|
المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)
الناشر: دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء: 8
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو ضمن خدمة مقارنة التفاسير]
فألهمه الله التَّوْرَاة فجَاء فأملاه على النَّاس فَقَالُوا عِنْد ذَلِك: عُزَيْر بن الله تعإلى الله عَن ذَلِك علوا كَبِيرا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دَعَا عُزَيْر ربه عز وَجل أَن يلقِي التَّوْرَاة كَمَا أنزل على مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي قلبه فأنزلها الله تَعَالَى عَلَيْهِ فَبعد ذَلِك قَالُوا: عُزَيْر بن الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حميد الْخَرَّاط رَضِي الله عَنهُ
أَن عُزَيْرًا كَانَ يَكْتُبهَا بِعشْرَة أَقْلَام فِي كل أصْبع قلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عُزَيْر يقْرَأ التَّوْرَاة ظَاهرا وَكَانَ قد أعطي من الْقُوَّة مَا ان كَانَ ينظر فِي شرف السَّحَاب فَعِنْدَ ذَلِك قَالَت الْيَهُود: عُزَيْر بن الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا قَالَت الْيَهُود عُزَيْر بن الله لأَنهم ظَهرت عَلَيْهِم العمالقة فَقَتَلُوهُمْ وَأخذُوا التَّوْرَاة وهرب عُلَمَائهمْ الَّذين بقوا فدفنوا كتب التَّوْرَاة فِي الْجبَال وَكَانَ عُزَيْر يتعبد فِي رُؤُوس الْجبَال لَا ينزل إِلَّا فِي يَوْم عيد فَجعل الْغُلَام يبكي يَقُول: رب تركت بني إِسْرَائِيل بِغَيْر عَالم فَلم يزل يبكيهم حَتَّى سقط أشفار عَيْنَيْهِ فَنزل مرّة إِلَى الْعِيد فَلَمَّا رَجَعَ إِذا هُوَ بِامْرَأَة قد مثلت لَهُ عِنْد قبر من تِلْكَ الْقُبُور تبْكي تَقول: يَا مطعماه يَا كاسياه
فَقَالَ لَهَا: وَيحك من كَانَ يطعمك أَو يكسوك أَو يسقيك قبل هَذَا الرجل قَالَت: الله
قَالَ: فَإِن الله حَيّ لم يمت
قَالَت: يَا عُزَيْر فَمن كَانَ يعلم الْعلمَاء قبل بني إِسْرَائِيل قَالَ: الله
قَالَت: فَلم تبْكي عَلَيْهِم فَلَمَّا عرف أَنه قد خصم ولى مُدبرا
فدعته فَقَالَت: يَا عُزَيْر إِذا أَصبَحت غَدا فَائت نهر كَذَا وَكَذَا فاغتسل فِيهِ ثمَّ أخرج فصل رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِيك شيخ فَمَا أَعْطَاك فَخذه
فَلَمَّا أصبح انْطلق عُزَيْر إِلَى ذَلِك النَّهر فاغتسل فِيهِ ثمَّ خرج فصلى رَكْعَتَيْنِ فَأَتَاهُ شيخ فَقَالَ: افْتَحْ فمك
فَفتح فَمه فألقمه فِيهِ شَيْئا كَهَيئَةِ الْجَمْرَة الْعَظِيمَة مُجْتَمع كَهَيئَةِ الْقَوَارِير ثَلَاث مَرَّات فَرجع عُزَيْر وَهُوَ من أعلم النَّاس بِالتَّوْرَاةِ فَقَالَ: يَا بني إِسْرَائِيل إِنِّي قد جِئتُكُمْ بِالتَّوْرَاةِ
فَقَالُوا لَهُ: مَا كنت كذابا فَعمد فَربط على كل أصْبع لَهُ قَلما ثمَّ كتب بأصابعه كلهَا فَكتب التَّوْرَاة فَلَمَّا رَجَعَ الْعلمَاء أخبروا بشأن عُزَيْر واستخرج أُولَئِكَ الْعلمَاء كتبهمْ الَّتِي كَانُوا رفعوها من التَّوْرَاة
(4/172)
فِي الْجبَال وَكَانَت فِي خواب مدفونة فعرضوها بتوراة عَزِيز فوجدوها مثلهَا فَقَالُوا: مَا أَعْطَاك الله إِلَّا وَأَنت ابْنه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث أَشك فِيهِنَّ
فَلَا أَدْرِي أَعُزَيْر كَانَ نَبيا أم لَا وَلَا أَدْرِي أَلعن تبعا أم لَا قَالَ: ونسيت الثَّالِثَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَ يَوْم أحد شج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وَجهه وَكسرت رباعيته فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ رَافعا يَدَيْهِ يَقُول إِن الله عز وَجل اشْتَدَّ غَضَبه على الْيَهُود أَن قَالُوا عُزَيْر ابْن الله وَاشْتَدَّ غَضَبه على النَّصَارَى إِن قَالُوا أَن الْمَسِيح ابْن الله وَإِن الله اشْتَدَّ غَضَبه على من أراق دمي وَآذَانِي فِي عِتْرَتِي
وَأخرج ابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ عُزَيْر: يَا رب مَا عَلامَة من صافيته من خلقك فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن أقنعه باليسير وأدَّخر لَهُ فِي الْآخِرَة الْكثير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {يضاهئون قَول الَّذين كفرُوا من قبل} قَالَ: قَالُوا مثل مَا قَالَ أهل الْأَدْيَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يضاهئون قَول الَّذين كفرُوا من قبل} يَقُول: ضاهت النَّصَارَى قَول الْيَهُود قبلهم فَقَالَت النَّصَارَى: الْمَسِيح بن الله
كَمَا قَالَت الْيَهُود: عُزَيْر بن الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قَاتلهم الله} قَالَ: لعنهم الله وكل شَيْء فِي الْقُرْآن قتل فَهُوَ لعن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَاتلهم الله} قَالَ: كلمة من كَلَام الْعَرَب
الْآيَة 31
(4/173)
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (31)
أخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ فِي سُورَة بَرَاءَة {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} فَقَالَ: أما أَنهم لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكنهُمْ كَانُوا إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذا حرمُوا عَلَيْهِم شَيْئا حرمُوهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي البخْترِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَ رجل حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أَرَأَيْت قَوْله تَعَالَى {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} أكانوا يَعْبُدُونَهُمْ قَالَ: لَا وَلَكنهُمْ كَانُوا إِذا أحلُّوا لَهُم شَيْئا اسْتَحَلُّوهُ وَإِذا حرمُوا عَلَيْهِم شَيْئا حرمُوهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ} قَالَ: أما أَنهم لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ وَلَكنهُمْ أطاعوهم فِي مَعْصِيّة الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {اتَّخذُوا أَحْبَارهم} الْيَهُود {وَرُهْبَانهمْ} النَّصَارَى {وَمَا أمروا} فِي الْكتاب الَّذِي أَتَاهُم وعهد إِلَيْهِم {إِلَّا ليعبدوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَه إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يشركُونَ} سبح نَفسه أَن يُقَال عَلَيْهِ الْبُهْتَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ {أَحْبَارهم} قراؤهم {وَرُهْبَانهمْ} علماؤهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَحْبَار من الْيَهُود والرهبان من النَّصَارَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الفضيل بن عِيَاض رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأَحْبَار الْعلمَاء والرهبان الْعباد
الْآيَة 32
(4/174)
يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم} قَالَ: الإِسلام بكلامهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله} يَقُول: يُرِيدُونَ أَن يهْلك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَن لَا يعبدوا الله بالإِسلام فِي الأَرْض يَعْنِي بهَا كفار الْعَرَب وَأهل الْكتاب من حَارب مِنْهُم النب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ي وَكفر بآياته
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نور الله بأفواههم} قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى
الْآيَة 33
(4/175)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)
أخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يذهب اللَّيْل وَالنَّهَار حَتَّى تعبد اللات والعزى
فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: يَا رَسُول الله إِنِّي كنت أَظن حِين أنزل الله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} أَن ذَلِك سَيكون تَاما فَقَالَ: إِنَّه سَيكون من ذَلِك إِن شَاءَ الله ثمَّ يبْعَث الله ريحًا طيبَة فيتوفى من كَانَ فِي قلبه مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل من خير فَيبقى من لَا خير فِيهِ يرجعُونَ إِلَى دين آبَائِهِم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى} يَعْنِي بِالتَّوْحِيدِ وَالْقُرْآن والإِسلام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ} قَالَ: يظْهر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَمر الدّين كُله فيعطيه إِيَّاه كُله وَلَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهُ وَكَانَ الْمُشْركُونَ وَالْيَهُود يكْرهُونَ ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: بعث الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيظْهرهُ على الدّين كُله فديننا فَوق الْملَل ورجالنا فَوق نِسَائِهِم وَلَا يكونُونَ رِجَالهمْ فَوق نسائنا
(4/175)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} قَالَ: لَا يكون ذَلِك حَتَّى لَا يبْقى يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ صَاحب مِلَّة إِلَّا الإِسلام حَتَّى تأمن الشَّاة الذِّئْب وَالْبَقَرَة الْأسد والإِنسان الْحَيَّة وَحَتَّى لَا تقْرض فَأْرَة جراباً وَحَتَّى تُوضَع الْجِزْيَة وَيكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَذَلِكَ إِذا نزل عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله فِي قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} قَالَ: الْأَدْيَان سِتَّة
الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذين أشركوا فالأديان كلهَا تدخل فِي دين الإِسلام والإِسلام لَا يدْخل فِي شَيْء مِنْهَا فَإِن الله قضى فِيمَا حكم وَأنزل أَن يظْهر دينه على الدّين كُله وَلَو كره الْمُشْركُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لِيظْهرهُ على الدّين كُله} قَالَ: خُرُوج عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
الْآيَة 34
(4/176)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن كثيرا من الْأَحْبَار} يَعْنِي عُلَمَاء الْيَهُود {والرهبان} عُلَمَاء النَّصَارَى {ليأكلون أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ} وَالْبَاطِل كتب كتبوها لم ينزلها الله تَعَالَى فَأَكَلُوا بهَا النَّاس وَذَلِكَ قَول الله تَعَالَى (الَّذين يَكْتُبُونَ الْكتاب بِأَيْدِيهِم ثمَّ يَقُولُونَ هُوَ من عِنْد الله وَمَا هُوَ من عِنْد الله) (الْبَقَرَة الْآيَة 79)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أما الْأَحْبَار فَمن الْيَهُود وَأما الرهبان فَمن النَّصَارَى وَأما سَبِيل الله فمحمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/176)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الفضيل بن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اتبعُوا عَالم الْآخِرَة واحذروا عَالم الدُّنْيَا لَا يضركم بشكره ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {إِن كثيرا من الْأَحْبَار والرهبان ليأكلون أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ ويصدون عَن سَبِيل الله}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} الْآيَة
قَالَ: هم الَّذين لَا يؤدون زَكَاة أَمْوَالهم وكل مَال لَا تُؤَدّى زَكَاته كَانَ على ظهر الأَرْض أَو فِي بَطنهَا فَهُوَ كنز وكل مَال أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز كَانَ على ظهر الأَرْض أَو فِي بَطنهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز وَإِن كَانَ تَحت سبع أَرضين وَمَا لم تُؤَد زَكَاته فَهُوَ كنز وَإِن كَانَ ظَاهرا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن عدي والخطيب عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي مَال أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ كنز وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ مَوْقُوفا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: إِنَّمَا كَانَ هَذَا قبل أَن تنزل الزَّكَاة فَلَمَّا أنزلت جعلهَا الله طهرة للأموال ثمَّ قَالَ: مَا أُبَالِي لَو كَانَ عِنْدِي مثل أحد ذَهَبا اعْلَم عدده أزكيه وأعمل فِيهِ بِطَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعد بن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا بَاعَ دَارا على عهد عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ عمر: احرز ثمنهَا احْفِرْ تَحت فرَاش امْرَأَتك
فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَو لَيْسَ كنز قَالَ: لَيْسَ بكنز مَا أُدي زَكَاته
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ام سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله إِن لي أَوْضَاحًا من ذهب أَو فضَّة أفكنز هُوَ قَالَ: كل شَيْء تُؤَدّى زَكَاته فَلَيْسَ بكنز
(4/177)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن شاهين فِي التَّرْغِيب فِي الذّكر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: لَو علمنَا أَي المَال خير فَنَتَّخِذهُ
فَقَالَ أفضله لِسَان ذَاكر وقلب شَاكر وَزَوْجَة مُؤمنَة تعينه على إيمَانه
وَفِي لفظ: تعينه على أَمر الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} كبر ذَلِك على الْمُسلمين وَقَالُوا: مَا يَسْتَطِيع أحد منا لوَلَده مَالا يبْقى بعده
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أَنا أفرج عَنْكُم
فَانْطَلق عمر رَضِي الله عَنهُ وَاتبعهُ ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِنَّه قد كبر على أَصْحَابك هَذِه الْآيَة
فَقَالَ إِن الله لم يفْرض الزَّكَاة إِلَّا ليطيب بهَا مَا بَقِي من أَمْوَالكُم وَإِنَّمَا فرض الْمَوَارِيث من أَمْوَال تبقى بعدكم
فَكبر عمر رَضِي الله عَنهُ ثمَّ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أخْبرك بِخَير مَا يكنز الْمَرْء الْمَرْأَة الصَّالِحَة الَّتِي إِذا نظر إِلَيْهَا سرته وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصَّالِحَة الَّتِي إِذا نظر إِلَيْهَا سرته وَإِذا أمرهَا أَطَاعَته وَإِذا غَابَ عَنْهَا حفظته
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} الْآيَة
قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نزل الْيَوْم فِي الْكَنْز مَا نزل
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله مَاذَا نكنز الْيَوْم قَالَ لِسَانا ذَاكِرًا وَقَلْبًا شاكراً وَزَوْجَة صَالِحَة تعين أحدكُم على إيمَانه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِذا أخرجت صَدَقَة كَنْزك فقد أذهبت شَره وَلَيْسَ بكنز
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَ: هم أهل الْكتاب وَقَالَ: هِيَ خَاصَّة وَعَامة
وَأخرج ابْن الضريس عَن علْبَاء بن أَحْمَر
أَن عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ
(4/178)
قَالَ: لما أَرَادَ أَن يكْتب الْمَصَاحِف أَرَادوا أَن يلغوا الْوَاو الَّتِي فِي بَرَاءَة {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَ لَهُم أبي رَضِي الله عَنهُ: لتلحقنها أَو لأضعن سَيفي على عَاتِقي
فالحقوها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَرْبَعَة آلَاف فَمَا دونهَا نَفَقَة وَمَا فَوْقهَا كنز
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْقبْلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عرَاك بن مَالك وَعمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنَّهُمَا قَالَا: فِي قَول الله {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة} قَالَا: نسختها الْآيَة الْأُخْرَى (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا) (الْآيَة)
الْآيَة 35
(4/179)
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من صَاحب ذهب وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي حَقّهَا إِلَّا جعلت لَهُ يَوْم الْقِيَامَة صَفَائِح ثمَّ أحمي عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم ثمَّ يكوى بهَا جَبينه وجبهته وظهره فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضِي بَين النَّاس فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة أَو إِلَى النَّار
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يوضع الدِّينَار على الدِّينَار وَلَا الدِّرْهَم على الدِّرْهَم وَلَكِن يُوسع الله جلده {فتكوى بهَا جباههم وجنوبهم وظهورهم هَذَا مَا كنزتم لأنفسكم فَذُوقُوا مَا كُنْتُم تكنزون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَوْم يحمى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم} قَالَ: لَا يعذب رجل بكنز يكنزه فيمس دِرْهَم
(4/179)
درهما وَلَا دِينَار دِينَارا وَلَكِن يُوسع جلده حَتَّى يوضع كل دِينَار وَدِرْهَم على حِدته وَلَا يمس دِرْهَم درهما وَلَا دِينَار دِينَارا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فتكوى بهَا} الْآيَة
قَالَ: يُوسع بهَا جلده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يَوْم يحمى عَلَيْهَا} الْآيَة
قَالَ: حَيَّة تنطوي على جَنْبَيْهِ وجبهته فَتَقول: أَنا مَالك الَّذِي بخلت بِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ثَوْبَان رَضِي الله قَالَ: مَا من رجل يَمُوت وَعِنْده أَحْمَر وأبيض إِلَّا جعل الله لَهُ بِكُل قِيرَاط صفحة من نَار تكوى بهَا قدمه إِلَى ذقنه مغفوراً لَهُ بعد أَو معذباً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا
نَحوه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بشر أَصْحَاب الْكُنُوز بكي فِي الجباه وَفِي الْجنُوب وَفِي الظُّهُور
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَرَرْت على أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ بالربذة فَقلت: مَا أنزلك بِهَذِهِ الأَرْض قَالَ: كتابا لشام فَقَرَأت {وَالَّذين يكنزون الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم} فَقَالَ مُعَاوِيَة: مَا هَذَا فِينَا هَذِه فِي أهل الْكتاب
قلت أَنا: إِنَّهَا لفينا وَفِيهِمْ
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْأَحْنَف بن قيس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: بَشِّر الكانزين بكيٍّ من قبل ظُهُورهمْ يخرج من جنُوبهم وكَي من جباهم يخرج من أقفائهم
فَقلت: مَاذَا
قَالَ: مَا قلت إِلَّا مَا سَمِعت من نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن خليلي عهد إليَّ أَن أَي مَال ذهب أَو فضَّة أوكئ عَلَيْهِ فَهُوَ جمر على صَاحبه حَتَّى يفرغه فِي سَبِيل الله وَكَانَ إِذا أَخذ عطاءه دَعَا خادمه فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيهِ لسنة فَاشْتَرَاهُ ثمَّ اشْترى فُلُوسًا بِمَا بَقِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول
(4/180)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الإِبل صدقتها وَفِي الْبَقر صدقتها وَفِي الْغنم صدقتها وَفِي الْبَز صدقته فَمن رفع دِينَار أَو درهما أَو تبراً أَو فضَّة لَا يعده لغريمه وَلَا يُنْفِقهُ فِي سَبِيل الله فَهُوَ كنز يكوى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِنَّه قَالَ الدِّينَار كنز وَالدِّرْهَم كنز والقيراط كنز
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ثَوْبَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ نصل سيف أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ من فضَّة فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ: أما سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من رجل ترك صفراء وَلَا بَيْضَاء إِلَّا كوي بهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من أحد يَمُوت فَيتْرك صفراء أَو بَيْضَاء إِلَّا كوي بهَا يَوْم الْقِيَامَة مغفوراً لَهُ بعد أَو معذباً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من ذِي كنز لَا يُؤَدِّي حَقه إِلَّا جِيءَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة يكوى بِهِ جَبينه وجبهته وَقيل لَهُ: هَذَا كَنْزك الَّذِي بخلت بِهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي الغيلانيات عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله فرض على أَغْنِيَاء الْمُسلمين فِي أَمْوَالهم الْقدر الَّذِي يسع فقراءهم وَلنْ يجْهد الْفُقَرَاء إِذا جَاعُوا أَو عروا إِلَّا بِمَا يمْنَع أغنياؤهم أَلا وَإِن الله يحاسبهم حسابا شَدِيدا أَو يعذبهم عذَابا أَلِيمًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَانع الزَّكَاة يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَانع الزَّكَاة لَيْسَ بِمُسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا صَلَاة إِلَّا بِزَكَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ لاوي الصَّدَقَة - يَعْنِي مانعها - مَلْعُون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة
(4/181)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن بِلَال قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا بِلَال الق الله فَقِيرا وَلَا تلقه غَنِيا
قلت: وَكَيف لي بذلك قَالَ: إِذا رزقت فَلَا تخبا وَإِذا سُئِلت فَلَا تمنع
قلت: وَكَيف لي بذلك قَالَ: هُوَ ذَاك وَإِلَّا فَالنَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي بكر بن الْمُنْكَدر قَالَ: بعث حبيب بن سَلمَة إِلَى أبي ذَر وَهُوَ أَمِير الشَّام بثلاثمة دِينَار وَقَالَ: اسْتَعِنْ بهَا على حَاجَتك
فَقَالَ أَبُو ذَر: ارْجع بهَا إِلَيْهِ أما وجد أحدا أغر بِاللَّه منا مَا لنا إِلَّا الظل نتوارى بِهِ وَثَلَاثَة من غنم تروح علينا ومولاة لنا تصدق علينا بخدمتها ثمَّ إِنِّي لأَنا أَتَخَوَّف الْفضل
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذُو الدرهمين أَشد حبسا من ذِي الدِّرْهَم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ: جَلَست إِلَى مَلأ من قُرَيْش فجَاء رجل خشن الشّعْر وَالثيَاب والهيئة حَتَّى قَامَ عَلَيْهِم فَسلم ثمَّ قَالَ: بشر الكانزين برضف يحمي عَلَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم ثمَّ يوضع على حلمة ثدي أحدهم حَتَّى يخرج من نغض كتفه وَيُوضَع على نغض كتفه حَتَّى يخرج من حلمة ثديه فيتدلدل
ثمَّ ولي وَجلسَ إِلَى سَارِيَة وتبعته وَجَلَست إِلَيْهِ وَأَنا لَا أَدْرِي من هُوَ
فَقلت: لَا أرى الْقَوْم إِلَّا قد كَرهُوا مَا قلت
قَالَ: إِنَّهُم لَا يعْقلُونَ شَيْئا
قَالَ لي خليلي
قلت: من خَلِيلك قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتبصر أحدا قلت: نعم
قَالَ: مَا أحب أَن يكون لي مثل أحد ذَهَبا انفقه كُله إِلَّا ثَلَاثَة دَنَانِير وَإِن هَؤُلَاءِ لَا يعْقلُونَ انما يجمعُونَ للدنيا وَالله لَا أسألهم دنيا وَلَا استفتيهم عَن دين حَتَّى ألْقى الله عز وَجل
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: كَانَ أَبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ يسمع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَمر فِيهِ الشدَّة ثمَّ يخرج إِلَى باديته ثمَّ يرخص فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك فيحفظ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْأَمر الرُّخْصَة فَلَا يسْمعهَا أَبُو ذَر فَيَأْخُذ أَبُو ذَر بِالْأَمر الأول الَّذِي سمع قبل ذَلِك
الْآيَة 36
(4/182)
إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (36)
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فِي حجَّته فَقَالَ: أَلا إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض السّنة اثْنَا عشر شهرا: مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات ذُو الْعقْدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَرَجَب مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات وَرَجَب مُضر بَين جُمَادَى وَشَعْبَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع بمنى فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا مِنْهَا أَرْبَعَة حرم أولهنَّ رَجَب مُضر بَين جُمَادَى وَشَعْبَان وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ثَلَاث مُتَوَالِيَات رَجَب مُضر حرَام إِلَّا وَإِن النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا
وَأخرج أَحْمد والبارودي وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي حَمْزَة الرقاشِي عَن عَمه - وَكَانَت لَهُ صُحْبَة - قَالَ: كنت آخِذا بزمام نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَوسط أَيَّام التَّشْرِيق أذود النَّاس عَنهُ فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس هَل تَدْرُونَ فِي أَي شهر أَنْتُم وَفِي أَي يَوْم أَنْتُم وَفِي أَي بلد أَنْتُم قَالُوا: فِي يَوْم حرَام وَشهر حرَام وبلد حرَام قَالَ: فَإِن دمائكم وَأَمْوَالكُمْ واعراضكم عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا إِلَى يَوْم تلقونه ثمَّ قَالَ: اسمعوا مني تعيشوا أَلا لَا
(4/183)
تتظالموا أَلا لَا تتظالموا إِنَّه لَا يحل مَال امرىء إِلَّا بِطيب نفس مِنْهُ أَلا أَن كل دم وَمَال ومأثرة كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمي هَذِه إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِن أول دم يوضع دم ربيعَة بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب كَانَ مسترضعاً فِي بني لَيْث فَقتله هُذَيْل أَلا وَإِن كل رَبًّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع وَإِن الله قضى أَن أول رَبًّا يوضع رَبًّا الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب لكم رُؤُوس أَمْوَالكُم لَا تظْلمُونَ وَلَا تظْلمُونَ أَلا إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض أَلا وَإِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض مِنْهَا أَرْبَعَة حرم ذَلِك الدّين الْقيم فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم أَلا لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض إِلَّا إِن الشَّيْطَان قد آيس أَن يعبده المصلون فِي جَزِيرَة الْعَرَب وَلكنه فِي التحريش بَينهم وَاتَّقوا الله فِي النِّسَاء فانهن عوان عنْدكُمْ لَا يملكن لأنفسهن شَيْئا وَإِن لَهُنَّ عَلَيْكُم حَقًا وَلكم عَلَيْهِنَّ حَقًا أَن لَا يطئن فرشكم أحدا غَيْركُمْ وَلَا يَأْذَن فِي بُيُوتكُمْ لأحد تكرهونه فَإِن خِفْتُمْ نشوزهن فعظوهن واهجروهن فِي الْمضَاجِع واضربوهن ضربا غير مبرح ولهن رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله أَلا وَمن كَانَت عِنْده أَمَانَة فليؤدها إِلَى من ائتمنه عَلَيْهَا وَبسط يَدَيْهِ
وَقَالَ: اللهمَّ قد بلغت أَلا هَل بلغت ثمَّ قَالَ: ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب فَإِنَّهُ رُبَّ مبلغ أسعد من سامع
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {مِنْهَا أَرْبَعَة حرم} قَالَ: المحرَّم وَرَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا سُمِّينَ حُرُماً لِئَلَّا يكون فِيهِنَّ حَرْب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {ذَلِك الدّين الْقيم} قَالَ: الْقَضَاء الْقيم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن محببة الْبَاهِلِيّ عَن أَبِيه أَو عَمه
أَنه آتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْلَمْ ثمَّ انْطلق فَأَتَاهُ بعد سنة وَقد تَغَيَّرت حَاله وهيئته فَقَالَ: يَا رَسُول الله وَمَا تعرفنِي قَالَ: وَمن أَنْت قَالَ: أَنا الْبَاهِلِيّ الَّذِي جئْتُك عَام الأول
قَالَ: فَمَا غيَّرك وَقد كنت حسن الْهَيْئَة قَالَ: مَا أكلت طَعَاما مُنْذُ فارقتك إِلَّا قَلِيل
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم عذبت نَفسك ثمَّ قَالَ: صم شهر
(4/184)
الصَّبْر وَيَوْما من كل شهر
قَالَ: زِدْنِي فَإِن لي قُوَّة
قَالَ: صم يَوْمَيْنِ
قَالَ: زِدْنِي
قَالَ: صم ثَلَاثَة أَيَّام
قَالَ: زِدْنِي
قَالَ: صم من الْحرم واترك صم من الْحرم واترك وَقَالَ بأصابعه الثَّلَاثَة فَضمهَا ثمَّ أرسلها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ من شهر حرَام الْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت كتب الله لَهُ عبَادَة سنتَيْن
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن عُثْمَان بن حَكِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن صِيَام رَجَب فَقَالَ: اخبرني ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَصُوم حَتَّى نقُول لَا يفْطر وَيفْطر حَتَّى نقُول لَا يَصُوم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صَامَ يَوْمًا من رَجَب كَانَ كصيام سنة وَمن صَامَ سَبْعَة أَيَّام غلقت عَنهُ سَبْعَة أَبْوَاب جَهَنَّم وَمن صَامَ ثَمَانِيَة أَيَّام فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة وَمن صَامَ عشرَة أَيَّام لم يسْأَل الله عز وَجل شَيْئا الا أعطَاهُ وَمن صَامَ خَمْسَة عشر يَوْمًا نَادَى مُنَاد من السَّمَاء قد غفرت لَك مَا سلف فاستأنف الْعَمَل قد بدلت سَيِّئَاتكُمْ حَسَنَات من زَاد زَاده الله
وَفِي رَجَب حمل نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة فصَام نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَأمر من مَعَه أَن يَصُومُوا وَجَرت بهم السَّفِينَة سِتَّة أشهر إِلَى آخر ذَلِك لعشر خلون من الْمحرم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ والأصبهاني عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي الْجنَّة قصر لصوام رَجَب قَالَ الْبَيْهَقِيّ: مَوْقُوف على أبي قلَابَة وَهُوَ من التَّابِعين فَمثله لَا يَقُول ذَلِك إِلَّا عَن بَلَاغ عَمَّن فَوْقه مِمَّن يَأْتِيهِ الْوَحْي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصم بعد رَمَضَان إِلَّا رَجَب وَشَعْبَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَجَب شهر الله ويدعى الْأَصَم وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا دخل رَجَب يعطلون أسلحتهم ويضعونها فَكَانَ النَّاس ينامون ويأمن السَّبِيل وَلَا يخَافُونَ بَعضهم بَعْضًا حَتَّى يَنْقَضِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قيس بن أبي حَازِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كن نسمي رَجَب الْأَصَم فِي الْجَاهِلِيَّة من شدَّة حرمته فِي أَنْفُسنَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي رَجَاء العطاردي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا فِي
(4/185)
الْجَاهِلِيَّة إِذا دخل رَجَب نقُول: جَاءَ منصل الأسِنَّة لَا نَدع حَدِيدَة فِي سهم وَلَا حَدِيدَة فِي رمح إِلَّا انتزعناها فألقيناها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قيس بن أبي حَازِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نسمي رَجَب الْأَصَم فِي الْجَاهِلِيَّة من شدَّة حرمته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن سلمَان الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رَجَب يَوْم وَلَيْلَة من صَامَ ذَلِك الْيَوْم وَقَامَ تِلْكَ اليلة كَانَ كمن صَامَ من الدَّهْر مائَة سنة وَقَامَ مائَة سنة وَهُوَ لثلاث بَقينَ من رَجَب وَفِيه بعث الله مُحَمَّدًا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا فِي رَجَب لَيْلَة يكْتب لِلْعَامِلِ فِيهَا حَسَنَة مائَة سنة وَذَلِكَ لثلاث بَقينَ من رَجَب فَمن صلى فِيهَا اثْنَتَيْ عشرَة رَكْعَة يقْرَأ فِي كل رَكْعَة فَاتِحَة الْكتاب وَسورَة من الْقُرْآن يتَشَهَّد فِي كل رَكْعَتَيْنِ وَيسلم فِي آخِرهنَّ ثمَّ يَقُول: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر مائَة مرّة ويستغفر الله مائَة مرّة وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مائَة مرّة وَيَدْعُو لنَفسِهِ مَا شَاءَ من أَمر دُنْيَاهُ وآخرته وَيُصْبِح صَائِما فَإِن الله يستجيب دعاءه كُله إِلَّا أَن يَدْعُو فِي الْمعْصِيَة
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا أَضْعَف من الَّذِي قبله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ: إِنَّه مِنْكُن بِمرَّة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا خيرة الله من الشُّهُور شهر رَجَب وَهُوَ شهر الله من عظم شهر رَجَب فقد عظم أَمر الله وَمن عظم أَمر الله أدخلهُ جنَّات النَّعيم وَأوجب لَهُ رضوانه الْأَكْبَر وَشَعْبَان شَهْري فَمن عظم شهر شعْبَان فقد عظم أَمْرِي وَمن عظم أَمْرِي كنت لَهُ فرطا وذخراً يَوْم الْقِيَامَة وَشهر رَمَضَان شهر أمتِي فَمن عظم شهر رَمَضَان وَعظم حرمته وَلم ينتهكه وَصَامَ نَهَاره وَقَامَ ليله وَحفظ جوارحه خرج من رَمَضَان وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْب يَطْلُبهُ الله بِهِ
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صَوْم رَجَب كُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله} قَالَ: يقرب بهَا شَرّ النسىء مَا نقص من السّنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا فِي كتاب الله} ثمَّ
(4/186)
اخْتصَّ من ذَلِك أَرْبَعَة أشهر فجعلهن حرم وَعظم حرماتهن وَجعل الذَّنب فِيهِنَّ أعظم وَالْعَمَل الصَّالح وَالْأَجْر أعظم {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} قَالَ: فِي كُلهنَّ {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} يَقُول: جَمِيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} قَالَ: إِن الظُّلم فِي الشَّهْر الْحَرَام أعظم خَطِيئَة ووزراً من الظُّلم فِيمَا سواهُ وَإِن كَانَ الظُّلم على كل حَال عَظِيما وَلَكِن الله يعظم من أمره مَا شَاءَ وَقَالَ: إِن الله اصْطفى صفايا من خلقه اصْطفى من الْمَلَائِكَة رسلًا وَمن النَّاس رسلًا وَاصْطفى من الْكَلَام ذكره وَاصْطفى من الأَرْض الْمَسَاجِد وَاصْطفى من الشُّهُور رَمَضَان وَاصْطفى من الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة وَاصْطفى من اللَّيَالِي لية الْقدر فَعَظمُوا مَا عظم الله فَإِنَّمَا تعظم الْأُمُور لما عظمها الله تَعَالَى بِهِ عِنْد أهل الْفَهم وَالْعقل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} قَالَ: فِي الشُّهُور كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم} قَالَ: الظُّلم الْعَمَل لمعاصي الله وَالتّرْك لطاعته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل فِي قَوْله {وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة} قَالَ: نسخت هَذِه الْآيَة كل آيَة فِيهَا رخصَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن كَعْب قَالَ: اخْتَار الله الْبلدَانِ فَأحب الْبلدَانِ إِلَى الله الْبَلَد الْحَرَام وَاخْتَارَ الله الزَّمَان فاحب الزَّمَان إِلَى الله الْأَشْهر الْحرم واحب الْأَشْهر إِلَى الله ذُو الْحجَّة وَأحب ذُو الْحجَّة إِلَى الله الْعشْر الأول مِنْهُ وَاخْتَارَ الله الْأَيَّام فَأحب الْأَيَّام إِلَى الله يَوْم الْجُمُعَة وَأحب اللَّيَالِي إِلَى الله لَيْلَة الْقدر وَاخْتَارَ الله سَاعَات وَاللَّيْل وَالنَّهَار فَأحب السَّاعَات إِلَى الله سَاعَات الصَّلَوَات المكتوبات وَاخْتَارَ الله الْكَلَام فَأحب الْكَلَام إِلَى الله لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله
الْآيَة 37
(4/187)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (37)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: كَانَت الْعَرَب يحلونَ عَاما شهرا وعاماً شَهْرَيْن وَلَا يصيبون الْحَج إِلَّا فِي كل سِتَّة وَعشْرين سنة مرّة وَهُوَ النسىء الَّذِي ذكر الله تَعَالَى فِي كِتَابه فَلَمَّا كَانَ عَام الْحَج الْأَكْبَر ثمَّ حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعَام الْمقبل فَاسْتقْبل النَّاس الْأَهِلّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر قَالَ وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعقبَةِ فَقَالَ: إِن النسىء من الشَّيْطَان {زِيَادَة فِي الْكفْر يضل بِهِ الَّذين كفرُوا يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما} فَكَانُوا يحرمُونَ الْمحرم عَاما ويحرمون صفراً عَاما ويستحلون الْمحرم وَهُوَ النسىء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ جُنَادَة بن عَوْف الْكِنَانِي يُوفي الْمَوْسِم كل عَام وَكَانَ يكنى أَبَا ثمادة فينادي: أَلا أَن أَبَا ثمادة لَا يخَاف وَلَا يعاب أَلا إِن صفر الأول حَلَال وَكَانَ طوائف من الْعَرَب إِذا أَرَادوا أَن يُغيرُوا على بعض عدوهم أَتَوْهُ فَقَالُوا: أحل لنا هَذَا الشَّهْر - يعنون صفر - وَكَانَت الْعَرَب لَا تقَاتل فِي الْأَشْهر الْحرم فيحله لَهُم عَاما ويحرمه عَلَيْهِم فِي الْعَام الآخر وَيحرم الْمحرم فِي قَابل {ليواطئوا عدَّة مَا حرم الله} يَقُول: ليجعلوا الْحرم أَرْبَعَة غير أَنهم جعلُوا صفراً عَاما حَلَالا وعاماً حَرَامًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت النساة حَيا من بني مَالك من كنَانَة من بني تَمِيم فَكَانَ أخراهم رجلا يُقَال لَهُ القلمس وَهُوَ الَّذِي أنسأ الْمحرم وَكَانَ ملكا كَانَ يحل الْمحرم عَاما ويحرمه عَاما فَإِذا حرمه كَانَت ثَلَاثَة أشهر مُتَوَالِيَة ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَهِي الْعدة الَّتِي حرم الله فِي عهد إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا أحله دخل مَكَانَهُ صفر فِي الْمحرم ليواطئ الْعدة يَقُول: قد أكملت الْأَرْبَعَة كَمَا كَانَت لِأَنِّي لم أحل شهرا إِلَّا وَقد حرمت مَكَانَهُ شهرا فَكَانَت على ذَلِك الْعَرَب من يدين للقلمس بِملكه حَتَّى بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأكمل الْحرم ثَلَاثَة أشهر مُتَوَالِيَة وَرَجَب شهر مُضر الَّذِي بَين جُمَادَى وَشَعْبَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} قَالَ: نزلت فِي رجل من بني كنَانَة يُقَال لَهُ نسيّ كَانَ يَجْعَل الْمحرم صفراً ليستحل فِيهِ الْمَغَانِم
(4/188)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّاسِي رجلا من كنَانَة ذَا رَأْي يَأْخُذُونَ من رَأْيه رَأْسا فيهم فَكَانَ عَاما يَجْعَل الْمحرم صفراً فيغيرون فِيهِ ويستحلونه فيصيبون فيغنمون وَكَانَ عَاما يحرمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} الْآيَة
قَالَ: عمد أنَاس من أهل الضَّلَالَة فزادوا صفر فِي أشهر الْحرم وَكَانَ يقوم قَائِلهمْ فِي الْمَوْسِم فَيَقُول: إِن آلِهَتكُم قد حرمت صفر فيحرمونه ذَلِك الْعَام وَكَانَ يُقَال لَهما الصفران وَكَانَ أول من نسأ النسىء بَنو مَالك من كنَانَة وَكَانُوا ثَلَاثَة أَبُو ثُمَامَة صَفْوَان بن أُميَّة أحد بني تَمِيم بن الْحَرْث ثمَّ أحد بني كنَانَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا النسيء زِيَادَة فِي الْكفْر} قَالَ: فرض الله الْحَج فِي ذِي الْحجَّة وَكَانَ الْمُشْركُونَ يسمون الْأَشْهر ذِي الْحجَّة وَالْمحرم وصفر وربيع وربيع وجمادى وجمادى وَرَجَب وَشَعْبَان ورمضان وشوال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة ثمَّ يحجون فِيهِ ثمَّ يسكتون عَن الْمحرم فَلَا يذكرُونَهُ ثمَّ يعودون فيسمون صفر صفر ثمَّ يسمون رَجَب جُمَادَى الآخر ثمَّ يسمون شعْبَان رَمَضَان ورمضان شَوَّال ويسمون ذَا الْقعدَة شَوَّال ثمَّ يسمون ذَا الْحجَّة ذَا الْقعدَة ثمَّ يسمون الْمحرم ذَا الْحجَّة ثمَّ يحجون فِيهِ واسْمه عِنْدهم ذُو الْحجَّة ثمَّ عَادوا مثل هَذِه الْقِصَّة فَكَانُوا يحجون فِي كل شهر عَاما حَتَّى وَافق حجَّة أبي بكر رَضِي الله عَنهُ الْآخِرَة من الْعَام فِي ذِي الْقعدَة ثمَّ حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّته الَّتِي حج فِيهَا فَوَافَقَ ذُو الْحجَّة فَذَلِك حِين يَقُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ رجل من بني كنَانَة يُقَال لَهُ جُنَادَة بن عَوْف يكنى أَبَا أُمَامَة ينسئ الشُّهُور وَكَانَت الْعَرَب يشْتَد عَلَيْهِم أَن يمكثوا ثَلَاثَة أشهر لَا يُغيرُوا بَعضهم على بعض فَإِذا أَرَادَ أَن يُغير على أحد قَامَ يَوْمًا بمنى فَخَطب فَقَالَ: إِنِّي قد أحللت الْمحرم وَحرمت صفر مَكَانَهُ فَيُقَاتل النَّاس فِي الْمحرم فَإِذا كَانَ صفر عَمدُوا وَوَضَعُوا الأسنَّة ثمَّ يقوم فِي قَابل فَيَقُول: إِنِّي قد أحللت صفر وَحرمت الْمحرم فيواطئوا أَرْبَعَة أشهر فيحلوا الْمحرم
(4/189)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يحلونه عَاما ويحرمونه عَاما} قَالَ: هُوَ صفر كَانَت هوَازن وغَطَفَان يحلونه سنة ويحرمونه سنة
الْآيَة 38
(4/190)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)
أخرج سنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا مَا لكم إِذا قيل لكم انفروا} الْآيَة
قَالَ: هَذَا حِين أمروا بغزوة تَبُوك بعد الْفَتْح وحنين أَمرهم بالنفير فِي الصَّيف حِين خرقت الأَرْض فطابت الثِّمَار واشتهوا الظلال وشق عَلَيْهِم الْمخْرج فَأنْزل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (انفروا خفافا وثقالا) (التَّوْبَة الْآيَة 41)
قَوْله تَعَالَى: {أرضيتم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا من الْآخِرَة فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل} وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن المستور رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتذاكروا الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا الدُّنْيَا بَلَاغ للآخرة فِيهَا الْعَمَل وفيهَا الصَّلَاة وفيهَا الزَّكَاة وَقَالَت طَائِفَة مِنْهُم: الْآخِرَة فِيهَا الْجنَّة
وَقَالُوا مَا شَاءَ الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يمشي أحدكُم إِلَى اليم فَأدْخل أُصْبُعه فِيهِ فَمَا خرج مِنْهُ فَهِيَ الدُّنْيَا
وَأخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة عَن المستور بن شَدَّاد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت فِي ركب مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ مر بسخلة ميتَة فَقَالَ أَتَرَوْنَ هَذِه هَانَتْ على أَهلهَا حِين ألقوها قَالُوا: من هوانها ألقوها يَا رَسُول الله قَالَ: فالدنيا أَهْون على الله من هَذِه على أَهلهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جعل الدُّنْيَا قَلِيلا وَمَا بَقِي مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل كالثعلب فِي الغدير شرب صَفوه وَبَقِي كدره
(4/190)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: دخل عمر رَضِي الله عَنهُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ على حَصِير قد أثر فِي جنبه فَقَالَ: يَا رَسُول الله لَو اتَّخذت فرشاً أوثر من هَذَا فَقَالَ مَا لي وللدنيا وَمَا للدنيا وَمَا لي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا مثلي وَمثل الدُّنْيَا إِلَّا كراكب سَار فِي يَوْم صَائِف فاستظل تَحت شَجَرَة سَاعَة ثمَّ رَاح وَتركهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَام على حَصِير فَقَامَ وَقد أثر فِي جنبه فَقُلْنَا يَا رَسُول الله: لَو اتخذنا لَك فَقَالَ: مَا لي وللدنيا مَا أَنا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كراكب استظل تَحت ظلّ شَجَرَة ثمَّ رَاح وَتركهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سهل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي الحليفة فَرَأى شَاة شَائِلَة برجلها فَقَالَ أَتَرَوْنَ هَذِه الشَّاة هينة على صَاحبهَا قَالُوا: نعم يَا رَسُول الله
قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ للدنيا أَهْون على الله من هَذِه على صَاحبهَا وَلَو كَانَت تعدل عِنْد الله جنَاح بعوضة مَا سقِِي الْكَافِر مِنْهَا شربة مَاء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أحب دُنْيَاهُ أضرّ بآخرته وَمن أحب آخرته أضرَّ بدنياه فآثروا مَا يبْقى على مَا يفنى
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب المنامات وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنَّه لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا مثل الذُّبَاب تمور فِي جوها فَالله الله فِي اخوانكم من أهل الْقُبُور فَإِن أَعمالكُم تعرض عَلَيْهِم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أحب الله عبدا حماه من الدُّنْيَا كَمَا يحمي أحدكُم مريضه المَاء
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: حلوة الدُّنْيَا مرّة الْآخِرَة وَمرَّة الدُّنْيَا حلوة الْآخِرَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: أكلت لَحْمًا كثيرا وثريداً ثمَّ جِئْت فَقَعَدت قبال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعلت أتجشأ فَقَالَ اقصر من جشائك فَإِن أَكثر النَّاس شبعاً فِي الدُّنْيَا أَكْثَرهم جوعا فِي الْآخِرَة
(4/191)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَائِشَة إِن أردْت اللحوق بِي فليكفك من الدُّنْيَا كزاد الرَّاكِب وَلَا تستخلفي ثوبا حَتَّى ترقعيه وَإِيَّاك ومجالسة الْأَغْنِيَاء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن سعد بن طَارق رَضِي الله عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعمت الدَّار الدُّنْيَا لمن تزوّد مِنْهَا لآخرته حَتَّى يُرْضِي ربه وبئست الدَّار لمن صدته عَن آخرته وَقصرت بِهِ عَن رضَا ربه وَإِذا قَالَ العَبْد: قبَّح الله الدُّنْيَا
قَالَت الدُّنْيَا: قبح الله أعصانا لرَبه
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن سعد رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعظ فَقَالَ: ازهد الدُّنْيَا يحبك الله وازهد فِيمَا فِي أَيدي النَّاس يحبك النَّاس
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدُّنْيَا سجن الْمُؤمن وسننه فَإِذا خرج من الدُّنْيَا فَارق السجْن وَالسّنة
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أصبح وَالدُّنْيَا أكبر همه فَلَيْسَ من الله فِي شَيْء وَمن لم يهتم للْمُسلمين فَلَيْسَ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ عَن أشياخه قَالَ: دخل سعد رَضِي الله عَنهُ على سلمَان يعودهُ فَبكى فَقَالَ سعد: مَا يبكيك يَا أَبَا عبد الله قَالَ: توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ عَنْك رَاض وَترد عَلَيْهِ الْحَوْض وتلقى أَصْحَابك
قَالَ: مَا أبْكِي جزعاً من الْمَوْت وَلَا حرصاً على الدُّنْيَا وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد إِلَيْنَا عهدا
قَالَ ليكن بلغَة أحدكُم من الدُّنْيَا كزاد الرَّاكِب
وحولي هَذِه الأساودة وَإِنَّمَا حوله اجانة وجفنة ومطهرة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي على النَّاس زمَان يَتَحَلَّقُونَ فِي مَسَاجِدهمْ وَلَيْسَ هَمهمْ إِلَّا الدُّنْيَا لَيْسَ لله فيهم حَاجَة فَلَا تُجَالِسُوهُمْ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْتَرَبت السَّاعَة وَلَا يزْدَاد النَّاس على الدُّنْيَا إِلَّا حرصاً وَلَا يزدادون من الله إِلَّا بعدا
(4/192)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن سُفْيَان قَالَ: كتب عمر إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: لَو كَانَت الدُّنْيَا تزن عِنْد الله جنَاح ذُبَابَة مَا سقى مِنْهَا كَافِرًا شربة مَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن المستور قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يَجْعَل أحدكُم أُصْبُعه فِي اليم ثمَّ يرفعها فَلْينْظر ثمَّ يرجع
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: قلت يَا أَبَا هُرَيْرَة: سَمِعت اخواني بِالْبَصْرَةِ يَزْعمُونَ أَنَّك تَقول: سَمِعت نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله يَجْزِي بِالْحَسَنَة ألف ألف حَسَنَة فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله يَجْزِي بِالْحَسَنَة ألفي ألف حَسَنَة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل} فالدنيا مَا مضى مِنْهَا إِلَى مَا بَقِي مِنْهَا عِنْد الله قَلِيل وَقَالَ (من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة) (الْبَقَرَة الْآيَة 245) فَكيف الْكثير عِنْد الله تَعَالَى إِذا كَانَت الدُّنْيَا مَا مضى مِنْهَا وَمَا بَقِي عِنْد الله قَلِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا قَلِيل} كزاد الرَّاعِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي حَازِم قَالَ: لما حضرت عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان الْوَفَاة قَالَ: ائْتُونِي بكفني الَّذِي أكفن فِيهِ أنظر إِلَيْهِ فَلَمَّا وضع بَين يَدَيْهِ نظر إِلَيْهِ فَقَالَ: أمالي كثير مَا أخلف من الدُّنْيَا إِلَّا هَذَا ثمَّ ولى ظَهره وَبكى وَقَالَ: أُفٍّ لَك من دَار إِن كَانَ كثيرك الْقَلِيل وَإِن كَانَ قليلك الْكثير وَإِن كُنَّا مِنْك لفي غرور
الْآيَة 39
(4/193)
إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا} قَالَ: أَن رَسُول الله
(4/193)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتنْفرَ حَيا من أَحيَاء الْعَرَب فتثاقلوا عَنهُ فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة فَأمْسك عَنْهُم الْمَطَر فَكَانَ ذَلِك عَذَابهمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت {إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا} وَقد كَانَ تخلف عَنهُ نَاس فِي البدو يفقهُونَ قَومهمْ فَقَالَ المُنَافِقُونَ: قد بَقِي نَاس فِي الْبَوَادِي
وَقَالُوا: هلك أَصْحَاب الْبَوَادِي فَنزلت (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة) (التَّوْبَة الْآيَة 122)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا} قَالَ: نسختها (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة)
الْآيَة 40
(4/194)
إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} قَالَ: ذكر مَا كَانَ من أول شَأْنه حَتَّى بعث يَقُول الله: فَأَنا فَاعل ذَلِك بِهِ وناصره كَمَا نصرته إِذْ ذَاك وَهُوَ ثَانِي اثْنَيْنِ
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اشْترى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ من عَازِب رجلا بِثَلَاثَة عشر درهما فَقَالَ لعازب: مر الْبَراء فليحمله إِلَى منزلي
فَقَالَ: لَا حَتَّى تحدثنا كَيفَ صنعت حَيْثُ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت مَعَه فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله
(4/194)
عَنهُ: خرجنَا فأدلجنا فأحثثنا يَوْمًا وَلَيْلَة حَتَّى أظهرنَا وَقَامَ قَائِم الظهيرة فَضربت ببصري هَل أرى ظلاً فآوي إِلَيْهِ فَإِذا أَنا بصخرة فَأَهْوَيْت إِلَيْهَا فَإِذا بَقِيَّة ظلها فسويته لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفرشت لَهُ فَرْوَة وَقلت اضْطجع يَا رَسُول الله فاضطجع ثمَّ خرجت أنظر هَل أرى أحدا من الطّلب فَإِذا أَنا براعي غنم فَقلت: لمن أَنْت يَا غُلَام فَقَالَ: لرجل من قُرَيْش فَسَماهُ فعرفته فَقلت: هَل فِي غنمك من لبن قَالَ: نعم
فَقلت: وَهل أَنْت حالب لي قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَمَرته فاعتقل لي شَاة مِنْهَا ثمَّ أَمرته فنفض ضرْعهَا من الْغُبَار ثمَّ أَمرته فنفض كفيه وَمَعِي اداوة على فمها خرقَة فَحلبَ لي كثبة من اللَّبن فَصَبَبْت على الْقدح من المَاء حَتَّى برد أَسْفَله ثمَّ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوافقته قد اسْتَيْقَظَ فَقلت: اشرب يَا رَسُول الله فَشرب حَتَّى رضيت ثمَّ قلت: هَل آن الرحيل قَالَ: فارتحلنا وَالْقَوْم يطلبونا فَلم يدركنا مِنْهُم إِلَّا سراقَة على فرس لَهُ فَقلت: يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا فَقَالَ: لَا تحزن إِن الله مَعنا حَتَّى إِذا دنا فَكَانَ بَيْننَا وَبَينه قدر رمح أَو رُمْحَيْنِ أَو ثَلَاثَة فَقلت: يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا وبكيت
قَالَ: لم تبك
فَقلت: أما وَالله لَا أبْكِي على نَفسِي وَلَكِنِّي أبْكِي عَلَيْك
فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ اللهمَّ اكفناه بِمَا شِئْت فساخت فرسه إِلَى بَطنهَا فِي أَرض صلد ووثب عَنْهَا وَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن هَذَا عَمَلك فَادع الله أَن ينجيني مِمَّا أَنا فِيهِ فوَاللَّه لأعمين على من ورائي من الطّلب وَهَذِه كِنَانَتِي فَخذ مِنْهَا سَهْما فَإنَّك ستمر بإبلي وغنمي فِي مَوضِع كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهَا حَاجَتك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا حَاجَة لي فِيهَا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأطلق وَرجع إِلَى أَصْحَابه وَمضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه حَتَّى قدمنَا الْمَدِينَة فَتَلقاهُ النَّاس فَخَرجُوا على الطّرق وعَلى الأجاجير وَاشْتَدَّ الخدم وَالصبيان فِي الطّرق الله أكبر جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحَمَّد تنَازع الْقَوْم أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزل اللَّيْلَة على بني النجار أخوال عبد الْمطلب لأكرمهم بذلك
فَلَمَّا أصبح غَدا حَيْثُ أَمر
وَأخرج البُخَارِيّ عَن سراقَة بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرجت أطلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى إِذا دَنَوْت مِنْهُمَا عثرت بِي فرسي فَقُمْت فركبت حَتَّى إِذا سَمِعت قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لَا يلْتَفت وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يكثر التلفت ساخت يدا فرسي فِي الأَرْض حَتَّى بلغتا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا ثمَّ
(4/195)
زجرتها فَنَهَضت فَلم تكد تخرج يَديهَا فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة إِذا لأثر يَديهَا عنان سَاطِع فِي السَّمَاء مثل الدُّخان فناديتهما بالأمان: فوقفا لي وَوَقع فِي نَفسِي حِين لقِيت مَا لقِيت من الْحَبْس عَنْهُمَا أَنه سَيظْهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل لحق بِغَار ثَوْر قَالَ: وَتَبعهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حسَّه خَلفه خَافَ أَن يكون الطّلب فَلَمَّا رأى ذَلِك أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ تنحنح فَلَمَّا سمع ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرفه فَقَامَ لَهُ حَتَّى تبعه فَأتيَا الْغَار فَأَصْبَحت قُرَيْش فِي طلبه فبعثوا إِلَى رجل من قافة بني مُدْلِج فتبع الْأَثر حَتَّى انْتهى إِلَى الْغَار وعَلى بَابه شَجَرَة فَبَال فِي أَصْلهَا الْقَائِف ثمَّ قَالَ: مَا جَازَ صَاحبكُم الَّذِي تطلبون هَذَا الْمَكَان
قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِك حزن أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحزن إِن الله مَعنا قَالَ: فَمَكثَ هُوَ وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فِي الْغَار ثَلَاثَة أَيَّام يخْتَلف إِلَيْهِم بِالطَّعَامِ عَامر بن فهَيْرَة وَعلي يجهزهم فاشتروا ثَلَاثَة أباعر من إبل الْبَحْرين واستأجر لَهُم دَلِيلا فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيْل من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَتَاهُم عَليّ رَضِي الله عَنهُ بالإِبل وَالدَّلِيل فَركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاحِلَته وَركب أَبُو بكر أُخْرَى فتوجهوا نَحْو الْمَدِينَة وَقد بعثت قُرَيْش فِي طلبه
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعلي وَعَائِشَة بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهُم وَعَائِشَة بنت قدامَة وسراقة بن جعْشم دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقَوْم جُلُوس على بَابه فَأخذ حفْنَة من الْبَطْحَاء فَجعل يدرها على رؤوسهم وَيَتْلُو (يس
وَالْقُرْآن الْحَكِيم) (يس الْآيَة 1 - 2) الْآيَات وَمضى فَقَالَ لَهُم قَائِل مَا تنتظرون قَالُوا: مُحَمَّدًا
قَالَ: قد - وَالله - مر بكم
قَالُوا: وَالله مَا أبصرناه وَقَامُوا يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى غَار ثَوْر فدخلاه وَضربت العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض وطلبته قُرَيْش أَشد الطّلب حَتَّى انْتَهَت إِلَى بَاب الْغَار فَقَالَ بَعضهم: إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا قبل مِيلَاد مُحَمَّد
(4/196)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن عَائِشَة بنت قدامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لقد خرجت من الخوخة متنكراً فَكَانَ أول من لَقِيَنِي أَبُو جهل فَعمى الله بَصَره عني وَعَن أبي بكر حَتَّى مضينا
وَأخرج أَبُو نعيم عَن أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله عَنْهَا أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ رأى رجلا مواجه الْغَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّه لرائينا
قَالَ: كلا إِن الْمَلَائِكَة تستره الْآن بأجنحتها فَلم ينشب الرجل أَن قعد يَبُول مستقبلهما
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا بكر لَو كَانَ يراك مَا فعل هَذَا
وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دخل الْغَار ضربت العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى فَم الْغَار قَالَ قَائِل مِنْهُم: ادخُلُوا الْغَار فَقَالَ أُميَّة بن خلف: وَمَا أربكم إِلَى الْغَار إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا كَانَ قبل مِيلَاد مُحَمَّد فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل العنكبوت قَالَ: إِنَّهَا جند من جنود الله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَطاء بن أبي ميسرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نسجت العنكبوت مرَّتَيْنِ
مرّة على دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام حِين كَانَ طالوت يَطْلُبهُ وَمرَّة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ الْتفت أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِذا هُوَ بِفَارِس قد لحقهم فَقَالَ: يَا نَبِي الله هَذَا فَارس قد لحقنا
فَقَالَ اللهمَّ اصرعه
فصرع عَن فرسه فَقَالَ: يَا نَبِي الله مرني بِمَا شِئْت
قَالَ: تقف مَكَانك لَا تتركن أحدا يلْحق بِنَا
فَكَانَ أول النَّهَار جاهداً على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي آخر النَّهَار مسلحة لَهُ وَفِي ذَلِك يَقُول سراقَة مُخَاطبا لأبي جهل: أَبَا حكم لَو كنت وَالله شَاهدا لأمر جوادي أَن تسيخ قوائمه علمت وَلم تشكك بِأَن مُحَمَّدًا رَسُول ببرهان فَمن ذَا يقاومه وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن ضبة بن مُحصن العبري قَالَ: قلت لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: أَنْت خير من أبي بكر فَبكى وَقَالَ: وَالله لَليلة من أبي بكر وَيَوْم خير من عمر هَل لَك أَن أحَدثك بليلته ويومه قَالَ: قلت: نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
قَالَ: أما ليلته فَلَمَّا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَارِبا من أهل مَكَّة
(4/197)
خرج لَيْلًا فَتَبِعَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَجعل يمشي مرّة أَمَامه وَمرَّة خَلفه وَمرَّة عَن يَمِينه وَمرَّة عَن يسَاره فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هَذَا يَا أَبَا بكر مَا أعرف هَذَا من فعلك قَالَ: يَا رَسُول الله اذكر الرصد فَأَكُون أمامك وَاذْكُر الطّلب فَأَكُون من خَلفك وَمرَّة عَن يَمِينك وَمرَّة عَن يسارك لَا آمن عَلَيْك
فَمشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلته على أَطْرَاف أَصَابِعه حَتَّى حفيت رِجْلَاهُ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا قد حفيت حمله على كَاهِله وَجعل يشد بِهِ حَتَّى أَتَى فَم الْغَار فأنزله ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا تدخله حَتَّى أدخلهُ فَإِن كَانَ فِيهِ شَيْء نزل بِي قبلك فَدخل فَلم ير شَيْئا فَحَمله فَأدْخلهُ وَكَانَ فِي الْغَار خرق فِيهِ حيات وأفاعي فخشي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَن يخرج مِنْهُنَّ شَيْء يُؤْذِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألقمه قدمه فَجعلْنَ يضربنه وتلسعه الأفاعي والحيات وَجعلت دُمُوعه تتحدر وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَهُ: يَا أَبَا بكر لَا تحزن إِن الله مَعنا فَأنْزل الله سكينته أَي طمأنينته لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَهَذِهِ ليلته
وَأما يَوْمه فَلَمَّا توفّي رَسُول الله وارتدت الْعَرَب فَقَالَ بَعضهم: نصلي وَلَا نزكي
وَقَالَ بَعضهم: لَا نصلي وَلَا نزكي فَأَتَيْته وَلَا آلوه نصحاً فَقلت: يَا خَليفَة رَسُول الله تألف النَّاس وارفق بهم
فَقَالَ: جَبَّار فِي الْجَاهِلِيَّة خوّار فِي الإِسلام بِمَاذَا تألفهم أبشعر مفتعل أَو بِشعر مفتري قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وارتفع الْوَحْي فوَاللَّه لَو مَنَعُونِي عقَالًا مِمَّا كَانُوا يُعْطون لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقاتلتهم عَلَيْهِ
قَالَ: فقاتلنا مَعَه فَكَانَ - وَالله - رشيد الْأَمر فَهَذَا يَوْمه
وَأخرج أَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن شهَاب رَضِي الله عَنهُ وَعُرْوَة رَضِي الله عَنهُ
أَنهم ركبُوا فِي كل وَجه يطْلبُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبعثوا إِلَى أهل الْمِيَاه يأمرونهم ويجعلون لَهُ الْجعل الْعَظِيم وَأتوا على ثَوْر الْجَبَل الَّذِي فِيهِ الْغَار الَّذِي فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى طلعوا فَوْقه وَسمع أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْوَاتهم وأشفق أَبُو بكر وَأَقْبل عَلَيْهِ الْهم وَالْخَوْف فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحزن إِن الله مَعنا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت عَلَيْهِ سكينَة من الله فَأنْزل الله سكينته على رَسُوله وعَلى الْمُؤمنِينَ {وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى وَكلمَة الله هِيَ الْعليا وَالله عَزِيز حَكِيم}
وَأخرج ابْن شاهين وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن حبشِي بن جُنَادَة قَالَ: قَالَ
(4/198)
أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله لَو أَن أحدا من الْمُشْركين رفع قدمه لَأَبْصَرنَا
قَالَ يَا أَبَا بكر لَا تحزن إِن الله مَعنا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الَّذين طلبوهم صعدوا الْجَبَل فَلم يبْق أَن يدخلُوا
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أَتَيْنَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحزن إِن الله مَعنا وَانْقطع الْأَثر فَذَهَبُوا يَمِينا وَشمَالًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج رَسُول الله وَخرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مَعَه لم يَأْمَن على نَفسه غَيره حَتَّى دخلا الْغَار
وَأخرج ابْن شاهين وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر أَنْت صَاحِبي فِي الْغَار وَأَنت معي على الْحَوْض
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من حَدِيث ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة
مثله
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحسان رَضِي الله عَنهُ: هَل قلت فِي أبي بكر شَيْئا قَالَ: نعم
قَالَ: قل وَأَنا أسمع
فَقَالَ: وَثَانِي اثْنَيْنِ فِي الْغَار المنيف وَقد طَاف العدوّ بِهِ إِذْ صاعد الجبلا وَكَانَ حب رَسُول الله قد علمُوا من الْبَريَّة لم يعدل بِهِ رجلا فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه ثمَّ قَالَ: صدقت يَا حسان هُوَ كَمَا قلت
وَأخرج خَيْثَمَة بن سُلَيْمَان الاطرابلسي فِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله ذمّ النَّاس كلهم ومدح أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن إِن الله مَعنا}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَن قَالَ: مَا دخلني اشفاق من شَيْء وَلَا دخلني فِي الدّين وَحْشَة إِلَى أحد بعد لَيْلَة الْغَار فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رأى اشفاقي عَلَيْهِ وعَلى الدّين قَالَ لي هوّن عَلَيْك فَإِن الله قد قضى لهَذَا الْأَمر بالنصر والتمام
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عَاتب الله
(4/199)
الْمُسلمين جَمِيعًا فِي نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير أبي بكر رَضِي الله عَنهُ وَحده فَإِنَّهُ خرج من المعاتبة ثمَّ قَرَأَ {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله} الْآيَة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد عَاتب الله جَمِيع أهل الأَرْض فَقَالَ {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن يحيى قَالَ: أَخْبرنِي بعض أَصْحَابنَا قَالَ: قَالَ شَاب من أَبنَاء الصَّحَابَة فِي مجْلِس فِيهِ الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصّديق: وَالله مَا كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من موطن إِلَّا وَأبي فِيهِ مَعَه
قَالَ: يَا ابْن أخي لَا تحلف
قَالَ: هلمَّ
قَالَ: بلَى مَا لَا ترده قَالَ الله {ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَأَبُو عوَانَة وَابْن حبَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حَدثنِي أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فَرَأَيْت آثَار الْمُشْركين فَقلت: يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم رفع قدمه لَأَبْصَرنَا تَحت قدمه
فَقَالَ: يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ
انهما لما انتهيا إِلَى الْغَار إِذا جُحر فالقمه أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ رجلَيْهِ قَالَ: يَا رَسُول الله إِن كَانَت لدغة أَو لسعة كَانَت فيَّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما كَانَت لَيْلَة الْغَار قَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله دَعْنِي فلأدخل قبلك فَإِن كانْت حَيَّة أَو شَيْء كَانَت فيَّ قبلك
قَالَ ادخل
فَدخل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَجعل يلمس بيدَيْهِ فَكلما رأى جحراً قَالَ بِثَوْبِهِ فشقه ثمَّ ألقمه الْجُحر حَتَّى فعل ذَلِك بِثَوْبِهِ أجمع وَبَقِي جُحر فَوضع عَلَيْهِ عقبه وَقَالَ: أَدخل
فَلَمَّا أصبح قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَأَيْنَ ثَوْبك فَأخْبرهُ بِالَّذِي صنع فَرفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَيْهِ وَقَالَ: اللهمَّ اجْعَل أَبَا بكر معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة
فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن الله قد اسْتَجَابَ لَك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جُنْدُب بن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما انْطلق أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْغَار قَالَ لَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: لَا تدخل يَا رَسُول الله حَتَّى استبرئه
فَدخل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ الْغَار
فَأصَاب يَده شَيْء فحعل يمسح الدَّم عَن أُصْبُعه وَهُوَ يَقُول:
(4/200)
هَل أَنْت إِلَّا أصْبع دميت وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جعدة بن هُبَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: لَو رَأَيْتنِي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ صعدنا الْغَار فَأَما قدما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتفطرتا دَمًا وَأما قَدَمَايَ فعادتا كَأَنَّهُمَا صَفْوَان
قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتعوّد الحفية
وَأخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مُصعب قَالَ: أدْركْت أنس بن مَالك وَزيد بن أَرقم والمغيرة بن شُعْبَة فَسَمِعتهمْ يتحدثون أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْغَار أَمر الله شَجَرَة فَنَبَتَتْ فِي وَجه النَّبِي فَسترته وَأمر الله العنكبوت فَنسجَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فوقفتا بِفَم الْغَار وَأَقْبل فتيَان قُرَيْش من كل بطن رجل بِعِصِيِّهِمْ وأسيافهم وهراويهم حَتَّى إِذا كَانُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدر أَرْبَعِينَ ذِرَاعا فَنزل بَعضهم فَنظر فِي الْغَار فَرجع إِلَى أَصْحَابه فَقَالُوا: مَا لَك لم تنظر فِي الْغَار فَقَالَ: رَأَيْت حَمَامَتَيْنِ بِفَم الْغَار فَعرفت أَن لَيْسَ فِيهِ أحد
فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ فَعرف أَن الله دَرأ عَنهُ بهما فَسَمت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِنَّ وَفرض جزاءهن وانحدرن فِي الْحرم فَأخْرج ذَلِك الزَّوْج كل شَيْء فِي الْحرم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ أَبُو بكر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فعطش فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اذْهَبْ إِلَى صدر الْغَار فَاشْرَبْ
فَانْطَلق أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى صدر الْغَار فَشرب مِنْهُ مَاء أحلى من الْعَسَل وأبيض من اللَّبن وأزكى رَائِحَة من الْمسك ثمَّ عَاد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله أَمر الْملك الْمُوكل بأنهار الْجنَّة أَن خرق نَهرا من جنَّة الفردوس إِلَى صدر الْغَار لتشرب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره لقد عوتب أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نصرته إِلَّا أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِن الله تَعَالَى {إِلَّا تنصروه فقد نَصره الله إِذْ أخرجه الَّذين كفرُوا ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار} خرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَالله من المعتبة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سَالم بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ - وَكَانَ من أهل الصّفة - قَالَ: أَخذ عمر بيد أبي بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَقَالَ: من لَهُ هَذِه الثَّلَاث
(إِذْ يَقُول لصَاحبه) من صَاحبه (إِذْ هما فِي الْغَار) من هما (لَا تحزن إِن الله مَعنا)
(4/201)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن الْحَارِث عَن أَبِيه أَن أَبَا بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَيّكُم يقْرَأ سُورَة التَّوْبَة قَالَ: رجل: أَنا
قَالَ: اقْرَأ
فَلَمَّا بلغ {إِذْ يَقُول لصَاحبه لَا تحزن} بَكَى وَقَالَ: وَالله أَنا صَاحبه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ صَاحبه أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ والغار جبل بِمَكَّة يُقَال لَهُ ثَوْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر أخي وصاحبي فِي الْغَار فاعرفوا ذَلِك لَهُ فَلَو كنت متخذا خَلِيلًا لَا تخذت أَبَا بكر خَلِيلًا سدوا كل خوخة فِي هَذَا الْمَسْجِد غير خوخة أبي بكر
وَأخرج ابْن مردوية عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو اتَّخذت خَلِيلًا غير رَبِّي لاتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن أخي وصاحبي فِي الْغَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِذْ هما فِي الْغَار} قَالَ: الْغَار الَّذِي فِي الْجَبَل الَّذِي يُسمى ثوراً
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: رَأَيْت قوما يصعدون حراء فَقلت: مَا يلْتَمس هَؤُلَاءِ فِي حراء فَقَالُوا: الْغَار الَّذِي اخْتَبَأَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ
قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: مَا اخْتَبَأَ فِي حراء إِنَّمَا اخْتَبَأَ فِي ثَوْر وَمَا كَانَ أحد يعلم مَكَان ذَلِك الْغَار إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر وَأَسْمَاء بنت أبي بكر فَإِنَّهُمَا كَانَا يَخْتَلِفَانِ إِلَيْهِمَا وعامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ كَانَ إِذا سرح غنمه مر بهما فَحلبَ لَهما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مكث أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار ثَلَاثًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: لم أَعقل أبويَّ قطّ إِلَّا وهما يدينان الدّين وَلم يمر علينا يَوْم إِلَّا يأتينا فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرفِي النَّهَار بكرَة وَعَشِيَّة وَلما ابْتُلِيَ الْمُسلمُونَ خرج أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مُهَاجرا قبل أَرض الْحَبَشَة حَتَّى إِذا بلغ برك الغماد لقِيه ابْن الدغنة وَسيد القارة فَقَالَ ابْن الدغنة: أَيْن تُرِيدُ يَا أَبَا بكر فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: أخرجني قومِي فَأُرِيد أَن أسيح فِي الأَرْض فأعبد رَبِّي
قَالَ ابْن الدغنة: فَإِن مثلك يَا أَبَا بكر لَا يخرج وَلَا يخرج إِنَّك تكسب الْمَعْدُوم
(4/202)
وَتصل الرَّحِم وَتحمل الْكل وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق فَأَنا لَك جَار
فأنفذت قُرَيْش جوَار ابْن الدغنة وأمنوا أَبَا بكر وَقَالُوا لِابْنِ الدغنة: مر أَبَا بكر فليعبد ربه فِي دَاره وَليصل فِيهَا مَا شَاءَ وليقرأ مَا شَاءَ وَلَا يؤذينا وَلَا يشتغلن بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَة فِي غير دَاره
فَفعل ثمَّ بدا لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيقْرَأ فيتقصف عَلَيْهِ نسَاء الْمُشْركين وأبناؤهم يعْجبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله رجلا بكاء لَا يملك دمعه حِين يقْرَأ الْقُرْآن فأفزع ذَلِك أَشْرَاف قُرَيْش فأرسلوا إِلَى ابْن الدغنة فَقدم عَلَيْهِم فَقَالُوا: إنَّا أجرنا أَبَا بكر على أَن يعبد ربه فِي دَاره وَإنَّهُ جَاوز ذَلِك فابتنى مَسْجِدا بِفنَاء دَاره وأعلن الصَّلَاة وَالْقِرَاءَة وَإِنَّا خشينا أَن يفتن نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَإِن أحب أَن يقْتَصر أَن يعبد ربه فِي دَاره فعل وَإِن أَبى إِلَّا أَن يعلن ذَلِك فسله أَن يرد إِلَيْك ذِمَّتك فإنَّا قد كرهنا أَن نخفرك ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان
فَأتى ابْن الدغنة أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: يَا أَبَا بكر قد علمت الَّذِي عقدت لَك عَلَيْهِ فَأَما أَن تقتصر على ذَلِك وَإِمَّا أَن ترد إِلَيّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أحب أَن تسمع الْعَرَب أَنِّي خفرت فِي عقد رجل عقدت لَهُ
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فَإِنِّي أرد إِلَيْك جوارك وأرضى بجوار الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ بِمَكَّة - قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْمُسلمين قد أريت دَار هجرتكم رَأَيْت سبخَة ذَات نخل بَين لابتين وهما حرتان فَهَاجَرَ من هَاجر قبل الْمَدِينَة حِين ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجع إِلَى الْمَدِينَة بعض من كَانَ هَاجر إِلَى أَرض الْحَبَشَة من الْمُسلمين وتجهز أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مُهَاجرا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على رسلك فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: وترجو ذَلِك بِأبي أَنْت قَالَ: نعم
فحبس أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ نَفسه على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصحبته وعلف راحلتين كَانَتَا عِنْده ورق السمر أَرْبَعَة أشهر
فَبَيْنَمَا نَحن جُلُوس فِي بيتنا فِي نحر الظهيرة قَالَ قَائِل لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ: هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقبلا فِي سَاعَة لم يكن يأتينا فِيهَا فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فدَاه أبي وَأمي إِن جَاءَ بِهِ فِي هَذِه السَّاعَة إِلَّا أَمر فجَاء رَسُول الله فَاسْتَأْذن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأذن لَهُ فَدخل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دخل لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ أخرج من عنْدك
فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّمَا هم أهلك بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(4/203)
فَإِنَّهُ قد أذن لي بِالْخرُوجِ
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فالصحابة بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: نعم
فَقَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: فَخذ بِأبي أَنْت يَا رَسُول الله إِحْدَى رَاحِلَتي هَاتين
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بِالثّمن
فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: فجهزناهما أحسن الجهاز فصنعنا لَهما سفرة من جراب فَقطعت أَسمَاء بنت أبي بكر من نطاقها فأوكت بِهِ الجراب - فَلذَلِك كَانَت تسمى ذَات النطاقين - وَلحق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر بِغَار فِي جبل يُقَال لَهُ ثَوْر فمكثا فِيهِ ثَلَاث لَيَال يبيت عِنْدهمَا عبد الله بن أبي بكر وَهُوَ غُلَام شَاب لقن ثقف فَيخرج من عِنْدهمَا سحرًا فَيُصْبِح مَعَ قُرَيْش بِمَكَّة كبائت فَلَا يسمع أَمر يكَاد أَن بِهِ إِلَّا وعاه حَتَّى يأتيهما بِخَبَر ذَلِك حِين يخْتَلط الظلام ويرعى عَلَيْهِمَا عَامر بن فهَيْرَة مولى لأبي بكر منيحة من غنم فيريحها عَلَيْهِمَا حِين يذهب بِغَلَس سَاعَة من اللَّيْل فيبيتان فِي رسلهما حَتَّى ينعق بهما عَامر بن فهَيْرَة بِغَلَس يفعل ذَلِك كل لَيْلَة من تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاث
واستأجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من بني الديل ثمَّ من بني عبد بن عدي هاديا خريتا - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يَمِين حلف فِي آل الْعَاصِ بن وَائِل وَهُوَ على دين كفار قُرَيْش فأمناه فدفعا إِلَيْهِ راحلتيهما وواعداه غَار ثَوْر بعد ثَلَاث لَيَال فأتاهما براحلتيهما صَبِيحَة ثَلَاث لَيَال فارتحلا فانطل مَعَهُمَا عَامر بن فهَيْرَة مولى أبي بكر وَالدَّلِيل الديلِي فَأخذ بهم طَرِيقا آخر وَهُوَ طَرِيق السَّاحِل قَالَ الزُّهْرِيّ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن مَالك المدلجي وَهُوَ ابْن أخي سراقَة بن حعشم: إِن أَبَاهُ أخبرهُ أَنه سمع سراقَة يَقُول: جاءتنا رسل كفار قُرَيْش يجْعَلُونَ فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر رَضِي الله عَنهُ دِيَة كل وَاحِد مِنْهُمَا لمن قَتلهمَا أَو أسرهما
فَبَيْنَمَا أَنا جَالس فِي مجْلِس من مجَالِس قومِي بني مُدْلِج أقبل رجل مِنْهُم حَتَّى قَامَ علينا فَقَالَ: يَا سراقَة إِنِّي رَأَيْت آنِفا أَسْوِدَة بالسَّاحل لَا أَرَاهَا إِلَّا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه قَالَ سراقَة: فَعرفت أَنهم هم
فَقلت: إِنَّهُم لَيْسُوا بهم وَلَكِن رَأَيْت فلَانا وَفُلَانًا انْطَلقُوا ثمَّ لَبِثت فِي الْمجْلس حَتَّى قُمْت فَدخلت بَيْتِي وَأمرت جاريتي أَن تخرج لي فرسي وَهِي من وَرَاء أكمة فتحبسها عَليّ وَأخذت رُمْحِي فَخرجت بِهِ من ظهر الْبَيْت فخططت برمحي الأَرْض وخفضت عالية الرمْح حَتَّى أتيت فرسي فركبتها ودفعتها تقرب بِي حَتَّى رَأَيْت أسودتهما فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُم حَيْثُ يسمعهم الصَّوْت
(4/204)
عثرت بِي فرسي فَخَرَرْت عَنْهَا فَقُمْت فَأَهْوَيْت بيَدي إِلَى كِنَانَتِي فاستخرجت مِنْهَا الأزلام فاستقسمت بهَا أضرهم أم لَا فَخرج الَّذِي أكره أَن لَا أضرهم فركبت فرسي وعصيت الأزلام حَتَّى إِذا سَمِعت قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لَا يلْتَفت وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يكثر الِالْتِفَات ساخت يدا فرسي فِي الأَرْض حَتَّى بلغت الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا فجررتها فَنَهَضت فَلم تكد تخرج يداها فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة إِذا لأثر يَديهَا عثان سَاطِع فِي السَّمَاء من الدُّخان فاستقسمت بالأزلام فَخرج الَّذِي أكره أَن لَا أضرهم فناديتهم بالأمان فَوقف وَركبت فرسي حَتَّى جئتهم وَوَقع فِي نَفسِي حِين لقِيت مَا لقِيت من الْحَبْس عَنْهُم أَنه سَيظْهر أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ: إِن قَوْمك قد جعلُوا فِيك الدِّيَة وَأَخْبَرتهمْ من أَخْبَار سفرهم وَمَا يُرِيد النَّاس بهم وَعرضت عَلَيْهِم الزَّاد وَالْمَتَاع فَلم يرزآني شَيْئا وَلم يسألاني إِلَّا أَن أخف عَنَّا فَسَأَلته أَن يكْتب لي كتابا موادعة آمن بِهِ فَأمر عَامر بن فهَيْرَة فَكتب لي فِي رقْعَة من أَدِيم ثمَّ مضى
قَالَ الزُّهْرِيّ: وَأَخْبرنِي عُرْوَة بن الزبير أَنه لَقِي الزبير وركبا من الْمُسلمين كَانُوا تجارًا بِالشَّام قابلين إِلَى مَكَّة فعرفوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر فكساهم ثِيَاب بيض وَسمع الْمُسلمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِخُرُوج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانُوا يَغْدُونَ كل غَدَاة إِلَى الْحرَّة فينتظرونه حَتَّى يؤذيهم حر الظهيرة فانقلبوا يَوْمًا بَعْدَمَا أطالوا انْتِظَاره فَلَمَّا أووا إِلَى بُيُوتهم أوفى رجل من يهود أطما من آطامهم لأمر ينظر إِلَيْهِ فَبَصر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه مبيضين يَزُول بهم السراب فَنَادَى بِأَعْلَى صَوته يَا معشر الْعَرَب هَذَا جدكم الَّذِي تنتظرون
فثار الْمُسلمُونَ إِلَى السِّلَاح فتلقوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَوْهُ بِظهْر الْحرَّة فَعدل بهم ذَات الْيَمين حَتَّى نزل فِي بني عَمْرو بن عَوْف بقباء وَذَلِكَ يَوْم الْإِثْنَيْنِ من شهر ربيع الأول فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ يذكر النَّاس وَجلسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صامتا وطفق من جَاءَ من الْأَنْصَار مِمَّن لم يكن رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحسبه أَبَا بكر حَتَّى أَصَابَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّمْس فَأقبل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى ظلل عَلَيْهِ برادئه فَعرف النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك
فَلبث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بني عَمْرو بن عَوْف بضع عشرَة لَيْلَة وابتنى الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى وَصلى فِيهِ ثمَّ ركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاحِلَته فَسَار وَمَشى النَّاس حَتَّى بَركت بِهِ عِنْد مَسْجِد رَسُول الله بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمئِذٍ رجال من الْمُسلمين وَكَانَ مربدا للتمر لسهل وَسُهيْل غلامين يتمين أَخَوَيْنِ فِي حجر أبي
(4/205)
أُمَامَة أسعد بن زُرَارَة من بني النجار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَركت بِهِ رَاحِلَته هَذَا الْمنزل إِن شَاءَ الله ثمَّ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغلامين فساومهما بالمربد يَتَّخِذهُ مَسْجِدا
فَقَالَا: لَا بل نهبه لَك يَا رَسُول الله
فَأبى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقبله مِنْهُمَا حَتَّى ابتاعه مِنْهُمَا وبناه مَسْجِدا وطفق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينْقل مَعَهم اللَّبن فِي بنائِهِ وَهُوَ يَقُول: هَذَا الْجمال لَا جمال خَيْبَر هَذَا أبر رَبنَا وأطهر إِن الْأجر أجر الْآخِرَة فَارْحَمْ الْأَنْصَار والمهاجرة ويتمثل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشعر رجل من الْمُسلمين لم يسم لي قَالَ ابْن شهَاب: وَلم يبلغنِي فِي الْأَحَادِيث أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تمثل بِبَيْت من الشّعْر تَاما غير هَؤُلَاءِ الأبيات وَلَكِن يرجزهم لبِنَاء الْمَسْجِد
فَلَمَّا قَاتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفار قُرَيْش حَالَتْ الْحَرْب بَين مُهَاجِرِي أَرض الْحَبَشَة وَبَين الْقدوم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لقوه بِالْمَدِينَةِ زمن الخَنْدَق فَكَانَت أَسمَاء بنت عُمَيْس تحدث: أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كَانَ يعيرهم بالمكث فِي أَرض الْحَبَشَة فَذكرت ذَلِك أَسمَاء لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله: لَسْتُم كَذَلِك وَكَانَت أول آيَة أنزلت فِي الْقِتَال (أُذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا) (الْحَج آيَة 39) حَتَّى بلغ (لقوي عَزِيز)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أقبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وَهُوَ يردف أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ شيخ يعرف وَالنَّبِيّ لَا يعرف فَكَانُوا يَقُولُونَ: يَا أَبَا بكر من هَذَا الْغُلَام بَين يَديك فَيَقُول: هاد يهديني السَّبِيل
قَالَ: فَلَمَّا دنونا من الْمَدِينَة نزلنَا الْحرَّة وَبعث إِلَى الْأَنْصَار فَجَاءُوا قَالَ: فشهدته يَوْم دخل الْمَدِينَة فَمَا رَأَيْت يَوْمًا كَانَ أحسن مِنْهُ وَمَا رَأَيْت يَوْمًا كَانَ أقبح وَلَا أظلم من يَوْم مَاتَ فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/206)
وَأخرج ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن كثير بن فرقد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خرج مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة وَمَعَهُ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ أَتَى براحلة أبي بكر فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يركب ويردفه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل أَنْت رَاكب وأردفك أَنا فَإِن الرجل أَحَق بصدر دَابَّته فَلَمَّا خرجا لقيا فِي الطَّرِيق سراقَة بن جعْشم - وَكَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ لَا يكذب - فَسَأَلَهُ من الرجل قَالَ: بَاغ
قَالَ: فَمَا الَّذِي وَرَاءَك قَالَ: هاد
قَالَ: أحسست مُحَمَّدًا قَالَ: هُوَ ورائي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِ} قَالَ: على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم تزل السكينَة مَعَه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر غَار حراء فَقَالَ أَبُو بكر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو أَن أحدهم يبصر موقع قدمه لأبصرني وَإِيَّاك
فَقَالَ مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما يَا أَبَا بكر إِن الله أنزل سكينته عَلَيْك وأيدني بِجُنُود لم تَرَوْهَا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن حبيب بن أبي ثَابت رَضِي الله عَنهُ {فَأنْزل الله سكينته عَلَيْهِ} قَالَ: على أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَأَما النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد كَانَت عَلَيْهِ السكينَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَجعل كلمة الَّذين كفرُوا السُّفْلى} قَالَ: هِيَ الشّرك {وَكلمَة الله هِيَ الْعليا} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج البخاريي وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الرجل يُقَاتل شجاعة وَيُقَاتل حمية وَيُقَاتل رِيَاء فَأَي ذَلِك فِي سَبِيل الله قَالَ من قَاتل لتَكون كلمة الله هِيَ الْعليا فَهُوَ فِي سَبِيل الله تَعَالَى
(4/207)
الْآيَة 41
(4/208)
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (41)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الضُّحَى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول مَا نزل من بَرَاءَة {انفروا خفافاً وثقالاً} ثمَّ نزل أَولهَا وَآخِرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول شَيْء نزل من بَرَاءَة {انفروا خفافاً وثقالاً} ثمَّ نزل أَولهَا وَآخِرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول شَيْء نزل من بَرَاءَة {انفروا خفافاً وثقالاً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {انفروا خفافاً وثقالاً} قَالَ: نشاطاً وَغير نشاط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم فِي قَوْله {انفروا خفافاً وثقالاً} قَالَ: مشاغيل وَغير مشاغيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {انفروا خفافاً وثقالاً} قَالَ: فِي الْعسر واليسر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {خفافاً وثقالاً} قَالَ: فتياناً وكهولاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {خفافاً وثقالاً} قَالَ: شبَابًا وشيوخاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا: إِن فِينَا الثقيل وَذَا الْحَاجة والصنعة والشغل والمنتشر بِهِ أمره فِي ذَلِك فَأنْزل الله {انفروا خفافاً وثقالاً} وأبى أَن يعذرهم دون أَن ينفروا خفافاً وثقالاً وعَلى مَا كَانَ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل زَعَمُوا أَنه الْمِقْدَاد وَكَانَ عَظِيما سميناً فَشَكا إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَن يَأْذَن لَهُ فَأبى فَنزلت يَوْمئِذٍ فِيهِ {انفروا خفافاً وثقالاً} فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة اشْتَدَّ على النَّاس شَأْنهَا فنسخها الله فَقَالَ (لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى) (التَّوْبَة آيَة 91) الْآيَة
(4/208)
وَأخرج ابْن جرير عَن حضرمي قَالَ: ذكر لنا أَن أُنَاسًا كَانُوا عَسى أَن يكون أحدهم عليلا أَو كَبِير فَيَقُول: إِنِّي لَا آثم فَأنْزل الله {انفروا خفافاً وثقالاً} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك
أَنا أَبَا طَلْحَة قَرَأَ سُورَة بَرَاءَة فَأتى على هَذِه الْآيَة {انفروا خفافاً وثقالاً} قَالَ: أرى رَبنَا يستنفرنا شُيُوخًا وشباباً
وَفِي لفظ فَقَالَ: مَا أسمع الله عذر أحد أجهزوني
قَالَ بنوه: يَرْحَمك الله تَعَالَى قد غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مَاتَ وغزوت مَعَ أبي بكر حَتَّى مَاتَ وغزوت مَعَ عمر رَضِي الله عَنهُ حَتَّى مَاتَ فَنحْن نغزو عَنْك
فَأبى فَركب الْبَحْر فَمَاتَ فَلم يَجدوا لَهُ جَزِيرَة يدفنونه فِيهَا إِلَّا بعد تِسْعَة أَيَّام فَلم يتَغَيَّر فدفنوه فِيهَا
وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: شهد أَبُو أَيُّوب رَضِي الله عَنهُ بَدْرًا ثمَّ لم يتَخَلَّف عَن غَزْوَة للْمُسلمين إِلَّا عَاما وَاحِدًا وَكَانَ يَقُول: قَالَ الله {انفروا خفافاً وثقالاً} فَلَا أجدني إِلَّا خَفِيفا وثقيلاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي رَاشد الحبراني قَالَ: رَأَيْت الْمِقْدَاد فَارس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحمص يُرِيد الْغَزْو فَقلت: لقد أعذر الله تَعَالَى إِلَيْك
قَالَ: ابت علينا سُورَة التحوب {انفروا خفافاً وثقالاً} يَعْنِي سُورَة التَّوْبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي يزِيد الْمَدِينِيّ قَالَ: كَانَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ والمقداد بن الْأسود يَقُولَانِ: أمرنَا أَن تنفر على كل حَال ويتأوّلان قَوْله تَعَالَى {انفروا خفافاً وثقالاً}
الْآيَة 42
(4/209)
لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: الا تغزو بني الْأَصْفَر لَعَلَّك أَن تصيب ابْنة عَظِيم الرّوم فَقَالَ رجلَانِ: قد علمت يَا رَسُول الله أَن النِّسَاء فتْنَة فَلَا تفتنا بِهن فأْذَن لنا
فَأذن لَهما فَلَمَّا انْطَلقَا قَالَ أَحدهمَا: إِن هُوَ الأشحمة لأوّل آكل فَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينزل عَلَيْهِ فِي ذَلِك شَيْء فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق نزل عَلَيْهِ وَهُوَ على بعض الْمِيَاه {لَو كَانَ عرضا قَرِيبا وسفراً قَاصِدا لاتبعوك} وَنزل عَلَيْهِ (عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم) (التَّوْبَة 43) وَنزل عَلَيْهِ (لَا يستأذنك الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) (التَّوْبَة 43) وَنزل عَلَيْهِم (إِنَّهُم رِجْس ومأواهم جَهَنَّم جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (التَّوْبَة 95)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لَو كَانَ عرضا قَرِيبا} قَالَ: غنيمَة قريبَة {وَلَكِن بَعدت عَلَيْهِم الشقة} قَالَ: الْمسير
وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَو كَانَ عرضا قَرِيبا} يَقُول: دنيا يطلبونها {وسفراً قَاصِدا} يَقُول: قَرِيبا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالله يعلم إِنَّهُم لَكَاذِبُونَ} قَالَ: لقد كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج وَلَكِن كَانَ تبطئة من عِنْد أنفسهم وزهادة فِي الْجِهَاد
الْآيَة 43
(4/210)
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)
أخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن عَمْرو بن مَيْمُون الأودي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اثْنَتَانِ فعلهمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يُؤمر فيهمَا بِشَيْء إِذْنه لِلْمُنَافِقين وَأَخذه من الْأُسَارَى فَأنْزل الله {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُورق الْعجلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَمِعْتُمْ بمعاتبة أحسن من هَذَا بَدَأَ بِالْعَفو قبل المعاتبة فَقَالَ {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم}
(4/210)
قَالَ: نَاس قَالُوا: اسْتَأْذنُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن أذن لكم فاقعدوا وَإِن لم يَأْذَن لكم فاقعدوا
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} الْآيَات الثَّلَاث
قَالَ: نسختها (فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم) (سُورَة النُّور 62)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَفا الله عَنْك لم أَذِنت لَهُم} الْآيَة
قَالَ: ثمَّ أنزل الله بعد ذَلِك فِي سُورَة النُّور (فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم)
الْآيَات 44 - 45
(4/211)
لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (45)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا يستأذنك الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} الْآيَتَيْنِ
قَالَ: هَذَا تَفْسِير لِلْمُنَافِقين حِين اسْتَأْذنُوا فِي الْقعُود عَن الْجِهَاد بِغَيْر عذر وَعذر الله الْمُؤمنِينَ فَقَالَ (فَإِذا استأذنوك لبَعض شَأْنهمْ فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَا يستأذنك الَّذين يُؤمنُونَ بِاللَّه} الْآيَتَيْنِ
قَالَ: نسختها الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النُّور (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِي آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله) (سُورَة النُّور 62) إِلَى (إِن الله غَفُور رَحِيم) فَجعل الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَعْلَى النظرين فِي ذَلِك من غزا غزا فِي فَضِيلَة وَمن قعد قعد فِي غير حرج إِن شَاءَ الله
(4/211)
الْآيَات 46 - 48
(4/212)
وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَكِن كره الله انبعاثهم} قَالَ: خُرُوجهمْ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَثَبَّطَهُمْ} قَالَ: حَبسهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إِلَّا خبالاً} قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ فِي غَزْوَة تَبُوك سَأَلَ الله عَنْهَا نبيه وَالْمُؤمنِينَ فَقَالَ: مَا يحزنكم {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إِلَّا خبالاً} يَقُول: جمع لكم وَفعل وَفعل يخذلونكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولأوضعوا خلالكم} قَالَ: لأسرعوا بَيْنكُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ولأوضعوا خلالكم} قَالَ: لارفضوا {يبغونكم الْفِتْنَة} قَالَ: يبطئنكم عبد الله بن نَبْتَل وَعبد الله بن أُبي بن سلول وَرِفَاعَة بن تَابُوت وَأَوْس بن قيظي {وَفِيكُمْ سماعون لَهُم} قَالَ: محدثون بأحاديثهم غير منافقين هم عُيُون لِلْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وَفِيكُمْ سماعون لَهُم} قَالَ: مبلغون
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ: كَانَ عبد الله بن أبي وَعبد الله بن نَبْتَل وَرِفَاعَة بن زيد بن تَابُوت من عُظَمَاء الْمُنَافِقين وَكَانُوا مِمَّن يكيد
(4/212)
الإِسلام وَأَهله وَفِيهِمْ أنزل الله تَعَالَى {لقد ابْتَغوا الْفِتْنَة من قبل وقلبوا لَك الْأُمُور} إِلَى آخر الْآيَة
الْآيَة 49
(4/213)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (49)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ لما أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرج إِلَى غَزْوَة تَبُوك قَالَ لجد بن قيس: مَا تَقول فِي مجاهدة بني الْأَصْفَر فَقَالَ: إِنِّي أخْشَى إِن رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن أفتن فائذن لي وَلَا تفتني فَأنْزل الله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لجد بن قيس: يَا جد هَل لَك فِي جلاد بني الْأَصْفَر قَالَ جد: أتأذن لي يَا رَسُول الله فَإِنِّي رجل أحب النِّسَاء وَإِنِّي أخْشَى إِن أَنا رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن افْتتن
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ معرض عَنهُ: قد أَذِنت لَك
فَأنْزل الله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اغزوا تغنموا بَنَات بني الْأَصْفَر
فَقَالَ نَاس من الْمُنَافِقين: إِنَّه ليفتنكم بِالنسَاء
فَأنْزل الله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} قَالَ: نزلت فِي الْجد بن قيس قَالَ: يَا مُحَمَّد ائْذَنْ لي وَلَا تفتني بنساء بني الْأَصْفَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وأبوالشيخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغزوا تَبُوك تغنموا بَنَات الْأَصْفَر نسَاء الرّوم
فَقَالُوا: ائْذَنْ لنا وَلَا تفتنا بِالنسَاء
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيقه عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبد الله بن أبي بكر بن حزم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلما كَانَ يخرج فِي وَجه من مغازيه إِلَّا أظهر أَنه يُرِيد غَيره غير أَنه فِي غَزْوَة تَبُوك قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنِّي أُرِيد الرّوم فاعلمهم وَذَلِكَ فِي زمَان الْبَأْس وَشدَّة من الْحر وجدب الْبِلَاد وَحين
(4/213)
طابت الثِّمَار وَالنَّاس يحبونَ الْمقَام فِي ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص عَنْهَا فَبَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فِي جهازه إِذْ قَالَ للْجدّ بن قيس: يَا جد هَل لَك فِي بَنَات بني الْأَصْفَر قَالَ: يَا رَسُول الله لقد علم قومِي أَنه لَيْسَ أحد أَشد عجبا بِالنسَاء مني وَإِنِّي أَخَاف إِن رَأَيْت نسَاء بني الْأَصْفَر أَن يفتنني فَأْذن لي يَا رَسُول الله
فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: قد أَذِنت
فَأنْزل الله {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا} يَقُول: مَا وَقع فِيهِ من الْفِتْنَة بتخلفه عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورغبته بِنَفسِهِ عَن نَفسه أعظم مِمَّا يخَاف من فتْنَة نسَاء بني الْأَصْفَر {وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين} يَقُول: من وَرَائه
وَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين (لَا تنفرُوا فِي الْحر) فَأنْزل الله (قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ) (التَّوْبَة الْآيَة 81) قَالَ: ثمَّ إِن رَسُول الله جدَّ فِي سَفَره وَأمر النَّاس بالجهاز وحض أهل الْغنى على النَّفَقَة والحملان فِي سَبِيل الله فَحمل رجال من أهل الْغنى واحتسبوا وَأنْفق عُثْمَان رَضِي عَنهُ فِي ذَلِك نَفَقَة عَظِيمَة لم ينْفق أحد أعظم مِنْهَا وَحمل على مِائَتي بعير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة ومُوسَى بن عقبَة قَالَا ثمَّ إِن رَسُول الله تجهز غازياً يُرِيد الشَّام فَأذن فِي النَّاس بِالْخرُوجِ وَأمرهمْ بِهِ وَكَانَ ذَلِك فِي حر شَدِيد ليَالِي الخريف وَالنَّاس فِي نخيلهم خارفون فَأَبْطَأَ عَنهُ نَاس كثير وَقَالُوا: الرّوم لَا طَاقَة بهم
فَخرج أهل الْحسب وتخلف المُنَافِقُونَ وَحَدثُوا أنفسهم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرجع إِلَيْهِم أبدا فَاعْتَلُّوا وثبطوا من أطاعهم وتخلف عَنهُ رجال من الْمُسلمين بِأَمْر كَانَ لَهُم فِيهِ عذر مِنْهُم السقيم والمعسر وَجَاء سِتَّة نفر كلهم مُعسر يستحملونه لَا يحبونَ التَّخَلُّف عَنهُ فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ
فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أَن لَا يَجدوا مَا يُنْفقُونَ مِنْهُم من بني سَلمَة عمر بن غنمة وَمن بني مَازِن ابْن النجار أَبُو ليلى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَمن بني حَارِث علية بن زيد وَمن بني عَمْرو بن عَوْف بن سَالم بن عُمَيْر وهرم بن عبد الله وهم يدعونَ بني الْبكاء وَعبد الله بن عمر وَرجل من بني مزينة فَهَؤُلَاءِ الَّذين بكوا واطلع الله عز وَجل أَنهم يحبونَ الْجِهَاد وَأَنه الْجد من أنفسهم فعذرهم فِي الْقُرْآن فَقَالَ (لَيْسَ على الضُّعَفَاء وَلَا على المرضى وَلَا على الَّذين لَا يَجدونَ مَا يُنْفقُونَ حرج إِذا نصحوا لله وَرَسُوله) (التَّوْبَة الْآيَة 91) الْآيَة والآيتين بعْدهَا
(4/214)
وَأَتَاهُ الْجد بن قيس السّلمِيّ وَهُوَ فِي الْمَسْجِد مَعَه نفر فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِي الْقعُود فَإِنِّي ذُو ضَيْعَة وَعلة فِيهَا عذر لي
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تجهز فَإنَّك مُوسر لَعَلَّك ان تحقب بعض بَنَات بني الْأَصْفَر
فَقَالَ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي وَلَا تفتني
فَنزلت {وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني} وَخمْس آيَات مَعهَا يتبع بَعْضهَا بَعْضًا فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون مَعَه كَانَ فِيمَن تخلف عَنهُ غنمة بن وَدِيعَة من بني عَمْرو بن عَوْف فَقيل: مَا خَلفك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنت مُسلم فَقَالَ: الْخَوْض واللعب
فَأنْزل الله عز وَجل فِيهِ وفيمن تخلف من الْمُنَافِقين (وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب) (التَّوْبَة الْآيَة 65) ثَلَاث آيَات مُتَتَابِعَات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَغْزُو تَبُوك قَالَ نغزو الرّوم إِن شَاءَ الله وَنصِيب بَنَات بني الْأَصْفَر - كَانَ يذكر من حسنهنَّ ليرغب الْمُسلمُونَ فِي الْجِهَاد - فَقَامَ رجل من الْمُنَافِقين فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد علمت حبي للنِّسَاء فائذن لي وَلَا تخرجني فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تفتني} قَالَ: لَا تخرجني {أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا} يَعْنِي فِي الْحَرج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تفتني} قَالَ: لَا تؤثمني {أَلا فِي الْفِتْنَة} قَالَ: أَلا فِي الْإِثْم سقطوا
الْآيَة 50
(4/215)
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: جعل المُنَافِقُونَ الَّذين تخلفوا بِالْمَدِينَةِ يخبرون عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخْبَار السوء يَقُولُونَ: إِن مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه قد جهدوا فِي سفرهم وهلكوا فَبَلغهُمْ تَكْذِيب حَدِيثهمْ وعافية النَّبِي وَأَصْحَابه فساءهم ذَلِك فَأنْزل الله تَعَالَى {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} الْآيَة
وَأخرج سنيد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} يَقُول: إِن تصبك فِي سفرك هَذَا لغزوة تَبُوك {حَسَنَة تسؤهم} قَالَ: الْجد وَأَصْحَابه
(4/215)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} قَالَ: الْعَافِيَة والرخاء وَالْغنيمَة {وَإِن تصبك مُصِيبَة} قَالَ: الْبلَاء والشدة {يَقُولُوا قد أَخذنَا أمرنَا من قبل} قد حذرنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} قَالَ: ان أظفرك الله وردك سالما ساءهم ذَلِك {وَإِن تصبك مُصِيبَة يَقُولُوا قد أَخذنَا أمرنَا} فِي الْقعُود من قبل أَن تصيبهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم} قَالَ: إِن كَانَ فتح للْمُسلمين كبر ذَلِك عَلَيْهِم وساءهم
الْآيَة 51
(4/216)
قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {قل لن يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا} قَالَ: إِلَّا مَا قضى الله لنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُسلم بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْكَلَام فِي الْقدر واديان عريضان يهْلك النَّاس فيهمَا لَا يدْرك عرضهما فاعمل عمل رجل يعلم أَنه لَا ينجيه إِلَّا عمله وتوكل توكل رجل يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب الله لَهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مطرف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ لأحد أَن يصعد فَوق بَيت فيلقي نَفسه ثمَّ يَقُول: قدر لي
وَلَكِن نتقي ونحذر فَإِن أَصَابَنَا شَيْء علمنَا أَنه لن يصيبنا إِلَّا مَا كتب الله لنا
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لكل شَيْء حَقِيقَة وَمَا بلغ عبد حَقِيقَة الإِيمان حَتَّى يعلم أَن مَا أَصَابَهُ لم يكن ليخطئه وَمَا أخطأه لم يكن ليصيبه
الْآيَة 52
(4/216)
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل هَل تربصون بِنَا إِلَّا إِحْدَى الحسنيين} قَالَ: فتح أَو شَهَادَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا إِحْدَى الحسنيين} قَالَ: إِلَّا فتحا أَو قتلا فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ من طَرِيق سعد بن اسحق بن كَعْب بن عجْرَة عَن أَبِيه عَن جده بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالرَّوْحَاءِ إِذْ هَبَط عَلَيْهِ أَعْرَابِي من سرب فَقَالَ: من الْقَوْم وَأَيْنَ تُرِيدُونَ قَالَ: قوم بدوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: مَا لي أَرَاكُم بذة هيئتكم قَلِيلا سلاحكم قَالَ: نَنْتَظِر إِحْدَى الحسنيين إِمَّا أَن نقْتل فالجنة وَإِمَّا أَن نغلب فيجمعهما الله تَعَالَى لنا الظفر وَالْجنَّة
قَالَ: أَيْن نَبِيكُم قَالُوا: هَا هُوَ ذَا
فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِي الله لَيست لي مصلحَة آخذ مصلحي ثمَّ الْحق قَالَ اذْهَبْ إِلَى أهلك فَخذ مصلحتك فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر وَخرج الرجل إِلَى أَهله حَتَّى فرغ من حَاجته ثمَّ لحق بهم ببدر فَدخل فِي الصَّفّ مَعَهم فاقتتل النَّاس فَكَانَ فِيمَن اسْتشْهد فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد أَن انتصر فَمر بَين ظهراني الشُّهَدَاء وَمَعَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: هَا يَا عمر إِنَّك تحب الحَدِيث وَإِن للشهداء سادة وأشرافاً وملوكاً وَإِن هَذَا يَا عمر مِنْهُم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَنحن نتربص بكم أَن يُصِيبكُم الله بِعَذَاب من عِنْده أَو بِأَيْدِينَا} قَالَ: الْقَتْل بِالسُّيُوفِ
الْآيَات 53 - 54
(4/217)
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ الْجد بن قيس: إِنِّي إِذا رَأَيْت النِّسَاء لم أَصْبِر حَتَّى افْتتن وَلَكِن أعينك بِمَالي
قَالَ: فَفِيهِ نزلت {قل أَنْفقُوا طَوْعًا أَو كرها لن يتَقَبَّل مِنْكُم} قَالَ: لقَوْله أعينك بِمَالي
(4/217)
الْآيَة 55
(4/218)
فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم بهَا} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم بهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: بالمصائب فيهم هِيَ لَهُم عَذَاب وَلِلْمُؤْمنِينَ أجر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم} قَالَ: هَذِه من مقاديم الْكَلَام يَقُول: لَا تعجبك أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم بهَا فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتزهق أنفسهم وهم كافرون} قَالَ: تزهق أنفسهم فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {وهم كافرون} قَالَ: هَذِه آيَة فِيهَا تَقْدِيم وَتَأْخِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا تعجبك} يَقُول: لَا يغررك {وتزهق} قَالَ: تخرج أنفسهم من الدُّنْيَا {وهم كافرون}
الْآيَات 56 - 57
(4/218)
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويحلفون بِاللَّه إِنَّهُم لمنكم} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا يحلفُونَ بِاللَّه تقية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَو يَجدونَ ملْجأ} الْآيَة
قَالَ: الملجأ الْحِرْز فِي الْجبَال والغارات الغيران فِي الْجبَال والمدخل السرب
(4/218)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَو يَجدونَ ملْجأ أَو مغارات أَو مدخلًا} يَقُول: محرزا لَهُم يفرون إِلَيْهِ مِنْكُم {لولوا إِلَيْهِ} قَالَ: لفروا إِلَيْهِ مِنْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم يجمحون} قَالَ: يسرعون
الْآيَات 58 - 59
(4/219)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59)
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم قسما إِذْ جَاءَهُ ذُو الْخوَيْصِرَة التَّمِيمِي فَقَالَ: اعْدِلْ يَا رَسُول الله
فَقَالَ: وَيلك وَمن الْعدْل إِذا لم أعدل فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لي فِيهِ فَاضْرب عُنُقه
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه فَإِن لَهُ أصحاباً يحقر أحدكُم صلَاته مَعَ صلَاتهم وصيامه مَعَ صِيَامهمْ يَمْرُقُونَ من الدّين كَمَا يَمْرُق السهْم من الرَّمية فَينْظر فِي قذذه فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر فِي نضيه فَلَا يرى فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر فِي رصافه فَلَا يرى فِيهِ شَيْء ثمَّ ينظر فِي نصله فَلَا يُوجد فِيهِ شَيْء قد سبق الفرث وَالدَّم آيَتهم رجل أسود إِحْدَى يَدَيْهِ - أَو قَالَ ثدييه - مثل ثدي الْمَرْأَة أَو مثل الْبضْعَة تدَرْدر يخرجُون على حِين فرقة من النَّاس قَالَ: فَنزلت فيهم {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات} الْآيَة قَالَ أَبُو سعيد: أشهد أَنِّي سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأشْهد أَن عليا حِين قَتلهمْ وَأَنا مَعَه جِيءَ بِالرجلِ على النَّعْت الَّذِي نعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات} قَالَ: يطعن عَلَيْك
(4/219)
وَأخرج سنيد وَابْن جرير عَن دَاوُد بن أبي عَاصِم قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة فَقَسمهَا هَهُنَا وَهَهُنَا حَتَّى ذهبت وَرَآهُ رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: مَا هَذَا بِالْعَدْلِ فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إياد بن لَقِيط
أَنه قَرَأَ / وَإِن لم يُعْطوا مِنْهَا إِذا هم ساخطون /
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَنَائِم حنين سَمِعت رجلا يَقُول: إِن هَذِه قسْمَة مَا أُرِيد بهَا وَجه الله
فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ رَحْمَة الله على مُوسَى قد أؤذي بِأَكْثَرَ من هَذَا فَصَبر وَنزل {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات}
الْآيَة 60
(4/220)
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ وَهُوَ يقسم قسما فَأَعْرض عَنهُ وَجعل يقسم قَالَ: أتعطي رعاء الشَّاء وَالله مَا عدلت
فَقَالَ: وَيحك
من يعدل إِذا أَنا لم أعدل فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَضَعفه عَن زِيَاد بن الْحَارِث الصدائي قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله أَعْطِنِي من الصَّدَقَة
فَقَالَ: إِن الله لم يرض بِحكم نَبِي وَلَا غَيره فِي الصَّدقَات حَتَّى حكم هُوَ فِيهَا فجزأها ثَمَانِيَة أَجزَاء فَإِن كنت من تِلْكَ الْأَجْزَاء أَعطيتك حَقك
وَأخرج ابْن سعد عَن زِيَاد بن الْحَرْث الصدائي قَالَ: بَينا أَنا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَ قوم يَشكونَ عاملهم ثمَّ قَالُوا: يَا رَسُول الله آخذنا بِشَيْء كَانَ بَيْننَا وَبَينه فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا خير لِلْمُؤمنِ فِي الإِمارة ثمَّ قَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَعْطِنِي من الصَّدَقَة
فَقَالَ: إِن الله لم يكِل قسمهَا إِلَى ملك مقرب وَلَا
(4/220)
نَبِي مُرْسل حَتَّى أجزأها ثَمَانِيَة أَجزَاء فَإِن كنت جزأ مِنْهَا أَعطيتك وَإِن كنت غَنِيا عَنْهَا فَإِنَّمَا هِيَ صداع فِي الرَّأْس وداء فِي الْبَطن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن مُوسَى بن يزِيد الْكِنْدِيّ قَالَ: كَانَ ابْن مَسْعُود يقرئ رجلا فَقَرَأَ {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} مُرْسلَة فَقَالَ ابْن مَسْعُود: مَا هَكَذَا أَقْرَأَنيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: وَكَيف أقرأكها قَالَ: أَقْرَأَنيهَا {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} فَمدَّهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نسخت هَذِه الْآيَة كل صَدَقَة فِي الْقُرْآن قَوْله (وَآت ذَا الْقُرْبَى حَقه والمسكين وَابْن السَّبِيل) (الْإِسْرَاء الْآيَة 26) وَقَوله (إِن تبدوا الصَّدقَات) (الْبَقَرَة الْآيَة 271) وَقَوله (وَفِي أَمْوَالهم حق للسَّائِل والمحروم) (الذاريات الْآيَة 19)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا هَذَا شَيْء أعلمهُ الله إِيَّاه لَهُم فأيما أَعْطَيْت صنفا مِنْهَا أجزاك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} الْآيَة
قَالَ: إِن شِئْت جَعلتهَا فِي صنف وَاحِد من الْأَصْنَاف الثَّمَانِية الَّذين سمى الله أَو صنفين أَو ثَلَاثَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: لَا بَأْس أَن تجعلها فِي صنف وَاحِد مِمَّا قَالَ الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن وَعَطَاء وَإِبْرَاهِيم وَسَعِيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والنحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْفُقَرَاء فُقَرَاء الْمُسلمين وَالْمَسَاكِين الطوّافون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: الْفَقِير الَّذِي بِهِ زمانة والمسكين الْمُحْتَاج الَّذِي لَيْسَ بِهِ زمانة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب
أَنه مرَّ بِرَجُل من أهل الْكتاب مطروح على بَاب فَقَالَ: استكدوني وَأخذُوا مني الْجِزْيَة حَتَّى كف
(4/221)
بَصرِي فَلَيْسَ أحد يعود عليَّ بِشَيْء
فَقَالَ عمر: مَا أنصفنا إِذا ثمَّ قَالَ: هَذَا من الَّذين قَالَ الله {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} ثمَّ أَمر لَهُ أَن يرْزق وَيجْرِي عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر فِي قَوْله {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} قَالَ: هم زَمْنى أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: لَا يُعْطي الْمُشْركُونَ من الزَّكَاة وَلَا من شَيْء من الْكَفَّارَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: لَيْسَ بفقير من جمع الدِّرْهَم إِلَى الدِّرْهَم وَلَا التمرة إِلَى التمرة إِنَّمَا الْفَقِير من انقى ثَوْبه وَنَفسه لَا يقدر على غنى (يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف) (الْبَقَرَة الْآيَة 273)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن زيد قَالَ: الْفُقَرَاء المتعففون وَالْمَسَاكِين الَّذين يسْأَلُون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: الْفُقَرَاء الَّذين فِي بُيُوتهم وَلَا يسْأَلُون وَالْمَسَاكِين الَّذِي يخرجُون فَيسْأَلُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الْفَقِير الرجل يكون فَقِيرا وَهُوَ بَين ظَهْري قومه وعشيرته وَذَوي قرَابَته وَلَيْسَ لَهُ مَال والمسكين الَّذِي لَا عشيرة لَهُ وَلَا قرَابَة وَلَا رحم وَلَيْسَ لَهُ مَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: الْفُقَرَاء الَّذين هَاجرُوا وَالْمَسَاكِين الَّذين لم يهاجروا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: يُعْطي من الزَّكَاة من لَهُ الدَّار وَالْخَادِم وَالْفرس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا لَا يمْنَعُونَ الزَّكَاة من لَهُ الْبَيْت وَالْخَادِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {والعاملين عَلَيْهَا} قَالَ: السعاة أَصْحَاب الصَّدَقَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُعْطي كل عَامل بِقدر عمله
(4/222)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن رَافع بن خديج رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْعَامِل على الصَّدَقَة بِالْحَقِّ كالغازي حَتَّى يرجع إِلَى بَيته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {والمؤلفة قُلُوبهم} قَالَ: هم قوم كَانُوا يأْتونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَسْلمُوا وَكَانَ يرْضخ لَهُم من الصَّدقَات فَإِذا أَعْطَاهُم من الصَّدَقَة فَأَصَابُوا مِنْهَا خيرا قَالُوا: هَذَا دين صَالح وَإِن كَانَ غير ذَلِك عابوه وتركوه
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ بعث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ من الْيمن إِلَى النَّبِي بذهيبة فِيهَا تربَتهَا فَقَسمهَا بَين أَرْبَعَة من الْمُؤَلّفَة: الْأَقْرَع بن حايس الْحَنْظَلِي وعلقمة بن علاثة العامري وعينية بن بدر الْفَزارِيّ وَزيد الْخَيل الطَّائِي
فَقَالَت قُرَيْش وَالْأَنْصَار: أيقسم بَين صَنَادِيد أهل نجد ويدعنا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا أتالفهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن يحيى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ قَالَ الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم: من بني هَاشم أَبُو سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَمن بني أُميَّة أَبُو سُفْيَان بن حَرْب وَمن بني مَخْزُوم الْحَارِث بن هِشَام وَعبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع وَمن بني أَسد حَكِيم بن حزَام وَمن بني عَامر سُهَيْل بن عَمْرو وَحُوَيْطِب بن عبد الْعزي وَمن بني جمح صَفْوَان بن أُميَّة وَمن بني سهم عدي بن قيس وَمن ثَقِيف الْعَلَاء بن حَارِثَة أَو حَارِثَة وَمن بني فَزَارَة عَيْنِيَّة بن حصن وَمن بني تَمِيم الْأَقْرَع بن حَابِس وَمن بني نصر مَالك بن عَوْف وَمن بني سليم الْعَبَّاس بن مرداس
أعْطى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل رجل مِنْهُم مائَة نَاقَة مائَة نَاقَة إِلَّا عبد الرَّحْمَن بن يَرْبُوع وَحُوَيْطِب بن عبد الْعُزَّى فَإِنَّهُ أعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا خمسين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم الَّذين يدْخلُونَ فِي الإِسلام إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: الْمُؤَلّفَة قُلُوبهم قوم من وُجُوه الْعَرَب يقدمُونَ عَلَيْهِ فينفق عَلَيْهِم مِنْهَا مَا داموا حَتَّى يسلمُوا أَو يرجِعوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جُبَير قَالَ: لَيْسَ الْيَوْم مؤلفة قُلُوبهم
(4/223)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيست الْيَوْم مؤلفة قُلُوبهم إِنَّمَا كَانَ رجال يتألفهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أَن كَانَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ قطع الرشا فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي قَالَ: جَاءَ عَيْنِيَّة بن حصن والأقرع بن حَابِس إِلَى أبي بكر فَقَالَا: يَا خَليفَة رَسُول الله ان عندنَا أَرضًا سبخَة لَيْسَ فِيهَا كلأ وَلَا مَنْفَعَة فَإِن رَأَيْت أَن تعطيناها لَعَلَّنَا نحرثها ونزرعها وَلَعَلَّ الله أَن ينفع بهَا
فاقطعهما إِيَّاهَا وَكتب لَهما بذلك كتابا واشهد لَهما فَانْطَلقَا إِلَى عمر ليشهداه على مَا فِيهِ فَلَمَّا قرآ على عمر مَا فِي الْكتاب تنَاوله من أَيْدِيهِمَا فتفل فِيهِ فمجاه فتذمرا وَقَالا لَهُ مقَالَة سَيِّئَة فَقَالَ عمر: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتألفهما والإِسلام يَوْمئِذٍ قَلِيل وَإِن الله قد أعز الإِسلام فاذهبا فاجهد جهدكما لَا أرعى الله عَلَيْكُمَا إِن أرعيتما
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي وَائِل
أَنه قيل لَهُ: مَا أصنع بِنَصِيب الْمُؤَلّفَة قَالَ: زده على الآخرين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {وَفِي الرّقاب} قَالَ: هم المكاتبون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: لَا يعْتق من الزَّكَاة رَقَبَة تَامَّة وَيُعْطى فِي رَقَبَة وَلَا بَأْس بِأَن يعين بِهِ مكَاتبا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: سهم الرّقاب نِصْفَانِ نصف لكل مكَاتب مِمَّن يدَّعي الإِسلام وَالنّصف الْبَاقِي يَشْتَرِي بِهِ رِقَاب مِمَّن صلى وَصَامَ وَقدم إِسْلَامه من ذكر أَو أُنْثَى يعتقون لله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يُعْطي الرجل من زَكَاته فِي الْحَج وَأَن يعْتق مِنْهَا رَقَبَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أعتق من زَكَاة مَالك
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن: أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَشْتَرِي الرجل من زَكَاة مَاله نسمَة فيعتقها
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: يعان فِيهَا الرَّقَبَة وَلَا يعْتق مِنْهَا
وَأخرج أَبُو عبيد وابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
(4/224)
قَالَ: لَا تعْتق من زَكَاة مَالك فَإِنَّهُ يجر الْوَلَاء
قَالَ أَبُو عبيد: قَول ابْن عَبَّاس أَعلَى مَا جَاءَنَا فِي هَذَا الْبَاب وَهُوَ أولى بالاتباع وَأعلم بالتأويل وَقد وَافقه عَلَيْهِ كثير من أهل الْعلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ
أَنه سُئِلَ عَن الغارمين
قَالَ: أَصْحَاب الدّين وَابْن السَّبِيل وَإِن كَانَ غَنِيا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والغارمين} قَالَ: من احْتَرَقَ بَيته وَذهب السَّيْل بِمَالِه وادّان على عِيَاله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر فِي قَوْله {والغارمين} قَالَ: المستدينين فِي غير فَسَاد {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: المجتاز من أَرض إِلَى أَرض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {والغارمين} قَالَ: هُوَ الَّذِي يسْأَل فِي دم أَو جَائِحَة تصيبه {وَفِي سَبِيل الله} قَالَ: هم المجاهدون {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: الْمُنْقَطع بِهِ يُعْطي قدر مَا يبلغهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَفِي سَبِيل الله} قَالَ: الْغَازِي فِي سَبِيل الله {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: الْمُسَافِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ابْن السَّبِيل هُوَ قَالَ: الْغَازِي فِي سَبِيل الله {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: الْمُسَافِر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ابْن السَّبِيل هُوَ الضَّيْف الْفَقِير الَّذِي ينزل بِالْمُسْلِمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي رجل سَافر وَهُوَ غَنِي فنفد مَا مَعَه فِي سَفَره فَاحْتَاجَ قَالَ: يعْطى من الصَّدَقَة فِي سَفَره لِأَنَّهُ ابْن سَبِيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَفِي سَبِيل الله} قَالَ: حمل الرجل فِي سَبِيل الله من الصَّدَقَة {وَابْن السَّبِيل} قَالَ: هُوَ الضَّيْف وَالْمُسَافر إِذا قطع بِهِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْء {فَرِيضَة من الله وَالله عليم حَكِيم} قَالَ: ثَمَانِيَة أسْهم فرضهن الله وأعلمهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ إِلَّا لخمسة: لعامل عَلَيْهَا أَو
(4/225)
رجل اشْتَرَاهَا بِمَالِه أَو غَارِم أَو غاز فِي سَبِيل الله أَو مِسْكين تصدق عَلَيْهِ فأهدى مِنْهَا الْغَنِيّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ وَله مَا يُغْنِيه جَاءَت مَسْأَلته يَوْم الْقِيَامَة خموشاً أَو كدوحاً
قَالُوا: يَا رَسُول الله وماذا يُغْنِيه قَالَ: خَمْسُونَ دِرْهَم أَو قيمتهَا من الذَّهَب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عمر
أَنه سُئِلَ عَن مَال الصَّدَقَة فَقَالَ: شَرّ مَال إِنَّمَا هُوَ مَال الكسحان والعرجان والعميان وكل مُنْقَطع بِهِ
قيل: فَإِن للعاملين عَلَيْهَا حَقًا وللمجاهدين فِي سَبِيل الله
قَالَ: أما الْعَامِلُونَ فَلهم بِقدر عمالتهم وَأما المجاهدون فِي سَبِيل الله فقوم أحل لَهُم أَن الصَّدَقَة لَا تحل لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّدَقَة فِي ثَمَانِيَة أسْهم
فَفرض فِي الذَّهَب وَالْوَرق والإِبل وَالْبَقر وَالْغنم وَالزَّرْع وَالْكَرم وَالنَّخْل ثمَّ تُوضَع فِي ثَمَانِيَة أسْهم
فِي أهل هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء} الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خففوا على الْمُسلمين فِي خرصكم فَإِن فِيهِ الْعَرَايَا وَفِيه الْوَصَايَا فَأَما الْعَرَايَا فالنخلة وَالثَّلَاث والأربع وَأَقل من ذَلِك وَأكْثر يمنحها الرجل أَخَاهُ ثَمَرَتهَا فيأكلها هُوَ وَعِيَاله وَأما الْوَصَايَا فثمانية أسْهم {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} إِلَى قَوْله {وَالله عليم حَكِيم}
وَأخرج أَحْمد عَن رجل من بني هِلَال قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا ذِي مرّة سوى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي قَالَ لَا تحل الصَّدَقَة لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبيد الله بن عدي بن الْخِيَار قَالَ: أَخْبرنِي رجلَانِ أَنَّهُمَا أَتَيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ يقسم الصَّدَقَة فَسَأَلَاهُ مِنْهَا
فَرفع فِينَا الْبَصَر وخفضه فرآنا جلدين فَقَالَ: إِن شئتما أعطيتكما وَلَا حظَّ فِيهَا لَغَنِيّ وَلَا لقوي مكتسب
(4/226)
الْآيَة 61
(4/227)
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ نَبْتَل بن الْحَرْث يَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيجلس إِلَيْهِ فَيسمع مِنْهُ ثمَّ ينْقل حَدِيثه إِلَى الْمُنَافِقين وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُم: إِنَّمَا مُحَمَّد أذن من حَدثهُ شَيْئا صدقه فَأنْزل الله فِيهِ {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: اجْتمع نَاس من الْمُنَافِقين فيهم جلاس بن سُوَيْد بن صَامت وجحش بن حمير ووديعة بن ثَابت فأرادوا أَن يقعوا فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنهى بَعضهم بَعْضًا وَقَالُوا: أَنا نَخَاف أَن يبلغ مُحَمَّد فَيَقَع بكم وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا مُحَمَّد أذن نحلف لَهُ فيصدقنا
فَنزل {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} يَعْنِي أَنه يسمع من كل أحد
قَالَ الله عزَّ وَجل {قل أذن خير لكم يُؤمن بِاللَّه ويؤمن للْمُؤْمِنين} يَعْنِي يصدق بِاللَّه وَيصدق الْمُؤمنِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} أَي يسمع مَا يُقَال لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} يَقُولُونَ: سنقول لَهُ مَا شِئْنَا ثمَّ نحلف لَهُ فيصدقنا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْأذن الَّذِي يسمع من كل أحد ويصدقه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُؤمن بِاللَّه} قَالَ: يصدق الله بِمَا أنزل إِلَيْهِ {ويؤمن للْمُؤْمِنين} يصدق الْمُؤمنِينَ فِيمَا بَينهم فِي شهاداتهم وَإِيمَانهمْ على حُقُوقهم وفروجهم وَأَمْوَالهمْ
(4/227)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عُمَيْر بن سعد قَالَ: فيَّ أنزلت هَذِه الْآيَة {وَيَقُولُونَ هُوَ أذن} وَذَلِكَ أَن عُمَيْر بن سعد كَانَ يسمع أَحَادِيث أهل الْمَدِينَة فَيَأْتِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيساره حَتَّى كَانُوا يتأذون بعمير بن سعد وكرهوا مُجَالَسَته وَقَالُوا {هُوَ أذن} وَالله أعلم
الْآيَة 62
(4/228)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا من الْمُنَافِقين قَالَ: وَالله إِن هَؤُلَاءِ لخيارنا وَأَشْرَافنَا وَإِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا لَهُم أشر من حمير
فَسَمعَهَا رجل من الْمُسلمين فَقَالَ: وَالله مَا يَقُول مُحَمَّد لحق ولأنت أشر من الْحمار
فسعى بهَا الرجل إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَأرْسل إِلَى الرجل فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا حملك على الَّذِي قلت فَجعل يلتعن وَيحلف بِاللَّه مَا قَالَ ذَلِك وَجعل الرجل الْمُسلم يَقُول: اللَّهُمَّ صدق الصَّادِق وَكذب الْكَاذِب فَأنْزل الله تَعَالَى فِي ذَلِك {يحلفُونَ بِاللَّه لكم ليرضوكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ
مثله وسمى الرجل الْمُسلم عَامر بن قيس من الْأَنْصَار
الْآيَة 63
(4/228)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {ألم يعلمُوا أَنه من يحادد الله وَرَسُوله} قَالَ: يعادي الله وَرَسُوله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يزِيد بن هرون قَالَ: خطب أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ فِي خطبَته: يُؤْتى بِعَبْد قد أنعم الله عَلَيْهِ وَبسط لَهُ فِي الرزق قد أصح بدنه وَقد كفر نعْمَة ربه فَيُوقف بَين يَدي الله تَعَالَى فَيُقَال لَهُ: مَاذَا عملت ليومك هَذَا وَمَا قدمت لنَفسك فَلَا يجده قدَّم خيرا فيبكي حَتَّى تنفد الدُّمُوع ثمَّ يعيَّر ويخزى
(4/228)
بِمَا ضيع من طَاعَة الله فيبكي الدَّم ثمَّ يعير ويخزى حَتَّى يَأْكُل يَدَيْهِ إِلَى مرفقيه ثمَّ يعير ويخزى بِمَا ضيع من طَاعَة الله فينتحب حَتَّى تسْقط حدقتاه على وجنتيه وكل وَاحِد مِنْهُمَا فَرسَخ فِي فَرسَخ ثمَّ يعير ويخزى حَتَّى يَقُول: يَا رب ابعثني إِلَى النَّار وارحمني من مقَامي هَذَا
وَذَلِكَ قَوْله {أَنه من يحادد الله وَرَسُوله فَأن لَهُ نَار جَهَنَّم} إِلَى قَوْله {الْعَظِيم}
الْآيَة 64
(4/229)
يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يحذر المُنَافِقُونَ أَن تنزل عَلَيْهِم سُورَة تنبئهم بِمَا فِي قُلُوبهم} قَالَ: يَقُولُونَ القَوْل فِيمَا بَينهم ثمَّ يَقُولُونَ عَسى الله أَن لَا يفشي علينا هَذَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت هَذِه السُّورَة تسمى الفاضحة فاضحة الْمُنَافِقين وَكَانَ يُقَال لَهَا المثيرة أنبأت بمثالبهم وعوراتهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْمسيب بن رَافع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا عمل رجل من حَسَنَة فِي سَبْعَة أَبْيَات إِلَّا أظهرها الله وَلَا عمل رجل من سَيِّئَة فِي سَبْعَة أَبْيَات إِلَّا أظهرها الله وتصديق ذَلِك كَلَام الله تَعَالَى {إِن الله مخرج مَا تحذرون}
الْآيَات 65 - 66
(4/229)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن شُرَيْح بن عبيد رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا قَالَ لأبي
(4/229)
الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ: يَا معشر الْقُرَّاء مَا بالكم أجبن منا وأبخل إِذا سئلتم وَأعظم لقماً إِذا أكلْتُم فَأَعْرض عَنهُ أَبُو الدَّرْدَاء وَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا فَأخْبر بذلك عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَانْطَلق عمر إِلَى الرجل الَّذِي قَالَ ذَلِك فقاله بِثَوْبِهِ وخنقه وقاده إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الرجل: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب
فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر قَالَ قَالَ رجل فِي غَزْوَة تَبُوك فِي مجْلِس يَوْمًا: مَا رَأينَا مثل قرائنا هَؤُلَاءِ لَا أَرغب بطونا وَلَا أكذب أَلْسِنَة وَلَا أجبن عِنْد اللِّقَاء
فَقَالَ رجل فِي الْمجْلس: كذبت وَلَكِنَّك مُنَافِق
لأخبرن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنزل الْقُرْآن
قَالَ عبد الله: فَأَنا رَأَيْته مُتَعَلقا يحقب نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْحِجَارَة تنكيه وَهُوَ يَقُول: يَا رَسُول الله إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب
وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أبالله وآياته وَرَسُوله كُنْتُم تستهزئون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والعقيلي فِي الضُّعَفَاء وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي رُوَاة مَالك عَن ابْن عمر قَالَ رَأَيْت عبد الله بن أبي وَهُوَ يشْتَد قُدَّام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والأحجار تنكيه وَهُوَ يَقُول: يَا مُحَمَّد إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أبالله وآياته وَرَسُوله كُنْتُم تستهزئون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب} قَالَ: قَالَ رجل من الْمُنَافِقين يحدثنا مُحَمَّد: أَن نَاقَة فلَان بوادي كَذَا وَكَذَا فِي يَوْم كَذَا وَكَذَا وَمَا يدريه بِالْغَيْبِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزوته إِلَى تَبُوك وَبَين يَدَيْهِ أنَاس من الْمُنَافِقين فَقَالُوا: يَرْجُو هَذَا الرجل أَن تفتح لَهُ قُصُور الشَّام وحصونها هَيْهَات هَيْهَات
فَأطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك فَقَالَ نَبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الله احْبِسُوا عليَّ هَؤُلَاءِ الركب
فَأَتَاهُم فَقَالَ: قُلْتُمْ كَذَا قُلْتُمْ كَذَا
قَالُوا: يَا نَبِي الله إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب فَأنْزل الله فيهمَا مَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسيره وأناس من الْمُنَافِقين يَسِيرُونَ أَمَامه فَقَالُوا: إِن كَانَ مَا
(4/230)
يَقُول مُحَمَّد حَقًا فلنحن أشر من الْحمير
فَأنْزل الله تَعَالَى مَا قَالُوا فَأرْسل إِلَيْهِم
مَا كُنْتُم تَقولُونَ فَقَالُوا: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب
وَأخرج إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب بن مَالك قَالَ قَالَ محشي بن حمير: لَوَدِدْت أَنِّي أقاضي على أَن يضْرب كل رجل مِنْكُم مائَة على أَن ينجو من أَن ينزل فِينَا قُرْآن
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمَّار بن يَاسر أدْرك الْقَوْم فَإِنَّهُم قد احترقوا فسلهم عَمَّا قَالُوا فَإِن هم أَنْكَرُوا وكتموا فَقل بلَى قد قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا فأدركهم فَقَالَ لَهُم
فَجَاءُوا يَعْتَذِرُونَ فَأنْزل الله {لَا تعتذروا قد كَفرْتُمْ بعد إيمَانكُمْ إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم} الْآيَة
فَكَانَ الَّذِي عَفا الله عَنهُ محشي بن حمير فتسمى عبد الرَّحْمَن وَسَأَلَ الله أَن يقتل شَهِيدا لَا يعلم بمقتله
فَقتل بِالْيَمَامَةِ لَا يعلم مَقْتَله وَلَا من قَتله وَلَا يرى لَهُ أثر وَلَا عين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رَهْط من الْمُنَافِقين من بني عَمْرو بن عَوْف فيهم وَدِيعَة بن ثَابت وَرجل من أَشْجَع حَلِيف لَهُم يُقَال لَهُ محشي بن حمير كَانَ يَسِيرُونَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ منطلق إِلَى تَبُوك فَقَالَ بَعضهم لبَعض: أتحسبون قتال بني الْأَصْفَر كقتال غَيرهم وَالله لكأنا بكم غَدا تقادون فِي الحبال
قَالَ محشي بن حمير: لَوَدِدْت أَنِّي أقاضي
فَذكر الحَدِيث مثل الَّذِي قبله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود
نَحوه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أقبل من غَزْوَة تَبُوك وَبَين يَدَيْهِ ثَلَاثَة رَهْط استهزأوا بِاللَّه وبرسوله وَبِالْقُرْآنِ قَالَ: كَانَ رجل مِنْهُم لم يمالئهم فِي الحَدِيث يسير مجانباً لَهُم يُقَال لَهُ يزِيد بن وَدِيعَة فَنزلت {إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة} فَسُمي طَائِفَة وَهُوَ وَاحِد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة} قَالَ: الطَّائِفَة الرجل والنفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الطَّائِفَة الْوَاحِد إِلَى الْألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الطَّائِفَة رجل فَصَاعِدا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {إِن نعف عَن طَائِفَة مِنْكُم نعذب طَائِفَة}
(4/231)
يَعْنِي إِن عفى بَعضهم فَلَيْسَ بتارك الآخرين أَن يعذبهم {بِأَنَّهُم كَانُوا مجرمين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ فِيمَن تخلف بِالْمَدِينَةِ من الْمُنَافِقين ودَاعَة بن ثَابت أحد بني عَمْرو بن عَوْف فَقيل لَهُ: مَا خَلفك عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الْخَوْض واللعب
فَأنْزل الله فِيهِ وَفِي أَصْحَابه {وَلَئِن سَأَلتهمْ ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب} إِلَى قَوْله {مجرمين}
الْآيَات 67 - 70
(4/232)
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (70)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن حُذَيْفَة
أَنه سُئِلَ عَن الْمُنَافِق
فَقَالَ: الَّذِي يصف الإِسلام وَلَا يعْمل بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: النِّفَاق نفاقان
نفاق تَكْذِيب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَاك كفر ونفاق خَطَايَا وذنوب فَذَاك يُرْجَى لصَاحبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يأمرون بالمنكر} قَالَ: هُوَ التَّكْذِيب
قَالَ: وَهُوَ أنكر الْمُنكر {وَينْهَوْنَ عَن الْمَعْرُوف} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله والإِقرار بِمَا أنزل الله وَهُوَ أعظم الْمَعْرُوف
(4/232)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كل آيَة ذكرهَا الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فَذكر الْمُنكر عبَادَة الْأَوْثَان والشيطان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويقبضون أَيْديهم} قَالَ: لَا يبسطونها بِنَفَقَة فِي حق الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ويقبضون أَيْديهم} قَالَ: لَا يبسطونها بِخَير {نسوا الله فنسيهم} قَالَ: نسوا من كل خير وَلم ينسوا من الشَّرّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {نسوا الله فنسيهم} قَالَ: تركُوا الله فتركهم من كرامته وثوابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {نسوا الله} قَالَ: تركُوا أَمر الله {فنسيهم} تَركهم من رَحمته أَن يعطيهم إِيمَانًا وَعَملا صَالحا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله لَا ينسى من خلقه وَلَكِن نسيهم من الْخَيْر يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: نسوا فِي الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَالَّذِين من قبلكُمْ} قَالَ: صَنِيع الْكفَّار كالكفار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أشبه اللَّيْلَة بالبارحة {كَالَّذِين من قبلكُمْ كَانُوا أَشد مِنْكُم قُوَّة} إِلَى قَوْله {وخضتم كَالَّذي خَاضُوا} هَؤُلَاءِ بَنو إِسْرَائِيل أشبهناهم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لنتبعنهم حَتَّى لَو دخل رجل جُحْر ضبٍّ لدخلتموه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بخلاقهم} قَالَ: بدينهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: الخلاق الدّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فاستمتعوا بخلاقهم} قَالَ: بنصيبهم من الدُّنْيَا
(4/233)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وخضتم كَالَّذي خَاضُوا} قَالَ: لعبتم كَالَّذي لعبوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حذركُمْ أَن تحدثُوا حَدثا فِي الإِسلام وَعلم أَنه سيفعل ذَلِك أَقوام من هَذِه الْأمة فَقَالَ الله {فاستمتعوا بخلاقهم} الْآيَة
الْآيَات 71 - 72
(4/234)
وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والمؤتفكات} قَالَ: قوم لوط ائتفكت بهم أَرضهم فَجعل عَلَيْهَا سافلها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} يدعونَ إِلَى الإِيمان بِاللَّه وَرَسُوله والنفقات فِي سَبِيل الله وَمَا كَانَ من طَاعَة الله {وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر} ينهون عَن الشّرك وَالْكفْر وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَرِيضَة من فَرَائض الله كتبهَا الله على الْمُؤمنِينَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {والمؤمنون وَالْمُؤْمِنَات بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} قَالَ: اخاؤهم فِي الله يتحابون بِجلَال الله وَالْولَايَة لله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب قَضَاء الْحَوَائِج وَالطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة وَأهل الْمُنكر فِي الدُّنْيَا أهل الْمُنكر فِي الْآخِرَة وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن أبي عُثْمَان مُرْسلا
(4/234)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي مُوسَى أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمَعْرُوف وَالْمُنكر خليقتان ينصبان يَوْم الْقِيَامَة فَأَما الْمَعْرُوف فيبشر أَهله ويعدهم الْخَيْر وَأما الْمُنكر فَيَقُول لأَصْحَابه: إِلَيْكُم وَمَا تَسْتَطِيعُونَ لَهُ إِلَّا لُزُوما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأس الْعقل بعد الإِيمان بِاللَّه مداراة النَّاس وَلنْ يهْلك رجل بعد مشورة وَأهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة وَأهل الْمُنكر فِي الدُّنْيَا أهل الْمُنكر فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة وَأهل الْمُنكر فِي الدُّنْيَا أهل الْمُنكر فِي الْآخِرَة أَن الله ليَبْعَث الْمَعْرُوف يَوْم القيانة فِي صُورَة الرجل الْمُسَافِر فَيَأْتِي صَاحبه إِذا انْشَقَّ قَبره فيمسح عَن وَجهه التُّرَاب وَيَقُول: اُبْشُرْ يَا ولي الله بِأَمَان الله وكرامته لَا يهولنَّك مَا ترى من أهوال يَوْم الْقِيَامَة
فَلَا يزَال يَقُول لَهُ: احذر هَذَا وَاتَّقِ هَذَا يسكن بذلك روعه حَتَّى يُجَاوز بِهِ الصِّرَاط فَإِذا جَاوز بِهِ الصِّرَاط عدل ولي الله إِلَى مَنَازِله فِي الْجنَّة ثمَّ يثنى عَنهُ الْمَعْرُوف فَيتَعَلَّق بِهِ فَيَقُول: يَا عبد الله من أَنْت خذلني الْخَلَائق فِي أهوال الْقِيَامَة غَيْرك فَمن أَنْت فَيَقُول لَهُ: أما تعرفنِي فَيَقُول: لَا
فَيَقُول: أَنا الْمَعْرُوف الَّذِي عملته فِي الدُّنْيَا بَعَثَنِي الله خلقا لأجازيك بِهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطْلُبُوا الْمَعْرُوف من رحماء أمتِي تعيشوا فِي أَكْنَافهم وَلَا تطلبوه من القاسية قُلُوبهم فَإِن اللَّعْنَة تنزل عَلَيْهِم يَا عَليّ إِن الله خلق الْمَعْرُوف وَخلق لَهُ أَهلا فحببه إِلَيْهِم وحبب إِلَيْهِم فعاله وَوجه إِلَيْهِم طلابه كَمَا وَجه المَاء فِي الأَرْض الجدبة لتحيا بِهِ وَيحيى بِهِ أَهلهَا إِن أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ عَن عليّ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اطْلُبُوا الْمَعْرُوف من رحماء أمتِي تعيشوا فِي أَكْنَافهم
وَأخرج الْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صانع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء والآفات والهلكات وَأهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة
(4/235)
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع الله الأوّلين والآخرين ثمَّ أَمر منادياً يُنَادي: أَلا ليقمْ أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا
فَيقومُونَ
حَتَّى يقفوا بَين يَدي الله فَيَقُول الله: أَنْتُم أهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ: نعم
فَيَقُول: وَأَنْتُم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة فَقومُوا مَعَ الْأَنْبِيَاء وَالرسل فاشفعوا لمن أَحْبَبْتُم فادخلوه الْجنَّة حَتَّى تدْخلُوا عَلَيْهِم الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة كَمَا أدخلتم عَلَيْهِم الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب قَضَاء الْحَوَائِج عَن بِلَال قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَدَقَة وَالْمَعْرُوف يقي سبعين نوعا من الْبلَاء ويقي ميتَة السوء وَالْمَعْرُوف وَالْمُنكر خلقان منصوبان للنَّاس يَوْم الْقِيَامَة فالمعروف لَازم لأَهله وَالْمُنكر لَازم لأَهله يقودهم ويسوقهم إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أحب عباد الله إِلَى الله عز وَجل من حبَّب إِلَيْهِ الْمَعْرُوف وحبَّب إِلَيْهِ فعاله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جعل للمعروف وُجُوهًا من خلقه وحبب إِلَيْهِم فعاله وَوجه طلاب الْمَعْرُوف إِلَيْهِم وَيسر عَلَيْهِم إعطاءه كَمَا يسر الْغَيْث إِلَى الأَرْض الجدبة ليحييها ويحيي بِهِ أَهلهَا وَإِن الله جعل للمعروف أَعدَاء من خلقه بغض إِلَيْهِم الْمَعْرُوف وبغض إِلَيْهِم فعاله وحظر عَلَيْهِم اعطاءه كَمَا يحظر الْغَيْث عَن الأَرْض الجدبة ليهلكها وَيهْلك بهَا أَهلهَا وَمَا يعْفُو الله أَكثر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَلَيْكُم باصطناع الْمَعْرُوف فَإِنَّهُ يمْنَع مصَارِع السوء وَعَلَيْكُم بِصَدقَة السِّرّ فَإِنَّهَا تُطْفِئ غضب الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والقضاعي والعسكري وَابْن أبي الدُّنْيَا من طَرِيق مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَدَقَة وكل مَا أنْفق الرجل على نَفسه وَأَهله كتب لَهُ بِهِ صَدَقَة وَمَا وقِي بِهِ عرضه كتب لَهُ بِهِ صَدَقَة وَقد قيل لمُحَمد بن الْمُنْكَدر مَا يَعْنِي مَا وقى بِهِ عرضه قَالَ: الشَّيْء يعْطى الشَّاعِر وَذَا اللِّسَان المتقي
(4/236)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَنعته إِلَى غَنِي أَو فَقير فَهُوَ صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل مَعْرُوف يصنعه أحدكُم إِلَى غَنِي فَقير فَهُوَ صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل مَعْرُوف صَدَقَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن جَابر الْجعْفِيّ رَفعه قَالَ: الْمَعْرُوف خلق من خلق الله تَعَالَى كريم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن قَالَ: سَأَلت عمرَان بن حُصَيْن وَأَبا هُرَيْرَة عَن تَفْسِير {ومساكن طيبَة فِي جنَّات عدن} قَالَا: على الْخَبِير سَقَطت
سَأَلنَا عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ قصر من لؤلؤة فِي الْجنَّة فِي ذَلِك الْقصر سَبْعُونَ دَارا من ياقوتة حَمْرَاء فِي كل دَار سَبْعُونَ بَيْتا من زمردة خضراء فِي كل بَيت سَبْعُونَ سريراً على كل سَرِير سَبْعُونَ فراشا من كل لون على كل فرَاش امْرَأَة من الْحور الْعين فِي كل بَيت سَبْعُونَ مائدة فِي كل مائدة سَبْعُونَ لوناً من كل طَعَام فِي كل بَيت سَبْعُونَ وصيفاً ووصيفة فَيعْطى الْمُؤمن من الْقُوَّة فِي كل غَدَاة مَا يَأْتِي على ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سليم بن عَامر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْجنَّة مائَة دَرَجَة: فأولها من فضَّة أرْضهَا فضَّة ومساكنها فضَّة وآنيتها فضَّة وترابها مسك
وَالثَّانيَِة من ذهب أرْضهَا ذهب ومساكنها ذهب وآنيتها ذهب وترابها مسك
وَالثَّالِثَة لُؤْلُؤ أرْضهَا لُؤْلُؤ وآنيتها لُؤْلُؤ وترابها مسك
وَسبع وَتسْعُونَ بعد ذَلِك مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي حَازِم قَالَ: إِن الله ليعد للْعَبد من عبيده فِي الْجنَّة لؤلؤة مسيرَة أَرْبَعَة برد أَبْوَابهَا وغرفها ومغاليقها لَيْسَ فِيهَا قضم وَلَا قَصم وَالْجنَّة مائَة دَرَجَة: فَثَلَاث مِنْهَا ورق وَذهب ولؤلؤ وَزَبَرْجَد وَيَاقُوت وَسبع وَتسْعُونَ لَا يعلمهما إِلَّا الَّذِي خلقهَا
(4/237)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة رجل لَهُ ألف قصر مَا بَين كل قَصْرَيْنِ مسيرَة سنة يرى أقصاها كَمَا يرى أدناها فِي كل قصر من الْحور الْعين والرياحين والولدان مَا يَدْعُو شَيْئا إِلَّا أَتَى بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مغيث بن سمي قَالَ: إِن فِي الْجنَّة قصوراً من ذهب وقصوراً من فضَّة وقصوراً من ياقوت وقصوراً من زبرجد جبالها الْمسك وترابها الورس والزعفران
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: إِن فِي الْجنَّة ياقوتة لَيْسَ فِيهَا صدع وَلَا وصل وفيهَا سَبْعُونَ ألف دَار فِي كل دَار سَبْعُونَ ألفا من الْحور الْعين لَا يدخلهَا إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو إِمَام عَادل أَو مُحكم فِي نَفسه
قيل لكعب: وَمَا الْمُحكم فِي نَفسه قَالَ: الرجل يَأْخُذهُ العدوّ فيحكمونه بَين أَن يكفر أَو يلْزم الإِسلام فَيقْتل فيختار أَن يلْزم الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {جنَّات عدن} قَالَ: مَعْدن الرجل الَّذِي يكون فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {جنَّات عدن} قَالَ: معدنهم فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان قَالَ: إِن الله خلق فِي الْجنَّة جنَّة عدن دملج لؤلؤة وغرس فِيهَا قَضِيبًا ثمَّ قَالَ لَهَا: امتدي حَتَّى أرْضى
ثمَّ قَالَ لَهَا: أَخْرِجِي مَا فِيك من الْأَنْهَار وَالثِّمَار فَفعلت
فَقَالَت (قد أَفْلح الْمُؤْمِنُونَ) (الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 1)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {ورضوان من الله أكبر} يَعْنِي إِذا أخبروا أَن الله عَنْهُم رَاض فَهُوَ أكبر عِنْدهم من التحف وَالتَّسْلِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة قَالَ الله: هَل تشتهون شَيْئا فأزيدكم قَالُوا: يَا رَبنَا وَهل بَقِي شَيْء إِلَّا قد أنلتناه فَيَقُول: نعم
رضائي فَلَا أَسخط عَلَيْكُم أبدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عبد الْملك الْجُهَنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله لنعيم أهل الْجنَّة برضوان الله عَنْهُم أفضل من نعيمهم بِمَا فِي الْجنان
(4/238)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: يَجِيء الْقُرْآن يَوْم الْقِيَامَة فِي صُورَة الرجل الشاحب حِين ينشق عَنهُ قَبره فَيَقُول: أبشر بكرامة الله تَعَالَى
قَالَ: فَلهُ حلَّة الْكَرَامَة
فَيَقُول: يَا رب زِدْنِي
فَيَقُول: رِضْوَانِي ورضوان من الله أكبر
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يَقُول لأهل الْجنَّة: يَا أهل الْجنَّة
فَيَقُولُونَ: لبيْك يَا رَبنَا وَسَعْديك وَالْخَيْر فِي يَديك
فَيَقُول: هَل رَضِيتُمْ فَيَقُولُونَ: رَبنَا وَمَا لنا لَا نرضى وَقد أَعطيتنَا مَا لم تعطه أحدا من خلقك فَيَقُول: أَلا أُعْطِيكُم أفضل من ذَلِك قَالُوا: يَا رب وَأي شَيْء أفضل من ذَلِك قَالَ: أحل عَلَيْكُم رِضْوَانِي فَلَا أَسخط عَلَيْكُم بعده أبدا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَنا أَبَا بكر الصّديق كَانَ يَقُول فِي دُعَائِهِ: اللهمَّ أَسأَلك الَّذِي هُوَ خير فِي عَاقِبَة الْخَيْر اللهمَّ اجْعَل آخر مَا تُعْطِينِي الْخَيْر رضوانك والدرجات العلى فِي جنَّات النَّعيم
الْآيَة 73
(4/239)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار} قَالَ: بِالسَّيْفِ
(4/239)
{وَالْمُنَافِقِينَ} قَالَ: بِاللِّسَانِ {وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} قَالَ: اذْهَبْ الرِّفْق عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ} قَالَ: بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وليلقه بِوَجْه مكفهر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا النَّبِي جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ} أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُجَاهد بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فقلبه فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فليلقه بِوَجْه مكفهر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {جَاهد الْكفَّار} قَالَ: بِالسَّيْفِ {وَالْمُنَافِقِينَ} بالْقَوْل بِاللِّسَانِ {وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} قَالَ: على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ثمَّ نسخهَا فَأنْزل بعْدهَا (قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظة) (التَّوْبَة الْآيَة 123)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أَمر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يُجَاهد الْكفَّار بِالسَّيْفِ ويغلظ على الْمُنَافِقين فِي الْحُدُود
الْآيَة 74
(4/240)
يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب بن مَالك قَالَ لما نزل الْقُرْآن فِيهِ ذكر الْمُنَافِقين قَالَ الْجلاس: وَالله لَئِن كَانَ هَذَا الرجل صَادِقا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَسَمعهُ عُمَيْر بن سعد فَقَالَ: وَالله يَا جلاس إِنَّك لأحب النَّاس إليَّ وَأَحْسَنهمْ عِنْدِي أشراً وأعزهم عَليّ أَن يدْخل عَلَيْهِ شَيْء يكرههُ وَلَقَد قلت مقَالَة لَئِن ذكرتها لتفضحنك وَلَئِن سكت عَنْهَا لتهلكني ولأحدهما أَشد عليَّ من الْأُخْرَى
فَمشى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر لَهُ مَا قَالَ فَأتى الْجلاس فَجعل يحلف بِاللَّه مَا قَالَ وَلَقَد كذب على عُمَيْر فَأنْزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْجلاس بن سُوَيْد بن الصَّامِت مِمَّن تخلف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك وَقَالَ: لَئِن كَانَ هَذَا الرجل صَادِقا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَرفع عُمَيْر بن سعد مقَالَته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحلف الْجلاس بِاللَّه لقد كذب عليَّ وَمَا قلت
فَأنْزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} الْآيَة
فزعموا أَنه تَابَ وَحسنت تَوْبَته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ سمع زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنهُ رجلا من الْمُنَافِقين يَقُول - وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب -: إِن كَانَ هَذَا صَادِقا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَقَالَ
(4/240)
زيد رَضِي الله عَنهُ: هُوَ - وَالله - صَادِق ولأنت أشر من الْحمار فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجحد الْقَائِل فَأنْزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} الْآيَة
فَكَانَت الْآيَة فِي تَصْدِيق زيد
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا فِي ظلّ شَجَرَة فَقَالَ: إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ إِنْسَان ينظر إِلَيْكُم بعيني شَيْطَان فَإِذا جَاءَ فَلَا تُكَلِّمُوهُ فَلم يَلْبَثُوا إِلَّا أَن طلع رجل أَزْرَق فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: علام تَشْتمنِي أَنْت وَأَصْحَابك فَانْطَلق الرجل فجَاء بِأَصْحَابِهِ فَحَلَفُوا بِاللَّه مَا قَالُوا حَتَّى تجَاوز عَنْهُم وَأنزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ ذكر لنا أَن رجلَيْنِ اقتتلا أَحدهمَا من جُهَيْنَة وَالْآخر من غفار وَكَانَت جُهَيْنَة حلفاء الْأَنْصَار فَظهر الْغِفَارِيّ على الْجُهَنِيّ فَقَالَ عبد الله بن أبي لِلْأَوْسِ: انصروا أَخَاكُم وَالله مَا مثلنَا وَمثل مُحَمَّد إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِل: سمن كلبك يَأْكُلك
وَالله لَئِن رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل
فسعى بهَا رجل من الْمُسلمين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَجعل يحلف بِاللَّه مَا قَالَه فَأنْزل الله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن أبي بن سلول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عُرْوَة أَن رجلا من الْأَنْصَار يُقَال الْجلاس بن سُوَيْد قَالَ لَيْلَة فِي غَزْوَة تَبُوك وَالله لَئِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَسَمعهُ غُلَام يُقَال لَهُ عُمَيْر بن سعد وَكَانَ ربيبه فَقَالَ لَهُ: أَي عَم تب إِلَى الله
وَجَاء الْغُلَام إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ فَجعل يحلف وَيَقُول: وَالله مَا قلت يَا رَسُول الله
فَقَالَ الْغُلَام: بلَى وَالله لقد قلته فتب إِلَى الله وَلَوْلَا أَن ينزل الْقُرْآن فيجعلني مَعَك مَا قلته فجَاء الْوَحْي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَكَتُوا فَلَا يتحركون إِذا نزل الْوَحْي فَرفع عَن النَّبِي فَقَالَ {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} إِلَى قَوْله {فَإِن يتوبوا يَك خيرا لَهُم} فَقَالَ: قد قلته وَقد عرض الله عليّ التَّوْبَة فَأَنا أَتُوب فَقبل ذَلِك مِنْهُ وَقتل لَهُ قَتِيل
(4/241)
فِي الإِسلام فوداه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطَاهُ دِيَته فاستغنى بذلك وَكَانَ همَّ أَن يلْحق بالمشركين وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للغلام: وعت أُذُنك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزل الْقُرْآن أَخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأذن عُمَيْر فَقَالَ وعت أُذُنك يَا غُلَام وصدقك رَبك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل من الْمُنَافِقين: لَئِن كَانَ مُحَمَّد صَادِقا فِيمَا يَقُول لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَقَالَ لَهُ زيد بن أَرقم رَضِي الله عَنْهُمَا: إِن مُحَمَّدًا لصَادِق ولأنت شَرّ من الْحمار
فَكَانَ فِيمَا بَينهمَا ذَلِك كَلَام فَلَمَّا قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَأَتَاهُ الآخر فَحلف بِاللَّه مَا قَالَ فَنزلت {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزيد بن أَرقم وعت أُذُنك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: قَالَ أحدهم: إِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد حَقًا لنَحْنُ شَرّ من الْحمير
فَقَالَ رجل من الْمُؤمنِينَ: فوَاللَّه إِن مَا يَقُول مُحَمَّد لحق ولأنت شَرّ من الْحمار
فهمَّ بقتْله الْمُنَافِق فَذَلِك هَمهمْ بِمَا لم ينالوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا} قَالَ هم الَّذين أَرَادوا أَن يدفعوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة وَكَانُوا قد أَجمعُوا أَن يقتلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم مَعَه فِي بعض أَسْفَاره فَجعلُوا يَلْتَمِسُونَ غرته حَتَّى أَخذ فِي عقبَة فَتقدم بَعضهم وَتَأَخر بَعضهم وَذَلِكَ لَيْلًا قَالُوا: إِذا أَخذ فِي الْعقبَة دفعناه عَن رَاحِلَته فِي الْوَادي فَسمع حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ يَسُوق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ قائده تِلْكَ اللَّيْلَة عمار وسائقه حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ فَسمع حُذَيْفَة اخفاف الابل فَالْتَفت فَإِذا هُوَ بِقوم مُتَلَثِّمِينَ: فَقَالَ: إِلَيْكُم إِلَيْكُم يَا أَعدَاء الله فأمسكوا
وَمضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل منزله الَّذِي أَرَادَ فَلَمَّا أصبح أرسل إِلَيْهِم كلهم فَقَالَ: أردتم كَذَا وَكَذَا فَحَلَفُوا بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَا أَرَادوا الَّذِي سَأَلَهُمْ عَنهُ فَذَلِك قَوْله {يحلفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وهموا بِمَا لم ينالوا} قَالَ: همَّ رجل يُقَال لَهُ الْأسود بقتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/242)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَافِلًا من تَبُوك إِلَى الْمَدِينَة حَتَّى إِذا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق مكر برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَصْحَابه فتآمروا أَن يطرحوه من عقبَة فِي الطَّرِيق فَلَمَّا بلغُوا الْعقبَة أَرَادوا أَن يسلكوها مَعَه فَلَمَّا غشيهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخبر خبرهم فَقَالَ: من شَاءَ مِنْكُم أَن يَأْخُذ بطن الْوَادي فَإِنَّهُ أوسع لكم وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعقبَة وَأخذ النَّاس بِبَطن الْوَادي إِلَّا النَّفر الَّذين مكروا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سمعُوا ذَلِك اسْتَعدوا وتلثموا وَقد هموا بِأَمْر عَظِيم وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ وعمار بن يَاسر رَضِي الله عَنهُ فمشيا مَعَه شَيْئا فَأمر عمار أَن يَأْخُذ بزمام النَّاقة وَأمر حُذَيْفَة بسوقها
فَبَيْنَمَا هم يَسِيرُونَ إِذْ سمعُوا وكرة الْقَوْم من ورائهم قد غشوه فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمر حُذَيْفَة أَن يردهم وَأبْصر حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ غضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرجع وَمَعَهُ محجن فَاسْتقْبل وُجُوه رواحلهم فضربها ضربا بالمحجن وَأبْصر الْقَوْم وهم مُتَلَثِّمُونَ لَا يَشْعُرُونَ إِنَّمَا ذَلِك فعل الْمُسَافِر فرعبهم الله حِين أبصروا حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ وظنوا أَن مَكْرهمْ قد ظهر عَلَيْهِ فَأَسْرعُوا حَتَّى خالطوا النَّاس وَأَقْبل حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ حَتَّى أدْرك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أدْركهُ قَالَ: اضْرِب الرَّاحِلَة يَا حُذَيْفَة وامشِ أَنْت يَا عمار فَأَسْرعُوا حَتَّى اسْتَووا بِأَعْلَاهَا فَخَرجُوا من الْعقبَة يتنظرون النَّاس فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِحُذَيْفَة: هَل عرفت يَا حُذَيْفَة من هَؤُلَاءِ الرَّهْط أحدا قَالَ حُذَيْفَة: عرفت رَاحِلَة فلَان وَفُلَان وَقَالَ: كَانَت ظلمَة اللَّيْل وَغَشِيَتْهُمْ وهم مُتَلَثِّمُونَ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل علمْتُم مَا كَانَ شَأْنهمْ وَمَا أَرَادوا قَالُوا: لَا وَالله يَا رَسُول الله
قَالَ: فَإِنَّهُم مكروا ليسيروا معي حَتَّى إِذا طلعت فِي الْعقبَة طرحوني مِنْهَا
قَالُوا: أَفلا تَأمر بهم يَا رَسُول الله فَنَضْرِب أَعْنَاقهم قَالَ: أكره أَن يتحدث النَّاس ويقولوا: إِن مُحَمَّد وضع يَده فِي أَصْحَابه فسماهم لَهما وَقَالَ: اكتماهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن إِسْحَق نَحوه وَزَاد بعد قَوْله لِحُذَيْفَة هَل عرفت من الْقَوْم أحدا فَقَالَ: لَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله قد أَخْبرنِي بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاء آبَائِهِم وسأخبرك بهم إِن شَاءَ الله عِنْد وَجه الصُّبْح فَلَمَّا أصبح سماهم بِهِ: عبد الله بن أبي سعد وَسعد بن أبي سرح وَأَبا حاصر الْأَعرَابِي وعامراً وَأَبا عَامر والجلاس بن سُوَيْد بن صَامت وَمجمع بن حَارِثَة ومليحاً التَّيْمِيّ وحصين بن نمير وطعمة بن أُبَيْرِق وَعبد الله بن عُيَيْنَة وَمرَّة بن ربيع
فهم اثْنَا
(4/243)
عشر رجلا حَاربُوا الله وَرَسُوله وَأَرَادُوا قَتله فَأطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك وَذَلِكَ قَوْله عز وَجل {وهموا بِمَا لم ينالوا} وَكَانَ أَبُو عَامر رَأْسهمْ وَله بنوا مَسْجِد الضرار وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَة غسيل الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن سعد عَن نَافِع بن جُبَير بن مطعم قَالَ: لم يخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأسماء الْمُنَافِقين الَّذين تحسوه لَيْلَة الْعقبَة بتبوك غير حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ وهم اثْنَا عشر رجلا لَيْسَ فيهم قرشي وَكلهمْ من الْأَنْصَار وَمن حلفائهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت آخِذا بِخِطَام نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقُود بِهِ وعمار يَسُوقهُ أَو أَنا أسوقه وعمار يَقُودهُ حَتَّى إِذا كُنَّا بِالْعقبَةِ فَإِذا أَنا بِاثْنَيْ عشر رَاكِبًا قد اعْترضُوا فِيهَا قَالَ: فَأَنْبَهْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَرَخَ بهم فَوَلوا مُدبرين فَقَالَ لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل عَرَفْتُمْ الْقَوْم قُلْنَا لَا يَا رَسُول الله كَانُوا مُتَلَثِّمِينَ وَلَكنَّا قد عرفنَا الركاب
قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
هَل تَدْرُونَ مَا أَرَادوا قُلْنَا: لَا
قَالَ: أَرَادوا أَن يزحموا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعقبَة فَيُلْقُوهُ مِنْهَا
قُلْنَا يَا رَسُول الله أَلا تبْعَث إِلَى عَشَائِرهمْ حَتَّى يبْعَث إِلَيْك كل قوم بِرَأْس صَاحبهمْ قَالَ: لَا إِنِّي أكره أَن تحدث الْعَرَب بَينهَا: أَن مُحَمَّد قَاتل بِقوم حَتَّى إِذا أظهره الله بهم أقبل عَلَيْهِم يقتلهُمْ ثمَّ قَالَ: اللهمَّ اِرْمِهِمْ بِالدُّبَيْلَةِ
قُلْنَا يَا رَسُول الله وَمَا الدُّبَيْلَة قَالَ: شهَاب من نَار يوضع على نِيَاط قلب أحدهم فَيهْلك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهموا بِمَا لم ينالوا} قَالَ: أَرَادوا أَن يتوّجوا عبد الله بن أبي وَإِن لم يرض مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح {وهموا بِمَا لم ينالوا} قَالَ: هموا أَن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ
أَن مولى لبني عدي بن كَعْب قتل رجلا من الْأَنْصَار فَقضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ اثْنَي عشر ألفا وَفِيه نزلت {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله}
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قتل رجل على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل
(4/244)
دِيَته اثْنَي عشر ألفا وَذَلِكَ قَوْله {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله} قَالَ: بأخذهم الدِّيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله} قَالَ: كَانَت لَهُ دِيَة قد غلب عَلَيْهَا فأخرجها لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة قَالَ: كَانَ جلاس يحمل حمالَة أَو كَانَ عايه دين فَأدى عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك قَوْله {وَمَا نقموا إِلَّا أَن أغناهم الله وَرَسُوله من فَضله}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: ثمَّ دعاهم إِلَى التَّوْبَة فَقَالَ {فَإِن يتوبوا يَك خيرا لَهُم وَإِن يتولوا يعذبهم الله عذَابا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة} فاما عَذَاب الدُّنْيَا فالقتل وَأما عَذَاب الْآخِرَة فَالنَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ان قوما قد هموا بهم سوءا وَأَرَادُوا أمرا فليقوموا فليستغفروا فَلم يقم أحد ثَلَاث مرار فَقَالَ: قُم يَا فلَان قُم يَا فلَان
فَقَالُوا: نَسْتَغْفِر الله تَعَالَى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله لانا دعوتكم إِلَى التَّوْبَة وَالله أسْرع إِلَيْكُم بهَا وَأَنا أطيب لكم نفسا بالاستغفار أخرجُوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: احفظ عني كل شَيْء فِي الْقُرْآن {وَمَا لَهُم فِي الأَرْض من ولي وَلَا نصير} فَهِيَ للْمُشْرِكين فَأَما الْمُؤْمِنُونَ فَمَا أَكثر شفعاءهم وأنصارهم
الْآيَات 75 - 78
(4/245)
وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)
أخرج الْحسن بن سُفْيَان وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والعسكري فِي الْأَمْثَال وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مَنْدَه والباوردي وَأَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ ثَعْلَبَة بن حَاطِب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يَرْزُقنِي مَالا
قَالَ: وَيحك يَا ثَعْلَبَة
أما ترْضى أَن تكون مثلي فَلَو شِئْت أَن يسير رَبِّي هَذِه الْجبَال معي لَسَارَتْ
قَالَ: يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يَرْزُقنِي مَالا فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ إِن آتَانِي الله مَالا لَأُعْطيَن كل ذِي حق حَقه
قَالَ: وَيحك يَا ثَعْلَبَة
قَلِيل تطِيق شكره خير من كثير لَا تطِيق شكره
فَقَالَ: يَا رَسُول الله ادْع الله تَعَالَى
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللهمَّ ارزقه مَالا
فاتَّجَرَ وَاشْترى غنما فبورك لَهُ فِيهَا ونمت كَمَا يَنْمُو الدُّود حَتَّى ضَاقَتْ بِهِ الْمَدِينَة فَتنحّى بهَا - فَكَانَ يشْهد الصَّلَاة بِالنَّهَارِ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يشهدها بِاللَّيْلِ ثمَّ نمت كَمَا يَنْمُو الدُّود فَتنحّى بهَا فَكَانَ لَا يشْهد الصَّلَاة بِالنَّهَارِ وَلَا بِاللَّيْلِ إِلَّا من جُمُعَة إِلَى جُمُعَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نمت كَمَا يَنْمُو الدُّود فَضَاقَ بِهِ مَكَانَهُ فَتنحّى بِهِ فَكَانَ لَا يشْهد جُمُعَة وَلَا جَنَازَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يتلَقَّى الركْبَان ويسألهم عَن الْأَخْبَار
وفقده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَ عَنهُ فأخبروه أَن اشْترى غنما وَأَن الْمَدِينَة ضَاقَتْ بِهِ وَأَخْبرُوهُ بِخَبَرِهِ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيْح ثَعْلَبَة بن حَاطِب
ثمَّ إِن الله تَعَالَى أَمر رَسُوله أَن يَأْخُذ الصَّدقَات وَأنزل الله تَعَالَى (خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة) (التَّوْبَة الْآيَة 103)
فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَيْنِ رجلا من جُهَيْنَة ورجلاً من بني سَلمَة يأخذان الصَّدقَات فَكتب لَهما اسنان الابل وَالْغنم كَيفَ يأخذانها على وَجههَا وَأَمرهمَا أَن يمرا على ثَعْلَبَة بن حَاطِب وبرجل من بني سليم فَخَرَجَا فمرا بِثَعْلَبَة فَسَأَلَاهُ الصَّدَقَة
فَقَالَ: ارياني كتابكما فَنظر فِيهِ فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا جِزْيَة انْطَلقَا حَتَّى تفرغا ثمَّ مرا بِي
قَالَ: فَانْطَلقَا وَسمع بهما السليمي فَاسْتَقْبَلَهُمَا بِخِيَار إبِله فَقَالَا: إِنَّمَا عَلَيْك دون هَذَا
فَقَالَ: مَا كنت أَتَقَرَّب إِلَى الله إِلَّا بِخَير مَالِي فقبلاه فَلَمَّا فرغا مرا بِثَعْلَبَة فَقَالَ: أرياني كتابكما
فَنظر فِيهِ فَقَالَ: مَا هَذَا إِلَّا جِزْيَة
انْطَلقَا حَتَّى أرى رَأْيِي
فَانْطَلقَا حَتَّى قدما الْمَدِينَة فَلَمَّا رآهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قبل أَن يكلمهما: وَيْح ثَعْلَبَة بن حَاطِب
ودعا للسليمي بِالْبركَةِ وَأنزل الله
(4/246)
{وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله لنصدقن} الثَّلَاث آيَات
قَالَ: فَسمع بعض من أقَارِب ثَعْلَبَة فَأتى ثَعْلَبَة فَقَالَ: وَيحك يَا ثَعْلَبَة
أنزل الله فِيك كَذَا وَكَذَا
قَالَ: فَقدم ثَعْلَبَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه صَدَقَة مَالِي
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الله تَعَالَى قد مَنَعَنِي أَن أقبل مِنْك
قَالَ: فَجعل يبكي ويحثي التُّرَاب على رَأسه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا عَمَلك بِنَفْسِك أَمرتك فَلم تُطِعْنِي
فَلم يقبل مِنْهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى مضى
ثمَّ أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ: يَا أَبَا بكر اقبل مني صدقتي فقد عرفت منزلتي من الْأَنْصَار
فَقَالَ أَبُو بكر: لم يقبلهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأقبلها فَلم يقبلهَا أَبُو بكر ثمَّ ولي عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا أَبَا حَفْص يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ اقبل مني صدقتي
وتوسل إِلَيْهِ بالمهاجرين وَالْأَنْصَار وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ عمر: لم يقبلهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا أَبُو بكر أقبلها أَنا فَأبى أَن يقبلهَا ثمَّ ولي عُثْمَان فَهَلَك فِي خلَافَة عُثْمَان وَفِيه نزلت (الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات) (التَّوْبَة الْآيَة 79) قَالَ: وَذَلِكَ فِي الصَّدَقَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله لنصدقن ولنكونن من الصَّالِحين} وَذَلِكَ أَن رجلا كَانَ يُقَال لَهُ ثَعْلَبَة من الْأَنْصَار أَتَى مَجْلِسا فاشهدهم فَقَالَ: لَئِن آتَانِي الله من فَضله آتيت كل ذِي حق حَقه وتصدقت مِنْهُ وَجعلت مِنْهُ لِلْقَرَابَةِ
فابتلاه الله فَأَتَاهُ من فَضله
فأخلف مَا وعده فأغضب الله بِمَا أخلفه مَا وعده نقص الله شَأْنه فِي الْقُرْآن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: اعتبروا الْمُنَافِق بِثَلَاث: إِذا حدث كذب وَإِذا وعد أخلف وَإِذا عَاهَدَ غدر وَذَلِكَ بِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله لنصدقن} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عمر قَالَ: ثَلَاث من كن فِيهِ فَهُوَ مُنَافِق
إِذا حدث كذب وَإِذا وعد أخلف وَإِذا ائْتمن خَان
وتلا هَذِه الْآيَة {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله} إِلَى آخر الْآيَة
(4/247)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ آيَة الْمُنَافِق ثَلَاث
إِذا حدث كذب وَإِذا وعد أخلف وَإِذا ائْتمن خَان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: سَمِعت بِالثلَاثِ الَّتِي تذكر فِي الْمُنَافِق
إِذا ائْتمن خَان وَإِذا وعد أخلف وَإِذا حدث كذب فالتمستها فِي الْكتاب زَمَانا طَويلا حَتَّى سَقَطت عَلَيْهَا بعد حِين وجدنَا الله تَعَالَى يذكر فِيهِ {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله لَئِن آتَانَا من فَضله} إِلَى قَوْله {وَبِمَا كَانُوا يكذبُون} و (إِنَّا عرضنَا الْأَمَانَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض) (الْأَحْزَاب الْآيَة 72) إِلَى آخر الْآيَة (وَإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 1) إِلَى قَوْله (وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَن رجلا من الْأَنْصَار هُوَ الَّذِي قَالَ هَذَا فَمَاتَ ابْن عَم لَهُ فورث مِنْهُ مَالا فبخل بِهِ وَلم يَفِ الله بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ فأعقبه بذلك نفَاقًا إِلَى أَن يلقاه قَالَ: ذَلِك {بِمَا أخْلفُوا الله مَا وعدوه وَبِمَا كَانُوا يكذبُون}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي قلَابَة قَالَ: مثل أَصْحَاب الْأَهْوَاء مثل الْمُنَافِقين كَلَامهم شَتَّى وجماع أَمرهم النِّفَاق ثمَّ تَلا {وَمِنْهُم من عَاهَدَ الله} {وَمِنْهُم من يَلْمِزك} التَّوْبَة الْآيَة 58 {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} التَّوْبَة الْآيَة 61
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بِمَا أخْلفُوا الله مَا وعدوه وَبِمَا كَانُوا يكذبُون} قَالَ: اجتنبوا الْكَذِب فَإِنَّهُ بَاب من النِّفَاق وَعَلَيْكُم بِالصّدقِ فَإِنَّهُ بَاب من الإِيمان وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حدث أَن مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لما جَاءَ بِالتَّوْرَاةِ لبني إِسْرَائِيل قَالَت بَنو إِسْرَائِيل: إِن التَّوْرَاة كَثِيرَة وانا لَا نفرغ لَهَا فسل لنا جماعاً من الْأَمر نحافظ عَلَيْهِ ونتفرغ لمعايشنا
قَالَ: مهلا مهلا أَي قوم هَذَا كتاب الله وَبَيَان الله وَنور الله وعصمة الله
فَردُّوا عَلَيْهِ مثل مقالتهم فعل ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَقَالَ الرب تبَارك وَتَعَالَى: فَإِنِّي آمُرهُم إِن هم حَافظُوا عَلَيْهِنَّ دخلُوا الْجنَّة بِهن: أَن يتناهوا إِلَى قسْمَة مواريثهم وَلَا يتظالموا فِيهَا وَأَن لَا يدخلُوا أَبْصَارهم الْبيُوت حَتَّى يُؤذن لَهُم وَأَن لَا يطعموا طَعَاما حَتَّى يتوضأوا كوضوء الصَّلَاة
فَرجع مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قومه بِهن فَفَرِحُوا وَرَأَوا أَن سيقومون بِهن فوَاللَّه إِن لبث الْقَوْم إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جنحوا فَانْقَطع بهم فَلَمَّا حدث نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا
(4/248)
عَن بني إِسْرَائِيل قَالَ: تكفلوا لي بست أتكفل لكم بِالْجنَّةِ
إِذا حدثتم فَلَا تكذبوا وَإِذا وعدتم فَلَا تخلفوا وَإِذا ائتمنتم فَلَا تخونوا وغضوا أبصاركم وَكفوا أَيْدِيكُم وفروجكم
قَالَ قَتَادَة: شَدَّاد وَالله إِلَّا من عصم الله
الْآيَة 79
(4/249)
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما نزلت آيَة الصَّدَقَة كُنَّا نتحامل على ظُهُورنَا فجَاء رجل فَتصدق بِشَيْء كثير فَقَالُوا مراء وَجَاء أَبُو عقيل بِنصْف صَاع فَقَالَ المُنَافِقُونَ: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَدَقَة هَذَا
فَنزلت {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} الْآيَة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدقوا فَإِنِّي أُرِيد أَن أبْعث بعثاً فجَاء عبد الرَّحْمَن فَقَالَ: يَا رَسُول الله عِنْدِي أَرْبَعَة آلَاف أَلفَيْنِ أقْرضهُمَا رَبِّي وألفين لِعِيَالِي
فَقَالَ: بَارك الله لَك فِيمَا أَعْطَيْت وَبَارك لَك فِيمَا أَمْسَكت وَجَاء رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي بت أجر الْحَرِير فَأَصَبْت صَاعَيْنِ من تمر فصاعاً أقْرضهُ رَبِّي وصاعاً لِعِيَالِي فَلَمَزَهُ المُنَافِقُونَ قَالُوا: وَالله مَا أعْطى ابْن عَوْف الَّذِي أعْطى إِلَّا رِيَاء
وَقَالُوا: أَو لم يكن الله وَرَسُوله غَنِيَّيْنِ عَن صَاع هَذَا فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِصَدَقَتِهِ وَجَاء المطوعون من الْمُؤمنِينَ وَجَاء أَبُو عقيل بِصَاع فَقَالَ: يَا رَسُول الله بت أجر الْحَرِير فَأَصَبْت صَاعَيْنِ من تمر فجئتك باحدهما وَتركت الآخر لأهلي قوتهم فَقَالَ المُنَافِقُونَ: مَا جَاءَ عبد الرَّحْمَن وَأُولَئِكَ إِلَّا رِيَاء وَإِن الله لَغَنِيّ عَن صَدَقَة أبي عقيل فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين} الْآيَة
(4/249)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن أبي عقيل قَالَ بت أجر الْحَرِير على ظَهْري على صَاعَيْنِ من تمر فَانْقَلَبت بِأَحَدِهِمَا إِلَى أَهلِي يتبلغون بِهِ وَجئْت بِالْآخرِ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَقَرَّب بِهِ إِلَى رَبِّي فاخبرته بِالَّذِي كَانَ فَقَالَ: اُنْثُرْهُ فِي الْمَسْجِد
فَسخرَ الْقَوْم وَقَالُوا: لقد كَانَ الله غَنِيا عَن صَاع هَذَا الْمِسْكِين فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ} الْآيَتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذين يَلْمِزُونَ المطوّعين} الْآيَة
قَالَ: جَاءَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاء رجل من الْأَنْصَار بِصَاع من طَعَام فَقَالَ بعض الْمُنَافِقين: وَالله مَا جَاءَ عبد الرَّحْمَن بِمَا جَاءَ بِهِ إلاّ رِيَاء وَقَالُوا: إِن كَانَ الله وَرَسُوله لغَنِيَّيْنِ عَن هَذَا الصَّاع
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك قَالَ: الَّذِي تصدق بِصَاع التَّمْر فَلَمَزَهُ المُنَافِقُونَ: أَبُو خَيْثَمَة الْأنْصَارِيّ
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن قَانِع وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن عُثْمَان البلوي عَن جدته ليلى بن عدي
أَن أمهَا عميرَة بنت سهل بن رَافع صَاحب الصاعين الَّذِي لمزه المُنَافِقُونَ أخْبرتهَا أَنه خرج بِصَاع من تمر وَابْنَته عميرَة حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَاع من تمر فَصَبَّهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات} قَالَ: تصدق عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بِشَطْر مَاله ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار فَقَالَ نَاس من الْمُنَافِقين: إِن عبد الرَّحْمَن لعَظيم الرِّيَاء
فَقَالَ الله عز وَجل {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات} وَكَانَ لرجل من الْأَنْصَار صَاعَانِ من تمر فجَاء بِأَحَدِهِمَا فَقَالَ نَاس من الْمُنَافِقين: إِن كَانَ الله عَن صَاع هَذَا لَغَنِيّ وَكَانَ المُنَافِقُونَ يطعنون عَلَيْهِم ويسخرون مِنْهُم فَقَالَ الله عز وَجل {وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ فيسخرون مِنْهُم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن قَتَادَة قَالَ أقبل رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين يُقَال لَهُ الْحجاب أَبُو عقيل قَالَ: يَا نَبِي الله بت أجر الْحَرِير اللَّيْلَة على صَاعَيْنِ من تمر فاما صَاع فأمسكته لأهلي وَأما صَاع فَهُوَ ذَا
فَقَالَ المُنَافِقُونَ: إِن كَانَ الله وَرَسُوله لغَنِيَّيْنِ عَن
(4/250)
صَاع هَذَا فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ المطوّعين من الْمُؤمنِينَ} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا النَّاس للصدقة فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بأَرْبعَة آلَاف فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذِه صَدَقَة
فَلَمَزَهُ بعض الْقَوْم فَقَالَ: مَا جَاءَ بِهَذِهِ عبد الرَّحْمَن إِلَّا رِيَاء وَجَاء أَبُو عقيل بِصَاع من تمر فَقَالَ بعض الْقَوْم: مَا كَانَ الله أغْنى عَن صَاع أبي عقيل فَنزلت {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات} إِلَى قَوْله {فَلَنْ يغْفر الله لَهُم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمين أَن يجمعوا صَدَقَاتهمْ وَكَانَ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف ثَمَانِيَة آلَاف دِينَار فجَاء بأَرْبعَة آلَاف دِينَار صَدَقَة فَقَالَ: هَذَا مَا أفرضه الله وَقد بَقِي مثله
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بورك لَك فِيمَا أَعْطَيْت وَفِيمَا أَمْسَكت وَجَاء أَبُو نهيك رجل من الْأَنْصَار بِصَاع تمر نزع عَلَيْهِ ليله كُله لما أصبح جَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين: إِن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لعَظيم الرِّيَاء وَقَالَ للْآخر: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَاع هَذَا
فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات} عبد الرَّحْمَن بن عَوْف {وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} صَاحب الصَّاع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي الْآيَة قَالَ: أصَاب النَّاس جهد عَظِيم فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتصدقوا فَقَالَ أَيهَا النَّاس تصدقوا
فَجعل أنَاس يتصدقون فجَاء عبد الرَّحْمَن بن عَوْف بأربعمائة أُوقِيَّة من ذهب فَقَالَ: يَا رَسُول الله كَانَ لي ثَمَانمِائَة أُوقِيَّة من ذهب فَجئْت بأربعمائة أُوقِيَّة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللهمَّ بَارك لَهُ فِيمَا أعْطى وَبَارك فِيمَا أمسك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم فطر أخرج عبد الرَّحْمَن بن عَوْف مَالا عَظِيما وَأخرج عَاصِم بن عدي كَذَلِك وَأخرج رجل صَاعَيْنِ وَآخر صَاعا
فَقَالَ قَائِل من النَّاس: إِن عبد الرَّحْمَن إِنَّمَا جَاءَ بِمَا جَاءَ بِهِ فخراً ورياء واما صَاحب الصَّاع أَو الصاعين فَإِن الله وَرَسُوله غنيان عَن صَاع وَصَاع فسخروا بهم فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلمين أَن يتصدقوا فَقَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: انما ذَلِك مَال وافر فَأخذ نصفه
(4/251)
قَالَ: فَجئْت أحمل مَالا كثيرا
فَقَالَ لَهُ رجل من الْمُنَافِقين: أترائي يَا عمر قَالَ: نعم
أرائي الله وَرَسُوله فاما غَيرهمَا فَلَا
قَالَ: وَجَاء رجل من الْأَنْصَار لم يكن عِنْده شَيْء فأجر نَفسه بجر الْحَرِير على رقبته بصاعين ليلته فَترك صَاعا لِعِيَالِهِ وَجَاء بِصَاع يحملهُ فَقَالَ لَهُ بعض الْمُنَافِقين: إِن الله وَرَسُوله عَن صاعك لَغَنِيَّانِ
فَذَلِك قَوْله {الَّذين يَلْمِزُونَ المطوّعين من الْمُؤمنِينَ فِي الصَّدقَات}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {الَّذين يَلْمِزُونَ المطوّعين} أَي يطعنون على الْمُطوِّعين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} قَالَ: هُوَ رِفَاعَة بن سعد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَالَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا جهدهمْ} قَالَ: الْجهد فِي الْقُوت والجهد فِي الْعَمَل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان فِي الْآيَة قَالَ: الْجهد جهد الإِنسان والجهد فِي ذَات الْيَد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: كَانَ الَّذِي تصدق بِجهْدِهِ أَبُو عقيل واسْمه سهل بن رَافع أَتَى بِصَاع من تمر فافرغها فِي الصَّدَقَة فَتَضَاحَكُوا بِهِ وَقَالُوا: إِن الله لَغَنِيّ عَن صَدَقَة أبي عقيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَاما للنَّاس فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس تصدقوا أشهد لكم بهَا يَوْم الْقِيَامَة أَلا لَعَلَّ أحدكُم أَن يبيت فصاله راو وَابْن عَمه طاو أَلا لَعَلَّ أحدكُم أَن يُثمر مَاله وجاره مِسْكين لَا يقدر على شَيْء الا رجل منح نَاقَة من ابله يَغْدُو برفد وَيروح برفد يَغْدُو بصبوح أهل بَيت وَيروح بغبوقهم أَلا إِن أجرهَا لعَظيم
فَقَامَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله عِنْدِي أَرْبَعَة ذود
فَقَامَ آخر قصير الْقَامَة قَبِيح السّنة يَقُود نَاقَة لَهُ حسناء جميلَة فَقَالَ رجل من الْمُنَافِقين كلمة خُفْيَة لَا يرى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمعهَا: نَاقَته خير مِنْهُ
فَسَمعَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كذبت هُوَ خير مِنْك وَمِنْهَا ثمَّ قَامَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ: يَا رَسُول الله عِنْدِي ثَمَانِيَة آلَاف تركت أَرْبَعَة مِنْهَا لِعِيَالِي وَجئْت بأَرْبعَة أقدمها لله فتكاثر المُنَافِقُونَ مَا جَاءَ بِهِ ثمَّ قَامَ عَاصِم بن عدي الْأنْصَارِيّ فَقَالَ: يَا رَسُول الله عِنْدِي سَبْعُونَ وسْقا جذاذ الْعَام فتكاثر المُنَافِقُونَ مَا جَاءَ بِهِ وَقَالُوا: جَاءَ هَذَا بأَرْبعَة آلَاف
(4/252)
وَجَاء هَذَا بسبعين وسْقا للرياء والسمعة فَهَلا أخفياها فَهَلا فرقاها
ثمَّ قَامَ رجل من الْأَنْصَار اسْمه الْحجاب يكنى أَبَا عقيل فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا لي من مَال غير اني أجرت نَفسِي من بني فلَان أجر الْحَرِير فِي عنقِي على صَاعَيْنِ من تمر فَتركت صَاعا لِعِيَالِي وحئت بِصَاع أقربه إِلَى الله تَعَالَى فَلَمَزَهُ المُنَافِقُونَ وَقَالُوا: جَاءَ أهل الابل بالابل وَجَاء أهل الْفضة بِالْفِضَّةِ وَجَاء هَذَا بتمرات يحملهَا فَأنْزل الله {الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين} الْآيَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن أبي السَّلِيل قَالَ: وقف علينا شيخ فِي مَجْلِسنَا فَقَالَ: حَدثنِي أبي أَو عمي أَنه شهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالبَقِيعِ قَالَ من يتَصَدَّق الْيَوْم بِصَدقَة أشهد لَهُ بهَا عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة
فجَاء رجل - لَا وَالله مَا البقيع رجل أَشد سَواد وَجه مِنْهُ وَلَا أقصر قامة وَلَا أَذمّ فِي عين مِنْهُ - بِنَاقَة - لَا وَالله مَا بِالبَقِيعِ شَيْء أحسن مِنْهَا - فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه صَدَقَة قَالَ: نعم يَا رَسُول الله
فَلَمَزَهُ رجل فَقَالَ: يتَصَدَّق بهَا وَالله لهي خير مِنْهُ
فَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلمته فَقَالَ: كذبت بل هُوَ خير مِنْك وَمِنْهَا كذبت بل هُوَ خير مِنْك وَمِنْهَا ثَلَاث مَرَّات ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الا من قَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَهَكَذَا وَقَلِيل مَا هم ثمَّ قَالَ: قد أَفْلح المزهد المجهد قد أَفْلح المزهد المجهد
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة
أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله أَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ جهد الْمقل وابدأ بِمن تعول
الْآيَة 80
(4/253)
اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة أَن عبد الله بن أبي قَالَ لأَصْحَابه: لَوْلَا أَنكُمْ تنفقون على مُحَمَّد وَأَصْحَابه لانفضوا من حوله وَهُوَ الْقَائِل (ليخرجن الْأَعَز مِنْهَا الْأَذَل) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 8) فَأنْزل الله عز وَجل {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم}
(4/253)
قَالَ النَّبِي لأزيدن على السّبْعين
فَأنْزل الله (سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم لن يغْفر الله لَهُم) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: لما نزلت {إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم} قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سأزيد على سبعين فَأنْزل الله فِي السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا المُنَافِقُونَ (لن يغْفر الله لَهُم) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة اسْمَع رَبِّي قد رخص لي فيهم فوَاللَّه لأَسْتَغْفِرَن أَكثر من سبعين مرّة لَعَلَّ الله أَن يغْفر لَهُم
فَقَالَ الله من شدَّة غَضَبه عَلَيْهِم (سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم لن يغْفر الله لَهُم إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6)
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سَمِعت عمر يَقُول: لما توفّي عبد الله بن أبي دعِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة عَلَيْهِ فَقَامَ عَلَيْهِ فَلَمَّا وقف قلت أَعلَى عدوّ الله عبد الله بن أبي الْقَائِل كَذَا وَكَذَا وَالْقَائِل كَذَا وَكَذَا أعدد أَيَّامه وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتبسم حَتَّى إِذا أكثرت قَالَ يَا عمر أخر عني اني قد خيرت قد قيل لي {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة} فَلَو أعلم أَنِّي إِن زِدْت على السّبْعين غفر لَهُ لزدت عَلَيْهَا ثمَّ صلى عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَشى مَعَه حَتَّى قَامَ على قَبره حَتَّى فرغ مِنْهُ فعجبت لي ولجراءتي على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَالله رَسُوله أعلم - فوَاللَّه مَا كَانَ إِلَّا يَسِيرا حَتَّى نزلت هَاتَانِ الْآيَتَانِ (وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره) (التَّوْبَة الْآيَة 84) فَمَا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُنَافِق بعده حَتَّى قَبضه الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد أصبت فِي الإِسلام هفوة مَا أصبت مثلهَا قطّ أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُصَلِّي على عبد الله بن أبي فَأخذت بِثَوْبِهِ فَقلت: وَالله مَا أَمرك الله بِهَذَا لقد قَالَ الله {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد خيرني رَبِّي فَقَالَ {اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم} فَقعدَ رَسُول
(4/254)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على شَفير الْقَبْر فَجعل النَّاس يَقُولُونَ لِابْنِهِ: يَا حباب افْعَل كَذَا يَا حباب افْعَل كَذَا: فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحباب اسْم شَيْطَان أَنْت عبد الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {اسْتغْفر لَهُم} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي الصَّلَاة على الْمُنَافِقين قَالَ: لما مَاتَ عبد الله بن أُبي بن سلول الْمُنَافِق قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أعلم إِن استغفرت لَهُ إِحْدَى وَسبعين مرّة غفر لَهُ لفَعَلت فصلى عَلَيْهِ الله الصَّلَاة على الْمُنَافِقين وَالْقِيَام على قُبُورهم فَأنْزل الله (وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره) (التَّوْبَة الْآيَة 84) وَنزلت العزمة فِي سُورَة الْمُنَافِقين (سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6) الْآيَة
الْآيَة 81
(4/255)
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله} قَالَ: عَن غَزْوَة تَبُوك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: يَعْنِي المتخلفون بِأَن قعدوا خلاف رَسُول الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: كَانَت تَبُوك آخر غَزْوَة غَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهِي غَزْوَة الْحر
قَالُوا: لَا تنفرُوا فِي الْحر وَهِي غَزْوَة الْعسرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر النَّاس أَن ينبعثوا مَعَه وَذَلِكَ فِي الصَّيف
فَقَالَ رجال: يَا رَسُول الله الْحر شَدِيد وَلَا نستطيع الْخُرُوج فَلَا تنفرُوا فِي الْحر
فَقَالَ الله {قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ} فَأمره بِالْخرُوجِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تنفرُوا فِي الْحر} قَالَ: قَول الْمُنَافِقين يَوْم غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك
(4/255)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيره قَالُوا: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حر شَدِيد إِلَى تَبُوك فَقَالَ رجل من بني سَلمَة: لَا تنفرُوا فِي الْحر
فَأنْزل الله {قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: اسْتَدَارَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجال من الْمُنَافِقين حِين أذن للْجدّ بن قيس ليستأذنوه ويقولوا: يَا رَسُول الله ائْذَنْ لنا فَإنَّا لَا نستطيع أَن ننفر فِي الْحر فَأذن لَهُم واعرض عَنْهُم
فَأنْزل الله {قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا} الْآيَة
الْآيَة 82
(4/256)
فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ وَالْكفَّار الَّذين اتَّخذُوا من دينهم هزوا وَلَعِبًا يَقُول الله تَعَالَى {فليضحكوا قَلِيلا} فِي الدُّنْيَا {وليبكوا كثيرا} فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فليضحكوا قَلِيلا} قَالَ: الدُّنْيَا قَلِيل فليضحكوا فِيهَا مَا شاؤوا فَإِذا انْقَطَعت الدُّنْيَا وصاروا إِلَى الله تَعَالَى استأنفوا بكاء لَا يَنْقَطِع أبدا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي رزين
مثله
وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي أرى مَا لَا ترَوْنَ وأسمع مَا لَا تَسْمَعُونَ أطت السَّمَاء وَحقّ لَهَا أَن تئط مَا فِيهَا مَوضِع أَربع أَصَابِع إِلَّا وَملك وَاضع جَبهته لله سَاجِدا وَالله لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا وَمَا تلذذتم بِالنسَاء على الْفرش ولخرجتم إِلَى الصعدات تجارون إِلَى الله لَوَدِدْت أَنِّي كنت شَجَرَة تعضد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى عَن أنس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس ابكوا فَإِن لم تبكوا فتباكوا فَإِن أهل النَّار يَبْكُونَ حَتَّى تسيل
(4/256)
دموعهم فِي وُجُوههم كَأَنَّهَا جداول حَتَّى تَنْقَطِع الدُّمُوع فتسيل فتقرح الْعُيُون فَلَو أَن سفناً أرخيت فِيهَا لجرت
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة النَّار عَن زيد بن رفيع رَفعه قَالَ: إِن أهل النَّار إِذا دخلُوا النَّار بكوا الدُّمُوع زَمَانا ثمَّ بكوا الْقَيْح زَمَانا فَتَقول لَهُم الخزنة: يَا معشر الأشقياء تركْتُم الْبكاء فِي الدَّار المرحوم فِيهَا أَهلهَا فِي الدُّنْيَا هَل تَجِدُونَ الْيَوْم من تَسْتَغِيثُونَ بِهِ فيرفعون أَصْوَاتهم: يَا أهل الْجنَّة يَا معشر الْآبَاء والأمهات وَالْأَوْلَاد خرجنَا من الْقُبُور عطاشاً وَكُنَّا طول الْموقف عطاشا وَنحن الْيَوْم عطاشاً فافيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله
فَيدعونَ أَرْبَعِينَ سنة لَا يُجِيبهُمْ ثمَّ يُجِيبهُمْ إِنَّكُم مَاكِثُونَ
فييأسون من كل خير
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
أَنه خطب النَّاس بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس ابكوا فَإِن لم تبكوا فتباكوا فَإِن أهل النَّار يَبْكُونَ الدُّمُوع حَتَّى تَنْقَطِع ثمَّ يَبْكُونَ الدِّمَاء حَتَّى لَو أجري فِيهَا السفن لجرت
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن عمر قَالَ: لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا وَلَو تعلمُونَ حق الْعلم لصرخ أحدكُم حَتَّى يَنْقَطِع صَوته ولسجد حَتَّى يَنْقَطِع صلبه
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لَو تعلمُونَ مَا أعلم لضحكتم قَلِيلا ولبكيتم كثيرا ولخرجتم تَبْكُونَ لَا تَدْرُونَ تنجون أَو لَا تنجون
الْآيَة 83
(4/257)
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِن رجعك الله إِلَى طَائِفَة مِنْهُم} قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانُوا اثْنَي عشر رجلا من الْمُنَافِقين وَفِيهِمْ قيل مَا قيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة يَقُول: أَرَأَيْت إِن نفرت فاستأذنوك أَن ينفروا مَعَك فَقل: لن تخْرجُوا معي أبدا
(4/257)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاقعدوا مَعَ الخالفين} قَالَ: هم الرِّجَال الَّذين تخلفوا عَن النفور
الْآيَات 84 - 85
(4/258)
وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ (84) وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عمر قَالَ: لما توفّي عبد الله بن أُبي بن سلول أَتَى ابْنه عبد الله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ أَن يُعْطِيهِ قَمِيصه ليكفنه فِيهِ
فَأعْطَاهُ ثمَّ سَأَلَهُ أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ
فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَأخذ ثَوْبه فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقد نهاك الله أَن تصلي على الْمُنَافِقين فَقَالَ إِن رَبِّي خيَّرني وَقَالَ (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم) (التَّوْبَة الْآيَة 80) وسأزيد على السّبْعين فَقَالَ: إِنَّه مُنَافِق فصلى عَلَيْهِ
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره} فَترك الصَّلَاة عَلَيْهِم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَن عبد الله بن عبد الله بن أبي قَالَ لَهُ أَبوهُ: أَي بني اطلب لي ثوبا من ثِيَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَفِّنِّي فِيهِ ومره أَن يُصَلِّي عليَّ
قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد عرفت شرف عبد الله وَهُوَ يطْلب إِلَيْك ثوبا من ثِيَابك نكفنه فِيهِ وَتصلي عَلَيْهِ فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله قد عرفت عبد الله ونفاقه
أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقد نهاك الله أَن تصلي عَلَيْهِ فَقَالَ: وَابْن فَقَالَ (اسْتغْفر لَهُم أَو لَا تستغفر لَهُم إِن تستغفر لَهُم سبعين مرّة فَلَنْ يغْفر الله لَهُم) (التَّوْبَة الْآيَة 80) قَالَ: فَإِنِّي سأزيد على سبعين
فَأنْزل الله عز وَجل {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره} الْآيَة
قَالَ: فَأرْسل إِلَى عمر فَأخْبرهُ بذلك وَأنزل الله (سَوَاء عَلَيْهِم أَسْتَغْفَرْت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 6)
(4/258)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لما مرض عبد الله بن أُبي بن سلول مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاده رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا مَاتَ صلى عَلَيْهِ وَقَامَ على قَبره
قَالَ: فوَاللَّه إِن مكثنا إِلَّا ليَالِي حَتَّى نزلت {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} الْآيَة
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ مَاتَ رَأس الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ فأوصى أَن يُصَلِّي عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن يُكَفِّنهُ فِي قَمِيصه فجَاء ابْنه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أبي أوصى أَن يُكفن فِي قَمِيصك فصلى عَلَيْهِ وَألبسهُ قَمِيصه وَقَامَ على قَبره فَأنْزل الله {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره}
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يُصَلِّي على عبد الله بن أبي فَأخذ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام بِثَوْبِهِ وَقَالَ {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا وَلَا تقم على قَبره}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: وقف نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عبد الله بن أبي فَدَعَاهُ فَأَغْلَظ لَهُ وَتَنَاول لحية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو أَيُّوب: كف يدك عَن لحية رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوَاللَّه لَئِن أذن لأضعن فِيك السِّلَاح وَأَنه مرض فَأرْسل إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدعُوهُ فَدَعَا بِقَمِيصِهِ فَقَالَ عمر: وَالله مَا هُوَ بِأَهْل أَن تَأتيه
قَالَ: بلَى
فَأَتَاهُ فَقَالَ: أهلكتك موادّتك الْيَهُود قَالَ: إِنَّمَا دعوتك لِتَسْتَغْفِر لي وَلم أدعك لِتؤَنِّبنِي
قَالَ: أَعْطِنِي قَمِيصك لأكفن فِيهِ
فَأعْطَاهُ وَنَفث فِي جلده وَنزل فِي قَبره فَأنْزل الله {وَلَا تصلِّ على أحد مِنْهُم مَاتَ أبدا} الْآيَة قَالَ: فَذكرُوا الْقَمِيص
قَالَ: وَمَا يُغني عَنهُ قَمِيصِي وَالله إِنِّي لأرجو أَن يسلم بِهِ أَكثر من ألف من بني الْخَزْرَج فَأنْزل الله {وَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَأَوْلَادهمْ} الْآيَة
الْآيَة 86
(4/259)
وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ (86)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أولُوا الطول} قَالَ: أهل الْغنى
(4/259)
الْآيَات 87 - 89
(4/260)
رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (87) لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} قَالَ: مَعَ النِّسَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص أَن عَليّ بن أبي طَالب خرج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى جَاءَ ثنية الْوَدَاع يُرِيد تَبُوك وَعلي يبكي وَيَقُول: تخلفني مَعَ الْخَوَالِف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى إِلَّا النبوّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} قَالَ: رَضوا بِأَن يقعدوا كَمَا قعدت النِّسَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {رَضوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف} أَي النِّسَاء {وطبع على قُلُوبهم} أَي بأعمالهم
الْآيَة 90
(4/260)
وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (90)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} يَعْنِي أهل الْعذر مِنْهُم ليؤذن لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} قَالَ: هم أهل الْأَعْذَار وَكَانَ يقْرؤهَا {وَجَاء المعذرون} خَفِيفَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} وَيَقُول: لعن الله المعذرين
(4/260)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: من قَرَأَهَا {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} خَفِيفَة قَالَ: بَنو مقرن وَمن قَرَأَهَا {وَجَاء المعذرون} قَالَ: اعتذروا بِشَيْء لَيْسَ لَهُم عذر بِحَق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن
أَنه كَانَ يقْرَأ {وَجَاء المعذرون} قَالَ: اعتذروا بِشَيْء لَيْسَ لَهُم عذر بِحَق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن إِسْحَق فِي قَوْله {وَجَاء المعذرون من الْأَعْرَاب} قَالَ: ذكر لي أَنهم نفر من بني غفار جاؤوا فاعتذروا مِنْهُم خفاف بن إِيمَاء من خرصة
الْآيَة 91
(4/261)
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن زيد بن ثَابت قَالَ: كنت أكتب لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَرَاءَة فَكنت أكتب مَا أنزل الله عَلَيْهِ فَإِنِّي لواضع الْقَلَم على أُذُنِي إِذْ أمرنَا بِالْقِتَالِ فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر مَا ينزل عَلَيْهِ إِذْ جَاءَ أعمى فَقَالَ: كَيفَ بِي يَا رَسُول الله وَأَنا أعمى فَنزلت {لَيْسَ على الضُّعَفَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَيْسَ على الضُّعَفَاء} الْآيَة
قَالَ نزلت فِي عَائِذ بن عَمْرو وَفِي غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: نزل من عِنْد قَوْله (عَفا الله عَنْك) (التَّوْبَة الْآيَة 43) إِلَى قَوْله {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل وَالله غَفُور رَحِيم} فِي الْمُنَافِقين
أما قَوْله تَعَالَى: {إِذا نصحوا لله وَرَسُوله}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ثُمَامَة الصائدي قَالَ: قَالَ الحواريون: يَا روح الله أخبرنَا من
(4/261)
الناصح لله قَالَ: الَّذِي يُؤثر حق الله على حق النَّاس وَإِذا حدث لَهُ أَمْرَانِ أَو بدا لَهُ أَمر الدُّنْيَا وَأمر الْآخِرَة بَدَأَ الَّذِي للآخرة ثمَّ تفرغ للَّذي الدُّنْيَا
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الدّين النَّصِيحَة
قَالُوا: لمن يَا رَسُول الله قَالَ: لله ولكتابه وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدّين النَّصِيحَة
قيل: لمن يَا رَسُول الله قَالَ: لله وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن جرير قَالَ بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على إِقَامَة الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة والنصح لكل مُسلم
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ الله عز وَجل: أحب مَا تعبدني بِهِ عَبدِي إِلَى النصح لي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه
أَن رَاهِبًا قَالَ لرجل: أوصيك بالنصح لله نصح الْكَلْب لأَهله فَإِنَّهُم يجيعونه ويطردونه ويأبى إِلَّا أَن يحوطهم وينصحهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل} قَالَ: مَا على هَؤُلَاءِ من سَبِيل بِأَنَّهُم نصحوا لله وَرَسُوله وَلم يطيقوا الْجِهَاد فعذرهم الله وَجعل لَهُم من الْأجر مَا جعل للمجاهدين ألم تسمع أَن الله يَقُول (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر) (النِّسَاء الْآيَة 95) فَجعل الله للَّذين عذر من الضُّعَفَاء وأولي الضَّرَر وَالَّذين لَا يَجدونَ مَا يُنْفقُونَ من الْأجر مثل مَا جعل للمجاهدين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قفل من غَزْو تَبُوك فَأَشْرَف على الْمَدِينَة قَالَ: لقد تركْتُم بِالْمَدِينَةِ رجَالًا مَا سِرْتُمْ فِي مسير وَلَا أنفقتم من نَفَقَة وَلَا قطعْتُمْ وَاديا إِلَّا كَانُوا مَعكُمْ فِيهِ
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَكَيف يكونُونَ مَعنا وهم بِالْمَدِينَةِ قَالَ: حَبسهم الْعذر
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/262)
لقد خَلفْتُمْ بِالْمَدِينَةِ رجَالًا مَا قطعْتُمْ وَاديا وَلَا سلكتم طَرِيقا إِلَّا شَركُوكُمْ فِي الْأجر حَبسهم الْمَرَض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا على الْمُحْسِنِينَ من سَبِيل} وَالله لأهل الْإِسَاءَة {غَفُور رَحِيم}
الْآيَة 92
(4/263)
وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد خَلفْتُمْ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا أنفقتم من نَفَقَة وَلَا قطعْتُمْ وَاديا وَلَا نلتم من عدوّ نيلاً إِلَّا وَقد شَركُوكُمْ فِي الْأجر ثمَّ قَرَأَ {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ينبعثوا غازين فَجَاءَت عِصَابَة من أَصْحَابه فيهم عبد الله بن معقل الْمُزنِيّ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله احْمِلْنَا فَقَالَ وَالله مَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ
فتولوا وَلَهُم بكاء وَعز عَلَيْهِم أَن يحبسوا عَن الْجِهَاد وَلَا يَجدونَ نَفَقَة وَلَا محملًا
فَأنْزل الله عذرهمْ {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَيَعْقُوب بن سُفْيَان فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن معقل قَالَ: إِنِّي لمن الرَّهْط الَّذين ذكر الله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: جَاءَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستحملونه فَقَالَ لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ فَأنْزل الله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
قَالَ: وهم سَبْعَة نفر من بني عمر بن عَوْف سَالم بن عُمَيْر وَمن بني واقن حرميّ بن عَمْرو وَمن بني مَازِن ابْن النجار عبد الرَّحْمَن بن كَعْب يكنى أَبَا ليلى وَمن بني المعلي سلمَان بن صَخْر وَمن بني حَارِثَة عبد الرَّحْمَن بن زيد أَبُو عبلة وَمن بني سَلمَة عَمْرو بن غنمة وَعبد الله بن عَمْرو الْمُزنِيّ
(4/263)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مجمع بن حَارِثَة قَالَ: الَّذين استحملوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ سَبْعَة نفر
علية بن زيد الْحَارِثِيّ وَعمر بن غنم السَّاعِدِيّ وَعَمْرو بن هرمي الرَّافِعِيّ وَأَبُو ليلى الْمُزنِيّ وَسَالم بن عَمْرو الْعمريّ وَسَلَمَة بن صَخْر الزرقي وَعبد الله بن عَمْرو الْمُزنِيّ
وَأخرج عبد الْغَنِيّ بن سعيد فِي تَفْسِيره وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك} الْآيَة
قَالَ: مِنْهُم سَالم بن عُمَيْر أحد بني عَمْرو بن عَوْف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو السّلمِيّ وَحجر بن حجر الكلَاعِي قَالَ: أَتَيْنَا الْعِرْبَاض بن سَارِيَة وَكَانَ من الَّذين أنزل الله فيهم {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} قَالَ: هم بَنو مقرن من مزينة وهم سَبْعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف الْمُزنِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: وَالله إِنِّي أحد النَّفر الَّذين أنزل الله فيهم {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الزُّهْرِيّ وَيزِيد بن يسَار وَعبد الله بن أبي بكر وَعَاصِم بن عَمْرو بن قَتَادَة وَغَيرهم أَن رجَالًا من الْمُسلمين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم البكاؤون وهم سَبْعَة نفر من الْأَنْصَار وَغَيرهم
من بني عَمْرو بن عَوْف سَالم بن عُمَيْر وَمن بني حَارِثَة عتبَة بن زيد وَمن بني مَازِن بن النجار أَبُو ليلى عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَمن بني سَلمَة عَمْرو بن عَمْرو بن جهام بن الجموح وَمن بني وَاقِف هرمي بن عَمْرو وَمن بني مزينة عبد الله بن معقل وَمن بني فَزَارَة عرباض بن سَارِيَة فاستحملوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا أهل حَاجَة قَالَ: لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ معقل بن يسَار من البكائين الَّذِي قَالَ الله {إِذا مَا أتوك لتحملهم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن وَبكر بن عبد الله الْمُزنِيّ فِي هَذِه الْآيَة {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم}
(4/264)
الْآيَة
قَالَا: نزلت فِي عبد الله بن معقل من مزينة أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحمله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن لَهِيعَة
أَن أَبَا شُرَيْح الكعبي كَانَ من الَّذين قَالَ الله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله {لَا أجد مَا أحملكم عَلَيْهِ} قَالَ: المَاء والزاد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن صَالح قَالَ: حَدثنِي مشيخة من جُهَيْنَة قَالُوا: أدركنا الَّذين سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحملان
فَقَالُوا: مَا سألناه إِلَّا الحملان على النِّعَال {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم بن أدهم فِي قَوْله {وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم} قَالَ: مَا سَأَلُوهُ الدَّوَابّ مَا سَأَلُوهُ إِلَّا النِّعَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: استحملوه النِّعَال
الْآيَات 93 - 96
(4/265)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّمَا السَّبِيل على الَّذين يَسْتَأْذِنُونَك}
(4/265)
قَالَ: هِيَ وَمَا بعْدهَا إِلَى قَوْله {فَإِن الله لَا يرضى عَن الْقَوْم الْفَاسِقين} فِي الْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {قد نبأنا الله من أخباركم} قَالَ: أخبرنَا أَنكُمْ لَو خَرجْتُمْ مَا زدتمونا إِلَّا خبالاً وَفِي قَوْله {فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس} قَالَ: لما رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تكلموهم وَلَا تُجَالِسُوهُمْ فأعرضوا عَنْهُم كَمَا أَمر الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لتعرضوا عَنْهُم} لتتجاوزوا
الْآيَة 97
(4/266)
الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً} ثمَّ اسْتثْنى مِنْهُم فَقَالَ (من الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) (التَّوْبَة الْآيَة 99) الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأجدر أَلاَّ يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله} قَالَ: هم أقل علما بالسنن
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانَ زيد بن صوحان يحدث فَقَالَ اعرابي: إِن حَدِيثك ليعجبني وَأَن يدك لتريبني
فَقَالَ: أما ترَاهَا الشمَال فَقَالَ الْأَعرَابِي: وَالله مَا أَدْرِي الْيَمين يقطعون أم الشمَال قَالَ زيد: صدق الله {الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً وأجدر ألاَّ يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً} قَالَ: من منافقي الْمَدِينَة {وأجدر أَلا يعلمُوا حُدُود مَا أنزل الله على رَسُوله} يَعْنِي الْفَرَائِض وَمَا أَمر بِهِ من الْجِهَاد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ فِي الْآيَة: أَنَّهَا أنزلت فِي أَسد وغَطَفَان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: إِذا تَلا أحدكُم هَذِه الْآيَة
(4/266)
{الْأَعْرَاب أَشد كفرا ونفاقاً} فليتل الْآيَة الْأُخْرَى وَلَا يسكت (وَمن الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر) (التَّوْبَة الْآيَة 99)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من سكن الْبَادِيَة جَفا وَمن اتبع الصَّيْد غفل وَمن أَتَى السُّلْطَان افْتتن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بدا جَفا وَمن اتبع الصَّيْد غفل وَمن أَتَى أَبْوَاب السُّلْطَان افْتتن وَمَا ازْدَادَ من السُّلْطَان قربا إِلَّا ازْدَادَ من الله بعدا
الْآيَة 98
(4/267)
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {وَمن الْأَعْرَاب من يتَّخذ مَا ينْفق مغرماً} يَعْنِي أَنه لَا يَرْجُو لَهُ ثَوابًا عِنْد الله وَلَا مجازاة وَإِنَّمَا يُعْطي مَا يُعْطي من صدقَات مَاله كرها {ويتربص بكم الدَّوَائِر} الهلكات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمن الْأَعْرَاب من يتَّخذ مَا ينْفق مغرماً} قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ من الْأَعْرَاب الَّذين إِنَّمَا يُنْفقُونَ رِيَاء اتقاء على أَن يغزوا ويحاربوا ويقاتلوا ويرون نفقاتهم مغرماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن الْأَعْرَاب من يتَّخذ مَا ينْفق مغرماً} يعد مَا ينْفق فِي سَبِيل الله غَرَامَة يغرمها {ويتربص} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْهَلَاك
الْآيَة 99
(4/267)
وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99)
أخرج سنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَمن الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} قَالَ: هم بَنو مقرن من مزينة وهم الَّذين قَالَ الله (وَلَا على الَّذين إِذا مَا أتوك لتحملهم) (التَّوْبَة الْآيَة 92) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وصلوات الرَّسُول} يَعْنِي اسْتِغْفَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن الْأَعْرَاب من يُؤمن بِاللَّه} قَالَ: هَذِه ثنية الله من الْأَعْرَاب وَفِي قَوْله {وصلوات الرَّسُول} قَالَ: دُعَاء الرَّسُول
الْآيَة 100
(4/268)
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)
أخرج أَبُو عبيد وسنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن حبيب الشَّهِيد عَن عَمْرو بن عَامر الْأنْصَارِيّ
أَن عمر بن الْخطاب قَرَأَ وَالسَّابِقُونَ الأوّلون من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان فَرفع الْأَنْصَار وَلم يلْحق الْوَاو فِي الَّذين فَقَالَ لَهُ زيد بن ثَابت: وَالَّذين
فَقَالَ عمر: الَّذين
فَقَالَ زيد: أَمِير الْمُؤمنِينَ أعلم
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: ائْتُونِي بأُبي بن كَعْب فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ أبي: وَالَّذين
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: فَنعم إِذن فتابع أُبيا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: مر عمر رَضِي الله عَنهُ بِرَجُل يقْرَأ {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار} فَأخذ عمر بِيَدِهِ فَقَالَ: من أَقْرَأَك هَذَا قَالَ: أبي بن كَعْب
قَالَ: لَا تُفَارِقنِي حَتَّى أذهب بك إِلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ عمر: أَنْت أَقرَأت هَذَا هَذِه الْآيَة هَكَذَا قَالَ: نعم
قَالَ: وَسمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم
قَالَ: لقد كنت أرى أَنا رفعنَا رفْعَة لَا يبلغهَا أحد بَعدنَا فَقَالَ أبي: تَصْدِيق ذَلِك فِي أول سُورَة الْجُمُعَة (وَآخَرين مِنْهُم لما
(4/268)
يلْحقُوا بهم) (الْجُمُعَة آيَة 3) وَفِي سُورَة الْحَشْر (وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا ولإِخواننا الَّذين سبقُونَا فِي الْإِيمَان) (الْحَشْر آيَة 10) وَفِي الْأَنْفَال (وَالَّذين آمنُوا من بعد وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا مَعكُمْ فَأُولَئِك مِنْكُم) (الْأَنْفَال آيَة 75)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي أُسَامَة وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم التَّمِيمِي قَالَا: مر عمر بن الْخطاب بِرَجُل وَهُوَ يقْرَأ {وَالسَّابِقُونَ الأوّلون من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان} فَوقف عمر فَلَمَّا انْصَرف الرجل قَالَ: من أَقْرَأَك هَذِه قَالَ: أَقْرَأَنيهَا أبي بن كَعْب
قَالَ: فَانْطَلق إِلَيْهِ فَانْطَلقَا إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذر أَخْبرنِي هَذَا أَنَّك أَقرَأته هَذِه الْآيَة
قَالَ: صدق تلقيتها من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عمر: أَنْت تلقيتها من فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَقَالَ فِي الثَّالِثَة وَهُوَ غَضْبَان: نعم
وَالله لقد أنزلهَا الله على جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وأنزلها جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على قلب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يستأمر فِيهَا الْخطاب وَلَا ابْنه
فَخرج عمر رَافعا يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول: الله أكبر الله أكبر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن أبي مُوسَى
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَالسَّابِقُونَ الأوّلون} قَالُوا: هم الَّذين صلوا الْقبْلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ} قَالَ: هم الَّذين صلوا الْقبْلَتَيْنِ جَمِيعًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم عَن الْحسن وَمُحَمّد بن سِيرِين فِي قَوْله {وَالسَّابِقُونَ الأوّلون} قَالُوا: هم الَّذين صلوا الْقبْلَتَيْنِ جَمِيعًا وهم أهل بدر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَالسَّابِقُونَ الأوّلون من الْمُهَاجِرين} قَالَ: أَبُو بكر وَعمر وَعلي وسلمان وعمار بن يَاسر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ} قَالَ: من أدْرك بيعَة الرضْوَان وَأول من بَايع بيعَة الرضْوَان سِنَان بن وهب الْأَسدي
(4/269)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن غيلَان بن جرير قَالَ: قلت لأنس بن مَالك هَذَا الِاسْم الْأَنْصَار أَنْتُم سيتموه أَنفسكُم أَو الله تَعَالَى سَمَّاكُم من السَّمَاء قَالَ: الله تَعَالَى سمانا من السَّمَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أحب الْأَنْصَار أحبه الله وَمن أبْغض الْأَنْصَار أبغضه الله
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة الإِيمان حب الْأَنْصَار وَآيَة النِّفَاق بغض الْأَنْصَار
وَأخرج أَحْمد عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولأبناء الْأَنْصَار ولأزواج الْأَنْصَار ولذراري الْأَنْصَار الْأَنْصَار كرشي وعيبتي وَلَو أَن النَّاس أخذُوا شعبًا وَأخذت الْأَنْصَار شعبًا لأخذت شعب الْأَنْصَار وَلَوْلَا الْهِجْرَة كنت امْرأ من الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن الْحَارِث بن زِيَاد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب الْأَنْصَار أحبه الله حِين يلقاه وَمن أبْغض الْأَنْصَار أبغضه الله حِين يلقاه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن قيس بن سعد بن عبَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَنه قَالَ اللهمَّ صل على الْأَنْصَار وعَلى ذُرِّيَّة الْأَنْصَار وعَلى ذُرِّيَّة ذُرِّيَّة الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو سلك النَّاس وَاديا وشعباً وسلكتم وَاديا وشعباً لَسَلَكْت واديكم وشعبكم أَنْتُم شعار وَالنَّاس دثار وَلَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرأ من الْأَنْصَار ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى اني لأرى بَيَاض ابطيه فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولأبناء الْأَنْصَار ولأبناء أَبنَاء الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن الْبَراء بن عَازِب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَنْصَار لَا يُحِبهُمْ إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضهم إِلَّا مُنَافِق وَمن أحبهم أحبه الله وَمن أبْغضهُم أبغضه الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا إِن عيبتي الَّتِي آوي إِلَيْهَا أهل بَيْتِي وَإِن كرشي الْأَنْصَار فاعفوا عَن مسيئهم واقبلوا من محسنهم
(4/270)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد بن عبَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار حبهم إِيمَان وبغضهم نفاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اللهمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولأبناء الْأَنْصَار ولنساء الْأَنْصَار ولنساء أَبنَاء الْأَنْصَار ولنساء أَبنَاء أَبنَاء الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يبغض الْأَنْصَار رجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ بن رِفَاعَة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللهمَّ اغْفِر للْأَنْصَار ولذراري الْأَنْصَار ولذراري ذَرَارِيهمْ ولمواليهم ولجيرانهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قُرَيْش وَالْأَنْصَار وجهينة وَمُزَيْنَة وَأسلم وغفار موَالِي الله وَرَسُوله لَا مولى لَهُم غَيره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يبغض الْأَنْصَار رجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم الْفَيْء الَّذِي أَفَاء الله بحنين فِي أهل مَكَّة من قُرَيْش وَغَيرهم فَغضِبت الْأَنْصَار فَأَتَاهُم فَقَالَ: يَا معشر الْأَنْصَار قد بَلغنِي من حديثكم فِي هَذِه الْمَغَانِم الَّتِي آثرت بهَا أُنَاسًا أتالفهم على الإِسلام لَعَلَّهُم أَن يشْهدُوا بعد الْيَوْم وَقد أَدخل الله قُلُوبهم الإِسلام يَا معشر الْأَنْصَار ألم يمن الله عَلَيْكُم بالإِيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بِأَحْسَن الْأَسْمَاء أنصار الله وأنصار رَسُوله وَلَوْلَا الْهِجْرَة لَكُنْت امْرأ من الْأَنْصَار وَلَو سلك النَّاس وَاديا وسلكتم وَاديا لَسَلَكْت واديكم
أَفلا ترْضونَ أَن يذهب النَّاس بِهَذِهِ الْغَنَائِم وَالشَّاء وَالنعَم وَالْبَعِير وَتَذْهَبُونَ برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: رَضِينَا
فَقَالَ: أجيبوني فِيمَا قلت
قَالُوا: يَا رَسُول الله وجدتنا فِي ظلمَة فأخرجنا الله بك إِلَى النُّور ووجدتنا على شفا حُفْرَة من النَّار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك
فرضينا بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا
فَقَالَ: أما وَالله لَو أجبتموني بِغَيْر هَذَا القَوْل لَقلت صَدقْتُمْ لَو قلت ألم تأتنا طريداً فَآوَيْنَاك ومكذباً فَصَدَّقْنَاك ومخذولاً
(4/271)
فَنَصَرْنَاك وَقَبلنَا مَا رد النَّاس عَلَيْك لَو قُلْتُمْ هَذَا لصدقتم
قَالُوا: بل لله وَرَسُوله الْمَنّ وَالْفضل علينا وعَلى غَيرنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ النَّاس على ثَلَاث منَازِل
الْمُهَاجِرُونَ الْأَولونَ وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ: رَبنَا اغْفِر لنا ولإِخواننا الَّذين سبقُونَا بالإِيمان
فَأحْسن مَا يكون أَن يكون بِهَذِهِ الْمنزلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه أَتَاهُ رجل فَذكر بعض الصَّحَابَة فتنقصه فَقَالَ ابْن عَبَّاس {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان}
وَأخرج عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان} قَالَ: من بَقِي من أهل الإِسلام إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عصمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت سُفْيَان عَن التَّابِعين قَالَ: هم الَّذين أدركوا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يدركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلته عَن الَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان قَالَ: من يَجِيء بعدهمْ
قلت: إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: أَرْجُو
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن أبي صَخْر حميد بن زِيَاد قَالَ: قلت لمُحَمد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ: أَخْبرنِي عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنَّمَا أُرِيد الْفِتَن فَقَالَ: إِن الله قد غفر لحميع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأوجب لَهُم الْجنَّة فِي كِتَابه محسنهم ومسيئهم قلت لَهُ: وَفِي أَي مَوضِع أوجب الله لَهُم الْجنَّة فِي كِتَابهمْ قَالَ: أَلا تقْرَأ {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ} الْآيَة
أوجب لجَمِيع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْجنَّة والرضوان وَشرط على التَّابِعين شرطا لم يَشْتَرِطه فيهم قلت: وَمَا اشْترط عَلَيْهِم قَالَ: اشْترط عَلَيْهِم أَن يتبعوهم بِإِحْسَان
يَقُول: يقتدون بهم فِي أَعْمَالهم الْحَسَنَة وَلَا يقتدون بهم فِي غير ذَلِك
قَالَ أَبُو صَخْر: لكَأَنِّي لم أقرأها قبل ذَلِك وَمَا عرفت تَفْسِيرهَا حَتَّى قَرَأَهَا على مُحَمَّد بن كَعْب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ حَدثنِي يحيى بن أبي كثيِّر وَالقَاسِم وَمَكْحُول وَعَبدَة بن أبي لبَابَة وَحسان بن عَطِيَّة
أَنهم سمعُوا جمَاعَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ لما أنزلت هَذِه الْآيَة {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ} إِلَى قَوْله {وَرَضوا عَنهُ} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا لأمتي كلهم وَلَيْسَ بعد الرِّضَا سخط
(4/272)
الْآيَة 101
(4/273)
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ} الْآيَة
قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم جُمُعَة خَطِيبًا فَقَالَ: قُم يَا فلَان فَاخْرُج فَإنَّك مُنَافِق
فَأخْرجهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ففضحهم وَلم يكن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ شهد تِلْكَ الْجُمُعَة لحَاجَة كَانَت لَهُ فَلَقِيَهُمْ عمر رَضِي الله عَنهُ وهم يخرجُون من الْمَسْجِد فَاخْتَبَأَ مِنْهُم استحياء أَنه لم يشْهد الْجُمُعَة وَظن النَّاس قد انصرفوا واختبأوا هم من عمر وظنوا أَنه قد علم بأمرهم فَدخل عمر رَضِي الله عَنهُ الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس لم ينصرفوا
فَقَالَ لَهُ رجل: أبشر يَا عمر فقد فَضَح الله الْمُنَافِقين الْيَوْم فَهَذَا الْعَذَاب الأول وَالْعَذَاب الثَّانِي عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ من الْأَعْرَاب} قَالَ: جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَأَشْجَع وَأسلم وغفار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {مَرَدُوا على النِّفَاق} قَالَ: أَقَامُوا عَلَيْهِ لم يتوبوا كَمَا تَابَ آخَرُونَ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {مَرَدُوا على النِّفَاق} قَالَ: مَاتُوا عَلَيْهِ عبد الله بن أبي وَأَبُو عَامر الراهب وَالْجد بن قيس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {نَحن نعلمهُمْ} يَقُول: نَحن نعرفهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا تعلمهمْ نَحن نعلمهُمْ} قَالَ: فَمَا بَال أَقوام يَتَكَلَّمُونَ على النَّاس يَقُولُونَ: فلَان فِي الْجنَّة وَفُلَان فِي النَّار فَإِذا سَأَلت أحدهم عَن نَفسه قَالَ: لَا أَدْرِي
لعمري لأَنْت بِنَفْسِك أعلم مِنْك بأعمال النَّاس وَلَقَد تكلفت شَيْئا مَا تكلفه نَبِي قَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام (وَمَا علمي بِمَا كَانُوا يعْملُونَ) (الشُّعَرَاء الْآيَة 112) وَقَالَ شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام
(4/273)
(وَمَا أَنا عَلَيْكُم بحفيظ) (الْأَنْعَام الْآيَة 104) وَقَالَ الله تَعَالَى لمُحَمد {لَا تعلمهمْ نَحن نعلمهُمْ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: بِالْجُوعِ وَالْقَتْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: بِالْجُوعِ وَعَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: عَذَاب فِي الْقَبْر وَعَذَاب فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي (عَذَاب الْقَبْر) عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: عَذَاب فِي الْقَبْر وَعَذَاب فِي النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: يبتلون فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر {ثمَّ يردون إِلَى عَذَاب عَظِيم} قَالَ: عَذَاب جَهَنَّم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: عَذَاب فِي الدُّنْيَا بالأموال وَالْأَوْلَاد وَقَرَأَ (فَلَا تعجبك أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم إِنَّمَا يُرِيد الله ليعذبهم بهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا) (التَّوْبَة الْآيَة 55) بالمصائب فَهِيَ لَهُم عَذَاب وَهِي للْمُؤْمِنين أجر
قَالَ: وَعَذَاب الْآخِرَة فِي النَّار {ثمَّ يردون إِلَى عَذَاب عَظِيم} النَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن نَاسا يَقُولُونَ {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} يَعْنِي الْقَتْل وَبعد الْقَتْل البرزخ والبرزخ مَا بَين الْمَوْت إِلَى الْبَعْث {ثمَّ يردون إِلَى عَذَاب عَظِيم} يَعْنِي عَذَاب جَهَنَّم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ} قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعذب الْمُنَافِقين يَوْم الْجُمُعَة بِلِسَانِهِ على الْمِنْبَر وَعَذَاب الْقَبْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مَسْعُود الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقد خَطَبنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة مَا شهِدت مثلهَا قطّ فَقَالَ أَيهَا النَّاس إِن مِنْكُم منافقين فَمن سميته فَليقمْ قُم يَا فلَان قُم يَا فلَان حَتَّى قَامَ سِتَّة وَثَلَاثُونَ رجلا
ثمَّ قَالَ: إِن مِنْكُم
(4/274)
وَإِن مِنْكُم وَإِن مِنْكُم فَسَلُوا الله الْعَافِيَة
فلقي عمر رَضِي الله عَنهُ رجلا كَانَ بَينه وَبَينه إخاء فَقَالَ: مَا شَأْنك فَقَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطَبنَا فَقَالَ كَذَا وَكَذَا
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: أبعدك الله سَائِر الْيَوْم
الْآيَة 102
(4/275)
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} قَالَ كَانُوا عشرَة رَهْط تخلفوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَلَمَّا حضر رُجُوع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوثق سَبْعَة مِنْهُم أنفسهم بِسوَارِي الْمَسْجِد وَكَانَ ممر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رَجَعَ فِي الْمَسْجِد عَلَيْهِم فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ: من هَؤُلَاءِ الْمُوثقُونَ أنفسهم قَالُوا: هَذَا أَبُو لبَابَة وَأَصْحَاب لَهُ تخلفوا عَنْك يَا رَسُول الله أوثقُوا أنفسهم وحلفوا أَنهم لَا يُطْلِقهُمْ أحد حَتَّى يُطْلِقهُمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويعذرهم
قَالَ: وَأَنا أقسم بِاللَّه لَا أطلقهُم وَلَا أَعْذرهُم حَتَّى يكون الله تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُطْلِقهُمْ رَغِبُوا عني وتخلفوا عَن الْغَزْو مَعَ الْمُسلمين فَلَمَّا بَلغهُمْ ذَلِك قَالُوا: وَنحن لَا نطلق أَنْفُسنَا حَتَّى يكون الله هُوَ الَّذِي يطلقنا
فَأنْزل الله عز وَجل {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم} وَعَسَى من الله وَإنَّهُ هُوَ التوّاب الرَّحِيم فَلَمَّا نزلت أرسل إِلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَطْلَقَهُمْ وَعذرهمْ فجاؤوا بِأَمْوَالِهِمْ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله هَذِه أَمْوَالنَا فَتصدق بهَا عَنَّا واستغفر لنا
قَالَ: مَا أمرت أَن آخذ أَمْوَالكُم
فَأنْزل الله عز وَجل {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا وصل عَلَيْهِم} يَقُول: اسْتغْفر لَهُم إِن {صَلَاتك سكن لَهُم} يَقُول: رَحْمَة لَهُم فَأخذ مِنْهُم الصَّدَقَة واستغفر لَهُم وَكَانَ ثَلَاثَة نفر مِنْهُم لم يُوثقُوا أنفسهم بِالسَّوَارِي فأرجئوا سنة لَا يَدْرُونَ أيعذبون أَو يُتَاب عَلَيْهِم فَأنْزل الله عز وَجل (لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة) (التَّوْبَة الْآيَة 117) إِلَى آخر الْآيَة (وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين
(4/275)
خلفوا) (التَّوْبَة الْآيَة 118) إِلَى (ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا إِن الله هُوَ التواب الرَّحِيم) يَعْنِي إِن استقاموا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ
مثله سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَاعْتَرفُوا بذنبهم} قَالَ: هُوَ أَبُو لبَابَة إِذْ قَالَ لقريظة مَا قَالَ وَأَشَارَ إِلَى حلقه بِأَن مُحَمَّد يذبحكم إِن نزلتم على حكمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب
أَن بني قُرَيْظَة كَانُوا حلفاء لأبي لبَابَة فَاطَّلَعُوا إِلَيْهِ وَهُوَ يَدعُوهُم إِلَى حكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا أَبَا لبَابَة أَتَأْمُرُنَا أَن ننزل فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حلقه أَنه الذّبْح فَأخْبر عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسبت أَن الله غفل عَن يدك حِين تُشِير إِلَيْهِم بهَا إِلَى حلقك فَلبث حينا حَتَّى غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك - وَهِي غَزْوَة الْعسرَة - فَتخلف عَنهُ أَبُو لبَابَة فِيمَن تخلف فَلَمَّا قفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهَا جَاءَهُ أَبُو لبَابَة يسلم عَلَيْهِ فَأَعْرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفَزعَ أَبُو لبَابَة فَارْتَبَطَ بِسَارِيَة التَّوْبَة الَّتِي عِنْد بَاب أم سَلمَة سبعا بَين يَوْم وَلَيْلَة فِي حر شَدِيد لَا يَأْكُل فِيهِنَّ وَلَا يشرب قَطْرَة قَالَ: لَا يزَال هَذَا مَكَاني حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا أَو يَتُوب الله عليَّ
فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى مَا يسمع الصَّوْت من الْجهد وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينظر إِلَيْهِ بكرَة وَعَشِيَّة ثمَّ تَابَ الله عَلَيْهِ فَنُوديَ أَن الله قد تَابَ عَلَيْك فَأرْسل إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليطلق عَنهُ رباطه فَأبى أَن يُطلقهُ أحد إِلَّا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَطْلقهُ عَنهُ بِيَدِهِ فَقَالَ أَبُو لبَابَة حِين أَفَاق: يَا رَسُول الله إِنِّي أَهجر دَار قومِي الَّتِي أصبت فِيهَا الذَّنب وانتقل إِلَيْك فأساكنك وَإِنِّي أختلع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: يَجْزِي عَنْك الثُّلُث
فَهجر أَبُو لبَابَة دَار قومه وَسَاكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتصدق بِثلث مَاله ثمَّ تَابَ فَلم ير مِنْهُ فِي الإِسلام بعد ذَلِك إِلَّا خيرا حَتَّى فَارق الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غزا غَزْوَة تَبُوك فَتخلف أَبُو لبَابَة ورجلان مَعَه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ إِن أَبَا لبَابَة وَرجلَيْنِ مَعَه تَفَكَّرُوا وندموا وأيقنوا بالهلكة وَقَالُوا: نَحن فِي الظل والطمأنينة مَعَ النِّسَاء وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون مَعَه فِي الْجِهَاد وَالله لنوثقن أَنْفُسنَا بِالسَّوَارِي فَلَا نطلقها حَتَّى يكون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يطلقنا ويعذرنا فَانْطَلق أَبُو لبَابَة فأوثق
(4/276)
نَفسه ورجلان مَعَه بِسوَارِي الْمَسْجِد وَبَقِي ثَلَاثَة لم يُوثقُوا أنفسهم فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غزوته وَكَانَ طَرِيقه فِي الْمَسْجِد فَمر عَلَيْهِم فَقَالَ: من هَؤُلَاءِ الْمُوثقُونَ أنفسهم بِالسَّوَارِي فَقَالَ رجل: هَذَا أَبُو لبَابَة وصاحبان لَهُ تخلفوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعاهدوا الله لَا يطلقون أنفسهم حَتَّى تكون الَّذِي أَنْت تُطْلِقهُمْ وترضى عَنْهُم وَقد اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله لَا أطلقهُم حَتَّى أُؤْمَر بإطلاقهم وَلَا أَعْذرهُم حَتَّى يكون الله يعذرهم وَقد تخلفوا وَرَغبُوا عَن الْمُسلمين بِأَنْفسِهِم وجهادهم فَأنْزل الله تَعَالَى {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} الْآيَة
وَعَسَى من الله وَاجِب فَلَمَّا نزلت الْآيَة أطلقهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعذرهمْ فَانْطَلق أَبُو لبَابَة وصاحباه بِأَمْوَالِهِمْ فَأتوا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: خُذ من أَمْوَالنَا فَتصدق بهَا عَنَّا وصل علينا
يَقُولُونَ: اسْتغْفر لنا وَطَهِّرْنَا
فَقَالَ: لَا آخذ مِنْهَا شَيْئا حَتَّى أُؤمر بِهِ
فَأنْزل الله خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة
الْآيَة
قَالَ: وَبَقِي الثَّلَاثَة الَّذين خالفوا أَبَا لبَابَة وَلم يتوبوا وَلم يذكرُوا بِشَيْء وَلم ينزل عذرهمْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ وهم الَّذين قَالَ الله {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} (التَّوْبَة الْآيَة 106) الْآيَة
فَجعل النَّاس يَقُولُونَ: هَلَكُوا إِذا لم ينزل لَهُم عذر وَجعل آخَرُونَ يَقُولُونَ: عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم
فصاروا مرجئين لأمر الله حَتَّى نزلت (لقد تَابَ الله على النَّبِي) (التَّوْبَة الْآيَة 117) إِلَى قَوْله (وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا) (التَّوْبَة الْآيَة 118) يَعْنِي المرجئين لأمر الله نزلت عَلَيْهِم التَّوْبَة فعملوا بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} قَالَ: هم الثَّمَانِية الَّذين ربطوا أنفسهم بِالسَّوَارِي مِنْهُم كردم ومرداس وَأَبُو لبَابَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانُوا سَبْعَة رَهْط تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك مِنْهُم أَرْبَعَة خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا: جد بن قيس وَأَبُو لبَابَة وَحرَام وَأَوْس كلهم من الْأَنْصَار تيب عَلَيْهِم وهم الَّذين قيل {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة}
(4/277)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} قَالَ: غزوهم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَآخر سَيِّئًا} قَالَ تخلفهم عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي التَّوْبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَرْجَى عِنْدِي لهَذِهِ الْأمة من قَوْله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مطرف قَالَ: إِنِّي لاستلقي من اللَّيْل على فِرَاشِي وأتدبر الْقُرْآن فَأَعْرض أعمالي على أَعمال أهل الْجنَّة فَإِذا أَعْمَالهم شَدِيدَة (كَانُوا قَلِيلا من اللَّيْل مَا يهجعون) (الذاريات الْآيَة 17)
(يبيتُونَ لرَبهم سجدا وقياماً) (الْفرْقَان الْآيَة 64)
(أَمن هُوَ قَانِت آنَاء اللَّيْل سَاجِدا وَقَائِمًا) (الزمر الْآيَة 9) فَلَا أَرَانِي مِنْهُم
فَأَعْرض نَفسِي على هَذِه الْآيَة (مَا سلككم فِي سقر) (قَالُوا لم نك من الْمُصَلِّين) (المدثر الْآيَة 42 - 46) إِلَى قَوْله (نكذب بِيَوْم الدّين) فَأرى الْقَوْم مكذبين فَلَا أَرَانِي مِنْهُم فَأمر بِهَذِهِ الْآيَة {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} فأرجو أَن أكون أَنا وَأَنْتُم يَا اخوتاه مِنْهُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مَنْدَه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد قوي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ مِمَّن تخلف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك سِتَّة: أَبُو لبَابَة وَأَوْس بن جذام وثعلبة بن وَدِيعَة وَكَعب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة
فجَاء أَبُو لبَابَة وَأَوْس بن جذام وثعلبة فربطوا أنفسهم بِالسَّوَارِي وجاؤوا بِأَمْوَالِهِمْ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله خُذ هَذَا الَّذِي حبسنا عَنْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا أحلّهُم حَتَّى يكون قتال
فَنزل الْقرَان {خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} الْآيَة
وَكَانَ مِمَّن أرجئ عَن التَّوْبَة وَخلف كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة
فأرجئوا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَخَرجُوا وضربوا فساطيطهم واعتزلوهم نِسَاؤُهُم وَلم يَتَوَلَّهُمْ الْمُسلمُونَ وَلم يقربُوا مِنْهُم فَنزل فيهم (وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا) (التَّوْبَة الْآيَة 118) إِلَى قَوْله (التواب الرَّحِيم) فَبعثت أم سَلمَة إِلَى كَعْب فبشرته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شَوْذَب قَالَ: قَالَ الْأَحْنَف بن قيس: عرضت نَفسِي على الْقُرْآن فَلم أجدني بِآيَة أشبه مني بِهَذِهِ الْآيَة {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} الْآيَة
(4/278)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن قَول الله {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} فَقَالَ: يَا مَالك تَابُوا عَسى الله أَن يَتُوب عَلَيْهِم وَعَسَى من الله وَاجِبَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّن يكثر أَن يَقُول لأَصْحَابه: هَل رأى أحد مِنْكُم رُؤْيا وَإنَّهُ قَالَ لنا ذَات غَدَاة: إِنَّه أَتَانِي اللَّيْلَة آتيان فَقَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقت مَعَهُمَا فاخرجاني إِلَى الأَرْض المقدسة فأتينا على رجل مُضْطَجع وَإِذا آخر قَائِم عَلَيْهِ بصخرة وَإِذا هُوَ يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رَأسه فيتدهده الْحجر هَهُنَا فَيتبع الْحجر فَيَأْخذهُ فَلَا يرجع إِلَيْهِ حَتَّى يَصح رَأسه كَمَا كَانَ ثمَّ يعود إِلَيْهِ فيفعل بِهِ مثل مَا فعل فِي الْمرة الأولى
قلت لَهما: سُبْحَانَ الله مَا هَذَانِ
قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وَآخر قَائِم عَلَيْهِ بكلوب من حَدِيد وَإِذا هُوَ يَأْتِي أحد شقي وَجهه فيشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ومنخره إِلَى قَفاهُ وعينه إِلَى قَفاهُ ثمَّ يتحوّل إِلَى الْجَانِب الآخر فيفعل بِهِ مثل مَا فعل بالجانب الأول فَمَا يفرغ من ذَلِك الْجَانِب حَتَّى يصبح ذَلِك الْجَانِب كَمَا كَانَ ثمَّ يعود عَلَيْهِ فيفعل مثل مَا فعل فِي الْمرة الأولى
قلت: سُبْحَانَ الله مَا هَذَانِ
قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على مثل التَّنور فَإِذا فِيهِ لغط وأصوات فاطلعنا فِيهِ فَإِذا فِيهِ رجال وَنسَاء عُرَاة فَإِذا هم يَأْتِيهم لَهب من أَسْفَل مِنْهُم فَإِذا أَتَاهُم ذَلِك اللهب ضوضوا قلت: مَا هَؤُلَاءِ
فَقَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على نهر أَحْمَر مثل الدَّم وَإِذا فِي النَّهر رجل سابح يسبح وَإِذا على شاطئ النَّهر رجل عِنْده حِجَارَة كَثِيرَة وَإِذا ذَلِك السابح يسبح مَا يسبح ثمَّ يَأْتِي الَّذِي قد جمع عِنْده الْحِجَارَة فيفغر لَهُ فَاه فيلقمه حجر فَينْطَلق فيسبح ثمَّ يرجع إِلَيْهِ كلما رَجَعَ فغر لَهُ فَاه فألقمه حجرا
قلت لَهما: مَا هَذَانِ
قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رجل كريه الْمرْآة كأكره مَا أَنْت رَاء وَإِذا هُوَ عِنْده نَار يحشها وَيسْعَى حولهَا
قلت لَهما: مَا هَذَا
قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فأتينا على رَوْضَة معتمة فِيهَا من كل نور الرّبيع وَإِذا بَين ظَهْري الرَّوْضَة رجل طَوِيل لَا أكاد أرى رَأسه طولا فِي السَّمَاء وَإِذا حول الرجل من أَكثر ولدان رَأَيْتهمْ قطّ
قَالَا لي: انْطلق
فَانْطَلَقْنَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَة عَظِيمَة لم أر قطّ رَوْضَة
(4/279)
أعظم مِنْهَا وَلَا أحسن
قَالَا لي: ارق فِيهَا
فارتقينا فِيهَا فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَة مَبْنِيَّة بِلَبن ذهب وَلبن فضَّة فأتينا بَاب الْمَدِينَة فاستفتحنا فَفتح لنا فدخلناها فتلقانا فِيهَا رجال شطر من خلقهمْ كأحسن مَا أَنْت رَاء وَشطر كأقبح مَا أَنْت رَاء
قَالَا لَهُم: اذْهَبُوا فقعوا فِي ذَلِك النَّهر
فَإِذا نهر معترض يجْرِي كَأَن مَاءَهُ المخض فِي الْبيَاض فَذَهَبُوا فوقعوا فِيهِ ثمَّ رجعُوا إِلَيْنَا فَذهب السوء عَنْهُم فصاروا فِي أحسن صُورَة
قَالَا لي: هَذِه جنَّة عدن وهذاك مَنْزِلك فسما بَصرِي صعداً فَإِذا قصر مثل الربابة الْبَيْضَاء قَالَا لي: هَذَا مَنْزِلك
قلت لَهما: بَارك الله فيكما ذراني فَأدْخلهُ
قَالَا: أما الْآن فَلَا وَأَنت دَاخله
قلت لَهما: فَإِنِّي رَأَيْت مُنْذُ اللَّيْلَة عجبا فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْت قَالَا لي: أما الرجل الأول الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يثلغ رَأسه بِالْحجرِ فَإِنَّهُ الرجل يَأْخُذ الْقُرْآن فيرفضه وينام عَن الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة يفعل بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأما الرجل الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يشرشر شدقه إِلَى قَفاهُ ومنخراه إِلَى قَفاهُ وعينه إِلَى قَفاهُ فَإِنَّهُ الرجل يَغْدُو من بَيته فيكذب الكذبة تبلغ الْآفَاق فيصنع بِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأما الرِّجَال وَالنِّسَاء العراة الَّذين فِي مثل التَّنور فَإِنَّهُم الزناة والزواني
وَأما الرجل الَّذِي أتيت عَلَيْهِ يسبح فِي النَّهر ويلقم الْحِجَارَة فَإِنَّهُ آكل الرِّبَا
وَأما الرجل الكريه الْمرْآة الَّذِي عِنْده النَّار يحشها فَإِنَّهُ مَالك خَازِن النَّار
وَأما الرجل الطَّوِيل الَّذِي فِي الرَّوْضَة فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأما الْولدَان الَّذين حوله فَكل مَوْلُود مَاتَ على الْفطْرَة
وَأما الْقَوْم الَّذين كَانُوا شطر مِنْهُم حسن وَشطر مِنْهُم قَبِيح فَإِنَّهُم قوم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا تجَاوز الله عَنْهُم وَأَنا جِبْرِيل وَهَذَا مِيكَائِيل
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أبي مُوسَى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رَأَيْت رجَالًا تقْرض جُلُودهمْ بمقاريض من نَار
قلت: مَا هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يتزينون إِلَى مَا لَا يحل لَهُم
وَرَأَيْت خباء خَبِيث الرّيح وَفِيه صباح
قلت: مَا هَذَا قَالَ: هن نسَاء يتزين إِلَى مَا لَا يحل لَهُنَّ
وَرَأَيْت قوما اغتسلوا من مَاء الجناة
قلت: مَا هَؤُلَاءِ قَالَ: هم قوم خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا
وَأخرج ابْن سعد عَن الْأسود بن قيس الْعَبْدي قَالَ: لَقِي الْحسن بن عَليّ يَوْمًا حبيب بن مسلمة فَقَالَ: يَا حبيب رب ميسر لَك فِي غير طَاعَة الله
فَقَالَ: أما ميسري إِلَى أَبِيك فَلَيْسَ من ذَلِك قَالَ: بلَى وَلَكِنَّك أَطَعْت مُعَاوِيَة على دنيا قَليلَة
(4/280)
زائلة فلئن قَامَ بك فِي دنياك لقد قعد بك فِي دينك وَلَو كنت إِذْ فعلت شرا قلت خيرا كَانَ ذَلِك كَمَا قَالَ الله {خلطوا عملا صَالحا وَآخر سَيِّئًا} وَلَكِنَّك كَمَا قَالَ الله (كلا بل ران على قُلُوبهم مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين الْآيَة 14)
الْآيَة 103
(4/281)
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا} قَالَ: من ذنوبهم الَّتِي أَصَابُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وصل عَلَيْهِم} قَالَ: اسْتغْفر لَهُم من ذنوبهم الَّتِي أصابوها {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} قَالَ: رَحْمَة لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وصل عَلَيْهِم} يَقُول: ادْع لَهُم {إِن صَلَاتك سكن لَهُم} قَالَ: استغفارك يسكن قُلُوبهم ويطمن لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَى بِصَدقَة قَالَ: اللهمَّ صل على آل فلَان
فَأَتَاهُ أبي بِصَدقَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سكن لَهُم} قَالَ: أَمن لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: أَتَانَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لَهُ امْرَأَتي: يَا رَسُول الله صل عَليّ وعَلى زَوجي
فَقَالَ صلى الله عَلَيْك وعَلى زَوجك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن خَارِجَة بن زيد عَن عَمه يزِيد بن ثَابت - وَكَانَ أكبر من زيد - قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا وردنا البقيع إِذا هُوَ بِقَبْر جَدِيد فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: فُلَانَة
فعرفها فَقَالَ أَفلا آذنتموني بهَا قَالُوا: كنت قَائِلا
(4/281)
فكرهنا أَن نؤذيك
فَقَالَ: لَا تَفعلُوا
مَا مَاتَ مِنْكُم ميت مَا دمت بَين أظْهركُم إِلَّا آذنتموني بِهِ فَإِن صَلَاتي عَلَيْهِ رَحْمَة
وَأخرج الباوردي فِي معرفَة الصَّحَابَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن دلسم السدُوسِي قَالَ: قُلْنَا لبشير بن الخصاصية: إِن أَصْحَاب الصَّدَقَة يعتدون علينا أفنكنتم من أَمْوَالنَا بِقدر مَا يعتدون علينا فَقَالَ: إِذا جاؤوكم فاجمعوها ثمَّ مُرُوهُمْ فليصلوا عَلَيْكُم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {خُذ من أَمْوَالهم صَدَقَة تطهرهُمْ وتزكيهم بهَا وصل عَلَيْهِم}
الْآيَة 104
(4/282)
أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: قَالَ الْآخرُونَ: هَؤُلَاءِ كَانُوا مَعنا بالْأَمْس لَا يكلمون وَلَا يجالسون فَمَا لَهُم فَأنْزل الله {ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا تصدق رجل بِصَدقَة إِلَّا وَقعت فِي يَد الله قبل أَن تقع فِي يَد السَّائِل
قَالَ: وَهُوَ يَضَعهَا فِي يَد السَّائِل ثمَّ قَرَأَ {ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات}
(4/282)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {وَيَأْخُذ الصَّدقَات} قَالَ: إِن الله هُوَ يقبل الصَّدَقَة إِذا كَانَت من طيب ويأخذها بِيَمِينِهِ وَإِن الرجل ليصدق بِمثل اللُّقْمَة فيربيها بِهِ كَمَا يُربي أحدكُم فَصِيله أَو مهره فتربوا فِي كف الله حَتَّى تكون مثل أحد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا من عبد يتَصَدَّق بِصَدقَة طيبَة من كسب طيب - وَلَا يقبل الله إِلَّا طيبا وَلَا يصعد إِلَى السَّمَاء إِلَّا طيب - فَيَضَعهَا فِي حق إِلَّا كَانَت كَأَنَّمَا يَضَعهَا فِي يَد الرَّحْمَن فيربيها لَهُ كَمَا يُربي أحدكُم فلوه أَو فَصِيله حَتَّى أَن اللُّقْمَة أَو التمرة لتأتي يَوْم الْقِيَامَة مثل الْجَبَل الْعَظِيم وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله الْعَظِيم {ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات}
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي الْأَفْرَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدقوا فَإِن أحدكُم يُعْطي اللُّقْمَة أَو الشَّيْء فَتَقَع فِي يَد الله عز وَجل قبل أَن تقع فِي يَد السَّائِل ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات} فيربيها كَمَا يُربي أحدكُم مهره أَو فَصِيله فيوفيها إِيَّاه يَوْم الْقِيَامَة
الْآيَة 105
(4/283)
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله} قَالَ: هَذَا وَعِيد من الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ: مرَّ بِجنَازَة فَأثْنى عَلَيْهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَبت
ثمَّ مر بِجنَازَة أُخْرَى فَأثْنى عَلَيْهَا فَقَالَ: وَجَبت
فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: إِن الْمَلَائِكَة شُهَدَاء الله فِي السَّمَاء وَأَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض فَمَا شهدتم عَلَيْهِ من شَيْء وَجب وَذَلِكَ قَول الله {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: مَا احتقرت أَعمال أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نجم الْقُرَّاء الَّذين طعنوا على عُثْمَان فَقَالُوا قولا لَا نحسن مثله وقرأوا قِرَاءَة لَا نَقْرَأ مثلهَا وصلوا صَلَاة لَا نصلي مثلهَا فَلَمَّا تذكرت إِذن وَالله مَا يقاربون عمل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا أعْجبك حسن قَول إمرئ مِنْهُم {وَقل اعْمَلُوا فسيرى الله عَمَلكُمْ وَرَسُوله والمؤمنون} وَلَا يستخفنك أحد
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الإِخلاص والضياء فِي المختارة عَن أبيّ سعيد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن أحدكُم يعْمل فِي صَخْرَة صماء لَيْسَ لَهَا بَاب وَلَا كوَّة لأخرج الله عمله للنَّاس كَائِنا مَا كَانَ وَالله أعلم
(4/283)
الْآيَة 106
(4/284)
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (106)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} قَالَ: هم الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَآخَرُونَ مرجون} قَالَ: هِلَال بن أُميَّة ومرارة بن الرّبيع وَكَعب بن مَالك من الْأَوْس والخزرج
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب
أَن أَبَا لبَابَة أَشَارَ إِلَى بني قُرَيْظَة باصبعه أَنه الذّبْح فَقَالَ: خُنْت الله وَرَسُوله
فَنزلت (لَا تخونوا الله وَالرَّسُول) (الْأَنْفَال الْآيَة 27) وَنزلت {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} فَكَانَ مِمَّن تَابَ الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {إِمَّا يعذبهم} يَقُول: يميتهم على مَعْصِيّة {وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِم} فأرجأ أَمرهم ثمَّ نسخهَا فَقَالَ (وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا) (التَّوْبَة الْآيَة 118)
الْآيَة 107
(4/284)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} قَالَ: هم أنَاس من الْأَنْصَار ابْتَنَوْا مَسْجِدا فَقَالَ لَهُم أَبُو عَامر: ابْنُوا مَسْجِدكُمْ وَاسْتَمَدُّوا بِمَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة وَسلَاح فَإِنِّي ذَاهِب إِلَى قَيْصر ملك الرّوم فَآتي بجنده من الرّوم فَأخْرج مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه
فَلَمَّا فرغوا من مَسْجِدهمْ أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: قد فَرغْنَا من بِنَاء مَسْجِدنَا فَنحب أَن تصلي فِيهِ وَتَدْعُو بِالْبركَةِ
فَأنْزل الله {لَا تقم فِيهِ أبدا}
(4/284)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما بنى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسْجِد قبَاء خرج رجال من الْأَنْصَار مِنْهُم يخدج جد عبد الله بن حنيف ووديعة بن حزَام وَمجمع بن جَارِيَة الْأنْصَارِيّ فبنوا مَسْجِد النِّفَاق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخدج وَيلك يَا يخدج
مَا أردْت إِلَى مَا أرى قَالَ: يَا رَسُول الله وَالله مَا أردْت إِلَّا الْحسنى - وَهُوَ كَاذِب - فَصدقهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَرَادَ أَن يعذرهُ فَأنْزل الله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ وَإِرْصَادًا لمن حَارب الله وَرَسُوله} يَعْنِي رجلا يُقَال لَهُ أَبُو عَامر كَانَ مُحَاربًا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ قد انْطلق إِلَى هِرقل وَكَانُوا يرصدون إِذا قدم أَبُو عَامر أَن يُصَلِّي فِيهِ وَكَانَ قد خرج من الْمَدِينَة مُحَاربًا لله وَلِرَسُولِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ ذكر أَن بني عَمْرو بن عَوْف ابْتَنَوْا مَسْجِدا فبعثوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْتِيهم فَيصَلي فِي مَسْجِدهمْ فَأَتَاهُم فصلى فِيهِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك اخوتهم بَنو غنم بن عَوْف حسدوهم فَقَالُوا: نَبْنِي نَحن أَيْضا مَسْجِدا كَمَا بنى اخواننا فنرسل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيصَلي فِيهِ وَلَعَلَّ أَبَا عَامر أَن يمر بِنَا فَيصَلي فِيهِ فبنوا مَسْجِدا فأرسلوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْتِيهم فَيصَلي فِي مَسْجِدهمْ كَمَا صلى فِي مَسْجِد اخوتهم فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُول قَامَ ليأتيهم أَو همَّ ليأتيهم فَأنْزل الله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} إِلَى قَوْله {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا} قَالَ: المُنَافِقُونَ
وَفِي قَوْله {وَإِرْصَادًا لمن حَارب الله وَرَسُوله} قَالَ: لأبي عَامر الراهب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} قَالَ: إِن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بنى مَسْجِدا بقباء فعارضه المُنَافِقُونَ بآخر ثمَّ بعثوا إِلَيْهِ ليُصَلِّي فِيهِ فَأطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك بن الدخشم فَقَالَ: مَالك لعاصم انظرني حَتَّى أخرج إِلَيْك بِنَار من أَهلِي فَدخل على أَهله فَأخذ سعفات من نَار ثمَّ خَرجُوا يَشْتَدُّونَ حَتَّى دخلُوا الْمَسْجِد وَفِيه أَهله فحرقوه وهدموه وَخرج أَهله فَتَفَرَّقُوا عَنهُ فَأنْزل الله فِي شَأْن الْمَسْجِد {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا} إِلَى قَوْله {عليم حَكِيم}
(4/285)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي رهم كُلْثُوم بن الْحصين الْغِفَارِيّ - وَكَانَ من الصَّحَابَة الَّذين بَايعُوا تَحت الشَّجَرَة - قَالَ أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل بِذِي أَوَان بَينه وَبَين الْمَدِينَة سَاعَة من نَهَار وَكَانَ بنى مَسْجِد الضرار فَأتوهُ وَهُوَ يتجهز إِلَى تَبُوك فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا بنينَا مَسْجِدا لذِي الْعلَّة وَالْحَاجة وَاللَّيْلَة الشَّاتِيَة وَاللَّيْلَة الْمَطِيرَة وَإِنَّا نحب أَن تَأْتِينَا فَتُصَلِّي لنا فِيهِ
قَالَ: إِنِّي على جنَاح سفر وَلَو قدمنَا إِن شَاءَ الله أَتَيْنَاكُم فصلينا لكم فِيهِ فَلَمَّا نزل بِذِي أَوَان أَتَاهُ خبر الْمَسْجِد فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالك بن الدخشم أَخا بني سَالم بن عَوْف ومعن بن عدي وأخاه عَاصِم بن عدي أحد بلعجلان فَقَالَ: انْطَلقَا إِلَى هَذَا الْمَسْجِد الظَّالِم أَهله فَاهْدِمَاهُ واحرقاه فَخَرَجَا سريعين حَتَّى أَتَيَا بني سَالم بن عَوْف وهم هط مَالك بن الدخشم فَقَالَ مَالك لِمَعْنٍ: أَنْظرنِي حَتَّى أخرج إِلَيْك
فَدخل إِلَى أَهله فَأخذ سَعَفًا من النّخل فاشعل فِيهِ نَارا ثمَّ خرج يَشْتَدَّانِ وَفِيه أَهله فَحَرقَاهُ وَهَدَمَاهُ وَتَفَرَّقُوا عَنهُ وَفِيهِمْ نزل من الْقُرْآن مَا نزل {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا وَكفرا} إِلَى أخر الْقِصَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا} قَالَ: هم نَاس من الْأَنْصَار ابْتَنَوْا مَسْجِدا قَرِيبا من مَسْجِد قبَاء بلغنَا أَنه أول مَسْجِد بُنيَ فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن اسحق قَالَ: كَانَ الَّذين بنوا مَسْجِد الضرار اثْنَي عشر رجلا
جذام بن خَالِد بن عبيد بن زيد وثعلبة بن حَاطِب وهزال بن أُميَّة ومعتب بن قُشَيْر وَأَبُو حَبِيبَة بن الأزعر وَعباد بن حنيف وَجَارِيَة بن عَامر وَأَبْنَاء محمع وَزيد ونبتل بن الْحَارِث ويخدج بن عُثْمَان ووديعة بن ثَابت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَالَّذين اتَّخذُوا مَسْجِدا ضِرَارًا} قَالَ: ضاروا أهل قبَاء {وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ} قَالَ: فَإِن أهل قبَاء كَانُوا يصلونَ فِي مَسْجِد قبَاء كلهم فَلَمَّا بني ذَلِك أقصر من مَسْجِد قبَاء من كَانَ يحضرهُ وصلوا فِيهِ {وَلَيَحْلِفُنَّ إِن أردنَا إِلَّا الْحسنى} فَحَلَفُوا مَا أرداوا بِهِ إِلَّا الْخَيْر
أما قَوْله تَعَالَى: {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم أَحَق أَن تقوم فِيهِ}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن
(4/286)
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: اخْتلف رجلَانِ رجل من بني خدرة وَفِي لفظ: تماريت أَنا وَرجل من بني عَمْرو بن عَوْف فِي الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى
فَقَالَ الْخُدْرِيّ: هُوَ مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الْعمريّ: هُوَ مَسْجِد قبَاء
فَأتيَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَاهُ عَن ذَلِك فَقَالَ هُوَ هَذَا الْمَسْجِد لمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: فِي ذَلِك خير كثير يَعْنِي مَسْجِد قبَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالزُّبَيْر بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم فِي الكنى وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: اخْتلف رجلَانِ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى
فَقَالَ أَحدهمَا: هُوَ مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ الآخر: هُوَ مَسْجِد قبَاء
فَأتيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَاهُ فَقَالَ هُوَ مَسْجِدي هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب والضياء فِي المختارة عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى فَقَالَ هُوَ مَسْجِدي هَذَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى فَقَالَ هُوَ مَسْجِدي هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق عُرْوَة عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ عُرْوَة: مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير مِنْهُ إِنَّمَا أنزلت فِي مَسْجِد قبَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الزبير بن بكار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عُثْمَان بن عبيد الله عَن ابْن عمر وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ وَزيد بن ثَابت قَالُوا: الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/287)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى مَسْجِد الْمَدِينَة الْأَعْظَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} يَعْنِي مَسْجِد قبَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لمَسْجِد أسس على التَّقْوَى} قَالَ: هُوَ مَسْجِد قبَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن أسيد بن ظهيرة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صَلَاة فِي مسجدة قبَاء كعمرة قَالَ التِّرْمِذِيّ: لَا نَعْرِف لأسيد بن ظهيرة شَيْء يَصح غير هَذَا الحَدِيث
وَأخرج ابْن سعد عَن ظهير بن رَافع الْحَارِثِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى فِي قبَاء يَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس انْقَلب بِأُجْرَة عمْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر الِاخْتِلَاف إِلَى قبَاء رَاكِبًا وماشياً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن سهل بن حنيف قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خرج حَتَّى يَأْتِي هَذَا الْمَسْجِد - مَسْجِد قبَاء - فَيصَلي فِيهِ كَانَ كَعدْل عمره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَنه كَانَ يرى كل مَسْجِد بني بِالْمَدِينَةِ أسس على التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمار الذَّهَبِيّ قَالَ: دخلت مَسْجِد قبَاء أُصَلِّي فِيهِ فأبصرني أَبُو سَلمَة فَقَالَ: أَحْبَبْت أَن تصلي فِي مَسْجِد أسس على التَّقْوَى من أول يَوْم
فَأَخْبرنِي أَن مَا بَين الصومعة إِلَى الْقبْلَة زِيَادَة زَادهَا عُثْمَان
الْآيَة 108
(4/288)
لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108)
أخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن
(4/288)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل قبَاء {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالَ: كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أنزلت هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عويم بن سَاعِدَة قَالَ مَا هَذَا الطّهُور الَّذِي اثنى الله عَلَيْكُم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا خرج منا رجل وَلَا امْرَأَة من الْغَائِط إِلَّا غسل فرجه أَو قَالَ: مقعدته
فَقَالَ النَّبِي: هُوَ هَذَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عويم بن سَاعِدَة الْأنْصَارِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُم فِي مَسْجِد قبَاء فَقَالَ: إِن الله قد أحسن عَلَيْكُم الثَّنَاء فِي الطّهُور فِي قصَّة مَسْجِدكُمْ فَمَا هَذَا الطّهُور الَّذِي تطهرون بِهِ قَالُوا: وَالله يَا رَسُول الله مَا نعلم شَيْئا إِلَّا أَنه كَانَ لنا جيران من الْيَهُود فَكَانُوا يغسلون أدبارهم من الْغَائِط فغسلنا كَمَا غسلوا
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْجَارُود فِي الْمُنْتَقى وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن طَلْحَة بن نَافِع قَالَ: حَدثنِي أَبُو أَيُّوب وَجَابِر بن عبد الله وَأنس بن مَالك رَضِي الله عَنْهُم إِن هَذِه الْآيَة لما نزلت {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معشر الْأَنْصَار إِن الله قد أثنى عَلَيْكُم خيرا فِي الطّهُور فَمَا طهوركم هَذَا قَالُوا: نَتَوَضَّأ للصَّلَاة ونغتسل من الْجَنَابَة قَالَ: فَهَل مَعَ ذَلِك غَيره قَالُوا: لَا غير أَن أَحَدنَا إِذا خرج إِلَى الْغَائِط أحب أَن يستنجي بِالْمَاءِ
قَالَ: هُوَ ذَاك فعليكموه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مجمع بن يَعْقُوب بن مجمع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعويم بن سَاعِدَة: مَا هَذَا الطّهُور الَّذِي اثنى الله عَلَيْكُم فَقَالُوا: نغسل الأدبار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن سَلام عَن أَبِيه قَالَ: لما أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد الَّذِي أسس على التَّقْوَى فَقَالَ إِن الله قد أثنى عَلَيْكُم فِي الطّهُور خيرا أَفلا تخبروني يَعْنِي قَوْله {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}
(4/289)
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا لنجد مَكْتُوبًا فِي التَّوْرَاة الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ وَنحن نفعله الْيَوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل قبَاء مَا هَذَا الثَّنَاء الَّذِي أثنى الله عَلَيْكُم قَالُوا: مَا منا أحد إِلَّا وَهُوَ يستنجي بِالْمَاءِ من الْخَلَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَعْفَر عَن أَبِيه أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أهل قبَاء {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأهل قبَاء مَا هَذَا الطّهُور الَّذِي خصصتم بِهِ فِي هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا منا أحد يخرج من الْغَائِط إِلَّا غسل مقعدته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الْحَارِث بن نَوْفَل قَالَ سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل قبَاء فَقَالَ: إِن الله قد أثنى عَلَيْكُم فَقَالُوا: إِنَّا نستنجي بِالْمَاءِ
فَقَالَ: إِنَّكُم قد أثنى عَلَيْكُم فدوموا
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: أحدث قوم الْوضُوء بِالْمَاءِ من أهل قبَاء فأنزلت فيهم {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن خُزَيْمَة بن ثَابت قَالَ: كَانَ رجال منا إِذا خَرجُوا من الْغَائِط يغسلون أثر الْغَائِط فَنزلت فيهم هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله من هَؤُلَاءِ الَّذِي قَالَ الله فيهم {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} قَالَ: كَانُوا يستنجون بِالْمَاءِ وَكَانُوا لَا ينامون اللَّيْل كُله وهم على الْجَنَابَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عُرْوَة بن الزبير أَن عويم بن سَاعِدَة قَالَ: يَا رَسُول الله من الَّذين قَالَ الله فيهم {رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم الْقَوْم مِنْهُم عويم بن سَاعِدَة وَلم يبلغنَا أَنه سمى رجلا غير عويم
(4/290)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنفر من الْأَنْصَار إِن الله قد أثنى عَلَيْكُم فِي الطّهُور فَمَا طهوركم قَالُوا: نستنجي بِالْمَاءِ من الْبَوْل وَالْغَائِط:
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي هَذِه الْآيَة {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} الْآيَة
قَالَ سَأَلَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن طهورهم الَّذِي أثنى الله بِهِ عَلَيْهِم
قَالُوا: كُنَّا نستنجي بِالْمَاءِ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا جَاءَ الله بالإِسلام لم ندعه
قَالَ: فَلَا تَدعُوهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يَعْقُوب بن مجمع عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد عَن مجمع بن جَارِيَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أهل قبَاء {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} وَكَانُوا يغسلون أدبارهم بِالْمَاءِ
وَأخرج ابْن سعد من طَرِيق مُوسَى بن يَعْقُوب عَن السّري بن عبد الرَّحْمَن عَن عباد بن حَمْزَة
أَنه سمع جَابر بن عبد الله يخبر: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول نعم العَبْد من عباد الله وَالرجل من أهل الْجنَّة عويم بن سَاعِدَة
قَالَ مُوسَى: وَبَلغنِي أَنه لما نزلت {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَالله يحب المطهرين} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِنْهُم عويم أول من غسل مقعدته بِالْمَاءِ فِيمَا بَلغنِي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يدْخل الْخَلَاء إِلَّا تَوَضَّأ أَو مس مَاء
وَأخرج عمر بن شبة فِي أَخْبَار الْمَدِينَة من طَرِيق الْوَلِيد بن سندر الْأَسْلَمِيّ عَن يحيى بن سهل الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه
أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أهل قبَاء كَانُوا يغسلون أدبارهم من الْغَائِط {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لبَعض الْأَنْصَار: مَا هَذَا الطّهُور الَّذِي أثنى الله عَلَيْكُم {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} قَالُوا: نستطيب بِالْمَاءِ إِذا جِئْنَا من الْغَائِط
الْآيَة 109
(4/291)
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {أَفَمَن أسس بُنْيَانه على تقوى من الله ورضوان خير} قَالَ: هَذَا مَسْجِد قبَاء {أم من أسس بُنْيَانه على شفا جرف هار} قَالَ: هَذَا مَسْجِد الضرار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: مَسْجِد الرضْوَان أول مَسْجِد بني فِي الْمَدِينَة فِي الإِسلام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أسس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَسْجِد الَّذِي أسسه على التَّقْوَى كَانَ كلما رفع لبنة قَالَ اللهمَّ إِن الْخَيْر خير الْآخِرَة
ثمَّ يناولها أَخَاهُ فَيَقُول مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تَنْتَهِي اللبنة منتهاه ثمَّ يرفع الْأُخْرَى فَيَقُول: اللهمَّ اغْفِر للْأَنْصَار والمهاجرة ثمَّ يناولها أَخَاهُ فَيَقُول مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى تَنْتَهِي اللبنة مُنْتَهَاهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أم من أسس بُنْيَانه على شفا جرف هار فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم}
(4/292)
قَالَ: بنى قَوَاعِده فِي نَار جَهَنَّم
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لقد رَأَيْت الدُّخان يخرج من مَسْجِد الضرار حَيْثُ انهار على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} قَالَ: وَالله مَا تناهى أَن وَقع فِي النَّار ذكر لنا أَنه حفرت فِيهِ بقْعَة فرؤي مِنْهَا الدُّخان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} قَالَ: مَسْجِد الْمُنَافِقين انهار فَلم يتناه دون أَن وَقع فِي النَّار
وَلَقَد ذكر لنا: إِن رجَالًا حفروا فِيهِ فَرَأَوْا الدُّخان يخرج مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} قَالَ: فَمضى حِين خسف بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة
أَنه لَا يزَال مِنْهُ دُخان يفور لقَوْله {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} وَيُقَال: إِنَّه بقْعَة فِي نَار جَهَنَّم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود فانهار بِهِ قَوَاعِده فِي نارجهنم يَقُول: خر من قَوَاعِده فِي نَار جَهَنَّم
الْآيَة 110
(4/293)
لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم} قَالَ: يَعْنِي الشَّك {إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم} يَعْنِي الْمَوْت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: قلت لإِبراهيم: أَرَأَيْت قَول الله {لَا يزَال بنيانهم الَّذِي بنوا رِيبَة فِي قُلُوبهم} قَالَ: الشَّك
قلت: لَا
قَالَ: فَمَا تَقول أَنْت قلت: الْقَوْم بنوا مَسْجِدا ضِرَارًا وهم كفَّارًا حِين بنوا فَلَمَّا دخلُوا فِي الإِسلام جعلُوا لَا يزالون يذكرُونَ فَيَقَع فِي قُلُوبهم مشقة من ذَلِك فتراجعوا لَهُ فَقَالُوا: يَا ليتنا لم نَكُنْ فعلنَا وَكلما ذَكرُوهُ وَقع من ذَلِك فِي قُلُوبهم مشقة وندموا
فَقَالَ إِبْرَاهِيم: اسْتغْفر الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن حبيب بن أبي ثَابت فِي قَوْله {رِيبَة فِي قُلُوبهم} قَالَ: غيظاً فِي قُلُوبهم {إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم} قَالَ: إِلَى أَن يموتوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا أَن تقطع} قَالَ: الْمَوْت أَن يموتوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أَيُّوب قَالَ: كَانَ عِكْرِمَة يَقْرَأها لَا أَن تقطع قُلُوبهم فِي الْقَبْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان فِي قَوْله {إِلَّا أَن تقطع قُلُوبهم} قَالَ: إِلَّا أَن يتوبوا وَكَانَ أَصْحَاب عبد الله يقرؤونها رِيبَة فِي قُلُوبهم وَلَو تقطعت قُلُوبهم
الْآيَة 111
(4/293)
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)
أخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَغَيره قَالُوا: قَالَ عبد الله بن رَوَاحَة لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اشْترط لِرَبِّك وَلِنَفْسِك مَا شِئْت
قَالَ: أشْتَرط لرَبي أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وَأَشْتَرِط لنَفْسي أَن تَمْنَعُونِي مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ أَنفسكُم وَأَمْوَالكُمْ
قَالُوا فَإِذا فعلنَا ذَلِك فَمَا لنا قَالَ: الْجنَّة
قَالَ: ربح البيع لَا نقِيل وَلَا نَسْتَقِيل
فَنزلت {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الْمَسْجِد {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم} الْآيَة
فَكبر النَّاس فِي الْمَسْجِد
فَأقبل رجل من الْأَنْصَار ثَانِيًا طرفِي رِدَائه على عَاتِقه فَقَالَ: يَا رَسُول الله أنزلت هَذِه الْآيَة قَالَ: نعم
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: بيع ربيح لَا نقبل وَلَا نَسْتَقِيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سل سَيْفه فِي سَبِيل الله فقد بَايع الله
وَأخرج ابْن سعد عَن عباد بن الْوَلِيد بن عبَادَة بن الصَّامِت أَن أسعد بن زُرَارَة أَخذ بيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس هَل تَدْرُونَ علام تُبَايِعُونَ مُحَمَّدًا إِنَّكُم تبايعونه على أَن تَحَارَبُوا الْعَرَب والعجم وَالْجِنّ والإِنس كَافَّة
فَقَالُوا: نَحن حَرْب لمن حَارب وَسلم لمن سَالم
فَقَالَ أسعد بن زُرَارَة: يَا رَسُول الله اشْترط عليَّ فَقَالَ: تُبَايِعُونِي على أَن تشهدوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتقيموا الصَّلَاة وتؤتوا الزَّكَاة والسمع وَالطَّاعَة وَلَا تنازعوا الْأَمر أَهله وتمنعوني مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ أَنفسكُم وأهليكم
قَالُوا: نعم
قَالَ قَائِل الْأَنْصَار: نعم هَذَا لَك يَا رَسُول الله فَمَا لنا قَالَ: الْجنَّة والنصر
وَأخرج ابْن سعد عَن الشّعبِيّ قَالَ: انْطلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعَبَّاسِ بن عبد الْمطلب - وَكَانَ ذَا رَأْي - إِلَى السّبْعين من الْأَنْصَار عِنْد الْعقبَة فَقَالَ الْعَبَّاس: ليَتَكَلَّم متكلمكم وَلَا يطلّ الْخطْبَة فَإِن عَلَيْكُم للْمُشْرِكين عينا وَإِن يعلمُوا بكم يفضحوكم
فَقَالَ قَائِلهمْ وَهُوَ أَبُو أُمَامَة أسعد: يَا مُحَمَّد سل لِرَبِّك مَا شِئْت ثمَّ سل لنَفسك وَأَصْحَابك مَا شِئْت ثمَّ أخبرنَا مَا لنا من الثَّوَاب على الله وَعَلَيْكُم إِذا فعلنَا ذَلِك
فَقَالَ أَسأَلكُم لرَبي أَن تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وأسألكم لنَفْسي وأصحابي أَن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مِمَّا تمْنَعُونَ مِنْهُ أَنفسكُم
قَالَ: فَمَا لنا إِذا فعلنَا
(4/294)
ذَلِك قَالَ: الْجنَّة
فَكَانَ الشّعبِيّ إِذا حدث هَذَا الحَدِيث قَالَ: مَا سمع الشيب والشبان بِخطْبَة أقصر وَلَا أبلغ مِنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ} قَالَ: أنفس هُوَ خلقهَا وأموال هُوَ رزقها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} قَالَ: ثامنهم - وَالله - وَأَعْلَى لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: مَا على ظهر الأَرْض مُؤمن إِلَّا قد دخل هَذِه الْبيعَة
وَفِي لفظ: اسْعوا إِلَى بيعَة بَايع الله بهَا كل مُؤمن {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَيَّاش بن عتبَة الْحَضْرَمِيّ عَن إِسْحَق بن عبد الله الْمدنِي قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ} دخل على رَسُول الله رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله نزلت هَذِه الْآيَة فَقَالَ: نعم
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: بيع رابح لَا نقِيل وَلَا نَسْتَقِيل قَالَ عَيَّاش: وحَدثني اسحق أَن الْمُسلمين كلهم قد دخلُوا فِي هَذِه الْآيَة من كَانَ مِنْهُم إِذا احْتِيجَ إِلَيْهِ نفع وأغار وَمن كَانَ مِنْهُم لَا يُغير إِذا احْتِيجَ إِلَيْهِ فقد خرج من هَذِه الْبيعَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة يُقَاتلُون} يَعْنِي يُقَاتلُون الْمُشْركين {فِي سَبِيل الله} يَعْنِي فِي طَاعَة الله {فيقتلون} الْعَدو {وَيقْتلُونَ} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ {وَعدا عَلَيْهِ حَقًا} يَعْنِي ينجز مَا وعدهم من الْجنَّة {فِي التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْقُرْآن وَمن أوفى بعهده من الله} فَلَيْسَ أحد أوفى بعهده من الله {فاستبشروا ببيعكم الَّذِي بايعتم بِهِ} الرب تبَارك بإقراركم بالعهد الَّذِي ذكره فِي هَذِه الْآيَة {وَذَلِكَ} الَّذِي ذكر من الثَّوَاب فِي الْجنَّة للْقَاتِل والمقتول {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} قَالَ: ثامنهم - وَالله - فأعلى لَهُم الثّمن {وَعدا عَلَيْهِ حَقًا فِي التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْقُرْآن} قَالَ: وعدهم فِي التَّوْرَاة والإِنجيل أَنه من قتل فِي سَبِيل الله أدخلهُ الْجنَّة
(4/295)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: مَا من مُسلم إِلَّا وَللَّه تَعَالَى فِي عُنُقه بيعَة وفّى بهَا أَو مَاتَ عَلَيْهَا {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله رَضِي الله إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِالْجنَّةِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله اشْترى} الْآيَة
قَالَ: نسخهَا (لَيْسَ على الضُّعَفَاء) (التَّوْبَة الْآيَة 91) الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى رَضِي الله عَنهُ: وَجَبت نصْرَة الْمُسلمين على كل مُسلم لدُخُوله فِي الْبيعَة الَّتِي اشْترى الله بهَا من الْمُؤمنِينَ أنفسهم
الْآيَة 112
(4/296)
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من مَاتَ على هَذِه التسع فَهُوَ فِي سَبِيل الله {التائبون العابدون} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الشَّهِيد من كَانَ فِيهِ التسع خِصَال {التائبون العابدون} إِلَى قَوْله {وَبشر الْمُؤمنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {التائبون} قَالَ: تَابُوا من الشّرك وبرئوا من النِّفَاق
وَفِي قَوْله {العابدون} قَالَ: عبدُوا الله فِي أحايينهم كلهَا أما وَالله مَا هُوَ بِشَهْر وَلَا شَهْرَيْن وَلَا سنة وَلَا سنتَيْن وَلَكِن كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح (وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دمت حَيا) (مَرْيَم الْآيَة 31) وَفِي قَوْله {الحامدون} قَالَ: يحْمَدُونَ الله على كل حَال فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَفِي قَوْله {الراكعون الساجدون} قَالَ: فِي الصَّلَوَات المفروضات
وَفِي قَوْله {الآمرون بِالْمَعْرُوفِ والناهون عَن الْمُنكر} قَالَ: لم يأمروا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى ائْتَمرُوا
(4/296)
بِهِ وَلم ينهوا النَّاس عَن الْمُنكر حَتَّى انْتَهوا عَنهُ
وَفِي قَوْله {والحافظون لحدود الله} قَالَ: القائمون بِأَمْر الله عز وَجل {وَبشر الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الَّذين لم يغزوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {التائبون} قَالَ: من الشّرك والذنُوب {العابدون} قَالَ: العابدون لله عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {التائبون} قَالَ: الَّذين تَابُوا من الشّرك وَلم ينافقوا فِي الإِسلام {العابدون} قَالَ: قوم أخذُوا من أبدانهم فِي ليلهم ونهارهم {الحامدون} قَالَ: قوم يحْمَدُونَ الله على كل حَال {السائحون} قَالَ: قوم أخذُوا من أبدانهم صوما لله عز وَجل {والحافظون لحدود الله} قَالَ: لفرائضه من حَلَاله وَحَرَامه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {العابدون} قَالَ: الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أول من يدعى إِلَى الْجنَّة الْحَمَّادُونَ الَّذين يحْمَدُونَ الله على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِن أول من يدعى إِلَى الْجنَّة الَّذين يحْمَدُونَ الله على كل حَال أَو قَالَ: فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَتَاهُ الْأَمر يسره قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي بنعمته تتمّ الصَّالِحَات وَإِذا أَتَاهُ الْأَمر يكرههُ قَالَ: الْحَمد لله على كل حَال
وَأخرج ابْن جرير عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السائحين قَالَ هم الصائمون
(4/297)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كلما ذكر الله فِي الْقُرْآن السياحة هم الصائمون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ {السائحون} الصائمون
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: سياحة هَذِه الْأمة الصّيام
وَأخرج الْفرْيَابِيّ ومسدد فِي مُسْنده وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق عبيد بن عُمَيْر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السائحين فَقَالَ هم الصائمون
وأ رج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن النجار من طَرِيق أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السائحون: هم الصائمون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السائحين
فَقَالَ: الصائمون
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ {السائحون} الصائمون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {السائحون} قَالَ: هم الصائمون
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْحسن مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمر والعبدي قَالَ {السائحون} الصائمون الَّذين يديمون الصّيام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة قَالَ: إِنَّمَا سمي الصَّائِم السائح لِأَنَّهُ تَارِك للذات الدُّنْيَا كلهَا من الْمطعم وَالْمشْرَب والمنكح فَهُوَ تَارِك للدنيا بِمَنْزِلَة السائح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي فَاخِتَة مولى جعدة بن هُبَيْرَة
أَن عُثْمَان بن مَظْعُون أَرَادَ أَن ينظر أيستطيع السياحة قَالَ: كَانُوا يعدون السياحة قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي أُمَامَة
أَن رجلا اسْتَأْذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السياحة
قَالَ إِن سياحة أمتِي الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {السائحون} قَالَ: هم الْمُهَاجِرُونَ لَيْسَ فِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سياحة إِلَّا الْهِجْرَة وَكَانَت سياحتهم الْهِجْرَة حِين هَاجرُوا إِلَى الْمَدِينَة لَيْسَ فِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ترهب
وَأخرج ابْن جرير عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كَانَت السياحة فِي بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {السائحون} قَالَ: طلبة الْعلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس الآمرون بِالْمَعْرُوفِ قَالَ: بِلَا إِلَه إِلَّا الله {والناهون عَن الْمُنكر} قَالَ: الشّرك بِاللَّه {وَبشر الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الَّذين لم يغزوا
(4/298)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {والحافظون لحدود الله} قَالَ: لفرائض الله الَّتِي افْترض نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُؤمنِينَ الَّذين لم يغزوا وَالْآيَة الَّتِي قبلهَا فِيمَن غزا {وَبشر الْمُؤمنِينَ} قَالَ: الغازين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: هَذِه قَالَ فِيهَا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قضى على نَفسه فِي التَّوْرَاة والإِنجيل وَالْقُرْآن لهَذِهِ الْأمة أَنه من قتل مِنْهُم على هَذِه الْأَعْمَال كَانَ عِنْد الله شَهِيدا وَمن مَاتَ مِنْهُم عَلَيْهَا فقد وَجب أجره على الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: الشَّهِيد من لَو مَاتَ على فرَاشه دخل الْجنَّة
قَالَ: وَقَالَ ابْن عَبَّاس: من مَاتَ وَفِيه تسع فَهُوَ شَهِيد {التائبون العابدون} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الله اشْترى من الْمُؤمنِينَ أنفسهم وَأَمْوَالهمْ بِأَن لَهُم الْجنَّة} يَعْنِي بِالْجنَّةِ ثمَّ قَالَ: {التائبون} إِلَى قَوْله {والحافظون لحدود الله} يَعْنِي القائمون على طَاعَة الله وَهُوَ شَرط اشْتَرَطَهُ الله على أهل الْجِهَاد إِذا وفوا الله بِشَرْطِهِ وفى لَهُم بشرطهم
الْآيَات 113 - 114
(4/299)
مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ: لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة دخل عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي عَم قل لَا إِلَه إِلَّا الله أُحَاج لَك بهَا عِنْد الله
فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة: يَا أَبَا طَالب أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب وَجعل النَّبِي يعرضهَا عَلَيْهِ وَأَبُو جهل وَعبد الله يعاونانه بِتِلْكَ الْمقَالة
(4/299)
فَقَالَ أَبُو طَالب آخر مَا كَلمهمْ: هُوَ على مِلَّة عبد الْمطلب وأبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أَنه عَنْك
فَنزلت {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة
وَأنزل الله فِي أبي طَالب فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء) (الْقَصَص الْآيَة 56)
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء فِي المختارة عَن عَليّ قَالَ: سَمِعت رجلا يسْتَغْفر لِأَبَوَيْهِ وهما مُشْرِكَانِ فَقلت: تستغفر لِأَبَوَيْك وهما مُشْرِكَانِ فَقَالَ: أَو لم يسْتَغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَهُم حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة فَلَمَّا نزلت امسكوا عَن الاسْتِغْفَار لأمواتهم وَلم ينهوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للأحياء حَتَّى يموتوا ثمَّ أنزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ} الْآيَة
يَعْنِي اسْتغْفر لَهُ مَا كَانَ حَيا فَلَمَّا مَاتَ أمسك عَن الاسْتِغْفَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: لما مرض أَبُو طَالب أَتَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الْمُسلمُونَ: هَذَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لِعَمِّهِ وَقد اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ فاستغفروا لقراباتهم من الْمُشْركين
فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} ثمَّ أنزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} قَالَ: كَانَ يرجوه فِي حَيَاته {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عدوّ لله تَبرأ مِنْهُ}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق شبْل عَن عَمْرو بن دِينَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرك فَلَا أَزَال اسْتغْفر لأبي طَالب حَتَّى ينهاني عَنهُ رَبِّي
وَقَالَ أَصْحَابه: لنستغفرن لآبائنا كَمَا اسْتغْفر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِعَمِّهِ فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} إِلَى قَوْله {تَبرأ مِنْهُ}
(4/300)
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة أَتَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: أَي عَم إِنَّك أعظم عليَّ حَقًا من وَالِدي فَقل كلمة يجب لَك بهَا الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة قل لَا إِلَه إِلَّا الله
فَذكر نَحْو مَا تقدم
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: يَا نَبِي الله إِن من آبَائِنَا من كَانَ يحسن الْجوَار ويصل الرَّحِم ويفك العاني ويوفي بالذمم أَفلا نَسْتَغْفِر لَهُم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله لأَسْتَغْفِرَن لأبي كَمَا اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ
فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة ثمَّ عذر إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَقَالَ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} إِلَى قَوْله {تَبرأ مِنْهُ} وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أوحى إليّ كَلِمَات قد دخلن فِي أُذُنِي ووقرن فِي قلبِي أمرت أَن لَا أسْتَغْفر لمن مَاتَ مُشْركًا وَمن أعْطى فضل مَاله فَهُوَ خير لَهُ وَمن أمسك فَهُوَ شَرّ لَهُ وَلَا يلوم الله على كفاف
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ قَالَ أخْبرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَوْت أبي طَالب فَبكى فَقَالَ: اذْهَبْ فَغسله وكفنه وواره غفر الله لَهُ ورحمه
فَفعلت وَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَهُ أَيَّامًا وَلَا يخرج من بَيته حَتَّى نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين}
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عمر قَالَ: لما مَاتَ أَبُو طَالب قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَحِمك الله وَغفر لَك لَا أَزَال أسْتَغْفر لَك حَتَّى ينهاني الله فَأخذ الْمُسلمُونَ يَسْتَغْفِرُونَ لموتاهم الَّذين مَاتُوا وهم مشركون فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَة
فَقَالُوا: قد اسْتغْفر إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ فَنزلت {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} الْآيَة
قَالَ: فَلَمَّا مَاتَ على كفره تبين لَهُ أَنه عَدو الله
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: لما مَاتَ أَبُو طَالب قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن إِبْرَاهِيم اسْتغْفر لِأَبِيهِ وَهُوَ مُشْرك وَأَنا أسْتَغْفر لِعَمِّي حَتَّى أبلغ فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى} يَعْنِي بِهِ أَبَا طَالب فَاشْتَدَّ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الله لنَبيه {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه}
(4/301)
يَعْنِي حِين قَالَ (سأستغفر لَك رَبِّي إِنَّه كَانَ بِي حفياً) (مَرْيَم الْآيَة 47) {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عدوّ لله} يَعْنِي مَاتَ على الشّرك {تَبرأ مِنْهُ}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يسْتَغْفر لِأَبِيهِ فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك قَالَ فَإِن إِبْرَاهِيم قد اسْتغْفر لِأَبِيهِ
فَنزلت {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ} الْآيَة
قلت إِن هَذَا الْأَثر ضَعِيف مَعْلُول فَإِن عَطِيَّة ضَعِيف وَهُوَ مُخَالف لرِوَايَة عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس السَّابِقَة وَتلك أصح وعَلى ثِقَة جليل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أقبل من غَزْوَة تَبُوك اعْتَمر فَلَمَّا هَبَط من ثنية عسفان أَمر أَصْحَابه أَن يستندوا إِلَى الْعقبَة حَتَّى أرجع إِلَيْكُم فَذهب فَنزل على قبر أمه آمِنَة فناجى ربه طَويلا ثمَّ انه بَكَى فَاشْتَدَّ بكاؤه فَبكى هَؤُلَاءِ لبكائه فَقَالُوا: يَا نَبِي الله بكينا لبكائك
قُلْنَا لَعَلَّه أحدث فِي أمتك شَيْء لم يطقه فَقَالَ: لَا وَقد كَانَ بعضه وَلَكِنِّي نزلت على قبر أُمِّي فدعوت الله تَعَالَى ليأذن لي فِي شَفَاعَتهَا يَوْم الْقِيَامَة فَأبى أَن يَأْذَن لي فرحمتها وَهِي أُمِّي فَبَكَيْت ثمَّ جَاءَنِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إِلَّا عَن موعدة وعدها إِيَّاه} الْآيَة
فتبرأ أَنْت من أمك كَمَا تَبرأ إِبْرَاهِيم من أَبِيه فرحمتها وَهِي أُمِّي فدعوت رَبِّي أَن يرفع عَن أمتِي أَربع فَرفع عَنْهُم اثْنَتَيْنِ وأبى أَن يرفع عَنْهُم اثْنَتَيْنِ
دَعَوْت أَن يرفع عَنْهُم الرَّجْم من السَّمَاء وَالْغَرق من الأَرْض وَأَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا وَأَن لَا يُذِيق بَعضهم بَأْس بعض فَرفع الله عَنْهُم الرَّجْم من السَّمَاء وَالْغَرق من الأَرْض وأبى أَن يرفع عَنْهُم الْقَتْل والهرج
قَالَ: وَإِنَّمَا عدل إِلَى قبر أمه لِأَنَّهَا كَانَت مدفونة تَحت كدي وَكَانَت عسفان لَهُم وَبهَا ولد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا إِلَى الْمَقَابِر فاتبعناه فجَاء حَتَّى جلس إِلَى قبر مِنْهَا فناجاه طَويلا ثمَّ بَكَى فبكينا لبكائه ثمَّ قَامَ فَقَامَ إِلَيْهِ عمر فَدَعَاهُ ثمَّ دَعَانَا فَقَالَ: مَا أبكاكم قُلْنَا: بكينا لبكائك
قَالَ: إِن الْقَبْر الَّذِي جَلَست عِنْده قبر آمِنَة وَإِنِّي اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي زيارتها فَأذن لي وَإِنِّي اسْتَأْذَنت رَبِّي فِي الاسْتِغْفَار لَهَا فَلم
(4/302)
يَأْذَن لي وَأنزل عَليّ {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى} فأخذني مَا يَأْخُذ الْوَلَد للوالدة من الرقة فَذَلِك الَّذِي أبكاني
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ وقف على عسفان فَنظر يَمِينا وَشمَالًا فأبصر قبر أمه آمِنَة ورد المَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ ودعا فَلم يفجأنا إِلَّا وَقد علا بكاؤه فعلا بكاؤنا لبكائه ثمَّ انْصَرف إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا الَّذِي أبكاكم قَالُوا: بَكَيْت فبكينا يَا رَسُول الله
قَالَ: وَمَا ظننتم قَالُوا: ظننا أَن الْعَذَاب نَازل علينا بِمَا نعمل
قَالَ: لم يكن من ذَلِك شَيْء
قَالُوا: فظننا أَن أمتك كلفت من الْأَعْمَال مَا لَا يُطِيقُونَ فرحمتها
قَالَ: لم يكن من ذَلِك شَيْء وَلَكِن مَرَرْت بِقَبْر أُمِّي آمِنَة فَصليت رَكْعَتَيْنِ فاستأذنت رَبِّي أَن اسْتغْفر لَهَا فنهيت فَبَكَيْت ثمَّ عدت فَصليت رَكْعَتَيْنِ فاستأذنت رَبِّي أَن أسْتَغْفر لَهَا فزجرت زجرا فعلا بُكَائِي ثمَّ دَعَا براحلته فركبها فَمَا سَار إِلَّا هنيَّة حَتَّى قَامَت النَّاقة لثقل الْوَحْي فَأنْزل الله {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} الْآيَتَيْنِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ جَاءَ ابْنا مليكَة - وهما من الْأَنْصَار - فَقَالَا: يَا رَسُول الله إِن أمنا كَانَت تحفظ على البعل وتكرم الضَّيْف وَقد وُئدت فِي الْجَاهِلِيَّة فَأَيْنَ أمنا فَقَالَ: أمكُمَا فِي النَّار
فقاما وَقد شقّ ذَلِك عَلَيْهِمَا فدعاهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَجَعَا فَقَالَ: أَلا أَن أُمِّي مَعَ أمكُمَا فَقَالَ مُنَافِق من النَّاس: أما مَا يُغني هَذَا عَن أمه إِلَّا مَا يُغني ابْنا مليكَة عَن أمهما وَنحن نَطَأ عَقِبَيْهِ
فَقَالَ شَاب من الْأَنْصَار لم أر رجلا أَكثر سؤالا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُ: يَا رَسُول الله وَأَيْنَ أَبَوَاك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا سألتهما رَبِّي فيطيعني فيهمَا
وَفِي لفظ: فيطعمني فيهمَا وَإِنِّي لقائم يَوْمئِذٍ الْمقَام الْمَحْمُود فَقَالَ الْمُنَافِق للشاب الْأنْصَارِيّ: سَله وَمَا الْمقَام الْمَحْمُود قَالَ: يَا رَسُول الله وَمَا الْمقَام الْمَحْمُود قَالَ: ذَاك يَوْم ينزل الله فِيهِ على كرسيه يئط فِيهِ كَمَا يئط الرحل الْجَدِيد من تضايقه وَهُوَ كسعة مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض ويجاء بكم حُفَاة عُرَاة غرلًا فَيكون أول من يكسى إِبْرَاهِيم
يَقُول الله: اكسوا خليلي
فَيُؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الْجنَّة ثمَّ اكسى على أَثَره فأقوم عَن يَمِين الله مقَاما يغبطني فِيهِ الأوّلون وَالْآخرُونَ ويشق لي نهر من الْكَوْثَر إِلَى حَوْضِي قَالَ: يَقُول الْمُنَافِق: لم أسمع كَالْيَوْمِ قطّ لقلما جرى نهر قطّ إِلَّا فِي إِحَالَة أَو رَضْرَاض فسله فيمَ يجْرِي النَّهر إِلَيْهِم
(4/303)
قَالَ: فِي إِحَالَة من الْمسك ورضراض
قَالَ: يَقُول الْمُنَافِق: لم أسمع كَالْيَوْمِ قطّ
وَالله لقلما جرى نهر قطّ إِلَّا كَانَ لَهُ نَبَات فسله هَل لذَلِك النَّهر نَبَات فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله هَل لذَلِك النَّهر نَبَات قَالَ: نعم
قَالَ: مَا هُوَ قَالَ: قضبان الذَّهَب
قَالَ: يَقُول الْمُنَافِق: لم أسمع كَالْيَوْمِ قطّ وَالله مَا نَبتَت قضيب إِلَّا كَانَ لَهُ ثَمَر فسله هَل لتِلْك القضبان ثمار فَسَأَلَ الْأنْصَارِيّ قَالَ: يَا رَسُول الله هَل لتِلْك القضبان ثمار قَالَ: نعم اللُّؤْلُؤ والجوهر
فَقَالَ الْمُنَافِق: لم أسمع كَالْيَوْمِ قطّ فسله عَن شراب الْحَوْض فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله مَا شراب الْحَوْض قَالَ: أَشد بَيَاضًا من اللَّبن وَأحلى من الْعَسَل من سقَاهُ الله مِنْهُ شربة لم يظمأ بعْدهَا وَمن حرمه لم يرو بعْدهَا
وَأخرج ابْن سعد عَن الْكَلْبِيّ وَأبي بكر بن قيس الْجعْفِيّ قَالَا: كَانَت جعفى يحرمُونَ الْقلب فِي الْجَاهِلِيَّة فوفد إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَانِ مِنْهُم قيس بن سَلمَة وَسَلَمَة بن يزِيد وهما أَخَوان لأُم فاسلما فَقَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَلغنِي أنكما لَا تأكلان الْقلب
قَالَا: نعم
قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يكمل إسلامكما إِلَّا بِأَكْلِهِ
ودعا لَهما بقلب فشوي وأطعمه لَهما
فَقَالَا: يَا رَسُول الله إِن أمنا مليكَة بنت الحلو كَانَت تفك العاني وَتطعم البائس وترحم الْفَقِير وَإِنَّهَا مَاتَت وَقد وَأَدت بنية لَهَا صَغِيرَة فَمَا حَالهَا فَقَالَ: الوائدة والموءودة فِي النَّار
فقاما مغضبين
فَقَالَ: إِلَيّ
فارجعا فَقَالَ: وَأمي مَعَ أمكُمَا
فأبيا ومضيا وهما يَقُولَانِ: وَالله إِن رجلا أطعمنَا الْقلب وَزعم أَن أمنا فِي النَّار لأهل أَن لَا يتبع وذهبا فلقيا رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَه إبل من إبل الصَّدَقَة فَأَوْثَقَاهُ وطردا الإِبل فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلعنهما فِيمَن كَانَ يلعن فِي قَوْله: لعن الله رعلاً وذكوان وَعصيَّة ولحيان وَابْني مليكَة من حَرِيم وحران
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله (وَقضى رَبك أَن لَا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه) (الْإِسْرَاء الْآيَة 23) إِلَى قَوْله (كَمَا ربياني صَغِيرا) قَالَ: ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين} إِلَى قَوْله {عَن موعدة وعدها إِيَّاه}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عدوّ لله} قَالَ: تبين لَهُ حِين مَاتَ وَعلم التَّوْبَة قد انْقَطَعت عَنهُ
(4/304)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي فَوَائده والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم يزل إِبْرَاهِيم يسْتَغْفر لِأَبِيهِ حَتَّى مَاتَ فَلَمَّا مَاتَ تبين لَهُ أَنه عدوّ لله فتبرأ مِنْهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس {فَلَمَّا تبين لَهُ أَنه عدوّ لله} يَقُول: لما مَاتَ على كفره
أما قَوْله تَعَالَى: {إِن إِبْرَاهِيم لأوّاه حَلِيم} أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ رجل يطوف بِالْبَيْتِ وَيَقُول فِي داعئه: أوّه أوّه
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّه لأواه
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن إِبْرَاهِيم لأوّاه حَلِيم} قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام إِذا ذكر النَّار قَالَ: أوّه من النَّار أوّه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الجوزاء
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا كَانَ يرفع صَوته بِالذكر فَقَالَ رجل: لَو أَن هَذَا خفض صَوته
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعه فَإِنَّهُ أوّاه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل يُقَال لَهُ ذُو البجادين: إِنَّه أوّاه وَذَلِكَ أَنه كَانَ يكثر ذكر الله بِالْقُرْآنِ وَالدُّعَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدخل مَيتا الْقَبْر وَقَالَ: رَحِمك الله ان كنت لأوّاهاً تلاء لِلْقُرْآنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأوّاه: الخاشع المتضرع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الأوّاه: الدُّعَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم قَالَ: الأوّاه الدُّعَاء المستكين إِلَى الله كَهَيئَةِ الْمَرِيض المتأوّه من مَرضه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي
(4/305)
حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي العبيدين قَالَ: سَأَلت عبد الله بن مَسْعُود عَن الأوّاه فَقَالَ: هُوَ الرَّحِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الْمُؤمن التوّاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الْحَلِيم الْمُؤمن الْمُطِيع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أَيُّوب قَالَ: الأوّاه الَّذِي إِذا ذكر خطاياه اسْتغْفر مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الْمُؤمن بالحبشية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الموقن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي ظبْيَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الحبشية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: الأوّاه الموقن بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: الأوّاه الموقن وَهِي كلمة حبشية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الْفَقِيه الموقن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: الأوّاه الشَّيْخ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي ميسرَة قَالَ: الأوّاه الشَّيْخ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ: الأوّاه الرَّحِيم بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ: الأوّاه الدُّعَاء بِلِسَان الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الأوّاه الْمَسِيح
(4/306)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن الْحسن قَالَ: الأوّاه الَّذِي قلبه مُعَلّق عِنْد الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ إِبْرَاهِيم يُسمى الأوّاه لرقته وَرَحمته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {إِن إِبْرَاهِيم لأوّاه حَلِيم} قَالَ: الْحَلِيم الرَّحِيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن إِبْرَاهِيم لأوّاه حَلِيم} قَالَ: كَانَ من حلمه أَنه كَانَ إِذا أَذَاهُ الرجل من قومه قَالَ لَهُ: هداك الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا أنزل شَيْء من الْقُرْآن إِلَّا وَأَنا أعلمهُ إِلَّا أَربع آيَات
إِلَّا (الرقيم) (الْكَهْف الْآيَة 9) فَإِنِّي لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَسَأَلت كَعْبًا فَزعم أَنَّهَا الْقرْيَة الَّتِي خَرجُوا مِنْهَا (وَحَنَانًا من لدنا وَزَكَاة) (مَرْيَم الْآيَة 13) قَالَ: لَا أَدْرِي مَا الحنان وَلكنهَا الرَّحْمَة (والغسلين) (الحاقة الْآيَة 36) لَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِنِّي أَظُنهُ الزقوم
قَالَ الله (إِن شَجَرَة الزقوم طَعَام الأثيم) (الدُّخان الْآيَتَانِ 42 - 43) قَالَ: والأوّاه هُوَ الموقن بالحبشية
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الْمُؤمن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: الأوّاه الْمُنِيب الْفَقِير
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: الأوّاه الْكثير ذكر الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} قَالَ: بَيَان الله للْمُؤْمِنين فِي الاسْتِغْفَار للْمُشْرِكين خَاصَّة وَفِي بَيَانه طَاعَته ومعصيته عَامَّة مَا فعلوا أَو تركُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} قَالَ: مَا يأتونه وَمَا ينتهون عَنهُ
الْآيَات 115 - 116
(4/307)
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (115) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن يحيى بن عقيل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دفع إِلَى يحيى بن يعمر كتابا قَالَ: هَذِه خطْبَة عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ كَانَ يقوم فيخطب بهَا كل عَشِيَّة خَمِيس على أَصْحَابه ذكر الحَدِيث ثمَّ قَالَ: فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يَغْدُو عَالما أَو متعلماً فَلْيفْعَل وَلَا يَغْدُو لسوى ذَلِك فَإِن الْعَالم والمتعلم شريكان فِي الْخَيْر أَيهَا النَّاس إِنِّي وَالله مَا أَخَاف عَلَيْكُم أَن تؤخذوا بِمَا لم يبين لكم وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} فقد بَين لكم مَا تَتَّقُون
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الله ليضل قوما بعد إِذْ هدَاهُم حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ} قَالَ: نزلت حِين أخذُوا الْفِدَاء من الْمُشْركين يَوْم الْأُسَارَى قَالَ: لم يكن لكم أَن تأخذوه حَتَّى يُؤذن لكم وَلَكِن مَا كَانَ الله ليعذب قوما بذنب أذنبوه حَتَّى يبين لَهُم مَا يَتَّقُونَ
قَالَ: حَتَّى ينهاهم قبل ذَلِك
الْآيَة 117
(4/308)
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117)
أخرج ابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَالَ لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ حَدثنَا من شَأْن سَاعَة الْعسرَة
فَقَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى تَبُوك فِي قيظ شَدِيد فنزلنا منزلا فأصابنا فِيهِ عَطش حَتَّى ظننا إِن رقابنا ستقطع حَتَّى إِن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه وَيجْعَل مَا بَقِي على كبده فَقَالَ أَبُو بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله إِن الله قد عوّدك فِي الدُّعَاء خيرا فَادع لنا
فَرفع يَدَيْهِ فَلم يرجعهما حَتَّى قَالَت السَّمَاء فأهطلت ثمَّ سكبت فملأوا مَا مَعَهم ثمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُر فَلم نجدها جَاوَزت الْعَسْكَر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فِي سَاعَة الْعسرَة} قَالَ: غَزْوَة تَبُوك
(4/308)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} قَالَ: هم الَّذين اتبعُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك قبل الشَّام فِي لهبان الْحر على مَا يعلم الله من الْجهد أَصَابَهُم فِيهَا جهد شَدِيد حَتَّى لقد ذكر لنا أَن الرجلَيْن كَانَ يشقا التمرة بَينهمَا وَكَانَ النَّفر يتداولون التمرة بَينهم يمصها أحدهم ثمَّ يشرب عَلَيْهَا المَاء ثمَّ يمصها الآخر فَتَابَ الله عَلَيْهِم فأقفلهم من غزوتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عقيل بن أبي طَالب فِي قَوْله {الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} قَالَ: خَرجُوا فِي غَزْوَة تَبُوك الرّجلَانِ وَالثَّلَاثَة على بعير وَخَرجُوا فِي حر شَدِيد فَأَصَابَهُمْ يَوْمًا عَطش حَتَّى جعلُوا ينحرون إبلهم فيعصرون أكراشها وَيَشْرَبُونَ ماءها فَكَانَ ذَلِك عسرة من المَاء وعسرة من النَّفَقَة وعسرة من الظّهْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر فِي قَوْله {الَّذين اتَّبعُوهُ فِي سَاعَة الْعسرَة} قَالَ: عسرة الظّهْر وعسرة وعسرة المَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك
أَنه قَرَأَ {من بعد مَا كَاد يزِيغ قُلُوب فريق مِنْهُم}
الْآيَة 118
(4/309)
وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مَنْدَه وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} قَالَ: كَعْب بن مَالك وهلال بن أُميَّة ومرارة بن ربيعَة وَكلهمْ من الْأَنْصَار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مجمع بن جَارِيَة قَالَ: الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا فَتَابَ الله عَلَيْهِم كَعْب بن مَالك وهلال بن أُميَّة ومرارة بن ربعي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن شهَاب قَالَ: إِن الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا كَعْب بن مَالك من بني سَلمَة وهلال بن أُميَّة من بني وَاقِف ومرارة بن ربيع من بني عَمْرو بن عَوْف
(4/309)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ: لما نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِذِي أَوَان خرج عَامَّة الْمُنَافِقين الَّذين كَانُوا تخلفوا عَنهُ يتلقونه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه لَا تكلمن رجلا تخلف عَنَّا وَلَا تجالسوه حَتَّى آذن لكم فَلم يكلموهم فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَتَاهُ الَّذين تخلفوا يسلمُونَ عَلَيْهِ فَأَعْرض عَنْهُم وَأعْرض الْمُؤْمِنُونَ عَنْهُم حَتَّى أَن الرجل ليعرض عَنهُ أَخُوهُ وَأَبوهُ وَعَمه فَجعلُوا يأْتونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويعتذرون بالجهد والأسقام فَرَحِمهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبايعهم واستغفر لَهُم وَكَانَ مِمَّن تخلف عَن غير شكّ وَلَا نفاق ثَلَاثَة نفر الَّذين ذكر الله تَعَالَى فِي سُورَة التَّوْبَة
كَعْب بن مَالك السّلمِيّ وهلال بن أُميَّة الوَاقِفِي ومرارة بن ربيعَة العامري
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} قَالَ: كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ قَالَ: أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب بن مَالك أَن عبد الله بن كَعْب بن مَالك وَكَانَ قَائِد كَعْب من بنيه حِين عمي قَالَ: سَمِعت كَعْب بن مَالك يحدث حَدِيثه حِين تخلف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك قَالَ كَعْب: لم أَتَخَلَّف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة غَزَاهَا قطّ إِلَّا فِي غَزْوَة تَبُوك غير أَنِّي تخلفت فِي غَزْوَة بدر وَلم يُعَاتب أحدا تخلف عَنْهَا إِنَّمَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد عير قُرَيْش حَتَّى جمع الله بَينهم وَبَين عدوهم على غير ميعاد وَلَقَد شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْعقبَة حِين تواثقنا على الْإِسْلَام وَمَا أحب أَن لي بهَا مشْهد بدر وَإِن كَانَت بدر أذكر فِي النَّاس مِنْهَا وَأشهر
وَكَانَ من خبري حِين تخلفت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك أَنِّي لم أكن قطّ أقوى وَلَا أيسر مني حِين تخلفت عَنهُ فِي تِلْكَ الْغُزَاة وَالله مَا جمعت قبلهَا راحلتين قطّ حَتَّى جمعتهما فِي تِلْكَ الْغُزَاة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلما يُرِيد غزَاة إِلَّا ورى بغَيْرهَا حَتَّى كَانَت تِلْكَ الْغَزْوَة فَغَزَاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حر شَدِيد واستقبل سفرا بَعيدا وَمَفَازًا واستقبل عدوا كثيرا فجلا للْمُسلمين أَمرهم لِيَتَأَهَّبُوا أهبة عدوهم فَأخْبرهُم وَجهه الَّذِي يُرِيد والمسلمون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثير لَا يجمعهُمْ كتاب حَافظ يُرِيد الدِّيوَان
قَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: فَقل رجل يُرِيد أَن يتغيب إِلَى ظن أَن ذَلِك سيخفى مَا لم ينزل فِيهِ وَحي من الله عز وَجل وغزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْغُزَاة حِين
(4/310)
طابت الثِّمَار والظل وآن لَهَا أَن تصغر فتجهز إِلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون مَعَه وطفقت أغدو لكَي أتجهز مَعَهم فأرجع وَلَا أَقْْضِي شَيْئا فَأَقُول لنَفْسي: أَنا قَادر على ذَلِك إِن أردْت
فَلم يزل ذَلِك يتمادى بِي حَتَّى اسْتمرّ بِالنَّاسِ الْجد فَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غاديا والمسلمون مَعَه وَلم أقض من جهازي شَيْئا وفلت الجهاز بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ ألحقهُ فَغَدَوْت بعد مَا فصلوا لأتجهز فَرَجَعت وَلم أقض من جهازي شَيْئا ثمَّ غَدَوْت فَرَجَعت وَلم أقض شَيْئا فَلم يزل ذَلِك يتمادى بِي حَتَّى انْتَهوا وتفارط الْغَزْو فهممت أَن أرتحل فأدركهم - وليت أَنِّي أفعل - ثمَّ لم يقدر لي ذَلِك فطفقت إِذْ خرجت فِي النَّاس بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحزنني أَنِّي لَا أرى إِلَّا رجلا مغموصا عَلَيْهِ من النِّفَاق أَو رجلا مِمَّن عذره الله
وَلم يذكرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ تَبُوك فَقَالَ وَهُوَ جَالس فِي الْقَوْم بتبوك مَا فعل كَعْب بن مَالك فَقَالَ رجل من بني سَلمَة: حَبسه يَا رَسُول الله برْدَاهُ وَالنَّظَر فِي عطفيه
فَقَالَ لَهُ معَاذ بن جبل: بئْسَمَا قلت وَالله يَا رَسُول الله مَا علمنَا عَلَيْهِ إِلَّا خيرا
فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ كَعْب بن مَالك: فَلَمَّا بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد توجه قَافِلًا من تَبُوك حضرني همي فطفقت أَتَذكر الْكَذِب وَأَقُول: بِمَاذَا أخرج من سخطه غَدا وأستعين على ذَلِك بِكُل ذِي رَأْي من أَهلِي فَلَمَّا قيل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أظل قادما رَاح عني الْبَاطِل وَعرفت أَنِّي لم أَنْج مِنْهُ بِشَيْء أبدا فأجمعت صدقه وَأصْبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قادما وَكَانَ إِذا قدم من سفر بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ جلس للنَّاس فَلَمَّا فعل ذَلِك جَاءَهُ المتخلفون فطفقوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ ويحلفون لَهُ وَكَانُوا بضعَة وَثَمَانِينَ رجلا فَقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم علانيتهم واستغفر لَهُم ووكل سرائرهم إِلَى الله حَتَّى جِئْت فَلَمَّا سلمت عَلَيْهِ تَبَسم تَبَسم الْمُغْضب ثمَّ قَالَ لي تعال
فَجئْت أَمْشِي حَتَّى جَلَست بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا خَلفك ألم تكن قد اشْتريت ظهرك فَقلت: يَا رَسُول الله لَو جَلَست عِنْد غَيْرك من أهل الدُّنْيَا لرأيت أَن أخرج من سخطه بِعُذْر لقد أَعْطَيْت جدلا وَلكنه - وَالله - لقد علمت لَئِن حدثتك الْيَوْم حَدِيث كذب ترْضى عني بِهِ ليوشكن الله يسخطك عَليّ وَلَئِن حدثتك الصدْق وتجد عَليّ فِيهِ أَنِّي لأرجو قرب عتبي من الله وَالله مَا كَانَ لي عذر وَالله مَا كنت قطّ أفرغ وَلَا أيسر مني حِين تخلفت عَنْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما هَذَا فقد صدق فَقُمْ حَتَّى يقْضِي الله فِيك
(4/311)
فَقُمْت وبادرني رجال من بني سَلمَة واتبعوني فَقَالُوا لي: وَالله مَا علمناك كنت أذنبت ذَنبا قبل هَذَا وَلَقَد عجزت أَن لَا تكون اعتذرت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا اعتذر بِهِ المتخلفون فَلَقَد كَانَ كافيك من ذَنْبك اسْتِغْفَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فوَاللَّه مَا زَالُوا يؤنبوني حَتَّى أردْت أَن أرجع فأكذب نَفسِي ثمَّ قلت لَهُم: هَل لَقِي هَذَا معي أحدا قَالُوا: نعم لقِيه مَعَك رجلَانِ قَالَا مَا قلت وَقيل لَهما مثل مَا قيل لَك
فَقلت: من هما قَالُوا: مرَارَة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة الوَاقِفِي فَذكرُوا لي رجلَيْنِ صالحين قد شَهدا بَدْرًا لي فيهمَا أُسْوَة حَسَنَة فمضيت حِين ذكروهما لي
قَالَ: وَنهى رَسُول الله النَّاس عَن كلامنا أَيهَا الثَّلَاثَة من بَين من تخلف عَنهُ فَاجْتَنَبَنَا النَّاس وتغيروا لنا حَتَّى تنكرت لي فِي نَفسِي الأَرْض الَّتِي كنت أعرف فلبثنا على ذَلِك خمسين لَيْلَة فَأَما صَاحِبَايَ فاستكانا وقعدا فِي بيوتهما وَأما أَنا فَكنت أَشد الْقَوْم وأجلدهم فَكنت أشهد الصَّلَاة مَعَ الْمُسلمين وأطوف بالأسواق فَلَا يكلمني أحد وَآتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي مَجْلِسه بعد الصَّلَاة فَأسلم وَأَقُول فِي نَفسِي هَل حرك شَفَتَيْه برد السَّلَام أم لَا ثمَّ أُصَلِّي قَرِيبا مِنْهُ وأسارقه النّظر فَإِذا أَقبلت على صَلَاتي نظر إِلَيّ فَإِذا الْتفت نَحوه أعرض عني حَتَّى إِذا طَال عَليّ ذَلِك من هجر الْمُسلمين مشيت حَتَّى تسورت حَائِط أبي قَتَادَة وَهُوَ ابْن عمي وَأحب النَّاس إِلَيّ فَسلمت عَلَيْهِ فوَاللَّه مَا رد السَّلَام عَليّ فَقلت لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَة أنْشدك الله تَعَالَى هَل تعلم أَنِّي أحب الله وَرَسُوله قَالَ: فَسكت
قَالَ: فعدت فنشدته فَسكت فعدت فنشدته قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وتوليت حَتَّى تسورت الْجِدَار
وَبينا أَنا أَمْشِي بسوق الْمَدِينَة إِذا نبطي من أَنْبَاط الشَّام مِمَّن قدم بِطَعَام يَبِيعهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُول: من يدل على كَعْب بن مَالك فَطَفِقَ النَّاس يشيرون لَهُ إِلَيّ حَتَّى جَاءَ فَدفع إِلَيّ كتابا من ملك غَسَّان - وَكنت كَاتبا - فَإِذا فِيهِ: أما بعد فقد بلغنَا أَن صَاحبك قد جفاك وَلم يجعلك الله بدار هوان وَلَا مضيعة فَالْحق بِنَا نواسك
فَقلت حِين قرأتها: وَهَذَا أَيْضا من الْبلَاء
فيممت بهَا التَّنور فسجرته فِيهَا حَتَّى إِذا مَضَت أَرْبَعُونَ لَيْلَة من الْخمسين إِذا برَسُول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يأتيني فَقَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرك أَن تَعْتَزِل إمرأتك
فَقلت: أطلقها أم مَاذَا أفعل قَالَ: بل اعتزلها وَلَا تَقربهَا وَأرْسل إِلَى صَاحِبي مثل ذَلِك
فَقلت لإمرأتي: الحقي بأهلك فكوني
(4/312)
عِنْدهم حَتَّى يقْضِي الله فِي هَذَا الْأَمر فَجَاءَت امْرَأَة هِلَال بن أُميَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن هلالا شيخ ضائع وَلَيْسَ لَهُ خَادِم فَهَل تكره أَن أخدمه قَالَ: لَا وَلَكِن لَا يقربنك
فَقَالَت: إِنَّه وَالله مَا بِهِ حَرَكَة إِلَى شَيْء وَالله مَا زَالَ يبكي من لدن إِن كَانَ من أَمرك مَا كَانَ إِلَى يَوْمه هَذَا
فَقَالَ لي بعض أَهلِي: لَو اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأَتك فقد أذن لامْرَأَة هِلَال أَن تخدمه
فَقلت: وَالله لَا اسْتَأْذَنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا أَدْرِي مَا يَقُول إِذا استأذنته وَأَنا رجل شَاب
قَالَ: فلبثنا عشر لَيَال فكمل لنا خَمْسُونَ لَيْلَة من حِين نهى عَن كلامنا
قَالَ: ثمَّ صليت الْفجْر صباح خمسين لَيْلَة على ظهر بَيت من بُيُوتنَا فَبينا أَنا جَالس على الْحَال الَّتِي ذكر الله عَنَّا قد ضَاقَتْ عَليّ نَفسِي وَضَاقَتْ عَليّ الأَرْض بِمَا رَحبَتْ سَمِعت صَارِخًا أوفى جبل سلع يَقُول بِأَعْلَى صَوته: يَا كَعْب بن مَالك أبشر
فَخَرَرْت سَاجِدا وَعرفت أَن قد جَاءَ الْفرج فآذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بتوبة الله علينا حِين صلى الْفجْر فَذهب النَّاس يبشروننا وَذهب قبل صَاحِبي مبشرون وركض إِلَيّ رجل فرسا وسعى ساع من أسلم وأوفى على الْجَبَل فَكَانَ الصَّوْت أسْرع من الْفرس فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعت صَوته يبشرني نزعت لَهُ ثوبي فكسوتهما إِيَّاه ببشارته - وَالله مَا أملك غَيرهمَا يَوْمئِذٍ - فاستعرت ثَوْبَيْنِ فلبستهما فَانْطَلَقت أؤم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتلقاني النَّاس فوجا بعد فَوْج يهنئونني بِالتَّوْبَةِ يَقُولُونَ: لِيَهنك تَوْبَة الله عَلَيْك حَتَّى دخلت الْمَسْجِد فَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالس فِي الْمَسْجِد وَحَوله النَّاس فَقَامَ إِلَيّ طَلْحَة بن عبيد الله يُهَرْوِل حَتَّى صَافَحَنِي وهناني وَالله مَا قَامَ إِلَيّ رجل من الْمُهَاجِرين غَيره
قَالَ: فَكَانَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ لَا ينساها لطلْحَة
قَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: فَلَمَّا سلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ يَبْرق وَجهه من السرُور أبشر بِخَير يَوْم مر عَلَيْك مُنْذُ وَلدتك أمك
قلت: أَمن عنْدك يَا رَسُول الله أم من عِنْد الله قَالَ: لَا بل من عِنْد الله
وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سر استنار وَجهه حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَة قمر
فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قلت يَا رَسُول الله إِن من تَوْبَتِي أَن انخلع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أمسك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك
قلت: إِنِّي أمسك سهمي الَّذِي بِخَيْبَر وَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّمَا نجاني الله بِالصّدقِ وَإِن من تَوْبَتِي أَن لَا أحدث إِلَّا صدقا مَا بقيت
قَالَ: فوَاللَّه مَا أعلم أحدا من الْمُسلمين أبلاه الله من الصدْق فِي الحَدِيث مُنْذُ ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن مِمَّا أبلاني الله تَعَالَى
(4/313)
وَالله مَا تَعَمّدت مُنْذُ قلت ذَلِك إِلَى يومي هَذَا كذبا وَإِنِّي لأرجو أَن يحفظني الله فِيمَا بَقِي وَأنزل الله (لقد تَابَ الله على النَّبِي والمهاجرين وَالْأَنْصَار) (التَّوْبَة الْآيَة 117) إِلَى قَوْله {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} فوَاللَّه مَا أنعم الله عَليّ من نعْمَة قطّ بعد أَن هَدَانِي الله لِلْإِسْلَامِ أعظم فِي نَفسِي من صدق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ أَن لَا أكون كَذبته فَأهْلك كَمَا هلك الَّذين كذبوه فَإِن الله قَالَ للَّذين كذبوه حِين أنزل الْوَحْي شَرّ مَا قَالَ لأحد فَقَالَ (سيحلفون بِاللَّه لكم إِذا انقلبتم إِلَيْهِم لتعرضوا عَنْهُم فأعرضوا عَنْهُم إِنَّهُم رِجْس) (التَّوْبَة الْآيَة 95) إِلَى قَوْله {الْفَاسِقين} قَالَ: وَكُنَّا خلفنا أَيهَا الثَّلَاثَة عَن أَمر أُولَئِكَ الَّذين قبل مِنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خلفوا فبايعهم واستغفر لَهُم وأرجأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا حَتَّى قضى الله فِيهِ فبذلك قَالَ {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} وَلَيْسَ تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنَا الَّذِي ذكر مِمَّا خلفنا بتخلفنا عَن الْغَزْو وَإِنَّمَا هُوَ حلف لَهُ وَاعْتذر إِلَيْهِ فَقبل مِنْهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت تَوْبَتِي أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقبَّلت يَده وركبتيه وكسوت المبشر ثَوْبَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} قَالَ: الَّذين أرجأوا فِي وسط بَرَاءَة قَوْله {وَآخَرُونَ مرجون لأمر الله} ) (التَّوْبَة الْآيَة 106) هِلَال بن أُميَّة ومرارة بن ربيعَة وَكَعب بن مَالك
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} مثقلة يَقُول: عَن غَزْوَة تَبُوك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَبُوك تخلف كَعْب بن مَالك وهلال بن أُميَّة ومرارة بن الرّبيع قَالَ: أما أحدهم فَكَانَ لَهُ حَائِط حِين زها قد فَشَتْ فِيهِ الْحمرَة والصفرة فَقَالَ: غزوت وغزوت وغزوت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَو أَقمت الْعَام فِي هَذَا الْحَائِط فَأَصَبْت مِنْهُ
فَلَمَّا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه دخل حَائِطه فَقَالَ: مَا خلفني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا استبق الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَّا ضن بك أَيهَا الْحَائِط
(4/314)
اللهمَّ إِنِّي أشهدك أَنِّي تَصَدَّقت بِهِ فِي سَبِيلك
وَأما الآخر فَكَانَ قد تفرق عَنهُ من أَهله نَاس واجتمعوا لَهُ فَقَالَ: غزوت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وغزوت فَلَو أَنِّي أَقمت الْعَام فِي أَهلِي
فَلَمَّا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه قَالَ: مَا خلفني عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا استبق إِلَيْهِ المجاهدون فِي سَبِيل الله إِلَّا ضن بكم أَيهَا الْأَهْل اللَّهُمَّ إِن لَك عليَّ أَن لَا أرجع إِلَى أَهلِي وَمَالِي حَتَّى أعلم مَا تقضي فيَّ
وَأما الآخر فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِن لَك عليَّ أَن ألحق بالقوم حَتَّى أدركهم أَو أنقطع
فَجعل يتتبع الدقع والحزونة حَتَّى لحق بالقوم فَأنْزل الله {لقد تَابَ الله على النَّبِي} إِلَى قَوْله {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا حَتَّى إِذا ضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ} قَالَ الْحسن رَضِي الله عَنهُ: يَا سُبْحَانَ الله وَالله مَا أكلُوا مَالا حَرَامًا لَا أَصَابُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أفسدوا فِي الأَرْض غير أَنهم أبطأوا عَن شَيْء من الْخَيْر الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَقد - وَالله - جاهدوا وَجَاهدُوا وَجَاهدُوا فَبلغ مِنْهُم مَا سَمِعْتُمْ فَهَكَذَا يبلغ الذَّنب من الْمُؤمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} يَعْنِي خلفوا عَن التَّوْبَة لم يتب عَلَيْهِم حَتَّى تَابَ الله على أَبُو لبَابَة وَأَصْحَابه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} عَن التَّوْبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة بن خَالِد المَخْزُومِي أَنه كَانَ يقْرؤهَا {وعَلى الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا} نصب أَي بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دَعَا الله إِلَى تَوْبَته من قَالَ (أَنا ربكُم الْأَعْلَى) (النازعات الْآيَة 24)
وَقَالَ (مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي) (الْقَصَص الْآيَة 38) وَمن آيس الْعباد من التَّوْبَة بعد هَؤُلَاءِ فقد جحد كتاب الله وَلَكِن لَا يقدر العَبْد أَن يَتُوب حَتَّى يَتُوب الله وَهُوَ قَوْله {ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا} فبدء التَّوْبَة من الله عز وَجل
الْآيَة 119
(4/315)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن نَافِع فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: نزلت فِي الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا: قيل لَهُم: كونُوا مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن كَعْب بن مَالك قَالَ: فِينَا نزلت أَيْضا {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ واين عَسَاكِر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: امروا أَن يَكُونُوا مَعَ أبي بكر وَعمر وأصحابهما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي حعفر فِي قَوْله {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: مَعَ عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: كونُوا مَعَ كَعْب بن مَالك ومرارة بن ربيعَة وهلال بن أُميَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: لَا يصلح الْكَذِب فِي جد وَلَا هزل وَلَا أَن يعد أحدكُم صَبِيه شَيْئا ثمَّ لَا يُنجزهُ اقرأوا إِن شِئْتُم {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين} قَالَ: وَهِي فِي قِرَاءَة عبد الله هَكَذَا قَالَ: فَهَل تَجِدُونَ لأحد رخصَة فِي الْكَذِب
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين}
وَأخرج أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: عَلَيْكُم بِالصّدقِ فَإِنَّهُ
(4/316)
يهدي إِلَى الْبر وهما فِي الْجنَّة وَإِيَّاكُم وَالْكذب فَإِنَّهُ يهدي إِلَى الْفُجُور وهما فِي النَّار وَلَا يزَال الرجل يصدق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا وَلَا يزَال يكذب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم بِالصّدقِ فَأن الصدْق يهدي إِلَى الْبر وَأَن الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة وَأَن الرجل ليصدق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا وَإِيَّاكُم وَالْكذب فَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار وَإِن الرجل ليكذب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس اجتنبوا الْكَذِب فَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار وَإنَّهُ يُقَال: صدق وبر وَكذب وفجر
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي مَالك الْجُشَمِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: أَرَأَيْت لَو كَانَ لَك عَبْدَانِ أَحدهمَا يخونك ويكذبك حَدِيثا وَالْآخر لَا يخونك ويصدقك حَدِيثا أَيهمَا أحب إِلَيْك قَالَ: قلت: الَّذِي لَا يخونني ويصدقني حَدِيثا قَالَ: كَذَلِك أَنْتُم عِنْد ربكُم عز وَجل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ رفع الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْكَذِب لَا يصلح مِنْهُ جد وَلَا هزل وَلَا يعد الرجل ابْنه ثمَّ لَا ينجز لَهُ إِن الصدْق يهدي إِلَى الْبر وَأَن الْبر يهدي إِلَى الْجنَّة وَإِن الْكَذِب يهدي إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يهدي إِلَى النَّار إِنَّه يُقَال للصادق صدق وبر وَيُقَال للكاذب كذب وفجر وَإِن الرجل ليصدق حَتَّى يكْتب عِنْد الله صديقا ويكذب حَتَّى يكْتب عِنْد الله كذابا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أَسمَاء بنت يزِيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ: مَا يحملكم على أَن تتابعوا على الْكَذِب كَمَا يتتابع الْفراش فِي النَّار كل الْكَذِب يكْتب على ابْن آدم
(4/317)
إِلَّا رجل كذب فِي خديعة حَرْب أَو إصْلَاح بَين إثنين أَو رجل يحدث امْرَأَته ليرضيها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن النوّاس بن سمْعَان الْكلابِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَالِي أَرَاكُم تتهافتون فِي الْكَذِب تهافت الْفراش فِي النَّار كل الْكَذِب يكْتب على ابْن آدم إِلَّا رجل كذب فِي خديعة حَرْب أَو إصْلَاح بَين إثنين أَو رجل يحدث امْرَأَته ليرضيها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب قَالَ: لَيْسَ بِكَذَّابٍ من دَرأ عَن نَفسه
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْكَذِب مُجَانب للإِيمان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن عدي عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إيَّاكُمْ وَالْكذب فَإِن الْكَذِب مُجَانب للإِيمان
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الصَّحِيح مَوْقُوف
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يطبع الْمُؤمن على كل شَيْء إِلَّا الْخِيَانَة وَالْكذب
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يطبع الْمُؤمن على كل خلق لَيْسَ الْخِيَانَة وَالْكذب
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُؤمن ليطبع على خلال شَتَّى من الْجُود وَالْبخل وَحسن الْخلق وَلَا يطبع الْمُؤمن على الْكَذِب وَلَا يكون كذابا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطبع الْمُؤمن على الْخلال كلهَا إِلَّا الْخِيَانَة وَالْكذب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن أبي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُؤمن يطبع على كل خلق إِلَّا الْكَذِب والخيانة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ: يبْنى الإِنسان على خِصَال فمهما بني عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يبْنى على الْخِيَانَة وَالْكذب
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن صَفْوَان بن سليم أَنه قيل يَا رَسُول الله أَيكُون الْمُؤمن جَبَانًا قَالَ نعم
قيل: أَيكُون الْمُؤمن بَخِيلًا قَالَ: نعم
قيل: أَيكُون الْمُؤمن كذابا قَالَ: لَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو يعلى وَضَعفه عَن أبي بَرزَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْكَذِب يسوّد الْوَجْه والنميمة عَذَاب الْقَبْر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت مَا كَانَ خلق
(4/318)
أبْغض إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْكَذِب وَلَقَد كَانَ الرجل يكذب عِنْده الكذبة فَمَا يزَال فِي نَفسه حَتَّى يعلم أَنه قد أحدث مِنْهَا تَوْبَة
وَأخرج أَحْمد وهناد بن السّري رَضِي الله عَنهُ فِي الزّهْد وَابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن النّواس بن سمْعَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَبرت خِيَانَة أَن تحدث أَخَاك حَدِيثا هُوَ لَك مُصدق وَأَنت بِهِ كَاذِب
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أَسمَاء بنت عُمَيْس قَالَت كنت صَاحِبَة عَائِشَة الَّتِي هيأتها فأدخلتها على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نسْوَة فَمَا وُجدنا عِنْده قرى إِلَّا قدح من لبن فتناوله فَشرب مِنْهُ ثمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَة فاستحيت مِنْهُ فَقلت: لَا تردي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَخَذته فَشَربته ثمَّ قَالَ: ناولي صواحبك
فَقلت: لَا نشتهيه
فَقَالَ: لَا تجمعن كذبا وجوعاً
فَقلت: إِن قَالَت إحدانا لشَيْء تشتهيه لَا أشتهي أيعدُّ ذَلِك كذبا
فَقَالَ: إِن الْكَذِب يكْتب كذبا حَتَّى الكذيبة تكْتب كذيبة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة قَالَ: جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيتنا وَأَنا صبي صَغِير فَذَهَبت أَلعَب فَقَالَت أُمِّي لي: يَا عبد الله تعال أُعْطِيك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أردْت أَن تعطيه قَالَت: أردْت أَن أعْطِيه تَمرا قَالَ: إِمَّا أَنَّك لَو لم تفعلي لكتبت عَلَيْك كذبة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ والدارمي وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ والضياء عَن الْحسن بن عَليّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: دع مَا يريبك إِلَى مَا لَا يريبك فَإِن الصدْق طمأنينة وَإِن الْكَذِب رِيبَة
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خطبَته إِن أعظم الْخَطِيئَة عِنْد الله اللِّسَان الْكَاذِب
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الصدْق أَمَانَة وَالْكذب خِيَانَة
وَأخرج ابْن ماجة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُول الله من خير النَّاس قَالَ ذُو الْقلب المحموم وَاللِّسَان الصَّادِق قُلْنَا: قد عرفنَا اللِّسَان الصَّادِق فَمَا الْقلب المحموم قَالَ: التقي النقي الَّذِي لَا إِثْم فِيهِ وَلَا بغي وَلَا غل وَلَا حسد
قُلْنَا يَا رَسُول الله: فَمن على أَثَره قَالَ: الَّذِي يشنأ الدُّنْيَا وَيُحب الْآخِرَة قُلْنَا مَا نَعْرِف
(4/319)
هَذَا فِينَا إِلَّا رَافعا مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن على أَثَره قَالَ: مُؤمن فِي حسن خلق
قُلْنَا: أما هَذَا ففينا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لَا تَجِد الْمُؤمن كذابا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ لَا تنظروا إِلَى صَلَاة أحد وَلَا إِلَى صِيَامه وَلَكِن انْظُرُوا إِلَى من حدث صدق وَإِذا ائْتمن أدّى وَإِذا أشفى ورع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: إِن الرجل ليحرم قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار بالكذبة يكذبها
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: الْكَلَام أوسع من أَن يكذب ظريف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مطر الْوراق قَالَ: خصلتان إِذا كَانَتَا فِي عبد كَانَ سَائِر عمله تبعا لَهما حسن الصَّلَاة وَصدق الحَدِيث
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الفضيل قَالَ: لم يتزين النَّاس بِشَيْء أفضل من الصدْق وَطلب الْحَلَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ: أبرار الدُّنْيَا الْكَذِب وَقلة الْحيَاء من طلب الدُّنْيَا بِغَيْرِهِمَا فقد أَخطَأ الطَّرِيق وَالْمطلب وأبرار الْآخِرَة الْحيَاء والصدق فَمن طلب الْآخِرَة بِغَيْرِهِمَا فقد أَخطَأ الطَّرِيق وَالْمطلب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يُوسُف بن أَسْبَاط قَالَ: يرْزق العَبْد بِالصّدقِ ثَلَاث خِصَال الْحَلَاوَة والملاحة والمهابة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي روح حَاتِم بن يُوسُف قَالَ: أتيت بَاب الفضيل بن عِيَاض فَسلمت عَلَيْهِ فَقلت: يَا أَبَا عَليّ معي خَمْسَة أَحَادِيث إِن رَأَيْت أَن تَأذن لي فأقرأ
فَقَالَ لي: اقْرَأ
فَقَرَأت فَإِذا هِيَ سِتَّة فَقَالَ لي: أَن قُم يَا بني تعلم الصدْق ثمَّ اكْتُبْ الحَدِيث
وَأخرج ابْن عدي عَن عمرَان بن الْحصين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي المعاريض لمندوحة عَن الْكَذِب
وَأخرج ابْن عدي عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن فِي المعاريض مَا يُغني الرجل الْعَاقِل عَن الْكَذِب
(4/320)
الْآيَات 120 - 121
(4/321)
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)
أخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَمْرو بن مَالك عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَوْلَا ضعفاء النَّاس مَا كَانَت سَرِيَّة إِلَّا كنت فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله} قَالَ: هَذَا حِين كَانَ الإِسلام قَلِيلا فَلَمَّا كثر الإِسلام وَفَشَا قَالَ الله تَعَالَى (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة) (التَّوْبَة الْآيَة 122)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {لَا يصيبهم ظمأ} قَالَ: الْعَطش {وَلَا نصب} قَالَ: العناء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رَجَاء بن حَيْوَة وَمَكْحُول: أَنَّهُمَا كَانَا يكرهان التلثم من الْغُبَار فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَوْزَاعِيّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَإِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الغزاري وَعِيسَى بن يُونُس السبيعِي أَنهم قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا ينالون من عدوّ نيلاً إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح} قَالُوا: هَذِه الْآيَة للْمُسلمين إِلَى أَن تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة} الْآيَة قَالَ: نستخها الْآيَة الَّتِي تَلِيهَا {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} الْآيَة
(4/321)
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة وَخلف جعفراً فِي أَهله فَقَالَ جَعْفَر: وَالله مَا أَتَخَلَّف عَنْك فخلفني
فَقلت: يَا رَسُول الله أتخلفني أَي شَيْء تَقول قُرَيْش أَلَيْسَ يَقُولُونَ: مَا أسْرع مَا خذل ابْن عَمه وَجلسَ عَنهُ وَأُخْرَى ابْتغى الْفضل من الله لِأَنِّي سَمِعت الله تَعَالَى يَقُول {وَلَا يطؤون موطئاً يغِيظ الْكفَّار} الْآيَة
قَالَ: أما قَوْلك أَن تَقول قُرَيْش: مَا أسْرع مَا خذل ابْن عَمه وَجلسَ عَنهُ فقد قَالُوا: إِنِّي سَاحر وكاهن وَإِنِّي كَذَّاب فلك بِي أُسْوَة أما ترْضى أَن تكون مني بِمَنْزِلَة هرون من مُوسَى غير أَنه لَا نَبِي بعدِي وَأما قَوْلك تبتغي الْفضل من الله فقد جَاءَنَا فلفل من الْيمن فبعه وَأنْفق عَلَيْك وعَلى فَاطِمَة حَتَّى يأتيكما الله مِنْهُ برزق
الْآيَة 122
(4/322)
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)
أخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نسخ هَؤُلَاءِ الْآيَات (انفروا خفافاً وثقالاً) (التَّوْبَة الْآيَة 41) و (إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا) (التَّوْبَة الْآيَة 39) قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} يَقُول: لتنفر طَائِفَة ولتمكث طَائِفَة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالماكثون مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم الَّذين يتفقهون فِي الدّين وينذرون اخوانهم إِذا رجعُوا إِلَيْهِم من الْغَزْو لَعَلَّهُم يحذرون مَا نزل من بعدهمْ من قَضَاء الله فِي كِتَابه وحدوده
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} يَعْنِي مَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا جَمِيعًا ويتركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} يَعْنِي عصبَة يَعْنِي السَّرَايَا
(4/322)
فَلَا يَسِيرُونَ إِلَّا باذنه فَإِذا رجعت السَّرَايَا وَقد نزل قُرْآن تعلمه الْقَاعِدُونَ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: إِن الله قد أنزل عليَّ نَبِيكُم بَعدنَا قُرْآنًا وَقد تعلمناه فتمكث السَّرَايَا يتعلمون مَا أنزل الله على نَبِيّهم بعدهمْ وَيبْعَث سَرَايَا أخر فَذَلِك قَوْله {ليتفقهوا فِي الدّين} يَقُول يتعلمون مَا أنزل الله على نبيه ويعلمونه السَّرَايَا إِذا رجعت إِلَيْهِم {لَعَلَّهُم يحذرون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} قَالَ: لَيست هَذِه الْآيَة فِي الْجِهَاد وَلَكِن لما دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على مُضر بِالسِّنِينَ أجدبت بِلَادهمْ فَكَانَت الْقَبِيلَة مِنْهُم تقبل بأسرها حَتَّى يحلوا بِالْمَدِينَةِ من الْجهد ويعتلوا بالإِسلام وهم كاذبون فضيقوا على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأجهدوهم فَأنْزل الله تَعَالَى يخبر رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم لَيْسُوا بمؤمنين فردهم إِلَى عَشَائِرهمْ وحذر قَومهمْ أَن يَفْعَلُوا فعلهم فَذَلِك قَوْله {ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يحرضهم على الْجِهَاد إِذا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة خَرجُوا فِيهَا وَتركُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فِي رقة من النَّاس فَأنْزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} أمروا إِذْ بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيَّة أَن تخرج طَائِفَة وتقيم طَائِفَة فيحفظ المقيمون على الَّذين خَرجُوا مَا أنزل الله من الْقُرْآن وَمَا يسن من السّنَن فَإِذا رَجَعَ اخوانهم أخبروهم بذلك وعلموهم وَإِذا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَخَلَّف عَنهُ أحد إِلَّا باذن أَو عذر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت (إِلَّا تنفرُوا يعذبكم عذَابا أَلِيمًا) (التَّوْبَة الْآيَة 39) (وَمَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة) (التَّوْبَة الْآيَة 120) الْآيَة
قَالَ المُنَافِقُونَ: هلك أهل البدو الَّذين تخلفوا عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يغزوا مَعَه وَقد كَانَ نَاس خَرجُوا إِلَى البدو وَإِلَى قَومهمْ يفقهونهم فَأنْزل الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} الْآيَة
وَنزلت (وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حجتهم داحضة) (الشورى الْآيَة 16) الْآيَة
(4/323)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة} الْآيَة
قَالَ: نَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرجُوا فِي الْبَوَادِي فاصابوا من النَّاس مَعْرُوفا وَمن الخصب مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ ودعوا من وجدوا من النَّاس إِلَى الْهدى فَقَالَ لَهُم النَّاس: مَا نَرَاكُمْ إِلَّا قد تركْتُم أصحابكم وجئتونا
فوجدوا فِي أنفسهم من ذَلِك تحرجاً واقبلوا من الْبَادِيَة كلهم حَتَّى دخلُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الله تَعَالَى {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة} خرج بعض وَقعد بعض يَبْتَغُونَ الْخَيْر {ليتفقهوا فِي الدّين} وليسمعوا مَا فِي النَّاس وَمَا أنزل بعدهمْ {ولينذروا قَومهمْ} قَالَ: النَّاس كلهم إِذا رجعُوا إِلَيْهِم {لَعَلَّهُم يحذرون}
الْآيَة 123
(4/324)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} قَالَ: الْأَدْنَى فالأدنى
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الَّذين يلونه من الْكفَّار الْعَرَب فَقَاتلهُمْ حَتَّى فرغ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد
أَنه سُئِلَ عَن قتال الديلم فَقَالَ: قاتلوهم فَإِنَّهُم من الَّذين قَالَ الله تَعَالَى {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن
أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن قتال الرّوم والديلم تَلا هَذِه الْآيَة {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار وليجدوا فِيكُم غلظة} قَالَ: شدَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر
أَنه سُئِلَ عَن غَزْو الديلم فَقَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {قَاتلُوا الَّذين يلونكم من الْكفَّار} قَالَ: الرّوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وليجدوا فِيكُم غلظة} قَالَ: شدَّة
(4/324)
124 - 126
(4/325)
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمنهمْ من يَقُول أَيّكُم زادته} قَالَ: من الْمُنَافِقين من يَقُول
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأَما الَّذين آمنُوا فزادتهم إِيمَانًا} قَالَ: كَانَت إِذا أنزلت سُورَة آمنُوا بهَا فَزَادَهُم الله إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا وَكَانُوا بهَا يستبشرون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فزادتهم رجساً إِلَى رجسهم} قَالَ: شكا إِلَى شكهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون} قَالَ: يبتلون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يفتنون} قَالَ: يبتلون {فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: بِالسنةِ والجوع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: يبتلون بالعدوّ فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يفتنون فِي كل عَام} قَالَ: يبتلون بالغزو فِي سَبِيل الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن بكار بن مَالك {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: يمرضون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ
(4/325)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْعُتْبِي قَالَ: إِذا مرض العَبْد ثمَّ عوفي فَلم يَزْدَدْ خيرا قَالَت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام هَذَا الَّذِي داويناه فَلم يَنْفَعهُ الدَّوَاء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: كَانَت لَهُم فِي كل عَام كذبة أَو كذبتان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {أَو لَا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ} قَالَ: كُنَّا نسْمع فِي كل عَام كذبة أَو كذبتين فيضل بهَا فِئَام من النَّاس كثير
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله أَولا يرَوْنَ أَنهم يفتنون فِي كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَمَا يتذكرون
الْآيَة 127
(4/326)
وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (127)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا مَا أنزلت سُورَة نظر بَعضهم إِلَى بعض} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {وَإِذا مَا أنزلت سُورَة نظر بَعضهم إِلَى بعض هَل يراكم من أحد} كَرَاهِيَة أَن يغصنا بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَإِذا مَا أنزلت سُورَة نظر بَعضهم إِلَى بعض هَل يراكم من أحد} مِمَّن سمع خبركم رآكم أحد أخبرهُ إِذا نزل شَيْء يخبر عَن كَلَامهم وهم المُنَافِقُونَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا تَقولُوا انصرفنا من الصَّلَاة فَإِن قوما انصرفوا صرف الله قُلُوبهم وَلَكِن قُولُوا: قضينا الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: لَا يُقَال انصرفنا من الصَّلَاة وَلَكِن قد قضيت الصَّلَاة
(4/326)
الْآيَة 128
(4/327)
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
أخرج عبد بن حميد والْحَارث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر وَابْن مردوية وَأَبُو نعيم فِي دَلَائِل النبوّة وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} قَالَ: لَيْسَ من الْعَرَب قَبيلَة إِلَّا وَقد ولدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مضريها وربيعيها ويمانيها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَأَبُو الشَّيْخ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه فِي قَوْله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} قَالَ: لم يصبهُ شَيْء من ولادَة الْجَاهِلِيَّة وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} قَالَ: قد ولدتموه يَا معشر الْعَرَب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله مَا معنى {أَنفسكُم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أَنفسكُم نسبا وصهراً وحسباً لَيْسَ فيَّ وَلَا فِي آبَائِي من لدن آدم سفاح كلهَا نِكَاح
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} يَعْنِي من أعظمكم قدرا
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجت من لدن آدم من نِكَاح غير سفاح
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ولدني من سفاح الْجَاهِلِيَّة شَيْء وَمَا ولدني إِلَّا نِكَاح كَنِكَاح الإِسلام
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجت من نِكَاح غير سفاح
(4/327)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح من لدن آدم لم يُصِبْنِي من سفاح أهل الْجَاهِلِيَّة شَيْء لم أخرج إِلَّا من طهرة
وَأخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح من لدن آدم إِلَى أَن ولدني أبي وَأمي لم يُصِبْنِي من سفاح الْجَاهِلِيَّة شَيْء
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يلتق أبواي قطّ على سفاح لم يزل الله ينقلني من الإِصلاب الطّيبَة إِلَى الْأَرْحَام الطاهرة مصفى مهذباً لَا تتشعب شعبتان إِلَّا كنت فِي خيرهما
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير الْعَرَب مُضر وَخير مُضر بَنو عبد منَاف وَخير بني عبد منَاف بَنو هَاشم وَخير بَنو هَاشم بَنو عبد الْمطلب وَالله مَا افترق شعبتان مُنْذُ خلق الله آدم إِلَّا كنت فِي خيرهما
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ: خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب بن هَاشم بن عبد منَاف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كَعْب بن لؤَي بن غَالب بن فهر بن مَالك بن النَّضر بن كنَانَة بن خُزَيْمَة بن مدركة بن إلْيَاس بن مُضر بن نزار وَمَا افترق النَّاس فرْقَتَيْن إِلَّا جعلني الله فِي خيرهما فأخرجت من بَين أَبَوي فَلم يُصِبْنِي شَيْء من عهد الْجَاهِلِيَّة وَخرجت من نِكَاح وَلم أخرج من سفاح من لدن آدم حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى أبي وَأمي فَأَنا خَيركُمْ نفسا وخيركم أَبَا
وَأخرج ابْن سعد وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بعثت من خير قُرُون بني آدم قرنا فقرنا حَتَّى كنت من الْقرن الَّذِي كنت فِيهِ
وَأخرج ابْن سعد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله اصْطفى من ولد إِبْرَاهِيم إِسْمَعِيل وَاصْطفى من ولد إِسْمَعِيل بني كنَانَة وَاصْطفى من بني كنَانَة قُريْشًا وَاصْطفى من قُرَيْش بني هَاشم وَاصْطَفَانِي من بني هَاشم
(4/328)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حِين خلق الْخلق جعلني من خير خلقه ثمَّ حِين فرقهم جعلني فِي خير الْفَرِيقَيْنِ ثمَّ حِين خلق الْقَبَائِل جعلني من خَيرهمْ قَبيلَة وَحين خلق الْأَنْفس جعلني من خير أنفسهم ثمَّ حِين خلق الْبيُوت جعلني من خير بُيُوتهم فَأَنا خَيرهمْ بَيْتا وَخَيرهمْ نفسا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله خلق الْخلق فَاخْتَارَ من الْخلق بني آدم وَاخْتَارَ من بني آدم الْعَرَب وَاخْتَارَ من الْعَرَب مُضر وَاخْتَارَ من مُضر قُريْشًا وَاخْتَارَ من قُرَيْش بني هَاشم واختارني من بني هَاشم فانا من خِيَار إِلَى خِيَار
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قسم الله الأَرْض نِصْفَيْنِ فجعلني فِي خيرهما ثمَّ قسم النّصْف على ثَلَاثَة فَكنت فِي خير ثلث مِنْهَا ثمَّ اخْتَار الْعَرَب من النَّاس ثمَّ اخْتَار قُريْشًا من الْعَرَب ثمَّ اخْتَار بني هَاشم من قُرَيْش ثمَّ اخْتَار بني عبد الْمطلب من بني هَاشم ثمَّ اختارني من بني عبد الْمطلب
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله اخْتَار الْعَرَب فَاخْتَارَ مِنْهُم كنَانَة ثمَّ اخْتَار مِنْهُم قُريْشًا ثمَّ اخْتَار مِنْهُم بني هَاشم ثمَّ اختارني من بني هَاشم وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله اخْتَار الْعَرَب فَاخْتَارَ كنَانَة من العربواختار قُريْشًا من كنَانَة وَاخْتَارَ بني هَاشم من قُرَيْش واختارني من بني هَاشم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ولدتني بغي قطّ مذ خرجت من صلب آدم وَلم تزل تتنازعني الْأُمَم كَابِرًا عَن كَابر حَتَّى خرجت من أفضل حيين من الْعَرَب هَاشم وزهرة
وَأخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي عَن ابْن عَبَّاس أَن قُريْشًا كَانَت نورا بَين يَدي الله تَعَالَى قبل أَن يخلق الْخلق بألفي عَام يسبح ذَلِك النُّور وتسبح الْمَلَائِكَة بتسبيحه فَلَمَّا خلق الله آدم عَلَيْهِ السَّلَام ألْقى ذَلِك النُّور فِي صلبه
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فاهبطني
(4/329)
الله إِلَى الأَرْض فِي صلب آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَجَعَلَنِي فِي صلب نوح وَقذف بِي فِي صلب إِبْرَاهِيم ثمَّ لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الْكَرِيمَة إِلَى الْأَرْحَام الطاهرة حَتَّى أخرجني من بَين أَبَوي لم يلتقيا على سفاح قطّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ربيعَة بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب قَالَ بلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن قوما نالوا مِنْهُ فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله خلق خلقه فجعلهم فرْقَتَيْن فجعلني فِي خير الْفرْقَتَيْنِ ثمَّ جلعهم قبائل فجعلني فِي خَيرهمْ قبيلاً ثمَّ جعلهم بُيُوتًا فجعلني فِي خَيرهمْ بَيْتا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا خَيركُمْ قبيلاً وخيركم بَيْتا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْمطلب بن أبي ودَاعَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبلغه بعض مَا يَقُول النَّاس فَصَعدَ الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: من أَنا قَالُوا: أَنْت رَسُول الله
قَالَ: أَنا مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الْمطلب إِن الله خلق الْخلق فجعلني فِي خير خلقه وجعلهم فرْقَتَيْن فجعلني فِي خير فرقة وجعلهم قبائل فجعلني فِي خَيرهمْ قَبيلَة وجعلهم بُيُوتًا فجعلني فِي خَيرهمْ بَيْتا فانا خَيركُمْ بَيْتا وخيركم نفسا
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الْمطلب بن ربيعَة بن الْحَرْث بن عبد الْمطلب
وَأخرج ابْن سعد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا أَرَادَ الله أَن يبْعَث نَبيا نظر إِلَى خير أهل الأَرْض قَبيلَة فيبعث خَيرهَا رجلا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن حعفر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله عز وَجل بَعَثَنِي فطفت شَرق الأَرْض وغربها وسهلها وجبلها فَلم أجد حَيا خيرا من الْعَرَب ثمَّ أَمرنِي فطفت فِي الْعَرَب فَلم أجد حَيا خيرا من مُضر ثمَّ أَمرنِي فطفت فِي مُضر فَلم أجد حَيا خيرا من كنَانَة ثمَّ أَمرنِي فطفت فِي كنَانَة فَلم أجد حَيا خيرا من قُرَيْش ثمَّ أَمرنِي فطفت فِي قُرَيْش فَلم أجد حَيا خيرا من بني هَاشم ثمَّ أَمرنِي أَن أخْتَار من أنفسهم فَلم أجد فيهم نفسا خيرا من نَفسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَابْن منيع فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق يُوسُف بن مهْرَان عَن ابْن عَبَّاس عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: آخر آيَة أنزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي لفظ: إِن آخر
(4/330)
مَا نزل من الْقُرْآن {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن أَن أبي بن كَعْب كَانَ يَقُول: إِن أحدث الْقُرْآن عهد بِاللَّه وَفِي لفظ: بالسماء هَاتَانِ الْآيَتَانِ {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} إِلَى آخر السُّورَة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن الضريس فِي فضائله وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل والخطيب فِي تَلْخِيص الْمُتَشَابه والضياء فِي المختارة من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبيّ بن كَعْب
أَنهم جمعُوا الْقُرْآن فِي مصحف فِي خلَافَة أبي بكر فَكَانَ رجال يَكْتُبُونَ ويملي عَلَيْهِم أبي بن كَعْب حَتَّى انْتَهوا إِلَى هَذِه الْآيَة من سُورَة بَرَاءَة {ثمَّ انصرفوا صرف الله قُلُوبهم بِأَنَّهُم قوم لَا يفقهُونَ} فظنوا أَن هَذَا آخر مَا نزل من الْقُرْآن فَقَالَ أبيّ بن كَعْب: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أَقْرَأَنِي بعد هَذَا آيَتَيْنِ {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} فَهَذَا آخر مَا نزل من الْقُرْآن
قَالَ: فختم الْأَمر بِمَا فتح بِهِ بِلَا إِلَه إِلَّا الله يَقُول الله (وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا يُوحى إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 25)
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن حبَان وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن زيد بن ثَابت قَالَ: أرسل إليَّ أَبُو بكر مقتل أهل الْيَمَامَة وَعِنْده عمر فَقَالَ أَبُو بكر: إِن عمر أَتَانِي فَقَالَ: إِن الْقَتْل قد استحر يَوْم الْيَمَامَة بِالنَّاسِ واني أخْشَى أَن يستحر الْقَتْل بالقراء فِي المواطن فَيذْهب كثير من الْقُرْآن الا أَن تجمعوه وَإِنِّي أرى أَن تجمع الْقُرْآن
قَالَ أَبُو بكر: فَقلت لعمر: كَيفَ أفعل شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: هُوَ - وَالله - خير
فَلم يزل عمر يراجعني فِيهِ حَتَّى شرح الله لذَلِك صَدْرِي وَرَأَيْت الَّذِي رأى عمر
قَالَ زيد بن ثَابت: وَعمر جَالس عِنْده لَا يتَكَلَّم فَقَالَ أَبُو بكر: إِنَّك رجل شَاب عَاقل وَلَا نتهمك كنت تكْتب الْوَحْي لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتتبع الْقُرْآن فاجمعه فوَاللَّه لَو كلفوني نقل جبل من الْجبَال مَا كَانَ أثقل عليَّ مِمَّا أمراني بِهِ من جمع الْقُرْآن
قلت: كَيفَ تفعلان شَيْئا لم يَفْعَله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر:
(4/331)
هُوَ - وَالله - خير
فَلم أزل أراجعه حَتَّى شرح الله صَدْرِي للَّذي شرح لَهُ صدر أبي بكر وَعمر
فَقُمْت فتتبعت الْقُرْآن اجمعه من الرّقاع والإِكاف والعسب وصدور الرِّجَال حَتَّى وجدت من سُورَة التَّوْبَة آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَة بن ثَابت الْأنْصَارِيّ لم أجدهما مَعَ أحد غَيره {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} إِلَى آخرهما وَكَانَت الصُّحُف الَّتِي جمع فِيهَا الْقُرْآن عِنْد أبي بكر حَتَّى توفاه الله ثمَّ عِنْد عمر حَتَّى توفاه الله ثمَّ عِنْد حَفْصَة بنت عمر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ عمر لَا يثبت آيَة فِي الْمُصحف حَتَّى يشْهد رجلَانِ فجَاء رجل من الْأَنْصَار بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} إِلَى آخرهَا
فَقَالَ عمر: لَا أَسأَلك عَلَيْهَا بَيِّنَة أبدا كَذَلِك كَانَ رَسُول الله
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن عُرْوَة قَالَ: لما استحر الْقَتْل بالقراء يَوْمئِذٍ فرقَّ أَبُو بكر على الْقُرْآن أَن يضيع فَقَالَ لعمر بن الْخطاب ولزيد بن ثَابت: أقعدا على بَاب الْمَسْجِد فَمن جاءكما بِشَاهِدين على شَيْء من كتاب الله فاكتباه
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَأحمد بن حَنْبَل وَابْن أبي دَاوُد عَن عباد بن عبد الله بن الزبير قَالَ: أَتَى الْحَرْث بن خُزَيْمَة بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ من آخر بَرَاءَة {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} إِلَى قَوْله {وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} إِلَى عمر فَقَالَ: من مَعَك على هَذَا فَقَالَ: لَا أَدْرِي وَالله إِلَّا أَنِّي أشهد لسمعتها من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ووعيتها وحفظتها
فَقَالَ عمر: وَأَنا أشهد لسمعتها من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو كَانَت ثَلَاث آيَات لجعلتها سُورَة على حِدة فانظروا من الْقُرْآن فالحقوها
فألحقت فِي آخر بَرَاءَة
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن يحيى بن عبد الرَّحْمَن بن حَاطِب قَالَ: أَرَادَ عمر بن الْخطاب أَن يجمع الْقُرْآن فَقَامَ فِي النَّاس فَقَالَ: من كَانَ تلقى من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا من الْقُرْآن فليأتنا بِهِ وَكَانُوا كتبُوا ذَلِك فِي الصُّحُف والألواح والعسب وَكَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا حَتَّى يشْهد شهيدان فَقتل وَهُوَ يجمع ذَلِك إِلَيْهِ فَقَامَ عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ: من كَانَ عِنْده شَيْء من كتاب الله فليأتنا بِهِ وَكَانَ لَا يقبل من أحد شَيْئا حَتَّى يشْهد بِهِ شَاهِدَانِ فجَاء خُزَيْمَة بن ثَابت فَقَالَ: إِنِّي رأيتكم تركْتُم آيَتَيْنِ لم تكتبوهما
فَقَالُوا: مَا هما قَالَ: تلقيت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} إِلَى آخر السُّورَة فَقَالَ عُثْمَان:
(4/332)
وَأَنا أشهد بهما من عِنْد الله فَأَيْنَ ترى أَن نجعلهما قَالَ: اختم بهما آخر مَا نزلت من الْقُرْآن فختمت بهما بَرَاءَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} الْآيَة
قَالَ: جعله الله من أنفسهم فَلَا يحسدونه على مَا أعطَاهُ الله من النبوّة والكرامة عَزِيز عَلَيْهِ عنت مؤمنهم حَرِيص على ضالهم أَن يهديه الله {بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} قَالَ: شَدِيد عَلَيْهِ مَا شقّ عَلَيْكُم {حَرِيص عَلَيْكُم} أَن يُؤمن كفاركم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَاءَ جِبْرِيل فَقَالَ لي: يَا مُحَمَّد إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام وَهَذَا ملك الْجبَال قد أرْسلهُ الله إِلَيْك وَأمره أَن لَا يفعل شَيْئا إِلَّا بِأَمْرك
فَقَالَ لَهُ ملك الْجبَال: إِن الله أَمرنِي أَن لَا أفعل شَيْئا إِلَّا بِأَمْرك إِن شِئْت دمدمت عَلَيْهِم الْجبَال وَإِن شِئْت رميتهم بالحصباء وَإِن شِئْت خسفت بهم الأَرْض
قَالَ: يَا ملك الْجبَال فَإِنِّي آتِي بهم لَعَلَّه أَن يخرج مِنْهُم ذُرِّيَّة يَقُولُونَ: لَا إِلَه إِلَّا الله
فَقَالَ ملك الْجبَال عَلَيْهِ السَّلَام: أَنْت كَمَا سمَّاك رَبك رؤوف رَحِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله رَحِيم وَلَا يضع رَحمته إِلَّا على رَحِيم
قُلْنَا: يَا رَسُول الله كلنا نرحم أَمْوَالنَا وَأَوْلَادنَا
قَالَ: لَيْسَ بذلك وَلَكِن كَمَا قَالَ الله {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة جَاءَتْهُ جُهَيْنَة فَقَالُوا لَهُ: إِنَّك قد نزلت بَين أظهرنَا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا
قَالَ: وَلم سَأَلْتُم هَذَا قَالُوا: نطلب الْأَمْن فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم} الْآيَة
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي صَالح الْحَنَفِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله رَحِيم يحب الرَّحِيم يضع رَحمته على كل رَحِيم
قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا لنرحم أَنْفُسنَا وأموانا وَأَزْوَاجنَا
قَالَ: لَيْسَ كَذَلِك وَلَكِن كونُوا كَمَا قَالَ الله: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم}
(4/333)
الْآيَة 129
(4/334)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله} يَعْنِي الْكفَّار توَلّوا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذِه فِي الْمُؤمنِينَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: خرجت سَرِيَّة إِلَى أَرض الرّوم فَسقط رجل مِنْهُم فَانْكَسَرت فَخذه فَلم يستطيعوا أَن يحملوه فربطوا فرسه عِنْده وَوَضَعُوا عِنْده شَيْئا من مَاء وَزَاد فَلَمَّا ولوا أَتَاهُ آتٍ فَقَالَ لَهُ: مَا لَك هَهُنَا قَالَ: انْكَسَرت فَخذي فتركني أَصْحَابِي
فَقَالَ: ضع يدك حَيْثُ تَجِد الْأَلَم
فَقل {فَإِن توَلّوا فَقل حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} قَالَ: فَوضع يَده فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة فصح مَكَانَهُ وَركب فرسه وَأدْركَ أَصْحَابه
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن أبي الدَّرْدَاء مَوْقُوفا وَابْن السّني عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَالَ حِين يصبح وَحين يُمْسِي {حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} سبع مَرَّات كَفاهُ الله مَا أهمه من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن الْحسن قَالَ: من قَالَ حِين يصبح سبع مَرَّات {حسبي الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ توكلت وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} لم يصبهُ ذَلِك الْيَوْم وَلَا تِلْكَ اللَّيْلَة كرب وَلَا سلب وَلَا غرق
أما قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سمي الْعَرْش عرشاً لارتفاعه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعد الطَّائِي قَالَ: الْعَرْش ياقوتة حَمْرَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن الله تَعَالَى خلق الْعَرْش والكرسي من نوره فالعرش ملتصق بالكرسي وَالْمَلَائِكَة فِي جَوف الْكُرْسِيّ وَحَوله الْعَرْش أَرْبَعَة أَنهَار نهر من نور يتلألأ ونهر من نَار تتلظى ونهر من ثلج أَبيض تلتمع مِنْهُ الْأَبْصَار ونهر من مَاء وَالْمَلَائِكَة قيام فِي تِلْكَ الْأَنْهَار
(4/334)
يسبحون الله تَعَالَى وللعرش أَلْسِنَة بِعَدَد أَلْسِنَة الْخلق كلهم فَهُوَ يسبح الله تَعَالَى ويذكره بِتِلْكَ الْأَلْسِنَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَرْش ياقوتة حَمْرَاء وَإِن ملكا من الْمَلَائِكَة نظر إِلَيْهِ وَإِلَى عظمه فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي قد جعلت فِيك قوّة سبعين ألف ملك لكل ملك سَبْعُونَ ألف جنَاح فطر
فطار الْملك بِمَا فِيهِ من القوّة والأجنحة مَا شَاءَ الله أَن يطير فَوقف فَنظر فَكَأَنَّهُ لم يرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حَمَّاد قَالَ: خلق الله الْعَرْش من زمردة خضراء وَخلق لَهُ أَربع قَوَائِم من ياقوتة حَمْرَاء وَخلق لَهُ ألف لِسَان وَخلق فِي الأَرْض ألف أمة كل أمة تسبح الله بِلِسَان من ألسن الْعَرْش
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي قَالَ: إِن الْعَرْش مطوّق بحية وَالْوَحي ينزل فِي السلَاسِل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن الْعَرْش على الْحرم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا يقدر قدر الْعَرْش إِلَّا الَّذِي خلقه وَإِن السَّمَوَات فِي خلق الْعَرْش مثل قبَّة فِي صحراء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا أخذت السَّمَوَات وَالْأَرْض من الْعَرْش إِلَّا كَمَا تَأْخُذ الْحلقَة من أَرض الفلاة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب قَالَ: إِن السَّمَوَات فِي الْعَرْش كالقنديل مُعَلّقا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن يزِيد الْبَصْرِيّ قَالَ: فِي كتاب مَا تنبأ عَلَيْهِ هرون النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: إِن بحرنا هَذَا خليج من نبطس ونبطس وَرَاءه وَهُوَ مُحِيط بِالْأَرْضِ فالأرض وَمَا فَوْقهَا من الْبحار عِنْد نبطس كعين على سيف الْبَحْر وَخلف نبطس قينس مُحِيط بِالْأَرْضِ فنبطس وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر وَخلف قينس الْأَصَم مُحِيط بِالْأَرْضِ فقينس وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر وَخلف الْأَصَم المظلم مُحِيط بِالْأَرْضِ فالأصم وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر: وَخلف المظلم جبل من الماس مُحِيط بِالْأَرْضِ فالمظلم وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر وَخلف الماس الباكي وَهُوَ مَاء عذب مُحِيط بِالْأَرْضِ أَمر الله نصفه أَن يكون تَحت الْعَرْش فَأَرَادَ أَن يستجمع فزجره فَهُوَ باك
(4/335)
يسْتَغْفر الله فالماس وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر وَالْعرش خلف ذَلِك مُحِيط بِالْأَرْضِ فالباكي وَمَا دونه عِنْده كعين على سيف الْبَحْر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد أسلم عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا السَّمَوَات السَّبع فِي الْكُرْسِيّ إِلَّا كدراهم سَبْعَة القيت فِي ترس
قَالَ ابْن زيد: قَالَ أَبُو ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الْكُرْسِيّ فِي الْعَرْش إِلَّا كحلقة من حَدِيد القيت بَين ظَهْري فلاة من الأَرْض والكرسي مَوضِع الْقَدَمَيْنِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خلق الله الْعَرْش وللعرش سَبْعُونَ ألف سَاق كل سَاق كاستدارة السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَين الْمَلَائِكَة وَبَين الْعَرْش سَبْعُونَ حِجَابا حجاب من نور وحجاب من ظلمَة وحجاب من نور وحجاب من ظلمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول عِنْد الكرب لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات وَرب الْأَرْضين وَرب الْعَرْش الْكَرِيم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن جَعْفَر رَضِي الله قَالَ: عَلمنِي عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَلِمَات علمهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِيَّاه يقولهن عِنْد الكرب وَالشَّيْء يُصِيبهُ لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سُبْحَانَ الله وتبارك الله رب الْعَرْش الْعَظِيم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق إِسْحَق بن عبد الله بن جَعْفَر عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سُبْحَانَ الله رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين
قَالُوا: يَا رَسُول الله فَكيف هِيَ للحي قَالَ: أَجود وأجود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن جَعْفَر أَنه زوّج ابْنَته فَخَلا بهَا فَقَالَ: إِذا نزل بك الْمَوْت أَو أَمر من أُمُور الدُّنْيَا فظيع فاستقبليه بِأَن تقولي لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم سبجان الله رب الْعَرْش الْعَظِيم الْحَمد لله رب الْعَالمين
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ
(4/336)
أَن حزقيل كَانَ فِي سبا بخْتنصر مَعَ دانيال من بَيت الْمُقَدّس فَزعم حزقيل أَنه كَانَ نَائِما على شأطئ الْفُرَات فَأَتَاهُ ملك وَهُوَ نَائِم فَأخذ بِرَأْسِهِ فاحتمله حَتَّى وَضعه فِي خزانَة بَيت الْمُقَدّس قَالَ: فَرفعت رَأْسِي إِلَى السَّمَاء فَإِذا السَّمَوَات منفرجات دون الْعَرْش قَالَ: فَبَدَا لي الْعَرْش وَمن حوله فَنَظَرت إِلَيْهِم من تِلْكَ الفرجة فَإِذا الْعَرْش - إِذا نظرت إِلَيْهِ - مظل على السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِذا نظرت إِلَى السَّمَوَات وَالْأَرْض رأيتهن متعلقات بِبَطن الْعَرْش وَإِذا الحملة أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة لكل ملك مِنْهُم أَرْبَعَة وُجُوه وَجه إِنْسَان وَوجه نسر وَوجه أَسد وَوجه ثَوْر فَلَمَّا أعجبني ذَلِك مِنْهُم نظرت إِلَى أَقْدَامهم فَإِذا هِيَ فِي الأَرْض على عجل تَدور بهَا وَإِذا ملك قَائِم بَين يَدي الْعَرْش لَهُ سِتَّة أَجْنِحَة لَهَا لون كلون فرع لم يزل ذَلِك مقَامه مُنْذُ خلق الله الْخلق إِلَى أَن تقوم السَّاعَة فَإِذا هُوَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَإِذا ملك أَسْفَل من ذَلِك أعظم شَيْء رَأَيْته من الْخلق فَإِذا هُوَ مِيكَائِيل وَهُوَ خَليفَة على مَلَائِكَة السَّمَاء وَإِذا مَلَائِكَة يطوفون بالعرش مُنْذُ خلق الله الْخلق إِلَى أَن تقوم السَّاعَة يَقُولُونَ: قدوس قدوس رَبنَا الله الْقوي مَلَأت عَظمته السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِذا مَلَائِكَة أَسْفَل من ذَلِك لكل ملك مِنْهُم سِتَّة أَجْنِحَة جَنَاحَانِ يستر بهما وَجهه من النُّور وجناحان يُغطي بهما جسده وجناحان يطير بهما
وَإِذا هم الْمَلَائِكَة المقربون وَإِذا مَلَائِكَة أَسْفَل من ذَلِك سُجُود مذ خلق الله الْخلق إِلَى أَن ينْفخ فِي الصُّور فَإِذا نفخ فِي الصُّور رفعوا رؤوسهم فَإِذا نظرُوا إِلَى الْعَرْش قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا كُنَّا نقدرك حق قدرتك ثمَّ رَأَيْت الْعَرْش تدلى من تِلْكَ الفرجة فَكَانَ قدرهَا ثمَّ أفْضى إِلَى مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَكَانَ يَلِي مَا بَينهمَا ثمَّ دخل من بَاب الرَّحْمَة فَكَانَ قدره ثمَّ أفْضى إِلَى الْمَسْجِد فَكَانَ قدره ثمَّ وَقع على الصَّخْرَة فَكَانَ قدرهَا ثمَّ قَالَ: يَا ابْن آدم
فصعقت وَسمعت صَوتا لم أسمع مثله قطّ فَذَهَبت أقدر ذَلِك الصَّوْت فَإِذا قدره كعسكر اجْتَمعُوا فاجلبوا بِصَوْت وَاحِد أَو كفئة اجْتمعت فتدافعت وأتى بَعْضهَا بَعْضًا أَو أعظم من ذَلِك
قَالَ حزقيل: فَلَمَّا صعِقَتْ قَالَ: أنعشوه فَإِنَّهُ ضَعِيف خلق من طين ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى قَوْمك فَأَنت طليعتي عَلَيْهِم كطليعة الْجَيْش من دَعوته مِنْهُم فأجابك واهتدى بهداك فلك مثل أجره وَمن غفلت عَنهُ حَتَّى يَمُوت ضَالًّا فَعَلَيْك مثل وزره لَا يُخَفف ذَلِك من أوزارهم شَيْئا ثمَّ عرج بالعرش واحتملت حَتَّى رددت إِلَى
(4/337)
شاطئ الْفُرَات فَبَيْنَمَا أَنا نَائِم على شاطئ الْفُرَات إِذْ أَتَانِي ملك فَأخذ برأسي فاحتملني حَتَّى ادخلني جنب بَيت الْمُقَدّس فَإِذا أَنا بحوض مَاء لَا يجوز قدمي ثمَّ افضيت مِنْهُ إِلَى الْجنَّة فَإِذا شَجَرهَا على شطوط أنهارها وَإِذا هُوَ شجر لَا يَتَنَاثَر ورقه وَلَا يفنى عمره فَإِذا فِيهِ الطّلع والقضيب وَالْبيع والقطيف قلت: فَمَا لباسها قَالَ: هُوَ ثِيَاب كثياب الْحور يتفلق على أَي لون شَاءَ صَاحبه
قلت: فَمَا ازواجها فعرضن عليَّ فَذَهَبت لأقيس حسن وجوههنفإذا هن لَو جمع الشَّمْس وَالْقَمَر كَانَ وَجه احداهن اضوأ مِنْهُمَا وَإِذا لحم إِحْدَاهُنَّ لايواري عظمها وَإِذا عظمها لَا يواري مخها وَإِذا هِيَ إِذا نَام عَنْهَا صَاحبهَا اسْتَيْقَظَ وَهِي بكر فعجبت من ذَلِك
فَقيل لي: لم تعجب من هَذَا فَقلت: وَمَا لي لَا أعجب قَالَ: فَإِنَّهُ من أكل من هَذِه الثِّمَار الَّتِي رَأَيْت خلد وَمن تزوج من هَذِه الْأزْوَاج انْقَطع عَنهُ الْهم والحزن قَالَ: ثمَّ أَخذ برأسي فردني حَيْثُ كنت
قَالَ حزقيل: فَبينا أَنا نَائِم على شاطئ الْفُرَات إِذْ أَتَانِي ملك فَأخذ برأسي فاحتملني حَتَّى وضعني بقاع من الأَرْض قد كَانَت معركة وَإِذا فِيهِ عشرَة آلَاف قَتِيل قد بددت الطُّيُور وَالسِّبَاع لحومهم وَفرقت بَين اوصالهم ثمَّ قَالَ لي: إِن قوما يَزْعمُونَ أَنه من مَاتَ مِنْهُم أَو قتل فقد انفلت مني وَذَهَبت عَنهُ قدرتي فادعهم
قَالَ حزقيل: فدعوتهم فَإِذا كل عظم قد أقبل إِلَى مفصله الَّذِي مِنْهُ انْقَطع مَا رجل بِصَاحِبِهِ باعرف من الْعظم بمفصله الَّذِي فَارق حَتَّى أمَّ بَعْضهَا بَعْضًا ثمَّ نبت عَلَيْهَا اللَّحْم ثمَّ نَبتَت الْعُرُوق ثمَّ انبسطت الْجُلُود وَأَنا أنظر إِلَى ذَلِك ثمَّ قَالَ: ادْع لي أَرْوَاحهم
قَالَ حزقيل: فدعوتها وَإِذا كل روح قد أقبل إِلَى جسده الَّذِي فَارق فَلَمَّا جَلَسُوا سَأَلتهمْ فيمَ كُنْتُم قَالُوا: انَّا لما متْنا وفارقنا الْحَيَاة لَقينَا ملك يُقَال لَهُ مِيكَائِيل قَالَ: هلموا أَعمالكُم وخذوا أجوركم كَذَلِك سُنَّتنا فِيكُم وفيمن كَانَ قبلكُمْ وفيمن هُوَ كَائِن بعدكم
فَنظر فِي أَعمالنَا فَوَجَدنَا نعْبد الْأَوْثَان فَسلط الدُّود على أَجْسَادنَا وَجعلت الْأَرْوَاح تألمه وسلط الْغم على أَرْوَاحنَا وَجعلت أَجْسَادنَا تألمه فَلم نزل كَذَلِك نعذب حَتَّى دَعوتنَا
قَالَ: ثمَّ احتملني فردني حَيْثُ كنت
(4/338)
مُقَدّمَة سُورَة يُونُس أخرج النّحاس وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة يُونُس بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: أنزلت سُورَة يُونُس بِمَكَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت سُورَة يُونُس تعد السَّابِعَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله أَعْطَانِي الرائيات إِلَى الطواسين مَكَان الْإِنْجِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن الْأَحْنَف رَضِي الله عَنهُ قَالَ: صليت خلف عمر رَضِي الله عَنهُ الْغَدَاة فَقَرَأَ بِيُونُس وَهود وَغَيرهمَا
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (10)
سُورَة يُونُس
مَكِّيَّة وآياتها تسع وَمِائَة
الْآيَة 1
(4/339)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الر} قَالَ: فواتح السُّور أَسمَاء من أَسمَاء الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن النجار فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الر} قَالَ: أَنا الله ارى
(4/339)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {الر} قَالَ: أَنا الله ارى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {الر} قَالَ: أَنا الله أرى
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الر} و (حم) و (ن) قَالَ: اسْم مقطع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الر} و (حم) و (ن) قَالَ: حُرُوف الرَّحْمَن مفرقة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {الر} قَالَ: ألف وَلَام وَرَاء من الرَّحْمَن
أما قَوْله: {تِلْكَ آيَات الْكتاب الْحَكِيم} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله تَعَالَى {تِلْكَ} يَعْنِي هَذِه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تِلْكَ آيَات الْكتاب} قَالَ: الْكتب الَّتِي خلت قبل الْقُرْآن
الْآيَة 2
(4/340)
أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما بعث الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولا أنْكرت الْعَرَب ذَلِك وَمن أنكر مِنْهُم قَالُوا: الله أعظم من أَن يكون رَسُوله بشرا مثل مُحَمَّد
فَأنْزل الله {أَكَانَ للنَّاس عجبا أَن أَوْحَينَا إِلَى رجل مِنْهُم} الْآيَة
(مَا أرسلنَا قبلك إِلَّا رجَالًا يُوحى إِلَيْهِم
) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 7) الْآيَة
فَلَمَّا كرر الله عَلَيْهِم الْحجَج قَالُوا: وَإِذا كَانَ بشرا فَغير مُحَمَّد كَانَ أَحَق بالرسالة (فلولا نزل هَذَا الْقُرْآن على رجل من القريتين عَظِيم) (الزخرف الْآيَة 31) يَقُولُونَ: أشرف من مُحَمَّد يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة من مَكَّة ومسعود بن عمر والثقفي من الطَّائِف فَأنْزل الله ردا عَلَيْهِم (أهم يقسمون رَحْمَة رَبك) (الزخرف الْآيَة 32) الْآيَة
وَالله أعلم
(4/340)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَبشر الَّذين آمنُوا أَن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} قَالَ: مَا سبق لَهُم من السَّعَادَة فِي الذّكر الأول
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} قَالَ: الْقدَم هُوَ الْعَمَل الَّذِي قدمُوا
قَالَ الله (سنكتب مَا قدمُوا وآثارهم) (يسن الْآيَة 12) والْآثَار ممشاهم قَالَ: مَشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين اسطوانتين من مَسْجِدهمْ ثمَّ قَالَ هَذَا أثر مَكْتُوب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي قَوْله {قدم صدق} قَالَ: ثَوَاب صدق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قدم صدق} قَالَ: يقدمُونَ عَلَيْهِ عِنْد رَبهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قدم صدق} قَالَ: خير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قدم صدق} قَالَ: سلف صدق
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قدم صدق} أَي سلف صدق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن بكار بن مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قدم صدق عِنْد رَبهم} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَفِيع لَهُم يَوْم الْقِيَامَة
(4/341)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَفِيع لَهُم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ فِي قَوْله {قدم صدق عِنْد رَبهم} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَفِيع صدق لَهُم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي بن كَعْب فِي قَوْله {لَهُم قدم صدق} قَالَ: سلف صدق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {إِن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} قَالَ: مصيبتهم فِي نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {قدم صدق} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أما قَوْله تَعَالَى: {قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لساحر مُبين} وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زَائِدَة قَالَ: قَرَأَ سُلَيْمَان فِي يُونُس عِنْد الْآيَتَيْنِ {لساحر مُبين}
الْآيَات 3 - 4
(4/342)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يدبر الْأَمر} قَالَ: يَقْضِيه وَحده
وَفِي قَوْله {إِنَّه يبْدَأ الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} قَالَ: يحييه ثمَّ يميته ثمَّ يحييه
الْآيَة 5
(4/342)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: تكلم رَبنَا بكلمتين فَصَارَت إحدهما شمساً وَالْأُخْرَى قمراً وَكَانَا من النُّور جَمِيعًا ويعودان إِلَى الْجنَّة يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا} قَالَ: لم يَجْعَل الشَّمْس كَهَيئَةِ الْقَمَر كي يعرف اللَّيْل من النَّهَار وَهُوَ قَوْله (فمحونا آيَة اللَّيْل) (الاسراء الْآيَة 12) الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي جعل الشَّمْس ضِيَاء وَالْقَمَر نورا} قَالَ: وُجُوههمَا إِلَى السَّمَوَات وَأَقْفِيَتهمَا إِلَى الأَرْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر وُجُوههمَا إِلَى الْعَرْش وَأَقْفِيَتهمَا إِلَى الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عمر
أَنه كَانَ بَين يَدَيْهِ نَار إِذْ شهقت فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لتعوذ بِاللَّه من النَّار الْكُبْرَى وَرَأى الْقَمَر حِين جنح للغروب فَقَالَ وَالله إِنَّه ليبكي الْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: لَا تطلع الشَّمْس حَتَّى يصبحها ثَلَاثمِائَة ملك وَسَبْعُونَ ملكا أما سَمِعت أُميَّة بن أبي الصَّلْت يَقُول: لَيست بطالعة لنا فِي رسلنَا إِلَّا معذبة وَإِلَّا تجلد
الْآيَة 6
(4/343)
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن خَليفَة الْعَبْدي قَالَ: لَو أَن الله تبَارك وَتَعَالَى لم يعبد إِلَّا عَن رُؤْيَة مَا عَبده أحد وَلَكِن الْمُؤمنِينَ تَفَكَّرُوا فِي مَجِيء هَذَا اللَّيْل إِذا جَاءَ فَمَلَأ كل شَيْء وغطى كل شَيْء وَفِي مَجِيء سُلْطَان النَّهَار إِذا جَاءَ فمحا سُلْطَان اللَّيْل وَفِي السَّحَاب المسخر بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَفِي النُّجُوم وَفِي الشتَاء والصيف فوَاللَّه مَا زَالَ الْمُؤْمِنُونَ يتفكرون فِيمَا خلق رَبهم تبَارك وَتَعَالَى حَتَّى أيقنت قُلُوبهم برَبهمْ عز وَجل وكأنما عبدُوا الله عَن رُؤْيَة
(4/343)
الْآيَات 7 - 8
(4/344)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إِن الَّذين لَا يرجون لقاءنا وَرَضوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الْآيَة
قَالَ: هَؤُلَاءِ أهل الْكفْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَرَضوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا واطمأنوا بهَا} قَالَ: مثل قَوْله (من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا) (هود الْآيَة 15) الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يُوسُف بن أَسْبَاط قَالَ: الدُّنْيَا دَار نعيم الظَّالِمين قَالَ: وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: الدُّنْيَا جيفة فَمن أرادها فليصبر على مُخَالطَة الْكلاب
الْآيَة 9
(4/344)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يهْدِيهم رَبهم بإيمَانهمْ} قَالَ: يكون لَهُم نورا يَمْشُونَ بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة مثله وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يهْدِيهم رَبهم بإيمَانهمْ} قَالَ: حَدثنَا الْحسن قَالَ: بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُؤمن إِذا خرج من قَبره صور لَهُ عمله فِي صُورَة حَسَنَة وريح طيبَة فَيَقُول لَهُ: مَا أَنْت
فوَاللَّه إِنِّي لأرَاك عين امْرِئ صدق
فَيَقُول لَهُ: أَنا عَمَلك
فَيكون لَهُ نورا وَقَائِدًا إِلَى الْجنَّة وَأما الْكَافِر فَإِذا خرج من قَبره صور لَهُ عمله فِي صُورَة سَيِّئَة وريح مُنْتِنَة فَيَقُول لَهُ: مَا أَنْت فوَاللَّه إِنِّي لأرَاك عين إمرئ سوء فَيَقُول: أَنا عَمَلك فَينْطَلق بِهِ حَتَّى يدْخلهُ النَّار
(4/344)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يهْدِيهم رَبهم بإيمَانهمْ} قَالَ: يمثل لَهُ عمله فِي صُورَة حَسَنَة وريح طيبَة يُعَارض صَاحبه ويبشره بِكُل خير فَيَقُول: من أَنْت فَيَقُول: أَنا عَمَلك الصَّالح فَيجْعَل لَهُ نورا من بَين يَدَيْهِ حَتَّى يدْخلهُ الْجنَّة وَالْكَافِر يمثل لَهُ عمله فِي صُورَة سَيِّئَة وريح مُنْتِنَة فيلازم صَاحبه حَتَّى يقذفه فِي النَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي قَوْله {يهْدِيهم رَبهم بإيمَانهمْ} قَالَ: حَتَّى يدخلهم الْجنَّة
فَحدث أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لأَحَدهم يَوْمئِذٍ أعلم بمنزله مِنْكُم الْيَوْم بمنزلنا ثمَّ ذكر عَن الْعلمَاء أَنه أنزلهم الْجنَّة سَبْعَة منَازِل لكل منزل من تِلْكَ الْمنَازل أهل فِي سبع فَضَائِل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْعَى عَلَيْهِم بِمَا سَأَلُوا وَبِمَا خطر على أنفسهم حَتَّى إِذا امتلأوا كَانَ طعامهم ذَلِك جشاء وريح الْمسك لَيْسَ فِيهَا حدث ثمَّ ألهموا الْحَمد وَالتَّسْبِيح كَمَا ألهموا النَّفس ثمَّ يجتني فاكهتها قَائِما وَقَاعِدا ومتكئاً على أَي حَال كَانَ عَلَيْهِ ثمَّ لَا تصل إِلَى فِيهِ حَتَّى تعود كَمَا كَانَت إِنَّهَا بركَة الرَّحْمَن وبركة الرَّحْمَن لَا تفنى وَهِي الخزائن الَّتِي لَا تَنْقَطِع أبدا مَا أَخذ مِنْهَا لم ينقص وَمَا ترك مِنْهَا لم يفْسد
الْآيَة 10
(4/345)
دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَالُوا سُبْحَانَكَ الله أَتَاهُم مَا شتهوا من الْجنَّة من رَبهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ: أهل الْجنَّة إِذا اشتهوا شَيْئا قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللهمَّ وَبِحَمْدِك
فَإِذا هُوَ عِنْدهم فَذَلِك قَوْله {دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمَّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أهل الْجنَّة إِذا دعوا بِالطَّعَامِ قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللهمَّ
فَيقوم على أحدهم عشرَة آلَاف خَادِم مَعَ كل خَادِم صَحْفَة من ذهب فِيهَا طَعَام لَيْسَ فِي الْأُخْرَى فيأكل مِنْهُنَّ كُلهنَّ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهمَّ} قَالَ: يكون ذَلِك قَوْلهم فِيهَا
(4/345)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: أخْبرت أَن قَوْله {سُبْحَانَكَ اللهمَّ} إِذا مر بهم الطَّائِر يشتهونه قَالُوا: سُبْحَانَكَ اللهمَّ ذَلِك دعاؤهم بِهِ فيأتيهم بِمَا اشتهوا فَإِذا جَاءَ الْملك بِمَا يشتهون فَيسلم عَلَيْهِم فيردون عَلَيْهِ فَذَلِك قَوْله {وتحيتهم فِيهَا سَلام} فَإِذا أكلُوا قدر حَاجتهم قَالُوا: الْحَمد لله رب الْعَالمين
فَذَلِك قَوْله {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن أبي الْهُذيْل قَالَ: الْحَمد أول الْكَلَام وَآخر الْكَلَام ثمَّ تَلا {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين}
الْآيَة 11
(4/346)
وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم بِالْخَيرِ} قَالَ: هُوَ قَول إِنْسَان لوَلَده وَمَاله إِذا غضب عَلَيْهِ: اللهمَّ لَا تبَارك فِيهِ والعنه {لقضي إِلَيْهِم أَجلهم} قَالَ: لأهْلك من دَعَا عَلَيْهِ ولأماته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير {وَلَو يعجل الله للنَّاس الشَّرّ استعجالهم بِالْخَيرِ} قَالَ: قَول الرجل للرجل: اللهمَّ اخزه اللهمَّ العنه قَالَ: وَهُوَ يحب أَن يُسْتَجَاب لَهُ كَمَا يحب اللهمَّ اغْفِر لَهُ اللهمَّ ارحمه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ دُعَاء الرجل على نَفسه وَمَاله بِمَا يكره أَن يُسْتَجَاب لَهُ
الْآيَات 12 - 13
(4/346)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {دَعَانَا لجنبه} قَالَ: مُضْطَجعا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {دَعَانَا لجنبه أَو قَاعِدا أَو قَائِما} قَالَ: على كل حَال
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: ادْع الله يَوْم سرائك يستجب لَك يَوْم ضرائك
الْآيَة 14
(4/347)
ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ خلائف فِي الأَرْض من بعدهمْ لنَنْظُر كَيفَ تَعْمَلُونَ} قَالَ: ذكر لنا أَن عمر بن الْخطاب قَرَأَ هَذِه الْآيَة فَقَالَ: صدق رَبنَا مَا جعلنَا خلائف فِي الأَرْض إِلَّا لينْظر إِلَى أَعمالنَا فأروا الله خير أَعمالكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار والسر وَالْعَلَانِيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ثمَّ جَعَلْنَاكُمْ خلائف} لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْآيَة 15
(4/347)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذا تتلى عَلَيْهِم آيَاتنَا بَيِّنَات} قَالَ: لَا يرجون لقاءنا
إيتِ بقرآن غير هَذَا أَو بدِّله قَالَ: هَذَا قَول مُشْركي أهل مَكَّة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل لَو شَاءَ الله مَا تلوته عَلَيْكُم}
(4/347)
الْآيَة 16
(4/348)
قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا أدراكم بِهِ} يَقُول: أعلمكُم بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا أدراكم بِهِ} يَقُول: وَلَا أشعركم بِهِ
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَنه قَالَ وَلَا أدرأتكم بِهِ يَعْنِي بِالْهَمْز قَالَ الْفراء: لَا أعلم هَذَا يجوز من دَريت وَلَا أدريت إِلَّا أَن يكون الْحسن همزها على طَبِيعَته فَإِن الْعَرَب رُبمَا غَلطت فهمزت مَا لم يهمز
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه كَانَ يقْرَأ قل لَو شَاءَ الله مَا تلوته عَلَيْكُم وَلَا أَنْذَرْتُكُمْ بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَلَا أدراكم بِهِ} قَالَ: مَا حذرتكم بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {فقد لَبِثت فِيكُم عمرا من قبله} قَالَ: لم أتل عَلَيْكُم وَلم أذكر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {فقد لَبِثت فِيكُم عمرا من قبله} قَالَ: لبث أَرْبَعِينَ سنة قبل أَن يُوحى إِلَيْهِ وَرَأى الرُّؤْيَا سنتَيْن وَأوحى الله إِلَيْهِ عشر سِنِين بِمَكَّة وَعشرا بِالْمَدِينَةِ وَتُوفِّي وَهُوَ ابْن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأربعين سنة فَمَكثَ بِمَكَّة ثَلَاث عشرَة يُوحى إِلَيْهِ ثمَّ أَمر بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ عشر سِنِين وَمَات وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَسِتِّينَ
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَنه سُئِلَ بسن أَي الرِّجَال كَانَ النَّبِي إِذْ بعث قَالَ: كَانَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزلت النُّبُوَّة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة فقرن بنبوته إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث سِنِين فَكَانَ يُعلمهُ الْحِكْمَة
(4/348)
وَالشَّيْء لم ينزل الْقُرْآن فَلَمَّا مَضَت ثَلَاث سِنِين قرن بنبوته جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَنزل الْقُرْآن على لِسَانه عشْرين عشرا بِمَكَّة وَعشرا بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس بن مَالك قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رَأس أَرْبَعِينَ فَأَقَامَ بِمَكَّة عشرا وبالمدينة عشرا وَتُوفِّي على رَأس سِتِّينَ سنة
الْآيَات 17 - 18
(4/349)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ النَّضر: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة شفعت لي اللات والعزى فَأنْزل الله {فَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو كذب بآياته إِنَّه لَا يفلح المجرمون ويعبدون من دون الله مَا لَا يضرهم وَلَا يَنْفَعهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شفعاؤنا عِنْد الله}
الْآيَة 19
(4/349)
وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا كَانَ النَّاس إِلَّا أمة وَاحِدَة} قَالَ: على الإِسلام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَمَا كَانَ النَّاس إِلَّا أمة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا} فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانُوا على هدى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَمَا كَانَ النَّاس إِلَّا أمة وَاحِدَة} قَالَ: آدم عَلَيْهِ السَّلَام {وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا} قَالَ: حِين قتل أحد ابْني آدم أَخَاهُ
(4/349)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمَا كَانَ النَّاس} الْآيَة
قَالَ: كَانَ النَّاس أهل دين وَاحِد على دين آدم فَكَفرُوا فلولا أَن رَبك أَجلهم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لقضى بَينهم
الْآيَة 20
(4/350)
وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {فانتظروا إِنِّي مَعكُمْ من المنتظرين} قَالَ: خوفهم عَذَابه وعقوبته
الْآيَة 21
(4/350)
وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا أذقنا النَّاس رَحْمَة من بعد ضراء مستهم إِذا لَهُم مكر فِي آيَاتنَا} قَالَ: استهزاء وَتَكْذيب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان قَالَ: كل مكر فِي الْقُرْآن فَهُوَ عمل
الآيان 22 - 23
(4/350)
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23)
أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر
أَن تميماً الدَّارِيّ سَأَلَ عمر بن الْخطاب عَن ركُوب الْبَحْر فَأمره بتقصير الصَّلَاة قَالَ: يَقُول الله: {هُوَ الَّذِي يسيركم فِي الْبر وَالْبَحْر}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم} قَالَ: ذكر هَذَا ثمَّ عد الحَدِيث فِي حَدِيث آخر عَنهُ لغَيرهم قَالَ {وجرين بهم} قَالَ: فعزا الحَدِيث عَنْهُم فأوّل شَيْء كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهؤلاء لَا يَسْتَطِيع يَقُول: جرين بكم وَهُوَ يحدث قوما آخَرين ثمَّ ذكر هَذَا ليجمعهم وَغَيرهم {وجرين بهم} هَؤُلَاءِ وَغَيرهم من الْخلق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وظنوا أَنهم أحيط بهم} قَالَ: أهلكوا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة قَالَ: فر عِكْرِمَة بن أبي جهل يَوْم الْفَتْح فَركب الْبَحْر فَأَخَذته الرّيح فَنَادَى بِاللات والعزى
فَقَالَ أَصْحَاب السَّفِينَة: لَا يجوز هَهُنَا أحد أَن يَدْعُو شَيْئا إِلَّا الله وَحده مخلصاً
فَقَالَ عِكْرِمَة: وَالله لَئِن كَانَ فِي الْبَحْر وَحده إِنَّه لفي الْبر وَحده
فَأسلم
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم الْفَتْح ركب عِكْرِمَة بن أبي جهل الْبَحْر هَارِبا فخب بهم الْبَحْر فَجعلت الصراري أَي الملاح يدعونَ الله ويوحدونه
فَقَالَ: مَا هَذَا قَالُوا: هَذَا مَكَان لَا ينفع فِيهِ إِلَّا الله قَالَ: فَهَذَا إِلَه مُحَمَّد الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ فَارْجِعُوا بِنَا فَرجع فَاسْلَمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: لما كَانَ يَوْم فتح مَكَّة أَمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس إِلَّا أَرْبَعَة نفر وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ أقتلوهم وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلقين بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة عِكْرِمَة بن أبي جهل وَعبد الله بن خطل وَمقيس بن ضَبَابَة وَعبد الله بن سعد بن أبي سرح فَأَما عبد الله بن خطل فَأدْرك وَهُوَ مُتَعَلق بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة فَاسْتَبق إِلَيْهِ سعيد بن حُرَيْث وعمار فَسبق سعيد عماراً وَكَانَ أشب الرجلَيْن فَقتله وَأما مقيس بن ضبابه فأدركه النَّاس فِي السُّوق فَقَتَلُوهُ وَأما عِكْرِمَة فَركب الْبَحْر فاصابتهم عَاصِفَة فَقَالَ أَصْحَاب السَّفِينَة لأهل السَّفِينَة: اخلصوا فَإِن آلِهَتكُم لَا تغني عَنْكُم شَيْئا
فَقَالَ عِكْرِمَة: لَئِن لم يُنجنِي فِي الْبَحْر إِلَّا الاخلاص مَا يُنجنِي فِي الْبر غَيره اللَّهُمَّ إِن لَك عهدا إِن أَنْت
(4/351)
عَافَيْتنِي مِمَّا أَنا فِيهِ إِن أَتَى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَضَع يَدي فِي يَده فلأجدنه عفوّاً كَرِيمًا
قَالَ: فجَاء فَأسلم وَأما عبد الله بن سعد بن أبي سرح فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْد عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فَلَمَّا دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِلْبيعَةِ جَاءَ بِهِ حَتَّى أوقفهُ على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله بَايع عبد الله
قَالَ: فَرفع رَأسه فَنظر إِلَيْهِ ثَلَاثًا كل ذَلِك يَأْبَى فَبَايعهُ بعد الثَّلَاث
ثمَّ أقبل على أَصْحَابه فَقَالَ: أما كَانَ فِيكُم رجل رشيد يقوم إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْت يَدي عَن بيعَته فيقتله
قَالُوا: وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُول الله مَا فِي نَفسك أَلا أَوْمَأت إِلَيْنَا بِعَيْنِك قَالَ: أَنه لَا يَنْبَغِي لنَبِيّ أَن تكون لَهُ خَائِنَة أعين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم والخطيب فِي تَارِيخه والديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث هن رواجع على أَهلهَا الْمَكْر والنكث وَالْبَغي ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} {وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله} فاطر الْآيَة 42 {فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه} الْفَتْح الْآيَة 10
وَأخرج ابْن مردوية عَن عبد الله بن نفَيْل الْكِنَانِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث قد فرغ الله من الْقَضَاء فِيهِنَّ لَا يبغين أحدكُم فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {يَا أَيهَا النَّاس إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} وَلَا يمكرن أحد فَإِن الله تَعَالَى يَقُول (وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله) (النِّسَاء الْآيَة 147) وَلَا ينْكث أحد فَإِن الله يَقُول (وَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه) (الْفرْقَان الْآيَة 77)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي بكر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَبْغِ وَلَا تكن بَاغِيا فَإِن الله يَقُول {إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تَبْغِ وَلَا تكن بَاغِيا فَإِن الله يَقُول {إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُؤَخر الله عُقُوبَة الْبَغي فَإِن الله قَالَ {إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/352)
مَا من ذَنْب أَجْدَر من أَن يعجل الله لصَاحبه الْعقُوبَة من الْبَغي وَقَطِيعَة الرَّحِم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عِيَاض بن جَابر
إِن الله أوحى إليَّ أَن تواضعوا حَتَّى لَا يَبْغِي أحد على أحد وَلَا يفخر أحد على أحد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق بِلَال بن أبي بردة عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَبْغِي على النَّاس إِلَّا ولد بغي أَو فِيهِ عرق مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن رَجَاء بن حَيْوَة
أَنه سمع قَاصا فِي مَسْجِد مِنى يَقُول: ثَلَاث خلال هن على من عمل بِهن الْبَغي وَالْمَكْر والنكث قَالَ الله {إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم} {وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله} فاطر الْآيَة 43 {فَمن نكث فَإِنَّمَا ينْكث على نَفسه} الْفَتْح الْآيَة 10 ثمَّ قَالَ: ثَلَاث خلال لَا يعذبكم الله مَا عملتم بِهن: الشُّكْر وَالدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَار ثمَّ قَرَأَ (مَا يفعل الله بعذابكم إِن شكرتم وآمنتم) (فاطر الْآيَة 43) (قل مَا يعبأ بكم رَبِّي لَوْلَا دعاؤكم) (الْفَتْح الْآيَة 10) و (مَا كَانَ الله معذبهم وهم يَسْتَغْفِرُونَ) (الْأَنْفَال الْآيَة 33)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَكْحُول قَالَ: ثَلَاث من كن فِيهِ كن عَلَيْهِ: الْمَكْر وَالْبَغي والنكث
قَالَ الله {إِنَّمَا بَغْيكُمْ على أَنفسكُم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو بغى جبل على جبل لَدُكَّ الْبَاغِي مِنْهُمَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من عبَادَة أفضل من أَن يسْأَل وَمَا يدْفع الْقَضَاء إِلَّا الدُّعَاء وَإِن أسْرع الْخَيْر ثَوابًا الْبر واسرع الشَّرّ عُقُوبَة الْبَغي وَكفى بِالْمَرْءِ عَيْبا أَن يبصر من النَّاس مَا يعمى عَلَيْهِ من نَفسه وَأَن يَأْمر النَّاس بِمَا لَا يَسْتَطِيع التحوّل عَنهُ وَأَن يُؤْذِي جليسه بِمَا لَا يعنيه
الْآيَة 24
(4/353)
إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فاختلط بِهِ نَبَات الأَرْض} قَالَ: اخْتَلَط فنبت بِالْمَاءِ كل لون {مِمَّا يَأْكُل النَّاس} كالحنطة وَالشعِير وَسَائِر حبوب الأَرْض والبقول وَالثِّمَار وَمَا تَأْكُله الْأَنْعَام والبهائم من الْحَشِيش والمراعي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وازينت} قَالَ: أنبتت وَحسنت وَفِي قَوْله {كَأَن لم تغن بالْأَمْس} قَالَ: كَأَن لم تعش كَأَن لم تنعم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي بن كَعْب وَابْن عَبَّاس ومروان بن الحكم أَنهم كَانُوا يقرأون {وازينت وَظن أَهلهَا أَنهم قادرون عَلَيْهَا} وَمَا كَانَ الله ليهلكم إِلَّا بذنوب أَهلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ فِي قِرَاءَة أبي كَأَن لم تغن بالْأَمْس وَمَا أهلكناها إِلَّا بذنوب أَهلهَا كَذَلِك نفصل الْآيَات لقوم يتفكرون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَكْتُوب فِي سُورَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى جنب هَذِه الْآيَة {حَتَّى إِذا أخذت الأَرْض زخرفها} إِلَى {يتفكرون} وَلَو أَن لِابْنِ آدم واديين من مَال لتمنى وَاديا ثَالِثا وَلَا يشْبع نفس ابْن آدم إِلَّا التُّرَاب وَيَتُوب الله على من تَابَ فمحيت
الْآيَة 25
(4/354)
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)
أخرج أَبُو نعيم والدمياطي فِي مُعْجَمه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} يَقُول يَدْعُو إِلَى عمل الْجنَّة وَالله السَّلَام وَالْجنَّة دَاره
(4/354)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيهْدِي من يَشَاء} قَالَ: يهْدِيهم للمخرج من الشُّبُهَات والفتن والضلالات
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من يَوْم طلعت شمسه إِلَّا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نِدَاء يسمعهُ خلق الله كلهم إِلَّا الثقلَيْن: يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم إِن مَا قل وَكفى خير مِمَّا كثر وألهى وَلَا آبت شمسه إِلَّا وكل بجنبتيها ملكان يناديان نِدَاء يسمعهُ خلق الله كلهم غير الثقلَيْن: اللَّهُمَّ أعْط منفقاً خلفا وَأعْطِ ممسكاً تلفاً
فَأنْزل الله فِي ذَلِك كُله قُرْآنًا فِي قَول الْملكَيْنِ: يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} وَأنزل فِي قَوْلهمَا: اللَّهُمَّ أعْط منفقاً خلفا وَأعْطِ ممسكاً تلفاً (وَاللَّيْل إِذا يغشى وَالنَّهَار إِذا تجلى) (اللَّيْل الْآيَتَانِ 1 - 2 إِلَى قَوْله (للعسرى)
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سعيد بن أبي هِلَال رَضِي الله عَنهُ
سَمِعت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ وتلا {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام وَيهْدِي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم} فَقَالَ: حَدثنِي جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا فَقَالَ إِنِّي رَأَيْت فِي الْمَنَام كَانَ جِبْرِيل عِنْد رَأْسِي وَمِيكَائِيل عِنْد رجْلي يَقُول أَحدهمَا لصَاحبه: ضرب لَهُ مثلا فَقَالَ: اسْمَع سَمِعت أذناك واعقل عقل قَلْبك إِنَّمَا مثلك وَمثل أمتك كَمثل ملك اتخذ دَارا ثمَّ بنى فِيهَا بَيْتا ثمَّ جعل فِيهَا مأدبة ثمَّ بعث رَسُولا يَدْعُو النَّاس إِلَى طَعَامه فَمنهمْ من أجَاب الرَّسُول وَمِنْهُم فِيهَا مأدبة فَالله هُوَ الْملك وَالدَّار الإِسلام وَالْبَيْت الْجنَّة وَأَنت يَا مُحَمَّد رَسُول فَمن أجابك دخل الإِسلام وَمن دخل الإِسلام دخل الْجنَّة وَمن دخل الْجنَّة أكل مِنْهَا
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ استتبعني النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا موضعا لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَوضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه فِي حجري ثمَّ إِن نَفرا أَتَوا عَلَيْهِم ثِيَاب بيض طوال وَقد أغفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عبد الله رَضِي الله عَنهُ: فارعبت مِنْهُم
فَقَالُوا: لقد أعْطى هَذَا العَبْد خيرا إِن عينه نَائِمَة
(4/355)
وَالْقلب يقظان ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض: اضربوا لَهُ ونَتَأوَّلَ نَحن أَو نضرب نَحن وتَتَأَوَّلون أَنْتُم
فَقَالَ بَعضهم: مثله كَمثل سيد اتخذ مأدبة ثمَّ ابتنى بَيْتا حصيناً ثمَّ أرسل إِلَى النَّاس فَمن لم يَأْتِ طَعَامه عذبه عذَابا شَدِيدا
قَالَ الْآخرُونَ: أما السَّيِّد فَهُوَ رب الْعَالمين وَأما الْبُنيان فَهُوَ الإِسلام وَالطَّعَام الْجنَّة وَهَذَا الدَّاعِي فَمن اتبعهُ كَانَ فِي الْجنَّة وَمن لم يتبعهُ عذب عذَابا أَلِيمًا ثمَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَيْقَظَ فَقَالَ: مَا رَأَيْت يَا ابْن أم عبد فَقلت: رَأَيْت كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: أُخفِيَ عَليّ مِمَّا قَالُوا شَيْء وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هم نفر من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن سيداً بنى دَارا وَاتخذ مأدبة وَبعث دَاعيا فَمن أجَاب الدَّاعِي دخل الدَّار وَأكل من المأدبة وَرَضي عَنهُ السَّيِّد أَلا وَإِن السَّيِّد الله وَالدَّار الإِسلام والمأدبة الْجنَّة والداعي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من لَيْلَة إِلَّا يُنَادي منادياً يَا صَاحب الْخَيْر هَلُمَّ وَيَا صَاحب الشَّرّ اقصر
فَقَالَ رجل لِلْحسنِ رَضِي الله عَنهُ: أتجدها فِي كتاب الله قَالَ: نعم {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} قَالَ: ذكر لنا أَن فِي التَّوْرَاة مَكْتُوبًا: يَا باغي الْخَيْر هَلُمَّ وَيَا باغي الشَّرّ انته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام} قَالَ: لبيْك رَبنَا وَسَعْديك
الْآيَة 26
(4/356)
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)
أخرج الطَّيَالِسِيّ وهناد وَأحمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن صُهَيْب رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا هَذِه الْآيَة {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار نَادَى مُنَاد: يَا أهل الْجنَّة إِن لكم عِنْد الله موعداً يُرِيد أَن ينجزكموه
فَيَقُولُونَ: وَمَا هُوَ ألم تثقل موازيننا وتبيض وُجُوهنَا وتدخلنا الْجنَّة وتزحزحنا عَن النَّار
(4/356)
وَقَالَ: فَيكْشف لَهُم الْحجاب فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فوَاللَّه مَا أَعْطَاهُم الله شَيْئا أحب إِلَيْهِم من النّظر إِلَيْهِ وَلَا أقرّ لأعينهم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزِّيَادَة: النّظر إِلَى وَجه الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة منادياً يُنَادي: يَا أهل الْجنَّة - بِصَوْت يسمعهُ أَوَّلهمْ وَآخرهمْ - إِن الله وَعدكُم الْحسنى وَزِيَادَة فالحسنى الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه الرَّحْمَن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي فِي السّنة وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الرُّؤْيَة عَن كَعْب بن عجْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: الزِّيَادَة: النّظر إِلَى وَجه الرَّحْمَن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الرُّؤْيَة عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله تَعَالَى {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: الَّذين أَحْسنُوا أهل التَّوْحِيد وَالْحُسْنَى الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ أَحْسنُوا شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَالْحُسْنَى الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مندة فِي الرَّد على الْجَهْمِية وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الرُّؤْيَة وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي والخطيب وَابْن النجار عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} فَقَالَ: للَّذين أَحْسنُوا الْعَمَل فِي الدُّنْيَا لَهُم الْحسنى وَهِي الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه الله الْكَرِيم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: ينظرُونَ إِلَى رَبهم بِلَا كَيْفيَّة وَلَا حُدُود وَلَا صفة مَعْلُومَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كبَّر على سيف الْبَحْر تَكْبِيرَة رَافعا بهَا صَوته لَا يلْتَمس بهَا رِيَاء وَلَا سمعة كتب الله لَهُ
(4/357)
رضوانه الْأَكْبَر وَمن كتب لَهُ رضوانه الْأَكْبَر جمع بَينه وَبَين مُحَمَّد وَإِبْرَاهِيم عَلَيْهِمَا السَّلَام فِي دَاره ينظرُونَ إِلَى رَبهم فِي جنَّة عدن كَمَا ينظر أهل الدُّنْيَا إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر فِي يَوْم لَا غيم فِيهِ وَلَا سَحَابَة وَذَلِكَ قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} فالحسنى لَا إِلَه إِلَّا الله وَالزِّيَادَة الْجنَّة وَالنَّظَر إِلَى الرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مندة فِي الرَّد على الْجَهْمِية وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي والآجري وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الرُّؤْيَة عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: الْحسنى الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْحَرْث عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى} قَالَ: يَعْنِي الْجنَّة وَالزِّيَادَة يَعْنِي النّظر إِلَى الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالدَّارَقُطْنِيّ واللالكائي والآجري وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه رَبهم
وَأخرج هناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالدَّارَقُطْنِيّ واللالكائي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي الْآيَة قَالَ: الْحسنى الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه ربه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى} قَالَ: قَول لَا إِلَه إِلَّا الله وَالْحُسْنَى الْجنَّة وَالزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجهه الْكَرِيم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {للَّذين أَحْسنُوا} قَالَ: الَّذين شهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله الْحسنى: الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم واللالكائي عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أما الْحسنى فالجنة وَأما الزِّيَادَة فالنظر إِلَى وَجه الله واما القتر فالسواد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الرُّؤْيَة من طَرِيق الحكم بن عتيبة عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الزِّيَادَة غرفَة من لؤلؤة وَاحِدَة لَهَا أَرْبَعَة أَبْوَاب غرفها وأبوابها من لؤلؤة وَاحِدَة
(4/358)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {للَّذين أَحْسنُوا} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {الْحسنى} قَالَ: الْجنَّة {وَزِيَادَة} قَالَ: النّظر إِلَى وَجه الله
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: إِذا دخل أهل الْجنَّة الْجنَّة اعطوا مِنْهَا مَا شاؤوا ثمَّ يُقَال لَهُم: إِنَّه قد بَقِي من حقكم شَيْء لم تعطوه فيتجلى الله تَعَالَى لَهُم فيصغر مَا اعطوا عِنْد ذَلِك ثمَّ تَلا {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى} قَالَ: الْجنَّة {وَزِيَادَة} نظرهم إِلَى رَبهم عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَامر بن سعد البَجلِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: النّظر إِلَى وَجه الله
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى} قَالَ: الْجنَّة {وَزِيَادَة} قَالَ: النّظر إِلَى وَجه الرب عز وَجل
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه الله
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: الزِّيَادَة النّظر إِلَى وَجه الله عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي إِسْحَق السبيعِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى} قَالَ: الْجنَّة {وَزِيَادَة} قَالَ: النّظر إِلَى وَجه الرَّحْمَن عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُنَادي الْمُنَادِي يَوْم الْقِيَامَة أَن الله وعد الْحسنى وَهِي الْجنَّة فَأَما الزِّيَادَة فَهِيَ النّظر إِلَى وَجه الرَّحْمَن
قَالَ: فيتجلى لَهُم حَتَّى ينْظرُوا إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة} قَالَ: هُوَ مثل قَوْله (ولدينا مزِيد) (ق الْآيَة 35) يَقُول: يجزيهم بعملهم ويزيدهم من فَضله وَقَالَ (من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا) (الْأَنْعَام الْآيَة 160)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله
(4/359)
عَنهُ فِي قَوْله {للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى} قَالَ: مثلهَا
قَالَ {وَزِيَادَة} قَالَ: مغْفرَة ورضوان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَلْقَمَة بن قيس رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الزِّيَادَة الْعشْر (من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا) (الْأَنْعَام الْآيَة 160)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الزِّيَادَة الْحَسَنَة بِعشْرَة أَمْثَالهَا إِلَى سَبْعمِائة ضعف
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: الزِّيَادَة مَا أعطالهم فِي الدُّنْيَا لَا يحاسبهم بِهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الرُّؤْيَة عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَيْسَ فِي تَفْسِير الْقُرْآن اخْتِلَاف انما هُوَ كَلَام جَامع يُرَاد بِهِ هَذَا وَهَذَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا يرهق وُجُوههم} قَالَ: لَا يَغْشَاهُم {قتر} قَالَ: سَواد الْوُجُوه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: القتر سَواد الْوَجْه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا يرهق وُجُوههم قتر} قَالَ: خزي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا يرهق وُجُوههم قتر وَلَا ذلة} قَالَ: بعد نظرهم إِلَى الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا يرهق وُجُوههم قتر وَلَا ذلة} قَالَ: بعد نظرهم إِلَى رَبهم
الْآيَة 27
(4/360)
وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالَّذين كسبوا السَّيِّئَات} قَالَ: الَّذين عمِلُوا الْكَبَائِر {جَزَاء سَيِّئَة بِمِثْلِهَا} قَالَ: النَّار {وترهقهم ذلة} قَالَ: الذل {كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا من اللَّيْل مظلماً} وَالْقطع السوَاد نسخهَا الْآيَة فِي الْبَقَرَة (بلَى من كسب سَيِّئَة) (الْبَقَرَة الْآيَة 81) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وترهقهم ذلة} قَالَ: يَغْشَاهُم ذلة وَشدَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ رَضِي الله عَنْهُمَا {مَا لَهُم من الله من عَاصِم} يَقُول: من مَانع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {مَا لَهُم من الله من عَاصِم} قَالَ: من نصير {كَأَنَّمَا أغشيت وُجُوههم قطعا من اللَّيْل} قَالَ: ظلمَة من اللَّيْل
الْآيَات 28 - 32
(4/361)
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَوْم نحشرهم} قَالَ: الْحَشْر الْمَوْت
(4/361)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فزيلنا بَينهم} قَالَ: فرقنا بَينهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَأْتِي على النَّاس يَوْم الْقِيَامَة سَاعَة فِيهَا لين يرى أهل الشّرك أهل التَّوْحِيد يغْفر لَهُم فَيَقُولُونَ (وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين) (الْأَنْعَام الْآيَة 23) قَالَ الله (أنظر كَيفَ كذبُوا على أنفسهم وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون) (الْأَنْعَام الْآيَة 24) ثمَّ يكون من بعد ذَلِك سَاعَة فِيهَا شدَّة تنصب لَهُم الْآلهَة الَّتِي كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله فَيَقُول: هَؤُلَاءِ الَّذين كُنْتُم تَعْبدُونَ من دون الله فَيَقُولُونَ: نعم هَؤُلَاءِ الَّذين كُنَّا نعْبد
فَتَقول لَهُم الْآلهَة: وَالله مَا كُنَّا نسْمع وَلَا نبصر وَلَا نعقل وَلَا نعلم أَنكُمْ كُنْتُم تعبدوننا
فَيَقُولُونَ: بلَى وَالله لإِياكم كُنَّا نعْبد
فَتَقول لَهُم الْآلهَة {فَكفى بِاللَّه شَهِيدا بَيْننَا وَبَيْنكُم إِن كُنَّا عَن عبادتكم لغافلين}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمثل لَهُم يَوْم الْقِيَامَة مَا كَانُوا يعْبدُونَ من دون الله فيتبعونهم حَتَّى يوردوهم النَّار ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هُنَالك تبلو كل نفس مَا أسلفت}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ يقْرَأ هُنَالك تتلو بِالتَّاءِ قَالَ: هُنَالك تتبع
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ هُنَالك تتلو يُقَال: تتبع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {هُنَالك تبلو} يَقُول: تختبر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {هُنَالك تبلو كل نفس مَا أسلفت} قَالَ: عملت
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {هُنَالك تبلو} قَالَ: تعاين {كل نفس مَا أسلفت} قَالَ: عملت {وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون} قَالَ: مَا كَانُوا يدعونَ مَعَه من الأنداد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق}
(4/362)
قَالَ: نسختها قَوْله (مولى الَّذين آمنُوا وَإِن الْكَافرين لَا مولى لَهُم) (مُحَمَّد الْآيَة 11)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حَرْمَلَة بن عبد الْعَزِيز قَالَ: قلت لمَالِك بن أنس رَضِي الله عَنهُ: مَا تَقول فِي رجل أمره يقيني قَالَ: لَيْسَ ذَلِك من الْحق
قَالَ الله {فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أَشهب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ مَالك عَن شَهَادَة اللعاب بالشطرنج والنرد فَقَالَ: أما من أدمنها فَمَا أرى شَهَادَتهم طائلة
يَقُول الله {فَمَاذَا بعد الْحق إِلَّا الضلال} وَالله أعلم
الْآيَة 33
(4/363)
كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كَذَلِك حقت كلمة رَبك} يَقُول: سبقت كلمة رَبك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {كَذَلِك حقت} يَقُول: صدقت
الْآيَات 34 - 40
(4/363)
قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أم من لَا يهدي إِلَّا أَن يهدى} قَالَ: الْأَوْثَان الله يهدي مِنْهَا وَمن غَيرهَا مَا شَاءَ
الْآيَات 41 - 43
(4/364)
وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (41) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ (42) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن كَذبُوك فَقل لي عَمَلي} الْآيَة
قَالَ: أمره بِهَذَا ثمَّ نسخه فَأمره بجهادهم
الْآيَة 44
(4/364)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (44)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَكْحُول رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الله لَا يظلم النَّاس شَيْئا وَلَكِن النَّاس أنفسهم يظْلمُونَ} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله: يَا عبَادي إِنِّي حرمت الظُّلم على نَفسِي وَجَعَلته بَيْنكُم محرما فَلَا تظالموا
الْآيَة 45
(4/364)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (45)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَتَعَارَفُونَ بَينهم} قَالَ: يعرف الرجل صَاحبه إِلَى جنبه فَلَا يَسْتَطِيع أَن يكلمهُ
الْآيَات 46 - 56
(4/365)
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (52) وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (54) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (55) هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (56)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِمَّا نرينك بعض الَّذِي نعدهم} قَالَ: سوء الْعَذَاب فِي حياتك {أَو نتوفينك} قبل {فإلينا مرجعهم} وَفِي قَوْله {وَلكُل أمة رَسُول فَإِذا جَاءَ رسولهم} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة (لم يتَنَاوَل الْمُؤلف تَفْسِير بَقِيَّة الْآيَات هَكَذَا فِي الأَصْل)
(4/365)
الْآيَة 57
(4/366)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن أخي يشتكي بَطْنه
فوصف لَهُ الْخمر فَقَالَ: سُبْحَانَ الله
مَا جعل الله فِي رِجْس شِفَاء إِنَّمَا الشِّفَاء فِي شَيْئَيْنِ: الْقُرْآن وَالْعَسَل فيهمَا شِفَاء لما فِي الصُّدُور وشفاء للنَّاس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل الْقُرْآن شِفَاء لما فِي الصُّدُور وَلم يَجعله شِفَاء لأمراضكم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَنِّي أشتكي صَدْرِي
فَقَالَ: اقْرَأ الْقُرْآن يَقُول الله تَعَالَى: شِفَاء لما فِي الصُّدُور
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن وائلة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا شكا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وجع حلقه
فَقَالَ: عَلَيْك بِقِرَاءَة الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي الْقُرْآن شفاءان الْقُرْآن وَالْعَسَل فالقرآن شِفَاء لما فِي الصُّدُور وَالْعَسَل شِفَاء من كل دَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن طَلْحَة بن مصرف كَانَ يُقَال: إِن الْمَرِيض إِذا قرئَ عِنْده الْقُرْآن وجد لَهُ خفَّة
فَدخلت على خَيْثَمَة وَهُوَ مَرِيض فَقلت: إِنِّي أَرَاك الْيَوْم صَالحا
قَالَ: إِنَّه قرئَ عِنْدِي الْقُرْآن
الْآيَة 58
(4/366)
قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
أخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طرق عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله أَمرنِي أَن أَقرَأ عَلَيْك الْقُرْآن فَقلت: أسماني لَك قَالَ: نعم
قيل لأبي رَضِي الله عَنهُ: أفرحت بذلك قَالَ: وَمَا يَمْنعنِي وَالله تَعَالَى يَقُول
(4/366)
قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هُوَ خير مِمَّا تجمعون هَكَذَا قَرَأَهَا بِالتَّاءِ
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبذلك فلتفرحوا بِالتَّاءِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ فبذلك فلتفرحوا هُوَ خير مِمَّا تجمعون بِالتَّاءِ
وَأخرج ابْن أبي عمر الْعَدنِي وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يقْرَأ فبذلك فلتفرحوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل بِفضل الله وبرحمته} قَالَ: فضل الله الْقُرْآن وَرَحمته أَن جعلهم من أَهله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل بِفضل الله وبرحمته} قَالَ: بِكِتَاب الله وبالإِسلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل بِفضل الله وبرحمته} قَالَ: فَضله الإِسلام وَرَحمته الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {قل بِفضل الله} الْقُرْآن {وبرحمته} حِين جعلهم من أهل الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: فضل الله الْعلم وَرَحمته مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تَعَالَى (وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 107)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سَالم رَضِي الله عَنهُ {قل بِفضل الله} قَالَ: الإِسلام {وبرحمته} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جريرعن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {قل بِفضل الله وبرحمته} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فضل الله الْقُرْآن وَرَحمته الإِسلام
(4/367)
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن هِلَال بن يسَار رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل بِفضل الله وبرحمته} قَالَ: بالإِسلام الَّذِي هدَاكُمْ وَبِالْقُرْآنِ الَّذِي علمكُم
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن هِلَال بن يسَار رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قل بِفضل الله وبرحمته} قَالَ: فضل الله الإِسلام وَرَحمته الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن وَقَتَادَة
مثله
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {قل بِفضل الله} قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وبرحمته} قَالَ: عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج أَبُو الْقَاسِم بن بَشرَان فِي أَمَالِيهِ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من هداه الله للإِسلام وَعلمه الْقُرْآن ثمَّ شكا الْفَاقَة كتب الله الْفقر بَين عَيْنَيْهِ إِلَى يَوْم يلقاه ثمَّ تَلا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ} من عرض الدُّنْيَا من الْأَمْوَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: إِذا عملت خيرا حمدت الله عَلَيْهِ فَأَفْرَح فَهُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ من الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا خير {مِمَّا يجمعُونَ} قَالَ: من الْأَمْوَال والحرث والأنعام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أَيفع الكلَاعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قدم خراج الْعرَاق إِلَى عمر رَضِي الله عَنهُ خرج عمر رَضِي الله عَنهُ وَمولى لَهُ فَجعل يعد الإِبل فَإِذا هُوَ أَكثر من ذَلِك فَجعل عمر رَضِي الله عَنهُ يَقُول: الْحَمد لله
وَجعل مَوْلَاهُ يَقُول: هَذَا - وَالله - من فضل الله وَرَحمته
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ
كذبت لَيْسَ هَذَا الَّذِي يَقُول {قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ}
الْآيَات 59 - 60
(4/368)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (60)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق} الْآيَة
قَالَ: هم أهل الشّرك كَانُوا يحلونَ من الْحَرْث والأنعام مَا شاؤوا ويحرمون مَا شاؤوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد مولى أبي أسيد الْأنْصَارِيّ قَالَ: أَتَى وَفد أهل مصر عُثْمَان بن عَفَّان رَضِي الله عَنهُ فَقَالُوا لَهُ: ادْع بالمصحف وافتتح السَّابِعَة - وَكَانُوا يسمون سُورَة يُونُس السَّابِعَة - فقرأها حَتَّى أَتَى على هَذِه الْآيَة {قل أَرَأَيْتُم مَا أنزل الله لكم من رزق فجعلتم مِنْهُ حَرَامًا وحلالاً} فَقَالُوا لَهُ: قف أَرَأَيْت مَا حميت من الْحمى أَأَلله أذن لَك أم على الله تفتري فَقَالَ: امضه إِنَّمَا نزلت فِي كَذَا وَكَذَا فاما الْحمى فَإِن عمر رَضِي الله عَنهُ حمى الْحمى لإِبل الصَّدَقَة فَلَمَّا وليت وزادت إبل الصَّدَقَة زِدْت فِي الْحمى
الْآيَة 61
(4/369)
وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (61)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِذْ تفيضون فِيهِ} قَالَ: إِذْ تَفْعَلُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَمَا يعزب} قَالَ: مَا يغيب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا يعزب عَن رَبك من مِثْقَال ذرة} قَالَ: لَا يغيب عَنهُ وزن ذرة {وَلَا أَصْغَر من ذَلِك وَلَا أكبر إِلَّا فِي كتاب مُبين} قَالَ: هُوَ الْكتاب الَّذِي عِنْد الله
الْآيَات 62 - 63
(4/369)
أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)
أخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب قَالَ: قَالَ الحواريون: يَا عِيسَى من أَوْلِيَاء الله الَّذين لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: الَّذين نظرُوا إِلَى بَاطِن الدُّنْيَا حِين نظر النَّاس إِلَى ظَاهرهَا وَالَّذين نظرُوا إِلَى آجل الدُّنْيَا حِين نظر النَّاس إِلَى عاجلها وأماتوا مِنْهَا مَا يَخْشونَ أَن يميتهم وَتركُوا مَا علمُوا أَن سيتركهم فَصَارَ استكثارهم مِنْهَا اسْتِقْلَالا وَذكرهمْ إِيَّاهَا فواتاً وفرحهم بِمَا أَصَابُوا مِنْهَا حزنا وَمَا عارضهم من نائلها رفضوه وَمَا عارضهم من رفعتها بِغَيْر الْحق وضعوه خلقت الدُّنْيَا عِنْدهم فَلَيْسَ يجددونها وَخَربَتْ بَينهم فَلَيْسَ يعمرونها وَمَاتَتْ فِي صُدُورهمْ فَلَيْسَ يحبونها يهدمونها فيبنون بهَا آخرتهم ويبيعونها فيشترون بهَا مَا يبْقى لَهُم ويرفضونها فَكَانُوا برفضها هم الفرحين وباعوها فَكَانُوا بِبَيْعِهَا هم المربحين ونظروا إِلَى أَهلهَا صرعى قد خلت فيهم المثلات فاحبوا ذكر الْمَوْت وَتركُوا ذكر الْحَيَاة يحبونَ الله تَعَالَى ويستضيئون بنوره ويضيئون بِهِ لَهُم خبر عَجِيب وَعِنْدهم الْخَبَر العجيب بهم قَامَ الْكتاب وَبِه قَامُوا وبهم نطق الْكتاب وَبِه نطقوا وبهم علم الْكتاب وَبِه علمُوا وَلَيْسَ يرَوْنَ نائلاً مَعَ مَا نالوا وَلَا أماني دون مَا يرجون وَلَا خوفًا دون مَا يحذرون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قَالَ: هم الَّذين إِذا رؤوا ذكر الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا وموقوفاً {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قَالَ هم الَّذين إِذا رُؤُوا يذكر الله لرؤيتهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قَالَ يذكر الله لرؤيتهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قيل يَا رَسُول الله من أَوْلِيَاء الله قَالَ الَّذين إِذا رؤوا ذكر الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق مسعر عَن سهل بن الْأسد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَوْلِيَاء الله قَالَ الَّذين إِذا رؤوا ذكر الله
(4/370)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مسعر بن بكر بن الْأَخْنَس عَن سعد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَوْلِيَاء الله قَالَ الَّذين إِذا رؤوا ذكر الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الضُّحَى رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قَالَ: هم الَّذين إِذا رؤوا ذكر الله
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت يزِيد رَضِي الله عَنْهَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم بخياركم قَالُوا: بلَى
قَالَ: خياركم الَّذين إِذا رُؤُوا ذكر الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا ان لله عباداً لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة بقربهم ومجلسهم مِنْهُ فَجَثَا أَعْرَابِي على ركبيته فَقَالَ: يَا رَسُول الله صفهم لنا حلهم لنا
قَالَ: قوم من إفناء النَّاس من نزاع الْقَبَائِل تصادقوا فِي الله وتحابوا فِي الله يضع الله لَهُم يَوْم الْقِيَامَة مَنَابِر من نور فيجلسهم يخَاف النَّاس وَلَا يخَافُونَ هم أَوْلِيَاء الله الَّذين لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن عَمْرو بن الجموح رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يحِق للْعَبد حق صَرِيح الإِيمان حَتَّى يحب لله وَيبغض لله تَعَالَى فَإِذا أحب لله وَأبْغض لله فقد اسْتحق الْوَلَاء من الله وَإِن أوليائي من عبَادي وأحبائي من خلقي الَّذين يذكرُونَ بذكري وَاذْكُر بذكرهم
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم رَضِي الله عَنهُ يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خِيَار عباد الله الَّذين إِذا رُؤُوا ذكر الله وَشر عباد الله المشَّاؤون بالنميمة المفرقون بَين الْأَحِبَّة الباغون البرآء الْعَنَت
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خياركم من ذكركُمْ الله رُؤْيَته وَزَاد فِي علمكُم مَنْطِقه ورغبكم فِي الْآخِرَة عمله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله أَي جلسائنا خير قَالَ: من ذكركُمْ الله رُؤْيَته وَزَاد فِي أَعمالكُم مَنْطِقه وذكركم الْآخِرَة عمله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله أَيّنَا
(4/371)
أفضل كي نتخذه جَلِيسا معلما قَالَ: الَّذِي إِذا رُئي ذكر الله بِرُؤْيَتِهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وهناد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من عباد الله نَاسا يَغْبِطهُمْ الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء قيل: من هم يَا رَسُول الله قَالَ: قوم تحَابوا فِي الله من غير أَمْوَال وَلَا أَنْسَاب لَا يفزعون إِذا فزع النَّاس وَلَا يَحْزَنُونَ إِذا حزنوا ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من عباد الله عباداً يَغْبِطهُمْ الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة بمكانهم من الله
قيل: من هم يَا رَسُول الله قَالَ: قوم تحَابوا فِي الله من غير أَمْوَال وَلَا أَنْسَاب وُجُوههم نور على مَنَابِر من نور لَا يخَافُونَ إِذا خَافَ النَّاس وَلَا يَحْزَنُونَ إِذا حزن النَّاس ثمَّ قَرَأَ {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الاخوان وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان لله عبادا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء على مجَالِسهمْ وقربهم من الله
قَالَ أَعْرَابِي يَا رَسُول الله أنعتهم لنا
قَالَ: هم أنَاس من أَبنَاء النَّاس ونوازع الْقَبَائِل لم تصل بَينهم أَرْحَام مُتَقَارِبَة تحَابوا فِي الله وتصافوا فِي الله يضع الله لَهُم يَوْم الْقِيَامَة مَنَابِر من نور فَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا يفزع النَّاس وَلَا هم يفزعون وهم أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ الله تَعَالَى: حقت محبتي للمتحابين فيّ وحقت محبتي للمتزاورين فيّ وحقت محبتي للمتجالسين فيّ الَّذين يعمرون مساجدي بذكري ويعلمون النَّاس الْخَيْر ويدعونهم إِلَى طَاعَتي أُولَئِكَ أوليائي الَّذين أظلهم فِي ظلّ عَرْشِي وأسكنهم فِي جواري وآمنهم من عَذَابي وأدخلهم الْجنَّة قبل النَّاس بِخَمْسِمِائَة عَام يتنعمون فِيهَا وهم فِيهَا خَالدُونَ ثمَّ قَرَأَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
(4/372)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله تَعَالَى {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قَالَ الَّذين يتحابون فِي الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} قَالَ هم الَّذين يتحابون فِي الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن أبي مُسلم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لقِيت معَاذ بن جبل رَضِي الله عَنهُ بحمص فَقلت: وَالله إِنِّي لَأحبك لله
قَالَ: أبشر فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول المتحابون فِي الله فِي ظلّ الْعَرْش يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله يَغْبِطهُمْ لِمَكَانِهِمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء ثمَّ خرجت فَلَقِيت عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ فَحَدَّثته بِالَّذِي قَالَ معَاذ فَقَالَ عبَادَة رَضِي الله عَنهُ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يروي عَن ربه عز وَجل أَنه قَالَ: حقت محبتي للمتحابين فيّ وحقت محبتي للمتزاورين فيّ وحقت محبتي للمتباذلين فيّ على مَنَابِر من نور يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالصِّدِّيقُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن للمتحابين فِي الله تَعَالَى عموداً من ياقوتة حَمْرَاء فِي رَأس العمود سَبْعُونَ ألف غرفَة يضيء حسنهم أهل الْجنَّة كَمَا تضيء الشَّمْس أهل الدُّنْيَا يَقُول بَعضهم لبَعض: انْطَلقُوا بِنَا حَتَّى نَنْظُر إِلَى المتحابين فِي الله فَإِذا أشرفوا عَلَيْهَا أَضَاء حسنهم أهل الْجنَّة كَمَا تضيء الشَّمْس لأهل الدُّنْيَا عَلَيْهِم ثِيَاب خضر من سندس مَكْتُوب على جباههم هَؤُلَاءِ المتحابون فِي الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سابط رَضِي الله عَنهُ انبئت أَن عَن يَمِين الرَّحْمَن - وكلتا يَدَيْهِ يَمِين - قوما على مَنَابِر من نور وُجُوههم نور عَلَيْهِم ثِيَاب خضر تغشي أبصار الناظرين رُؤْيَتهمْ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء قوم تحَابوا فِي جلال الله حِين عصيَ الله فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْعَلَاء بن زِيَاد رَضِي الله عَنهُ عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عباد من عباد الله لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء يَغْبِطهُمْ الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء يَوْم الْقِيَامَة يقربهُمْ من الله على مَنَابِر من نور يَقُول الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء: من هَؤُلَاءِ فَيَقُول: هَؤُلَاءِ كَانُوا يتحابون فِي الله على غير أَمْوَال يَتَعَاطونَهَا وَلَا أَرْحَام كَانَت بَينهم
(4/373)
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن المتحابين لنرى غرفهم فِي الْجنَّة كَالْكَوْكَبِ الطالع الشَّرْقِي أَو الغربي فَيُقَال: من هَؤُلَاءِ فَيُقَال: المتحابون فِي الله تَعَالَى
الْآيَة 64
(4/374)
لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن عَطاء بن يسَار عَن رجل من أهل مصر قَالَ: سَأَلت أَبَا الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ عَن قَول الله تَعَالَى {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} فَقَالَ: مَا سَأَلَني عَنْهَا أحد مُنْذُ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا سَأَلَني عَنْهَا أحد غَيْرك مُنْذُ أنزلت
هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو ترى لَهُ فَهِيَ بشراه فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وبشراه فِي الْآخِرَة الْجنَّة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد والدارمي وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة والهيثم بن كُلَيْب الشَّامي والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُؤمن أَو ترى لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يبشر بهَا الْمُؤمن وَهِي جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النبوّة فَمن رأى ذَلِك فليخبر بهَا وادّاً وَمن رأى سوى ذَلِك فَإِنَّمَا هُوَ من الشَّيْطَان ليحزنه فلينفث عَن يسَاره ثَلَاثًا وليسكت وَلَا يخبر بهَا أحدا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ هِيَ فِي الدُّنْيَا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا العَبْد الصَّالح أَو ترى لَهُ وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة
(4/374)
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن جَابر بن عبد الله بن ربَاب وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو ترى لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو الْقَاسِم بن مَنْدَه فِي كتاب سُؤال الْقَبْر من طَرِيق أبي جَعْفَر عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَى رجل من أهل الْبَادِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن قَول الله {الَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} فَهِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَة ترى لِلْمُؤمنِ فيبشر بهَا فِي دُنْيَاهُ وَأما قَوْله {وَفِي الْآخِرَة} فَإِنَّهَا بِشَارَة الْمُؤمن عِنْد الْمَوْت إِن الله قد غفر لَك وَلمن حملك إِلَى قبرك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي سُفْيَان عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ مَا سَأَلَني عَنْهَا أحد: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو ترى لَهُ وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة} قَالَ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُؤمن أَو ترى لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الْحَسَنَة يَرَاهَا الْمُسلم لنَفسِهِ أَو لبَعض إخوانه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كشف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الستارة فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَالنَّاس صُفُوف خلف أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِنَّه لم يبْق من مُبَشِّرَات النبوّة إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو ترى لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نبوّة بعدِي إِلَّا بالمبشرات
قيل يَا رَسُول الله: وَمَا الْمُبَشِّرَات قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة بن أسيد الْغِفَارِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/375)
قَالَ ذهبت النبوّة فَلَا نبوة بعدِي وَبقيت الْمُبَشِّرَات رُؤْيا الْمُسلم الْحَسَنَة يَرَاهَا الْمُسلم أَو ترى لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرسَالَة والنبوّة قد انقطعتا فَلَا رَسُول بعدِي وَلَا نَبِي وَلَكِن الْمُبَشِّرَات
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا الْمُبَشِّرَات قَالَ: رُؤْيا الْمُسلم هِيَ جُزْء من أَجزَاء النبوّة
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيَا الصَّالِحَة بشرى من الله وَهِي جُزْء من أَجزَاء النبوّة
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يبْقى بعدِي شَيْء من النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا الْمُبَشِّرَات قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الرجل أَو ترى لَهُ
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير عَن أم كند الْكَعْبِيَّة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ذهبت النبوّة وَبقيت الْمُبَشِّرَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اقْترب الزَّمَان لم تكد رُؤْيا الْمُؤمن تكذب وأصدقهم رُؤْيا أصدقهم حَدِيثا ورؤيا الْمُسلم جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة والرؤيا ثَلَاث
فالرؤيا الصَّالِحَة بشرى من الله والرؤيا مِمَّا تحزن الشَّيْطَان والرؤيا مِمَّا يحدث بهَا الرجل نَفسه وَإِذا رأى أحدكُم مَا يكره فَليقمْ وليتفل وَلَا يحدث بِهِ النَّاس وَأحب الْقَيْد فِي النّوم وأكره الغل الْقَيْد ثبات فِي الدّين
وَلَفظ ابْن ماجة: فَإِذا رأى أحدكُم رُؤْيا تعجبه فليقصها إِن شَاءَ وَإِن رأى شَيْئا يكرههُ فَلَا يقصه على أحد وليقم يُصَلِّي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا رأى أحدكُم الرُّؤْيَا يُحِبهَا فَإِنَّمَا هِيَ من الله فليحمد الله عَلَيْهَا
(4/376)
وليحدث بهَا وَإِذا رأى غَيره مِمَّا يكره فَإِنَّمَا هِيَ من الشَّيْطَان فليستعذ بِاللَّه من شَرها وَلَا يذكرهَا لأحد فَإِنَّهَا لَا تضره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا
وَلَفظ ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة: جُزْء من سبعين جُزْءا من النُّبُوَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لم يبْق من النُّبُوَّة إِلَّا الْمُبَشِّرَات قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَات قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيَا الصَّالِحَة جُزْء من سبعين جُزْءا من النُّبُوَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الرُّؤْيَا من الْمُبَشِّرَات وَهِي جُزْء من سبعين جُزْءا من النُّبُوَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا العَبْد الصَّالح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُؤمن أَو ترى لَهُ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن حميد بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا سَأَلَ عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} فَقَالَ عبَادَة رَضِي الله عَنهُ: سَأَلت عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة يَرَاهَا الْمُؤمن لنَفسِهِ أَو ترى لَهُ وَهُوَ كَلَام يكلم بِهِ رَبك عَبده فِي الْمَنَام
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ يَقُول: إِذا أصبح من رأى رُؤْيا صَالِحَة فليحدثنا بهَا لِأَن يرى لي رجل مُسلم أَسْبغ وضوءه رُؤْيا صَالِحَة أحب إليَّ من كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن أبي رزين رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رُؤْيا الْمُؤمن جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا من النُّبُوَّة وَهِي على رجل طَائِر مَا لم يحدث بهَا فَإِذا حدث بهَا وَقعت
(4/377)
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الرُّؤْيَا من الله والحلم من الشَّيْطَان فَإِذا رأى أحدكُم شَيْئا يكرههُ فلينفث عَن يسَاره ثَلَاث مَرَّات ثمَّ ليستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان فَإِنَّهَا لَا تضره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّؤْيَا على ثَلَاثَة
تخويف من الشَّيْطَان ليحزن بِهِ ابْن آدم وَمِنْه الْأَمر يحدث بِهِ نَفسه فِي الْيَقَظَة فيراه فِي الْمَنَام وَمِنْه جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْءا النبوّة
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن سمير بن أبي وَاصل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُقَال: إِذا أَرَادَ الله بِعَبْدِهِ خيرا عاتبه فِي نَومه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: هُوَ قَوْله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (وَبشر الْمُؤمنِينَ بِأَن لَهُم من الله فضلا كَبِيرا) (الْأَحْزَاب الْآيَة 47)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: آيتان يبشر بهما الْمُؤمن عِنْد مَوته {أَلا إِن أَوْلِيَاء الله لَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} وَقَوله (إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا) (فصلت الْآيَة 30)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذكر الْمَوْت وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو الْقَاسِم بن مَنْدَه فِي كتاب سُؤال الْقَبْر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: يعلم أَيْن هُوَ قبل أَن يَمُوت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ وَقَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَا: الْبشَارَة عِنْد الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن نَافِع رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خطب الْحجَّاج فَقَالَ: إِن ابْن الزبير بدل كتاب الله
فَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا: لَا تَسْتَطِيع ذَلِك أَنْت وَلَا ابْن الزبير {لَا تَبْدِيل لكلمات الله}
(4/378)
الْآيَات 65 - 66
(4/379)
وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (65) أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (66)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما لم ينتفعوا بِمَا جَاءَهُم من الله وَأَقَامُوا على كفرهم كبر ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء من الله فِيمَا يعاتبه {وَلَا يحزنك قَوْلهم إِن الْعِزَّة لله جَمِيعًا هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم} يسمع مَا يَقُولُونَ ويعلمه فَلَو شَاءَ بعزته لانتصر عَلَيْهِم
الْآيَات 67 - 70
(4/379)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (67) قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (68) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَالنَّهَار مبصراً} قَالَ: منيراً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن عنْدكُمْ من سُلْطَان بِهَذَا} يَقُول مَا عنْدكُمْ من سُلْطَان بِهَذَا
الْآيَات 71 - 74
(4/379)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْرَج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} يَقُول: فاحكموا أَمركُم وَادعوا شركاءكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} أَي فلتجمعوا أَمرهم مَعكُمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ لَا يكن أَمركُم عَلَيْكُم غمَّة} قَالَ: لَا يكبر عَلَيْكُم أَمركُم ثمَّ اقضوا مَا أَنْتُم قاضون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ اقضوا إليَّ} قَالَ: انهضوا إليَّ {وَلَا تنْظرُون} يَقُول: وَلَا تؤخرون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {ثمَّ اقضوا إليَّ} قَالَ: مَا فِي أَنفسكُم
الْآيَات 75 - 82
(4/380)
ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (76) قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (77) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (78) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (79) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (82)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لتلفتنا} قَالَ: لتلوينا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {لتلفتنا} قَالَ: لتصدنا عَن آلِهَتنَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَتَكون لَكمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْض} قَالَ: العظمة وَالْملك وَالسُّلْطَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن لَيْث بن أبي سليم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن هَذِه الْآيَات شِفَاء من السحر بِإِذن الله تَعَالَى يقْرَأ فِي إِنَاء فِيهِ مَاء ثمَّ يصب على رَأس المسحور الْآيَة الَّتِي فِي يُونُس {فَلَمَّا ألقوا قَالَ مُوسَى مَا جئْتُمْ بِهِ السحر إِن الله سيبطله} إِلَى قَوْله {وَلَو كره المجرمون} وَقَوله (فَوَقع الْحق وَبَطل مَا كَانُوا يعْملُونَ) (الْأَعْرَاف الْآيَة 118) إِلَى آخر أَربع آيَات وَقَوله (إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر وَلَا يفلح السَّاحر حَيْثُ أَتَى) (طه الْآيَة 69)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن هرون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي حُرُوف أبي بن كَعْب مَا أتيتم بِهِ سحر وَفِي حرف ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ مَا جئْتُمْ بِهِ سحر
الْآيَات 83 - 86
(4/381)
فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (83) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَمَا آمن لمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة} قَالَ: الذُّرِّيَّة الْقَلِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ذُرِّيَّة من قومه} قَالَ: من بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمَا آمن لمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّة من قومه} قَالَ: أَوْلَاد الَّذين أرسل إِلَيْهِم مُوسَى من طول الزَّمَان وَمَات آباؤهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَت الذُّرِّيَّة الَّتِي آمَنت بمُوسَى من أنَاس بني إِسْرَائِيل من قوم فِرْعَوْن مِنْهُم امْرَأَة فِرْعَوْن وَمُؤمن آل فِرْعَوْن وخازن فِرْعَوْن وَامْرَأَة خازنه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للْقَوْم الظَّالِمين} قَالَ: لَا تسلطهم علينا فيفتنونا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للْقَوْم الظَّالِمين} قَالَ: لَا تعذبنا بأيدي قوم فِرْعَوْن وَلَا بِعَذَاب من عنْدك فَيَقُول قوم فِرْعَوْن: لَو كَانُوا على الْحق مَا عذبُوا وَلَا سلطنا عَلَيْهِم فيفتنون بِنَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي قلَابَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَول مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للْقَوْم الظَّالِمين} قَالَ: سَأَلَ ربه أَن لَا يظْهر علينا عدوّنا فيحسبون أَنهم أولى بِالْعَدْلِ فيفتنون بذلك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز فِي قَوْله {رَبنَا لَا تجعلنا فتْنَة للْقَوْم الظَّالِمين} قَالَ: لَا تظهرهم علينا فيروا أَنهم خير منا
(4/382)
الْآيَة 87
(4/383)
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (87)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأوحينا إِلَى مُوسَى وأخيه أَن تبوآ لقومكما بِمصْر بُيُوتًا} قَالَ: ذَلِك حِين مَنعهم فِرْعَوْن الصَّلَاة وَأمرُوا أَن يجْعَلُوا مَسَاجِدهمْ فِي بُيُوتهم وَأَن يوجهوها نَحْو الْقبْلَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن تبوآ لقومكما بِمصْر بُيُوتًا} قَالَ: مصر الاسكندرية
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبْلَة} قَالَ: كَانُوا لَا يصلونَ إِلَّا فِي البِيَع حَتَّى خَافُوا من آل فِرْعَوْن فَأمروا أَن يصلوا فِي بُيُوتهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبْلَة} قَالَ: أُمِروا أَن يتخذوا فِي بُيُوتهم مَسَاجِد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانُوا يفرقون من فِرْعَوْن وَقَومه أَن يصلوا فَقَالَ {وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبْلَة}
قَالَ: قبل الْكَعْبَة وَذكر أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَمن بعده كَانُوا يصلونَ قبل الْكَعْبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَاجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قبْلَة} قَالَ: يُقَابل بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي رَافع رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ: إِن الله أَمر مُوسَى وهرون أَن يتبوآ لقومهما بُيُوتًا وَأَمرهمَا أَن لَا يبيت فِي مسجدهما جنب وَلَا يقربُوا فِيهِ النِّسَاء إِلَّا هرون وَذريته وَلَا يحل لأحد أَن يقرب النِّسَاء فِي مَسْجِدي هَذَا وَلَا يبيت فِيهِ جنب إِلَّا عَليّ وَذريته
الْآيَة 88
(4/383)
وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (88)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم} يَقُول: دمر على أَمْوَالهم وأهلكها {وَاشْدُدْ على قُلُوبهم} قَالَ: إطبع {فَلَا يُؤمنُوا حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم} وَهُوَ الْغَرق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلَني عمر بن عبد الْعَزِيز رَضِي الله عَنهُ عَن قَوْله {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم} فَأَخْبَرته أَن الله طمس على أَمْوَال فِرْعَوْن وَآل فِرْعَوْن حَتَّى صَارَت حِجَارَة
فَقَالَ عمر: كَمَا أَنْت حَتَّى آتِيك
فَدَعَا بكيس مختوم ففكه فَإِذا فِيهِ الْفضة مَقْطُوعَة كَأَنَّهَا الْحِجَارَة وَالدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم وَأَشْبَاه ذَلِك من الْأَمْوَال حِجَارَة كلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اطْمِسْ على أَمْوَالهم} قَالَ: أهلكها {وَاشْدُدْ على قُلُوبهم} قَالَ: بالضلالة {فَلَا يُؤمنُوا} بِاللَّه فِيمَا يرَوْنَ من الْآيَات {حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم} قَالَ: بلغنَا أَن زُرُوعهمْ وَأَمْوَالهمْ تحوّلت حِجَارَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم} قَالَ: صَارَت دنانيرهم ودراهمهم ونحاسهم وحديدهم حِجَارَة منقوشة {وَاشْدُدْ على قُلُوبهم} يَقُول: أهلكهم كفَّارًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم} قَالَ: صَارَت حِجَارَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم} قَالَ: اجْعَل سكرهم حِجَارَة
الْآيَة 89
(4/384)
قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قد أجيبت دعوتكما
قَالَ: فَاسْتَجَاب ربه لَهُ وَحَال بَين فِرْعَوْن وَبَين الإِيمان
(4/384)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِذا دَعَا أَمن هرون على دُعَائِهِ يَقُول: آمين
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ: وَهُوَ اسْم من أَسمَاء الله تَعَالَى فَذَلِك قَوْله {قد أجيبت دعوتكما}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قد أجيبت دعوتكما} قَالَ: دَعَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأمن هرون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام يَدْعُو ويؤمن هرون عَلَيْهِ السَّلَام فَذَلِك قَوْله {قد أجيبت دعوتكما}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ مُوسَى يَدْعُو وهرون يُؤمن والداعي وَالْمُؤمن شريكان
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: دَعَا مُوسَى وَأمن هرون
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح وَأبي الْعَالِيَة وَالربيع مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ هرون عَلَيْهِ السَّلَام يَقُول: آمين
فَقَالَ الله {قد أجيبت دعوتكما} فَصَارَ التَّأْمِين دَعْوَة صَار شَرِيكه فِيهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: يَزْعمُونَ أَن فِرْعَوْن مكث بعد هَذِه الدعْوَة أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج
مثله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَ قد أجيبت دعوتكما} قَالَ: بعد أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ {فاستقيما} فامضيا لأمري وَهِي الاسْتقَامَة
الْآيَات 90 - 91
(4/385)
وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْعَدو والعلو والعتوّ فِي كتاب الله تجبر
(4/385)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما خرج آخر أَصْحَاب مُوسَى وَدخل آخر أَصْحَاب فِرْعَوْن أوحى إِلَى الْبَحْر أَن أطبق عَلَيْهِم فَخرجت اصبع فِرْعَوْن بِلَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل
قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: فَعرفت أَن الرب رَحِيم وَخفت أَن تُدْرِكهُ الرَّحْمَة فدمسته بجناحي وَقلت {آلآن وَقد عصيت قبل} فَلَمَّا خرج مُوسَى وَأَصْحَابه قَالَ: من تخلف فِي الْمَدَائِن من قوم فِرْعَوْن مَا غرق فِرْعَوْن وَلَا أَصْحَابه وَلَكنهُمْ فِي جزائر الْبَحْر يتصيدون فَأوحى إِلَى الْبَحْر أَن الْفظ فِرْعَوْن عُريَانا فلفظه عُريَانا أصلع أخنس قَصِيرا فَهُوَ قَوْله {فاليوم ننجيك ببدنك لتَكون لمن خَلفك آيَة} لمن قَالَ: إِن فِرْعَوْن لم يغرق وَكَانَت نجاته عِبْرَة لم تكن نجاة عَافِيَة ثمَّ أوحى إِلَى الْبَحْر أَن الْفظ مَا فِيك فلفظهم على السَّاحِل وَكَانَ الْبَحْر لَا يلفظ غريقاً يبْقى فِي بَطْنه حَتَّى يَأْكُلهُ السّمك فَلَيْسَ يقبل الْبَحْر غريقاً إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أغرق الله عز وَجل فِرْعَوْن {قَالَ آمَنت أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل} قَالَ لي جِبْرِيل: يَا مُحَمَّد لَو رَأَيْتنِي وَأَنا آخذ من حَال الْبَحْر فَأَدُسهُ فِي فِيهِ مَخَافَة أَن تُدْرِكهُ الرَّحْمَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي جِبْرِيل: لَو رَأَيْتنِي وَأَنا آخذ من حَال الْبَحْر فَأَدُسهُ فِي فيِّ فِرْعَوْن مَخَافَة أَن تُدْرِكهُ الرَّحْمَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَو رَأَيْتنِي وَأَنا آخذ من حَال الْبَحْر فَأَدُسهُ فِي فِيهِ حَتَّى لَا يُتَابع الدُّعَاء لما أعلم من فضل رَحْمَة الله
(4/386)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قَالَ لي جِبْرِيل: مَا كَانَ على الأَرْض شَيْء أبْغض إليَّ من فِرْعَوْن فَلَمَّا آمن جعلت احشو فَاه حمأة وَأَنا أغطه خشيَة أَن تُدْرِكهُ الرَّحْمَة
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي جِبْرِيل: يَا مُحَمَّد لَو رَأَيْتنِي وَأَنا أغط فِرْعَوْن بِإِحْدَى يَدي وأدس من الْحَال فِي فِيهِ مَخَافَة أَن تُدْرِكهُ الرَّحْمَة فَيغْفر لَهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: قَالَ لي جِبْرِيل: مَا غضب رَبك على أحد غَضَبه على فِرْعَوْن إِذْ قَالَ (مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي) (الْقَصَص الْآيَة 38) (وَإِذ قَالَ أَنا ربكُم الْأَعْلَى) (النازعات الْآيَة 24) فَلَمَّا أدْركهُ الْغَرق اسْتَغَاثَ وَأَقْبَلت احشو فَاه مَخَافَة أَن تُدْرِكهُ الرَّحْمَة
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَت عِمَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم غرق فِرْعَوْن سَوْدَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لي جِبْرِيل: مَا أبغضت شَيْئا من خلق الله مَا أبغضت إِبْلِيس يَوْم أمِرَ بِالسُّجُود فَأبى أَن يسْجد وَمَا أبغضت شَيْئا أَشد بغضاً من فِرْعَوْن فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْغَرق خفت أَن يعتصم بِكَلِمَة الاخلاص فينجو فَأخذت قَبْضَة من حمأة فَضربت بهَا فِي فِيهِ فَوجدت الله عَلَيْهِ أَشد غَضبا مني فَأمر مِيكَائِيل فأنبه وَقَالَ {آلآن وَقد عصيت قبل وَكنت من المفسدين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث الله إِلَيْهِ مِيكَائِيل ليعيره فَقَالَ {آلآن وَقد عصيت قبل}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أخْبرت أَن فِرْعَوْن كَانَ أثرم
الْآيَة 92
(4/387)
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فاليوم ننجيك ببدنك} قَالَ: أنجى الله فِرْعَوْن لبني إِسْرَائِيل من الْبَحْر فنظروا إِلَيْهِ بَعْدَمَا غرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاليوم ننجيك ببدنك} قَالَ: بجسدك كذب بعض بني إِسْرَائِيل بِمَوْت فِرْعَوْن فألقي على سَاحل الْبَحْر حَتَّى يرَاهُ بَنو إِسْرَائِيل أَحْمَر قَصِيرا كَأَنَّهُ ثَوْر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ {فاليوم ننجيك ببدنك} قَالَ: جسده أَلْقَاهُ الْبَحْر على السَّاحِل
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ {فاليوم ننجيك ببدنك} قَالَ: بدرعك وَكَانَت درعه من لُؤْلُؤ يلاقي فِيهِ الحروب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَخْر رَضِي الله عَنهُ {فاليوم ننجيك ببدنك} قَالَ: الْبدن الدرْع الْحَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جهيم مُوسَى بن سَالم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاليوم ننجيك ببدنك} قَالَ: كَانَ لفرعون شَيْء يلْبسهُ يُقَال لَهُ الْبدن يتلألأ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ عَن يُونُس بن حبيب النَّحْوِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاليوم ننجيك ببدنك} قَالَ: نجعلك على نجوة من الأَرْض كي ينْظرُوا فيعرفوا أَنَّك قد مت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاليوم ننجيك ببدنك} الْآيَة
قَالَ: لما أغرق الله فِرْعَوْن لم تصدق طَائِفَة من النَّاس بذلك فَأخْرجهُ الله ليَكُون عظة وَآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لتَكون لمن خَلفك آيَة} قَالَ: لبني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ فاليوم ننجيك بندائك
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن مُحَمَّد بن السميقع الْيَمَانِيّ وَيزِيد الْبَرْبَرِي أَنَّهُمَا قرآ فاليوم ننحيك ببدنك بحاء غير مُعْجَمه
(4/388)
الْآيَة 93
(4/389)
وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (93)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي وقه {وَلَقَد بوّأنا بني إِسْرَائِيل مبوأ صدق} قَالَ: بؤأهم الله الشَّام وَبَيت الْمُقَدّس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي وَقَوله {مبوّأ صدق} قَالَ: منَازِل صدق مصر وَالشَّام
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَمَا اخْتلفُوا حَتَّى جَاءَهُم الْعلم} قَالَ: الْعلم كتاب الله الَّذِي أنزلهُ وَأمره الَّذِي أَمرهم بِهِ
الْآيَات 94 - 95
(4/389)
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك فاسأل الَّذين يقرؤون الْكتاب من قبلك} قَالَ: لم يشك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسْأَل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك فاسأل الَّذين يقرؤون الْكتاب من قبلك} قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا أَشك وَلَا أسأَل
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك فاسأل الَّذين يقرؤون الْكتاب من قبلك} قَالَ: التَّوْرَاة
(4/389)
وَالْإِنْجِيل الَّذين أدركوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل الْكتاب فآمنوا بِهِ يَقُول: سلهم إِن كنت فِي شكّ بأنك مَكْتُوب عِنْدهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سماك الْحَنَفِيّ قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِنِّي أجد فِي نَفسِي مَا لَا أَسْتَطِيع أَن أَتكَلّم بِهِ
فَقَالَ: شكّ قلت: نعم
قَالَ: مَا نجا من هَذَا أحد حَتَّى نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا إِلَيْك} الْآيَة
فَإِذا أحسست أَو وجدت من ذَلِك شَيْئا فَقل (هُوَ الأوّل وَالْآخر وَالظَّاهِر وَالْبَاطِن وَهُوَ بِكُل شَيْء عليم) (الْحَدِيد الْآيَة 3)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: خَمْسَة أحرف فِي الْقُرْآن (وَإِن كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال) (إِبْرَاهِيم الْآيَة 26) مَعْنَاهُ وَمَا كَانَ مَكْرهمْ لتزول مِنْهُ الْجبَال (لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إِن كُنَّا فاعلين) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 17) مَعْنَاهُ مَا كُنَّا فاعلين (قل إِن كَانَ للرحمن ولد) (الزخرف الْآيَة 81) مَعْنَاهُ مَا كَانَ للرحمن ولد (وَلَقَد مكناهم فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ) (الْأَحْقَاف الْآيَة 26) مَعْنَاهُ فِي الَّذين مَا مكناكم فِيهِ {فَإِن كنت فِي شكّ مِمَّا أنزلنَا} مَعْنَاهُ فَمَا كنت فِي شكّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {فاسأل الَّذين يقرؤون الْكتاب من قبلك} قَالَ: سؤالك إيَّاهُم نظرك فِي كتابي كَقَوْلِك: سل عَن آل الْمُهلب دُورهمْ
الْآيَات 96 - 97
(4/390)
إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الَّذين حقت عَلَيْهِم كلمة رَبك لَا يُؤمنُونَ} قَالَ: حق عَلَيْهِم سخط الله بِمَا عصوه
(4/390)
الْآيَات 98 - 99
(4/391)
فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن فِي حرف ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَهَلا كَانَت قَرْيَة آمَنت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} يَقُول: فَمَا كَانَت قَرْيَة آمَنت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كل مَا فِي الْقُرْآن فلولا فَهُوَ فَهَلا إِلَّا فِي حرفين فِي يُونُس {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} وَالْآخر (فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ) (هود الْآيَة 116)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} قَالَ: فَلم تكن قَرْيَة آمَنت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} الْآيَة
يَقُول: لم يكن هَذَا فِي الْأُمَم قبل قوم يُونُس لم ينفع قَرْيَة كفرت ثمَّ آمَنت حِين عَايَنت الْعَذَاب إِلَّا قوم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام فاستثنى الله قوم يُونُس وَذكر لنا أَن قوم يُونُس كَانُوا بنينوى من أَرض الْموصل فَلَمَّا فقدوا نَبِيّهم عَلَيْهِ السَّلَام قذف الله تَعَالَى فِي قُلُوبهم التَّوْبَة فلبسوا المسوح وأخرجوا الْمَوَاشِي وَفرقُوا بَين كل بَهِيمَة وَوَلدهَا فعجوا إِلَى الله أَرْبَعِينَ صباحاً فَلَمَّا عرف الله الصدْق من قُلُوبهم وَالتَّوْبَة والندامة على مَا مضى مِنْهُم كشف عَنْهُم الْعَذَاب بعد مَا تدلى عَلَيْهِم لم يكن بَينهم وَبَين الْعَذَاب إِلَّا ميل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فلولا كَانَت قَرْيَة آمَنت} الْآيَة
قَالَ: لم تكن قَرْيَة آمَنت فنفعها الإِيمان إِذا نزل بهَا بَأْس الله
إِلَّا قَرْيَة: يُونُس
(4/391)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قَوْله {إِلَّا قوم يُونُس لما آمنُوا} قَالَ: لما دعوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم واللالكائي فِي السّنة عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الحذر لَا يرد الْقدر وَإِن الدُّعَاء يرد الْقدر وَذَلِكَ فِي كتاب الله: {إِلَّا قوم يُونُس لما آمنُوا كشفنا عَنْهُم عَذَاب الخزي}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن الدُّعَاء ليرد الْقَضَاء وَقد نزل من السَّمَاء اقرأوا إِن شِئْتُم {إِلَّا قوم يُونُس لما آمنُوا كشفنا عَنْهُم} فدعوا صرف عَنْهُم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن يُونُس دَعَا قومه فَلَمَّا أَبَوا أَن يُجِيبُوهُ وعدهم الْعَذَاب فَقَالَ: إِنَّه يأتيكم يَوْم كَذَا وَكَذَا
ثمَّ خرج عَنْهُم - وَكَانَت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام إِذا وعدت قَومهَا الْعَذَاب خرجت - فَلَمَّا أظلهم الْعَذَاب خَرجُوا ففرقوا بَين الْمَرْأَة وَوَلدهَا وَبَين السخلة وَأَوْلَادهَا وَخَرجُوا يعْجبُونَ إِلَى الله علم الله مِنْهُم الصدْق فَتَابَ عَلَيْهِم وَصرف عَنْهُم الْعَذَاب وَقعد يُونُس فِي الطَّرِيق يسْأَل عَن الْخَبَر فَمر بِهِ رجل فَقَالَ: مَا فعل قوم يُونُس فحدثه بِمَا صَنَعُوا فَقَالَ: لَا أرجع إِلَى قوم قد كذبتهم
وَانْطَلق مغاضباً يَعْنِي مراغماً
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الْعَذَاب كَانَ هَبَط على قوم يُونُس حَتَّى لم يكن بَينهم وَبَينه إِلَّا قدر ثُلثي ميل فَلَمَّا دعوا كشف الله عَنْهُم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: غشي قوم يُونُس الْعَذَاب كَمَا يغشى الْقَبْر بِالثَّوْبِ إِذا أَدخل فِيهِ صَاحبه وأمطرت السَّمَاء دَمًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِلَّا قوم يُونُس لما آمنُوا} قَالَ: بلغنَا أَنهم خَرجُوا فنزلوا على تل وَفرقُوا بَين كل بَهِيمَة وَوَلدهَا فدعو الله أَرْبَعِينَ لَيْلَة حَتَّى تَابَ عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: تيب على قوم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم عَاشُورَاء
(4/392)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قَرْيَة يُقَال لَهَا نِينَوَى على شاطئ دجلة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْخلد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما غشي قوم يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام الْعَذَاب مَشوا إِلَى شيخ من بَقِيَّة عُلَمَائهمْ فَقَالُوا لَهُ: مَا ترى قَالَ: قُولُوا يَا حَيّ حِين لَا حَيّ وَيَا حَيّ محيي الْمَوْت وَيَا حَيّ لَا إِلَه إِلَّا أَنْت
فَقَالُوا فكشف عَنْهُم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن النجار عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُنجي حذر من قدر وَأَن الدُّعَاء يدْفع من الْبلَاء وَقد قَالَ الله فِي كِتَابه {إِلَّا قوم يُونُس لما آمنُوا كشفنا عَنْهُم عَذَاب الخزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ومتعناهم إِلَى حِين}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما دَعَا يُونُس على قومه أوحى الله إِلَيْهِ أَن الْعَذَاب مصبحهم
فَقَالُوا: مَا كذب يُونُس وليصبحنا الْعَذَاب فتعالوا حَتَّى نخرج سخال كل شَيْء فنجعلها مَعَ أَوْلَادنَا فَلَعَلَّ الله أَن يرحمهم
فأخرجوا النِّسَاء مَعَهُنَّ الْولدَان وأخرجوا الإِبل مَعهَا فصلانها وأخرجوا الْبَقر مَعهَا عجاجيلها وأخرجو الْغنم مَعهَا سخالها فجعلوه أمامهم وَأَقْبل الْعَذَاب فَلَمَّا أَن رَأَوْهُ جأروا إِلَى الله ودعوا وَبكى النِّسَاء والولدان ورغت الإِبل وفصلانها وخارت الْبَقر وعجاجيلها وثغت الْغنم وسخالها فَرَحِمهمْ الله فصرف عَنْهُم الْعَذَاب إِلَى جبال آمد فهم يُعَذبُونَ حَتَّى السَّاعَة
الْآيَات 100 - 106
(4/393)
وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَيجْعَل الرجس} قَالَ: السخط
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيجْعَل الرجس} قَالَ: الرجس الشَّيْطَان والرجس الْعَذَاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا تغني الْآيَات وَالنّذر عَن قوم} يَقُول: عِنْد قوم لَا يُؤمنُونَ نسخت قَوْله (حِكْمَة بَالِغَة فَمَا تغني النّذر) (الْقَمَر الْآيَة 5)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَهَل ينتظرون إِلَّا مثل أَيَّام الَّذين خلوا من قبلهم} قَالَ: وقائع الله فِي الَّذين خلوا من قبلهم قوم نوح وَعَاد وَثَمُود
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي قَوْله {فَهَل ينتظرون إِلَّا مثل أَيَّام الَّذين خلوا من قبلهم قل فانتظروا إِنِّي مَعكُمْ من المنتظرين} قَالَ: خوّفهم الله عَذَابه ونقمته وعقوبته ثمَّ أخْبرهُم أَنه إِذا وَقع من ذَلِك أَمر نجى الله رسله وَالَّذين آمنُوا فَقَالَ {ثمَّ ننجي رسلنَا وَالَّذين آمنُوا}
الْآيَة 107
(4/394)
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِن يردك بِخَير} يَقُول: بعافية
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثَلَاث آيَات وَجدتهَا فِي كتاب الله تَعَالَى اكتفيت بهَا عَن جَمِيع الْخَلَائق قَوْله {وَإِن يمسسك الله بضر فَلَا كاشف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله}
(4/394)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَامر بن قيس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثَلَاث آيَات فِي كتاب الله اكتفيت بِهن عَن جَمِيع الْخَلَائق: أولهنَّ {وَإِن يمسسك الله بضر فَلَا كاشف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله} وَالثَّانيَِة (مَا يفتح الله للنَّاس من رَحْمَة فَلَا مُمْسك لَهَا وَمَا يمسك فَلَا مُرْسل لَهُ) (فاطر الْآيَة 2) وَالثَّالِثَة (وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها) (هود الْآيَة 6)
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اطْلُبُوا الْخَيْر دهركم وتعرضوا لنفحات رَحْمَة الله تَعَالَى فَإِن لله نفحات من رَحمته يُصِيب بهَا من يَشَاء من عباده وَسَلُوهُ أَن يستر عوراتكم ويؤمن من روعاتكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ مَوْقُوفا
مثله سَوَاء
الْآيَات 108 - 109
(4/395)
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (108) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد جَاءَكُم الْحق من ربكُم} و {وَإِن يمسسك الله بضر فَلَا كاشف لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يردك بِخَير فَلَا راد لفضله} يُونُس الْآيَة 107 هُوَ الْحق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واصبر حَتَّى يحكم الله} قَالَ: هَذَا مَنْسُوخ أمره بجهادهم والغلظة عَلَيْهِم
(4/395)
مُقَدّمَة سُورَة هود أخرج النّحاس فِي تَارِيخه وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة هود بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزلت سُورَة هود بِمَكَّة
وَأخرج الدَّارمِيّ وَأَبُو دَاوُد فِي مراسيله وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقرأوا هود يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مَسْرُوق عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله لقد أسْرع إِلَيْك الشيب
قَالَ: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وَعم يتسألون وَإِذا الشَّمْس كورت
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أنس رَضِي الله عَنهُ عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله عجل إِلَيْك الشيب
قَالَ: شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا والواقعة والحاقة وَعم يتسألون وَهل أَتَاك حَدِيث الغاشية
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن أبي بكر رَضِي الله عَنهُ
أَنه قَالَ: مَا شيب رَأسك يَا رَسُول الله قَالَ: هود وأخوانها شيبتني قبل الشيب
قَالَ: وَمَا أخواتها قَالَ: إِذا وَقعت الْوَاقِعَة وَعم يتسألون وَإِذا الشَّمْس كورت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لقد عجل إِلَيْك الشيب
قَالَ: شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا من الْمفصل
(4/396)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق يزِيد الرقاشِي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله أسْرع إِلَيْك الشيب
قَالَ: أجل شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا: الْوَاقِعَة وَالْقَارِعَة والحاقة وَإِذا الشَّمْس كورت وَسَأَلَ سَائل
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن
سَمِعت أنسا يَقُول: قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله شبت
قَالَ: شيبتني هود والواقعة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله قد شبت
قَالَ: شيبتني هود والواقعة والمرسلات وَعم يتسألون وَإِذا الشَّمْس كورت وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور وَأحمد فِي الزّهْد وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة مُرْسلا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَالُوا: يَا رَسُول الله لقد أسْرع إِلَيْك الشيب
قَالَ: أجل شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا
قَالَ عَطاء رَضِي الله عَنهُ: أخواتها: اقْتَرَبت السَّاعَة والمرسلات وَإِذا الشَّمْس كورت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: يَا رَسُول الله أسْرع إِلَيْك الشيب قَالَ: شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا الْوَاقِعَة وَعم يتسألون وَإِذا الشَّمْس كورت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت يَا رَسُول الله لقد شبت قَالَ: شيبتنش هود والواقعة وَعم يتسألون وَإِذا الشَّمْس كورت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَا رَسُول الله مَا شيبك قَالَ: هود والواقعة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن عقبَة بن عَامر رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله قد شبت
قَالَ: شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا: الْوَاقِعَة والحاقة وَإِذا الشَّمْس كورت
(4/397)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد شبت
قَالَ: شيبتني هود وَإِذا الشَّمْس كورت وأخواتهما
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي جُحَيْفَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله نرَاك قد شبت
قَالَ: شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ أَصْحَابه: قد أسْرع إِلَيْك الشيب
قَالَ: شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا من الْفَصْل
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا وَمَا فعل بالأمم قبلي
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي عمرَان الْجونِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: شيبتني هود وَأَخَوَاتهَا وَذكر يَوْم الْقِيَامَة وقصص الْأُمَم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي عَليّ السّري رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله رُوِيَ عَنْك أَنَّك قلت: شيبتني هود
قَالَ: نعم
فَقلت: مَا الَّذِي شيبك مِنْهُ قصَص الْأَنْبِيَاء وهلاك الْأُمَم قَالَ: لَا وَلَكِن قَوْله (فاستقم كَمَا أمرت) (هود الْآيَة 112)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (11)
سُورَة هود
مَكِّيَّة وآياتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وَمِائَة
الْآيَات 1 - 4
(4/398)
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (4)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {الر كتاب أحكمت آيَاته} قَالَ: هِيَ كلهَا مَكِّيَّة محكمَة يَعْنِي سُورَة هود {ثمَّ فصلت} قَالَ: ثمَّ ذكر مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحكم فِيهَا بَينه وَبَين من خَالفه وَقَرَأَ مثل الْفَرِيقَيْنِ الْآيَة كلهَا ثمَّ ذكر قوم نوح ثمَّ قوم هود فَكَانَ هَذَا تَفْصِيل ذَلِك وَكَانَ أَوله محكماً
قَالَ: وَكَانَ أبي رَضِي الله عَنهُ يَقُول ذَلِك: يَعْنِي زيد بن أسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كتاب أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت} قَالَ: أحكمت بِالْأَمر وَالنَّهْي وفصلت بالوعد والوعيد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ فصلت} قَالَ: فسرت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كتاب أحكمت آيَاته ثمَّ فصلت} قَالَ: أحكمها الله من الْبَاطِل ثمَّ فصلها بِعِلْمِهِ فَبين حَلَاله وَحَرَامه وطاعته ومعصيته وَفِي قَوْله {من لدن حَكِيم} يَعْنِي من عِنْد حَكِيم
وَفِي قَوْله {يمتعكم مَتَاعا حسنا} قَالَ: فَأنْتم فِي ذَلِك الْمَتَاع فَخُذُوهُ بِطَاعَة الله وَمَعْرِفَة حَقه فَإِن الله منعم يحب الشَّاكِرِينَ وَأهل الشُّكْر فِي مزِيد من الله وَذَلِكَ قَضَاؤُهُ الَّذِي قضى وَفِي قَوْله {إِلَى أجل مُسَمّى} يَعْنِي الْمَوْت وَفِي قَوْله {وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله} أَي فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله} قَالَ: مَا احتسب بِهِ من مَاله أَو عمل بيدَيْهِ أَو رجلَيْهِ أَو كَلَامه أَو مَا تطوّل بِهِ من أمره كُله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله} قَالَ: يُؤْت كل ذِي فضل فِي الإِسلام فضل الدَّرَجَات فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله} قَالَ: من عمل سَيِّئَة كتبت عَلَيْهِ سَيِّئَة وَمن عمل حَسَنَة كتبت لَهُ عشر حَسَنَات فَإِن عُوقِبَ بِالسَّيِّئَةِ الَّتِي كَانَ عَملهَا فِي الدُّنْيَا بقيت لَهُ عشر حَسَنَات وَإِن لم يُعَاقب بهَا فِي الدُّنْيَا أخذت من الْحَسَنَات الْعشْر وَاحِدَة وَبقيت لَهُ تسع حَسَنَات ثمَّ يَقُول: هلك من غلب آحاده أعشاره
(4/399)
الْآيَة 5
(4/400)
أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (5)
أخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق مُحَمَّد بن عباد بن جَعْفَر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه قَرَأَ {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ} وَقَالَ أنَاس كَانُوا يستحيون أَن يتخلوا فيفضوا إِلَى السَّمَاء وَأَن يجامعوا نِسَاءَهُمْ فيفضوا إِلَى السَّمَاء فَنزل ذَلِك فيهم
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَلا إِنَّهُم تثنوا فِي صُدُورهمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن أبي مليكَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول أَلا إِنَّهُم تثنوا فِي صُدُورهمْ قَالَ: كَانُوا لَا يأْتونَ النِّسَاء وَلَا الْغَائِط إِلَّا وَقد تغشوا بثيابهم كَرَاهَة أَن يفضوا بفروجهم إِلَى السَّمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ} قَالَ: الشَّك فِي الله وَعمل السَّيِّئَات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ} قَالَ: كَانَ المُنَافِقُونَ إِذا مر أحدهم بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثنى صَدره وتغشى ثَوْبه لكيلا يرَاهُ فَنزلت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يثنون صُدُورهمْ} قَالَ: تضيق شكا وامتراء فِي الْحق {ليستخفوا مِنْهُ} قَالَ: من الله إِن اسْتَطَاعُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ} قَالَ: فِي ظلمَة اللَّيْل فِي أَجْوَاف بُيُوتهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي رزين رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ أحدهم يحني ظَهره ويستغشى بِثَوْبِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ
(4/400)
فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا يحنون صُدُورهمْ لكيلا يسمعوا كتاب الله
قَالَ تَعَالَى {أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ يعلم مَا يسرون} وَذَلِكَ أخْفى مَا يكون ابْن آدم إِذا حَنى ظَهره واستغشى بِثَوْبِهِ وأضمر همه فِي نَفسه فَإِن الله لَا يخفى ذَلِك عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ} يَقُول: يكتمون مَا فِي قُلُوبهم {أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ يعلم} مَا علمُوا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يثنون صُدُورهمْ} يَقُول: يطأطئون رؤوسهم ويحنون ظُهُورهمْ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ} قَالَ: فِي ظلمَة وظلمة اللحاف
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَلا إِنَّهُم يثنون صُدُورهمْ} قَالَ: يكبون {أَلا حِين يستغشون ثِيَابهمْ} قَالَ: يغطون رؤوسهم
الْآيَة 6
(4/401)
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْخَيْر الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوحى الله تَعَالَى إِلَى دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام: تزْعم أَنَّك تحبني وتسيء بِي الظَّن صباحاً وَمَسَاء أما كَانَت لَك عِبْرَة إِن شققت سبع أَرضين فأريتك ذرة فِي فِيهَا برة لم أُنْسُهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} يَعْنِي كل دَابَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} يَعْنِي مَا جاءها من رزق فَمن الله وَرُبمَا لم يرزقها حَتَّى تَمُوت جوعا وَلَكِن مَا كَانَ لَهَا من رزق فَمن الله
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ أَن الْأَشْعَرِيين أَبَا مُوسَى وَأَبا مَالك وَأَبا عَامر فِي نفر مِنْهُم لما هَاجرُوا قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أرملوا من الزَّاد فأرسلوا رجلا مِنْهُم إِلَى رَسُول الله
(4/401)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَله فَلَمَّا انْتهى إِلَى بَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمعه يقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها وَيعلم مستقرها ومستودعها كل فِي كتاب مُبين} فَقَالَ الرجل: مَا الأشعريون بِأَهْوَن الدَّوَابّ على الله
فَرجع وَلم يدْخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لأَصْحَابه: أَبْشِرُوا أَتَاكُم الْغَوْث وَلَا يظنون إِلَّا أَنه أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوعده فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ أَتَاهُم رجلَانِ يحْملَانِ قَصْعَة بَينهمَا مملؤة خبْزًا وَلَحْمًا فَأَكَلُوا مِنْهَا مَا شاؤوا ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض: لَو أَنا رددنا هَذَا الطَّعَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقضي بِهِ حَاجته فَقَالَا للرجلين: اذْهَبَا بِهَذَا الطَّعَام إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإنَّا قضينا حاجتنا ثمَّ إِنَّهُم أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله مَا رَأينَا طَعَاما أَكثر وَلَا أطيب من طَعَام أرْسلت بِهِ
قَالَ: مَا أرْسلت إِلَيْكُم طَعَاما فأخبروه أَنهم أرْسلُوا صَاحبهمْ
فَسَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ مَا صنع وَمَا قَالَ لَهُم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَلِك شَيْء رزقكموه الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَيعلم مستقرها} قَالَ: حَيْثُ تأوي {ومستودعها} قَالَ: حَيْثُ تَمُوت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: مستقرها بِاللَّيْلِ ومستودعها حَيْثُ تَمُوت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله وَيعلم {مستقرها} قَالَ: يَأْتِيهَا رزقها حَيْثُ كَانَت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيعلم مستقرها ومستودعها} قَالَ: مستقرها فِي الْأَرْحَام ومستودعها حَيْثُ تَمُوت
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ أجل أحدكُم بِأَرْض أتيحت لَهُ إِلَيْهَا حَاجَة حَتَّى إِذا بلغ أقْصَى أَثَره مِنْهَا فَيقبض فَتَقول الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة: هَذَا مَا استودعتني
(4/402)
الْآيَة 7
(4/403)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عمرَان بن حُصَيْن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ أهل الْيمن: يَا رَسُول الله أخبرنَا عَن أول هَذَا الْأَمر كَيفَ كَانَ قَالَ: كَانَ الله قبل كل شَيْء وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَكتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ ذكر كل شَيْء وَخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَنَادَى مُنَاد: ذهبت نَاقَتك يَا ابْن الْحصين فَانْطَلَقت فَإِذا هِيَ يقطع دونهَا السراب فوَاللَّه لَوَدِدْت أَنِّي كنت تركتهَا
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي رزين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله أَيْن كَانَ رَبنَا قبل أَن يخلق خلقه قَالَ: كَانَ فِي عماء مَا تَحْتَهُ هَوَاء وَمَا فَوْقه هَوَاء وَخلق عَرْشه على المَاء قَالَ التِّرْمِذِيّ رَضِي الله عَنهُ: العماء: أَي لَيْسَ مَعَه شَيْء
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قدر مقادير الْخَلَائق قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِخَمْسِينَ ألف سنة وَكَانَ عَرْشه على المَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخل قوم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: جِئْنَا نسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونتفقه فِي الدّين ونسأله عَن بَدْء هَذَا الْأَمر
فَقَالَ: كَانَ الله وَلَا شَيْء غَيره وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَكتب فِي الذّكر كل شَيْء ثمَّ خلق سبع سموات ثمَّ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ: هَذِه نَاقَتك قد ذهبت
فَخرجت والسراب يَنْقَطِع دونهَا فَلَوَدِدْت أَنِّي كنت تركتهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله
(4/403)
عَنْهُمَا
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله تَعَالَى {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} على أَي شَيْء كَانَ قَالَ: على متن الرّيح
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} قَالَ: قبل أَن يخلق شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عَرْشه على المَاء فَلَمَّا خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض قسم ذَلِك المَاء قسمَيْنِ فَجعل صفاء تَحت الْعَرْش وَهُوَ الْبَحْر الْمَسْجُور فَلَا تقطر مِنْهُ قَطْرَة حَتَّى ينْفخ فِي الصُّور فَينزل مِنْهُ مثل الطل فتنبت مِنْهُ الْأَجْسَام وَجعل النّصْف الآخر تَحت الأَرْض السُّفْلى
وَأخرج دَاوُد بن المحبر فِي كتاب الْعقل وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي كتاب التَّارِيخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} فَقلت: مَا معنى ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عقلا ثمَّ قَالَ: وَأَحْسَنُكُمْ عقلا أورعكم عَن محارم الله وَأعْلمكُمْ بِطَاعَة الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ليَبْلُوكُمْ} قَالَ: يَعْنِي الثقلَيْن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ليَبْلُوكُمْ} قَالَ: ليختبركم {أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ: أَيّكُم أتم عقلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ {ليَبْلُوكُمْ أَيّكُم أحسن عملا} قَالَ: أزهد فِي الدُّنْيَا
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَئِن قلت إِنَّكُم مبعوثون من بعد الْمَوْت ليَقُولن الَّذين كفرُوا} الْآيَة أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زَائِدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ سُلَيْمَان بن مُوسَى فِي هود عِنْد سبع آيَات {لساحر مُبين}
الْآيَات 8 - 14
(4/404)
وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (8) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (9) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (10) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (12) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزل (اقْترب للنَّاس حسابهم) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 1) قَالَ نَاس: إِن السَّاعَة قد اقْتَرَبت فتناهوا فتناهى الْقَوْم قَلِيلا ثمَّ عاودا إِلَى أَعْمَالهم أَعمال السوء فَأنْزل الله (أَتَى أَمر الله فَلَا تستعجلوه) (النَّحْل الْآيَة 1) فَقَالَ أنَاس أهل الضَّلَالَة: هَذَا أَمر الله قد أَتَى فتناهى الْقَوْم ثمَّ عَادوا إِلَى مَكْرهمْ مكر السوء فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَلَئِن أخرنا عَنْهُم الْعَذَاب إِلَى أمة مَعْدُودَة}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر إِلَى أمة مَعْدُودَة قَالَ: إِلَى أجل مَعْدُود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ليَقُولن مَا يحْبسهُ} قَالَ: للتكذيب بِهِ وَأَنه لَيْسَ بِشَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} يَقُول: وَقع الْعَذَاب الَّذِي استهزؤا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَئِن أذقنا الإِنسان منا رَحْمَة} الْآيَة
قَالَ: يَا ابْن آدم إِذا كَانَت بك نعْمَة من الله من السعَة والأمن والعافية فكفور لما بك مِنْهَا وَإِذا نزعت مِنْك يَبْتَغِي لَك فراغك فيؤوس
(4/405)
من روح الله قنوط من رَحمته كَذَلِك أَمر الْمُنَافِق وَالْكَافِر
وَفِي قَوْله {وَلَئِن أذقناه نعماء} إِلَى قَوْله {ذهب السَّيِّئَات عني} قَالَ: غره بِاللَّه وجرأه عَلَيْهِ أَنه لفرح وَالله لَا يحب الفرحين فخور لما أعْطى لَا يشْكر الله ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {إِلَّا الَّذين صَبَرُوا} يَقُول: عِنْد الْبلَاء {وَعمِلُوا الصَّالِحَات} عِنْد النِّعْمَة {أُولَئِكَ لَهُم مغْفرَة} لذنوبهم {وَأجر كَبِير} قَالَ: الْجنَّة {فلعلك تَارِك بعض مَا يُوحى إِلَيْك} إِن تفعل فِيهِ مَا أمرت وَتَدْعُو إِلَيْهِ كَمَا أرْسلت {أَن يَقُولُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ كنز} لَا ترى مَعَه مَالا {أَو جَاءَ مَعَه ملك} ينذر مَعَه {إِنَّمَا أَنْت نَذِير} فَبلغ مَا أمرت بِهِ فَإِنَّمَا أَنْت رَسُول {أم يَقُولُونَ افتراه} قد قَالُوهُ {فَأتوا بِعشر سور مثله} مثل الْقُرْآن {وَادعوا شهداءكم} يشْهدُونَ إِنَّهَا مثله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُسلمُونَ} قَالَ لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْآيَات 15 - 16
(4/406)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن معبد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَامَ رجل إِلَى عليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: أخبرنَا عَن هَذِه الْآيَة {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا} إِلَى قَوْله {وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ} قَالَ: وَيحك
ذَاك من كَانَ يُرِيد الدُّنْيَا لَا يُرِيد الْآخِرَة
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا} أَي ثَوَابهَا {وَزينتهَا} مَالهَا {نوف إِلَيْهِم} نوفر لَهُم ثَوَاب أَعْمَالهم بِالصِّحَّةِ وَالسُّرُور فِي الْأَهْل وَالْمَال وَالْولد {وهم فِيهَا لَا يبخسون} لَا ينقضون ثمَّ نسخهَا (من كَانَ يُرِيد العاجلة عجلنا لَهُ فِيهَا مَا نشَاء) (الإِسراء الْآيَة 18) الْآيَة
(4/406)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْآيَة قَالَ: من عمل صَالحا التمَاس الدُّنْيَا صوما أَو صَلَاة أَو تهجداً بِاللَّيْلِ لَا يُعلمهُ إِلَّا لالتماس الدُّنْيَا يَقُول الله: أَو فِيهِ الَّذِي التمس فِي الدُّنْيَا من المثابة وحبط عمله الَّذِي كَانَ يعْمل وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: هُوَ الرجل يعْمل الْعَمَل للدنيا لَا يُرِيد بِهِ الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي أهل الشّرك
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: هم أهل الرِّيَاء
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أول من يدعى يَوْم الْقِيَامَة رجل جمع الْقُرْآن يَقُول الله تَعَالَى لَهُ: ألم أعلمك مَا أنزلت على رَسُولي فَيَقُول: بلَى يَا رب
فَيَقُول: فَمَاذَا عملت فِيمَا علمتك فَيَقُول: يَا رب كنت أقوم بِهِ اللَّيْل وَالنَّهَار
فَيَقُول الله لَهُ: كذبت
وَتقول الْمَلَائِكَة: كذبت بل أردْت أَن يُقَال فلَان قَارِئ فقد قيل اذْهَبْ فَلَيْسَ لَك الْيَوْم عندنَا شَيْء ثمَّ يدعى صَاحب المَال فَيَقُول الله: عَبدِي ألم أنعم عَلَيْك ألم أوسع عَلَيْك فَيَقُول: بلَى يَا رب
فَيَقُول: فَمَاذَا عملت فِيمَا آتيتك فَيَقُول: يَا رب كنت أصل الْأَرْحَام وأتصدق وأفعل
فَيَقُول الله لَهُ: كذبت بل أردْت أَن يُقَال فلَان جواد فقد قيل ذَلِك اذْهَبْ فَلَيْسَ لَك الْيَوْم عندنَا شَيْء
ويدعى الْمَقْتُول فَيَقُول الله لَهُ: عَبدِي فيمَ قتلت فَيَقُول: يَا رب فِيك وَفِي سَبِيلك
فَيَقُول الله لَهُ: كذبت وَتقول الْمَلَائِكَة: كذبت بل أردْت أَن يُقَال فلَان جريء فقد قيل ذَلِك اذْهَبْ فَلَيْسَ لَك الْيَوْم عندنَا شَيْء
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أُولَئِكَ الثَّلَاثَة شَرّ خلق الله يسعر بهم النَّار يَوْم الْقِيَامَة
فَحدث مُعَاوِيَة بِهَذَا إِلَى قَوْله {وباطل مَا كَانُوا يعْملُونَ}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا
(4/407)
كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صَارَت أمتِي ثَلَاثَة فرق
فرقة يعْبدُونَ الله خَالِصا: وَفرْقَة يعْبدُونَ الله رِيَاء وَفرْقَة يعْبدُونَ الله يصيبون بِهِ دنيا فَيَقُول للَّذي كَانَ يعبد الله للدنيا: بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادتي فَيَقُول: الدُّنْيَا
فَيَقُول: لَا جرم لَا ينفعك مَا جمعت وَلَا ترجع إِلَيْهِ انْطَلقُوا بِهِ إِلَى النَّار وَيَقُول للَّذي يعبد الله رِيَاء: بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادتي قَالَ: الرِّيَاء
فَيَقُول: إِنَّمَا كَانَت عبادتك الَّتِي كنت ترائي بهَا لَا يصعد إليّ مِنْهَا شَيْء وَلَا ينفعك الْيَوْم انْطَلقُوا بِهِ إِلَى النَّار وَيَقُول للَّذي يعبد الله خَالِصا: بعزتي وَجَلَالِي مَا أردْت بعبادتي فَيَقُول: بعزتك وجلالك لأَنْت أعلم بِهِ مني كنت أعبدك لوجهك ولدارك
قَالَ: صدق عَبدِي انْطَلقُوا بِهِ إِلَى الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُؤْتى يَوْم الْقِيَامَة بناس بَين النَّاس إِلَى الْجنَّة حَتَّى إِذا دنوا مِنْهَا استنشقوا رائحتها ونظروا إِلَى قُصُورهَا وَإِلَى مَا أعد الله لأَهْلهَا فِيهَا فَيَقُولُونَ: يَا رَبنَا لَو أدخلتنا النَّار قبل أَن ترينا مَا أريتنا من الثَّوَاب وَمَا أَعدَدْت فِيهَا لأوليائك كَانَ أَهْون
قَالَ: ذَاك أردْت بكم كُنْتُم إِذا خلوتم بارزتموني بالعظيم وَإِذا لَقِيتُم النَّاس لقيتموهم مخبتين وَلم تجلوني وتركتم للنَّاس وَلم تتركوا إِلَيّ فاليوم أذيقكم الْعَذَاب الْأَلِيم مَعَ مَا حرمتم من الثَّوَاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا وهم فِيهَا لَا يبخسون} قَالَ: يُؤْتونَ ثَوَاب مَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُم فِي الْآخِرَة من شَيْء وَقَالَ: هِيَ مثل الْآيَة الَّتِي فِي الرّوم (وَمَا آتيتم من رَبًّا ليربو فِي أَمْوَال النَّاس فَلَا يربوا عِنْد الله) (الرّوم الْآيَة 39)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا} الْآيَة
يَقُول: من كَانَت الدُّنْيَا همه وسدمه وطلبته وَنِيَّته وَحَاجته جازاه الله بحسناته فِي الدُّنْيَا ثمَّ يُفْضِي إِلَى الْآخِرَة لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَسَنَة وَأما الْمُؤمن فيجازى بحسناته فِي الدُّنْيَا ويثاب عَلَيْهَا فِي الْآخِرَة {وهم فِيهَا لَا يبخسون} أَي لَا يظْلمُونَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: من عمل للدنيا لَا يُرِيد بِهِ الله وفاه الله ذَلِك الْعَمَل فِي الدُّنْيَا أجر مَا عمل
(4/408)
فَذَلِك قَوْله {نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا وهم فِيهَا لَا يبخسون} أَي لَا ينقصُونَ أَي يُعْطوا مِنْهَا أجر مَا عمِلُوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من كَانَ يُرِيد أَن يعلم مَا مَنْزِلَته عِنْد الله فَلْينْظر فِي عمله فَإِنَّهُ قادم على عمله كَائِنا مَا كَانَ وَلَا عمل مُؤمن وَلَا كَافِر من عمل صَالح إِلَّا جَاءَ الله بِهِ فَأَما الْمُؤمن فيجزيه بِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة بِمَا شَاءَ وَأما الْكَافِر فيجزيه فِي الدُّنْيَا ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {من كَانَ يُرِيد الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزينتهَا}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم} قَالَ: طَيِّبَاتهمْ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج {نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا} قَالَ: نعجل لَهُم فِيهَا كل طيبَة لَهُم فِيهَا وهم لَا يظْلمُونَ بِمَا لم يعجلوا من طَيِّبَاتهمْ لم يظلمهم لأَنهم لم يعلمُوا إِلَّا الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نوف إِلَيْهِم أَعْمَالهم فِيهَا} قَالَ: تعجل لمن لَا يقبل مِنْهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وحبط مَا صَنَعُوا فِيهَا} قَالَ: حَبط مَا علمُوا من خير {وَبَطل} فِي الْآخِرَة لَيْسَ لَهُم فِيهَا جَزَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وحبط} يَعْنِي بَطل
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن أبيّ بن كَعْب أَنه قَرَأَ وباطلاً مَا كَانُوا يعْملُونَ
الْآيَة 17
(4/409)
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا من رجل من قُرَيْش إِلَّا نزل فِيهِ طَائِفَة من الْقُرْآن
فَقَالَ لَهُ
(4/409)
رجل: مَا نزل فِيك قَالَ: أما تقْرَأ سُورَة هود {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه ويتلوه شَاهد مِنْهُ} رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بَيِّنَة من ربه وَأَنا شَاهد مِنْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على بَيِّنَة من ربه وَأَنا شَاهد مِنْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه أَنا ويتلوه شَاهد مِنْهُ قَالَ: عَليّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} قَالَ: ذَاك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قلت لأبي: إِن النَّاس يَزْعمُونَ فِي قَول الله {ويتلوه شَاهد مِنْهُ} أَنَّك أَنْت التَّالِي
قَالَ: وددت أَنِّي أَنا هُوَ وَلكنه لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحَنَفِيَّة {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ويتلوه شَاهد مِنْهُ} قَالَ: لِسَانه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ويتلوه شَاهد مِنْهُ} قَالَ: أما الْحسن رَضِي الله عَنهُ فَكَانَ يَقُول: اللِّسَان
وَذكر عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَنه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
وَوَافَقَهُ سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هُوَ جِبْرِيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ {ويتلوه شَاهد مِنْهُ} قَالَ: هُوَ اللِّسَان
وَيُقَال: أَيْضا جِبْرِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} قَالَ: مُحَمَّد {ويتلوه شَاهد مِنْهُ} قَالَ: جِبْرِيل فَهُوَ شَاهد من الله بِالَّذِي يَتْلُو من كتاب الله الَّذِي أنزل على مُحَمَّد {وَمن قبله كتاب مُوسَى} قَالَ: وَمن قبله تَلا التَّوْرَاة على لِسَان مُوسَى كَمَا تَلا الْقُرْآن على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/410)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ويتلوه شَاهد مِنْهُ} قَالَ: ملك يحفظه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن الْحُسَيْن بن عَليّ فِي قَوْله {ويتلوه شَاهد مِنْهُ} قَالَ: مُحَمَّد هُوَ الشَّاهِد من الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَة من ربه} قَالَ: الْمُؤمن على بَيِّنَة من ربه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم {وَمن قبله كتاب مُوسَى} قَالَ: وَمن جَاءَ بِالْكتاب إِلَى مُوسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب} قَالَ: الْكفَّار أحزاب كلهم على الْكفْر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب} قَالَ: من الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يسمع بِي أحد من هَذِه الْأمة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ فَلم يُؤمن بِي إِلَّا كَانَ من أهل النَّار
قَالَ سعيد: فَقلت مَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا هُوَ فِي كتاب الله فَوجدت {وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من أحد يسمع بِي من هَذِه الْأمة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ وَلَا يُؤمن بِي إِلَّا دخل النَّار
فَجعلت أَقُول: أَيْن تصديقها فِي كتاب الله وقلما سَمِعت حَدِيثا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا وجدت تَصْدِيقه فِي الْقُرْآن حَتَّى وجدت هَذِه الْآيَة {وَمن يكفر بِهِ من الْأَحْزَاب فَالنَّار موعده} قَالَ: الْأَحْزَاب الْملَل كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا بَلغنِي حَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على وَجهه إِلَّا وجدت مصداقه فِي كتاب الله
(4/411)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَا يسمع بِي أحد من هَذِه الْأمة وَلَا يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ وَمَات وَلم يُؤمن بِالَّذِي أرْسلت بِهِ إِلَّا كَانَ من أَصْحَاب النَّار
الْآيَة 18
(4/412)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جريج فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا} قَالَ: الْكَافِر وَالْمُنَافِق {أُولَئِكَ يعرضون على رَبهم} فيسألهم عَن أَعْمَالهم {وَيَقُول الأشهاد} الَّذين كَانُوا يحفظون أَعْمَالهم عَلَيْهِم فِي الدُّنْيَا {هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم} حفظوه شهدُوا بِهِ عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَيَقُول الأشهاد} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ {الأشهاد} الْمَلَائِكَة يشْهدُونَ على بني آدم بأعمالهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله يدني الْمُؤمن حَتَّى يضع عَلَيْهِ كنفه ويستره من النَّاس ويقرره بذنوبه وَيَقُول لَهُ: اتعرف ذَنْب كَذَا أتعرف ذَنْب كَذَا فَيَقُول: أَي رب أعرف
حَتَّى إِذا قَرَّرَهُ بذنوبه وَرَأى فِي نَفسه أَنه قد هلك قَالَ: فَإِنِّي قد سترتها عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَأَنا أغفرها لَك الْيَوْم
ثمَّ يعْطى كتاب حَسَنَاته وَأما الْكفَّار والمنافقون {وَيَقُول الأشهاد هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم أَلا لعنة الله على الظَّالِمين}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ من وَجه آخر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَأْتِي الله بِالْمُؤمنِ يَوْم الْقِيَامَة فيقربه مِنْهُ حَتَّى يَجعله فِي حجابه من جَمِيع الْخلق فَيَقُول لَهُ: اقرأه
فيعرفه ذَنبا ذَنبا فَيَقُول: أتعرف أتعرف فَيَقُول: نعم نعم
فيلتفت العَبْد يمنة ويسرة فَيَقُول لَهُ الرب: لَا بَأْس عَلَيْك يَا
(4/412)
عَبدِي أَنْت كنت فِي ستري من جَمِيع خلقي وَلَيْسَ بيني وَبَيْنك الْيَوْم من يطلع على ذنوبك اذْهَبْ فقد غفرتها لَك بِحرف وَاحِد من جَمِيع مَا أتيتني بِهِ
فَيَقُول: يَا رب مَا هُوَ قَالَ: كنت لَا ترجو الْعَفو من أحد غَيْرِي فهانت عَليّ ذنوبك وَأما الْكَافِر فَيقْرَأ ذنُوبه على رُؤُوس الأشهاد {هَؤُلَاءِ الَّذين كذبُوا على رَبهم أَلا لعنة الله على الظَّالِمين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه لَا يخزى يَوْمئِذٍ أحد فيخفي خزيه على أحد من الْخَلَائق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: هَذَا كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى الْيمن فَقَالَ: إِن الله كره الظُّلم وَنهى عَنهُ وَقَالَ {أَلا لعنة الله على الظَّالِمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الرجل ليُصَلِّي ويلعن نَفسه فِي قِرَاءَته فَيَقُول {أَلا لعنة الله على الظَّالِمين} وَأَنه لظَالِم
الْآيَة 19
(4/413)
الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله} هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صدت قُرَيْش عَنهُ النَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويبغونها عوجا} يَعْنِي يرجون بِمَكَّة غير الإِسلام دينا
الْآيَة 20
(4/413)
أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أخبر الله سُبْحَانَهُ أَنه حَال بَين أهل الشّرك وَبَين طَاعَته فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أما فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ
(4/413)
قَالَ: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَفِي طَاعَته وَمَا كَانُوا يبصرون وَأما فِي الْآخِرَة فَإِنَّهُ قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ خاشعة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع وَمَا كَانُوا يبصرون} قَالَ: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَن يسمعوا خيرا فينتفعوا بِهِ وَلَا يبصروا خيرا فيأخذوا بِهِ
الْآيَات 21 - 22
(4/414)
أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (22)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {أُولَئِكَ الَّذين خسروا أنفسهم} قَالَ: غبنوا أنفسهم
الْآيَة 23
(4/414)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (23)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وأخبتوا} قَالَ: خَافُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الإِخبات الإِنابة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الإِخبات الْخُشُوع والتواضع
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وأخبتوا إِلَى رَبهم} قَالَ: اطمأنوا إِلَى رَبهم
الْآيَة 24
(4/414)
مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مثل الْفَرِيقَيْنِ كالأعمى والأصم} قَالَ: الْكَافِر {والبصير والسميع} قَالَ: الْمُؤمن
الْآيَات 25 - 35
(4/415)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا نرَاك اتبعك إِلَّا الَّذين هم أراذلنا باديَ الرَّأْي} قَالَ: فِيمَا ظهر لنا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ
مثله
(4/415)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن كنت على بَيِّنَة من رَبِّي} قَالَ: قد عرفتها وَعرفت بهَا أمره وَأَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ {وآتاني رَحْمَة من عِنْده} قَالَ: الإِسلام وَالْهدى والإِيمان وَالْحكم والنبوة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أنلزمكموها} قَالَ: أما وَالله لَو اسْتَطَاعَ نَبِي الله لألزمها قومه وَلكنه لم يسْتَطع ذَلِك وَلم يملكهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَنه كَانَ يقْرَأ أنلزمكموها من شطر أَنْفُسنَا وَأَنْتُم لَهَا كَارِهُون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ أنلزمكموها من شطر قُلُوبنَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن أجري} قَالَ: جزائي
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا أَنا بطارد الَّذين آمنُوا} قَالَ: قَالُوا لَهُ: يَا نوح إِن أَحْبَبْت أَن نتبعك فاطردهم وَإِلَّا فَلَنْ نرضى أَن نَكُون نَحن وهم فِي الْأَمر سَوَاء
وَفِي قَوْله {إِنَّهُم ملاقوا رَبهم} قَالَ: فيسألهم عَن أَعْمَالهم {وَلَا أَقُول لكم عِنْدِي خَزَائِن الله} الَّتِي لَا يفنيها شَيْء فَأَكُون إِنَّمَا أدعوكم لتتبعوني عَلَيْهَا لأعطيكم مِنْهَا بِملكه أَي عَلَيْهَا {وَلَا أعلم الْغَيْب} لَا أَقُول اتبعوني على علمي بِالْغَيْبِ {وَلَا أَقُول إِنِّي ملك} نزلت من السَّمَاء برسالة {مَا أَنا إِلَّا بشر مثلكُمْ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا أَقُول للَّذين تزدري أعينكُم} قَالَ: حقرتموهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لن يُؤْتِيهم الله خيرا} قَالَ: يَعْنِي إِيمَانًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالُوا يَا نوح قد جادلتنا} قَالَ: ماريتنا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {فأتنا بِمَا تعدنا} قَالَ: تَكْذِيبًا بِالْعَذَابِ وَأَنه بَاطِل
(4/416)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فعليَّ إجرامي} قَالَ: عَمَلي {وَأَنا بَرِيء مِمَّا تجرمون} أَي مِمَّا تَعْمَلُونَ
الْآيَات 36 - 37
(4/417)
وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأوحي إِلَى نوح أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} وَذَلِكَ حِين دَعَا عَلَيْهِم نوح عَلَيْهِ السَّلَام (قَالَ رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا) (نوح الْآيَة 26)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن نوحًا لم يدع على قومه حَتَّى نزلت عَلَيْهِ الْآيَة {وأوحي إِلَى نوح أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} فَانْقَطع عِنْد ذَلِك رجاؤه مِنْهُم فَدَعَا عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما استنقذ الله من أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء كل مُؤمن ومؤمنة قَالَ: يَا نوح {أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن}
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يضْرب ثمَّ يلف فِي لبد فَيلقى فِي بَيته يرَوْنَ أَنه قد مَاتَ ثمَّ يخرج فيدعوهم حَتَّى إِذا أيس من إِيمَان قومه جَاءَهُ رجل وَمَعَهُ ابْنه وَهُوَ يتَوَكَّأ على عَصا فَقَالَ: يَا بني أنظر هَذَا الشَّيْخ لَا يغرنك
قَالَ: يَا أَبَت أمكني من الْعَصَا ثمَّ أَخذ الْعَصَا ثمَّ قَالَ: ضعني فِي الأَرْض
فَوَضعه فَمشى إِلَيْهِ فَضَربهُ فَشَجَّهُ مُوضحَة فِي رَأسه وسالت الدِّمَاء قَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام: رب قد ترى مَا يفعل بِي عِبَادك فَإِن يكن لَك فِي عِبَادك حَاجَة فاهدهم وَإِن يكن غير ذَلِك فصبرني إِلَى أَن تحكم وَأَنت خير الْحَاكِمين
فَأوحى الله إِلَيْهِ وآيسه من إِيمَان قومه وَأخْبرهُ أَنه لم يبْق فِي أصلاب الرِّجَال وَلَا فِي أَرْحَام النِّسَاء مُؤمن قَالَ {وأوحي إِلَى نوح أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن فَلَا تبتئس بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
(4/417)
يَعْنِي لَا تحزن عَلَيْهِم (واصنع الْفلك) (نوح الْآيَة 37) قَالَ: يَا رب وَمَا الْفلك قَالَ: بَيت من خشب يجْرِي على وَجه المَاء فأغرق أهل معصيتي وأطهر أرضي مِنْهُم
قَالَ: يَا رب وَأَيْنَ المَاء قَالَ: إِنِّي على مَا أَشَاء قدير
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَلَا تبتئس} قَالَ: فَلَا تحزن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَن اصْنَع الْفلك} قَالَ: السَّفِينَة {بأعيننا ووحينا} قَالَ: كَمَا نأمرك
وَأخرج ابْن أَبُو حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {واصنع الْفلك بأعيننا} قَالَ: بِعَين الله ووحيه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا وصف الله تبَارك بِهِ نَفسه فِي كِتَابه فقراءته تَفْسِيره لَيْسَ لأحد أَن يفسره بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بِالْفَارِسِيَّةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لم يعلم نوح عَلَيْهِ السَّلَام كَيفَ يصنع الْفلك فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن يصنعها على مثل جؤجؤ الطَّائِر
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تخاطبني فِي الَّذين ظلمُوا} يَقُول: لَا تراجعني تقدم إِلَيْهِ لَا يشفع لَهُم عِنْده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: نهى الله نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام أَن يُرَاجِعهُ بعد ذَلِك فِي أحد
الْآيَات 38 - 39
(4/418)
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام مكث فِي قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما يَدعُوهُم إِلَى الله حَتَّى كَانَ آخر زَمَانه
(4/418)
غرس شَجَرَة فعظمت وَذَهَبت كل مَذْهَب ثمَّ قطعهَا ثمَّ جعل يعملها سفينة ويمرون فيسألونه فَيَقُول: أعملها سفينة فيسخرون مِنْهُ وَيَقُولُونَ: تعْمل سفينة فِي الْبر وَكَيف تجْرِي قَالَ: سَوف تعلمُونَ
فَلَمَّا فرغ مِنْهَا وفار التَّنور وَكثر المَاء فِي السكَك خشيت أم الصَّبِي عَلَيْهِ وَكَانَت تحبه حبا شَدِيدا فَخرجت إِلَى الْجَبَل حَتَّى بلغت ثلثه فَلَمَّا بلغَهَا المَاء خرجت حَتَّى اسْتَوَت على الْجَبَل فَلَمَّا بلغ المَاء رقبَتهَا رفعته بَين يَديهَا حَتَّى ذهب بهَا المَاء فَلَو رحم الله مِنْهُم أحدا لرحم أم الصَّبِي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَت سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام لَهَا أَجْنِحَة وَتَحْت الأجنحة إيوَان
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة بن جُنْدُب رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَام أَبُو الْعَرَب وَحَام أَبُو الْحَبَش وَيَافث أَبُو الرّوم وَذكر أَن طول السَّفِينَة كَانَ ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وعرضها خَمْسُونَ ذِرَاعا وطولها فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وبابها فِي عرضهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ طول سفينة نوح ثلثمِائة ذِرَاع وطولها فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا
وَأخرج إِسْحَق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن نوحًا لما أَمر أَن يصنع الْفلك قَالَ: يَا رب وَأَيْنَ الْخشب قَالَ: إغرس الشّجر فغرس الساج عشْرين سنة وكف عَن الدُّعَاء وَكفوا عَن الِاسْتِهْزَاء فَلَمَّا أدْرك الشّجر أمره ربه فقطعها وجففها فَقَالَ: يَا رب كَيفَ اتخذ هَذَا الْبَيْت قَالَ: اجْعَلْهُ على ثَلَاثَة صور
رَأسه كرأس الديك وجؤجؤه كجؤجؤ الطير وذنبه كذنب الديك وَاجْعَلْهَا مطبقة وَاجعَل لَهَا أبواباً فِي جنبها وشدها بدسر - يَعْنِي مسامير الْحَدِيد - وَبعث الله جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يُعلمهُ صَنْعَة السَّفِينَة فَكَانُوا يَمرونَ بِهِ ويسخرون مِنْهُ وَيَقُولُونَ: أَلا ترَوْنَ إِلَى هَذَا الْمَجْنُون يتَّخذ بَيْتا ليسير بِهِ على المَاء وَأَيْنَ المَاء وَيضْحَكُونَ
وَذَلِكَ قَوْله {وَكلما مر عَلَيْهِ مَلأ من قومه سخروا مِنْهُ} فَجعل السَّفِينَة سِتّمائَة ذِرَاع طولهَا وَسِتِّينَ ذِرَاعا فِي الأَرْض وعرضها ثلثمِائة ذِرَاع وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَأمر أَن يطليها بالقار وَلم يكن فِي الأَرْض قار ففجر الله لَهُ عين القار حَيْثُ تنحت السَّفِينَة تغلي غلياناً حَتَّى طلاها فَلَمَّا فرغ مِنْهَا جعل لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب وأطبقها فَحمل فِيهَا السبَاع وَالدَّوَاب فَألْقى الله على الْأسد الْحمى وشغله بِنَفسِهِ عَن
(4/419)
الدَّوَابّ وَجعل الْوَحْش وَالطير فِي الْبَاب الثَّانِي ثمَّ أطبق عَلَيْهَا وَجعل ولد آدم أَرْبَعِينَ رجلا وَأَرْبَعين امْرَأَة فِي الْبَاب الْأَعْلَى ثمَّ أطبق عَلَيْهِم وَجعل الدرة مَعَه فِي الْبَاب الْأَعْلَى لِضعْفِهَا أَن لَا تطأها الدَّوَابّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن طول السَّفِينَة ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وعرضها خَمْسُونَ ذِرَاعا وطولها فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وبابها فِي عرضهَا وَذكر لنا أَنَّهَا اسْتَقَلت بهم فِي عشر خلون من رَجَب وَكَانَت فِي المَاء خمسين وَمِائَة يَوْم ثمَّ اسْتَقَرَّتْ بهم على الجودي واهبطوا إِلَى الأَرْض فِي عشر لَيَال خلون من الْمحرم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ طول سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام ألف ذِرَاع ومائتي ذِرَاع وعرضها سِتّمائَة ذِرَاع
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ الحواريون لعيسى بن مَرْيَم عَلَيْهِمَا السَّلَام لَو بعثت لنا رجلا شهد السَّفِينَة فحدثنا عَنْهَا فَانْطَلق بهم حَتَّى انْتهى إِلَى كثيب من تُرَاب فَأخذ كفا من ذَلِك التُّرَاب قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا هَذَا قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: هَذَا كَعْب حام بن نوح فَضرب الْكَثِيب بعصاه قَالَ: قُم بِإِذن الله
فَإِذا هُوَ قَائِم ينفض التُّرَاب عَن رَأسه قد شَاب قَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: هَكَذَا هَلَكت
قَالَ: لَا مت وَأَنا شَاب وَلَكِنِّي ظَنَنْت أَنَّهَا السَّاعَة قَامَت فَمن ثمَّ شبت قَالَ: حَدثنَا عَن سفينة نوح قَالَ: كَانَ طولهَا ألف ذِرَاع ومائتي ذِرَاع وعرضها سِتّمائَة ذِرَاع كَانَت ثَلَاث طَبَقَات
فطبقة فِيهَا الدَّوَابّ والوحش وطبقة فِيهَا الإِنس وطبقة فِيهَا الطير فَلَمَّا كثر أرواث الدَّوَابّ أوحى الله إِلَى نوح: أَن اغمز ذَنْب الْفِيل
فغمز فَوَقع مِنْهُ خِنْزِير وخنزيرة فَأَقْبَلَا على الروث فَلَمَّا وَقع الفار يخرب السَّفِينَة بقرضه أوحى الله إِلَى نوح أَن أضْرب بَين عَيْني الْأسد
فَخرج من منخره سنور وسنورة فَأَقْبَلَا على الفار فَقَالَ لَهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام: كَيفَ علم نوح أَن الْبِلَاد قد غرقت قَالَ: بعث الْغُرَاب يَأْتِيهِ بالْخبر فَوجدَ جيفة فَوَقع عَلَيْهَا فَدَعَا عَلَيْهِ بالخوف فَلذَلِك لَا يألف الْبيُوت
ثمَّ بعث الْحَمَامَة فَجَاءَت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها فَعلم أَن الْبِلَاد قد غرقت فطوّقها الخضرة الَّتِي فِي عُنُقهَا ودعا لَهَا أَن تكون فِي أنس وأمان فَمن ثمَّ تألف الْبيُوت فَقَالُوا: يَا روح الله أَلا تَنْطَلِق
(4/420)
بِنَا إِلَى أَهَالِينَا فيجلس مَعنا ويحدثنا قَالَ: كَيفَ يتبعكم من لَا رزق لَهُ ثمَّ قَالَ: عد بِإِذن الله فَعَاد تُرَابا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ طول سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَرْبَعمِائَة ذِرَاع وعرضها فِي السَّمَاء ثَلَاثُونَ ذِرَاعا
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان الفرائي
عمل نوح عَلَيْهِ السَّلَام السَّفِينَة أَرْبَعمِائَة سنة وَأنْبت الساج أَرْبَعِينَ سنة حَتَّى كَانَ طوله أَرْبَعمِائَة ذِرَاع والذراع إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ
أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام مكث يغْرس الشّجر ويقطعها وييبسها ثمَّ مائَة سنة يعملها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ
أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام لما أَمر أَن يصنع الْفلك قَالَ: رب لست بنجار قَالَ: بلَى
فَإِن ذَلِك بعيني فَخذ القادوم فَجعلت يَده لَا تخطئ فَجعلُوا يَمرونَ بِهِ وَيَقُولُونَ: هَذَا الَّذِي يزْعم أَنه نَبِي قد صَارا نجاراً فعملها أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن ميناء
أَن كَعْبًا رَضِي الله عَنهُ قَالَ لعبد الله بن همرو بن الْعَاصِ أَخْبرنِي عَن أول شَجَرَة نَبتَت على الأَرْض قَالَ عبد الله: الساج وَهِي الَّتِي عمل مِنْهَا نوح السَّفِينَة فَقَالَ كَعْب رَضِي الله عَنهُ: صدقت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {من يَأْتِيهِ عَذَاب يخزيه} قَالَ: هُوَ الْغَرق {وَيحل عَلَيْهِ عَذَاب مُقيم} قَالَ: هُوَ الخلود فِي النَّار
الْآيَة 40
(4/421)
حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وفار التَّنور} نبع المَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وفار التَّنور} قَالَ: إِذا رَأَيْت تنور أهلك يخرج مِنْهُ المَاء فَإِنَّهُ هَلَاك قَوْمك
(4/421)
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ تنوراً من حِجَارَة كَانَ لحوّاء عَلَيْهَا السَّلَام حَتَّى صَار إِلَى نوح عَلَيْهِ السَّلَام فَقيل لَهُ: إِذا رَأَيْت المَاء يفور من التَّنور فاركب أَنْت وَأَصْحَابك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ بَين دَعْوَة نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَبَين هَلَاك قومه ثَلَاثمِائَة سنة وَكَانَ فار التَّنور بِالْهِنْدِ وطافت سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام بِالْبَيْتِ أسبوعاً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وفار التَّنور} قَالَ: الْعين الَّتِي بالجزيرة عين الوردة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فار التَّنور من مَسْجِد الْكُوفَة من قبل أَبْوَاب كِنْدَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حَبَّة الْعَرَبِيّ قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ: إِنِّي قد اشْتريت رَاحِلَة وفرغت من زادي أُرِيد بَيت الْمُقَدّس لأصلي فِيهِ فَإِنَّهُ قد صلى فِيهِ سَبْعُونَ نَبيا وَمِنْه فار التَّنور يَعْنِي مَسْجِد الْكُوفَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: وَالَّذِي فلق الْحبَّة وبرأ النَّسمَة أَن مَسْجِدكُمْ هَذَا لرابع أَرْبَعَة من مَسَاجِد الْمُسلمين ولركعتان فِيهِ أحب إليّ من عشر فِيمَا سواهُ إِلَّا الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ وَإِن من جَانِبه الْأَيْمن مُسْتَقْبل الْقبْلَة فار التَّنور
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ بن إِسْمَاعِيل الْهَمدَانِي قَالَ: لقد نجر نوح سفينته فِي وسط هَذَا الْمَسْجِد - يَعْنِي مَسْجِد الْكُوفَة - وفار التَّنور من جَانِبه الْأَيْمن وَإِن الْبَريَّة مِنْهُ لعلى إثني عشر ميلًا من حَيْثُ مَا جنبه ولصلاة فِيهِ أفضل من أَربع فِي غَيره إِلَّا المسجدين مَسْجِد الْحَرَام وَمَسْجِد الرَّسُول بِالْمَدِينَةِ وَإِن من جَانِبه الْأمين مُسْتَقْبل الْقبْلَة فار التَّنور
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: التَّنور وَجه الأَرْض قيل لَهُ: إِذا رَأَيْت المَاء على وَجه الأَرْض فاركب أَنْت وَمن مَعَك وَالْعرب تسمي وَجه الأَرْض تنور الأَرْض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ {وفار التَّنور} قَالَ: وَجه الأَرْض
(4/422)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: التَّنور أَعلَى الأَرْض وَأَشْرَفهَا وَكَانَ علما فِيمَا بَين نوح وَبَين ربه عز وَجل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن بسطَام بن مُسلم قَالَ: قلت لمعاوية بن قُرَّة إِن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ إِذا أَتَى على هَذِه الْآيَة قَالَ: هِيَ أَعلَى الأَرْض وَأَشْرَفهَا فَقَالَ: الله أعلم أما أَنا فَسمِعت مِنْهُ حديثين فَالله أعلم
قَالَ بَعضهم: فار مِنْهُ المَاء
وَقَالَ بَعضهم فارت من النَّار وفار التَّنور بِكُل لُغَة التَّنور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ {وفار التَّنور} قَالَ: طلع الْفجْر
قيل لَهُ: إِذا طلع الْفجْر فاركب أَنْت وَأَصْحَابك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ {وفار التَّنور} قَالَ: تنور الصُّبْح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} قَالَ: فِي كَلَام الْعَرَب وَيَقُولُونَ للذّكر وَالْأُنْثَى: زوجان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُسلم بن يسَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَن يحمل مَعَه من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَمَعَهُ ملك فَجعل يقبض زوجا زوجا وَبَقِي الْعِنَب فجَاء إِبْلِيس فَقَالَ: هَذَا كُله لي
فَنظر نوح عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْملك فَقَالَ: إِنَّه لشريكك فَأحْسن شركته
فَقَالَ: نعم لي الثُّلُثَانِ ولي الثُّلُث قَالَ: إِنَّه شريكك فاحسن شركته فَقَالَ: لي النّصْف وَله النّصْف
فَقَالَ إِبْلِيس: هَذَا كُله لي
فَنظر إِلَى الْملك فَقَالَ: إِنَّه شريكك فاحسن شركته
قَالَ: نعم لي الثُّلُث وَله الثُّلُثَانِ قَالَ: أَحْسَنت وَأَنِّي محسان أَنْت تَأْكُله عنباً وتأكله زبيباً وتشربه عصيراً ثَلَاثَة أَيَّام
قَالَ مُسلم: وَكَانَ يرَوْنَ أَنه إِذا شربه كَذَلِك فَلَيْسَ للشَّيْطَان نصيب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ركب نوح عَلَيْهِ السَّلَام السَّفِينَة كتب لَهُ تَسْمِيَة مَا حمل مَعَه فِيهَا فَقَالَ: إِنَّكُم قد كتبتم الحبلة وَلَيْسَت هَهُنَا
قَالُوا: صدقت أَخذهَا الشَّيْطَان وسنرسل من يَأْتِي بهَا
فجيء بهَا وَجَاء الشَّيْطَان مَعهَا فَقيل لنوح: إِن شريكك فاحسن شركته
فَذكر مثله وَزَاد بعد قَوْله: تشربه عصيراً وتطبخه فَيذْهب ثُلُثَاهُ خبثاً وحظ الشَّيْطَان مِنْهُ وَيبقى ثلثه فتشربه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حمل نوح عَلَيْهِ السَّلَام
(4/423)
الْأسد فِي السَّفِينَة قَالَ: يَا رب إِنَّه يسألني الطَّعَام من أَيْن أطْعمهُ قَالَ: إِنِّي سَوف أعقله عَن الطَّعَام
فَسلط الله عَلَيْهِ الْحمى فَكَانَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام يَأْتِيهِ بالكبش فَيَقُول: ادر يَا كل فَيَقُول الْأسد: آه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر وَابْن النجار فِي تاريخهما عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر نوح عَلَيْهِ السَّلَام بالأسد وَهُوَ فِي السَّفِينَة فَضَربهُ بِرجلِهِ فخمشه الْأسد فَبَاتَ ساهراً فَبكى نوح من ذَلِك فَأُوحي إِلَيْهِ إِنَّك ظلمته وَإِنِّي لَا أحب الظُّلم
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا مَرْفُوعا مر نوح بأسد رابض فَضَربهُ بِرجلِهِ فَرفع الْأسد رَأسه فخمش سَاقه فَلم يبت ليلته مِمَّا جعلت تضرب عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول: يَا رب كلبك عقرني
فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن الله لَا يرضى الظُّلم أَنْت بَدأته
قَالَ ابْن عدي: هَذَا الحَدِيث بِهَذَا الإِسناد بَاطِل وَفِيه جَعْفَر بن أَحْمد الغافقي يضع الحَدِيث
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: استصعبت على نوح الماعزة أَن تدخل السَّفِينَة فَدَفعهَا فِي ذنبها فَمن ثمَّ انْكَسَرَ ذنبها فَصَارَ معقوقاً وبدا حياها وَمَضَت النعجة حَتَّى دخلت فَمسح على ذنبها فَستر حياها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ: أَمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَن يحمل مَعَه من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ فَحمل مَعَه من الْيمن الْعَجْوَة واللوز
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لما أَمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَن يحمل من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قَالَ: كَيفَ أصنع بالأسد وَالْبَقَرَة وَكَيف أصنع بالعناق وَالذِّئْب وَكَيف أصنع بالحمام والهر قَالَ: من ألْقى بَينهمَا الْعَدَاوَة قَالَ: أَنْت يَا رب
قَالَ: فَإِنِّي أؤلف بَينهم حَتَّى لَا يتضارون
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن خَالِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حمل نوح فِي السَّفِينَة مَا حمل جَاءَت الْعَقْرَب تحجل قَالَت: يَا نَبِي الله أدخلني مَعَك
قَالَ: لَا أَنْت تلدغين النَّاس وتؤذينهم قَالَ: لَا احملني مَعَك فلك عَليّ أَن لَا ألدغ من يُصَلِّي عَلَيْك اللَّيْلَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
(4/424)
قَالَ حِين يُمْسِي: صلى الله على نوح وعَلى نوح السَّلَام لم تلدغه عقرب تِلْكَ اللَّيْلَة
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن عذاء وَالضَّحَّاك
أَن إِبْلِيس جَاءَ ليركب السَّفِينَة فَدفعهُ نوح فَقَالَ: يَا نوح إِنِّي منظر وَلَا سَبِيل لَك عَليّ
فَعرف أَنه صَادِق فَأمره أَن يجلس على خيزران السَّفِينَة وَكَانَ آدم قد أوصى وَلَده أَن يحملوا جسده فورثهم فِي ذَلِك نوح فتوارث الْوَصِيَّة وَلَده حَتَّى حملهَا نوح فَوضع جَسَد آدم عَلَيْهِ السَّلَام بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر فِي مكايد الشَّيْطَان عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: لما رست السَّفِينَة سفينة نوح عَلَيْهِ السَّلَام إِذا هُوَ بإبليس على كوتل السَّفِينَة
فَقَالَ لَهُ نوح عَلَيْهِ السَّلَام: وَيلك قد غرق أهل الأَرْض من أَجلك
قَالَ لَهُ إِبْلِيس: فَمَا أصنع قَالَ: تتوب
قَالَ: فسل رَبك هَل لي من تَوْبَة فَدَعَا نوح ربه فَأوحى إِلَيْهِ أَن تَوْبَته أَن يسْجد لقبر آدم
قَالَ: قد جعلت لَك تَوْبَة قَالَ: وَمَا هِيَ قَالَ: تسْجد لقبر آدم
قَالَ: تركته حَيا وأسجد لَهُ مَيتا
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ
أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام نازعه الشَّيْطَان فِي عود الْكَرم قَالَ: هَذَا لي
وَقَالَ: هَذَا لي
فاصطلحا على أَن لنوح ثلثهَا وللشيطان ثلثيها
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَرْفُوعا أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام حمل مَعَه فِي السَّفِينَة من جَمِيع الشّجر
وَأخرج اسحق بن بشر أخبرنَا رجل من أهل الْعلم
أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام حمل فِي السَّفِينَة من الهدهد زَوْجَيْنِ وَجعل أم الهدهد فضلا على زَوْجَيْنِ فَمَاتَتْ فِي السَّفِينَة قبل أَن تظهر الأَرْض فحملها الهدهد فَطَافَ بهَا الدُّنْيَا ليصيب لَهَا مَكَانا ليدفنها فِيهِ فَلم يجد طيناً وَلَا تُرَابا فرحمه ربه فحفر لَهَا فِي قَفاهُ قبراً فدفنها فِيهِ فَذَلِك الريش الناتئ فِي قفا الهدهد مَوضِع الْقَبْر فَذَلِك ثَنَاء اقفية الهداهد
وَأخرجه ابْن عَسَاكِر
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر وَمُقَاتِل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: اعطى الله نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة خرزتين أَحدهَا بياضها كبياض النَّهَار وَالْأُخْرَى سوادها كسواد اللَّيْل فَإِذا أَمْسوا غلب سَواد هَذِه بَيَاض هَذِه وَإِذا أَصْبحُوا غلب بَيَاض هَذِه سَواد هَذِه على قدر السَّاعَات
(4/425)
الاثْنَي عشر فَأول من قدر السَّاعَات الاثْنَي عشر لَا يزِيد بَعْضهَا على بعض نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة ليعرف بهَا مَوَاقِيت الصَّلَاة فسارت السَّفِينَة من مَكَانَهُ حَتَّى أخذت إِلَى الْيَمين فبلغت الْحَبَشَة ثمَّ عدلت حَتَّى رجعت إِلَى جدة ثمَّ أخذت على الرّوم ثمَّ جَاوَزت الرّوم فَأَقْبَلت رَاجِعَة على حِيَال الأَرْض المقدسة وَأوحى الله إِلَى نوح عَلَيْهِ السَّلَام: أَنَّهَا تستوي على رَأس جبل فعلت الْجبَال لذَلِك فتطلعت لذَلِك وأخرجت أُصُولهَا من الأَرْض وَجعل جودي يتواضع لله عز وَجل فَجَاءَت السَّفِينَة حَتَّى جَاوَزت الْجبَال كلهَا فَلَمَّا انْتَهَت إِلَى الجودي اسْتَوَت ورست فشكت الْجبَال إِلَى الله فَقَالَت: يَا رب إِنَّا تطلعنا وأخرجنا أصولنا من الأَرْض لسفينة نوح وخنس جودي فاستوت سفينة نوح عَلَيْهِ
فَقَالَ الله: إِنِّي كَذَلِك من تواضع لي رفعته وَمن ترفع لي وَضعته
وَيُقَال: إِن الجودي من جبال الْجنَّة
فَلَمَّا أَن كَانَ يَوْم عَاشُورَاء اسْتَوَت السَّفِينَة عَلَيْهِ وَقَالَ الله: يَا أَرض ابلعي ماءك بلغَة الْحَبَشَة وَيَا سَمَاء أقلعي أَي أمسكي بلغَة الْحَبَشَة فابتلعت الأَرْض ماءها وارتفع مَاء السَّمَاء حَتَّى بلغ عنان السَّمَاء رَجَاء أَن يعود إِلَى مَكَانَهُ فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن ارْجع فَإنَّك رِجْس وَغَضب
فَرجع المَاء فملح وحم وَتردد فَأصَاب النَّاس مِنْهُ الْأَذَى فَأرْسل الله الرّيح فَجَمعه فِي مَوَاضِع الْبحار فَصَارَ زعاماً مالحاً لَا ينْتَفع بِهِ وتطلع نوح فَنظر فَإِذا الشَّمْس قد طلعت وبدا لَهُ الْيَد من السَّمَاء وَكَانَت ذَلِك آيَة مَا بَينه وَبَين ربه عز وَجل أَمَان من الْغَرق وَالْيَد الْقوس الَّذِي يسمونه قَوس قزَح وَنهي أَن يُقَال لَهُ قَوس قزَح لِأَن قزَح شَيْطَان وَهُوَ قَوس الله وَزَعَمُوا أَنه كَانَ يَمْتَد وتروسهم قبل ذَلِك فِي السَّمَاء فَلَمَّا جعله الله تَعَالَى أَمَانًا لأهل الأَرْض من الْغَرق نزع الله الْوتر والسهم
فَقَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام عِنْد ذَلِك: رب إِنَّك وَعَدتنِي أَن تنجي معي أَهلِي وغرق ابْني و (إِن ابْني من أَهلِي وَإِن وَعدك الْحق وَأَنت أحكم الْحَاكِمين قَالَ يَا نوح إِنَّه لَيْسَ من أهلك إِنَّه عمل غير صَالح) (هود الْآيَة 46) يَقُول: إِنَّه لَيْسَ من أهل دينك إِن عمله كَانَ غير صَالح
قَالَ: اهبط بِسَلام منا
فَبعث نوح عَلَيْهِ السَّلَام من يَأْتِيهِ بِخَبَر الأَرْض فجَاء الطير الأهلي وَقَالَ: أَنا
فَأَخذهَا وَختم جناحيها فَقَالَ: أَنْت مختومة بخاتمي لَا تطير أبدا ينْتَفع بك ذريتي
فَبعث الْغُرَاب فَأصَاب جيفة فَوَقع عَلَيْهَا فاحتبس
(4/426)
فلعنه فَمن ثَمَّ يقتل فِي الْحرم وَبعث الْحَمَامَة وَهِي الْقمرِي فَذَهَبت فَلم تَجِد فِي الأَرْض قراراً فَوَقَعت على شَجَرَة بِأَرْض سبا [سبا] فَحملت ورقة زيتون فَرَجَعت إِلَى نوح فَعلم أَنَّهَا لم تستمكن من الأَرْض ثمَّ بعثها بعد أَيَّام فَخرجت حَتَّى وَقعت بوادي الْحرم فَإِذا المَاء قد نضب وَأول مَا نضب مَوضِع الْكَعْبَة وَكَانَت طينتها حَمْرَاء فخضبت رِجْلَيْهَا ثمَّ جَاءَت إِلَى نوح فَقَالَت: الْبُشْرَى استمكن الأَرْض فَمسح يَده على عُنُقهَا وطوّقها ووهب لَهَا الْحمرَة فِي رِجْلَيْهَا ودعا لَهَا وأسكنها الْحرم وَبَارك عَلَيْهَا فَمن ثمَّ شفق بهَا النَّاس ثمَّ خرج فَنزل بِأَرْض الْموصل وَهِي قَرْيَة الثَّمَانِينَ لِأَنَّهُ نزل فِي ثَمَانِينَ فَوَقع فيهم الوباء فماتوا إِلَّا نوح وسام وحان وَيَافث وَنِسَاؤُهُمْ وطبقت الأَرْض مِنْهُم وَذَلِكَ قَوْله (وَجَعَلنَا ذُريَّته هم البَاقِينَ)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن خَالِد الزيات قَالَ: بلغنَا أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام ركب السَّفِينَة أول يَوْم من رَجَب وَقَالَ لمن مَعَه من الْجِنّ والإِنس: صُومُوا هَذَا الْيَوْم فَإِنَّهُ من صَامَهُ مِنْكُم بَعدت عَنهُ النَّار مسيرَة سنة وَمن صَامَ مِنْكُم سَبْعَة أَيَّام أغلقت لَهُ أَبْوَاب جَهَنَّم السَّبْعَة وَمن صَامَ مِنْكُم ثَمَانِيَة أَيَّام فتحت لَهُ أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية وَمن صَامَ مِنْكُم عشرَة أَيَّام قَالَ الله لَهُ: سل تعطه وَمن صَامَ مِنْكُم خَمْسَة عشر يَوْمًا قَالَ الله لَهُ: اسْتَأْنف الْعَمَل فد غفرت لَك مَا مضى وَمن زَاد زَاده الله
فصَام نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وشوّالاً وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة وَعشرا من الْمحرم فأرست السَّفِينَة يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام لمن مَعَه من الْجِنّ والإِنس: صُومُوا هَذَا الْيَوْم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ركب نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة فِي عشرَة خلون من رَجَب نزل عَنْهَا فِي عشر خلون من الْمحرم فصَام هُوَ وَأَهله من اللَّيْل إِلَى اللَّيْل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما حمل نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة من كل شَيْء حمل الْأسد وَكَانَ يُؤْذِي أهل السَّفِينَة فألقيت عَلَيْهِ الْحمى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي عُبَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَمر نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَن يحمل فِي السَّفِينَة من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ لم يسْتَطع أَن يحمل الْأسد حَتَّى ألقيت عَلَيْهِ الْحمى فَحَمله فَأدْخلهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق زيد بن أسلم عَن أَبِيه
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(4/427)
قَالَ: لما حمل نوح فِي السَّفِينَة من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ قَالَ لَهُ أَصْحَابه: وَكَيف مطمئن ومعنا الْأسد فَسلط الله عَلَيْهِ الْحمى
فَكَانَت أول حمى نزلت الأَرْض
ثمَّ شكوا الْفَأْرَة فَقَالُوا الفويسقة تفْسد علينا طعامنا ومتاعنا فَأوحى الله إِلَى الْأسد فعطس فَخرجت الْهِرَّة مِنْهُ فتخبأت الْفَأْرَة مِنْهَا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما كَانَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة قرض الفأر حبال السَّفِينَة فَشَكا إِلَى الله عز وَجل ذَلِك فَأوحى الله إِلَيْهِ فَمسح جبهة الْأسد فَخرج سنوران وَكَانَ فِي السَّفِينَة عذرة فَشَكا نوح إِلَى الله فَأوحى الله إِلَيْهِ فَمسح ذَنْب الْفِيل فَخرج خنزيران فأكلا الْعذرَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: تأَذى أهل السَّفِينَة بالفأر فعطس الْأسد فَخرج من منخره سنوران ذكر وَأُنْثَى فأكلا الفأر إِلَّا مَا أَرَادَ الله أَن يبْقى مِنْهُ وأوذوا بأذى أهل السَّفِينَة فعطس الْفِيل فَخرج من منخره خنزيران ذكر وَأُنْثَى فأكلا أَذَى أهل السَّفِينَة قَالَ وَلما أَرَادَ أَن يدْخل الْحمار السَّفِينَة أَخذ نوح بأذني الْحمار وَأخذ إِبْلِيس بِذَنبِهِ فَجعل نوح عَلَيْهِ السَّلَام يجذبه وَجعل إِبْلِيس يجذبه فَقَالَ نوح: ادخل شَيْطَان فَدخل الْحمار وَدخل إِبْلِيس مَعَه فَلَمَّا سَارَتْ السَّفِينَة جلس فِي أذنابها يتَغَنَّى فَقَالَ لَهُ نوح عَلَيْهِ السَّلَام: وَيلك من أذن لَك
قَالَ: أَنْت
قَالَ: مَتى
قَالَ: إِن قلت للحمار ادخل يَا شَيْطَان فَدخلت باذنك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أول مَا حمل نوح فِي الْفلك من الدَّوَابّ الدرة وَآخر مَا حمل الْحمار فَلَمَّا دخل الْحمار أَدخل صَدره فَتعلق إِبْلِيس بِذَنبِهِ فَلم تستقل رِجْلَاهُ فَجعل نوح يَقُول: وَيحك
ادخل يَا شَيْطَان
فينهض فَلَا يَسْتَطِيع حَتَّى قَالَ نوح: وَيحك
ادخل وَإِن كَانَ الشَّيْطَان مَعَك - كلمة زلت على لِسَانه - فَلَمَّا قَالَهَا نوح خلى الشَّيْطَان سَبيله فَدخل وَدخل الشَّيْطَان مَعَه فَقَالَ لَهُ نوح: مَا أدْخلك يَا عَدو الله قَالَ: ألم تقل ادخل وَإِن كَانَ الشَّيْطَان مَعَك قَالَ: أخرج عني
قَالَ: مَالك بُد من أَن تحملنِي فَكَانَ كَمَا يَزْعمُونَ فِي ظهر الْفلك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مكث نوح عَلَيْهِ السَّلَام يَدْعُو
(4/428)
قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما يَدعُوهُم إِلَى الله يسره إِلَيْهِم ثمَّ يجْهر بِهِ لَهُم ثمَّ أعلن قَالَ مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ: الاعلان الصياح: فَجعلُوا يأخذونه فيخنقونه حَتَّى يغشى عَلَيْهِ فَيسْقط الأَرْض مغشياً عَلَيْهِ ثمَّ يفِيق فَيَقُول: اللهمَّ اغْفِر لقومي فَإِنَّهُم لَا يعلمُونَ
فَيَقُول الرجل مِنْهُم لِأَبِيهِ: يَا أَبَت مَا لهَذَا الشَّيْخ يَصِيح كل يَوْم لَا يفتر فَيَقُول: اخبرني أبي عَن جدي أَنه لم يزل على هَذَا مُنْذُ كَانَ فَلَمَّا دَعَا على قومه أمره الله أَن يصنع الْفلك فَصنعَ السَّفِينَة فعملها فِي ثَلَاث سِنِين كاما مر عَلَيْهِ مَلأ من قومه سخروا مِنْهُ يعْجبُونَ من نجارته السَّفِينَة فَلَمَّا فرغ مِنْهَا جعل لَهُ ربه آيَة إِذا رَأَيْت التَّنور قد فار فَاجْعَلْ فِي السَّفِينَة من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَكَانَ التَّنور فِيمَا بَلغنِي فِي زَاوِيَة من مَسْجِد الْكُوفَة فَلَمَّا فار التَّنور جعل فِيهَا كل مَا أمره الله قَالَ: يَا رب كَيفَ بالأسد والفيل قَالَ: سألقي عَلَيْهِم الْحمى إِنَّهَا ثَقيلَة فَحمل أَهله وبنيه وَبنَاته وكنائنه ودعا ابْنه فَلَمَّا أَبى عَلَيْهِ وَفرغ من كل شَيْء يدْخلهُ السَّفِينَة طبق السَّفِينَة الْأُخْرَى عَلَيْهِم وَلَوْلَا ذَلِك لم يبْق فِي السَّفِينَة شَيْء إِلَّا هلك لشدَّة وَقع المَاء حِين يَأْتِي من السَّمَاء قَالَ الله تَعَالَى (ففتحنا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاء منهمر) (الْقَمَر آيَة 11) فَكَانَ قدر كل قَطْرَة مثل مَا يجْرِي من فَم الْقرْبَة فَلم يبْق على ظهر الأَرْض شَيْء إِلَّا هلك يَوْمئِذٍ إِلَّا مَا فِي السَّفِينَة وَلم يدْخل الْحرم مِنْهُ شَيْء
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن زِيَاد بن سمْعَان عَن رجال سماهم
أَن الله أعقم رِجَالهمْ قبل الطوفان بِأَرْبَعِينَ عَاما وأعقم نِسَاءَهُمْ فَلم يتوالدوا أَرْبَعِينَ عَاما مُنْذُ يَوْم دَعَا نوح عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى أدْرك الصَّغِير وَأدْركَ الْحِنْث وَصَارَت لله عَلَيْهِم الْحجَّة ثمَّ أرسل الله السَّمَاء عَلَيْهِ بالطوفان
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يزْعم النَّاس أَن من أغرق الله من الْولدَان مَعَ آبَائِهِم وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا الْوَلَد بِمَنْزِلَة الطير وَسَائِر من أغرق الله بِغَيْر ذَنْب وَلَكِن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم والمدركون من الرِّجَال وَالنِّسَاء كَانَ الْغَرق عُقُوبَة لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُجَاهِد عَن عبيد بن عُمَيْر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أصَاب قوم نوح الْغَرق قَامَ المَاء على رَأس
(4/429)
كل جبل خَمْسَة عشر ذِرَاعا فَأصَاب الْغَرق امْرَأَة فِيمَن أصَاب مَعهَا صبي لَهَا فَوَضَعته على صدرها فَلَمَّا بلغَهَا المَاء وَضعته على منكبيها فَلَمَّا بلغَهَا المَاء وَضعته على يَديهَا
فَقَالَ الله: لَو رحمت أحدا من أهل الأَرْض لرحمتها وَلَكِن حق القَوْل مني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لجاريته: إِذا فار تنورك مَاء فأخبريني فَلَمَّا فرغت من آخر خبزها فار التَّنور فَذَهَبت إِلَى سَيِّدهَا فَأَخْبَرته فَركب هُوَ وَمن مَعَه بِأَعْلَى السَّفِينَة وَفتح الله السَّمَاء بِمَاء منهمر وفجر الأَرْض عيُونا
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيقه أَنا عبد الله الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما نبع المَاء حول سفينة نوح خرج رجل من تِلْكَ الْأمة إِلَى فِرْعَوْن من فراعنتهم فَقَالَ: هَذَا الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنه مَجْنُون قد أَتَاكُم بِمَا كَانَ يَعدكُم فجَاء يسير فِي موكب لَهُ وَجَمَاعَة من أَصْحَابه حَتَّى وقف من نوح غير بعيد فَقَالَ لنوح: مَا تَقول قَالَ: قد أَتَاكُم مَا كُنْتُم توعدون
قَالَ: مَا عَلامَة ذَلِك قَالَ: اعطف بِرَأْس برذونك
فعطف برذونه فنبع المَاء من تَحت قوائمه فَخرج يرْكض إِلَى الْجَبَل هَارِبا من المَاء
وَأخرج ابْن اسحق وَابْن عَسَاكِر عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فار المَاء من التَّنور من دَار نوح عَلَيْهِ السَّلَام من تنور تختبز فِيهِ ابْنَته وَكَانَ نوح يتَوَقَّع ذَلِك إِذْ جَاءَتْهُ ابْنَته فَقَالَت: يَا أَبَت قد فار المَاء من التَّنور
فَآمن بِنوح النجارون إِلَّا نجاراً وَاحِدًا فَقَالَ لَهُ: اعطني أجري قَالَ: أَعطيتك أجرك على أَن تركب مَعنا
قَالَ: فَإِن ودا وسواع ويغوث ونسراً سينجوني
فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن احْمِلْ فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأهْلك إِلَّا من سبق عَلَيْهِ القَوْل وَكَانَ مِمَّن سبق عَلَيْهِ القَوْل امْرَأَته والقة وكنعان ابْنه فَقَالَ: يَا رب هَؤُلَاءِ قد حملتهم فَكيف لي بالوحش والبهائم وَالسِّبَاع وَالطير قَالَ: أَنا أحشرهم عَلَيْك: فَبعث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فحشرهم فَجعل يضْرب بيدَيْهِ على الزَّوْجَيْنِ فَجعل يَده الْيُمْنَى على الذّكر واليسرى على الْأُنْثَى فيدخله السَّفِينَة حَتَّى أَدخل عدَّة مَا أمره الله تَعَالَى بِهِ فَلَمَّا جمعهم فِي السَّفِينَة رَأَتْ الْبَهَائِم والوحش وَالسِّبَاع الْعَذَاب فَجعلت تلحس قدم نوح عَلَيْهِ السَّلَام وَتقول: احْمِلْنَا مَعَك
فَيَقُول: إِنَّمَا أمرت من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ
(4/430)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: إِن الله بعث ريحًا فَحمل إِلَيْهِ من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ من الطير وَالسِّبَاع والوحش والبهائم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} قَالَ: ذكر وَأُنْثَى من كل صنف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: الذّكر زوج وَالْأُنْثَى زوج
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ {إِلَّا من سبق عَلَيْهِ القَوْل} قَالَ: الْعَذَاب هِيَ امْرَأَته كَانَت فِي الغابرين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الحكم {وَمَا آمن مَعَه إِلَّا قَلِيل} قَالَ: نوح وَبَنوهُ ثَلَاثَة وَأَرْبع كنائنه
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: حدثت أَن نوحًا حمل مَعَه بنيه الثَّلَاثَة وَثَلَاث نسْوَة لِبَنِيهِ وَأصَاب حام زَوجته فِي السَّفِينَة فَدَعَا نوح أَن تغير نطفته فجَاء بالسودان
وَأخرجه ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق ابْن جريج عَن أبي صَالح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: حمل نوح عَلَيْهِ السَّلَام مَعَه فِي السَّفِينَة ثَمَانِينَ إنْسَانا
أحدهم جرهم وَكَانَ لِسَانه عَرَبيا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ مَعَ نوح فِي السَّفِينَة ثَمَانُون رجلا مَعَهم أهلوهم وَكَانُوا فِي السَّفِينَة مائَة وَخمسين يَوْمًا وَإِن الله وَجه السَّفِينَة إِلَى مَكَّة فدارت بِالْبَيْتِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ وَجههَا إِلَى الجودي فاستوت عَلَيْهِ فَبعث نوح عَلَيْهِ السَّلَام الْغُرَاب ليَأْتِيه بالْخبر فَذهب فَوَقع على الْجِيَف فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَبعث الْحَمَامَة فَأَتَتْهُ بورق الزَّيْتُون ولطخت رِجْلَيْهَا بالطين فَعرف نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَن المَاء نضب فهبط إِلَى أَسْفَل الجودي فابتنى قَرْيَة وسماها ثَمَانِينَ فَأَصْبحُوا ذَات يَوْم وَقد تبلبلت ألسنتهم على ثَمَانِينَ لُغَة أَحدهَا اللِّسَان الْعَرَبِيّ فَكَانَ لَا يفقه بَعضهم كَلَام بعض وَكَانَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام يعبر عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما ركب نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة وَحمل فِيهَا من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ كَمَا
(4/431)
أَمر رأى فِي السَّفِينَة شَيخا لم يعرفهُ فَقَالَ لَهُ: من أَنْت قَالَ: إِبْلِيس دخلت لأصيب قُلُوب أَصْحَابك فَتكون قُلُوبهم معي وأبدانهم مَعَك ثمَّ قَالَ: خمس أهلك بِهن النَّاس وسأحدثك مِنْهُنَّ بِثَلَاثَة وَلَا أحَدثك بالثنتين
فَأوحى إِلَى نوح: لَا حَاجَة لَك بِالثلَاثِ مرهُ يحدثك بالثنتين
قَالَ: الْحَسَد وبالحسد لعنت وَجعلت شَيْطَانا رجيماً والحرص أُبِيح آدم الْجنَّة كلهَا فَأَصَبْت حَاجَتي مِنْهُ بالحرص
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الحكم قَالَ: خرج الْقوس قزَح بعد الطوفان أَمَانًا لأهل الأَرْض أَن يغرقوا جَمِيعًا
الْآيَة 41
(4/432)
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما ركب نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي السَّفِينَة فجرت بِهِ فخاف فَجعل يُنَادي: إِلَّا هَا اتقن قَالَ يَا ألله أحسن
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا} قَالَ: حِين يركبون ويجرون ويرسون
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ إِذا أَرَادَ أَن ترسي قَالَ: بِسم الله
فأرست وَإِذا أَرَادَ أَن تجْرِي قَالَ: بِسم الله
فجرت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {مجْراهَا وَمرْسَاهَا}
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن السّني وَابْن عدي وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحُسَيْن بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمَان لأمتي من الْغَرق إِذا ركبُوا فِي السفن أَن يَقُولُوا: بِسم الله الْملك الرَّحْمَن {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا إِن رَبِّي لغَفُور رَحِيم} وَمَا قدرُوا الله حق قدره إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَمَان لأمتي من الْغَرق إِذا ركبُوا فِي السفن أَن يَقُولُوا: بِسم الله (وَمَا قدرُوا الله حق قدره) (سُورَة الْأَنْعَام الْآيَة 91) الْآيَة {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا إِن رَبِّي لغَفُور رَحِيم}
(4/432)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا رَفعه مَا من رجل يَقُول إِذا ركب السَّفِينَة: بِسم الله الْملك الرَّحْمَن {بِسم الله مجْراهَا وَمرْسَاهَا إِن رَبِّي لغَفُور رَحِيم} {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} سُورَة الْأَنْعَام الْآيَة 91 الْآيَة إِلَّا أعطَاهُ الله أَمَانًا من الْغَرق حَتَّى يخرج مِنْهَا
الْآيَات 42 - 43
(4/433)
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ اسْم ابْن نوح الَّذِي غرق كنعان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: هُوَ ابْنه غير أَنه خَالفه فِي النِّيَّة وَالْعَمَل
وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونادى نوح ابْنه} قَالَ: هِيَ بلغَة طَيئ لم يكن ابْنه وَكَانَ ابْن امْرَأَته
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ ونادى نوح ابْنهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا عَاصِم الْيَوْم من أَمر الله إِلَّا من رحم} قَالَ: لَا نَاجٍ إِلَّا أهل السَّفِينَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة فِي قَوْله {وَحَال بَينهمَا الموج} قَالَ: بَين ابْن نوح والجبل
(4/433)
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي ذَر رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مثل أهل بَيْتِي مثل سفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا غرق
وَأخرج عبد بن حميد عَن حميد بن هِلَال قَالَ: جعل نوح لرجل من قومه جعلا على أَن يُعينهُ على عمل السَّفِينَة فَعمل مَعَه حَتَّى إِذا فرغ قَالَ لَهُ نوح: خير أَي ذَلِك شِئْت إِمَّا أَن أوفيك أجرك وَإِمَّا أَن نوقيك من الْقَوْم الظَّالِمين
قَالَ: حَتَّى استأمر قومِي
فاستأمر قومه فَقَالُوا لَهُ: اذْهَبْ إِلَى أجرك فَخذه
فَأَتَاهُ فَقَالَ: أجري
فوفاه أجره
فَأقبل: فَمَا أَخذ جَاوز ذَلِك الرجل إِلَى حَيْثُ ينظر إِلَيْهِ حَتَّى أَمر الله المَاء بِمَا أمره بِهِ فَأقبل ذَلِك الرجل يَخُوض المَاء فَقَالَ: خُذ الَّذِي جعلت لي
قَالَ: لَك مَا رضيت بِهِ
فغرق فِيمَن غرق
الْآيَة 44
(4/434)
وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)
أخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ للمك يَوْم ولد نوح اثْنَان وَثَمَانُونَ سنة وَلم يكن أحد فِي ذَلِك الزَّمَان يَنْتَهِي عَن مُنكر فَبعث الله نوحًا إِلَيْهِم وَهُوَ ابْن أَرْبَعمِائَة سنة وَثَمَانِينَ سنة ثمَّ دعاهم فِي نبوّته مائَة وَعشْرين سنة ثمَّ أمره بصنعة السَّفِينَة فصنعها وركبها وَهُوَ ابْن سِتّمائَة سنة وغرق من غرق ثمَّ مكث بعد السَّفِينَة ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة فولد نوح سَام وَفِي وَلَده بَيَاض وأدمة وَحَام وَفِي وَلَده سَواد وَبَيَاض وَيَافث وَفِيهِمْ الشقرة والحمرة وكنعان وَهُوَ الَّذِي غرق وَالْعرب تَسْمِيَة بام وَأم هَؤُلَاءِ وَاحِدَة وبجل فود نجر نوح السَّفِينَة
وَمن ثمَّ بدا الطوفان فَركب نوح السَّفِينَة مَعَه بنوه هَؤُلَاءِ وَنسَاء بنيه هَؤُلَاءِ وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ من بني شِيث مِمَّن آمن بِهِ فَكَانُوا ثَمَانِينَ فِي السَّفِينَة وَحمل مَعَه من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَكَانَ طول السَّفِينَة ثَلَاثمِائَة ذِرَاع بِذِرَاع جد أبي نوح وعرضها خمسين ذِرَاعا وطولها فِي السَّمَاء ثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَخرج مِنْهَا من المَاء سِتَّة أَذْرع وَكَانَت مطبقة وَجعل لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض فَأرْسل الله الْمَطَر أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَقْبَلت الْوَحْش حِين أَصَابَهَا الْمَطَر وَالدَّوَاب وَالطير كلهَا إِلَى نوح وسخرت لَهُ فَحمل مِنْهَا كَمَا أمره الله من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَحمل مَعَه جَسَد
(4/434)
آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَجعل حاجزاً بَين النِّسَاء وَالرِّجَال فَرَكبُوا فِيهَا لعشر مضين من رَجَب وَخَرجُوا مِنْهَا يَوْم عَاشُورَاء من الْمحرم فَلذَلِك صَامَ من صَامَ يَوْم عَاشُورَاء وَخرج المَاء مثل ذَلِك نِصْفَيْنِ نصف من السَّمَاء وَنصف من الأَرْض فَذَلِك قَول الله (ففتحنا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاء منهمر) (سُورَة الْقَمَر آيَة 11) يَقُول: مُنْصَبٍّ (وفجرنا الأَرْض عيُونا) (سُورَة الْقَمَر آيَة 12) يَقُول: شققنا الأَرْض فَالتقى المَاء (على أَمر قد قدر) (سُورَة الْقَمَر 12) وارتفع المَاء على أطول جبل فِي الأَرْض خَمْسَة عشر ذِرَاعا فسارت بهم السَّفِينَة فطافت بهم الأَرْض كلهَا فِي سِتَّة أشهر لَا تَسْتَقِر على شَيْء حَتَّى أَتَت الْحرم فَلم تدخله ودارت بِالْحرم أسبوعاً وَرفع الْبَيْت الَّذِي بناه آدم عَلَيْهِ السَّلَام رفع من الْغَرق وَهُوَ الْبَيْت الْمَعْمُور وَالْحجر الْأسود على أبي قبيس
فَلَمَّا دارت بِالْحرم ذهبت فِي الأَرْض تسير بهم حَتَّى انْتَهَت إِلَى الجودي وَهُوَ جبل بالحضين من أَرض الْموصل فاستقرت بعد سِتَّة أشهر لتَمام السّنة فَقيل بعد السِّتَّة أشهر: بعدا للْقَوْم الظَّالِمين فَلَمَّا اسْتَوَت على الجودي قيل: {يَا أَرض ابلعي ماءك وَيَا سَمَاء أقلعي} يَقُول: احبسي ماءك {وغيض المَاء} نشفته الأَرْض فَصَارَ مَا نزل من السَّمَاء هَذِه البخور الَّتِي ترَوْنَ فِي الأَرْض فآخر مَاء بَقِي فِي الأَرْض من الطوفان مَاء يحسى بَقِي فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة بعد الطوفان ثمَّ ذهب فهبط نوح عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قَرْيَة فَبنى كل رجل مِنْهُم بَيْتا فسميت سوق الثَّمَانِينَ فغرق بَنو قابيل كلهم وَمَا بَين نوح إِلَى آدم من الْآبَاء كَانُوا على الإِسلام ودعا نوح على الْأسد أَن يلقى عَلَيْهِ الْحمى [و] للحمامة بالانس وللغراب بشقاء الْمَعيشَة وتزوّج نوح امْرَأَة من بني قابيل فَولدت لَهُ غُلَاما سَمَّاهُ يوناطن فَلَمَّا ضَاقَتْ بهم سوق الثَّمَانِينَ تحوّلوا إِلَى بابل فبنوها وَهِي بَين الْفُرَات والصراة فَمَكَثُوا بهَا حَتَّى بلغُوا مائَة ألف وهم على الإِسلام وَلما خرج نوح من السَّفِينَة دفن آدم عَلَيْهِ السَّلَام بِبَيْت الْمُقَدّس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث نوح عَلَيْهِ السَّلَام الْحَمَامَة فَجَاءَت بورق الزَّيْتُون فَأعْطيت الطوق الَّذِي فِي عُنُقهَا وخضاب رِجْلَيْهَا
(4/435)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت أُرِيد أَن أشْرب مَاء المر قَالَ: لَا تشرب مَاء المر فَإِنَّهُ لما كَانَ زمن الطوفان أَمر الله الأَرْض أَن تبلع ماءها وَأمر السَّمَاء أَن تقلع فاستعصى عَلَيْهِ بعض الْبِقَاع فلعنه فَصَارَ مَاؤُهُ مرا وترابه سبخاً لَا ينْبت شَيْئا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أمرت الأَرْض أَن تغيض المَاء غاضت الأَرْض مَا خلا أَرض الْكُوفَة فلعنت فسائر الأَرْض تكون على نورين وَأَرْض الْكُوفَة على أَربع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة {يَا أَرض ابلعي} قَالَ: هُوَ بِالْحَبَشَةِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ {وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك} بالحبشية قَالَ: ازرديه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه فِي قَوْله {يَا أَرض ابلعي ماءك} قَالَ: اشربي بلغَة الْهِنْد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَيَا سَمَاء أقلعي} قَالَ: أمسكي {وغيض المَاء} قَالَ: ذهب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وغيض المَاء} قَالَ: نغض {وَقضي الْأَمر} قَالَ: هَلَاك قوم نوح
أما قَوْله تَعَالَى: {واستوت على الجودي}
أخرج أَحْمد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأناس من الْيَهُود وَقد صَامُوا يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ: مَا هَذَا الصَّوْم فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْم الَّذِي أنجى الله فِيهِ مُوسَى وَبني إِسْرَائِيل من الْغَرق وَأغْرقَ فِيهِ فِرْعَوْن وَهَذَا يَوْم اسْتَوَت فِيهِ السَّفِينَة على الجودي فصامه نوح ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام شكرا لله
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا أَحَق بمُوسَى وأحق بِصَوْم هَذَا الْيَوْم فصامه وَأمر أَصْحَابه بِالصَّوْمِ
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الغفور عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي أول يَوْم من رَجَب ركب نوح السَّفِينَة فصَام هُوَ وَجَمِيع من مَعَه وَجَرت بهم السَّفِينَة سِتَّة أشهر فَانْتهى ذَلِك إِلَى الْمحرم فأرست السَّفِينَة على الجودي يَوْم عَاشُورَاء فصَام نوح وَأمر جَمِيع من مَعَه من الْوَحْش وَالدَّوَاب فصاموا شكرا لله تَعَالَى
(4/436)
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَوْم عَاشُورَاء الْيَوْم الَّذِي تَابَ الله فِيهِ على آدم وَالْيَوْم الَّذِي اسْتَوَت فِيهِ سفينة نوح على الجودي وَالْيَوْم الَّذِي فرق الله فِيهِ الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل وَالْيَوْم الَّذِي ولد فِيهِ عِيسَى صِيَامه يعدل سنة مبرورة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما اسْتَقَرَّتْ السَّفِينَة على الجودي لبث مَا شَاءَ الله ثمَّ إِنَّه أذن لَهُ فهبط على الْجَبَل فَدَعَا الْغُرَاب فَقَالَ: ائْتِنِي بِخَبَر الأَرْض فانحدر الْغُرَاب وفيهَا الغرقى من قوم نوح فابطأ عَلَيْهِ فلعنه ودعا الْحَمَامَة فَوَقع على كف نوح فَقَالَ: اهبطي فائتيني بِخَبَر الأَرْض فانحدر فَلم يلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَ ينفض ريشه فِي منقاره فَقَالَ: اهبط فقد أبينت الأَرْض
قَالَ نوح: بَارك الله فِيك وَفِي بَيت يؤويك وحببك إِلَى النَّاس لَوْلَا أَن يَغْلِبك النَّاس على نَفسك لَدَعَوْت الله أَن يَجْعَل رَأسك من ذهب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الجودي جبل بالجزيرة تشامخت الْجبَال يَوْمئِذٍ من الْغَرق وتطاولت وتواضع هُوَ لله تَعَالَى فَلم يغرق وَأرْسلت عَلَيْهِ سفينة نوح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَطاء قَالَ: بَلغنِي أَن الْجَبَل تشامخ فِي السَّمَاء إِلَّا الجودي فَعرف أَن أَمر الله سيدركه فسكن
قَالَ: وَبَلغنِي أَن الله تَعَالَى استخبا أَبَا قبيس الرُّكْن الْأسود
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الجودي جبل بالموصل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أبقاها الله بالجودي من أَرض الجزيرة عِبْرَة وَآيَة حَتَّى رَآهَا أوئل هَذِه الْأمة كم من سفينة قد كَانَت بعْدهَا فَهَلَكت
الْآيَة 45
(4/437)
وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ {ونادى نوح ربه فَقَالَ رب إِن ابْني من أَهلِي} وَإنَّك قد وَعَدتنِي أَن تنجي لي أَهلِي وان ابْني من أَهلِي
(4/437)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا بَغت امْرَأَة نَبِي قطّ وَقَوله {إِنَّه لَيْسَ من أهلك} يَقُول: إِنَّه لَيْسَ من أهلك الَّذين وعدتك أَن أنجيهم مَعَك
الْآيَات 46 - 47
(4/438)
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: إِن نسَاء الْأَنْبِيَاء لَا يَزْنِين وَكَانَ يقْرؤهَا {إِنَّه عمل غير صَالح} يَقُول: مسألتك إيَّايَ يَا نوح عمل غير صَالح لَا أرضاه لَك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق سعيد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: إِنَّه لما نَهَاهُ أَن يرجعه فِي أحد كَانَ الْعَمَل غير صَالح مُرَاجعَة ربه فِي قِرَاءَة عبد الله {فَلَا تسألن مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَعَن غير قَتَادَة: كَانَ اسْم ابْن نوح الَّذِي غرق كنعان وَقَالَ قَتَادَة: خَالف نوحًا فِي النِّيَّة وَالْعَمَل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي جَعْفَر الرَّازِيّ قَالَ: سَأَلت زيد بن أسلم قلت: كَيفَ تقْرَأ هَذَا الْحَرْف قَالَ: {عمل غير صَالح}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَلْقَمَة قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله {إِنَّه عمل غير صَالح}
وَأخرج ابْن جرير {إِنَّه عمل غير صَالح} يُقَال: سؤالك عَمَّا لَيْسَ لَك بِهِ علم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق شهر بن حَوْشَب عَن أَسمَاء بنت يزِيد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {إِنَّه عمل غير صَالح}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق شهر بن حَوْشَب عَن أم سَلمَة رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَهَا {إِنَّه عمل غير صَالح} قَالَ عبد بن حميد: أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا هِيَ أَسمَاء بنت يزِيد كلا الْحَدِيثين عِنْدِي وَاحِد
(4/438)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب من طرق عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقْرَأ {إِنَّه عمل غير صَالح}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ {إِنَّه عمل غير صَالح}
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي بعض الْحُرُوف إِنَّه عمل عملا غير صَالح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {إِنَّه عمل غير صَالح} قَالَ: كَانَ عمله كفرا بِاللَّه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ
أَنه قَرَأَ عمل غير صَالح قَالَ: مَعْصِيّة نَبِي الله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَا تسألن مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} قَالَ: بَين الله لنوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنه لَيْسَ بِابْنِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {إِنِّي أعظك أَن تكون من الْجَاهِلين} قَالَ: أَن تبلغ بك الْجَهَالَة أَنِّي لَا أَفِي بوعد وعدتك حَتَّى تَسْأَلنِي
قَالَ: فَإِنَّهَا خَطِيئَة رب إِنِّي أعوذ بك أَن أَسأَلك الْآيَة
وأخرخ أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن الْمُبَارك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو أَن رجلا اتَّقى مائَة شَيْء وَلم يتق شَيْئا وَاحِدًا لم يكن من الْمُتَّقِينَ وَلَو تورع من مائَة شَيْء وَلم يتورع من شَيْء وَاحِدًا لم يكن ورعاً وَمن كَانَ فِيهِ خلة من الْجَهْل كَانَ من الْجَاهِلين أما سَمِعت إِلَى مَا قَالَ نوح عَلَيْهِ السَّلَام {إِن ابْني من أَهلِي} قَالَ الله {إِنِّي أعظك أَن تكون من الْجَاهِلين}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الفضيل بن عِيَاض رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بَلغنِي أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام لما سَأَلَ ربه فَقَالَ: يَا رب إِن ابْني من أَهلِي
فَأوحى الله إِلَيْهِ
يَا نوح ان سؤالك إيَّايَ أَن ابْني من أَهلِي عمل غير صَالح {فَلَا تسألن مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم إِنِّي أعظك أَن تكون من الْجَاهِلين} قَالَ: فبلغني أَن نوحًا عَلَيْهِ السَّلَام بَكَى على قَول الله {إِنِّي أعظك أَن تكون من الْجَاهِلين} أَرْبَعِينَ عَاما
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهيب بن الْورْد الْحَضْرَمِيّ قَالَ: لما عَاتب الله نوحًا
(4/439)
عَلَيْهِ السَّلَام فِي ابْنه وَأنزل عَلَيْهِ {إِنِّي أعظك أَن تكون من الْجَاهِلين} بَكَى ثَلَاثمِائَة حَتَّى صَارَت تَحت عَيْنَيْهِ مثل الْجَدْوَل من الْبكاء
الْآيَة 48
(4/440)
قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قيل يَا نوح اهبط بِسَلام منا} الْآيَة
قَالَ: اهبطوا وَالله عَنْهُم رَاض واهبطوا بِسَلام من الله كَانُوا أهل رَحمته من أهل ذَلِك ثمَّ أخرج مِنْهُم نَسْلًا بعد ذَلِك أمماً مِنْهُم من رحم وَمِنْهُم من عذب وَقَرَأَ {وعَلى أُمَم مِمَّن مَعَك وأمم سنمتعهم} قَالَ: إِنَّمَا افْتَرَقت الْأُمَم من تِلْكَ الْعِصَابَة الَّتِي خرجت من ذَلِك المَاء وسلمت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اهبط بِسَلام منا وبركات عَلَيْك وعَلى أُمَم مِمَّن مَعَك} قَالَ: فَمَا زَالَ الله يَأْخُذ لنا بسهمنا وحظنا وَكَذَلِكَ يذكرنَا من حَيْثُ لَا نذْكر أَنْفُسنَا كلما هَلَكت أمة جعلنَا فِي أصلاب من ينجو بِلُطْفِهِ حَتَّى جعلنَا فِي خير أمة أخرجت للنَّاس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن السّني فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أوّل شجر غرس نوح عَلَيْهِ السَّلَام حِين خرج من السَّفِينَة الآس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عُثْمَان بن أبي العاتكة
أَن أوّل شَيْء تكلم بِهِ نوح عَلَيْهِ السَّلَام حِين اسْتَقَرَّتْ بِهِ قدماه على الأَرْض حِين خرج من السَّفِينَة أَن قَالَ: يَا مور اتقن كلمة بالسُّرْيَانيَّة: يَعْنِي يَا ملاي اصلح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لما أغرق الله قوم نوح أوحى إِلَى نوح عَلَيْهِ السَّلَام أَنِّي خلقت خلقا بيَدي وأمرتهم بطاعتي فعصوني واستأثروا غَضَبي فعذبت من لم يعصني من خَلْفي بذنب من عَصَانِي فَبِي حَلَفت وَأي شَيْء مثلي لَا أعذب بِالْغَرَقِ الْعَامَّة بعد هَذَا وَإِنِّي جعلت قوسي أَمَانًا لعبادي وبلادي من الْغَرق إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَكَانَت الْقوس فِيهَا سهم ووتر فَلَمَّا فرغ الله من هَذَا القَوْل إِلَى نوح نزع الْوتر والسهم من الْقوس وَجعلهَا أَمَانًا لِعِبَادِهِ وبلاده من الْغَرق
(4/440)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن خصيف قَالَ: لما هَبَط نوح من السَّفِينَة وأشرف من جبل حسماء رأى تل حران بَين نهرين فَأتى حران فخطها ثمَّ أَتَى دمشق فخطها فَكَانَت حران أول مَدِينَة خطت بعد الطوفان ثمَّ دمشق
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب الْأَحْبَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أول حَائِط وضع على وَجه الأَرْض بعد الطوفان حَائِط حران ودمشق ثمَّ بابل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: دخل فِي ذَلِك السَّلَام والبركات كل مُؤمن ومؤمنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَدخل فِي ذَلِك الْمَتَاع وَالْعَذَاب الْأَلِيم كل كَافِر وكافرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وعَلى أُمَم مِمَّن مَعَك} يَعْنِي مِمَّن لم يُولد أوجب الله لَهُم البركات لما سبق لَهُم فِي علم الله من السعاد {وأمم سنمتعهم} يَعْنِي مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا ثمَّ يمسهم منا عَذَاب أَلِيم لما سبق لَهُم فِي علم الله من الشقاوة
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لم يزل بعد نوح عَلَيْهِ السَّلَام فِي الأَرْض أَرْبَعَة عشر يدْفع بهم الْعَذَاب
الْآيَة 49
(4/441)
تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {تِلْكَ} يَعْنِي هَذِه {من أنباء} يَعْنِي أَحَادِيث
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ثمَّ رَجَعَ إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: {تِلْكَ من أنباء الْغَيْب نوحيها إِلَيْك مَا كنت تعلمهَا أَنْت وَلَا قَوْمك} يَعْنِي الْعَرَب من قبل هَذَا الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {مَا كنت تعلمهَا أَنْت وَلَا قَوْمك من قبل هَذَا} أَي من قبل الْقُرْآن وَمَا علم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَومه بِمَا صنع نوح وَقَومه لَوْلَا مَا بَين الله عز وَجل لَهُ فِي كِتَابه
(4/441)
الْآيَات 50 - 60
(4/442)
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (58) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِلَّا على الَّذِي فطرني} أَي خلقني
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أمسك عَن عَاد الْقطر ثَلَاث سِنِين فَقَالَ لَهُم هود {اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدراراً} فَأَبَوا إِلَّا تمادياً
وَأخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ:
(4/442)
خرج عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ يَسْتَسْقِي فَلم يزدْ على الاسْتِغْفَار حَتَّى يرجع
فَقيل لَهُ: مَا رَأَيْنَاك اسْتَسْقَيْت قَالَ: لقد طلبت الْمَطَر بمخاديج السَّمَاء الَّتِي يسْتَنْزل بهَا الْمَطَر ثمَّ قَرَأَ {وَيَا قوم اسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدراراً} و (اسْتَغْفرُوا ربكُم إِنَّه كَانَ غفارًا) (يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدراراً) (سُورَة نوح الْآيَة 10 - 11)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن هرون التَّيْمِيّ فِي قَوْله {يُرْسل السَّمَاء عَلَيْكُم مدراراً} قَالَ: يدر ذَلِك عَلَيْهِم مَطَرا ومطراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويزدكم قُوَّة إِلَى قوتكم} قَالَ: ولد الْوَلَد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِن نقُول الا اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء} قَالَ: أصابتك بالجنون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء} قَالَ: أصابتك الْأَوْثَان بجنون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: مَا يحملك على ذمّ آلِهَتنَا إِلَّا أَنه قد أَصَابَك مِنْهَا سوء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن سعيد قَالَ: مَا من أحد يخَاف لصاً عادياً أَو سبعا ضارياً أَو شَيْطَانا مارداً فيتلو هَذِه الْآيَة {إِنِّي توكلت على الله رَبِّي وربكم مَا من دَابَّة إِلَّا هُوَ آخذ بناصيتها إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم} إِلَّا صرفه الله عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم} قَالَ: الْحق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {عَذَاب غليظ} قَالَ: شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كل جَبَّار عنيد} الْمُشرك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ {كل جَبَّار عنيد} الْمِيثَاق
(4/443)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ عنيد قَالَ: تمالت عَن الْحق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأُتبعوا فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة} قَالَ: لم يبْعَث نَبِي بعد عَاد إِلَّا لُعِنَتْ عَاد على لِسَانه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأتبعوا فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: لعنة أُخْرَى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: تَتَابَعَت عَلَيْهِم لعنتان من الله لعنة فِي الدُّنْيَا ولعنة فِي الْآخِرَة
الْآيَات 61 - 68
(4/444)
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (61) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (62) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (63) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {هُوَ أنشأكم من الأَرْض} قَالَ: خَلقكُم من الأَرْض
(4/444)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {واستعمركم فِيهَا} قَالَ: أعمركم فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {واستعمركم فِيهَا} قَالَ: استخلفكم فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {فَمَا تزيدونني غير تخسير} يَقُول: مَا تزدادون أَنْتُم إِلَّا خساراً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي {فَمَا تزيدونني غير تخسير} قَالَ: مَا تزيدونني بِمَا تَصْنَعُونَ إِلَّا شرا لكم وخسراناً تخسرونه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {ثَلَاثَة أَيَّام} قَالَ: كَانَ بَقِي من أجل قوم صَالح عِنْد عقر النَّاقة ثَلَاثَة أَيَّام فَلم يعذبوا حَتَّى أكملوها
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {نجينا صَالحا وَالَّذين آمنُوا} الْآيَة
قَالَ: نجاه الله برحمة مِنْهُ ونجاه من خزي يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَأَصْبحُوا فِي دِيَارهمْ جاثمين} قَالَ: ميتين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {كَأَن لم يغنوا فِيهَا} قَالَ: كَأَن لم يعيشوا فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {كَأَن لم يغنوا فِيهَا} قَالَ: كَأَن لم يعمروا فِيهَا
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء والطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {كَأَن لم يغنوا فِيهَا} قَالَ: كَأَن لم يَكُونُوا فِيهَا يَعْنِي فِي الدُّنْيَا حِين عذبُوا وَلم يعمروا فِيهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: وغنيت شَيْئا قبل نحري وَأحسن لَو كَانَ للنَّفس اللجوج خُلُود وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَأَن لم يغنوا فِيهَا} قَالَ: كَأَن لم ينعموا فِيهَا
(4/445)
الْآيَة 69
(4/446)
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُثْمَان بن محسن رَضِي الله عَنهُ فِي ضيف إِبْرَاهِيم كَانُوا أَرْبَعَة
جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمِيكَائِيل وإسرافيل ورفائيل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام وكل شَيْء سلمت عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة فَقَالُوا سَلاما قَالَ سَلام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {بعجل حنيذ} قَالَ: نضيج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حنيذ} قَالَ: مشوي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بعجل حنيذ} قَالَ: سميط
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس: أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {بعجل حنيذ} قَالَ: الحنيذ النضيج مَا يشوى بِالْحِجَارَةِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: لَهُم رَاح وفار الْمسك فيهم وشاوهم إِذا شاوا حنيذ وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بعجل حنيذ} قَالَ: الحنيذ الَّذِي أنضِج بِالْحِجَارَةِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: الحنيذ الَّذِي شوي وَهُوَ يسيل مِنْهُ المَاء
الْآيَات 70 - 73
(4/446)
فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73)
أخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يشرف على سدوم فَيَقُول: وَيلك يَا سدوم يَوْم مَالك ثمَّ قَالَ {وَلَقَد جَاءَت رسلنَا إِبْرَاهِيم بالبشرى قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام فَمَا لبث أَن جَاءَ بعجل حنيذ} نضيج وَهُوَ يَحْسبهُم أضيافاً {فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم وأوجس مِنْهُم خيفة قَالُوا لَا تخف إِنَّا أُرسلنا إِلَى قوم لوط وَامْرَأَته قَائِمَة فَضَحكت فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} قَالَ: ولد الْوَلَد {قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب} فَقَالَ لَهَا جِبْرِيل {أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد} وكلمهم إِبْرَاهِيم فِي أَمر قوم لوط إِذْ كَانَ فيهم إِبْرَاهِيم قَالُوا: (يَا إِبْرَاهِيم أعرض عَن هَذَا) (سُورَة هود الْآيَة 76) إِلَى قَوْله (وَلما جَاءَت رسلنَا لوطاً سيء بهم) (سُورَة هود الْآيَة 77) قَالَ: سَاءَهُ مكانهم لما رأى مِنْهُ من الْجمال {وضاق بهم ذرعاً وَقَالَ هَذَا يَوْم عصيب} قَالَ: يَوْم سوء من قومِي فَذهب بهم إِلَى منزله فَذَهَبت امْرَأَته لِقَوْمِهِ (فَجَاءَهُ قومه يهزعون إِلَيْهِ وَمن قبل كَانُوا يعْملُونَ السَّيِّئَات قَالَ: يَا قوم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم) (سُورَة هود الْآيَة 78) تزوّجوهن (أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد قَالُوا: لقد علمت مَا لنا فِي بناتك من حق وَإنَّك لتعلم مَا نُرِيد) (سُورَة هود الْآيَة 79) وَجعل الأضياف فِي بَيته وَقعد على بَاب الْبَيْت (قَالَ لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد) (سُورَة هود الْآيَة 80) قَالَ: إِلَى عشيرة تمنع فبلغني أَنه لم يبْعَث بعد لوط عَلَيْهِ السَّلَام رَسُول إِلَّا فِي عز من قومه فَلَمَّا رَأَتْ الرُّسُل مَا قد لَقِي لوط فِي سيئتهم {قَالُوا يَا لوط إِنَّا رسل رَبك} إِنَّا مَلَائِكَة {لن يصلوا إِلَيْك فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك} إِلَى قَوْله (أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب) (سُورَة هود الْآيَة 81)
فَخرج عَلَيْهِم جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَضرب وُجُوههم بجناحه ضَرْبَة فطمس أَعينهم والطمس ذهَاب الْأَعْين ثمَّ احْتمل جِبْرِيل وَجه أَرضهم حَتَّى سمع أهل سَمَاء الدُّنْيَا نباح كلابهم وأصوات ديوكهم ثمَّ قَلبهَا عَلَيْهِم {وأمطرنا عَلَيْهِم حِجَارَة من سجيل} قَالَ: على أهل بواديهم وعَلى رعاثهم وعَلى مسافرهم فَلم يبْق مِنْهُم أحد
(4/447)
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما رأى إِبْرَاهِيم أَنه لَا تصل إِلَى الْعجل أَيْديهم نكرهم وخافهم وَإِنَّمَا كَانَ خوف إِبْرَاهِيم أَنهم كَانُوا فِي ذَلِك الزَّمَان إِذا هم أحدهم بِأَمْر سوء لم يَأْكُل عِنْده يَقُول: إِذا أكرمت بطعامه حرم عليّ أَذَاهُ فخاف إِبْرَاهِيم أَن يُرِيدُوا بِهِ سوءا فاضطربت مفاصله وَامْرَأَته سارة قَائِمَة تخدمهم وَكَانَ إِذا أَرَادَ أَن يكرم أضيافه أَقَامَ سارة لتخدمهم فَضَحكت سارة وَإِنَّمَا ضحِكت انها قَالَت: يَا إِبْرَاهِيم وَمَا تخَاف أَنهم ثَلَاثَة نفر وَأَنت وَأهْلك وغلمانك قَالَ لَهَا جِبْرِيل: أيتها الضاحكة أما أَنَّك ستلدين غُلَاما يُقَال لَهُ إِسْحَاق وَمن وَرَائه غُلَام يُقَال لَهُ يَعْقُوب {فَأَقْبَلت امْرَأَته فِي صرة فصكت وَجههَا} فَأَقْبَلت والهة تَقول: واويلتاه
وَوضعت يَدهَا على وَجههَا استحياء
فَذَلِك قَوْله {فصكت وَجههَا} و {قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا} قَالَ: لما بشر إِبْرَاهِيم بقول الله {فَلَمَّا ذهب عَن إِبْرَاهِيم الروع وجاءته الْبُشْرَى} باسحاق {يجادلنا فِي قوم لوط} وَإِنَّمَا كَانَ جداله أَنه قَالَ: يَا جِبْرِيل أَيْن تُرِيدُونَ وَإِلَى من بعثتم قَالَ: إِلَى قوم لوط وَقد أمرنَا بعذابهم
فَقَالَ إِبْرَاهِيم (إِن فِيهَا لوطاً قَالُوا نَحن أعلم بِمن فِيهَا لننجينه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته) (العنكبوت الْآيَة 32) وَكَانَت فِيمَا زَعَمُوا تسمى والقة فَقَالَ إِبْرَاهِيم: إِن كَانَ فيهم مائَة مُؤمن تعذبونهم قَالَ جِبْرِيل: لَا
قَالَ: فَإِن كَانَ فيهم تسعون مُؤمنُونَ تعذبونهم قَالَ جِبْرِيل: لَا قَالَ: فَإِن كَانَ فيهم ثَمَانُون مُؤمنُونَ تعذبونهم قَالَ جِبْرِيل: لَا حَتَّى انْتهى فِي الْعدَد إِلَى وَاحِد مُؤمن قَالَ جِبْرِيل: لَا فَلَمَّا لم يذكرُوا لإِبراهيم أَن فِيهَا مُؤمنا وَاحِدًا قَالَ: (إِن فِيهَا لوطاً قَالُوا نَحن أعلم بِمن فِيهَا لننجينه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته) (العنكبوت الْآيَة 32)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ
أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حِين أخرجه قومه بَعْدَمَا ألقوه فِي النَّار خرج بامرأته سارة وَمَعَهُ أَخُوهَا لوط وهما ابْنا أَخِيه فتوجها إِلَى أَرض الشَّام ثمَّ بلغُوا مصر وَكَانَت سارة رَضِي الله عَنْهَا من أجمل النَّاس فَلَمَّا دخلت مصر تحدث النَّاس بجمالها وعجبوا لَهُ حَتَّى بلغ ذَلِك الْملك فَدَعَا ببعلها وَسَأَلَهُ مَا هُوَ مِنْهَا فخاف إِن قَالَ لَهُ زَوجهَا أَن يقْتله فَقَالَ: أَنا أَخُوهَا
فَقَالَ: زوجينها
فَكَانَ على ذَلِك حَتَّى بَات لَيْلَة فَجَاءَهُ حلم فخنقه
(4/448)
وخوّفه فَكَانَ هُوَ وَأَهله فِي خوف وهول حَتَّى علم أَنه قد أَتَى من قبلهَا فَدَعَا إِبْرَاهِيم فَقَالَ: مَا حملك على أَن تَغُرَّني زعمت أَنَّهَا أختك فَقَالَ: إِنِّي خفت إِن ذكرت أَنَّهَا زَوْجَتي أَن يُصِيبنِي مِنْك مَا أكره فوهب لَهَا هَاجر أم إِسْمَعِيل وَحَملهمْ وجهزهم حَتَّى اسْتَقر قرارهم على جبل إيليا فَكَانُوا بهَا حَتَّى كثرت أَمْوَالهم ومعايشهم فَكَانَ بَين رعاء إِبْرَاهِيم ورعاء لوط جوَار وقتال: فَقَالَ لوط لابراهيم: إِن هَؤُلَاءِ الرعاء قد فسد مَا بَينهم وَكَانَت تضيق فيهم المراعي ونخاف أَن لَا تحملنا هَذِه الأَرْض فَإِن أَحْبَبْت أَن أخف عَنْك خففت
قَالَ إِبْرَاهِيم: مَا شِئْت إِن شِئْت فانتقل مِنْهَا وَإِن شِئْت انْتَقَلت مِنْك
قَالَ لوط عَلَيْهِ السَّلَام: لَا بل أَنا أَحَق أَن أخف عَنْك
ففر بأَهْله وَمَاله إِلَى سهل الْأُرْدُن فَكَانَ بهَا حَتَّى أغار عَلَيْهِ أهل فلسطين فَسبوا أَهله وَمَاله
فَبلغ ذَلِك إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَأَغَارَ عَلَيْهِم بِمَا كَانَ عِنْده من أَهله ورقيقه وَكَانَ عَددهمْ زِيَادَة على ثَلَاثمِائَة من كَانَ مَعَ إِبْرَاهِيم فاستنقذ من أهل فلسطين من كَانَ مَعَهم من أهل لوط حَتَّى ردهم إِلَى قرارهم ثمَّ انْصَرف إِبْرَاهِيم إِلَى مَكَانَهُ وَكَانَ أهل سدوم الَّذين فيهم لوط قوم قد استغنوا عَن النِّسَاء بِالرِّجَالِ فَلَمَّا رأى الله كَانَ عِنْد ذَلِك بعث الْمَلَائِكَة ليعذبوهم فَأتوا إِبْرَاهِيم فَلَمَّا رَآهُمْ راعه هيئتهم وجمالهم فَسَلمُوا عَلَيْهِ وجلسوا إِلَيْهِ فَقَامَ ليقرب إِلَيْهِم قِرىً فَقَالُوا: مَكَانك
قَالَ: بل دَعونِي آتيكم بِمَا يَنْبَغِي لكم فَإِن لكم حَقًا لم يأتنا أحد أَحَق بالكرامة مِنْكُم فَأمر بعجل سمين فحنذ لَهُ - يَعْنِي شوي لَهُم - فَقرب إِلَيْهِم الطَّعَام {فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ نكرهم وأوجس مِنْهُم خيفة} وَسَارة رَضِي الله عَنْهَا وَرَاء الْبَاب تسمع {قَالُوا لَا تخف وبشروه بِغُلَام عليم} مبارك فبشر بِهِ امْرَأَته سارة فَضَحكت وَعَجِبت كَيفَ يكون لَهُ مني ولد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا شيخ كَبِير
{قَالُوا أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله} فَإِنَّهُ قَادر على مَا يَشَاء وَقد وهبه الله لكم فابشروا بِهِ
فَقَامُوا وَقَامَ مَعَهم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فَمَشَوْا مَعًا وسألهم قَالَ: أخبروني لم بعثتم وَمَا دخل بكم قَالُوا: إِنَّا أرسلنَا إِلَى أهل سدوم لندمرها فَإِنَّهُم قوم سوء وَقد استغنوا بِالرِّجَالِ عَن النِّسَاء
قَالَ إِبْرَاهِيم: إِن فِيهَا قوما صالحين فَكيف يصيبهم من الْعَذَاب مَا يُصِيب أهل عمل السوء قَالُوا: وَكم فِيهَا قَالَ: أَرَأَيْتُم إِن كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ رجلا صَالحا
قَالُوا: إِذن لَا نعذبهم
قَالَ: إِن كَانَ فيهم أَرْبَعُونَ قَالُوا: إِذن لَا
(4/449)
نعذبهم
فَلم يزل ينقص حَتَّى بلغ إِلَى عشرَة ثمَّ قَالَ: فَأهل بَيت قَالُوا: فَإِن كَانَ فِيهَا بَيت صَالح
قَالَ: فلوط وَأهل بَيته قَالُوا: إِن امْرَأَته هَواهَا مَعَهم فَكيف يصرف عَن أهل قَرْيَة لم يتم فِيهَا أهل بَيت صالحين
فَلَمَّا يئس مِنْهُم إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام انْصَرف وذهبوا إِلَى أهل سدوم فَدَخَلُوا على لوط عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا رأتهم امْرَأَته أعجبها هيئتهم وجمالهم فَأرْسلت إِلَى أهل الْقرْيَة أَنه قد نزل بِنَا قوم لم ير قطّ أحسن مِنْهُم وَلَا أجمل
فتسامعوا بذلك فغشوا دَار لوط من كل نَاحيَة وتسوروا عَلَيْهِم الجدران فَلَقِيَهُمْ لوط عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا قوم لَا تفضحوني فِي بَيْتِي وَأَنا أزوجكم بَنَاتِي فهن أطهر لكم
قَالُوا: لَو كُنَّا نُرِيد بناتك لقد عرفنَا مَكَانك وَلَكِن لَا بُد لنا من هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين نزلُوا بك فَخَل بَيْننَا وَبينهمْ واسلم منا فَضَاقَ بِهِ الْأَمر {قَالَ لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} فَوجدَ عَلَيْهِ الرُّسُل فِي هَذِه الْكَلِمَة فَقَالُوا: إِن ركنك لشديد وَإِنَّهُم آتيهم عَذَاب غير مَرْدُود وَمسح أحدهم أَعينهم بجناحه فطمس أَبْصَارهم فَقَالُوا: سحرنَا انْصَرف بِنَا حَتَّى ترجع إِلَيْهِم تغشاهم اللَّيْل فَكَانَ من أَمرهم مَا قصّ الله فِي الْقُرْآن فَأدْخل مِيكَائِيل وَهُوَ صَاحب الْعَذَاب جنَاحه حَتَّى بلغ أَسْفَل الأَرْض ثمَّ حمل قراهم فقلبها عَلَيْهِم وَنزلت حِجَارَة من السَّمَاء فتتبعت من لم يكن مِنْهُم فِي الْقرْيَة حَيْثُ كَانُوا فأهلكهم الله تَعَالَى وَنَجَا لوط وَأَهله إِلَّا امْرَأَته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد الْبَصْرِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا رأى أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ} قَالَ: لم ير لَهُم أيدياً فنكرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نكرهم} الْآيَة قَالَ: كَانُوا إِذا نزل بهم ضيف فَلم يَأْكُل من طعامهم ظنُّوا أَنه لم يَأْتِ بِخَير وَإنَّهُ يحدث نَفسه بشر ثمَّ حدثوه عِنْد ذَلِك بِمَا جَاءُوا فِيهِ فَضَحكت امْرَأَته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما تضيفت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام قدم لَهُم الْعجل فَقَالُوا: لَا نأكله إِلَّا بِثمن
قَالَ: فَكُلُوا وأدوا ثمنه
قَالُوا: وَمَا ثمنه قَالَ: تسمون الله إِذا أكلْتُم وتحمدونه إِذا فَرَغْتُمْ
قَالَ: فَنظر بَعضهم إِلَى بعض فَقَالُوا: لهَذَا اتخذك الله خَلِيلًا
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: لما بعث الله الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام لتهلك
(4/450)
قوم لوط أَقبلت تمشي فِي صُورَة رجال شباب حَتَّى نزلُوا على إِبْرَاهِيم السَّلَام فضيفوه فَلَمَّا رَآهُمْ أَجلهم فرَاغ إِلَى أَهله فجَاء بعجل سمين فذبحه ثمَّ شواه فِي الرضف فَهُوَ الحنيذ وأتاهم فَقعدَ مَعَهم وَقَامَت سارة رَضِي الله عَنْهَا تخدمهم فَذَلِك حِين يَقُول {وَامْرَأَته قَائِمَة} وَهُوَ جَالس فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / فَلَمَّا قربه إِلَيْهِم قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ / قَالُوا: يَا إِبْرَاهِيم إِنَّا لَا نَأْكُل طَعَاما إِلَّا بِثمن
قَالَ: فَإِن لهَذَا ثمنا
قَالُوا: وَمَا ثمنه قَالَ: تذكرُونَ اسْم الله على أوّله وتحمدونه على آخِره
فَنظر جِبْرِيل إِلَى مِيكَائِيل فَقَالَ: حق لهَذَا أَن يَتَّخِذهُ ربه خَلِيلًا
فَلَمَّا رأى إِبْرَاهِيم أَيْديهم لَا تصل إِلَيْهِ يَقُول: لَا يَأْكُلُون فزع مِنْهُم وأوجس مِنْهُم خيفة فَلَمَّا نظرت إِلَيْهِ سارة أَنه قد أكْرمهم وَقَامَت هِيَ تخدمهم ضحِكت وَقَالَت: عجبا لاضيافنا هَؤُلَاءِ انا نخدمهم بِأَنْفُسِنَا تكرمة لَهُم وهم لَا يَأْكُلُون طعامنا
قَالَ لَهَا جِبْرِيل: ابشري بِولد اسْمه إِسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب
فَضربت وَجههَا عجبا فَذَلِك قَوْله {قَالَت يَا ويلتى أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب قَالُوا أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد} قَالَ سارة رَضِي الله عَنْهَا: مَا آيَة ذَلِك فَأخذ بِيَدِهِ عوداً يَابسا فلواه بَين أَصَابِعه فاهتز أَخْضَر
فَقَالَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام: هُوَ لله إِذن ذبيحاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْمُغيرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي مصحف ابْن مَسْعُود وَامْرَأَته قَائِمَة وَهُوَ جَالس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَامْرَأَته قَائِمَة} قَالَ: فِي خدمَة أضياف إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أوجس إِبْرَاهِيم خيفة فِي نَفسه حدثوه عِنْد ذَلِك بِمَا جَاءُوا فِيهِ فَضَحكت امْرَأَته تَعَجبا مِمَّا فِيهِ قوم لوط من الغفلى وَمِمَّا أَتَاهُم من الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {فَضَحكت} قَالَ: فَحَاضَت وَهِي بنت ثَمَان وَتِسْعين سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَضَحكت} قَالَ: حَاضَت وَكَانَت ابْنة بضع وَتِسْعين سنة وَكَانَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ابْن مائَة سنة
(4/451)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَضَحكت} قَالَ: حَاضَت
قَالَ الشَّاعِر: إِنِّي لآتي الْعرس عِنْد طهورها وأهجرها يَوْمًا إِذا هِيَ ضَاحِك وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ اسْم سارة يسارة فَلَمَّا قَالَ لَهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: يَا سارة
قَالَت: إِن اسْمِي يسارة فَكيف تسمينني سارة قَالَ الضَّحَّاك: يسارة العاقر الَّتِي لَا تَلد وَسَارة الطالق الرَّحِم الَّتِي تَلد
فَقَالَ لَهَا جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: كنت يسارة لَا تحملين فصرت سارة تحملين الْوَلَد وترضعينه
فَقَالَت سارة رَضِي الله عَنْهَا: يَا جِبْرِيل نقصت اسْمِي قَالَ جِبْرِيل: إِن الله قد وَعدك بِأَن يَجْعَل هَذَا الْحَرْف فِي اسْم ولد من ولدك فِي آخر الزَّمَان وَذَلِكَ أَن اسْمه عِنْد الله حَيّ فَسَماهُ يحيى
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ حسن سارة رَضِي الله عَنْهَا حسن حَوَّاء عَلَيْهَا السَّلَام
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَن سارة بنت ملك من الْمُلُوك وَكَانَت قد أُوتيت حسنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} قَالَ: هُوَ ولد الْوَلَد
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والابتداء عَن حسان بن أبحر قَالَ: كنت عِنْد ابْن عَبَّاس فَجَاءَهُ رجل من هُذَيْل فَقَالَ لَهُ ابْن عَبَّاس: مَا فعل فلَان قَالَ: مَاتَ وَترك أَرْبَعَة من الْوَلَد وَثَلَاثَة من الوراء
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: {فبشرناها بِإسْحَاق وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} قَالَ: ولد الْوَلَد
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن وَرَاء إِسْحَاق يَعْقُوب} قَالَ: ولد الْوَلَد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ضَمرَة بن حبيب
أَن سارة لما بشرها الرُّسُل بإسحق قَالَ: بَينا هِيَ تمشي وتحدثهم حِين أَتَت بالحيضة فَحَاضَت قبل أَن تحمل بإسحق فَكَانَ من قَوْلهَا للرسل حِين بشروها: قد كنت شَابة وَكَانَ إِبْرَاهِيم شَابًّا فَلم أحبل فحين كَبرت وَكبر أألد قَالُوا: أَتَعْجَبِينَ من ذَلِك يَا سارة فَإِن الله قد صنع
(4/452)
بكم مَا هُوَ أعظم من ذَلِك إِن الله قد جعل رَحمته وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا} قَالَ: وَهِي يَوْمئِذٍ ابْنة سبعين وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن تسعين سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بعلي} قَالَ: زَوجي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ضرار بن مرّة عَن شيخ من أهل الْمَسْجِد قَالَ: بشر إِبْرَاهِيم بعد سبع عشرَة وَمِائَة سنة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَت سارة رَضِي الله عَنْهَا لما بَشرَتهَا الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام {يَا ويلتى أألد وَأَنا عَجُوز وَهَذَا بعلي شَيخا إِن هَذَا لشَيْء عَجِيب} فَقَالَت الْمَلَائِكَة ترد على سارة {أَتَعْجَبِينَ من أَمر الله رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد} قَالَ: فَهُوَ كَقَوْلِه (وَجعلهَا كلمة بَاقِيَة فِي عقبه) (الزخرف الْآيَة 28) بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآله من عقب إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطاء بن أبي رَبَاح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد} قَالَ: كنت عِنْد ابْن عَبَّاس إِذْ جَاءَهُ رجل فَسلم عَلَيْهِ فَقلت: وَعَلَيْكُم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ومغفرته
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: انته إِلَى مَا انْتَهَيْت إِلَيْهِ الْمَلَائِكَة ثمَّ تَلا {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن سَائِلًا قَامَ على الْبَاب وَهُوَ عِنْد مَيْمُونَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم أهل الْبَيْت وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وصلواته ومغفرته فَقَالَ ابْن عَبَّاس: انْتَهوا بالتحية إِلَى مَا قَالَ الله {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَطاء قَالَ: كنت عِنْد ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فجَاء سَائِلًا فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ومغفرته وصلواته
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَا هَذَا السَّلَام وَغَضب حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه إِن
(4/453)
الله حد للسلام حدا ثمَّ انْتهى وَنهى عَمَّا وَرَاء ذَلِك ثمَّ قَرَأَ {رَحْمَة الله وَبَرَكَاته عَلَيْكُم أهل الْبَيْت إِنَّه حميد مجيد}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن رجلا قَالَ لَهُ: سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته ومغفرته
فانتهره ابْن عمر وَقَالَ: حَسبك إِذا انْتَهَيْت إِلَى وَبَرَكَاته إِلَى مَا قَالَ الله
الْآيَة 74
(4/454)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا ذهب عَن إِبْرَاهِيم الروع وجاءته الْبُشْرَى} قَالَ: الْغَرق {يجادلنا فِي قوم لوط} قَالَ: يخاصمنا
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {فَلَمَّا ذهب عَن إِبْرَاهِيم الروع} قَالَ: الْخَوْف {وجاءته الْبُشْرَى} بإسحق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وجاءته الْبُشْرَى} قَالَ: حِين اخبروه أَنهم أرْسلُوا إِلَى قوم لوط وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا إِيَّاه يُرِيدُونَ {يجادلنا فِي قوم لوط} قَالَ: إِنَّه قَالَ لَهُم يَوْمئِذٍ: أَرَأَيْتُم إِن كَانَ فيهم خَمْسُونَ من الْمُسلمين قَالُوا: إِن كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ لم نعذبهم
قَالَ: أَرْبَعُونَ قَالُوا: وَأَرْبَعُونَ
قَالَ: ثَلَاثُونَ قَالُوا: وَثَلَاثُونَ حَتَّى بلغ عشرَة قَالُوا: وَإِن كَانَ فِيهَا عشرَة قَالَ: مَا قوم لَا يكون فيهم عشرَة فيهم خير
قَالَ قَتَادَة: إِنَّه كَانَ فِي قَرْيَة لوط أَرْبَعَة آلَاف ألف إِنْسَان أَو مَا شَاءَ الله من ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يجادلنا فِي قوم لوط} قَالَ: لما جَاءَ جِبْرِيل وَمن مَعَه إِلَى إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَأخْبرهُ أَنه مهلك قوم لوط قَالَ: أتهلك قَرْيَة فِيهَا أَرْبَعمِائَة مُؤمن قَالَ: لَا
قَالَ: ثلثمِائة مُؤمن قَالَ: لَا
قَالَ: فمائتا مُؤمن قَالَ: لَا
قَالَ: فمائة قَالَ: لَا
قَالَ: فخمسون مُؤمنا قَالَ: لَا
قَالَ: فأربعون مُؤمنا قَالَ: لَا
قَالَ: فَأَرْبَعَة عشر مُؤمنا قَالَ: لَا
وَظن إِبْرَاهِيم أَنهم أَرْبَعَة عشر بِامْرَأَة لوط وَكَانَ فِيهَا ثَلَاثَة عشر مُؤمنا وَقد عرف ذَلِك جِبْرِيل
(4/454)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما جَاءَت الْمَلَائِكَة إِلَى إِبْرَاهِيم قَالُوا لإِبراهيم: إِن كَانَ فِيهَا خَمْسَة يصلونَ رفع عَنْهُم الْعَذَاب
الْآيَة 75 - 76
(4/455)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْحلم يجمع لصَاحبه شرف الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ألم تسمع الله وصف نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالحلم فَقَالَ {إِن إِبْرَاهِيم لحليم أوّاه منيب}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ضَمرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْحلم ارْفَعْ من الْعقل لِأَن الله عز وَجل تسمى بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن مَيْمُون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الأوّاه الرَّحِيم والحليم الشَّيْخ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن إِبْرَاهِيم لحليم أوّاه منيب} قَالَ: كَانَ إِذا قَالَ: قَالَ الله وَإِذا عمل عمل لله وَإِذا نوى نوى لله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْمُنِيب الْمقبل إِلَى طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُنِيب إِلَى الله الْمُطِيع لله الَّذِي أناب إِلَى طَاعَة الله وَأمره وَرجع إِلَى الْأُمُور الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قبل ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُنِيب المخلص فِي عمله لله عز وَجل
الْآيَة 77
(4/455)
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلما جَاءَت رسلنَا لوطاً سيء بهم وضاق بهم ذرعاً} قَالَ: سَاءَ ظنا بقَوْمه وضاق ذرعاً باضيافه وَقَالَ {هَذَا يَوْم عصيب} يَقُول: شَدِيد
(4/455)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: سَاءَ ظنا بقَوْمه يتخوّفهم على اضيافه وضاق ذرعاً باضيافه مَخَافَة عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء والطستي عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل {يَوْم عصيب} قَالَ: يَوْم شَدِيد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: هم ضربوا قوانس خيل حجر بِجنب الردء فِي يَوْم عصيب وَقَالَ عدي بن زيد: فَكنت لَو أَنِّي خصمك لم أعوّد وَقد سلكوك فِي يَوْم عصيب
الْآيَات 78 - 83
(4/456)
وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجاءه قومه يهرعون إِلَيْهِ} قَالَ: يسرعون {وَمن قبل كَانُوا يعْملُونَ السَّيِّئَات} قَالَ: يأْتونَ الرِّجَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجاءه قومه يهرعون إِلَيْهِ} قَالَ: ويسعون إِلَيْهِ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {يهرعون إِلَيْهِ} قَالَ: يقبلُونَ إِلَيْهِ بِالْغَضَبِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول:
(4/456)
أتونا يهرعون وهم أُسَارَى سيوفهم على رغم الأنوف وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمن قبل كَانُوا يعْملُونَ السَّيِّئَات} قَالَ: ينْكحُونَ الرِّجَال
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي اله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قَالَ يَا قوم هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} قَالَ: مَا عرض لوط عَلَيْهِ السَّلَام بَنَاته على قومه لَا سِفَاحًا وَلَا نِكَاحا إِنَّمَا قَالَ: هَؤُلَاءِ بَنَاتِي نِسَاؤُكُمْ لِأَن النَّبِي إِذا كَانَ بَين ظَهْري قوم فَهُوَ أبوهم قَالَ الله فِي الْقُرْآن وأزواجه أمهاتهم (الْأَحْزَاب الْآيَة 6) وَهُوَ أبوهم فِي قِرَاءَة أبي رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} قَالَ: لم تكن بَنَاته وَلَكِن كن من أمته وكل نَبِي أَبُو أمته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا دعاهم إِلَى نِسَائِهِم وكل نَبِي أَبُو أمته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن السّديّ فِي قَوْله {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي} قَالَ: عرض عَلَيْهِم نسَاء أمته كل نَبِي فَهُوَ أَبُو أمته وَفِي قِرَاءَة عبد الله النَّبِي أولى بِالْمُؤْمِنِينَ من أنفسهم وَهُوَ أَب لَهُم وأزواجه أمهاتهم (الْأَحْزَاب الْآيَة 6)
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر وَمُقَاتِل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما سَمِعت الفسقة باضياف لوط جَاءَت إِلَى بَاب لوط فاغلق لوط عَلَيْهِم الْبَاب دونهم ثمَّ اطلع عَلَيْهِم فَقَالَ: هَؤُلَاءِ بَنَاتِي
فَعرض عَلَيْهِم بَنَاته بِالنِّكَاحِ وَالتَّزْوِيج وَلم يعرضهَا عَلَيْهِم للفاحشة وَكَانُوا كفَّارًا وَبنَاته مسلمات فَلَمَّا رأى الْبلَاء وَخَافَ الفضيحة عرض عَلَيْهِم التَّزْوِيج وَكَانَ اسْم ابْنَتَيْهِ إِحْدَاهمَا رغوثا وَالْأُخْرَى وميثا وَيُقَال: ديونا إِلَى قَوْله {أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد} أَي يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر فَلَمَّا لم يتناهوا وَلم يردهم قَوْله وَلم يقبلُوا شَيْئا مِمَّا عرض عَلَيْهِم من أَمر بَنَاته قَالَ {لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} يَعْنِي عشيرة أَو شيعَة تنصرني لحلت بَيْنكُم وَبَين هَذَا فكسروا الْبَاب ودخلوا عَلَيْهِ وتحوّل جِبْرِيل فِي صورته الَّتِي يكون فِيهَا فِي السَّمَاء ثمَّ قَالَ: يَا لوط لَا تخف نَحن الْمَلَائِكَة لن يصلوا إِلَيْك وأمرنا بعذابهم
فَقَالَ لوط: يَا جِبْرِيل الْآن تُعَذبهُمْ - وَهُوَ شَدِيد الأسف عَلَيْهِم - قَالَ جِبْرِيل: موعدهم الصُّبْح أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب
قَالَ ابْن عَبَّاس
(4/457)
رَضِي الله عَنْهُمَا: إِن الله يعبي الْعَذَاب فِي أوّل اللَّيْل إِذا أَرَادَ أَن يعذب قوما ثمَّ يعذبهم فِي وَجه الصُّبْح
قَالَ: فهيئت الْحِجَارَة لقوم لوط فِي أول اللَّيْل لترسل عَلَيْهِم غدْوَة الْحِجَارَة وَكَذَلِكَ عذبت الْأُمَم عَاد وَثَمُود بِالْغَدَاةِ فَلَمَّا كَانَ عِنْد وَجه الصُّبْح عمد جِبْرِيل إِلَى قرى لوط بِمَا فِيهَا من رجالها ونسائها وثمارها وطيرها فحواها وطواها ثمَّ قلعهَا من تخوم الثرى ثمَّ احتملها من تَحت جنَاحه ثمَّ رَفعهَا إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فَسمع سكان سَمَاء الدُّنْيَا أصوات الْكلاب وَالطير وَالنِّسَاء وَالرِّجَال من تَحت جنَاح جِبْرِيل ثمَّ أرسلها منكوسة ثمَّ أتبعهَا بِالْحِجَارَةِ وَكَانَت الْحِجَارَة للرعاة والتجار وَمن كَانَ خَارِجا عَن مدائنهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عرض عَلَيْهِم بَنَاته تزويجاً وَأَرَادَ أَن يقي أضيافه بتزويج بَنَاته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم} قَالَ: أَمرهم هود بتزويج النِّسَاء وَقَالَ: هن أطهر لكم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَلَا تخزونِ فِي ضَيْفِي} يَقُول: وَلَا تفضحوني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ {أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد} قَالَ: رجل يَأْمر بِمَعْرُوف وَينْهى عَن الْمُنكر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد} قَالَ: رجل يَأْمر بِمَعْرُوف وَينْهى عَن الْمُنكر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أَلَيْسَ مِنْكُم رجل رشيد} قَالَ: وَاحِد يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {قَالُوا لقد علمت مَا لنا فِي بناتك من حق وَإنَّك لتعلم مَا نُرِيد} قَالَ: إِنَّمَا نُرِيد الرِّجَال {قَالَ لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} يَقُول: إِلَى جند شَدِيد لقاتلتكم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم إِلَى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} قَالَ: عشيرة
(4/458)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} قَالَ: الْعَشِيرَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ
أَنه خطب فَقَالَ عشيرة الرجل للرجل خير من الرجل لعشيرته
أَنه إِن كف يدا وَاحِدَة وَكفوا عَنهُ أيدياً كَثِيرَة مَعَ مَوَدَّتهمْ وحفاظتهم ونصرتهم حَتَّى لربما غضب الرجل للرجل وَمَا يعرفهُ إِلَّا بِحَسبِهِ وسأتلو عَلَيْكُم بذلك آيَات من كتاب الله تَعَالَى فَتلا هَذِه الْآيَة {لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: والركن الشَّديد: الْعَشِيرَة
فَلم يكن للوط عَلَيْهِ السَّلَام عشيرة فوالذي لَا إِلَه غَيره مَا بعث الله نَبيا بعد لوط إِلَّا فِي ثروة من قومه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} قَالَ: بَلغنِي أَنه لم يبْعَث نبيّ بعد لوط إِلَّا فِي ثروة من قومه حَتَّى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ
إِن هَذِه الْآيَة لما نزلت {لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحم الله أخي لوطاً لقد كَانَ يأوي إِلَى ركن شَدِيد فلأي شَيْء استكان
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَرَأَ هَذِه الْآيَة قَالَ: رحم الله لوطاً إِن كَانَ ليأوي إِلَى ركن شَدِيد وَذكر لنا إِن الله لم يبْعَث نَبيا بعد لوط إِلَّا فِي ثروة من قومه حَتَّى بعث الله نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ثروة من قومه
وَأخرج ابْن جرير عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ لوط عَلَيْهِ السَّلَام {لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} فَوجدَ عَلَيْهِ الرُّسُل وَقَالُوا: يَا لوط إِن ركنك لشديد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: مَا بعث الله نَبيا بعد لوط إِلَّا فِي عز من قومه
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحم الله لوطاً كَانَ يأوي إِلَى ركن شَدِيد - يَعْنِي الله تَعَالَى - فَمَا بعث الله بعده نَبيا إِلَّا فِي ثروة من قومه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي
(4/459)
هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يغْفر الله للوط إِنَّه كَانَ ليأوي إِلَى ركن شَدِيد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رحم الله لوطاً إِن كَانَ ليأوي إِلَى ركن شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن بشر الْأنْصَارِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن النَّاس كَانُوا أنذروا قوم لوط فجاءتهم الْمَلَائِكَة عَشِيَّة فَمروا بناديهم فَقَالَ قوم لوط بَعضهم لبَعض: لَا تنفروهم وَلم يرَوا قوما قطّ أحسن من الْمَلَائِكَة فَلَمَّا دخلُوا على لوط عَلَيْهِ السَّلَام راودوه عَن ضَيفه فَلم يزل بهم حَتَّى عرض عَلَيْهِم بَنَاته فَأَبَوا فَقَالَت الْمَلَائِكَة {إِنَّا رسل رَبك لن يصلوا إِلَيْك} قَالَ: رسل رَبِّي قَالُوا: نعم
قَالَ لوط: فَالْآن كَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أرْسلت الرُّسُل إِلَى قوم لوط ليهلوكهم قيل لَهُم: لَا تهلكوا قوم لوط حَتَّى يشْهد عَلَيْهِم لوط ثَلَاث مَرَّات وَكَانَ طريقهم على إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن {فَلَمَّا ذهب عَن إِبْرَاهِيم الروع وجاءته الْبُشْرَى يجادلنا فِي قوم لوط} وَكَانَت مجادلته إيَّاهُم قَالَ: أَرَأَيْتُم إِن كَانَ فِيهَا خَمْسُونَ من الْمُؤمنِينَ أتهلكونهم قَالُوا: لَا
قَالَ: فأربعون قَالُوا: لَا
حَتَّى انْتهى إِلَى عشرَة أَو خَمْسَة قَالَ: فَأتوا لوطاً وَهُوَ فِي أَرض لَهُ يعْمل فِيهَا فحسبهم ضيفاناً فَأقبل حَتَّى أَمْسَى إِلَى أَهله فَمَشَوْا مَعَه فَالْتَفت إِلَيْهِم فَقَالَ: مَا ترَوْنَ مَا يصنع هَؤُلَاءِ قَالُوا: وَمَا يصنعون قَالَ: مَا من النَّاس أحد شَرّ مِنْهُم
فَمَشَوْا مَعَه حَتَّى قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَانْتهى بهم إِلَى أَهله فَانْطَلَقت عَجُوز السوء امْرَأَته فَأَتَت قومه فَقَالَت: لقد تضيف لوط اللَّيْلَة قوما مَا رَأَيْت قطّ أحسن وَلَا أطيب ريحًا مِنْهُم فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يهرعون فدافعوه بِالْبَابِ حَتَّى كَادُوا يغلبُونَ عَلَيْهِ
فَقَالَ ملك بجناحه فسفقه دونهم وَعلا وعلوا مَعَه فَجعل يَقُول {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم فَاتَّقُوا الله} إِلَى قَوْله {أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} فَقَالُوا {إِنَّا رسل رَبك لن يصلوا إِلَيْك} فَذَلِك حِين علم أَنهم رسل الله وَقَالَ ملك بجناحه فَمَا عشى تِلْكَ اللَّيْلَة أحد بجناحه إِلَّا عمي فَبَاتُوا بشر لَيْلَة عميا ينتظرون الْعَذَاب فَاسْتَأْذن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي هلاكهم فَأذن لَهُ فَاحْتمل الأَرْض الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا وأهوى بهَا حَتَّى سمع أهل سَمَاء الدُّنْيَا صغاء كلابهم وأوقد تَحْتهم نَارا ثمَّ
(4/460)
قَلبهَا بهم فَسمِعت امْرَأَة لوط الوجبة وَهِي مَعَهم فَالْتَفت فأصابها الْعَذَاب وتبعت سفارهم الْحِجَارَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما جَاءَت رسل الله لوطاً عَلَيْهِ السَّلَام ظن أَنهم ضيفان لِقَوْمِهِ فادناهم حَتَّى أقعدهم قَرِيبا وَجَاء ببناته وَهن ثَلَاثَة فأقعدهن بَين ضيفانه وَبَين قومه فَجَاءَهُ قومه يهرعون إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُمْ قَالَ {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم فَاتَّقُوا الله وَلَا تخزونِ فِي ضَيْفِي} قَالُوا {مَا لنا فِي بناتك من حق وَإنَّك لتعلم مَا نُرِيد قَالَ لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي إِلَى ركن شَدِيد} فَالْتَفت إِلَيْهِ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {إِنَّا رسل رَبك لن يصلوا إِلَيْك} فَلَمَّا دنو طمس أَعينهم فَانْطَلقُوا عميا يركب بَعضهم بَعْضًا حَتَّى إِذا خَرجُوا إِلَى الَّذين بِالْبَابِ قَالُوا: جئناكم من عِنْد أَسحر النَّاس ثمَّ رفعت فِي جَوف اللَّيْل حَتَّى إِنَّهُم يسمعُونَ صَوت الطير فِي جوّ السَّمَاء ثمَّ قلبت عَلَيْهِم فَمن أَصَابَته الائتفاكة أهلكته وَمن خرج مِنْهَا اتبعته حَيْثُ كَانَ حجرا فَقتلته فارتحل ببناته حَتَّى بلغ مَكَان كَذَا من الشَّام مَاتَت ابْنَته الْكُبْرَى فَخرجت عِنْدهَا عين ثمَّ انْطلق حَيْثُ شَاءَ الله أَن يبلغ فَمَاتَتْ الصُّغْرَى فَخرجت عِنْدهَا عين فَمَا بَقِي مِنْهُنَّ إِلَّا الْوُسْطَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْعُقُوبَات عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: أغلق لوط على ضَيفه الْبَاب فجاؤا فكسروا الْبَاب فَدَخَلُوا فطمس جِبْرِيل أَعينهم فَذَهَبت أَبْصَارهم قَالُوا: يَا لوط جئتنا بسحرة فتوعدوه فأوجس فِي نَفسه خيفة إِذا قد ذهب هَؤُلَاءِ يؤذونني
قَالَ جِبْرِيل {يَا لوط إِنَّا رسل رَبك} إِن موعدهم الصُّبْح قَالَ لوط: السَّاعَة
قَالَ جِبْرِيل {أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب} قَالَ: السَّاعَة
فَرفعت حَتَّى سمع أهل سَمَاء الدُّنْيَا نُبيح الْكلاب ثمَّ أَقبلت ورموا بِالْحِجَارَةِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَأسر بأهلك} يَقُول: سر بهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بِقطع من اللَّيْل} قَالَ: جَوف اللَّيْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {بِقطع} قَالَ سَواد من اللَّيْل
(4/461)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بِقطع من اللَّيْل} قَالَ: بطَائفَة من اللَّيْل
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل} مَا الْقطع قَالَ: آخر اللَّيْل سحر
قَالَ مَالك بن كنَانَة: ونائحة تقوم بِقطع ليل على رجل أهانته شعوب وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد} قَالَ: لَا يتَخَلَّف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد} قَالَ: لَا ينظر وَرَاءه أحد {إِلَّا امْرَأَتك}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير عَن هرون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي حرف ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَأسر بأهلك بِقطع من اللَّيْل إِلَّا امْرَأَتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا كَانَت مَعَ لوط لما خرج من الطرية فَسمِعت الصَّوْت فَالْتَفت فَأرْسل الله عَلَيْهَا حجرا فأهلكها
فَهِيَ مَعْلُوم مَكَانهَا شَاذَّة عَن الْقَوْم وَهِي فِي مصحف عبد الله وَلَقَد وَفينَا إِلَيْهِ أَهله كلهم إِلَّا عجوزاً فِي الغبر قَالَ: وَلما قيل لَهُ إِن موعدهم الصُّبْح
قَالَ: إِنِّي أُرِيد أعجل من ذَلِك
قَالَ {أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لوط: أهلكوهم السَّاعَة
قَالُوا: إِنَّا لن نؤمر إِلَّا بالصبح {أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ لَهُ لوط: اهلكوهم السَّاعَة
قَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام {إِن موعدهم الصُّبْح أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب} فأنزلت على لوط {أَلَيْسَ الصُّبْح بقريب} قَالَ: فَأمره أَن يسري بأَهْله بِقطع من اللَّيْل وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَته فَسَار فَلَمَّا كَانَت السَّاعَة الَّتِي أهلكوا فِيهَا أَدخل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام جنَاحه فَرَفعهَا حَتَّى سمع أهل السَّمَاء صياح الديكة ونباح الْكلاب فَجعل عاليها سافلها وأمطرنا عَلَيْهَا حِجَارَة من سجيل وَسمعت امْرَأَة لوط الهدة فَقَالَت: واقوماه
فأدركها حجر فَقَتلهَا
وَأخرج ابْن عدي وَابْن عَسَاكِر عَن أبي الْحلَّة قَالَ: رَأَيْت امْرَأَة لوط قد مسخت حجر تحيض عِنْد كل رَأس شهر
(4/462)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا جَاءَ أمرنَا جعلنَا عاليها سافلها} قَالَ: لما أَصْبحُوا عدا جِبْرِيل على قريتهم فنقلها من أَرْكَانهَا ثمَّ أَدخل جنَاحه ثمَّ حملهَا على خوافي جناحيه بِمَا فِيهَا ثمَّ صعد بهَا إِلَى السَّمَاء حَتَّى سمع أهل السَّمَاء نباح كلابهم ثمَّ قَلبهَا فَكَانَ أول مَا سقط مِنْهَا سرادقها فَلم يصب قوما مَا أَصَابَهُم إِن الله طمس على أَعينهم ثمَّ قلب قريتهم وأمطر عَلَيْهِم حِجَارَة من سجيل
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما اصبحوا نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فاقتلع الأَرْض من سبع أَرضين فحملها حَتَّى بلغ السَّمَاء الدُّنْيَا ثمَّ أَهْوى بهَا جِبْرِيل إِلَى الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح
أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى قَرْيَة لوط فَأدْخل يَده تَحت الْقرْيَة ثمَّ رَفعهَا حَتَّى سمع أهل السَّمَاء الدُّنْيَا نباح الْكلاب وأصوات الدياك وأمطر الله عَلَيْهِم الكبريت وَالنَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ
أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام اجتث مَدِينَة قوم لوط من الأَرْض ثمَّ رَفعهَا بجناحه حَتَّى بلغ بهَا حَيْثُ شَاءَ الله ثمَّ جعل عاليها سافلها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حدثت أَن الله تَعَالَى بعث جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى المؤتفكة مؤتفكة قوم لوط فاحتملها بجناحه ثمَّ صعد بهَا حَتَّى أَن أهل السَّمَاء ليسمعون نباح كلابهم وأصوات دجاجهم ثمَّ اتبعها الله بِالْحِجَارَةِ يَقُول الله تَعَالَى {جعلنَا عاليها سافلها وأمطرنا عَلَيْهَا حِجَارَة من سجيل} فأهلكها الله وَمن حولهَا من الْمُؤْتَفِكَات فَكُن خمْسا صَنْعَة وصغرة وعصرة ودوماً وسدوم وَهِي الْقرْيَة الْعُظْمَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا ثَلَاث قرى فِيهَا من الْعدَد مَا شَاءَ الله أَن يكون من الْكَثْرَة ذكر لنا أَنه كَانَ مِنْهَا أَرْبَعَة آلَاف ألف وَهِي سدوم قَرْيَة بَين الْمَدِينَة وَالشَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حِجَارَة من سجيل} قَالَ: من طين
وَفِي قَوْله {مسوّمة} قَالَ: السّوم بَيَاض فِي حمرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
(4/463)
رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {حِجَارَة من سجيل} قَالَ: هِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ سنك وكل حجر وطين
وَفِي قَوْله {مسوّمة} قَالَ: معلمة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حِجَارَة من سجيل} قَالَ: بِالْفَارِسِيَّةِ أوّلها حِجَارَة وَآخِرهَا طين
وَفِي قَوْله {مسوّمة} قَالَ: معلمة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {حِجَارَة من سجيل} قَالَ: هِيَ كلمة أَعْجَمِيَّة عربت سنك وكل
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {حِجَارَة من سجيل} قَالَ: حِجَارَة فِيهَا طين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {حِجَارَة من سجيل} قَالَ: من طين {منضود} مصفوفة {مسوّمة} مطوّقة بهَا نصح من حمرَة {وَمَا هِيَ من الظَّالِمين بِبَعِيد} لم يدْرَأ مِنْهَا ظَالِم بعدهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {منضود} قَالَ: قد نضد بعضه على بعض
وَفِي قَوْله {مسوّمة} قَالَ: عَلَيْهَا سِيمَا خطوط صفر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حِجَارَة مسوّمة لَا تشاكل حِجَارَة الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حِجَارَة من سجيل} قَالَ: السَّمَاء الدُّنْيَا وَالسَّمَاء الدُّنْيَا اسْمهَا سجيل
وَأخرج ابْن شيبَة عَن ابْن سابط رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {حِجَارَة من سجيل} قَالَ: هِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ
وَأخرج إِسْحَق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ
أَنه سَأَلَ هَل بَقِي من قوم لوط أحد قَالَ: لَا إِلَّا رجل بَقِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَانَ تَاجِرًا بِمَكَّة فَجَاءَهُ حجر ليصيبه فِي الْحرم فَقَامَتْ إِلَيْهِ مَلَائِكَة الْحرم فَقَالُوا للحجر ارْجع من حَيْثُ جِئْت فَإِن الرجل فِي حرم الله
فَرجع الْحجر فَوقف خَارِجا من الْحرم أَرْبَعِينَ يَوْمًا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى قضى الرجل تِجَارَته فَلَمَّا خرج أَصَابَهُ الْحجر خَارِجا من الْحرم
يَقُول الله {وَمَا هِيَ من الظَّالِمين بِبَعِيد} يَعْنِي من ظالمي هَذِه الْأمة بِبَعِيد
(4/464)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا هِيَ من الظَّالِمين بِبَعِيد} قَالَ: يرهب بهَا قُريْشًا أَن يصيبهم مَا أصَاب الْقَوْم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {وَمَا هِيَ من الظَّالِمين بِبَعِيد} يَقُول: من ظلمَة الْعَرَب إِن لم يُؤمنُوا أَن يعذبوا بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: كل ظَالِم فِيمَا سمعنَا قد جعل بحذائه حجر ينْتَظر مَتى يُؤمر أَن يَقع بِهِ فخوف الظلمَة فَقَالَ: وَمَا هِيَ من الظَّالِمين بِبَعِيد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا هِيَ من الظَّالِمين بِبَعِيد} قَالَ: من ظالمي هَذِه الْأمة ثمَّ يَقُول: وَالله مَا أَجَارَ الله مِنْهَا ظَالِما بعد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر وَيزِيد بن حَفْصَة وَصَفوَان بن سليم
أَن خَالِد بن الْوَلِيد كتب إِلَى أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ أَنه قد وجد رجلا فِي بعض نواحي الْعَرَب ينْكح كَمَا كَانَت تنْكح الْمَرْأَة وَقَامَت عَلَيْهِ بذلك الْبَيِّنَة فَاسْتَشَارَ أَبُو بكر رَضِي الله أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ: إِن هَذَا ذَنْب لم يعْص الله بِهِ أمة من الْأُمَم إِلَّا أمة وَاحِدَة فَصنعَ الله بهَا مَا قد علمتمأرى أَن تحرقه بالنَّار فَاجْتمع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن يحرقوه بالنَّار فَكتب أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ إِلَى خَالِد رَضِي الله عَنهُ أَن احرقه بالنَّار ثمَّ حرقهم ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ فِي إمارته ثمَّ حرقهم هِشَام بن عبد الْملك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن الرَّأْي قَالَ: عذب الله قوم لوط فَرَمَاهُمْ بحجارة من سجيل فَلَا ترفع تِلْكَ الْعقُوبَة عَمَّن عمل عمل قوم لوط
الْآيَات 84 - 88
(4/465)
وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (86) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (87) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنِّي أَرَاكُم بِخَير} قَالَ: رخص السّعر {وَإِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم مُحِيط} قَالَ: غلاء السّعر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {بَقِيَّة الله} قَالَ: رزق الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بَقِيَّة الله خير لكم} يَقُول: حظكم من ربكُم خير لكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بَقِيَّة الله} يَقُول: طَاعَة الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بَقِيَّة الله} قَالَ: وَصِيَّة الله {خير لكم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بَقِيَّة الله} قَالَ: رزق الله خير لكم من بخسكم النَّاس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أصلاتك تأمرك} قَالَ: أقراءتك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن الْأَحْنَف رَضِي الله عَنهُ
أَن شعيباً كَانَ أَكثر الْأَنْبِيَاء صَلَاة
(4/466)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يَا شُعَيْب أصلاتك تأمرك} الْآيَة
قَالَ: نَهَاهُم عَن قطع هَذِه الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم فَقَالُوا: إِنَّمَا هِيَ أَمْوَالنَا نَفْعل فِيهَا مَا نشَاء إِن شِئْنَا قَطعْنَاهَا وَإِن شِئْنَا أحرقناها وَإِن شِئْنَا طرحناها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: عذب قوم شُعَيْب فِي قطعهم الدَّرَاهِم وَهُوَ قَوْله {أَو أَن نَفْعل فِي أَمْوَالنَا مَا نشَاء}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ {أَو أَن نَفْعل فِي أَمْوَالنَا مَا نشَاء} قَالَ: قرض الدَّرَاهِم وَهُوَ من الْفساد فِي الأَرْض
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَعبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قطع الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير المثاقيل الَّتِي قد جَازَت بَين النَّاس وعرفوها من الْفساد فِي الأَرْض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ربيعَة بن أبي هِلَال
أَن ابْن الزبير عاقب فِي قرض الدِّرْهَم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {إِنَّك لأَنْت الْحَلِيم الرشيد} قَالَ: يَقُولُونَ: إِنَّك لست بحليم وَلَا رشيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {إِنَّك لأَنْت الْحَلِيم الرشيد} استهزاء بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَرَزَقَنِي مِنْهُ رزقا حسنا} قَالَ: الْحَلَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ} يَقُول: لم أك لأنهاكم عَن أَمر واركبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَسْرُوق رَضِي الله عَنهُ
أَن امْرَأَة جَاءَت إِلَى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فَقَالَت: اتنهى عَن المواصلة قَالَ: نعم
قَالَت: فَلَعَلَّهُ فِي بعض نِسَائِك فَقَالَ: مَا حفظت إِذا وَصِيَّة العَبْد الصَّالح {وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ}
(4/467)
وَأخرج أَحْمد عَن مُعَاوِيَة الْقشيرِي
أَن أَخَاهُ مَالِكًا قَالَ: يَا مُعَاوِيَة إِن مُحَمَّدًا أَخذ جيراني فَانْطَلق إِلَيْهِ فَانْطَلَقت مَعَه إِلَيْهِ فَقَالَ: دع لي جيراني فقد كَانُوا أَسْلمُوا فَأَعْرض عَنهُ فَقَالَ: أَلا وَالله إِن النَّاس يَزْعمُونَ أَنَّك تَأمر بِالْأَمر وتخالف إِلَى غَيره
فَقَالَ: أَو قد فَعَلُوهَا لَئِن فعلت ذَلِك لَكَانَ عَليّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ} قَالَ: بَلغنِي أَنه يدعى يَوْم الْقِيَامَة بالمذكر الصَّادِق فَيُوضَع على رَأسه تَاج الْملك ثمَّ يُؤمر بِهِ إِلَى الْجنَّة فَيَقُول: إلهي إِن فِي مقَام الْقِيَامَة أَقْوَامًا قد كَانُوا يعينوني فِي الدُّنْيَا على مَا كنت عَلَيْهِ
قَالَ: فيفعل بهم مثل مَا فعل بِهِ ثمَّ ينْطَلق يقودهم إِلَى الْجنَّة لكرامته على الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي إِسْحَق الْفَزارِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا أردْت أمرا قطّ فتلوت عِنْده هَذِه الْآيَة إِلَّا عزم لي على الرشد {إِن أُرِيد إِلَّا الإِصلاح مَا اسْتَطَعْت وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِلَيْهِ أنيب} قَالَ: إِلَيْهِ أرجع
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَليّ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله أوصني قَالَ قل رَبِّي الله ثمَّ اسْتَقِم
قلت: رَبِّي الله وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب
قَالَ: لِيَهنك الْعلم أَبَا الْحسن لقد شربت الْعلم شرباً ونهلته نهلاً
فِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن يُونُس الكريمي
الْآيَات 89 - 97
(4/468)
وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {لَا يجرمنكم شقاقي} لايحملنكم فراقي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ {شقاقي} قَالَ: عدواني
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس
أَن شعيباً قَالَ لِقَوْمِهِ: يَا قوم اذْكروا قوم نوح وَعَاد وَثَمُود {وَمَا قوم لوط مِنْكُم بِبَعِيد} وَكَانَ قوم لوط أقربهم إِلَى شُعَيْب وَكَانُوا أقربهم عهدا بِالْهَلَاكِ {وَاسْتَغْفرُوا ربكُم ثمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِن رَبِّي رَحِيم} لمن تَابَ إِلَيْهِ من الذَّنب {ودود} يَعْنِي يُحِبهُ ثمَّ يقذف لَهُ الْمحبَّة فِي قُلُوب عباده
فَردُّوا عَلَيْهِ {قَالُوا يَا شُعَيْب مَا نفقه كثيرا مِمَّا تَقول وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا} كَانَ أعمى {وَلَوْلَا رهطك} يَعْنِي عشيرتك الَّتِي أَنْت بَينهم {لرجمناك} يَعْنِي لقتلناك {وَمَا أَنْت علينا بعزيز} {قَالَ يَا قوم أرهطي أعز عَلَيْكُم من الله} قَالُوا: بل الله
قَالَ فاتخذتم الله وراءكم {ظهرياً} يَعْنِي تركْتُم أمره وكذبتم نبيه غير أَن علم رَبِّي أحَاط بكم {إِن رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيط} قَالَ ابْن عَبَّاس: وَكَانَ بعد الشّرك أعظم ذنوبهم تطفيف الْمِكْيَال وَالْمِيزَان وبخس النَّاس أشياءهم مَعَ ذنُوب كَثِيرَة كَانُوا يأتونها فَبَدَا شُعَيْب فَدَعَاهُمْ إِلَى عبَادَة الله وكف الظُّلم وَترك مَا سوى ذَلِك
(4/469)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خلف بن حَوْشَب قَالَ: هلك قوم شُعَيْب من شعيرَة إِلَى شعيرَة كَانُوا يَأْخُذُونَ بالرزينة ويعطون بالخفيفة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَيَا قوم لَا يجرمنكم شقاقي} الْآيَة
قَالَ: لَا يحملنكم عدواتي على أَن تتمادوا فِي الضلال وَالْكفْر فيصيبكم من الْعَذَاب مَا أَصَابَهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا قوم لوط مِنْكُم بِبَعِيد} قَالَ: إِنَّمَا كَانُوا حَدِيثي عهد قريب بعد نوح وَثَمُود
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ليلى الْكِنْدِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أشرف عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ على النَّاس من دَاره وَقد أحاطوا بِهِ فَقَالَ {وَيَا قوم لَا يجرمنكم شقاقي أَن يُصِيبكُم مثل مَا أصَاب قوم نوح أَو قوم هود أَو قوم صَالح وَمَا قوم لوط مِنْكُم بِبَعِيد} يَا قوم لَا تقتلوني إِنَّكُم إِن قتلتموني كُنْتُم هَكَذَا وَشَبك بَين أَصَابِعه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا} قَالَ: كَانَ أعمى وَإِنَّمَا عمي من بكائه من حب الله عز وَجل
وَأخرج الواحدي وَابْن عَسَاكِر عَن شَدَّاد بن أَوْس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَكَى شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام من حب الله حَتَّى عمي فَرد الله عَلَيْهِ بَصَره وَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا شُعَيْب مَا هَذَا الْبكاء أشوقاً إِلَى الْجنَّة أم خوفًا من النَّار فَقَالَ: لَا وَلَكِن اعتقدت حبك بقلبي فَإِذا نظرت إِلَيْك فَمَا أُبَالِي مَا الَّذِي تصنع بِي فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا شُعَيْب إِن يكن ذَلِك حَقًا فهنيأً لَك لقائي يَا شُعَيْب لذَلِك أخدمتك مُوسَى بن عمرَان كليمي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ والخطيب وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا} قَالَ: كَانَ ضَرِير الْبَصَر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان فِي قَوْله {وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا} قَالَ: كَانَ أعمى وَكَانَ يُقَال لَهُ: خطيب الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا} قَالَ: إِنَّمَا أَنْت وَاحِد
(4/470)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَوْلَا رهطك لرجمناك} قَالَ: لَوْلَا أَن نتقي قَوْمك ورهطك لرجمناك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو كَانَ للوط مثل أَصْحَاب شُعَيْب لجاهد بهم قومه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
أَنه خطب فَتلا هَذِه الْآيَة فِي شُعَيْب {وَإِنَّا لنراك فِينَا ضَعِيفا} قَالَ: كَانَ مكفوفاً فنسبوه إِلَى الضعْف {وَلَوْلَا رهطك لرجمناك} قَالَ عَليّ: فوَاللَّه الَّذِي لَا إِلَه غَيره مَا هابوا جلال رَبهم مَا هابوا إِلَّا الْعَشِيرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واتخذتموه وراءكم ظهرياً} قَالَ: نبذتم أمره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {واتخذتموه وراءكم ظهرياً} قَالَ: قَضَاء قضى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {واتخذتموه وراءكم ظهرياً} يَقُول: لَا تخافونه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {واتخذتموه وراءكم ظهرياً} قَالَ: جعلتموه خلف ظهوركم فَلم تطيعوه وَلم تخافوه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {واتخذتموه وراءكم ظهرياً} قَالَ: تهاونتم بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {واتخذتموه وراءكم ظهرياً} قَالَ: الظهري الْفضل مثل الْجمال يحْتَاج مَعَه إِلَى إبل ظَهْري فضل لَا يحمل عَلَيْهَا شَيْئا إِلَّا أَن يحْتَاج إِلَيْهَا فَيَقُول: إِنَّمَا ربكُم عنْدكُمْ هَكَذَا إِن احتجتم إِلَيْهِ فَإِن لم تحتاجوا فَلَيْسَ بِشَيْء
الْآيَة 98 - 99
(4/471)
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {يقدم قومه يَوْم الْقِيَامَة} يَقُول: أضلهم فأوردهم النَّار
(4/471)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يقدم قومه يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: فِرْعَوْن يمْضِي بَين يَدي قومه حَتَّى يهجم بهم على النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فأوردهم النَّار} قَالَ الْوُرُود الدُّخُول
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ الْوُرُود فِي الْقُرْآن أَرْبَعَة
فِي هود {وَبئسَ الْورْد المورود} وَفِي مَرْيَم (وَإِن مِنْكُم إِلَّا واردها) (مَرْيَم الْآيَة 71) وفيهَا أَيْضا (ونسوق الْمُجْرمين إِلَى جَهَنَّم وردا) (مَرْيَم الْآيَة 86) وَفِي الْأَنْبِيَاء (حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 98) قَالَ: كل هَذَا الدُّخُول
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وأتبعوا فِي هَذِه الدُّنْيَا لعنة وَيَوْم الْقِيَامَة} أردفوا وزيدوا بلعنة أُخْرَى فَتلك لعنتان {بئس الرفد المرفود} اللَّعْنَة فِي أثر اللَّعْنَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {بئس الرفد المرفود} قَالَ: لعنة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: لم يبْعَث نَبِي بعد فِرْعَوْن إِلَّا لعن على لِسَانه وَيَوْم الْقِيَامَة يزِيد لعنة أُخْرَى فِي النَّار
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء والطستي عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {بئس الرفد المرفود} قَالَ: بئس اللَّعْنَة بعد اللَّعْنَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت نَابِغَة بني ذبيان وَهُوَ يَقُول: لَا تقدمن بِرُكْن لَا كفاء لَهُ وَإِنَّمَا تفك الْأَعْدَاء بالرفد
الْآيَة 100
(4/472)
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {مِنْهَا قَائِم} يَعْنِي بهَا قرى عامرة {وحصيد} يَعْنِي قرى خامدة
(4/472)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ذَلِك من أنباء الْقرى نَقصه عَلَيْك} قَالَ: قَالَ الله ذَلِك لنَبيه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَائِما} يرى مَكَانَهُ {وحصيد} إِلَّا يرى لَهُ أثر وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى (هَل تحس مِنْهُم من أحد أَو تسمع لَهُم ركزا) (مَرْيَم الْآيَة 98)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج {مِنْهَا قَائِم} خاو على عروشه {وحصيد} ملصق بِالْأَرْضِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {مِنْهَا قَائِم وحصيد} قَالَ: الحصيد الَّذِي قد خرب وَدَمرَ
الْآيَة 101
(4/473)
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْفضل بن مَرْوَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا ظلمناهم} قَالَ: نَحن أغْنى من أَن نظلم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي عَاصِم رَضِي الله عَنهُ {فَمَا أغنت عَنْهُم آلِهَتهم} قَالَ: مَا نَفَعت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَمَا زادوهم غير تتبيب} يَعْنِي غير تخسير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَمَا زادوهم غير تتبيب} قَالَ: تخسير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وَمَا زادوهم غير تتبيب} أَي هلكة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ {وَمَا زادوهم غير تتبيب} قَالَ: وَمَا زادوهم إِلَّا شرا وَقَرَأَ (تبت يدا أبي لَهب وَتب) (المسد الْآيَة 1) وَقَالَ: التب الخسران والتتبيب مَا زادوهم غير خسران وقرأو (لَا يزِيد الْكَافرين كفرهم إِلَّا خساراً) (فاطر 39)
(4/473)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَمَا زادوهم غير تتبيب} قَالَ: غير تخسير
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت بشر بن أبي حَازِم الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: هم جدعوا الأنوف فارعبوها وهم تركُوا بني سعد تبابا
الْآيَة 102
(4/474)
وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله سُبْحَانَهُ ليملي للظالم حَتَّى إِذا أَخَذته لم يفلته ثمَّ قَرَأَ {وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة إِن أَخذه أَلِيم شَدِيد}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي عمرَان الْجونِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يَغُرنكُمْ طول النَّسِيئَة وَلَا حسن الطّلب فَإِن أَخذه أَلِيم شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله كَذَلِك أَخذ رَبك بِغَيْر وَاو
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَهَا وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى بظُلْم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِن الله تَعَالَى حذر هَذِه الْأمة سطوته بقوله {وَكَذَلِكَ أَخذ رَبك إِذا أَخذ الْقرى وَهِي ظالمة إِن أَخذه أَلِيم شَدِيد}
الْآيَات 103 - 104
(4/474)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إِن فِي ذَلِك لآيَة لمن خَافَ عَذَاب الْآخِرَة} يَقُول: انا سَوف نفي لَهُم بِمَا وعدنا فِي الْآخِرَة كَمَا وَفينَا للأنبياء أَنا ننصرهم
(4/474)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذَلِك يَوْم مَجْمُوع لَهُ النَّاس وَذَلِكَ يَوْم مشهود} قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: ذَاك يَوْم الْقِيَامَة يجْتَمع فِيهِ الْخلق كلهم ويشهده أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض
الْآيَة 105
(4/475)
يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله يَوْم يَأْتِ قَالَ ذَلِك الْيَوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَلَام النَّاس يَوْم الْقِيَامَة السريانية
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عمر بن ذَر
أَنه قَرَأَ / يَوْم يأْتونَ لَا تكلم مِنْهُم دَابَّة إِلَّا بِإِذْنِهِ /
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت {فَمنهمْ شقي وَسَعِيد} قلت: يَا رَسُول الله فعلام نعمل على شَيْء قد فرغ مِنْهُ أَو على شَيْء لم يفرغ مِنْهُ قَالَ بل على شَيْء قد فرغ مِنْهُ وَجَرت بِهِ الأقلام يَا عمر وَلَكِن كل ميسر لما خلق لَهُ
الْآيَات 106 - 108
(4/475)
فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: هَاتَانِ من المخبآت قَول الله {فَمنهمْ شقي وَسَعِيد} وَيَوْم يجمع الله الرُّسُل
(4/475)
فَيَقُول مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا) (الْمَائِدَة الْآيَة 109) أما قَوْله {فَمنهمْ شقي وَسَعِيد} فهم قوم من أهل الْكَبَائِر من أهل هَذِه الْقبْلَة يعذبهم الله بالنَّار مَا شَاءَ بِذُنُوبِهِمْ ثمَّ يَأْذَن فِي الشَّفَاعَة لَهُم فَيشفع لَهُم الْمُؤْمِنُونَ فيخرجهم من النَّار فيدخلهم الْجنَّة فسماهم أشقياء حِين عذبهم فِي النَّار {فَأَما الَّذين شَقوا فَفِي النَّار لَهُم فِيهَا زفير وشهيق خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} حِين أذن فِي الشَّفَاعَة لَهُم وأخرجهم من النَّار وأدخلهم الحنة وهم هم {وَأما الَّذين سعدوا} يَعْنِي بعد الشَّقَاء الَّذِي كَانُوا فِيهِ {فَفِي الْجنَّة خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} يَعْنِي الَّذين كَانُوا فِي النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن قَتَادَة
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {فَأَما الَّذين شَقوا} فَقَالَ: حَدثنَا أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يخرج قوم من النَّار وَلَا نقُول كَمَا قَالَ أهل حروراء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَأَما الَّذين شَقوا} إِلَى قَوْله {إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن شَاءَ الله أَن يخرج أُنَاسًا من الَّذين شَقوا من النَّار فيدخلهم الْجنَّة فعل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان فِي قَوْله {إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} قَالَ: إِنَّهَا فِي التَّوْحِيد من أهل الْقبْلَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك {إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} قَالَ: إِلَّا مَا اسْتثْنى من أهل الْقبْلَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي نَضرة عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ أَو عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَو رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِلَّا مَا شَاءَ رَبك إِن رَبك فعال لما يُرِيد} قَالَ: هَذِه الْآيَة قاضية على الْقُرْآن كُله يَقُول: حَيْثُ كَانَ فِي الْقُرْآن خَالِدين فِيهَا تَأتي عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي نَضرة قَالَ: يَنْتَهِي الْقُرْآن كُله إِلَى هَذِه الْآيَة {إِن رَبك فعال لما يُرِيد}
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَأما الَّذين سعدوا} الْآيَة
قَالَ: هُوَ
(4/476)
فِي الَّذين يخرجُون من النَّار فَيدْخلُونَ الْجنَّة يَقُول: خَالِدين فِي الْجنَّة {مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} يَقُول: إِلَّا مَا مَكَثُوا فِي النَّار حَتَّى أدخلُوا الْجنَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سِنَان قَالَ: اسْتثْنى فِي أهل التَّوْحِيد ثمَّ قَالَ {عَطاء غير مجذوذ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: لكل جنَّة سَمَاء وَأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: سَمَاء الْجنَّة وأرضها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: تبدل سَمَاء غير هَذِه السَّمَاء وَأَرْض غير هَذِه الأَرْض فَمَا دَامَت تِلْكَ السَّمَاء وَتلك الأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أَخذ الله السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع فطهرهن من كل قذر ودنس وفصيرهن أَرضًا بَيْضَاء فضَّة نورا يتلألأ فصيرهن أَرضًا للجنة وَالسَّمَوَات وَالْأَرْض الْيَوْم فِي الْجنَّة كالجنة فِي الدُّنْيَا يصيرهن الله على عرض الْجنَّة وَيَضَع الْجنَّة عَلَيْهَا وَهِي الْيَوْم على أَرض زعفرانية عَن يَمِين الْعَرْش فَأهل الشّرك خَالِدين فِي جَهَنَّم مَا دَامَت أَرضًا للجنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} قَالَ: فقد شَاءَ رَبك أَن يخلد هَؤُلَاءِ فِي النَّار وَأَن يخلد هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَأَما الَّذين شَقوا} قَالَ: فجَاء بعد ذَلِك من مَشِيئَة الله فنسخها فَأنْزل الله بِالْمَدِينَةِ (إِن الَّذين كفرُوا وظلموا لم يكن الله ليغفر لَهُم وَلَا ليهديهم طَرِيقا) (النِّسَاء الْآيَة 168) إِلَى آخر الْآيَة
فَذهب الرَّجَاء لأهل النَّار أَن يخرجُوا مِنْهَا وَأوجب لَهُم خُلُود الْأَبَد
وَقَوله {وَأما الَّذين سعدوا} الْآيَة
قَالَ: فجَاء بعد ذَلِك من مَشِيئَة الله مَا نسخهَا فَأنْزل بِالْمَدِينَةِ (وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات سندخلهم جنَّات) (النِّسَاء الْآيَة 122) إِلَى قَوْله (ظلا ظليلا) فَأوجب لَهُم خُلُود الْأَبَد
(4/477)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} قَالَ: اسْتثْنى الله أَمر النَّار أَن تأكلهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن عَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَو لبث أهل النَّار فِي النَّار كَقدْر رمل عالج لَكَانَ لَهُم يَوْم على ذَلِك يخرجُون فِيهِ
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: سَيَأْتِي على جَهَنَّم يَوْم لَا يبْقى فِيهَا أحد وَقَرَأَ {فَأَما الَّذين شَقوا} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَرْجَى لأهل النَّار من هَذِه الْآيَة {خَالِدين فِيهَا مَا دَامَت السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} قَالَ: وَقَالَ ابْن مَسْعُود ليَأْتِيَن عَلَيْهَا زَمَانا تخفق أَبْوَابهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: حهنم أسْرع الدَّاريْنِ عمراناً وأسرعهما خراباً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِلَّا مَا شَاءَ رَبك} قَالَ: الله أعلم بمشيئته على مَا وَقعت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: قد أخبر الله بِالَّذِي شَاءَ لأهل الْجنَّة فَقَالَ {عَطاء غير مجذوذ} وَلم يخبرنا بِالَّذِي يَشَاء لأهل النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي وَائِل
أَنه كَانَ إِذا سُئِلَ عَن الشَّيْء من الْقُرْآن قَالَ: قد أصَاب الله بِهِ الَّذِي أَرَادَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث والنشور عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَهُم فِيهَا زفير وشهيق} قَالَ: الزَّفِير الصَّوْت الشَّديد فِي الْحلق والشهيق الصَّوْت الضَّعِيف فِي الصَّدْر
وَفِي قَوْله {غير مجذوذ} قَالَ: غير مَقْطُوع
وَفِي لفظ: غير مُنْقَطع
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {لَهُم فِيهَا زفير وشهيق} مَا الزَّفِير قَالَ: زفير كزفير الْحمار
قَالَ فِيهِ أَوْس بن حجر: وَلَا عذران لاقيت أَسمَاء بعْدهَا فيغشى علينا إِن فعلت وَتعذر فيخبرها أَن رب يَوْم وقفته على هضبات السفح تبْكي وتزفر
(4/478)
الْآيَات 109 - 111
(4/479)
فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ سلوا الله الْعَافِيَة فَإِنَّهُ لم يُعْط أحد أفضل من معافاة بعد يَقِين وَإِيَّاكُم والريبة فَإِنَّهُ لم يُعْط أحد أشر من رِيبَة بعد كفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِنَّا لموفوهم نصِيبهم غير مَنْقُوص} قَالَ: مَا قدر لَهُم من خير وَشر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِنَّا لموفوهم نصِيبهم} قَالَ: موفوهم نصِيبهم من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ {وَإِنَّا لموفوهم نصِيبهم} قَالَ: من الرزق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يُوفي كل عبد مَا كتب لَهُ من الرزق فاجملوا فِي الْمطلب دعوا مَا حرم وخذوا مَا حل
الْآيَات 112 - 113
(4/479)
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاستقم كَمَا أمرت} الْآيَة
قَالَ: أَمر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَسْتَقِيم على أمره وَلَا يطغى فِي نعْمَته
(4/479)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاستقم كَمَا أمرت} قَالَ: اسْتَقِم على الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {فاستقم كَمَا أمرت وَمن تَابَ مَعَك} قَالَ: شمروا شمروا فَمَا رُؤِيَ ضَاحِكا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {وَمن تَابَ مَعَك} قَالَ: آمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْعَلَاء بن عبد الله بن بدر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَا تطغوا إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} قَالَ: لم يرد بِهِ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا على الَّذين يجيئون من بعدهمْ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تطغوا} يَقُول: لَا تظلموا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الطغيان خلاف أمره وركوب مَعْصِيَته
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا} قَالَ: يَعْنِي الركون إِلَى الشّرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلَا تركنوا} قَالَ: لَا تميلوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تركنوا} قَالَ: لَا تذْهبُوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا فتمسكم النَّار} أَن تطيعوهم أَو تودوهم أَو تصطنعوهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا} قَالَ: لَا ترضوا أَعْمَالهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: خصلتان إِذا صلحتا للْعَبد صلح مَا سواهُمَا من أمره الطغيان فِي النِّعْمَة والركون إِلَى الظُّلم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَلَا تركنوا إِلَى الَّذين ظلمُوا فتمسكم النَّار}
الْآيَات 114 - 115
(4/480)
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} قَالَ: صَلَاة الْمغرب والغداة {وَزلفًا من اللَّيْل} قَالَ: صَلَاة الْعَتَمَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} قَالَ: الْفجْر وَالْعصر {وَزلفًا من اللَّيْل} قَالَ: هما زلفتان صَلَاة الْمغرب وَصَلَاة الْعشَاء
قَالَ: وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هما زلفتا اللَّيْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} قَالَ: صَلَاة الْفجْر وصلاتي الْعشَاء يَعْنِي الظّهْر وَالْعصر {وَزلفًا من اللَّيْل} قَالَ: الْمغرب وَالْعشَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَزلفًا من اللَّيْل} قَالَ: سَاعَة بعد سَاعَة يَعْنِي صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يسْتَحبّ تَأْخِير الْعشَاء وَيقْرَأ {وَزلفًا من اللَّيْل}
وَأخرج ابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس {والباقيات الصَّالِحَات} قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس
وَأخرج ابْن حبَان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله إِنِّي لقِيت امْرَأَة فِي الْبُسْتَان فضممتها إِلَيّ وقبلتها وباشرتها وَفعلت بهَا كل شَيْء إِلَّا أَنِّي لم أجامعها فَسكت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقرأها عَلَيْهِ فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله أَله خَاصَّة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل للنَّاس كَافَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن حبَان عَن ابْن مَسْعُود أَن رجلا أصَاب من
(4/481)
امْرَأَة قبْلَة فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ كَأَنَّهُ يسْأَل عَن كفارتها فأنزلت عَلَيْهِ {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَلِي هَذِه قَالَ: هِيَ لمن عمل بهَا من أمتِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وهناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي وجدت امْرَأَة فِي الْبُسْتَان فَفعلت بهَا كل شَيْء غير أَنِّي لم أجامعها قبلتها ولزمتها وَلم أفعل غير ذَلِك فافعل بِي مَا شِئْت فَلم يقل لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَذهب الرجل فَقَالَ عمر: لقد ستر الله عَلَيْهِ لَو ستر على نَفسه
فَأتبعهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَصَره فَقَالَ ردُّوهُ عَلَيْهِ
فَردُّوهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} الْآيَة
فَقَالَ معَاذ بن جبل: يَا رَسُول الله أَله وَحده أم للنَّاس كَافَّة فَقَالَ: بل للنَّاس كَافَّة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الْيُسْر قَالَ أَتَتْنِي امْرَأَة تبْتَاع تَمرا فَقلت: إِن فِي الْبَيْت تَمرا أطيب مِنْهُ
فَدخلت معي الْبَيْت فَأَهْوَيْت إِلَيْهَا فَقَبلتهَا فَأتيت أَبَا بكر فَذكرت ذَلِك لَهُ قَالَ: اسْتُرْ على نَفسك وَتب
فَأتيت عمر فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: اسْتُرْ على نَفسك وَتب وَلَا تخبر أحدا
فَلم أَصْبِر فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: اخلفت غازياً فِي سَبِيل الله فِي أَهله بِمثل هَذَا حَتَّى تمنى أَنه لم يكن أسلم إِلَّا تِلْكَ السَّاعَة حَتَّى ظن أَنه من أهل النَّار وأطرق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَويلا حَتَّى أوحى الله إِلَيْهِ {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} إِلَى قَوْله {لِلذَّاكِرِينَ} قَالَ أَبُو الْيُسْر: فَأَتَيْته فقرأها عَليّ فَقَالَ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله أَلِهَذَا خَاصَّة قَالَ: بل للنَّاس كَافَّة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة رَضِي الله عَنهُ
أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أقِم فِي حد الله مرّة أَو مرَّتَيْنِ
فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَمَّا فرغ قَالَ أَيْن الرجل قَالَ: أَنا ذَا
قَالَ: أتممت الْوضُوء وَصليت مَعنا آنِفا قَالَ: نعم
قَالَ: فَإنَّك من خطيئتك كَمَا وَلدتك أمك فَلَا تعد وَأنزل الله حِينَئِذٍ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم
(4/482)
وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا ترى فِي رجل لَقِي امْرَأَة لَا يعرفهَا فَلَيْسَ يَأْتِي الرجل من امْرَأَته شَيْئا إِلَّا أَتَى فِيهَا غير أَنه لم يُجَامِعهَا فَأنْزل الله {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} الْآيَة
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ وضُوءًا حسنا ثمَّ قُم فصل
قَالَ معَاذ: فَقلت يَا رَسُول الله: أَله خَاصَّة أم للْمُؤْمِنين عَامَّة قَالَ: للْمُؤْمِنين عَامَّة
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن امراة جَاءَت تبايعني فأدخلتها فَأَصَبْت مِنْهَا مَا دون الْجِمَاع فَقَالَ: لَعَلَّهَا مغيبة فِي سَبِيل الله قَالَ: أَظن
قَالَ: ادخل
فَدخل فَنزل الْقُرْآن {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} الْآيَة
فَقَالَ الرجل: أَلِي خَاصَّة أم للْمُؤْمِنين عَامَّة فَضرب عمر فِي صَدره وَقَالَ: لَا وَلَا نعْمَة عين وَلَكِن للْمُؤْمِنين عَامَّة
فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: صدق عمر هِيَ للْمُؤْمِنين عَامَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي نلْت من امْرَأَة مَا دون نَفسهَا فَأنْزل الله {وأقم الصَّلَاة} الْآيَة
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا كَانَ يحب امْرَأَة فَاسْتَأْذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَاجَة فَأذن لَهُ فَانْطَلق فِي يَوْم مطير فَإِذا هُوَ بِالْمَرْأَةِ على غَدِير مَاء تَغْتَسِل فَلَمَّا جلس مِنْهَا مجْلِس الرجل من الْمَرْأَة ذهب يُحَرك ذكره فَإِذا هُوَ كَأَنَّهُ هدبة فندم فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صل أَربع رَكْعَات فَأنْزل الله {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة قَالَ جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار إِلَى رجل يَبِيع التَّمْر بِالْمَدِينَةِ وَكَانَت امْرَأَة حسناء جميلَة فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا أَعْجَبته وَقَالَ: مَا أرى عِنْدِي مَا أرْضى لَك هَهُنَا وَلَكِن فِي الْبَيْت حَاجَتك فأنطلقت مَعَه حَتَّى إِذا دخلت راودها على نَفسهَا فَأَبت وَجعلت تناشده فَأصَاب مِنْهَا من غير أَن يكون أفْضى إِلَيْهَا فَانْطَلق الرجل وَنَدم على مَا صنع حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبرهُ فَقَالَ: مَا حملك على ذَلِك قَالَ: الشَّيْطَان
فَقَالَ لَهُ: صل مَعنا وَنزل {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} يَقُول: صَلَاة الْغَدَاة وَالظّهْر وَالْعصر {وَزلفًا من اللَّيْل} الْمغرب وَالْعشَاء {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات} فَقَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله لهَذَا خَاصَّة أم للنَّاس عَامَّة قَالَ: بل هِيَ للنَّاس عَامَّة
(4/483)
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: أَقبلت امْرَأَة حَتَّى جَاءَت إنْسَانا يَبِيع الدَّقِيق لتبتاع مِنْهُ فَدخل بهَا الْبَيْت فَلَمَّا خلا بهَا قبلهَا فَسقط فِي يَده فَانْطَلق إِلَى أبي بكر فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ: انْظُر لَا تكون امْرَأَة رجل غاز
فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك نزل فِي ذَلِك {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل} قيل لعطاء: الْمَكْتُوبَة هِيَ قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ جَاءَ فلَان بن مقيب رجل من الْأَنْصَار فَقَالَ: يَا رَسُول الله دخلت على امْرَأَة فنلت مِنْهَا مَا ينَال الرجل من أَهله إِلَّا أَنِّي لم أواقعها فَلم يدر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يجِيبه حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقرأها عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ قَالَ: ضرب رجل على كفل امْرَأَة ثمَّ أَتَى إِلَى أبي بكر وَعمر فَسَأَلَهُمَا عَن كَفَّارَة ذَلِك فَقَالَ كل مِنْهُمَا: لَا أَدْرِي ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي حَتَّى أنزل الله {وأقم الصَّلَاة} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن يزِيد بن رُومَان
أَن رجلا من بني تَمِيم دخلت عَلَيْهِ امْرَأَة فقبلها وَوضع يَده على دبرهَا فجَاء إِلَى أبي بكر ثمَّ إِلَى عمر ثمَّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة {وأقم الصَّلَاة} إِلَى قَوْله {ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} فَلم يزل الرجل الَّذِي قبل الْمَرْأَة يذكر فَذَلِك قَوْله {ذكرى لِلذَّاكِرِينَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن يحيى بن جعدة
أَن رجلا أقبل يُرِيد أَن يبشر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمطر فَوجدَ امْرَأَة جالسة على غَدِير فَدفع صدرها وَجلسَ بَين رِجْلَيْهَا فَصَارَ ذكره مثل الهدبة فَقَامَ ثمَّ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بِمَا صنع فَقَالَ لَهُ اسْتغْفر رَبك وصل أَربع رَكْعَات وتلا عَلَيْهِ {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} الْآيَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد والدارمي وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ غصناً يَابسا من شَجَرَة فهزه حَتَّى تحات ورقه ثمَّ قَالَ: إِن الْمُسلم إِذا تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ صلى الصَّلَوَات الْخمس تحاتت خطاياه كَمَا يتحات هَذَا الْوَرق ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار} الْآيَة
إِلَى قَوْله {لِلذَّاكِرِينَ}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ
(4/484)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعلت الصَّلَوَات كَفَّارَات لما بَينهُنَّ فَأن الله تَعَالَى قَالَ {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات}
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل صَلَاة تحط مَا بَين يَديهَا من خَطِيئَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد صَحِيح عَن عُثْمَان قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ من تَوَضَّأ وضوئي هَذَا ثمَّ قَامَ فصلى صَلَاة الظّهْر غفر لَهُ مَا كَانَ بَينه وَبَين صَلَاة الصُّبْح ثمَّ صلى الْعَصْر غفر لَهُ مَا كَانَ بَينه وَبَين صَلَاة الظّهْر ثمَّ صلى الْمغرب غفر لَهُ مَا كَانَ بَينه وَبَين صَلَاة الْعَصْر ثمَّ صلى الْعشَاء غفر لَهُ مَا كَانَ بَينه وَبَين صَلَاة الْمغرب ثمَّ لَعَلَّه يبيت يتمرغ ليلته ثمَّ إِن قَامَ فَتَوَضَّأ وَصلى الصُّبْح غفر لَهُ مَا بَينهَا وَبَين صَلَاة الْعشَاء وَهن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات قَالُوا: هَذِه الْحَسَنَات فَمَا الْبَاقِيَات يَا عُثْمَان قَالَ: هِيَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وَالله أكبر وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَرَأَيْتُم لَو أَن بِبَاب أحدكُم نَهرا يغْتَسل فِيهِ كل يَوْم خمس مَرَّات هَل يبْقى من درنه شَيْئا قَالُوا: لَا يَا رَسُول الله
قَالَ: كَذَلِك الصَّلَوَات الْخمس يمحو الله بِهن الذُّنُوب والخطايا
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله لَا يمحو السيء بالسيء وَلَكِن السيء بالْحسنِ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لم أر شَيْئا أحسن طلبا وَلَا أحسن إدراكاً من حَسَنَة حَدِيثَة لسيئة قديمَة {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات}
وَأخرج أَحْمد عَن معَاذ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: يَا معَاذ أتبع السَّيئَة الْحَسَنَة تمحها
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي ذَر قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أوصني
قَالَ: اتَّقِ الله إِذا عملت سَيِّئَة فأتبعها حَسَنَة تمحها
قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله أَمن الْحَسَنَات لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: هِيَ أفضل الْحَسَنَات
(4/485)
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ عبد لَا إِلَه إِلَّا الله فِي سَاعَة من ليل أَو نَهَار إِلَّا طلست مَا فِي الصَّحِيفَة من السيئآت حَتَّى تسكن إِلَى مثلهَا من الْحَسَنَات
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس رَضِي الله عَنهُ أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله: مَا تركت من حَاجَة وَلَا داجة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله قَالَ: نعم
قَالَ: فَإِن هَذَا يَأْتِي على ذَلِك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عقبَة بن عَامر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مثل الَّذِي يعْمل الْحَسَنَات على أثر السيئآت كَمثل رجل عَلَيْهِ درع من حَدِيد ضيقَة تكَاد تخنقه فَكلما عمل سَيِّئَة فك حَتَّى يحل عقده كلهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: إِن الصَّلَاة من الْحَسَنَات وَكَفَّارَة مَا بَين الأولى إِلَى الْعَصْر صَلَاة الْعَصْر وَكَفَّارَة مَا بَين صَلَاة الْعَصْر إِلَى الْمغرب صَلَاة الْمغرب وَكَفَّارَة مَا بَين الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة صَلَاة الْعَتَمَة ثمَّ يأوي الْمُسلم إِلَى فرَاشه لَا ذَنْب لَهُ مَا اجْتنبت الْكَبَائِر ثمَّ قَرَأَ {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة قَامَ الرجل فَأَعَادَ القَوْل فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلَيْسَ قد صليت مَعنا هَذِه الصَّلَاة وأحسنت لَهَا الطّهُور قَالَ: بلَى
قَالَ: فَإِنَّهَا كَفَّارَة ذَلِك
وَأخرج مَالك وَابْن حبَان عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه قَالَ: لأحدثنكم حَدِيثا لَوْلَا آيَة فِي كتاب الله مَا حَدَّثتكُمُوهُ ثمَّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا من امْرِئ يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء ثمَّ يُصَلِّي الصَّلَاة إِلَّا غفر الله لَهُ مَا بَينه وَبَين الصَّلَاة الْأُخْرَى حَتَّى يُصليهَا
قَالَ مَالك: أرَاهُ يُرِيد هَذِه الْآيَة {وأقم الصَّلَاة طرفِي النَّهَار وَزلفًا من اللَّيْل إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات}
وَأخرج ابْن حبَان عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أصبت حدا فأقمه عَليّ
فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَمَّا سلم قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أصبت حدا فأقمه عَليّ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَل تَوَضَّأ ثمَّ أَقبلت قَالَ: نعم
قَالَ: وَصليت مَعنا قَالَ: نعم
قَالَ: فَاذْهَبْ فَإِن الله قد غفر لَك
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي
(4/486)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أصبت حدا فأقمه عليَّ
فَلم يسْأَله عَنهُ وَحَضَرت الصَّلَاة فصلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قضى الصَّلَاة قَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أصبت حدا فأقم عليّ كتاب الله
قَالَ أَلَيْسَ قد صليت مَعنا قَالَ: نعم
قَالَ: فَإِن الله قد غفر لَك ذَنْبك
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَمُحَمّد بن نصر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مثل الصَّلَوَات الْخمس كَمثل نَهَار جَار عذب غمر على بَاب أحدكُم يغْتَسل مِنْهُ كل يَوْم خمس مَرَّات فَمَاذَا يبْقين من درنه قَالَ: ودرنه إثمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن مثل الصَّلَوَات الْخمس كَمثل نهر جَار على بَاب أحدكُم يغْتَسل فِيهِ كل يَوْم خمس مَرَّات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا مثل الصَّلَوَات الْخمس كَمثل نهر جَار على بَاب أحدكُم يغْتَسل مِنْهُ كل يَوْم خمس مَرَّات فَمَا يبْقى من درنه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الصَّلَوَات الْخمس نهر جَار على بَاب أحدكُم يغْتَسل مِنْهُ كل يَوْم فَمَاذَا يبْقين من الدَّرن
وَأخرج أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان بِسَنَد صَحِيح عَن عَامر بن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: سَمِعت سَعْدا وناساً من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُونَ: كَانَ رجلَانِ أَخَوان على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أَحدهمَا أفضل من الآخر فَتوفي الَّذِي هُوَ أفضلهما وَعمر الآخر بعده أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ توفّي فَذكر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضل الأول على الْآخِرَة قَالَ ألم يكن يُصَلِّي قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يدريكم مَا بلغت بِهِ صلَاته ثمَّ قَالَ عِنْد ذَلِك: إِنَّمَا مثل الصَّلَوَات كَمثل نهر جَار بِبَاب أحدكُم غمرٌ عذبٌ يقتحم فِيهِ كل يَوْم خمس مَرَّات فَمَاذَا ترَوْنَ يبْقى من درنه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الصَّلَوَات الْخمس كَمثل نهر عذب يجْرِي عِنْد بَاب أحدكُم يغْتَسل فِيهِ كل يَوْم خمس مَرَّات فَمَاذَا يبْقى عَلَيْهِ من الدَّرن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بَرزَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا صليت صَلَاة إِلَّا وَأَنا أَرْجُو أَن تكون كَفَّارَة لما أمامها
(4/487)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من امْرِئ تحضر صَلَاة مَكْتُوبَة فَيقوم فيتوضأ فَيحسن الْوضُوء وَيُصلي فَيحسن الصَّلَاة إِلَّا غفر لَهُ مَا بَينهَا وَبَين الصَّلَاة الَّتِي كَانَت قبلهَا من ذنُوبه
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الصَّلَوَات الْخمس كَفَّارَة مَا بَينهَا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرَأَيْت لَو أَن رجلا كَانَ يعتمل وَكَانَ بَين منزله ومعتمله خَمْسَة أَنهَار فَإِذا أَتَى معتمله عمل فِيهِ مَا شَاءَ الله فَأَصَابَهُ الْوَسخ أَو الْعرق فَكلما مر بهر اغْتسل مَا كَانَ يبْقى من درنه فَكَذَلِك الصَّلَاة كلما عمل خَطِيئَة صلى صَلَاة فَدَعَا واستغفر الله غفر الله لَهُ مَا كَانَ قبلهَا
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الصَّلَوَات الْخمس وَالْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَة لما بَينهُنَّ مَا اجْتنبت الْكَبَائِر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير عَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله تَعَالَى ملكا يُنَادي عِنْد كل صَلَاة يَا بني آدم قومُوا إِلَى نيرانكم الَّتِي أوقدتموها على أَنفسكُم فاطفئوها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يبْعَث مُنَاد عِنْد حَضْرَة كل صَلَاة فَيَقُول: يَا بني آدم قومُوا فاطفئوا عَنْكُم مَا أقدتم على أَنفسكُم فَيقومُونَ فيتطهرون وَيصلونَ فَيغْفر لَهُم مَا بَينهمَا فَإِذا حضرت الْعَصْر فَمثل ذَلِك فَإِذا حضرت الْمغرب فَمثل ذَلِك فَإِذا حضرت الْعَتَمَة فَمثل ذَلِك فينامون فَيغْفر لَهُم فمدلج فِي خير ومدلج فِي شَرّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة تكفر مَا قبلهَا إِلَى الصَّلَاة الْأُخْرَى وَالْجُمُعَة تكفر مَا قبلهَا إِلَى الْجُمُعَة الْأُخْرَى وَشهر رَمَضَان يكفر مَا قبله إِلَى شهر رَمَضَان وَالْحج يكفر مَا قبله إِلَى الْحَج
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بكرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَوَات الْخمس والحمعة إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَات لما بَينهُنَّ مَا اجْتنبت الْكَبَائِر
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُسلم يُصَلِّي وخطاياه مَرْفُوعَة على رَأسه كلما سجد تحاتت عَنهُ فيفرغ من صلَاته وَقد تحاتت عَنهُ خطاياه
(4/488)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن العَبْد إِذا قَامَ يُصَلِّي جمعت ذنُوبه على رقبته فَإِذا ركع تَفَرَّقت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي الدَّرْدَاء سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من مُسلم يُذنب ذَنبا فيتوضأ ثمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا مَفْرُوضَة أَو غير مَفْرُوضَة ثمَّ يسْتَغْفر الله إِلَّا غفر الله لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس كَفَّارَات لما بَينهُنَّ مَا اجْتنبت الْكَبَائِر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَنهُ مَرْفُوعا قَالَ الصَّلَوَات الْحَقَائِق كَفَّارَات لما بَينهُنَّ مَا اجْتنبت الْكَبَائِر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى قَالَ: مثل الصَّلَوَات الْخمس مثل نهر جَار على بَاب أحدكُم يغْتَسل مِنْهُ كل يَوْم خمس مَرَّات فَمَاذَا يبْقين بعد عَلَيْهِ من درنه وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء
مثل الصَّلَوَات الْخمس مثل رجل على بَابه نهر يغْتَسل مِنْهُ كل يَوْم خمس مَرَّات فَمَاذَا يبقيي ذَلِك من درنه وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: تَكْفِير كل لحاء رَكْعَتَانِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: يحترقون فَإِذا صلوا الظّهْر غسلت ثمَّ يحترقون فَإِذا صلوا الْعَصْر غسلت ثمَّ يحترقون فَإِذا صلوا الْمغرب غسلت حَتَّى ذكر الصَّلَوَات كُلهنَّ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تحترقون فَإِذا صليتم الصُّبْح غسلتها ثمَّ تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الظّهْر غسلتها ثمَّ تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الْعَصْر غسلتها ثمَّ تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الْمغرب غسلتها ثمَّ تحترقون تحترقون فَإِذا صليتم الْعشَاء غسلتها ثمَّ تنامون فَلَا يكْتب حَتَّى تستيقظوا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح
أَنه قَالَ: بَادرُوا السَّيِّئَات القديمات بِالْحَسَنَاتِ الحديثات فَلَو أَن أحدكُم أَخطَأ مَا بَينه وَبَين السَّمَاء وَالْأَرْض ثمَّ عمل حَسَنَة لعلت فَوق سيئاته حَتَّى تقهرهن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: اسْتَعِينُوا على السَّيِّئَات القديمات
(4/489)
بِالْحَسَنَاتِ الحديثات وَإِنَّكُمْ لن تَجدوا شَيْئا اذْهَبْ لسيئة قديمَة من حَسَنَة حَدِيثَة وتصديق ذَلِك فِي كتب الله تَعَالَى {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ} قَالَ: هم الَّذين يذكرُونَ الله فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء والشدة والرخاء والعافية وَالْبَلَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما نزع الَّذِي قبل الْمَرْأَة تذكر فَذَلِك قَوْله {ذَلِك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ}
الْآيَة 116
(4/490)
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بن كَعْب قَالَ أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فلولا كَانَ من الْقُرُون من قبلكُمْ أولُوا بَقِيَّة ينهون عَن الْفساد فِي الأَرْض}
وَأخرج ابْن أبي مَالك فِي قَوْله {فلولا} قَالَ: فَهَلا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أَي لم يكن من قبلكُمْ من ينْهَى عَن الْفساد فِي الأَرْض إِلَّا قَلِيلا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج {إِلَّا قَلِيلا مِمَّن أنجينا مِنْهُم} يستقلهم الله من كل قوم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَاتبع الَّذين ظلمُوا مَا أترفوا فِيهِ} قَالَ: فِي ملكهم وَتَجَبُّرَهُمْ وتركهم الْحق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق ابْن جريج قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس {أترفوا فِيهِ} نظرُوا فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وَاتبع الَّذين ظلمُوا مَا أترفوا فِيهِ} من دنياهم وَأَن هَذِه الدُّنْيَا قد تعقدت أَكثر النَّاس وألهتهم عَن آخرتهم
الْآيَة 117
(4/490)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن جرير قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَل عَن تَفْسِيرهَا هَذِه الْآيَة {وَمَا كَانَ رَبك ليهلك الْقرى بظُلْم وَأَهْلهَا مصلحون} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَهْلهَا ينصف بَعضهم بَعْضًا وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوي الْأَخْلَاق عَن جرير مَوْقُوفا
الْآيَات 118 - 119
(4/491)
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَلَو شَاءَ رَبك لجعل النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: أهل دين وَاحِد أهل ضَلَالَة أَو أهل هدى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا يزالون مُخْتَلفين} قَالَ: أهل الْحق وَأهل الْبَاطِل {إِلَّا من رحم رَبك} قَالَ: أهل الْحق {وَلذَلِك خلقهمْ} قَالَ: للرحمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم رَبك} قَالَ: إِلَّا أهل رَحمته فَإِنَّهُم لَا يَخْتَلِفُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ {وَلَا يزالون مُخْتَلفين} فِي الْهوى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح {وَلَا يزالون مُخْتَلفين} أَي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس والحنيفية وهم الَّذين رحم رَبك الحنيفية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: النَّاس مُخْتَلفُونَ على أَدْيَان شَتَّى إِلَّا من رحم رَبك غير مُخْتَلف {وَلذَلِك خلقهمْ} قَالَ: للِاخْتِلَاف
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَلَا يزالون مُخْتَلفين} قَالَ: أهل الْبَاطِل {إِلَّا من رحم رَبك} قَالَ: أهل الْحق {وَلذَلِك خلقهمْ} قَالَ: للرحمة
(4/491)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة {وَلَا يزالون مُخْتَلفين} قَالَ: اخْتِلَاف الْملَل {إِلَّا من رحم رَبك} قَالَ: أهل الْقبْلَة {وَلذَلِك خلقهمْ} قَالَ: للرحمة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أهل رَحْمَة الله أهل الْجَمَاعَة وَإِن تَفَرَّقت دِيَارهمْ وأبدانهم وَأهل مَعْصِيَته أهل فرقة وَإِن اجْتمعت أبدانهم {وَلذَلِك خلقهمْ} للرحمة وَالْعِبَادَة وَلم يخلقهم للِاخْتِلَاف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن ابْن عَبَّاس {وَلذَلِك خلقهمْ} قَالَ: خلقهمْ فريقين: فريقاً يرحم فَلَا يخْتَلف وفريقاً لَا يرحم يخْتَلف
وَكَذَلِكَ قَوْله {فَمنهمْ شقي وَسَعِيد} (هود الْآيَة 105)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قُرَيْش قَالَ: كنت عِنْد عَمْرو بن عبيد فجَاء رجلَانِ فَجَلَسَا فَقَالَا: يَا أَبَا عُثْمَان مَا كَانَ الْحسن يَقُول فِي هَذِه الْآيَة {وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم رَبك وَلذَلِك خلقهمْ} قَالَ: كَانَ يَقُول (فريق فِي الْجنَّة وفريق فِي السعير) (الشورى الْآيَة 7)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {وَلذَلِك خلقهمْ} قَالَ: خلق هَؤُلَاءِ للجنة وَهَؤُلَاء للنار وَخلق هَؤُلَاءِ لِرَحْمَتِهِ وَهَؤُلَاء لعذابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن أبي نجيح
أَن رجلَيْنِ تخاصما إِلَى طَاوس فاختلفا عَلَيْهِ فَقَالَ: اختلفتما عَليّ فَقَالَ أَحدهمَا لذَلِك خلقنَا
قَالَ: كذبت
قَالَ: أَلَيْسَ الله يَقُول {وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم رَبك وَلذَلِك خلقهمْ} قَالَ: إِنَّمَا خلقهمْ للرحمة وَالْجَمَاعَة
الْآيَة 120
(4/492)
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وكلاًّ نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك} لتعلم يَا مُحَمَّد مَا لقِيت الرُّسُل من قبلك من أممهم
(4/492)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس {وجاءك فِي هَذِه الْحق} قَالَ: فِي هَذِه السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ {وجاءك فِي هَذِه الْحق} قَالَ: فِي هَذِه السُّورَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وجاءك فِي هَذِه الْحق} قَالَ: فِي هَذِه الدُّنْيَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد قَالَ: كَانَ قَتَادَة يَقُول فِي هَذِه السُّورَة وَقَالَ الْحسن: فِي الدُّنْيَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي رَجَاء عَن الْحسن {وجاءك فِي هَذِه الْحق} قَالَ: فِي هَذِه السُّورَة
الْآيَات 121 - 123
(4/493)
وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اعْمَلُوا على مكانتكم} أَي مَنَازِلكُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَانْتَظرُوا إِنَّا منتظرون} قَالَ: يَقُول: انتظروا مواعيد الشَّيْطَان إيَّاكُمْ على مَا يزين لكم
وَفِي قَوْله {وَإِلَيْهِ يرجع الْأَمر كُله} قَالَ: فَيَقْضِي بَينهم بِحكمِهِ الْعدْل
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فَاتِحَة التَّوْرَاة فَاتِحَة الْأَنْعَام وخاتمة التَّوْرَاة هود {وَللَّه غيب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} إِلَى قَوْله {بغافل عَمَّا تَعْمَلُونَ}
(4/493)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (12)
سُورَة يُوسُف
مَكِّيَّة وآياتها إِحْدَى عشرَة وَمِائَة
مُقَدّمَة سُورَة يُوسُف أخرج النّحاس وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: نزلت سُورَة يُوسُف بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزلت سُورَة يُوسُف بِمَكَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن رِفَاعَة بن رَافع الزرقي أَنه خرج هُوَ وَابْن خَالَته معَاذ بن عفراء حَتَّى قدما مَكَّة وَهَذَا قبل خُرُوج السِّتَّة من الْأَنْصَار فَأتيَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَقلت أعرض عَليّ فَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام وَقَالَ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال قُلْنَا الله قَالَ: فَمن خَلقكُم قُلْنَا الله قَالَ: فَمن عمل هَذِه الْأَصْنَام الَّتِي تَعْبدُونَ قُلْنَا نَحن
قَالَ: فالخالق أَحَق بِالْعبَادَة أم الْمَخْلُوق فَأنْتم أَحَق أَن يعبدوكم وَأَنْتُم عملتموها وَالله أَحَق أَن تَعْبُدُوهُ من شَيْء عملتموه وَأَنا أدعوكم إِلَى عبَادَة الله وَإِلَى شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله وصلَة الرَّحِم وَترك الْعدوان وبغض النَّاس
قُلْنَا: لَو كَانَ الَّذِي تدعونا إِلَيْهِ بَاطِلا لَكَانَ من معالي الْأُمُور ومحاسن الْأَخْلَاق
أمسك راحلتينا حَتَّى نأتي الْبَيْت فَجَلَسَ عِنْده معَاذ بن عفراء قَالَ: فطفت وأخرجت سَبْعَة أقداح فَجعلت لَهُ مِنْهَا قدحا فاستقبلت الْبَيْت فَضربت بهَا وَقلت: اللَّهُمَّ إِن كَانَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّد حَقًا فَأخْرجهُ قدحه سبع مَرَّات قَالَ: فَضربت فَخرج سبع مَرَّات فَصحت أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله فَاجْتمع النَّاس عَليّ وَقَالُوا: مَجْنُون رجل صَبأ
قلت: بل رجل مُؤمن ثمَّ جِئْت إِلَى أَعلَى مَكَّة فَلَمَّا رَآنِي معَاذ قَالَ: لقد جَاءَ رَافع بِوَجْه مَا ذهب بِمثلِهِ
فَجئْت وَآمَنت وَعلمنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة يُوسُف و (اقْرَأ باسم رَبك) (سُورَة العلق الْآيَة 1) ثمَّ رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة
(4/494)
وَأخرج ابْن سعد عَن عِكْرِمَة أَن مُصعب بن عُمَيْر لما قدم الْمَدِينَة يعلم النَّاس الْقُرْآن بعث إِلَيْهِم عَمْرو بن الجموح: مَا هَذَا الَّذِي جئتمونا بِهِ فَقَالُوا: إِن شِئْت جئْنَاك فأسمعناك الْقُرْآن قَالَ: نعم
فواعدهم يَوْمًا فجَاء فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبيا لَعَلَّكُمْ تعقلون}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن حبرًا من الْيَهُود دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوافقه وَهُوَ يقْرَأ سُورَة يُوسُف فَقَالَ يَا مُحَمَّد من علمكها قَالَ: الله علمنيها فَعجب الحبر لما سمع مِنْهُ فَرجع إِلَى الْيَهُود فَقَالَ لَهُم: وَالله إِن مُحَمَّدًا ليقْرَأ الْقُرْآن كَمَا أنزل فِي التَّوْرَاة فَانْطَلق بِنَفر مِنْهُم حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ
فعرفوه بِالصّفةِ ونظروا إِلَى خَاتم النُّبُوَّة بَين كَتفيهِ فَجعلُوا يَسْتَمِعُون إِلَى قِرَاءَته بِسُورَة يُوسُف فتعجبوا مِنْهُ وَأَسْلمُوا عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة قَالَ: سَمِعت عمر رَضِي الله عَنهُ يقْرَأ فِي الْفجْر بِسُورَة يُوسُف
الْآيَة 1
(4/495)
الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين} قَالَ: أَي وَالله يبين بركته وهداه ورشده
وَفِي لفظ يبين الله رشده وهداه
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين} قَالَ: يبين حَلَاله وَحَرَامه
وَأخرج ابْن جرير عَن خَالِد بن معدان عَن معَاذ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي قَول الله {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين} قَالَ: يبين الله الْحُرُوف الَّتِي سَقَطت عَن ألسن الْأَعَاجِم وَهِي سِتَّة أحرف
(4/495)
الْآيَة 2
(4/496)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)
أخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب الْعَرَب لثلاث: لِأَنِّي عَرَبِيّ وَالْقُرْآن عَرَبِيّ وَكَلَام أهل الْجنَّة عَرَبِيّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنا عَرَبِيّ وَالْقُرْآن عَرَبِيّ وَكَلَام أهل الْجنَّة عَرَبِيّ
وَأخرج الْحَاكِم عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا {قُرْآنًا عَرَبيا} ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألهم إِسْمَاعِيل هَذَا اللِّسَان الْعَرَبِيّ إلهاماً
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: نزل الْقُرْآن بِلِسَان قُرَيْش وَهُوَ كَلَامهم
الْآيَة 3
(4/496)
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله لَو قصصت علينا فَنزلت {نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص}
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أنزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن فَتلا عَلَيْهِم زَمَانا فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَو قصصت علينا فَأنْزل الله {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين} هَذِه السُّورَة ثمَّ تَلا عَلَيْهِم زَمَانا فَأنْزل الله (ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله) (الْحَدِيد الْآيَة 16)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عون بن عبد الله عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله لَو قصصت علينا فَنزلت {نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص}
(4/496)
وَأخرج ابْن جرير عَن عون بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِلَّة فَقَالُوا: يَا رَسُول الله حَدثنَا فَأنْزل الله تَعَالَى (الله نزل أحسن الحَدِيث) (الزمر آيَة 23) ثمَّ ملوا مِلَّة أُخْرَى فَقَالُوا: يَا رَسُول الله حَدثنَا فَوق الحَدِيث وَدون الْقُرْآن - يعنون الْقَصَص - فَأنْزل الله {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين} هَذِه السُّورَة فأرادوا الحَدِيث فدلهم على أحسن الحَدِيث
وَأَرَادُوا الْقَصَص فدلهم على أحسن الْقَصَص
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَنصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة والضياء فِي المختارة عَن خَالِد بن عرفطة قَالَ: كنت جَالِسا عِنْد عمر إِذْ أَتَاهُ رجل من عبد الْقَيْس فَقَالَ لَهُ عمر: أَنْت فلَان الْعَبْدي قَالَ نعم
فَضَربهُ بقناة مَعَه فَقَالَ الرجل: مَا لي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ اجْلِسْ فَجَلَسَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين} إِلَى قَوْله {لمن الغافلين} فقرأها عَلَيْهِ ثَلَاثًا وضربه ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ الرجل: مَا لي يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: أَنْت الَّذِي نسخت كتاب دانيال
قَالَ: مرني بِأَمْرك أتبعه قَالَ: انْطلق فامحه بالحميم وَالصُّوف ثمَّ لَا تَقْرَأهُ وَلَا تقرئه أحدا من النَّاس فلئن بَلغنِي عَنْك أَنَّك قرأته أَو أَقرَأته أحدا من النَّاس لأنهكنك عُقُوبَة ثمَّ قَالَ: اجْلِسْ
فَجَلَسَ بَين يَدَيْهِ
فَقَالَ: انْطَلَقت أَنا فانتسخت كتابا من أهل الْكتاب ثمَّ جِئْت بِهِ فِي أَدِيم فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هَذَا فِي يدك يَا عمر فَقلت يَا رَسُول الله كتاب نسخته لنزداد بِهِ علما إِلَى علمنَا فَغَضب رَسُول الله حَتَّى احْمَرَّتْ وجنتاه ثمَّ نُودي بِالصَّلَاةِ جَامِعَة
فَقَالَت الْأَنْصَار: أغضب نَبِيكُم السِّلَاح
فجاؤوا حَتَّى أَحدقُوا بمنبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي قد أُوتيت جَوَامِع الْكَلم وخواتيمه وَاخْتصرَ لي اختصاراً وَلَقَد أتيتكم بهَا بَيْضَاء نقية فَلَا تتهوّكوا وَلَا يَغُرنكُمْ المتهوّكون قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ: فَقُمْت فَقلت: رضيت بِاللَّه ربًّا وبالإِسلام دينا وَبِك رَسُولا ثمَّ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الضريس عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ بِالْكُوفَةِ رجل يطْلب كتب دانيال وَذَلِكَ الضَّرْب فجَاء فِيهِ كتاب من
(4/497)
عمر بن الْخطاب أَن يدْفع إِلَيْهِ فَلَمَّا قدم على عمر رَضِي الله عَنهُ علاهُ بِالدرةِ ثمَّ جعل يقْرَأ عَلَيْهِ {الر تِلْكَ آيَات الْكتاب الْمُبين} حَتَّى بلغ {الغافلين} قَالَ: فَعرفت مَا يُرِيد فَقلت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ دَعْنِي
فوَاللَّه لَا أدع عِنْدِي شَيْئا من تِلْكَ الْكتب إِلَّا حرقته
قَالَ فَتَركه
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص} قَالَ: من الْكتب الْمَاضِيَة وَأُمُور الله السالفة فِي الْأُمَم {وَإِن كنت من قبله} أَي من قبل هَذَا الْقُرْآن {لمن الغافلين}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص} قَالَ الْقُرْآن
الْآيَة 4
(4/498)
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم: يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكباً} قَالَ رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والعقيلي وَابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ بستاني يَهُودِيّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أَخْبرنِي عَن الْكَوَاكِب الَّتِي رَآهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام سَاجِدَة لَهُ مَا أسماؤها فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يجبهُ بِشَيْء
فَنزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَأخْبرهُ بأسمائها فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى البستاني الْيَهُودِيّ فَقَالَ: هَل أَنْت مُؤمن إِن أَخْبَرتك بأسمائها قَالَ: نعم
قَالَ: حرثان والطارق
(4/498)
وَالذَّيَّال وَذُو الكفتان وَقَابِس ودثان وهودان وَالْفَيْلَق وَالْمصْبح وَالضَّرُوح والفريخ والضياء والنور رَآهَا فِي أفق السَّمَاء سَاجِدَة لَهُ فَلَمَّا قصّ يُوسُف على يَعْقُوب قَالَ: هَذَا أَمر مشتت يجمعه الله من بعد فَقَالَ الْيَهُودِيّ: أَي وَالله أَنَّهَا لَأَسْمَاؤُهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أحد عشر كوكباً} قَالَ: إخْوَته
وَالشَّمْس: قَالَ امهِ وَالْقَمَر: قَالَ أَبوهُ ولأمه راحيل ثلث الْحسن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أحد عشر كوكباً وَالشَّمْس وَالْقَمَر} قَالَ: الْكَوَاكِب إخْوَته وَالشَّمْس وَالْقَمَر أَبَوَاهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عنهفي قَوْله {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكباً} الْآيَة
قَالَ: رأى أَبَاهُ وَإِخْوَته سجوداً لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: قَالَ إخْوَته - وَكَانُوا أَنْبيَاء - مَا رَضِي أَن يسْجد لَهُ إخْوَته حَتَّى سجد لَهُ أَبَوَاهُ حِين بَلغهُمْ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مُنَبّه عَن أَبِيه قَالَ: كَانَت رُؤْيا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لَيْلَة الْقدر
الْآيَات 5 - 6
(4/499)
قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَكَذَلِكَ يجتبيك رَبك} قَالَ يصطفيك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويعلمك من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} قَالَ: عبارَة الرُّؤْيَا
(4/499)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ويعلمك من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} قَالَ: تَأْوِيل الْعلم والحلم
قَالَ: وَكَانَ يَوْمئِذٍ أعبر النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كَمَا أتمهَا على أَبَوَيْك من قبل إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق} قَالَ: فنعمته على إِبْرَاهِيم نجاه من النَّار وعَلى إِسْحَق أَن نجاه من الذّبْح
الْآيَة 7
(4/500)
لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات} قَالَ عِبْرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} يَقُول: من سَأَلَ عَن ذَلِك فَهُوَ كَذَا مَا قصّ الله عَلَيْكُم وأنبأكم بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات للسائلين} قَالَ: من كَانَ سَائِلًا عَن يُوسُف وَإِخْوَته فَهَذَا نبؤهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا قصّ الله على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر يُوسُف وبغي إخْوَته عَلَيْهِ وحسدهم إِيَّاه حِين ذكر رُؤْيَاهُ
لما رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بغي قومه عَلَيْهِ وحسدهم إِيَّاه حِين أكْرمه الله بنبوّته ليتأسى بِهِ
الْآيَات 8 - 9
(4/500)
إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام نازلاً بِالشَّام وَكَانَ لَيْسَ لَهُ هم إِلَّا يُوسُف وَأَخُوهُ بنيامين فحسده إخْوَته مِمَّا رَأَوْا من حب أَبِيه لَهُ
وَرَأى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي النّوم رُؤْيا إِن أحد عشر كوكباً وَالشَّمْس وَالْقَمَر ساجدين لَهُ فَحدث أَبَاهُ بهَا فَقَالَ لَهُ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: {يَا بني لَا تقصص رُؤْيَاك على إخْوَتك فيكيدوا لَك كيداً} فَبلغ إخْوَة يُوسُف
(4/500)
الرُّؤْيَا فحسدوه فَقَالُوا {ليوسف وَأَخُوهُ} بنيامين {أحب إِلَى أَبينَا منا وَنحن عصبَة} - كَانُوا عشرَة - {إِن أَبَانَا لفي ضلال مُبين} قَالُوا: فِي ضلال من أمرنَا
{اقْتُلُوا يُوسُف أَو اطرحوه أَرضًا يخل لكم وَجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين} يَقُول: تتوبون مِمَّا صَنَعْتُم بِهِ
{قَالَ قَائِل مِنْهُم} وَهُوَ يهوذا {لَا تقتلُوا يُوسُف وألقوه فِي غيابة الْجب يلتقطه بعض السيارة إِن كُنْتُم فاعلين}
فَلَمَّا أَجمعُوا أَمرهم على ذَلِك أَتَوا أباهم فَقَالُوا لَهُ {يَا أَبَانَا مَا لَك لَا تأمنا على يُوسُف} قَالَ: لن أرْسلهُ مَعكُمْ إِنِّي {وأخاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب وَأَنْتُم عَنهُ غافلون قَالُوا لَئِن أكله الذِّئْب وَنحن عصبَة إنَّا إِذا لخاسرون} فَأرْسلهُ مَعَهم فأخرجوه وَبِه عَلَيْهِ كَرَامَة
فَلَمَّا برزوا إِلَى الْبَريَّة أظهرُوا لَهُ الْعَدَاوَة فَجعل يضْربهُ أحدهم فيستغيث بِالْآخرِ فيضربه فَجعل لَا يرى مِنْهُم رحِيما فضربوه حَتَّى كَادُوا يقتلونه فَجعل يَصِيح وَيَقُول: يَا أبتاه يَا يَعْقُوب لَو تعلم مَا صنع بابنك بَنو الْإِمَاء
فَلَمَّا كَادُوا يقتلونه قَالَ يهوذا: أَلَيْسَ قد أعطيتموني موثقًا أَن لَا تقتلوه
فَانْطَلقُوا بِهِ إِلَى الْجب ليطرحوه فِيهِ فَجعلُوا يدلونه فِي الْبِئْر فَيتَعَلَّق بشفير الْبِئْر فربطوا يَدَيْهِ ونزعوا قَمِيصه فَقَالَ: يَا إخوتاه ردوا عليّ قَمِيصِي أتوارى بِهِ فِي الْجب
فَقَالُوا لَهُ: ادْع الْأَحَد عشر كوكباً وَالشَّمْس وَالْقَمَر يؤنسوك
قَالَ: فَإِنِّي لم أر شَيْئا
فدلوه فِي الْبِئْر حَتَّى إِذا بلغ نصفهَا ألقوه إِرَادَة أَن يَمُوت فَكَانَ فِي الْبِئْر مَاء فَسقط فِيهِ فَلم يضرّهُ ثمَّ أَوَى إِلَى صَخْرَة فِي الْبِئْر فَقَامَ عَلَيْهَا فَجعل يبكي فناداه إخْوَته فَظن إِنَّهَا رقة أدركتهم فأجابهم فأرادوا أَن يرضخوه بصخرة فَقَامَ يهوذا فَمَنعهُمْ وَقَالَ: قد أعطيتموني موثقًا أَن لَا تقتلوه فَكَانَ يهوذا يَأْتِيهِ بِالطَّعَامِ
ثمَّ إِنَّهُم رجعُوا إِلَى أَبِيهِم فَأخذُوا جدياً من الْغنم فذبحوه ونضحوا دَمه على الْقَمِيص ثمَّ أَقبلُوا إِلَى أَبِيهِم عشَاء يَبْكُونَ فَلَمَّا سمع أَصْوَاتهم فزع وَقَالَ: يَا بني مَا لكم هَل أَصَابَكُم فِي غنمكم شَيْء
قَالُوا: لَا
قَالَ: فَمَا فعل يُوسُف: {قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِق وَتَركنَا يُوسُف عِنْد متاعنا فَأَكله الذِّئْب وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا} يَعْنِي بمصدق لنا {وَلَو كُنَّا صَادِقين} فَبكى الشَّيْخ وَصَاح بِأَعْلَى صَوته ثمَّ قَالَ: أَيْن الْقَمِيص ثمَّ جاؤوا بِقَمِيصِهِ وَعَلِيهِ دم كذب فَأخذ الْقَمِيص وَطَرحه على وَجهه ثمَّ بَكَى حَتَّى خضب وَجهه من دم الْقَمِيص ثمَّ قَالَ: إِن هَذَا الذِّئْب يَا بني لرحيم فَكيف أكل لَحْمه وَلم يخرق قَمِيصه
وَجَاءَت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه فَتعلق يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
(4/501)
بالحبل فَخرج فَلَمَّا رَآهُ صَاحب الدَّلْو دَعَا رجلا من أَصْحَابه يُقَال لَهُ بشراي فَقَالَ: يَا بشراي هَذَا غُلَام
فَسمع بِهِ إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فجاؤوا فَقَالُوا: هَذَا عبد لنا آبق ورطنوا لَهُ بلسانهم فَقَالُوا: لَئِن أنْكرت إِنَّك عبد لنا لنقتلنك أترانا نرْجِع بك إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَقد أخبرناه إِن الذِّئْب قد أكلك
قَالَ: يَا إخوتاه ارْجعُوا بِي إِلَى أبي يَعْقُوب فَأَنا أضمن لكم رِضَاهُ وَلَا أذكر لكم هَذَا أبدا
فَأَبَوا فَقَالَ الْغُلَام: أَنا عبد لَهُم
فَلَمَّا اشْتَرَاهُ الرّجلَانِ فرقا من الرّفْقَة أَن يَقُولَا اشْتَرَيْنَاهُ فيسألونهما الشّركَة فِيهِ فَقَالَا: نقُول إِن سألونا مَا هَذَا نقُول هَذِه بضَاعَة استبضعناها من الْبِئْر
فَذَلِك قَوْله {وأسروه بضَاعَة} {وشروه بِثمن بخس دَرَاهِم مَعْدُودَة} - وَكَانَت عشْرين درهما - وَكَانُوا فِي يُوسُف من الزاهدين
فَانْطَلقُوا بِهِ إِلَى مصر فَاشْتَرَاهُ الْعَزِيز - ملك مصر - فَانْطَلق بِهِ إِلَى بَيته فَقَالَ لامْرَأَته {أكرمي مثواه عَسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولدا} فأحبته امْرَأَته فَقَالَت لَهُ: يَا يُوسُف مَا أحسن شعرك
قَالَ: هُوَ أوّل مَا يَتَنَاثَر من جَسَدِي
قَالَ: يَا يُوسُف مَا أحسن عَيْنَيْك قَالَ: هما أوَّل مَا يسيلان إِلَى الأَرْض من جَسَدِي
قَالَت: يَا يُوسُف مَا أحسن وَجهك قَالَ: هُوَ للتراب يَأْكُلهُ {وَقَالَت هيت لَك} قَالَ هَلُمَّ لَك - وَهِي بالقبطية - قَالَ معَاذ الله إِنَّه رَبِّي قَالَ: سَيِّدي أحسن مثواي فَلَا أخونه فِي أَهله
فَلم تزل بِهِ حَتَّى أطمعها فهمّت بِهِ وهمّ بهَا فدخلا الْبَيْت {وغلقت الْأَبْوَاب} فَذهب ليحل سراويله فَإِذا هُوَ بِصُورَة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام قَائِما فِي الْبَيْت قد عض على أُصْبُعه يَقُول: يَا يُوسُف لَا تواقعها فَإِنَّمَا مثلك مثل الطير فِي جوّ السَّمَاء لَا يُطَاق وَمثلك إِذا وَقعت عَلَيْهَا مثله إِذا مَاتَ فَوَقع على الأَرْض لَا يَسْتَطِيع أَن يدْفع عَن نَفسه وَمثلك مثل الثور الصعب الَّذِي لم يعْمل عَلَيْهِ وَمثلك إِذا واقعتها مثله إِذا مَاتَ فَدخل المَاء فِي أصل قرنيه لَا يَسْتَطِيع أَن يدْفع عَن نَفسه
فَربط سراويله وَذهب ليخرج فَأَدْرَكته فَأخذت بمؤخر قَمِيصه من خَلفه فخرقته حَتَّى أخرجته مِنْهُ وَسقط وَطَرحه يُوسُف وَاشْتَدَّ نَحْو الْبَاب والفيا سَيِّدهَا جَالِسا عِنْد الْبَاب هُوَ وَابْن عَم الْمَرْأَة فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَة {قَالَت مَا جَزَاء من أَرَادَ بأهلك سوءا إِلَّا أَن يسجن أَو عَذَاب أَلِيم} إِنَّه راودني عَن نَفسِي فَدَفَعته عني فشققت قَمِيصه
فَقَالَ يُوسُف: لَا بل هِيَ راودتني عَن نَفسِي فأبيت وفررت مِنْهَا فأدركتني فَأخذت بقميصي فشقته عَليّ
فَقَالَ ابْن عَمها: فِي الْقَمِيص تبيان الْأَمر انْظُرُوا
(4/502)
إِن كَانَ الْقَمِيص قدّ من قبل فصدقت وَهُوَ من الْكَاذِبين وَإِن كَانَ قدّ من دُبر فَكَذبت وَهُوَ من الصَّادِقين فَلَمَّا أُتِي بالقميص وجده قد قدّ من دُبر فَقَالَ {إِنَّه من كيدكن إِن كيدكن عَظِيم يُوسُف أعرض عَن هَذَا واستغفري لذنبك} يَقُول: لَا تعودي لذنبك
{وَقَالَ نسْوَة فِي الْمَدِينَة امْرَأَة الْعَزِيز تراود فتاها عَن نَفسه قد شغفها حبا} والشغاف جلدَة على الْقلب يُقَال لَهَا لِسَان الْقلب يَقُول دخل الْحبّ الْجلد حَتَّى أصَاب الْقلب - فَلَمَّا سَمِعت بمكرهن - يَقُول بقولهن - أرْسلت إلَيْهِنَّ واعتدت لَهُنَّ متكأً يتكئن عَلَيْهِ وآتت كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ سكيناً وأترجاً تَأْكُله وَقَالَت ليوسف: أخرج عَلَيْهِنَّ
فَلَمَّا خرج وَرَأى النسْوَة يُوسُف أعظمنه وجعلن يحززن أَيْدِيهنَّ وهم يَحسبن إنَّهُنَّ يقطعن الأترج وَيَقُلْنَ {حاش لله مَا هَذَا بشرا إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم} قَالَت: {فذلكن الَّذِي لمتنني فِيهِ وَلَقَد راودته عَن نَفسه فاستعصم} بَعْدَمَا كَانَ حل سراويله ثمَّ لَا أَدْرِي مَا بدا لَهُ
قَالَ يُوسُف {رب السجْن أحب إِلَيّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ} من الزِّنَا
ثمَّ إِن الْمَرْأَة قَالَت لزَوجهَا: إِن العَبْد العبراني قد فضحني فِي النَّاس إِنَّه يعْتَذر إِلَيْهِم ويخبرهم أَنِّي راودته عَن نَفسه وَلست أُطِيق أَن أعْتَذر بعذري فإمَّا أَن تَأذن لي فَأخْرج فَاعْتَذر كَمَا يعْتَذر وَإِمَّا أَن تحبسه كَمَا حبستني فَذَلِك قَوْله {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات} وَهُوَ شقّ الْقَمِيص وَقطع الْأَيْدِي {ليسجننه حَتَّى حِين وَدخل مَعَه السجْن فتيَان} غضب الْملك على خَبّازه أَنه يُرِيد أَن يسمه فحبسه وَحبس الساقي وَظن أَنه مالأه على السم
فَلَمَّا دخل يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام السجْن قَالَ: إِنِّي أعبّر الأحلام
قَالَ أحد الفتيين: هَلُمَّ فَلْنُجَرِّب هَذَا العَبْد العبراني فتراءيا من غير أَن يَكُونَا رَأيا شَيْئا ولكنهما خرصا فَعبر لَهما يُوسُف خرصهما فَقَالَ الساقي: رَأَيْتنِي أعصر خمرًا
وَقَالَ الخباز: رَأَيْتنِي أحمل فَوق رَأْسِي خبْزًا تَأْكُل الطير مِنْهُ
قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: لَا يأتيكما طَعَام ترزقانه فِي النّوم إِلَّا نبأتكما بتأويله فِي الْيَقَظَة ثمَّ قَالَ: {يَا صَاحِبي السجْن أما أَحَدكُمَا فيسقي ربه خمرًا} فيعاد على مَكَانَهُ {وَأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رَأسه} ففزعا وَقَالا: وَالله مَا رَأينَا شَيْئا
قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: {قضي الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفتيان} إِن هَذَا كَائِن لَا بُد مِنْهُ وَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام للساقي: {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك}
ثمَّ أَن الله أرى الْملك رُؤْيا فِي مَنَامه هالته فَرَأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وَسبع سنبلات خضر يأكلهن سبع يابسات
(4/503)
فَجمع السَّحَرَة والكهنة والعافة - وهم الْقَافة - والحاذة - وهم الَّذين يزجرون الطير - فَقَصَّهَا عَلَيْهِم فَقَالُوا: أضعاث أَحْلَام وَمَا نَحن بِتَأْوِيل الأحلام بعالمين
{وَقَالَ الَّذِي نجا مِنْهُمَا وادّكر بعد أمة أَنا أنبئكم بتأويله فأرسلون}
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: لم يكن السجْن فِي الْمَدِينَة فَانْطَلق الساقي إِلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {أَفْتِنَا فِي سبع بقرات} إِلَى قَوْله {لعَلي أرجع إِلَى النَّاس لَعَلَّهُم يعلمُونَ} تَأْوِيلهَا {قَالَ تزرعون سبع سِنِين دأباً فَمَا حصدتم فذروه فِي سنبله} قَالَ هُوَ أبقى لَهُ {إِلَّا قَلِيلا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك سبع شَدَّاد يأكلن مَا قدمتم لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلا مِمَّا تحصنون} قَالَ: مِمَّا ترفعون {ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك عَام فِيهِ يغاث النَّاس وَفِيه يعصرون} قَالَ: الْعِنَب فَلَمَّا أَتَى الْملك الرَّسُول وَأخْبرهُ قَالَ: {ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول} فَأمره أَن يخرج إِلَى الْملك أَبى يُوسُف وَقَالَ: {ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ}
قَالَ السّديّ: قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: لَو خرج يُوسُف يَوْمئِذٍ قبل أَن يعلم الْملك بِشَأْنِهِ مَا زَالَت فِي نفس الْعَزِيز مِنْهُ حَاجَة يَقُول هَذَا الَّذِي راود امْرَأَته
قَالَ الْملك ائْتُونِي بِهن {قَالَ مَا خطبكن إِذْ راودتُنَّ يُوسُف عَن نَفسه قُلْنَ حاش لله مَا علمنَا عَلَيْهِ من سوء} وَلَكِن امْرَأَة الْعَزِيز أخبرتنا أَنَّهَا راودته عَن نَفسه وَدخل مَعهَا الْبَيْت وَحل سراويله ثمَّ شده بعد ذَلِك وَلَا تَدْرِي مَا بدا لَهُ
فَقَالَت امْرَأَة الْعَزِيز {الْآن حصحص الْحق} قَالَ تبين
{أَنا راودته عَن نَفسه} قَالَ يُوسُف - وَقد جِيءَ بِهِ - ذَلِك ليعلم الْعَزِيز {أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} فِي أَهله {وَأَن الله لَا يهدي كيد الخائنين}
فَقَالَت امْرَأَة الْعَزِيز: يَا يُوسُف وَلَا حِين حللت السَّرَاوِيل قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: {وَمَا أبرئ نَفسِي}
فَلَمَّا وجد الْملك لَهُ عذرا قَالَ: {ائْتُونِي بِهِ استخلصه لنَفْسي} فأستعمله على مصر فَكَانَ صَاحب أمرهَا هُوَ الَّذِي يَلِي البيع وَالْأَمر فَأصَاب الأَرْض الْجُوع وَأصَاب بِلَاد يَعْقُوب الَّتِي كَانَ فِيهَا فَبعث بنيه إِلَى مصر وَأمْسك بينامين أَخا يُوسُف فَلَمَّا دخلُوا على يُوسُف {فعرفهم وهم لَهُ منكرون} فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم أَخذهم وأدخلهم الدَّار - دَار الْملك - وَقَالَ لَهُم: أخبروني مَا أَمركُم فَإِنِّي أنكر شَأْنكُمْ
قَالُوا: نَحن من أَرض الشَّام
قَالَ: فَمَا جَاءَ بكم قَالُوا: نمتار طَعَاما
قَالَ: كَذبْتُمْ أَنْتُم عُيُون كم أَنْتُم قَالُوا نَحن عشرَة
قَالَ أَنْتُم عشرَة آلَاف كل رجل مِنْكُم أَمِير ألف فَأَخْبرُونِي خبركم
قَالُوا: إِنَّا إخْوَة بَنو رجل
(4/504)
صديق وَإِنَّا كُنَّا إثني عشر فَكَانَ يحب أَخا لنا وَأَنه ذهب مَعنا إِلَى الْبَريَّة فَهَلَك منا وَكَانَ أحبنا إِلَى أَبينَا
قَالَ: فَإلَى من يسكن أبوكم بعده
قَالُوا إِلَى أَخ لَهُ أَصْغَر مِنْهُ
قَالَ: كَيفَ تحدثوني أَن أَبَاكُم صدّيق وَهُوَ يحب الصَّغِير مِنْكُم دون الْكَبِير ائْتُونِي بأخيكم هَذَا حَتَّى أنظر إِلَيْهِ {فَإِن لم تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كيل لكم عِنْدِي وَلَا تقربون قَالُوا سنراود عَنهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لفاعلون} قَالَ: فَإِنِّي أخْشَى أَن لَا تَأْتُونِي بِهِ فضعوا بَعْضكُم رهينة حَتَّى ترجعوا
فارتهن شَمْعُون عِنْده فَقَالَ لفتيته وَهُوَ يَكِيل لَهُم: اجعلوا بضاعتهم فِي رحالهم لَعَلَّهُم يعرفونها إِذا انقلبوا إِلَى أهلهم لَعَلَّهُم يرجعُونَ إليَّ
فَلَمَّا رجعٍ الْقَوْم إِلَى أَبِيهِم كَلمُوهُ فَقَالُوا: يَا أَبَانَا إِن ملك مصر أكرمنا كَرَامَة لَو كَانَ رجلا منا من بني يَعْقُوب مَا أكرمنا كرامته وَإنَّهُ ارْتهن شَمْعُون وَقَالَ: ائْتُونِي بأخيكم هَذَا الَّذِي عطف عَلَيْهِ أبوكم بعد أخيكم الَّذِي هلك حَتَّى أنظر إِلَيْهِ فَإِن لم تَأْتُونِي بِهِ فَلَا تقربُوا بلادي أبدا
فَقَالَ لَهُم يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: إِذا أتيتم ملك مصر فاقرؤوه مني السَّلَام وَقُولُوا: إِن أَبَانَا يُصَلِّي عَلَيْك وَيَدْعُو لَك بِمَا أوليتنا وَلما فتحُوا رحالهم وجدوا بضاعتهم ردَّتْ إِلَيْهِم أَتَوا أباهم {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نبغي هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا}
فَقَالَ أَبوهُ حِين رأى ذَلِك: {لن أرْسلهُ مَعكُمْ حَتَّى تؤتون موثقًا من الله لتأتنني بِهِ إِلَّا أَن يحاط بكم}
فَحَلَفُوا لَهُ {فَلَمَّا آتوه موثقهم} قَالَ يَعْقُوب: {الله على مَا نقُول وَكيل}
ورهب عَلَيْهِم أَن يصيبهم الْعين إِن دخلُوا مصر فَيُقَال هَؤُلَاءِ لرجل وَاحِد قَالَ: {يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} - يَقُول من طَرِيق وَاحِد - فَلَمَّا دخلُوا على يُوسُف عرف أَخَاهُ فأنزلهم منزلا وأجرى عَلَيْهِم الطَّعَام وَالشرَاب فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل أَتَاهُم بِمثل قَالَ: لينم كل أَخَوَيْنِ مِنْكُم على مِثَال حَتَّى بَقِي الْغُلَام وَحده فَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: هَذَا ينَام معي على فِرَاشِي فَبَاتَ مَعَ يُوسُف فَجعل يشم رِيحه ويضمه إِلَيْهِ حَتَّى أصبح وَجعل يَقُول روبيل: مَا رَأينَا رجلا مثل هَذَا إِن نَحن نجونا مِنْهُ
{فَلَمَّا جهزهم بجهازهم جعل السِّقَايَة فِي رَحل أَخِيه} وَالْأَخ لَا يشْعر فَلَمَّا ارتحلوا {أذن مؤذّن} قبل أَن يرتحل العير: {أيتها العير إِنَّكُم لسارقون} فَانْقَطَعت ظُهُورهمْ {وَأَقْبلُوا عَلَيْهِم} يَقُولُونَ: {مَاذَا تَفْقِدُونَ} إِلَى قَوْله {فَمَا جَزَاؤُهُ} {قَالُوا جَزَاؤُهُ من وجد فِي رَحْله فَهُوَ جَزَاؤُهُ} يَقُول تأخذونه فَهُوَ لكم {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قبل وعَاء أَخِيه} فَلَمَّا بَقِي رَحل أَخِيه الْغُلَام قَالَ: مَا كَانَ هَذَا الْغُلَام ليأخذها
قَالُوا وَالله لَا يتْرك حَتَّى
(4/505)
تنظروا فِي رَحْله وَنَذْهَب وَقد طابت نفوسكم فَأدْخل يَده فِي رَحْله فاستخرجها من رَحل أَخِيه
يَقُول الله {كَذَلِك كدنا ليوسف} يَقُول صنعنَا ليوسف {مَا كَانَ ليَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك} يَقُول فِي حكم الْملك {إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَلَكِن صنعنَا لشأنهم قَالُوا فَهَذَا جَزَاؤُهُ
قَالَ: فَلَمَّا استخرجها من رَحل الْغُلَام انْقَطَعت ظُهُورهمْ وهلكوا وَقَالُوا: مَا يزَال لنا مِنْكُم بلَاء يَا بني راحيل حَتَّى أخذت هَذَا الصواع
قَالَ بنيامين: بَنو راحيل لَا يزل لنا مِنْكُم بلَاء ذهبتم بأخي فأهلكتموه فِي الْبَريَّة وَمَا وضع هَذَا الصواع فِي رحلي إِلَّا الَّذِي وضع الدَّرَاهِم فِي رحالكُمْ قَالُوا لَا تذكر الدَّرَاهِم فتؤخذ بهَا فوقعوا فِيهِ وشتموه فَلَمَّا أدخلوهم على يُوسُف دَعَا بالصواع ثمَّ نقر فِيهِ ثمَّ أدناه من أُذُنه ثمَّ قَالَ: إِن صواعي هَذَا يُخْبِرنِي أَنكُمْ كُنْتُم إثني عشر أَخا وأنكم انطلقتم بِأَخ لكم فبعتموه
فَلَمَّا سَمعهَا بنيامين قَامَ فَسجدَ ليوسف وَقَالَ: أَيهَا الْملك سل صواعك هَذَا أحيّ أخي ذَاك أم لَا فنقرها يُوسُف ثمَّ قَالَ: نعم هُوَ حَيّ وسوف ترَاهُ
قَالَ: اصْنَع بِي مَا شِئْت فَإِنَّهُ أعلم بِي
فَدخل يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَبكى ثمَّ تَوَضَّأ ثمَّ خرج
فَقَالَ بنيامين: أَيهَا الْملك إِنِّي أَرَاك تضرب بصواعك الْحق فسله من صَاحبه فَنقرَ فِيهِ ثمَّ قَالَ: إِن صواعي هَذَا غَضْبَان يَقُول: كَيفَ تَسْأَلنِي من صَاحِبي وَقد رَأَيْت مَعَ من كنت وَكَانَ بَنو يَعْقُوب إِذا غضبوا لم يطاقوا فَغَضب روبيل فَقَامَ فَقَالَ: أَيهَا الْملك وَالله لتتركنا أَو لأصِيحَنَّ صَيْحَة لَا تبقى امْرَأَة حَامِل بِمصْر إِلَّا طرحت مَا فِي بَطنهَا وَقَامَت كل شَعْرَة من جَسَد روبيل فَخرجت من ثِيَابه فَقَالَ يُوسُف لِابْنِهِ مرّة: مر إِلَى جنب روبيل فمسه فمسه فَذهب غَضَبه فَقَالَ روبيل: من هَذَا
إِن فِي هَذِه الْبِلَاد لبزراً من بزر يَعْقُوب
قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: وَمن يَعْقُوب فَغَضب روبيل فَقَالَ: أَيهَا الْملك لَا تذكرَنَّ يَعْقُوب فَإِنَّهُ بشرى لله ابْن ذبيح الله ابْن خَلِيل الله فَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: أَنْت إِذا كنت صَادِقا فَإِذا أتيتم أَبَاكُم فاقرؤوا عَلَيْهِ مني السَّلَام وَقُولُوا لَهُ: إِن ملك مصر يَدْعُو لَك أَن لَا تَمُوت حَتَّى ترى ابْنك يُوسُف حَتَّى يعلم أبوكم أَن فِي الأَرْض صديقين مثله
فَلَمَّا أيسوا مِنْهُ وَأخرج لَهُم شَمْعُون وَكَانَ قد ارْتَهَنَهُ خلوا بَينهم نجياً يتناجون بَينهم قَالَ كَبِيرهمْ - وَهُوَ روبيل وَلم يكن بأكبرهم سنا وَلَكِن كَانَ كَبِيرهمْ فِي الْعلم -: {ألم تعلمُوا أَن أَبَاكُم قد أَخذ عَلَيْكُم موثقًا من الله وَمن قبل مَا فرطتم فِي يُوسُف فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض حَتَّى يَأْذَن لي أبي أَو يحكم الله لي وَهُوَ خير الْحَاكِمين}
(4/506)
فَأَقَامَ روبيل بِمصْر وَأَقْبل التِّسْعَة إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فأخبروه الْخَبَر فَبكى وَقَالَ: يَا بني مَا تذهبون من مرو إِلَّا نقصتم وَاحِدًا
ذهبتم فنقصتم يُوسُف ثمَّ ذهبتم الثَّانِيَة فنقصتم شَمْعُون ثمَّ ذهبتم الثَّالِثَة فنقصتم بنيامين وروبيل {فَصَبر جميل عَسى الله أَن يأتيني بهم جَمِيعًا إِنَّه هُوَ الْعَلِيم الْحَكِيم وَتَوَلَّى عَنْهُم وَقَالَ يَا أسفى على يُوسُف وابيضت عَيناهُ من الْحزن فَهُوَ كظيم} من الغيظ
{قَالُوا تالله تفتأ تذكر يُوسُف حَتَّى تكون حرضاً أَو تكون من الهالكين} الميتين
{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ}
قَالَ: أَتَى يُوسُف جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فِي السجْن فَسلم عَلَيْهِ وجاءه فِي صُورَة رجل حسن الْوَجْه طيب الرّيح نقي الثِّيَاب فَقَالَ لَهُ يُوسُف: أَيهَا الْملك الْحسن الْوَجْه الْكَرِيم على ربه الطّيب رِيحه حَدثنِي كَيفَ يَعْقُوب قَالَ حزن عَلَيْك حزنا شَدِيدا
قَالَ فَمَا بلغ من حزنه قَالَ حزن سبعين مثكلة
قَالَ فَمَا بلغ من أجره قَالَ أجر سبعين شَهِيدا
قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: فَإلَى من أَوَى بعدِي قَالَ إِلَى أَخِيك بينامين
قَالَ فتراني أَلْقَاهُ قَالَ نعم
فَبكى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لما لَقِي أَبوهُ بعده ثمَّ قَالَ: مَا أُبَالِي بِمَا لقِيت أَن الله أرانيه
قَالَ: فَلَمَّا أَخْبرُوهُ بِدُعَاء الْملك أحست نفس يَعْقُوب وَقَالَ: مَا يكون فِي الأَرْض صديق إِلَّا ابْني فطمع وَقَالَ: لَعَلَّه يُوسُف
قَالَ: {يَا بني اذْهَبُوا فتحسسوا من يُوسُف وأخيه} بِمصْر {وَلَا تيأسوا من روح الله}
قَالَ: من فرج الله أَن يرد يُوسُف فَلَمَّا رجعُوا إِلَيْهِ {قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز مسنا وأهلنا الضّر وَجِئْنَا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الْكَيْل} بهَا كَمَا كنت تُعْطِينَا بِالدَّرَاهِمِ الجيدة {وَتصدق علينا} تفضل مَا بَين الْجِيَاد والرديئة
قَالَ لَهُم يُوسُف - ورحمهم عِنْد ذَلِك -: {مَا فَعلْتُمْ بِيُوسُف وأخيه إِذْ أَنْتُم جاهلون قَالُوا أئنك لأَنْت يُوسُف قَالَ أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي}
فاعتذروا إِلَيْهِ {قَالُوا تالله لقد آثرك الله علينا وَإِن كُنَّا لخاطئين قَالَ لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} لَا أذكر لكم ذنبكم {يغْفر الله لكم}
ثمَّ قَالَ مَا فعل أبي بعدِي قَالُوا عمي من الْحزن
فَقَالَ {اذْهَبُوا بقميصي هَذَا فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا وأتوني بأهلكم أَجْمَعِينَ}
فَقَالَ يهوذا أَنا ذهبت بالقميص إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ متلطخ بالدماء وَقلت: أَن يُوسُف قد أكله الذِّئْب وَأَنا أذهب بالقميص وَأخْبرهُ أَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام حَيّ فأفرحه كَمَا أحزنته
فَهُوَ كَانَ البشير
فَلَمَّا {فصلت العير} من مصر
(4/507)
منطلقة إِلَى الشَّام وجد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام ريح يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لبني بنيه: {إِنِّي لأجد ريح يُوسُف لَوْلَا أَن تفندون}
قَالَ لَهُ بَنو بنيه {تالله إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم} من شَأْن يُوسُف {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} وَهُوَ يهوذا ألْقى الْقَمِيص على وَجهه {فَارْتَد بَصيرًا}
قَالَ لِبَنِيهِ {ألم أقل لكم إِنِّي أعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ} ثمَّ حملُوا أهلهم وعيالهم فَلَمَّا بلغُوا مصر كلم يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام الْملك الَّذِي فَوْقه فَخرج هُوَ وَالْملك يتلقونهم فَلَمَّا لَقِيَهُمْ قَالَ: {ادخُلُوا مصر إِن شَاءَ الله آمِنين}
فَلَمَّا دخلُوا على يُوسُف آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ أَبَاهُ وخالته ورفعهما {على الْعَرْش}
قَالَ: السرير فَلَمَّا حضر يَعْقُوب الْمَوْت أوصى إِلَى يُوسُف أَن يدفنه عِنْد إِبْرَاهِيم
فَمَاتَ فنفح فِيهِ المر ثمَّ حمله إِلَى الشَّام وَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {رب قد آتيتني من الْملك} إِلَى قَوْله {توفني مُسلما وألحقني بالصالحين}
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هَذَا أول نَبِي سَأَلَ الله الْمَوْت وَأخرجه ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم مفرقاً فِي السُّورَة
وَأخرج ابْن جرير ثَنَا وَكِيع ثَنَا عَمْرو بن مُحَمَّد العبقري عَن أَسْبَاط عَن السّديّ وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم حَدثنَا عبد الله بن سُلَيْمَان بن الْأَشْعَث ثَنَا الْحُسَيْن بن عَليّ ثَنَا عَامر بن الْفُرَات عَن أَسْبَاط عَن السّديّ بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله فِي قَوْله {إِذْ قَالُوا ليوسف وَأَخُوهُ} يَعْنِي بينامين وَهُوَ أَخُو يُوسُف لِأَبِيهِ وَأمه
وَفِي قَوْله {وَنحن عصبَة} قَالَ الْعصبَة مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْأَرْبَعين
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَنحن عصبَة} قَالَ: الْعصبَة الْجَمَاعَة
وَفِي قَوْله {إِن أَبَانَا لفي ضلال مُبين} قَالَ: لفي خطأ من رَأْيه
الْآيَة 10
(4/508)
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَ قَائِل مِنْهُم لَا تقتلُوا يُوسُف} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه روبيل وَهُوَ أكبر إخْوَته وَهُوَ ابْن خَالَة يُوسُف
(4/508)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قَالَ قَائِل مِنْهُم لَا تقتلُوا يُوسُف} قَالَ: هُوَ شَمْعُون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ان عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قَالَ قَائِل مِنْهُم لَا تقتلُوا يُوسُف وألقوه فِي غيابة الْجب} قَالَ: قَالَه كَبِيرهمْ الَّذِي تخلف
قَالَ: والجب بِئْر بِالشَّام {يلتقطه بعض السيارة} قَالَ: التقطه نَاس من الْأَعْرَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وألقوه فِي غيابة الْجب} يَعْنِي الرَّكية
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْجب الْبِئْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وألقوه فِي غيابة الْجب} قَالَ: هِيَ بِئْر بِبَيْت الْمُقَدّس
يَقُول فِي بعض نَوَاحِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْجب الَّذِي جعل فِيهِ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام بحذاء طبرية بَينه وَبَينهَا أَمْيَال
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ تلتقطه بعض السيارة بِالتَّاءِ
الْآيَات 11 - 12
(4/509)
قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي قَاسم رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَ أَبُو رزين مَا لَك لَا تتمنا على يُوسُف قَالَ لَهُ عبيد بن نَضْلَة لحنت قَالَ: مَا لحن من قَرَأَ بلغَة قومه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله أرْسلهُ مَعنا غَدا نرتع وَنَلْعَب قَالَ: نسعى وننشط ونلهو
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن هرون رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أَبُو عَمْرو يقْرَأ / نرتع وَنَلْعَب / بالنُّون فَقلت لأبي عَمْرو: كَيفَ يَقُولُونَ: نرتع وَنَلْعَب وهم أَنْبيَاء
قَالَ: لم يَكُونُوا يَوْمئِذٍ أَنْبيَاء
(4/509)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {أرْسلهُ مَعنا غَدا يرتع ويلعب} هُوَ يَعْنِي بِالْيَاءِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {يرتع} بِالْيَاءِ وَكسر الْعين
قَالَ يرْعَى غنمه ينظر وَيعْقل وَيعرف مَا يعرف الرجل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ / نرتع / بالنُّون وَكسر الْعين
قَالَ يحفظ بَعْضنَا بَعْضًا نتكالأ نتحارس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الحكم بن عمر الرعيني قَالَ: بَعَثَنِي خَالِد الْقَسرِي إِلَى قَتَادَة أسأله عَن قَوْله نرتع وَنَلْعَب فَقَالَ قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ لَا نرتع وَنَلْعَب بِكَسْر الْعين
ثمَّ قَالَ: النَّاس لَا يرتعون إِنَّمَا ترتع الْغنم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل بن حَيَّان رَضِي الله عَنهُ
أَنه كَانَ يقرؤوها أرْسلهُ مَعنا غَدا نَلْهُو وَنَلْعَب
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْرَج رَضِي الله عَنهُ
أَنه قَرَأَ نرتعي بالنُّون وَالْيَاء {ويلعب} بِالْيَاءِ
الْآيَات 13 - 14
(4/510)
قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)
أخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والسلفي فِي الطيوريات عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تلقنوا النَّاس فيكذبوا فَإِن بني يَعْقُوب لم يعلمُوا أَن الذِّئْب يَأْكُل النَّاس فَلَمَّا لقنهم أبوهم كذبُوا فَقَالُوا أكله الذِّئْب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يلقن ابْنه الشَّرّ فَإِن بني يَعْقُوب لم يدروا أَن الذِّئْب يَأْكُل النَّاس حَتَّى قَالَ لَهُم أبوهم إِنِّي (أَخَاف أَن يَأْكُلهُ الذِّئْب)
الْآيَة 15
(4/510)
فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأوحينا إِلَيْهِ} الْآيَة
قَالَ: أوحى إِلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فِي الْجب لتنبئن إخْوَتك بِمَا صَنَعُوا وهم لَا يَشْعُرُونَ بذلك الْوَحْي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأوحينا إِلَيْهِ} الْآيَة
قَالَ: أوحى الله إِلَيْهِ وحْياً وَهُوَ فِي الْجب أَن ستنبئهم بِمَا صَنَعُوا وهم - أَي إخْوَته - لَا يَشْعُرُونَ بذلك الْوَحْي فهوّن ذَلِك الْوَحْي عَلَيْهِ مَا صنع بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وهم لَا يَشْعُرُونَ} قَالَ: لَا يَشْعُرُونَ أَنه أُوحِي إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم لَا يَشْعُرُونَ} يَقُول: لَا يَشْعُرُونَ أَنه يُوسُف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما دخل إخْوَة يُوسُف على يُوسُف فعرفهم وهم لَهُ منكرون
جِيءَ بالصواع فَوَضعه على يَده ثمَّ نقره فطن فَقَالَ: إِنَّه ليخبرني هَذَا الْجَام أَنه كَانَ لكم أَخ من أبيكم يُقَال لَهُ يُوسُف يدين دينكُمْ وأنكم انطلقتم بِهِ فألقيتموه فِي غيابة الْجب فأتيتم أَبَاكُم فقلتم أَن الذِّئْب أكله وجئتم على قَمِيصه بِدَم كذب
فَقَالَ بَعضهم لبَعض أَن هَذَا الْجَام ليخبره خبركم
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: فَلَا نرى هَذِه الْآيَة نزلت إِلَّا فِي ذَلِك {لتنبئنهم بأمرهم هَذَا وهم لَا يَشْعُرُونَ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لما ألقِي يُوسُف فِي الْجب أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ لَهُ: يَا غُلَام من أَلْقَاك فِي هَذَا الْجب قَالَ: إخوتي
قَالَ: وَلم قَالَ: لمودة أبي إيَّايَ حسدوني
قَالَ: تُرِيدُ الْخُرُوج من هَهُنَا قَالَ: ذَاك إِلَى إِلَه يَعْقُوب
قَالَ: قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِاسْمِك المخزون والمكنون يَا بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض يَا ذَا الْجلَال والاكرام أَن تغْفر لي ذَنبي وترحمني وَأَن تجْعَل لي من أَمْرِي فرجا ومخرجاً وَأَن ترزقني من حَيْثُ أحتسب وَمن حَيْثُ لَا أحتسب
فَقَالَهَا فَجعل الله لَهُ من أمره فرجا ومخرجاً ورزقه ملك مصر من حَيْثُ لَا يحْتَسب فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلظُّوا بهؤلاء الْكَلِمَات فَإِنَّهُنَّ دُعَاء المصطفين الأخيار
(4/511)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر بن عَيَّاش رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجب ثَلَاثَة أَيَّام
الْآيَات 16 - 17
(4/512)
وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى شُرَيْح رَضِي الله عَنهُ تخاصم فِي شَيْء فَجعلت تبْكي فَقَالُوا: يَا أَبَا أُميَّة أما ترَاهَا تبْكي فَقَالَ: قد جَاءَ اخوة يُوسُف أباهم عشَاء يَبْكُونَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا} قَالَ بمصدق لنا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن لنا وَلَو كُنَّا صَادِقين} قَالَ: نزلت على كَلَام الْعَرَب
كَقَوْلِك: لَا تصدق بِالصّدقِ وَلَو كنت صَادِقا
الْآيَة 18
(4/512)
وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وجاؤوا على قَمِيصه بِدَم كذب} قَالَ: كَانَ دم سخلة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بِدَم كذب} قَالَ: كَانَ ذَلِك الدَّم كذبا لم يكن دم يُوسُف كَانَ دم سخلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: أخذُوا ظَبْيًا فذبحوه فلطخوا بِهِ الْقَمِيص فَجعل يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام يقلب الْقَمِيص فَيَقُول: مَا أرى أثر أثر نَاب وَلَا ظفر إِن هَذَا السَّبع رَحِيم
فَعرف أَنهم كذبوه
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وجاؤوا على قَمِيصه بِدَم كذب} قَالَ: لما أُتِي يَعْقُوب
(4/512)
بقميص يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَلم ير فِيهِ خرقاً قَالَ كَذبْتُمْ لَو كَانَ كَمَا تَقولُونَ أكله الذِّئْب لخرق الْقَمِيص
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما جِيءَ بقميص يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام جعل يقلبه فَيرى أثر الدَّم وَلَا يرى فِيهِ شقاً وَلَا خرقاً فَقَالَ: يَا بني وَالله مَا كنت أَعهد الذِّئْب حَلِيمًا إِذْ أكل ابْني وَأبقى قَمِيصه
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذَبَحُوا جدياً ولطخوه بدمه فَلَمَّا نظر يَعْقُوب إِلَى الْقَمِيص صَحِيحا عرف أَن الْقَوْم كذبوه فَقَالَ لَهُم: ان كَانَ هَذَا الذِّئْب لَحَلِيمًا حَيْثُ رحم الْقَمِيص وَلم يرحم ابْني
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَتَوا نَبِي الله يَعْقُوب بِقَمِيصِهِ قَالَ: مَا أرى أثر سبع وَلَا طعن وَلَا خرق
وَأخرج ابو عبد الله مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم الْجِرْجَانِيّ فِي أَمَالِيهِ عَن ربيعَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أَتَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَقيل: إِن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أكله الذِّئْب
دَعَا الذِّئْب فَقَالَ: أكلت قُرَّة عَيْني وَثَمَرَة فُؤَادِي
قَالَ: لم أفعل
قَالَ: فَمن أَيْن جِئْت وَمن أَيْن تُرِيدُ قَالَ: جِئْت من أَرض مصر وَأُرِيد أَرض جرجان
قَالَ: فَمَا يَعْنِيك بهَا قَالَ: سَمِعت الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام قبلك يَقُولُونَ: من زار حميماً أَو قَرِيبا كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة ألف حَسَنَة وَحط عَنهُ ألف سَيِّئَة يرفع لَهُ ألف دَرَجَة
فَدَعَا بنيه فَقَالَ: اكتبوا هَذَا الحَدِيث فَأبى أَن يُحَدِّثهُمْ
فَقَالَ: مَا لَك لَا تحدثهم فَقَالَ: إِنَّهُم عصاة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مبارك قَالَ: سُئِلَ ابْن سِيرِين عَن رجل رأى فِي الْمَنَام أَنه يستاك كلما أخرج السِّوَاك رأى عَلَيْهِ دَمًا
قَالَ: اتَّقِ الله وَلَا تكذب
وَقَرَأَ {وجاؤوا على قَمِيصه بِدَم كذب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {بل سوّلت لكم أَنفسكُم أمرا} قَالَ: أَمرتكُم أَنفسكُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بل سوّلت لكم أَنفسكُم أمرا}
(4/513)
يَقُول: بل زينت لكم أَنفسكُم أمرا {فَصَبر جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون} أَي على مَا تكذبون
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الصَّبْر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حَيَّان بن أبي حِيلَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله {فَصَبر جميل} قَالَ: لَا شكوى فِيهِ من بَث وَلم يصبر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَصَبر جميل} قَالَ: لَيْسَ فِيهِ جزع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الصَّبْر الْجَمِيل الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شكوى إِلَّا إِلَى الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الثَّوْريّ عَن بعض الصَّحَابَة قَالَ: يُقَال ثَلَاثَة من الصَّبْر: أَن لَا تحدث بِمَا يوجعك وَلَا بمصيبتك وَلَا تزكي نَفسك
الْآيَة 19
(4/514)
وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: جَاءَت سيارة فَنزلت على الْجب فأرسلوا واردهم فاستقى من المَاء فاستخرج يُوسُف فاستبشروا بِأَنَّهُم أَصَابُوا غُلَاما لَا يعلمُونَ علمه وَلَا مَنْزِلَته عِنْد ربه فزهدوا فِيهِ فباعوه وَكَانَ بَيْعه حَرَامًا وباعوه بِدَرَاهِم مَعْدُودَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فأرسلوا واردهم} يَقُول: فأرسلوا رسولهم فأدلى دلوه فتشبث الْغُلَام بالدلو فَلَمَّا خرج قَالَ: يَا بشراي هَذَا غُلَام تباشروا بِهِ حِين استخرجوه: وَهِي بِئْر بِبَيْت الْمُقَدّس مَعْلُوم مَكَانهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي روق فِي قَوْله [يَا بشراي] قَالَ: يَا بِشَارَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق أبي عبيد قَالَ: سَمِعت الْكسَائي يحدث عَن حَمْزَة عَن الْأَعْمَش وَأبي بكر عَن عَاصِم أَنَّهُمَا قرآ {يَا بشرى} بإرسال الْيَاء غير مُضَاف إِلَيْهِ
(4/514)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {يَا بشرى} قَالَ: كَانَ اسْم صَاحبه بشرى
قَالَ: يَا بشرى كَمَا تَقول يَا زيد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {يَا بشرى} قَالَ كَانَ اسْمه بشرى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وأسروه بضَاعَة} يَعْنِي إخْوَة يُوسُف أَسرُّوا شَأْنه وكتموا أَن يكون أَخَاهُم وكتم يُوسُف مَخَافَة أَن يقْتله إخْوَته وَاخْتَارَ البيع فَبَاعَهُ إخْوَته بِثمن بخس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {وأسروه بضَاعَة} قَالَ: أَسرُّوا بَيْعه
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وأسروه بضَاعَة} قَالَ: أسره التُّجَّار بَعضهم من بعض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأسروه بضَاعَة} قَالَ: صَاحب الدَّلْو وَمن مَعَه فَقَالُوا لأصحابهم: إِنَّا استَبْضعناه خُفْيَة أَن يستشركوكم فِيهِ إِن عمِلُوا بِهِ وأتبعهم إخْوَته يَقُولُونَ للمدلي وَأَصْحَابه: استوثقوا مِنْهُ لَا يأبقن حَتَّى وثقوه بِمصْر فَقَالَ: من يبتاعني ويستسر فابتاعه الْملك وَالْملك مُسلم
الْآيَة 20
(4/515)
وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ (20)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وشروه} قَالَ: إخْوَة يُوسُف باعوه حِين أخرج المدلي دلوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وشروه} قَالَ: بيع بَينهمَا بِثمن بخس
قَالَ: حرَام لم يحل لَهُم بَيْعه وَلَا أكل ثمنه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {وشروه بِثمن بخس} قَالَ: هم السيارة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وشروه بِثمن بخس} قَالَ: باعوه بِثمن حرَام كَانَ بَيْعه حَرَامًا وشراؤه حَرَامًا
(4/515)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وشروه بِثمن بخس} قَالَ: البخس هُوَ الظُّلم
وَكَانَ بيع يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وثمنه حَرَامًا عَلَيْهِم وَبيع بِعشْرين درهما
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
أَنه قضى فِي اللَّقِيط أَنه حر {وشروه بِثمن بخس}
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم رَضِي الله عَنهُ أَنه كره الشِّرَاء وَالْبيع للبدوي وتلا هَذِه الْآيَة {وشروه بِثمن بخس}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بِثمن بخس} قَالَ البخس الْقَلِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: البخس الْقَلِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا اشْترِي يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام بِعشْرين درهما وَكَانَ أَهله حِين أرسل إِلَيْهِم بِمصْر ثلثمِائة وَتِسْعين إنْسَانا رِجَالهمْ أَنْبيَاء وَنِسَاؤُهُمْ صديقات وَالله مَا خَرجُوا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى بلغُوا سِتّمائَة ألف وَسبعين ألفا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {دَرَاهِم مَعْدُودَة} قَالَ: عشرُون درهما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {دَرَاهِم مَعْدُودَة} قَالَ: اثْنَان وَعِشْرُونَ درهما لإخوة يُوسُف أحد عشر رجلا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن نوف الشَّامي الْبكالِي مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطِيَّة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {دَرَاهِم مَعْدُودَة} قَالَ: عشرُون درهما كَانُوا عشرَة اقتسموا دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن نعيم بن أبي هِنْد {دَرَاهِم مَعْدُودَة} قَالَ: ثَلَاثُونَ درهما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {بِثمن بخس} قَالَ: البخس الْقَلِيل
{دَرَاهِم مَعْدُودَة} قَالَ: أَرْبَعُونَ درهما
(4/516)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكَانُوا فِيهِ من الزاهدين} قَالَ: إخْوَته زهدوا فِيهِ لم يعلمُوا بنبوّته وَلَا بِمَنْزِلَتِهِ من الله ومكانه
الْآيَة 21
(4/517)
وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الَّذِي اشْتَرَاهُ ظيفر بن روحب وَكَانَ اسْم امْرَأَته راعيل بنت رعائيل
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما بَاعَ يُوسُف صَاحبه الَّذِي بَاعه من الْعَزِيز - واسْمه مَالك بن ذعر - قَالَ حِين بَاعه: من أَنْت - وَكَانَ مَالك من مَدين - فَذكر لَهُ يُوسُف من هُوَ وَابْن من هُوَ فَعرفهُ فَقَالَ: لَو كنت أَخْبَرتنِي لم أبعك
ادْع لي فَدَعَا لَهُ يُوسُف فَقَالَ: بَارك الله لَك فِي أهلك
قَالَ: فَحملت امْرَأَته اثْنَي عشر بَطنا فِي كل بطن غلامان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أكرمي مثواه} قَالَ: مَنْزِلَته
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَفرس النَّاس ثَلَاثَة: الْعَزِيز حِين تفرس فِي يُوسُف فَقَالَ لامْرَأَته: أكرمي مثواه عَسى أَن ينفعنا أَو نتخذه ولدا وَالْمَرْأَة الَّتِي أَتَت مُوسَى فَقَالَت لأَبِيهَا: يَا أَبَت اسْتَأْجرهُ وَأَبُو بكر حِين اسْتخْلف عمر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بلغنَا أَن الْعَزِيز كَانَ يَلِي عملا من أَعمال الْملك
وَقَالَ الْكَلْبِيّ: كَانَ خبازه وَصَاحب شرابه وَصَاحب دوائه وَصَاحب السجْن
(4/517)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ولنعلمه من تَأْوِيل الْأَحَادِيث} قَالَ: عبارَة الرُّؤْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَالله غَالب على أمره} قَالَ: فعال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالله غَالب على أمره} قَالَ: لُغَة عَرَبِيَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَالله غَالب على أمره} قَالَ: لما يُرِيد أَن يبلغ يُوسُف
الْآيَة 22
(4/518)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَلما بلغ أشده} قَالَ: ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بلغ أشده} قَالَ: خمْسا وَعشْرين سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بلغ أشده} قَالَ: ثَلَاثِينَ سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَلما بلغ أشده} قَالَ: عشْرين سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {بلغ أشده} قَالَ: عشر سِنِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ربيعَة فِي قَوْله {بلغ أشده} قَالَ: الْحلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لأشد الْحلم إِذا كتبت لَهُ الْحَسَنَات وكتبت عَلَيْهِ السَّيِّئَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {آتيناه حكما وعلماً} قَالَ: هُوَ الْفِقْه وَالْعلم وَالْعقل قبل النُّبُوَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وَكَذَلِكَ نجزي الْمُحْسِنِينَ} يَقُول: المهتدين
(4/518)
الْآيَة 23
(4/519)
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وراودته الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا} قَالَ: هِيَ امْرَأَة الْعَزِيز
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وراودته الَّتِي هُوَ فِي بَيتهَا عَن نَفسه} قَالَ: حِين بلغ مبلغ الرِّجَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَرَأَهَا عبد الله {هيت لَك} بِفَتْح الْهَاء وَالتَّاء فَقُلْنَا لَهُ: إِن نَاسا يقرؤونها {هيت لَك} فَقَالَ: دَعونِي فَإِنِّي أَقرَأ كَمَا اقرئت أحب إليَّ
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {هيت لَك} بِنصب الْهَاء وَالتَّاء وَلَا يهمز
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هيت لَك} يَعْنِي هَلُمَّ لَك
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يقْرَأ كَمَا يقْرَأ عبد الله {هيت لَك} وَقَالَ: هَلُمَّ لَك تَدعُوهُ إِلَى نَفسهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {هيت لَك} قَالَ: هَلُمَّ لَك وَهِي بالحورانية
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ {هيت لَك} قَالَ: هَلُمَّ لَك وَهِي بالقبطية هُنَا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هيت لَك} قَالَ: تعال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هيت لَك} قَالَ: أَلْقَت نَفسهَا واستلقت لَهُ ودعته إِلَى نَفسهَا وَهِي لُغَة
(4/519)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {هيت لَك} قَالَ: أَلْقَت بِنَفسِهَا واستلقت لَهُ لُغَة عَرَبِيَّة تَدعُوهُ بهَا إِلَى نَفسهَا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن وثاب أَنه قَرَأَهَا {هيت لَك} يَعْنِي بِكَسْر الْهَاء وَضم التَّاء يَعْنِي تهيأت لَك
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَرَأَ / هئت لَك / مَكْسُورَة الْهَاء مَضْمُومَة التَّاء مَهْمُوزَة
قَالَ: تهيأت لَك
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {هيت لَك} قَالَ: تهيأت لَك
قُم فَاقْض حَاجَتك
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أحيحة الْأنْصَارِيّ وَهُوَ يَقُول: بِهِ أحمى الْمُصَاب إِذا دعال إِذا مَا قيل للأبطال هيتا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي وَائِل رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ / هئت لَك / رفع أَي تهيأت لَك
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة عَن زر بن حُبَيْش رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرَأ {هيت لَك} نصبا أَي هَلُمَّ لَك
وَقَالَ أَبُو عبيد كَذَلِك
كَانَ الْكسَائي يحكيها قَالَ: هِيَ لُغَة لأهل نجد وَقعت إِلَى الْحجاز مَعْنَاهَا: تعال
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عَامر الْيحصبِي رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {هيت لَك} بِكَسْر الْهَاء وَفتح التَّاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّه رَبِّي} قَالَ: سَيِّدي يَعْنِي زوج الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي بكر بن عَيَّاش رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّه رَبِّي} قَالَ: يَعْنِي زَوجهَا
الْآيَة 24
(4/520)
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما هَمت
(4/520)
بِهِ تزينت ثمَّ استلقت على فراشها وهم بهَا وَجلسَ بَين رِجْلَيْهَا يحل تبانه نُودي من السَّمَاء: يَا بن يَعْقُوب لَا تكن كطائر ينتف ريشه فَبَقيَ لَا ريش لَهُ فَلم يتعظ على النداء شَيْئا حَتَّى رأى برهَان ربه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فِي صُورَة يَعْقُوب عاضاً على اصبعيه فَفَزعَ فَخرجت شَهْوَته من أنامله فَوَثَبَ إِلَى الْبَاب فَوَجَدَهُ مغلقاً فَرفع يُوسُف رجله فَضرب بهَا الْبَاب الْأَدْنَى فانفرج لَهُ واتبعته فَأَدْرَكته فَوضعت يَديهَا فِي قَمِيصه فشقته حَتَّى بلغت عضلة سَاقه فألفيا سَيِّدهَا لَدَى الْبَاب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه سُئِلَ عَن هم يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام مَا بلغ قَالَ: حل الْهِمْيَان - يَعْنِي السَّرَاوِيل - وَجلسَ مِنْهَا مجْلِس الخاتن فصيح بِهِ يَا يُوسُف لَا تكن كالطير لَهُ ريش فَإِذا زنى قعد لَيْسَ لَهُ ريش
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا} قَالَ: طمعت فِيهِ وطمع فِيهَا وَكَانَ من الطمع أَن هم بِحل التكة فَقَامَتْ إِلَى صنم مكلل بالدر والياقوت فِي نَاحيَة الْبَيْت فَسترته بِثَوْب أَبيض بَينهَا وَبَينه فَقَالَ: أَي شَيْء تصنعين فَقَالَت: استحي من الهي أَن يراني على هَذِه الصُّورَة
فَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: تستحين من صنم لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَلَا استحي أَنا من إلهي الَّذِي هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت
ثمَّ قَالَ: لَا تنالينها مني أبدا
وَهُوَ الْبُرْهَان الَّذِي رأى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وهم بهَا} قَالَ: حل سراويله حَتَّى بلغ ثنته وَجلسَ مِنْهَا مجْلِس الرجل من امْرَأَته فَمثل لَهُ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَضرب بِيَدِهِ على صَدره فَخرجت شَهْوَته من أنامله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} قَالَ: رأى صُورَة أَبِيه يَعْقُوب فِي وسط الْبَيْت عاضاً على ابهامه فَأَدْبَرَ هَارِبا وَقَالَ: وحقك يَا أَبَت لَا أَعُود ابداً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} قَالَ: حل السَّرَاوِيل وَجلسَ مِنْهَا مجْلِس الخاتن فَرَأى صُورَة فِيهَا وَجه يَعْقُوب عاضاً على أَصَابِعه فَدفع صَدره فَخرجت الشَّهْوَة من
(4/521)
أنامله فَكل ولد يَعْقُوب قد ولد لَهُ اثْنَا عشر ولدا إِلَّا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُ نقص بِتِلْكَ الشَّهْوَة ولدا وَلم يُولد لَهُ غير أحد عشر ولدا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} قَالَ: تمثل لَهُ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَضرب فِي صدر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فطارت شَهْوَته من أَطْرَاف أنامله فولد لكل ولد يَعْقُوب اثْنَا عشر ذكرا غير يُوسُف لم يُولد لَهُ إِلَّا غلامان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} قَالَ: رأى يَعْقُوب عاضاً على أَصَابِعه يَقُول: يُوسُف يُوسُف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة قَالَ: رأى آيَة من آيَات ربه حجزه الله بهَا عَن مَعْصِيَته
ذكر لنا أَنه مثل لَهُ يَعْقُوب عاضاً على أصبعيه وَهُوَ يَقُول لَهُ: يَا يُوسُف أتهم بِعَمَل السُّفَهَاء وَأَنت مَكْتُوب فِي الْأَنْبِيَاء فَذَلِك الْبُرْهَان فَانْتزع الله كل شَهْوَة كَانَت فِي مفاصله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} قَالَ: مثل لَهُ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام عاضاً على أصبعيه يَقُول: يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن اسْمك فِي الْأَنْبِيَاء وتعمل عمل السُّفَهَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى صُورَة يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجِدَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: زَعَمُوا أَن سقف الْبَيْت انفرج فَرَأى يَعْقُوب عاضاً على أصبعيه
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَلَقَد هَمت بِهِ وهم بهَا لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} قَالَ: لما هم قيل لَهُ: يُوسُف ارْفَعْ رَأسك
فَرفع رَأسه فَإِذا هُوَ بِصُورَة فِي سقف الْبَيْت تَقول: يَا يُوسُف أَنْت مَكْتُوب فِي الْأَنْبِيَاء فعصمه الله عز وَجل
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: رأى صُورَة يَعْقُوب فِي سقف الْبَيْت تَقول: يُوسُف يُوسُف
(4/522)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الزُّهْرِيّ أَن حميد بن عبد الرَّحْمَن أخبرهُ أَن الْبُرْهَان الَّذِي رأى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ يَعْقُوب
وَأخرج ابْن جرير عَن الْقَاسِم بن أبي بزَّة قَالَ: نُودي: يَا ابْن يَعْقُوب لَا تكونن كالطير لَهُ ريش فَإِذا زنى قعد لَيْسَ لَهُ ريش
فَلم يعرض للنداء وَقعد فَرفع رَأسه فَرَأى وَجه يَعْقُوب عاضاً على أُصْبُعه فَقَامَ مَرْعُوبًا استحياء من أَبِيه
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن بديمة قَالَ: كَانَ يُولد لكل رجل مِنْهُم اثْنَا عشر اثْنَا عشر إِلَّا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ولد لَهُ أحد عشر من أجل مَا خرج من شَهْوَته
وَأخرج ابْن جرير عَن شمر بن عَطِيَّة قَالَ: نظر يُوسُف إِلَى صُورَة يَعْقُوب عاضاً على أُصْبُعه يَقُول: يَا يُوسُف فَذَاك حَيْثُ كف وَقَامَ
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَزْعمُونَ أَنه مثل لَهُ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فاستحيا مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا يَقُول: فِي قَوْله {لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} قَالَ: رأى آيَة من كتاب الله فنهته مثلت لَهُ فِي جِدَار الْحَائِط
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبُرْهَان الَّذِي رأى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث آيَات من كتاب الله (وَإِن عَلَيْكُم لحافظون كراماً كاتبين يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الإنفطار الْآيَات 10 - 11 - 12) وَقَول الله (وَمَا تكون فِي شَأْن وَمَا تتلو مِنْهُ من قُرْآن وَلَا تعلمُونَ من عمل إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُم شُهُودًا إِذْ تفيضون فِيهِ
) (يُونُس الْآيَة 61 - 62) وَقَول الله (أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس بِمَا كسبت
) (الرَّعْد الْآيَة 33)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: رأى فِي الْبَيْت فِي نَاحيَة الْحَائِط مَكْتُوبًا (وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء سَبِيلا) (الْإِسْرَاء الْآيَة 32)
(4/523)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما خلا يُوسُف وَامْرَأَة الْعَزِيز خرجت كف بِلَا جَسَد بَينهمَا مَكْتُوب عَلَيْهِ بالعبرانية (أَفَمَن هُوَ قَائِم على كل نفس مَا كسبت
) (الرَّعْد الْآيَة 33) ثمَّ انصرفت الْكَفّ وقاما مقامهما ثمَّ رجعت الْكَفّ بَينهمَا مَكْتُوب عَلَيْهَا بالعبرانية (ان عَلَيْكُم لحافظين كراماً كاتبين يعلمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الإنفطار الْآيَات 10 - 11 - 12) ثمَّ انصرفت الْكَفّ وقاما مقامهما فَعَادَت الْكَفّ الثَّالِثَة مَكْتُوب عَلَيْهَا (وَلَا تقربُوا الزِّنَا إِنَّه كَانَ فَاحِشَة وساء سَبِيلا) (الْإِسْرَاء الْآيَة 32) وانصرفت الْكَفّ وقاما مقامهما فَعَادَت الْكَفّ الرَّابِعَة مَكْتُوب عَلَيْهَا بالعبرانية (وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله ثمَّ توفى كل نفس مَا كسبت وهم لَا يظْلمُونَ) (الْبَقَرَة الْآيَة 281) فولى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام هَارِبا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لَوْلَا أَن رأى برهَان ربه} قَالَ: آيَات ربه رأى تِمْثَال الْملك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما دخل يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام مَعهَا الْبَيْت وَفِي الْبَيْت صنم من ذهب قَالَت: كَمَا أَنْت حَتَّى أغطي الصَّنَم فَإِنِّي أستحي مِنْهُ
فَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: هَذِه تَسْتَحي من الصَّنَم أَنا أَحَق أَن أستحي من الله
فَكف عَنْهَا وَتركهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {كَذَلِك لنصرف عَنهُ السوء والفحشاء} قَالَ: الزِّنَا وَالثنَاء الْقَبِيح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {إِنَّه من عبادنَا المخلصين} قَالَ: الَّذين لَا يعْبدُونَ مَعَ الله شَيْئا
الْآيَة 25
(4/524)
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واستبقا الْبَاب} قَالَ: استبق هُوَ وَالْمَرْأَة الْبَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن زَكَرِيَّا بن أبي زَائِدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله [ووجدا سَيِّدهَا]
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ قَالَ: السَّيِّد الزَّوْج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وألفيا سَيِّدهَا} قَالَ: زَوجهَا
{لَدَى الْبَاب} قَالَ: عِنْد الْبَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن نوف الشَّامي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام يُرِيد أَن يذكرهُ حَتَّى {قَالَت مَا جَزَاء من أَرَادَ بأهلك سوءا} فَغَضب يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ {هِيَ راودتني عَن نَفسِي}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِلَّا أَن يسجن أَو عَذَاب أَلِيم} قَالَ: الْقَيْد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: عثر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث عثرات: حِين هم بهَا فسجن وَحين قَالَ: اذْكُرْنِي عِنْد رَبك فَلبث فِي السجْن بضع سِنِين فأنساه الشَّيْطَان ذكر ربه وَحين قَالَ: إِنَّكُم لسارقون
قَالُوا إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل
الْآيَات 26 - 28
(4/525)
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وَشهد شَاهد} قَالَ: حكم حَاكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: صبي فِي المهد
(4/525)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: صبي أنطقه الله كَانَ فِي الدَّار
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تكلم أَرْبَعَة وهم صغَار: ابْن ماشطة فِرْعَوْن وَشَاهد يُوسُف وَصَاحب جريج وَعِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ عِيسَى وَصَاحب يُوسُف وَصَاحب جريج تكلمُوا فِي المهد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جريج وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: كَانَ صَبيا فِي المهد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: كَانَ رجلا ذَا لحية
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: كَانَ من خَاصَّة الْملك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: رجل لَهُ عقل وَفهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: ابْن عَم لَهَا كَانَ حكيماً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: ذكر لنا أَنه رجل حَكِيم من أَهلهَا
قَالَ: الْقَمِيص يقْضِي بَينهمَا إِن كَانَ قَمِيصه قدّ إِلَى آخِره
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَشهد شَاهد من أَهلهَا} قَالَ: لَيْسَ بإنسي وَلَا جَان هُوَ خلق من خلق الله
وَفِي لفظ قَالَ: قَمِيصه مشقوق من دبر فَتلك الشَّهَادَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ رَضِي الله
(4/526)
عَنهُ قَالَ: كَانَ فِي قَمِيص يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث آيَات: حِين قدّ قَمِيصه من دبر وَحين ألقِي على وَجه أَبِيه فارتدّ بَصيرًا وَحين جاؤوا على قَمِيصه بِدَم كذب عرف أَن الذِّئْب لَو أكله خرق قَمِيصه
الْآيَة 29
(4/527)
يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} قَالَ: عَن هَذَا الْأَمر والْحَدِيث {واستغفري لذنبك} أيتها الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} قَالَ: لَا تذكره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {واستغفري لذنبك إِنَّك كنت من الخاطئين} قَالَ: حلماً
الْآيَة 30
(4/527)
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قد شغفها حبا} قَالَ غلبها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قد شغفها} قَالَ: قَتلهَا حب يُوسُف
الشغف الْحبّ الْقَاتِل والشغف حب دون ذَلِك
والشغاف حجاب الْقلب
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {قد شغفها حبا} قَالَ: الشغاف فِي الْقلب فِي النياط قد امْتَلَأَ قَلبهَا من حب
(4/527)
يُوسُف
قَالَ وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت نَابِغَة بني ذبيان وَهُوَ يَقُول: وَفِي الصَّدْر حب دون ذَلِك دَاخل وحول الشغاف غيبته الأضالع وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {قد شغفها حبا} قَالَ: قد علقها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يَقْرَأها {قد شغفها حبا} قَالَ: بَطنهَا حبا
قَالَ: وَأهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ بَطنهَا حبا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد شغفها حبا} قَالَ: الشغوف الْمُحب والمشغوف المحبوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرؤهَا {قد شغفها حبا} وَيَقُول: الشغف شغف الْحبّ
والشغف شغف الدَّابَّة حِين تذْعَر
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ / قد شعفها حبا / بِالْعينِ الْمُهْملَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد شغفها حبا} قَالَ: هُوَ الْحبّ اللازق بِالْقَلْبِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الشغاف جلدَة رقيقَة تكون على الْقلب بَيْضَاء حبه خرق ذَلِك الْجلد حَتَّى وصل إِلَى الْقلب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد قَالَ: إِن الشعف والشغف يَخْتَلِفَانِ فالشعف فِي البغض والشغف فِي الْحبّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد الْعَبادَانِي قَالَ: قَالَ رجل ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام: إِنِّي أحبك
فَقَالَ لَهُ يُوسُف: لَا أُرِيد أَن يحبني أحد غير الله من حب أبي ألقيت فِي الْجب وَمن حب امْرَأَة الْعَزِيز ألقيت فِي السجْن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {قد شغفها حبا} قَالَ: دخل حبه فِي شغافها
(4/528)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قد شغفها حبا} قَالَ: دخل حبه تَحت الشغاف
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {قد شغفها حبا} يَقُول: هَلَكت عَلَيْهِ حبا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْأَعْرَج رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ / قد شعفها حبا / بِالْعينِ الْمُهْملَة وَقَالَ {شغفها حبا} يَعْنِي بالغين مُعْجمَة إِذا كَانَ هُوَ يُحِبهَا
الْآيَة 31
(4/529)
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَلَمَّا سَمِعت بمكرهنَّ} قَالَ: بحديثهن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {سَمِعت بمكرهن} قَالَ: يعملهن
وَقَالَ: كل مكر فِي الْقُرْآن فَهُوَ عمل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأعتدت لَهُنَّ متكأ} قَالَ: هيأت لَهُنَّ مَجْلِسا وَكَانَ سنتهمْ إِذا وضعُوا الْمَائِدَة أعْطوا كل إِنْسَان سكيناً يَأْكُل بهَا
فَلَمَّا رأينه قَالَ: فَلَمَّا خرج عَلَيْهِنَّ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {أكبرنه} قَالَ: أعظمنه ونظرن إِلَيْهِ وأقبلن يحززن أَيْدِيهنَّ بالسكاكين وَهن يَحسبن أَنَّهُنَّ يقطعن الطَّعَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {وأعتدت لَهُنَّ متكأ} قَالَ: أعطتهن أترنجاً وأعطت كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ سكيناً فَلَمَّا رأين يُوسُف أكبرنه وجعلن يقطعن أَيْدِيهنَّ وَهن يَحسبن أَنَّهُنَّ يقطع الأترنج
وَأخرج مُسَدّد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: المتكأ الأترنج وَكَانَ يقْرؤهَا خَفِيفَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {متكأ} قَالَ: هُوَ الأترنج
وَأخرج أبوعبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من وَجه
(4/529)
ثَالِث عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من قَرَأَ {متكأ} شدها فَهُوَ الطَّعَام
وَمن قَرَأَ مَتَكاً خففها فَهُوَ الأترنج
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سَلمَة بن تَمام أبي عبد الله الْقَسرِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: {متكاً} بِكَلَام الْحَبَش يسمون الأترنج مَتَكاً
وَأخرج ابو الشَّيْخ عَن أبان بن تغلب رَضِي الله عَنهُ أَنه كَانَ يقْرؤهَا {واعتدت لَهُنَّ متكا} مُخَفّفَة
قَالَ: الأترنج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وأعتدت لَهُنَّ متكأ} قَالَ: طَعَام وشراب وتكاء
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {متكأ} قَالَ: كل شَيْء يقطع بالسكين
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أعطتهن ترنجاً وَعَسَلًا فَكُن يحززن الترنج بالسكين ويأكلن بالعسل فَلَمَّا قيل لَهُ اخْرُج عَلَيْهِنَّ خرج
فَلَمَّا رأينه أعظمنه وتهيمن بِهِ حَتَّى جعلن يحززن أَيْدِيهنَّ بالسكين وفيهَا الترنج وَلَا يعقلن لَا يَحسبن إِلَّا أَنَّهُنَّ يحززن الأترنج قد ذهبت عقولهن مِمَّا رأين وقلن {حاش لله مَا هَذَا بشرا} مَا هَكَذَا يكون الْبشر مَا هَذَا إِلَّا ملك كريم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق دُرَيْد بن مجاشع عَن بعض أشياخه قَالَ: قَالَت للقيم: أدخلهُ عَلَيْهِنَّ وَألبسهُ ثيابًا بيضًا فَإِن الْجَمِيل أحسن مَا يكون فِي الْبيَاض
فَأدْخلهُ عَلَيْهِنَّ وَهن يحززن مَا فِي أَيْدِيهنَّ فَلَمَّا رأينه حززن أَيْدِيهنَّ وَهن لَا يشعرن من النّظر إِلَيْهِ فنظرن إِلَيْهِ مُقبلا ثمَّ أَوْمَأت إِلَيْهِ أَن ارْجع
فنظرن إِلَيْهِ مُدبرا وَهن يحززن أَيْدِيهنَّ بالسكاكين لَا يشعرن بالوجع من نظرهن إِلَيْهِ فَلَمَّا خرج نظرن إِلَى أَيْدِيهنَّ وَجَاء الوجع فَجعلْنَ يولولن
وَقَالَت لَهُنَّ: أنتن من سَاعَة وَاحِدَة هَكَذَا صنعتن فَكيف أصنع أَنا
{وقلن حاش لله مَا هَذَا بشرا إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن الْوَزير بن الْكُمَيْت بن زيد بن الْكُمَيْت الشاعرقال: حَدثنِي أبي عَن جدي قَالَ: سَمِعت جدي الْكُمَيْت يَقُول فِي قَوْله {فَلَمَّا رأينه أكبرنه} قَالَ: أمنين
وَأنْشد فِي ذَلِك:
(4/530)
لما رَأَتْهُ الْخَيل من رَأس شَاهِق صهلن وأكبرن المنيّ المدفقا وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عبد الصَّمد بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس عَن أَبِيه عَن جده ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَلَمَّا رأينه أكبرنه} قَالَ: لما خرج عَلَيْهِنَّ يُوسُف حضن من الْفَرح وَقَالَ الشَّاعِر: نأتي النِّسَاء لَدَى اطهارهن وَلَا نأتي النِّسَاء إِذا أكبرن أكباراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلَمَّا رأينه أكبرنه} قَالَ: أعظمنه {وقطعن أَيْدِيهنَّ} قَالَ: حزًّا بالسكين حَتَّى ألقينها {وقلن حاش لله} قَالَ: معَاذ الله
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن أسيد بن يزِيد أَن فِي مصحف عُثْمَان {وقلن حاش لله} لَيْسَ فِيهَا ألف
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْحُوَيْرِث الْحَنَفِيّ أَنه قَرَأَهَا {مَا هَذَا بشرا} أَي مَا هَذَا بمشترى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم} قَالَ: قُلْنَ ملك من الْمَلَائِكَة من حسنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أساس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قررن وَطَابَتْ أَنْفسهنَّ قَالَت لقيمها: آتهن ترنجاً وسكيناً
فأتاهن بِهن فَجعلْنَ يقطعن ويأكلن فَقَالَت: هَل لَكِن فِي النّظر إِلَى يُوسُف قُلْنَ: مَا شِئْت فَأمرت قيمها فَأدْخلهُ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رأينه جعلن يقطعن أصابعهن مَعَ الأترنج وَهن لَا يشعرن فَلَا يجدن ألماً مِمَّا رأين من حسنه فَلَمَّا ولى عَنْهُن قَالَت: هَذَا الَّذِي لمتنني فِيهِ فَلَقَد رأيتكن تقطعن أَيْدِيكُنَّ وَمَا تشعرن
قَالَ: فنظرن إِلَى أَيْدِيهنَّ فَجعلْنَ يصحن ويبكين
قَالَت: فَكيف أصنع فَقُلْنَ: {حاش لله مَا هَذَا بشرا إِن هَذَا إِلَّا ملك كريم} وَمَا نرى عَلَيْك من لوم بعد الَّذِي رَأينَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُنَبّه عَن أَبِيه قَالَ: مَاتَ من النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ تسع عشرَة امْرَأَة كمداً
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم عَن أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أعطي يُوسُف وَأمه شطر الْحسن
(4/531)
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ أعطي يُوسُف وَأمه ثلث الْحسن
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ وَجه يوف مثل الْبَرْق وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا أَتَت لحَاجَة ستر وَجهه مَخَافَة أَن تفتن بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أُوتِيَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَأمه ثلث حسن خلق الْإِنْسَان: فِي الْوَجْه وَالْبَيَاض وَغير ذَلِك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِسْحَق بن عبد الله قَالَ: كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا سَار فِي أَزِقَّة مصر تلألأ وَجهه على الجدران كَمَا يتلألأ المَاء وَالشَّمْس على الجدران
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أعطي يُوسُف وَأمه ثلث حسن أهل الدُّنْيَا وَأعْطِي النَّاس الثُّلثَيْنِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قسم الله الْحسن عشرَة أَجزَاء فَجعل مِنْهَا ثَلَاثَة أَجزَاء فِي حَوَّاء وَثَلَاثَة أَجزَاء فِي سارة وَثَلَاثَة أَجزَاء فِي يُوسُف وجزأ فِي سَائِر الْخلق وَكَانَت سارة من أحسن نسَاء الأَرْض وَكَانَت من أَشد النِّسَاء غَيره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ربيعَة الجرشِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قسم الله الْحسن نِصْفَيْنِ فَجعل ليوسف وَسَارة النّصْف وَقسم النّصْف الآخر بَين سَائِر النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قسم الْحسن ثَلَاثَة أَقسَام فَأعْطِي يُوسُف الثُّلُث وَقسم الثُّلُثَانِ بَين النَّاس وَكَانَ أحسن النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ فضل حسن يُوسُف على النَّاس كفضل الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر على نُجُوم السَّمَاء
وَأخرج الْحَاكِم عَن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قسم الله ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام من الْجمال الثُّلثَيْنِ وَقسم بَين عباده الثُّلُث وَكَانَ يشبه آدم عَلَيْهِ السَّلَام يَوْم خلقه الله
(4/532)
تَعَالَى فَلَمَّا عصى آدم عَلَيْهِ السَّلَام نزع مِنْهُ النُّور والبهاء وَالْحسن ووهب لَهُ ثلث من الْجمال مَعَ التَّوْبَة فَأعْطى الله ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام ذَلِك الثُّلثَيْنِ وَأَعْطَاهُ تَأْوِيل الرُّؤْيَا
وَإِذا تَبَسم رَأَيْت النُّور من ضواحكه
الْآيَة 32
(4/533)
قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فاستعصم} قَالَ: امْتنع
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فاستعصم} قَالَ: فاستعصى
الْآيَة 33
(4/533)
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)
أخرج سنيد فِي تَفْسِيره وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عُيَيْنَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: إِنَّمَا يوفق من الدُّعَاء للمقدر أما ترى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ {رب السجْن أحب إِلَيّ}
قَالَ: لما قَالَ اذْكُرْنِي عِنْد رَبك أَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فكشف لَهُ عَن الصَّخْرَة فَقَالَ: مَا ترى قَالَ: أرى نملة تقضم
قَالَ: يَقُول رَبك انا لم أنس هَذِه أنساك أَنا حبستك
أَنْت قلت {رب السجْن أحب إليَّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَإِلَّا تصرف عني كيدهن} قَالَ: إِن لَا يكن مِنْك أَنْت القوى والمنعة لَا تكن مني وَلَا عِنْدِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {أصب إلَيْهِنَّ} يَقُول: اتبعهن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {أصب إلَيْهِنَّ} قَالَ: أطاوعهن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن مرّة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من أَتَى ذَنبا عمدا
(4/533)
أَو خطأ فَهُوَ جَاهِل حِين يَأْتِيهِ
أَلا ترى إِلَى قَول يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {أصب إلَيْهِنَّ وأكن من الْجَاهِلين} قَالَ: فقد عرف يُوسُف أَن الزِّنَا حرَام وَإِن أَتَاهُ كَانَ جَاهِلا
الْآيَة 34
(4/534)
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن بكر بن عبيد الله رَضِي الله عَنهُ قَالَ: دخلت امْرَأَة الْعَزِيز على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا رَأَتْهُ عَرفته وَقَالَت: الْحَمد لله الَّذِي صير العبيد بِطَاعَتِهِ ملوكاً وَجعل الْمُلُوك بمعصيته عبيدا
الْآيَة 35
(4/534)
ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا عَن قَوْله {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات}
قَالَ: مَا سَأَلَني عَنْهَا أحد قبلك
من الْآيَات: قد الْقَمِيص وأثرها فِي جسده وَأثر السكين وَقَالَت امْرَأَة الْعَزِيز: إِن أَنْت لم تسجنه ليصدقنه النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: من الْآيَات: شقّ فِي الْقَمِيص وخمش فِي الْوَجْه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات} قَالَ: قدَّ الْقَمِيص من دبر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات} قَالَ: من الْآيَات كَلَام الصَّبِي
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْآيَات جَزَّهن أَيْدِيهنَّ وقدّ الْقَمِيص
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رجل ذُو رَأْي مِنْهُم للعزيز إِنَّك مَتى تركت هَذَا العَبْد يعْتَذر إِلَى النَّاس ويقص عَلَيْهِم أمره وامرأةٌ فِي بَيتهَا لَا تخرج إِلَى النَّاس عذروه وفضحوا أهلك
فَأمر بِهِ فسجن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم
(4/534)
وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: عُوقِبَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث مَرَّات أما أول مرّة فبالحبس لما كَانَ من همه بهَا وَالثَّانيَِة لقَوْله: اذْكُرْنِي عِنْد رَبك فَلبث فِي السجْن بضع سِنِين عُوقِبَ بطول الْحَبْس
وَالثَّالِثَة حَيْثُ قَالَ {أيتها العير إِنَّكُم لسارقون} فَاسْتقْبل فِي وَجهه {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ليسجننه حَتَّى حِين} قَالَ: سبع سِنِين
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والابتداء والخطيب فِي تَارِيخه عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ عَن أَبِيه قَالَ: سمع عمر رَضِي الله عَنهُ رجلا يقْرَأ هَذَا الْحَرْف {ليسجننه حَتَّى حِين} فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: من أَقْرَأَك هَذَا الْحَرْف قَالَ: ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ
فَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ {ليسجننه حَتَّى حِين} ثمَّ كتب إِلَى ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: سَلام عَلَيْك أما بعد
فَإِن الله أنزل الْقُرْآن فَجعله قُرْآنًا عَرَبيا مُبينًا وأنزله بلغَة هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش فَإِذا أَتَاك كتابي هَذَا فأقرئ النَّاس بلغَة قُرَيْش وَلَا تقرئهم بلغَة هُذَيْل
الْآيَة 36
(4/535)
وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَدخل مَعَه السجْن فتيَان} قَالَ: أَحدهمَا خَازِن الْملك على طَعَامه وَالْآخر سَاقيه على شرابه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فِي قَوْله {وَدخل مَعَه السجْن فتيَان} قَالَ: غلامان كَانَا للْملك الْأَكْبَر الريان بن الْوَلِيد كَانَ أَحدهمَا على شرابه وَالْآخر على بعض أمره فِي سخطَة سخطها عَلَيْهِمَا اسْم أَحدهمَا مجلب وَالْآخر نبوا الَّذِي كَانَ على الشَّرَاب
فَلَمَّا رأياه قَالَا: يَا فَتى
(4/535)
وَالله لقد أَحْبَبْنَاك حِين رَأَيْنَاك قَالَ ابْن إِسْحَق: فَحَدثني عبد الله بن أبي نجيح عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ أَن يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لَهما حِين قَالَا لَهُ ذَلِك: أنشدكما بِاللَّه أَن لَا تحباني فوَاللَّه مَا أَحبَّنِي أحد قطّ إِلَّا دخل عَليّ من حبه بلَاء
قد أحبتني عَمَّتي فَدخل عَليّ من حبها بلَاء ثمَّ أَحبَّنِي أبي فَدخل عَليّ بحبه بلَاء ثمَّ أحبتني زَوْجَة صَاحِبي فَدخل عَليّ بمحبتها إيَّايَ بلَاء
فَلَا تحباني بَارك الله فيكما فأبيا إِلَّا حبه وألفه حَيْثُ كَانَ وَجعل يعجبهما مَا يريان من فهمه وعقله
وَقد كَانَا رَأيا حِين ادخلا السجْن رُؤْيا فَرَأى مجلب أَنه رأى فَوق رَأسه خبْزًا تَأْكُل الطير مِنْهُ وَرَأى نبوا أَن يعصر خمرًا فاستفتياه فِيهَا وَقَالا لَهُ {نبئنا بتأويله إِنَّا نرَاك من الْمُحْسِنِينَ} إِن فعلت فَقَالَ لَهما {لَا يأتيكما طَعَام ترزقانه} يَقُول فِي نومكما {إِلَّا نبأتكما بتأويله قبل أَن يأتيكما} ثمَّ دعاهما إِلَى الله وَإِلَى الْإِسْلَام فَقَالَ {يَا صَاحِبي السجْن أأرباب متفرقون خير أم الله الْوَاحِد القهار} أَي خير أَن تعبدوا إِلَهًا وَاحِدًا أم آلِهَة مُتَفَرِّقَة لَا تغني عَنْكُم شَيْئا
ثمَّ قَالَ لمجلب: أما أَنْت فتصلب فتأكل الطير من رَأسك
وَقَالَ لنبوا أما أَنْت فَترد على عَمَلك ويرضى عَنْك صَاحبك {قضي الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفتيان}
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: مَا لَقِي أحد فِي الْحبّ مَا لقِيت أَحبَّنِي أبي فألقيت فِي الْجب وأحبتني امْرَأَة الْعَزِيز فألقيت فِي السجْن
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} قَالَ: عنباً
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ [اني أَرَانِي أعصر عنباً] وَقَالَ: وَالله لقد أَخَذتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَكَذَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} يَقُول: أعصر عنباً وَهُوَ بلغَة أهل عمان يسمون الْعِنَب خمرًا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {نبئنا بتأويله} قَالَ: عِبَارَته
(4/536)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي أَرَانِي أعصر خمرًا} قَالَ: هُوَ بلغَة عمان
وَفِي قَوْله {إِنَّا نرَاك من الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: كَانَ احسانه فِيمَا ذكر لنا أَنه كَانَ يعزي حزينهم ويداوي مريضهم وَرَأَوا مِنْهُ عبَادَة واجتهاداً فَأَحبُّوهُ بِهِ وَقَالَ لما انْتهى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى السجْن وجد فِيهِ قوما قد انْقَطع رجاؤهم وَاشْتَدَّ بلاؤهم وَطَالَ حزنهمْ فَجعل يَقُول: أَبْشِرُوا اصْبِرُوا تؤجروا إِن لهَذَا أجرا إِن لهَذَا ثَوابًا
فَقَالُوا: يَا فَتى بَارك الله فِيك
مَا أحسن وَجهك وَأحسن خلقك وَأحسن خلقك
لقد بورك لنا فِي جوارك إِنَّا كُنَّا فِي غير هَذَا مُنْذُ حبسنا لما تخبرنا من الْأجر وَالْكَفَّارَة وَالطَّهَارَة فَمن أَنْت يَا فَتى
قَالَ: أَنا يُوسُف ابْن صفي الله يَعْقُوب ابْن ذبيح الله إِسْحَق بن خَلِيل الله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَكَانَت عَلَيْهِ محبَّة
وَقَالَ لَهُ عَامل السجْن: يَا فَتى وَالله لَو اسْتَطَعْت لخليت سَبِيلك وَلَكِن سأحسن جوارك وَأحسن آثارك فَكُن فِي أَي بيُوت السجْن شِئْت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: دَعَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لأهل السجْن فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تعم عَلَيْهِم الْأَخْبَار وهون عَلَيْهِم مر الْأَيَّام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {إِنَّا نرَاك من الْمُحْسِنِينَ} مَا كَانَ إِحْسَان يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: كَانَ إِذا مرض إِنْسَان فِي السجْن قَامَ عَلَيْهِ وَإِذا ضَاقَ عَلَيْهِ الْمَكَان أوسع لَهُ
وَإِذا احْتَاجَ جمع لَهُ
الْآيَة 37
(4/537)
قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
أخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا يأتيكما طَعَام ترزقانه} قَالَ: كره الْعبارَة كلهَا فاجابهما بِغَيْر جوابهما ليريهما ان عِنْده علما وَكَانَ الْملك إِذا أَرَادَ قتل انسان صنع لَهُ طَعَاما مَعْلُوما فَأرْسل
(4/537)
بِهِ إِلَيْهِ
فَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {لَا يأتيكما طَعَام ترزقانه} إِلَى قَوْله {تشكرون} فَلم يَدعه صَاحب الرُّؤْيَا حَتَّى يعبر لَهما فكرة الْعبارَة فَقَالَ {يَا صَاحِبي السجْن أأرباب} إِلَى قَوْله {وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يعلمُونَ} قَالَ: فَلم يدعاه فَعبر لَهما
الْآيَة 38
(4/538)
وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)
أخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم ابْن الْكَرِيم يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِم السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي الْأَحْوَص رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فاخر أَسمَاء بن خَارِجَة الْفَزارِيّ رجلا فَقَالَ: أَنا من الْأَشْيَاخ الْكِرَام فَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ: ذَاك يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق ذبيح الله ابْن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله
وَأخرج الْحَاكِم عَن عمر رَضِي الله عَنهُ
أَنه اسْتَأْذن عَلَيْهِ رجل فَقَالَ: اسْتَأْذنُوا لِابْنِ الأخيار فَقَالَ عمر: ائذوا لَهُ فَلَمَّا دخل قَالَ: من أَنْت قَالَ: فلَان بن فلَان بن فلَان فعد رجَالًا من أَشْرَاف الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ: أَنْت يُوسُف بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا
قَالَ: ذَاك من الأخيار وَأَنت فِي الأشرار إِنَّمَا تَعُدّ لي جبال أهل النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ يَجْعَل الْجد أَبَا وَيَقُول: من شَاءَ لاعناه عِنْد الْحجر مَا ذكر الله جدا وَلَا جدة قَالَ الله إِخْبَارًا عَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {وَاتَّبَعت مِلَّة آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {ذَلِك من فضل الله علينا} قَالَ: إِن جعلنَا أَنْبيَاء {وعَلى النَّاس} قَالَ: إِن جعلنَا رسلًا إِلَيْهِم
(4/538)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ {ذَلِك من فضل الله علينا وعَلى النَّاس} قَالَ: إِن الْمُؤمن ليشكر مَا بِهِ من نعْمَة الله ويشكر مَا فِي النَّاس من نعْمَة الله ذكر لنا أَن أَبَا الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ كَانَ يَقُول: يَا ربّ شَاكر نعْمَة غير منعم عَلَيْهِ لَا يدْرِي وَيَا ربّ حَامِل فقه غير فَقِيه
الْآيَات 39 - 40
(4/539)
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي الْآيَة
قَالَ لما عرف نَبِي الله يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِن أَحدهمَا مقتول دعاهما إِلَى حظهما من ربهما وَإِلَى نصيبهما من آخرتهما
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {يَا صَاحِبي السجْن} يُوسُف يَقُوله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الْعَالِيَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِن الحكم إِلَّا لله أَمر أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} قَالَ: أسس الدّين على الْإِخْلَاص لله وَحده لَا شريك لَهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ذَلِك الدّين الْقيم} قَالَ: الْعدْل
الْآيَة 41
(4/539)
يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
أخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أَتَاهُ فَقَالَ: رَأَيْت فِيمَا يرى النَّائِم أَنِّي غرست حَبَّة من عِنَب فَنَبَتَتْ فَخرج فِيهِ عناقيد فعصرتهن ثمَّ سقيتهن الْملك
فَقَالَ: تمكث فِي السجْن ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ تخرج فتسقيه خمرًا
(4/539)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فيسقي ربه خمرًا} قَالَ: سَيّده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مَا رأى صاحبا سجن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام شَيْئا إِنَّمَا تحاكما إِلَيْهِ ليجرّبا علمه فَلَمَّا أوّل رؤياهما قَالَا: إِنَّمَا كُنَّا نلعب وَلم نر شَيْئا فَقَالَ {قضي الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفتيان} يَقُول: وَقعت الْعبارَة فَصَارَ الْأَمر على مَا عبر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ أحد اللَّذين قصا على يُوسُف الرُّؤْيَا كَاذِبًا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {قضي الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفتيان} قَالَ عِنْد قَوْلهمَا: مَا رَأينَا رُؤْيا إِنَّمَا كُنَّا نلعب
قَالَ: قد وَقعت الرُّؤْيَا على مَا أوّلت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام للخباز: إِنَّك تصلب فتأكل الطير من رَأسك
وَقَالَ لساقيه: أما أَنْت فَترد على عَمَلك فَذكر لنا أَنَّهُمَا قَالَا حِين عبر: لم نر شَيْئا
قَالَ {قضي الْأَمر الَّذِي فِيهِ تستفتيان}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ {أما أَحَدكُمَا فيسقي ربه خمرًا}
الْآيَة 42
(4/540)
وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سابط رَضِي الله عَنهُ {وَقَالَ للَّذي ظن أَنه نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} قَالَ: عِنْد ملك الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} يَعْنِي بذلك الْملك
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ لما انْتهى بِهِ إِلَى بَاب
(4/540)
السجْن قَالَ لَهُ: اوصني بحاجتك
قَالَ: حَاجَتي أَن تذكرني عِنْد رَبك
يَنْوِي الرب الَّذِي ملك يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَ للَّذي ظن أَنه نَاجٍ} قَالَ إِنَّمَا عبارَة الرُّؤْيَا بِالظَّنِّ فَيُحِقُّ الله مَا يَشَاء وَيبْطل مَا يَشَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتب الْعُقُوبَات وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو لم يقل يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام الْكَلِمَة الَّتِي قَالَهَا: مَا لبث فِي السجْن طول مَا لبث
حَيْثُ يَبْتَغِي الْفرج من عِنْد غير الله تَعَالَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَوْلَا أَنه يَعْنِي يُوسُف قَالَ الْكَلِمَة الَّتِي قَالَ مَا لبث فِي السجْن طول مَا لبث
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رحم الله يُوسُف لَو لم يقل: اذْكُرْنِي عِنْد رَبك مَا لبث فِي السجْن طول مَا لبث
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رحم الله يُوسُف لَوْلَا كَلمته مَا لبث فِي السجْن طول مَا لبث قَوْله اذْكُرْنِي عِنْد رَبك ثمَّ بَكَى الْحسن رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ: نَحن إِذا نزل بِنَا أَمر فزعنا إِلَى النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَوْلَا أَن يُوسُف استشفع على ربه مَا لبث فِي السجْن طول مَا لبث
وَلَكِن إِنَّمَا عُوقِبَ باستشفاعه على ربه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أوحى إِلَى يُوسُف: من استنقذك من الْقَتْل حِين همَّ اخوتك أَن يَقْتُلُوك قَالَ: أَنْت يَا رب
قَالَ: فَمن استنقذك من الْجب إِذْ ألقوك فِيهِ قَالَ: أَنْت يَا رب
قَالَ: فَمن استنقذك من الْمَرْأَة إِذْ هَمَمْت بهَا قَالَ: أَنْت يَا رب
قَالَ: فَمَا لَك نسيتني وَذكرت آدَمِيًّا قَالَ: جزعاً وَكلمَة تكلم بهَا لساني
قَالَ: فَوَعِزَّتِي لأخلدنك فِي السجْن بضع سِنِين
فَلبث فِي السجْن بضع سِنِين
(4/541)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام للساقي: اذْكُرْنِي عِنْد رَبك قيل لَهُ يَا يُوسُف اتَّخذت من دوني وَكيلا لأطيلن حَبسك: فَبكى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ: يَا رب تشاغل قلبِي من كَثْرَة الْبلوى فَقلت كلمة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَقَالَ للَّذي ظن أَنه نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} قَالَ يُوسُف للَّذي نجا من صَاحِبي السجْن: اذْكُرْنِي للْملك فَلم يذكرهُ حَتَّى رأى الْملك الرُّؤْيَا وَذَلِكَ أَن يُوسُف أنساه الشَّيْطَان ذكر ربه وَأمره بِذكر الْملك وابتغاء الْفرج من عِنْده فَلبث فِي السجْن بضع سِنِين عُقُوبَة لقَوْله {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فَلبث فِي السجْن بضع سِنِين} قَالَ: بلغنَا أَنه لبث فِي السجْن سبع سِنِين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أصَاب أَيُّوب عَلَيْهِ السَّلَام الْبلَاء سبع سِنِين وَترك يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي السجْن سبع سِنِين وعذب بخت نصر خون فِي السبَاع سبع سِنِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فَلبث فِي السجْن بضع سِنِين} اثْنَتَيْ عشرَة سنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن الْكَلْبِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام كلمة وَاحِدَة حبس بهَا سبع سِنِين قَالَ أَبُو بكر: وَحبس قبل ذَلِك خمس سِنِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس وَالضَّحَّاك فِي قَوْله {فَلبث فِي السجْن بضع سِنِين} قَالَا: أَربع عشرَة سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبضْع مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْبضْع مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع
(4/542)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الْبضْع دون الْعشْرَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: عثر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ثَلَاث عثرات: قَوْله اذْكُرْنِي عِنْد رَبك وَقَوله لإخوته إِنَّكُم لسارقون وَقَوله ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا حِين هَمَمْت فَقَالَ: وَمَا أبرئ نَفسِي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: ذهب يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن سبع عشرَة ولبث فِي الْجب سبعا وَفِي السجْن سبعا وَجمع الطَّعَام فِي سبعا فيرون أَنه التقى هُوَ وَأَبوهُ عِنْد ذَلِك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الْمليح رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ دُعَاء يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي السجْن اللَّهُمَّ إِن كَانَ خلق وَجْهي عنْدك فَإِنِّي أَتَقَرَّب إِلَيْك بِوَجْه يَعْقُوب أَن تجْعَل لي فرجا ومخرجاً ويسراً وترزقني من حَيْثُ لَا أحتسب
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن عبد الله مُؤذن الطَّائِف قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا يُوسُف اشْتَدَّ عَلَيْك الْحَبْس قَالَ نعم
قَالَ: قل اللَّهُمَّ اجْعَل لي من كل مَا أهمني وكربني من أَمر دنياي وَأمر آخرتي فرجا ومخرجاً وارزقني من حَيْثُ لَا أحتسب واغفر لي ذَنبي وَثَبت رجائي واقطعه من سواك حَتَّى لَا أَرْجُو أحدا غَيْرك
الْآيَات 43 - 46
(4/543)
وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43) قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام للساقي {اذْكُرْنِي عِنْد رَبك} أَي الْملك الْأَعْظَم ومظلمتي وحبسي فِي غير شَيْء
قَالَ: أفعل
فَلَمَّا خرج الساقي رد على مَا كَانَ عَلَيْهِ وَرَضي عَنهُ صَاحبه وانساه الشَّيْطَان ذكر الْملك الَّذِي أمره يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَن يذكرهُ لَهُ فَلبث يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام بعد ذَلِك فِي السجْن بضع سِنِين ثمَّ إِن الْملك رَيَّان بن الْوَلِيد رأى رُؤْيَاهُ الَّتِي أرِي فِيهَا فهالته وَعرف أَنَّهَا رُؤْيا وَاقعَة وَلم يدر مَا تَأْوِيلهَا فَقَالَ للملأ حوله من أهل مَمْلَكَته {إِنِّي أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وَسبع سنبلات خضر وَأخر يابسات} فَلَمَّا سمع نبوا من الْملك مَا سمع مِنْهُ ومسألته عَن تَأْوِيلهَا ذكر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا كَانَ عبر لَهُ ولصاحبه وَمَا جَاءَ من ذَلِك على مَا قَالَ من قَوْله فَقَالَ {أَنا أنبئكم بتأويله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: من الأحلام الكاذبة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ مثله
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أضغاث أَحْلَام} قَالَ: أخلاط أَحْلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وادّكر بعد أمة} قَالَ: بعد حِين
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَعِكْرِمَة وَعبد الله بن كثير وَالسُّديّ - رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم - مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وادّكر بعد أمة} يَقُول: بعد سِنِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وادّكر بعد أمة} يَقُول: بعد سِنِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَرَأَ {وادكر بعد أمة} قَالَ: بعد أمة من النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَرَأَ {وادكر بعد أمة} - بِالْفَتْح وَالتَّخْفِيف يَقُول بعد نِسْيَان
(4/544)
وَأخرج ابْن جرير وَعِكْرِمَة وَالْحسن وَقَتَادَة وَمُجاهد وَالضَّحَّاك - رَضِي الله عَنْهُم - أَنهم قرأوا {بعد أمة} أَي بعد نِسْيَان
وَأخرج ابْن جرير عَن حميد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَرَأَ مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ {وادّكر بعد أمة} مجزومة مُخَفّفَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن هرون - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب / أَنا آتيكم بتأويله /
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرَأ / أَنا آتيكم بتأويله / فَقيل لَهُ: أَنا انبئكم
قَالَ: أهوَ كَانَ ينبئهم وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَفْتِنَا فِي سبع بقرات} الْآيَة
قَالَ: أما السمان فسنون فِيهَا خصب
وَأما السَّبع الْعِجَاف فسنون مُجْدِبَة
وَسبع سنبلات خضر هِيَ السنون المخاصيب تخرج الأَرْض نباتها وزرعها وثمارها
وَأخر يابسات المحول الجدوب لَا تنْبت شَيْئا
الْآيَات 47 - 49
(4/545)
قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لقد عجبت من يُوسُف وَصَبره وَكَرمه - وَالله يغْفر لَهُ - حِين سُئِلَ عَن الْبَقَرَات الْعِجَاف وَالسمان
وَلَو كنت مَكَانَهُ - وَالله يغْفر لَهُ - حِين أَتَاهُ الرَّسُول لبادرتهم الْبَاب
وَلكنه أَرَادَ أَن يكون لَهُ الْعذر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لم يرض يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَن أفتاهم بالتأويل حَتَّى أَمرهم بالرفق فَقَالَ: {تزرعون سبع سِنِين دأبا فَمَا حصدتم فذروه فِي سنبله} لِأَن الْحبّ إِذا كَانَ فِي سنبله لَا يُؤْكَل
(4/545)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فذروه فِي سنبله} قَالَ: أَرَادَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام الْبَقَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فذروه فِي سنبله} قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة الأولى: هُوَ أبقى لَهُ لَا يُؤْكَل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم - رَضِي الله عَنهُ - أَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي زَمَانه كَانَ يصنع لرجل طَعَام اثْنَيْنِ فيقربه إِلَى الرجل فيأكل نصفه ويدع نصفه حَتَّى إِذا كَانَ يَوْمًا قرَّبهُ لَهُ فَأَكله فَقَالَ لَهُ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: هَذَا أول يَوْم من السَّبع الشداد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك سبع شَدَّاد} قَالَ: هن السنون المحول الجدوب
وَفِي قَوْله {يأكلن مَا قدمتم لَهُنَّ} يَقُول: يأكلن مَا كُنْتُم اتخذتم فِيهِنَّ من الْقُوت {إِلَّا قَلِيلا مِمَّا تحصنون} أَي مِمَّا تدخرون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {مِمَّا تحصنون} يَقُول: تخزنون
وَفِي قَوْله {وَفِيه يعصرون} يَقُول: الأعناب والدهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {عَام فِيهِ يغاث النَّاس} يَقُول: يصيبهم فِيهِ غيث {وَفِيه يعصرون} يَقُول: يعصرون فِيهِ الْعِنَب ويعصرون فِيهِ الزَّيْت ويعصرون من كل الثمرات
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَفِيه يعصرون} يحتلبون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَفِيه يعصرون} يحتلبون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك عَام فِيهِ يغاث النَّاس} قَالَ: يغاث النَّاس بالمطر {وَفِيه يعصرون} الثِّمَار وَالْأَعْنَاب وَالزَّيْتُون من الخصب
وَهَذَا علم آتَاهُ الله علمه لم يكن فِيمَا سُئِلَ عَنهُ
(4/546)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك عَام} الْآيَة
قَالَ: زادهم يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام علم سنة لم يسألوه عَنهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {ثمَّ يَأْتِي من بعد ذَلِك عَام} قَالَ: أخْبرهُم بِشَيْء لم يسألوه عَنهُ وَكَانَ الله تَعَالَى قد علمه إِيَّاه {فِيهِ يغاث النَّاس} بالمطر {وَفِيه يعصرون} السمسم دهناً وَالْعِنَب خمرًا وَالزَّيْتُون زيتاً
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ {فِيهِ يغاث النَّاس} قَالَ: بالمطر {وَفِيه يعصرون} قَالَ: يعصرون أعنابهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - {فِيهِ يغاث النَّاس} قَالَ: يغاث النَّاس بالمطر {وَفِيه يعصرون} قَالَ: الزَّيْت
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن طَلْحَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - يقْرَأ / وَفِيه تعصرون / بِالتَّاءِ يَعْنِي تحتلبون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عَبْدَانِ الْمروزِي - رَضِي الله عَنهُ - عَن عِيسَى بن عبيد عَن عِيسَى بن عُمَيْر الثَّقَفِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سمعته يقْرَأ / فِيهِ يغاث النَّاس وَفِيه تعصرون / بِالتَّاءِ يَعْنِي الغياث الْمَطَر ثمَّ قَرَأَ {وأنزلنا من المعصرات مَاء ثجاجاً}
الْآيَات 50 - 53
(4/547)
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)
أخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُول قَالَ ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ} فَقَالَ: لَو كنت أَنا لَأَسْرَعت الاجابة وَمَا ابْتَغَيْت الْعذر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يرحم الله يُوسُف إِن كَانَ لذا أَنَاة حَلِيمًا لَو كنت أَنا الْمَحْبُوس ثمَّ أرسل إليّ لَخَرَجت سَرِيعا
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عجبت لصبر أخي يُوسُف وَكَرمه - وَالله يغْفر لَهُ - حَيْثُ أرسل إِلَيْهِ ليستفتى فِي الرُّؤْيَا وَإِن كنت أَنا لم أفعل حَتَّى أخرج وَعَجِبت من صبره وَكَرمه - وَالله يغْفر لَهُ - أَتَى ليخرج فَلم يخرج حَتَّى أخْبرهُم بِعُذْرِهِ وَلَو كنت أَنا لَبَادَرت الْبَاب وَلكنه أحب أَن يكون لَهُ الْعذر
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رحم الله أخي يُوسُف لَو أَنا أَتَانِي الرَّسُول بعد طول الْحَبْس لَأَسْرَعت الْإِجَابَة حِين قَالَ {ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ} قَالَ: أَرَادَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام الْعذر قبل أَن يخرج من السجْن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما جمع الْملك النسْوَة قَالَ لَهُنَّ: انتن راودتن يُوسُف عَن نَفسه {قُلْنَ حاش لله مَا علمنَا عَلَيْهِ من سوء قَالَت امْرَأَة الْعَزِيز الْآن حصحص الْحق أَنا راودته عَن نَفسه وَإنَّهُ لمن الصَّادِقين} قَالَ يُوسُف: {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} فغمزه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: وَلَا حِين هَمَمْت بهَا فَقَالَ {وَمَا أبرئ نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {الْآن حصحص الْحق} قَالَ: تبين
(4/548)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَابْن زيد وَالسُّديّ مثله
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخه وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أنس رَضِي الله عَنهُ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ هَذِه الْآيَة {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ لما قَالَهَا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: يَا يُوسُف اذكر همك
قَالَ {وَمَا أبرئ نَفسِي}
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن أبي الْهُذيْل قَالَ: لما قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: وَلَا يَوْم هَمَمْت بِمَا هَمَمْت بِهِ فَقَالَ {وَمَا أبرئ نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء}
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ الْملك - وَطعن فِي جنبه - يَا يُوسُف وَلَا حِين هَمَمْت قَالَ {وَمَا أبرئ نَفسِي}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن حَكِيم بن جَابر فِي قَوْله {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ: قَالَ لَهُ جِبْرِيل: وَلَا حِين حللت السَّرَاوِيل فَقَالَ عِنْد ذَلِك {وَمَا أبرئ نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ: هُوَ قَول يُوسُف لمليكه حِين أرَاهُ الله عذره
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: أَرَادَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام الْعذر قبل أَن يخرج من السجْن فَقَالَ {ارْجع إِلَى رَبك فَاسْأَلْهُ مَا بَال النسْوَة اللَّاتِي قطعن أَيْدِيهنَّ إِن رَبِّي بكيدهن عليم} {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ ابْن جريج: وَبَين هَذَا وَبَين ذَلِك مَا بَينه قَالَ: وَهَذَا من تَقْدِيم الْقُرْآن وتأخيره
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ يُوسُف - يَقُول - لم أخن سَيِّدي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ هَذَا قَول يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لم يخن الْعَزِيز فِي امْرَأَته
قَالَ: فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: وَلَا حِين حللت السَّرَاوِيل فَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {وَمَا أبرئ نَفسِي} إِلَى آخر الْآيَة
(4/549)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ: قَالَ لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام: اذكر همك
قَالَ {وَمَا أبرئ نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} فَقَالَ لَهُ الْملك أَو جِبْرِيل: وَلَا حِين هَمَمْت بهَا فَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {وَمَا أبرئ نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} فَقَالَ لَهُ الْملك أَو جِبْرِيل وَلَا حِين ههمت بهَا فَقَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {وَمَا أبرئ نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ فَقَالَ لَهُ الْملك: وَلَا حِين ههمت فَقَالَ {وَمَا أبرئ نَفسِي}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: ذكر لنا أَن الْملك الَّذِي كَانَ مَعَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: اذكر مَا هَمَمْت بِهِ
قَالَ {وَمَا أبرئ نَفسِي}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ذَلِك ليعلم أَنِّي لم أخنه بِالْغَيْبِ} قَالَ: خشِي نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يكون زكى نَفسه فَقَالَ {وَمَا أبرئ نَفسِي} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا أبرئ نَفسِي} قَالَ: يَعْنِي همته الَّتِي هم بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الْعَزِيز بن عُمَيْر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: النَّفس أَمارَة بالسوء فَإِذا جَاءَ الْعَزْم من الله كَانَت هِيَ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الْخَيْر
الْآيَة 54
(4/550)
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
أخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: فَأَتَاهُ الرَّسُول فَقَالَ لَهُ: ألق عَنْك ثِيَاب السجْن والبس ثيابًا جدداً وقم إِلَى الْملك فَدَعَا لَهُ أهل السجْن - وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْن ثَلَاثِينَ سنة - فَلَمَّا أَتَاهُ رأى غُلَاما حَدثا
فَقَالَ: أيعلم هَذَا رُؤْيَايَ وَلَا يعلمهَا
(4/550)
السَّحَرَة والكهنة
وَأَقْعَدَهُ قدامه وَقَالَ لَهُ: لَا تخف وَألبسهُ طوقاً من ذهب وَثيَاب حَرِير وَأَعْطَاهُ دَابَّة مسرجة مزينة كدابة الْملك وَضرب الطبل بِمصْر أَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام خَليفَة الْملك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أستخلصه لنَفْسي} قَالَ: أتخذه لنَفْسي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن زيد الْعَمى - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما رأى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام عَزِيز مصر قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بخيرك من خَيره وَأَعُوذ بعزتك من شَره
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي ميسرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما رأى الْعَزِيز لبق يُوسُف وكيسه وظرفه دَعَاهُ فَكَانَ يتغدى مَعَه ويتعشى دون غلمانه فَلَمَّا كَانَ بَينه وَبَين الْمَرْأَة مَا كَانَ قَالَت: لم تدني هَذَا من بَين غلمانك
مره فليتغد مَعَ الغلمان
قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فتغد مَعَ الغلمان
فَقَالَ لَهُ يُوسُف: أترغب أَن تَأْكُل معي
أَنا وَالله يُوسُف بن يَعْقُوب نَبِي الله بن إِسْحَق ذبيح الله بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله
وأخؤج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ الْملك ليوسف: إِنِّي أحب أَن تخالطني فِي كل شَيْء إِلَّا فِي أَهلِي وَأَنا آنف أَن تَأْكُل معي
فَغَضب يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: أَنا أَحَق أَن آنف أَنا ابْن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله وَأَنا ابْن إِسْحَاق ذبيح الله وَأَنا ابْن يَعْقُوب نَبِي الله
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أسلم الْملك الَّذِي كَانَ مَعَه يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام
الْآيَة 55
(4/551)
قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: استعملني عمر - رَضِي الله عَنهُ - على الْبَحْرين ثمَّ نزعني وغرمني اثْنَي عشر ألفا ثمَّ دَعَاني بعد إِلَى الْعَمَل فأبيت فَقَالَ: وَلم وَقد سَأَلَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام الْعَمَل وَكَانَ خيرا مِنْك
فَقلت: إِن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام نَبِي ابْن نَبِي ابْن نَبِي ابْن نَبِي
(4/551)
وَأَنا ابْن أُمَيْمَة وَأَنا أَخَاف أَن أَقُول بِغَيْر حلم وَأَن أُفْتِي بِغَيْر علم وَأَن يضْرب ظَهْري ويشتم عرضي وَيُؤْخَذ مَالِي
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن جَابر رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لَا يشْبع فَقيل لَهُ: مَا لَك لَا تشبع وبيدك خَزَائِن الأَرْض
قَالَ: إِنِّي إِذا شبعت نسيت الجائع
وَأخرج وَكِيع فِي الْغرَر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قيل ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام: تجوع وخزائن الأَرْض بِيَدِك قَالَ: إِنِّي أَخَاف أَن أشْبع فأنسى الجيعان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن شيبَة بن نعَامَة الضَّبِّيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض} يَقُول: على جَمِيع الطَّعَام إِنِّي حفيظ لما استودعتني عَلَيْهِم بسنين المجاعة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {اجْعَلنِي على خَزَائِن الأَرْض} قَالَ: كَانَ لفرعون خَزَائِن كَثِيرَة غير الطَّعَام فَأسلم سُلْطَانه كُله لَهُ وَجعل الْقَضَاء إِلَيْهِ أمره وقضاؤه نَافِذ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي حفيظ} قَالَ: لما وليت {عليم} بأَمْره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنِّي حفيظ عليم} قَالَ: حفيظ لِلْحسابِ عليم بالألسن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْأَشْجَعِيّ - رَضِي الله عَنهُ - مثله
الْآيَة 56
(4/552)
وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ مكنا ليوسف فِي الأَرْض} قَالَ: ملكناه فِيمَا يكون فِيهَا {حَيْثُ يَشَاء} من تِلْكَ الدُّنْيَا يصنع - فِيهَا مَا يَشَاء فوّضت إِلَيْهِ
قَالَ: لَو شَاءَ أَن يَجْعَل فِرْعَوْن من تَحت يَده ويجعله من فَوق لفعل
(4/552)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الفضيل بن عِيَاض - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: وقفت امْرَأَة الْعَزِيز على ظهر الطَّرِيق حَتَّى مر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَت: الْحَمد لله الَّذِي جعل العبيد ملوكاً بِطَاعَتِهِ وَجعل الْمُلُوك عبيدا بمعصيته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن إِسْحَق - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: ذكرُوا أَن أطيفر هلك فِي تِلْكَ اللَّيَالِي وَإِن الْملك الريان زوّج يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام امْرَأَته راعيل فَقَالَ لَهَا حِين أدخلت عَلَيْهِ: أَلَيْسَ هَذَا خيرا مِمَّا كنت تريدين فَقَالَ: أَيهَا الصّديق لَا تلمني
فَإِنِّي كنت امْرَأَة كَمَا ترى حسناء جملاء ناعمة فِي ملك وَدُنْيا وَكَانَ صَاحِبي لَا يَأْتِي النِّسَاء وَكنت كَمَا جعلك الله فِي حسنك وهيئتك فغلبتني نَفسِي على مَا رَأَيْت فيزعمون أَنه وجدهَا عذراء فأصابها فَولدت لَهُ رجلَيْنِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الْعَزِيز بن مُنَبّه عَن أَبِيه قَالَ: تعرضت امْرَأَة الْعَزِيز ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام فِي الطَّرِيق حَتَّى مر بهَا فَقَالَت: الْحَمد لله الَّذِي جعل الْمُلُوك بمعصيته عبيدا وَجعل العبيد بِطَاعَتِهِ ملوكاً فعرفها فَتَزَوجهَا فَوَجَدَهَا بكرا وَكَانَ صَاحبهَا من قبل لَا يَأْتِي النِّسَاء
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَصَابَت امْرَأَة الْعَزِيز حَاجَة لَهَا فَقيل لَهَا
لَو أتيت يُوسُف بن يَعْقُوب فَسَأَلته فاستشارت النَّاس فِي ذَلِك فَقَالُوا: لَا تفعلي فَإنَّا نَخَاف عَلَيْك
قَالَت: كلا إِنِّي لَا أَخَاف مِمَّن يخَاف الله
فَدخلت عَلَيْهِ فرأته فِي ملكه فَقَالَت: الْحَمد لله الَّذِي جعل العبيد ملوكاً بِطَاعَتِهِ ثمَّ نظرت إِلَى نَفسهَا فَقَالَت: الْحَمد لله الَّذِي جعل الْمُلُوك عبيدا بمعصيته فَقضى لَهَا جَمِيع حوائجها ثمَّ تزَوجهَا فَوَجَدَهَا بكر فَقَالَ لَهَا: أَلَيْسَ هَذَا أجمل مِمَّا أردْت قَالَت: يَا نَبِي الله إِنِّي ابْتليت فِيك بِأَرْبَع: كنت أجمل النَّاس كلهم وَكنت أَنا أجمل أهل زماني وَكنت بكر وَكَانَ زَوجي عنيناً
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم - رَضِي الله عَنهُ - أَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام تزوج امْرَأَة الْعَزِيز فَوَجَدَهَا بكر وَكَانَ زَوجهَا عنيناً
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْفرج وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أنس بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ:
(4/553)
اطْلُبُوا الْخَيْر دهركم كُله وتعرضوا لنفحات رَحْمَة الله فَإِن لله عز وَجل نفحات من رَحمته يُصِيب بهَا من يَشَاء من عباده واسألوا الله أَن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم
الْآيَة 57
(4/554)
وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سَأَلت الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فَقلت: يَا أَبَا سعيد قَوْله {ولأجر الْآخِرَة خير للَّذين آمنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} مَا هِيَ قَالَ: يَا مَالك اتَّقوا الْمَحَارِم خمصت بطونهم
تركُوا الْمَحَارِم وهم يشتهونها
الْآيَة 58
(4/554)
وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: إِن إخْوَة يُوسُف لما دخلُوا عَلَيْهِ فعرفهم وهم لَهُ منكرون جَاءَ بصواع الْملك الَّذِي كَانَ يشرب فِيهِ فَوَضعه على يَده فَجعل ينقره ويطن وينقره ويطن فَقَالَ: إِن هَذَا الْجَام ليخبرني عَنْكُم خَبرا
هَل كَانَ لكم أَخ من أبيكم يُقَال لَهُ يُوسُف وَكَانَ أَبوهُ يُحِبهُ دونكم وَإِنَّكُمْ انطلقتم بِهِ فألقيتموه فِي الْجب وأخبرتم أَبَاكُم أَن الذِّئْب أكله وجئتم على قَمِيصه بِدَم كذب
قَالَ: فَجعل بَعضهم ينظر إِلَى بعض ويعجبون إِنَّه هَذَا الْجَام ليخبر خبرهم فَمن أَيْن يعلم هَذَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْجلد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لإخوته: إِن أَمركُم ليريبني كأنكم جواسيس قَالُوا: يَا أَيهَا الْعَزِيز إِن أَبَانَا شيخ صديق وَأَنا قوم صديقون وَإِن الله ليحيي بِكَلَام الْأَنْبِيَاء الْقُلُوب كَمَا يحيي وابل السَّمَاء الأَرْض وَيَقُول لَهُم - وَفِي يَده الإِناء وَهُوَ يقرعه الْقرعَة - كَأَن هَذَا يخبر عَنْكُم بأنكم جواسيس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عون قَالَ: قلت لِلْحسنِ - رَضِي الله عَنهُ - ترى يُوسُف عرف اخوته قَالَ: لَا وَالله مَا عرفهم حَتَّى تعرفوا إِلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فعرفهم وهم لَهُ منكرون} قَالَ: لَا يعرفونه
(4/554)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما جعل يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ينقر الصَّاع ويخبرهم قَامَ إِلَيْهِ بعض اخوته فَقَالَ: أنْشدك الله أَن لَا تكشف لنا عَورَة
الْآيَات 59 - 66
(4/555)
وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ائْتُونِي بِأَخ لكم من أبيكم} قَالَ: يَعْنِي بنيامين وَهُوَ أَخُو يُوسُف لِأَبِيهِ وَأمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَأَنا خير المنزلين} قَالَ: خير من يضيف بِمصْر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَأَنا خير المنزلين} قَالَ: خير المضيفين
(4/555)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَأَنا خير المنزلين} قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: أَنا خير من يضيف بِمصْر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم أَنه كَانَ يقْرَأ / وَقَالَ لفتيته / أَي لِغِلْمَانِهِ {اجعلوا بضاعتهم} أَي أوراقهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: كَانَ منزل يَعْقُوب وبنيه فِيمَا ذكر لي بعض أهل الْعلم بالعربات من أَرض فلسطين بغور الشَّام
وَبَعض كَانَ يَقُول بالأدلاج من نَاحيَة شعب أَسْفَل من جسمي وَمَا كَانَ صَاحب بادية لَهُ بهَا شَاءَ وإبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْمُغيرَة عَن أَصْحَاب عبد الله {فَأرْسل مَعنا أخانا نكتل}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - {فَأرْسل مَعنا أخانا} يكتل لَهُ بَعِيرًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُغيرَة عَن أَصْحَاب عبد الله - رَضِي الله عَنهُ - {فَالله خير حَافِظًا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ {ردَّتْ إِلَيْنَا} بِكَسْر الرَّاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {مَا نبغي هَذِه بضاعتنا ردَّتْ إِلَيْنَا} يَقُول: مَا نبغي هَذِه أوراقنا ردَّتْ إِلَيْنَا وَقد أوفي لنا الْكَيْل {ونزداد كيل بعير} أَي حمل بعير
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {ونزداد كيل بعير} قَالَ: حمل حمَار
قَالَ: وَهِي لُغَة
قَالَ أَبُو عبيد يَعْنِي مُجَاهِد أَن الْحمار يُقَال لَهُ فِي بعض اللُّغَات بعير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {الا أَن يحاط بكم} قَالَ: إِلَّا أَن تغلبُوا حَتَّى لَا تُطِيقُوا ذَلِك
(4/556)
الْآيَات 67 - 68
(4/557)
وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {وَقَالَ يَا بني لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} قَالَ: رهب يَعْقُوب عَلَيْهِم الْعين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} قَالَ: خشِي عَلَيْهِم الْعين
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} قَالَ: خشِي يَعْقُوب على وَلَده الْعين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} قَالَ: خَافَ عَلَيْهِم الْعين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا تدْخلُوا من بَاب وَاحِد} قَالَ: كَانُوا قد أُوتُوا صوراً وجمالاً فخشي عَلَيْهِم أنفس النَّاس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وادخلوا من أَبْوَاب مُتَفَرِّقَة} قَالَ: أحب يَعْقُوب أَن يلقى يُوسُف أَخَاهُ فِي خلْوَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا حَاجَة فِي نفس يَعْقُوب قَضَاهَا} قَالَ: خيفة الْعين على بنيه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَإنَّهُ لذُو علم لما علمناه} قَالَ: إِنَّه لعامل بِمَا علم وَمن لَا يعْمل لَا يكون عَالما
(4/557)
الْآيَات 69 - 76
(4/558)
وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {آوى إِلَيْهِ أَخَاهُ} قَالَ: ضمه إِلَيْهِ وأنزله مَعَه
وَفِي قَوْله {فَلَا تبتئس} قَالَ: لَا تحزن وَلَا تيأس
وَفِي قَوْله {فَلَمَّا جهزهم بجهازهم} قَالَ: لما قضى حَاجتهم وكال لَهُم طعامهم
وَفِي قَوْله {جعل السِّقَايَة} قَالَ: هُوَ إِنَاء الْملك الَّذِي يشرب مِنْهُ {فِي رَحل أَخِيه} قَالَ: فِي مَتَاع أَخِيه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {جعل السِّقَايَة} قَالَ: هُوَ الصواع وكل شَيْء يشرب مِنْهُ فَهُوَ صواع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: السِّقَايَة والصواع شَيْء وَاحِد يشرب مِنْهُ يُوسُف
(4/558)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: السِّقَايَة هُوَ الصواع وَكَانَ كأساً من ذهب على مَا يذكرُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أيتها العير} قَالَ: كَانَت العير حميراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مَنْدَه فِي غرائب شُعْبَة وَابْن مرْدَوَيْه والضياء عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {صواع الْملك} قَالَ: شَيْء يشبه المكوك من فضَّة كَانُوا يشربون فِيهِ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء والطستي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {صواع الْملك} قَالَ: الصواع الكأس الَّذِي يشرب فِيهِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: لَهُ درمك فِي رَأسه ومشارب وَقدر وطباخ وَصَاع وديسق وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {صواع الْملك} قَالَ: هُوَ المكوك الَّذِي يلتقي طرفاه كَانَت تشرب فِيهِ الْأَعَاجِم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {صواع الْملك} قَالَ: كَانَ من فضَّة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {صواع الْملك} قَالَ: كَانَ من نُحَاس
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرَأ {نفقد صواع الْملك} بِضَم الصَّاد مَعَ الْألف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْأَنْبَارِي عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرَأ صَاع الْملك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن يعمر أَنه كَانَ يقْرؤهَا صوغ الْملك بالغين الْمُعْجَمَة
قَالَ: كَانَ صِيغ من ذهب أَو فضَّة سقايته الَّتِي كَانَ يشرب فِيهَا
(4/559)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ رَجَاء - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَرَأَ {نفقد صواع الْملك} بِعَين غير مُعْجمَة وصاد مَفْتُوحَة
وَأخرج عَن عبد الله بن عون - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرَأ صوع الْملك بصاد مَضْمُومَة
وَأخرج عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ يقْرَأ صياع الْملك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَلمن جَاءَ بِهِ حمل بعير} قَالَ: حمل حمَار طَعَام وَهِي لُغَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {حمل بعير} وقر بعير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَأَنا بِهِ زعيم} قَالَ كَفِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَأَنا بِهِ زعيم} قَالَ: الزعيم هُوَ الْمُؤَذّن الَّذِي قَالَ {أيتها العير}
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَإِنَّا بِهِ زعيم} مَا الزعيم
قَالَ: الْكَفِيل
قَالَ فِيهِ فَرْوَة بن مسيك: اكون زعيمكم فِي كل عَام بِجَيْش جحفل لجب لهام وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {مَا جِئْنَا لنفسد فِي الأَرْض} يَقُول: مَا جِئْنَا لنعصي فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ} قَالَ: عرفُوا الحكم فِي حكمهم فَقَالُوا {جَزَاؤُهُ من وجد فِي رَحْله فَهُوَ جَزَاؤُهُ} وَكَانَ الحكم عِنْد الْأَنْبِيَاء يَعْقُوب وبنيه عَلَيْهِم السَّلَام أَن يُؤْخَذ السَّارِق بسرقته عبدا يسترق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ - رَضِي الله
(4/560)
عَنهُ - قَالَ: أَخْبرُوهُ بِمَا يحكم فِي بِلَادهمْ أَنه من سرق أَخذ عبدا
فَقَالُوا {جَزَاؤُهُ من وجد فِي رَحْله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَنه كَانَ كلما فتح مَتَاع رجل اسْتغْفر تأثماً مِمَّا صنع حَتَّى بَقِي مَتَاع الْغُلَام قَالَ: مَا أَظن أَن هَذَا أَخذ شَيْئا
قَالُوا: بلَى فاستبره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {كَذَلِك كدنا ليوسف} قَالَ: كَذَلِك صنعنَا ليوسف {مَا كَانَ ليَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك} يَقُول: فِي سُلْطَان الْملك
قَالَ: كَانَ فِي دين ملكهم أَنه من سرق أخذت مِنْهُ السّرقَة وَمثلهَا مَعهَا من مَاله فيعطيه الْمَسْرُوق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {مَا كَانَ ليَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك} يَقُول: فِي سُلْطَان الْملك
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة
قَالَ: دين الْملك لَا يُؤْخَذ بِهِ من سرق أصلا وَلَكِن الله تَعَالَى كَاد لِأَخِيهِ حَتَّى تكلمُوا بِمَا تكلمُوا بِهِ فآخذهم بقَوْلهمْ وَلَيْسَ فِي قَضَاء الْملك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {مَا كَانَ ليَأْخُذ أَخَاهُ فِي دين الْملك} قَالَ: لم يكن ذَلِك فِي دين الْملك أَن يَأْخُذ من سرق عبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ حكم الْملك أَن من سرق ضاعف عَلَيْهِ الْغرم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {إِلَّا أَن يَشَاء الله} قَالَ: إِلَّا بعلة كادها الله ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام فاعتل بهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق مَالك بن أنس - رضى الله عَنهُ - قَالَ: سَمِعت زيد بن أسلم - رَضِي الله عَنهُ - يَقُول فِي هَذِه الْآيَة {نرفع دَرَجَات من نشَاء} قَالَ: بِالْعلمِ
يرفع الله بِهِ من يَشَاء فِي الدُّنْيَا
(4/561)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {نرفع دَرَجَات من نشَاء} قَالَ: يُوسُف واخوته اوتوا علما
فرفعنا يُوسُف فَوْقهم فِي الْعلم دَرَجَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَفَوق كل ذِي علم عليم} قَالَ: يكون هَذَا أعلم من هَذَا وَهَذَا أعلم من هَذَا وَالله فَوق كل عَالم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كُنَّا عِنْد ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فَحدث بِحَدِيث فَقَالَ رجل عِنْده {وَفَوق كل ذِي علم عليم} فَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - بئس مَا قلت الله الْعَلِيم الْخَبِير هُوَ فَوق كل عَالم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سَأَلَ رجل عليا - رَضِي الله عَنهُ - عَن مَسْأَلَة فَقَالَ فِيهَا
فَقَالَ الرجل: لَيْسَ هَكَذَا وَلَكِن كَذَا وَكَذَا قَالَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ -: أَحْسَنت وأخطأت {وَفَوق كل ذِي علم عليم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَفَوق كل ذِي علم عليم} قَالَ: علم الله فَوق كل عَالم
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - {وَفَوق كل ذِي علم عليم} قَالَ: الله أعلم من كل أحد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: لَيْسَ عَالم إِلَّا فَوْقه عَالم حَتَّى يَنْتَهِي الْعلم إِلَى الله
مِنْهُ بدا وَإِلَيْهِ يعود
وَفِي قِرَاءَة عبد الله وَفَوق كل عَالم عليم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَفَوق كل ذِي علم عليم} قَالَا: هُوَ ذَلِك أَيْضا يُوسُف واخوته هُوَ فَوْقهم فِي الْعلم
(4/562)
الْآيَات 77 - 79
(4/563)
قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {قَالُوا إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل} قَالَ: يعنون يُوسُف
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ أول مَا دخل على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام من الْبلَاء فِيمَا بَلغنِي أَن عمته وَكَانَت أكبر ولد إِسْحَق عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَت إِلَيْهَا منْطقَة إِسْحَق
فَكَانُوا يتوارثونها بِالْكبرِ وَكَانَ يَعْقُوب حِين ولد لَهُ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قد حضنته عمته فَكَانَ مَعهَا وإليها
فَلم يحب أحد شَيْئا من الْأَشْيَاء كحبها إِيَّاه حَتَّى ترعرع وَقعت نفس يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْهِ فَأَتَاهَا فَقَالَ: يَا أخية سلمي إِلَيّ يُوسُف فوَاللَّه مَا أقدر على أَن يغيب عني سَاعَة
قَالَت: فوَاللَّه مَا أَنا بتاركته فَدَعْهُ عِنْدِي أَيَّامًا أنظر إِلَيْهِ لَعَلَّ ذَلِك يسليني عَنهُ
فَلَمَّا خرج يَعْقُوب من عِنْدهَا عَمَدت إِلَى منْطقَة إِسْحَق عَلَيْهِ السَّلَام فحزمتها على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام من تَحت ثِيَابه ثمَّ قَالَت: فقدت منْطقَة إِسْحَق فانظروا من أَخذهَا وَمن أَصَابَهَا فَالْتمست ثمَّ قَالَت: اكشفوا أهل الْبَيْت
فكشفوهم فوجدوها مَعَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَت: وَالله إِنَّه لسلم لي أصنع فِيهِ مَا شِئْت فَأَتَاهَا يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخْبَرته الْخَبَر فَقَالَ لَهَا: أَنْت وَذَاكَ إِن كَانَ فعل ذَلِك فَهُوَ سلم لَك مَا أَسْتَطِيع غير ذَلِك فأمسكته فَمَا قدر عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَت عَلَيْهَا السَّلَام
فَهُوَ الَّذِي يَقُول إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِم السَّلَام حِين صنع بأَخيه مَا صنع: {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: سرق مكحلة لخالته
(4/563)
وَأخرج ابو الشَّيْخ عَن عَطِيَّة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سرق فِي صباه ميلين من ذهب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل} قَالَ: سرق يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام صنماً لجده أبي أمه من ذهب وَفِضة فَكَسرهُ وألقاه فِي الطَّرِيق فَعَيَّرَهُ بذلك إخْوَته
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت أم يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أمرت يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَن يسرق صنماً لخاله كَانَ يعبده وَكَانَت مسلمة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سَرقته الَّتِي عابوه بهَا: أَخذ صنماً كَانَ لأبي أمه وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك الْخَيْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام غُلَاما صَغِيرا مَعَ أمه عِنْد خَال لَهُ وَهُوَ يلْعَب مَعَ الغلمان فَدخل كَنِيسَة لَهُم فَوجدَ تمثالاً لَهُم صَغِيرا من ذهب فَأَخذه
قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عيره إخْوَته بِهِ {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطِيَّة - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام مَعَهم على الخوان فَأخذ شَيْئا من الطَّعَام فَتصدق بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - أَنه سُئِلَ: كَيفَ أَخَاف يُوسُف أَخَاهُ بِأخذ الصواع وَقد كَانَ أخبرهُ أَنه أَخُوهُ وَأَنْتُم تَزْعُمُونَ أَنه لم يزل متنكراً لَهُم
مكايدهم حَتَّى رجعُوا فَقَالَ: إِنَّه لم يعْتَرف لَهُ بِالنّسَبِ وَلكنه قَالَ: أَنا أَخُوك مَكَان أَخِيك الْهَالِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {فأسرها يُوسُف فِي نَفسه وَلم يبدها لَهُم} قَالَ: أسر فِي نَفسه
قَوْله {أَنْتُم شَرّ مَكَانا وَالله أعلم بِمَا تصفون}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {شَرّ مَكَانا} قَالَ يُوسُف: يَقُول {وَالله أعلم بِمَا تصفون} قَالَ: تَقولُونَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن شيبَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما لَقِي
(4/564)
يُوسُف أَخَاهُ قَالَ: هَل تزوجت بعدِي قَالَ: نعم
قَالَ: وَمَا شغلك الْحزن عَليّ قَالَ: إِن أَبَاك يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لي: تزوج لَعَلَّ الله أَن يذرأ مِنْك ذُرِّيَّة يثقلون أَو قَالَ يسكنون الأَرْض بتسبيحة
الْآيَة 80
(4/565)
فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)
أخرج ابْن جرير عَن ابْن إِسْحَق - رَضِي الله عَنهُ - {فَلَمَّا استيأسوا مِنْهُ} قَالَ: أيسوا وَرَأَوا شدته فِي الْأَمر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {خلصوا نجياً} قَالَ: وحدهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {قَالَ كَبِيرهمْ} قَالَ: شَمْعُون الَّذِي تخلف أكبرهم عقلا وأكبر مِنْهُ فِي الميلاد روبيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {قَالَ كَبِيرهمْ} هُوَ روبيل وَهُوَ الَّذِي كَانَ نَهَاهُم عَن قَتله وَكَانَ أكبر الْقَوْم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَو يحكم الله لي} قَالَ: أقَاتل بِالسَّيْفِ حَتَّى أقتل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن شَمْعُون كَانَ أَشد بني يَعْقُوب بَأْسا وَإنَّهُ كَانَ إِذا غضب قَامَ شعره وانتفخ فَلَا يُطْفِئ غَضَبه شَيْء إِلَّا أَن يمسهُ أحد من آل يَعْقُوب وَإنَّهُ كَانَ قد أغار مرّة على أهل قَرْيَة فدمرهم
وَإنَّهُ غضب يَوْم أَخذ بَنو يَعْقُوب بالصواع غَضبا شَدِيدا
حَتَّى انتفخ فَأمر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ابْنه أَن يمسهُ فسكن غَضَبه وَبرد وَقَالَ: قد مسني يَد من آل يَعْقُوب
(4/565)
الْآيَات 81 - 83
(4/566)
ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه قَرَأَ {إِن ابْنك سرق}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لِبَنِيهِ: مَا يدْرِي هَذَا الرجل أَن السَّارِق يُؤْخَذ بسرقته إِلَّا بقولكم
قَالُوا: مَا شَهِدنَا إِلَّا بِمَا علمنَا لم نشْهد أَن السَّارِق يُؤْخَذ بسرقته إِلَّا وَذَاكَ الَّذِي علمنَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كره أَن يكْتب الرجل شَهَادَته فَإِذا اسْتشْهد شهد وَيقْرَأ {وَمَا شَهِدنَا إِلَّا بِمَا علمنَا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا كُنَّا للغيب حافظين} قَالَ: لم نعلم أَنه سيسرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا كُنَّا للغيب حافظين} قَالَ: مَا كُنَّا نعلم أَن ابْنك يسرق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا كُنَّا للغيب حافظين} قَالَ: يَقُولُونَ مَا كُنَّا نظن أَن ابْنك يسرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {واسأل الْقرْيَة} قَالَ: مصر
وَفِي قَوْله {عَسى الله أَن يأتيني بهم جَمِيعًا} قَالَ: بِيُوسُف وأخيه وروبيل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {عَسى الله أَن يأتيني بهم جَمِيعًا} قَالَ: بِيُوسُف وأخيه وَكَبِيرهمْ الَّذِي تخلف
(4/566)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي روق - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما حبس يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أَخَاهُ بِسَبَب السّرقَة كتب إِلَيْهِ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: من يَعْقُوب ابْن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله إِلَى يُوسُف عَزِيز فِرْعَوْن أما بعد فَإنَّا أهل بَيت مُوكل بِنَا الْبلَاء إِن أبي إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ألقِي فِي النَّار فِي الله فَصَبر فَجَعلهَا الله عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا وَإِن أبي إِسْحَق عَلَيْهِ السَّلَام قرب للذبح فِي الله فَصَبر فَفَدَاهُ الله بِذبح عَظِيم
وَإِن الله كَانَ وهب لي قُرَّة عين فسلبنيه فَأذْهب حزنه بَصرِي وأيبس لحمي على عظمي فَلَا ليلِي ليل وَلَا نهاري نَهَار والأسير الَّذِي فِي يَديك بِمَا ادعِي عَلَيْهِ من السرق أَخُوهُ لأمه فَكنت إِذا ذكرت أسفي عَلَيْهِ قربته مني فيسلي عني بعض مَا كنت أجد
وَقد بَلغنِي أَنَّك حَبسته بِسَبَب سَرقَة فَخَل سَبيله فَإِنِّي لم أَلد سَارِقا وَلَيْسَ بسارق وَالسَّلَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْجلد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ لَهُ أَخُوهُ: يَا أَيهَا الْعَزِيز لقد ذهب لي أَخ مَا رَأَيْت أحدا أشبه بِهِ مِنْك لكأنه الشَّمْس
فَقَالَ لَهُ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: اسْأَل إِلَه يَعْقُوب أَن يرحم صباك وَأَن يرد إِلَيْك أَخَاك
الْآيَة 84
(4/567)
وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يَا أسفى على يُوسُف} قَالَ: يَا حزنا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يَا أسفى على يُوسُف} قَالَ: يَا حزنا على يُوسُف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يَا أسفى على يُوسُف} قَالَ: يَا جزعاً
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن سعيد وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن يُونُس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما مَاتَ سعيد بن الْحسن حزن عَلَيْهِ الْحسن حزنا شَدِيدا فَكلم الْحسن فِي ذَلِك فَقَالَ: مَا سَمِعت الله عَابَ على يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام الْحزن
(4/567)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ مُنْذُ خرج يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام من عِنْد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يَوْم رَجَعَ ثَمَانُون سنة لم يُفَارق الْحزن قلبه ودموعه تجْرِي على خديه
وَلم يزل يبكي حَتَّى ذهب بَصَره
وَالله مَا على وَجه الأَرْض يَوْمئِذٍ خَلِيقَة أكبر على الله من يَعْقُوب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لم يُعْط أحد الاسترجاع غير هَذِه الْأمة وَلَو أعطيها أحد لأعطيها يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام
أَلا تستمعون إِلَى قَوْله {يَا أسفى على يُوسُف}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَحْنَف بن قيس - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَن دَاوُد قَالَ: يَا رب إِن بني إِسْرَائِيل يَسْأَلُونَك بإبراهيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب فَاجْعَلْنِي لَهُم رَابِعا
فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن إِبْرَاهِيم ألقِي فِي النَّار بسببي فَصَبر وَتلك بلية لم تنلك
وَأَن إِسْحَق بذل مهجة دَمه فِي سببي فَصَبر وَتلك بلية لم تنلك وَإِن يَعْقُوب أخذت مِنْهُ حَبِيبه حَتَّى ابْيَضَّتْ عَيناهُ من الْحزن فَصَبر وَتلك بلية لم تَنَلكَ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {فَهُوَ كظيم} قَالَ: حَزِين
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فَهُوَ كظيم} مَا الكظيم قَالَ: المغموم
قَالَ فِيهِ قيس بن زُهَيْر: فَإِن أك كاظماً لمصاب شَاس فَإِنِّي الْيَوْم منطلق لساني وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فَهُوَ كظيم} قَالَ: كظم الْحزن
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَعبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فَهُوَ كظيم} قَالَ: كظم على الْحزن فَلم يقل إِلَّا خيرا أَو فِي لفظ: يردد حزنه فِي جَوْفه وَلم يتَكَلَّم بِسوء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فَهُوَ كظيم} قَالَ: فَهُوَ مكروب
(4/568)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {كظيم} قَالَ: مكروب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الكظيم الكمد
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {فَهُوَ كظيم} قَالَ: مكمود
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الكظيم الَّذِي لَا يتَكَلَّم بلغ بِهِ الْحزن حَتَّى كَانَ لَا يكلمهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن لَيْث بن أبي سليم - رَضِي الله عَنهُ - أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام دخل على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي السجْن فَعرفهُ فَقَالَ لَهُ: أَيهَا الْملك الْكَرِيم على ربه هَل لَك علم بِيَعْقُوب قَالَ نعم
قَالَ: مَا فعل قَالَ: ابْيَضَّتْ عَيناهُ من الْحزن عَلَيْك
قَالَ: فَمَاذَا بلغ من حزنه قَالَ: حزن سبعين مثكلة
قَالَ: هَل لَهُ على ذَلِك من أجر قَالَ: نعم
أجر مائَة شَهِيد
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق لَيْث عَن ثَابت الْبنانِيّ - رَضِي الله عَنهُ - مثله سَوَاء
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق لَيْث بن أبي سليم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: حدثت أَن جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام دخل على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ بِمصْر فِي صُورَة رجل فَلَمَّا رَآهُ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام عرفه فَقَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَيهَا الْملك الطّيب رِيحه الطَّاهِر ثِيَابه الْكَرِيم على ربه هَل لَك بِيَعْقُوب من علم قَالَ: نعم
قَالَ: فَكيف هُوَ
فَقَالَ: ذهب بَصَره
قَالَ: وَمَا الَّذِي أذهب بَصَره قَالَ: الْحزن عَلَيْك
قَالَ: فَمَا أعطي على ذَلِك قَالَ: أجر سبعين شَهِيدا
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن أبي جَعْفَر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: دخل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي السجْن فَقَالَ لَهُ يُوسُف: يَا جِبْرِيل مَا بلغ من حزن أبي قَالَ: حزن سبعين ثَكْلَى
قَالَ: فَمَا بلغ أجره من الله قَالَ: أجر مائَة شَهِيد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن خلف بن حَوْشَب مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما أَتَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يُوسُف عَلَيْهِ
(4/569)
السَّلَام بالبشرى وَهُوَ فِي السجْن قَالَ: هَل تعرفنِي أَيهَا الصّديق قَالَ: أرى صُورَة طَاهِرَة وريحاً طيبَة لَا تشبه أَرْوَاح الخاطئين
قَالَ: فَإِنِّي رَسُول رب الْعَالمين وَأَنا الرّوح الْأمين
قَالَ: فَمَا الَّذِي أدْخلك إِلَى مدْخل المذنبين وَأَنت أطيب الطيبين وَرَأس المقربين وَأمين رب الْعَالمين
قَالَ: ألم تعلم يَا يُوسُف أَن الله يطهر الْبيُوت بمطهر النَّبِيين وَأَن الأَرْض الَّتِي تدخلونها هِيَ أطيب الْأَرْضين وَأَن الله قد طهر بك السجْن وَمَا حوله بِأَطْهَرَ الطاهرين وَابْن المطهرين إِنَّمَا يتَطَهَّر بِفضل طهرك وطهر آبَائِك الصَّالِحين المخلصين
قَالَ: كَيفَ تسميني بأسماء الصديقين وتعدني من المخلصين وَقد دخلت مدْخل المذنبين وَسميت بالضالين المفسدين
قَالَ: لم يفتن قَلْبك الْحزن وَلم يدنس حريتك الرّقّ وَلم تُطِع سيدتك فِي مَعْصِيّة رَبك فَلذَلِك سماك الله بأسماء الصديقين وعدّك مَعَ المخلصين وألحقك بآبائك الصَّالِحين
قَالَ: هَل لَك علم بِيَعْقُوب قَالَ: نعم وهب الله لَهُ الصَّبْر الْجَمِيل وابتلاه بالحزن عَلَيْك فَهُوَ كظيم
قَالَ: فَمَا قدر حزنه قَالَ: قدر سبعين ثَكْلَى
قَالَ: فَمَاذَا لَهُ من الْأجر قَالَ: قدر مائَة شَهِيد
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَتَى جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ فِي السجْن فَسلم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يُوسُف: أَيهَا الْملك الْكَرِيم على ربه الطّيب رِيحه الطَّاهِر ثِيَابه هَل لَك علم بِيَعْقُوب قَالَ: نعم مَا أَشد حزنه
قَالَ: مَاذَا لَهُ من الْأجر قَالَ: أجر سبعين ثَكْلَى
قَالَ: أفتراني لاقيه قَالَ: نعم
فطابت نفس يُوسُف
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ مَا بلغ وجد يَعْقُوب على ابْنه قَالَ: وجد سبعين ثَكْلَى
قيل فَمَا كَانَ لَهُ من الْأجر قَالَ: أجر مائَة شَهِيد وَمَا سَاءَ ظَنّه بِاللَّه سَاعَة من ليل أَو نَهَار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عَمْرو بن دِينَار أَنه ألقِي على يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام حزن سبعين مثكل وَمكث فِي ذَلِك الْحزن ثَمَانِينَ عَاما
(4/570)
الْآيَات 85 - 86
(4/571)
قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {تالله تفتأ تذكر يُوسُف} قَالَ: لَا تزَال تذكر يُوسُف {حَتَّى تكون حرضاً} قَالَ: دنفاً من الْمَرَض {تكون من الهالكين} قَالَ الميتين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {قَالُوا تالله تفتأ تذكر يُوسُف} قَالَ: لَا تزَال تذكر يُوسُف لَا تفتر عَن حبه {حَتَّى تكون حرضاً} قَالَ: هرماً {أَو تكون من الهالكين} قَالَ: أَو تَمُوت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - {حَتَّى تكون حرضاً} قَالَ: الحرض الشَّيْء الْبَالِي {أَو تكون من الهالكين} قَالَ الميتين
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي والطستي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {تفتأ تذكر يُوسُف} قَالَ: لَا تزَال تذكر يُوسُف
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: لعمرك لَا تفتأ تذكر خَالِدا وَقد غاله مَا غال تبع من قبل قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {حَتَّى تكون حرضاً} قَالَ: الحرض المدنف الْهَالِك من شدَّة الوجع
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: أَمن ذكر ليلى أَن نأت قَرْيَة بهَا كَأَنَّك حم للأطباء محرض وَأخرج ابْن جرير عَن طَلْحَة بن مصرف الأيامي قَالَ: ثَلَاثَة لَا تذكرهن واجتنب ذكرهن: لَا تَشْكُ مرضك وَلَا تَشْكُ مصيبتك وَلَا تُزَكِّ نفسكَ
قَالَ: وأنبئت أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام دخل عَلَيْهِ جَار لَهُ فَقَالَ: يَا يَعْقُوب مَا لي أَرَاك قد انهشمت وفنيت وَلم تبلغ من السن مَا بلغ أَبوك قَالَ: هشمني وأفناني مَا ابتلاني الله بِهِ من هم يُوسُف وَذكره
فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا يَعْقُوب اتشكوني إِلَى خلقي فَقَالَ: يَا رب خَطِيئَة أخطأتها فاغفرها لي
قَالَ: فَإِنِّي قد غفرت لَك
فَكَانَ بعد ذَلِك إِذا سُئِلَ قَالَ {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله}
(4/571)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن مُسلم بن يسَار - رَضِي الله عَنهُ - يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من بَث لم يصبر ثمَّ قَرَأَ {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله}
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بَث لم يصبر ثمَّ قَرَأَ {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله}
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كنوز الْبر إخفاء الصَّدَقَة وكتمان المصائب والأمراض وَمن بَث لم يصبر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن بن يَعْقُوب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثَلَاث من كنوز الْبر: كتمان الصَّدَقَة وكتمان الْمُصِيبَة وكتمان الْمَرَض
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أصبح حَزينًا على الدُّنْيَا أصبح ساخطاً على ربه
وَمن أصبح يشكو مُصِيبَة نزلت بِهِ فَإِنَّمَا يشكو الله وَمن تضعضع لَغَنِيّ لينال من دُنْيَاهُ أحبط الله ثُلثي عمله
وَمن أعطي الْقُرْآن فَدخل النَّار فَأَبْعَده الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - مَرْفُوعا مثله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: ثَلَاث من ملاك أَمرك: أَن لَا تَشْكُو مصيبتك وَأَن لَا تحدث بوجعك وَإِن لَا تزكي نَفسك بلسانك
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: وجدت فِي التَّوْرَاة أَرْبَعَة أسطر مُتَوَالِيَة: من شكا مصيبته فَإِنَّمَا يشكو ربه وَمن تضعضع لَغَنِيّ ذهب ثلثا دينه وَمن حزن على مَا فِي يَد غَيره فقد سخط قَضَاء ربه وَمن قَرَأَ كتاب الله فَظن أَن لَا يغْفر لَهُ فَهُوَ من الْمُسْتَهْزِئِينَ بآيَات الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: من ابتلى ببلاء فكتمه ثَلَاثًا لَا يشكو إِلَى أحد أَتَاهُ الله برحمته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن حبيب بن أبي ثَابت: أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ قد سقط
(4/572)
حاجباه على عَيْنَيْهِ من الْكبر فَكَانَ يرفعهما بِخرقَة
فَقيل لَهُ: مَا بلغ بك هَذَا قَالَ طول الزَّمَان وَكَثْرَة الأحزان
فَأوحى الله إِلَيْهِ يَا يَعْقُوب اتشكوني قَالَ: يَا رب خَطِيئَة أخطأتها فَاغْفِر لي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن نصر بن عَرَبِيّ قَالَ: بَلغنِي أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لما طَال حزنه على يُوسُف ذهبت عَيناهُ من الْحزن
فَجعل العوّاد يدْخلُونَ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: السَّلَام عَلَيْك يَا نَبِي الله كَيفَ تجدك فَيَقُول: شيخ كَبِير قد ذهب بَصرِي
فاوحى الله إِلَيْهِ يَا يَعْقُوب شكوتني إِلَى عوادك قَالَ: أَي رب هَذَا ذَنْب عملته لَا أَعُود إِلَيْهِ فَلم يزل بعد يَقُول {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {إِنَّمَا أَشْكُو بثي} قَالَ: همي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَشْكُو بثي} قَالَ: حَاجَتي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ} يَقُول: أعلم أَن رُؤْيا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام صَادِقَة وَإِنِّي سأسجد لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن شَدَّاد رضى الله عَنهُ قَالَ: سَمِعت نشيج عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - وَإِنِّي لفي آخر الصُّفُوف فِي صَلَاة الصُّبْح وَهُوَ يقْرَأ {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَلْقَمَة بن أبي وَقاص - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: صليت خلف عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - الْعشَاء فَقَرَأَ سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا أَتَى على ذكر يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام نشج حَتَّى سَمِعت نَشِيجه وَأَنا فِي مُؤخر الصُّفُوف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: ذكر لنا أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام وَلم تنزل بِهِ شدَّة بلَاء قطّ إِلَّا أَتَاهُ حسن ظَنّه بِاللَّه من وَرَاء بلائه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عبد الرَّزَّاق - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بلغنَا أَن يَعْقُوب
(4/573)
عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا رب أذهبت وَلَدي وأذهبت بَصرِي
قَالَ: بلَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَإِنِّي لأرحمك ولأردنَّ عَلَيْك بَصرك وولدك
وَإِنَّمَا ابتليتك بِهَذِهِ البلية لِأَنَّك ذبحت جملا فشويته فَوجدَ جَارك رِيحه فَلم تنله
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي تَفْسِيره وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْفرج بعد الشدَّة وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ ليعقوب عَلَيْهِ السَّلَام أَخ مؤاخ فَقَالَ لَهُ ذَات يَوْم: يَا يَعْقُوب مَا الَّذِي أذهب بَصرك وَمَا الَّذِي قَوس ظهرك قَالَ: أما الَّذِي أذهب بَصرِي فالبكاء على يُوسُف
وَأما الَّذِي قَوس ظَهْري فالحزن على بنيامين
فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا يَعْقُوب إِن الله عز وَجل يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك: مَا تَسْتَحي تشكوني إِلَى غَيْرِي قَالَ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام {إِنَّمَا أَشْكُو بثي وحزني إِلَى الله} فَقَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام
الله أعلم بِمَا تَشْكُو يَا يَعْقُوب
ثمَّ قَالَ يَعْقُوب: أما ترحم الشَّيْخ الْكَبِير أذهبت بَصرِي وقوست ظَهْري فاردد عَليّ ريحانتي أشمه شمة قبل الْمَوْت ثمَّ اصْنَع بِي مَا أردْت
فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا يَعْقُوب إِن الله يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول لَك: أبشر وليفرح قَلْبك فَوَعِزَّتِي لَو كَانَا ميتين لنشرتهما لَك
فَاصْنَعْ طَعَاما للْمَسَاكِين فَإِن أحب عبَادي إِلَيّ: الْأَنْبِيَاء وَالْمَسَاكِين
وَتَدْرِي لم أذهبت بَصرك وقوست ظهرك وصنع إخْوَة يُوسُف بِهِ مَا صَنَعُوا إِنَّكُم ذبحتم شَاة فأتاكم مِسْكين وَهُوَ صَائِم فَلم تطعموه مِنْهَا شَيْئا
فَكَانَ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام إِذا أَرَادَ الْغَدَاء أَمر منادياً يُنَادي أَلا من أَرَادَ الْغَدَاء من الْمَسَاكِين فليتغد مَعَ يَعْقُوب وَإِذا كَانَ صَائِما أَمر منادياً أَلا من كَانَ صَائِما من الْمَسَاكِين فليفطر مَعَ يَعْقُوب
الْآيَة 87
(4/574)
يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن النَّصْر بن عَرَبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بَلغنِي أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام مكث أَرْبَعَة وَعشْرين عَاما لَا يدْرِي أَحَي يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام أم
(4/574)
ميت حَتَّى تخَلّل لَهُ ملك الْمَوْت فَقَالَ لَهُ: من أَنْت قَالَ: أَنا ملك الْمَوْت
قَالَ: فأنشدك بإله يَعْقُوب هَل قبضت روح يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: لَا
فَعِنْدَ ذَلِك قَالَ {يَا بني اذْهَبُوا فتحسسوا من يُوسُف وأخيه وَلَا تيأسوا من روح الله} فَخَرجُوا إِلَى مصر فَلم دخلُوا عَلَيْهِ لم يَجدوا كلَاما أرق من كَلَام اسْتَقْبلُوهُ بِهِ
{قَالُوا يَا أَيهَا الْعَزِيز مسنا وأهلنا الضّر}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَلَا تيأسوا من روح الله} قَالَ: من رَحْمَة الله
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَلَا تيأسوا من روح الله} قَالَ: من فرج الله يفرج عَنْكُم الْغم الَّذِي أَنْتُم فِيهِ
الْآيَة 88
(4/575)
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يَا أَيهَا الْعَزِيز مسنا وأهلنا الضّر} أَي الضّر فِي الْمَعيشَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَجِئْنَا ببضاعة} قَالَ: دَرَاهِم {مزجاة} قَالَ: كاسدة غير طائلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {ببضاعة مزجاة} قَالَ: رثَّة الْمَتَاع خلق الْحَبل والغرارة وَالشَّيْء
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {ببضاعة مزجاة} قَالَ: الْوَرق الردية الزُّيُوف الَّتِي لَا تنْفق حَتَّى يوضع فِيهَا
(4/575)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ببضاعة مزجاة} قَالَ: قَليلَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ببضاعة مزجاة} قَالَ: دَرَاهِم زيوف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {ببضاعة مزجاة} قَالَ أَحدهمَا: نَاقِصَة
وَقَالَ الآخر: فلوس رَدِيئَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن الْحَارِث - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ببضاعة مزجاة} قَالَ: مَتَاع الإِعراب الصُّوف وَالسمن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ببضاعة مزجاة} قَالَ: حَبَّة الخضراء وصنوبر وقطن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ببضاعة مزجاة} قَالَ: ببعيرات وبقرات عجاف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {مزجاة} قَالَ: كاسدة
وَأخرج ابْن النجار عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {ببضاعة مزجاة} قَالَ: سويق الْمقل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن أنس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه سُئِلَ عَن أجر الكيالين: أيؤخذ من المُشْتَرِي قَالَ: الصَّوَاب - وَالَّذِي يَقع فِي قلبِي - أَن يكون على البَائِع
وَقد قَالَ إخْوَة يُوسُف عَلَيْهِم السَّلَام: {فأوف لنا الْكَيْل وَتصدق علينا}
وَكَانَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ الَّذِي يَكِيل
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: فِي مصحف عبد الله ((فأوف لنا الْكَيْل وأوقر رِكَابنَا))
وَأخرج ابْن جرير عَن سُفْيَان بن عيينه - رَضِي الله عَنهُ - أَنه سُئِلَ: هَل حرمت الصَّدَقَة على أحد الْأَنْبِيَاء قبل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أم تسمع قَوْله {فأوف لنا الْكَيْل وَتصدق علينا إِن الله يَجْزِي المتصدقين}
(4/576)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لَا يَأْكُلُون الصَّدَقَة إِنَّمَا كَانَت دَرَاهِم نفاية لَا تجوز بَينهم فَقَالُوا: تجوّز عَنَّا وَلَا تُنْقِصْنا من السّعر لأجل رَدِيء دراهمنا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَتصدق علينا} قَالَ: ارْدُدْ علينا أخانا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الْعَزِيز - رَضِي الله عَنهُ - أَن رجلا قَالَ لَهُ: تصدق عليَّ تصدق الله عَلَيْك بِالْجنَّةِ فَقَالَ: وَيحك إِن الله لَا يتَصَدَّق وَلَكِن الله يَجْزِي المتصدقين
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - أَنه سُئِلَ: أيكره أَن يَقُول الرجل فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ تصدق عَليّ فَقَالَ: نعم إِنَّمَا الصَّدَقَة لمن يَبْتَغِي الثَّوَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ثَابت الْبنانِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قيل لبني يَعْقُوب: إِن بِمصْر رجلا يطعم الْمِسْكِين ويملأ حجر الْيَتِيم
قَالُوا: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا منا أهل الْبَيْت فنظروا فَإِذا هُوَ يُوسُف بن يَعْقُوب
الْآيَات 89 - 90
(4/577)
قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89) قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْأَعْمَش - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَرَأَ يحيى بن وثاب - رَضِي الله عَنهُ - أَنَّك لأَنْت يُوسُف بِهَمْزَة وَاحِدَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: فِي حرف عبد الله {قَالَ أَنا يُوسُف وَهَذَا أخي} بيني وَبَينه قربى {قد منّ الله علينا}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي قَوْله {إِنَّه من يتق} الزِّنَا {ويصبر} على الْعُزُوبَة فَإِن الله {لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَكْتُوب فِي الْكتاب الأول أَن الْحَاسِد لَا يضر بحسده إِلَّا نَفسه لَيْسَ ضاراً
(4/577)
من حسد
وَإِن الْحَاسِد ينقصهُ حسده وَإِن الْمَحْسُود إِذا صَبر نجاه الله بصبره لِأَن الله يَقُول {إِنَّه من يتق ويصبر فَإِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ}
الْآيَة 91
(4/578)
قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {قَالُوا تالله لقد آثرك الله علينا} وَذَلِكَ بَعْدَمَا عرفهم نَفسه لقوا رجلا حَلِيمًا لم يبث وَلم يثرب عَلَيْهِم أَعْمَالهم
الْآيَات 92 - 93
(4/578)
قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لَا تَثْرِيب} قَالَ: لَا تعيير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَا تَثْرِيب} قَالَ لَا إباء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: لما استفتح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة الْتفت إِلَى النَّاس فَقَالَ: مَاذَا تَقولُونَ وماذا تظنون
قَالُوا: ابْن عَم كريم
فَقَالَ {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم يغْفر الله لكم}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما فتح مَكَّة صعد الْمِنْبَر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا أهل مَكَّة مَاذَا تظنون مَاذَا تَقولُونَ قَالُوا: نظن خيرا ونقول خيرا: ابْن عَم كريم قد قدرت قَالَ: فَإِنِّي أَقُول كَمَا قَالَ أخي يُوسُف {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما فتح مَكَّة طَاف بِالْبَيْتِ وَصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ أَتَى الْكَعْبَة فَأخذ بِعضَادَتَيْ
(4/578)
الْبَاب فَقَالَ: مَاذَا تَقولُونَ وماذا تظنون قَالُوا: نقُول ابْن أَخ وَابْن عَم حَلِيم رَحِيم فَقَالَ: أَقُول كَمَا قَالَ يُوسُف {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم يغْفر الله لكم وَهُوَ أرْحم الرَّاحِمِينَ} فَخَرجُوا كَأَنَّمَا نشرُوا من الْقُبُور فَدَخَلُوا فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: طلب الْحَوَائِج إِلَى الشَّبَاب أسهل مِنْهَا إِلَى الشُّيُوخ
ألم تَرَ إِلَى قَول يُوسُف {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم} وَقَالَ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام {سَوف أسْتَغْفر لكم رَبِّي}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي عمرَان الْجونِي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أما وَالله مَا سمعنَا بِعَفْو قطّ مثل عَفْو يُوسُف
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما كَانَ من أَمر إخْوَة يُوسُف مَا كَانَ كتب يَعْقُوب إِلَى يُوسُف - وَهُوَ لَا يعلم أَنه يُوسُف - بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
من يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم إِلَى عَزِيز آل فِرْعَوْن سَلام عَلَيْك
فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد: فَإنَّا أهل بَيت مولع بِنَا أَسبَاب الْبلَاء
كَانَ جدي إِبْرَاهِيم خَلِيل الله عَلَيْهِ السَّلَام ألقِي فِي النَّار فِي طَاعَة ربه فَجَعلهَا عَلَيْهِ الله بردا وَسلَامًا
وَأمر الله جدي أَن يذبح لَهُ أبي ففاده الله بِمَا فدَاه الله بِهِ
وَكَانَ لي ابْن وَكَانَ من أحب النَّاس إِلَيّ فَفَقَدته
فَأذْهب حزني عَلَيْهِ نور بَصرِي وَكَانَ لَهُ أَخ من أمه كنت إِذا ذكرته ضممته إِلَى صَدْرِي
فَأذْهب عني وَهُوَ الْمَحْبُوس عنْدك فِي السّرقَة وَأَنِّي أخْبرك أَنِّي لم أسرق وَلم أَلد سَارِقا
فَلَمَّا قَرَأَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام الْكتاب بَكَى وَصَاح وَقَالَ {اذْهَبُوا بقميصي هَذَا فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي قَوْله {اذْهَبُوا بقميصي هَذَا} إِن نمْرُود لما ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار نزل إِلَيْهِ جِبْرِيل بقميص من الْجنَّة وطنفسة من الْجنَّة فألبسه الْقَمِيص وَأَقْعَدَهُ على الطنفسة وَقعد مَعَه يتحدث فَأوحى الله إِلَى النَّار (كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم) (سُورَة الْأَنْبِيَاء الْآيَة 69) وَلَوْلَا أَنه قَالَ: وَسلَامًا لأذاه الْبرد ولقتله الْبرد
(4/579)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رجل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا خير الْبشر فَقَالَ: ذَاك يُوسُف صديق الله ابْن يَعْقُوب إِسْرَائِيل الله ابْن اسحاق ذبيح الله ابْن إِبْرَاهِيم خَلِيل الله
إِن الله كسا إِبْرَاهِيم ثوبا من الْجنَّة فَكَسَاهُ إِبْرَاهِيم إِسْحَاق فَكَسَاهُ اسحاق يَعْقُوب فَأَخذه يَعْقُوب فَجعله فِي قَصَبَة حَدِيد وعلقه فِي عنق يُوسُف وَلَو علم إخْوَته إِذْ ألقوه فِي الْجب لأخذوه فَلَمَّا أَرَادَ الله أَن يرد يُوسُف على يَعْقُوب وَكَانَ بَين رُؤْيَاهُ وتعبيرها أَرْبَعِينَ سنة أَمر البشير أَن يبشره من ثَمَان مراحل فَوجدَ يَعْقُوب رِيحه فَقَالَ {إِنِّي لأجد ريح يُوسُف لَوْلَا أَن تفندون} فَلَمَّا أَلْقَاهُ على وَجهه ارْتَدَّ بَصيرًا وَلَيْسَ يَقع شَيْء من الْجنَّة على عاهة من عاهات الدُّنْيَا إِلَّا أبرأها بِإِذن الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْمطلب بن عبد الله بن حنْطَب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما ألقِي إِبْرَاهِيم فِي النَّار كَسَاه الله تَعَالَى قَمِيصًا من الْجنَّة فَكَسَاهُ إِبْرَاهِيم إِسْحَاق وكساه اسحاق يَعْقُوب وكساه يَعْقُوب يُوسُف فطواه وَجعله فِي قَصَبَة فضَّة فَجعله فِي عُنُقه وَكَانَ فِي عُنُقه حِين ألقِي فِي الْجب: وَحين سجن وَحين دخل عَلَيْهِ إخْوَته
وَأخرج الْقَمِيص من القصبة فَقَالَ {اذْهَبُوا بقميصي هَذَا فألقوه على وَجه أبي يَأْتِ بَصيرًا} فشم يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام ريح الْجنَّة وَهُوَ بِأَرْض كنعان بِأَرْض فلسطين فَقَالَ {إِنِّي لأجد ريح يُوسُف}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ أَهله حِين أرسل إِلَيْهِم فَأتوا مصر ثَلَاثَة وَتِسْعين إنْسَانا رِجَالهمْ أَنْبيَاء وَنِسَاؤُهُمْ صديقات وَالله مَا خَرجُوا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى بلغُوا سِتّمائَة ألف وَسبعين ألفا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: خرج يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام بِمصْر فِي اثْنَيْنِ وَسبعين من وَلَده وَولد وَلَده فَخَرجُوا مِنْهَا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وهم سِتّمائَة ألف
الْآيَات 94 - 95
(4/580)
وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94) قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَلما فصلت العير} قَالَ: خرجت العير هَاجَتْ ريح فَجَاءَت يَعْقُوب برِيح قَمِيص يُوسُف قَالَ {إِنِّي لأجد ريح يُوسُف لَوْلَا أَن تفندون} تسفهون
قَالَ: فَوجدَ رِيحه من مسيرَة ثَمَانِيَة أَيَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {إِنِّي لأجد ريح يُوسُف} قَالَ: وجد رِيحه من مسيرَة عشرَة أَيَّام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه سُئِلَ من كم وجد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام ريح الْقَمِيص قَالَ: وجده من مسيرَة ثَمَانِينَ فرسخاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: وجد ريح يُوسُف من مسيرَة شهر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: وجد يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام ريح يُوسُف من مسيرَة سِتَّة أَيَّام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: وجد رِيحه من مسيرَة سَبْعَة أَيَّام
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَوْلَا أَن تفندون} يَقُول: تجهلون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَوْلَا أَن تفندون} قَالَ: تكذبون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَوْلَا أَن تفندون} قَالَ: تهرمون تَقولُونَ قد ذهب عقلك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: المفند الَّذِي لَيْسَ لَهُ عقل
يَقُولُونَ: لَا يعقل
قَالَ: وَقَالَ الشَّاعِر: مهلا فَإِن من الْعُقُول مفندا وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَوْلَا أَن تفندون} قَالَ: لَوْلَا أَن تُحَمِّقون
(4/581)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما بعث يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام الْقَمِيص إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام أَخذه فشمه ثمَّ وَضعه على بَصَره فَرد الله عَلَيْهِ بَصَره ثمَّ حملوه إِلَيْهِ فَلَمَّا دخلُوا وَيَعْقُوب متكئ على ابْن لَهُ يُقَال لَهُ يهودا استقبله يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْجنُود وَالنَّاس فَقَالَ يَعْقُوب: يَا يهودا هَذَا فِرْعَوْن مصر
قَالَ: لَا يَا أَبَت وَلَكِن هَذَا ابْنك يُوسُف قيل لَهُ إِنَّك قادم فتلقاك فِي أهل مَمْلَكَته وَالنَّاس فَلَمَّا لقِيه ذهب يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ليبدأه بِالسَّلَامِ فَمنع من ذَلِك ليعلم أَن يَعْقُوب أكْرم على الله مِنْهُ فاعتنقه وقبّله وَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك أَيهَا الذَّاهِب بالأحزان عني
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لَقِي ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: هَل قبضت نفس يُوسُف فِيمَن قبضت قَالَ: لَا
فَعِنْدَ ذَلِك {قَالَ ألم أقل لكم إِنِّي أعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ}
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن يُونُس اليمامي قَالَ: بَلغنِي أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ أحب أهل الأَرْض إِلَى ملك الْمَوْت وَأَن ملك الْمَوْت اسْتَأْذن ربه فِي أَن يَأْتِي يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَأذن لَهُ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: يَا ملك الْمَوْت أَسأَلك بِالَّذِي خلقك: هَل قبضت نفس يُوسُف فِيمَن قبضت من النُّفُوس قَالَ: لَا
قَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: يَا يَعْقُوب أَلا أعلمك كَلِمَات لَا تسْأَل الله شَيْئا إِلَّا أَعْطَاك قَالَ: بلَى
قَالَ: قل: يَا ذَا الْمَعْرُوف الَّذِي لَا يَنْقَطِع أبدا وَلَا يُحْصِيه غَيْرك
فَدَعَا بهَا يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَلم يطلع الْفجْر حَتَّى طرح الْقَمِيص على وَجهه فَارْتَد بَصيرًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن حسن أَنه حدث أَن ملكا من مُلُوك العمالق خطب إِلَى يَعْقُوب ابْنَته رقية فَأرْسل إِلَيْهِ يَعْقُوب أَن الْمَرْأَة الْمسلمَة المعزوزة لَا تحل للْكَافِرِ الأغرل فَغَضب ذَلِك الْملك وَقَالَ: لأقتلنه ولأقتلن وَلَده فَبعث إِلَيْهِم جَيْشًا فغزا يَعْقُوب وَمَعَهُ بنوه فَجَلَسَ لَهُم على تل مُرْتَفع ثمَّ قَالَ: أَي بني أَي ذَلِك أحب إِلَيْكُم أَن تَقْتُلُوهُمْ بِأَيْدِيكُمْ قتلا أَو يكفيكموهم الله فَإِنِّي قد سَأَلت الله ذَلِك فأعطانيه
قَالُوا نقتلهم بِأَيْدِينَا هُوَ أشفى لأنفسنا
قَالَ: أَي بني أَو تقبلون كِفَايَة الله قَالَ: فَدَعَا الله عَلَيْهِم يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَخسفَ بهم
(4/582)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {إِنَّك لفي ضلالك الْقَدِيم} يَقُول: خطئك الْقَدِيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لفي ضلالك الْقَدِيم} يَقُول: جنونك الْقَدِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لفي ضلالك الْقَدِيم} قَالَ: حبك الْقَدِيم
الْآيَة 96
(4/583)
فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (96)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير أَلْقَاهُ على وَجهه} قَالَ: الْبَرِيد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فَلَمَّا أَن جَاءَ البشير} قَالَ: البشير يهودا بن يَعْقُوب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: البشير هُوَ يهودا
قَالَ: وَكَانَ ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - يقْرَأ: [وَجَاء البشير من بَين يَدي العير]
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما جَاءَ البشير إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: مَا وجدت عندنَا شَيْئا وَمَا اختبزنا مُنْذُ سَبْعَة أَيَّام
وَلَكِن هوّن الله عَلَيْك سكرة الْمَوْت
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن لُقْمَان الْحَنَفِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بلغنَا أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام لما أَتَاهُ البشير قَالَ لَهُ: مَا أَدْرِي مَا أثيبك الْيَوْم وَلَكِن هوّن الله عَلَيْك سَكَرَات الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما أَن جَاءَ البشير إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَألْقى عَلَيْهِ الْقَمِيص قَالَ: على أَي دين خلفت عَلَيْهِ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: على الإِسلام
قَالَ: الْآن تمت النِّعْمَة
(4/583)
الْآيَات 97 - 98
(4/584)
قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97) قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)
أخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله (سأستغفر لكم رَبِّي) قَالَ: إِن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام أخر بنيه إِلَى السَحَر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {سَوف أسْتَغْفر لكم رَبِّي} قَالَ: أخرهم إِلَى السَحَرِ وَكَانَ يُصَلِّي بِالسحرِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ: لم أخر يَعْقُوب بنيه فِي الاسْتِغْفَار
قَالَ: أخرهم إِلَى السحر لِأَن دُعَاء السحر مستجاب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي قصَّة قَول أخي يَعْقُوب لِبَنِيهِ {سَوف أسْتَغْفر لكم رَبِّي} يَقُول: حَتَّى تَأتي لَيْلَة الْجُمُعَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ جَاءَ عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنْهُمَا - إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بِأبي أَنْت وَأمي تفلت هَذَا الْقُرْآن من صَدْرِي
فَمَا أجدني أقدر عَلَيْهِ
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا الْحسن أَفلا أعلمك كَلِمَات ينفعك الله بِهن وينفع الله بِهن من عَلمته وَيثبت مَا تعلمت فِي صدرك
قَالَ: أجل يَا رَسُول الله فعلمني
قَالَ: إِذا كَانَت لَيْلَة الْجُمُعَة فَإِن اسْتَطَعْت أَن تقوم ثلث اللَّيْل الْأَخير فَإِنَّهُ سَاعَة مَشْهُودَة وَالدُّعَاء فِيهَا مستجاب
وَقد قَالَ أخي يَعْقُوب لِبَنِيهِ {سَوف أسْتَغْفر لكم رَبِّي} يَقُول: حَتَّى تَأتي لَيْلَة الْجُمُعَة فَإِن لم تستطع فَقُمْ فِي وَسطهَا فَإِن لم تستطع فَقُمْ فِي أَولهَا فصل أَربع رَكْعَات تقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى بِفَاتِحَة الْكتاب وَسورَة يس وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة بِفَاتِحَة الْكتاب وحم الدُّخان وَفِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة بِفَاتِحَة الْكتاب والم تَنْزِيل السَّجْدَة وَفِي الرَّكْعَة الرَّابِعَة بِفَاتِحَة الْكتاب وتبارك الْمفصل فَإِذا فرغت من التَّشَهُّد فاحمد الله وَأحسن الثَّنَاء على الله وصلّ عليّ وعَلى سَائِر النَّبِيين واستغفر للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات ولإِخوانك الَّذين
(4/584)
سبقوك بالإِيمان ثمَّ قل فِي آخر ذَلِك: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بترك الْمعاصِي أبدا مَا أبقيتني وارحمني أَن أتكلف مَا لَا يعنيني وارزقني حسن النّظر فِيمَا يرضيك عني اللَّهُمَّ بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض ذَا الْجلَال والإِكرام والعزة الَّتِي لَا ترام أَسأَلك يَا الله يَا رَحْمَن بجلالك وَنور وَجهك أَن تلْزم قلبِي حفظ كتابك كَمَا علمتني وارزقني أَن أتلوه على النَّحْو الَّذِي يرضيك عني
اللَّهُمَّ بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض ذَا الْجلَال والإِكرام والعزة الَّتِي لَا ترام أَسأَلك يَا الله يَا رَحْمَن بجلالك وَنور وَجهك أَن تنوّر بكتابك بَصرِي وَأَن تطلق بِهِ لساني وَأَن تفرج بِهِ عَن قلبِي وَأَن تشرح بِهِ صَدْرِي وَأَن تغسل بِهِ بدني فَإِنَّهُ لَا يُعِيننِي على الْحق غَيْرك وَلَا يؤتيه إِلَّا أَنْت وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
يَا أَبَا الْحسن تفعل ذَلِك ثَلَاث جمع أَو خمْسا أَو سبعا بإِذن الله تَعَالَى وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخطَأ مُؤمنا قطّ
قَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فوَاللَّه مَا مكث عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - إِلَّا خمْسا أَو سبعا حَتَّى جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثل ذَلِك الْمجْلس قَالَ يَا رَسُول الله كنت فِيمَا خلا لَا آخذ الْأَرْبَع آيَات ونحوهن فَإِذا قرأتهن على نَفسِي تفلتن وَأَنا أتعلم الْيَوْم أَرْبَعِينَ آيَة وَنَحْوهَا فَإِذا قرأتها على نَفسِي فَكَأَنَّمَا كتاب الله بَين عَيْني وَلَقَد كنت أسمع الحَدِيث فَإِذا رَددته تفلت
وَأَنا الْيَوْم أسمع الْأَحَادِيث فَإِذا تحدثت بهَا لم أخرم مِنْهَا حرفا
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك: مُؤمن وَرب الْكَعْبَة أَبَا الْحسن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن قيس - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {سَوف أسْتَغْفر لكم رَبِّي} قَالَ: فِي صَلَاة اللَّيْل
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الله لما جمع ليعقوب عَلَيْهِ السَّلَام شَمله ببنيه وَأقر عينه خلا وَلَده نجيا
فَقَالَ بَعضهم لبَعض: ألستم قد علمْتُم مَا صَنَعْتُم وَمَا لَقِي مِنْكُم الشَّيْخ فجلسوا بَين يَدَيْهِ ويوسف إِلَى جنب أَبِيه قَاعد قَالُوا: يَا أَبَانَا أَتَيْنَاك فِي أَمر لم نأتك فِي مثله قطّ وَنزل بِنَا أَمر لم ينزل بِنَا مثله حَتَّى حركوه - والأنبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام أرْحم الْبَريَّة - فَقَالَ: مَا لكم يَا بني
قَالُوا: أَلَسْت قد علمت مَا كَانَ منا إِلَيْك وَمَا كَانَ منا إِلَى أخينا يُوسُف قَالَا: بلَى
قَالُوا: أفلستما قد عفوتما قَالَا: بلَى
قَالُوا: فَإِن عفوكما لَا يُغني عَنَّا شَيْئا إِن كَانَ الله لم يغن عَنَّا
قَالَ: فَمَا تُرِيدُونَ يَا بني قَالُوا: نُرِيد أَن
(4/585)
تَدْعُو الله فَإِذا جَاءَك من عِنْد الله بِأَنَّهُ قد عَفا قرت أَعيننَا واطمأنت قُلُوبنَا
وَإِلَّا فَلَا قُرَّة عين فِي الدُّنْيَا لنا أبدا
قَالَ: فَقَامَ الشَّيْخ فَاسْتقْبل الْقبْلَة وَقَامَ يُوسُف خلف أَبِيه وَقَامُوا خلفهمَا أَذِلَّة خاشعين فَدَعَا وَأمن يُوسُف فَلم يجب فيهم عشْرين سنة حَتَّى إِذا كَانَ رَأس الْعشْرين نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: إِن الله بَعَثَنِي أُبَشِّرك بِأَنَّهُ قد أجَاب دعوتك فِي ولدك وَإنَّهُ قد عَفا عَمَّا صَنَعُوا وَإنَّهُ قد اعْتقد مواثيقهم من بعْدك على النبوّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما جمع الله ليعقوب عَلَيْهِ السَّلَام بنيه قَالَ ليوسف: حَدثنِي مَا صنع بك اخوتك قَالَ: فابتدأ يحدثه فَغشيَ عَلَيْهِ جزعاً
فَقَالَ: يَا أَبَت إِن هَذَا من أَهْون مَا صَنَعُوا بِي فَقَالَ لَهُم يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: يَا بني أما لكم موقف بَين يَدي الله تخافون أَن يسألكم عَمَّا صَنَعْتُم قَالُوا يَا أَبَانَا قد كَانَ ذَاك فَاسْتَغْفر لنا وَقَالَ: وَقد كَانَ الله تبَارك وَتَعَالَى عود يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام إِذا سَأَلَهُ حَاجَة أَن يُعْطِيهَا إِيَّاه فِي أول يَوْم أَو فِي الثَّانِي أَو الثَّالِث لَا محَالة - فَقَالَ: إِذا كَانَ السحر فأفيضوا عَلَيْكُم من المَاء ثمَّ البسوا ثيابكم الَّتِي تصونوها ثمَّ هلموا إِلَيّ: فَفَعَلُوا فجاؤوا فَقَامَ يَعْقُوب أمامهم ويوسف عَلَيْهِ السَّلَام خَلفه وهم خلف يُوسُف إِلَى أَن طلعت الشَّمْس لم تنزل عَلَيْهِم التَّوْبَة ثمَّ الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ الْيَوْم الثَّالِث فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الرَّابِعَة نَامُوا فَجَاءَهُمْ يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا بني تنامون وَالله عَلَيْكُم ساخط فَقومُوا
فَقَامَ وَقَامُوا عشْرين سنة يطْلبُونَ إِلَى الله الْحَاجة فَأوحى الله إِلَى يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام: إِنِّي قد تبت عَلَيْهِم وَقبلت تَوْبَتهمْ
قَالَ: يَا رب النبوّة قَالَ: قد أخذت ميثاقهم فِي النَّبِيين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَائِشَة قَالَ: مَا تيب على ولد يَعْقُوب إِلَّا بعد عشْرين سنة وَكَانَ أبوهم بَين أَيْديهم فَمَا تيب عَلَيْهِم حَتَّى نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَعلمه هَذَا الدُّعَاء: يَا رَجَاء الْمُؤمنِينَ لَا تقطع رجاءنا يَا غياث الْمُؤمنِينَ أغثنا
يَا مَانع الْمُؤمنِينَ امنعنا
يَا مُجيب التائبين تب علينا
قَالَ: فَأَخَّرَهُ إِلَى السحر فَدَعَا بِهِ فتيب عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن اللَّيْث بن سعد أَن يَعْقُوب وإخوة يُوسُف أَقَامُوا عشْرين سنة يطْلبُونَ فِيمَا فعل إخْوَة يُوسُف بِيُوسُف لَا يقبل ذَلِك مِنْهُم حَتَّى لَقِي
(4/586)
جِبْرِيل يَعْقُوب فَعلمه هَذَا الدُّعَاء: يَا رَجَاء الْمُؤمنِينَ لَا تخيب رجائي وَيَا غوث الْمُؤمنِينَ أَغِثْنِي
وَيَا عون الْمُؤمنِينَ أَعنِي
يَا حبيب التوّابين تب عَليّ
فاستجيب لَهُم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {سَوف أسْتَغْفر لكم رَبِّي} إِلَى قَوْله {إِن شَاءَ الله آمِنين} قَالَ يُوسُف: أسْتَغْفر لكم رَبِّي إِن شَاءَ الله
وَبَين هَذَا وَبَين ذَاك مَا بَينه قَالَ: وَهَذَا من تَقْدِيم الْقُرْآن وتأخيره
قَالَ أَبُو عبيد: ذهب ابْن جريج إِلَى أَن الِاسْتِثْنَاء فِي قَوْله {إِن شَاءَ الله} من كَلَام يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ: ادخُلُوا مصر
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي عمرَان الْجونِي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا قصّ الله علينا نبأهم يعيرهم بذلك إِنَّهُم أَنْبيَاء من أهل الْجنَّة وَلَكِن قصّ علينا نبأهم لِئَلَّا يقنط عَبده
الْآيَات 99 - 100
(4/587)
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: دخل يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام مصر فِي ملك يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن مائَة وَثَمَانِينَ سنة وعاش فِي ملكه ثَلَاثِينَ سنة
وَمَات يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة
قَالَ أَبُو هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - وَبَلغنِي أَنه كَانَ عمر إِبْرَاهِيم خَلِيل الله مائَة وَخَمْسَة وَتِسْعين سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} قَالَ: أَبوهُ وَأمه ضمهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - فِي
(4/587)
قَوْله {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} قَالَ: أَبوهُ وخالته وَكَانَت توفيت أم يُوسُف فِي نِفَاس أَخِيه بنيامين
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان بن عَيْنِيَّة {وَرفع أَبَوَيْهِ} قَالَ: كَانَت الْخَالَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} قَالَ: السرير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} قَالَ: السرير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَرفع أَبَوَيْهِ على الْعَرْش} قَالَ: مَجْلِسه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عدي بن حَاتِم - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وخروا لَهُ سجدا} قَالَ: كَانَ تَحِيَّة من كَانَ قبلكُمْ السُّجُود بهَا يحيي بَعضهم بَعْضًا وَأعْطى الله هَذِه الْأمة السَّلَام تَحِيَّة أهل الْجنَّة كَرَامَة من الله عجلها لَهُم ونعمة مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وخروا لَهُ سجدا} قَالَ: ذَلِك السُّجُود تشرفة كَمَا سجدت الْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام تشرفة لآدَم عَلَيْهِ السَّلَام وَلَيْسَ بسجود عبَادَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وخروا لَهُ سجدا} قَالَ: بلغنَا أَن أَبَوَيْهِ واخوته سجدوا ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام إِيمَاء برؤوسهم كَهَيئَةِ الْأَعَاجِم وَكَانَت تِلْكَ تحيتهم كَمَا يصنع ذَلِك نَاس الْيَوْم
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك وسُفْيَان - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَا: كَانَت تِلْكَ تحيتهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْعُقُوبَات وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن سلمَان الْفَارِسِي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ بَين رُؤْيا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَبَين تَأْوِيلهَا أَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن شَدَّاد -
(4/588)
رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ بَين رُؤْيا يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وتأويلها أَرْبَعُونَ سنة
وَإِلَيْهِ يَنْتَهِي أقْصَى الرُّؤْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بَينهمَا خَمْسَة وَثَلَاثُونَ عَاما
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ بَين الرُّؤْيَا والتأويل ثَمَانُون سنة
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الفضيل بن عِيَاض - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ بَين فِرَاق يُوسُف بن يَعْقُوب إِلَى أَن التقيا ثَمَانُون سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ بَينهمَا سبع وَسَبْعُونَ سنة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - أَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام ألقِي فِي الْجب وَهُوَ ابْن سبع عشرَة سنة وَلَقي أَبَاهُ بعد ثَمَانِينَ سنة وعاش بعد ذَلِك ثَلَاثًا وَعشْرين سنة وَمَات وَهُوَ ابْن مائَة وَعشْرين سنة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن زِيَاد يرفعهُ قَالَ: لبث يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فِي الْعُبُودِيَّة بضعَة وَعشْرين سنة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن حُذَيْفَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ بَين فِرَاق يُوسُف يَعْقُوب عَلَيْهِمَا السَّلَام إِلَى أَن لقِيه سَبْعُونَ سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَلْحَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَجَاء بكم من البدو} قَالَ: كَانَ يَعْقُوب وَبَنوهُ بِأَرْض كنعان أهل مواش وبرية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَجَاء بكم من البدو} قَالَ: كَانُوا أهل بادية وماشية وبلغنا أَن بَينهم يَوْمئِذٍ ثَمَانِينَ فرسخاً وَقد كَانَ فَارقه قبل ذَلِك ببضع وَسبعين سنة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {إِن رَبِّي لطيف لما يَشَاء}
(4/589)
قَالَ: لطف بِيُوسُف وصنع لَهُ حِين أخرجه من السجْن وَجَاء بأَهْله من البدو وَنزع من قلبه نَزغ الشَّيْطَان وتحريشه على اخوته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ثَابت الْبنانِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما قدم يَعْقُوب على يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام تَلقاهُ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام على الْعجل وَلبس حلية الْمُلُوك وتلقاه فِرْعَوْن إِكْرَاما ليوسف فَقَالَ يُوسُف لِأَبِيهِ: إِن فِرْعَوْن قد أكرمنا فَقل لَهُ
فَقَالَ لَهُ يَعْقُوب: لقد بوركت يَا فِرْعَوْن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما التقى يُوسُف وَيَعْقُوب عانق كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاحبه وَبكى
فَقَالَ يُوسُف: يَا أَبَت بَكَيْت عَليّ حَتَّى ذهب بَصرك ألم تعلم أَن الْقِيَامَة تجمعنا قَالَ: بلَى يَا بني وَلَكِن خشيت أَن يسلب دينك فيحال بيني وَبَيْنك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ثَابت الْبنانِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما حضر يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام الْمَوْت قَالَ: ليوسف عَلَيْهِ السَّلَام
إِنِّي أَسأَلك خَصْلَتَيْنِ وَأُعْطِيك خَصْلَتَيْنِ أَسأَلك أَن تَعْفُو عَن اخوتك وَلَا تعاقبهم بِمَا صَنَعُوا بك وَأَسْأَلك إِذا أَنا متّ أَن تحملنِي فتدفنني مَعَ آبَائِي إِبْرَاهِيم واسحق وَأُعْطِيك أَن تغمضني عِنْد الْمَوْت وَأَن ادخل ابْنَيْنِ لَك فِي الأسباط فَمَا وضع يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام يَده على وَجه أَبِيه ليغمضه فتح عَيْنَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا بني إِن هَذَا من الْأَبْنَاء للآباء عِنْد الله عَظِيم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي بكر بن عَيَّاش - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما مَاتَ يَعْقُوب النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أقيم عَلَيْهِ النوائح أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مَالك بن دِينَار - رَضِي الله عَنهُ - أَن يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ لما ثقل لِابْنِهِ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام: أَدخل يدك تَحت صلبي فاحلف لي بِرَبّ يَعْقُوب لتدفنني مَعَ آبَائِي فَإِنِّي قد اشركتهم فِي الْعَمَل فاشركني مَعَهم فِي قُبُورهم
فَلَمَّا توفّي يَعْقُوب عَلَيْهِ السَّلَام فعل ذَلِك يُوسُف حَتَّى أَتَى بِهِ أَرض كنعان فدفنه مَعَهم
الْآيَة 101
(4/590)
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْأَعْمَش - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما قَالَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام {رب قد آتيتني من الْملك} إِلَى قَوْله {توفني مُسلما وألحقني بالصالحين} شكر الله لَهُ ذَلِك فزاده فِي عمره ثَمَانِينَ عَاما
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة قَالَ: اشتاق إِلَى لِقَاء الله وَأحب أَن يلْحق بِهِ وبآبائه فَدَعَا الله أَن يتوفاه وَأَن يلْحقهُ بهم
قَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - وَلم يسْأَل نَبِي قطّ الْمَوْت غير يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ {رب قد آتيتني من الْملك} الْآيَة
قَالَ ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - وَأَنا أَقُول: فِي بعض الْقُرْآن من الْأَنْبِيَاء من قَالَ توفني
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: مَا سَأَلَ نَبِي الْوَفَاة غير يُوسُف
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {توفني مُسلما وألحقني بالصالحين} يَقُول: توفني على طَاعَتك واغفر لي إِذا توفيتني
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وألحقني بالصالحين} قَالَ: يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَق وَيَعْقُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {توفني مُسلما وألحقني بالصالحين} قَالَ: يَعْنِي أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما أُوتِيَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام من الْملك مَا أُوتِيَ تاقت نَفسه إِلَى آبَائِهِ قَالَ {رب قد آتيتني من الْملك} إِلَى قَوْله {وألحقني بالصالحين} قَالَ: بآبائه إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: لما قدم على يُوسُف أَبوهُ واخوته وَجمع الله شَمله وَأقر عَيْنَيْهِ - وَهُوَ يَوْمئِذٍ مغموس فِي نعيم من الدُّنْيَا - اشتاق إِلَى آبَائِهِ الصَّالِحين: إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب فَسَأَلَ الله الْقَبْض وَلم يتمن الْمَوْت أحد قطّ نَبِي وَلَا غَيره إِلَّا يُوسُف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز - رَضِي الله عَنهُ - أَن يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام لما حَضرته الْوَفَاة قَالَ: يَا اخوتاه إِنِّي لم انتصر من أحد
(4/591)
ظَلَمَنِي فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي كنت أحب أَن أظهر الْحَسَنَة وأخفي السَّيئَة فَذَلِك زادي من الدُّنْيَا
يَا اخوتاه إِنِّي أشركت آبَائِي فِي أَعْمَالهم فأشركوني مَعَهم فِي قُبُورهم وَأخذ عَلَيْهِم الْمِيثَاق فَلم يَفْعَلُوا حَتَّى بعث الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَ عَن قَبره فَلم يجد أحدا يُخبرهُ إِلَّا امْرَأَة يُقَال لَهَا شارخ بنت شيرا بن يَعْقُوب فَقَالَت: أدلك عَلَيْهِ على أَن أشْتَرط عَلَيْك
قَالَ ذَاك لَك قَالَت: أصير شَابة كلما كَبرت
قَالَ: ذَلِك لَك
قَالَ: وأكون مَعَك فِي درجتك يَوْم الْقِيَامَة
فَكَأَنَّهُ امْتنع فَأمر أَن يمْضِي لَهَا ذَلِك فَفعل فدلته عَلَيْهِ فَأخْرجهُ فَكَانَت كلما كَانَت بنت خمسين سنة صَارَت مثل ابْنة ثَلَاثِينَ
حَتَّى عمرت عمر نسرين ألف وسِتمِائَة سنة أَو ألف وَأَرْبَعمِائَة حَتَّى أدْركهَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَتَزَوجهَا
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة بن الزبير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الله حِين أَمر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بالسير ببني إِسْرَائِيل أمره أَن يحْتَمل مَعَه عِظَام يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام وَأَن لَا يخلفها بِأَرْض مصر وَأَن يسير بهَا حَتَّى يَضَعهَا بِالْأَرْضِ المقدسة فَسَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام عَمَّن يعرف مَوضِع قَبره فَمَا وجد إِلَّا عجوزاً من بني إِسْرَائِيل فَقَالَت: يَا نَبِي الله إِنِّي أعرف مَكَانَهُ إِن أَنْت أخرجتني مَعَك وَلم تخلفني بِأَرْض مصر دللتك عَلَيْهِ
قَالَ: أفعل
وَقد كَانَ مُوسَى وعد بني إِسْرَائِيل أَن يسير بهم إِذا طلع الْفجْر فَدَعَا ربه أَن يُؤَخر طلوعه حَتَّى يفرغ من أَمر يُوسُف فَفعل
فَخرجت بِهِ الْعَجُوز حَتَّى أرته إِيَّاه فِي نَاحيَة من النّيل فِي المَاء فاستخرجه مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام صندوقاً من مرمر فاحتمله
الْآيَات 102 - 106
(4/592)
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102) وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمَا كنت لديهم إِذْ أَجمعُوا أَمرهم وهم يمكرون} قَالَ: هم بَنو يَعْقُوب إِذْ يمكرون بِيُوسُف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَمَا كنت لديهم} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {وَمَا كنت لديهم} وهم يلقونه فِي غيابة الْجب {وهم يمكرون} بِيُوسُف
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - {وكأين من آيَة} - قَالَ: كم من آيَة فِي السَّمَاء يَعْنِي شمسها وقمرها ونجومها وسحابها
وَفِي الأَرْض مَا فِيهَا من الْخلق والأنهار وَالْجِبَال والمدائن والقصور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ فِي مصحف عبد الله [وكأين من آيَة فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض يَمْشُونَ عَلَيْهَا] وَالسَّمَاء وَالْأَرْض آيتان عظيمتان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} قَالَ: سلهم من خلقهمْ وَمن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
فَيَقُولُونَ: الله
فَذَلِك إِيمَانهم وهم يعْبدُونَ غَيره
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} قَالَ: كَانُوا يعلمُونَ إِن الله رَبهم وَهُوَ خالقهم وَهُوَ رازقهم وَكَانُوا مَعَ ذَلِك يشركُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} قَالَ: إِيمَانهم قَوْلهم: الله خلقنَا وَهُوَ يرزقنا ويميتنا فَهَذَا إِيمَان مَعَ شرك عِبَادَتهم غَيره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} قَالَ: كَانُوا يشركُونَ بِهِ فِي تلبيتهم يَقُولُونَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك إِلَّا شَرِيكا هُوَ لَك تملكه وَمَا ملك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} قَالَ: ذَاك الْمُنَافِق يعْمل بالرياء وَهُوَ مُشْرك بِعَمَلِهِ
(4/593)
الْآيَة 107
(4/594)
أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (107)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {غاشية من عَذَاب الله} قَالَ: تغشاهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {غاشية من عَذَاب الله} قَالَ: وَاقعَة تغشاهم
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {غاشية} قَالَ: عُقُوبَة من عَذَاب الله
الْآيَة 108
(4/594)
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {قل هَذِه سبيلي} قَالَ: دَعْوَتِي
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {قل هَذِه سبيلي} قَالَ: صَلَاتي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {قل هَذِه سبيلي} قَالَ: أَمْرِي وسنتي ومنهاجي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {على بَصِيرَة} أَي على هدى {أَنا وَمن اتبعني}
الْآيَة 109
(4/594)
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم من أهل الْقرى} أَي لَيْسُوا من أهل السَّمَاء كَمَا قُلْتُمْ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم} قَالَ: إِنَّهُم قَالُوا (مَا أنزل الله على بشر من شَيْء) (الْأَنْعَام الْآيَة 91) وَقَوله (وَمَا أَكثر النَّاس وَلَو حرصت بمؤمنين) (وَمَا تَسْأَلهُمْ عَلَيْهِ من أجر) وَقَوله (وكأين من آيَة فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض يَمرونَ عَلَيْهَا) وَقَوله (أفأمنوا أَن تأتيهم غاشية من عَذَاب الله) وَقَوله {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم} قَالَ: كل ذَلِك قَالَ لقريش أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا فِي آثَارهم فيعتبروا ويتفكروا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا أرسلنَا من قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم من أهل الْقرى} قَالَ: مَا نعلم أَن الله أرسل رَسُولا قطّ إِلَّا من أهل الْقرى لأَنهم كَانُوا أعلم وَأحكم من أهل العمود
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم} قَالَ: فينظروا كَيفَ عذب الله قوم نوح وَقوم لوط وَقوم صَالح والأمم الَّتِي عذب
الْآيَة 110
(4/595)
حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)
أخرج أَبُو عبيد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عُرْوَة أَنه سَأَلَ عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا عَن قَوْله {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا} قَالَ: قلت: أكذبوا أم كذبُوا قَالَت عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - بل (كذّبوا) يَعْنِي بِالتَّشْدِيدِ قلت: وَالله لقد استيقنوا أَن قَومهمْ كذبوهم فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ
قَالَت: أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك
فَقلت لَعَلَّهَا {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} مُخَفّفَة
قَالَت: معَاذ الله لم تكن الرُّسُل لتظن ذَلِك بربها
قلت: فَمَا هَذِه الْآيَة قَالَت: هم اتِّبَاع الرُّسُل الَّذين آمنُوا برَبهمْ
(4/595)
وصدقوهم وَطَالَ عَلَيْهِم الْبلَاء واستأخر عَنْهُم النَّصْر حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل مِمَّن كذبهمْ من قَومهمْ وظنت الرُّسُل أَن أتباعهم قد كذبوهم جَاءَهُم نصر الله عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن أبي مليكَة - رَضِي الله عَنهُ - أَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَرَأَهَا عَلَيْهِ {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} مُخَفّفَة
يَقُولُوا اخلفوا وَقَالَ ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - وَكَانُوا بشرا وتلا (حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله) (الْبَقَرَة الْآيَة 214) قَالَ ابْن أبي مليكَة: فَذهب ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - إِلَى أَنهم يئسوا وضعفوا فظنوا أَنهم قد أخْلفُوا قَالَ ابْن أبي مليكَة: وَأَخْبرنِي عُرْوَة عَن عَائِشَة أَنَّهَا خَالَفت ذَلِك وأبته وَقَالَت: مَا وعد الله رَسُوله من شَيْء إِلَّا علم أَنه سَيكون قبل أَن يَمُوت وَلكنه لم يزل الْبلَاء بالرسل حَتَّى ظنُّوا أَن من مَعَهم من الْمُؤمنِينَ قد كذبوهم وَكَانَت تقرؤها {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} مثقلة للتكذيب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} بِالتَّشْدِيدِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عمْرَة عَن عَائِشَة عَن النَّبِي - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - قَرَأَ {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} مُخَفّفَة
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه كَانَ يقْرَأ {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا} مُخَفّفَة
قَالَ: يئس الرُّسُل من قَومهمْ أَن يَسْتَجِيبُوا لَهُم وَظن قَومهمْ أَن الرُّسُل قد كذبوهم فِيمَا جاؤوهم بِهِ {جَاءَهُم نصرنَا} قَالَ: جَاءَ الرُّسُل نصرنَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن تَمِيم بن حرَام قَالَت: قَرَأت على ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - الْقُرْآن فَلم يَأْخُذ عَليّ إِلَّا حرفين (كل أَتَوْهُ داخرين) فَقَالَ: أَتَوْهُ مُخَفّفَة
وقرأت عَلَيْهِ {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} فَقَالَ: {كذبُوا} مُخَفّفَة قَالَ: {استيأس الرُّسُل} من أَيْمَان قَومهمْ أَن يُؤمنُوا لَهُم وَظن قَومهمْ حِين ابطأ الْأَمر {أَنهم قد كذبُوا}
(4/596)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: حفظت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سُورَة يُوسُف {وظنوا أَنهم قد كذبُوا} خَفِيفَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ربيعَة بن كُلْثُوم قَالَ: حَدثنِي أبي أَن مُسلم بن يسَار - رَضِي الله عَنهُ - سَأَلَ سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله آيَة قد بلغت مني كل مبلغ {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا} فَهَذَا الْمَوْت إِن نظن الرُّسُل أَنهم قد كذبُوا أَو نظن أَنهم قد كذبُوا مُخَفّفَة
فَقَالَ سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} من قَومهمْ أَن يَسْتَجِيبُوا لَهُم وَظن قَومهمْ أَن الرُّسُل كذبتهم {جَاءَهُم نصرنَا} فَقَامَ مُسلم إِلَى سعيد فاعتنقه وَقَالَ: فرج الله عَنْك كَمَا فرجت عني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم عَن أبي حَمْزَة الْجَزرِي قَالَ: صنعت طَعَاما فدعوت نَاسا من أَصْحَابنَا مِنْهُم سعيد بن جُبَير وَالضَّحَّاك بن مُزَاحم فَسَأَلَ فَتى من قُرَيْش سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الله كَيفَ تقْرَأ هَذَا الْحَرْف فَإِنِّي إِذا أتيت عَلَيْهِ تمنيت أَنِّي لَا أَقرَأ هَذِه السُّورَة {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل وظنوا أَنهم قد كذبُوا} قَالَ: نعم {حَتَّى إِذا استيأس الرُّسُل} من قَومهمْ أَن يصدقوهم وَظن الْمُرْسل إِلَيْهِم أَن الرُّسُل {قد كذبُوا} فَقَالَ الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - لَو رحلت فِي هَذِه إِلَى الْيمن لَكَانَ قَلِيلا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَرَأَهَا {كذبُوا} بِفَتْح الْكَاف وَالتَّخْفِيف
قَالَ: استيأس الرُّسُل أَن يعذب قَومهمْ وَظن قَومهمْ أَن الرُّسُل قد كذبُوا {جَاءَهُم نصرنَا} قَالَ: جَاءَ الرُّسُل نصرنَا
قَالَ مُجَاهِد: قَالَ فِي الْمُؤمن (فَلَمَّا جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فرحوا بِمَا عِنْدهم من الْعلم) (غَافِر آيَة 83) قَالَ قَوْلهم: نَحن أعلم مِنْهُم وَلنْ نعذب وَقَوله (وحاق بهم مَا كَانُوا بِهِ يستهزئون) (الزمر آيَة 48) قَالَ: حاق بهم مَا جَاءَت بِهِ رسلهم من الْحق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {فنجي من نشَاء} قَالَ: فننجي الرُّسُل وَمن نشَاء {وَلَا يرد بأسنا عَن الْقَوْم الْمُجْرمين} وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى بعث الرُّسُل يدعونَ قَومهمْ فَأَخْبرُوهُمْ أَنه من أطَاع الله نجا وَمن عَصَاهُ
(4/597)
عذب وغوى
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {جَاءَهُم نصرنَا} قَالَ: الْعَذَاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن نصر بن عَاصِم - أَنه قَرَأَ [فنجا من نشَاء]
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي بكر - أَنه قَرَأَ / فننجي من نشَاء /
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - {وَلَا يرد بأسنا} قَالَ: عَذَابه
الْآيَة 111
(4/598)
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة} قَالَ: يُوسُف واخوته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة} قَالَ: معرفَة {لأولي الْأَلْبَاب} قَالَ: لِذَوي الْعُقُول
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشيخعن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {مَا كَانَ حَدِيثا يفترى} والفرية الْكَذِب {وَلَكِن تَصْدِيق الَّذِي بَين يَدَيْهِ} قَالَ: الْقُرْآن يصدق الْكتب الَّتِي كَانَت قبله من كتب الله الَّتِي أنزلهَا قبله على أنبيائه فالتوراة والإِنجيل وَالزَّبُور يصدق ذَلِك كُله وَيشْهد عَلَيْهِ أَن جَمِيعه حق من عِنْد الله {وتفصيل كل شَيْء} فصل الله بِهِ بَين حرَامه وَحَلَاله وطاعته ومعصيته
وَأخرج ابْن السّني والديلمي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا عسر على الْمَرْأَة وِلَادَتهَا أَخذ اناءٌ نظيفٌ وكُتِبَ عَلَيْهِ (كَأَنَّهُمْ يَوْم يرَوْنَ مَا يوعدون
) (الْأَحْقَاف الْآيَة 35) إِلَى آخر الْآيَة (وَكَأَنَّهُم يَوْم يرونها
) (النازعات الْآيَة 46) إِلَى آخر الْآيَة {لقد كَانَ فِي قصصهم عِبْرَة لأولي الْأَلْبَاب} إِلَى آخر الْآيَة ثمَّ تغسل وتسقى الْمَرْأَة مِنْهُ وينضح على بَطنهَا وفرجها
(4/598)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم (13)
سُورَة الرَّعْد
مَدَنِيَّة وآياتها ثَلَاث وَأَرْبَعُونَ
مُقَدّمَة سُورَة الرَّعْد أخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: سُورَة الرَّعْد نزلت بِمَكَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سُورَة الرَّعْد مَكِّيَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: نزلت سُورَة الرَّعْد بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الزبير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: نزلت الرَّعْد بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سُورَة الرَّعْد مَدَنِيَّة إِلَّا آيَة مَكِّيَّة {وَلَا يزَال الَّذين كفرُوا تصيبهم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي فِي الْجَنَائِز عَن جَابر بن زيد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ يسْتَحبّ إِذا حضر الْمَيِّت أَن يقْرَأ عِنْده سُورَة الرَّعْد فَإِن ذَلِك يُخَفف عَن الْمَيِّت فَإِنَّهُ أَهْون لقبضه وأيسر لشأنه
الْآيَة 1
(4/599)
المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (1)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {المر} قَالَ: أَنا الله أرى
(4/599)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {تِلْكَ آيَات الْكتاب} قَالَ: التَّوْرَاة والإِنجيل {وَالَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك الْحق} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {تِلْكَ آيَات الْكتاب} قَالَ: الْكتب الَّتِي كَانَت قبل الْقُرْآن {وَالَّذِي أنزل إِلَيْك من رَبك الْحق} أَي هَذَا الْقُرْآن
الْآيَات 2 - 3
(4/600)
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - إِن فلَان يَقُول: إِنَّهَا على عمد يَعْنِي السَّمَاء
فَقَالَ: اقرأها {بِغَيْر عمد ترونها} أَي لَا ترونها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {رفع السَّمَاوَات بِغَيْر عمد ترونها} قَالَ: وَمَا يدْريك لَعَلَّهَا بعمد لَا ترونها
(4/600)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {بِغَيْر عمد ترونها} يَقُول: لَهَا عمد وَلَكِن لَا ترونها
يَعْنِي الأعماد
وَأخرج ابْن جرير عَن اياس بن مُعَاوِيَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {رفع السَّمَاوَات بِغَيْر عمد ترونها} قَالَ: السَّمَاء مقبية على الأَرْض مثل الْقبَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: السَّمَاء على أَرْبَعَة أَمْلَاك كل زَاوِيَة مُوكل بهَا ملك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {بِغَيْر عمد ترونها} قَالَ: هِيَ بعد لَا ترونها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن وَقَتَادَة - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ: خلقهَا بِغَيْر عمد
قَالَ لَهَا: قومِي فَقَامَتْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن معَاذ قَالَ: فِي مصحف أبي [بِغَيْر عمد تَرَوْنَهُ]
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وسخر الشَّمْس وَالْقَمَر كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} قَالَ: أجل مَعْلُوم وحد لَا يقصر دونه وَلَا يتَعَدَّى
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {كل يجْرِي لأجل مُسَمّى} قَالَ: الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يدبر الْأَمر} قَالَ: يَقْضِيه وَحده
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ بلقاء ربكُم توقنون} قَالَ: إِن الله إِنَّمَا أنزل كِتَابه وَبعث رسله ليؤمن بوعده ويستيقن بلقائه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن عبد الله مولى غفرة
أَن كَعْبًا قَالَ لعمر بن الْخطاب: إِن الله جعل مسيرَة مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب خَمْسمِائَة سنة
فمائة سنة فِي الْمشرق لَا يسكنهَا شَيْء من الْحَيَوَان لَا جن وَلَا إنس وَلَا دَابَّة وَلَا شَجَرَة
وَمِائَة سنة فِي الْمغرب بِتِلْكَ الْمنزلَة وثلثمائة فِيمَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب يسكنهَا الْحَيَوَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عمر: وَالدُّنْيَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَام أَرْبَعمِائَة عَام خراب وَمِائَة عمار فِي أَيدي الْمُسلمين من ذَلِك مسيرَة سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن وهب بن مُنَبّه - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا الْعِمَارَة فِي الدُّنْيَا فِي الخراب إِلَّا كفسطاط فِي الْبَحْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْجلد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الأَرْض أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف فَرسَخ فالسودان اثْنَا عشر ألفا وَالروم ثَمَانِيَة ولفارس ثَلَاثَة وللعرب ألف
(4/601)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن مضرب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة سنة ثلثمِائة عمار ومائتان خراب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حسان بن عَطِيَّة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سَعَة الأَرْض مسيرَة خَمْسمِائَة سنة والبحار ثلثمِائة وَمِائَة خراب وَمِائَة عمرَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الأَرْض سَبْعَة أَجزَاء: سِتَّة أَجزَاء فِيهَا يَأْجُوج وَمَأْجُوج وجزء فِيهِ سَائِر الْخلق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: ذكر لي أَن الأَرْض أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف فَرسَخ اثْنَا عشر ألفا مِنْهُ أَرض الْهِنْد وَثَمَانِية الصين وَثَلَاثَة آلَاف الْمغرب وَألف الْعَرَب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مغيث بن سمي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الأَرْض ثَلَاثَة أَثلَاث ثلث فِيهِ النَّاس وَالشَّجر وَثلث فِيهِ الْبحار وَثلث هَوَاء
أما قَوْله تَعَالَى: {وَجعل فِيهَا رواسي}
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى حِين أَرَادَ أَن يخلق الْخلق خلق الرّيح فنشجت الرّيح فأبدت عَن حَشَفَة فَهِيَ تَحت الأَرْض
وَمِنْهَا دُحيت الأَرْض حَيْثُ مَا شَاءَ فِي الْعرض والطول فَكَانَت تميد فَجعل الْجبَال الرواسِي
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لمَّا خلق الله الأَرْض قمصت وَقَالَت: أَي رب تجْعَل عليّ بني آدم يعْملُونَ عليّ الْخَطَايَا ويجعلون عليّ الْخبث فَأرْسل الله فِيهَا من الْجبَال مَا ترَوْنَ وَمَا لَا ترَوْنَ فَكَانَ إِقْرَارهَا كَاللَّحْمِ ترجرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أول جبل وضع فِي الأَرْض أَبُو قبيس
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {جعل فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} قَالَ: ذكرا وانثى من كل صنف
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يغشي اللَّيْل النَّهَار} أَي يلبس اللَّيْل النَّهَار
(4/602)
الْآيَة 4
(4/603)
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: يُرِيد الأَرْض الطّيبَة العذبة الَّتِي تخرج نباتها بِإِذن رَبهَا تجاورها السبخة القبيحة المالحة الَّتِي لَا تخرج وهما أَرض وَاحِدَة وماؤهما شَيْء ملح وعذب
ففضلت احداهما على الْأُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لَيْسَ فِي الأَرْض مَاء إِلَّا مَا نزل من السَّمَاء وَلَكِن عروق فِي الأَرْض تغيره فَمن أَرَادَ أَن يعود الْملح عذباً فليصعد المَاء من الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: السبخة والعذبة والمالح وَالطّيب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: قرى متجاورات
قريب بَعْضهَا من بعض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: فَارس والأهواز والكوفة وَالْبَصْرَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: الأَرْض تنْبت حلواً وَالْأَرْض تنْبت حامضاً
وَهِي متجاورات تسقى بِمَاء وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشيج عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: الأَرْض الْوَاحِدَة يكون فِيهَا الخوخ والكمثرى وَالْعِنَب الْأَبْيَض وَالْأسود وَبَعضه أكبر حملا من بعض وَبَعضه حُلْو وَبَعضه حامض وَبَعضه أفضل من بعض
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو ا
(4/603)
لشيخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {صنْوَان وَغير صنْوَان} قَالَ: الصنوان مَا كَانَ أَصله وَاحِدًا وَهُوَ متفرق وَغير صنْوَان الَّتِي تنْبت وَحدهَا
وَفِي لفظ {صنْوَان} النَّخْلَة فِي النَّخْلَة ملتصقة {وَغير صنْوَان} النّخل المتفرق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {صنْوَان} قَالَ: مُجْتَمع النخيل فِي أصل وَاحِد {وَغير صنْوَان} قَالَ: النّخل المتفرق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَفِي الأَرْض قطع متجاورات} قَالَ: طينها عذبها
وخبيثها السباخ
وَفِي قَوْله {وجنات من أعناب} قَالَ: جنَّات وَمَا مَعهَا
وَفِي قَوْله {صنْوَان} قَالَ: النخلتان وَأكْثر فِي أصل وَاحِد {وَغير صنْوَان} وَحدهَا تسقى {بِمَاء وَاحِد} قَالَ: مَاء السَّمَاء كَمثل صَالح بني آدم وخبيثهم أبوهم وَاحِد
وَكَذَلِكَ النَّخْلَة أَصْلهَا وَاحِد وطعامها مُخْتَلف
وَهُوَ يشرب بِمَاء وَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {صنْوَان وَغير صنْوَان} قَالَ: مُجْتَمع وَغير مُجْتَمع {يسقى بِمَاء وَاحِد ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل} قَالَ: الْعِنَب الْأَبْيَض وَالْأسود والأحمر والتين الْأَبْيَض وَالْأسود وَالنَّخْل الْأَحْمَر والأصفر
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {صنْوَان} قَالَ: ثَلَاث نخلات فِي أصل وَاحِد كَمثل ثَلَاثَة من بني أَب وَأم يتفاضلون فِي الْعَمَل كَمَا يتفاضل ثَمَر هَذِه النخلات الثَّلَاث فِي أصل وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: مثل ضربه الله عز وَجل لقلوب بني آدم كَمَا كَانَت الأَرْض فِي يَد الرَّحْمَن طِينَة وَاحِدَة فسطحها وبطحها فَصَارَت الأَرْض قطعا متجاورة فَينزل عَلَيْهَا المَاء من السَّمَاء فَتخرج هَذِه زهرتها وَثَمَرهَا وشجرها وَتخرج نباتها وتحيي موتاها وَتخرج هَذِه سبخها وملحها وخبثها وكلتاهما {يسقى بِمَاء وَاحِد} فَلَو كَانَ المَاء مالحاً قيل إِنَّمَا استبخت هَذِه من قبل المَاء كَذَلِك النَّاس خلقُوا من آدم فَينزل عَلَيْهِم من السَّمَاء
(4/604)
تذكرة فترق قُلُوب فتخشع وتخضع وتقسو قُلُوب فتلهو وتسهو وتجفو قَالَ الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - وَالله مَا جَالس الْقُرْآن أحد إِلَّا قَامَ من عِنْده بِزِيَادَة أَو نُقْصَان
قَالَ الله تَعَالَى (وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين وَلَا يزِيد الظَّالِمين إِلَّا خسارا) (الْإِسْرَاء آيَة 82)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {صنْوَان} قَالَ: الصنوان النَّخْلَة الَّتِي يكون فِيهَا نخلتان أَو ثَلَاث أصلهن وَاحِد
قَالَ: وحَدثني رجل أَنه كَانَ بَين عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - وَبَين الْعَبَّاس قَول فأسرع إِلَيْهِ الْعَبَّاس فجَاء عمر بن الْخطاب - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: يَا نَبِي الله ألم تَرَ عباساً فعل بِي وَفعل فَأَرَدْت أَن أُجِيبهُ فَذكرت مَكَانك مِنْهُ فكففت عَنهُ
فَقَالَ: يَرْحَمك الله إِن عَم الرجل صنو أَبِيه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تؤذوني فِي الْعَبَّاس فَإِنَّهُ بَقِيَّة آبَائِي وَإِن عَم الرجل صنو أَبِيه
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - وَابْن أبي مليكَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمر: يَا عمر أما علمت أَن عَم الرجل صنو أَبِيه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر - رَضِي الله عَنهُ - سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَا عَليّ النَّاس من شجر شَتَّى وَأَنا وَأَنت يَا عَليّ من شَجَرَة وَاحِدَة ثمَّ قَرَأَ النَّبِي {وجنات من أعناب وَزرع ونخيل صنْوَان وَغير صنْوَان}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَرَأَ {ونفضل بَعْضهَا على بعض} بالنُّون
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل} قَالَ: الدقل والفارسي والحلو والحامض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل} قَالَ: هَذَا حامض وَهَذَا حُلْو وَهَذَا دقل وَهَذَا فَارسي
(4/605)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {ونفضل بَعْضهَا على بعض فِي الْأكل} قَالَ: هَذَا حُلْو وَهَذَا مر وَهَذَا حامض كَذَلِك بَنو آدم أبوهم وَاحِد وَمِنْهُم الْمُؤمن وَالْكَافِر
الْآيَة 5
(4/606)
وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم} قَالَ: إِن تعجب يَا مُحَمَّد من تكذيبهم إياك {فَعجب قَوْلهم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: إِن تعجب من تكذيبهم وهم رَأَوْا من قدرَة الله وَأمره وَمَا ضرب لَهُم من الْأَمْثَال وأراهم حَيَاة الْمَوْتَى وَالْأَرْض الْميتَة فتعجب من قَوْلهم {أئذا كُنَّا تُرَابا أئنا لفي خلق جَدِيد} أَو لَا يرَوْنَ أَنه خلقهمْ من نُطْفَة أَشد من الْخلق من تُرَاب وَعِظَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم} قَالَ: عجب الرَّحْمَن من تكذيبهم بِالْبَعْثِ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَأُولَئِكَ الأغلال فِي أَعْنَاقهم}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم والخطيب عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الأغلال لم تجْعَل فِي أَعْنَاق أهل النَّار لأَنهم أعجزوا الرب وَلكنهَا جعلت فِي أَعْنَاقهم لكَي إِذا طغا بهم اللهب أرسبتهم فِي النَّار
الْآيَة 6
(4/606)
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ويستعجلونك بِالسَّيِّئَةِ قبل الْحَسَنَة} قَالَ: بالعقوبة قبل الْعَافِيَة {وَقد خلت من قبلهم المثلات} قَالَ: وقائع الله فِي الْأُمَم فِيمَن خلا قبلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ {المثلات} مَا أصَاب الْقُرُون الْمَاضِيَة من الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَقد خلت من قبلهم المثلات} قَالَ: الْأَمْثَال
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَقد خلت من قبلهم المثلات} قَالَ: القردة والخنازير هِيَ المثلات
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة للنَّاس على ظلمهم وَإِن رَبك لشديد الْعقَاب} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَوْلَا عَفْو الله وتجاوزه مَا هَنأ لأحد الْعَيْش وَلَوْلَا وعيده
وعقابه لاتكل كل أحد
الْآيَة 7
(4/607)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَيَقُول الَّذين كفرُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ آيَة من ربه} قَالَ: هَذَا قَول مُشْركي الْعَرَب {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} لكل قوم دَاع يَدعُوهُم إِلَى الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {وَلكُل قوم هاد} قَالَ: دَاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} قَالَ: الْمُنْذر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلكُل قوم هاد} نَبِي يَدعُوهُم إِلَى الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله
(4/607)
عَنهُ - فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} قَالَ: مُحَمَّد الْمُنْذر وَالْهَادِي الله عزّ وجلّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} قَالَ: الْمُنْذر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله عز وَجل هادي كل قوم
وَفِي لفظ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمُنْذر وَهُوَ الْهَادِي
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - وَأبي الضُّحَى فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} قَالَا: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الْمُنْذر وَهُوَ الْهَادِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة والديلمي وَابْن عَسَاكِر وَابْن النجار قَالَ: لما نزلت {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} وضع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده على صَدره فَقَالَ أَنا الْمُنْذر وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى منْكب عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - فَقَالَ: أَنْت الْهَادِي يَا عَليّ بك يَهْتَدِي المهتدون من بعدِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ - رَضِي الله عَنهُ -: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر} وَوضع يَده على صدر نَفسه ثمَّ وَضعهَا على صدر عَليّ وَيَقُول: لكل قوم هاد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي الْآيَة
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر أَنا وَالْهَادِي عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {إِنَّمَا أَنْت مُنْذر وَلكُل قوم هاد} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر وانا الْهَادِي
وَفِي لفظ الْهَادِي: رجل من بني هَاشم
يَعْنِي نَفسه
الْآيَة 8
(4/608)
اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (8)
أخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - {الله يعلم مَا تحمل كل أُنْثَى} قَالَ: يعلم ذكر هُوَ أَو أُنْثَى {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} قَالَ: هِيَ الْمَرْأَة ترى الدَّم فِي حملهَا
(4/608)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} قَالَ: خُرُوج الدَّم {وَمَا تزداد} قَالَ: استمساكه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} قَالَ: أَن ترى الدَّم فِي حملهَا {وَمَا تزداد} قَالَ: فِي التِّسْعَة أشهر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام وَمَا تزداد} قَالَ: مَا تزداد على التِّسْعَة وَمَا تنقص من التِّسْعَة
قَالَ الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - وَضَعتنِي أُمِّي وَقد حَملتنِي فِي بَطنهَا سنتَيْن وولدتني قد خرجت ثنيتي
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} قَالَ: مَا دون تِسْعَة أشهر وَمَا تزداد فَوق التِّسْعَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {الله يعلم مَا تحمل كل أُنْثَى وَمَا تغيض الْأَرْحَام} يَعْنِي السقط {وَمَا تزداد} يَقُول: مَا زَادَت فِي الْحمل على مَا غاضت حَتَّى وَلدته تَمامًا وَذَلِكَ أَن من النِّسَاء من تحمل عشرَة أشهر ومنهن من تحمل تِسْعَة أشهر ومنهن من تزيد فِي الْحمل ومنهن من تنقص
فَذَلِك الغيض وَالزِّيَادَة الَّتِي ذكر الله تَعَالَى وكل ذَلِك بِعِلْمِهِ تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا دون التِّسْعَة أشهر فَهُوَ غيض وَمَا فَوْقهَا فَهُوَ زِيَادَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة - رَضِي الله عَنْهَا - قَالَت: لَا يكون الْحمل أَكثر من سنتَيْن قدرٌ مَا يتَحَوَّل فلكة مغْزَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا غاضت الرَّحِم بِالدَّمِ يَوْمًا إِلَّا زَاد فِي الْحمل يَوْمًا حَتَّى تستكمل تِسْعَة أشهر طَاهِرا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا تغيض الْأَرْحَام} قَالَ: السقط
(4/609)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: إِذا رَأَتْ الدَّم هش الْوَلَد
وَإِذا لم تَرَ الدَّم عظم الْوَلَد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْجَنِين فِي بطن أمه لَا يطْلب وَلَا يحزن وَلَا يغتم وَإِنَّمَا يَأْتِيهِ رزقه فِي بطن أمه من دم حَيْضَتهَا فَمن ثمَّ لَا تحيض الْحَامِل فَإِذا وَقع إِلَى الأَرْض اسْتهلّ
واستهلاله استنكار لمكانه فَإِذا قطعت سرته حول الله رزقه إِلَى ثدي أمه حَتَّى لَا يطْلب وَلَا يغتم وَلَا يحزن ثمَّ يصير طفْلا يتَنَاوَل الشَّيْء بكفه فيأكله فَإِذا بلغ قَالَ: أَنى لي بالرزق يَا وَيحك غَذَّاكَ وَأَنت فِي بطن أمك وَأَنت طِفْل صَغِير حَتَّى إِذا اشتددت وعقلت قلت: أَنى لي بالرزق ثمَّ قَرَأَ مَكْحُول - رَضِي الله عَنهُ - {يعلم مَا تحمل كل أُنْثَى} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وكل شَيْء عِنْده بِمِقْدَار} أَي بِأَجل حفظ أرزاق خلقه وآجالهم وَجعل لذَلِك أَََجَلًا مَعْلُوما
الْآيَات 9 - 10
(4/610)
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} قَالَ: السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {سَوَاء مِنْكُم من أسر القَوْل وَمن جهر بِهِ} قَالَ: من أسره وأعلنه عِنْده سَوَاء {وَمن هُوَ مستخف بِاللَّيْلِ} رَاكب رَأسه فِي الْمعاصِي {وسارب بِالنَّهَارِ} قَالَ: ظَاهر بِالنَّهَارِ بِالْمَعَاصِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {سَوَاء مِنْكُم من أسر القَوْل وَمن جهر بِهِ} قَالَ: كل ذَلِك عِنْده سَوَاء السِّرّ عِنْده عَلَانيَة والظلمة عِنْده ضوء
(4/610)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: يعلم من السِّرّ مَا يعلم من الْعَلَانِيَة وَيعلم من الْعَلَانِيَة مَا يعلم من السِّرّ وَيعلم من اللَّيْل مَا يعلم من النَّهَار وَيعلم من النَّهَار مَا يعلم من اللَّيْل
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وسارب بِالنَّهَارِ} قَالَ: الظَّاهِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَمن هُوَ مستخف بِاللَّيْلِ وسارب بِالنَّهَارِ} قَالَ: هُوَ صَاحب رِيبَة {مستخف بِاللَّيْلِ} وَإِذا خرج بِالنَّهَارِ أرى النَّاس أَنه بَرِيء من الْإِثْم
الْآيَة 11
(4/611)
لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَطاء بن يسَار - رَضِي الله عَنهُ - عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَن أَرْبَد بن قيس وعامر بن الطُّفَيْل قدما الْمَدِينَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْتَهَيَا إِلَيْهِ وَهُوَ جَالس فَجَلَسَا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ عَامر: مَا تجْعَل لي إِن أسلمت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَك مَا للْمُسلمين وَعَلَيْك مَا عَلَيْهِم
قَالَ: أَتجْعَلُ لي إِن أسلمت الْأَمر من بعْدك قَالَ: لَيْسَ لَك وَلَا لقَوْمك وَلَكِن لَك أَعِنَّة الْخَيل
قَالَ: فَجعل لي الْوَبر وَلَك الْمدر
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا
فَلَمَّا قفى من عِنْده قَالَ: لأمَلأَنَّها عَلَيْك خيلاً ورجالاً
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يمنعك الله
فَلَمَّا خرج أَرْبَد وعامر قَالَ عَامر: يَا أَرْبَد إِنِّي سألهي مُحَمَّدًا عَنْك بِالْحَدِيثِ فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ فَإِن النَّاس إِذا قتلت مُحَمَّدًا لم يزِيدُوا على أَن يرْضوا بِالدِّيَةِ وَيَكْرَهُوا الْحَرْب فسنعطيهم الدِّيَة
فَقَالَ أَرْبَد: أفعل
فَأَقْبَلَا رَاجِعين فَقَالَ عَامر: يَا مُحَمَّد قُم معي أُكَلِّمك
فَقَامَ مَعَه فخليا إِلَى الْجِدَار ووقف مَعَه عَامر يكلمهُ وسل أَرْبَد السَّيْف فَلَمَّا وضع يَده على سَيْفه يَبِسَتْ على قَائِم السَّيْف فَلَا يَسْتَطِيع سل سَيْفه وَأَبْطَأ أَرْبَد على عَامر بِالضَّرْبِ فَالْتَفت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَأى أَرْبَد وَمَا يصنع فَانْصَرف عَنْهُمَا
وَقَالَ عَامر
(4/611)
لأربد مَا لَك حشمت قَالَ وضعت يَدي على قَائِم السَّيْف فيبست فَلَمَّا خرج عَامر واربد من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَا بحرة واقم نزلا
فَخرج إِلَيْهِمَا سعد بن معَاذ وَأسيد بن حضير فَقَالَ: اُشْخُصَا يَا عدوَّي الله لَعَنَكُمَا الله وَوَقع بهما
فَقَالَ عَامر: من هَذَا يَا سعد فَقَالَ سعد: هَذَا أسيد بن حضير الْكَتَائِب قَالَ: اما وَالله ان كَانَ حضير صديقا لي حَتَّى إِذا كَانَا بِالرَّقْمِ أرسل الله على أَرْبَد صَاعِقَة فَقتلته وَخرج عَامر حَتَّى إِذا كَانَ بالخريب أرسل الله عَلَيْهِ قرحَة فأدركه الْمَوْت فِيهَا: فَأنْزل الله {الله يعلم مَا تحمل كل أُنْثَى} إِلَى قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ} قَالَ: المعقبات من أَمر الله يحفظون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ ذكر أَرْبَد وَمَا قَتله فَقَالَ {هُوَ الَّذِي يريكم الْبَرْق} إِلَى قَوْله {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ} قَالَ: هَذِه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: عَن أَمر الله يَحْفَظُونَهُ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: ذَلِك الْحِفْظ من أَمر الله بِأَمْر الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْمَلَائِكَة {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: باذن الله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} الْآيَة قَالَ: الْمَلَائِكَة من أَمر الله
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْمَلَائِكَة {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: حفظهم إِيَّاه بِأَمْر الله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: بِأَمْر الله
قَالَ: وَفِي بعض الْقِرَاءَة [يَحْفَظُونَهُ بِأَمْر الله]
(4/612)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} الْآيَة
يَعْنِي ولي السُّلْطَان يكون عَلَيْهِ الحراس يَحْفَظُونَهُ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَقُول الله يَحْفَظُونَهُ من أَمْرِي
فَإِنِّي إِذا أردْت بِقوم سوء فَلَا مرد لَهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} الْآيَة
قَالَ: الْمُلُوك يتخذون الحرس يَحْفَظُونَهُ من أَمَامه وَمن خَلفه وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله يَحْفَظُونَهُ من الْقَتْل
ألم تسمع أَن الله تَعَالَى يَقُول {وَإِذا أَرَادَ الله بِقوم سوءا} لم يغن الحرس عَنهُ شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة تعقب بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وتكتب على بني آدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْحفظَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: الْمَلَائِكَة تعقب اللَّيْل وَالنَّهَار تكْتب على ابْن آدم
وَبَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَجْتَمعُونَ فِيكُم عِنْد صَلَاة الصُّبْح وَصَلَاة الْعَصْر من بَين يَدَيْهِ مثله قَوْله (عَن الْيَمين وَعَن الشمَال) (سُورَة ق آيَة 17) الْحَسَنَات من بَين يَدَيْهِ والسيئات من خَلفه
الَّذِي على يَمِينه يكْتب الْحَسَنَات وَالَّذِي على يسَاره لَا يكْتب إِلَّا بِشَهَادَة الَّذِي على يَمِينه فَإِذا مَشى كَانَ أَحدهمَا أَمَامه وَالْآخر وَرَاءه وَإِن قعد كَانَ أَحدهمَا على يَمِينه وَالْآخر على يسَاره وَإِن رقد كَانَ أَحدهمَا عِنْد رَأسه وَالْآخر عِنْد رجلَيْهِ {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: يحفظون عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: هم الْكِرَام الكاتبون حفظَة من الله على ابْن آدم أمروا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: من الْجِنّ
(4/613)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات} قَالَ: مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه فَإِذا جَاءَ قدره خلوا عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا من عبد إِلَّا بِهِ ملك مُوكل يحفظه فِي نَومه ويقظته من الْجِنّ وَالْإِنْس والهوام
فَمَا مِنْهَا شَيْء يَأْتِيهِ يُريدهُ إِلَّا قَالَ وَرَاءَك
إِلَّا شَيْئا يَأْذَن الله فِيهِ فَيُصِيبهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن كَعْب الْأَحْبَار - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لَو تجلى لِابْنِ آدم كل سهل وحزن لرَأى على كل شَيْء من ذَلِك شياطين لَوْلَا أَن الله وكل بكم مَلَائِكَة يَذبُّونَ عَنْكُم فِي مطعمكم ومشربكم وعوراتكم إِذا لَتَخَطَّفَتْكُم
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مجلز - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: جَاءَ رجل من مُرَاد إِلَى عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَ: احترس فَإِن نَاسا من مُرَاد يُرِيدُونَ قَتلك
فَقَالَ: إِن مَعَ كل رجل ملكَيْنِ يحفظانه مِمَّا لم يقدر فَإِذا جَاءَ الْقدر خليا بَينه وَبَينه وَأَن الْأَجَل جنَّة حَصِينَة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي أُمَامَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا من آدَمِيّ إِلَّا وَمَعَهُ ملك يذود عَنهُ حَتَّى يُسلمهُ للَّذي قدر لَهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: لَيْسَ من عبد إِلَّا لَهُ مُعَقِّبَات من الْمَلَائِكَة ملكان يكونَانِ مَعَه فِي النَّهَار فَإِذا جَاءَ اللَّيْل صعدا وأعقبهما ملكان فَكَانَا مَعَه ليله حَتَّى يصبح يَحْفَظُونَهُ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه وَلَا يُصِيبهُ شَيْء لم يكْتب عَلَيْهِ إِذا غشي من ذَلِك شَيْء دفعاه عَنهُ
ألم تره يمر بِالْحَائِطِ فَإِذا جَازَ سقط فَإِذا جَاءَ الْكتاب خلوا بَينه وَبَين مَا كتب لَهُ
وهم {من أَمر الله} أَمرهم أَن يحفظوه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ [لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ ورقيب من خَلفه يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله]
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه كَانَ يقْرَأ [لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ ورقباء من خَلفه من أَمر الله يَحْفَظُونَهُ]
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْجَارُود بن أبي
(4/614)
سُبْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: سمعني ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - اقْرَأ {لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه} فَقَالَ: لَيست هُنَاكَ وَلَكِن [لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ ورقيب من خَلفه]
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - {لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} قَالَ: لَيْسَ من عبد إِلَّا وَمَعَهُ مَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من أَن يَقع عَلَيْهِ حَائِط أَو يتردى فِي بِئْر أَو يَأْكُلهُ سبع أَو غرق أَو حرق فَإِذا جَاءَ الْقدر خلوا بَينه وَبَين الْقدر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَالطَّبَرَانِيّ والصابوني فِي الْمِائَتَيْنِ عَن أبي أُمَامَة - رَضِي الله عَنْهَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل بِالْمُؤمنِ ثلثمِائة وَسِتُّونَ ملكا يدْفَعُونَ عَنهُ مَا لم يقدر عَلَيْهِ من ذَلِك
لبصر سَبْعَة أَمْلَاك يَذبُّونَ عَنهُ كَمَا يذب عَن قَصْعَة الْعَسَل من الذُّبَاب فِي الْيَوْم الصَّائِف وَمَا لَو بدا لكم لرأيتموه على كل سهل وجبل كلهم باسط يَدَيْهِ فاغر فَاه وَمَا لَو وكل العَبْد فِيهِ إِلَى نَفسه طرفَة عين لَاخْتَطَفَتْهُ الشَّيَاطِين
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْقدر وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لكل عبد حفظَة يَحْفَظُونَهُ لَا يخر عَلَيْهِ حَائِط أَو يتردى فِي بِئْر أَو تصيبه دَابَّة حَتَّى إِذا جَاءَ الْقدر الَّذِي قدّر لَهُ خلت عَنهُ الْحفظَة فَأَصَابَهُ مَا شَاءَ الله أَن يُصِيبهُ
وَفِي لفظ لأبي دَاوُد: وَلَيْسَ من النَّاس أحد إِلَّا وَقد وكل بِهِ ملك فَلَا تريده دَابَّة وَلَا شَيْء إِلَّا قَالَ اتقه اتقه فَإِذا جَاءَ الْقدر خلى عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن كنَانَة الْعَدوي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: دخل عُثْمَان بن عَفَّان - رَضِي الله عَنهُ - على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن العَبْد كم مَعَه من ملك فَقَالَ: ملك عَن يَمِينك على حَسَنَاتك وَهُوَ أَمِين على الَّذِي على الشمَال إِذا عملت حَسَنَة كتبت عشرا فَإِذا عملت سَيِّئَة قَالَ الَّذِي على الشمَال للَّذي على الْيَمين: اكْتُبْ قَالَ: لَا لَعَلَّه يسْتَغْفر الله وَيَتُوب فَإِذا قَالَ ثَلَاثًا قَالَ: نعم اكتبه أراحنا الله مِنْهُ فبئس القرين مَا أقل مراقبته لله وَأَقل استحياؤه مِنْهُ يَقُول الله (وَمَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد) (سُورَة ق آيَة 18) وملكان من
(4/615)
بَين يَديك وَمن خَلفك يَقُول الله {لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} وَملك قَابض على ناصيتك فَإِذا تواضعت لله رفعك وَإِذا تجبرت على الله قصمك وملكان على شفتيك لَيْسَ يحفظان عَلَيْك إِلَّا الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَملك قَائِم على فِيك لَا يدع أَن تدخل الْحَيَّة فِي فِيك وملكان على عَيْنَيْك فَهَؤُلَاءِ عشرَة أَمْلَاك على كل بني آدم ينزل مَلَائِكَة اللَّيْل على مَلَائِكَة النَّهَار لِأَن مَلَائِكَة اللَّيْل سوى مَلَائِكَة النَّهَار فَهَؤُلَاءِ عشرُون ملكا على كل آدَمِيّ وإبليس بِالنَّهَارِ وَولده بِاللَّيْلِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} لَا يُغير مَا بهم من النِّعْمَة حَتَّى يعملوا بِالْمَعَاصِي فيرفع الله عَنْهُم النعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الْعَرْش وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وارتفاعي فَوق عَرْشِي مَا من أهل قَرْيَة وَلَا أهل بَيت وَلَا رجل ببادية كَانُوا على مَا كرهته من معصيتي ثمَّ تحوّلوا عَنْهَا إِلَى مَا أَحْبَبْت من طَاعَتي إِلَّا تحوّلت لَهُم عَمَّا يكْرهُونَ من عَذَابي إِلَى مَا يحبونَ من رَحْمَتي وَمَا من أهل بَيت وَلَا قَرْيَة وَلَا رجل ببادية كَانُوا على مَا أَحْبَبْت من طَاعَتي ثمَّ تحولوا إِلَى مَا كرهت من معصيتي إِلَّا تحولت لَهُم عَمَّا يحبونَ من رَحْمَتي إِلَى مَا يكْرهُونَ من غَضَبي
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أَتَى عَامر بن الطُّفَيْل وأربد بن ربيعَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ عَامر: مَا تجْعَل لي إِن اتبعتك قَالَ: أَنْت فَارس أُعْطِيك أَعِنَّة الْخَيل
قَالَ: فَقَط قَالَ: فَمَا تبغي قَالَ: لي الشرق وَلَك الغرب ولي الْوَبر وَلَك الْمدر
قَالَ: لَا
قَالَ: لأَمْلَأَنهَا إِذا عَلَيْك خيلاً ورجالاً
قَالَ: يمنعك الله ذَلِك
وَأَتيا قَبيلَة تدعى الْأَوْس والخزرج فَخَرَجَا فَقَالَ عَامر لأربد: إِن كَانَ الرجل لنا يمكنا لَو قَتَلْنَاهُ مَا انتطحت فِيهِ عنزان ولرضوا بِأَن نعقله لَهُم وأحبوا السّلم وكرهوا الْحَرْب إِذا رَأَوْا أَمر قد وَقع فَقَالَ الآخر: إِن شِئْت
فتشاورا وَقَالَ: أرجع أَنا أشغله عَنْك بالمجادلة وَكن وَرَاءه فَاضْرِبْهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَة وَاحِدَة فَكَانَا كَذَلِك وَاحِد وَرَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْآخر قَالَ: أقصص عليّ قصصك
قَالَ: مَا تَقول قَالَ: قرأتك فَجعل
(4/616)
يجادله ويستبطئه حَتَّى قَالَ لَهُ مَا لَك أحشمت قَالَ: وضعت يَدي على قَائِم السَّيْف فيبست فَمَا قدرت على أَن أحلي وَلَا أَمْرِي فَجعل يحركها وَلَا تتحرك
فَخَرَجَا فَلَمَّا كَانَا بِالْحرَّةِ سمع بذلك سعد بن معَاذ وَأسيد بن حضير فَخَرَجَا إِلَيْهِ على كل وَاحِد مِنْهُمَا لأمته وَرمحه بِيَدِهِ وَهُوَ متقلد سَيْفه فَقَالَ أسيد لعامر بن الطُّفَيْل: يَا أَعور الْخَبيث أَنْت الَّذِي تشْتَرط على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَوْلَا أَنَّك فِي أَمَان من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رمت الْمنزل حَتَّى ضربت عُنُقك
فَقَالَ: من هَذَا قَالُوا: أسيد بن حضير
قَالَ: لَو كَانَ أَبوهُ حَيا لم يفعل بِي هَذَا
ثمَّ قَالَ عَامر لأربد: أخرج أَنْت يَا أَرْبَد إِلَى نَاحيَة عذبة وَأخرج أَنا إِلَى مُحَمَّد فأجمع الرِّجَال فنلتقي عَلَيْهِ فَخرج أَرْبَد حَتَّى إِذا كَانَ بِالرَّقْمِ بعث الله سَحَابَة من الصَّيف فِيهَا صَاعِقَة فَأَحْرَقتهُ وَخرج عَامر حَتَّى إِذا كَانَ بوادي الحريد أرسل الله عَلَيْهِ الطَّاعُون فَجعل يَصِيح: يَا آل عَامر اغدة كَغُدَّة الْبَعِير تقتلني وَمَوْت أَيْضا فِي بَيت سَلُولِيَّة وَهِي امْرَأَة من قيس فَذَلِك قَوْله {سَوَاء مِنْكُم من أسر القَوْل وَمن جهر بِهِ} إِلَى قَوْله {لَهُ مُعَقِّبَات من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله} هَذَا مقدم ومؤخر لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ المعقبات من أَمر الله {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} حَتَّى بلغ {وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} وَقَالَ لبيد فِي أَخِيه أَرْبَد وَهُوَ يبكيه: أخْشَى على أَرْبَد الحتوف وَلَا أرهب نوء السَّمَاء والأسد فجعتني الرَّعْد وَالصَّوَاعِق بالفا رس [بالفارس] يَوْم الكريهة النجد وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم} قَالَ: إِنَّمَا يَجِيء التَّغْيِير من النَّاس والتيسير من الله فَلَا تغيرُوا مَا بكم من نعم الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: أوحى الله إِلَى نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل أَن قل لقَوْمك أَنه لَيْسَ من أهل قَرْيَة وَلَا أهل بَيت يكونُونَ على طَاعَة الله فيتحوّلون إِلَى مَعْصِيّة الله إِلَّا تحوّل الله مِمَّا يحبونَ إِلَى مَا يكْرهُونَ ثمَّ قَالَ: إِن تَصْدِيق ذَلِك فِي كتاب الله تَعَالَى {إِن الله لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن أبي هِلَال - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بَلغنِي أَن
(4/617)
نَبيا من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام لما أسْرع قومه فِي الْمعاصِي قَالَ لَهُم: اجْتَمعُوا إِلَيّ لأبلغكم رِسَالَة رَبِّي فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ وَفِي يَده فخارة فَقَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يَقُول لكم إِنَّكُم قد عملتم ذنوباً قد بلغت السَّمَاء وَإِنَّكُمْ لَا تتوبون مِنْهَا وتنزعون عَنْهَا إِلَّا أَن كسرتكم كَمَا تكسر هَذِه
فألقاها فَانْكَسَرت فتفرقت ثمَّ قَالَ: وأفرقكم حَتَّى لَا ينْتَفع بكم ثمَّ أبْعث عَلَيْكُم من لَا حَظّ لَهُ فينتقم لي مِنْكُم ثمَّ أكون الَّذِي أنتقم لنَفْسي بعد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الْحجَّاج عُقُوبَة فَلَا تستقبلوا عُقُوبَة الله بِالسَّيْفِ وَلَكِن استقبلوها بتوبة وتضرع واستكانة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كلما أحدثتم ذَنبا أحدث الله لكم من سلطانكم عُقُوبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَرَأت فِي بعض الْكتب: إِنِّي أَنا الله مَالك الْمُلُوك قُلُوب الْمُلُوك بيَدي فَلَا تشْغَلُوا قُلُوبكُمْ بسب الْمُلُوك وادعوني أعطفهم عَلَيْكُم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - {وَمَا لَهُم من دونه من وَال} قَالَ: هُوَ الَّذِي تولاهم فينصرهم ويلجئهم إِلَيْهِ
الْآيَة 12
(4/618)
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ: خوفًا للْمُسَافِر يخَاف أَذَاهُ ومشقته {وَطَمَعًا} للمقيم يطْمع فِي رزق الله ويرجو بركَة الْمَطَر ومنفعته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ {خوفًا} لأهل الْبَحْر {وَطَمَعًا} لأهل الْبر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا} قَالَ: الْخَوْف: مَا يخَاف من الصَّوَاعِق والطمع: الْغَيْث
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي جَهْضَم مُوسَى بن سَالم مولى ابْن عَبَّاس - رَضِي
(4/618)
الله عَنْهُمَا - قَالَ: كتب ابْن عَبَّاس إِلَى أبي الْجلد يسْأَله عَن الْبَرْق فَقَالَ: الْبَرْق: المَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يريكم الْبَرْق} قَالَ شُعَيْب الجياني فِي كتاب الله: الْمَلَائِكَة حَملَة الْعَرْش أَسمَاؤُهُم فِي كتاب الله الْحَيَّات لكل ملك وَجه إِنْسَان واسد ونسر فَإِذا حركوا أجنحتهم فَهُوَ الْبَرْق
قَالَ أُميَّة بن أبي الصَّلْت: رجل وثور تَحت رجل يَمِينه والنسر لِلْأُخْرَى وَلَيْث مرصد وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {يريكم الْبَرْق} قَالَ: مَلَائِكَة تمصع بأجنحتها فَذَلِك الْبَرْق
زَعَمُوا أَنَّهَا تدعى الْحَيَّات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن مُسلم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بلغنَا أَن الْبَرْق لَهُ أَرْبَعَة وُجُوه: وَجه إِنْسَان وَوجه ثَوْر وَوجه نسر وَوجه أَسد فَإِذا مصع بِذَنبِهِ فَذَلِك الْبَرْق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْبَرْق مصع ملك يَسُوق السَّحَاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الْبَرْق ملك يترايا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْبَرْق مخاريق من نَار بأيدي مَلَائِكَة السَّحَاب يزجرون بِهِ السَّحَاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْبَرْق مخاريق يَسُوق بِهِ الرَّعْد السَّحَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْبَرْق اصطفاق الْبرد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة عَن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الْبَرْق تصفيق الْملك الْبرد وَلَو ظهر لأهل الأَرْض لصعقوا
(4/619)
وَأخرج الشَّافِعِي عَن عُرْوَة بن الزبير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِذا رأى أحدكُم الْبَرْق أَو الودق فَلَا يشر إِلَيْهِ وليصف ولينعت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وينشئ السَّحَاب الثقال} قَالَ: الَّذِي فِيهِ المَاء
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي ذَر الْغِفَارِيّ - رَضِي الله عَنهُ -: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله ينشئ السَّحَاب فينطق أحسن النُّطْق ويضحك أحسن الضحك
قَالَ إِبْرَاهِيم بن سعد: النُّطْق الرَّعْد
والضحك الْبَرْق
وَأخرج الْعقيلِيّ وَضَعفه وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينشئ الله السَّحَاب ثمَّ ينزل فِيهِ المَاء
فَلَا شَيْء أحسن من ضحكه وَلَا شَيْء أحسن من مَنْطِقه ومنطقه الرَّعْد وضحكه الْبَرْق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن بجاد الْأَشْعَرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اسْم السَّحَاب عِنْد الله الْعَنَان والرعد ملك يزْجر السَّحَاب
والبرق طرف ملك يُقَال لَهُ روقيل
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله - رَضِي الله عَنهُ - أَن خُزَيْمَة بن ثَابت - وَلَيْسَ بِالْأَنْصَارِيِّ - رَضِي الله عَنهُ سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن منشأ السَّحَاب فَقَالَ: إِن ملكا مُوكل بالسحاب يلم القاصية ويلحم الدانية فِي يَده مِخْرَاق فَإِذا رفع برقتْ وَإِذا زجر رعدَتْ وَإِذا ضرب صعِقَتْ
الْآيَة 13
(4/620)
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13)
أخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: أَقبلت يهود إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا
(4/620)
أَبَا الْقَاسِم إِنَّا نَسْأَلك عَن خَمْسَة أَشْيَاء فَإِن أنبئتانا بِهن عرفنَا أَنَّك نَبِي واتبعناك
فَأخذ عَلَيْهِم مَا أَخذ إِسْرَائِيل على بنيه إِذْ قَالَ (وَالله على مَا نقُول وَكيل) (سُورَة الْقَصَص آيَة 28) قَالَ: هاتوا
قَالُوا: أخبرنَا عَن عَلامَة النَّبِي
قَالَ: تنام عَيناهُ وَلَا ينَام قلبه
قَالُوا: أخبرنَا كَيفَ تؤنث الْمَرْأَة وَكَيف تذكر قَالَ: يلتقي الماءان فَإِذا علا مَاء الرجل مَاء الْمَرْأَة اذكرت
وَإِذا علا مَاء الْمَرْأَة مَاء الرجل أنثت
قَالُوا: أخبرنَا عَمَّا حرم إِسْرَائِيل على نَفسه فَقَالَ: كَانَ يشتكي عرق النسا فَلم يجد شَيْئا يلائمه إِلَّا ألبان كَذَا وَكَذَا - يَعْنِي الإِبل - فَحرم لحومها
قَالُوا: صدقت قَالُوا: أخبرنَا مَا هَذَا الرَّعْد قَالَ: ملك من مَلَائِكَة الله مُوكل بالسحاب بيدَيْهِ مِخْرَاق من نَار يزْجر بِهِ السَّحَاب يَسُوقهُ حَيْثُ أمره الله قَالُوا: فَمَاذَا الصَّوْت الَّذِي نسْمع قَالَ: صَوته
قَالُوا: صدقت إِنَّمَا بقيت وَاحِدَة وَهِي الَّتِي نتابعك إِن أخبرتنا أَنه لَيْسَ من نَبِي إِلَّا لَهُ ملك يَأْتِيهِ بالْخبر فَأخْبرنَا من صَاحبك قَالَ: جِبْرِيل
قَالُوا: جِبْرِيل
ذَلِك ينزل بِالْحَرْبِ والقتال وَالْعَذَاب عدوّنا لَو قلت مِيكَائِيل الَّذِي ينزل بِالرَّحْمَةِ والنبات والمطر لَكَانَ
فَأنْزل الله (قل من كَانَ عدوّاً لجبريل
) (سُورَة الْبَقَرَة آيَة 97) إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْمَطَر وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الرَّعْد ملك
والبرق ضربه السَّحَاب بمخراق من حَدِيد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ والخرائطي عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الرَّعْد ملك يَسُوق السَّحَاب بالتسبيح كَمَا يَسُوق الْحَادِي الإِبل بحدائه
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْمَطَر وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه كَانَ إِذا سمع صَوت الرَّعْد قَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي سبحت لَهُ وَقَالَ: إِن الرَّعْد ملك ينعق بالغيث كَمَا ينعق الرَّاعِي بغنمه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ:
(4/621)
الرَّعْد ملك من الْمَلَائِكَة اسْمه الرَّعْد وَهُوَ الَّذِي تَسْمَعُونَ صَوته والبرق سَوط من نور يزْجر بِهِ الْملك السَّحَاب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: الرَّعْد ملك اسْمه الرَّعْد وصوته هَذَا تسبيحه فَإِذا اشْتَدَّ زَجره احتك السَّحَاب واصطدم من خَوفه فَتخرج الصَّوَاعِق من بَينه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الرَّعْد ملك يزْجر السَّحَاب بالتسبيح وَالتَّكْبِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: مَا خلق الله شَيْئا أَشد سَوْقاً من السَّحَاب ملك يَسُوقهُ
والرعد صَوت الْملك يزْجر بِهِ والمخاريق يَسُوقهُ بهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه سُئِلَ عَن الرَّعْد فَقَالَ: ملك وَكله الله بسياق السَّحَاب فَإِذا أَرَادَ الله أَن يَسُوقهُ إِلَى بلد أمره فساقه فَإِذا تفرق عَلَيْهِ زَجره بِصَوْتِهِ حَتَّى يجْتَمع كَمَا يرد أحدكُم ركانه ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الرَّعْد ملك ينشئ السَّحَاب ودوّيه صَوته
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ} قَالَ: هُوَ ملك يُسمى الرَّعْد وَذَلِكَ الصَّوْت تسبيحه
وَأخرج ابْن جرير والخرائطي وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح - رَضِي الله عَنهُ - {ويسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ} قَالَ: ملك من الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الرَّعْد ملك من الْمَلَائِكَة وكل بالسحاب يَسُوقهَا كَمَا يَسُوق الرَّاعِي الإِبل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن شهر بن حَوْشَب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الرَّعْد ملك يزْجر السَّحَاب كَمَا يحث الرَّاعِي الإِبل فَإِذا شذت سَحَابَة ضمهَا فَإِذا اشْتَدَّ غَضَبه طَار من فِيهِ النَّار فَهِيَ الصَّوَاعِق
(4/622)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد أَن رجلا سَأَلَهُ عَن الرَّعْد فَقَالَ: ملك يسبح بِحَمْدِهِ
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: الرَّعْد الْملك والبرق المَاء
وَأخرج الخرائطي عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الرَّعْد ملك يزْجر السَّحَاب بِصَوْتِهِ
وَأخرج الخرائطي عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - مثله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَمْرو بن أبي عَمْرو عَن الثِّقَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَذَا سَحَاب ينشئ الله عز وَجل فَينزل الله مِنْهُ المَاء فَمَا من منطق أحسن من مَنْطِقه وَلَا من ضحك أحسن من ضحكه وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنْطِقه الرَّعْد وضحكه الْبَرْق
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن ربكُم يَقُول: لَو أَن عبَادي أطاعوني لأسقيتهم الْمَطَر بِاللَّيْلِ وأطلعت عَلَيْهِ الشَّمْس بِالنَّهَارِ وَلم أسمعهم صَوت الرَّعْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سمع صَوت الرَّعْد وَالصَّوَاعِق قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلنَا بِغَضَبِك وَلَا تُهْلِكنَا بِعَذَابِك وَعَافنَا قبل ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - يرفع الحَدِيث أَنه كَانَ إِذا سمع الرَّعْد قَالَ: سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا هبت الرّيح أَو سمع صَوت الرَّعْد تغير لَونه حَتَّى عرف ذَلِك فِي وَجهه ثمَّ يَقُول للرعد: سُبْحَانَ من سبحت لَهُ وَيَقُول للريح: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَة وَلَا تجعلها عذَابا
وَأخرج الشَّافِعِي عَن الْمطلب بن حنْطَب - رَضِي الله عَنهُ - أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا برقتْ السَّمَاء أَو رعدَتْ عرف ذَلِك فِي وَجهه فَإِذا أمْطرت سري عَنهُ
(4/623)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سَمِعْتُمْ الرَّعْد فاذكروا الله فَإِنَّهُ لَا يُصِيب ذَاكِرًا
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر - رَضِي الله عَنهُ - أَن قوما سمعُوا الرَّعْد فكبروا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا سَمِعْتُمْ الرَّعْد فَسَبحُوا وَلَا تكبروا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - أَنه كَانَ إِذا سمع الرَّعْد قَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه كَانَ إِذا سمع صَوت الرَّعْد قَالَ: سُبْحَانَ من سبحت لَهُ
وَأخرج مَالك وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن الْمُنْذر والخرائطي وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الله بن الزبير: أَنه كَانَ إِذا سمع الرَّعْد ترك الحَدِيث وَقَالَ: سُبْحَانَ الَّذِي يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته ثمَّ يَقُول: إِن هَذَا الْوَعيد لأهل الأَرْض شَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن الْحُسَيْن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا الرَّعْد وَعِيد من الله فَإِذا سمعتموه فأمسكوا عَن الحَدِيث
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: من سمع صَوت الرَّعْد فَقَالَ: سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته وَهُوَ على كل شَيْء قدير فَإِن أَصَابَته صَاعِقَة فعليّ دِيَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن أبي زَكَرِيَّا - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بَلغنِي أَن من سمع صَوت الرَّعْد فَقَالَ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ لم تصبه صَاعِقَة
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن أَحْمد بن دَاوُد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: بَيْنَمَا سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام يمشي مَعَ أَبَوَيْهِ وَهُوَ غُلَام إِذا سمع صَوت الرَّعْد فَخر فلصق بفخذ أَبِيه فَقَالَ: يَا بني هَذَا صَوت مُقَدمَات رَحمته فَكيف لَو سَمِعت صَوت مُقَدمَات عضبه وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن كَعْب - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: من قَالَ
(4/624)
حِين يسمع الرَّعْد: سُبْحَانَ من يسبح الرَّعْد بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَة من خيفته ثَلَاثًا عوفي مِمَّا يكون فِي ذَلِك الرَّعْد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسمع الرَّعْد فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا يَقُول فَقُلْنَا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: فَإِنَّهُ يَقُول: موعدك لمدينة كَذَا
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بَيْنَمَا رجل فِي فلاة من الأَرْض فَسمع صَوتا فِي سَحَابَة: اسْقِ حديقة فلَان فَتنحّى ذَلِك السَّحَاب فأفرغ مَاءَهُ فِي حرَّة فَإِذا شرجة من تِلْكَ الشراج قد استوعبت ذَلِك المَاء كُله فتتبع المَاء فَإِذا هُوَ رجل قَائِم فِي حديقة يحوّل المَاء بمسحاته فَقَالَ لَهُ: يَا عبد الله مَا اسْمك فَقَالَ: فلَان - للإسم الَّذِي سمع فِي السحابة - فَقَالَ لَهُ: لم سَأَلتنِي عَن اسْمِي قَالَ: سَمِعت فِي السَّحَاب الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ اسْقِ حديقة فلَان لإِسمك بِمَا تصنع فِيهَا
قَالَ: أما إِذْ قلت هَذَا فَإِنِّي أنظر إِلَى مَا يخرج مِنْهَا فأتصدق بِثُلثِهِ وآكل أَنا وعيالي ثلثا وأرد فِيهِ ثلثه
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بعث رجلا من أَصْحَابه إِلَى رَأس من رُؤَسَاء الْمُشْركين يَدعُوهُ إِلَى الله فَقَالَ الْمُشرك: هَذَا الإِله الَّذِي تَدعُونِي إِلَيْهِ أَمن ذهب هُوَ أم من فضَّة أم من نُحَاس فتعاظم مقَالَته فَرجع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ: ارْجع إِلَيْهِ فَرجع إِلَيْهِ فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْل الأول فَرجع فَأَعَادَهُ الثَّالِثَة فَبَيْنَمَا هما يتراحعان الْكَلَام بَينهمَا إِذْ بعث الله سَحَابَة حِيَال رَأسه فَرعدَت وأبرقت وَوَقعت مِنْهَا صَاعِقَة فَذَهَبت بِقحْفِ رَأسه فَأنْزل الله تَعَالَى
(4/625)
{وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن عبد الرَّحْمَن بن صحار الْعَبْدي أَنه بلغه أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى جَبَّار يَدعُوهُ فَقَالَ: أَرَأَيْتُم ربكُم أذهب هُوَ أم فضَّة هُوَ أم لُؤْلُؤ هُوَ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يجادلهم إِذْ بعث الله سَحَابَة فَرعدَت فَأرْسل الله عَلَيْهِ صَاعِقَة فَذَهَبت بِقحْفِ رَأسه
فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء وهم يجادلون فِي الله وَهُوَ شَدِيد الْمحَال}
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن رَبك من ذهب هُوَ أم من لُؤْلُؤ أم ياقوت فَجَاءَتْهُ الصاعقة فَأَخَذته فَأنْزل الله {وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد حَدثنِي عَن إلهك هَذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ أياقوت هُوَ أذهب هُوَ أم مَا هُوَ
فَنزلت على السَّائِل صَاعِقَة فَأَحْرَقتهُ
فَأنْزل الله تَعَالَى {وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي كَعْب الْمَكِّيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ خَبِيث من خبثاء قُرَيْش: أخبرونا عَن ربكُم من ذهب هُوَ أم من فضَّة أم من نُحَاس فقعقعت السَّمَاء قعقعة فَإِذا قحف رَأسه ساقطٌ بَين يَدَيْهِ فَأنْزل الله تَعَالَى {وَيُرْسل الصَّوَاعِق} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير والخرائطي عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - ذكر لنا أَن رجلا أنكر الْقُرْآن وَكذب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل الله عَلَيْهِ صَاعِقَة فأهلكته فَأنْزل الله تَعَالَى فِيهِ {وهم يجادلون فِي الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَيُرْسل الصَّوَاعِق} قَالَ: نزلت فِي عَامر بن الطُّفَيْل وَفِي أَرْبَد بن قيس أقبل عَامر فَقَالَ: إِن لي حَاجَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اقْترب فاقترب حَتَّى جثا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسل أَرْبَد بعض سَيْفه فَلَمَّا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بريقه تعوّذ بِآيَة من الْقُرْآن كَانَ يتعوّذ بهَا فأيبس الله يَد أَرْبَد على السَّيْف وَأرْسل عَلَيْهِ صَاعِقَة فَاحْتَرَقَ
فَذَلِك قَول أَخِيه: أخْشَى على أَرْبَد الحتوف وَلَا أرهب نوء السماك والأسد فجعني الْبَرْق وَالصَّوَاعِق بالفا رس [بالفارس] يَوْم الكريهة النجد وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والخرائطي وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي عمرَان الْجونِي قَالَ: إِن بحوراً من النَّار دون الْعَرْش يكون فِيهَا الصَّوَاعِق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: الصَّوَاعِق نَار
(4/626)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الصَّوَاعِق من نَار السمُوم وَهَذَا صَوت الْحجب الَّتِي بحرها مَا بَيْننَا وَبَينه من الْحجاب يَسُوق السَّحَاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن دِينَار - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لم أسمع أحدا ذهب الْبَرْق ببصره لقَوْل الله تَعَالَى (يكَاد الْبَرْق يخطف أَبْصَارهم) (سُورَة الْبَقَرَة آيَة 20) وَالصَّوَاعِق تحرق لقَوْل الله تَعَالَى {وَيُرْسل الصَّوَاعِق فَيُصِيب بهَا من يَشَاء}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن أبي نجيح - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: رَأَيْت صَاعِقَة أَصَابَت نخلتين بِعَرَفَة فأحرقتهما
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: الصاعقة تصيب الْمُؤمن وَالْكَافِر وَلَا تصيب ذَاكر الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن نصر بن عَاصِم الثَّقَفِيّ - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: من قَالَ: سُبْحَانَ الله شَدِيد الْمحَال لم تصبه عُقُوبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الْقُوَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الْمَكْر شَدِيد القوّة
وَأخرج ابْن جريرعن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الْحول
وَأخرج ابْن جريرعن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الْأَخْذ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الانتقام
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الحقد
(4/627)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد القوّة وَالْحِيلَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - {وَهُوَ شَدِيد الْمحَال} قَالَ: شَدِيد الْحول وَالْقُوَّة
الْآيَة 14
(4/628)
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ دَعْوَة الْحق} قَالَ: التَّوْحِيد لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء من طرق عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {لَهُ دَعْوَة الْحق} قَالَ: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {لَهُ دَعْوَة الْحق} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله لَيست تنبغي لأحد غَيره لَا يَنْبَغِي أَن يُقَال فلَان إِلَه بني فلَان
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {الا كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَمَا هُوَ ببالغه} قَالَ: كَالرّجلِ العطشان يمد يَده إِلَى الْبِئْر ليرتفع المَاء إِلَيْهِ وَمَا هُوَ ببالغه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {كباسط كفيه إِلَى المَاء} قَالَ: يَدْعُو المَاء بِلِسَانِهِ وَيُشِير إِلَيْهِ بِيَدِهِ فَلَا يَأْتِيهِ أبدا كَذَلِك لَا يستجيب من هُوَ دونه
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَالَّذين يدعونَ من دونه لَا يستجيبون لَهُم بِشَيْء إِلَّا كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَمَا هُوَ ببالغه} وَلَيْسَ ببالغه حَتَّى يتمزع عُنُقه وَيهْلك عطشاً
قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا دُعَاء الْكَافرين إِلَّا فِي ضلال} فَهَذَا مثل ضربه الله تبَارك وَتَعَالَى إِن هَذَا الَّذِي يدعونَ من دون الله
(4/628)
هَذَا الوثن وَهَذَا الْحجر لَا يستجيب لَهُ بِشَيْء فِي الدُّنْيَا وَلَا يَسُوق إِلَيْهِ خيرا وَلَا يدْفع عَنهُ سوءا حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت كَمثل هَذَا الَّذِي يبسط ذِرَاعَيْهِ إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَلَا يبلغ فَاه وَلَا يصل ذَلِك إِلَيْهِ حَتَّى يَمُوت عطشاً
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين يدعونَ من دونه} الْآيَة
قَالَ: الرجل يقْعد على شفة الْبِئْر فيبسط كفيه إِلَى قَعْر الْبِئْر ليتناول بهما فيده لَا تبلغ المَاء وَالْمَاء لَا ينزو إِلَى يَده فَكَذَلِك لَا يَنْفَعهُمْ مَا كَانُوا يدعونَ من دون الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بكير بن مَعْرُوف - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: لما قتل قابيل أَخَاهُ جعله الله بناصيته فِي الْبَحْر لَيْسَ بَينه وَبَين المَاء إِلَّا أصْبع وَهُوَ يجد برد المَاء من تَحت قَدَمَيْهِ وَلَا يَنَالهُ
وَذَلِكَ قَول الله {إِلَّا كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه وَمَا هُوَ ببالغه} فَإِذا كَانَ الصَّيف ضرب عَلَيْهِ سبع حيطان من سموم وَإِذا كَانَ الشتَاء ضرب عَلَيْهِ سبع حيطان من ثلج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {كباسط كفيه إِلَى المَاء ليبلغ فَاه} قَالَ: هَذَا مثل الْمُشرك الَّذِي عبد مَعَ الله غَيره فَمثله كَمثل الرجل العطشان الَّذِي ينظر إِلَى خياله فِي المَاء من بعيد هُوَ يُرِيد أَن يتَنَاوَلهُ وَلَا يقدر عَلَيْهِ
الْآيَة 15
(4/629)
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (15)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ الطائع الْمُؤمن والكاره ظلّ الْكَافِر
(4/629)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها وظلالهم بالغدوّ وَالْآصَال} قَالَ: ظلّ الْمُؤمن يسْجد {طَوْعًا} وَهُوَ طائع لله وظل الْكَافِر يسْجد {كرها} وَهُوَ كَارِه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - {وَللَّه يسْجد من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض طَوْعًا وَكرها} قَالَ: أما الْمُؤمن فَيسْجد طَائِعا
وَأما الْكَافِر فَيسْجد كَارِهًا يسْجد ظله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: الطائع الْمُؤمن
والكاره ظلّ الْكَافِر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: يسْجد من فِي السَّمَوَات طَوْعًا وَمن فِي الأَرْض طَوْعًا وَكرها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: من دخل طَائِعا هَذَا طَوْعًا
وَكرها: من لم يدْخل إِلَّا بِالسَّيْفِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُنْذر قَالَ: كَانَ ربيع بن خَيْثَم إِذا سجد فِي سَجْدَة الرَّعْد قَالَ: بل طَوْعًا يَا رَبنَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وظلالهم بالغدوّ وَالْآصَال} يَعْنِي حِين يفِيء ظلّ أحدهم عَن يَمِينه أَو شِمَاله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وظلالهم بالغدوّ وَالْآصَال} قَالَ: ذكر لنا أَن ظلال الْأَشْيَاء كلهَا تسْجد لله وَقَرَأَ (سجدا لله وهم داخرون) (سُورَة النَّحْل آيَة 48) قَالَ: تِلْكَ الظلال تسْجد لله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وظلالهم بالغدوّ وَالْآصَال} قَالَ: ظلّ الْكَافِر يُصَلِّي وَهُوَ لَا يُصَلِّي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: إِذا طلعت الشَّمْس يسْجد ظلّ كل شَيْء نَحْو الْمغرب
فَإِذا زَالَت الشَّمْس سجد ظلّ كل شَيْء نَحْو الْمشرق حَتَّى تغيب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وظلالهم} قَالَ: أَلا ترى إِلَى الْكَافِر فَإِن ظلاله جسده كُله أعضاؤه لله مطيعة غير قلبه
الْآيَة 16
(4/630)
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّا نَكُون عنْدك على حَال فَإِذا فارقناك كُنَّا على غَيره فنخاف أَن يكون ذَلِك النِّفَاق
قَالَ: كَيفَ أَنْتُم وربكم قَالُوا: الله رَبنَا فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
قَالَ: كَيفَ أَنْتُم ونبيكم قَالُوا: أَنْت نَبينَا فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
قَالَ: لَيْسَ ذاكم بالنفاق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} قَالَ: الْمُؤمن وَالْكَافِر
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {قل هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير أم هَل تستوي الظُّلُمَات والنور} قَالَ: أما الْأَعْمَى والبصير فالكافر وَالْمُؤمن
وَأما الظُّلُمَات والنور فالهدى والضلال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه فتشابه الْخلق عَلَيْهِم} قَالَ: {خلقُوا كخلقه} فحملهم ذَلِك على أَن شكوا فِي الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه} قَالَ: ضربت مثلا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله تَعَالَى {أم جعلُوا لله شُرَكَاء خلقُوا كخلقه} قَالَ: فَأَخْبرنِي لَيْث بن أبي سليم عَن ابْن مُحَمَّد عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان عَن أبي بكر إِمَّا حضر ذَلِك حُذَيْفَة من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ أبي بكر وَإِمَّا حَدثهُ إِيَّاه أَبُو بكر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الشّرك فِيكُم أخْفى من دَبِيب النَّمْل
قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله وَهل الشّرك إِلَّا مَا عُبِدَ من دون الله أَو مَا دعِي مَعَ الله
قَالَ: ثكلتك أمك
الشّرك فِيكُم أخْفى من دَبِيب النَّمْل أَلا أخْبرك بقول يذهب صغاره وكباره أَو قَالَ: لصغيره وكبيره قَالَ: بلَى
قَالَ: تَقول كل يَوْم ثَلَاث مَرَّات
اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أشرك بك وَأَنا أعلم واستغفرك لما لَا أعلم
والشرك أَن تَقول أَعْطَانِي الله وَفُلَان والند أَن يَقُول الإِنسان: لَوْلَا فلَان قتلني فلَان
(4/631)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن معقل بن يسَار - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: انْطَلَقت مَعَ أبي بكر الصّديق - رَضِي الله عَنهُ - إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَبَا بكر للشرك فِيكُم أخْفى من دَبِيب النَّمْل فَقَالَ أَبُو بكر - رَضِي الله عَنهُ - وَهل الشّرك إِلَّا من جعل مَعَ الله إِلَهًا آخر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ للشرك فِيكُم أخْفى من دَبِيب النَّمْل أَلا أدلك على شَيْء إِذا قلته ذهب قَلِيله وَكَثِيره قل اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك أَن أشرك بك وَأَنا أعلم واستغفرك لما لَا أعلم
الْآيَات 17 - 18
(4/632)
أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء} الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله تَعَالَى احتملت مِنْهُ الْقُلُوب على قدر يقينها وشكها فَأَما الشَّك فَمَا ينفع مَعَه الْعَمَل
وَأما الْيَقِين فينفع الله بِهِ أَهله
وَهُوَ قَوْله {فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء وَأما مَا ينفع النَّاس فيمكث فِي الأَرْض} وَهُوَ الْيَقِين كَمَا يَجْعَل الْحلِيّ فِي النَّار فَيُؤْخَذ خالصه بِهِ وَيتْرك خبيثه فِي النَّار كَذَلِك يقبل الله تَعَالَى الْيَقِين وَيتْرك الشَّك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: الصَّغِير قدر صغيره
وَالْكَبِير قدر كبيره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي
(4/632)
الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله تَعَالَى بَين الْحق وَالْبَاطِل يَقُول: احْتمل السَّيْل مَا فِي الْوَادي من عود ودمنة وَمِمَّا توقدون عَلَيْهِ فِي النَّار فَهُوَ الذَّهَب وَالْفِضَّة والحلية وَالْمَتَاع النّحاس وَالْحَدِيد وللنحاس وَالْحَدِيد خبث فَجعل الله تَعَالَى مثل خبثه كَمثل زبد المَاء فَأَما مَا ينفع النَّاس فالذهب وَالْفِضَّة
وَأما مَا ينفع الأَرْض فَمَا شربت من المَاء فأنبتت
فَجعل ذَلِك مثل الْعَمَل الصَّالح الَّذِي يبْقى لأَهله
وَالْعَمَل السيء يضمحل من مَحَله فَمَا يذهب هَذَا الزّبد فَذَلِك الْهدى وَالْحق جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى فَمن عمل بِالْحَقِّ كَانَ لَهُ
وَمَا بَقِي كَمَا يبْقى مَا ينفع النَّاس فِي الأَرْض
وَكَذَلِكَ الْحَدِيد لَا يَسْتَطِيع أَن يعْمل مِنْهُ سكين وَلَا سيف حَتَّى يدْخل النَّار فتأكل خبثه فَيخرج جيده فينتفع بِهِ كَذَلِك يضمحل الْبَاطِل وَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وأقيم النَّاس وَعرضت الْأَعْمَال فيرفع الْبَاطِل وَيهْلك وَينْتَفع أهل الْحق بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح من طَرِيق مرّة عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} الْآيَة
قَالَ: فَمر السَّيْل على رَأسه من التُّرَاب والغثاء حَتَّى اسْتَقر فِي الْقَرار وَعَلِيهِ الزّبد فضربته الرّيح فَذهب الزّبد جفَاء إِلَى جوانبه فيبس فَلم ينفع أحدا وَبَقِي المَاء الَّذِي ينْتَفع بِهِ النَّاس فَشَرِبُوا مِنْهُ وَسقوا أنعامهم
فَكَمَا ذهب الزّبد فَلم ينفع فَكَذَلِك الْبَاطِل يضمحل يَوْم الْقِيَامَة فَلَا ينفع أَهله وكما نفع المَاء فَكَذَلِك ينفع الْحق أَهله
هَذَا مثل ضربه الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله تَعَالَى لِلْمُؤمنِ وَالْكَافِر {فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} حَتَّى جرى الْوَادي وامتلأ بِقدر مَا يحمل {فَاحْتمل السَّيْل زبداً رابياً} قَالَ: زبد المَاء
{وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار} قَالَ: زبد مَا توقدون عَلَيْهِ من ذَلِك حلية وَمَا سقط فَهُوَ مثل زبد المَاء وَهُوَ مثل ضرب للحق وَالْبَاطِل
فَأَما خبث الْحَدِيد وَالذَّهَب وزبد المَاء فَهُوَ الْبَاطِل وَمَا تصنعوا من الْحِلْية وَالْمَاء وَالْحَدِيد فَمثل الْحق
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: ضرب الله تَعَالَى مثل الْحق وَالْبَاطِل
فَضرب مثل الْحق السَّيْل الَّذِي يمْكث فِي الأَرْض فينتفع
(4/633)
النَّاس بِهِ
وَمثل الْبَاطِل مثل الزّبد الَّذِي لَا ينفع النَّاس
وَمثل الْحق مثل الْحلِيّ الَّذِي يَجْعَل فِي النَّار فَمَا خلص مِنْهُ انْتفع بِهِ أَهله
وَمَا خبث مِنْهُ فَهُوَ مثل الْبَاطِل علم أَن لَا ينفع الزّبد وخبث الْحلِيّ أَهله فَكَذَلِك الْبَاطِل لَا ينفع أَهله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: الصَّغِير بصغره وَالْكَبِير بكبره {فَاحْتمل السَّيْل زبداً رابياً} قَالَ: عَالِيا {وَمِمَّا يوقدون} إِلَى قَوْله {فَيذْهب جفَاء} والجفاء مَا يتَعَلَّق بِالشَّجَرِ {وَأما مَا ينفع النَّاس فيمكث فِي الأَرْض} هَذِه ثَلَاثَة أَمْثَال ضربهَا الله تَعَالَى فِي مثل وَاحِد يَقُول: كَمَا اضمحل هَذَا الزّبد فَصَارَ جفَاء لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا يُرْجَى بركته كَذَلِك يضمحل الْبَاطِل عَن أَهله
وكما مكث هَذَا المَاء فِي الأَرْض فأمرعت وربت بركته وأخرجت نباتها كَذَلِك يبْقى الْحق لأَهله
وَقَوله {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار ابْتِغَاء حلية} كَمَا يبْقى خَالص هَذَا الذَّهَب وَالْفِضَّة حِين أَدخل النَّار كَذَلِك فَيذْهب خبثه كَذَلِك يبْقى الْحق لأَهله
وكما اضمحل خبث هَذَا الذَّهَب وَالْفِضَّة حِين أَدخل فِي النَّار كَذَلِك يضمحل الْبَاطِل عَن أَهله
وَقَوله {أَو مَتَاع زبد مثله} يَقُول: هَذَا الْحَدِيد وَهَذَا الصفر حِين دخل النَّار وَذَهَبت بخبثه كَذَلِك يبْقى الْحق لأَهله كَمَا بَقِي خالصهما
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: الْكَبِير بِقَدرِهِ وَالصَّغِير بِقَدرِهِ {زبداً رابياً} قَالَ: رَبًّا فَوق المَاء الزّبد {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار} قَالَ: هُوَ الذَّهَب إِذا ادخل النَّار بَقِي صَفوه وَذهب مَا كَانَ فِيهِ من كدر
وَهَذَا مثل ضربه الله للحق وَالْبَاطِل {فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء} يتَعَلَّق بِالشَّجَرِ وَلَا يكون شَيْئا هَذَا مثل الْبَاطِل {وَأما مَا ينفع النَّاس فيمكث فِي الأَرْض} هَذَا يخرج النَّبَات وَهَذَا مثل الْحق {أَو مَتَاع زبد مثله} قَالَ: الْمَتَاع الصفر وَالْحَدِيد
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: بملئها مَا أطاقت {فَاحْتمل السَّيْل زبداً رابياً} قَالَ: انْقَضى الْكَلَام ثمَّ اسْتقْبل فَقَالَ {وَمِمَّا يوقدون عَلَيْهِ فِي النَّار ابْتِغَاء حلية أَو مَتَاع زبد مثله} قَالَ: الْمَتَاع الْحَدِيد والنحاس والرصاص وأشباهه {زبد مثله} قَالَ: خبث ذَلِك
(4/634)
الْحَدِيد والحلية مثل زبد السَّيْل {وَأما مَا ينفع النَّاس} من المَاء {فيمكث فِي الأَرْض} وَأما الزّبد {فَيذْهب جفَاء} قَالَ: جموداً فِي الأَرْض قَالَ فَكَذَلِك مثل الْحق وَالْبَاطِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء} الْآيَة
قَالَ: ابْتِغَاء حلية الذَّهَب وَالْفِضَّة أَو مَتَاع الصفر وَالْحَدِيد
قَالَ: كَمَا أوقد على الذَّهَب وَالْفِضَّة والصفر وَالْحَدِيد فخلص خالصه كَذَلِك بَقِي الْحق لأَهله فانتفعوا بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عُيَيْنَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أنزل من السَّمَاء مَاء فسالت أَوديَة بِقَدرِهَا} قَالَ: أنزل من السَّمَاء قُرْآنًا فاحتمله عقول الرِّجَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {للَّذين اسْتَجَابُوا لرَبهم الْحسنى} قَالَ: الْحَيَاة والرزق
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {للَّذين اسْتَجَابُوا لرَبهم الْحسنى} قَالَ: هِيَ الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن فرقد السبخي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ لي شهر بن حَوْشَب - رَضِي الله عَنهُ - {سوء الْحساب} أَن لَا يتَجَاوَز لَهُ عَن شَيْء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن فرقد السبخي - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ لي إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ - رَضِي الله عَنهُ -: يَا فرقد أَتَدْرِي مَا سوء الْحساب قلت: لَا
قَالَ: هُوَ أَن يُحَاسب الرجل بِذَنبِهِ كُله لَا يغْفر لَهُ مِنْهُ شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {سوء الْحساب} أَن يُؤْخَذ العَبْد بذنوبه كلهَا وَلَا يغْفر لَهُ مِنْهَا ذَنْب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الجوزاء - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ {سوء الْحساب} المناقشة فِي الْأَعْمَال
الْآيَة 19
(4/635)
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَفَمَن يعلم أَنما أنزل إِلَيْك من رَبك الْحق} قَالَ: هَؤُلَاءِ قوم انتفعوا بِمَا سمعُوا من كتاب الله وعقلوه ووعوه
{كمن هُوَ أعمى} قَالَ: عَن الْحق فَلَا يبصروه وَلَا يعقله {إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب} فَبين من هم فَقَالَ: {الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أولُوا الْأَلْبَاب} يَعْنِي من كَانَ لَهُ لب أَو عقل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِنَّمَا عَاتب الله تَعَالَى أولي الْأَلْبَاب لِأَنَّهُ يُحِبهُمْ
وَوجدت ذَلِك فِي آيَة من كتاب الله تَعَالَى {إِنَّمَا يتَذَكَّر أولُوا الْأَلْبَاب}
الْآيَات 20 - 21
(4/636)
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {الَّذين يُوفونَ بِعَهْد الله وَلَا ينقضون الْمِيثَاق} فَعَلَيْكُم بِالْوَفَاءِ بالعهد وَلَا تنقضوا الْمِيثَاق فَإِن الله قد نهى عَنهُ وَقدم فِيهِ أَشد التقدمة وَذكره فِي بضع وَعشْرين آيَة
نصيحة لكم وتقدمة إِلَيْكُم وَحجَّة عَلَيْكُم وَإِنَّمَا تعظم الْأُمُور بِمَا عظمها الله عِنْد أهل الْفَهم وَأهل الْعقل وَأهل الْعلم بِاللَّه وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول فِي خطبَته لَا إِيمَان لمن لَا أَمَانَة لَهُ وَلَا دين لمن لَا عهد لَهُ
وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الْبر وَالصَّبْر ليخففان سوء الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل ويخشون رَبهم وَيَخَافُونَ سوء الْحساب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي
(4/636)
قَوْله {وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} يَعْنِي من إِيمَان بالنبيين وبالكتب كلهَا {ويخشون رَبهم} يَعْنِي يخَافُونَ فِي قَطْعِيَّة مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل {وَيَخَافُونَ سوء الْحساب} يَعْنِي شدَّة الْحساب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين يصلونَ مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل} قَالَ: ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: اتَّقوا الله وصلوا الْأَرْحَام فَإِنَّهُ أبقى لكم فِي الدُّنْيَا وَخير لكم فِي الْآخِرَة وَذكر لنا أَن رجلا من خثعم أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة فَقَالَ: أَنْت الَّذِي تزْعم أَنَّك رَسُول الله قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله قَالَ: الايمان بِاللَّه
قَالَ: ثمَّ مَاذَا قَالَ: صلَة الرَّحِم وَكَانَ عبد الله بن عَمْرو يَقُول: إِن الْحَلِيم لَيْسَ من ظلم ثمَّ حلم حَتَّى إِذا هيجه قوم اهتاج وَلَكِن الْحَلِيم من قدر ثمَّ عَفا وَإِن الْوُصُول لَيْسَ من وصل ثمَّ وصل فَتلك مجازاة وَلَكِن الْوُصُول من قطع ثمَّ وصل وَعطف على من لَا يصله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله (ويقطعون مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل) قَالَ: بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا لم تمش إِلَى ذِي رَحِمك برجلك وَلم تعطه من مَالك فقد قطعته
الْآيَات 22 - 24
(4/637)
وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)
أخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَالَّذين صَبَرُوا} يَعْنِي على أَمر الله {ابْتِغَاء وَجه رَبهم} يَعْنِي ابْتِغَاء رضَا رَبهم {وَأَقَامُوا الصَّلَاة} يَعْنِي وأتموها {وأنفقوا من مَا رَزَقْنَاهُمْ} يَعْنِي من الْأَمْوَال {سرا وَعَلَانِيَة} يَعْنِي فِي حق الله وطاعته {ويدرؤون} يَعْنِي يدْفَعُونَ {بِالْحَسَنَة السَّيئَة} يَعْنِي يردون مَعْرُوفا على من يسيء إِلَيْهِم {أُولَئِكَ لَهُم عُقبى الدَّار} يَعْنِي دَار الْجنَّة
(4/637)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} قَالَ: يدْفَعُونَ بِالْحَسَنَة السَّيئَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {ويدرؤون بِالْحَسَنَة السَّيئَة} قَالَ: يدْفَعُونَ الشَّرّ بِالْخَيرِ لَا يكافئون الشَّرّ بِالشَّرِّ وَلَكِن يدفعونه بِالْخَيرِ
أما قَوْله تَعَالَى: {جنَّات عدن}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عمر - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة قصراً يُقَال لَهُ عدن حوله البروج والمروج لَهُ خَمْسَة آلَاف بَاب عِنْد كل بَاب خَمْسَة آلَاف حيرة لَا يدْخلهُ أَو لَا يسكنهُ إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو امام عَادل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَرَأَ عمر - رَضِي الله عَنهُ - على الْمِنْبَر {جنَّات عدن} فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس هَل تَدْرُونَ مَا جنَّات عدن قصر فِي الْجنَّة لَهُ عشرَة آلَاف بَاب على كل بَاب خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا من الْحور الْعين لَا يدْخلهُ إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وهناد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {جنَّات عدن} قَالَ: بطْنَان الْجنَّة يَعْنِي وَسطهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {جنَّات عدن} وَمَا يدْريك مَا جنَّات عدن
قَالَ: قصر من ذهب لَا يدْخلهُ إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو حكم عدل
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {جنَّات عدن} قَالَ: مَدِينَة وسط الْجنَّة فِيهَا الرُّسُل الْأَنْبِيَاء وَالشُّهَدَاء وأئمة الْهدى وَالنَّاس حَولهمْ بعد والجنات حولهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - أَن عمر قَالَ لكعب: مَا عدن قَالَ: هُوَ قصر فِي الْجنَّة لَا يدْخلهُ إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد أَو حكم عدل
(4/638)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جنَّة عدن قضيب غرسه الله بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: كن فَكَانَ
أما قَوْله تَعَالَى: {يدْخلُونَهَا وَمن صلح من آبَائِهِم} الْآيَة
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: يدْخل الرجل الْجنَّة فَيَقُول: أَيْن أُمِّي أَيْن وَلَدي أَيْن زَوْجَتي
فَيُقَال: لم يعملوا مثل عَمَلك
فَيَقُول: كنت أعمل لي وَلَهُم ثمَّ قَرَأَ {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا وَمن صلح} يَعْنِي من آمن بِالتَّوْحِيدِ بعد هَؤُلَاءِ {من آبَائِهِم وأزواجهم وذرياتهم} يدْخلُونَ مَعَهم {وَالْمَلَائِكَة يدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب} قَالَ: يدْخلُونَ عَلَيْهِم على مِقْدَار كل يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا ثَلَاث مَرَّات مَعَهم التحف من الله مَا لَيْسَ لَهُم فِي جنَّات عدن يَقُولُونَ لَهُم: {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} يَعْنِي على أَمر الله تَعَالَى {فَنعم عُقبى الدَّار} يَعْنِي دَار الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - {وَمن صلح من آبَائِهِم} قَالَ: من آمن فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مجلز - رَضِي الله عَنهُ - فِي الْآيَة قَالَ: علم الله تَعَالَى أَن الْمُؤمن يحب أَن يجمع الله تَعَالَى لَهُ أَهله وشمله فِي الدُّنْيَا فَأحب أَن يجمعهُمْ لَهُ فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَرَأَ {جنَّات عدن يدْخلُونَهَا وَمن صلح} حَتَّى ختم الْآيَة قَالَ: إِنَّه لفي خيمة من درة مجوفة لَيْسَ فِيهَا صدع وَلَا وصل طولهَا فِي الْهَوَاء سِتُّونَ ميلًا فِي كل زَاوِيَة مِنْهَا أهل وَمَال
لَهَا أَرْبَعَة آلَاف مصراع من ذهب يقوم على كل بَاب مِنْهَا سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة مَعَ كل ملك هَدِيَّة من الرَّحْمَن لَيْسَ مَعَ صَاحبه مثلهَا لَا يصلونَ إِلَيْهِ إِلَّا بِإِذن بَينه وَبينهمْ حجاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: أخس أهل الْجنَّة منزلا يَوْم الْقِيَامَة لَهُ قصر من درة جوفاء فِيهَا سَبْعَة آلَاف غرفَة لكل غرفَة سَبْعُونَ ألف بَاب يدْخل عَلَيْهِ من كل بَاب سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة بالتحية وَالسَّلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي عمرَان
(4/639)
الْجونِي - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} قَالَ: على دينكُمْ {فَنعم عُقبى الدَّار} قَالَ: فَنعم مَا أعقبكم الله تَعَالَى من الدُّنْيَا الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} قَالَ: صَبَرُوا على فضول الدُّنْيَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن نصر الْحَارِثِيّ - رَضِي الله عَنهُ - {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ} قَالَ: على الْفقر فِي الدُّنْيَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أول من يدْخل الْجنَّة من خلق الله تَعَالَى فُقَرَاء الْمُهَاجِرين الَّذين تسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره وَيَمُوت أحدهم وَحَاجته فِي صَدره لَا يَسْتَطِيع لَهَا قَضَاء فَيَقُول الله تَعَالَى لمن يَشَاء من الْمَلَائِكَة: ائتوهم فحيوهم
فَتَقول الْمَلَائِكَة: رَبنَا نَحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك أفتأمرنا أَن نأتي هَؤُلَاءِ فنسلم عَلَيْهِم
قَالَ الله تَعَالَى: إِن هَؤُلَاءِ عبَادي كَانُوا يعبدونني فِي الدُّنْيَا وَلَا يشركُونَ بِي شَيْئا وتسد بهم الثغور وتتقى بهم المكاره وَيَمُوت أحدهم وَحَاجته فِي صَدره لَا يَسْتَطِيع لَهَا قَضَاء فتأتيهم الْمَلَائِكَة عِنْد ذَلِك فَيدْخلُونَ عَلَيْهِم من كل بَاب {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: إِن الْمُؤمن ليَكُون مُتكئا على أريكته إِذا دخل الْجنَّة وَعِنْده سماطان من خدم وَعند طرف السماطين بَاب مبوّب فَيقبل الْملك فيستأذن فَيَقُول أقْصَى الخدم للَّذي يَلِيهِ: ملك يسْتَأْذن وَيَقُول الَّذِي يَلِيهِ للَّذي يَلِيهِ: ملك يسْتَأْذن حَتَّى يبلغ الْمُؤمن فَيَقُول: ائذنوا لَهُ
فَيَقُول أقربهم إِلَى الْمُؤمن: ائذنوا
وَيَقُول الَّذِي يَلِيهِ للَّذي يَلِيهِ: ائذنوا حَتَّى تبلغ أَقْصَاهُم الَّذِي عِنْد الْبَاب فَيفتح لَهُ فَيدْخل فَيسلم عَلَيْهِ ثمَّ ينْصَرف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ -: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْتِي أحدا كل عَام فَإِذا تفوّه الشّعب سلم على قُبُور الشُّهَدَاء فَقَالَ {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار}
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: كَانَ النَّبِي
(4/640)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي قُبُور الشُّهَدَاء على رَأس كل حول فَيَقُول {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنعم عُقبى الدَّار} وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان
الْآيَات 25 - 26
(4/641)
وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مَيْمُون بن مهْرَان - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ لي عمر بن عبد الْعَزِيز - رَضِي الله عَنهُ -: لَا تؤاخين قَاطع رحم فَإِنِّي سَمِعت الله لعنهم فِي سورتين: فِي سُورَة الرَّعْد وَسورَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {وَلَهُم سوء الدَّار} قَالَ: سوء الْعَاقِبَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا مَتَاع} قَالَ: كَانَ الرجل يخرج فِي الزَّمَان الأول فِي إبِله أَو غنمه فَيَقُول لأَهله: متعوني
فيمتعونه فلقلة الْخبز أَو التَّمْر
فَهَذَا مثل ضربه الله للدنيا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {إِلَّا مَتَاع} قَالَ: قَلِيل ذَاهِب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ نَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على حَصِير فَقَامَ وَقد أثر فِي جنبه فَقُلْنَا يَا رَسُول الله لَو اتخذنا لَك
فَقَالَ: مَا لي وللدنيا
مَا أَنا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كراكب استظل تَحت شَجَرَة ثمَّ رَاح وَتركهَا
الْآيَات 27 - 29
(4/641)
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {وَيهْدِي إِلَيْهِ من أناب} أَي من تَابَ
وَفِي قَوْله {وتطمئن قُلُوبهم بِذكر الله} قَالَ: هشت إِلَيْهِ واستأنست بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ - رَضِي الله عَنهُ - {الَّذين آمنُوا وتطمئن قُلُوبهم بِذكر الله} يَقُول: إِذا حلف لَهُم بِاللَّه صدقُوا {أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب} قَالَ: تسكن الْقُلُوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أنس - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه حِين نزلت هَذِه الْآيَة {أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب} : هَل تَدْرُونَ مَا معنى ذَلِك قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم
قَالَ: من أحب الله وَرَسُوله أحب أَصْحَابِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزلت هَذِه الْآيَة {أَلا بِذكر الله تطمئِن الْقُلُوب} قَالَ: ذَاك من أحب الله وَرَسُوله وَأحب أهل بَيْتِي صَادِقا غير كَاذِب وَأحب الْمُؤمنِينَ شَاهدا وغائباً أَلا بِذكر الله يتحابون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: فَرح وقرة عين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: نعم مَا لَهُم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: غِبْطَة لَهُم
(4/642)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة - رَضِي اللله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: حسنى لَهُم
وَهِي كلمة من كَلَام الْعَرَب
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: هَذِه كلمة عَرَبِيَّة يَقُول الرجل طُوبَى لَك أَي أَحْبَبْت خيرا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: الْخَيْر والكرامة الَّذِي أَعْطَاهُم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة - رَضِي الله عَنهُ - فِي قَوْله {طُوبَى لَهُم} قَالَ: الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ طُوبَى اسْم الْجنَّة بالحبشية
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: لما خلق الله الْجنَّة وَفرغ مِنْهَا قَالَ {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات طُوبَى لَهُم وَحسن مآب} وَذَلِكَ حِين أَعْجَبته
وَأخرج جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن مسجوح - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ {طُوبَى} اسْم الْجنَّة بالهندية
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ {طُوبَى} اسْم الْجنَّة بالهندية
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَ: {طُوبَى} اسْم شَجَرَة فِي الْجنَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي صفة الْجنَّة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: {طُوبَى} شَجَرَة فِي الْجنَّة يَقُول الله تَعَالَى لَهَا: تفتقي لعبدي عَمَّا شَاءَ
فتنفتق لَهُ عَن الْخَيل بسروجها ولجمها وَعَن الإِبل برحالها وَأَزِمَّتهَا وَعَما شَاءَ من الْكسْوَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق مُعَاوِيَة بن قُرَّة - رَضِي الله عَنهُ - عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: طُوبَى شَجَرَة غرسها الله تَعَالَى بِيَدِهِ وَنفخ فِيهَا من
(4/643)