هَل لَك أحد بِالْيمن قَالَ: أبواي قَالَ: أذنا لَك قَالَ: لَا
قَالَ: فَارْجِع فاستأذنهما فَإِن أذنا لَك مُجَاهِد وإلاّ فبرّهما
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ أَن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سَأَلَ ربه عز وَجل فَقَالَ: يَا رب بِمَ تَأْمُرنِي قَالَ: بِأَن لَا تشرك بِي شَيْئا قَالَ: وَبِمَ قَالَ: وتبر والدتك قَالَ: وَبِمَ قَالَ: وبوالدتك قَالَ: وَبِمَ قَالَ: وبوالدتك قَالَ وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ: إِن الْبر بالوالدين يزِيد فِي الْعُمر وَالْبر بالوالدة ينْبت الأَصْل
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَمْرو بن مَيْمُون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام رجلا عِنْد الْعَرْش فغبطه بمكانه فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: نخبرك بِعَمَلِهِ لَا يحْسد النَّاس على مَا آتَاهُم الله من فَضله وَلَا يمشي بالنميمة وَلَا يعق وَالِديهِ
قَالَ: أَي رب وَمن يعق وَالِديهِ قَالَ: يستسب لَهما حَتَّى يسبا
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ: أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: إِن امْرَأَتي بنت عمي وَإِنِّي أحبها وَإِن والدتي تَأْمُرنِي أَن أطلقها فَقَالَ: لَا آمُرك أَن تطلقها وَلَا آمُرك أَن تَعْصِي والدتك وَلَكِن أحَدثك حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعته يَقُول: إِن الوالدة أَوسط بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة فَإِن شِئْت فَأمْسك وَإِن شِئْت فدع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: للْأُم ثلثا الْبر وَللْأَب الثُّلُث
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَلَا مدمن خمر وَلَا مكذب بِقدر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بر الْوَالِدين يُجزئ من الْجِهَاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ أَنه قيل لَهُ: مَا حق الْوَالِد على الْوَلَد قَالَ: لَو خرجت من أهلك وَمَالك مَا أدّيت حَقّهمَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: إِذا مَالَتْ(5/270)
الأفياء وراحت الْأَرْوَاح فَاطْلُبُوا الْحَوَائِج إِلَى الله فَإِنَّهَا سَاعَة الأوّابين وَقَرَأَ {فَإِنَّهُ كَانَ للأوّابين غَفُورًا}
وَأخرج هناد عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَإِنَّهُ كَانَ للأوّابين غَفُورًا} قَالَ: الأواب الَّذِي يُذنب ثمَّ يسْتَغْفر ثمَّ يُذنب ثمَّ يسْتَغْفر ثمَّ يُذنب ثمَّ يسْتَغْفر
وَأخرج هناد عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَإِنَّهُ كَانَ للأوّابين غَفُورًا} قَالَ: الأوّاب الَّذِي يتَذَكَّر ذنُوبه فِي الْخَلَاء فيستغفر مِنْهَا
الْآيَة 26 - 28(5/271)
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28)
أخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} قَالَ: أمره بِأَحَق الْحُقُوق وَعلمه كَيفَ يصنع إِذا كَانَ عِنْده وَكَيف يصنع إِذا لم يكن فَقَالَ: {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم إبتغاء رَحْمَة من رَبك} قَالَ: إِذا سألوك وَلَيْسَ عنْدك شَيْء انتظرت رزقا من الله {فَقل لَهُم قولا ميسوراً} يَقُول: إِن شَاءَ الله يكون شبه الْعدة
قَالَ: سُفْيَان رَحمَه الله وَالْعدة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} الْآيَة
قَالَ: هُوَ أَن تصل ذَا الْقَرَابَة وَتطعم الْمِسْكِين وتحسن إِلَى ابْن السَّبِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لرجل من أهل الشَّام: أَقرَأت الْقُرْآن قَالَ: نعم
قَالَ: أفما قَرَأت فِي بني إِسْرَائِيل {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} قَالَ: وَإِنَّكُمْ لِلْقَرَابَةِ الَّذِي أَمر الله أَن يُؤْتى حَقه قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة
قَالَ: كَانَ نَاس من بني عبد الْمطلب يأْتونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونه فَإِذا صادفوا عِنْده شَيْئا أَعْطَاهُم(5/271)
وَإِن لم يصادفوا عِنْده شَيْئا سكت لم يقل لَهُم نعم وَلَا لَا
والقربى قربى بني عبد الْمطلب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل} قَالَ: هُوَ أَن وتوفيهم حَقهم إِن كَانَ يَسِيرا وَإِن لم يكن عنْدك {فَقل لَهُم قولا ميسوراً} وَقل لَهُم الْخَيْر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} الْآيَة
قَالَ: بَدَأَ فَأمره بأوجب الْحُقُوق ودله على أفضل الْأَعْمَال إِذا كَانَ عِنْده شَيْء
فَقَالَ: {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل} وَعلمه إِذا لم يكن عِنْده شَيْء كَيفَ يَقُول
فَقَالَ: {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم إبتغاء رَحْمَة من رَبك ترجوها فَقل لَهُم قولا ميسوراً} عدَّة حَسَنَة كأته قد كَانَ وَلَعَلَّه أَن يكون إِن شَاءَ الله {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك} لَا تُعْطِي شَيْئا {وَلَا تبسطها كل الْبسط} تُعْطِي مَا عنْدك {فتقعد ملوماً} يلومك من يَأْتِيك بعد وَلَا يجد عنْدك شَيْئا {محسوراً} قَالَ: قد حسرك من قد أَعْطيته
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن كُلَيْب بن مَنْفَعَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ جدي يَا رَسُول الله من أبر قَالَ: أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الَّذِي يَلِي ذَاك حق وَاجِب ورحم مَوْصُولَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْمِقْدَام بن معد يكرب - رَضِي الله عَنهُ - أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله يُوصِيكُم بِأُمَّهَاتِكُمْ ثمَّ يُوصِيكُم بِآبَائِكُمْ ثمَّ يُوصِيكُم بالأقرب فَالْأَقْرَب
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أنْفق الرجل نَفَقَة على نَفسه وَأَهله يحتسبها إِلَّا آجره الله فِيهَا وابدأ بِمن تعول فَإِن كَانَ فضل فَالْأَقْرَب الْأَقْرَب وَإِن كَانَ فضل فناول
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان وَاللَّفْظ لَهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: احْفَظُوا أنسابكم تصلوا أَرْحَامكُم فَإِنَّهُ لَا بعد للرحم إِذا قربت وَإِن كَانَت بعيدَة وَلَا قرب لَهَا إِذا بَعدت وَإِن كَانَت(5/272)
قريبَة وكل رحم آتِيَة يَوْم الْقِيَامَة امام صَاحبهَا تشهد لَهُ بصلته إِن كَانَ وَصلهَا وَعَلِيهِ بقطيعته إِن كَانَ قطعهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن أَعْرَابِيًا قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل مُوسر وَإِن لي أما وَأَبا وأختاً وأخاً وَعَما وعمة وخالاً وَخَالَة فَأَيهمْ أولى بصلتي قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك أدناك
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي رمثة التَّيْمِيّ تيم الربَاب قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب وَيَقُول: يَد الْمُعْطِي الْعليا أمك وأباك وأختك وأخاك ثمَّ أدناك أدناك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم والشيرازي فِي الألقاب وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله عز وَجل ليَعْمر للْقَوْم الديار ويُكثر لَهُم الْأَمْوَال وَمَا نظر إِلَيْهِم مُنْذُ خلقهمْ بغضاً قيل يَا رَسُول الله وَبِمَ ذَلِك: قَالَ: بصلتهم أرحامهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عدي وَابْن لال فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أهل الْبَيْت إِذا تواصلوا أجْرى الله عَلَيْهِم الرزق وَكَانُوا فِي كنف الرَّحْمَن عز وَجل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن جرير والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق من طَرِيق أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أعجل الطَّاعَة ثَوابًا صلَة الرَّحِم حَتَّى إِن أهل الْبَيْت ليكونون فجاراً فتنمو أَمْوَالهم وَيكثر عَددهمْ إِذا وصلوا الرَّحِم وَإِن أعجل الْمعْصِيَة عقَابا الْبَغي وَالْيَمِين الْفَاجِرَة تذْهب المَال وتعقم الرَّحِم وَتَدَع الديار بَلَاقِع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ثَعْلَبَة بن زَهْدَم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَهُوَ يخْطب - يَد الْمُعْطِي الْعليا وَيَد السَّائِل السُّفْلى وابدأ بِمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك وأدناك فأدناك
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاطِمَة فَأَعْطَاهَا فدك(5/273)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه} أقطع رَسُول الله فَاطِمَة فدكا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من يُعْطي وَكَيف يُعْطي وبمن يبْدَأ فَأنْزل الله {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل} فَأمر الله أَن يبْدَأ بِذِي الْقُرْبَى ثمَّ بالمسكين وَابْن السَّبِيل وَمن بعدهمْ
قَالَ: {وَلَا تبذر تبذيراً} يَقُول الله عز وَجل: وَلَا تعط مَالك كُله فتقعد بِغَيْر شَيْء
قَالَ: {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك} فتمنع مَا عنْدك فَلَا تُعْطِي أحدا {وَلَا تبسطها كل الْبسط} فَنَهَاهُ أَن يُعْطي إِلَّا مَا بَين لَهُ
وَقَالَ لَهُ: {وَأما تعرضن عَنْهُم} يَقُول: تمسك عَن عطائهم {فَقل لَهُم قولا ميسوراً} يَعْنِي قولا مَعْرُوفا لَعَلَّه أَن يكون عَسى أَن يكون
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي ذُو مَال كثير وَذُو أهل وَولد وحاضرة فَأَخْبرنِي كَيفَ أنْفق وَكَيف أصنع قَالَ: تخرج الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة فَإِنَّهَا مطهرة تطهرك وَتصل أقاربك وتعرف حق السَّائِل وَالْجَار الْمِسْكِين فَقَالَ: يَا رَسُول الله أقلل لي قَالَ: {وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل وَلَا تبذر تبذيراً} قَالَ: حسبي رَسُول الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تبذر تبذيراً} قَالَ: التبذير إِنْفَاق المَال فِي غير حَقه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد نتحدث أَن التبذير النَّفَقَة فِي غير حَقه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن المبذرين} قَالَ: هم الَّذين يُنْفقُونَ المَال فِي غير حَقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تبذر تبذيراً} يَقُول: لَا تعط مَالك كُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من السَّرف(5/274)
أَن يكتسي الإِنسان وَيَأْكُل وَيشْرب مِمَّا لَيْسَ عِنْده وَمَا جَاوز الكفاف فَهُوَ لتبذير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا أنفقت على نَفسك وَأهل بَيْتك فِي غير سرف وَلَا تبذير وَمَا تَصَدَّقت فلك وَمَا أنفقت رِيَاء وَسُمْعَة فَذَلِك حَظّ الشَّيْطَان
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ نَاس من مزينة يستحملون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ (توَلّوا وأعينهم تفيض من الدمع) (التَّوْبَة آيَة 92) حزنا ظنُّوا ذَلِك من غضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم إبتغاء رَحْمَة من رَبك} الْآيَة
قَالَ: الرَّحْمَة الْفَيْء
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إبتغاء رَحْمَة} قَالَ: رزق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم إبتغاء رَحْمَة من رَبك ترجوها} قَالَ: انْتِظَار رزق الله
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِمَّا تعرضن عَنْهُم} يَقُول: لَا تَجِد شَيْئا تعطيهم {ابْتِغَاء رَحْمَة من رَبك} يَقُول: انْتِظَار رزق الله من رَبك نزلت فِيمَن كَانَ يسْأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَسَاكِين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَقل لَهُم قولا ميسوراً} قَالَ: لينًا سهلاً سَيكون إِن شَاءَ الله تَعَالَى فأفعل سنصيب إِن شَاءَ الله فأفعل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَقل لَهُم قولا ميسوراً} يَقُول: قل لَهُم نعم وكرامة وَلَيْسَ عندنَا الْيَوْم فَإِن يأتنا شَيْء نَعْرِف حقكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قولا ميسوراً} قَالَ: قولا جميلاً رزقنا الله وَإِيَّاك بَارك الله فِيك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله:(5/275)
{فَقل لَهُم قولا ميسوراً} قَالَ: الْعدة
قَالَ سُفْيَان: وَالْعدة من رَسُول الله دين وَالله أعلم
الْآيَة 29 - 30(5/276)
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن يسَار بن الحكم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رَسُول الله بِزَمن الْعرَاق وَكَانَ معطاء كَرِيمًا فَقَسمهُ بَين النَّاس فَبلغ ذَلِك قوما من الْعَرَب فَقَالُوا: أنأتي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنسأله فوجدوه قد فرغ مِنْهُ فَأنْزل الله {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك} قَالَ: محبوسة {وَلَا تبسطها كل الْبسط فتقعد ملوماً} يلومك النَّاس {محسوراً} لَيْسَ بِيَدِك شَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْمنْهَال بن عمر وَقَالَ: بعثت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بابنها فَقَالَت: قل لَهُ اكسني ثوبا فَقَالَ: مَا عِنْدِي شَيْء فَقَالَ: ارْجع إِلَيْهِ فَقل لَهُ اكسني قَمِيصك فَرجع إِلَيْهِ فَنزع قَمِيصه فَأعْطَاهُ إِيَّاه
فَنزلت {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ غُلَام إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن أُمِّي تسألك كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: مَا عندنَا الْيَوْم شَيْء قَالَ: فَتَقول لَك اكسني قَمِيصك فَخلع قَمِيصه فَدفع إِلَيْهِ فَجَلَسَ فِي الْبَيْت حاسراً
فَأنْزل الله {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة: وَضرب بِيَدِهِ أنفقي مَا ظهر [] كفى قَالَت: إِذا لَا يبْقى شَيْء
قَالَ ذَلِك: ثَلَاث مَرَّات فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة} قَالَ: يَعْنِي بذلك الْبُخْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك}(5/276)
قَالَ: هَذَا فِي النَّفَقَة
يَقُول: لَا تجعلها مغلولة لَا تبسطها بِخَير {وَلَا تبسطها كل الْبسط} يَعْنِي التبذير {فتقعد ملوماً} يلوم نَفسه على مَا فَاتَهُ من مَاله
{محسوراً} ذهب مَاله كُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط} قَالَ نَهَاهُ عَن السَّرف وَالْبخل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فتقعد ملوماً محسوراً} قَالَ: ملوماً عِنْد النَّاس محسوراً من المَال
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {ملوماً محسوراً} قَالَ مستحياً خجلاً قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: مَا فاد من مني يَمُوت جوادهم إِلَّا تركت جوادهم محسوراً وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرِّفْق فِي الْمَعيشَة خير من نض التِّجَارَة
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من فقه الرجل أَن يصلح معيشته قَالَ: وَلَيْسَ من حبك الدُّنْيَا طلب مَا يصلحك
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فقهك رفقك فِي معيشتك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإقتصاد فِي التفقه نصف الْمَعيشَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا عَال من اقتصد
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا عَال مقتصد قطّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن شبيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُقَال حسن التَّدْبِير مَعَ العفاف خير من الْغنى مَعَ الْإِسْرَاف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مطرف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خير الْأُمُور أوسطها(5/277)
وَأخرج الديلمي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التَّدْبِير نصف الْمَعيشَة والتودّد نصف الْعقل والهم نصف الْهَرم وَقلة الْعِيَال أحد اليسارين
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن يُونُس بن عبيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: التودّد إِلَى النَّاس نصف الْعقل وَحسن الْمَسْأَلَة نصف الْعلم والاقتصاد فِي الْمَعيشَة يلقِي عَنْك نصف الْمُؤْنَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثمَّ أخبرنَا كَيفَ يصنع بِنَا فَقَالَ: {إِن رَبك يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} ثمَّ أخبر عباده أَنه لَا يرزؤه وَلَا يؤدوه أَن لَو بسط الرزق عَلَيْهِم وَلَكِن نظرا لَهُم مِنْهُ فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى {وَلَو بسط الله الرزق لِعِبَادِهِ لبغوا فِي الأَرْض وَلَكِن ينزل بِقدر مَا يَشَاء إِنَّه بعباده خَبِير بَصِير} قَالَ: وَالْعرب إِذا كَانَ الخصب وَبسط عَلَيْهِم أَسرُّوا وَقتل بَعضهم بَعْضًا وَجَاء الْفساد وَإِذا كَانَ السّنة شغلوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن رَبك يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} قَالَ: ينظر لَهُ فَإِن كَانَ الْغنى خيرا لَهُ اغناه وَإِن كَانَ الْفقر خيرا لَهُ أفقره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن رَبك يبسط الرزق لمن يَشَاء وَيقدر} قَالَ: يبسط لهَذَا مكراً بِهِ وَيقدر لهَذَا نظرا لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن يقدر فَمَعْنَاه يقلل
الْآيَة 31(5/278)
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق} أَي خشيَة الْفَاقَة
وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقتلُون الْبَنَات خشيَة الْفَاقَة فوعظهم الله فِي ذَلِك وَأخْبرهمْ أَن رزقهم ورزق أَوْلَادهم على الله فَقَالَ: {نَحن نرزقهم وَإِيَّاكُم إِن قَتلهمْ كَانَ خطأ كَبِيرا} أَي إِثْمًا كَبِيرا(5/278)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {خشيَة إملاق} قَالَ: مَخَافَة الْفَاقَة والفقر
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {خشيَة إملاق} قَالَ: مَخَافَة الْفقر
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وَإِنِّي على الاملاق يَا قوم ماجد اعدّ لأضيافي الشواء المطهيا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {خطأ} قَالَ: خَطِيئَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {خطأ كَبِيرا} مَهْمُوزَة من قبل الخطا وَالصَّوَاب
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَت لَهُ ثَلَاث بَنَات أَو ثَلَاث أَخَوَات اتَّقى الله وَقَامَ عَلَيْهِنَّ كَانَ معي فِي الْجنَّة هَكَذَا وَأَشَارَ بأصابعه الْأَرْبَع
وَأخرج أَحْمد وَابْن منيع عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كن لَهُ ثَلَاث بَنَات يمونهن ويرحمهن ويكفلهن وَجَبت لَهُ الْجنَّة أَلْبَتَّة قيل: يَا رَسُول الله فَإِن كن اثْنَتَيْنِ قَالَ: وَإِن كن اثْنَتَيْنِ
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يكون لأحد ثَلَاث بَنَات أَو ثَلَاث أَخَوَات أَو بنتان أَو أختَان فيتقي الله فِيهِنَّ وَيحسن إلَيْهِنَّ إِلَّا دخل الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن سراقَة بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: يَا سراقَة أَلا أدلك على أعظم الصَّدَقَة قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: إِن ابْنَتك مَرْدُودَة إِلَيْك لَيْسَ لَهَا كاسب غَيْرك
الْآيَة 32(5/279)
وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تقربُوا الزِّنَى} قَالَ: يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة لم تكن حُدُود فَجَاءَت بعد ذَلِك الْحُدُود فِي سُورَة النُّور(5/279)
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة ومقتاً وساء سَبِيلا إِلَّا من تَابَ فَإِن الله كَانَ غفارًا رحِيما فَذكر لعمر رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَخَذتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ لَك عمل إِلَّا الصفق بِالبَقِيعِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تقربُوا الزِّنَى إِنَّه كَانَ فَاحِشَة} قَالَ قَتَادَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: لَا يَزْنِي العَبْد حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا ينتهب حِين ينتهب وَهُوَ مُؤمن وَلَا يسرق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن وَلَا يغل حِين يغل وَهُوَ مُؤمن قيل: يَا رَسُول الله وَالله إِن كُنَّا لنرى أَنه يَأْتِي ذَلِك وَهُوَ مُؤمن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا فعل شَيْئا من ذَلِك نزع الْإِيمَان من قلبه فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن وَلَا ينتهب نهبة ذَات شرف يرفع الْمُؤْمِنُونَ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارهم وَهُوَ مُؤمن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ: إِذا زنى الْمُؤمن خرج مِنْهُ الْإِيمَان فَكَانَ عَلَيْهِ كالظلة فَإِذا انقلع مِنْهَا رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْإِيمَان نور فَمن زنى فَارقه الْإِيمَان فَمن لَام نَفسه فراجع رَاجعه الْإِيمَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْإِيمَان سربال يسربله الله من يَشَاء فَإِذا زنى العَبْد نزع مِنْهُ سربال الْإِيمَان فَإِن تَابَ رد عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَسَأَلَهُ عَن قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن فَأَيْنَ يكون الْإِيمَان مِنْهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: يكون هَكَذَا عَلَيْهِ وَقَالَ: بكفه فَوق رَأسه فَإِن تَابَ وَنزع رَجَعَ إِلَيْهِ(5/280)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يُسَمِّي عبيده بأسماء الْعَرَب: عِكْرِمَة وَسميع وكريب وَقَالَ لَهُم: تزوّجوا فَإِن العَبْد إِذا زنى نزع مِنْهُ نور الْإِيمَان رد الله عَلَيْهِ بعد أَو أمْسكهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا شباب قُرَيْش احْفَظُوا فروجكم لَا تَزْنُوا أَلا من حفظ الله لَهُ فرجه دخل الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا ظهر الزِّنَا والربا فِي قَرْيَة فقد أحلُّوا بِأَنْفسِهِم كتاب الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الزِّنَا يُورث الْفقر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا نقض قوم الْعَهْد إِلَّا كَانَ الْقَتْل بَينهم وَلَا ظَهرت فَاحِشَة فِي قوم قطّ إِلَّا سلط الله عَلَيْهِم الْمَوْت وَلَا منع قوم الزَّكَاة إِلَّا حبس الله عَنْهُم الْقطر
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْهَيْثَم بن مَالك الطَّائِي رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من ذَنْب بعد الشّرك أعظم عِنْد الله من نُطْفَة وَضعهَا رجل فِي رحم لَا يحل لَهُ
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من قوم يظْهر فيهم الزِّنَا إِلَّا أخذُوا بِالسنةِ وَمَا من قوم يظْهر فيهم الرشا إِلَّا أُخذوا بِالرُّعْبِ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم يزن عبد قطّ إِلَّا نزع الله نور الْإِيمَان مِنْهُ: إِن شَاءَ رده وَإِن شَاءَ مَنعه
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن وَلَا يشرب الْخمر حِين يشرب وَهُوَ مُؤمن وَلَا يقتل وَهُوَ مُؤمن فَإِذا فعل ذَلِك نزع مِنْهُ نور الْإِيمَان كَمَا ينْزع مِنْهُ قَمِيصه فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاثَة لَا يكلمهم الله يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يزكيهم وَلَا ينظر إِلَيْهِم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم: شيخ زَان وَملك كَذَّاب وعائل مستكبر(5/281)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا يسرق السَّارِق حِين يسرق وَهُوَ مُؤمن وَلَا يشرب حِين يشرب وَهُوَ مُؤمن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أُسَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا تركت على أمتِي بعدِي فتْنَة أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم يكن كفر من مضى إِلَّا من قبل النِّسَاء وَهُوَ كَائِن كفر من بَقِي من قبل النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبان بن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تعرف الزناة بنتن فروجهن يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن أَكثر ذنُوب أهل النَّار النِّسَاء
الْآيَة 33 - 34(5/282)
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} الْآيَة
قَالَ: كَانَ هَذَا بِمَكَّة وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا وَهُوَ أول شَيْء نزل من الْقُرْآن فِي شَأْن الْقَتْل
كَانَ الْمُشْركين من أهل مَكَّة يغتالون أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من قتلكم من الْمُشْركين فَلَا يحملنكم قَتله غياكم على أَن تقتلُوا لَهُ أَبَا أَو وأخا وأحداً من عشيرته وَإِن كَانُوا مُشْرِكين فَلَا تقتلُوا إِلَّا قاتلكم وَهَذَا قبل أَن تنزل بَرَاءَة وَقبل أَن يؤمروا بِقِتَال الْمُشْركين
فَذَلِك قَوْله: {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} يَقُول: لَا تقتل غير قَاتلك وَهِي الْيَوْم على ذَلِك الْموضع من الْمُسلمين لَا يحل لَهُم أَن يقتلُوا إِلَّا قَاتلهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة كَانُوا إِذا قتل الرجل من الْقَوْم رجلا لم يرْضوا حَتَّى يقتلُوا بِهِ رجلا شريفاً إِذا كَانَ(5/282)
قَاتلهم غير شرِيف لم يقتلُوا قَاتلهم وَقتلُوا غَيره فوعظوا فِي ذَلِك بقول الله: {وَلَا تقتلُوا النَّفس} إِلَى قَوْله {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا} قَالَ: بَيِّنَة من الله أنزلهَا يطْلبهَا ولي الْمَقْتُول الْقود أَو الْعقل وَذَلِكَ السُّلْطَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} قَالَ: لَا يكثر من الْقَتْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} قَالَ: لَا يقتل إِلَّا قَاتل رَحمَه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن طلق بن حبيب فِي قَوْله: {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} قَالَ: لَا يقتل غير قَاتله وَلَا يمثل بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} قَالَ: لَا يقتل اثْنَيْنِ بِوَاحِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} قَالَ: لَا يقتل غير قَاتله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} قَالَ: من قَتَلَ بحديدة قُتِلَ بحديدة وَمن قَتَلَ بخشبة قُتِلَ بخشبة وَمن قَتَلَ بِحجر قُتِلَ بِحجر وَلَا يقتل غير قَاتله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن شَدَّاد بن أَوْس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله كتب الْإِحْسَان على كل شَيْء فَإِذا قتلتم فَأحْسنُوا القتلة وَإِذا ذبحتم فَأحْسنُوا الذبْحَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعق النَّاس قتلة أهل الْإِيمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد عَن سَمُرَة بن جُنْدُب وَعمْرَان بن حُصَيْن قَالَا: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمثلَة(5/283)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يعلى بن مرّة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله: لَا تمثلوا بعبادي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَلَا يسرف فِي الْقَتْل إِنَّه كَانَ منصوراً} يَقُول: ينصره السُّلْطَان حَتَّى ينصفه من ظالمه
وَمن انتصر لنَفسِهِ دون السُّلْطَان فَهُوَ عَاص مُسْرِف قد عمل بحمية أهل الْجَاهِلِيَّة وَلم يرض بِحكم الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّه كَانَ منصوراً} قَالَ: إِن الْمَقْتُول كَانَ منصوراً
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكسَائي قَالَ: هِيَ قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب فَلَا تسرفوا فِي الْقَتْل ان وليه كَانَ منصوراً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّه لما كَانَ من أَمر هَذَا الرجل مَا كَانَ يَعْنِي عُثْمَان قلت لعَلي رَضِي الله عَنهُ اعتزل فَلَو كنت جُحر طلبت حَتَّى تستخرج فعصاني وَايْم الله ليتأمرن عَلَيْكُم مُعَاوِيَة وَذكر أَن الله تَعَالَى يَقُول: {وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا فَلَا يسرف فِي الْقَتْل إِنَّه كَانَ منصوراً}
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: كَانُوا لَا يخالطونهم فِي مَال وَلَا مأكل وَلَا مركب حَتَّى نزلت (وَإِن تخالطوهم فإخوانكم) (الْبَقَرَة آيَة 220)
الْآيَة 35(5/284)
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولاً} قَالَ: يَوْم أنزلت هَذِه كَانَ إِنَّمَا يسْأَل عَنهُ ثمَّ يدْخل الْجنَّة فَنزلت (إِن الَّذين يشْتَرونَ بِعَهْد الله وَأَيْمَانهمْ ثمنا قَلِيلا أُولَئِكَ لَا خلاق لَهُم فِي الْآخِرَة) (آل عمرَان آيَة 77)(5/284)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولاً} قَالَ: يسْأَل الله نَاقض الْعَهْد عَن نقضه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولاً} قَالَ: لَا يسْأَل عَهده من أعطَاهُ اياه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثَلَاث تُؤدى إِلَى الْبر والفاجر الْعَهْد يُوفى إِلَى الْبر والفاجر وَقَرَأَ {وأوفوا بالعهد إِن الْعَهْد كَانَ مسؤولاً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من نكث بيعَة كَانَت سترا بَينه وَبَين الْجنَّة
قَالَ: وَإِنَّمَا تهْلك هَذِه الْأمة بنكثها عهودها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وأوفوا الْكَيْل إِذا كلتم} يَعْنِي لغيركم {وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم} يَعْنِي الْمِيزَان
وبلغة الرّوم الْمِيزَان القسطاس {ذَلِك خير} يَعْنِي وَفَاء الْكَيْل وَالْمِيزَان خير من النُّقْصَان {وَأحسن تَأْوِيلا} عَاقِبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} أَي خير ثَوابًا وعاقبة
وَأخْبرنَا إِن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا كَانَ يَقُول: يَا معشر الموَالِي إِنَّكُم وليتم أَمريْن: بهما هلك النَّاس قبلكُمْ هَذَا الْمِكْيَال وَهَذَا الْمِيزَان
قَالَ: وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: لَا يقدر رجل على حرَام ثمَّ يَدعه لَيْسَ بِهِ إِلَّا مَخَافَة الله إِلَّا أبدله الله فِي عَاجل الدُّنْيَا قبل الْآخِرَة مَا هُوَ خير لَهُ من ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {بالقسطاس} الْعدْل بالرومية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وزنوا بالقسطاس} قَالَ: الْعدْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وزنوا بالقسطاس} قَالَ: القبان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {وزنوا بالقسطاس} قَالَ: بالحديد وَالله أعلم
الْآيَة 36(5/285)
وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا تقْفُ} قَالَ: لَا تقل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} يَقُول: لَا ترم أحدا بِمَا لَيْسَ لَك بِهِ علم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن الْحَنَفِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} قَالَ: شَهَادَة الزُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} قَالَ: هَذَا فِي الْفِرْيَة
يَوْم نزلت الْآيَة لم يكن فِيهَا حد إِنَّمَا كَانَ يسْأَل عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يغْفر لَهُ حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة آيَة الْفِرْيَة جلد ثَمَانِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن السّمع وَالْبَصَر والفؤاد كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولاً} يَقُول: سَمعه وبصره يشْهد عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} قَالَ: لَا تقل سَمِعت وَلم تسمع وَلَا تقل: رَأَيْت وَلم تَرَ فَإِن الله سَائِلك عَن ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن قيس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولاً} قَالَ: يُقَال للأذن يَوْم الْقِيَامَة هَل سَمِعت وَيُقَال للعين: هَل رَأَيْت وَيُقَال للفؤاد: مثل ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كل أُولَئِكَ كَانَ عَنهُ مسؤولاً} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة يُقَال أكذاك كَانَ أم لَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيّمَا رجل شاع على رجل مُسلم بِكَلِمَة وَهُوَ مِنْهَا بَرِيء كَانَ حَقًا على الله أَن يذيبه يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار حَتَّى يَأْتِي بنفاذ مَا قَالَ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت عَن معَاذ بن أنس رَضِي الله(5/286)
عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من حمى مُؤمنا من مُنَافِق بعث الله ملكا يحمي لَحْمه يَوْم الْقِيَامَة من نَار جَهَنَّم وَمن قفا مُؤمنا بِشَيْء يُرِيد شينه حَبسه الله على جسر جَهَنَّم حَتَّى يخرج مِمَّا قَالَ
الْآيَة 37(5/287)
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تمش فِي الآرض مرحاً} قَالَ: لَا تمش فخراً وكبراً فَإِن ذَلِك لَا يبلغ بك الْجبَال وَلَا أَن تخرق الأَرْض بفخرك وكبرك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّوَاضُع عَن [] محبس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا مشيت أمتِي المطيطا وَخدمَتهمْ فَارس وَالروم سلط بَعضهم على بعض
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رأى رجلا يخْطر فِي مَشْيه فَقَالَ: إِن للشَّيْطَان إخْوَانًا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن خَالِد بن معدان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إيَّاكُمْ والخطر فَإِن الرجل قد تُنَافِق يَده من دون سَائِر جسده
الْآيَة 38(5/287)
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن كثير رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ كل ذَلِك كَانَ سَيِّئَة عِنْد رَبك مَكْرُوها على وَاحِد يَقُول: هَذِه الْأَشْيَاء الَّتِي نهيت عَنْهَا كل سَيِّئَة
الْآيَة 39(5/287)
ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن التَّوْرَاة كلهَا فِي خمس عشرَة آيَة من بني إِسْرَائِيل ثمَّ تَلا {وَلَا تجْعَل مَعَ الله إِلَهًا آخر}(5/287)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {مَدْحُورًا} قَالَ مطروداً
الْآيَة 40 - 48(5/288)
أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا (41) قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَاتخذ من الْمَلَائِكَة إِنَاثًا} قَالَت الْيَهُود: الْمَلَائِكَة بَنَات الْحق وَفِي قَوْله: {قل لَو كَانَ مَعَه آلِهَة} الْآيَة
يَقُول: {لَو كَانَ مَعَه آلِهَة} إِذا لعرفوا فَضله ومزيته عَلَيْهِم فابتغوا مَا يقربهُمْ إِلَيْهِ إِنَّهُم لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذا لابتغوا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلا} قَالَ: على أَيْن ينزلُوا ملكه
قَوْله تَعَالَى: {تسبح لَهُ السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْض وَمن فِيهِنَّ}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الرَّحْمَن بن قرط رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة(5/288)
أسرِي بِهِ إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى كَانَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن يَمِينه ومكائيل عَلَيْهِ السَّلَام عَن يسَاره فطَارَا بِهِ حَتَّى بلغ السَّمَوَات العلى فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: سَمِعت تسبيحاً فِي السَّمَوَات العلى مَعَ تَسْبِيح كثير سبحت السَّمَوَات العلى من ذِي المهابة مشفقات لذِي الْعُلُوّ بِمَا علا سُبْحَانَ الْعلي الْأَعْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن لوط بن أبي لوط قَالَ: بَلغنِي أَن تَسْبِيح سَمَاء الدُّنْيَا سُبْحَانَ رَبنَا الْأَعْلَى وَالثَّانيَِة سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالثَّالِثَة سُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ وَالرَّابِعَة سُبْحَانَهُ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِهِ وَالْخَامِسَة سُبْحَانَ محيي الْمَوْتَى وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَالسَّادِسَة سُبْحَانَ الْملك القدوس وَالسَّابِعَة سُبْحَانَ الَّذِي مَلأ السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع عزة ووقاراً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَهُوَ جَالس مَعَ أَصْحَابه إِذْ سمع هزة فَقَالَ: اطت السَّمَاء وَحقّ لَهَا أَن تئط قَالُوا: وَمَا الأطيط قَالَ: تناقضت السَّمَاء ويحقها أَن تنقض وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا فِيهَا مَوضِع شبر إِلَّا فِيهِ جبهة ملك ساجد يسبح الله بِحَمْدِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {تسبح لَهُ السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْض} بِالتَّاءِ
قَوْله تَعَالَى: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم} أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم بِشَيْء أَمر بِهِ نوح ابْنه إِن نوحًا قَالَ لِابْنِهِ يَا بني
آمُرك أَن تَقول: سُبْحَانَ الله فَإِنَّهَا صَلَاة الْخلق وتسبيح الْخلق وَبهَا يرْزق الْخلق قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ}
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي اله عَنْهُمَا: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن نوحًا لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ لابْنَيْهِ: آمركما بسبحان الله وَبِحَمْدِهِ فَإِنَّهَا صَلَاة كل شَيْء وَبهَا يرْزق كل شَيْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي فَضَائِل الذّكر عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: صَوت الديك صلَاته وضربه بجناحيه سُجُوده وركوعه ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَا تفقهون تسبيحهم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يُنَادي مُنَاد من(5/289)
السَّمَاء اذْكروا الله يذكركم فَلَا يسْمعهَا أول من الديك فَيَصِيح فَذَلِك تسبيحه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تضربوا وُجُوه الدَّوَابّ فَإِن كل شَيْء يسبح بِحَمْدِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تلطموا وُجُوه الدَّوَابّ فَإِن كل شَيْء يسبح بِحَمْدِهِ
وَأخرج أَحْمد عَن معَاذ بن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه مر على قوم وهم وقُوف على دَوَاب لَهُم ورواحل فَقَالَ لَهُم: اركبوها سَالِمَة ودوعها سَالِمَة وَلَا تتخذوها كراسي لأحاديثكم فِي الطّرق والأسواق فَرب مركوبه خير من راكبها وَأكْثر ذكرا للهِ مِنْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن عبسة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا تستقل الشَّمْس فَيبقى من خلق الله تَعَالَى إِلَّا سبح الله بِحَمْدِهِ إِلَّا مَا كَانَ من الشَّيْطَان وأغنياء بني آدم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من عبد يسبح الله تَسْبِيحَة إِلَّا سبح مَا خلق الله من شَيْء
قَالَ الله تَعَالَى: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن النَّمْل يسبحْنَ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قرصت نملة نَبيا من الْأَنْبِيَاء فَأمر بقرية النَّمْل فأحرقت فَأوحى الله إِلَيْهِ من أجل نملة وَاحِدَة أحرقت أمة من الْأُمَم تسبح
وَأخرج النَّسَائِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل الضفدع وَقَالَ: نعيقها تَسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} قَالَ: الزَّرْع يسبح بِحَمْدِهِ وأجره لصَاحبه وَالثَّوْب يسبح
وَيَقُول الْوَسخ: إِن كنت مُؤمنا فاغسلني إِذا(5/290)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي قبيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الزَّرْع يسبح وثوابه للَّذي زرع
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كل شَيْء يسبح بِحَمْدِهِ إِلَّا الْحمار وَالْكَلب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} قَالَ: الاسطوانة تسبح والشجرة تسبح
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يعيبن أحدكُم دَابَّته وَلَا ثَوْبه فَإِن كل شَيْء يسبح بِحَمْدِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والخطيب عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن صرير الْبَاب تسبيحه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي غَالب الشَّيْبَانِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صَوت الْبَحْر تسبيحه وأمواجه صلَاته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الطَّعَام تَسْبِيح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُتِي أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بغراب وافر الجناحين فَجعل ينشر جنَاحه وَيَقُول: مَا صيد من صيد وَلَا عضدت من شَجَرَة إِلَّا بِمَا ضيعت من التَّسْبِيح
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده من طَرِيق الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُتِي أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ بغراب وافر الجناحين فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ سلم يَقُول: مَا صيد من صيد وَلَا عضدت عضاة وَلَا قطعت وشيجة إِلَّا بقلة التَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا صيد من صيد وَلَا وشج من وشج إِلَّا بتضييعه التَّسْبِيح
وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا صيد من طير فِي السَّمَاء وَلَا سمك فِي المَاء حَتَّى يدع مَا افْترض الله عَلَيْهِ من التَّسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَخذ طَائِر وَلَا حوت إِلَّا بتضييع التَّسْبِيح(5/291)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مرْثَد بن أبي مرْثَد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يصطاد شَيْء من الطير وَالْحِيتَان إِلَّا بِمَا يضيع من تَسْبِيح الله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق يزِيد بن مرْثَد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا اصطيد طير فِي بر وَلَا بَحر إِلَّا بتضييعه التَّسْبِيح
وَأخرج الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء وَأَبُو الشَّيْخ والديلمي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: آجال الْبَهَائِم كلهَا وخشاش الأَرْض والنمل والبراغيث وَالْجَرَاد وَالْخَيْل وَالْبِغَال وَالدَّوَاب كلهَا وَغير ذَلِك آجالها فِي التَّسْبِيح فَإِذا انْقَضى تسبيحها قبض الله أرواحها وَلَيْسَ إِلَى ملك الْمَوْت مِنْهَا شَيْء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَأَن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} قَالَ: مَا من شَيْء فِي أَصله الأول لن يَمُوت إِلَّا وَهُوَ يسبح بِحَمْدِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} قَالَ: مَا من شَيْء فِي أَصله الأول لن يَمُوت إِلَّا وَهُوَ يسبح بِحَمْدِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شَوْذَب قَالَ: جلس الْحسن مَعَ أَصْحَابه على مائدة فَقَالَ بَعضهم: هَذِه الْمَائِدَة تسبح الْآن فَقَالَ الْحسن: كلا إِنَّمَا ذَاك كل شَيْء على أَصله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم قَالَ الطَّعَام تَسْبِيح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: لَا تقتلُوا الضفادع فَإِن أصواتها تَسْبِيح
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ظن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَن أحدا لم يمدح خالقه أفضل مِمَّا مدحه وَأَن ملكا نزل وَهُوَ قَاعد فِي الْمِحْرَاب وَالْبركَة إِلَى جَانِبه فَقَالَ: يَا دَاوُد افهم إِلَى مَا تصوّت بِهِ الضفدع فأنصت دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا الضفدع يمدحه بمدحة لم يمدحه بهَا دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ الْملك: كَيفَ ترَاهُ يَا دَاوُد قَالَ: أفهمت مَا قَالَت قَالَ: نعم
قَالَ: مَاذَا قَالَت قَالَ: قَالَت: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك منهتى علملك يَا رب
قَالَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: وَالَّذِي جعلني نبيه إِنِّي لم أمدحه بِهَذَا(5/292)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن صَدَقَة بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فِي محرابه فأبصر درة صَغِيرَة ففكر فِي خلقهَا وَقَالَ: مَا يعبأ الله بِخلق هَذِه فأنطقها الله فَقَالَت: يَا دَاوُد أتعجبك نَفسك لأَنا على قدر مَا آتَانِي الله أذكر لله وأشكر لَهُ مِنْك على مَا آتاك الله
قَالَ الله: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هَذِه الْآيَة فِي التَّوْرَاة كَقدْر ألف آيَة {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} قَالَ فِي التَّوْرَاة: تسبح لَهُ الْجبَال ويسبح لَهُ الشّجر ويسبح لَهُ كَذَا ويسبح لَهُ كَذَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يسمَّى النوّاح فِي كتاب الله عز وَجل وانه انْطلق حَتَّى أَتَى الْبَحْر فَقَالَ: أَيهَا الْبَحْر إِنِّي هارب
قَالَ: من الطَّالِب الَّذِي لَا ينأى طلبه
قَالَ: فَاجْعَلْنِي قَطْرَة من مائك أَو دَابَّة مِمَّا فِيك أَو تربة من تربتك أَو صَخْرَة من صخرك
قَالَ: أَيهَا العَبْد الهارب الفار من الطَّالِب الَّذِي لَا ينأى طلبه ارْجع من حَيْثُ جِئْت فَإِنَّهُ لَيْسَ مني شَيْء إِلَّا بارز ينظر الله عز وَجل إِلَيْهِ قد أَحْصَاهُ وعده عدا فلست أَسْتَطِيع ذَلِك ثمَّ انْطلق حَتَّى أَتَى الْجَبَل فَقَالَ: أَيهَا الْجَبَل اجْعَلنِي حجر من حجارتك أَو تربة من تربتك أَو صَخْرَة من صخرك أَو شَيْئا مِمَّا فِي جوفك
فَقَالَ: أَيهَا العَبْد الهارب الفار من الطَّالِب الَّذِي لَا ينأى طلبه إِنَّه لَيْسَ مني شَيْء إِلَّا يرَاهُ الله وَينظر إِلَيْهِ وَقد أَحْصَاهُ وعده عدا فلست أَسْتَطِيع ذَلِك
ثمَّ انْطلق حَتَّى أَتَى على الأَرْض يَعْنِي الرمل فَقَالَ: أَيهَا الرمل اجْعَلنِي تربة من تربك أَو صَخْرَة من صخرك أَو شَيْئا مِمَّا فِي جوفك
فَأوحى الله إِلَيْهِ أجبه
فَقَالَ: أَيهَا العَبْد الفار من الطَّالِب الَّذِي لَا ينأى طلبه ارْجع من حَيْثُ جِئْت فَاجْعَلْ عَمَلك لقمسين: لرغبة أَو لرهبة فعلى أَيهمَا أخذك رَبك لم تبال وَخرج فَأتى الْبَحْر فِي سَاعَة فصلى فِيهِ فنادته ضفدعة فَقَالَت: يَا دَاوُد إِنَّك حدثت نَفسك أَنَّك قد سبحت فِي سَاعَة لَيْسَ يذكر الله فِيهَا غَيْرك وَإِنِّي فِي سبعين ألف ضفدعة كلهَا قَائِمَة على رجل تسبح الله تَعَالَى وتقدسه
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: صلى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَة حَتَّى أصبح فَلَمَّا أَن أصبح وجد فِي نَفسه غرُورًا فنادته ضفدعة(5/293)
يَا دَاوُد كنت أدأب مِنْك قد أغفيت إغْفَاءَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي بردة عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَنه لَيْسَ شَيْء أَكثر تسبيحاً من هَذِه الدودة الْحَمْرَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: التُّرَاب يسبح فَإِذا بني فِيهِ الْحَائِط سبح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا سَمِعت تغيضاً من الْبَيْت أَو من الْخشب والجدر فَهُوَ تَسْبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن خَيْثَمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء يطْبخ قدرا فَوَقَعت على وَجههَا فعلت تسبح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة قَالَ: كَانَ مطرف رَضِي الله عَنهُ إِذا دخل بَيته فسبح سبحت مَعَه آنِية بَيته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَوْلَا مَا غمي عَلَيْكُم من تَسْبِيح مَا مَعكُمْ فِي الْبيُوت مَا تقاررتم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مسعر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَوْلَا مَا غمي عَلَيْكُم من تَسْبِيح خلقه مَا تقاررتم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} قَالَ: كل شَيْء فِيهِ الرّوح يسبح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَإِن من شَيْء إِلَّا يسبح بِحَمْدِهِ} قَالَ: صَلَاة الْخلق تسبيحهم سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعد الْآيَات بركَة وَأَنْتُم تعدونها تخويا بَيْنَمَا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ مَعنا مَاء فَقَالَ لنا: اطْلُبُوا من مَعَه فضل مَاء فَأتي بِمَاء فَوَضعه فِي إِنَاء ثمَّ وضع يَده فِيهِ فَجعل المَاء يخرج من بَين أَصَابِعه
ثمَّ قَالَ: حَيّ على الطّهُور الْمُبَارك وَالْبركَة من الله فشربنا مِنْهُ
قَالَ عبد الله: كُنَّا نسْمع صَوت المَاء وتسبيحه وَهُوَ يشرب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا نَأْكُل مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنسمع تَسْبِيح الطَّعَام وَهُوَ يُؤْكَل(5/294)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أنس قَالَ: آتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطَعَام ثريد فَقَالَ: إِن هَذَا الطَّعَام يسبح قَالُوا: يَا رَسُول الله وتفقه تسبيحه قَالَ: نعم
ثمَّ قَالَ لرجل: أدن هَذِه الْقَصعَة من هَذَا الرجل فأدناها مِنْهُ فَقَالَ: نعم يَا رَسُول الله هَذَا الطَّعَام يسبح فَقَالَ: أدْنِها من آخر وَأَدْنَاهَا مِنْهُ فَقَالَ: هَذَا الطَّعَام يسبح
ثمَّ قَالَ: ردهَا فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله لَو أمرت على الْقَوْم جَمِيعًا فَقَالَ: لَا إِنَّهَا لَو سكتت عِنْد رجل لقالوا من ذَنْب ردهَا فَردهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي حَمْزَة الثمالِي قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ وَسمع عصافير يصحن قَالَ: تَدْرِي مَا يقلن قلت: لَا
قَالَ: يسبحْنَ ربهن عز وَجل ويسألن قوت يومهن
وَأخرج الْخَطِيب عَن أبي حَمْزَة قَالَ: كُنَّا مَعَ عَليّ بن الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ فَمر بِنَا عصافير يصحن فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا تَقول هَذِه العصافير فَقُلْنَا: لَا
قَالَ: أما إِنِّي مَا أَقُول إِنَّا نعلم الْغَيْب وَلَكِنِّي سَمِعت أبي يَقُول: سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب أَمِير الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنهُ يَقُول: إِن الطير إِذا أَصبَحت سبحت رَبهَا وَسَأَلته قوت يَوْمهَا وَإِن هَذِه تسبح رَبهَا وتسأله قوت يَوْمهَا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي: يَا عَائِشَة اغسلي هذَيْن البردين فَقلت: يَا رَسُول الله بالْأَمْس غسلتهما فَقَالَ لي: أما علمت أَن الثَّوْب يسبح فَإِذا اتسخ انْقَطع تسبيحه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّه كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} قَالَ: حَلِيمًا عَن خلقه فَلَا يعجل كعجلة بَعضهم على بعض غَفُورًا لَهُم إِذا ثابوا
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَت: لما نزلت (تبت يدا أبي لَهب) (المسد آيَة 1) أَقبلت العوراء أم جميل وَلها ولولة وَفِي يَدهَا فهر وَهِي تَقول: مذمماً أَبينَا وَدينه قلينا وَأمره عصينا(5/295)
وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى جنبه فَقَالَ أَبُو بكر: لقد أَقبلت هَذِه وَأَنا أَخَاف أَن تراك فَقَالَ: إِنَّهَا لن تراني وَقَرَأَ قُرْآنًا اعْتصمَ بِهِ
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا} فَجَاءَت حَتَّى قَامَت على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ: فَلم تَرَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا أَبَا بكر بَلغنِي أَن صَاحبك هجاني فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: لَا وَرب هَذَا الْبَيْت مَا هجاك فَانْصَرَفت وَهِي تَقول: قد علمت قُرَيْش أَنِّي بنت سَيِّدهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من وَجه آخر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن أم جميل دخلت على أبي بكر وَعِنْده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا ابْن أبي قُحَافَة مَا شَأْن صَاحبك ينشد فِي الشّعْر فَقَالَ: وَالله مَا صَاحِبي بشاعر وَمَا يدْرِي مَا الشّعْر
فَقَالَت: أَلَيْسَ قد قَالَ: (فِي جيدها حَبل من مسد) (المسد آيَة 5) فَمَا يدريه مَا فِي جيدي فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قل لَهَا: هَل تَرين عِنْدِي أحدا فَإِنَّهَا لن تراني جعل بيني وَبَينهَا حجاب فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فَقَالَت: أتهزأ بِي وَالله مَا أرى عنْدك أحدا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد الْمقَام وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ظلّ الْكَعْبَة بَين يَدي إِذْ جَاءَت أم جميل بنت حَرْب بن أُميَّة زَوْجَة أبي لَهب وَمَعَهَا فهران فَقَالَت: أَيْن الَّذِي هجاني وهجا زَوجي وَالله لَئِن رَأَيْته لارضن أنثييه بِهَذَيْنِ الفهرين
وَذَلِكَ عِنْد نزُول (تبت يدا أبي لَهب) قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فَقلت لَهُ: يَا أم جميل مَا هجاك وَلَا هجا زَوجك
قَالَت: وَالله مَا أَنْت بِكَذَّابٍ وَإِن النَّاس ليقولون ذَلِك ثمَّ ولت ذَاهِبَة
فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّهَا لم ترك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَال بيني وَبَينهَا جِبْرِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت (تبت يدا أبي لَهب) جَاءَت امْرَأَة أبي لَهب فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله لَو تنحيت عَنْهَا فَإِنَّهَا امْرَأَة بذية فَقَالَ: إِنَّه سيحال بيني وَبَينهَا فَلَا تراني فَقَالَ: يَا أَبَا بكر هجانا صَاحبك(5/296)
قَالَ: وَالله مَا ينْطق بالشعر وَلَا يَقُوله
فَقَالَ: إِنَّك لمصدق فاندفعت رَاجِعَة
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله مَا رأتك قَالَ: كَانَ بيني وَبَينهَا ملك يسترني بجناحه حَتَّى ذهبت
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَلا الْقُرْآن على مُشْركي قُرَيْش ودعاهم إِلَى الله قَالُوا: يهزؤون بِهِ (قُلُوبنَا فِي أكنة بِمَا تدعونا إِلَيْهِ وَفِي آذاننا وقر وَمن بَيْننَا وَبَيْنك حجاب) (السَّجْدَة آيَة 5) فَأنْزل الله فِي ذَلِك من قَوْلهم {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن} الْآيَات
وَأخرج ابْن عَسَاكِر وَولده الْقَاسِم فِي كتاب آيَات الْحِرْز عَن الْعَبَّاس بن مُحَمَّد الْمنْقري رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قدم حُسَيْن بن زيد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الْمَدِينَة حاجّاً فاحتجنا إِلَى أَن نوجه رَسُولا وَكَانَ فِي الْخَوْف فَأبى الرَّسُول أَن يخرج وَخَافَ على نَفسه من الطَّرِيق فَقَالَ الْحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ: أَنا أكتب لَك رقْعَة فِيهَا حرز لن يَضرك شَيْء إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَكتب لَهُ رقْعَة وَجعلهَا الرَّسُول فِي صورته فَذهب الرَّسُول فَلم يلبث أَن جَاءَ سالما فَقَالَ: مَرَرْت بالأعراب يَمِينا وَشمَالًا فَمَا هيجني مِنْهُم أحد والحرز عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ بن أبي طَالب وَإِن هَذَا الْحِرْز كَانَ الْأَنْبِيَاء يتحرزون بِهِ من الفراعنة: (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) (قَالَ اخسؤوا فِيهَا وَلَا تكَلمُون) (الْمُؤْمِنُونَ آيَة 109) (إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقيا) (مَرْيَم آيَة 18) أخذت بسمع الله وبصره وقوّته على أسماعكم وأبصاركم وقوتكم يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين والأعراب وَالسِّبَاع والهوام واللصوص مِمَّا يخَاف ويحذر فلَان بن فلَان سترت بَينه وَبَيْنكُم بستر النبوّة الَّتِي استتروا بهَا من سطوات الفراعنة جِبْرِيل عَن أَيْمَانكُم وَمِيكَائِيل عَن شمائاكم وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمامكم وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من فَوْقكُم يمنعكم من فلَان بن فلَان فِي نَفسه وَولده وَأَهله وشعره وبشره وَمَاله وَمَا عَلَيْهِ وَمَا مَعَه وَمَا تَحْتَهُ وَمَا فَوْقه
{وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا}(5/297)
{وَجَعَلنَا على قُلُوبهم أكنة} إِلَى قَوْله {نفوراً} وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه وَسلم تَسْلِيمًا كثيرا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا} قَالَ: الْحجاب المستور أكنة على قُلُوبهم أَن يفقهوه وَأَن ينتفعوا بِهِ أطاعوا الشَّيْطَان فاستحوذ عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن الْآيَة قَالَ: ذَاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ الْقُرْآن على الْمُشْركين بِمَكَّة سمعُوا صَوته وَلَا يرونه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده ولوا على أدبارهم نفوراً} قَالَ: بغضاً لما تَتَكَلَّم بِهِ لِئَلَّا يسمعوه كَمَا كَانَ قوم نوح يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم لِئَلَّا يسمعوا مَا يَأْمُرهُم بِهِ من الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده ولوا على أدبارهم نفوراً} قَالَ: الشَّيَاطِين
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ عَليّ أَنه قَالَ: لم كتمتم (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) فَنعم الِاسْم وَالله كتموا فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا دخل منزله اجْتمعت عَلَيْهِ قُرَيْش فيجهر (بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) وَيرْفَع صَوته بهَا فتولي قُرَيْش فِرَارًا فَأنْزل الله {وَإِذا ذكرت رَبك فِي الْقُرْآن وَحده ولوا على أدبارهم نفوراً}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِذْ يَسْتَمِعُون إِلَيْك} قَالَ: عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن الْمُغيرَة وَالْعَاص بن وَائِل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذْ يَسْتَمِعُون إِلَيْك} قَالَ: هِيَ فِي مثل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَمن مَعَه فِي دَار الندوة وَفِي قَوْله: {فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} قَالَ: مخرجا يخرجهم من الْأَمْثَال الَّتِي ضربوا لَك الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:(5/298)
حدثت أَن أَبَا جهل وَأَبا سُفْيَان والأخنس بن شريق خَرجُوا لَيْلَة يَسْتَمِعُون من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيته فَأخذ كل رجل مِنْهُم مَجْلِسا يستمع فِيهِ وكل لَا يعلم بمَكَان صَاحبه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى إِذا طلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فتلاوموا فَقَالَ بَعضهم لبَعض: لَا تعودوا فَلَو رآكم بعض سفائكم لأوقعتم فِي نَفسه شَيْئا ثمَّ انصرفوا حَتَّى إِذا كَانَ اللَّيْلَة الثَّانِيَة عَاد كل رجل مِنْهُم إِلَى مَجْلِسه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى طلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فَقَالَ بَعضهم لبَعض: مثل مَا قَالُوا أول مرّة ثمَّ انصرفوا حَتَّى إِذا كَانَت اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَخذ كل وَاحِد مِنْهُم مَجْلِسه فَبَاتُوا يَسْتَمِعُون لَهُ حَتَّى إِذا طلع الْفجْر تفَرقُوا فَجمعتهمْ الطَّرِيق فَقَالَ بَعضهم لبَعض: لَا نَبْرَح حَتَّى نتعاهد لَا نعود فتعاهدوا على ذَلِك ثمَّ تفَرقُوا فَلَمَّا أصبح الْأَخْنَس أَتَى أَبَا سُفْيَان فِي بَيته فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن رَأْيك فِيمَا سَمِعت من مُحَمَّد
قَالَ: وَالله لقد سَمِعت أَشْيَاء أعرفهَا وَأعرف مَا يُرَاد بهَا وَسمعت أَشْيَاء مَا عرفت مَعْنَاهَا وَلَا مَا يُرَاد بهَا
قَالَ الْأَخْنَس: وَأَنا وَالَّذِي حَلَفت بِهِ
ثمَّ خرج من عِنْده حَتَّى أَتَى أَبَا جهل فَقَالَ: مَا رَأْيك فِيمَا سَمِعت من مُحَمَّد قَالَ: مَاذَا سَمِعت تنازعنا نَحن وَبَنُو عبد منَاف فِي الشّرف أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حَتَّى إِذا تجاثينا على الركب وَكُنَّا كفرسي رهان
قَالُوا: منا نَبِي يَأْتِيهِ الْوَحْي من السَّمَاء فَمَتَى ندرك هَذِه وَالله لَا نؤمن بِهِ أبدا وَلَا نصدقه فَقَامَ عَنهُ الْأَخْنَس وَتَركه وَالله أعلم
الْآيَة 49 - 51(5/299)
وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ورفاتاً} قَالَ غباراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي(5/299)
الله عَنهُ فِي قَوْله: {ورفاتاً} قَالَ: تُرَابا
وَفِي قَوْله: {قل كونُوا حِجَارَة أَو حديداً} قَالَ: مَا شِئْتُم فكونوا فسيعيدكم الله كَمَا أَنْتُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو خلقا مِمَّا يكبر فِي صدوركم} قَالَ: الْمَوْت
قَالَ: لَو كُنْتُم موتى لأحييتكم
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو خلقا مِمَّا يكبر فِي صدوركم} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَو خلقا مِمَّا يكبر فِي صدوركم} قَالَ: هُوَ الْمَوْت لَيْسَ شَيْء أكبر فِي نفس ابْن آدم من الْمَوْت فكونوا الْمَوْت ان اسْتَطَعْتُم فَإِن الْمَوْت سيموت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فسينغضون إِلَيْك رؤوسهم} قَالَ: يحركون رؤوسهم استهزاء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى: {فسينغضون إِلَيْك رؤوسهم} قَالَ: يحركون رؤوسهم استهزاء برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: اتنغض لي بوم الفخار وَقد ترى خيولاً عَلَيْهَا كالأسود ضواريا وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ} قَالَ: الْإِعَادَة وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَة 53(5/300)
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (52) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فتستجيبون بِحَمْدِهِ} قَالَ بأَمْره(5/300)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فتستجيبون بِحَمْدِهِ} قَالَ: يخرجُون من قُبُورهم وهم يَقُولُونَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم يدعوكم فتستجيبون بِحَمْدِهِ} أَي بمعرفته وطاعته {وتظنون إِن لبثتم إِلَّا قَلِيلا} أَي فِي الدُّنْيَا تحاقرت الْأَعْمَار فِي أنفسهم وَقلت حِين عاينوا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ على أهل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْشَة فِي قُبُورهم وَلَا فِي منشرهم وَكَأَنِّي بِأَهْل لَا إِلَه إِلَّا الله يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم وَيَقُولُونَ الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا عَنَّا الْحزن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ على أهل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْشَة عِنْد الْمَوْت وَلَا فِي الْقُبُور وَلَا فِي الْحَشْر كَأَنِّي بِأَهْل لَا إِلَه إِلَّا الله قد خَرجُوا من قُبُورهم يَنْفضونَ رؤوسهم من التُّرَاب يَقُولُونَ الْحَمد الله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن
وَأخرج الْخَطِيب فِي التَّارِيخ عَن مُوسَى بن هرون الْحمال قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم الْموصِلِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم فَقلت: يَا رَسُول الله إِن يحيى الْحمانِي حَدثنَا عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن ابْن عمر عَنْك صلى الله عَلَيْك أَنَّك قلت لَيْسَ على أهل لَا إِلَه إِلَّا الله وَحْشَة فِي قُبُورهم وَلَا فِي منشرهم وَكَأَنِّي بلأهل لَا إِلَه إِلَّا الله يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم وَيَقُولُونَ الْحَمد لله الَّذِي أذهب عَنَّا الْحزن
فَقَالَ: صدق الْحمانِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: يعفوا عَن السَّيئَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَقل لعبادي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أحسن} قَالَ: لَا يَقُول لَهُ مثل مَا يَقُول بل يَقُول لَهُ: يَرْحَمك الله يغْفر الله لَك(5/301)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نَزغ الشَّيْطَان تحريشه
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يشيرن أحدكُم إِلَى أَخِيه بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أحدكُم لَعَلَّ الشَّيْطَان ينزغ فِي يَده فَيَقَع فِي حُفْرَة من نَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِن الشَّيْطَان كَانَ للْإنْسَان عدوّاً مُبينًا} قَالَ: عادوه فَإِنَّهُ يحِق على كل مُسلم عداوته وعداوته أَن تعاديه بِطَاعَة الله
الْآيَة 54(5/302)
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (54)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {ربكُم أعلم بكم إِن يَشَأْ يَرْحَمكُمْ} قَالَ: فتؤمنوا وَإِن يَشَأْ يعذبكم فتموتوا على الشّرك كَمَا أَنْتُم
الْآيَة 55(5/302)
وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (55)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلَقَد فضلنَا بعض النَّبِيين على بعض} قَالَ: اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وكلم مُوسَى تكليماً وَجعل عِيسَى كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَكَانَ وَهُوَ عبد الله وَرَسُوله من كلمة الله وروحه وَآتى سُلَيْمَان ملكا عَظِيما لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده وَآتى دَاوُد زبورا وَغفر لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَقَد فضلنَا بعض النَّبِيين على بعض} قَالَ: كلم الله مُوسَى وَأرْسل مُحَمَّدًا إِلَى النَّاس كَافَّة(5/302)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وآتينا دَاوُد زبوراً} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه دُعَاء علمه دَاوُد وتحميد أَو تمجيد الله عز وَجل لَيْسَ فِيهِ حَلَال وَلَا حرَام وَلَا فَرَائض وَلَا حُدُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الزبُور ثَنَاء على الله وَدُعَاء وتسبيح
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الرَّحْمَن بن مرْدَوَيْه قَالَ: فِي زبور آل دَاوُد ثَلَاثَة أحرف: طُوبَى لرجل لَا يسْلك سَبِيل الْخَطَّائِينَ وطوبى لمن لم يأتمر بِأَمْر الظَّالِمين وطوبى من لم يُجَالس البطالين
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي أول شَيْء من مَزَامِير دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: طُوبَى لرجل لَا يسْلك طَرِيق الْخَطَّائِينَ وَلم يُجَالس البطالين ويستقيم على عبَادَة ربه عز وَجل فَمثله كَمثل شَجَرَة نابتة على ساقية لَا يزَال فِيهَا المَاء يفضل ثَمَرهَا فِي زمَان الثِّمَار وَلَا تزَال خضراء فِي غير زمَان الثِّمَار
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي بعض زبور دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام تساقطت الْقرى وأبطل ذكرهم وَأَنا دَائِم الدَّهْر مقْعد كرْسِي للْقَضَاء
وَأخرج أَحْمد عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وجدت فِي كتاب دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول: بعزتي وَجَلَالِي إِنَّه من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وَمَا ترددت عَن شَيْء أُرِيد ترددي عَن موت الْمُؤمن قد علمت أَنه يكره الْمَوْت وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ وَأَنا أكره أَن أسوءه قَالَ: وقرأت فِي كتاب آخر: ان الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول: كفاني لعبدي مَالا إِذا كَانَ عَبدِي فِي طَاعَتي أَعْطيته قبل أَن يسألني واستجبت لَهُ من قبل أَن يدعوني فَإِنِّي أعلم بحاجته الَّتِي ترفق بِهِ من نَفسه قَالَ: وقرأت فِي كتاب آخر: إِن الله عز وَجل يَقُول: بعزتي إِنَّه من اعْتصمَ بِي وَإِن كادته السَّمَوَات بِمن فِيهِنَّ والأرضون بِمن فِيهِنَّ فَإِنِّي أجعَل لَهُ من بَين ذَلِك مخرجا وَمن لم يعتصمني بِي فَإِنِّي أقطع يَدَيْهِ من أَسبَاب السَّمَاء وأخسف بِهِ من تَحت قَدَمَيْهِ الأَرْض فأجعله فِي الْهَوَاء ثمَّ أكله إِلَى نَفسه
وَأخرج أَحْمد عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي حِكْمَة آل دَاوُد وَحقّ على الْعَاقِل أَن لَا يشْتَغل عَن أَربع سَاعَات: سَاعَة يُنَاجِي ربه وَسَاعَة يُحَاسب(5/303)
فِيهَا نَفسه وَسَاعَة يُفْضِي فِيهَا إِلَى اخوانه الَّذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عَن نَفسه وَسَاعَة يخلي بَين نَفسه وَبَين لذاتها فِيمَا يحل ويجمل فَإِنَّهُ هَذِه السَّاعَات: عون على هَذِه السَّاعَات وَإِجْمَاع للقلوب وَحقّ على الْعَاقِل أَن يكون عَارِفًا بِزَمَانِهِ حَافِظًا لِلِسَانِهِ مُقبلا على شَأْنه وَحقّ على الْعَاقِل أَن لَا يظعن إِلَّا فِي احدى ثَلَاث: زَاد لِمَعَاد أَو مرمة لِمَعَاش أَو لَذَّة فِي غير محرم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن خَالِد الربعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وجدت فَاتِحَة الزبُور الَّذِي يُقَال لَهُ: زبور دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَن رَأس الْحِكْمَة خشيَة الله تَعَالَى
وَأخرج أَحْمد عَن أَيُّوب الفلسطيني رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَكْتُوب فِي مَزَامِير دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَام - أَتَدْرِي لمن أَغفر قَالَ: لمن يَا رب قَالَ: للَّذي إِذا أذْنب ذَنبا ارتعدت لذَلِك مفاصله فَذَلِك الَّذِي آمُر ملائكتي أَن لَا يكتبوا عَلَيْهِ ذَلِك الذَّنب
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَكْتُوب فِي الزبُور بطلت الامانة وَالرجل مَعَ صَاحبه بشفتين مختلفتين يهْلك الله عز وَجل كل ذِي شفين مختلفتين
قَالَ: ومكتوب فِي الزبُور بِنَار الْمُنَافِق تحترق الْمَدِينَة
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَكْتُوب فِي الزبُور - وَهُوَ أول الزبُور - طُوبَى لمن لم يسْلك سَبِيل الْأَئِمَّة وَلم يُجَالس الْخَطَّائِينَ وَلم يفِيء فِي هم الْمُسْتَهْزِئِينَ وَلَكِن همه سنة الله عز وَجل وَإِيَّاهَا يتَعَلَّم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مثله مثل شَجَرَة تنْبت على شط تؤتي ثَمَرَتهَا فِي حينها وَلَا يَتَنَاثَر من وَرقهَا شَيْء وكل عمل بأَمْري لَيْسَ ذَلِك مثل عمل الْمُنَافِقين
وَأخرج أَحْمد عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي الزبُور بكبر الْمُنَافِق يَحْتَرِق الْمِسْكِين
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأت فِي آخر زبور دَاوُد - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - ثَلَاثِينَ سطراً يَا دَاوُد هَل تَدْرِي أَي الْمُؤمنِينَ أحب إِلَيّ أَن أطيل حَيَاته الَّذِي قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله أقشعر جلده وَإِنِّي أكره لذَلِك الْمَوْت كَمَا تكره الوالدة لولدها وَلَا بُد لَهُ مِنْهُ إِنِّي أُرِيد(5/304)
أَن أسره فِي دَار سوى هَذِه الدَّار فَإِن نعيمها بلَاء ورخاءها شدَّة فِيهَا عَدو لَا يألوهم خبالاً يجْرِي مِنْهُ مجْرى الدَّم من أجل ذَلِك عجلت أوليائي إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَالك بن المغول قَالَ: فِي زبور دَاوُد مَكْتُوب إِنِّي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا ملك الْمُلُوك قُلُوب الْمُلُوك بيَدي فأيما قوم كَانُوا على طَاعَة جعلت الْمُلُوك عَلَيْهِم رَحْمَة وَأَيّمَا قوم كَانُوا على مَعْصِيّة جعلت الْمُلُوك عَلَيْهِم نقمة لَا تشْغَلُوا أَنفسكُم بِسَبَب الْمُلُوك وَلَا تتوبوا إِلَيْهِم تُوبُوا إليَّ أعطف قُلُوبكُمْ عَلَيْكُم
الْآيَة 56 - 57(5/305)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا (57)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قل ادعوا الَّذين زعمتم من دونه فَلَا يملكُونَ كشف الضّر عَنْكُم وَلَا تحويلاً} قَالَ: كَانَ نفر من الْإِنْس يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ فَأسلم النَّفر من الْجِنّ وَتمسك الإنسيون بعبادتهم فَأنْزل الله {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة} كِلَاهُمَا بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي نفر من الْعَرَب كَانُوا يعْبدُونَ نَفرا من الْجِنّ فَأسلم الجنيون والنفر من الْعَرَب لَا يَشْعُرُونَ بذلك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت قبائل من الْعَرَب يعْبدُونَ صنفا من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَيَقُولُونَ هم بَنَات الله فَأنْزل الله {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة
قَالَ: كَانَ أهل الشّرك يعْبدُونَ الْمَلَائِكَة والمسيح وعزيراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن(5/305)
ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَلَا يملكُونَ كشف الضّر عَنْكُم} قَالَ: عِيسَى وَأمه وعزير
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أُولَئِكَ الَّذين يدعونَ} قَالَ: هم عِيسَى وعزير وَالشَّمْس وَالْقَمَر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَاللَّفْظ لَهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سلوا الله لي الْوَسِيلَة قَالُوا: وَمَا الْوَسِيلَة قَالَ: الْقرب من الله ثمَّ قَرَأَ {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبهم الْوَسِيلَة أَيهمْ أقرب}
الْآيَة 58(5/306)
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن من قَرْيَة إِلَّا نَحن مهلكوها قبل يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: مبيدوها أَو معذبوها
قَالَ: بِالْقَتْلِ وَالْبَلَاء كل قَرْيَة فِي الأَرْض سيصيبها بعض هَذَا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سماك بن حَرْب عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا ظهر الزِّنَا والربا فِي قَرْيَة أذن الله فِي هلاكها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ فِي قَوْله: {كَانَ ذَلِك فِي الْكتاب مسطوراً} قَالَ: فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
الْآيَة 59 - 60(5/306)
وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (59) وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (60)
أخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله(5/306)
عَنْهُمَا قَالَ: سَأَلَ أهل مَكَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَجْعَل لَهُم الصَّفَا ذَهَبا وَأَن ينحي عَنْهُم الْجبَال فيزرعون فَقيل لَهُ: إِن شِئْت أَن تتأنى بهم وَإِن شِئْت أَن نؤتيهم الَّذِي سَأَلُوا فَإِن كفرُوا أهلكوا كَمَا أهلكت من قبلهم من الْأُمَم
قَالَ لَا: بل أستأني بهم فَأنْزل الله {وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا ان كذب بهَا الْأَولونَ}
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَت قُرَيْش للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادْع لنا رَبك أَن يَجْعَل لنا الصَّفَا ذَهَبا ونؤمن لَك
قَالَ: وتفعلون قَالُوا: نعم
فَدَعَا فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك إِن شِئْت أصبح الصَّفَا لَهُم ذَهَبا فَمن كفر مِنْهُم بعد ذَلِك عَذبته عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين وَإِن شِئْت فتحت لَهُم بَاب التَّوْبَة وَالرَّحْمَة قَالَ: بَاب التَّوْبَة وَالرَّحْمَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّاس لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو جئتنا بِآيَة كَمَا جَاءَ بهَا صَالح والنبيون
فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شِئْتُم دَعَوْت الله فأنزلها عَلَيْكُم وَإِن عصيتم هلكتم فَقَالُوا: لَا نريدها
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ أهل مَكَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن كَانَ مَا تَقول حَقًا ويسرك أَن نؤمن فحوّل لنا الصَّفَا ذَهَبا فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن شِئْت كَانَ الَّذِي سَأَلَك قَوْمك وَلكنه إِن كَانَ ثمَّ لم يُؤمنُوا لم ينْظرُوا وَإِن شِئْت اسْتَأْنَيْت بقومك قَالَ: بل أستأني بقومي فَأنْزل الله: {وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كذب بهَا الْأَولونَ} وَأنزل الله (وَمَا آمَنت قبلهم من قَرْيَة أهلكناها أفهم يُؤمنُونَ) (الْأَنْبِيَاء آيَة 6)
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا منعنَا أَن نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا ان كذب بهَا الْأَولونَ} قَالَ: رَحْمَة لكم أيتها الْأمة
قَالَ: إِنَّا لَو أرسلنَا بِالْآيَاتِ فَكَذَّبْتُمْ بهَا أَصَابَكُم مَا أصَاب من قبلكُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لم تؤت قَرْيَة بِآيَة فكذبوا بهَا إِلَّا عذبُوا وَفِي قَوْله: {وآتينا ثَمُود النَّاقة مبصرة} قَالَ: آيَة(5/307)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفاً} قَالَ: الْمَوْت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفاً} قَالَ: الْمَوْت الذريع
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْبَعْث عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفاً} قَالَ: الْمَوْت من ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا نرسل بِالْآيَاتِ إِلَّا تخويفاً} قَالَ: إِن الله يخوّف النَّاس بِمَا شَاءَ من آيَاته لَعَلَّهُم يعتبون أَو يذكرُونَ أَو يرجعُونَ
ذكر لنا أَن الْكُوفَة رجفت على عهد ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن ربكُم يستعتبكم فاعتبوه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِذ قُلْنَا لَك أَن رَبك أحَاط بِالنَّاسِ} قَالَ: عصمك من النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن رَبك أحَاط بِالنَّاسِ} قَالَ: فهم فِي قَبضته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن رَبك أحَاط بِالنَّاسِ} قَالَ: أحَاط بهم فَهُوَ مانعك مِنْهُم وعاصمك حَتَّى تبلغ رسَالَته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} قَالَ: هِيَ رُؤْيا عين أريها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة أسرِي بِهِ إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَلَيْسَت برؤيا مَنَام {والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن} قَالَ: هِيَ شَجَرَة الزقوم(5/308)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك} قَالَ: مَا أرِي فِي طَرِيقه إِلَى بَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو يعلى وَابْن عَسَاكِر عَن أم هَانِئ رَضِي الله عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أسرِي بِهِ أصبح يحدث نَفرا من قُرَيْش وهم يستهزئون بِهِ فطلبوا مِنْهُ آيَة فوصف لَهُم بَيت الْمُقَدّس وَذكر لَهُم قصَّة العير
فَقَالَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة: هَذَا سَاحر فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أصبح يحدث بذلك فكذب بِهِ أنَاس فَأنْزل الله فِيمَن ارْتَدَّ: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ مَا رأى فِي بَيت الْمُقَدّس لَيْلَة أسرِي بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} يَقُول: أرَاهُ من الْآيَات والعبر فِي مسيره إِلَى بَيت الْمُقَدّس
ذكر لنا أَن نَاسا ارْتَدُّوا بعد إسْلَامهمْ حِين حَدثهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمسيره أَنْكَرُوا ذَلِك وكذبوا بِهِ وعجبوا مِنْهُ وَقَالُوا أتحدثنا أَنَّك سرت مسيرَة شَهْرَيْن فِي لَيْلَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن جرير عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني فلَان ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذَلِك فَمَا استجمع ضَاحِكا حَتَّى كات وَأنزل الله {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَأَيْت ولد الحكم بن أبي الْعَاصِ على المنابر كَأَنَّهُمْ القردة وَأنزل الله فِي ذَلِك {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس والشجرة الملعونة} يَعْنِي الحكم وَولده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يعلى بن مرّة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أريت بني أُميَّة على مَنَابِر الأَرْض وسيتملكونكم فتجدونهم أَرْبَاب سوء واهتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لذَلِك: فَأنْزل الله {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس}(5/309)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْحُسَيْن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - أصبح وَهُوَ مهموم فَقيل: مَالك يَا رَسُول الله فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن بني أُميَّة يتعاورون منبري هَذَا فَقيل: يَا رَسُول الله لَا تهتهم فَإِنَّهَا دنيا تنالهم
فَأنْزل الله: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني أُميَّة على المنابر فساءه ذَلِك فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنَّمَا هِيَ دنيا أعطوها فقرت عينه وَهِي قَوْله: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك إِلَّا فتْنَة للنَّاس} يَعْنِي بلَاء للنَّاس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لمروان بن الحكم: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لأَبِيك وَجدك إِنَّكُم الشَّجَرَة الملعونة فِي الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَمَا جعلنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أريناك} الْآيَة
قَالَ: إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرِي أَنه دخل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه وَهُوَ يَوْمئِذٍ بِالْمَدِينَةِ فَسَار إِلَى مَكَّة قبل الْأَجَل فَرده الْمُشْركُونَ فَقَالَ أنَاس قدْ رُدَّ وَكَانَ حَدثنَا أَنه سيدخلها فَكَانَت رجعته فتنتهم
وَأخرج ابْن اسحق وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ أَبُو جهل لما ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - شَجَرَة الزقوم تخويفاً لَهُم يَا معشر قُرَيْش هَل تَدْرُونَ مَا شَجَرَة الزقوم الَّتِي يخوّفكم بهَا مُحَمَّد قَالُوا: لَا
قَالَ: عَجْوَة يثرب بالزبد - وَالله لَئِن استمكنا مِنْهَا لنتزقمها تزقما
فَأنْزل الله: (إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم) (الدُّخان الْآيَتَانِ 43 44) وَأنزل الله {والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن} قَالَ: هِيَ شَجَرَة الزقوم خوفوا بهَا
قَالَ أَبُو جهل: أيخوفني ابْن أبي كَبْشَة بشجرة الزقوم ثمَّ دَعَا بِتَمْر وزبد فَجعل يَقُول: زقموني
فَأنْزل الله تَعَالَى: (طلعها كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين) (الصافات آيَة 65) وَأنزل الله {ونخوفهم فَمَا يزيدهم إِلَّا طغياناً كَبِيرا}(5/310)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {والشجرة الملعونة} قَالَ: ملعونة لِأَن (طلعها كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين) (الصافات آيَة 65) وهم ملعونون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونخوفهم} قَالَ: أَبُو جهل بشجرة الزقوم {فَمَا يزيدهم} قَالَ: مَا يزِيد أَبَا جهل {إِلَّا طغيانا كَبِيرا}
الْآيَة 61 - 65(5/311)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (61) قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا (63) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (64) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: حسد إِبْلِيس آدم عَلَيْهِ السَّلَام على مَا أعطَاهُ الله من كَرَامَة وَقَالَ: أَنا ناريٌّ وَهَذَا طينيٌّ فَكَانَ بَدْء الذُّنُوب الْكبر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ إِبْلِيس: إِن آدم خلق من تُرَاب وَمن طين خلق ضَعِيفا وَإِنِّي خلقت من نَار وَالنَّار تحرق كل شَيْء {لأحتنكن ذُريَّته إِلَّا قَلِيلا} فَصدق ظَنّه عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {لأحتنكن} قَالَ: لأستولين(5/311)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لأحتنكن ذُريَّته} قَالَ: لأحتوينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لأحتنكن ذُريَّته} قَالَ: لأضلنهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {جَزَاء موفوراً} قَالَ: وافراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فَإِن جَهَنَّم جزاؤكم جَزَاء موفوراً} يَقُول: يوفر عَذَابهَا للْكَافِرِ فَلَا يدّخر عَنْهُم مِنْهَا شَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم بصوتك} قَالَ: صَوته كل دَاع دَعَا إِلَى مَعْصِيّة الله {وأجلب عَلَيْهِم بخيلك} قَالَ: كل رَاكب فِي مَعْصِيّة الله {وشاركهم فِي الْأَمْوَال} قَالَ: كل مَال فِي مَعْصِيّة الله {وَالْأَوْلَاد} قَالَ: مَا قتلوا من أَوْلَادهم وَأتوا فيهم الْحَرَام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وأجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} قَالَ: كل خيل تسير فِي مَعْصِيّة الله وكل رجل يمشي فِي مَعْصِيّة الله وكل مَال أَخذ بِغَيْر حَقه وكل ولد زنا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {واستفزز من اسْتَطَعْت مِنْهُم بصوتك} قَالَ: استنزل من اسْتَطَعْت مِنْهُم بِالْغنَاءِ والمزامير وَاللَّهْو وَالْبَاطِل {وأجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك} قَالَ كل رَاكب وماش فِي معاصي الله {وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} قَالَ: كل مَال أَخذ بِغَيْر طَاعَة الله تَعَالَى وَأنْفق فِي غير حَقه وَالْأَوْلَاد أَوْلَاد الزِّنَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} قَالَ: الْأَمْوَال مَا كَانُوا يحرمُونَ من أنعامهم وَالْأَوْلَاد أَوْلَاد الزِّنَا(5/312)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: مشاركته فِي الْأَمْوَال ان جعلُوا الْبحيرَة والسائبة والوصيلة لغير الله ومشاركته إيَّاهُم فِي الْأَوْلَاد سمو عبد الْحَارِث وَعبد شمس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ رَفعه قَالَ: قَالَ إِبْلِيس يَا رب إِنَّك لعنتني واخرجتني من الْجنَّة من أجل آدم وَإِنِّي لَا أستطيعه إِلَّا بك
قَالَ: فَأَنت الْمُسَلط
قَالَ: أَي رب زِدْنِي قَالَ: {وأجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا إِن إِبْلِيس قَالَ: يَا رب إِنَّك خلقت آدم وَجعلت بيني وَبَينه عَدَاوَة فسلطني قَالَ: صُدُورهمْ مسَاكِن لَك
قَالَ: رب زِدْنِي
قَالَ: لَا يُولد لآدَم ولد إِلَّا ولد لَك عشرَة
قَالَ: رب زِدْنِي
قَالَ: تجْرِي مِنْهُم مجْرى الدَّم
قَالَ: رب زِدْنِي
قَالَ: {وأجلب عَلَيْهِم بخيلك ورجلك وشاركهم فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} فَشَكا آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - إِبْلِيس إِلَى ربه
قَالَ: يَا رب إِنَّك خلقت إِبْلِيس وَجعلت بيني وَبَينه عَدَاوَة وبغضا وسلطته عَليّ وَأَنا لَا أُطِيقهُ إِلَّا بك
قَالَ: لَا يُولد لَك ولد إِلَّا وكلت بِهِ ملكَيْنِ يحفظانه من قرناء السوء
قَالَ: رب زِدْنِي
قَالَ: الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا قَالَ: رب زِدْنِي
قَالَ: لَا أحجب عَن أحد من ولدك التَّوْبَة مَا لم يُغَرْغر
وَالله أعلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} قَالَ: عبَادي الَّذين قضيت لَهُم بِالْجنَّةِ لَيْسَ لَك عَلَيْهِم أَن يذنبوا ذَنبا إِلَّا أَغفر لَهُم
الْآيَة 66 - 69(5/313)
رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا (69)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يزجي} قَالَ: يجْرِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يزجي لكم الْفلك} قَالَ: يسيرها فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {الْفلك} قَالَ: السفن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَوْزَاعِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِنَّه كَانَ بكم رحِيما} قَالَ: نزلت فِي الْمُشْركين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو يُرْسل عَلَيْكُم حاصباً} قَالَ: مطر الْحِجَارَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو يُرْسل عَلَيْكُم حاصباً} قَالَ: حِجَارَة من السَّمَاء {ثمَّ لَا تَجدوا لكم وَكيلا} أَي مَنْعَة وَلَا ناصراً {أم أمنتم أَن يعيدكم فِيهِ تَارَة أُخْرَى} أَي مرّة أُخْرَى فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَيُرْسل عَلَيْكُم قاصفاً من الرّيح} قَالَ: الَّتِي تغرق
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: القاصف والعاصف فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {قاصفاً} قَالَ: عاصفاً
وَفِي قَوْله: {ثمَّ لَا تَجدوا لكم علينا بِهِ تبيعاً} قَالَ: نَصِيرًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {تبيعاً} قَالَ: ثائراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ثمَّ لَا تَجدوا لكم علينا بِهِ تبيعاً} قَالَ: لَا يتبعنا أحد بِشَيْء من ذَلِك(5/314)
الْآيَة 70 - 72(5/315)
وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا (72)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والخطيب فِي تَارِيخه عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من شَيْء أكْرم على الله من بني آدم يَوْم الْقِيَامَة
قيل: يَا رَسُول الله وَلَا الْمَلَائِكَة المقربون
قَالَ: وَلَا الْمَلَائِكَة
الْمَلَائِكَة مَجْبُورُونَ بِمَنْزِلَة الشَّمْس وَالْقَمَر
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَوْقُوفا وَقَالَ: هُوَ الصَّحِيح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُؤمن أكْرم على الله من مَلَائكَته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمَلَائِكَة قَالَت: يَا رب أَعْطَيْت بني آدم الدُّنْيَا يَأْكُلُون فِيهَا وَيَشْرَبُونَ وَيلبسُونَ وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك وَلَا نَأْكُل وَلَا نشرب وَلَا نَلْهُو فَكَمَا جعلت لَهُم الدُّنْيَا فَاجْعَلْ لنا الْآخِرَة
قَالَ: لَا أجعَل صَالح ذُرِّيَّة من خلقت بيَدي كمن قلت لَهُ كن فَكَانَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم مثله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ: حَدثنِي أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمَلَائِكَة قَالُوا: رَبنَا خلقتنا وخلقت بني آدم
فجعلتهم يَأْكُلُون الطَّعَام وَيَشْرَبُونَ الشَّرَاب وَيلبسُونَ الثِّيَاب ويأتون النِّسَاء ويركبون الدَّوَابّ وينامون ويستريحون وَلم تجْعَل لنا من ذَلِك شَيْئا
فَاجْعَلْ لَهُم الدُّنْيَا وَلنَا الْآخِرَة
فَقَالَ الله: لَا أجعَل من خلقته بيَدي ونفخت فِيهِ من روحي كمن قلت لَهُ كن فَكَانَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عُرْوَة بن رُوَيْم مُرْسلا(5/315)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عُرْوَة بن رُوَيْم الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما خلق الله آدم وَذريته قَالَت الْمَلَائِكَة: يَا رب خلقتهمْ يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَيَنْكِحُونَ ويركبون فَاجْعَلْ لَهُم الدُّنْيَا وَلنَا الْآخِرَة فَقَالَ الله تَعَالَى: لَا أجعَل من خلقته بيَدي ونفخت فِيهِ من روحي كمن قلت لَهُ كن فَكَانَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من وَجه آخر عَن عُرْوَة بن رُوَيْم اللَّخْمِيّ عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر نَحوه إِلَّا أَنه قَالَ: ويركبون الْخَيل وَلم يذكر ونفخت فِيهِ من روحي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَقَد كرمنا بني آدم} قَالَ: جعلناهم يَأْكُلُون بِأَيْدِيهِم وَسَائِر الْخلق يَأْكُلُون بأفواههم
وَأخرج الْحَاكِم فِي التَّارِيخ والديلمي عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَلَقَد كرمنا بني آدم} قَالَ: الْكَرَامَة الْأكل بالأصابع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من رجل يرى مبتلى فَيَقُول: الْحَمد لله الَّذِي عافاني مِمَّا ابتلاك بِهِ وفضلني عَلَيْك وعَلى كثير من خلقه تَفْضِيلًا إِلَّا عافاه الله من ذَلِك الْبلَاء كَائِنا مَا كَانَ
وَأخرج أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله خلق السَّمَوَات سبعا فَاخْتَارَ الْعليا مِنْهَا فأسكنها مَا شَاءَ من خلقه ثمَّ خلق الْخلق فَاخْتَارَ من الْخلق بني آدم وَاخْتَارَ من بني آدم الْعَرَب وَاخْتَارَ من الْعَرَب مُضر وَاخْتَارَ من مُضر قُريْشًا وَاخْتَارَ من قُرَيْش بني هَاشم واختارني من بني هَاشم فانا من خِيَار الأخيار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَوْم ندعوا كل أُناس بإمامهم} قَالَ: إِمَام هدى وَإِمَام ضَلَالَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي تَارِيخه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {يَوْم ندعوا كل أنَاس بإمامهم} قَالَ: بِنَبِيِّهِمْ(5/316)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {يَوْم ندعوا كل أنَاس بإمامهم} قَالَ: بِكِتَاب أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {يَوْم ندعوا كل أنَاس بإمامهم} قَالَ: يدعى كل قوم بِإِمَام زمانهم وَكتاب رَبهم وَسنة نَبِيّهم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {يَوْم ندعوا كل أنَاس بإمامهم} قَالَ: يدعى أحدهم فَيعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ ويُمَدّ لَهُ فِي جِسْمه سِتِّينَ ذِرَاعا ويبيض وَجهه وَيجْعَل على رَأسه تَاج من نور يتلألأ فَينْطَلق إِلَى أَصْحَابه فيرونه من بعيد فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ ائتنا بِهَذَا وَبَارك لنا فِي هَذَا حَتَّى يَأْتِيهم فَيَقُول: أَبْشِرُوا
لكل رجل مِنْكُم مثل هَذَا
وَأما الْكَافِر فيسوّد لَهُ وَجهه ويُمَدّ لَهُ فِي جِسْمه سِتِّينَ ذِرَاعا على صُورَة آدم ويلبس تاجا من نَارا فيراه أَصْحَابه فَيَقُولُونَ: نَعُوذ بِاللَّه من شَرّ هَذَا
اللَّهُمَّ لَا تأتنا بِهَذَا
قَالَ فيأتيهم
فَيَقُول: رَبنَا أخّرْه فَيَقُول: ابعدكم الله فَإِن لكل رجل مِنْكُم مثل هَذَا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: جَاءَ نفر من أهل الْيمن إِلَى ابْن عَبَّاس فَسَأَلَهُ رجل: أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى: {وَمن كَانَ فِي هَذِه أعمى فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى} فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: لم تصب الْمَسْأَلَة اقْرَأ مَا قبلهَا {ربكُم الَّذِي يزجي لكم الْفلك فِي الْبَحْر} حَتَّى بلغ {وفضلناهم على كثير مِمَّن خلقنَا تَفْضِيلًا} فَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَمن كَانَ أعمى عَن هَذَا النَّعيم الَّذِي قَدْ رَأَى وعايَنَ فَهُوَ فِي أَمر الْآخِرَة الَّتِي لم تُرَ ولَمْ تعاين {أعمى وأضل سَبِيلا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمن كَانَ} فِي الدُّنْيَا {أعمى} عَمَّا يرى من قدرتي من خلق السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْجِبَال والبحار وَالنَّاس وَالدَّوَاب وَأَشْبَاه هَذَا {فَهُوَ} عَمَّا وصفت لَهُ فِي الْآخِرَة وَلم يره {أعمى وأضل سَبِيلا} يَقُول: أبعد حجَّة(5/317)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس: من عمي عَن قدرَة الله فِي الدُّنْيَا فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: من عمي عَمَّا يرَاهُ من الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا يرى من الْآيَات وَلم يصدق بهَا فَهُوَ عَمَّا غَابَ عَنهُ من آيَات الله أعمى وأضل سَبِيلا
الْآيَة 73 - 75(5/318)
وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أُميَّة بن خلف وَأَبا جهل بن هِشَام ورجالاً من قُرَيْش أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: تعال فاستلم آلِهَتنَا وندخل مَعَك فِي دينك وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشْتَد عَلَيْهِ فِرَاق قومه وَيُحب إسْلَامهمْ فرقّ لَهُم فَأنْزل الله {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} إِلَى قَوْله {نَصِيرًا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن باذان عَن جَابر بن عبد الله مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَلم الْحجر فَقَالُوا: لَا نَدعك تستلمه حَتَّى تستلم آلِهَتنَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَمَا عليّ لَو فعلت وَالله يعلم مني خِلَافه فَأنْزل الله {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} إِلَى قَوْله {نَصِيرًا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا طَاف يَقُول لَهُ الْمُشْركُونَ: اسْتَلم آلِهَتنَا كي لَا تَضُرك فكاد يفعل فَأنْزل الله {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جُبَير بن نفير رَضِي الله عَنهُ أَن قُريْشًا أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ: إِن كنت أرست إِلَيْنَا فاطرد الَّذين اتبعوك من سقاط النَّاس ومواليهم(5/318)
لنكون نَحن أَصْحَابك فركن إِلَيْهِم فَأوحى الله إِلَيْهِ {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل الله (والنجم إِذا هوى) (النَّجْم آيَة 1) فَقَرَأَ عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة (أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى) (النَّجْم آيَة 19) فَألْقى عَلَيْهِ الشَّيْطَان كَلِمَتَيْنِ تِلْكَ الغرانيق العلى وَإِن شفاعتهن لترتجى
فَقَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بَقِي من السُّورَة وَسجد فَأنْزل الله {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك عَن الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك} الْآيَة
فَمَا زَالَ مغموماً مهموماً حَتَّى أنزل الله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي} الْحَج آيَة 52 الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن ثقيفا قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أجّلْنا سنة حَتَّى نهدي لِآلِهَتِنَا فَإِذا قبضنا الَّذِي يهدى للآلهة أحرزناه ثمَّ أسلمنَا وكسرنا الْآلهَة
فهم أَن يؤجلهم فَنزلت {وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَك} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ضعف الْحَيَاة وَضعف الْمَمَات} يَعْنِي ضعف عَذَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب عَذَاب الْقَبْر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ضعف الْحَيَاة} قَالَ: هُوَ عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَضعف الْمَمَات} قَالَ: عَذَاب الْقَبْر
الْآيَة 76 - 79(5/319)
وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا (76) سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا (77) أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام يسكنون الشَّام فمالك وَالْمَدينَة فَهَمَّ أَن يشخص فَأنْزل الله تَعَالَى {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن حضرمي رَضِي الله عَنهُ أَنه بلغ أَن بعض الْيَهُود قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَرض الْأَنْبِيَاء أَرض الشَّام وَإِن هَذِه لَيست بِأَرْض الْأَنْبِيَاء
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَإِن كَادُوا ليستفزونك} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم رَضِي الله عَنهُ: أَن الْيَهُود أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن كنت نَبيا فالْحَقْ بِالشَّام فَإِن الشَّام أَرض الْمَحْشَر وَأَرْض الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
فَصدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالُوا فغزا تَبُوك لَا يُرِيد إِلَّا الشَّام فَلَمَّا بلغ تَبُوك أنزل الله عَلَيْهِ آيَات من سُورَة بني إِسْرَائِيل بعد مَا ختمت السُّورَة {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض} الْآيَة
إِلَى قَوْله: {تحويلاً} فَأمره بِالرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَة وَقَالَ: فِيهَا محياك وفيهَا مماتك وفيهَا تبْعَث
وَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: سل رَبك
فَإِن لكل نَبِي مَسْأَلَة
فَقَالَ: مَا تَأْمُرنِي أَن أسأَل قَالَ: (قل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا) فَهَؤُلَاءِ نَزَلْنَ عَلَيْهِ فِي رجعته من تَبُوك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَإِن كَادُوا ليستفزونك من الأَرْض} قَالَ: همّ أهل مَكَّة بِإِخْرَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة وَقد فعلوا بعد ذَلِك فأهلكهم الله تَعَالَى يَوْم بدر وَلم يَلْبَثُوا بعده إِلَّا قَلِيلا حَتَّى أهلكهم الله يَوْم بدر وَكَذَلِكَ كَانَت سنة الله تَعَالَى فِي الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا فعل بهم قَومهمْ مثل ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَإِذا لَا يلبثُونَ خلافَكَ إِلَّا قَلِيلا} قَالَ: يَعْنِي بِالْقَلِيلِ يَوْم أَخذهم ببدر فَكَانَ ذَلِك هُوَ الْقَلِيل الَّذِي كَانَ كثيرا بعده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: الْقَلِيل ثَمَانِيَة عشر شهرا(5/320)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دلوك الشَّمْس: غُرُوبهَا
تَقول الْعَرَب: إِذا غربت الشَّمْس: دلكت الشَّمْس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دلوكها غُرُوبهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس} قَالَ: لزوَال الشَّمْس
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: {لدلوك الشَّمْس} زَوَالهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: {لدلوك الشَّمْس} زياغها بعد نصف النَّهَار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: دلوكها زَوَالهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {لدلوك الشَّمْس} قَالَ: إِذا فَاء الْفَيْء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لدلوك الشَّمْس حِين زَالَت فصلى بِي الظّهْر
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الظّهْر إِذا زَالَت الشَّمْس ثمَّ تَلا {أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت أَقُود مولَايَ قيس بن السَّائِب فَيَقُول لي: أدلكت الشَّمْس فَإِذا قلت نعم صلى الظّهْر
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الظّهْر عِنْد دلوك الشَّمْس
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِلَى غسق اللَّيْل} قَالَ: الْعشَاء الْآخِرَة(5/321)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: {غسق اللَّيْل} اجْتِمَاع اللَّيْل وظلمته
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {غسق اللَّيْل} بَدو اللَّيْل
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {إِلَى غسق اللَّيْل} قَالَ: مَا الغسق قَالَ: دُخُول اللَّيْل بظلمته
قَالَ فِيهِ زُهَيْر بن أبي سلمى: ظلتا تجوب يداها وَهِي لاهبة حَتَّى إِذا جنح الإظلام فِي الغسق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {لدلوك الشَّمْس} حِين تزِيغ
و {غسق اللَّيْل} غرُوب الشَّمْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {لدلوك الشَّمْس} إِذا زَالَت عَن بطن السَّمَاء و {غسق اللَّيْل} غرُوب الشَّمْس
وَالله سُبْحَانَهُ أعلم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَقُرْآن الْفجْر} قَالَ: صَلَاة الصُّبْح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَقُرْآن الْفجْر} قَالَ: صَلَاة الْفجْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهوداً} قَالَ: تشهده الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهوداً} قَالَ: تشهده مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار تَجْتَمِع فِيهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تَجْتَمِع مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار فِي صَلَاة الْفجْر ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: اقرؤوا إِن شِئْتُم {وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهوداً}(5/322)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يتدارك الحرسان من مَلَائِكَة الله تَعَالَى حارس اللَّيْل وحارس النَّهَار عِنْد صَلَاة الصُّبْح اقرؤوا إِن شِئْتُم {وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهوداً} ثمَّ قَالَ: تنزل مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهوداً} قَالَ: يشهده الله وملائكة اللَّيْل وملائكة النَّهَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهوداً} قَالَ: تشهده مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم عَن أَبِيه قَالَ: دخل عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ الْمَسْجِد لصَلَاة الْفجْر فَإِذا قوم قد أسندوا ظُهُورهمْ إِلَى الْقبْلَة فَقَالَ: نحّوا عَن الْقبْلَة
لَا تحولوا بَين الْمَلَائِكَة وصلاتها فَإِن هَاتين الرَّكْعَتَيْنِ صَلَاة الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن عَلْقَمَة وَالْأسود رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: التَّهَجُّد بعد نومَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: نسخ قيام اللَّيْل إِلَّا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {نَافِلَة لَك} يَعْنِي خَاصَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِقِيَام اللَّيْل وَكتب عَلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثَلَاث هن عليّ فَرَائض وَهن لكم سنة: الْوتر والسواك وَقيام اللَّيْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {نَافِلَة لَك} قَالَ: لم تكن النَّافِلَة لأحد إِلَّا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة من أجل أَنه قد غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر فَمَا عمل من عمل مَعَ الْمَكْتُوب فَهُوَ نَافِلَة لَهُ سوى الْمَكْتُوب من أجل أَنه لَا يعْمل ذَلِك فِي كَفَّارَة الذُّنُوب(5/323)
فَهِيَ نواقل لَهُ وَزِيَادَة وَالنَّاس يعْملُونَ مَا سوى الْمَكْتُوب فِي كَفَّارَة ذنوبهم فَلَيْسَ للنَّاس نوافل إِنَّمَا هِيَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَمن اللَّيْل فتهجد بِهِ نَافِلَة لَك} قَالَ: لَا تكون نَافِلَة اللَّيْل إِلَّا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَمُحَمّد بن نصر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {نَافِلَة لَك} قَالَ: تطوّعاً وفضيلة لَك
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {نَافِلَة لَك} قَالَ: كَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَافِلَة وَلكم فَضِيلَة
وَفِي لفظ إِنَّمَا كَانَت النَّافِلَة خَاصَّة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن نصر وَالطَّبَرَانِيّ ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان والخطيب فِي تَارِيخه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا تَوَضَّأ الرجل الْمُسلم فَأحْسن الْوضُوء فَإِن قعد - قعد مغفوراً لَهُ وَإِن قَامَ يُصَلِّي كَانَت لَهُ فَضِيلَة
قيل لَهُ: نَافِلَة قَالَ: إِنَّمَا النَّافِلَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يكون لَهُ نَافِلَة وَهُوَ يسْعَى فِي الْخَطَايَا والذنُوب وَلَكِن فَضِيلَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن النَّاس يصيرون يَوْم الْقِيَامَة جثاء كل أمة تتبع نبيها يَقُولُونَ: يَا فلَان اشفع لنا
حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك يَوْم يَبْعَثهُ الله الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} وَسُئِلَ عَنهُ قَالَ: هُوَ الْمقَام الَّذِي أشفع فِيهِ لأمتي
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْمقَام الْمَحْمُود الشَّفَاعَة
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} قَالَ: مقَام الشَّفَاعَة(5/324)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمقَام الْمَحْمُود فَقَالَ: هُوَ الشَّفَاعَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يبْعَث النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أَنا وَأمتِي على تَلٍّ وَيَكْسُونِي رَبِّي حلَّة خضراء ثمَّ يُؤذن لي أَن أَقُول مَا شَاءَ الله أَن أَقُول فَذَلِك الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق عَليّ بن حُسَيْن قَالَ: أَخْبرنِي رجل من أهل الْعلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تمد الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة مدّ الْأَدِيم وَلَا يكون لبشر من بني آدم فِيهَا إِلَّا مَوضِع قدمه ثمَّ أدعى أول النَّاس فَأخر سَاجِدا ثمَّ يُؤذن لي فَأَقُول: يَا رب أَخْبرنِي هَذَا لجبريل وَجِبْرِيل عَن يَمِين الرَّحْمَن وَالله مَا رَآهُ جِبْرِيل قطّ قبلهَا أَنَّك أَرْسلتهُ إِلَيّ
وَجِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام سَاكِت لَا يتَكَلَّم حَتَّى يَقُول الرب: صدقت
ثمَّ يُؤذن لي فِي الشَّفَاعَة فَأَقُول: أَي رب عِبَادك عَبَدُوك فِي أَطْرَاف الأَرْض
فَذَلِك الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يجمع النَّاس فِي صَعِيد وَاحِد يسمعهم الدَّاعِي وَينْفذهُمْ الْبَصَر حُفَاة عُرَاة كَمَا خلقُوا قيَاما لَا تكلم نفس إِلَّا بِإِذْنِهِ يُنَادي: يَا مُحَمَّد فَيَقُول: لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك والشرّ لَيْسَ إِلَيْك وَالْمهْدِي من هديت وَعَبْدك بَين يَديك وَبِك وَإِلَيْك لَا ملْجأ وَلَا منجى مِنْك إِلَّا إِلَيْك تَبَارَكت وَتَعَالَيْت سُبْحَانَكَ رب الْبَيْت
فَهَذَا الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الشَّمْس لَتَدْنُو حَتَّى يبلغ الْعرق نصف الْأذن فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك اسْتَغَاثُوا بِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: لَسْتُ بِصَاحِب ذَلِك ثمَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: كَذَلِك ثمَّ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيشفع فَيَقْضِي الله بَين الْخَلَائق فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذ بِحَلقَة بَاب الْجنَّة فَيَوْمئِذٍ يَبْعَثهُ الله مقَاما مَحْمُودًا يحمده أهل الْجمع كلهم(5/325)
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنِّي لأَقوم الْمقَام الْمَحْمُود
قيل: وَمَا الْمقَام الْمَحْمُود قَالَ: ذَلِك إِذا جِيءَ بكم حُفَاة عُرَاة غرلًا فَيكون أول من يكسى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: اكسوا خليلي
فَيُؤتى بريطتين بيضاوين فيلبسهما ثمَّ يقْعد مُسْتَقْبل الْعَرْش
ثمَّ أوتَى بكسوة فألبسها فأقوم عَن يَمِينه مقَاما لَا يقومه أحد فيغبطني بِهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ ثمَّ يفتح نهر من الْكَوْثَر إِلَى الْحَوْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ: مَا الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي ذكر لَك رَبك قَالَ: يحْشر الله النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عُرَاة غرلًا كهيئتكم يَوْم ولدتم
هالهم الْفَزع الْأَكْبَر وكظمهم الكرب الْعَظِيم وَبلغ الرشح أَفْوَاههم وَبلغ بهم الْجهد والشدة فَأَكُون أول مدعى وَأول معطى ثمَّ يدعى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قد كسي ثَوْبَيْنِ أبيضين من ثِيَاب الْجنَّة ثمَّ يُؤمر فيجلس فِي قبل الْكُرْسِيّ
ثمَّ أقوم عَن يَمِين الْعَرْش
فَمَا من الْخَلَائق قَائِم غَيْرِي فأتكلم فيسمعون وَأشْهد فيصدقون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} قَالَ: يجلسه على السرير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وَبِيَدِي لِوَاء الْحَمد وَلَا فَخر وَمَا من نَبِي يَوْمئِذٍ - آدم فَمن سواهُ - إِلَّا تَحت لِوَائِي وَأَنا أول من تَنْشَقُّ عَنهُ الأَرْض وَلَا فَخر
فَيفزع النَّاس ثَلَاث فَزعَات فَيَأْتُونَ آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُولُونَ: أَنْت أَبونَا فاشفع لنا إِلَى رَبك
فَيَقُول: إِنِّي أذنبت ذَنبا أهبطت مِنْهُ إِلَى الأَرْض وَلَكِن ائْتُوا نوحًا
فَيَأْتُونَ نوحًا فَيَقُول: إِنِّي دَعَوْت على أهل الأَرْض دَعْوَة فأهلكوا وَلَكِن اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيم
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيم فَيَقُول: ائْتُوا مُوسَى
فَيَأْتُونَ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيَقُول: إِنِّي قتلت نفسا وَلَكِن ائْتُوا عِيسَى
فَيَأْتُونَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول: إِنِّي عُبِدْتُ من دون الله وَلَكِن ائْتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَيَأْتُوني فأنطلق مَعَهم فآخذ بِحَلقَة بَاب الْجنَّة فأقعقعها فَيُقَال: من هَذَا فَأَقُول: مُحَمَّد
فيفتحون لي وَيَقُولُونَ: مرْحَبًا
فأخرّ سَاجِدا فيلهمني الله عز وَجل من الثَّنَاء وَالْحَمْد وَالْمجد فَيُقَال: ارْفَعْ رَأسك
سل تُعْطَ وَاشْفَعْ تُشَفّعْ(5/326)
وَقل يسمع لِقَوْلِك
فَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ الله: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} قَالَ: يخرج الله قوما من النَّار من أهل الْإِيمَان والقبلة بشفاعة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَنه ذكر حَدِيث الجهنّميّين فَقيل لَهُ: مَا هَذَا الَّذِي تحدث وَالله تَعَالَى يَقُول: (إِنَّك من تدخل النَّار فقد أخزيته) (آل عمرَان آيَة 192) (وَكلما أَرَادوا أَن يخرجُوا مِنْهَا أعيدوا فِيهَا) (السَّجْدَة آيَة 20) فَقَالَ: هَل تقْرَأ الْقُرْآن قَالَ: نعم
قَالَ: فَهَل سَمِعت فِيهِ بالْمقَام الْمَحْمُود قَالَ: نعم
قَالَ: فَإِنَّهُ مقَام مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يخرج الله بِهِ من يخرج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَأْذَن الله تَعَالَى فِي الشَّفَاعَة فَيقوم روح الْقُدس جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ يقوم إِبْرَاهِيم خَلِيل الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ثمَّ يقوم عِيسَى أَو مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام ثمَّ يقوم نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِفًا ليشفع لَا يشفع أحد بعده أَكثر مِمَّا شفع وَهُوَ الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي قَالَ الله: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ أَن يَبْعَثنِي الْمقَام الْمَحْمُود الَّذِي وَعَدَني
وَأخرج البُخَارِيّ عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَالَ حِين يسمع النداء: الله رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة آتٍ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته حَلّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُقَال لَهُ: سل تعطه - يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَاشْفَعْ تشفع وادع تجب
فيرفع رَأسه فَيَقُول: أمتِي
مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا فَقَالَ سلمَان رَضِي الله عَنهُ: يشفع فِي كل من فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة حِنْطَة من إِيمَان أَو مِثْقَال شعيرَة من إِيمَان أَو مِثْقَال حَبَّة خَرْدَل من إِيمَان
قَالَ سلمَان رَضِي الله عَنهُ: فذلكم الْمقَام الْمَحْمُود(5/327)
وَأخرج الديلمي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله مَا الْمقَام الْمَحْمُود قَالَ: ذَلِك يَوْم ينزل الله تَعَالَى عَن عَرْشه فيئط كَمَا يئط الرحل الْجَدِيد من تضايقه
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} قَالَ: يجلسه بَينه وَبَين جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام ويشفع لأمته
فَذَلِك الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} قَالَ: يجلسني مَعَه على السرير
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيِّر بَين أَن يكون عبدا نَبيا أَو ملكا نَبيا فَأَوْمأ إِلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَن تواضع فَاخْتَارَ أَن يكون عبدا نَبيا
فَأعْطِي بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثِنْتَيْنِ: أَنه أول من تَنْشَق عَنهُ الأَرْض وَأول شَافِع
فَكَانَ أهل الْعلم يرَوْنَ أَنه الْمقَام الْمَحْمُود
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} قَالَ: يجلسه مَعَه على عَرْشه
الْآيَة 80(5/328)
وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (80)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وصحه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة ثمَّ أَمر بِالْهِجْرَةِ فَأنْزل الله تَعَالَى {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق وأخرجني مخرج صدق وَاجعَل لي من لَدُنْك سُلْطَانا نَصِيرًا}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقل رب أدخلني مدْخل صدق} الْآيَة
قَالَ: أخرجه الله من مَكَّة {مخرج صدق} وَأدْخلهُ الْمَدِينَة {مدْخل صدق} قَالَ: وَعلم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لَا طَاقَة لَهُ(5/328)
بِهَذَا الْأَمر إِلَّا بسُلْطَان فَسَأَلَ سُلْطَانا نَصِيرًا لكتاب الله تَعَالَى وحدوده وفرائضه وَإِقَامَة كتاب الله تَعَالَى فَإِن السُّلْطَان عزة من الله تَعَالَى جعلهَا بَين عباده وَلَوْلَا ذَلِك لغَار بَعضهم على بعض وَأكل شديدهم ضعيفهم
وَأخرج الْخَطِيب عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالله لما يَزع الله بالسلطان أعظم مِمَّا يَزع بِالْقُرْآنِ
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: جعل الله {مدْخل صدق} الْمَدِينَة {مخرج صدق} مَكَّة و {سُلْطَانا نَصِيرًا} الْأَنْصَار
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ أدخلني مَدْخَلَ صدق وأخرجني مَخْرَجَ صدق بِفَتْح الْمِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أدخلني مدْخل صدق} يَعْنِي الْمَوْت
{وأخرجني مخرج صدق} يَعْنِي الْحَيَاة بعد الْمَوْت
الْآيَة 81 - 82(5/329)
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة وحول الْبَيْت سِتُّونَ وثلثمائة نصب فَجعل يطعنها بِعُود فِي يَده وَيَقُول: {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقاً} وَجَاء الْحق وَمَا يبدئ الْبَاطِل وَمَا يُعِيد {سبأ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دَخَلنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة وحول الْبَيْت ثلثمِائة وَسِتُّونَ صنماً فَأمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكبت لوجهها وَقَالَ: {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقاً}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة يَوْم الْفَتْح وعَلى الْكَعْبَة ثلثمِائة وَسِتُّونَ(5/329)
صنماً فَشد لَهُم إِبْلِيس أَقْدَامهَا بالرصاص فجَاء مَعَه وقضيب فَجعل يهوي بِهِ إِلَى كل صنم مِنْهَا فيخرّ لوجهه فَيَقُول: {جَاءَ الْحق وزهق الْبَاطِل إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقاً} حَتَّى مر عَلَيْهَا كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {إِن الْبَاطِل كَانَ زهوقاً} قَالَ: ذَاهِبًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقل جَاءَ الْحق} قَالَ: الْقُرْآن {وزهق الْبَاطِل} قَالَ: هلك وَهُوَ الشَّيْطَان
وَفِي قَوْله: {وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة} قَالَ الله تَعَالَى جعل هَذَا الْقُرْآن {شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين} إِذا سَمعه الْمُؤمن انْتفع بِهِ وَحفظه ووعاه {وَلَا يزِيد الظَّالِمين إِلَّا خساراً} لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يحفظه وَلَا يعيه
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أويس الْقَرنِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم يُجَالس هَذَا الْقُرْآن أحد إِلَّا قَامَ عَنهُ بِزِيَادَة أَو نُقْصَان قَضَاء من الله الَّذِي قضى {شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين وَلَا يزِيد الظَّالِمين إِلَّا خسارا}
الْآيَة 83 - 84(5/330)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا (84)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ونأى بجانبه} قَالَ: تبَاعد منا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كَانَ يؤوساً} قَالَ: قنوطاً
وَفِي قَوْله: {قل كل يعْمل على شاكلته} قَالَ: على ناحيته
وَأخرج هناد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {على شاكلته} قَالَ: على نِيَّته(5/330)
الْآيَة 85(5/331)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ويسألونك عَن الرّوح} قَالَ: يهود يسألونه
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خرب الْمَدِينَة وَهُوَ متكئ على عسيب فَمر بِقوم من الْيَهُود فَقَالَ بَعضهم لبَعض: سلوه عَن الرّوح
وَقَالَ بَعضهم: لَا تسألوه
فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد مَا الرّوح فَمَا زَالَ يتَوَكَّأ على العسيب وظننت أَنه يُوحى إِلَيْهِ فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا}
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَت قُرَيْش للْيَهُود: أعطونا شَيْئا نسْأَل هَذَا الرجل فَقَالُوا: سلوه عَن الرّوح فَسَأَلُوهُ فَنزلت {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} قَالُوا: أوتينا علما كثيرا: أوتينا التَّوْرَاة وَمن أُوتِيَ التَّوْرَاة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا
فَأنْزل الله تَعَالَى (قل لَو كَانَ الْبَحْر مداداًَ لكلمات رَبِّي لنفد الْبَحْر قبل أَن تنفد كَلِمَات رَبِّي وَلَو جِئْنَا بِمثلِهِ مدَدا) (الْكَهْف آيَة 109)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِن الْيَهُود قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخبرنَا مَا الرّوح وَكَيف تعذب الرّوح الَّتِي فِي الْجَسَد وَإِنَّمَا الرّوح من الله وَلم يكن نزل عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء فَلم يجر إِلَيْهِم شَيْئا فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ: {قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} فَأخْبرهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَقَالُوا: من جَاءَك بِهَذَا قَالَ: جِبْرِيل
قَالُوا: وَالله مَا قَالَه لَك إِلَّا عدوّ لنا
فَأنْزل الله تَعَالَى (قل من كَانَ عدوّاً لجبريل
) (الْبَقَرَة آيَة 97) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ويسألونك عَن الرّوح} قَالَ: هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة لَهُ سَبْعُونَ(5/331)
ألف وَجه لكل وَجه مِنْهَا سَبْعُونَ ألف لِسَان
لكل لِسَان مِنْهَا سَبْعُونَ ألف لُغَة يسبح الله تَعَالَى بِتِلْكَ اللُّغَات يخلق الله تَعَالَى من كل تَسْبِيحَة ملكا يطير مَعَ الْمَلَائِكَة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ويسألونك عَن الرّوح} قَالَ: هُوَ ملك وَاحِد لَهُ عشرَة آلَاف جنَاح جَنَاحَانِ مِنْهُمَا مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب لَهُ ألف وَجه لكل وَجه لِسَان وعينان وشفتان يسبحان الله تَعَالَى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الرّوح أَمر من أَمر الله وَخلق من خلق الله وصورهم على صور بني آدم وَمَا ينزل من السَّمَاء من ملك إِلَّا وَمَعَهُ وَاحِد من الرّوح
ثمَّ تَلا (يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا) (النبأ آيَة 38)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي} لَا تنَال هَذِه الْمنزلَة فَلَا تَزِيدُوا عَلَيْهَا
قُولُوا كَمَا قَالَ الله وَعلم نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يعلم الرّوح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن زِيَاد أَنه بلغه أَن رجلَيْنِ اخْتلفَا فِي هَذِه الْآيَة {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} فَقَالَ أَحدهمَا: إِنَّمَا أُرِيد بهَا أهل الْكتاب وَقَالَ الآخر: بل إِنَّه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَانْطَلق أَحدهمَا إِلَى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَلَسْت تقْرَأ سُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ: بلَى
فَقَالَ: وَأي الْعلم لَيْسَ فِي سُورَة الْبَقَرَة إِنَّمَا أُرِيد بهَا أهل الْكتاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {ويسألونك عَن الرّوح} قَالَ: {الرّوح} ملك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أم الحكم الثَّقَفِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض سِكَك الْمَدِينَة إِذْ عرض لَهُ الْيَهُود فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد(5/332)
مَا الرّوح وَبِيَدِهِ عسيب نخل فاعتمد عَلَيْهِ - وَرفع راسه إِلَى السَّمَاء ثمَّ قَالَ: {ويسألونك عَن الرّوح} إِلَى قَوْله: {قَلِيلا} قَالَ ابْن عَسَاكِر: عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن أم الحكم الثَّقَفِيّ قيل إِن لَهُ صُحْبَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {الرّوح} خلق مَعَ الْمَلَائِكَة لَا يراهم الْمَلَائِكَة كَمَا لَا ترَوْنَ أَنْتُم الْمَلَائِكَة
و {الرّوح} حرف اسْتَأْثر الله تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَلم يطلع عَلَيْهِ أحدا من خلقه
وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْإِنْس وَالْجِنّ عشرَة أَجزَاء: فالانس جُزْء وَالْجِنّ تِسْعَة أَجزَاء
وَالْمَلَائِكَة وَالْجِنّ عشرَة أَجزَاء: فالجن من ذَلِك جُزْء وَالْمَلَائِكَة تِسْعَة
وَالْمَلَائِكَة وَالروح عشرَة أَجزَاء: فالملائكة من ذَلِك جُزْء وَالروح تِسْعَة أَجزَاء
وَالروح والكروبيون عشرَة أَجزَاء: فالروح من ذَلِك جُزْء والكروبيون تِسْعَة أَجزَاء
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: نزلت بِمَكَّة {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة أَتَاهُ أَحْبَار الْيَهُود فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد ألم يبلغنَا أَنَّك تَقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} أفعنيتنا أم قَوْمك قَالَ: كلاًّ قد عنيت
قَالُوا: فَإنَّك تتلو أَنا أوتينا التَّوْرَاة وفيهَا تبيان كل شَيْء فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هِيَ فِي علم الله قَلِيل وَقد آتَاكُم الله مَا عملتم بِهِ انتفعتم
فَأنْزل الله (وَلَو أَن مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة أَقْلَام
) إِلَى قَوْله: (إِن الله سميع بَصِير) (لُقْمَان آيَة 27 - 28)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جرير فِي قَوْله: {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم} قَالَ: يَا مُحَمَّد وَالنَّاس أَجْمَعُونَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} يَعْنِي الْيَهُود
الْآيَة 86 - 87(5/333)
وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا (86) إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا (87)
أخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما قدم وَفد الْيمن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: أَبيت اللَّعْن: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ الله
إِنَّمَا يُقَال هَذَا للْملك وَلست ملكا
أَنا مُحَمَّد بن عبد الله
فَقَالُوا: إِنَّا لَا ندعوك بِاسْمِك
قَالَ: فَأَنا أَبُو الْقَاسِم
فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم انا قد خبأنا لَك خبيئاً
فَقَالَ: سُبْحَانَ الله
إِنَّمَا يفعل هَذَا بالكاهن والكاهن والمتكهن وَالْكهَانَة فِي النَّار
فَقَالَ لَهُ أحدهم: فَمن يشْهد لَك أَنَّك رَسُول الله فَضرب بِيَدِهِ إِلَى حفْنَة حصا فَأَخذهَا فَقَالَ: هَذَا يشْهد أَنِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسبّحْنَ فِي يَده فَقُلْنَ: نشْهد أَنَّك رَسُول الله
فَقَالُوا لَهُ: أسمعنا بعض مَا أنزل عَلَيْك
فَقَرَأَ (وَالصَّافَّات صفا) حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله: (فَأتبعهُ شهَاب ثاقب) (الصافات الْآيَة 1 - 10) فَإِنَّهُ لساكن مَا ينبض مِنْهُ عرق وَإِن دُمُوعه لتسبقه إِلَى لحيته فَقَالُوا لَهُ: إِنَّا نرَاك تبْكي
أَمن خوف الَّذِي بَعثك تبْكي قَالَ: بل من خوف الَّذِي بَعَثَنِي أبْكِي إِنَّه بَعَثَنِي على طَرِيق مثل حد السَّيْف إِن زِغْت عَنهُ هَلَكت
ثمَّ قَرَأَ {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك ثمَّ لَا تَجِد لَك بِهِ علينا وَكيلا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن هَذَا الْقُرْآن سيرفع
قيل: كَيفَ يرفع وَقد أثْبته الله فِي قُلُوبنَا وَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْمَصَاحِف
قَالَ: يسرى عَلَيْهِ فِي لَيْلَة وَاحِدَة فَلَا يتْرك مِنْهُ آيَة فِي قلب وَلَا مصحف إِلَّا رفعت فتصبحون وَلَيْسَ فِيكُم مِنْهُ شَيْء
ثمَّ قَرَأَ {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك}
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ليسريَنَّ على الْقُرْآن فِي لَيْلَة فَلَا يتْرك آيَة فِي مصحف أحد إِلَّا رفعت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يسر ى على الْقُرْآن لَيْلًا فَيذْهب بِهِ من أَجْوَاف الرِّجَال فَلَا يبْقى فِي الأَرْض مِنْهُ شَيْء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اقرؤوا الْقُرْآن قبل أَن يرفع فَإِنَّهُ لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يرفع
قَالُوا: هَذِه الْمَصَاحِف ترفع(5/334)
فَكيف بِمَا فِي صُدُور النَّاس
قَالَ: يعدى لَيْلًا فيرفع من صُدُورهمْ فيصبحون فَيَقُولُونَ: لكأنا كُنَّا نعلم شَيْئا ثمَّ يقعون فِي الشّعْر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يدرس الْإِسْلَام كَمَا يدرس وشي الثَّوْب حَتَّى لَا يدرى مَا صِيَام وَلَا صَدَقَة وَلَا نسك
ويسرى على كتاب الله فِي لَيْلَة فَلَا يبْقى فِي الأَرْض مِنْهُ آيَة وَيبقى الشَّيْخ الْكَبِير والعجوز يَقُولُونَ: أدركنا آبَائِنَا على هَذِه الْكَلِمَة لَا إِلَه إِلَّا الله فَنحْن نقولها
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُوشك أَن يدرس الْإِسْلَام كَمَا يدرس وَشْي الثَّوْب وَيقْرَأ النَّاس الْقُرْآن لَا يَجدونَ لَهُ حلاوة فيبيتون لَيْلَة فيصبحون وَقد أسرِي بِالْقُرْآنِ وَمَا قبله من كتاب حَتَّى ينتزع من قلب شيخ كَبِير وعجوز كَبِير فَلَا يعْرفُونَ وَقت صَلَاة وَلَا صِيَام وَلَا نسك
حَتَّى يَقُول الْقَائِل مِنْهُم: إِنَّا سمعنَا النَّاس يَقُولُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله فَنحْن نقُول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم عَن شمر بن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يسرى على الْقرَان فِي لَيْلَة فَيقوم المتهجدون فِي ساعاتهم فَلَا يقدرُونَ على شَيْء فيفزعون إِلَى مصاحفهم فَلَا يقدرُونَ عَلَيْهَا فَيخرج بَعضهم إِلَى بعض فيلتقون فيخبر بَعضهم بَعْضًا بِمَا قد لقوا
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَأْتِي النَّاس زمَان يُرْسَلُ إِلَى الْقُرْآن وَيرْفَع من الأَرْض
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يرفع الْقُرْآن من حَيْثُ نزل لَهُ دوِي حول الْعَرْش كَدَوِيِّ النَّحْل يَقُول: أُتْلَى وَلَا يُعْمَلُ بِي
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن اللَّيْث بن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا يرفع الْقُرْآن حِين يقبل النَّاس على الْكتب ويكبّون عَلَيْهَا ويتركون الْقُرْآن
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَطِيعُونِي مَا دمت بَين أظْهركُم فَإِن ذهبت فَعَلَيْكُم بِكِتَاب الله
أحلُّوا حَلَاله وحرِّموا حرَامه فَإِنَّهُ سَيَأْتِي على النَّاس زمَان يسرى على الْقُرْآن فِي لَيْلَة فَيُنْسَخُ من الْقُلُوب والمصاحف(5/335)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يسرى على كتاب الله فيرفع إِلَى السَّمَاء فَلَا يبْقى على الأَرْض من الْقُرْآن وَلَا من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور فينزع من قُلُوب الرِّجَال فيصبحون فِي الصَّلَاة لَا يَدْرُونَ مَا هم فِيهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن حُذَيْفَة وَأبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يسرى على كتاب الله لَيْلًا فَيُصْبِح النَّاس لَيْسَ فِي الأَرْض وَلَا فِي جَوف مُسلم مِنْهُ آيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى يرفع الذِكْرُ وَالْقُرْآن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهَا قَالَا: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس مَا هَذِه الْكتب الَّتِي بَلغنِي أَنكُمْ تكتبونها مَعَ كتاب الله يُوشك أَن يغْضب الله لكتابه فَيُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلًا لَا يتْرك فِي قلب وَلَا ورق مِنْهُ حرفا إِلَّا ذهب بِهِ
فَقيل: يَا رَسُول الله فَكيف بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات قَالَ: من أَرَادَ الله بِهِ خيرا أبقى فِي قلبه لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: يسرى على الْقُرْآن فِي جَوف اللَّيْل يَجِيء جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَيذْهب بِهِ ثمَّ قَرَأَ {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ} الْآيَة
الْآيَة 88 - 89(5/336)
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (89)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَحْمُود بن سيحان ونعيمان بن أُصَي ومجزئ بن عمر وَسَلام بن مشْكم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد هَذَا الَّذِي جِئْت بِهِ حق من عِنْد الله فانا لَا نرَاهُ متناسقاً كَمَا تتناسق التَّوْرَاة
فَقَالَ لَهُم: أما وَالله إِنَّكُم لتعرفون أَنه من عِنْد الله(5/336)
قَالُوا: انا نجيئك بِمثل مَا أُتِي بِهِ
فَأنْزل الله {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ} الْآيَة
قَالَ: يَقُول: لَو برزت الْجِنّ وَأَعَانَهُمْ الْإِنْس فتظاهروا لم يَأْتُوا هَذَا الْقُرْآن
الْآيَة 90 - 96(5/337)
وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96)
أخرج ابْن جرير وَابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن عتبَة وَشَيْبَة ابْني ربيعَة وَأَبا سُفْيَان بن حَرْب ورجلا من بني عبد الدَّار وَأَبا البخْترِي - أَخا بني أَسد - وَالْأسود بن الْمطلب وَزَمعَة بن الْأسود والوليد بن الْمُغيرَة وَأَبا جهل بن هِشَام وَعبد الله بن أبي أُميَّة وَأُميَّة بن خلف وَالْعَاص بن وَائِل ونبيهاً ومنبهاً ابْني الْحجَّاج السهميين اجْتَمعُوا بعد غرُوب الشَّمْس عِنْد ظهر الْكَعْبَة فَقَالَ بَعضهم لبَعض: ابْعَثُوا إِلَى مُحَمَّد وكلموه وخاصموه حَتَّى تعذروا فِيهِ
فبعثوا إِلَيْهِ أَن أَشْرَاف قَوْمك قد اجْتَمعُوا إِلَيْك ليكلموك فَجَاءَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيعا وَهُوَ يظنّ أَنهم قد بدا لَهُم فِي أمره بَدْء وَكَانَ عَلَيْهِم حَرِيصًا يحب رشدهم ويعز عَلَيْهِ عنتهمْ حَتَّى جلس إِلَيْهِم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد إِنَّا قد بعثنَا إِلَيْك لنعذرك وَإِنَّا(5/337)
وَالله
مَا نعلم رجلا من الْعَرَب أَدخل على قومه مَا أدخلت على قَوْمك لقد شتمت الْآبَاء وعبت الدّين وسفهت الأحلام وشتمت الْآلهَة وَفرقت الْجَمَاعَة فَمَا بَقِي من قَبِيح إِلَّا وَقد جِئْته فِيمَا بَيْننَا وَبَيْنك
فَإِن كنت إِنَّمَا جِئْت بِهَذَا الحَدِيث تطلب مَالا جَمعنَا لَك من أَمْوَالنَا حَتَّى تكون أكثرنا مَالا وَإِن كنت إِنَّمَا تطلب الشّرف فِينَا سوّدناك علينا وَإِن كنت تُرِيدُ ملكا ملكناك علينا وَإِن كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيك بِمَا يَأْتِيك رئيا ترَاهُ قد غلب عَلَيْك - وَكَانُوا يسمون التَّابِع من الْجِنّ الرئي - فَرُبمَا كَانَ ذَلِك بذلنا أَمْوَالنَا فِي طلب الطِّبّ حَتَّى نبرئك مِنْهُ أَو نعذر فِي
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بِي مَا تَقولُونَ
مَا جِئتُكُمْ بِمَا جِئتُكُمْ بِهِ أطلب أَمْوَالكُم وَلَا فيئكم وَلَا الْملك عَلَيْكُم وَلَكِن الله بَعَثَنِي إِلَيْكُم رَسُولا وَأنزل عليَّ كتابا وَأَمرَنِي أَن أكون لكم بشيراً وَنَذِيرا فبلغتكم رِسَالَة رَبِّي وَنَصَحْت لكم
فَإِن تقبلُوا مني مَا جِئتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حظكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِن تردوه عَليّ أَصْبِر لأمر الله حَتَّى يحكم الله بيني وَبَيْنكُم
فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد فَإِن كنت غير قَابل منّا مَا عرضنَا عَلَيْك فقد علمت أَنه لَيْسَ أحد من النَّاس أضيق بلاداً وَلَا أقل مَالا وَلَا أَشد عَيْشًا منا فاسأل رَبك الَّذِي بَعثك بِمَا بَعثك بِهِ فليسير عَنَّا هَذِه الْجبَال الَّتِي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بِلَادنَا وليجر فِيهَا أَنهَارًا كأنهار الشَّام وَالْعراق وليبعث لنا من قد مضى من آبَائِنَا وَليكن فِيمَن يبْعَث لنا مِنْهُم قصي بن كلاب فَإِنَّهُ كَانَ شَيخا صَدُوقًا فنسألهم عَمَّا تَقول حق هُوَ أم بَاطِل فَإِن صنعت مَا سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا بِهِ منزلتك من عِنْد الله وَإنَّهُ بَعثك رَسُولا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بِهَذَا بعثت إِنَّمَا جِئتُكُمْ من عِنْد الله بِمَا بَعَثَنِي بِهِ فقد بلغتكم مَا أرْسلت بِهِ إِلَيْكُم
فَإِن تقبلوه فَهُوَ حظكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِن تردوه عَليّ أَصْبِر لأمر الله حَتَّى يحكم الله بيني وَبَيْنكُم
قَالُوا: فَإِن لم تفعل لنا فَخر لنَفسك فاسأل رَبك أَن يبْعَث ملكا يصدقك بِمَا تَقول ويراجعنا عَنْك وتسأله أَن يَجْعَل لَك جنَانًا وكنوزاً وقصوراً من ذهب وَفِضة ويغنيك عَمَّا نرَاك تبتغي - فَإنَّك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كَمَا نلتمسه - حَتَّى نَعْرِف منزلتك من رَبك إِن كنت رَسُولا كَمَا تزْعم
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَنا بفاعل
مَا أَنا بِالَّذِي يسْأَل ربه هَذَا
وَمَا بُعثتُ إِلَيْكُم بِهَذَا وَلَكِن الله بَعَثَنِي بشيراً وَنَذِيرا فَإِن تقبلُوا مَا جِئتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حظكم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَإِن تردوه عَليّ أَصْبِر لأمر الله حَتَّى يحكم الله بيني وَبَيْنكُم
قَالُوا:(5/338)
فأسقط السَّمَاء كَمَا زعمت أَن رَبك إِن شَاءَ فعل فانا لن نؤمن لَك إِلَّا أَن تفعل
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَلِك إِلَى الله إِن شَاءَ فعل بكم ذَلِك
قَالُوا: يَا مُحَمَّد قد علم رَبك أَنا سنجلس مَعَك ونسألك عَمَّا سألناك ونطلب مِنْك مَا نطلب فيتقدم إِلَيْك ويعلمك مَا تراجعنا بِهِ ويخبرك بِمَا صانع فِي ذَلِك بِنَا إِذا لم نقبل مِنْك مَا جئتنا بِهِ فقد بلغنَا أَنه إِنَّمَا يعلمك هَذَا رجل بِالْيَمَامَةِ يُقَال لَهُ الرَّحْمَن وَإِنَّا وَالله لَا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إِلَيْك يَا مُحَمَّد أما وَالله لَا نَتْرُكك وَمَا فعلت بِنَا حَتَّى نهلكك أَو تُهْلِكنَا
وَقَالَ قَائِلهمْ: لن نؤمن لَك حَتَّى تَأتي بِاللَّه وَالْمَلَائِكَة قبيلاً
فَلَمَّا قَالُوا ذَلِك قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم وَقَامَ مَعَه عبد الله بن أبي أُميَّة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد عرض عَلَيْك قَوْمك مَا عرضوا فَلم تقبله مِنْهُم ثمَّ سألوك لأَنْفُسِهِمْ أموراً ليعرفوا بهَا منزلتك عِنْد الله فَلم تفعل ذَلِك ثمَّ سألوك أَن تعجل مَا تخوفهم بِهِ من الْعَذَاب
فوَاللَّه مَا أُؤْمِن لَك أبدا حَتَّى تتَّخذ إِلَى السَّمَاء سلما ثمَّ ترقى فِيهِ وَأَنا أنظر حَتَّى تأتيها وَتَأْتِي مَعَك بنسخة منشورة مَعَك أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة يشْهدُونَ لَك أَنَّك كَمَا تَقول وَايْم الله لَو فعلت ذَلِك لظَنَنْت أَنِّي لَا أصدقك
ثمَّ انْصَرف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَانْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَهله حَزينًا أسفا لما فَاتَهُ مِمَّا كَانَ طمع فِيهِ من قومه حِين دَعوه وَلما رأى من متابعتهم إِيَّاه
وَأنزل عَلَيْهِ فِيمَا قَالَ لَهُ عبد الله بن أبي أُميَّة: {وَقَالُوا لن نؤمن لَك} إِلَى قَوْله: {بشرا رَسُولا} وَأنزل عَلَيْهِ فِي قَوْلهم لن نؤمن بالرحمن (كَذَلِك أرسناك فِي أمة قد خلت
) (الرَّعْد آيَة 30) الْآيَة
وَأنزل عَلَيْهِ فِيمَا سَأَلَهُ قومه لأَنْفُسِهِمْ من تسيير الْجبَال وتقطيع الْجبَال وَبعث من مضى من آبَائِهِم الْمَوْتَى (وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال
) (الرَّعْد آيَة 31) الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَقَالُوا لن نؤمن لَك} قَالَ: نزلت فِي أخي أم سَلمَة عبد الله بن أبي أُميَّة
وأخرح ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {حَتَّى تفجر لنا} خَفِيفَة(5/339)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حَتَّى تفجر لنا من الأَرْض ينبوعاً} أَي ببلدنا هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {ينبوعاً} قَالَ: عيُونا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الينبوع هُوَ الَّذِي يجْرِي من الْعين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو تكون لَك جنَّة من نخيل وعنب} يَقُول: ضَيْعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو تسْقط السَّمَاء كَمَا زعمت علينا كسفاً} قَالَ: قطعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو تَأتي بِاللَّه وَالْمَلَائِكَة قبيلاً} قَالَ: عيَانًا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {أَو يكون لَك بَيت من زخرف} قَالَ: من ذهب
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم أكن أحسن مَا الزخرف حَتَّى سَمعتهَا فِي قِرَاءَة عبد الله {أَو يكون لَك بَيت من زخرف} قَالَ: من ذهب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الزخرف الذَّهَب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حَتَّى تنزل علينا كتابا نقرؤه} قَالَ: من عِنْد رب الْعَالمين إِلَى فلَان بن فلَان يصبح عِنْد كل رجل منا صحيفَة عِنْد رَأسه مَوْضُوعَة يقْرؤهَا
الْآيَة 97 - 99(5/340)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله كَيفَ يحْشر النَّاس على وُجُوههم قَالَ: الَّذِي أَمْشَاهُم على أَرجُلهم قَادر أَن يُمشيهمْ على وُجُوههم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة (الَّذين يحشرون على وُجُوههم) (الْفرْقَان آيَة 34) الْآيَة
فَقَالُوا: يَا نَبِي الله وكيق يَمْشُونَ على وُجُوههم قَالَ: أَرَأَيْت الَّذِي أَمْشَاهُم على أَقْدَامهم أَلَيْسَ قَادِرًا على أَن يُمشيهمْ على وُجُوههم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على ثَلَاثَة أَصْنَاف: صنف مشَاة وصنف ركبان وصنف على وُجُوههم
قيل: يَا رَسُول الله وَكَيف يَمْشُونَ على وُجُوههم قَالَ: إِن الَّذِي أَمْشَاهُم على أَقْدَامهم قَادر أَن يُمشيهمْ على وُجُوههم
أما إِنَّهُم يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ كل حدب وَشَوْك
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ أَنه تَلا هَذِه الاية {ونحشرهم يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم عميا وبكماً وصماً} فَقَالَ: حَدثنِي الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن النَّاس يحشرون يَوْم الْقِيَامَة على ثلاة أَفْوَاج: فَوْج طاعمين كاسين راكبين وقوج يَمْشُونَ ويسعون وفوج تسحبهم الْمَلَائِكَة على وُجُوههم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم عَن مُعَاوِيَة بن حيدة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّكُم تحشرون رجَالًا وركباناً وَتجرونَ على وُجُوهكُم هَهُنَا ونحى بِيَدِهِ نَحْو الشَّام(5/341)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {عميا} قَالَ: لَا يرَوْنَ شَيْئا يسرهم {وبكماً} قَالَ: لَا ينطقون بِحجَّة {وصماً} قَالَ: لَا يسمعُونَ شَيْئا يسرهم
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تغبطن فَاجِرًا بِنِعْمَة فَإِن من وَرَائه طَالبا حثيثاً
وَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مأواهم جَهَنَّم كلما خبت زدناهم سعيرا}
وَأخر الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الدُّنْيَا خضرَة حلوة
من اكْتسب فِيهَا مَالا من غير حلّه وأنفقه فِي غير حلّه أحلّه دَار الهوان
ورُبَّ متخوض فِي مَال الله وَرَسُوله لَهُ النَّار يَوْم الْقِيَامَة
يَقُول الله: {كلما خبت زدناهم سعيراً}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مأواهم جَهَنَّم} يَعْنِي أَنهم وقودها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كلما خبت} قَالَ: سكنت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلما خبت زدناهم سعيراً}
قَالَ: كلما طفئت أسعرت وَأوقدت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الأنباربي فِي كتاب الأضداد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {كلما خبت زدناهم سعيراً}
قَالَ: كلما أحرقتهم سعر بهم حطباً فَإِذا أحرقتهم فَلم يبْق مِنْهُم شَيْء صَارَت حَمْرَاء تتوهج
فَذَلِك خبؤها فَإِذا بدلُوا خلقا جَدِيدا عاوتهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {كلما خبت زدناهم سعيراً}
يَقُول: كلما احترقت جُلُودهمْ بدلُوا جُلُودًا غَيرهَا ليذوقا الْعَذَاب
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {كلما خبت} قَالَ: الخبء الَّذِي يطفأ مرّة ويشعل أُخْرَى
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: وتخبو النَّار عَن أدنى أذاهم وأضرمها إِذا ابتردوا سعيراً(5/342)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ صَالح فِي قَوْله: {كلما خبت} قَالَ: مَعْنَاهُ كلما حميت
الْآيَة 100(5/343)
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله: {خَزَائِن رَحْمَة رَبِّي} قَالَ: الرزق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {إِذا لأمسكتم خشيَة الْإِنْفَاق} قَالَ: إِذن مَا أطعمْتُم أحدا شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {خشيَة الْإِنْفَاق} قَالَ: الْفقر وَفِي قَوْله: {وَكَانَ الْإِنْسَان قتوراً} قَالَ: بَخِيلًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {خشيَة الْإِنْفَاق} قَالَ: خشيَة الْفَاقَة {وَكَانَ الْإِنْسَان قتوراً} قَالَ: بَخِيلًا ممسكا
الْآيَة 101 - 105(5/343)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101) قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104) وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى تسع آيَات بَيِّنَات} قَالَ: الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وَنقص من الثمرات(5/343)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {تسع آيَات بَيِّنَات} قَالَ: يَده وَعَصَاهُ وَلسَانه وَالْبَحْر والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن قَانِع وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن صَفْوَان بن عَسَّال: أَن يهوديين قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: انْطلق بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِي نَسْأَلهُ فَأتيَاهُ فَسَأَلَاهُ عَن قَول الله: {وَلَقَد آتَيْنَا مُوسَى تسع آيَات بَيِّنَات} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَلَا تنزنوا وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تسحرُوا وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَان فيقتله وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا تَقْذِفُوا مُحصنَة
أَو قَالَ: وَلَا تَفِرُّوا من الزَّحْف شكّ شُعْبَة وَعَلَيْكُم يَا يهود خَاصَّة أَن لَا تَعْتَدوا فِي السبت فَقبلا يَدَيْهِ وَقَالا: نشْهد أَنَّك نَبِي
قَالَ: فَمَا يَمْنَعكُمَا أَن تسلما
قَالَا: إِن دَاوُد دَعَا أَن لَا يزَال فِي ذُريَّته نَبِي وَإِنَّا نَخَاف إِن أسلمنَا أَن تَقْتُلنَا الْيَهُود
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَضَب عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ أَنه سُئِلَ عَن قَول الله تَعَالَى: {وَإِنِّي لأظنك يَا فِرْعَوْن مثبوراً} قَالَ: مُخَالفا
وَقَالَ: الْأَنْبِيَاء أكْرم من أَن تُلعَنَ أَو تُسَبّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ {فاسأل بني إِسْرَائِيل} يَقُول: سَأَلَ مُوسَى فِرْعَوْن بني إِسْرَائِيل أَن أرسلهم معي
قَالَ مَالك بن دِينَار: وَإِنَّمَا كتبُوا فسل بِلَا ألف كَمَا كتبُوا قَالَ: قَلَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {لقد علمت} يَعْنِي بِالرَّفْع
قَالَ عَليّ: وَالله مَا علم عدوّ الله وَلَكِن مُوسَى هُوَ الَّذِي علم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ {لقد علمت} بِالنّصب - يَعْنِي فِرْعَوْن - ثمَّ تَلا (وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم) (النَّمْل آيَة 14)(5/344)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {مثبوراً} قَالَ: ملعوناً
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مثله
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مَيْمُون بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {مثبوراً} قَالَ: قَلِيل الْعقل
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {مثبوراً} قَالَ: ملعوناً مَحْبُوسًا عَن الْخَيْر
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت عبد الله بن الزِّبَعْرَى يَقُول: إِذْ أَتَانِي الشَّيْطَان فِي سنة النو م وَمن مَال مَيْلَة مثبوراً وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لفيفا} قَالَ: جَمِيعًا
الْآيَة 106 - 109(5/345)
وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)
أخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن قَرَأَ {وقرآناً فرقناه} مثقلة
قَالَ: نزل الْقُرْآن إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فِي لَيْلَة الْقدر من رَمَضَان جملَة وَاحِدَة فَكَانَ الْمُشْركُونَ إِذا أَحْدَثُوا شَيْئا أحدث الله لَهُم جَوَابا
ففرقه الله فِي عشْرين سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزل الْقُرْآن جملَة وَاحِد من عِنْد الله من اللَّوْح الْمَحْفُوظ إِلَى السفرة الْكِرَام الْكَاتِبين فِي السَّمَاء الدُّنْيَا فنجمته السفرة على جِبْرِيل عشْرين لَيْلَة ونجمه جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشْرين سنة
فَقَالَ الْمُشْركُونَ: لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِد
فَقَالَ الله (كَذَلِك لنثبت بِهِ(5/345)
فُؤَادك) (الْفرْقَان آيَة 32) أَي نزلناه عَلَيْك مُتَفَرقًا ليَكُون عنْدك جَوَاب مَا يَسْأَلُونَك عَنهُ وَلَو أَنزَلْنَاهُ عَلَيْك جملَة وَاحِدَة ثمَّ سألوك لم يكن عنْدك جَوَاب مَا يسْأَلُون عَنهُ
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أنزل الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة حَتَّى وضع فِي بَيت الْعِزَّة فِي السَّمَاء الدُّنْيَا ونزله جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجَوَاب كَلَام الْعباد وأعمالهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا مثقلة يَقُول: أنزل آيَة آيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تعلمُوا الْقُرْآن خمس آيَات خمس آيَات فَإِن جِبْرِيل كَانَ ينزل بِالْقُرْآنِ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا خمْسا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي نَضرة قَالَ: كَانَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ يعلمنَا الْقُرْآن خمس آيَات بِالْغَدَاةِ وَخمْس آيَات بالْعَشي ويخبر أَن جِبْرِيل نزل بِالْقُرْآنِ خمس آيَات خمس آيَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {وقرآناً فرقناه} مخففاً يَعْنِي بيّناه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وقرآناً فرقناه} قَالَ: فصلناه {على مكث} بأمد {يخرون للأذقان} يَقُول: للوجوه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {على مكث} فِي ترسل
وَأخرج ابْن الضريس عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وقرآناً فرقناه} الْآيَة
قَالَ: لم ينزل فِي لَيْلَة وَلَا لَيْلَتَيْنِ وَلَا شهر وَلَا شَهْرَيْن وَلَا سنة وَلَا سنتَيْن وَكَانَ بَين أَوله وَآخره عشرُون سنة أَو مَا شَاءَ الله من ذَلِك
وَأخرج ابْن الضريس من طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: أنزل الْقُرْآن على نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَمَان سِنِين بِمَكَّة وَعشرا بَعْدَمَا هَاجر
وَكَانَ قَتَادَة يَقُول: عشر بِمَكَّة وَعشر بِالْمَدِينَةِ(5/346)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِن الَّذين أُوتُوا الْعلم من قبله} هم نَاس من أهل الْكتاب حِين سمعُوا مَا أنزل الله على مُحَمَّد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {من قبله} من قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذا يُتْلَى} مَا أنزل عَلَيْهِم من عِنْد الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {إِذا يُتْلَى عَلَيْهِم} قَالَ: كِتَابهمْ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الْأَعْلَى التَّيْمِيّ قَالَ: إِن من أُوتِيَ من الْعلم مَا لَا يبكيه لخليق أَن قد أُوتِيَ من الْعلم مَا لَا يَنْفَعهُ لِأَن الله نعت أهل الْعلم فَقَالَ: {ويخرون للأذقان يَبْكُونَ}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الْجراح عَن أبي حَازِم: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل وَعِنْده رجل يبكي فَقَالَ: من هَذَا قَالَ: فلَان
قَالَ جِبْرِيل: إِنَّا نزن أَعمال بني آدم كلهَا إِلَّا الْبكاء فَإِن الله يُطْفِئ بالدمعة نهوراً من نيران جَهَنَّم
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن النَّضر بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَن عبدا بَكَى فِي أمة من الْأُمَم لأنجى الله تِلْكَ الْأمة من النَّار ببكاء ذَلِك العَبْد
وَمَا من عمل إِلَّا لَهُ وزن وثواب إِلَّا الدمعة فَإِنَّهَا تُطْفِئ بحوراً من النَّار
وَمَا اغرورقت عين بِمَائِهَا من خشيَة الله إِلَّا حرم الله جَسدهَا على النَّار وَإِن فاضت على خَدّه لم يرهق وَجهه قتر وَلَا ذلة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْجَعْد أبي عُثْمَان قَالَ: بلغنَا أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إلهي
مَا جَزَاء من فاضت عَيناهُ من خشيتك
قَالَ: جَزَاؤُهُ أَن أؤمنه يَوْم الْفَزع الْأَكْبَر
الْآيَة 110(5/347)
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجْهر بِالدُّعَاءِ فَجعل يَقُول: يَا الله
يَا رَحْمَن
فَسَمعهُ أهل مَكَّة فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ فَأنْزل الله {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} الْآيَة(5/347)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة ذَات يَوْم فَدَعَا ربه فَقَالَ فِي دُعَائِهِ: يَا الله
يَا رَحْمَن
فَقَالَ الْمُشْركُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الضابئ ينهانا أَن نَدْعُو إِلَهَيْنِ وَهُوَ يَدْعُو إِلَهَيْنِ
فَأنْزل الله {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فِي حرث فِي يَده جَرِيدَة فَسَأَلَهُ الْيَهُود عَن الرَّحْمَن - وَكَانَ لَهُم كَاهِن بِالْيَمَامَةِ يسمونه الرَّحْمَن - فأنزلت {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مَكْحُول: أَن النَّبِي كَانَ يتهجد بِمَكَّة ذَات لَيْلَة يَقُول فِي سُجُوده: يَا رَحْمَن
يَا رَحِيم
فَسَمعهُ رجل من الْمُشْركين فَلَمَّا أصبح قَالَ لأَصْحَابه: انْظُرُوا مَا قَالَ ابْن أبي كَبْشَة يزْعم اللَّيْلَة الرَّحْمَن الَّذِي بِالْيمن - وَكَانَ بِالْيمن رجل يُقَال لَهُ رَحْمَن - فَنزلت {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن} الْآيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق نهشل بن سعيد عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله: {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن أياً مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ أَمَان من السرق
وَإِن رجلا من الهاجرين من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلَاهَا حَيْثُ أَخذ مضجعه فَدخل عَلَيْهِ سَارِق فَجمع مَا فِي الْبَيْت وَحمله - وَالرجل لَيْسَ بنائم - حَتَّى انْتهى إِلَى الْبَاب فَوجدَ الْبَاب مردوداً فَوضع الكارة فَفعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَضَحِك صَاحب الْبَيْت ثمَّ قَالَ: إِنِّي أحصنت بَيْتِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {أياً مَا تدعوا} قَالَ: باسم من أَسْمَائِهِ وَالله أعلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك} الْآيَة
قَالَ: نزلت وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة متوار فَكَانَ إِذا صلى بِأَصْحَابِهِ رفع صَوته بِالْقُرْآنِ فَإِذا سمع ذَلِك الْمُشْركُونَ سبّوا الْقُرْآن وَمن أنزلهُ وَمن جَاءَ بِهِ فَقَالَ الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا تجْهر بصلاتك}(5/348)
أَي بِقِرَاءَتِك فَيسمع الْمُشْركُونَ فيسبوا الْقُرْآن {وَلَا تخَافت بهَا} عَن أَصْحَابك فَلَا تسمعهم الْقُرْآن حَتَّى يأخذوه عَنْك {وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا} يَقُول: بَين الْجَهْر والمخافتة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جهر بِالْقُرْآنِ وَهُوَ يُصَلِّي تفَرقُوا عَنهُ وأبوا أَن يستمعوا مِنْهُ فَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ أَن يسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعض مَا يَتْلُو وَهُوَ يُصَلِّي اسْترق السّمع دونهم فرقا مِنْهُم فَإِن رأى أَنهم قد عرفُوا أَنه يستمع ذهب خشيَة أذاهم فَلم يستمع
فَإِن خفض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يستمع الَّذين يَسْتَمِعُون من قِرَاءَته شَيْئا
فَأنْزل الله {وَلَا تجْهر بصلاتك} فيتفرقوا عَنْك {وَلَا تخَافت بهَا} فَلَا تسمع من أَرَادَ أَن يسْمعهَا مِمَّن يسترق ذَلِك لَعَلَّه يرعوي إِلَى بعض مَا يستمع فينتفع بِهِ {وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يجْهر بِالْقِرَاءَةِ بِمَكَّة فيؤذي فَأنْزل الله {وَلَا تجْهر بصلاتك}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي الصِّنْف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى عِنْد الْبَيْت جهر بقرَاءَته فَكَانَ الْمُشْركُونَ يؤذونه فَنزلت {وَلَا تجْهر بصلاتك} الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى يجْهر بِصَلَاتِهِ فآذى ذَلِك الْمُشْركين فأخفى صلَاته هُوَ وَأَصْحَابه
فلذك قَالَ الله: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} وَقَالَ: فِي الْأَعْرَاف (وَاذْكُر رَبك فِي نَفسك) (الْأَعْرَاف آيَة 205) الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} قَالَ: كَانَ الرجل إِذا دَعَا فِي الصَّلَاة رفع صَوته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ مُسَيْلمَة الْكذَّاب قد تسمى الرَّحْمَن فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى فجهر بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحْمَن قَالَ الْمُشْركُونَ: يذكر إِلَه الْيَمَامَة
فَأنْزل الله {وَلَا تجْهر بصلاتك}(5/349)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرفع صَوته بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَكَانَ مُسَيْلمَة قد تسمّى الرَّحْمَن فَكَانَ الْمُشْركُونَ إِذا سمعُوا ذَلِك من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: قد ذكر مُسَيْلمَة إِلَه الْيَمَامَة ثمَّ عارضوه بالمكاء والتصدية والصفير
فَأنْزل الله {وَلَا تجْهر بصلاتك} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جهر بِالْقُرْآنِ شقّ ذَلِك على الْمُشْركين فيؤذون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالشتم - وَذَلِكَ بِمَكَّة - فَأنْزل الله: يَا مُحَمَّد {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} لَا تخْفض صَوْتك حَتَّى لَا تسمع اذنيك {وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا} يَقُول: اطلب الاعلان والجهر وَبَين التخافت والجهر طَرِيقا
لَا جَهرا شَدِيدا وَلَا خفضاً حَتَّى لَا تسمع أذنيك
فَلَمَّا هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة ترك هَذَا كُله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: نبئت أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ كَانَ إِذا قَرَأَ خفض
وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِذا قَرَأَ جهر
فَقيل لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ: لم تصنع هَذَا قَالَ: أُنَاجِي رَبِّي وَقد علم حَاجَتي
وَقيل لعمر رَضِي الله عَنهُ: لم تصنع هَذَا قَالَ: اطرد الشَّيْطَان وَأُوقِظ الْوَسْنَان
فَلَمَّا نزلت {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} قيل لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ: ارْفَعْ شَيْئا
وَقيل لعمر رَضِي الله عَنهُ: اخْفِضْ شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِذا صلى من اللَّيْل خفض صَوته جدا وَكَانَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِذا صلى رفع صَوته جدا
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: يَا أَبَا بكر لَو رفعت من صَوْتك شَيْئا
وَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا عمر لَو خفضت من صَوْتك شَيْئا
فَأتيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرَاهُ بأمرهما فَأنْزل الله {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} الْآيَة
فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِمَا فَقَالَ: يَا أَبَا بكر ارْفَعْ من صَوْتك شَيْئا
وَقَالَ لعمر رَضِي الله عَنهُ: اخْفِضْ من صَوْتك شَيْئا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد فِي النَّاسِخ وَالْبَزَّار والنحاس وَابْن نصر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: إِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} فِي الدُّعَاء(5/350)
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: نزلت هَذِه الْآيَة فِي التَّشَهُّد {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك} قَالَ: نزلت فِي الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى عِنْد الْبَيْت رفع صَوته بِالدُّعَاءِ وآذاه الْمُشْركُونَ فَنزل {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن دراج أبي السَّمْح: أَن شَيخا من الْأَنْصَار من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدثهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} إِنَّمَا نزلت فِي الدُّعَاء لَا ترفع صَوْتك فِي دعائك فَتذكر ذنوبك فَتسمع مِنْك فتعير بهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن منيع وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك} قَالَ: نزلت فِي الدُّعَاء كَانُوا يجهرون بِالدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي
فَلَمَّا نزلت أمروا أَنى لَا يخافتوا وَلَا يجهروا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَعْرَاب من بني تَمِيم إِذا سلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: اللَّهُمَّ ارزقنا إبِلا وَولدا
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تجْهر بصلاتك}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك} قَالَ: ذَلِك فِي الدُّعَاء وَالْمَسْأَلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك} وَلَا تصلِّ مراياة النَّاس {وَلَا تخَافت بهَا} قَالَ: لَا تدعها مَخَافَة النَّاس
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا} قَالَ: لَا تُصلِّها رِيَاء وَلَا تدعها حَيَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَلَا تجْهر بصلاتك} لَا تجعلها كلهَا جَهرا {وَلَا تخَافت بهَا} قَالَ: لَا تجْعَل كلهَا سرا(5/351)
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن أبي رزين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله بن عمر {وَلَا تخَافت} بصوتك وَلَا تعال بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لم يُخَافت من أسمع أُذُنَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير قَالَ: الْعلم خير من الْعَمَل وَخير الْأُمُور أوسطها والحسنة بَين تِلْكَ السيئتين وَذَلِكَ لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: {وَلَا تجْهر بصلاتك وَلَا تخَافت بهَا وابتغ بَين ذَلِك سَبِيلا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي قلَابَة قَالَ: خير الْأُمُور أوسطها
الْآيَة 111(5/352)
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالُوا (اتخذا الله ولدا) (الْبَقَرَة آيَة 116) وَقَالَت الْعَرَب: لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك
وَقَالَ الصابئون وَالْمَجُوس: لَوْلَا أَوْلِيَاء الله لذل فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلم يكن لَهُ ولي من الذل} قَالَ: لم يخف أحدا وَلم يبتغ نصر أحد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {وَكبره تَكْبِيرا} قَالَ: كبره أَنْت يَا مُحَمَّد على مَا يَقُولُونَ تَكْبِيرا
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: آيَة الْعِزّ: {وَقل الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا} الْآيَة كلهَا
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن السّني عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجت أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويدي فِي يَده فَأتى على رجل رث الْهَيْئَة فَقَالَ: أَي فلَان مَا بلغ بك مَا أرى قَالَ: السقم والضر
قَالَ: أَلا أعلمك كَلِمَات تذْهب عَنْك السقم والضر
قل: توكلت على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت و {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا}(5/352)
فَأتى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد حسنت حَالَته فَقَالَ: مَهيم فَقَالَ: لم أزل أَقُول الْكَلِمَات الَّتِي علمتني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْفرج وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن إِسْمَاعِيل بن أبي فديك رَضِي اله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا كربني أَمر إِلَّا تمثل لي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا مُحَمَّد قل توكلت على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت و {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعلم أَهله هَذِه الْآيَة {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا} إِلَى آخرهَا
الصَّغِير من أَهله وَالْكَبِير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبد الْكَرِيم بن أبي أُميَّة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعلم الْغُلَام من بني هَاشم إِذا أفْصح سبع سنوات {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عبد الْكَرِيم عَن عَمْرو بن شُعَيْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ الْغُلَام إِذا أفْصح من بني عبد الْمطلب علمه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة سبع مَرَّات {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا} الْآيَة
وَأخرجه ابْن السّني فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده
وَأخرج ابْن السّني والديلمي عَن فَاطِمَة بنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَضِي الله عَنْهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا: إِذا أخذت مضجعك فَقولِي: الْحَمد لله الْكَافِي
سُبْحَانَ الله الْأَعْلَى
حسبي الله وَكفى مَا شَاءَ الله
قضى سمع الله لمن دَعَا لَيْسَ من الله ملْجأ وَلَا وَرَاء الله ملتجأ
توكلت على رَبِّي وربكم
مَا من دَابَّة إِلَّا هُوَ آخذ بناصيتها
إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا وَلم يكن لَهُ شريك فِي الْملك وَلم يكن لَهُ ولي من الذل وَكبره تَكْبِيرا} من يَقُولهَا عِنْد مَنَامه ثمَّ ينَام وسط الشَّيَاطِين والهوام فَلَا تضره
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الوراة كلهَا فِي خمس عشرَة آيَة من بني إِسْرَائِيل ثمَّ تَلا {وَلَا تجْعَل مَعَ الله إِلَهًا آخر} وَالله أعلم(5/353)
(18)
سُورَة الْكَهْف
مَكِّيَّة وآياتها عشر وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة الْكَهْف أخرج النّحاس فِي ناسخه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سور الْكَهْف بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت سُورَة الْكَهْف بِمَكَّة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من حفظ عشر آيَات من أول سُورَة الْكَهْف عصم من فتْنَة الدَّجَّال
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عبيد فِي فضائله عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ الْعشْر الْأَوَاخِر من سُورَة الْكَهْف عصم من فتْنَة الدَّجَّال
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من حفظ عشرَة آيَات من أول سُورَة الْكَهْف ثمَّ أدْركهُ الدَّجَّال لم يضرّهُ
وَمن حفظ خَوَاتِيم سُورَة الْكَهْف كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: قَرَأَ رجل سُورَة الْكَهْف وَفِي الدَّار دَابَّة فَجعلت تنفر
فَينْظر فَإِذا ضَبَابَة أَو سَحَابَة قد غَشيته فَذكر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أقرا فلَان فَإِنَّهَا السكينَة نزلت لِلْقُرْآنِ(5/354)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أسيد بن حضير أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي كنت أَقرَأ البارحة سُورَة الْكَهْف فجَاء شَيْء حَتَّى غطى فمي
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَه
تِلْكَ السكينَة جَاءَت حِين تَلَوت الْقُرْآن
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أبي االدرداء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ ثَلَاث آيَات من أول الْكَهْف عصم من فتْنَة الدَّجَّال
وَأخرج ابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَالرُّويَانِيّ عَن ثَوْبَان عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ الْعشْر الْأَوَاخِر من سُورَة الْكَهْف فَإِنَّهُ عصمَة لَهُ من الدَّجَّال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ من سُورَة الْكَهْف عشر آيَات عِنْد مَنَامه عصم من فتْنَة الدَّجَّال وَمن قَرَأَ خاتمتها عِنْد رقاده كَانَ لَهُ نورا من لدن قرنه إِلَى قدمه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن عليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ الْكَهْف يَوْم الْجُمُعَة فَهُوَ مَعْصُوم إِلَى ثَمَانِيَة أَيَّام من كل فتْنَة تكون وَإِن خرج الدَّجَّال عصم مِنْهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه والضياء عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف كَانَت لَهُ نورا من مقَامه إِلَى مَكَّة وَمن قَرَأَ عشر آيَات من آخرهَا ثمَّ خرج الدَّجَّال لم يضرّهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي سعيد لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف كَمَا أنزلت كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف فِي يَوْم الْجُمُعَة أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَين الجمعتين
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور والدارمي وَابْن الضريس وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف فِي يَوْم الْجُمُعَة أَضَاء لَهُ من النُّور مَا بَينه وَبَين الْبَيْت الْعَتِيق
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف كَمَا أنزلت ثمَّ خرج الدَّجَّال لم يُسَلط وَلم يكن لَهُ عَلَيْهِ سَبِيل(5/355)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَهَا كلهَا كَانَت لَهُ نورا مَا بَين الأَرْض إِلَى السَّمَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف فِي يَوْم الْجُمُعَة سَطَعَ لَهُ نور من تَحت قدمه إِلَى عنان السَّمَاء يضيء لَهُ يَوْم الْقِيَامَة وَغفر لَهُ مَا بَين الجمعتين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أخْبركُم بِسُورَة مَلأ عظمتها مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ولكاتبها من الْأجر مثل ذَلِك وَمن قَرَأَهَا يَوْم الْجُمُعَة غفر لَهُ مَا بَينه وَبَين الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام وَمن قَرَأَ الْعشْر الْأَوَاخِر مِنْهَا عِنْد نَومه بَعثه الله أَي اللَّيْل شَاءَ قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: سُورَة أَصْحَاب الْكَهْف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن خَالِد بن معدان قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف فِي كل يَوْم جُمُعَة قبل أَن يخرج الإِمَام كَانَت لَهُ كَفَّارَة مَا بَينه وَبَين الْجُمُعَة وَبلغ نورها الْبَيْت الْعَتِيق
وَأخرج ابْن الضريس عَن أبي الْمُهلب قَالَ: من قَرَأَ سُورَة الْكَهْف فِي يَوْم الْجُمُعَة كَانَت لَهُ كَفَّارَة إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سُورَة الْكَهْف تدعى فِي التَّوْرَاة الحائلة تحول بَين قَارِئهَا وَبَين النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْبَيْت الَّذِي تقْرَأ فِيهِ سُورَة الْكَهْف لَا يدْخلهُ شَيْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أم مُوسَى قَالَت: كَانَ الْحسن بن عَليّ يقْرَأ سُورَة الْكَهْف كل لَيْلَة وَكَانَت مَكْتُوبَة لَهُ فِي لوح يدار بلوحه حَيْثُمَا دَار فِي نِسَائِهِ فِي كل لَيْلَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زيد بن وهب أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَرَأَ فِي الْفجْر بالكهف
وَأخرج ابْن سعد عَن صَفِيَّة بنت أبي عبيد أَنَّهَا سَمِعت عمر بن الْخطاب يقْرَأ فِي صَلَاة الْفجْر بِسُورَة أَصْحَاب الْكَهْف(5/356)
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نزلت سُورَة الْكَهْف جملَة مَعهَا سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعثت قُرَيْش النَّضر بن الْحَارِث وَعقبَة بن أبي معيط إِلَى أَحْبَار يهود بِالْمَدِينَةِ فَقَالُوا: سلوهم عَن مُحَمَّد وصفوا لَهُم صفته وأخبروهم بقوله فَإِنَّهُم أهل الْكتاب الأول وَعِنْدهم علم مَا لَيْسَ عندنَا من علم الْأَنْبِيَاء فَخَرَجَا حَتَّى أَتَيَا الْمَدِينَة فسألا أَحْبَار يهود عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووصفا لَهُم أمره وَبَعض قَوْله وَقَالا: إِنَّكُم أهل التَّوْرَاة وَقد جئناكم لتخبرونا عَن صاحبنا هَذَا
فَقَالُوا لَهما: سلوه عَن ثَلَاث فَإِن أخْبركُم بِهن فَهُوَ نَبِي مُرْسل وَإِن لم يفعل فالرجل متقول
فروا فِيهِ رَأْيكُمْ
سلوه عَن فتية ذَهَبُوا فِي الدَّهْر الأول مَا كَانَ من أَمرهم فَإِنَّهُ قد كَانَ لَهُم حَدِيث عَجِيب
وَسَلُوهُ عَن رجل طواف بلغ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا مَا كَانَ نبؤه وَسَلُوهُ عَن الرّوح مَا هُوَ فَإِن أخْبركُم بذلك فَإِنَّهُ نَبِي فَاتَّبعُوهُ وَإِلَّا فَهُوَ متقول
فَأقبل النَّضر وَعقبَة حَتَّى قدما قُرَيْش فَقَالَا: يَا معشر قُرَيْش قد جئناكم بفصل مَا بَيْنكُم وَبَين مُحَمَّد قد أمرنَا أَحْبَار يهود أَن نَسْأَلهُ عَن أُمُور - فأخبراهم بهَا - فجاؤوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أخبرنَا - فَسَأَلُوهُ عَمَّا أمروهم بِهِ - فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أخْبركُم غَدا بِمَا سَأَلْتُم عَنهُ - وَلم يسْتَثْن - فانصرفوا عَنهُ وَمكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس عشرَة لَيْلَة لَا يحدث الله إِلَيْهِ فِي ذَلِك وَحيا وَلَا يَأْتِيهِ جِبْرِيل حَتَّى أرجف أهل مَكَّة وأحزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكث الْوَحْي عَنهُ وشق عَلَيْهِ مَا يتَكَلَّم بِهِ أهل مَكَّة ثمَّ جَاءَ جِبْرِيل من الله عز وَجل بِسُورَة أَصْحَاب الْكَهْف فِيهَا مُعَاتَبَته إِيَّاه على حزنه عَلَيْهِم وَخبر مَا سَأَلُوهُ عَنهُ من أَمر الْفتية وَالرجل الطّواف وَقَول الله: (ويسألونك عَن الرّوح
) (الْإِسْرَاء الْآيَة 85) الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق السّديّ الصَّغِير عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس: أَن قُريْشًا بعثوا خَمْسَة رَهْط - مِنْهُم عقبَة بن أبي معيط وَالنضْر بن الْحَارِث - يسْأَلُون الْيَهُود عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووصفوا لَهُم صفته فَقَالُوا لَهُم: نجد نَعته وَصفته ومبعثه فِي التَّوْرَاة فَإِن كَانَ كَمَا وصفتم لنا فَهُوَ نَبِي مُرْسل وَأمره حق فَاتبعهُ وَلَكِن سلوه عَن ثَلَاث خِصَال فَإِنَّهُ يُخْبِركُمْ(5/357)
بخصلتين وَلَا يُخْبِركُمْ بالثالثة
ان كَانَ نَبيا فَإنَّا قد سَأَلنَا مُسَيْلمَة الْكذَّاب عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاث فَلم يدر مَا هِيَ
فَرَجَعت الرُّسُل إِلَى قُرَيْش بِهَذَا الْخَبَر من الْيَهُود فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أخبرنَا عَن ذِي القرنين الَّذِي بلغ الْمشرق وَالْمغْرب وَأخْبرنَا عَن الرّوح وَأخْبرنَا عَن أَصْحَاب الْكَهْف
فَقَالَ: أخْبركُم بذلك غَدا
وَلم يقل إِن شَاءَ الله
فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيل خَمْسَة عشر يَوْمًا فَلم يَأْته لترك الِاسْتِثْنَاء فشق ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِمَا سَأَلُوهُ فَقَالَ: يَا جِبْرِيل أَبْطَأت عَليّ
فَقَالَ: بتركك الِاسْتِثْنَاء أَلا تَقول: إِن شَاءَ الله قَالَ: (وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله) (الْكَهْف آيَة 23) ثمَّ أخبرهُ عَن حَدِيث ذِي القرنين وَخبر الرّوح وَأَصْحَاب الْكَهْف ثمَّ أرسل إِلَى قُرَيْش فَأتوهُ فَأخْبرهُم عَن حَدِيث ذِي القرنين وَقَالَ لَهُم: الرّوح من أَمر رَبِّي يَقُول: من علم رَبِّي لَا علم لي بِهِ فَلَمَّا وَافق قَول الْيَهُود أَنه لَا يُخْبِركُمْ بالثالث (قَالُوا: سحران تظاهرا) (الْقَصَص آيَة 48) تعاونا - يَعْنِي التَّوْرَاة وَالْفرْقَان - (وَقَالُوا: إِنَّا بِكُل كافرون) (الْقَصَص آيَة 48) وَحَدَّثَهُمْ بِحَدِيث أَصْحَاب الْكَهْف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَكَانَ أَكثر خطبَته ذكر الدَّجَّال فَكَانَ فِيمَا قَالَ لنا يَوْمئِذٍ: إِن الله عز وَجل لم يبْعَث نَبيا إِلَّا حذر أمته وَإِنِّي آخر الْأَنْبِيَاء وَأَنْتُم آخر الْأُمَم وَهُوَ خَارج فِيكُم لَا محَالة فَإِن يخرج وَأَنا بَين أظْهركُم فَأَنا حجيج كل مُسلم وَإِن يخرج فِيكُم بعدِي فَلِكُل امْرِئ حجيج نَفسه
وَالله خليفتي على كل مُسلم وَإِن يخرج من خلة بَين الْعرَاق وَالشَّام وعاث يَمِينا وعاث شمالا
يَا عباد الله اثبتوا فإنع يبْدَأ يَقُول: أَنا نَبِي وَلَا نَبِي بعدِي وَإنَّهُ مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يَقْرَؤُهُ كل مُؤمن فَمن لقية مِنْكُم فليتفل فِي وَجهه وليقرأ بقوارع سُورَة أَصْحَاب الْكَهْف وَإنَّهُ يُسَلط على نفس من بني آدم فيقتلها ثمَّ يُحْيِيهَا وَإنَّهُ لَا يعدو ذَلِك وَلَا يُسَلط على نفس غَيرهَا وَإِن من فتنته: أَن مَعَه جنَّة وَنَارًا فناره جنَّة وجنته نَارا فَمن ابْتُلِيَ بناره فليغمض عَيْنَيْهِ وليستعن بِاللَّه تكون عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا كَمَا كَانَت النَّار بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم وَإِن أَيَّامه أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْم كَسنة وَيَوْم كشهر وَيَوْم كجمعة وَيَوْم كالأيام وَآخر أَيَّامه كالسراب يصبح الرجل(5/358)
عِنْد بَاب الْمَدِينَة فيمسي قبل أَن يبلغ بَابهَا الآخر
قَالُوا: وَكَيف نصلي يَا رَسُول الله فِي تِلْكَ الْأَيَّام الْقصار
قَالَ: تقدرون فِيهَا كَمَا تقدرون فِي الْأَيَّام الطوَال وَالله وَأعلم
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْآيَة 1 - 5(5/359)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {الْحَمد لله الَّذِي أنزل على عَبده الْكتاب وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا قيمًا} قَالَ: أنزل الْكتاب عدلا قيمًا وَلم يجل لَهُ عوجا ملتبساً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أنزل على عَبده الْكتاب وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا} قَالَ: هَذَا من التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير أنزل على عَبده الْكتاب قيمًا وَلم يَجْعَل لَهُ عوجا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {قيمًا} قَالَ: مُسْتَقِيمًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لينذر بَأْسا شَدِيدا} قَالَ: عذَابا شَدِيدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {من لَدنه} أَي من عِنْده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {ويبشر الْمُؤمنِينَ الَّذين يعْملُونَ الصَّالِحَات أَن لَهُم أجرا حسنا} يَعْنِي الْجنَّة
وَفِي قَوْله: {وينذر الَّذين قَالُوا اتخذ الله ولدا} قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى
الْآيَة 6(5/359)
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اجْتمع عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وَأَبُو جهل بن هِشَام وَالنضْر بن الْحَارِث وَأُميَّة بن خلف وَالْعَاص بن وَائِل وَالْأسود بن الْمطلب وَأَبُو البخْترِي فِي نفر من قُرَيْش وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد كبر عَلَيْهِ مَا يرى من خلاف قومه إِيَّاه وإنكارهم مَا جَاءَ بِهِ من النَّصِيحَة فأحزنه حزنا شَدِيدا
فَأنْزل الله {فلعلك باخع نَفسك} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فلعلك باخع نَفسك} قَالَ: قَاتل نَفسك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فلعلك باخع نَفسك} قَالَ: قَاتل نَفسك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {فلعلك باخع نَفسك} قَالَ: قَاتل نَفسك {إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الحَدِيث} قَالَ: الْقُرْآن: {أسفا} قَالَ: حزنا إِن لم يُؤمنُوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أسفا} قَالَ: جزعا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فلعلك باخع نَفسك على آثَارهم إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الحَدِيث أسفا} قَالَ: حزنا عَلَيْهِم نهى الله نبيه أَن يأسف على النَّاس فِي ذنوبهم
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {فلعلك باخع نَفسك} مَا الباخع فَقَالَ: يَقُول: قَاتل نَفسك
قَالَ فِيهِ لبيد بن ربيعَة: لَعَلَّك يَوْمًا ان فقدت مزارها على بعده يَوْمًا لنَفسك باخع
الْآيَة 7 - 8(5/360)
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض زِينَة لَهَا} قَالَ: مَا عَلَيْهَا من شَيْء(5/360)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض زِينَة لَهَا} قَالَ: الرِّجَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض زِينَة لَهَا} قَالَ: الرِّجَال
وَأخرج أَبُو نصر السجْزِي فِي الْإِبَانَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض زِينَة لَهَا} قَالَ: الْعلمَاء زِينَة الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {إِنَّا جعلنَا مَا على الأَرْض زِينَة لَهَا} قَالَ: هم الرِّجَال الْعباد الْعمَّال لله بِالطَّاعَةِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم فِي التَّارِيخ عَن بن عمر قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {لنبلوهم أَيهمْ أحسن عملا} فَقلت: مَا معنى ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عقلا وَأَوْرَع عَن محارم الله وأسرعكم فِي طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لنبلوهم} قَالَ: لنختبرهم {أَيهمْ أحسن عملا} قَالَ: أَيهمْ أتم عقلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله: {لنبلوهم أَيهمْ أحسن عملا} قَالَ: أَشَّدهم للدنيا تركا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي قَوْله: {لنبلوهم أَيهمْ أحسن عملا} قَالَ: أزهدهم فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَإِنَّا لجاعلون مَا عَلَيْهَا صَعِيدا جرزاً} قَالَ: يهْلك كل شَيْء عَلَيْهَا ويبيد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {صَعِيدا جرزاً} قَالَ: الصَّعِيد التُّرَاب
والجزر الَّتِي لَيْسَ فِيهَا فروع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {جرزاً} قَالَ: يَعْنِي بالجزر الخراب
وَالله أعلم
الْآيَة 10 - 12(5/361)
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: {الْكَهْف} هُوَ غَار فِي الْوَادي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {والرقيم} الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {والرقيم} وادٍ دون فلسطين قريب من أَيْلَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وَالله مَا أَدْرِي مَا الرقيم لكتاب أم بُنيان وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: {والرقيم} مِنْهُم من يَقُول كتاب قصصهم وَمِنْهُم من يَقُول الْوَادي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح قَالَ: {والرقيم} لوح مَكْتُوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: {والرقيم} لوح من حِجَارَة كتبُوا فِيهِ قصَّة أَصْحَاب الْكَهْف وأمْرهم ثمَّ وضع على بَاب الْكَهْف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: {والرقيم} حِين رقمت أَسمَاؤُهُم فِي الصَّخْرَة كتب الْملك فِيهَا أَسمَاؤُهُم وَكتب أَنهم هَلَكُوا فِي زمَان كَذَا وَكَذَا فِي ملك ريبوس ثمَّ ضربهَا فِي سور الْمَدِينَة على الْبَاب فَكَانَ من دخل أَو خرج قَرَأَهَا
فَذَلِك قَوْله: {أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والزجاجي فِي أَمَالِيهِ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الرقيم وَسَأَلت كَعْبًا فَقَالَ: اسْم الْقرْيَة الَّتِي خَرجُوا مِنْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل الْقُرْآن أعلمهُ إِلَّا أَرْبعا: غسلين وَحَنَانًا والأواه والرقيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك قَالَ: {والرقيم} الْكَلْب(5/362)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم كَانُوا من آيَاتنَا} يَقُول: الَّذِي آتيتك من الْعلم وَالسّنة وَالْكتاب أفضل من شَأْن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم كَانُوا من آيَاتنَا عجبا} كَانُوا بقَوْلهمْ أعجب آيَاتنَا لَيْسُوا بِأَعْجَب آيَاتنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم كَانُوا من آيَاتنَا عجبا} قَالَ: لَيْسُوا بِأَعْجَب آيَاتنَا كَانُوا من أَبنَاء الْمُلُوك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر قَالَ: كَانَ أَصْحَاب الْكَهْف صيارفة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن بشير أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحدث عَن أَصْحَاب الرقيم: أَن ثَلَاثَة نفر دخلُوا إِلَى الْكَهْف فَوَقع من الْجَبَل حجر على الْكَهْف فأوصد عَلَيْهِم فَقَالَ قَائِل مِنْهُم: تَذكرُوا أَيّكُم عمل حَسَنَة لَعَلَّ الله أَن يَرْحَمنَا
فَقَالَ أحدهم: نعم قد عملت حَسَنَة مرّة
إِنَّه كَانَ لي عُمَّال استأجرتهم فِي عمل لي كل رجل مِنْهُم بِأَجْر مَعْلُوم
فَجَاءَنِي رجل ذَات يَوْم وَذَلِكَ فِي شطر النَّهَار فاستأجرته بِقدر مَا بَقِي من النَّهَار بِشَطْر أَصْحَابه الَّذين يعْملُونَ بَقِيَّة نهارهم ذَلِك كل رجل مِنْهُم نَهَاره كُله
فَرَأَيْت من الْحق أَن لَا أنقصه شَيْئا مِمَّا اسْتَأْجَرت عَلَيْهِ أَصْحَابه
فَقَالَ رجل مِنْهُم: يُعْطي هَذَا مثل مَا يعطيني وَلم يعْمل إِلَّا نصف نَهَاره
فَقلت لَهُ: إِنِّي لَا أبخسك شَيْئا من شرطك وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أحكم فِيهِ بِمَا شِئْت
فَغَضب وَترك أجره فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك عزلت حَقه فِي جَانب الْبَيْت مَا شَاءَ الله ثمَّ مر بِي بعد ذَلِك بقر فاشتريت لَهُ فصيلاً من الْبَقر حَتَّى بلغ مَا شَاءَ الله ثمَّ مر بِي الرجل بعد حِين وَهُوَ شيخ ضَعِيف وَأَنا لَا أعرفهُ فَقَالَ لي: إِن لي عنْدك حَقًا
فَلم أذكرهُ حَتَّى عرّفني ذَلِك فَقلت لَهُ: نعم
إياك أبغي
فعرضت عَلَيْهِ مَا قد أخرج الله لَهُ من ذَلِك الفصيل من الْبَقر فَقلت لَهُ: هَذَا حَقك من الْبَقر
فَقَالَ لي: يَا عبد الله لَا تسخر بِي
إِن لَا تَتَصَدَّق عَليّ أَعْطِنِي حَقي
فَقلت: وَالله مَا أسخر مِنْك: إِن هَذَا لحقك
فَدَفَعته إِلَيْهِ اللَّهُمَّ فَإِن كنت تعلم أَنِّي قد كنت صَادِقا وَأَنِّي فعلت ذَلِك لوجهك فأفرج عَنَّا(5/363)
هَذَا الْحجر
فانصدع حَتَّى رَأَوْا الضوؤ وأبصروا
وَقَالَ الآخر: قد عملت حَسَنَة مرّة وَذَلِكَ أَنه كَانَ عِنْدِي فضل فَأصَاب النَّاس شدَّة فجاءتني امْرَأَة فطلبت مني مَعْرُوفا فَقلت: لَا وَالله مَا هُوَ دون نَفسك
فَأَبت عَليّ ثمَّ رجعت فذكرتني بِاللَّه فأبيت عَلَيْهَا وَقلت: لَا وَالله مَا هُوَ دون نَفسك
فَأَبت عَليّ ثمَّ رجعت فذكرتني بِاللَّه فأبيت عَلَيْهَا وَقلت: لَا وَالله مَا هُوَ دون نَفسك
فَأَبت عليّ فذكَرَتْ ذَلِك لزَوجهَا فَقَالَ: أعْطِيه نَفسك وَأغْنِي عِيَالك
فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِك سمحت بِنَفسِهَا فَلَمَّا هَمَمْت بهَا قَالَت: إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين
فَقلت لَهَا: تَخَافِينَ الله فِي الشدّة وَلم أخفه فِي الرخَاء فأعطيتها مَا استغنت هِيَ وعيالها
اللَّهُمَّ فَإِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك لوجهك فأفرج عَنَّا هَذَا الْحجر فانصدع الْحجر حَتَّى رَأَوْا الضَّوْء وأيقنوا الْفرج
ثمَّ قَالَ الثَّالِث: قد عملت حَسَنَة مرّة كَانَ لي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كبيران قد بلغما الْكبر وَكَانَت لي غنم فَكنت أرعاها
وأختلف فِيمَا بَين غنمي وَبَين أَبَوي أطعمهما وأشبعهما وأرجع إِلَى غنمي فَلَمَّا كَانَ ذَات يَوْم أصابني غيث شَدِيد فحبسني فَلم أرجع إِلَّا مُؤَخرا فَأتيت أَهلِي فَلم أَدخل منزلي حَتَّى حلبت غنمي ثمَّ مضيت إِلَى أَبَوي أسقيهما فوجدتهما قد نَامَا فشق عليّ أَن أوقظهما وشق عَليّ عليّ أَن أترك غنمي فَلم أَبْرَح جَالِسا ومحلبي على يَدي حَتَّى أيقظهما الصُّبْح فسقيتهما الله إِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك لوجهك فأفرج عَنَّا هَذَا الْحجر
ففرّج الله عَنْهُم وَخَرجُوا إِلَى أَهْليهمْ رَاجِعين
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن ثَلَاثَة نفر فِيمَا سلف من النَّاس انْطَلقُوا يرتادون لأهليهم فَأَخَذتهم السَّمَاء فَدَخَلُوا غاراً فَسقط عَلَيْهِم حجر فجافّ حَتَّى مَا يرَوْنَ مِنْهُ خصَاصَة
فَقَالَ بَعضهم لبَعض: قد وَقع الْحجر وَعَفا الْأَثر وَلَا يعلم مَكَانكُمْ إِلَّا الله فَادعوا الله عز وَجل بأوثق أَعمالكُم
فَقَالَ رجل مِنْهُم: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنه كَانَ لي والدان فَكنت أحلب لَهما فِي إنائهما فآتيهما فَإِذا وجدتهما راقدين قُمْت على رأسيهما كَرَاهَة أَن أرد سنتهما فِي رأسيهما حَتَّى يستيقظا مَتى استيقظا اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنِّي إِنَّمَا فعلت ذَلِك رَجَاء رحمتك ومخافة عذابك فَفرج عَنَّا
فَزَالَ ثلث الْحجر(5/364)
وَقَالَ الثَّانِي: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنِّي اسْتَأْجَرت أَجِيرا على عمل يعمله فَأَتَانِي يطْلب أجره وَأَنا غَضْبَان فزبرته فَانْطَلق وَترك أجره فجمعته وثمرته حَتَّى كَانَ مِنْهُ كل المَال فَأَتَانِي يطْلب أجره فَدفعت إِلَيْهِ ذَلِك كُله وَلَو شِئْت لم أعْطه إِلَّا أجره الأوّل اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنِّي إِنَّمَا فعلت ذَلِك رَجَاء رحمتك ومخافة عذابك فافرج عَنَّا
فَزَالَ ثلث الْحجر
وَقَالَ الثَّالِث: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنه أَعْجَبته امْرَأَة فَجعل لَهَا جعلا فَلَمَّا قدر عَلَيْهَا وفر لَهَا نَفسهَا وسلّم لَهَا جَعْلَها
اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنِّي إِنَّمَا فعلت ذَلِك رَجَاء رحمتك ومخافة عذابك فَفرج عَنَّا
فَزَالَ الْحجر وَخَرجُوا معاتيق يَمْشُونَ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بَيْنَمَا ثَلَاثَة نفر مِمَّن كَانَ قبلكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُم مطر فأووا إِلَى غَار فانطبق عَلَيْهِم فَقَالَ بَعضهم لبَعض: إِنَّه وَالله يَا هَؤُلَاءِ لَا ينجيكم إِلَّا الصّدْق فَليدع كل رجل مِنْكُم بِمَا يعلم أَنه قد صدق فِيهِ
فَقَالَ وَاحِد مِنْهُم: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنه كَانَ لي أجِير يعلم على فرق من أرز فَذهب وَتَركه وَإِنِّي عَمَدت إِلَى ذَلِك الْفرق فزرعته فَصَارَ من أمره أَنِّي اشْتريت مِنْهُ بقرًا وَأَنه أَتَانِي يطْلب أجره فَقلت لَهُ: اعمد إِلَى تِلْكَ الْبَقر فسقْها فَقَالَ لي: إِنَّمَا لي عنْدك فرق من أرز
فَقلت لَهُ: اعمد إِلَى تِلْكَ الْبَقر فَإِنَّهَا من ذَلِك الْفرق فساقها فَإِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك من خشيتك فَفرج عَنَّا
فانساخت عَنْهُم الصَّخْرَة
فَقَالَ الآخر: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنه كَانَ لي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كبيران فَكنت آتيهما كل لية بِلَبن غنم لي فأبطأت عَلَيْهِمَا لَيْلَة فَجئْت وَقد رقدا وعيالي يتضاغون من الْجُوع فَكنت لَا أسقيهم حَتَّى يشرب أَبَوي فَكرِهت أَن أوقظهما وكرهت أَن أدعهما فيستكنا بشربتهما فَلم أزل أنْتَظر حَتَّى طلع الْفجْر فَإِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك من خشيتك فَفرج عَنَّا
فانساخت عَنْهُم الصَّخْرَة حَتَّى نظرُوا إِلَى السَّمَاء
فَقَالَ الآخر: اللَّهُمَّ إِن كنت تعلم أَنه كَانَ لي ابْنة عَم من أحب النَّاس إليّ وَإِنِّي راودتها عَن نَفسهَا فَأَبت إِلَّا أَن آتيها بِمِائَة دِينَار فطلبتها حَتَّى قَدِرْتُ فأتيتها بهَا فدفعْتها إِلَيْهَا فأمكنتني من نَفسهَا فَلَمَّا قعدت بَين رِجْلَيْهَا قَالَ: اتَّقِ الله وَلَا تفض الْخَاتم إِلَّا بِحقِّهِ
فَقُمْت وَتركت الْمِائَة دِينَار فَإِن كنت تعلم أَنِّي فعلت ذَلِك من خشيتك فَفرج عنّا
فَفرج الله عَنْهُم فَخَرجُوا(5/365)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه من حَدِيث ابْن عَبَّاس مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: غزونا مَعَ مُعَاوِيَة غَزْوَة الْمضيق نَحْو الرّوم فمررنا بالكهف الَّذِي فِيهِ أَصْحَاب الْكَهْف الَّذِي ذكر الله فِي الْقُرْآن
فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَو كشف لنا عَن هَؤُلَاءِ فَنَظَرْنَا إِلَيْهِم فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: لَيْسَ ذَلِك لَك قد منع الله ذَلِك عَمَّن هُوَ خير مِنْك فَقَالَ: {لَو اطَّلَعت عَلَيْهِم لَوَلَّيْت مِنْهُم فِرَارًا ولَمُلِئْتَ مِنْهُم رعْبًا} فَقَالَ مُعَاوِيَة: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أعلم علمهمْ
فَبعث رجَالًا فَقَالَ: اذْهَبُوا فادخلوا الْكَهْف فانظروا
فَذَهَبُوا فَلَمَّا دخلُوا الْكَهْف بعث الله عَلَيْهِم ريحًا فأخرجتهم
فَبلغ ذَلِك ابْن عَبَّاس فَأَنْشَأَ يحدث عَنْهُم فَقَالَ: إِنَّهُم كَانُوا فِي مملكة ملك من الْجَبَابِرَة يعبد الْأَوْثَان وَقد أجبر النَّاس على عبادتها وَكَانَ وَهَؤُلَاء الْفتية فِي الْمَدِينَة فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك خَرجُوا من تِلْكَ الْمَدِينَة فَجَمعهُمْ الله على غير ميعاد فَجعل بَعضهم يَقُول لبَعض: أَيْن تُرِيدُونَ
أَيْن تذهبون
فَجعل بَعضهم يخفي على بعض لِأَنَّهُ لَا يدْرِي هَذَا على مَا خرج هَذَا وَلَا يدْرِي هَذَا
فَأخذُوا العهود والمواثيق أَن يخبر بَعضهم بَعْضًا فَإِن اجْتَمعُوا على شَيْء وَإِلَّا كتم بَعضهم بَعْضًا
فَاجْتمعُوا على كلمة وَاحِدَة {فَقَالُوا رَبنَا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَى قَوْله: {مرفقاً} قَالَ: فقعدوا فجَاء أهلهم يطلبونهم لَا يَدْرُونَ أَيْن ذَهَبُوا فَرفع أَمرهم إِلَى الْملك فَقَالَ: لَيَكُونن لهَؤُلَاء الْقَوْم بعد الْيَوْم شَأْن
نَاس خَرجُوا لَا يدْرِي أَيْن ذَهَبُوا فِي غير خِيَانَة وَلَا شَيْء يعرف
فَدَعَا بلوح من رصاص فَكتب فِيهِ أَسمَاؤُهُم ثمَّ طرح فِي خزانته
فَذَلِك قَول الله: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم} والرقيم هُوَ اللَّوْح الَّذِي كتبُوا
فَانْطَلقُوا حَتَّى دخلُوا الْكَهْف فَضرب الله على آذانهم فَقَامُوا
فَلَو أَن الشَّمْس تطلع عَلَيْهِم لأحرقتهم وَلَوْلَا أَنهم يقلبون لأكلتهم الأَرْض
ذَلِك قَول الله: {وَترى الشَّمْس} الْآيَة
قَالَ: ثمَّ إِن ذَلِك الْملك ذهب وَجَاء ملك آخر فعبد الله وَترك تِلْكَ الْأَوْثَان وَعدل بَين النَّاس فبعثهم الله لما يُرِيد {قَالَ قَائِل مِنْهُم كم لبثتم} فَقَالَ بَعضهم: يَوْمًا
وَقَالَ بَعضهم يَوْمَيْنِ
وَقَالَ بَعضهم أَكثر من ذَلِك
فَقَالَ كَبِيرهمْ: لَا تختلفوا فَإِنَّهُ لم(5/366)
يخْتَلف قوم قطّ إِلَّا هَلَكُوا فَابْعَثُوا أحدكُم بورقكم هَذِه إِلَى الْمَدِينَة
فَرَأى شارة أنكرها وَرَأى بنياناً أنكرهُ ثمَّ دنا إِلَى خباز فَرمى إِلَيْهِ بدرهم وَكَانَت دراهمهم كخفاف الرّبع - يَعْنِي ولد النَّاقة - فَأنْكر الخباز الدِّرْهَم فَقَالَ: من أَيْن لَك الدِّرْهَم لقد وجدت كنزاً لتدلّني عَلَيْهِ أَو لأرفعنك إِلَى الْأَمِير
فَقَالَ: أَوَ تخوّفني بالأمير وأتى الدهْقَان الْأَمِير قَالَ: من أَبوك قَالَ: فلَان
فَلم يعرفهُ
قَالَ: فَمن الْملك قَالَ: فلَان
فَلم يعرفهُ فَاجْتمع عَلَيْهِم النَّاس فَرفع إِلَى عالمهم فَسَأَلَهُ فَأخْبرهُ فَقَالَ: عليّ باللوح فجيء بِهِ فَسمى أَصْحَابه فلَانا وَفُلَانًا
وهم مكتوبون فِي اللَّوْح فَقَالَ للنَّاس: إِن الله قد دلكم على إخْوَانكُمْ
وَانْطَلَقُوا وركبوا حَتَّى أَتَوا إِلَى الْكَهْف فَلَمَّا دنوا من الْكَهْف قَالَ الْفَتى: مَكَانكُمْ أَنْتُم حَتَّى أَدخل أَنا على أَصْحَابِي وَلَا تهجموا فيفزعون مِنْكُم وهم لَا يعلمُونَ أَن الله قد أقبل بكم وَتَابَ عَلَيْكُم
فَقَالُوا لتخْرجن علينا فَقَالَ: نعم إِن شَاءَ الله
فَدخل فَلم يدروا أَيْن ذهب وَعمي عَلَيْهِم فطلبوا وحرضوا فَلم يقدروا على الدُّخُول عَلَيْهِم فَقَالُوا {لنتخذن عَلَيْهِم مَسْجِدا} فاتخذوا عَلَيْهِم مَسْجِدا يصلونَ عَلَيْهِم وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَاب الْكَهْف أَبنَاء مُلُوك رزقهم الله الْإِسْلَام فتعوذوا بدينهم واعتزلوا قَومهمْ حَتَّى انْتَهوا إِلَى الْكَهْف فَضرب الله على صماخاتهم فلبثوا دهراً طَويلا حَتَّى هَلَكت أمتهم وَجَاءَت أمة مسلمة وَكَانَ ملكهم مُسلما وَاخْتلفُوا فِي الرّوح والجسد فَقَالَ قَائِل: يبْعَث الرّوح والجسد جَمِيعًا
وَقَالَ قَائِل: يبْعَث الرّوح وَأما الْجَسَد فتأكله الأَرْض فَلَا يكون شَيْئا فشق على ملكهم إختلافهم فَانْطَلق فَلبس المسوح وَجلسَ على الرماد ثمَّ دَعَا الله فَقَالَ: أَي رب قد ترى إختلاف هَؤُلَاءِ فَابْعَثْ لَهُم آيَة تبين لَهُم فَبعث الله أَصْحَاب الْكَهْف فبعثوا أحدهم ليَشْتَرِي لَهُم طَعَاما فَدخل السُّوق فَلَمَّا نظر جعل يُنكر الْوُجُوه وَيعرف الطّرق وَرَأى الْإِيمَان ظَاهرا بِالْمَدِينَةِ
فَانْطَلق وَهُوَ مستخف حَتَّى أَتَى رجلا يَشْتَرِي مِنْهُ طَعَاما فَلَمَّا نظر الرجل إِلَى الْوَرق أنكرها
حسبت أَنه قَالَ: كَأَنَّهَا أَخْفَاف الرّبيع - يَعْنِي الْإِبِل الصغار - فَقَالَ الْفَتى: أَلَيْسَ ملككم فلَان قَالَ الرجل: بل ملكنا فلَان
فَلم يزل ذَلِك بَينهمَا حَتَّى رَفعه إِلَى الْملك فَنَادَى فِي النَّاس فَجَمعهُمْ فَقَالَ: إِنَّكُم اختلفتم فِي الرّوح والجسد وَإِن الله قد بعث لكم آيَة فَهَذَا رجل من قوم فلَان - يَعْنِي ملكهم الَّذِي(5/367)
قبله - فَقَالَ الْفَتى: انْطلق بِي إِلَى أَصْحَابِي
فَركب الْملك وَركب مَعَه النَّاس حَتَّى انْتهى إِلَى الْكَهْف فَقَالَ الْفَتى: دَعونِي أَدخل إِلَى أَصْحَابِي
فَلَمَّا أبصروه وأبصرهم ضرب على آذانهم فَلَمَّا استبطؤوه دخل الْملك وَدخل النَّاس مَعَه فَإِذا أجساد لَا يبْلى مِنْهَا شَيْء غير أَنَّهَا لَا أَرْوَاح فِيهَا
فَقَالَ الْملك: هَذِه آيَة بعثها الله لكم فغزا ابْن عَبَّاس مَعَ حبيب بن مسلمة فَمروا بالكهف فَإِذا فِيهِ عِظَام فَقَالَ رجل: هَذِه عِظَام أهل الْكَهْف
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ذهبت عظامهم أَكثر من ثلثمِائة سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَاب الْكَهْف أَبنَاء عُظَمَاء أهل مدينتهم وَأهل شرفهم خَرجُوا فَاجْتمعُوا وَرَاء الْمَدِينَة على غير ميعاد فَقَالَ رجل مِنْهُم - هُوَ أشبههم -: إِنِّي لأجد فِي نَفسِي شَيْئا مَا أَظن أحدا يجده
قَالُوا: مَا تَجِد قَالَ: أجد فِي نَفسِي أَن رَبِّي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض
فَقَامُوا جَمِيعًا فَقَالُوا: {رَبنَا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض لن ندعوا من دونه إِلَهًا لقد قُلْنَا إِذا شططاً} وَكَانَ مَعَ ذَلِك من حَدِيثهمْ وَأمرهمْ مَا قد ذكر الله فِي الْقُرْآن فَأَجْمعُوا أَن يدخلُوا الْكَهْف وعَلى مدينتهم إِذْ ذَاك جَبَّار يُقَال لَهُ (دقيوس) فلبثوا فِي الْكَهْف مَا شَاءَ الله رقوداً ثمَّ بَعثهمْ الله فبعثوا أحدهم ليبتاع لَهُم طَعَاما فَلَمَّا خرج إِذا هم بحظيرة على بَاب الْكَهْف فَقَالَ: مَا كَانَت هَذِه هَهُنَا عَشِيَّة أمس
فَسمع كلَاما من كَلَام الْمُسلمين بِذكر الله - وَكَانَ النَّاس قد أَسْلمُوا بعدهمْ وَملك عَلَيْهِم رجل صَالح - فَظن أَنه أَخطَأ الطَّرِيق فَجعل ينظر إِلَى مدينته الَّتِي خرج مِنْهَا وَإِلَى مدينتين وجاهها أسماؤهن: اقسوس وايديوس وشاموس
فَيَقُول: مَا أَخْطَأت الطَّرِيق - هَذِه اقسوس وايديوس وشاموس
فَعمد إِلَى مدينته الَّتِي خرج مِنْهَا ثمَّ عمد حَتَّى جَاءَ السُّوق فَوضع ورقة فِي يَد رجل فَنظر فَإِذا ورق لَيست بورق النَّاس فَانْطَلق بِهِ إِلَى الْملك وَهُوَ خَائِف فَسَأَلَهُ وَقَالَ: لَعَلَّ هَذَا من الْفتية الَّذين خَرجُوا على عهد دقيوس فَإِنِّي قد كنت أَدْعُو الله أَن يرينيهم وَأَن يعلمني مكانهم
ودعا مشيخة أهل الْقرْيَة - وَكَانَ رجل مِنْهُم قد كَانَ عِنْده أَسمَاؤُهُم وأنسابهم - فَسَأَلَهُمْ فأخبروه فَسَأَلَ الْفَتى فَقَالَ: صدق
وَانْطَلق الْملك وَأهل الْمَدِينَة مَعَه لِأَن يدلهم على أَصْحَابه حَتَّى إِذا دنوا من الْكَهْف سمع الْفتية حسّ النَّاس فَقَالُوا: أتيتم
ظهر على صَاحبكُم فاعتنق بَعضهم بَعْضًا وَجعل يُوصي بَعضهم بَعْضًا بدينهم فَلَمَّا دنا الْفَتى مِنْهُم أَرْسلُوهُ فَلَمَّا قدم إِلَى أَصْحَابه مَاتُوا عِنْد(5/368)
ذَلِك ميتَة الْحق
فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم الْملك شقّ عَلَيْهِ أَن لم يقدر عَلَيْهِم أَحيَاء وَقَالَ: لَا أدفنهم إِذا فائتوني بصندوق من ذهب
فَأَتَاهُ آتٍ مِنْهُم فِي الْمَنَام فَقَالَ: أردْت أَن تجعلنا فِي صندوق من ذهب فَلَا تفعل وَدعنَا فِي كهفنا فَمن التُّرَاب خلقنَا وَإِلَيْهِ نعود
فتركهم فِي كهفهم وَبنى على كهفهم مَسْجِدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل من حواريي عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى مَدِينَة أَصْحَاب الْكَهْف فَأَرَادَ أَن يدخلهَا فَقيل: على بَابهَا صنم لَا يدخلهَا أحد إِلَّا سجد لَهُ فكره أَن يدْخل فَأتى حَماما فَكَانَ فِيهِ قَرِيبا من تِلْكَ الْمَدِينَة وَكَانَ يعْمل فِيهِ يُؤَاجر نَفسه من صَاحب الْحمام وَرَأى صَاحب الْحمام فِي حمامه الْبركَة والرزق وَجعل يسترسل إِلَيْهِ وعلقه فتية من أهل الْمَدِينَة فَجعل يُخْبِرهُمْ عَن خبر السَّمَاء وَالْأَرْض وَخبر الْآخِرَة حَتَّى آمنُوا بِهِ وَصَدقُوهُ وَكَانُوا على مثل حَاله فِي حسن الْهَيْئَة وَكَانَ يشْتَرط على صَاحب الْحمام: أَن اللَّيْل لي وَلَا تحول بيني وَبَين الصَّلَاة إِذا حضرت حَتَّى أَتَى ابْن الْملك بِامْرَأَة يدْخل بهَا الْحمام فَعَيَّرَهُ الْحوَاري فَقَالَ: أَنْت ابْن الْملك وَتدْخل مَعَ هَذِه الكداء
فاستحيا فَذهب فَرجع مرّة أُخْرَى فَسَبهُ وانتهره فَلم يلْتَفت حَتَّى دخل - وَدخلت مَعَه الْمَرْأَة فباتا فِي الْحمام جَمِيعًا فماتا فِيهِ
فَأتى الْملك فَقيل لَهُ: قتل ابْنك صَاحب الْحمام
فالتمس فَلم يقدر عَلَيْهِ وهرب من كَانَ يَصْحَبهُ فسموا الْفتية
فالتمسوا فَخَرجُوا من الْمَدِينَة فَمروا بِصَاحِب لَهُم فِي زرع لَهُ وَهُوَ على مثل أَمرهم فَذكرُوا لَهُ أَنهم التمسوا فَانْطَلق مَعَه وَمَعَهُ كلب حَتَّى آواهم اللَّيْل إِلَى الْكَهْف فَدَخَلُوا فِيهِ فَقَالُوا: نبيت هَهُنَا اللَّيْلَة حَتَّى نصبح إِن شَاءَ الله ثمَّ تروا رَأْيكُمْ
فَضرب على آذانهم فَخرج الْملك لأَصْحَابه يبتغونهم حَتَّى وجدوهم قد دخلُوا الْكَهْف فَكلما أَرَادَ الرجل مِنْهُم أَن يدْخل أرعب فَلم يطق أحد أَن يدْخلهُ فَقَالَ لَهُ قَائِل: أَلَسْت قلت: لَو قدرت عَلَيْهِم قَتلتهمْ قَالَ: بلَى
قَالَ: فَابْن عَلَيْهِم بَاب الْكَهْف ودعهم يموتوا عطشاً وجوعاً
فَفعل
ثمَّ صَبَرُوا زَمَانا ثمَّ إِن راعي غنم أدْركهُ الْمَطَر عِنْد الْكَهْف فَقَالَ: لَو فتحت هَذَا الْكَهْف وأدخلت غنمي من الْمَطَر فَلم يزل يعالجه حَتَّى فتح لغنمه فادخلها فِيهِ ورد الله أَرْوَاحهم فِي أَجْسَادهم من الْغَد حِين أَصْبحُوا فبعثوا أحدهم بورق ليَشْتَرِي لَهُم طَعَاما فَكلما أَتَى بَاب مدينتهم لَا يرى أحد من ورقهم شَيْئا إِلَّا استنكرها حَتَّى جَاءَ رجلا فَقَالَ: بِعني(5/369)
بِهَذِهِ الدَّرَاهِم طَعَاما
فَقَالَ: وَمن أَيْن لَك هَذِه الدَّرَاهِم قَالَ: إِنِّي رحت وأصحابي أمس فَأتى اللَّيْل ثمَّ أَصْبَحْنَا فأرسلوني
قَالَ: فَهَذِهِ الدَّرَاهِم كَانَت على عهد ملك فلَان
فَأنى لَك هَذِه الدَّرَاهِم
فرفعه إِلَى الْملك 0 وَكَانَ رجلا صَالحا - فَقَالَ: وَمن أَيْن لَك هَذَا الْوَرق قَالَ: خرجت أَنا وأصحابي أمس حَتَّى إِذا أدركنا اللَّيْل فِي كَهْف كَذَا وَكَذَا ثمَّ أمروني أَن اشْترِي لَهُم طَعَاما
قَالَ: وَأَيْنَ أَصْحَابك قَالَ: فِي الْكَهْف
فَانْطَلق مَعَه حَتَّى أَتَوا بَاب الْكَهْف فَقَالَ: دَعونِي أَدخل على أَصْحَابِي قبلكُمْ
فَلَمَّا رَأَوْهُ ودنا مِنْهُم ضرب على أُذُنه وآذانهم فأرادوا أَن يدخلُوا فَجعل كلما دخل رجل مِنْهُم رعب فَلم يقدروا أَن يدخلُوا إِلَيْهِم فبنوا عِنْدهم مَسْجِدا يصلونَ فِيهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَصْحَاب الْكَهْف أعوان الْمهْدي
وَأخرج الزجاجي فِي أَمَالِيهِ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أم حسبت أَن أَصْحَاب الْكَهْف والرقيم} قَالَ: إِن الْفتية لما هربوا من أَهْليهمْ خوفًا على دينهم
فقدوهم فخبروا الْملك خبرهم فَأمر بلوح من رصاص فَكتب فِيهِ أَسْمَاءَهُم وألقاه فِي خزانته وَقَالَ: إِنَّه سَيكون لَهُم شَأْن وَذَلِكَ اللَّوْح هُوَ الرقيم وَالله أعلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {فضربنا على آذانهم} يَقُول: أرقدناهم {ثمَّ بعثناهم لنعلم أَي الحزبين} من قوم الْفتية أهل الْهدى وَأهل الضَّلَالَة {أحصى لما لَبِثُوا} أَنهم كتبُوا الْيَوْم الَّذِي خَرجُوا فِيهِ والشهر وَالسّنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {أَي الحزبين} قَالَ: من قوم الْفتية {أحصى لما لَبِثُوا أمداً} قَالَ: عددا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {لنعلم أَي الحزبين أحصى لما لَبِثُوا أمداً} يَقُول: مَا كَانَ لوَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ علم لَا لكفارهم وَلَا لمؤمنيهم
الْآيَة 13 - 15(5/370)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: مَا بعث الله نَبيا إِلَّا وَهُوَ شَاب وَلَا أُوتِيَ الْعلم عَالما إِلَّا وَهُوَ شَاب
وَقَرَأَ: (قَالُوا سمعنَا فَتى يذكرهم يُقَال لَهُ إِبْرَاهِيم) (وَإِذا قَالَ مُوسَى لفتاه) و {إِنَّهُم فتية آمنُوا برَبهمْ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله: {وزدناهم هدى} قَالَ: إخلاصاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وربطنا على قُلُوبهم} قَالَ: بِالْإِيمَان
وَفِي قَوْله: {لقد قُلْنَا إِذا شططا} قَالَ: كذبا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {لقد قُلْنَا إِذا شططا} قَالَ: جوراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: الشطط الْخَطَأ من القَوْل
الْآيَة 16(5/371)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا (16)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله: {وَإِذ اعتزلتموهم وَمَا يعْبدُونَ إِلَّا الله} قَالَ: كَانَ قوم الْفتية يعْبدُونَ الله ويعبدون مَعَه آلِهَة شَتَّى فاعتزلت الْفتية عبَادَة تِلْكَ الْآلهَة وَلم تَعْتَزِل عبَادَة الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَإِذ اعتزلتموهم وَمَا يعْبدُونَ إِلَّا الله} قَالَ: هِيَ فِي مصحف ابْن مَسْعُود: وَمَا يعْبدُونَ من دون الله فَهَذَا تَفْسِيرهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فأووا إِلَى الْكَهْف} قَالَ: كَانَ كهفهم بَين جبلين(5/371)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {ويهيئ لكم من أَمركُم مرفقاً} يَقُول: عذاء
الْآيَة 17 - 20(5/372)
وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {تزاور} قَالَ: تميل
وَفِي قَوْله: {تقرضهم} قَالَ: تذرهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {تقرضهم} قَالَ: تتركهم {وهم فِي فجوة مِنْهُ} قَالَ: الْمَكَان الدَّاخِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وهم فِي فجوة مِنْهُ} قَالَ: يَعْنِي بالفجوة الْخلْوَة من الأَرْض
وَيَعْنِي بالخلوة النَّاحِيَة من الأَرْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {وهم فِي فجوة مِنْهُ} قَالَ: فِي نَاحيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وتحسبهم} يَا مُحَمَّد {أيقاظاً وهم رقود}(5/372)
يَقُول: فِي رقدتهم الأولى {ونقلبهم ذَات الْيَمين وَذَات الشمَال} قَالَ: وَهَذَا التقليب فِي رقدتهم الأولى كَانُوا يقلبون فِي كل عَام مرّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {ونقلبهم ذَات الْيَمين وَذَات الشمَال} قَالَ: سِتَّة أشهر على ذِي الْجنب وَسِتَّة أشهر على ذِي الْجنب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عِيَاض فِي قَوْله: {ونقلبهم ذَات الْيَمين وَذَات الشمَال} قَالَ: فِي كل عَام مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ونقلبهم} قَالَ: فِي التسع سِنِين لَيْسَ فِيمَا سواهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {ونقلبهم ذَات الْيَمين وَذَات الشمَال} قَالَ: كي لَا تَأْكُل الأَرْض لحومهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وكلبهم} قَالَ: اسْم كلبهم قطمور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: اسْم كلب أَصْحَاب الْكَهْف قطمير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لرجل من أهل الْعلم: زَعَمُوا أَن كلبهم كَانَ أسداً قَالَ: لعمر الله مَا كَانَ أسداً وَلكنه كَانَ كَلْبا أَحْمَر خَرجُوا بِهِ من بُيُوتهم يُقَال لَهُ قطمور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كثير النواء قَالَ: كَانَ كلب أَصْحَاب الْكَهْف أصفر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سُفْيَان قَالَ: قَالَ رجل بِالْكُوفَةِ يُقَال لَهُ: عبيد وَكَانَ لَا يتهم بكذب قَالَ: رَأَيْت كلب أَصْحَاب الْكَهْف أَحْمَر كَأَنَّهُ كسَاء انبجاني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق جُوَيْبِر عَن عبيد السواق قَالَ: رَأَيْت كلب أَصْحَاب الْكَهْف صَغِيرا باسطاً ذِرَاعَيْهِ بِفنَاء بَاب الْكَهْف وَهُوَ يَقُول: هَكَذَا يضْرب بأذنيه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن حميد الْمَكِّيّ فِي قَوْله: {وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} قَالَ: جعل رزقه فِي لحس ذِرَاعَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بالوصيد} قَالَ: بالفناء(5/373)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بالوصيد} قَالَ: بِالْبَابِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة فِي قَوْله: {بالوصيد} قَالَ: بِفنَاء بَاب الْكَهْف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {بالوصيد} قَالَ: بالصعيد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {وكلبهم باسط ذِرَاعَيْهِ بالوصيد} قَالَ: مُمْسك عَلَيْهِم بَاب الْكَهْف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ لي صَاحب شَدِيد النَّفس فَمر بِجَانِب كهفهم فَقَالَ: لَا أَنْتَهِي حَتَّى أنظر إِلَيْهِم فَقيل لَهُ: لَا تفعل
أما تقْرَأ {لَو اطَّلَعت عَلَيْهِم لَوَلَّيْت مِنْهُم فِرَارًا وَلَمُلئت مِنْهُم رعْبًا} فَأبى إِلَّا أَن ينظر فَأَشْرَف عَلَيْهِم فابيضت عَيناهُ وَتغَير شعره وَكَانَ يخبر النَّاس بعد يَقُول: عدتهمْ سَبْعَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أزكى طَعَاما} قَالَ: أحل ذَبِيحَة وَكَانُوا يذبحون للطواغيت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أزكى طَعَاما} يَعْنِي أطهر لأَنهم كَانُوا يذبحون الْخَنَازِير
الْآيَة 21(5/374)
وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَكَذَلِكَ أعثرنا عَلَيْهِم} قَالَ: أطْلعنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: دَعَا الْملك شُيُوخًا من قومه فَسَأَلَهُمْ عَن أَمرهم فَقَالُوا: كَانَ ملك يدعى دقيوس وَإِن فتية فُقِدُوا فِي زَمَانه وَأَنه كتب أَسْمَاءَهُم فِي(5/374)
الصَّخْرَة الَّتِي كَانَت عِنْد بَاب بِالْمَدِينَةِ
فَدَعَا بالصخرة فقرأها فَإِذا فِيهَا أَسْمَاءَهُم ففرح الْملك فَرحا شَدِيدا وَقَالَ: هَؤُلَاءِ قوم كَانُوا قد مَاتُوا فبعثوا فَفَشَا فيهم أَن الله يبْعَث الْمَوْتَى
فَذَلِك قَوْله: {وَكَذَلِكَ أعثرنا عَلَيْهِم ليعلموا أَن وعد الله حق وَأَن السَّاعَة لَا ريب فِيهَا} فَقَالَ الْملك: لأتخذن عِنْد هَؤُلَاءِ الْقَوْم الصَّالِحين مَسْجِدا فلأعبدن الله فِيهِ حَتَّى أَمُوت
فَذَلِك قَوْله: {قَالَ الَّذين غلبوا على أَمرهم لنتخذن عَلَيْهِم مَسْجِدا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {قَالَ الَّذين غلبوا على أَمرهم} قَالَ: هم الْأُمَرَاء أَو قَالَ: السلاطين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: بنى عَلَيْهِم الْملك بيعَة فَكتب فِي أَعْلَاهَا أَبنَاء الأراكنة أَبنَاء الدهاقين
الْآيَة 22(5/375)
سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {سيقولون ثَلَاثَة} قَالَ: الْيَهُود {وَيَقُولُونَ خَمْسَة} قَالَ: النَّصَارَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَعبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {رجما بِالْغَيْبِ} قَالَ: قذفا بِالظَّنِّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا يعلمهُمْ إِلَّا قَلِيل} قَالَ: إِنَّا من الْقَلِيل كَانُوا سَبْعَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن سعد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي(5/375)
قَوْله: {مَا يعلمهُمْ إِلَّا قَلِيل} قَالَ: إِنَّا من الْقَلِيل كَانُوا سَبْعَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {مَا يعلمهُمْ إِلَّا قَلِيل} قَالَ: أَنا من الْقَلِيل مكسلمينا وتمليخا وَهُوَ الْمَبْعُوث بالورق إِلَى الْمَدِينَة ومرطوس ونينونس ودردوتس وكفاشطهواس ومنطفواسيسوس وَهُوَ الرَّاعِي
وَالْكَلب اسْمه قطمير دون الْكرْدِي وَفَوق القبطي الألطم فَوق القبطي
قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن: بَلغنِي أَن من كتب هَذِه الْأَسْمَاء فِي شَيْء وَطَرحه فِي حريق سكن الْحَرِيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كل شي فِي الْقُرْآن قَلِيل وَإِلَّا قَلِيل فَهُوَ دون الْعشْرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَلَا تمار فيهم} يَقُول: حَسبك مَا قصصت عَلَيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَلَا تمار فيهم إِلَّا مراء ظَاهرا} قَالَ: يَقُول: إِلَّا مَا أظهرنَا لَك من أَمرهم {وَلَا تستفت فيهم مِنْهُم أحدا} قَالَ: يَقُول لَا تسْأَل الْيَهُود عَن أَصْحَاب الْكَهْف إِلَّا مَا قد أخبرناك من أَمرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فَلَا تمار فيهم} الْآيَة
قَالَ: حَسبك مَا قَصَصنَا عَلَيْك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا تستفت فيهم مِنْهُم أحدا} قَالَ: الْيَهُود
وَالله أعلم
الْآيَة 23 - 24(5/376)
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24)
أخرج ابْن المنذرعن مُجَاهِد أَن قُريْشًا اجْتمعت فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد قد رغبت عَن ديننَا وَدين آبَائِنَا فَمَا هَذَا الدّين الَّذِي جِئْت بِهِ قَالَ: هَذَا دين جِئْت بِهِ من الرَّحْمَن
فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا رَحْمَن الْيَمَامَة - يعنون مُسَيْلمَة الْكذَّاب - ثمَّ كاتبوا الْيَهُود فَقَالُوا: قد نبغ فِينَا رجل يزْعم أَنه نَبِي وَقد رغب عَن ديننَا وَدين آبَائِنَا وَيَزْعُم أَن الَّذِي جَاءَ بِهِ من الرَّحْمَن
قُلْنَا: لَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا رَحْمَن الْيَمَامَة وَهُوَ أَمِين لَا يخون
وفيّ لَا يغدر
صَدُوق لَا يكذب وَهُوَ فِي(5/376)
حسب وثروة من قومه فَاكْتُبُوا إِلَيْنَا بأَشْيَاء نَسْأَلهُ عَنْهَا
فاجتمعت يهود فَقَالُوا: إِن هَذَا لوصفه وزمانه الَّذِي يخرج فِيهِ
فَكَتَبُوا إِلَى قُرَيْش: أَن سلوه عَن أَمر أَصْحَاب الْكَهْف وَعَن ذِي القرنين وَعَن الرّوح فَإِن يكن الَّذِي أَتَاكُم بِهِ من الرَّحْمَن فَإِن الرَّحْمَن هُوَ الله عز وَجل وَإِن يكن من رَحْمَن الْيَمَامَة فَيَنْقَطِع
فَلَمَّا أَتَى ذَلِك قُريْشًا أَتَى الظفر فِي أَنْفسهَا فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد قد رغبت عَن ديننَا وَدين آبَائِنَا
فحدثنا عَن أَمر أَصْحَاب الْكَهْف وَذي القرنين وَالروح
قَالَ: ائْتُونِي غَدا
وَلم يسْتَثْن فَمَكثَ جِبْرِيل عَنهُ مَا شَاءَ الله لَا يَأْتِيهِ ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: سَأَلُونِي عَن أَشْيَاء لم يكن عِنْدِي بهَا علم فَأُجِيب حَتَّى شقّ ذَلِك عليّ
قَالَ: ألم ترنا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة - وَكَانَ فِي الْبَيْت جرو كلب - وَنزلت {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت وَقل عَسى أَن يهدين رَبِّي لأَقْرَب من هَذَا رشدا} من علم الَّذِي سَأَلْتُمُونِي عَنهُ أَن يَأْتِي قبل غَد وَنزل مَا ذكر من أَصْحَاب الْكَهْف وَنزل (ويسألونك عَن الرّوح
) (الْإِسْرَاء 85) الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف على يَمِين فَمضى لَهُ أَرْبَعُونَ لَيْلَة فَأنْزل الله {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَاسْتثنى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَرْبَعِينَ لَيْلَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يرى الِاسْتِثْنَاء وَلَو بعد سنة ثمَّ قَرَأَ {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} قَالَ: إِذا ذكرت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: إِذا نسيت أَن تَقول لشَيْء
إِنِّي أَفعلهُ فنسيت أَن تَقول إِن شَاءَ الله فَقل إِذا ذكرت: إِن شَاءَ الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله: {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} قَالَ: تستثني إِذا ذكرت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي رجل حلف وَنسي أَن يَسْتَثْنِي قَالَ لَهُ: ثنياه إِلَى شهر وَقَرَأَ {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت}(5/377)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار عَن عَطاء أَنه قَالَ: من حلف على يَمِين فَلهُ الثنيا حلب نَاقَة
وَكَانَ طَاوس يَقُول: مَا دَامَ فِي مَجْلِسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: يَسْتَثْنِي مادام فِي كَلَامه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} قَالَ: إِذا نسيت الِاسْتِثْنَاء فَاسْتَثْنِ إِذا ذكرت
قَالَ: هِيَ خَاصَّة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ لِأَحَدِنَا أَن يَسْتَثْنِي إِلَّا فِي صلَة يَمِينه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عمر قَالَ: كل اسْتثِْنَاء مَوْصُول فَلَا حنث على صَاحبه وَإِذا كَانَ غير مَوْصُول فَهُوَ حانث
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من حلف فَقَالَ: إِن شَاءَ الله
فَإِن شَاءَ مضى وَإِن شَاءَ رَجَعَ غير حانث
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام: لأطوقن اللَّيْلَة على تسعين امْرَأَة تَلد كل امْرَأَة مِنْهُنَّ غُلَاما يُقَاتل فِي سَبِيل الله
فَقَالَ لَهُ الْملك: قل إِن شَاءَ الله فَلم يقل
فَطَافَ فَلم تَلد مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَة وَاحِدَة نصف إنسأن
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو قَالَ إِن شَاءَ الله لم يَحْنَث وَكَانَ دركاً لِحَاجَتِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} قَالَ: إِذا غضِبت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن الْحسن فِي قَوْله: {وَاذْكُر رَبك إِذا نسيت} قَالَ: إِذا لم تقل إِن شَاءَ الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان قَالَ: سَمِعت أَبَا الْحَارِث عَن رجل من أهل الْكُوفَة كَانَ يقْرَأ الْقُرْآن فِي الْآيَة قَالَ: إِذا نسي الْإِنْسَان أَن يَقُول إِن شَاءَ الله فتوبته من ذَلِك أَن يَقُول: {عَسى أَن يهدين رَبِّي لأَقْرَب من هَذَا رشدا}(5/378)
الْآيَة 25 - 26(5/379)
وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)
أخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن حَكِيم بن عقال قَالَ: سَمِعت عُثْمَان بن عَفَّان يقْرَأ: {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين} منوّنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الرجل ليفسر الْآيَة يرى أَنَّهَا كَذَلِك فَيهْوِي أبعد مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ تَلا {وَلَبِثُوا فِي كهفهم} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: كم لبث الْقَوْم قَالُوا: ثَلَاثمِائَة وتسع سِنِين
قَالَ: لَو كَانُوا لَبِثُوا كَذَلِك لم يقل الله: {قل الله أعلم بِمَا لَبِثُوا} وَلكنه حكى مقَالَة الْقَوْم فَقَالَ: {سيقولون ثَلاَثَة} إِلَى قَوْله: {رجماً بِالْغَيْبِ} وَأخْبر أَنهم لَا يعلمُونَ قَالَ: سيقولون {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي حرف ابْن مَسْعُود وَقَالُوا لَبِثُوا فِي كهفهم الْآيَة
يَعْنِي إِنَّمَا قَالَه النَّاس
أَلا ترى أَنه قَالَ: {قل الله أعلم بِمَا لَبِثُوا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا} قَالَ: هَذَا قَول أهل الْكتاب فَرد الله عَلَيْهِم {قل الله أعلم بِمَا لَبِثُوا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {فِي كهفهم ثَلَاث مائَة} قيل: يَا رَسُول الله أَيَّامًا أم شهوراً أم سِنِين فَأنْزل الله {سِنِين وازدادوا تسعا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس مَوْصُولا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادوا تسعا} يَقُول: عدد مَا لَبِثُوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أبْصر بِهِ وأسمع} قَالَ: الله يَقُوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أبْصر بِهِ وأسمع} قَالَ: لَا أحد أبْصر من الله وَلَا أسمع تبَارك وَتَعَالَى
وَالله أعلم بِالصَّوَابِ وَالْحَمْد لله وَحده(5/379)
الْآيَة 27 - 29(5/380)
وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ملتحداً} قَالَ: ملْجأ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {وَلنْ تَجِد من دونه ملتحداً} مَا الملتحد قَالَ: الْمدْخل فِي الأَرْض قَالَ فِيهِ خصيب الضمرِي: يَا لهف نَفسِي ولهف غير محدثه عليّ وَمَا عَن قَضَاء الله ملتحد وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن سلمَان قَالَ: جَاءَت الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عُيَيْنَة بن بدر والأقرع بن حَابِس فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَو جَلَست فِي صدر الْمجْلس وتغيبت عَن هَؤُلَاءِ وأرواح جِبَابهمْ - يعنون سلمَان وَأَبا ذَر وفقراء الْمُسلمين وَكَانَت عَلَيْهِم جباب الصُّفُوف - جالسناك أَو حادثناك وأخذنا عَنْك فَأنْزل الله {واتل مَا أُوحِي إِلَيْك من كتاب رَبك} إِلَى قَوْله: {أَعْتَدْنَا للظالمين نَارا} يهددهم بالنَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلتمسهم حَتَّى أَصَابَهُم فِي مُؤخر الْمَسْجِد يذكرُونَ الله فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لم يُمِتْنِي حَتَّى أَمرنِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَ رجال من أمتِي مَعكُمْ الْمحيا وَالْمَمَات
وَأخرج عبد بن حميد عَن سلمَان قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي وَفِي رجل دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمَعِي شن خوص - فَوضع مرفقه فِي صَدْرِي فَقَالَ: تَنَحَّ
حَتَّى ألقاني على الْبسَاط ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد إِنَّا ليمنعنا كثيرا من أَمرك هَذَا وضرباؤه أَن ترى(5/380)
لي قدماً وسواداً فَلَو نَحّيْتَهُمْ إِذا دَخَلنَا عَلَيْك فَإِذا خرجنَا أَذِنت لَهُم إِذا شِئْت
فَلَمَّا خرج أنزل الله {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم} إِلَى قَوْله: {وَكَانَ أمره فرطا}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن سهل بن حنيف قَالَ: نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي بعض أبياته {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} فَخرج يلتمسهم فَوجدَ قوما يذكرُونَ الله فيهم ثَائِر الرَّأْس وجاف الْجلد وَذُو الثَّوْب الْوَاحِد فَلَمَّا رَآهُمْ جلس مَعَهم وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي أمتِي من أَمْرِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم
وَأخرج الْبَزَّار عَن بِي هُرَيْرَة وَأبي سعيد قَالَا: جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل يقْرَأ سُورَة الْحجر وَسورَة الْكَهْف فَسكت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا الْمجْلس الَّذِي أمرت أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عمر بن ذَر عَن أَبِيه: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى إِلَى نفر من أَصْحَابه - مِنْهُم عبد الله بن رَوَاحَة - يذكرهم بِاللَّه فَلَمَّا رَآهُ عبد الله سكت فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذكّر أَصْحَابك
فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَنْت أَحَق
فَقَالَ: أما إِنَّكُم الْمَلأ الَّذين أَمرنِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم ثمَّ تَلا {واصبر نَفسك} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عمر بن ذَر: حَدثنِي مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَبْد الله بن رَوَاحَة وَهُوَ يذكر أَصْحَابه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما إِنَّكُم للملأ الَّذين أَمرنِي الله أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم
ثمَّ تَلا {واصبر نَفسك} الْآيَة
قَالَ: إِنَّه مَا جلس عدتكم إِلَّا جلس مَعَه عدتهمْ جليسهم من الْمَلَائِكَة إِن سبّحوا الله سبحوه وَإِن حَمَدوا الله حمدوه وَإِن كبّروا الله كبروه
يصعدون إِلَى الرب وَهُوَ أعلم فَيَقُولُونَ: رَبنَا إِن عِبَادك سبحوك فسبحنا وكبروك فكبرنا وحمدوك فحمدنا
فَيَقُول رَبنَا: يَا ملائكتي أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم
فَيَقُولُونَ: فيهم فلَان الخطاء
فَيَقُول: هم الْقَوْم لَا يشقى بهم جليسهم
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قاصّ يقص(5/381)
فَأمْسك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قصّ فَلِأَن أقعد غدْوَة إِلَى أَن تشرق الشَّمْس أحب إِلَيّ من أَن أعتق أَربع رِقَاب
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن أبي سعيد قَالَ: أَتَى علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نَاس من ضعفة الْمُسلمين وَرجل يقْرَأ علينا الْقُرْآن وَيَدْعُو لنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي أمتِي من أمرت أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم ثمَّ قَالَ: بشر فُقَرَاء الْمُسلمين بِالنورِ التَّام يَوْم الْقِيَامَة يدْخلُونَ الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِنصْف يَوْم مِقْدَار خَمْسمِائَة عَام
هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة ينتعمون وَهَؤُلَاء يحاسبون
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ثَابت قَالَ: كَانَ سلمَان فِي عِصَابَة يذكرُونَ الله فَمر النَّبِي فكفوا فَقَالَ: مَا كُنْتُم تَقولُونَ قُلْنَا: نذْكر الله
قَالَ: فَإِنِّي رَأَيْت الرَّحْمَة تنزل عَلَيْكُم فَأَحْبَبْت أَن أشارككم فِيهَا
ثمَّ قَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعل فِي أمتِي من أمرت أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم
وَأخرج أَحْمد عَن أنس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من قوم اجْتَمعُوا يذكرُونَ الله لَا يُرِيدُونَ بذلك إِلَّا وَجهه إِلَّا ناداهم منادٍ من السَّمَاء أَن: قومُوا مغفوراً لكم قد بدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن نَافِع قَالَ: أَخْبرنِي عبد الله بن عمر فِي هَذِه الْآيَة {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم} أَنهم الَّذين يشْهدُونَ الصَّلَوَات الْمَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده فِي قَوْله: {واصبر نفسَكَ} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي صَلَاة الصُّبْح وَصَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: هم الَّذين يقرأون الْقُرْآن
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا} قَالَ: نزلت فِي أُميَّة بن خلف وَذَلِكَ أَنه دَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَمر كرهه الله من طرد الْفُقَرَاء عَنهُ وتقريب صَنَادِيد أهل مَكَّة(5/382)
فَأنْزل الله {وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا} يَعْنِي من ختمنا على قلبه يَعْنِي التَّوْحِيد {وَاتبع هَوَاهُ} يَعْنِي الشّرك {وَكَانَ أمره فرطا} يَعْنِي فرطا فِي أَمر الله وجهالة بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن بُرَيْدَة قَالَ: دخل عُيَيْنَة بن حصن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي يَوْم حَار وَعِنْده سلمَان عَلَيْهِ جُبَّة من صوف فثار مِنْهُ ريح الْعرق فِي الصُّوف فَقَالَ عُيَيْنَة: يَا مُحَمَّد إِذا نَحن أَتَيْنَاك فَأخْرج هَذَا وضرباءه من عنْدك لَا يؤذونا فَإِذا خرجنَا فَأَنت وهم أعلم
فَأنْزل الله {وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ: حَدثنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدى لأمية بن خلف وَهُوَ ساه غافل عَمَّا يُقَال لَهُ فَأنْزل الله {وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قَلبَه} الْآيَة
فَرجع إِلَى أَصْحَابه وخلى عَن أُميَّة فَوجدَ سلمَان يذكرهم فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي لم أُفَارِق الدُّنْيَا حَتَّى أَرَانِي أَقْوَامًا من أمتِي أَمرنِي أَن أَصْبِر نَفسِي مَعَهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله: {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَالَ: هم أهل الذّكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله: {واصبر نفسَكَ} الْآيَة
قَالَ: لَا تطردهم عَن الذّكر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر فِي الْآيَة قَالَ: أَمر أَن يصبر نَفسه مَعَ أَصْحَابه يعلمهُمْ الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم} قَالَ: يعْبدُونَ رَبهم
قَوْله: {وَلَا تعد عَيْنَاك عَنْهُم} يَقُول: لَا تتعداهم إِلَى غَيرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هَاشم فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا يتفاضلون فِي الْحَلَال وَالْحرَام
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَالَ: المفاضلة فِي الْحَلَال وَالْحرَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن إِبْرَاهِيم وَمُجاهد {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس(5/383)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: نزلت {وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا} فِي عُيَيْنَة بن حصن
قَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد آذَانِي ريح سلمَان الْفَارِسِي فَاجْعَلْ لنا مَجْلِسا مَعَك لَا يجامعنا فِيهِ وَاجعَل لَهُم مَجْلِسا مِنْك لَا نجامعهم فِيهِ
فَنزلت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَكَانَ أمره فرطا} قَالَ: ضيَاعًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَقل الْحق من ربكُم} قَالَ: الْحق هُوَ الْقُرْآن
وَأخرج حنيش فِي الاسْتقَامَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} يَقُول: من شَاءَ الله لَهُ الْإِيمَان آمن وَمن شَاءَ الله لَهُ الْكفْر كفر وَهُوَ قَوْله: {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} التكوير آيَة 29
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} قَالَ: هَذَا تهديد ووعيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رَبَاح بن زِيَاد قَالَ: سَأَلت عمر بن حبيب عَن قَوْله: {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} قَالَ: حَدثنِي دَاوُد بن نَافِع أَن مُجَاهدًا كَانَ يَقُول: فَلَيْسَ بمعجزي وَعِيد من الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أحَاط بهم سرادقها} قَالَ: حَائِط من نَار
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار وَابْن جرير وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: السرادق النَّار أَرْبَعَة جدر كَافَّة كل جِدَار مِنْهَا أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم(5/384)
وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الْبَحْر من جَهَنَّم ثمَّ تَلا {نَارا أحَاط بهم سرادقها}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن قَتَادَة أَن الْأَحْنَف بن قيس كَانَ لَا ينَام فِي السرادق وَيَقُول: لم يذكر السرادق إِلَّا لأهل النَّار
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {بِمَاء كَالْمهْلِ} قَالَ: كَعَكرِ الزَّيْت فَإِذا أقرب إِلَيْهِ سَقَطت فَرْوَة وَجهه فِيهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {كَالْمهْلِ} يَقُول: أسود كَعَكرِ الزَّيْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْمهل قَالَ: مَاء غليظ كدردي الزَّيْت
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كَالْمهْلِ} قَالَ: كدردي الزَّيْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمهل دردي الزَّيْت
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك فِي قَوْله: {كَالْمهْلِ} قَالَ: الْمهل دردي الزَّيْت
وَأخرج هناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ عَن الْمهل فَدَعَا بهذب وَفِضة فَإِذا بِهِ قَلما ذاب
قَالَ: هَذَا أشبه شَيْء بالمهل الَّذِي هُوَ شراب أهل النَّار ولونه لون السَّمَاء غير أَن شراب أهل النَّار أشدا حرا من هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {كَالْمهْلِ} قَالَ: الْقَيْح وَالدَّم أسود كَعَكرِ الزَّيْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {كَالْمهْلِ} قَالَ: أسود وَهِي سَوْدَاء وَأَهْلهَا سود(5/385)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن خصيف قَالَ: الْمهل النّحاس إِذا أذيب فَهُوَ أَشد حرا من النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم فِي قَوْله: {كَالْمهْلِ} قَالَ: مثل الْفضة إِذا أذيبت
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كَالْمهْلِ} قَالَ: أَشد مَا يكون حرا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا الْمهل مهل الزَّيْت: يَعْنِي آخِره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَسَاءَتْ مرتفقاً} قَالَ: مجتمعاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَسَاءَتْ مرتفقاً} قَالَ: منزلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {وَسَاءَتْ مرتفقاً} قَالَ: عَلَيْهَا مرتفقون على الْحَمِيم حِين يشربون والإرتفاق هُوَ المتكأ
الْآيَة 31(5/386)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)
أخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي حَاتِم عَن المَقْبُري قَالَ: بَلغنِي أَن عِيسَى ابْن مَرْيَم كَانَ يَقُول: يَا ابْن آدم إِذا عملت الْحَسَنَة فاله عَنْهَا فَإِنَّهَا عِنْد من لَا يضيعها
ثمَّ تل ا {إِنَّا لَا نضيع أجر من أحسن عملا} وَإِذا عملت سَيِّئَة فاجعلها نصب عَيْنَيْك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن رجلا من أهل الْجنَّة اطلع فبدت أساوره لطمس ضوءه ضوء الشَّمْس كَمَا يطمس ضوء النُّجُوم(5/386)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو أَن أدنى أهل الْجنَّة حلية عدلت حليته بحلية أهل الدُّنْيَا جَمِيعًا لَكَانَ مَا يحليه الله بِهِ فِي الْآخِرَة أفضل من حلية أهل الدُّنْيَا جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: إِن لله ملكا - وَفِي لفظ -: فِي الْجنَّة ملك لَو شِئْت أَن أُسَمِّيهِ لَسَمَّيْته يصوغ حلى أهل الْجنَّة من يَوْم خلق إِلَى أَن تقوم السَّاعَة وَلَو أَن حليا مِنْهَا أخرج لرد شُعَاع الشَّمْس
وَإِن لأهل الْجنَّة أكاليل من در لَو أَن إكليلاً مِنْهَا دُلي من السَّمَاء الدُّنْيَا لذهب بضوء الشَّمْس كَمَا تذْهب الشَّمْس بضوء الْقَمَر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن أهل الْجنَّة يحلونَ أسورة من ذهب ولؤلؤ وَفِضة هِيَ أخف عَلَيْهِم من كل شَيْء إِنَّمَا هِيَ نور
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أساور من ذهب} قَالَ: الأساور الْمسك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ يبلغ الْوضُوء
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْنَع أَهله الْحِلْية وَالْحَرِير وَيَقُول: إِن كُنْتُم تحبون حلية الْجنَّة وحريرها فَلَا تلبسوهما فِي الدُّنْيَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله أخبرنَا عَن ثِيَاب أهل الْجنَّة
أخلقاً تخلق أم نسجاً تنسج قَالَ: بل يشقق عَنْهَا ثَمَر الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث جَابر نَحوه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْخَيْر مرْثَد بن عبد الله قَالَ: فِي الْجنَّة شَجَرَة تنْبت السندس مِنْهُ يكون ثِيَاب أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك قَالَ: الاستبرق الديباج الغليظ وَهُوَ بلغَة الْعَجم استبره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: الاستبرق الديباج الغليظ(5/387)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: الاستبرق الغليظ من الديباج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: يبْعَث الله إِلَى العَبْد من أهل الْجنَّة بالكسوة فتعجبه فَيَقُول: لقد رَأَيْت الْجنان فَمَا رَأَيْت مثل هَذِه الْكسْوَة قطّ فَيَقُول الرَّسُول الَّذِي جَاءَ بالكسوة: إِن رَبك يَأْمر أَن تهيئ لهَذَا العَبْد مثل هَذِه الْكسْوَة مَا شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: لَو أَن ثوبا من ثِيَاب أهل الْجنَّة نشر الْيَوْم فِي الدُّنْيَا لصعق من ينظر إِلَيْهِ وَمَا حَملته أَبْصَارهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سليم بن عَامر قَالَ: إِن الرجل من أهل الْجنَّة يلبس الْحلَّة من حلل أهل الْجنَّة فَيَضَعهَا بَين أصبعيه فَمَا يرى مِنْهَا شَيْء وَإنَّهُ يلبسهَا فيتعفر حَتَّى تغطي قَدَمَيْهِ يكسى فِي السَّاعَة الْوَاحِدَة سبعين ثوبا
إِن أدناها مثل شَقِيق النُّعْمَان وَإنَّهُ يلبس سبعين ثوبا يكَاد أَن يتَوَارَى وَمَا يَسْتَطِيع أحد فِي الدُّنْيَا أَن يلبس سَبْعَة أَثوَاب مَا يَسعهُ عُنُقه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي رَافع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كفن مَيتا كَسَاه الله من سندس واستبرق الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْهَيْثَم بن مَالك الطَّائِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الرجل ليتكئ المتكأ مِقْدَار أَرْبَعِينَ سنة مَا يتحوّل عَنهُ وَلَا يمله يَأْتِيهِ مَا اشتهت نَفسه ولذت عينه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت قَالَ: بلغنَا أَن الرجل يتكئ فِي الْجنَّة سبعين سنة عِنْده من أَزوَاجه وخدمه وَمَا أعطَاهُ الله من الْكَرَامَة وَالنَّعِيم فَإِذا حانت مِنْهُ نظرة فَإِذا أَزوَاج لَهُ لم يكن يراهن من قبل ذَلِك فيقلن: قد آن لَك أَن تجْعَل لنا مِنْك نَصِيبا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الأرائك السرر فِي جَوف الحجال
عَلَيْهَا الْفرش منضود فِي السَّمَاء فَرسَخ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لَا تكون أريكة(5/388)
حَتَّى يكون السرير فِي الحجلة فَإِن كَانَ بِغَيْر حجلة لم يكن أريكة وَإِن كَانَت حجلة بِغَيْر سَرِير لم تكن أريكة فَإِذا اجتمعتا كَانَت أريكة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {على الأرائك} قَالَ: السرر عَلَيْهَا الحجال
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأرائك من لُؤْلُؤ وَيَاقُوت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم نَكُنْ نَدْرِي مَا الأرائك حَتَّى لَقينَا رجلا من أهل الْيمن فَأخْبرنَا أَن الأريكة عِنْدهم الحجلة إِذا كَانَ فِيهَا سَرِير
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي رَجَاء قَالَ: سُئِلَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ عَن الأرائك فَقَالَ: هِيَ الحجال أهل الْيمن يَقُولُونَ أريكة فلَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن سُئِلَ عَن الأرائك فَقَالَ: هِيَ الحجال على السرر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأرائك الحجال فِيهَا السرر
الْآيَة 32 - 37(5/389)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {جعلنَا لأَحَدهمَا جنتين من أعناب} قَالَ: إِن الْجنَّة هِيَ الْبُسْتَان فَكَانَ لَهُ بُسْتَان وَاحِد وجدار وَاحِد وَكَانَ بَينهمَا نهر وَذَلِكَ كَانَ جنتين فَلذَلِك سَمَّاهُ جنَّة من قبل الْجِدَار الَّذِي يَليهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن أبي عَمْرو الشَّيْبَانِيّ قَالَ: نهر أبي فرطس نهر الجنتين
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: وَهُوَ نهر مَشْهُور بالرملة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {آتت أكلهَا وَلم تظلم مِنْهُ شَيْئا} قَالَ: لم تنقص كل شجر الْجنَّة أطْعم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وفجرنا خلالهما نَهرا} يَقُول: وسطهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} يَقُول: مَال
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} بِالضَّمِّ يَعْنِي أَنْوَاع المَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} قَالَ: ذهب وَفِضة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بشير بن عبيد أَنه كَانَ قَرَأَ {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} بِرَفْع الثَّاء وَقَالَ: الثَّمر المَال والولدان وَالرَّقِيق
وَالثَّمَر: الْفَاكِهَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي يزِيد الْمدنِي أَنه كَانَ يقْرؤهَا {وَكَانَ لَهُ ثَمَر} قَالَ: الأَصْل وَالثَّمَر الثَّمَرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَدخل جنته وَهُوَ ظَالِم لنَفسِهِ} يَقُول كفور لنعمة ربه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {قَالَ مَا أَظن أَن تبيد هَذِه أبدا} يَقُول: تهْلك {وَمَا أَظن السَّاعَة قَائِمَة وَلَئِن} كَانَت قَائِمَة ثمَّ {رددت إِلَى رَبِّي لأجدن خيرا مِنْهَا منقلبا}
الْآيَة 38 - 39(5/390)
لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت: عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات أقولهن عِنْد الكرب: الله الله رَبِّي لَا أشرك بِهِ شَيْئا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عُرْوَة أَنه كَانَ إِذا رأى من مَاله شَيْئا يُعجبهُ أَو دخل حَائِطا من حيطانه قَالَ: {مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه} ويتأول قَول الله: {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زِيَاد بن سعد قَالَ: كَانَ ابْن شهَاب إِذا دخل أَمْوَاله قَالَ: {مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه} ويتأول قَوْله: {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مطرف قَالَ: كَانَ مَالك إِذا دخل بَيته قَالَ: {مَا شَاءَ الله} قلت لمَالِك لم تَقول هَذَا قَالَ: أَلا تسمع الله يَقُول: {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم حَفْص بن ميسرَة قَالَ: رَأَيْت على بَاب وهب بن مُنَبّه مَكْتُوبًا {مَا شَاءَ الله} وَذَلِكَ قَول الله: {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن مرّة قَالَ: إِن من أفضل الدُّعَاء قَول الرجل: {مَا شَاءَ الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم بن أدهم قَالَ: مَا سَأَلَ رجل مَسْأَلَة أنجح من أَن يَقُول: {مَا شَاءَ الله}
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن يحيى بن سليم الطَّائِفِي عَمَّن ذكره قَالَ: طلب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام من ربه حَاجَة فأبطأت عَلَيْهِ فَقَالَ: {مَا شَاءَ الله} فَإِذا حَاجته بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا رب أَنا أطلب حَاجَتي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا أعطيتنيها الْآن فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا مُوسَى أما علمت أَن قَوْلك: {مَا شَاءَ الله} أنجح مَا طلبت بِهِ الْحَوَائِج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ عَن معَاذ بن جبل: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا أدلك على بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة قَالَ: مَا هُوَ قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه(5/391)
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ عَن قيس بن سعد بن عبَادَة أَن أَبَاهُ دَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْدمه قَالَ: فَخرج عليَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَقد صليت رَكْعَتَيْنِ واضطجعت فضربني بِرجلِهِ وَقَالَ: أَلا أدلك على بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة قلت: بلَى
قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي ذَر: يَا أَبَا ذَر أَلا أعلمك كلمة من كنز الْجنَّة قَالَ: بلَى
قَالَ: قل لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أدلك على كنز من كنوز الْجنَّة لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أَكثر من قَول لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهُ كنز من كنوز الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زيد بن ثَابت: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: أَلا أدلكم على كنز من كنوز الْجنَّة تكثرون من لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه كنز من كنوز الْجنَّة
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أنعم الله على عبد نعْمَة فِي أهل أَو مَال أَو ولد فَيَقُول مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه إِلَّا دفع الله عَنهُ كل آفَة حَتَّى تَأتيه منيته وَقَرَأَ {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من رأى شَيْئا من مَاله فأعجبه فَقَالَ: {مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه} لم يصب ذَلِك المَال آفَة أبدا وَقَرَأَ {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك} الْآيَة
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أنعم الله عَلَيْهِ نعْمَة فَأَرَادَ بقاءها فليكثر من لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه}
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أدلك على كنز من كنوز الْجنَّة تَحت الْعَرْش قلت: نعم
قَالَ: أَن تَقول: {لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه}(5/392)
قَالَ عَمْرو بن مَيْمُون: قلت لأبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَقَالَ: لَا إِنَّهَا فِي سُورَة الْكَهْف {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه}
وَأخرج ابْن مَنْدَه فِي الصَّحَابَة من طَرِيق حَمَّاد بن سَلمَة عَن سماك عَن جرير قَالَ: خرجت إِلَى فَارس فَقلت: {مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه} فسمعني رجل فَقَالَ: مَا هَذَا الْكَلَام الَّذِي لم أسمعهُ من أحد مُنْذُ سمعته من السَّمَاء فَقلت: مَا أَنْت وَخبر السَّمَاء قَالَ: إِنِّي كنت مَعَ كسْرَى فأرسلني فِي بعض أُمُوره فَخرجت ثمَّ قدمت فَإِذا شَيْطَان خلفني فِي أَهلِي عي صُورَتي فَبَدَأَ لي فَقَالَ: شارطني على أَن يكون لي يَوْم وَلَك يَوْم وَإِلَّا أهلكتك فرضيت بذلك فَصَارَ جليسي يحادثني وأحادثه فَقَالَ لي ذَات يَوْم: إِنِّي مِمَّا يسترق السّمع وَاللَّيْلَة نوبتي قلت: فَهَل لَك أَن أختبئ مَعَك قَالَ: نعم
فتهيأ ثمَّ أَتَانِي فَقَالَ: خُذ بمعرفتي وَإِيَّاك أَن تتركها فتهلك فَأخذت بمعرفته فعرج بِي حَتَّى لمست السَّمَاء فَإِذا قَائِل يَقُول: مَا شَاءَ الله لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فسقطوا على وُجُوههم وَسَقَطت فَرَجَعت إِلَى أَهلِي فَإِذا أَنا بِهِ يدْخل بعد أَيَّام فَجعلت أَقُول: مَا شَاءَ الله لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ: فيذوب لذَلِك حَتَّى يصير مثل الذُّبَاب
ثمَّ قَالَ لي: قد حفظته فَانْقَطع عَنَّا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن يحيى بن سليم الثَّقَفِيّ عَن شيخ لَهُ قَالَ: الْكَلِمَة الَّتِي تزجر بهَا الْمَلَائِكَة الشَّيَاطِين حَتَّى يسْتَرقونَ السّمع {مَا شَاءَ الله}
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن صَفْوَان بن سليم قَالَ: مَا نَهَضَ ملك من الأَرْض حَتَّى يَقُول: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه دَوَاء من تِسْعَة وَتِسْعين دَاء أيسرها الْهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب والديلمي من طرق عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَخْبرنِي جِبْرِيل أَن تَفْسِير لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَنه لَا حول عَن مَعْصِيّة الله إِلَّا بِقُوَّة الله وَلَا قُوَّة على طَاعَة الله إِلَّا بعون الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهَا فِي لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ: لَا حول بِنَا على الْعَمَل بِالطَّاعَةِ إِلَّا بِاللَّه وَلَا قُوَّة لنا على ترك الْمعْصِيَة إِلَّا بِاللَّه(5/393)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد أَنه سُئِلَ عَن تَفْسِير لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ: لَا تَأْخُذ مَا تحب إِلَّا بِاللَّه وَلَا تمْتَنع مِمَّا تكره إِلَّا بعون الله
الْآيَة 40 - 45(5/394)
فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الحسبان الْعَذَاب
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله: {حسباناً من السَّمَاء} قَالَ: نَارا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت حسان بن ثَابت وَهُوَ يَقُول: بَقِيَّة معشر صبَّتْ عَلَيْهِم شآبيب من الحسبان شهب وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {حسباناً من السَّمَاء} قَالَ: نَارا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فَتُصْبِح صَعِيدا زلقاً} قَالَ: مثل الجزر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {حسباناً من السَّمَاء} قَالَ: عذَابا {فَتُصْبِح صَعِيدا زلقاً} أَي قد حصد مَا فِيهَا فَلم يتْرك فِيهَا شَيْء {أَو يصبح مَاؤُهَا غوراً} أَي ذَاهِبًا قد غَار فِي الأَرْض(5/394)
{وأحيط بثمره فَأصْبح يقلب كفيه} قَالَ يصفق {على مَا أنْفق فِيهَا} متلهفاً على مَا فَاتَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {صَعِيدا زلقاً} قَالَ: الصَّعِيد الأملس والزلق الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَات {وأحيط بثمره} قَالَ: بثمر الجنتين فأهلكت {فَأصْبح يقلب كفيه} يَقُول: ندامة عَلَيْهَا {وَهِي خاوية على عروشها} قَالَ: قلب أَسْفَلهَا أَعْلَاهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله: {وأحيط بثمره} قَالَ: أحَاط بِهِ أَمر الله فَهَلَك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَلم تكن لَهُ فِئَة} قَالَ: عشيرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلم تكن لَهُ فِئَة} قَالَ: عشيرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَلم تكن لَهُ فِئَة} أَي جند يعينونه {من دون الله وَمَا كَانَ منتصراً} أَي مُمْتَنعا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُبشر بن عبيد قَالَ: {الْولَايَة} الدّين وَالْولَايَة مَا أتولى
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن صُهَيْب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم ير قَرْيَة يُرِيد دُخُولهَا إِلَّا قَالَ حِين يَرَاهَا: اللَّهُمَّ رب السَّمَوَات السَّبع وَمَا أظللن وَرب الْأَرْضين السَّبع وَمَا أقللن وَرب الشَّيَاطِين وَمَا أضللن وَرب الرِّيَاح وَمَا ذرين فَإنَّا نَسْأَلك خير هَذِه الْقرْيَة وَخير أَهلهَا ونعوذ بك من شَرها وَشر مَا فِيهَا
الْآيَة 46 - 48(5/395)
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46) وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48)
أخرج ابْن أبي حَاتِم والخطيب عَن سُفْيَان الثَّوْريّ قَالَ: كَانَ يُقَال إِنَّمَا سمي المَال لِأَنَّهُ يمِيل بِالنَّاسِ وَإِنَّمَا سميت الدُّنْيَا لِأَنَّهَا دنت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِيَاض بن عقبَة أَنه مَاتَ لَهُ ابْن يُقَال لَهُ يحيى فَلَمَّا نزل فِي قَبره قَالَ لَهُ رجل: وَالله إِن كَانَ لسَيِّد الْجَيْش فاحتسبه
فَقَالَ: وَمَا يَمْنعنِي أَن أحتسبه وَكَانَ أمس من زِينَة الدُّنْيَا وَهُوَ الْيَوْم من الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: {المَال والبنون} حرث الدُّنْيَا وَالْعَمَل الصَّالح حرث الْآخِرَة وَقد يجمعهما الله لأقوام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {والباقيات الصَّالِحَات} قَالَ سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله
وَالله أكبر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: استكثروا من الْبَاقِيَات الصَّالِحَات قيل: وَمَا هن يَا رَسُول الله قَالَ: التَّكْبِير والتهليل وَالتَّسْبِيح والتحميد وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن النُّعْمَان بن بشير: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا وَأَن سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر من الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُذُوا جنتكم قيل: يَا رَسُول الله أَمن عدوّ قد حضر قَالَ: لَا
بل جنتكم من النَّار قَول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَإِنَّهُنَّ يَأْتِين يَوْم الْقِيَامَة مُقَدمَات مُعَقِّبَات محسنات وَهن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن شاهين فِي التَّرْغِيب فِي الذّكر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه هن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات وَهن يحططن الْخَطَايَا كَمَا تحط الشَّجَرَة وَرقهَا وَهن من كنوز الْجنَّة(5/396)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشجرة يابسة فَتَنَاول عوداً من أعوادها فَتَنَاثَرَ كل ورق عَلَيْهَا فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن قَائِلا يَقُول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر لتتناثر الذُّنُوب عَن قَائِلهَا كَمَا يَتَنَاثَر الْوَرق عَن هَذِه الشَّجَرَة قَالَ الله فِي كِتَابه: هن {والباقيات الصَّالِحَات}
وَأخرج أَحْمد عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر تنفض الْخَطَايَا كَمَا تنفض الشَّجَرَة وَرقهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سَمُرَة بن جُنْدُب: مَا من الْكَلَام شَيْء أحب إِلَى الله من الْحَمد لله وَسُبْحَان الله وَلَا إلَه إِلَّا الله وَالله أكبر هن أَربع فَلَا تكْثر عَليّ لَا يَضرك بأيهن بدأت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن عجزتم عَن اللَّيْل أَن تكابدوه والعدوّ أَن تجاهدوه فَلَا تعجزوا عَن قَول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَإِنَّهُنَّ الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُذُوا جنتكم من النَّار قُولُوا سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهُنَّ الْمُقدمَات وإنهن المؤخرات وَهن المنجيات وَهن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذَات يَوْم لأَصْحَابه خُذُوا جنتكم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا قَالُوا: من عدوّ حضر قَالَ: بل من النَّار
قُولُوا سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهُنَّ يجئن يَوْم الْقِيَامَة مُقَدمَات ومحسنات ومعقبات وَهن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْبَاقِيَات الصَّالِحَات من قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن يثبطكم اللَّيْل فَلم تقوموه وعجزتم عَن النَّهَار فَلم تصوموه وبخلتم بِالْمَالِ فَلم تعطوه وجبنتم عَن العدوّ فَلم تقاتلوه
فَأَكْثرُوا من سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَإِنَّهُنَّ الْبَاقِيَات الصَّالِحَات(5/397)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن جُنَادَة قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسْلمت وَعَلمنِي (قل هُوَ الله أحد) و (وَإِذا زلزلت) و (قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ) وَعَلمنِي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَات: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
وَقَالَ: هن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه سُئِلَ عَن {والباقيات الصَّالِحَات} قَالَ: هِيَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ عَن {والباقيات الصَّالِحَات} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {والباقيات الصَّالِحَات} قَالَ: هِيَ ذكر الله لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وتبارك الله وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَسْتَغْفِر الله وَصلى الله على مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالصَّدَََقَة وَالْعِتْق وَالْجهَاد والصلة وَجَمِيع أَعمال الْحَسَنَات وَهن الْبَاقِيَات الصَّالِحَات الَّتِي تبقى لأَهْلهَا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كُنَّا عِنْد سعد بن أبي وَقاص فَسكت سكتة فَقَالَ: لقد قلت فِي سكتتي هَذِه خيرا مِمَّا سقى النّيل والفرات
قُلْنَا لَهُ: وَمَا قلت قَالَ: قلت: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {والباقيات الصَّالِحَات} قَالَ: الْكَلَام الطّيب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الَّذين يذكرُونَ من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتكبيره وتهليله يتعاطفن حول الْعَرْش لَهُنَّ دوِي كَدَوِيِّ النَّحْل يذكرن بصاحبهن أَو لَا يحب أحدكُم أَن لَا يزَال عِنْد الرَّحْمَن شَيْء يذكر بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: أَتَى رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر أَنه لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْخُذ من الْقُرْآن شَيْئا وَسَأَلَهُ شَيْئا يُجزئ من الْقُرْآن فَقَالَ لَهُ: قل سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه(5/398)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن مُوسَى بن طَلْحَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَلِمَات إِذا قالهن العَبْد وضعهن ملك فِي ناحيه ثمَّ عرج بِهن فَلَا يمر على ملإٍ من الْمَلَائِكَة إِلَّا صلوا عَلَيْهِنَّ وعَلى قائلهن حَتَّى يوضعن بَين يَدي الرَّحْمَن سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَسُبْحَان الله أبرئه عَن السوء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: رأى رجل فِي الْمَنَام أَن منادياً نَادَى فِي السَّمَاء أَيهَا النَّاس خُذُوا سلَاح فزعكم فَعمد النَّاس وَأخذُوا السِّلَاح حَتَّى أَن الرجل وَمَا مَعَه عَصا فَنَادَى مُنَاد من السَّمَاء لَيْسَ هَذَا سلَاح فزعكم فَقَالَ رجل من الأَرْض مَا سلَاح فزعنا فَقَالَ: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لِأَن أَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر أحب إليّ من أَتصدق بعددها دَنَانِير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: لِأَن أَقُول سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر أحب إليّ من أَن أحمل على عدتهَا من خيل بأرسانها
وَأخرج عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: من قَالَ من قبل نَفسه الْحَمد لله رب الْعَالمين كتب الله لَهُ ثَلَاثِينَ حَسَنَة ومحا عَنهُ ثَلَاثِينَ سَيِّئَة وَمن قَالَ: الله أكبر كتب الله لَهُ بهَا عشْرين حَسَنَة ومحا عَنهُ بهَا عشْرين سَيِّئَة وَمن قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله كتب الله لَهُ عشْرين حَسَنَة ومحا عَنهُ بهَا عشْرين سَيِّئَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: فِي قَوْله: {والباقيات الصَّالِحَات} {الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} الصَّلَوَات الْخمس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {والباقيات الصَّالِحَات} قَالَ: كل شَيْء من طَاعَة الله فَهُوَ من الْبَاقِيَات الصَّالِحَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن قَتَادَة أَنه سُئِلَ عَن {والباقيات الصَّالِحَات} فَقَالَ: كل مَا أُرِيد بِهِ وَجه الله(5/399)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {خير عِنْد رَبك ثَوابًا} قَالَ: خير جَزَاء من جَزَاء الْمُشْركين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَخير أملاً} قَالَ: إِن لكل عَامل أملاً يؤمله وَإِن الْمُؤمن من خير النَّاس أملاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَترى الأَرْض بارزة} قَالَ: لَا عمرَان فِيهَا وَلَا عَلامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَترى الأَرْض بارزة} قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا بِنَاء وَلَا شَجَرَة
وَأخرج ابْن مَنْدَه فِي التَّوْحِيد عَن معَاذ بن جبل: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله يُنَادي يَوْم الْقِيَامَة يَا عبَادي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ وَأحكم الْحَاكِمين وأسرع الحاسبين أحضروا حجتكم ويسروا جَوَابا فَإِنَّكُم مسؤولون مُحَاسَبُون يَا ملائكتي أقِيمُوا عبَادي صُفُوفا على أَطْرَاف أنامل أَقْدَامهم لِلْحسابِ
الْآيَة 49(5/400)
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
أخرج الْبَزَّار عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يخرج لِابْنِ آدم يَوْم الْقِيَامَة ثَلَاثَة دواوين: ديوَان الْعَمَل الصَّالح وديوان فِيهِ ذنُوبه وديوان فِيهِ النعم من الله عَلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن جُنَادَة قَالَ: لما فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَزْو حنين نزلنَا قفرا من الأَرْض لَيْسَ فِيهِ شَيْء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اجْمَعُوا من وجد عوداً فليأت وَمن وجد عظما أَو شَيْئا فليأت بِهِ قَالَ: فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَة حَتَّى جَعَلْنَاهُ ركاماً
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتَرَوْنَ هَذَا فَكَذَلِك تَجْتَمِع الذُّنُوب على الرجل مِنْكُم كَمَا جمعتم هَذَا فليتق الله رجل لَا يُذنب صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة فَإِنَّهَا محصاة عَلَيْهِ(5/400)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إياك ومحقرات الذُّنُوب فَإِن لَهَا من الله طَالبا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لَا يُغَادر صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة} قَالَ: الصَّغِيرَة التبسم والكبيرة الضحك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الْغَيْبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الصَّغِيرَة التبسم بالاستهزاء بِالْمُؤْمِنِينَ والكبيرة القهقهة بذلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَيَقُولُونَ يَا ويلتنا} الْآيَة
قَالَ: يشتكي الْقَوْم كَمَا تَسْمَعُونَ
الإحصاء وَلم يشتك أحد ظلما فإياكم والمحقرات من الذُّنُوب فَإِنَّهَا تَجْتَمِع على صَاحبهَا حَتَّى تهلكه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ فِي الْآيَة
قَالَ: سئلوا حَتَّى عَن التبسم فَقيل فيمَ تبسمت يَوْم كَذَا وَكَذَا
الْآيَة 50(5/401)
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن من الْمَلَائِكَة قَبيلَة يُقَال لَهُم الْجِنّ فَكَانَ إِبْلِيس مِنْهُم وَكَانَ يوسوس مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فعصى فسخط الله عَلَيْهِ فمسخه الله شَيْطَانا رجيماً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} قَالَ: كَانَ خَازِن الْجنان فَسُمي بالجن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الضَّحَّاك قَالَ: اخْتلف ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود فِي إِبْلِيس فَقَالَ أَحدهمَا: كَانَ من سبط من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ(5/401)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن إِبْلِيس كَانَ من أشرف الْمَلَائِكَة وَأكْرمهمْ قَبيلَة وَكَانَ خَازِنًا على الْجنان وَكَانَ لَهُ سُلْطَان السَّمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ لَهُ مجمع الْبَحْرين بَحر الرّوم وَفَارِس أَحدهمَا قبل الْمشرق وَالْآخر قبل الْمغرب وسلطان الأَرْض وَكَانَ مِمَّا سَوَّلت نَفسه مَعَ قَضَاء الله أَنه يرى أَن لَهُ بذلك عَظمَة وشرفاً على أهل السَّمَاء فَوَقع فِي نَفسه من ذَلِك كبر لم يعلم ذَلِك أحد إِلَّا الله فَلَمَّا كَانَ السُّجُود لآدَم حِين أمره الله أَن يسْجد لآدَم استخرج الله كبره عِنْد السُّجُود فلعنه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {كَانَ من الْجِنّ} قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّمَا سمي بالجنان لِأَنَّهُ كَانَ خَازِنًا عَلَيْهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} قَالَ: كَانَ من قبيل من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: لَو لم يكن من الْمَلَائِكَة لم يُؤمر بِالسُّجُود وَكَانَ على خزانَة السَّمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْحسن قَالَ: مَا كَانَ إِبْلِيس من الْمَلَائِكَة طرفَة عين وَإنَّهُ لأصل الْجِنّ كَمَا أَن آدم أصل الإِنس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: قَاتل الله أَقْوَامًا يَزْعمُونَ أَن إِبْلِيس كَانَ من مَلَائِكَة الله وَالله تَعَالَى يَقُول: {كَانَ من الْجِنّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كَانَ من الْجِنّ} قَالَ: من خَزَنَة الْجنان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الأضداد من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كَانَ من الْجِنّ} قَالَ: هم حَيّ من الْمَلَائِكَة لم يزَالُوا يصوغون حلي أهل الْجنَّة حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {كَانَ من الْجِنّ} قَالَ: من الجنانين الَّذين يعْملُونَ فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن شهَاب فِي قَوْله: {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} قَالَ: إِبْلِيس أَبُو الْجِنّ كَمَا أَن آدم أَبُو الْإِنْس وآدَم من(5/402)
الْإِنْس وَهُوَ أبوهم
وإبليس من الْجِنّ وَهُوَ أبوهم وَقد تبين للنَّاس ذَلِك حِين قَالَ الله: {أفتتخذونه وَذريته أَوْلِيَاء من دوني}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ إِبْلِيس رَئِيسا من الْمَلَائِكَة فِي سَمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن مَنْصُور قَالَ: كَانَت الْمَلَائِكَة تقَاتل الْجِنّ فسبي إِبْلِيس وَكَانَ صَغِيرا فَكَانَ مَعَ الْمَلَائِكَة فتعبد مَعهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: كَانَ إِبْلِيس من الْجِنّ الَّذين طردتهم الْمَلَائِكَة فَأسرهُ بعض الْمَلَائِكَة فَذهب بِهِ إِلَى السَّمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِلَّا إِبْلِيس كَانَ من الْجِنّ} قَالَ: أجن من طَاعَة الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما لعن إِبْلِيس تَغَيَّرت صورته عَن صُورَة الْمَلَائِكَة فجزع لذَلِك فرن رنة فَكل رنة فِي الدُّنْيَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة من رنته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن نوف قَالَ كَانَ إِبْلِيس رَئِيس سَمَاء الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {ففسق عَن أَمر ربه} قَالَ: فِي السُّجُود لآدَم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ أَنه سُئِلَ عَن إِبْلِيس هَل لَهُ زَوْجَة فَقَالَ: إِن ذَلِك الْعرس مَا سَمِعت بِهِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أفتتخذونه وَذريته} قَالَ: ولد إِبْلِيس خَمْسَة: ثبر والأعور وزلنبور ومسوط وداسم فمسوط صَاحب الصخب والأعور وداسم لَا أَدْرِي مَا يفْعَلَانِ والثبر صَاحب المصائب وزلنبور الَّذِي يفرق بَين النَّاس ويبصر الرجل عُيُوب أَهله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أفتتخذونه وَذريته} قَالَ: باض إِبْلِيس خمس بيضات: زلنبور وداسم وثبر ومسوط والأعور فَأَما الْأَعْوَر فَصَاحب الزِّنَا وَأما ثبر فَصَاحب المصائب وَأما مسوط فَصَاحب أَخْبَار الْكَذِب يلقيها على أَفْوَاه النَّاس وَلَا يَجدونَ لَهَا أصلا وَأما داسم فَهُوَ صَاحب الْبيُوت إِذا دخل بَيته وَلم يسلم دخل مَعَه وَإِذا أكل مَعَه ويريه من(5/403)
مَتَاع الْبَيْت مَا لَا يُحْصى مَوْضِعه وَأما زلنبور فَهُوَ صَاحب الْأَسْوَاق وَيَضَع رَأسه فِي كل سوق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {أفتتخذونه وَذريته} قَالَ: هم أَوْلَاده يتوالدون كَمَا يتوالد بَنو آدم وهم أَكثر عددا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان قَالَ: باض إِبْلِيس خمس بيضات: وَذريته من ذَلِك
قَالَ: وَبَلغنِي أَنه يجْتَمع على مُؤمن وَاحِد أَكثر من ربيعَة وَمُضر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {بئس للظالمين بَدَلا} قَالَ بئْسَمَا استبدلوا بِعبَادة رَبهم إِذْ أطاعوا إِبْلِيس لَعنه الله تَعَالَى
الْآيَة 51 - 52(5/404)
مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51) وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا (52)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {مَا أشهدتهم خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَا خلق أنفسهم} قَالَ: يَقُول مَا أشهدت الشَّيَاطِين الَّذين اتخذتم معي هَذَا {وَمَا كنت متخذ المضلين} قَالَ: الشَّيَاطِين {عضداً} قَالَ: وَلَا اتخذتهم عضداً على شَيْء عضدوني عَلَيْهِ فأعانوني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا كنت متخذ المضلين عضداً} قَالَ: أعواناً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {وَمَا كنت متخذ المضلين عضداً} قَالَ: أعواناً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا بَينهم موبقاً} يَقُول: مهْلكا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {موبقاً} يَقُول: مهْلكا(5/404)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {موبقاً} قَالَ: وَاد فِي جَهَنَّم
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن أنس فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا بَينهم موبقاً} قَالَ: وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر فِي قَوْله: {وَجَعَلنَا بَينهم موبقاً} قَالَ: هُوَ وَاد عميق فِي النَّار فرق الله بِهِ يَوْم الْقِيَامَة بَين أهل الْهدى والضلالة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو الْبكالِي قَالَ: الموبق الَّذِي ذكر الله وَاد فِي النَّار بعيد القعر يفرق بِهِ يَوْم الْقِيَامَة بَين أهل الْإِسْلَام وَبَين من سواهُم من النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله: {موبقاً} قَالَ: هُوَ نهر فِي النَّار يسيل نَارا على حافتيه حيات أَمْثَال البغال الدهم فَإِذا ثارت إِلَيْهِم لتأخذهم اسْتَغَاثُوا بالإقتحام فِي النَّار مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: إِن فِي النَّار أَرْبَعَة أَوديَة يعذب الله بهَا أَهلهَا: غليظ وموبق وأثام وغي
الْآيَة 53 - 54(5/405)
وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (54)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فظنوا أَنهم مواقعوها} قَالَ: علمُوا
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصلى الله عَلَيْهِ وسلمححه وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينصب الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة مِقْدَار خمسين ألف سنة كَمَا لم يعْمل فِي الدُّنْيَا وَأَن الْكَافِر ليرى جَهَنَّم ويظن أَنَّهَا مواقعته من مسيرَة أَرْبَعِينَ سنة وَالله أعلم(5/405)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرقه وَفَاطِمَة لَيْلًا فَقَالَ: أَلا تصليان فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّمَا أَنْفُسنَا بيد الله إِن شَاءَ أَن يبعثنا بعثنَا
وَانْصَرف حِين قلت ذَلِك وَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا ثمَّ سمعته بِضَرْب فَخذه وَيَقُول: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلاً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلاً} قَالَ: الجدل الْخُصُومَة خُصُومَة الْقَوْم لآنبيائهم وردهم عَلَيْهِم مَا جاؤوا بِهِ وكل شَيْء فِي الْقُرْآن من ذكر الجدل فَهُوَ من ذَلِك الْوَجْه فِيمَا يخاصمونهم من دينهم يردون عَلَيْهِم مَا جاؤوا بِهِ وَالله أعلم
الْآيَة 55 - 59(5/406)
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (57) وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (58) وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا (59)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {إِلَّا أَن تأتيهم سنة الأوّلين} قَالَ: عُقُوبَة الْأَوَّلين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ {أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب قبلا} قَالَ: قبائل(5/406)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب قبلا} قَالَ: فَجْأَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة أَنه قَرَأَ {أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب قبلا} أَي عيَانًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله: {قبلا} قَالَ: جهاراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {أَو يَأْتِيهم الْعَذَاب قبلا} قَالَ: مقابلهم فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَنسي مَا قدمت يَدَاهُ} أَي نسي مَا سلف من الذُّنُوب الْكَثِيرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {بِمَا كسبوا} يَقُول: بِمَا علمُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {بل لَهُم موعد} قَالَ: الْموعد يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لن يَجدوا من دونه موئلاً} قَالَ: ملْجأ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {لن يَجدوا من دونه موئلاً} قَالَ: مجوزاً
وَفِي قَوْله: {وَجَعَلنَا لمهلكهم موعداً} قَالَ: أَََجَلًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْعَبَّاس بن عزوان أسْندهُ فِي قَوْله: {وَتلك الْقرى أهلكناهم لما ظلمُوا وَجَعَلنَا لمهلكهم موعداً} قَالَ: قضى الله الْعقُوبَة حِين عصي ثمَّ أَخّرهَا حَتَّى جَاءَ أجلهَا ثمَّ أرسلها(5/407)
الْآيَة 60 - 82(5/408)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64) فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (72) قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74) قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (75) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (77) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (82)
أخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق ابْن سمْعَان عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي هَذِه الْآيَة {وَإِذ قَالَ مُوسَى لفتاه لَا أَبْرَح} يَقُول: لَا أَنْفك وَلَا أَزَال {حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين} يَقُول: ملتقى الْبَحْرين {أَو أمضي حقباً} يَقُول: أَو أمضي سبعين خَرِيفًا {فَلَمَّا بلغا مجمع بَينهمَا} يَقُول: بَين الْبَحْرين {نسيا حوتهما} يَقُول: ذهب مِنْهُمَا وأخطأهما وَكَانَ حوتاً مليحاً مَعَهُمَا يحملانه فَوَثَبَ من المكتل إِلَى المَاء فَكَانَ {سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} فأنسى الشَّيْطَان فَتى مُوسَى أَن يذكرهُ وَكَانَ فَتى مُوسَى يُوشَع بن نون {وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر عجبا} يَقُول: مُوسَى عجب من أثر الْحُوت ودوراته الَّتِي غَار فِيهَا {قَالَ ذَلِك مَا كُنَّا نبغ} قَول مُوسَى: فَذَاك حَيْثُ أخْبرت أَنِّي أجد الْخضر حَيْثُ يفارقني الْحُوت {فارتدا على آثارهما قصصاً} يَقُول: اتبع مُوسَى ويوشع أثر الْحُوت فِي الْبَحْر وهم راجعان على سَاحل الْبَحْر {فوجدا عبدا من عبادنَا} يَقُول: فوجدا خضرًا {آتيناه رَحْمَة من عندنَا وعلمناه من لدنا علما} قَالَ الله تَعَالَى: (وَفَوق كل ذِي علم عليم) (يُوسُف آيَة 76) فصحب مُوسَى الْخضر وَكَانَ من شَأْنهمَا مَا قصّ الله فِي كِتَابه
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق سعيد بن جُبَير قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس أَن نَوْفًا الْبكالِي يزْعم أَن مُوسَى صَاحب الْخضر لَيْسَ مُوسَى صَاحب بني إِسْرَائِيل: قَالَ ابْن عَبَّاس: كذب عدوّ الله
حَدثنَا أبي بن كَعْب أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بني إِسْرَائِيل فَسئلَ: أَي النَّاس أعلم فَقَالَ: أَنا
فعتب الله عَلَيْهِ إِذْ لم يرد الْعلم إِلَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن لي عبدا بمجمع الْبَحْرين وَهُوَ أعلم مِنْك
قَالَ مُوسَى: يَا رب كَيفَ لي بِهِ قَالَ: تَأْخُذ مَعَك حوتاً تَجْعَلهُ فِي مكتل فَحَيْثُمَا فقدت الْحُوت فَهُوَ ثَم
فَأخذ حوتاً فَجعله فِي مكتل ثمَّ انْطلق وَانْطَلق مَعَه فتاه يُوشَع بن نون حَتَّى إِذا أَتَيَا الصَّخْرَة وضعا رأسيهما فَنَامَا واضطرب الْحُوت فِي المكتل فَخرج مِنْهُ فَسقط فِي الْبَحْر {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} وَأمْسك الله عَن الْحُوت جرية المَاء فَصَارَ عَلَيْهِ مثل الطاق فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ نسي صَاحبه أَن يخبرهه بالحوت فَانْطَلقَا بَقِيَّة يومهما وليلتهما حَتَّى إِذا كَانَ من الْغَد(5/409)
قَالَ مُوسَى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا} قَالَ: وَلم يجد مُوسَى النصب حَتَّى جَاوز الْمَكَان الَّذِي أمره الله بِهِ فَقَالَ لَهُ فتاه: {أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر عجبا} قَالَ: فَكَانَ للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجبا
فَقَالَ مُوسَى {ذَلِك مَا كُنَّا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قَالَ سُفْيَان: يزْعم نَاس أَن تِلْكَ الصَّخْرَة عِنْدهَا عين الْحَيَاة وَلَا يُصِيب مَاؤُهَا مَيتا إِلَّا عَاشَ
قَالَ: وَكَانَ الْحُوت قد أكل مِنْهُ فَلَمَّا قطر عَلَيْهِ المَاء عَاشَ
قَالَ: فَرَجَعَا يقصان آثارهما حَتَّى انتهيا إِلَى الصَّخْرَة فَإِذا رجل مسجى بِثَوْب فَسلم عَلَيْهِ مُوسَى فَقَالَ الْخضر: وأنى بأرضك السَّلَام قَالَ: أَنا مُوسَى
قَالَ: مُوسَى بني إِسْرَائِيل قَالَ: نعم أَتَيْتُك لتعلمني مِمَّا علمت رشدا {قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} يَا مُوسَى إِنِّي على علم من علم الله علمنيه لَا تعلَمُهُ أَنْت وَأَنت على علم من علم الله علمك الله لَا أعلمهُ
فَقَالَ مُوسَى {ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا} فَقَالَ لَهُ الْخضر {فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا فَانْطَلقَا} يمشيان على سَاحل الْبَحْر فمرت بهم سفينة فَكَلمُوهُمْ أَن يحملوهم فعرفوا الْخضر فَحَمَلُوهُ بِغَيْر نول فَلَمَّا ركبُوا فِي السَّفِينَة فَلم يفجأه إِلَّا وَالْخضر قد قلع لوحاً من أَلْوَاح السَّفِينَة بالقدوم فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قوم حملونا بِغَيْر نول عَمَدت إِلَى سفينتهم فخرقتها لتغرق أَهلهَا
{لقد جِئْت شَيْئا إمرا} فَقَالَ: {ألم أقل إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا قَالَ لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسراً}
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَت الأولى من مُوسَى نِسْيَانا قَالَ: وَجَاء عُصْفُور فَوَقع على حرف السَّفِينَة فَنقرَ فِي الْبَحْر نقرة فَقَالَ لَهُ الْخضر: مَا عَلمنِي وَمَا علمك من علم الله إِلَّا مثل مَا نقص هَذَا العصفور من هَذَا الْبَحْر ثمَّ خرجا من السَّفِينَة فَبَيْنَمَا هما يمشيان على السَّاحِل إِذْ أبْصر الْخضر غُلَاما يلْعَب مَعَ الغلمان فَأخذ الْخضر رَأسه بِيَدِهِ فاقتلعه فَقتله فَقَالَ لَهُ مُوسَى: {أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس لقد جِئْت شَيْئا نكراً قَالَ ألم أقل لَك إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} قَالَ: وَهَذِه أَشد من الأولى {قَالَ إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي قد بلغت من لدني عذرا فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فوجدا فِيهَا جداراً يُرِيد أَن ينْقض} قَالَ: مائل فَأخذ الْخضر بِيَدِهِ هَكَذَا فأقامه فَقَالَ مُوسَى: قوم(5/410)
أتيناهم فَلم يطعمونا وَلم يضيفونا {لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} فَقَالَ: {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك سأنبئك بِتَأْوِيل مَا لم تستطع عَلَيْهِ صبرا}
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَدِدْنَا أَن مُوسَى كَانَ صَبر حَتَّى يقص الله علينا من خبرهما
قَالَ سعيد بن جُبَير: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يقْرَأ وَكَانَ أمامهم ملك يَأْخُذ كل سفينة صَالِحَة غصبا وَكَانَ يقْرَأ وَأما الْغُلَام فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق آخر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِنَّا لعِنْد ابْن عَبَّاس فِي بَيته إِذْ قَالَ: سلوني
قلت: أَي أَبَا عَبَّاس جعلني الله فداءك بِالْكُوفَةِ رجل قاص يُقَال لَهُ نوف يزْعم أَنه [] لَيْسَ بمُوسَى بني إِسْرَائِيل
قَالَ: كذب عدوّ الله حَدثنِي أبيّ بن كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام ذكر النَّاس يَوْمًا حَتَّى إِذا فاضت الْعُيُون ورقت الْقُلُوب ولّى فأدركه رجل فَقَالَ: أَي رَسُول الله هَل فِي الأَرْض أحد أعلم مِنْك قَالَ: لَا
فعتب الله عَلَيْهِ إِذْ لم يرد الْعلم إِلَى الله تَعَالَى
قيل: بلَى
قَالَ: أَي رب فَأَيْنَ قَالَ: بمجمع الْبَحْرين
قَالَ: أَي رب اجْعَل لي علما أعلم بِهِ ذَلِك
قَالَ: خُذ حوتاً مَيتا حَيْثُ ينْفخ فِيهِ الرّوح
فَأخذ حوتاً فَجعله فِي مكتل فَقَالَ لفتاه: لَا أكلفك إِلَّا أَن تُخبرنِي بِحَيْثُ يفارقك الْحُوت
قَالَ: مَا كلفت كثيرا
قَالَ: فَبينا هُوَ فِي ظلّ صَخْرَة فِي مَكَان سريان [] أَن تضرب الْحُوت ومُوسَى نَائِم فَقَالَ فتاه: لَا أوقظه
حَتَّى إِذا اسْتَيْقَظَ نسي أَن يُخبرهُ
وتضرب الْحُوت حَتَّى دخل الْبَحْر فَأمْسك الله عَنهُ جرية الْبَحْر حَتَّى كَانَ أَثَره فِي حجر
قَالَ مُوسَى {لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا} قَالَ: قد قطع الله عَنْك النصب فَرَجَعَا فوجدا خضرًا على طنفسة خضراء على كبد الْبَحْر مسجى ثَوْبه قد جعل طرفه تَحت رجلَيْهِ وطرفه تَحت رَأسه فَسلم عَلَيْهِ مُوسَى فكسف عَن وَجهه وَقَالَ: هَل بِأَرْض من سَلام
من أَنْت قَالَ: أَنا مُوسَى
قَالَ: مُوسَى بني إِسْرَائِيل قَالَ: نعم
قَالَ: فَمَا شَأْنك قَالَ: جِئْت لتعلمني مِمَّا علمت رشدا
قَالَ: أما يَكْفِيك أَن التَّوْرَاة بيديك وَأَن الْوَحْي يَأْتِيك يَا مُوسَى إِن لي علما لَا يَنْبَغِي أَن تعلمه وَإِن لَك علما لَا يَنْبَغِي لي أعلمهُ
فَأخذ طَائِر بمنقاره من الْبَحْر فَقَالَ: وَالله مَا علمي وعلمك فِي جنب علم الله إِلَّا كَمَا أَخذ الطير منقاره من(5/411)
الْبَحْر
حَتَّى إِذا ركبا فِي السَّفِينَة وجدا معابر صغَارًا تحمل أهل السَّاحِل إِلَى أهل هَذَا السَّاحِل الآخر فعرفوه فَقَالُوا: عبد الله الصَّالح لَا نحمله بِأَجْر فخرقها ووتد فِيهَا وتداً
قَالَ مُوسَى {أخرقتها لتغرق أَهلهَا لقد جِئْت شَيْئا إمرا قَالَ ألم أقل إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} كَانَت الأولى نِسْيَانا والوسطة وَالثَّالِثَة عمدا {لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسراً فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا لقيا غُلَاما فَقتله} وَوجد غلماناً يَلْعَبُونَ فَأخذ غُلَاما كَافِرًا ظريفاً فأضجعه ثمَّ ذبحه بالسكين فَقَالَ: {أقتلت نفسا زكية} لم تعْمل الْحِنْث
قَالَ ابْن عَبَّاس قَرَأَهَا: {زكية} زاكية مسلمة كَقَوْلِك: غُلَاما زكياً
{فَانْطَلقَا} {فوجدا فِيهَا جداراً يُرِيد أَن ينْقض فأقامه} قَالَ: بِيَدِهِ هَكَذَا وَرفع يَده فاستقام {قَالَ لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} قَالَ: أجر تَأْكُله {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك} قَرَأَهَا ابْن عَبَّاس وَكَانَ أمامهم ملك يَزْعمُونَ مدد بن ندد والغلام الْمَقْتُول اسْمه يَزْعمُونَ جيسور {ملك يَأْخُذ كل سفينة} صَالِحَة {غصبا} فَأَرَدْت إِذا هِيَ مرت بِهِ أَن يَدعهَا لعيبها فَإِذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بهَا وَمِنْهُم من يَقُول سدوها بالقار (فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين) وَكَانَ كَافِرًا {فَخَشِينَا أَن يرهقهما طغياناً وَكفرا} أَي يحملهما حبه على أَن يتابعاه على دينه {فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما} هما بِهِ أرْحم مِنْهُمَا بِالْأولِ الَّذِي قَتله خضر
وَزعم غير سعيد أَنَّهُمَا أُبْدِلا جَارِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَكُنَّا عِنْده فَقَالَ الْقَوْم: إِن نَوْفًا الشَّامي يزْعم أَن الَّذِي ذهب يطْلب الْعلم لَيْسَ بمُوسَى بني إِسْرَائِيل فَكَانَ ابْن عَبَّاس مُتكئا فَاسْتَوَى جَالِسا فَقَالَ: كذب نوف حَدثنِي أبي بن كَعْب أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: رَحْمَة الله علينا وعَلى مُوسَى لَوْلَا أَنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صَاحبه فَقَالَ لَهُ: إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي لرَأى من صَاحبه عجبا
قَالَ: وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر نَبيا من الْأَنْبِيَاء بَدَأَ بِنَفسِهِ فَقَالَ: رَحْمَة الله علينا وعَلى صَالح وَرَحْمَة الله علينا وعَلى أخي عَاد ثمَّ قَالَ: إِن مُوسَى بَينا هُوَ يخْطب قومه ذَات يَوْم إِذْ قَالَ لَهُم: مَا فِي الأَرْض أحد أعلم مني
فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن فِي الأَرْض من هُوَ أعلم مِنْك وَآيَة ذَلِك أَن تزوّد حوتاً مالحاً فَإِذا فقدته فَهُوَ حيت تفقده
فتزوّد حوتاً مالحاً فَانْطَلق هُوَ وفتاه حَتَّى إِذا بلغا الْمَكَان الَّذِي أمروا بِهِ(5/412)
فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الصَّخْرَة انْطلق مُوسَى يطْلب وَوضع فتاه الْحُوت على الصَّخْرَة فاضطرب {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} قَالَ فتاه: إِذا جَاءَ نَبِي الله حدثته
فأنساه الشَّيْطَان فَانْطَلقَا فَأَصَابَهُ مَا يُصِيب الْمُسَافِر من النصب والكلال حِين جَاوز مَا أَمر بِهِ فَقَالَ مُوسَى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا} قَالَ فتاه: يَا نَبِي الله {أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت} أَن أحَدثك {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَان} {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} {قَالَ ذَلِك مَا كُنَّا نبغ} [نبغي] فَرَجَعَا {على آثارهما قصصاً} يقصان الْأَثر حَتَّى انتهيا إِلَى الصَّخْرَة فأطاف فَإِذا هُوَ بِرَجُل مسجى بِثَوْب فَسلم عَلَيْهِ فَرفع رَأسه فَقَالَ لَهُ: من أَنْت قَالَ: مُوسَى
قَالَ: من مُوسَى قَالَ: مُوسَى بني إِسْرَائِيل
قَالَ: فَمَا لَك قَالَ: أخْبرت أَن عنْدك علما فَأَرَدْت أَن أصحبك {قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} {قَالَ ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا} قَالَ: {وَكَيف تصبر على مَا لم تحط بِهِ خَبرا} قَالَ: قد أمرت أَن أَفعلهُ {قَالَ فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا ركبا فِي السَّفِينَة} فَخرج من كَانَ فِيهَا وتخلف ليخرقها فَقَالَ لَهُ مُوسَى: تخرقها {لتغرق أَهلهَا لقد جِئْت شَيْئا إمرا قَالَ ألم أقل إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا قَالَ لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسراً} فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا أَتَوا على غلْمَان يَلْعَبُونَ على سَاحل الْبَحْر وَفِيهِمْ غُلَام لَيْسَ فِي الغلمان أحسن وَلَا ألطف مِنْهُ فَأَخذه فَقتله فنفر مُوسَى عِنْد ذَلِك وَقَالَ {أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس لقد جِئْت شَيْئا نكراً قَالَ ألم أقل لَك إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} قَالَ: فَأَخَذته دمامة من صَاحبه واستحيا فَقَالَ {إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي قد بلغت من لدني عذرا فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة} وَقد أصَاب مُوسَى جهد شَدِيد فَلم يُضَيِّفُوهُمَا {فوجدا فِيهَا جداراً يُرِيد أَن ينْقض فأقامه} قَالَ لَهُ مُوسَى مِمَّا نزل بِهِ من الْجهد: {لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا قَالَ هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك سأنبئك بِتَأْوِيل مَا لم تستطع عَلَيْهِ صبرا} فَأخذ مُوسَى بِطرف ثَوْبه فَقَالَ حَدثنِي {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر} {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة غصبا} فَإِذا مر عَلَيْهَا فرآها منخرقة تَركهَا ورقعها أَهلهَا بِقِطْعَة من خشب فانتفعوا بهَا(5/413)
وَأما الْغُلَام فَإِنَّهُ كَانَ طبع يَوْم طبع كَافِرًا وَكَانَ قد ألقِي عَلَيْهِ محبَّة من أَبَوَيْهِ وَلَو عصياه شَيْئا لأرهقهما طغياناً وَكفرا فَأَرَادَ رَبك أَن يبدلهما {خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما} فَوَقع أَبوهُ على أمه فعلقت خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما
وَأخرج من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: جَلَست عِنْد ابْن عَبَّاس - وَعِنْده نفر من أهل الْكتاب - فَقَالَ بَعضهم: إِن نَوْفًا يزْعم عَن أبي بن كَعْب إِن مُوسَى النَّبِي الَّذِي طلب الْعلم إِنَّمَا هُوَ مُوسَى بن مِيشَا فَقَالَ ابْن عَبَّاس: كذب نوف
حَدثنِي أبي بن كَعْب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن مُوسَى بني إِسْرَائِيل سَأَلَ ربه فَقَالَ: أَي رب إِن كَانَ فِي عِبَادك أحد أعلم مني فدلني
قَالَ: نعم فِي عبَادي من هُوَ أعلم مِنْك فنعت لَهُ مَكَانَهُ فَأذن لَهُ فِي لقِيه فَخرج مُوسَى وَمَعَهُ فتاه وَمَعَهُ حوت مليح قد قيل: إِذا حييّ هَذَا الْحُوت فِي مَكَان فصاحبك هُنَالك وَقد أدْركْت حَاجَتك
فَخرج مُوسَى وَمَعَهُ فتاه وَمَعَهُ ذَلِك الْحُوت يحملانه فَسَار حَتَّى جهده السّير وانْتهى إِلَى الصَّخْرَة وَإِلَى ذَلِك المَاء مَاء الْحَيَاة من شرب مِنْهُ خلد وَلَا يُقَارِبه شَيْء ميت إِلَّا حييّ
فَلَمَّا نزلا وَمَسّ الْحُوت المَاء حييّ {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} فَانْطَلقَا {فَلَمَّا جاوزا قَالَ} مُوسَى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا} قَالَ الْفَتى وَذكر {أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر عجبا} قَالَ ابْن عَبَّاس: فَظهر مُوسَى على الصَّخْرَة حِين انتهيا إِلَيْهَا فَإِذا رجل ملتف فِي كسائه فَسلم مُوسَى عَلَيْهِ فَرد عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ لَهُ: مَا جَاءَ بك إِن كَانَ لَك فِي قَوْمك لشغل قَالَ لَهُ مُوسَى: جئْتُك لتعلمني مِمَّا علمت رشدا
{قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} وَكَانَ رجلا يعلم علم الْغَيْب قد علم ذَلِك فَقَالَ مُوسَى: بلَى
قَالَ: {وَكَيف تصبر على مَا لم تحط بِهِ خَبرا} أَي أَن مَا تعرف ظَاهرا مَا ترى من الْعدْل وَلم تحط من علم الْغَيْب بِمَا أعلم {قَالَ ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا} وَإِن رَأَيْت مَا يخالفني {قَالَ فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا} فَانْطَلقَا يمشيان على سَاحل الْبَحْر يتعرضان النَّاس يلتمسان من يحملهما حَتَّى مرت بهما سفينة جَدِيدَة وَثِيقَة لم يمر بهما من السفن شَيْء أحسن مِنْهَا وَلَا أجمل وَلَا أوثق مِنْهَا فسألا أَهلهَا أَن يحملوهما فحملوهما فَلَمَّا اطمأنا فِيهَا ولجت بهما مَعَ أَهلهَا أخرج منقاراً لَهُ ومطرقة ثمَّ عمد إِلَى نَاحيَة مِنْهَا فَضرب فِيهَا بالمنقار حَتَّى(5/414)
خرقها ثمَّ أَخذ لوحاً فطبقه عَلَيْهَا ثمَّ جلس عَلَيْهَا يرقعها فَقَالَ لَهُ مُوسَى - وَرَأى أمرا أفظع بِهِ - {أخرقتها لتغرق أَهلهَا لقد جِئْت شَيْئا إمرا قَالَ ألم أقل إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا قَالَ لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} أَي بِمَا تركت من عَهْدك {وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسراً} ثمَّ خرجا من السَّفِينَة فَانْطَلقَا حَتَّى أَتَيَا قَرْيَة فَإِذا غلْمَان يَلْعَبُونَ
فيهم غُلَام لَيْسَ فِي الغلمان غُلَام أظرف مِنْهُ وَلَا أوضأ مِنْهُ فَأخذ بِيَدِهِ وَأخذ حجرا فَضرب بِهِ رَأسه حَتَّى دمغه فَقتله فرآى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام أمرا فظيعاً لَا صَبر عَلَيْهِ صبي صَغِير قَتله لَا ذَنْب لَهُ
{قَالَ أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس} أَي صَغِيرَة {لقد جِئْت شَيْئا نكراً قَالَ ألم أقل لَك إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا قَالَ إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي قد بلغت من لدني عذرا} أَي قد عذرت فِي شأني {فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أَهلهَا فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فوجدا فِيهَا جداراً يُرِيد أَن ينْقض} فهدمه ثمَّ قعد يبنيه فضجر مُوسَى مِمَّا يرَاهُ يصنع من التَّكْلِيف وَمَا لَيْسَ عَلَيْهِ صَبر فَقَالَ {لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} أَي قد استطعمناهم فَلم يطعمونا واستضفناهم فَلم يُضَيِّفُوهُمَا ثمَّ قعدت تعْمل فِي غير صَنِيعَة وَلَو شِئْت لأعطيت عَلَيْهِ أجرا فِي عَمَلك
{قَالَ هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك سأنبئك بِتَأْوِيل مَا لم تستطع عَلَيْهِ صبرا أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر فَأَرَدْت أَن أعيبها وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة} صَالِحَة {غصبا} - فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب كل سفينة صَالِحَة وَإِنَّمَا عيبها لطرده عَنْهَا فَسَلِمَتْ مِنْهُ حِين رأى الْعَيْب الَّذِي صنعت بهَا {وَأما الْغُلَام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين فَخَشِينَا أَن يرهقهما طغياناً وَكفرا فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا فَأَرَادَ رَبك أَن يبلغَا أشدهما ويستخرجا كنزهما رَحْمَة من رَبك وَمَا فعلته عَن أَمْرِي} أَي مَا فعلته عَن نَفسِي {ذَلِك تَأْوِيل مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} فَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: مَا كَانَ الْكَنْز إِلَّا علما
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَامَ مُوسَى خَطِيبًا لنَبِيّ إِسْرَائِيل فأبلغ فِي الْخطْبَة وَعرض فِي نَفسه أَن أحدا لم يُؤْت من الْعلم مَا أُوتِيَ وعَلِمَ الله الَّذِي حدث نَفسه من ذَلِك فَقَالَ لَهُ: يَا مُوسَى إِن من عبَادي من قد آتيته من الْعلم مَا لم أوتك
قَالَ: فادللني عَلَيْهِ(5/415)
حَتَّى أتعلم مِنْهُ
قَالَ: يدلك عَلَيْهِ بعض زادك
فَقَالَ لفتاه يُوشَع {لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين أَو أمضي حقباً} قَالَ: فَكَانَ فِيمَا تزوداه حوت مملوح وَكَانَا يصيبان مِنْهُ عِنْد الْعشَاء والغداء فَلَمَّا انتهيا إِلَى الصَّخْرَة على سَاحل الْبَحْر وضع فتاه المكتل على سَاحل الْبَحْر فَأصَاب الْحُوت ندى المَاء فَتحَرك فِي المكتل فَقلب المكتل وأسرب فِي الْبَحْر فَلَمَّا جَاوز أحضر الْغَدَاء فَقَالَ: {آتنا غداءنا لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا} فَذكر الْفَتى {قَالَ أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر عجبا} فَذكر مُوسَى مَا كَانَ عهد إِلَيْهِ إِنَّه يدلك عَلَيْهِ بعض زادك
{قَالَ ذَلِك مَا كُنَّا نبغ} أَي هَذِه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصاً} يقصان آثارهما حَتَّى انتهيا إِلَى الصَّخْرَة الَّتِي فعل فِيهَا الْحُوت مَا فعل فأبصر مُوسَى أثر الْحُوت فأخذا أثر الْحُوت يمشيان على المَاء حَتَّى انتهيا إِلَى جَزِيرَة من جزائر الْعَرَب {فوجدا عبدا من عبادنَا آتيناه رَحْمَة من عندنَا وعلمناه من لدنا علما قَالَ لَهُ مُوسَى هَل أتبعك على أَن تعلمن مِمَّا عُلِّمت رشدا} فَأقر لَهُ بِالْعلمِ {قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا وَكَيف تصبر على مَا لم تحط بِهِ خَبرا قَالَ ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا قَالَ فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا} يَقُول: حَتَّى أكون أَنا أحدث ذَلِك لَك {فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا ركبا فِي السَّفِينَة خرقها قَالَ أخرقتها لتغرق أهلَهَا} إِلَى قَوْله: {فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا لقيا غُلَاما} على سَاحل الْبَحْر فِي غلْمَان يَلْعَبُونَ فعهد إِلَى أجودهم وأصبحهم {فَقتله قَالَ أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس لقد جِئْت شَيْئا نكراً قَالَ ألم أقل لَك إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا}
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فاستحى نَبِي الله مُوسَى عِنْد ذَلِك فَقَالَ: {إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي قد بلغت من لدني عذرا فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة استطعما أهلَهَا} إِلَى قَوْله: {سأنبئك بِتَأْوِيل مَا لم تستطع عَلَيْهِ صبرا أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر فَأَرَدْت أَن أعيبها وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة غصبا} قَالَ: وَهِي فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب يَأْخُذ كل سفينة صَالِحَة غصبا فَأَرَدْت أَن أعيبها حَتَّى لَا يَأْخُذهَا الْملك فَإِذا جاوزوا الْملك رقعوها فانتفعوا بهَا وَبقيت لَهُم {وَأما الْغُلَام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين} إِلَى قَوْله: {ذَلِك تَأْوِيل مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} قَالَ: فجَاء طَائِر هَذِه الْحمرَة فَبلغ فَجعل بغمس منقاره فِي(5/416)
الْبَحْر فَقَالَ لَهُ: يَا مُوسَى مَا يُوقَ هَذَا الطَّائِر قَالَ: لَا أَدْرِي
قَالَ: هَذَا يَقُول: مَا علمكما الَّذِي تعلمان فِي علم الله إِلَّا كَمَا أنقص بمنقاري من جَمِيع مَا فِي هَذَا الْبَحْر
وَأخرج الرَّوْيَانِيّ وَابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يذكر بني إِسْرَائِيل إِذْ حدث نَفسه أَنه لَيْسَ أحد من النَّاس أعلم مِنْهُ فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي قد علمت مَا حدثت بِهِ نَفسك فَإِن من عبَادي رجلا أعلم مِنْك
يكون على سَاحل الْبَحْر فأته فتعلم مِنْهُ وَاعْلَم أَن الْآيَة الدَّالَّة لَك على مَكَانَهُ زادك الَّذِي تزوّد بِهِ فأينما فقدته فهناك مَكَانَهُ
ثمَّ خرج مُوسَى وفتاه قد حملا حوتاً مالحاً فِي مكتل وخرجا يمشيان لَا يجدان لغوبا وَلَا عنتاً حَتَّى انتهيا إِلَى الْعين الَّتِي كَانَ يشرب مِنْهَا الْخضر فَمضى مُوسَى وَجلسَ فتاه فَشرب مِنْهَا فَوَثَبَ الْحُوت من المكتل حَتَّى وَقع فِي الطين ثمَّ جرى حَتَّى وَقع فِي الْبَحْر
فَذَلِك قَوْله تَعَالَى: {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} فَانْطَلق حَتَّى لحق مُوسَى فَلَمَّا لحقه أدْركهُ العياء فَجَلَسَ وَقَالَ لفتاه {آتنا غداءنا لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا} قَالَ: ففقد الْحُوت فَقَالَ: {فَإِنِّي نسيت الْحُوت} الْآيَة
يَعْنِي فَتى مُوسَى {وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر عجبا قَالَ ذَلِك مَا كُنَّا نبغ} إِلَى {قصَصَا} فَانْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَة فأطاف بهَا مُوسَى فَلم ير شَيْئا ثمَّ صعد فَإِذا على ظهرهَا رجل متلفف بكسائه نَائِم فَسلم عَلَيْهِ مُوسَى فَرفع رَأسه فَقَالَ: أَنى السَّلَام بِهَذَا الْمَكَان
من أَنْت قَالَ: مُوسَى بني إِسْرَائِيل
قَالَ: فَمَا كَانَ لَك فِي قَوْمك شغل عني قَالَ: إِنِّي أمرت بك
فَقَالَ الْخضر: {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} {قَالَ ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا} الْآيَة
{قَالَ فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا} فَخَرَجَا يمشيان حَتَّى انتهيا إِلَى سَاحل الْبَحْر فَإِذا قوم قد ركبُوا فِي سفينة يُرِيدُونَ أَن يقطعوا الْبَحْر ركبُوا مَعَهم فَلَمَّا كَانُوا فِي نَاحيَة الْبَحْر أَخذ الْخضر حَدِيدَة كَانَت مَعَه فخرق بهَا السَّفِينَة {قَالَ أخرقتها لتغرق أَهْلَهَا} الْآيَة
{قَالَ ألم أقل} الْآيَة
{قَالَ لَا تؤاخذني} الْآيَة
{فَانْطَلقَا حَتَّى إِذا أَتَيَا أهل قَرْيَة} فوجدا صبياناً يَلْعَبُونَ يُرِيدُونَ الْقرْيَة فَأخذ الْخضر غُلَاما مِنْهُم وَهُوَ أحْسنهم وألطفهم فَقتله قَالَ لَهُ مُوسَى: {أقتلت نفسا زكية} الْآيَة
{قَالَ ألم أقل لَكَ} الْآيَة
{قَالَ إِن سَأَلتك} الْآيَة
فَانْطَلقَا حَتَّى انتهيا إِلَى قَرْيَة لئام(5/417)
وَبِهِمَا جهد فاستطعموهم فَلم يطعموهم فَرَأى الْجِدَار مائلاً فمسحه الْخضر بِيَدِهِ فَاسْتَوَى فَقَالَ: {لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} قَالَ لَهُ مُوسَى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لَو سَأَلتهمْ عَلَيْهِ أجرا أعطوك فنتعشى بِهِ {قَالَ هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك}
قَالَ: فَأخذ مُوسَى بِثَوْبِهِ فَقَالَ: أنْشدك الصُّحْبَة إِلَّا أَخْبَرتنِي عَن تَأْوِيل مَا رَأَيْت قَالَ: {أما السَّفِينَة فَكَانَت لمساكين يعْملُونَ فِي الْبَحْر} الْآيَة
خرقتها لأعيبها فَلم تُؤْخَذ فأصلحها أَهلهَا فامتنعوا بهَا وَأما الْغُلَام فَإِن الله جعله كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين فَلَو عَاشَ لأرهقهما {طغياناً وَكفرا فأردنا أَن يبدلهما ربهما خيرا مِنْهُ زَكَاة وَأقرب رحما وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما ظهر مُوسَى وَقَومه على مصر أنزل قومه بِمصْر فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بهم الدَّار أنزل الله (وَذكرهمْ بأيام الله) (إِبْرَاهِيم آيَة 5) فَخَطب قومه فَذكر مَا آتَاهُم الله من الْخَيْر وَالنَّعِيم وَذكرهمْ إِذْ نجاهم الله من آل فِرْعَوْن وَذكرهمْ هَلَاك عدوهم وَمَا استخلفهم الله فِي الأَرْض وَقَالَ كلم الله مُوسَى نَبِيكُم تكليماً وَاصْطَفَانِي لنَفسِهِ وَأنزل عليّ محبَّة مِنْهُ وآتاكم من كل شَيْء سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأَرْض وَأَنْتُم تقرون الْيَوْم
فَلم يتْرك نعْمَة أنعمها الله عَلَيْهِم إِلَّا عرفهم إِيَّاهَا فَقَالَ لَهُ رجل من بني إِسْرَائِيل: فَهَل على الأَرْض أعلم مِنْك يَا نَبِي الله قَالَ: لَا
فَبعث الله جِبْرِيل إِلَى مُوسَى فَقَالَ: إِن الله يَقُول: وَمَا يدْريك أَيْن أَضَع علمي
بلَى على سَاحل الْبَحْر رجل أعلم
قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ الْخضر
فَسَأَلَ مُوسَى ربه أَن يرِيه إِيَّاه فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن ائْتِ الْبَحْر فَإنَّك تَجِد على سَاحل الْبَحْر حوتاً مَيتا فَخذه فادفعه إِلَى فتاك ثمَّ الزم شط الْبَحْر فَإِذا نسيت الْحُوت وَذهب مِنْك فثم تَجِد العَبْد الصَّالح الَّذِي تطلب
فَلَمَّا طَال صعُود مُوسَى وَنصب فِيهِ سَأَلَ فتاه عَن الْحُوت: {قَالَ أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ} لَك
قَالَ الْفَتى
لقد رَأَيْت الْحُوت حِين اتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سربا فأعجب ذَلِك فَرجع حَتَّى أَتَى الصَّخْرَة فَوجدَ الْحُوت فَجعل الْحُوت يضْرب فِي الْبَحْر ويتبعه مُوسَى يقدم(5/418)
عَصَاهُ يفرج بهَا عَنهُ المَاء وَيتبع الْحُوت وَجعل الْحُوت لَا يمس شَيْئا من الْبَحْر إِلَّا يبس حَتَّى يكون صَخْرَة فَجعل نَبِي الله يعجب من ذَلِك حَتَّى انْتهى الْحُوت إِلَى جَزِيرَة من جزائر الْبَحْر فلقي الْخضر بهَا فسلّم عَلَيْهِ فَقَالَ الْخضر: وَعَلَيْك السَّلَام
وأنى يكون هَذَا السَّلَام بِهَذَا الأَرْض
وَمن أَنْت قَالَ: أَنا مُوسَى
فَقَالَ لَهُ الْخضر: أصَاحب بني إِسْرَائِيل فَرَحَّبَ بِهِ وَقَالَ: مَا جَاءَ بك قَالَ: جئْتُك {على أَن تعلمن مِمَّا علمت رشدا قَالَ إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} يَقُول: لَا تطِيق ذَلِك
قَالَ مُوسَى: {ستجدني إِن شَاءَ الله صَابِرًا وَلَا أعصي لَك أمرا} فَانْطَلق بِهِ وَقَالَ لَهُ: لَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء أصنعه حَتَّى أبين لَك شَأْنه
فَذَلِك قَوْله: {حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والخطيب وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق هرون بن عنترة عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَأَلَ مُوسَى ربه فَقَالَ: رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك قَالَ: الَّذِي يذكرنِي وَلَا ينساني
قَالَ: فَأَي عِبَادك أقضى قَالَ: الَّذِي يقْضِي بِالْحَقِّ وَلَا يتبع الْهوى
قَالَ: فأيّ عِبَادك أعلم قَالَ: الَّذِي يَبْتَغِي علم النَّاس إِلَى علمه عَسى أَن يُصِيب كلمة تهديه إِلَى هدى أَو ترده عَن ردى
قَالَ: وَقد كَانَ حدث مُوسَى نَفسه أَنه لَيْسَ أحد أعلم مِنْهُ
قَالَ: رب فَهَل أحد أعلم مني قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ قيل لَهُ: عِنْد الصَّخْرَة الَّتِي عِنْدهَا الْعين
فَخرج مُوسَى يَطْلُبهُ حَتَّى كَانَ مَا ذكر الله وانْتهى مُوسَى إِلَيْهِ عِنْد الصَّخْرَة فَسلم كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه فَقَالَ لَهُ مُوسَى: إِنِّي أُرِيد أَن تصحبني
قَالَ: إِنَّك لن تطِيق صحبتي
قَالَ: بلَى
قَالَ: فَإِن صحبتني {فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا} فَسَار بِهِ فِي الْبَحْر حَتَّى انْتهى إِلَى محمع الْبَحْرين وَلَيْسَ فِي الْبَحْر مَكَان أَكثر مَاء مِنْهُ
قَالَ: وَبعث الله الخطاف فَجعل يَسْتَقِي مِنْهُ بمنقاره فَقَالَ لمُوسَى: كم ترى هَذَا الخطاف رزأ بمنقاره من المَاء قَالَ: مَا أقل مَا رزأ
قَالَ: فَإِن علمي وعلمك فِي علم الله كَقدْر مَا استقى هَذَا الخطاف من هَذَا المَاء
وَذكر تَمام الحَدِيث فِي خرق السَّفِينَة وَقتل الْغُلَام وَإِصْلَاح الْجِدَار فَكَانَ قَول مُوسَى فِي الْجِدَار لنَفسِهِ شَيْئا من الدُّنْيَا وَكَانَ قَوْله فِي السَّفِينَة وَفِي الْغُلَام لله عز وَجل
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مقَاتل بن سُلَيْمَان عَن(5/419)
الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْخضر ابْن آدم لصلبه ونسئ لَهُ فِي أَجله حَتَّى يكذب الدَّجَّال
وَأخرج البُخَارِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّمَا سمي الْخضر لِأَنَّهُ جلس على فَرْوَة بَيْضَاء فَإِذا هِيَ تهتز من خَلفه خضراء
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّمَا سمي الْخضر خضرًا لِأَنَّهُ صلى على فَرْوَة بَيْضَاء فاهتزت خضراء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: إِنَّمَا سمي الْخضر لِأَنَّهُ إِذا صلى اخضر مَا حوله
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: حَدثنَا أَصْحَابنَا إِن آدم عَلَيْهِ السَّلَام لما حَضَره الْمَوْت جمع بنيه فَقَالَ: يَا بني إِن الله سينزل على أهل الأَرْض عذَابا فَلْيَكُن جَسَدِي مَعكُمْ فِي المغارة حَتَّى إِذا هبطتم فابعثوني وادفنوني بِأَرْض الشَّام
فَكَانَ جسده مَعَهم فَلَمَّا بعث الله نوحًا ضم ذَلِك الْجَسَد وَأرْسل الله الطوفان على الأَرْض فغرقت الأَرْض زَمَانا فجَاء نوح حَتَّى نزل بابل وَأوصى بنيه الثَّلَاثَة - وهم سَام وَحَام وَيَافث - أَن يذهبوا بجسده إِلَى الْغَار الَّذِي أَمرهم أَن يدفنوه بِهِ
فَقَالُوا: الأَرْض وحشية لَا أنيس بهَا وَلَا نهتدي لطريق وَلَكِن كفّ حَتَّى يعظم النَّاس ويكثروا
فَقَالَ لَهُم نوح: إِن آدم قد دَعَا الله أَن يُطِيل عمر الَّذِي يدفنه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
فَلم يزل جَسَد آدم حَتَّى جَاءَ الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي تولى دَفنه فأنجز الله لَهُ مَا وعده فَهُوَ يحيا مَا شَاءَ الله أَن يحيا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب: أَن الْخضر عَلَيْهِ السَّلَام أمه رُومِية وَأَبوهُ فَارسي
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما لَقِي مُوسَى الْخضر جَاءَ طير فَألْقى منقاره فِي المَاء فَقَالَ الْخضر لمُوسَى: تَدْرِي مَا يَقُول هَذَا الطَّائِر قَالَ: وَمَا يَقُول قَالَ: يَقُول: مَا علمك وَعلم مُوسَى فِي علم الله إِلَّا كَمَا أَخذ منقاري من المَاء
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الدَّرْدَاء فِي قَوْله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما}(5/420)
قَالَ: أحلّت لَهُم الْكُنُوز وَحرمت عَلَيْهِم الْغَنَائِم وَأحلت لنا الْغَنَائِم وَحرمت علينا الْكُنُوز
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَزَّار عَن أبي ذَر رَفعه قَالَ: إِن الْكَنْز الَّذِي ذكره الله فِي كِتَابه لوح من ذهب مضمن عجبت لمن أَيقَن بِالْقدرِ ثمَّ نصب وَعَجِبت لمن ذكر النَّار ثمَّ ضحك وَعَجِبت لمن ذكر الْمَوْت ثمَّ غفل
لَا إِلَه إِلَّا الله
مُحَمَّد رَسُول الله
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب عَن عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ اللَّوْح الَّذِي ذكر الله تَعَالَى فِي كِتَابه {وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما} حجر منقوراً فِيهِ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عجبا لمن يعلم أَن الْقدر حق كَيفَ يحزن
وعجباً لمن يعلم أَن الْمَوْت حق كَيفَ يفرح
وعجباً لمن يرى الدُّنْيَا وغرورها وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا كَيفَ يطمئن إِلَيْهَا لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
وَأخرج الخرائطي فِي قمع الْحِرْص وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق أبي حَازِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما} قَالَ: لوح من ذهب مَكْتُوب فِيهِ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم عجبا لمن يعرف الْمَوْت كَيفَ يفرح
وعجباً لمن يعرف النَّار كَيفَ يضْحك
وعجباً لمن يعرف الدُّنْيَا وَتَقَلُّبهَا بِأَهْلِهَا كَيفَ يطمئن إِلَيْهَا
وعجباً لمن أَيقَن بِالْقضَاءِ وَالْقدر كَيفَ ينصب فِي طلب الرزق
وعجباً لمن يُؤمن بِالْحِسَابِ كَيفَ يعْمل الْخَطَايَا
لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما} قَالَ: لوح من ذهب مَكْتُوب فِيهِ: شهِدت أَن لَا إِلَه إِلَّا الله شهِدت أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله عجبت لمن يُؤمن بِالْقدرِ كَيفَ يحزن
عجبت لمن يُؤمن بِالْمَوْتِ كَيفَ يفرح
عجبت لمن تفكر فِي تقلب اللَّيْل وَالنَّهَار ويأمن فجأتهما حَالا فحالاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما} قَالَ: مَا كَانَ ذَهَبا وَلَا فضَّة كَانَ صحفاً عَلَيْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَول الله عز وَجل: {وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما} قَالَ: كَانَ لوح من ذهب مَكْتُوب فِيهِ: لَا إِلَه الله إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله
عجبا لمن يذكر الْمَوْت حق كَيفَ يفرح
وعجباً لمن يذكر أَن(5/421)
النَّار حق كَيفَ يضْحك
وعجباً لمن يذكر أَن الْقدر حق كَيفَ يحزن
وعجباً لمن يرى الدُّنْيَا وتصرفها بِأَهْلِهَا حَالا بعد حَال كَيفَ يطمئن إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} قَالَ: كَانَ يُؤَدِّي الْأَمَانَات والودائع إِلَى أَهلهَا
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} قَالَ: حفظ الصّلاح لأبيهما وَمَا ذكر عَنْهُمَا صلاحاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله يصلح بصلاح الرجل وَلَده وَولد وَلَده ويحفظه فِي ذُريَّته وَالدُّوَيْرَاتِ حوله فَمَا يزالون فِي ستر من الله وعافية
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يصلح بصلاح الرجل الصَّالح وَلَده وَولد وَلَده وَأهل دويرات حوله فَمَا يزالون فِي حفظ الله مَا دَامَ فيهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر مَوْقُوفا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن كَعْب قَالَ: إِن الله يخلف العَبْد الْمُؤمن فِي وَلَده ثَمَانِينَ عَاما
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَيْنَمَا مُوسَى يُخَاطب الْخضر يَقُول: أَلَسْت نَبِي بني إِسْرَائِيل فقد أُوتيت من الْعلم مَا تكتفي بِهِ ومُوسَى يَقُول لَهُ: إِنِّي قد أمرت باتباعك
وَالْخضر يَقُول: {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} فَبَيْنَمَا هُوَ يخاطبه إِذْ جَاءَ عُصْفُور فَوَقع على شاطئ الْبَحْر
فَنقرَ مِنْهُ نقرة ثمَّ طَار فَذهب فَقَالَ الْخضر لمُوسَى: يَا مُوسَى هَل رَأَيْت الطير أصَاب من الْبَحْر قَالَ: نعم
قَالَ: مَا أصبتُ أَنا وَأَنت من الْعلم فِي علم الله إِلَّا بِمَنْزِلَة مَا أصَاب هَذَا الطير من هَذَا الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين} قَالَ: حَتَّى إنتهي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {مجمع الْبَحْرين} قَالَ: بَحر فَارس وَالروم هما بَحر الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس مثله(5/422)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله: {مجمع الْبَحْرين} قَالَ: أفريقية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله: {مجمع الْبَحْرين} قَالَ: طنجة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {مجمع الْبَحْرين} قَالَ: الْكر والرس حَيْثُ يصبَّانِ فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَو أمضي حقباً} قَالَ: دهراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {أَو أمضي حقباً} قَالَ: سبعين خَرِيفًا
وَفِي قَوْله: {فَلَمَّا بلغا مجمع بَينهمَا} قَالَ: بَين الْبَحْرين {نسيا حوتهما} قَالَ: أضلاه فِي الْبَحْر {وَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر عجبا} قَالَ: مُوسَى يعجب من أثر الْحُوت ودوراته الَّتِي غَابَ فِيهَا {فارتدا على آثارهما قصصا} قَالَ: اتِّبَاع مُوسَى وفتاه أثر الْحُوت حَيْثُ يشق الْبَحْر رَاجِعين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {نسيا حوتهما} قَالَ: كَانَ مملوحاً مشقوق الْبَطن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} قَالَ: أَثَره يَابِس فِي الْبَحْر كَأَنَّهُ حجر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا انجاب مَاء مُنْذُ كَانَ النَّاس غير بَيت مَاء الْحُوت دخل مِنْهُ صَار منجاباً كالكرة حَتَّى رَجَعَ إِلَيْهِ مُوسَى فَرَأى إِمْسَاكه قَالَ: {ذَلِك مَا كُنَّا نبغ فارتدا على آثارهما قصصاً} أَي يقصان آثارهما حَتَّى انتهيا إِلَى مدْخل الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} قَالَ: جَاءَ فَرَأى جناحيه فِي الطين حِين وَقع فِي المَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله: {فَاتخذ سَبيله فِي الْبَحْر سرباً} قَالَ: دخل الْحُوت فِي الْبَطْحَاء بعد مَوته حِين أَحْيَاهُ الله ثمَّ اتخذ فِيهَا سرباً حَتَّى وصل إِلَى الْبَحْر
والسرب طَرِيق حَتَّى وصل إِلَى المَاء وَهِي بطحاء يابسة فِي الْبر بَعْدَمَا أكل مِنْهُ دهراً طَويلا وَهُوَ زَاده ثمَّ أَحْيَاهُ الله(5/423)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام شقّ الْحُوت وملحه وتغدى مِنْهُ وتعشى فَلَمَّا كَانَ من الْغَد {قَالَ لفتاه آتنا غداءنا لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ فِي قِرَاءَة أُبي وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكر لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: أَتَى الْحُوت على عين فِي الْبَحْر يُقَال لَهَا عين الْحَيَاة فَلَمَّا أصَاب تِلْكَ الْعين ردّ الله إِلَيْهِ روحه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فارتدا على آثارهما قصصاً} قَالَ: عودهما على بدئهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {فوجدا عبدا من عبادنَا} قَالَ: لقيا رجلا عَالما يُقَال لَهُ خضر
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي بن كَعْب: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: شممت لَيْلَة أسرِي بِي رَائِحَة طيبَة فَقلت: يَا جِبْرِيل مَا هَذِه الرَّائِحَة الطّيبَة قَالَ: ريح قبر الماشطة وابنيها وَزوجهَا وَكَانَ بَدْء ذَلِك أَن الْخضر كَانَ من أَشْرَاف بني إِسْرَائِيل وَكَانَ مَمَره براهب فِي صومعته فَيطلع عَلَيْهِ الراهب فيعلمه الْإِسْلَام وَأخذ عَلَيْهِ أَن لَا يُعلمهُ أحدا
ثمَّ إِن أَبَاهُ زوجه امْرَأَة فعلمها الْإِسْلَام وَأخذ عَلَيْهَا أَن لَا تعلمه أحدا وَكَانَ لَا يقرب النِّسَاء ثمَّ زوجه أُخْرَى فعلمها الْإِسْلَام وَأخذ عَلَيْهَا أَن لَا تعلمه أحدا ثمَّ طَلقهَا فأفشت عَلَيْهِ إِحْدَاهمَا وكتمت الْأُخْرَى فَخرج هَارِبا حَتَّى أَتَى جَزِيرَة فِي الْبَحْر فَرَآهُ رجلَانِ فأفشى عَلَيْهِ أَحدهمَا وكتم الآخر
فَقيل لَهُ: وَمن رَآهُ مَعَك قَالَ: فلَان
وَكَانَ فِي دينهم أَن من كذب قتل فَسئلَ فكتم فَقتل الَّذِي أفشى عَلَيْهِ ثمَّ تزوج الكاتم عَلَيْهِ الْمَرْأَة الماشطة فَبَيْنَمَا هِيَ تمشط ابْنة فِرْعَوْن إِذْ سقط الْمشْط من يَدهَا فَقَالَت: تعس فِرْعَوْن
فَأخْبرت الْجَارِيَة أَبَاهَا فَأرْسل إِلَى الْمَرْأَة وابنيها وَزوجهَا فأرادهم أَن يرجِعوا عَن دينهم فَأَبَوا فَقَالَ: إِنِّي قاتلكم
قَالَ: أحببنا مِنْك إِن أَنْت قتلتنا أَن تجعلنا فِي قبر وَاحِد
فَقَتلهُمْ وجعلهم فِي قبر وَاحِد
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا شممت رَائِحَة أطيب مِنْهَا وَقد دخلت الْجنَّة(5/424)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنَّمَا سمي الْخضر لِأَنَّهُ كَانَ إِذا جلس فِي مَكَان اخْضَرّ مَا حوله وَكَانَت ثِيَابه خضرًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {آتيناه رَحْمَة من عندنَا} قَالَ: أعطيناه الْهدى والنبوة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْخضر لِأَنَّهُ إِذا قَامَ فِي مَكَان نبت العشب تَحت رجلَيْهِ حَتَّى يُغطي قَدَمَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {ركبا فِي السَّفِينَة} قَالَ: إِنَّمَا كَانَت معبراً فِي مَاء الْكر فَرسَخ فِي فَرسَخ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ ليغرق أَهلهَا بِالْيَاءِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {لقد جِئْت شَيْئا إمراً} يَقُول: مُنْكرا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {شَيْئا إمراً} يَقُول: مُنْكرا
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {شَيْئا إمراً} قَالَ: عجبا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر فِي قَوْله: {شَيْئا إمراً} قَالَ: عَظِيما
وَأخرج ابْن جرير عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله: {لَا تؤاخذني بِمَا نسيت} قَالَ: لم ينس وَلكنهَا من معاريض الْكَلَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة وَمن طَرِيق حَمَّاد بن يزِيد عَن شُعَيْب بن الْحجاب قَالَا: كَانَ الْخضر عبدا لَا ترَاهُ الْأَعْين إِلَّا من أَرَادَ الله أَن يرِيه إِيَّاه فَلم يرِيه من الْقَوْم إِلَّا مُوسَى وَلَو رَآهُ الْقَوْم لحالوا بَينه وَبَين خرق السَّفِينَة وَبَين قتل الْغُلَام
قَالَ حَمَّاد: وَكَانُوا يرَوْنَ أَن موت الْفجأَة من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز فِي قَوْله: {لقيا غُلَاما} قَالَ: كَانَ غُلَاما ابْن عشْرين سنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أُبي بن كَعْب قَالَ: لما قتل الْخضر الْغُلَام ذعر مُوسَى ذعرة مُنكرَة(5/425)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {نفسا زكية} قَالَ: تائبة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ [قتلت نفسا زكية] قَالَ سعيد: زكية مسلمة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {نفسا زكية} قَالَ: لم تبلغ الْخَطَايَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة أَنه كَانَ يقْرَأ {زكية} يَقُول: تائبة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله: {نفسا زكية} قَالَ: تائبة
يَعْنِي صَبيا لم يبلغ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {لقد جِئْت شَيْئا نكراً} قَالَ: النكر أنكر من الْعجب
وَأخرج أَحْمد عَن عَطاء قَالَ: كتب نجدة الحروري إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله عَن قتل الصّبيان فَكتب إِلَيْهِ: إِن كنت الْخضر تعرف الْكَافِر من الْمُؤمن فاقتلهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن يزِيد بن جرير قَالَ: كتب نجدة إِلَى ابْن عَبَّاس يسْأَله عَن قتل الْولدَان وَيَقُول فِي كِتَابه: إِن الْعَالم صَاحب مُوسَى قد قتل الْوَلِيد
قَالَ يزِيد: أَنا كتبت كتاب ابْن عَبَّاس بيَدي إِلَى نجدة أَنَّك كتبت تسْأَل عَن قتل الْولدَان وَتقول فِي كتابك إِن الْعَالم صَاحب مُوسَى قد قتل الْوَلِيد وَلَو كنت تعلم من الْولدَان مَا علم ذَلِك الْعَالم من ذَلِك الْوَلِيد قتلته وَلَكِنَّك لَا تعلم
قد نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَتلهمْ فاعتزلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْولدَان فِي الْجنَّة قَالَ: حَسبك مَا اخْتصم فِيهِ مُوسَى وَالْخضر
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُبيّ بن كَعْب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر طبع يَوْم طبع كَافِرًا وَلَو أدْرك لأرهق أَبَوَيْهِ طغياناً وَكفرا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر طبع كَافِرًا
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر طبع كَافِرًا وَلَو عَاشَ لأرهق أَبَوَيْهِ طغياناً وَكفرا(5/426)
وَأخرج ابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا} مهموزتين
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَعبد الله بن أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {من لدني عذرا} مثقلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن السّديّ فِي قَوْله: {أَتَيَا أهل قَرْيَة} قَالَ: كَانَت الْقرْيَة تسمى باجروان كَانَ أَهلهَا لِئَامًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: أَتَيَا الإبلة وَهِي أبعد أَرض الله من السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق قَتَادَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله: {أَتَيَا أهل قَرْيَة} : قَالَ: هِيَ أبرة
قَالَ: وحَدثني رجل أَنَّهَا انطاكية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَيُّوب بن مُوسَى قَالَ: بَلغنِي أَن الْمَسْأَلَة للمحتاج حَسَنَة أَلا تسمع أَن مُوسَى وَصَاحبه استطعما أَهلهَا وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا} مُشَدّدَة
وَأخرج الديلمي عَن أبي بن كَعْب رَفعه فِي قَوْله: {فَأَبَوا أَن يُضَيِّفُوهُمَا} قَالَ: كَانُوا أهل قَرْيَة لِئَامًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {يُرِيد أَن ينْقض} قَالَ: يسْقط
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي بن كَعْب عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه قَرَأَ {فوجدا فِيهَا جداراً يُرِيد أَن ينْقض} فهدمه ثمَّ قعد يبنيه
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فأقامه} قَالَ: رفع الْجِدَار بِيَدِهِ فاستقام
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون قَالَ: فِي حُرُوف عبد الله لَو شِئْت لتخذت عَلَيْهِ أجرا
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ لَو شِئْت لتخذت عَلَيْهِ أجرا مُخَفّفَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: قَالَ عمر بن(5/427)
الْخطاب وَرَسُول الله يُحَدِّثهُمْ بِهَذَا الحَدِيث حَتَّى فرغ من الْقِصَّة: يرحم الله مُوسَى وَدِدْنَا أَنه لَو صَبر حَتَّى يقص علينا من حَدِيثهمَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَحْمَة الله علينا وعَلى مُوسَى - فَبَدَأَ بِنَفسِهِ - لَو كَانَ صَبر لقص علينا من خَبره وَلَكِن قَالَ: {إِن سَأَلتك عَن شَيْء بعْدهَا فَلَا تُصَاحِبنِي}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله: {فَأَرَدْت أَن أعيبها} قَالَ: أخرقها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ: وَكَانَ أمامهم ملك يَأْخُذ كل سفينة صَالِحَة غصبا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ يَأْخُذ كل سفينة صَالِحَة غصبا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت تقْرَأ فِي الْحَرْف الأول كل سفينة صَالِحَة غصبا قَالَ: وَكَانَ لَا يَأْخُذ إِلَّا خِيَار السفن
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الزَّاهِرِيَّة قَالَ: كتب عُثْمَان وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك يَأْخُذ كل سفينة صَالِحَة غصبا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شُعَيْب الجبائي قَالَ: كَانَ اسْم الْغُلَام الَّذِي قَتله الْخضر جيسور
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وَأما الْغُلَام فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: فِي حرف أبي وَأما الْغُلَام فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله: {فَخَشِينَا} قَالَ: فأشفقنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: هِيَ فِي مصحف عبد الله فخاف رَبك أَن يرهقهما طغياناً وَكفرا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله: {فَخَشِينَا أَن يرهقهما طغياناً وَكفرا} قَالَ: خشينا أَن يحملهما حبه على أَن يتابعاه على دينه(5/428)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مطر فِي الْآيَة قَالَ: لَو بَقِي كَانَ فِيهِ بوارهما واستئصالهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ مطرف بن الشخير: إِنَّا لنعلم أَنَّهُمَا قد فَرحا بِهِ يَوْم ولد وحزنا عَلَيْهِ يَوْم قتل وَلَو عَاشَ لَكَانَ فِيهِ هلاكهما
فَرضِي رجل بِمَا قسم الله لَهُ فَإِن قَضَاء الله لِلْمُؤمنِ خير من قَضَائِهِ لنَفسِهِ وَقَضَاء الله لَك فِيمَا تكره خير من قَضَائِهِ لَك فِيمَا تحب
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله: {خيرا مِنْهُ زَكَاة} قَالَ: إسلاماً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة فِي قَوْله: {خيرا مِنْهُ زَكَاة} قَالَ: دينا {وَأقرب رحما} قَالَ: مَوَدَّة
فأبدلا جَارِيَة ولدت نَبيا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق بسطَام بن جميل عَن عمر بن يُوسُف فِي الْآيَة قَالَ: أبدلهما جَارِيَة مَكَان الْغُلَام ولدت نبيين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما} قَالَ: كَانَ الْكَنْز لمن قبلنَا وَحرم علينا وَحرمت الْغَنِيمَة على مَا كَانَ قبلنَا وَأحلت لنا فَلَا تعجبن للرجل يَقُول: مَا شَأْن الْكَنْز أحل لمن قبلنَا وَحرم علينا فَإِن الله يحل من أمره مَا يَشَاء وَيحرم مَا يَشَاء وَهِي السّنَن والفرائض
تحل لأمة وَتحرم على أُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم عَن خَيْثَمَة قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام: طُوبَى لذرية مُؤمن ثمَّ طُوبَى لَهُم كَيفَ يحفظون من بعده
وتلا خَيْثَمَة {وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب قَالَ: إِن الله يصلح بِالْعَبدِ الصَّالح الْقَبِيل من النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق شيبَة عَن سُلَيْمَان بن سليم بن سَلمَة قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة إِن الله ليحفظ الْقرن إِلَى الْقرن إِلَى سَبْعَة قُرُون وَإِن الله يهْلك الْقرن إِلَى الْقرن إِلَى سَبْعَة قُرُون
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب قَالَ: إِن الرب تبَارك وَتَعَالَى قَالَ فِي بعض مَا(5/429)
يَقُول لنَبِيّ إِسْرَائِيل: إِنِّي إِذا أَطَعْت رضيت وَإِذا رضيت باركت وَلَيْسَ لبركتي ناهية وَإِذا عصيت غضِبت ولعنت ولعنتي تبلغ السَّابِع من الْوَلَد
وَأخرج أَحْمد عَن وهب قَالَ: يَقُول الله: اتَّقوا غَضَبي فَإِن غَضَبي يدْرك إِلَى ثَلَاثَة آبَاء وأحبوا رضاي فَإِن رضاي يدْرك فِي الْأمة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله: {وَمَا فعلته عَن أَمْرِي} قَالَ: كَانَ عبدا مَأْمُورا مضى لأمر الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: قَالَ مُوسَى لفتاه يُوشَع بن نون {لَا أَبْرَح حَتَّى أبلغ مجمع الْبَحْرين} فاصطادا حوتاً فاتخذاه زاداً وسارا حَتَّى انتهيا إِلَى الصَّخْرَة الَّتِي أرادها فهاجت ريح فَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْمَكَان ونسيا عَلَيْهِ الْحُوت ثمَّ ذَهَبا فسارا حَتَّى اشتهيا الطَّعَام فَقَالَ لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لَقينَا من سفرنا هَذَا نصبا} يَعْنِي جهداً فِي السّير
فَقَالَ الْفَتى لمُوسَى: {أَرَأَيْت إِذْ أوينا إِلَى الصَّخْرَة فَإِنِّي نسيت الْحُوت وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ}
قَالَ: فسمعنا عَن ابْن عَبَّاس أَنه حدث عَن رجال من عُلَمَاء أهل الْكتاب أَن مُوسَى دَعَا ربه على أَثَره وَمَعَهُ مَاء عذب فِي سقاء فصب من ذَلِك المَاء فِي الْبَحْر وانصب على أَثَره فَصَارَ حجرا أَبيض أجوف فَأخذ فِيهِ حَتَّى انْتهى إِلَى الصَّخْرَة الَّتِي أَرَادَ فصعدها وَهُوَ متشوف: هَل يرى ذَلِك الرجل حَتَّى كَاد يسيء الظَّن ثمَّ رَآهُ فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يَا خضر
قَالَ: عَلَيْك السَّلَام يَا مُوسَى
قَالَ: من حَدثَك أَنِّي أَنا مُوسَى
قَالَ: حَدثنِي الَّذِي حَدثَك أَنِّي أَنا الْخضر
قَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أصحبك {على أَن تعلمن مِمَّا علمت رشدا} وَأَنه تقدم إِلَيْهِ فنصحه فَقَالَ: {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا وَكَيف تصبر على مَا لم تحط بِهِ خَبرا} وَذَلِكَ بِأَن أحدهم لَو رأى شَيْئا لم يكن رَآهُ قطّ وَلم يكن شهده مَا كَانَ يصبر حَتَّى يسْأَل مَا هَذَا فَلَمَّا أَبى عَلَيْهِ مُوسَى إِلَّا أَن يَصْحَبهُ {قَالَ فَإِن اتبعتني فَلَا تَسْأَلنِي عَن شَيْء حَتَّى أحدث لَك مِنْهُ ذكرا} إِن عجلت عليّ فِي ثَلَاث فَذَلِك حِين أُفَارِقك
فهم قيام ينظرُونَ إِذْ مرت سفينة ذَاهِبَة إِلَى أبلة فناداهم خضر: يَا أَصْحَاب السَّفِينَة هَلُمَّ إِلَيْنَا فاحملونا فِي سفينتكم وَإِن أَصْحَاب السَّفِينَة قَالُوا لصَاحِبِهِمْ: إِنَّا نرى رجَالًا فِي مَكَان مخوف إِنَّمَا يكون هَؤُلَاءِ لصوصاً فَلَا تحملهم
فَقَالَ صَاحب السَّفِينَة: إِنِّي أرى رجَالًا على وُجُوههم النُّور لأحملنهم
فَقَالَ الْخضر: بكم(5/430)
حملت هَؤُلَاءِ كل رجل حملت فِي سفينتك فلك لكل رجل منا الضعْف
فحملهم فَسَارُوا حَتَّى إِذا شارفوا على الأَرْض - وَقد أَمر صَاحب الْقرْيَة: إِن أبصرتم كل سفينة صَالِحَة لَيْسَ فِيهَا عيب فائتوني بهَا - وَإِن الْخضر أَمر أَن يَجْعَل فِيهَا عَيْبا لكَي لَا يسخروها فخرقها فنبع فِيهَا المَاء وَإِن مُوسَى امْتَلَأَ غَضبا {قَالَ أخرقتها لتغرق أَهلهَا لقد جِئْت شَيْئا إمراً} وَإِن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام شدّ عَلَيْهِ ثِيَابه وَأَرَادَ أَن يقذف الْخضر فِي الْبَحْر فَقَالَ: أردْت هلاكهم فتعلّم أَنَّك أول هَالك: فَجعل مُوسَى كلما ازْدَادَ غَضبا اسْتَقر الْبَحْر وَكلما سكن كَانَ الْبَحْر كالدهر وَإِن يُوشَع بن نون قَالَ لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام: أَلا تذكر الْعَهْد والميثاق الَّذِي جعلت على نَفسك وَإِن الْخضر أقبل عَلَيْهِ {قَالَ ألم أقل إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} وَإِن مُوسَى أدْركهُ عِنْد ذَلِك الْحلم فَقَالَ: {لَا تؤاخذني بِمَا نسيت وَلَا ترهقني من أَمْرِي عسراً} فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى الْقرْيَة قَالَ خضر: مَا خلصوا إِلَيْكُم حَتَّى خَشوا الْغَرق وَأَن الْخضر أقبل على صَاحب السَّفِينَة فَقَالَ: إِنَّمَا أردْت الَّذِي هُوَ خير لَك فحمدوا رَأْيه فِي آخر الحَدِيث وَأَصْلَحهَا الله كَمَا كَانَت
ثمَّ إِنَّهُم خَرجُوا حَتَّى انْتَهوا إِلَى غُلَام شَاب عهد إِلَى الْخضر أَن أَقتلهُ فَقتله {قَالَ أقتلت نفسا زكية بِغَيْر نفس} إِلَى قَوْله: {قَالَ لَو شِئْت لاتخذت عَلَيْهِ أجرا} وَإِن خضرًا أقبل عَلَيْهِ فَقَالَ: قد وفيت لَك بِمَا جعلت على نَفسِي {هَذَا فِرَاق بيني وَبَيْنك} {وَأما الْغُلَام فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين} فَكَانَ لَا يغْضب أحدا إِلَّا دَعَا عَلَيْهِ وعَلى أَبَوَيْهِ فطهر الله أَبَوَيْهِ أَن يَدْعُو عَلَيْهِمَا أحد وأيد لَهما مَكَان الْغُلَام آخر خيرا مِنْهُ وأبرّ بِوَالِديهِ {وَأقرب رحما}
{وَأما الْجِدَار فَكَانَ لغلامين يتيمين فِي الْمَدِينَة وَكَانَ تَحْتَهُ كنز لَهما} فسمعنا أَن ذَلِك الْكَنْز كَانَ علما فورثا ذَلِك الْعلم
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْحسن بن عمَارَة عَن أَبِيه قَالَ: قيل لِابْنِ عَبَّاس: لم نسْمع - يَعْنِي مُوسَى - يذكر من حَدِيث فتاه وَقد كَانَ مَعَه
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فِيمَا يذكر من حَدِيث الْفَتى قَالَ: شرب الْفَتى من المَاء فخلد فَأَخذه الْعَالم فطابق بِهِ سفينة ثمَّ أرْسلهُ فِي الْبَحْر فَإِنَّهَا لتموج بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَذَلِكَ أَنه لم يكن لَهُ أَن يشرب مِنْهُ
قَالَ ابْن كثير الْحسن مَتْرُوك وَأَبوهُ غير مَعْرُوف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن يُوسُف بن أَسْبَاط قَالَ: بَلغنِي أَن الْخضر(5/431)
قَالَ لمُوسَى لما أَرَادَ أَن يُفَارِقهُ: يَا مُوسَى تعلم الْعلم لتعمل بِهِ وَلَا تعلمه لتحدث بِهِ
وَبَلغنِي أَن مُوسَى قَالَ للخضر: ادْع لي
فَقَالَ الْخضر: يسر الله عَلَيْك طَاعَته
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب قَالَ: قَالَ الْخضر لمُوسَى حِين لقِيه: يَا مُوسَى انْزعْ عَن اللجاجة وَلَا تمش فِي غير حَاجَة وَلَا تضحك من غير عجب والزم بَيْتك وابك على خطيئتك
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أبي عبد الله - أَظُنهُ الْمَلْطِي - قَالَ: أَرَادَ مُوسَى أَن يُفَارق الْخضر فَقَالَ لَهُ مُوسَى: أوصني
قَالَ: كن نفّاعاً وَلَا تكن ضِرَارًا كن بشاشاً وَلَا تكن غضباناً ارْجع عَن اللجاجة وَلَا تمش فِي غير حَاجَة وَلَا تُعَيِّرُ امْرأ بخطيئته وابك على خطيئتك يَا ابْن عمرَان
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب أَن الْخضر قَالَ لمُوسَى: يَا مُوسَى إِن النَّاس يُعَذبُونَ فِي الدُّنْيَا على قدر همومهم بهَا
وَأخرج الْعقيلِيّ عَن كَعْب قَالَ: الْخضر على مِنْبَر بَين الْبَحْر الْأَعْلَى وَالْبَحْر الْأَسْفَل وَقد أمرت دَوَاب الْبَحْر أَن تسمع لَهُ وتطيع وَتعرض عَلَيْهِ الْأَرْوَاح غدْوَة وَعَشِيَّة
وَأخرج ابْن شاهين عَن خصيف قَالَ: أَرْبَعَة من الْأَنْبِيَاء أَحيَاء: اثْنَان فِي السَّمَاء عِيسَى وَإِدْرِيس
وإثنان فِي الأَرْض الْخضر وإلياس
فَأَما الْخضر فَإِنَّهُ فِي الْبَحْر
وَأما صَاحبه فَإِنَّهُ فِي الْبر
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: بَينا أَنا أَطُوف إِذا أَنا بِرَجُل مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة وَهُوَ يَقُول: يَا من لَا يشْغلهُ سمع عَن سمع وَيَا مَنْ لَا تغلطه الْمسَائِل وَيَا من لَا يتبرم بإلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك قلت: يَا عبد الله أعد الْكَلَام
قَالَ: وسمعته قلت: نعم
قَالَ: وَالَّذِي نفس الْخضر بِيَدِهِ: - وَكَانَ هُوَ الْخضر - لَا يقولهن عبد دبر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة إِلَّا غفرت ذنُوبه وَإِن كَانَت مثل رمل عالج وَعدد الْمَطَر وورق الشّجر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: إِن الْخضر بن عاميل ركب فِي نفر من أَصْحَابه حَتَّى بلغ الْهِنْد - وَهُوَ بَحر الصين -(5/432)
فَقَالَ لأَصْحَابه: يَا أَصْحَابِي أدلوني
فدلوه فِي الْبَحْر أَيَّامًا وليالي ثمَّ صعد فَقَالُوا لَهُ: يَا خضر مَا رَأَيْت فَلَقَد أكرمك الله وَحفظ لَك نَفسك فِي لجة هَذَا الْبَحْر
فَقَالَ: استقبلني ملك من الْمَلَائِكَة فَقَالَ لي: أَيهَا الْآدَمِيّ الخطاء إِلَى أَيْن وَمن أَيْن فَقلت: إِنِّي أردْت أَن أنظر عمق هَذَا الْبَحْر
فَقَالَ لي: كَيفَ وَقد أَهْوى رجل من زمَان دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام لم يبلغ ثلث قَعْره حَتَّى السَّاعَة وَذَلِكَ مُنْذُ ثلثمِائة سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بَقِيَّة قَالَ: حَدثنِي أَبُو سعيد قَالَ: سَمِعت أَن آخر كلمة أوصى بهَا الْخضر مُوسَى حِين فَارقه: إياك أَن تعير مسيئا بإساءته فتبتلى
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُسَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه: أَلا أحدثكُم عَن الْخضر قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ ذَات يَوْم يمشي فِي سوق بني إِسْرَائِيل أبصره رجل مكَاتب فَقَالَ: تصدق عليّ بَارك الله فِيك
فَقَالَ الْخضر: آمَنت بِاللَّه مَا شَاءَ الله من أَمر يكون مَا عِنْدِي شَيْء أعطيكه
فَقَالَ الْمِسْكِين: أَسأَلك بِوَجْه الله لما تَصَدَّقت عَليّ فَإِنِّي نظرت السماحة فِي وَجهك وَوجدت الْبركَة عنْدك
فَقَالَ الْخضر: آمَنت بِاللَّه مَا عِنْدِي شَيْء أعطيكه إِلَّا أَن تأخذني فتبيعني
فَقَالَ الْمِسْكِين: وَهل يَسْتَقِيم هَذَا قَالَ: نعم
الْحق أَقُول لقد سَأَلتنِي بِأَمْر عَظِيم: أما أَنِّي لَا أخيبك بِوَجْه رَبِّي تَعَالَى
فقدّمه إِلَى السُّوق فَبَاعَهُ بأربعمائة دِرْهَم فَمَكثَ عِنْد المُشْتَرِي زَمَانا لَا يَسْتَعْمِلهُ فِي شَيْء
فَقَالَ لَهُ: إِنَّك إِنَّمَا ابتعتني التمَاس خير عِنْدِي فأوصني أعمل بِعَمَل
قَالَ: أكره أَن أشق عَلَيْك إِنَّك شيخ كَبِير ضَعِيف
قَالَ: لَيْسَ يشق عليّ قَالَ: فَقُمْ فانقل هَذِه الْحِجَارَة
وَكَانَ لَا ينقلها دون سِتَّة نفر فِي يَوْم فَخرج الرجل لبَعض حَاجته ثمَّ انْصَرف وَقد نقل الْحِجَارَة فِي سَاعَة فَقَالَ: أَحْسَنت وأجملت وأطقت مَا لم أرك تُطِيقهُ ثمَّ عرض للرجل سفرة فَقَالَ: إِنِّي احتسبتك أَمينا فَاخْلُفْنِي فِي أَهلِي خلَافَة حَسَنَة
قَالَ: فأوصني بِعَمَل
قَالَ: إِنِّي أكره أَن أشق عَلَيْك
قَالَ: لَيْسَ يشق عليّ قَالَ: فَاضْرب من اللَّبن لنبني حَتَّى أقدم عَلَيْك فَمر الرجل لسفره فَرجع وَقد شيد بِنَاؤُه فَقَالَ: أَسأَلك بِوَجْه الله مَا سَبِيلك وَمَا أَمرك فَقَالَ: سَأَلتنِي بِوَجْه الله وَوجه الله أوقعني فِي الْعُبُودِيَّة أَنا الْخضر الَّذِي سَمِعت بِهِ
سَأَلَني مِسْكين صَدَقَة وَلم يكن عِنْدِي شَيْء أعْطِيه فَسَأَلَنِي بِوَجْه الله فأمكنته من نَفسِي فباعني
فأخبرك(5/433)
أَنه من سُئِلَ بِوَجْه الله فَرد سائله وَهُوَ يقدر وقف يَوْم الْقِيَامَة جلدَة وَلَا لحم لَهُ وَلَا عظم ليتقصع
فَقَالَ الرجل: آمَنت بِاللَّه
شققت عَلَيْك يَا نَبِي الله وَلم أعلم
فَقَالَ: لَا بَأْس أَحْسَنت وأتقنت
فَقَالَ الرجل: بِأبي أَنْت وَأمي يَا نَبِي الله احكم فِي أَهلِي وَمَالِي بِمَا أَرَاك الله أَو أخيّرك فأخلي سَبِيلك
فَقَالَ: أحب أَن تخلي سبيلي أعبد رَبِّي
فخلّى سَبيله فَقَالَ الْخضر: الْحَمد لله الَّذِي أوقعني فِي الْعُبُودِيَّة ثمَّ نجاني مِنْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحجَّاج بن فرافصة أَن رجلَيْنِ كَانَا يتبايعان عِنْد عبد الله بن عمر فَكَانَ أَحدهمَا يكثر الْحلف فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِك إِذْ مرّ عَلَيْهِمَا رجل فَقَامَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ للَّذي يكثر الْحلف: مَه يَا عبد الله اتَّقِ الله وَلَا تكْثر الْحلف فَإِنَّهُ لَا يزِيد فِي رزقك وَلَا ينقص من رزقك إِن لم تحلف
قَالَ: امْضِ لما يَعْنِيك
قَالَ: ذَا مِمَّا يعنيني - قَالَهَا ثَلَاث مَرَّات وردّ عَلَيْهِ قَوْله - فَلَمَّا أَرَادَ أَن ينْصَرف قَالَ: اعْلَم أَن من آيَة الْإِيمَان أَن تُؤثر الصدْق حَيْثُ يَضرك على الْكَذِب حَيْثُ ينفعك وَلَا يكن فِي قَوْلك فضل على فضلك
ثمَّ انْصَرف فَقَالَ عبد الله بن عمر: الْحَقْهُ فاستكتبه هَذِه الْكَلِمَات
فَقَالَ: يَا عبد الله اكتبني هَذِه الْكَلِمَات يَرْحَمك الله
فَقَالَ الرجل: مَا يقدر الله من أَمر يكن فأعادهن عَلَيْهِ حَتَّى حفظهن ثمَّ شهده حَتَّى وضع إِحْدَى رجلَيْهِ فِي الْمَسْجِد فَمَا أَدْرِي أَرض لفظته أَو سَمَاء اقتلعته قَالَ: كَأَنَّهُمْ يرونه الْخضر أَو إلْيَاس عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده بسندٍ واهٍ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْخضر فِي الْبَحْر وَالْيَسع فِي الْبر يَجْتَمِعَانِ كل لَيْلَة عِنْد الرَّدْم الَّذِي بناه ذُو القرنين بَين النَّاس وَبَين يَأْجُوج وَمَأْجُوج ويحجان ويعتمران كل عَام ويشربان من زَمْزَم شربة تكفيهما إِلَى قَابل
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن أبي رواد قَالَ: إلْيَاس وَالْخضر يصومان شهر رَمَضَان فِي بَيت الْمُقَدّس ويحجان فِي كل سنة ويشربان من زَمْزَم شربة تكفيهما إِلَى مثلهَا من قَابل
وَأخرج الْعقيلِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يلتقي الْخضر وإلياس كل عَام فِي الْمَوْسِم فيحلق كل وَاحِد مِنْهُمَا رَأس صَاحبه ويتفرقان عَن هؤلاك الْكَلِمَات: بِسم الله مَا شَاءَ الله لَا يَسُوق الْخَيْر إِلَّا الله(5/434)
مَا شَاءَ الله لَا يصرف السوء إِلَّا الله مَا شَاءَ الله مَا كَانَ من نعْمَة فَمن الله مَا شَاءَ الله لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
قَالَ ابْن عَبَّاس: من قالهن حِين يصبح وَحين يُمْسِي ثَلَاث مَرَّات أَمنه الله من الْغَرق والحرق والسرق وَمن الشَّيَاطِين وَالسُّلْطَان والحية وَالْعَقْرَب
الْآيَة 83(5/435)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: قَالَت الْيَهُود للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا مُحَمَّد إِنَّمَا تذكر إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى والنبيين أَنَّك سَمِعت ذكرهم منّا فَأخْبرنَا عَن نَبِي لم يذكرهُ الله فِي التَّوْرَاة إِلَّا فِي مَكَان وَاحِد
قَالَ: وَمن هُوَ قَالُوا: ذُو القرنين
قَالَ: مَا بَلغنِي عَنهُ شَيْء
فَخَرجُوا فرحين وَقد غلبوا فِي أنفسهم فَلم يبلغُوا بَاب الْبَيْت حَتَّى نزل جِبْرِيل بهؤلاء الْآيَات {ويسألونك عَن ذِي القرنين قل سأتلو عَلَيْكُم مِنْهُ ذكرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى غفرة قَالَ: دخل بعض أهل الْكتاب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم كَيفَ تَقول فِي رجل كَانَ يسيح فِي الأَرْض قَالَ: لَا علم لي بِهِ
فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ سمعُوا نقيضاً فب السّقف وَوجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غمَّة الْوَحْي ثمَّ سري عَنهُ فَتلا {ويسألونك عَن ذِي القرنين} الْآيَة
فَلَمَّا ذكر السد قَالُوا: أَتَاك خَبره يَا أَبَا الْقَاسِم حَسبك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أَدْرِي أتبع كَانَ لعيناً أم لَا وَمَا أَدْرِي أذو القرنين كَانَ نَبيا أم لَا وَمَا أَدْرِي الْحُدُود كَفَّارَات لأَهْلهَا أم لَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: سُئِلَ عَليّ عَن ذِي القرنين: أَنَبِي هُوَ فَقَالَ: سَمِعت نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: هُوَ عبد نَاصح الله فنصحه
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الطُّفَيْل أَن ابْن الْكواء سَأَلَ عليّ بن أبي طَالب عَن ذِي القرنين: أَنَبِيًّا كَانَ أم ملكا قَالَ: لم يكن نَبيا وَلَا ملكا وَلَكِن(5/435)
كَانَ عبدا صَالحا أحب الله فَأَحبهُ ونصح لله فنصحه
بَعثه الله إِلَى قومه فضربوه على قرنه فَمَاتَ ثمَّ أَحْيَاهُ الله لجهادهم
ثمَّ بَعثه إِلَى قومه فضربوه على قرنه الآخر فَمَاتَ فأحياه الله لجهادهم
فَلذَلِك سمي ذَا القرنين وَإِن فِيكُم مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ذُو القرنين نَبِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَحْوَص بن حَكِيم عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: هُوَ ملك مسح الأَرْض بِالْإِحْسَانِ
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن خَالِد بن معدان الكلَاعِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: ملك مسح الأَرْض من تحتهَا بالأسباب
وَأخرج ابْن عبد الحكم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر أَنه سمع رجلا يُنَادي بمنى: يَا ذَا القرنين فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: هَا أَنْتُم قد سميتم بأسماء الْأَنْبِيَاء فَمَا بالكم وَأَسْمَاء الْمَلَائِكَة وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جُبَير بن نفير أَن ذَا القرنين ملك من الْمَلَائِكَة أهبطه الله إِلَى الأَرْض وآتاه من كل شَيْء سَببا
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب عَن جُبَير بن نفير أَن أحباراً من الْيَهُود قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَدثنَا عَن ذِي القرنين إِن كنت نَبيا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ ملك مسح الأَرْض بالأسباب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ نَذِير وَاحِد بلغ مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب ذُو القرنين بلغ السدين وَكَانَ نذيراً وَلم أسمع بِحَق أَنه كَانَ نَبيا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي الورقاء قَالَ: قلت لعَلي بن أبي طَالب: ذُو القرنين مَا كَانَ قرناه قَالَ: لَعَلَّك تحسب أَن قرنيه ذهب أَو فضَّة كَانَ نَبيا فَبَعثه الله إِلَى أنَاس فَدَعَاهُمْ إِلَى الله تَعَالَى فَقَامَ رجل فَضرب قرنه الْأَيْسَر فَمَاتَ ثمَّ بَعثه الله فأحياه ثمَّ بَعثه إِلَى نَاس فَقَامَ رجل فَضرب قرنه الْأَيْمن فَمَاتَ فَسَماهُ الله ذَا القرنين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم بن عَليّ بن عبد الله بن جَعْفَر قَالَ: إِنَّمَا سمي ذُو القرنين ذَا القرنين لشجتين شجهما على قرنيه فِي الله وَكَانَ أسود
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه أَن ذَا القرنين أول من لبس الْعِمَامَة(5/436)
وَذَاكَ أَنه كَانَ فِي رَأسه قرنان كالظلفين متحركان فَلبس الْعِمَامَة من أجل ذَلِك وَأَنه دخل الْحمام وَدخل كَاتبه مَعَه فَوضع ذُو القرنين الْعِمَامَة فَقَالَ لكَاتبه: هَذَا أَمر لم يطلع عَلَيْهِ خلق غَيْرك فَإِن سَمِعت بِهِ من أحد قتلتك
فَخرج الْكَاتِب من الْحمام فَأَخذه كَهَيئَةِ الْمَوْت فَأتى الصَّحرَاء فَوضع فَمه بِالْأَرْضِ ثمَّ نَادَى: أَلا إِن للْملك قرنين
فأنبت الله من كَلمته قصبتين فَمر بهما رَاع فأعجب بهما فقطعهما واتخذهما مِزْمَارًا فَكَانَ إِذا زمر خرج من القصبتين: أَلا إِن للْملك قرنين
فانتشر ذَلِك فِي الْمَدِينَة فَأرْسل ذُو القرنين إِلَى الْكَاتِب فَقَالَ: لتصدقني أَو لأقْتُلَنّكَ
فَقص عَلَيْهِ الْكَاتِب الْقِصَّة فَقَالَ ذُو القرنين: هَذَا أَمر أرد الله أَن يبديه
فَوضع الْعِمَامَة عَن رَأسه
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ: كنت أخدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَخرجت ذَات يَوْم فَإِذا أَنا بِرِجَال من أهل الْكتاب بِالْبَابِ مَعَهم مصاحف فَقَالُوا: من يسْتَأْذن لنا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ: مَا لي وَلَهُم سَأَلُونِي عَمَّا لَا أَدْرِي إِنَّمَا أَنا عبد لَا أعلم إِلَّا مَا أعلمني رَبِّي عز وَجل
ثمَّ قَالَ: ابغني وضُوءًا فَأَتَيْته بِوضُوء فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف فَقَالَ - وَأَنا أرى السرُور والبشر فِي وَجهه - أَدخل الْقَوْم عليَّ وَمن كَانَ من أَصْحَابِي فَأدْخلهُ أَيْضا عليّ فَأَذنت لَهُم فَدَخَلُوا فَقَالَ: إِن شِئْتُم أَخْبَرتكُم بِمَا جئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَنهُ من قبل أَن تكلمُوا وَإِن شِئْتُم فتكلموا قبل أَن أَقُول
قَالُوا: بل فَأخْبرنَا
قَالَ: جئْتُمْ تَسْأَلُونِي عَن ذِي القرنين إِن أول أمره أَنه كَانَ غُلَاما من الرّوم أعطي ملكا فَسَار حَتَّى أَتَى سَاحل أَرض مصر فابتنى مَدِينَة يُقَال لَهَا اسكندرية فَلَمَّا فرغ من شَأْنهَا بعث الله عز وَجل إِلَيْهِ ملكا فعرج بِهِ فاستعلى بَين السَّمَاء ثمَّ قَالَ لَهُ: انْظُر مَا تَحْتك
فَقَالَ: أرى مدينتي وَأرى مَدَائِن مَعهَا ثمَّ عرج بِهِ فَقَالَ: انْظُر
فَقَالَ: قد اخْتلطت مَعَ الْمَدَائِن فَلَا أعرفهَا ثمَّ زَاد فَقَالَ انْظُر: قَالَ: أرى مدينتي وَحدهَا وَلَا أرى غَيرهَا
قَالَ لَهُ الْملك: إِنَّهَا تِلْكَ الأَرْض كلهَا وَالَّذِي ترى يُحِيط بهَا هُوَ الْبَحْر وَإِنَّمَا أَرَادَ ربّك أَن يُرِيك الأَرْض وَقد جعل لَك سُلْطَانا فِيهَا فسر فِيهَا فَعلم الْجَاهِل وَثَبت الْعَالم فَسَار حَتَّى بلغ مغرب الشَّمْس ثمَّ سَار حَتَّى بلغ مطلع الشَّمْس ثمَّ أَتَى السدين وهما جبلان لينان يزلق عَنْهُمَا كل شَيْء فَبنى السد ثمَّ اجتاز يَأْجُوج وَمَأْجُوج فَوجدَ قوما وُجُوههم وُجُوه الْكلاب يُقَاتلُون يَأْجُوج(5/437)
وَمَأْجُوج ثمَّ قطعهم فَوجدَ أمة قصاراً يُقَاتلُون الْقَوْم الَّذين وُجُوههم وُجُوه الْكلاب وَوجد أمة من الغرانيق يُقَاتلُون الْقَوْم الْقصار ثمَّ مضى فَوجدَ أمة من الْحَيَّات تلتقم الْحَيَّة مِنْهَا الصَّخْرَة الْعَظِيمَة ثمَّ مضى إِلَى الْبَحْر الدائر بِالْأَرْضِ فَقَالُوا: نشْهد أَن أمره هَكَذَا كَمَا ذكرت وَإِنَّا نجده هَكَذَا فِي كتَابنَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُلَيْمَان بن الْأَشَج صَاحب كَعْب الْأَحْبَار أَن ذَا القرنين كَانَ رجلا طَوافا صَالحا فَلَمَّا وقف على جبل آدم الَّذِي هَبَط عَلَيْهِ وَنظر إِلَى أَثَره هاله فَقَالَ لَهُ الْخضر: - وَكَانَ صَاحب لوائه الْأَكْبَر - مَالك أَيهَا الْملك قَالَ: هَذَا أثر الْآدَمِيّين
أرى مَوضِع الْكَفَّيْنِ والقدمين وَهَذِه القرحة وَأرى هَذِه الْأَشْجَار حوله قَائِمَة يابسة يسيل مِنْهَا مَاء أَحْمَر إِن لَهَا لشأناً
فَقَالَ لَهُ الْخضر: - وَكَانَ قد أعطي الْعلم والفهم - أَيهَا الْملك أَلا ترى الورقة الْمُعَلقَة من النَّخْلَة الْكَبِيرَة قَالَ: بلَى
قَالَ: فَهِيَ تخبرك بشأن هَذَا الْموضع
- وَكَانَ الْخضر يقْرَأ كل كتاب - فَقَالَ: أَيهَا الْملك أرى كتابا فِيهِ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا كتاب من آدم أبي الْبشر أوصيكم ذريتي وبناتي أَن تحذروا عدوي وَعَدُوكُمْ إِبْلِيس الَّذِي كَانَ يلين كَلَامه وفجور أمْنِيته أنزلني من الفردوس إِلَى تربة الدُّنْيَا وألقيت على موضعي هَذَا لَا يلْتَفت إليّ مِائَتي سنة بخطيئة وَاحِدَة حَتَّى درست فِي الأَرْض وَهَذَا أثري وَهَذِه الْأَشْجَار من دموع عَيْني فعلي فِي هَذِه التربة أنزلت التَّوْبَة فتوبوا من قبل أَن تندموا وباردوا من قبل أَن يُبَادر بكم وَقدمُوا من قبل أَن يقدم بكم
فَنزل ذُو القرنين فَمسح مَوضِع جُلُوس آدم فَإِذا هُوَ ثَمَانُون وَمِائَة ميل ثمَّ أحصى الْأَشْجَار فَإِذا هِيَ تِسْعمائَة شَجَرَة كلهَا من دموع آدم نَبتَت فَلَمَّا قتل قابيل هابيل تحولت يابسة وَهِي تبْكي دَمًا أَحْمَر فَقَالَ ذُو القرنين للخضر: ارْجع بِنَا فَلَا طلبت الدُّنْيَا بعْدهَا
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن السّديّ قَالَ: كَانَ أنف الْإِسْكَنْدَر ثَلَاثَة أَذْرع
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن الْحسن قَالَ: كَانَ أنف الْإِسْكَنْدَر ثَلَاثَة أَذْرع
وَأخرج ابْن عبد الحكم وَابْن أبي حَاتِم والشيرازي فِي الألقاب عَن عبيد بن يعلى قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قرنان صغيران تواريهما الْعِمَامَة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن(5/438)
وهب بن مُنَبّه أَنه سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: لم يُوح إِلَيْهِ وَكَانَ ملكا
قيل: فَلم سمي ذَا القرنين فَقَالَ: اخْتلف فِيهِ أهل الْكتاب فَقَالَ بَعضهم: ملك الرّوم وَفَارِس وَقَالَ بَعضهم: إِنَّه كَانَ فِي رَأسه شبه القرنين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بكر بن مُضر أَن هِشَام بن عبد الْملك سَأَلَهُ عَن ذِي القرنين: أَكَانَ نَبيا فَقَالَ: لَا وَلكنه إِنَّمَا أعطي مَا أعطي بِأَرْبَع خِصَال كَانَ فِيهِ: كَانَ إِذا قدر عَفا وَإِذا وعد وفى وَإِذا حدث صدق وَلَا يجمع الْيَوْم لغد
وَأخرج ابْن عبد الحكم عَن يُونُس بن عبيد قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ غديرتان من رَأسه من شعر يطَأ فيهمَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ قرن مَا بَين مطلع الشَّمْس وَمَغْرِبهَا
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن ابْن شهَاب قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ بلغ قرن الشَّمْس من مغْرِبهَا وَقرن الشَّمْس من مطْلعهَا
وَأخرج عَن قَتَادَة قَالَ: الْإِسْكَنْدَر هُوَ ذُو القرنين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق ابْن إِسْحَق عَمَّن يَسُوق أَحَادِيث الْأَعَاجِم من أهل الْكتاب مِمَّن قد أسلم فِيمَا توارثوا من علمه أَن ذَا القرنين كَانَ رجلا صَالحا من أهل مصر اسْمه مرزيا بن مرزية اليوناني من ولد يونن بن يافث بن نوح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبيد بن عُمَيْر أَن ذَا القرنين حج مَاشِيا فَسمع بِهِ إِبْرَاهِيم فَتَلقاهُ
وَأخرج الشِّيرَازِيّ فِي الألقاب عَن قَتَادَة قَالَ: إِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ عقيصتان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة أَن ذَا القرنين كَانَ من سوّاس الرّوم يسوس أَمرهم فخيّر بَين ذلال السَّحَاب وصعابها فَاخْتَارَ ذلالها فَكَانَ يركب عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والشيرازي فِي الألقاب وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه الْيَمَانِيّ - وَكَانَ لَهُ علم الْأَحَادِيث الأولى - أَنه كَانَ يَقُول: كَانَ ذُو القرنين رجلا من الرّوم ابْن عَجُوز من عجائزهم لَيْسَ لَهَا ولد غَيره وَكَانَ اسْمه الْإِسْكَنْدَر وَإِنَّمَا سمي ذَا القرنين لِأَن صفحتي رَأسه كَانَتَا من نُحَاس فَلَمَّا(5/439)
بلغ وَكَانَ عبدا صَالحا قَالَ الله لَهُ: يَا ذَا القرنين إِنِّي باعثك إِلَى أُمَم الأَرْض مِنْهُم أمتان بَينهمَا طول الأَرْض كلهَا وَمِنْهُم أمتان بَينهمَا عرض الأَرْض كلهَا فِي وسط الأَرْض مِنْهُم الْإِنْس وَالْجِنّ ويأجوج وَمَأْجُوج فَأَما اللَّتَان بَينهمَا طول الأَرْض فأمة عِنْد مغرب الشَّمْس يُقَال لَهَا ناسك وَأما الْأُخْرَى
فَعِنْدَ مطْلعهَا يُقَال لَهَا منسك وَأما اللَّتَان بَينهمَا عرض الأَرْض فأمة فِي قطر الأَرْض الْأَيْمن يُقَال لَهَا هاويل وَأما الْأُخْرَى الَّتِي فِي قطر الأَرْض الْأَيْسَر فأمة يُقَال لَهَا تَأْوِيل
فَلَمَّا قَالَ الله لَهُ ذَلِك قَالَ لَهُ ذُو القرنين: يَا إلهي أَنْت قد ندبتني لأمر عَظِيم لَا يقدر قدره إِلَّا أَنْت فَأَخْبرنِي عَن هَذِه الْأُمَم الَّتِي تبعثني إِلَيْهَا بِأَيّ قُوَّة أكابرهم وَبِأَيِّ جمع أكاثرهم وَبِأَيِّ حِيلَة أكايدهم وَبِأَيِّ لِسَان أناطقهم وَكَيف لي بِأَن أحاربهم وَبِأَيِّ سمع أعي قَوْلهم وَبِأَيِّ بصر أنفذهم وَبِأَيِّ حجَّة أخاصمهم وَبِأَيِّ قلب أَعقل عَنْهُم وَبِأَيِّ حِكْمَة أدبر أَمرهم وَبِأَيِّ قسط أعدل بَينهم وَبِأَيِّ حلم أصابرهم وَبِأَيِّ معرفَة أفصل بَينهم وَبِأَيِّ علم أتقن أَمرهم وَبِأَيِّ يَد أسطو عَلَيْهِم وَبِأَيِّ رجل أطؤهم وَبِأَيِّ طَاقَة أخصمهم وَبِأَيِّ جند أقاتلهم وَبِأَيِّ رفق أستألفهم
وَإنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي يَا إلهي شَيْء مِمَّا ذكرت يقرن لَهُم وَلَا يقوى عَلَيْهِم وَلَا يطيقهم وَأَنت الرب الرَّحِيم الَّذِي لَا يُكَلف نفسا وَلَا يحملهَا إِلَّا طاقتها وَلَا يعنتها وَلَا يفدحها بل يرأفها ويرحمها
فَقَالَ لَهُ الله عز وَجل: إِنِّي سأطوقك مَا حَملتك أشرح لَك صدرك فيتسع لكل شَيْء وأشرح لَك فهمك فتفقه كل شَيْء وأبسط لَك لسَانك فَتَنْطِق بِكُل شَيْء وأفتح لَك سَمعك فتعي كل شَيْء وأمد لَك بَصرك فتنفذ كل شَيْء وَأدبر لَك أَمرك فتتقن كل شَيْء وأحصر لَك فَلَا يفوتك شَيْء وأحفظ عَلَيْك فَلَا يغرب عَنْك شَيْء وَأَشد ظهرك فَلَا يهدك شَيْء وَأَشد لَك ركبك فَلَا يَغْلِبك شَيْء وَأَشد لَك قَلْبك فَلَا يروعك شَيْء وَأَشد لَك عقلك فَلَا يهولك شَيْء وأبسط لَك يَديك فيسطوان فَوق كل شَيْء وألبسك الهيبة فَلَا يروعك شَيْء
وأسخر لَك النُّور والظلمة فأجعلهما جنداً من جنودك يهديك النُّور من أمامك وتحوطك الظلمَة من ورائك
فَلَمَّا قيل لَهُ ذَلِك انْطلق يؤم الْأمة الَّتِي عِنْد مغرب الشَّمْس فَلَمَّا بَلغهُمْ وجد جمعا وعدداً لَا يُحْصِيه إِلَّا الله تَعَالَى وَقُوَّة وبأساً لَا يطيقه إِلَّا الله وألسنة مُخْتَلفَة وأموراً مشتبهة وَأَهْوَاء مشتتة وَقُلُوبًا مُتَفَرِّقَة فَلَمَّا رأى ذَلِك كابرهم بالظلمة وَضرب(5/440)
حَولهمْ ثَلَاثَة عَسَاكِر مِنْهَا وأحاطت بهم من كل جَانب وحاشدهم حَتَّى جمعهم فِي مَكَان وَاحِد ثمَّ دخل عَلَيْهِم بِالنورِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وعبادته
فَمنهمْ من آمن وَمِنْهُم من صدّ عَنهُ فَعمد إِلَى الَّذين توَلّوا عَنهُ فَأدْخل عَلَيْهِم الظلمَة فَدخلت فِي أَفْوَاههم وأنوفهم وآذانهم وأجوافهم وَدخلت فِي بُيُوتهم ودورهم وَغَشِيَتْهُمْ من فَوْقهم وَمن تَحْتهم وَمن كل جَانب مِنْهُم فماجوا فِيهَا وتحيروا فَلَمَّا أشفقوا أَن يهْلكُوا فِيهَا عجوا إِلَيْهِ بِصَوْت وَاحِد فكشف عَنْهُم وَأَخذهم عنْوَة فَدَخَلُوا فِي دَعوته فجند من أهل الْمغرب أمماً عَظِيمَة فجعلهم جنداً وَاحِدًا ثمَّ انْطلق بهم يقودهم والظلمة تسوقهم من خَلفهم وتحرسهم من حَولهمْ والنور من أَمَامه يَقُودهُ ويدله وَهُوَ يسير فِي نَاحيَة الأَرْض الْيُمْنَى وَهُوَ يُرِيد الْأمة الَّتِي فِي قطر الأَرْض الْأَيْمن الَّتِي يُقَال لَهَا هاويل
وسخر الله يَده وَقَلبه ورأيه وَنَظره وائتماره فَلَا يُخطئ إِذا ائتمر وَإِذا عمل عملا أتقنه فَانْطَلق يَقُود تِلْكَ الْأُمَم وَهِي تتبعه
فَإِذا انْتهى إِلَى بَحر أَو مخاضة بنى سفناً من أَلْوَاح صغَار أَمْثَال البغال فنظمها فِي سَاعَة وَاحِدَة ثمَّ حمل فِيهَا جَمِيع من مَعَه من تِلْكَ الْأُمَم وَتلك الْجنُود فَإِذا قطع الْأَنْهَار والبحار فتقها ثمَّ دفع إِلَى كل إِنْسَان لوحاً فَلَا يكربه حمله فَلم يزل ذَلِك دأبه حَتَّى انْتهى إِلَى هاويل فَعمل فيهم كعمله فِي ناسك فَلَمَّا فرغ مِنْهُم مضى على وَجهه فِي نَاحيَة الأَرْض الْيُمْنَى حَتَّى انْتهى إِلَى منسك عِنْد مطلع الشَّمْس فَعمل فِيهَا وجند مِنْهَا جُنُودا كَفِعْلِهِ فِي الأمتين اللَّتَيْنِ قبلهمَا ثمَّ كرّ مُقبلا فِي نَاحيَة الأَرْض الْيُسْرَى وَهُوَ يُرِيد تاويل - وَهِي الْأمة اللتي بحيال هاويل وهما متقابلتان بَينهمَا عرض الأَرْض كلهَا - فَلَمَّا بلغَهَا عمل فِيهَا وجند مِنْهَا كَفِعْلِهِ فِيمَا قبلهَا فَلَمَّا فرغ مِنْهَا عطف مِنْهَا إِلَى الْأُمَم الَّتِي فِي وسط الأَرْض من الْجِنّ وَسَائِر الْإِنْس ويأجوج وَمَأْجُوج
فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الطَّرِيق مِمَّا يَلِي مُنْقَطع أَرض التّرْك نَحْو الْمشرق قَالَ لَهُ أمة من الْإِنْس صَالِحَة: يَا ذَا القرنين إِن بَين هذَيْن الجبلين خلقا من خلق الله
كثيرا فيهم مشابهة من الْإِنْس وهم أشباه الْبَهَائِم وهم يَأْكُلُون العشب ويفترسون الدَّوَابّ والوحش كَمَا يفترسها السبَاع ويأكلون خشَاش الأَرْض كلهَا من الْحَيَّات والعقارب وكل ذِي روح مِمَّا خلق الله فِي الأَرْض وَلَيْسَ لله خلق يَنْمُو نماءهم فِي الْعَام الْوَاحِد وَلَا يزْدَاد كزيادتهم وَلَا يكثر ككثرتهم فَإِن كَانَت لَهُم كَثْرَة على مَا يرى من نمائهم وزيادتهم فَلَا شكّ أَنهم سيملأون الأَرْض ويجلون أَهلهَا ويظهرون عَلَيْهَا فيفسدون فِيهَا وَلَيْسَت تمر بِنَا سنة مُنْذُ جاورناهم ورأيناهم إِلَّا وَنحن(5/441)
نتوقعهم وَنَنْظُر أَن يطلع علينا أوائلهم من هذَيْن الجبلين
فَهَل نجْعَل لَك خرجا على أَن تجْعَل بَيْننَا وَبينهمْ سداً قَالَ: مَا مكني فِيهِ رَبِّي خير فَأَعِينُونِي بقوّة أجعَل بَيْنكُم وَبينهمْ ردماً اغدو إِلَى الصخور وَالْحَدِيد والنحاس حَتَّى أرتاد بِلَادهمْ وَأعلم علمهمْ وأقيس مَا بَين جبليهم
ثمَّ انْطلق يؤمهم حَتَّى دفع إِلَيْهِم وتوسط بِلَادهمْ فَإِذا هم على مِقْدَار وَاحِد
أنثاهم وَذكرهمْ مبلغ طول الْوَاحِد مِنْهُم مثل نصف الرجل المربوع منا لَهُم مخاليب فِي مَوَاضِع الْأَظْفَار من أَيْدِينَا وَلَهُم أَنْيَاب وأضراس كأضراس السبَاع وأنيابها وأحناك كأحناك الْإِبِل قُوَّة يسمع لَهُ حَرَكَة إِذا أكل كحركة الجرة من الْإِبِل أَو كقضم الْفَحْل المسن أَو الْفرس الْقوي وهم صلب عَلَيْهِم من الشّعْر فِي أَجْسَادهم مَا يواريهم وَمَا يَتَّقُونَ بِهِ من الْحر وَالْبرد إِذا أَصَابَهُم وَلكُل وَاحِد مِنْهُم أذنان عظيمتان إِحْدَاهمَا وبرة ظهرهَا وبطنها وَالْأُخْرَى زغبة ظهرهَا وبطنها
تسعانه إِذا لبسهما يلبس إِحْدَاهمَا ويفترش الْأُخْرَى ويصيف فِي إِحْدَاهمَا ويشتو فِي الْأُخْرَى وَلَيْسَ مِنْهُم ذكر وَلَا أُنْثَى إِلَّا وَقد عرف أَجله الَّذِي يَمُوت فِيهِ ومنقطع عمره وَذَلِكَ أَنه لَا يَمُوت ميت من ذكورهم حَتَّى يخرج من صلبه ألف ولد وَلَا تَمُوت الْأُنْثَى حَتَّى يخرج من رَحمهَا ألف ولد فَإِذا كَانَ ذَلِك أَيقَن بِالْمَوْتِ وتهيأ لَهُ
وهم يرْزقُونَ التنين فِي زمَان الرّبيع ويستمطرونه إِذا تحينوه كَمَا يستمطر الْغَيْث لحينه فيقذفون مِنْهُ كل سنة بِوَاحِد فيأكلونه عَامهمْ كُله إِلَى مثلهَا من قَابل فيعينهم على كثرتهم وَمَا هم فِيهِ فَإِذا أمطروا أخصبوا وعاشوا وسهئوا ورؤي أَثَره عَلَيْهِم فَدرت عَلَيْهِم الْإِنَاث وشبقت مِنْهُم الذُّكُور وَإِذا أخطأهم هزلوا وأحدثوا وجفلت مِنْهُم الذُّكُور وأحالت الْإِنَاث وَتبين أثر ذَلِك عَلَيْهِم وهم يتداعون تداعي الْحمام ويعوون عوي الذئاب ويتسافدون حَيْثُمَا الْتَقَوْا تسافد الْبَهَائِم
ثمَّ لما عاين ذَلِك مِنْهُم ذُو القرنين انْصَرف إِلَى مَا بَين الصدفين فقاس مَا بَينهمَا - وَهِي فِي مُنْقَطع أَرض التّرْك مِمَّا يَلِي الشَّمْس - فَوجدَ بعد مَا بَينهمَا مائَة فَرسَخ فَلَمَّا أنشأ فِي عمله حفر لَهُ أساساً حَتَّى بلغ المَاء ثمَّ جعل عرضه خمسين فرسخاً وَجعل حشوه الصخور وطينه النّحاس يذاب ثمَّ يصب عَلَيْهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ عرق من جبل تَحت الأَرْض ثمَّ علا وشرفه بزبر الْحَدِيد والنحاس الْمُذَاب وَجعل خلاله عرقاً من نُحَاس أصفر فَصَارَ كَأَنَّهُ محبر من صفرَة النّحاس وحمرته وَسَوَاد(5/442)
الْحَدِيد فَلَمَّا فرغ مِنْهُ وَأحكم انْطلق عَامِدًا إِلَى جمَاعَة الْإِنْس وَالْجِنّ فَبَيْنَمَا هُوَ يسير إِذْ رفع إِلَى أمة صَالِحَة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ فَوجدَ أمة مقسطة يقتسمون بِالسَّوِيَّةِ ويحكمون بِالْعَدْلِ ويتأسون ويتراحمون
حَالهم وَاحِدَة وكلمتهم وَاحِدَة وأخلاقهم مشتبهة وطريقتهم مُسْتَقِيمَة وَقُلُوبهمْ مؤتلفة وسيرتهم مستوية وقبورهم بِأَبْوَاب بُيُوتهم وَلَيْسَ على بُيُوتهم أَبْوَاب وَلَيْسَ عَلَيْهِم أُمَرَاء وَلَيْسَ بَينهم قُضَاة وَلَيْسَ فيهم أَغْنِيَاء وَلَا مُلُوك وَلَا أَشْرَاف وَلَا يتفاوتون وَلَا يتفاضلون وَلَا يتنازعون وَلَا يستّبون وَلَا يقتتلون وَلَا يقحطون وَلَا يحردون وَلَا تصيبهم الْآفَات الَّتِي تصيب النَّاس وهم أطول النَّاس أعماراً وَلَيْسَ فيهم مِسْكين وَلَا فَقير وَلَا فظ وَلَا غليظ
فَلَمَّا رأى ذَلِك ذُو القرنين من أَمرهم أعجب مِنْهُم وَقَالَ لَهُم: أخبروني أَيهَا الْقَوْم خبركم فَإِنِّي قد أحصيت الأَرْض كلهَا
برهَا وبحرها وشرقها وغربها ونورها وظلمتها
فَلم أجد فِيهَا أحدا مثلكُمْ
فَأَخْبرُونِي خبركم
قَالُوا: نعم سلنا عَمَّا تُرِيدُ
قَالَ: أخبروني مَا بَال قبوركم على أَبْوَاب بُيُوتكُمْ قَالَ: عمدا فعلنَا ذَلِك لِئَلَّا ننسى الْمَوْت وَلَا يخرج ذكره من قُلُوبنَا
قَالَ: فَمَا بَال بُيُوتكُمْ لَيْسَ عَلَيْهَا أَبْوَاب قَالُوا: لَيْسَ فِينَا متّهم وَلَيْسَ فِينَا إِلَّا أَمِين مؤتمن
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ عَلَيْكُم أُمَرَاء قَالُوا: لَيْسَ فِينَا مظالم
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ بَيْنكُم حكام قَالُوا: لَا نَخْتَصِم
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ فِيكُم أَغْنِيَاء قَالَ: لَا نتكاثر
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ فِيكُم أَشْرَاف قَالُوا: لَا نتنافس
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تتفاوتون وَلَا تتفاضلون قَالُوا: من قبل أَنا متواصلون متراحمون
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تتنازعون وَلَا تختلفون قَالُوا: من قبل ألفة قُلُوبنَا وَصَلَاح ذَات بَيْننَا
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تقتتلون وَلَا تستّبون قَالُوا: من قبل أَنا غلبنا طبائعنا بالعزم وسُسْنا أَنْفُسنَا بالحلم
قَالَ: فَمَا بَال كلمتكم وَاحِدَة وطريقتكم مُسْتَقِيمَة قَالُوا: من قبل أَنا لَا نتكاذب وَلَا نتخادع فَلَا يغتاب بَعْضنَا بَعْضًا
قَالَ: فَأَخْبرُونِي من أيي [] تشابهت قُلُوبكُمْ واعتدلت سيرتكم قَالُوا: صحت صدورنا فَنزع الله بذلك الغل والحسد من قُلُوبنَا
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ فِيكُم مِسْكين وَلَا فَقير قَالُوا: من قبل أَنا نقسم بِالسَّوِيَّةِ
قَالَ: فَمَا بالكم لَيْسَ فِيكُم فظ وَلَا غليظ قَالُوا: من قبل الذل والتواضع
قَالَ: فَمَا بالكم جُعِلْتُم أطول النَّاس أعماراً قَالُوا: من قبل أَنا نتعاطى الْحق ونحكم بِالْعَدْلِ
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تقحطون قَالُوا: لَا نغفل عَن الاسْتِغْفَار(5/443)
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تحردون قَالُوا: من قبل أَنا وطّنا أَنْفُسنَا للبلاء مُنْذُ كُنَّا وأحببناه وحرصنا عَلَيْهِ فعرينا مِنْهُ
قَالَ: فَمَا بالكم لَا تصيبكم الْآفَات كَمَا تصيب النَّاس قَالُوا: لَا نتوكل على غير الله وَلَا نعمل بأنواء النُّجُوم
قَالَ: حَدثُونِي
أهكذا وجدْتُم آبائكم يَفْعَلُونَ قَالُوا: نعم وجدنَا آبَائِنَا يرحمون مساكينهم ويواسون فقراءهم ويعفون عَمَّن ظلمهم ويحسنون إِلَى من أَسَاءَ إِلَيْهِم ويحلمون على من جهل عَلَيْهِم وَيَسْتَغْفِرُونَ لم سبهم وَيصلونَ أرحامهم ويردون أماناتهم ويحفظون وقتهم لصلاتهم ويوفون بعهودهم ويصدقون فِي مواعيدهم وَلَا يرغبون عَن أكفائهم وَلَا يستنكفون عَن أقاربهم فَأصْلح الله بذلك أَمرهم وحفظهم بِهِ مَا كَانُوا أَحيَاء وَكَانَ حَقًا عَلَيْهِ أَن يخلفهم فِي تَركتهم
فَقَالَ لَهُم ذُو القرنين: لَو كنتُ مُقيما لأقمت فِيكُم وَلَكِنِّي لم أُؤمر بِالْإِقَامَةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: كَانَ لذِي القرنين صديق من الْمَلَائِكَة يُقَال لَهُ زرافيل وَكَانَ لَا يزَال يتعاهده بِالسَّلَامِ فَقَالَ لَهُ ذُو القرنين: يَا زرافيل هَل تعلم شَيْئا يزِيد فِي طول الْعُمر لنزداد شكرا وَعبادَة قَالَ: مَا لي بذلك علم وَلَكِن سأسأل لَك عَن ذَلِك فِي السَّمَاء
فعرج زرافيل إِلَى السَّمَاء فَلبث مَا شَاءَ الله أَن يلبث ثمَّ هَبَط فَقَالَ: إِنِّي سَأَلت عَمَّا سَأَلتنِي عَنهُ فَأخْبرت أَن لله عينا فِي ظلمَة هِيَ أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الشهد من شرب مِنْهَا شربة لم يمت حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل الله الْمَوْت
قَالَ: فَجمع ذُو القرنين عُلَمَاء الأَرْض إِلَيْهِ فَقَالَ: هَل تعلمُونَ أَن لله عينا فِي ظلمَة فَقَالُوا: مَا نعلم ذَلِك
فَقَامَ إِلَيْهِ رجل شَاب فَقَالَ: وَمَا حَاجَتك إِلَيْهَا أَيهَا الْملك قَالَ: لي بهَا حَاجَة
قَالَ: فَإِنِّي أعلم مَكَانهَا
قَالَ: وَمن أَيْن علمت مَكَانهَا قَالَ: قَرَأت وَصِيَّة آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَوجدت فِيهَا: إِن لله عينا خلف مطلع الشَّمْس فِي ظلمَة مَاؤُهَا أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الشهد من شرب مِنْهَا شربة لم يمت حَتَّى يكون هُوَ الَّذِي يسْأَل الله الْمَوْت
فَسَار ذُو القرنين من مَوْضِعه الَّذِي كَانَ فِيهِ اثْنَتَيْ عشرَة سنة حَتَّى انْتهى إِلَى مطلع الشَّمْس عَسْكَر وَجمع الْعلمَاء فَقَالَ: إِنِّي أُرِيد أَن أسلك هَذِه الظلمَة بكم فَقَالُوا: إِنَّا نعيذك بِاللَّه أَن تسلك مسلكاً لم يسلكه أحدا من بني آدم قطّ قبلك
قَالَ: لَا بُد أَن أسلكها
قَالُوا: إِنَّا نعيذك أَن تسلك بِنَا هَذِه الظلمَة فَإنَّا لَا(5/444)
نَأْمَن أَن ينفتق علينا بهَا أَمر يكون فِيهِ فَسَاد الأَرْض
قَالَ: لَا بُد أَن أسلكها
قَالُوا: فشأنك
فَسَأَلَهُمْ أَي الدَّوَابّ أبْصر قَالُوا: الْخَيل
قَالَ: فَأَي الْخَيل أبْصر قَالُوا: الْإِنَاث
قَالَ: فَأَي الْإِنَاث أبْصر قَالُوا: الْأَبْكَار
فانتقى سِتَّة آلَاف فرس أُنْثَى بكر ثمَّ انتخب من عسكره ستى آلَاف رجل فَدفع إِلَى كل رجل مِنْهُم فرسا وَولى الْخضر مِنْهَا على ألفي فَارس ثمَّ جعله على مقدمته ثمَّ قَالَ: سرْ أَمَامِي
فَقَالَ لَهُ الْخضر: أَيهَا الْملك إِنِّي لست آمن هَذِه الْأمة الضلال فَيَتَفَرَّق النَّاس مني فَدفع إِلَيْهِ خرزة حَمْرَاء فَقَالَ: إِذا تفرق النَّاس فارم هَذِه الخرزة فَإِنَّهَا ستضيء لَك وتصوت حَتَّى تجمع إِلَيْك أهل الضلال واستخلف على النَّاس خَليفَة وَأمره أَن يُقيم فِي عسكره اثْنَتَيْ عشرَة سنة فَإِن هُوَ رَجَعَ إِلَى ذَلِك وَإِلَّا أَمر النَّاس أَن يتفرقوا فِي بلدانهم
ثمَّ أَمر الْخضر فَسَار أَمَامه فَكَانَ الْخضر إِذا أَتَاهُ ذُو القرنين رَحل من منزله وَنزل ذُو القرنين فِي منزل الْخضر الَّذِي كَانَ فِيهِ فَبينا الْخضر يسير فِي تِلْكَ الظلمَة إِذْ تفرق النَّاس عَنهُ فَطرح الخرزة من يَده فَإِذا هِيَ على شَفير الْعين وَالْعين فِي وادٍ فأضاء لَهُ مَا حول الْبِئْر فَنزل الْخضر وَنزع ثِيَابه وَدخل الْعين فَشرب مِنْهَا واغتسل ثمَّ خرج فَجمع عَلَيْهِ ثِيَابه ثمَّ أَخذ الخرزة وَركب وَخَالفهُ ذُو القرنين فِي غير الطَّرِيق الَّذِي أَخذ فِيهِ الخضرز فَسَارُوا فِي تِلْكَ الظلمَة فِي مِقْدَار سِتّ لَيَال وأيامهن وَلم تكن ظلمَة كظلمة اللَّيْل إِنَّمَا كَانَت ظلمَة كَهَيئَةِ ضباب حَتَّى خَرجُوا إِلَى أَرض ذَات نور لَيْسَ فِيهَا شمس وَلَا قمر وَلَا نجم فَعَسْكَرَ ثمَّ نزل النَّاس ثمَّ ركب ذُو القرنين وَحده فَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى قصر طوله فَرسَخ فِي فَرسَخ فَدخل الْقصر فَإِذا هُوَ بعمود على حافتي الْقصر وَإِذا طَائِر مَذْمُوم
بِأَنْفِهِ سلسلة معلقَة فِي ذَلِك الْعود شبه الخطاف أَو قريب من الخطاف فَقَالَ لَهُ الطير: من أَنْت قَالَ أَنا ذُو القرنين
قَالَ لَهُ الطير: يَا ذَا القرنين أما كَفاك مَا وَرَاءَك حَتَّى تناولت الظلمَة أنبئني يَا ذَا القرنين
قَالَ: سل
قَالَ: هَل كثر بُنيان من الجص والآجر فِي النَّاس قَالَ: نعم
فانتفخ الطير حَتَّى سد ثلث مَا بَين الحائطين ثمَّ قَالَ: يَا ذَا القرنين أنبئني
قَالَ: سل
قَالَ: هَل كثرت المعازف فِي النَّاس قَالَ: نعم
فانتفخ حَتَّى سد ثُلثي مَا بَين الحائطين ثمَّ قَالَ: يَا ذَا القرنين أنبئني
قَالَ: سل
قَالَ: هَل كثرت شَهَادَة الزُّور فِي النَّاس قَالَ: نعم
فانتفخ حَتَّى سد مَا بَين الحائطين واجث ذُو القرنين مِنْهُ فرقا قَالَ لَهُ الطير: يَا ذَا القرنين لَا تخف
أنبئني
قَالَ: سل(5/445)
قَالَ: هَل ترك النَّاس شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: لَا
قَالَ: هَل ترك النَّاس الْغسْل من الْجَنَابَة قَالَ: لَا
قَالَ: فانضم ثُلُثَاهُ
قَالَ: يَا ذَا القرنين أنبئني
قَالَ: سل
قَالَ: هَل ترك النَّاس الْمَكْتُوبَة قَالَ: لَا
فانضم الطير حَتَّى عَاد كَمَا كَانَ ثمَّ قَالَ: يَا ذَا القرنين انْطلق إِلَى تِلْكَ الدرجَة فاصعدها فَإنَّك ستلقى من تسأله ويخبرك
فَسَار حَتَّى انْتهى إِلَى دَرَجَة مدرجة فَصَعدَ عَلَيْهَا فَإِذا هُوَ بسطح مَمْدُود لَا يرى طرفاه وَإِذا رجل شَاب قَائِم شاخص ببصره إِلَى السَّمَاء وَاضع يَده على فَمه قد قدم رجلا وَأخر أُخْرَى فَسلم عَلَيْهِ ذُو القرنين فَرد عَلَيْهِ السَّلَام ثمَّ قَالَ لَهُ: من أَنْت قَالَ: أَنا ذُو القرنين
قَالَ: يَا ذَا القرنين أما كَفاك مَا وَرَاءَك حَتَّى قطعت الظلمَة ووصلت إِلَيّ قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: أَنا صَاحب الصُّور قد قدمت رجلا وأخرت أُخْرَى وَوضعت الصُّور على فمي وَأَنا شاخص ببصري إِلَى السَّمَاء أنْتَظر أَمر رَبِّي ثمَّ تنَاول حجرا فَدفعهُ فَقَالَ: انْصَرف فَإِن هَذَا الْحجر سيخبرك بِتَأْوِيل مَا أردْت
فتصرف [فَانْصَرف] ذُو القرنين حَتَّى أَتَى عسكره فَنزل وَجمع إِلَه الْعلمَاء فَحَدثهُمْ بِحَدِيث الْقصر وَحَدِيث العمود وَالطير وَمَا قَالَ لَهُ وَمَا رد عَلَيْهِ حَدِيث صَاحب الصُّور وَأَنه قد دفع إِلَيْهِ هَذَا الْحجر وَقَالَ: إِنَّه سيخبرني بِتَأْوِيل مَا جِئْت بِهِ فَأَخْبرُونِي عَن هَذَا الْحجر مَا هُوَ وَأي شَيْء أَرَادَ بِهَذَا قَالَ: فدعوا بميزان وَوضع حجر صَاحب الصُّور فِي إِحْدَى الكفتين وَوضع حجر مثله فِي الكفة الْأُخْرَى فرجح بِهِ ثمَّ وضع مَعَه حجر آخر رجح بِهِ ثمَّ وضع مائَة حجر فرجح بهَا حَتَّى وضع ألف حجر فرجح بهَا فَقَالَ ذُو القرنين: هَل عِنْد أحد مِنْكُم فِي هَذَا الْحجر من علم قَالَ - وَالْخضر قَاعد بِحَالهِ لَا يتَكَلَّم - فَقَالَ لَهُ: يَا خضر هَل عنْدك فِي هَذَا الْحجر من علم قَالَ: نعم
قَالَ: وَمَا هُوَ قَالَ الْخضر: أَيهَا الْملك إِن الله ابتلى الْعَالم بالعالم وابتلى النَّاس بَعضهم بِبَعْض وَإِن الله ابتلاك بِي وابتلاني بك
فَقَالَ لَهُ ذُو القرنين: مَا أَرَاك إِلَّا قد ظَفرت بِالْأَمر الَّذِي جِئْت أطلبه
قَالَ لَهُ الْخضر: قد كَانَ ذَلِك
قَالَ: فائتني
فَأخذ الْمِيزَان وَوضع حجر صَاحب الصُّور فِي إِحْدَى الكفتين وَوضع فِي الكفة الْأُخْرَى حجرا وَأخذ قَبْضَة من تُرَاب فوضعها مَعَ الْحجر ثمَّ رفع الْمِيزَان فرجح الْحجر الَّذِي مَعَه التُّرَاب على حجر صَاحب الصُّور فَقَالَت الْعلمَاء: سُبْحَانَ الله رَبنَا
وَضعنَا مَعَ ألف حجر فَمَال لَهَا وَوضع الْخضر مَعَه حجرا وَاحِدًا وقبضة من تُرَاب فَمَال لَهُ
فَقَالَ لَهُ ذُو القرنين:(5/446)
أَخْبرنِي بِتَأْوِيل هَذَا
قَالَ: أخْبرك
إِنَّك مكنت من مشرق الأَرْض وَمَغْرِبهَا فَلم يكفك ذَلِك حَتَّى تناولت الظلمَة حَتَّى وصلت إِلَى صَاحب الصُّور وَإنَّهُ لَا يمْلَأ عَيْنك إِلَّا التُّرَاب
قَالَ: صدقت
ورحل ذُو القرنين فَرجع فِي الظلمَة رَاجعا فَجعلُوا يسمعُونَ خشخشة تَحت سنابك خيلهم فَقَالُوا: أَيهَا الْملك مَا هَذِه الخشخشة الَّتِي نسْمع تَحت سنابك خَيْلنَا قَالَ: من أَخذ مِنْهُ نَدم وَمن تَركه نَدم فَأخذت مِنْهُ طَائِفَة وَتركت طَائِفَة فَلَمَّا برزوا بِهِ إِلَى الضَّوْء نظرُوا فَإِذا هُوَ بالزبرجد فندم الْآخِذ أَن لَا يكون ازْدَادَ وَنَدم التارك أَن لَا يكون أَخذ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رحم الله أخي ذَا القرنين دخل الظلمَة وَخرج مِنْهَا زاهداً
أما إِنَّه لَو خرج مِنْهَا رَاغِبًا لما ترك مِنْهَا حجرا إِلَّا أخرجه
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَقَامَ بدومة الجندل فعبد الله فِيهَا حَتَّى مَاتَ
وَلَفظ أبي الشَّيْخ: قَالَ أَبُو جَعْفَر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رحم الله أخي ذَا القرنين لَو ظفر بالزبرجد فِي مبداه مَا ترك مِنْهُ شَيْئا حَتَّى يُخرجهُ إِلَى النَّاس لِأَنَّهُ كَانَ رَاغِبًا فِي الدُّنْيَا وَلكنه ظفر بِهِ وَهُوَ زاهد فِي الدُّنْيَا لَا حَاجَة لَهُ فِيهَا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَن سُئِلَ عَن ذِي القرنين فَقَالَ: كَانَ عبدا أحب الله فَأَحبهُ وناصح الله فناصحه فَبَعثه إِلَى قوم يَدعُوهُم إِلَى الله فَدَعَاهُمْ إِلَى الله وَإِلَى الْإِسْلَام فضربوه على قرنه الْأَيْمن فَمَاتَ فأمسكه الله مَا شَاءَ ثمَّ بَعثه
فَأرْسلهُ إِلَى أمة أُخْرَى يَدعُوهُم إِلَى الله وَإِلَى الْإِسْلَام فضربوه على قرنه الْأَيْسَر فَمَاتَ فأمسكه الله مَا شَاءَ ثمَّ بَعثه فَسخرَ لَهُ السَّحَاب وخيّره فِيهِ فَاخْتَارَ صعبه على ذلوله - وصعبه الَّذِي لَا يمطر - وَبسط لَهُ النُّور ومدّ لَهُ الْأَسْبَاب وَجعل اللَّيْل وَالنَّهَار عَلَيْهِ سَوَاء فبذلك بلغ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَن ذَا القرنين لما بلغ الْجَبَل الَّذِي يُقَال لَهُ قَاف ناداه ملك من الْجَبَل: أَيهَا الخاطئ ابْن الخاطئ جِئْت حَيْثُ لم يجِئ أحد من قبلك وَلَا يَجِيء أحد بعْدك
فَأَجَابَهُ ذُو القرنين: وَأَيْنَ أَنا قَالَ لَهُ الْملك: أَنْت فِي الأَرْض السَّابِعَة
فَقَالَ ذُو القرنين: مَا ينجيني فَقَالَ: ينجيك الْيَقِين
فَقَالَ ذُو القرنين: اللَّهُمَّ ارزقني يَقِينا
فأنجاه الله
قَالَ لَهُ الْملك: إِنَّه ستأتي إِلَى قوم فتبني لَهُم سداً فَإِذا أَنْت بنيته وفرغت مِنْهُ فَلَا تحدث نَفسك أَنَّك(5/447)
بنيته بحول مِنْك أَو قُوَّة فيسلط الله على بنيانك أَضْعَف خلقه فيهدمه
ثمَّ قَالَ لَهُ ذُو القرنين: مَا هَذَا الْجَبَل قَالَ: هَذَا الْجَبَل الَّذِي يُقَال لَهُ قَاف وَهُوَ أَخْضَر وَالسَّمَاء بَيْضَاء وَإِنَّمَا خضرتها من هَذَا الْجَبَل وَهَذَا الْجَبَل أم الْجبَال وَالْجِبَال كلهَا من عروقه فَإِذا أَرَادَ الله أَن يزلزل قَرْيَة حرك مِنْهُ عرقاً
ثمَّ إِن الْملك نَاوَلَهُ عنقوداً من عِنَب وَقَالَ لَهُ: حَبَّة ترويك وحبة تشبعك وَكلما أخذت مِنْهُ حَبَّة عَادَتْ مَكَانهَا حَبَّة
ثمَّ خرج من عِنْده فجَاء الْبُنيان الَّذِي أَرَادَ الله فَقَالُوا اه: {يَا ذَا القرنين إِن يَأْجُوج وَمَأْجُوج مفسدون فِي الأَرْض} إِلَى قَوْله: {أجعَل بَيْنكُم وَبينهمْ ردماً}
قَالَ عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ: هم منسك وناسك وَتَأْويل وراحيل
وَقَالَ أَبُو سعيد رَضِي الله عَنهُ: هم خَمْسَة وَعِشْرُونَ قَبيلَة من وَرَاء يَأْجُوج وَمَأْجُوج
وَأخرج الْحَاكِم عَن مُعَاوِيَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ملك الأَرْض أَرْبَعَة: سُلَيْمَان وَذُو القرنين وَرجل من أهل حلوان وَرجل آخر
فَقيل لَهُ: الْخضر قَالَ: لَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن ذَا القرنين ملك الأَرْض كلهَا إِلَّا بلقيس صَاحِبَة مأرب فَإِذا ذَا القرنين كلن يلبس ثِيَاب الْمَسَاكِين ثمَّ يدْخل الْمَدَائِن فَينْظر من عورتها قبل أَن يقتل أَهلهَا فَأخْبرت بذلك بلقيس فَبعثت رَسُولا ينظر إِلَيْهِ فيصوّر لَهَا صورته فِي ملكه حِين يقْعد وَصورته فِي ثِيَاب الْمَسَاكِين
ثمَّ جعلت كل يَوْم تطعم الْمَسَاكِين وتجمعهم فَجَاءَهَا رسولها فِي صورته فَجعلت إِحْدَى صورتيه تَلِيهَا وَالْأُخْرَى على بَاب الأسطوانة فَكَانَت تطعم الْمَسَاكِين كل يَوْم فَإِذا فرغوا عرضتهم وَاحِدًا وَاحِدًا فَيخْرجُونَ حَتَّى جَاءَ ذُو القرنين فِي ثِيَاب الْمَسَاكِين فَدخل مدينتها ثمَّ جلس مَعَ الْمَسَاكِين إِلَى طعامها فقربت إِلَيْهِم الطَّعَام فَلَمَّا فرغوا أخرجتهم وَاحِدًا وَاحِدًا وَهِي تنظر إِلَى صورته فِي ثِيَاب الْمَسَاكِين حَتَّى مر ذُو القرنين فَنَظَرت إِلَى صورته فَقَالَت: أجلسوا هَذَا وأخرجوا من بَقِي من الْمَسَاكِين فَقَالَ لَهَا: لم أجلستني وَإِنَّمَا أَنا مِسْكين
قَالَت: لَا
أَنْت ذُو القرنين هَذِه صُورَتك فِي ثِيَاب الْمَسَاكِين وَالله لَا تُفَارِقنِي حَتَّى تكْتب لي أَمَانًا بملكي أَو أضْرب عُنُقك
فَلَمَّا رأى ذَلِك كتب لَهَا أَمَانًا فَلم ينج أحد مِنْهُ غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ملك ذُو القرنين اثْنَتَيْ عشرَة سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشيخفي العظمة عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر(5/448)
رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ ذُو القرنين فِي بعض مسيره فَمر بِقوم قُبُورهم على أَبْوَاب بُيُوتهم وَإِذا ثِيَابهمْ لون وَاحِد وَإِذا هم رجال كلهم لَيْسَ فيهم امْرَأَة فتوسم رجلا مِنْهُم فَقَالَ لَهُ: لقد رَأَيْت شَيْئا مَا رَأَيْت فِي شَيْء من مسري
قَالَ: وَمَا هُوَ فوصف لَهُ مَا رأى مِنْهُم
قَالُوا: أما هَذِه الْقُبُور على أبوابنا فَإنَّا جعلناها موعظة لقلوبنا تخطر على قلب أَحَدنَا فَيخرج فَيرى الْقُبُور وَيرجع إِلَى نَفسه فَيَقُول: إِلَى هَذَا الْمصير وإليها صَار من كَانَ قبلي
وَأما هَذِه الثِّيَاب فَإِنَّهُ لَا يكَاد الرجل منا يلبس ثيابًا أحسن من صَاحبه إِلَّا رأى لَهُ بذلك فضلا على جليسه
وَأما قَوْلك: رجال كلكُمْ لَيْسَ مَعكُمْ نسَاء فلعمري لقد خلقنَا من ذكر وَأُنْثَى وَلَكِن هَذَا الْقلب لَا يشغل بِشَيْء إِلَّا شغل بِهِ فَجعلنَا نسائنا وَذُرِّيَّتنَا فِي قَرْيَة قريبَة وَإِذا أَرَادَ الرجل من أَهله مَا يُرِيد الرجل أَتَاهَا فَكَانَ مَعهَا اللَّيْلَة والليلتين ثمَّ يرجع إِلَى مَا هَهُنَا لأَنا خلونا هَهُنَا لِلْعِبَادَةِ
فَقَالَ: مَا كنت لأعظكم بِشَيْء أفضل مِمَّا وعظتم بِهِ أَنفسكُم سلني مَا شِئْت
قَالَ: من أَنْت قَالَ أَنا ذُو القرنين
قَالَ: مَا أَسأَلك وَأَنت لَا تملك لي شَيْئا قَالَ: وَكَيف وَقد آتَانِي الله من كل شَيْء سَببا قَالَ: أتقدر على أَن تَأتِينِي بِمَا لم يقدر لي وَلَا تصرف عني مَا قدر لي وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما بلغ ذُو القرنين مطلع الشَّمْس قَالَ لَهُ ملكهَا: يَا ذَا القرنين صف لي النَّاس
قَالَ: إِن محادثتك من لَا يعقل بِمَنْزِلَة من يضع الموائد لأهل الْقُبُور ومحادثتك من يعقل بِمَنْزِلَة من يبلّ الصَّخْرَة حَتَّى تبتل أَو يطْبخ الْحَدِيد يلْتَمس أدمه وَنقل الْحِجَارَة من رُؤُوس الْجبَال أيسر من محادثتك من لَا يعقل
الْآيَة 84 - 85(5/449)
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء سَببا} قَالَ: علما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: {فأتبع سَببا} قَالَ: الْمنزل(5/449)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء سَببا} قَالَ: علما
من ذَلِك تَعْلِيم الْأَلْسِنَة كَانَ لَا يعرف قوما إِلَّا كَلمهمْ بلسانهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ لكعب الْأَحْبَار: تَقول أَن ذَا القرنين كَانَ يرْبط خيله بالثنايا قَالَ لَهُ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: إِن كنت قلت ذَاك فَإِن الله قَالَ: {وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء سَببا}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {وَآتَيْنَاهُ من كل شَيْء سَببا} قَالَ: منَازِل الأَرْض وأعلامها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأتبع سَببا} قَالَ: منزلا وطرفاً من الْمشرق إِلَى الْمغرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله: {فأتبع سَببا} قَالَ: هَذِه لِأَن الطَّرِيق كَمَا قَالَ فِرْعَوْن لهامان (ابْن لي صرحاً لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب) (غَافِر آيَة 36) أَسبَاب السَّمَوَات طَرِيق السَّمَوَات
قَالَ: وَالشَّيْء يكون اسْمه وَاحِدًا وَهُوَ متفرق فِي الْمَعْنى
وَقَرَأَ (وتقطعت بهم الْأَسْبَاب) (الْبَقَرَة آيَة 166) قَالَ: أَسبَاب الْأَعْمَال
الْآيَة 86(5/450)
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عُثْمَان بن أبي حَاضر أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا ذكر لَهُ أَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَرَأَ الْآيَة فِي سُورَة الْكَهْف تغرب فِي عين حامية قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَقلت لمعاوية رَضِي الله عَنهُ: مَا نقرؤها إِلَّا {حمئة} فَسَأَلَ مُعَاوِيَة عبد الله بن عَمْرو: كَيفَ تقرؤها فَقَالَ عبد الله: كَمَا قرأتها
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَقلت لمعاوية: فِي بَيْتِي نزل الْقُرْآن فَأرْسل إِلَى كَعْب فَقَالَ لَهُ:(5/450)