وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جُنْدُب البَجلِيّ قَالَ: إِنِّي لعِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين جَاءَهُ بشير من سريته فَأخْبرهُ بالنصر الَّذِي نصر الله سريته وبفتح الله الَّذِي فتح لَهُم
قَالَ: يَا رَسُول الله بَينا نَحن نطلب الْقَوْم وَقد هَزَمَهُمْ الله تَعَالَى إِذْ لحقت رجلا بِالسَّيْفِ فَلَمَّا خشِي أَن السَّيْف واقعه وَهُوَ يسْعَى وَيَقُول: إِنِّي مُسلم إِنِّي مُسلم
قَالَ: فَقتلته
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّمَا تعوّذ
فَقَالَ: فَهَلا شققت عَن قلبه فَنَظَرت أصادق هُوَ أم كَاذِب فَقَالَ: لَو شققت عَن قلبه مَا كَانَ علمي هَل قلبه إِلَّا مُضْغَة من لحم قَالَ: لَا مَا فِي قلبه تعلم وَلَا لِسَانه صدقت قَالَ: يَا رَسُول الله اسْتغْفر لي
قَالَ: لَا أسْتَغْفر لَك
فَمَاتَ ذَلِك الرجل فدفنوه فَأصْبح على وَجه الأَرْض ثمَّ دفنوه فَأصْبح على وَجه الأَرْض ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك اسْتَحْيوا وخزوا مِمَّا لَقِي فاحتملوه فألقوه فِي شعب من تِلْكَ الشعاب
الْآيَتَانِ 95 - 96(2/639)
لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)
أخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ادْع فلَانا
وَفِي لفظ: ادْع زيدا فجَاء وَمَعَهُ الدواة واللوح والكتف فَقَالَ: اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} وَخلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أم مَكْتُوم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي ضَرِير فَنزلت مَكَانهَا {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله}
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب قَالَ: حَدثنِي سهل بن سعد السَّاعِدِيّ ان مَرْوَان بن الحكم أخبرهُ: أَن زيد بن ثَابت أخبرهُ: أَن رَسُول(2/639)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمْلى عَلَيْهِ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} فجَاء ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ يُمْلِيهَا عليّ فَقَالَ: يَا رَسُول الله لَو أَسْتَطِيع الْجِهَاد لَجَاهَدْت - وَكَانَ أعمى - فَأنْزل الله على رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفَخذه على فَخذي فَثقلَتْ عليّ حَتَّى خفت أَن ترض فَخذي ثمَّ سري عَنهُ فَأنْزل الله {غير أولي الضَّرَر} قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح قَالَ: وَفِي هَذَا الحَدِيث رِوَايَة رجل من الصَّحَابَة وَهُوَ سهل بن سعد عَن رجل من التَّابِعين وَهُوَ مَرْوَان بن الحكم لم يسمع من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَأحمد وَأَبُو دَاوُود وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن زيد بن ثَابت قَالَ: كنت إِلَى جنب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَغَشِيتهُ السكينَة فَوَقَعت فَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فَخذي فَمَا وجدت ثقل شَيْء أثقل من فَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ سري عَنهُ: فَقَالَ: اكْتُبْ
فَكتبت فِي كتف {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ ابْن أم مَكْتُوم - وَكَانَ رجلا أعمى - لما سمع فضل الْمُجَاهدين: يَا رَسُول الله فَكيف بِمن لَا يَسْتَطِيع الْجِهَاد من الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا قضى كَلَامه غشيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السكينَة فَوَقَعت فَخذه على فَخذي فَوجدت ثقلهَا فِي الْمرة الثَّانِيَة كَمَا وجدت فِي الْمرة الأولى ثمَّ سري عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اقْرَأ يَا زيد
فَقَرَأت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اكْتُبْ {غير أولي الضَّرَر} الْآيَة
قَالَ زيد: أنزلهَا الله وَحدهَا فَأَلْحَقْتهَا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لكَأَنِّي أنظر إِلَى مُلْحَقهَا عِنْد صدع فِي كتف
وَأخرج ابْن فهر فِي كتاب الْفَضَائِل مَالك وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الله بن رَافع قَالَ: قدم هَارُون الرشيد الْمَدِينَة فَوجه الْبَرْمَكِي إِلَى مَالك وَقَالَ لَهُ: احْمِلْ إليّ الْكتاب الَّذِي صنفته حَتَّى أسمعهُ مِنْك
فَقَالَ للبرمكي: أقرئه السَّلَام وَقل لَهُ: إِن الْعلم يزار وَلَا يزور وَإِن الْعلم يُؤْتى وَلَا يَأْتِي
فَرجع الْبَرْمَكِي إِلَى هَارُون فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يبلغ أهل الْعرَاق أَنَّك وجهت إِلَى مَالك فخالفك اعزم عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيك فَإِذا بِمَالك قد دخل وَلَيْسَ مَعَه كتاب وَأَتَاهُ مُسلما فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن الله جعلك فِي هَذَا الْموضع لعلمك فَلَا تكن أَنْت أوّل من يضع الْعلم فيضعك الله وَلَقَد رَأَيْت من لَيْسَ فِي حَسبك وَلَا بَيْتك يعز هَذَا الْعلم ويجله فَأَنت أَحْرَى أَن(2/640)
تعز وتجل علم ابْن عمك وَلم يزل يعدد عَلَيْهِ من ذَلِك حَتَّى بَكَى هَارُون ثمَّ قَالَ أَخْبرنِي الزُّهْرِيّ عَن خَارِجَة بن زيد قَالَ: قَالَ زيد بن ثَابت: كنت أكتب بيد يَدي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كتف {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير} وَابْن أم مَكْتُوم عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد أنزل الله فِي فضل الْجِهَاد مَا أنزل وَأَنا رجل ضَرِير فَهَل لي من رخصَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أَدْرِي
قَالَ زيد بن ثَابت: وقلمي رطب مَا جف حَتَّى غشي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَحْي وَوَقع فَخذه على فَخذي حَتَّى كَادَت تدق من ثقل الْوَحْي ثمَّ جلى عَنهُ فَقَالَ لي: اكْتُبْ يَا زيد {غير أولي الضَّرَر} فيا أَمِير الْمُؤمنِينَ حرف وَاحِد بعث بِهِ جِبْرِيل وَالْمَلَائِكَة عَلَيْهِم السَّلَام من مسيرَة خمسين ألف عَام حَتَّى أنزل على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا يَنْبَغِي لي أَن أعزه وأجله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} عَن بدر والخارجين إِلَى بدر لما نزلت غَزْوَة بدر قَالَ عبد الله بن جحش وَابْن أم مَكْتُوم: انا أعميان يَا رَسُول الله فَهَل لنا رخصَة فَنزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين دَرَجَة فهولاء الْقَاعِدُونَ غير أولي الضَّرَر {فضل الله الْمُجَاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم على القاعدين} دَرَجَات مِنْهُ على القاعدين من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} عَن بدر والخارجين إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن زيد بن أَرقم قَالَ: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} جَاءَ ابْن أم مَكْتُوم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أما لي من رخصَة قَالَ: لَا
قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي ضَرِير فرخِّص لي
فَأنْزل الله {غير أولي الضَّرَر} فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكتابتها
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ عَن الفلتان ابْن عَاصِم قَالَ: كُنَّا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل عَلَيْهِ وَكَانَ إِذا أنزل عَلَيْهِ دَامَ بَصَره مَفْتُوحَة عَيناهُ وَفرغ سَمعه وَقَلبه لما يَأْتِيهِ من الله قَالَ: فَكُنَّا نَعْرِف ذَلِك مِنْهُ(2/641)
فَقَالَ لِلْكَاتِبِ: اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} فَقَامَ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا ذنبنا فَأنْزل الله فَقُلْنَا للأعمى: إِنَّه ينزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخاف أَن يكون ينزل عَلَيْهِ شَيْء فِي أمره فَبَقيَ قَائِما يَقُول: أعوذ بغضب رَسُول الله فَقَالَ لِلْكَاتِبِ: اكْتُبْ {غير أولي الضَّرَر}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} فَسمع بذلك عبد الله بن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله قد أنزل الله فِي الْجِهَاد مَا قد علمت وَأَنا رجل ضَرِير الْبَصَر لَا أَسْتَطِيع الْجِهَاد فَهَل لي من رخصَة عِنْد الله إِن قعدت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أمرت فِي شَأْنك بِشَيْء وَمَا أَدْرِي هَل يكون لَك ولأصحابك من رخصَة
فَقَالَ ابْن أم مَكْتُوم: اللَّهُمَّ إِنِّي أنْشدك بَصرِي
فَأنْزل الله {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر}
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي نَضرة عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي قوم كَانَت تشغلهم أمراض وأوجاع فَأنْزل الله عذرهمْ من السَّمَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن أنس بن مَالك قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي ابْن أم مَكْتُوم {غير أولي الضَّرَر} لقد رَأَيْته فِي بعض مشَاهد الْمُسلمين مَعَه اللِّوَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ} قَامَ ابْن أم مَكْتُوم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي ضَرِير كَمَا ترى فَأنْزل الله {غير أولي الضَّرَر}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنه لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ عبد الله بن أم مَكْتُوم: يَا نَبِي الله عُذْري فَأنْزل الله {غير أولي الضَّرَر}
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد قَالَ: نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} فَقَالَ رجل أعمى: يَا نَبِي الله فَإِنِّي أحب الْجِهَاد وَلَا أَسْتَطِيع أَن أجاهد
فَنزلت {غير أولي الضَّرَر}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ ابْن أم مَكْتُوم: يَا رَسُول الله إِنِّي أعمى وَلَا أُطِيق الْجِهَاد
فَأنْزل الله فِيهِ {غير أولي الضَّرَر}(2/642)
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق زِيَاد بن فياض عَن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} قَالَ عَمْرو بن أم مَكْتُوم: يَا رب ابتليتني فَكيف أصنع فَنزلت {غير أولي الضَّرَر}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ثَابت عَن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي ليلى قَالَ: لما نزلت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيل الله} قَالَ ابْن أم مَكْتُوم: أَي رب أَيْن عُذْري أَي رب أَيْن عُذْري فَنزلت {غير أولي الضَّرَر} فَوضعت بَينهَا وَبَين الْأُخْرَى فَكَانَ بعد ذَلِك يَغْزُو وَيَقُول: ادفعوا إِلَيّ اللِّوَاء وأقيموني بَين الصفين فَإِنِّي لن أفر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: نزلت فِي ابْن أم مَكْتُوم أَربع آيَات {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر} وَنزل فِيهِ (لَيْسَ على الْأَعْمَى حرج) (النُّور الْآيَة 61) وَنزل فِيهِ (فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار
) (الْحَج الْآيَة 16) الْآيَة
وَنزل فِيهِ (عبس وَتَوَلَّى) (عبس الْآيَة 1) فَدَعَا بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدناه وقربه وَقَالَ: أَنْت الَّذِي عَاتَبَنِي فِيك رَبِّي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: لَا يَسْتَوِي فِي الْفضل الْقَاعِد عَن الْعَدو والمجاهد دَرَجَة يَعْنِي فَضِيلَة {وكلا} يَعْنِي الْمُجَاهِد والقاعد الْمَعْذُور {وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين} الَّذين لَا عذر لَهُم {أجرا عَظِيما دَرَجَات} يَعْنِي فَضَائِل {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} بِفضل سبعين دَرَجَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {غير أولي الضَّرَر} قَالَ: أهل الْعذر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فضل الله الْمُجَاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم على القاعدين دَرَجَة} قَالَ: على أهل الضَّرَر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وكلا وعد الله الْحسنى} أَي الْجنَّة وَالله يُؤْتِي كل ذِي فضل فَضله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما دَرَجَات مِنْهُ ومغفرة} قَالَ على القاعدين من الْمُؤمنِينَ {غير أولي الضَّرَر}(2/643)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {دَرَجَات مِنْهُ ومغفرة وَرَحْمَة} قَالَ: كَانَ يُقَال: الْإِسْلَام دَرَجَة وَالْهجْرَة دَرَجَة فِي الْإِسْلَام وَالْجهَاد فِي الْهِجْرَة دَرَجَة وَالْقَتْل فِي الْجِهَاد دَرَجَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن وهب قَالَ: سَأَلت ابْن زيد عَن قَول الله تَعَالَى {وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما دَرَجَات مِنْهُ} الدَّرَجَات هِيَ السَّبع لتي ذكرهَا فِي سُورَة بَرَاءَة (مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفسِهِم عَن نَفسه ذَلِك بِأَنَّهُم لَا يصيبهم ظمأ وَلَا نصب) فَقَرَأَ حَتَّى بلغ (أحسن مَا كَانُوا يعْملُونَ) (التَّوْبَة الْآيَة 120 - 121) قَالَ: هَذِه السَّبع دَرَجَات قَالَ: كَانَ أول شَيْء فَكَانَت دَرَجَة الْجِهَاد مجملة فَكَانَ الَّذِي جَاهد بِمَالِه لَهُ اسْم فِي هَذِه فَلَمَّا جَاءَت هَذِه الدَّرَجَات بالتفضيل أخرج مِنْهَا وَلم يكن لَهُ مِنْهَا إِلَّا النَّفَقَة فَقَرَأَ (لَا يصيبهم ظمأ وَلَا نصب) (التَّوْبَة الْآيَة 120) وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا لصَاحب النَّفَقَة ثمَّ قَرَأَ (وَلَا يُنْفقُونَ نَفَقَة) قَالَ: وَهَذِه نَفَقَة الْقَاعِد
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن محيريز فِي قَوْله {وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما دَرَجَات} قَالَ: الدَّرَجَات سَبْعُونَ دَرَجَة مَا بَين الدرجتين عَدو الْجواد الْمُضمر سَبْعُونَ سنة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن أبي محلز فِي قَوْله {وَفضل الله الْمُجَاهدين على القاعدين أجرا عَظِيما دَرَجَات} قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا سَبْعُونَ دَرَجَة بَين كل دَرَجَتَيْنِ سَبْعُونَ عَاما للجواد الْمُضمر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {دَرَجَات مِنْهُ ومغفرة وَرَحْمَة} قَالَ: ذكر لنا أَن معَاذ بن جبل كَانَ يَقُول: إِن للقتيل فِي سَبِيل الله سِتّ خِصَال من خير: أول دفْعَة من دَمه يكفر بهَا عَنهُ ذنُوبه ويحلى عَلَيْهِ حلَّة الْإِيمَان ثمَّ يفوز من الْعَذَاب ثمَّ يَأْمَن من الْفَزع الْأَكْبَر ثمَّ يسكن الْجنَّة ويزوج من الْحور الْعين
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة أعدهَا الله للمجاهدين فِي سَبِيل الله مَا بَين(2/644)
الدرجتين كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فَإِذا سَأَلْتُم الله فَاسْأَلُوهُ الفردوس فَإِنَّهُ أَوسط الْجنَّة وَأَعْلَى الْجنَّة وفوقه عرش الرَّحْمَن وَمِنْه تفجر أَنهَار الْجنَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فِي الْجنَّة مائَة دَرَجَة أعدهَا الله للمجاهدين فِي سَبيله كل دَرَجَتَيْنِ بَينهمَا كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَجَبت لَهُ الْجنَّة
عجب لَهَا أَبُو سعيد فَقَالَ: أعدهَا عليّ يَا رَسُول الله
فَأَعَادَهَا عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: وَأُخْرَى يرفع الله بهَا العَبْد مائَة دَرَجَة فِي الْجنَّة مَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من بلغ بِسَهْم فِي سَبِيل الله فَلهُ دَرَجَة
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله وَمَا الدرجَة قَالَ: أما أَنَّهَا لَيست بِعتبَة أمك مَا بَين الدرجتين مائَة عَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْجنَّة مائَة دَرَجَة مَا بَين كل دَرَجَتَيْنِ مِنْهَا كَمَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي مَالك قَالَ: كَانَ يُقَال: الْجنَّة مائَة دَرَجَة بَين كل دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض فِيهِنَّ الْيَاقُوت وَالْخَيْل فِي كل دَرَجَة أَمِير يرَوْنَ لَهُ الْفضل والسؤدد
الْآيَات 97 - 99(2/645)
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)
أخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَن نَاسا من الْمُسلمين كَانُوا مَعَ الْمُشْركين يكثرون سَواد الْمُشْركين على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَأْتِي السهْم يَرْمِي بِهِ فَيُصِيب أحدهم فيقتله أَو يضْرب فَيقْتل
فَأنْزل الله {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قوم من أهل مَكَّة أَسْلمُوا وَكَانُوا يستخفون بِالْإِسْلَامِ فَأخْرجهُمْ الْمُشْركُونَ مَعَهم يَوْم بدر فأصيب بَعضهم وَقتل بعض فَقَالَ الْمُسلمُونَ: قد كَانَ أَصْحَابنَا هَؤُلَاءِ مُسلمين وأكرهوا فاستغفروا لَهُم فَنزلت هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} إِلَى آخر الْآيَة
قَالَ فَكتب إِلَى من بَقِي بِمَكَّة من الْمُسلمين بِهَذِهِ الْآيَة وَأَنه لَا عذر لَهُم فَخَرجُوا فلحقهم الْمُشْركُونَ فاعطوهم الْفِتْنَة فأنزلت فيهم هَذِه الْآيَة (وَمن النَّاس من يَقُول آمنا بِاللَّه فَإِذا أوذي فِي الله جعل فتْنَة النَّاس كعذاب الله) (العنكبوت الْآيَة 10) إِلَى آخر الْآيَة
فَكتب الْمُسلمُونَ إِلَيْهِم بذلك فَحَزِنُوا وَأَيِسُوا من كل خير فَنزلت فيهم (ثمَّ إِن رَبك للَّذين هَاجرُوا من بعد مَا فتنُوا ثمَّ جاهدوا وصبروا إِن رَبك من بعْدهَا لغَفُور رَحِيم) (النَّحْل الْآيَة 110) فَكَتَبُوا إِلَيْهِم بذلك أَن الله قد جعل لكم مخرجا فاخرجوا فَخَرجُوا فأدركهم الْمُشْركُونَ فقاتلوهم حَتَّى نجا من نجا وَقتل من قتل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم قَالُوا فيمَ كُنْتُم} إِلَى قَوْله {وَسَاءَتْ مصيراً} قَالَ: نزلت فِي قيس بن الْفَاكِه بن الْمُغيرَة والْحَارث بن زَمعَة بن الْأسود وَقيس بن الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأبي الْعَاصِ بن منية بن الْحجَّاج وَعلي بن أُميَّة بن خلف
قَالَ: لما خرج الْمُشْركُونَ من قُرَيْش وأتباعهم لمنع أبي سُفْيَان بن حَرْب وعير قُرَيْش من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَأَن يطلبوا مَا نيل مِنْهُم يَوْم نَخْلَة خَرجُوا مَعَهم بشبان كارهين كَانُوا قد أَسْلمُوا واجتمعوا ببدر على غير موعد فَقتلُوا ببدر كفار وَرَجَعُوا عَن الْإِسْلَام وهم هَؤُلَاءِ الَّذين سميناهم(2/646)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي قَوْله {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة} قَالَ: هم خَمْسَة فتية من قُرَيْش: عَليّ بن أُميَّة وَأَبُو قيس بن الْفَاكِه وَزَمعَة بن الْأسود وَأَبُو العَاصِي بن منية بن الْحجَّاج
قَالَ: ونسيت الْخَامِس
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هم قوم تخلفوا بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتركُوا أَن يخرجُوا مَعَه فَمن مَاتَ مِنْهُم قبل أَن يلْحق بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضربت الْمَلَائِكَة وَجهه وَدبره
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قوم بِمَكَّة قد أَسْلمُوا فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَرهُوا أَن يهاجروا وخافوا فَأنْزل الله {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} إِلَى قَوْله {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: هم أنَاس من الْمُنَافِقين تخلفوا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فَلم يخرجُوا مَعَه إِلَى الْمَدِينَة وَخَرجُوا مَعَ مُشْركي قُرَيْش إِلَى بدر فأصيبوا يَوْم بدر فِيمَن أُصِيب
فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما أسر الْعَبَّاس وَعقيل وَنَوْفَل قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: افْدِ نَفسك وَابْن أَخِيك
قَالَ: يَا رَسُول الله ألم نصل قبلتك ونشهد شهادتك قَالَ: يَا عَبَّاس إِنَّكُم خاصمتم فخصمتم ثمَّ تَلا عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة {ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة فتهاجروا فِيهَا فَأُولَئِك مأواهم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً} فَيوم نزلت هَذِه الْآيَة كَانَ من أسلم وَلم يُهَاجر فَهُوَ كَافِر حَتَّى يُهَاجر {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} الَّذين {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} حِيلَة فِي المَال والسبيل الطَّرِيق
قَالَ ابْن عَبَّاس: كنت أَنا مِنْهُم من الْولدَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: حدثت أَن هَذِه الْآيَة أنزلت فِي أنَاس تكلمُوا بِالْإِسْلَامِ من أهل مَكَّة فَخَرجُوا مَعَ عَدو الله أبي جهل فَقتلُوا يَوْم بدر فاعتذروا بِغَيْر عذر فَأبى الله أَن يقبل مِنْهُم وَقَوله {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} قَالَ: أنَاس من أهل مَكَّة عذرهمْ الله فاستثناهم
قَالَ: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: كنت أَنا وَأمي من الَّذين لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة: نزلت هَذِه الْآيَة فِيمَن قتل يَوْم بدر من الضُّعَفَاء فِي كفار قُرَيْش(2/647)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وظهروا ونبع الْإِيمَان نبع النِّفَاق مَعَه فَأتى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجال فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَوْلَا أَنا نَخَاف هَؤُلَاءِ الْقَوْم يعذبونا ويفعلون ويفعلون لأسلمنا وَلَكنَّا نشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله فَكَانُوا يَقُولُونَ ذَلِك لَهُ فَلَمَّا كَانَ يَوْم بدر قَامَ الْمُشْركُونَ فَقَالُوا: لَا يتَخَلَّف عَنَّا أحد إِلَّا هدمنا دَاره واستبحنا مَاله
فَخرج أُولَئِكَ الَّذين كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِك القَوْل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهم فقتلت طَائِفَة مِنْهُم وأسرت طَائِفَة قَالَ: فَأَما الَّذين قتلوا فهم الَّذين قَالَ الله {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} الْآيَة كلهَا {ألم تكن أَرض الله وَاسِعَة فتهاجروا فِيهَا} وتتركوا هَؤُلَاءِ الَّذين يستضعفونكم {فَأُولَئِك مأواهم جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً} ثمَّ عذر الله أهل الصدْق فَقَالَ {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} يتوجهون لَهُ لَو خَرجُوا لهلكوا {فَأُولَئِك عَسى الله أَن يعْفُو عَنْهُم} اقامتهم بَين ظَهْري الْمُشْركين
وَقَالَ الَّذين أَسرُّوا: يَا رَسُول الله انك تعلم انا كُنَّا نَأْتِيك فنشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله وَأَن هَؤُلَاءِ الْقَوْم خرجنَا مَعَهم خوفًا فَقَالَ الله (يَا أَيهَا النَّبِي قل لمن فِي أَيْدِيكُم من الأسرى إِن يعلم الله فِي قُلُوبكُمْ خيرا يُؤْتكُم خيرا مِمَّا أَخذ مِنْكُم وَيغْفر لكم) (الْأَنْفَال الْآيَة 70) صنيعكم الَّذِي صَنَعْتُم خروجكم مَعَ الْمُشْركين على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتك فقد خانوا الله من قبل) (الْأَنْفَال الْآيَة 71) خَرجُوا مَعَ الْمُشْركين فَأمكن مِنْهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت أَنا وَأمي من الْمُسْتَضْعَفِينَ
أَنا من الْولدَان وَأمي من النِّسَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَنه تَلا {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان} قَالَ: كنت أَنا وَأمي مِمَّن عذر الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانو يَدْعُو فِي دبر كل صَلَاة: اللَّهُمَّ خلص الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة(2/648)
وضعفة الْمُسلمين من أَيدي الْمُشْركين الَّذين لَا يَسْتَطِيعُونَ حلية وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: بَينا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْعشَاء إِذْ قَالَ: سمع الله لمن حَمده
ثمَّ قَالَ قبل أَن يسْجد: اللَّهُمَّ نج عَيَّاش بن أبي ربيعَة اللَّهُمَّ نج سَلمَة بن هِشَام اللَّهُمَّ نج الْوَلِيد بن الْوَلِيد اللَّهُمَّ نج الْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِين كَسِنِي يُوسُف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ} يَعْنِي الشَّيْخ الْكَبِير والعجوز والجواري الصغار والغلمان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن يحيى قَالَ: مكث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرْبَعِينَ صباحاً يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح بعد الرُّكُوع وَكَانَ يَقُول فِي قنوته: اللَّهُمَّ أَنْج الْوَلِيد بن الْوَلِيد وَعَيَّاش بن أبي ربيعَة والعاصي بن هِشَام وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ بِمَكَّة الَّذين {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم} إِلَى قَوْله {وَسَاءَتْ مصيراً} قَالَ: كَانُوا قوما من الْمُسلمين بِمَكَّة فَخَرجُوا مَعَ قَومهمْ من الْمُشْركين فِي قتال فَقتلُوا مَعَهم فَنزلت هَذِه الْآيَة {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان} فعذر الله أهل الْعذر مِنْهُم وَهلك من لَا عذر لَهُ قَالَ ابْن عَبَّاس: وَكنت أَنا وَأمي مِمَّن كَانَ لَهُ عذر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة} قُوَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة} قَالَ: نهوضاً إِلَى الْمَدِينَة {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} طَرِيقا إِلَى الْمَدِينَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا} طَرِيقا إِلَى الْمَدِينَة
وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَة 100(2/649)
وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (100)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مراغماً كثيرا وسعة} قَالَ: المراغم التَّحَوُّل من أَرض إِلَى أَرض
وَالسعَة الرزق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {مراغماً} قَالَ: متزحزحاً عَمَّا يكره
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {مراغماً} قَالَ: منفسحاً بلغَة هُذَيْل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: واترك أَرض جهرة إِن عِنْدِي رَجَاء فِي المراغم والتعادي وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: المراغم المُهَاجر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ مراغماً قَالَ: مبتغى للمعيشة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَخْر مراغماً قَالَ منفسحاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {يجد فِي الأَرْض مراغماً كثيرا وسعة} قَالَ: متحولاً من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى وَمن الْعيلَة إِلَى الْغنى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {وسعة} قَالَ: ورخاء
وَأخرج عَن ابْن الْقَاسِم قَالَ: سُئِلَ مَالك عَن قَول الله {وسعة} قَالَ: سَعَة الْبلَاء
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج ضَمرَة بن جُنْدُب من بَيته مُهَاجرا فَقَالَ لأَهله: احْمِلُونِي فاخرجوني من أَرض الْمُشْركين إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَاتَ فِي الطَّرِيق قبل أَن يصل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل الْوَحْي {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ بِمَكَّة رجل يُقَال لَهُ ضَمرَة من بني بكر وَكَانَ مَرِيضا فَقَالَ لأَهله: أَخْرجُونِي من مَكَّة فَإِنِّي أجد الْحر
فَقَالُوا أَيْن نخرجك فَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْو طَرِيق الْمَدِينَة فَخَرجُوا بِهِ فَمَاتَ على ميلين من مَكَّة فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت}(2/650)
وَأخرج أَبُو حَاتِم السجسْتانِي فِي كتاب المعمرين عَن عَامر الشّعبِيّ قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله تَعَالَى {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي أَكْثَم بن صَيْفِي قلت: فَأَيْنَ اللَّيْثِيّ قَالَ: هَذَا قبل اللَّيْثِيّ بِزَمَان وَهِي خَاصَّة عَامَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعيد بن جُبَير إِن رجلا من خُزَاعَة كَانَ بِمَكَّة فَمَرض وَهُوَ ضَمرَة بن الْعيص أَو الْعيص بن ضَمرَة بن زنباع فَلَمَّا أمروا بِالْهِجْرَةِ كَانَ مَرِيضا فَأمر أَهله أَن يفرشوا لَهُ على سَرِيره ففرشوا لَهُ وَحَمَلُوهُ وَانْطَلَقُوا بِهِ مُتَوَجها إِلَى الْمَدِينَة فَلَمَّا كَانَ بِالتَّنْعِيمِ مَاتَ فَنزل {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير عَن أبي ضَمرَة بن الْعيص الزرقي الَّذِي كَانَ مصاب الْبَصَر وَكَانَ بِمَكَّة فَلَمَّا نزلت (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة) (النِّسَاء الْآيَة 97) فَقَالَ: إِنِّي لَغَنِيّ وَإِنِّي لذُو حِيلَة
فتجهز يُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأدركه الْمَوْت بِالتَّنْعِيمِ فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله}
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ من الْمُؤمنِينَ غير أولي الضَّرَر) (النِّسَاء الْآيَة 96) رخَّص فِيهَا لقوم من الْمُسلمين مِمَّن بِمَكَّة من أهل الضَّرَر حَتَّى نزلت فَضِيلَة الْمُجَاهدين على القاعدين وَرخّص لأهل الضَّرَر حَتَّى نزلت (إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم) إِلَى قَوْله (وَسَاءَتْ مصيرا) (النِّسَاء الْآيَة 96) قَالُوا: هَذِه مُوجبَة حَتَّى نزلت (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ من الرِّجَال وَالنِّسَاء والولدان لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَة وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلا) (النِّسَاء الْآيَة 98) فَقَالَ ضَمرَة بن الْعيص أحد بني لَيْث وَكَانَ مصاب الْبَصَر: إِنِّي لذُو حِيلَة لي مَال فاحملوني فَخرج وَهُوَ مَرِيض فأدركه الْمَوْت عِنْد التَّنْعِيم فَدفن عِنْد مَسْجِد التَّنْعِيم فَنزلت فِيهِ هَذِه الْآيَة {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت} الْآيَة(2/651)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ لما أنزل الله هَؤُلَاءِ الْآيَات وَرجل من الْمُؤمنِينَ يُقَال لَهُ ضمره وَلَفظ عبد سُبْرَة بِمَكَّة قَالَ: وَالله إِن لي من المَال مَا يبلغنِي إِلَى الْمَدِينَة وَأبْعد مِنْهَا وَإِنِّي لأَهْتَدِي إِلَى الْمَدِينَة فَقَالَ لأَهله: أَخْرجُونِي - وَهُوَ مَرِيض يَوْمئِذٍ - فَلَمَّا جَاوز الْحرم قَبضه الله فَمَاتَ فَأنْزل الله {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير من وَجه آخر عَن قَتَادَة قَالَ: لما نزلت (إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم) (النِّسَاء الْآيَة 97) قَالَ رجل من الْمُسلمين يَوْمئِذٍ وهومريض: وَالله مَا لي من عذر إِنِّي لدَلِيل بِالطَّرِيقِ وَإِنِّي لموسر فاحملوني فَحَمَلُوهُ فأدركه الْمَوْت بِالطَّرِيقِ فَنزل فِيهِ {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما أنزل الله (إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم) (النِّسَاء الْآيَة 97) الْآيَتَيْنِ
قَالَ رجل من بني ضَمرَة - وَكَانَ مَرِيضا - أَخْرجُونِي إِلَى الرّوح فأخرجوه حَتَّى إِذا كَانَ بالحصحاص مَاتَ فَنزل فِيهِ {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن علْبَاء بن أَحْمَر قَوْله {وَمن يخرج من بَيته} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي رجل من خُزَاعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: لما سمع - هَذِه يَعْنِي (إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم
) (النِّسَاء الْآيَة 97) الْآيَة - ضَمرَة بن جُنْدُب الضمرِي قَالَ لأَهله - وَكَانَ وجعاً -: أرحلوا رَاحِلَتي فَإِن الأخشبين قد غماني - يَعْنِي جبلي مَكَّة - لعلّي أَن أخرج فيصيبني روح فَقعدَ على رَاحِلَته ثمَّ توجه نَحْو الْمَدِينَة فَمَاتَ فِي الطَّرِيق فَأنْزل الله {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا} الْآيَة
وَأما حِين توجه إِلَى الْمَدِينَة فَإِنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي مهَاجر إِلَيْك وَإِلَى رَسُولك(2/652)
وَأخرج سنيد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت (إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة
) (النِّسَاء الْآيَة 97) الْآيَة
قَالَ ضَمرَة بن جُنْدُب الجندعي: اللَّهُمَّ أبلغت المعذرة وَالْحجّة وَلَا معذرة لي وَلَا حجَّة
ثمَّ خرج وَهُوَ شيخ كَبِير فَمَاتَ بِبَعْض الطَّرِيق فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاتَ قبل أَن يُهَاجر فَلَا نَدْرِي أَعلَى ولَايَة أم لَا فَنزلت {وَمن يخرج من بَيته} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما أنزل الله فِي الَّذين قتلوا مَعَ مُشْركي قُرَيْش ببدر (إِن الَّذين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَة ظالمي أنفسهم) (النِّسَاء الْآيَة 97) الْآيَة
سمع بِمَا أنزل الله فيهم رجل من بني لَيْث كَانَ على دين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقيما بِمَكَّة وَكَانَ مِمَّن عذر الله كَانَ شَيخا كَبِيرا فَقَالَ لأَهله: مَا أَنا ببائت اللَّيْلَة بِمَكَّة
فَخَرجُوا بِهِ حَتَّى إِذا بلغ التَّنْعِيم من طَرِيق الْمَدِينَة أدْركهُ الْمَوْت فَنزل فِيهِ {وَمن يخرج من بَيته} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي رجل من بني لَيْث أحد بني جندع
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الْمُنْذر عَن يزِيد بن عبد الله بن قسيط أَن جندع بن ضَمرَة الجندعي كَانَ بِمَكَّة فَمَرض فَقَالَ لِبَنِيهِ: أَخْرجُونِي من مَكَّة فقد قتلني غمها
فَقَالُوا إِلَى أَيْن فَأَوْمأ بِيَدِهِ نَحْو الْمَدِينَة يُرِيد الْهِجْرَة فَخَرجُوا بِهِ فَلَمَّا بلغُوا اضاة بني غفار مَاتَ فَأنْزل الله فِيهِ {وَمن يخرج من بَيته} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: هَاجر رجل من بني كنَانَة يُرِيد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَاتَ فِي الطَّرِيق فَسخرَ بِهِ قوم واستهزؤوا بِهِ وَقَالَ: لَا هُوَ بلغ الَّذِي يُرِيد وَلَا هُوَ أَقَامَ فِي أَهله يقومُونَ عَلَيْهِ ويدفن
فَنزل الْقُرْآن {وَمن يخرج من بَيته} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: خرج رجل من مَكَّة بعد مَا أسلم وَهُوَ يُرِيد النَّبِي وَأَصْحَابه فأدركه الْمَوْت فِي الطَّرِيق فَمَاتَ فَقَالُوا: مَا أدْرك هَذَا من شَيْء
فَأنْزل الله {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: هَاجر خَالِد بن حزَام إِلَى أَرض الْحَبَشَة فنهشته حَيَّة فِي الطَّرِيق فَمَاتَ فَنزلت(2/653)
فِيهِ {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله ثمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْت فقد وَقع أجره على الله وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما}
قَالَ الزبير: وَكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وَأَنا بِأَرْض الْحَبَشَة فَمَا أحزنني شَيْء حزني لوفاته حِين بَلغنِي لِأَنَّهُ قلَّ أَن هَاجر أحدٌ من قُرَيْش إِلَّا وَمَعَهُ بعض أَهله أَو ذِي رَحمَه وَلم يكن معي أحد من بني أَسد بن عبد الْعُزَّى وَلَا أَرْجُو غَيره
وَأخرج ابْن سعد عَن الْمُغيرَة بن عبد الرَّحْمَن الْخُزَاعِيّ عَن أَبِيه قَالَ: خرج خَالِد بن حزَام مُهَاجرا إِلَى أَرض الْحَبَشَة فِي الْمرة الثَّانِيَة فنهش فِي الطَّرِيق فَمَاتَ قبل أَن يدْخل أَرض الْحَبَشَة فَنزلت فِيهِ {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن يزِيد بن أبي حبيب أَن أهل الْمَدِينَة يَقُولُونَ: من خرج فاصلاً وَجب سَهْمه وتأولوا قَوْله تَعَالَى {وَمن يخرج من بَيته مُهَاجرا إِلَى الله وَرَسُوله} يَعْنِي من مَاتَ مِمَّن خرج إِلَى الْغَزْو بعد انْفِصَاله من منزله قبل أَن يشْهد الْوَقْعَة فَلهُ سَهْمه من الْمغنم
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عتِيك سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من خرج من بَيته مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله - وَأَيْنَ المجاهدون فِي سَبِيل الله - فَخر عَن دَابَّته فَمَاتَ فقد وَقع أجره على الله أَو لدغته دَابَّة فَمَاتَ فقد وَقع أجره على الله أَو مَاتَ حتف أَنفه فقد وَقع أجره على الله - يَعْنِي بحتف أَنفه على فرَاشه وَالله إِنَّهَا لكلمة مَا سَمعتهَا من أحد من الْعَرَب قبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - وَمن قتل قعصاً فقد اسْتوْجبَ الْجنَّة
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من خرج حَاجا فَمَاتَ كتب لَهُ أجر الْحَاج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمن خرج مُعْتَمِرًا فَمَاتَ كتب لَهُ أجر الْمُعْتَمِر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمن خرج غازياً فِي سَبِيل الله كتب لَهُ أجر الْغَازِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
الْآيَة 101(2/654)
وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا (101)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْجَارُود وَابْن خُزَيْمَة والطَّحَاوِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَابْن حبَان عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ: سَأَلت عمر بن الْخطاب قلت: {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} وَقد أَمن النَّاس فَقَالَ لي عمر: عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ: صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي حَنْظَلَة قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن صَلَاة السّفر فَقَالَ: رَكْعَتَانِ
فَقلت: فَأَيْنَ قَوْله تَعَالَى {إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} وَنحن آمنون فَقَالَ: سنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أُميَّة بن عبد الله بن خَالِد بن أَسد أَنه سَأَلَ ابْن عمر أَرَأَيْت قصر الصَّلَاة فِي السّفر أَنا لَا نجدها فِي كتاب الله إِنَّمَا نجد ذكر صَلَاة الْخَوْف فَقَالَ ابْن عمر: يَا ابْن أخي إِن الله أرسل مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا نعلم شَيْئا فَإِنَّمَا نَفْعل كَمَا رَأينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل وَقصر الصَّلَاة فِي السّفر سنة سنّهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن حَارِثَة بن وهب الْخُزَاعِيّ قَالَ: صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر بمنى أَكثر مَا كَانَ النَّاس وآمنه رَكْعَتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَنحن آمنون لَا نَخَاف شَيْئا رَكْعَتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: سَافَرت إِلَى مَكَّة فَكنت أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فلقيني قراء من أهل هَذِه النَّاحِيَة فَقَالُوا: كَيفَ تصلي قلت رَكْعَتَيْنِ قَالُوا أَسُنَّةٌ وَقُرْآن قلت: كل سُنَّةٍ وَقُرْآن صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ
قَالُوا إِنَّه كَانَ فِي حَرْب قلت: قَالَ الله (لقد صدق الله رَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لتدخلن الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَاءَ الله آمِنين مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ لَا تخافون) (الْفَتْح الْآيَة 27) وَقَالَ {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة}(2/655)
فَقَرَأَ حَتَّى بلغ (فَإِذا اطمأننتم) (النِّسَاء الْآيَة 102)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَنحن آمنون لَا نَخَاف شَيْئا رَكْعَتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ قَالَ: سَأَلَ قوم من التُّجَّار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا نضرب فِي الأَرْض فَكيف نصلي فَأنْزل الله {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} ثمَّ انْقَطع الْوَحْي فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك بحول غزا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى الظّهْر فَقَالَ الْمُشْركُونَ: لقد أمكنكم مُحَمَّد وَأَصْحَابه من ظُهُورهمْ هلا شددتم عَلَيْهِم فَقَالَ قَائِل مِنْهُم: إِن لَهُم مثلهَا أُخْرَى فِي أَثَرهَا فَأنْزل الله بَين الصَّلَاتَيْنِ {إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا إِن الْكَافرين كَانُوا لكم عدوا مُبينًا وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} إِلَى قَوْله {إِن الله أعد للْكَافِرِينَ عذَابا مهيناً} فَنزلت صَلَاة الْخَوْف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل تَاجر أختلف إِلَى الْبَحْرين فَأمره أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبيّ بن كَعْب أَنه كَانَ يقْرَأ {أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} وَلَا يقْرَأ {إِن خِفْتُمْ} وَهِي فِي مصحف عُثْمَان {إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عمر بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ابْن أبي بكر الصّديق قَالَ: سَمِعت أبي يَقُول: سَمِعت عَائِشَة تَقول: فِي السّفر أَتموا صَلَاتكُمْ
فَقَالُوا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ فَقَالَت: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي حَرْب وَكَانَ يخَاف هَل تخافون أَنْتُم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء أَي أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتم الصَّلَاة فِي السّفر قَالَ: عَائِشَة وَسعد بن أبي وَقاص
وَأخرج ابْن جرير عَن أُميَّة بن عبد الله أَنه قَالَ لعبد الله بن عمر: أَنا نجد فِي كتاب الله قصر الصَّلَاة فِي الْخَوْف وَلَا نجد قصر صَلَاة الْمُسَافِر فَقَالَ عبد الله: إِنَّا وجدنَا نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْمل عملا عَملنَا بِهِ(2/656)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} قَالَ: أنزلت يَوْم كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان وَالْمُشْرِكُونَ بضجنان فتوافقوا فصلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الظّهْر أَرْبعا ركوعهم وسجودهم وقيامهم مَعًا جمعا فهم بِهِ الْمُشْركُونَ أَن يُغيرُوا على أمتعتهم وأثقالهم فَأنْزل الله (فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك) (النِّسَاء الْآيَة 102) فصلى الْعَصْر فَصف أَصْحَابه صفّين ثمَّ كبر بهم جَمِيعًا ثمَّ سجد الْأَولونَ لسجوده وَالْآخرُونَ قيام لم يسجدوا حَتَّى قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ كبر بهم وركعوا جَمِيعًا فَتقدم الصَّفّ الآخر واستأخر الصَّفّ الْمُقدم فتعاقبوا السُّجُود كَمَا فعلوا أول مرّة وَقصر الْعَصْر إِلَى رَكْعَتَيْنِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَاوس فِي قَوْله {أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} قَالَ: قصرهَا من الْخَوْف والقتال الصَّلَاة فِي كل وَجه رَاكِبًا وماشياً قَالَ: فَأَما صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الركعتان وَصَلَاة النَّاس فِي السّفر رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ بقصر هُوَ وفاؤها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَمْرو بن دِينَار فِي قَوْله {إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} قَالَ: إِنَّمَا ذَلِك إِذا خَافُوا الَّذين كفرُوا وَسن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ بقصر وَلكنهَا وَفَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} إِذا صليت رَكْعَتَيْنِ فِي السّفر فَهِيَ تَمام وَالتَّقْصِير لَا يحل إِلَّا أَن تخَاف من الَّذين كفرُوا أَن يفتنوك عَن الصَّلَاة وَالتَّقْصِير رَكْعَة يقوم الإِمَام وَيقوم مَعَه طَائِفَتَانِ طَائِفَة خَلفه وَطَائِفَة يوازون الْعَدو فَيصَلي بِمن مَعَه رَكْعَة ويمشون إِلَيْهِم على أدبارهم حَتَّى يقومُوا فِي مقَام أَصْحَابهم وَتلك المشية الْقَهْقَرَى ثمَّ تَأتي الطَّائِفَة الْأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَ الإِمَام رَكْعَة ثمَّ يجلس الإِمَام فَيسلم فَيقومُونَ فيصلون لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة ثمَّ يرجعُونَ إِلَى صفهم وَيقوم الْآخرُونَ فيضيفون إِلَى ركعته شَيْئا تُجزئه رَكْعَة الإِمَام فَيكون للْإِمَام رَكْعَتَانِ وَلَهُم رَكْعَة فَذَلِك قَول الله (وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة) إِلَى قَوْله (وخذوا حذركُمْ) (النِّسَاء الْآيَة 102)(2/657)
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ايْنَ عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا} قَالَ: بِالْعَذَابِ وَالْجهل بلغَة هوزان
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: كل امرىء من عباد الله مضطهد بِبَطن مَكَّة مقهور ومفتون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سماك الْحَنَفِيّ قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن صَلَاة السّفر فَقَالَ: رَكْعَتَانِ تَمام غير قصر إِنَّمَا الْقصر صَلَاة المخافة
قلت: وَمَا صَلَاة المخافة قَالَ: يُصَلِّي الإِمَام بطَائفَة رَكْعَة ثمَّ يَجِيء هَؤُلَاءِ إِلَى مَكَان هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء إِلَى مَكَان هَؤُلَاءِ فَيصَلي بهم رَكْعَة فَيكون للْإِمَام رَكْعَتَانِ وَلكُل طَائِفَة رَكْعَة رَكْعَة
وَأخرج مَالك وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة قَالَت: فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي السّفر والحضر فأقرت صَلَاة السّفر وَزيد فِي صَلَاة الْحَضَر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَائِشَة قَالَت: فرضت الصَّلَاة على النَّبِي بِمَكَّة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا خرج إِلَى الْمَدِينَة فرضت أَرْبعا وأقرت صَلَاة السّفر رَكْعَتَيْنِ
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة قَالَت: فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب فرضت ثَلَاثًا وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سَافر صلى الصَّلَاة الأولى وَإِذا أَقَامَ زَاد مَعَ كل رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب لِأَنَّهَا وتر وَالصُّبْح لِأَنَّهَا تطول فِيهَا الْقِرَاءَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أهل مَكَّة لَا تقصرُوا الصَّلَاة فِي أدنى من أَرْبَعَة برد من مَكَّة إِلَى عسفان
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس كَانَا يصليان رَكْعَتَيْنِ ويفطران فِي أَرْبَعَة برد فَمَا فَوق ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ أتقصر إِلَى عَرَفَة فَقَالَ: لَا وَلَكِن إِلَى عسفان وَإِلَى جدة وَإِلَى الطَّائِف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير والنحاس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فرض الله الصَّلَاة على لِسَان نَبِيكُم فِي الْحَضَر أَرْبعا وَفِي السّفر رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْف رَكْعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} الْآيَة
قَالَ:(2/658)
قصر الصَّلَاة - إِن لقِيت الْعَدو وَقد حانت الصَّلَاة - أَن تكبر الله وتخفض رَأسك إِيمَاء رَاكِبًا كنت أَو مَاشِيا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة} قَالَ: ذَاك عِنْد الْقِتَال يُصَلِّي الرجل الرَّاكِب تَكْبِيرَة من حَيْثُ كَانَ وَجهه
الْآيَتَانِ 102 - 103(2/659)
وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عَيَّاش الزرقي قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان فَاسْتقْبلنَا الْمُشْركُونَ عَلَيْهِم خَالِد بن الْوَلِيد وهم بَيْننَا وَبَين الْقبْلَة فصلى بِنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر فَقَالُوا: قد كَانُوا على حَال لَو أصبْنَا غرتهم ثمَّ قَالُوا: يَأْتِي عَلَيْهِم الْآن صَلَاة هِيَ أحب إِلَيْهِم من أبنائهم وأنفسهم فَنزل جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَات بَين الظّهْر وَالْعصر {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة} فَحَضَرت فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذُوا السِّلَاح وصففنا خَلفه صفّين ثمَّ ركع فَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثمَّ سجد بالصف الَّذِي يَلِيهِ وَالْآخرُونَ قيام يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا سجدوا وَقَامُوا جلس الْآخرُونَ فسجدوا فِي مكانهم ثمَّ تقدم هَؤُلَاءِ إِلَى مصَاف هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاء إِلَى مصَاف هَؤُلَاءِ(2/659)
ثمَّ ركع فركعوا جَمِيعًا ثمَّ رفع فَرفعُوا جَمِيعًا ثمَّ سجد الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ وَالْآخرُونَ قيام يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا جَلَسُوا جلس الْآخرُونَ فسجدوا ثمَّ سلم عَلَيْهِم ثمَّ انْصَرف
قَالَ: فَصلاهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرَّتَيْنِ: مرّة بعسفان وَمرَّة بِأَرْض بني سليم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل بَين ضجنَان وَعُسْفَان فَقَالَ الْمُشْركُونَ: إِن لهَؤُلَاء صَلَاة هِيَ أحب إِلَيْهِم من آبَائِهِم وَأَبْنَائِهِمْ وَهِي الْعَصْر فَأَجْمعُوا أَمركُم فَمِيلُوا عَلَيْهِم مَيْلَة وَاحِدَة وَإِن جِبْرِيل أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره أَن يقسم أَصْحَابه شطرين فَيصَلي بهم وَتقوم طَائِفَة أُخْرَى وَرَاءَهُمْ {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} ثمَّ يَأْتِي الْآخرُونَ وَيصلونَ مَعَه رَكْعَة وَاحِدَة ثمَّ يَأْخُذ هَؤُلَاءِ حذرهم وأسلحتهم فَيكون لَهُم رَكْعَة رَكْعَة ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَانِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد الْفَقِير قَالَ: سَأَلت جَابر بن عبد الله عَن الرَّكْعَتَيْنِ فِي السّفر أقصرهما قَالَ الركعتان فِي السّفر تَمام إِنَّمَا الْقصر وَاحِدَة عِنْد الْقِتَال بَينا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قتال إِذْ أُقِيمَت الصَّلَاة فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصفت طَائِفَة وَطَائِفَة وجوهها قبل الْعَدو فصلى بهم رَكْعَة وَسجد بهم سَجْدَتَيْنِ ثمَّ الَّذين خلفوا انْطَلقُوا إِلَى أُولَئِكَ فَقَامُوا مقامهم وَجَاء أُولَئِكَ فَقَامُوا خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى بهم رَكْعَة وَسجد بهم سَجْدَتَيْنِ ثمَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلس فَسلم وَسلم الَّذين خَلفه وَسلم أُولَئِكَ فَكَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَانِ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَة ثمَّ قَرَأَ {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سُلَيْمَان الْيَشْكُرِي أَنه سَأَلَ جَابر بن عبد الله عَن إقْصَار الصَّلَاة أَي يَوْم أنزل فَقَالَ جَابر بن عبد الله: وعير قُرَيْش آتِيَة من الشَّام حَتَّى إِذا كُنَّا بِنَخْل جَاءَ رجل من الْقَوْم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد
قَالَ: نعم
قَالَ: هَل تخافني قَالَ: لَا
قَالَ: فَمن يمنعك مني قَالَ: الله يَمْنعنِي مِنْك
قَالَ: فسل السَّيْف ثمَّ تهدده وأوعده ثمَّ نَادَى بالرحيل وَأخذ السِّلَاح ثمَّ نُودي بِالصَّلَاةِ فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطَائفَة من الْقَوْم وَطَائِفَة أُخْرَى تحرسهم فصلى بالذين يلونه رَكْعَتَيْنِ ثمَّ تَأَخّر الَّذين يلونه على أَعْقَابهم فَقَامُوا فِي مصَاف أَصْحَابهم ثمَّ جَاءَ الْآخرُونَ فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ وَالْآخرُونَ يَحْرُسُونَهُمْ ثمَّ سلم
فَكَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع رَكْعَات وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ يَوْمئِذٍ فَأنْزل الله فِي إقْصَار الصَّلَاة وَأمر الْمُؤمنِينَ بِأخذ السِّلَاح(2/660)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه فِي قَوْله {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة} قَالَ: هِيَ صَلَاة الْخَوْف صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة والطائفة الْأُخْرَى مقبلة على الْعَدو ثمَّ انصرفت الطَّائِفَة الَّتِي صلت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامُوا مقَام أُولَئِكَ مُقْبِلين على الْعَدو وَأَقْبَلت الطَّائِفَة الْأُخْرَى الَّتِي كَانَت مقبلة على الْعَدو فصلى بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة أُخْرَى ثمَّ سلم بهم ثمَّ قَامَت طَائِفَة فصلوا رَكْعَة رَكْعَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة فلتقم طَائِفَة مِنْهُم مَعَك} فَهَذَا فِي الصَّلَاة عِنْد الْخَوْف يقوم الإِمَام وَيقوم مَعَه طَائِفَة مِنْهُم وَطَائِفَة يَأْخُذُونَ أسلحتهم ويقفون بِإِزَاءِ الْعَدو فَيصَلي الإِمَام بِمن مَعَه رَكْعَة ثمَّ يجلس على هَيئته فَيقوم الْقَوْم فيصلون لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة وَالْإِمَام جَالس ثمَّ يَنْصَرِفُونَ فيقفون موقفهم ثمَّ يقبل الْآخرُونَ فَيصَلي بهم الإِمَام الرَّكْعَة الثَّانِيَة ثمَّ يسلم فَيقوم الْقَوْم فيصلون لأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَهَكَذَا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بطن نَخْلَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الْخَوْف بِذِي قرد فَصف النَّاس صفّين صفا خَلفه وَصفا موازي الْعَدو فصلى بالذين خَلفه رَكْعَة ثمَّ انْصَرف هَؤُلَاءِ إِلَى مَكَان هَؤُلَاءِ وَجَاء أُولَئِكَ فصلى بهم رَكْعَة وَلم يقضوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن زيد بن ثَابت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الْخَوْف قَالَ سُفْيَان: فَذكر مثل حَدِيث ابْن عَبَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ثَعْلَبَة بن زَهْدَم قَالَ: كُنَّا مَعَ سعيد بن الْعَاصِ بطبرستان فَقَالَ: أَيّكُم صلى مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فَقَالَ حُذَيْفَة: أَنا
فَقَامَ حُذَيْفَة فَصف النَّاس خَلفه وَصفا موازي الْعَدو فصلى بالذين خَلفه رَكْعَة ثمَّ انْصَرف هَؤُلَاءِ مَكَان هَؤُلَاءِ وَجَاء أُولَئِكَ فصلى بهم رَكْعَة وَلم يقضوا
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف بِذَات الرّقاع فصدع النَّاس صدعتين
فصفت(2/661)
طَائِفَة وَرَاءه وَقَامَت طَائِفَة وجاه الْعَدو فَكبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَبرت الطَّائِفَة خَلفه ثمَّ ركع وركعوا وَسجد وسجدوا ثمَّ رفع رَأسه فَرفعُوا ثمَّ مكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَالِسا وسجدوا لأَنْفُسِهِمْ سَجْدَة ثَانِيَة ثمَّ قَامُوا ثمَّ نكصوا على أَعْقَابهم يَمْشُونَ الْقَهْقَرَى حَتَّى قَامُوا من ورائهم وَأَقْبَلت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فصفوا خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكبروا ثمَّ ركعوا لأَنْفُسِهِمْ ثمَّ سجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سجدته الثَّانِيَة فسجدوا مَعَه ثمَّ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ركعته وسجدوا لأَنْفُسِهِمْ السَّجْدَة الثَّانِيَة ثمَّ قَامَت الطائفتان جَمِيعًا فصفوا خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرَكَعَ بهم رَكْعَة فركعوا جَمِيعًا ثمَّ سجد فسجدوا جَمِيعًا ثمَّ رفع رَأسه وَرفعُوا مَعَه كل ذَلِك من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَرِيعا جدا لَا يألو أَن يُخَفف مَا اسْتَطَاعَ ثمَّ سلم فَسَلمُوا ثمَّ قَامَ وَقد شركه النَّاس فِي صلَاته كلهَا
وَأخرج الْحَاكِم عَن جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْخَوْف أَنه قَالَ: وَطَائِفَة من خَلفه وَطَائِفَة من وَرَاء الطَّائِفَة الَّتِي خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قعُود وُجُوههم كلهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكبرت الطائفتان فَرَكَعَ فركعت الطَّائِفَة الَّتِي خَلفه وَالْآخرُونَ قعُود ثمَّ سجد فسجدوا أَيْضا وَالْآخرُونَ قعُود ثمَّ قَامُوا ونكصوا خَلفه حَتَّى كَانُوا مَكَان أَصْحَابهم قعُودا وَأَتَتْ الطَّائِفَة الْأُخْرَى فصلى بهم رَكْعَة وسجدتين ثمَّ سلم وَالْآخرُونَ قعُود ثمَّ سلم فَقَامَتْ الطائفتان كلتاهما فصلوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة وسجدتين رَكْعَة وسجدتين
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق صَالح بن خَوات عَمَّن صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم ذَات الرّقاع صَلَاة الْخَوْف أَن طَائِفَة صفت مَعَه وَطَائِفَة تجاه الْعَدو فصلة بِالَّتِي مَعَه رَكْعَة ثمَّ ثَبت قَائِما وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثمَّ انصرفوا وصلوا تجاه الْعَدو وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فصلى بهم الرَّكْعَة الَّتِي بقيت من صلَاته ثمَّ ثَبت جَالِسا وَأَتمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثمَّ سلم بهم
وَأخرج عبد بن حميد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي بكرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الحوف فصلى بِبَعْض أَصْحَابه رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فتأخروا وَجَاء الْآخرُونَ فصلى بهم رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فَكَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع رَكْعَات وللمسلمين رَكْعَتَانِ رَكْعَتَانِ(2/662)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بالقوم فِي الْخَوْف صَلَاة الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ انْصَرف وَجَاء الْآخرُونَ فصلى بهم ثَلَاثًا فَكَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ رَكْعَات وَلِلْقَوْمِ ثَلَاث ثَلَاث
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فَقَامُوا صفّين صفّين صف خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصف مُسْتَقْبل الْعَدو فصلى بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة وَجَاء الْآخرُونَ فَقَامُوا مقامهم واستقبلوا هَؤُلَاءِ الْعَدو فصلى بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة ثمَّ سلم فَقَامَ هَؤُلَاءِ إِلَى مقَام هَؤُلَاءِ فصلوا لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة ثمَّ سلمُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق عُرْوَة من مَرْوَان أَنه سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة هَل صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: نعم
قَالَ مَرْوَان: مَتى قَالَ: عَام غَزْوَة نجد قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الصَّلَاة صَلَاة الْعَصْر فَقَامَتْ مَعَه طَائِفَة وَطَائِفَة أُخْرَى مُقَابل الْعَدو وظهورهم إِلَى الْقبْلَة فَكبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكبر الْكل ثمَّ ركع رَكْعَة وَاحِدَة وركعت الطَّائِفَة الَّتِي خَلفه ثمَّ سجد فسجدت الطَّائِفَة الَّتِي تليه وَالْآخرُونَ قيام مُقَابل الْعَدو ثمَّ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَامَت الطَّائِفَة الَّتِي مَعَه وذهبوا إِلَى الْعَدو فقابلوهم وَأَقْبَلت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فركعوا وسجدوا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَائِم كَمَا هُوَ ثمَّ قَامُوا فَرَكَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَة أُخْرَى وركعوا مَعَه وسجدوا مَعَه ثمَّ أَقبلت الطَّائِفَة الَّتِي كَانَت مُقَابل الْعَدو فركعوا وسجدوا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعد وَمن مَعَه ثمَّ كَانَ السَّلَام فَسلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسلموا جَمِيعًا فَكَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَانِ وَلكُل وَاحِدَة من الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَة رَكْعَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَلَاة الْخَوْف فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقمنا خَلفه صفّين فَكبر وَركع وركعنا جَمِيعًا الصفان كِلَاهُمَا ثمَّ رفع رَأسه ثمَّ خر سَاجِدا وَسجد الصَّفّ الَّذِي يَلِيهِ وَثَبت الْآخرُونَ قيَاما يَحْرُسُونَ إخْوَانهمْ فَلَمَّا فرغ من سُجُوده وَقَامَ خر الصَّفّ الْمُؤخر سجوداً فسجدوا سَجْدَتَيْنِ ثمَّ قَامُوا فَتَأَخر الصَّفّ الْمُقدم الَّذِي يَلِيهِ وَتقدم الصَّفّ الْمُؤخر فَرَكَعَ وركعوا جَمِيعًا وَسجد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والصف الَّذِي يَلِيهِ وَثَبت الْآخرُونَ قيَاما يَحْرُسُونَ إخْوَانهمْ فَلَمَّا قعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خر الصَّفّ الْمُؤخر سجوداً ثمَّ سلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ محاصراً بني محَارب بِنَخْل(2/663)
ثمَّ نُودي فِي النَّاس أَن الصَّلَاة جَامِعَة فجعلهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طائفتين طَائِفَة مقبلة على الْعَدو يتحدثون وَصلى بطَائفَة رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فانصرفوا فَكَانُوا مَكَان إخْوَانهمْ وَجَاءَت الطَّائِفَة الْأُخْرَى فصلى بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع رَكْعَات وَلكُل طَائِفَة رَكْعَتَانِ
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة لَهُ فلقي الْمُشْركين بعسفان فَلَمَّا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر فرأوه يرْكَع وَيسْجد هُوَ وَأَصْحَابه قَالَ بَعضهم لبَعض: لَو حملتم عَلَيْهِم مَا علمُوا بكم حَتَّى تُوَاقِعُوهُمْ
فَقَالَ قَائِل مِنْهُم: إِن لَهُم صَلَاة أُخْرَى هِيَ أحب إِلَيْهِم من أَهْليهمْ وَأَمْوَالهمْ فَاصْبِرُوا حَتَّى تحضر فنحمل عَلَيْهِم جملَة
فَأنْزل الله {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة} إِلَى آخر الْآيَة
وأعلمه بِمَا ائتمر بِهِ الْمُشْركُونَ فَلَمَّا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَصْر وَكَانُوا قبالته فِي الْقبْلَة جعل الْمُسلمين خَلفه صفّين فَكبر فكبروا مَعَه جَمِيعًا ثمَّ ركع وركعوا مَعَه جَمِيعًا فَلَمَّا سجد سجد مَعَه الصَّفّ الَّذين يلونه ثمَّ قَامَ الَّذين خَلفهم مقبلون على الْعَدو فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سُجُوده وَقَامَ سجد الصَّفّ الثَّانِي ثمَّ قَامُوا وَتَأَخر الصَّفّ الَّذين يلونه وَتقدم الْآخرُونَ فَكَانُوا يلون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا ركع ركعوا مَعَه جَمِيعًا ثمَّ رفع فَرفعُوا مَعَه ثمَّ سجد فَسجدَ مَعَه الَّذين يلونه وَقَامَ الصَّفّ الثَّانِي مُقْبِلين على الْعَدو فَلَمَّا فرغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سُجُوده وَقعد قعد الَّذين يلونه وَسجد الصَّفّ الْمُؤخر ثو قعدوا فسجدوا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا سلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلم عَلَيْهِم جَمِيعًا فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم الْمُشْركُونَ يسْجد بَعضهم وَيقوم بعض قَالُوا: لقد أخبروا بِمَا أردنَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة الريَاحي أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كَانَ بِالدَّار من أَصْبَهَان وَمَا بهم يَوْمئِذٍ كَبِير خوف وَلَكِن أحب أَن يعلمهُمْ دينهم وَسنة نَبِيّهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجعلهم صفّين
طَائِفَة مَعهَا السِّلَاح مقبلة على عدوّها وَطَائِفَة وَرَاءَهَا فصلى بالذين يلونه رَكْعَة ثمَّ نكصوا على أدبارهم حَتَّى قَامُوا مقَام الآخرين وَجَاء الْآخرُونَ يتخللونهم حَتَّى قَامُوا وَرَاءه فصلى بهم رَكْعَة أُخْرَى ثمَّ سلم فَقَامَ الَّذين يلونه وَالْآخرُونَ فصلوا رَكْعَة فَسلم بَعضهم على بعض فتمت للْإِمَام رَكْعَتَانِ فِي جمَاعَة وَلِلنَّاسِ رَكْعَة رَكْعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعسفان(2/664)
وَالْمُشْرِكُونَ بضجنان فَلَمَّا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَرَآهُ الْمُشْركُونَ يرْكَع وَيسْجد ائْتَمرُوا أَن يُغيرُوا عَلَيْهِ فَلَمَّا حضرت الْعَصْر صف النَّاس خَلفه صفّين فَكبر وَكَبرُوا جَمِيعًا وَركع وركعوا جَمِيعًا وَسجد وَسجد الصَّفّ الَّذين يلونه وَقَامَ الصَّفّ الثَّانِي الَّذين بسلاحهم مُقْبِلين على العدوّ بِوُجُوهِهِمْ فَلَمَّا رفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه سجد الصَّفّ الثَّانِي فَلَمَّا رفعوا رؤوسهم ركع وركعوا جَمِيعًا وَسجد وَسجد الصَّفّ الَّذين يلونه وَقَامَ الصَّفّ الثَّانِي بسلاحهم مُقْبِلين على الْعَدو بِوُجُوهِهِمْ فَلَمَّا رفع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه سجد الصَّفّ الثَّانِي قَالَ مُجَاهِد: فَكَانَ تكبيرهم وركوعهم وتسليمه عَلَيْهِم سَوَاء وتصافوا فِي السُّجُود قَالَ مُجَاهِد: فَلم يصل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف قبل يَوْمه وَلَا بعده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ قَالَ: صليت صَلَاة الْخَوْف مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمغرب فَإِنَّهُ صلاهَا ثَلَاثًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد قَالَ: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الظّهْر قبل أَن تنزل صَلَاة الْخَوْف فتلهف الْمُشْركُونَ أَن لَا يَكُونُوا حملُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم رجل: فَإِن لَهُم صَلَاة قبل مغيربان الشَّمْس هِيَ أحب إِلَيْهِم من أنفسهم فَقَالُوا: لَو قد صلوا بعد لحملنا عَلَيْهِم فأرصدوا ذَلِك فَنزلت صَلَاة الْخَوْف فصلى بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف بِصَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير من طَرِيق أبي الزبير عَن جَابر قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلقينا الْمُشْركين بِنَخْل فَكَانُوا بَيْننَا وَبَين الْقبْلَة فَلَمَّا حضرت صَلَاة الظّهْر صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن جَمِيع فَلَمَّا فَرغْنَا تآمر الْمُشْركُونَ فَقَالُوا لَو كُنَّا حملنَا عَلَيْهِم وهم يصلونَ فَقَالَ بَعضهم: فَإِن لَهُم صَلَاة ينتظرونها تَأتي الْآن وَهِي أحب إِلَيْهِم من أَبْنَاءَهُم فَإِذا صلوا فَمِيلُوا عَلَيْهِم
فجَاء جِبْرِيل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالْخبر وَعلمه كَيفَ يُصَلِّي فَلَمَّا حضرت الْعَصْر قَامَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِمَّا يَلِي الْعَدو وقمنا خَلفه صفّين وَكبر نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكَبَّرنا جَمِيعًا ثمَّ ذكر نَحوه
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْخَوْف أَمر النَّاس فَأخذُوا السِّلَاح عَلَيْهِم فَقَامَتْ طَائِفَة من وَرَائه مستقبلي العدوّ وَجَاءَت طَائِفَة فصلوا مَعَه فصلى بهم رَكْعَة ثمَّ قَامُوا إِلَى الطَّائِفَة الَّتِي لم تصل وَأَقْبَلت الطَّائِفَة الَّتِي لم(2/665)
تصل مَعَه فَقَامُوا خَلفه فصلى بهم رَكْعَة وسجدتين ثمَّ سلم عَلَيْهِم فَلَمَّا سلم قَامَ الَّذين قبل الْعَدو فكبروا جَمِيعًا وركعوا رَكْعَة وسجدتين بَعْدَمَا سلم
وَأخرج أَحْمد عَن جَابر قَالَ: غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ غزوات قبل صَلَاة الْخَوْف وَكَانَت صَلَاة الْخَوْف فِي السّنة السَّابِعَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {وَإِذا كنت فيهم فأقمت لَهُم الصَّلَاة} إِلَى قَوْله {فليصلوا مَعَك} فَإِنَّهُ كَانَت تَأْخُذ طَائِفَة مِنْهُم السِّلَاح فيقبلون على العدوّ والطائفة الْأُخْرَى يصلونَ مَعَ الإِمَام رَكْعَة ثمَّ يَأْخُذُونَ أسلحتهم فيستقبلون العدوّ وَيرجع أَصْحَابهم فيصلون مَعَ الإِمَام رَكْعَة فَيكون للْإِمَام رَكْعَتَانِ ولسائر النَّاس رَكْعَة وَاحِدَة ثمَّ يقضون رَكْعَة أُخْرَى وَهَذَا تَمام من الصَّلَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا سجدوا} يَقُول: فَإِذا سجدت الطَّائِفَة الَّتِي قَامَت مَعَك فِي صَلَاتك تصلي بصلاتك ففرغت من سجودها {فليكونوا من وَرَائِكُمْ} يَقُول: فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافي العدوّ الْمَكَان الَّذِي فِيهِ سَائِر الطوائف الَّتِي لم تصل مَعَك وَلم تدخل مَعَك فِي صَلَاتك
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن كَانَ بكم أَذَى من مطر أَو كُنْتُم مرضى} قَالَ: نزلت فِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَانَ جريحاً
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي الْآيَة قَالَ: رخص فِي وضع السِّلَاح عِنْد ذَلِك وَأمرهمْ أَن يَأْخُذُوا حذرهم
وَفِي قَوْله {عذَابا مهيناً} قَالَ: يَعْنِي بالمهين الهوان
وَفِي قَوْله {فَإِذا قضيتم الصَّلَاة} قَالَ: صَلَاة الْخَوْف {فاذكروا الله} قَالَ: بِاللِّسَانِ {فَإِذا اطمأننتم} يَقُول: إِذا استقررتم وأمنتم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاذكروا الله قيَاما وقعوداً وعَلى جنوبكم} قَالَ: بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فِي الْبر وَالْبَحْر فِي السّفر والحضر والغنى والفقر والسقم وَالصِّحَّة والسر وَالْعَلَانِيَة وعَلى كل حَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود أَنه بلغه: أَن قوما يذكرُونَ الله قيَاما فَأَتَاهُم فَقَالَ: مَا هَذَا قَالُوا: سمعنَا الله يَقُول {فاذكروا الله قيَاما وقعوداً وعَلى جنوبكم}(2/666)
فَقَالَ: إِنَّمَا هَذِه إِذا لم يسْتَطع الرجل أَن يُصَلِّي قَائِما صلى قَاعِدا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَإِذا اطمأننتم} قَالَ: إِذا خَرجْتُمْ من دَار السّفر إِلَى دَار الْإِقَامَة {فأقيموا الصَّلَاة} قَالَ: أتموها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فَإِذا اطمأننتم} يَقُول: إِذا اطمأننتم فِي أمصاركم فَأتمُّوا الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فَإِذا اطمأننتم} يَقُول: فَإِذا أمنتم {فأقيموا الصَّلَاة} يَقُول: أتموها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فَإِذا اطمأننتم} يَقُول: فَإِذا أمنتم {فأقيموا الصَّلَاة} يَقُول: أتموها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج {فَإِذا اطمأننتم} أقمتم فِي أمصاركم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {فَإِذا اطمأننتم} يَعْنِي إِذا نزل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {فَإِذا اطمأننتم} قَالَ: بعد الْخَوْف
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فَإِذا اطمأننتم فأقيموا الصَّلَاة} قَالَ: إِذا اطمأننتم فصلوا الصَّلَاة لَا تصلها رَاكِبًا وَلَا مَاشِيا وَلَا قَاعِدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتاً} يَعْنِي مَفْرُوضًا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الموقوت: الْوَاجِب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {كتابا موقوتاً} قَالَ: مَفْرُوضًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {كتابا موقوتاً} قَالَ: فرضا وَاجِبا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن {كتابا موقوتاً} قَالَ: كتابا وَاجِبا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتاً} قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود: إِن للصَّلَاة وقتا كوقت الْحَج(2/667)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {إِن الصَّلَاة كَانَت على الْمُؤمنِينَ كتابا موقوتاً} قَالَ: منجماً كلما مضى نجم جَاءَ نجم آخر
يَقُول: كلما مضى وَقت جَاءَ وَقت آخر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمني جِبْرِيل عِنْد الْبَيْت مرَّتَيْنِ فصلى بِي الظّهْر حِين زَالَت الشَّمْس وَكَانَت قدر الشرَاك وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظلّ كل شَيْء مثله وَصلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم وَصلى بِي الْعشَاء حِين غَابَ الشَّفق وَصلى بِي الْفجْر حِين حرم الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم وَصلى بِي من الْغَد الظّهْر حِين كَانَ ظلّ كل شَيْء مثله وَصلى بِي الْعَصْر حِين كَانَ ظلّ كل شَيْء مثلَيْهِ وَصلى بِي الْمغرب حِين أفطر الصَّائِم وَصلى بِي الْعشَاء ثلث اللَّيْل وَصلى بِي الْفجْر فأسفر ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد هَذَا الْوَقْت وَقت النَّبِيين قبلك الْوَقْت مَا بَين هذَيْن الْوَقْتَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن للصَّلَاة أَولا وآخراً وَإِن أول وَقت الظّهْر حِين تَزُول الشَّمْس وَإِن آخر وَقتهَا حِين يدْخل وَقت الْعَصْر وَإِن أول وَقت الْعَصْر حِين يدْخل وَقت الْعَصْر وَإِن آخر وَقتهَا حِين تصفر الشَّمْس وَإِن أول وَقت الْمغرب حِين تغرب الشَّمْس وَإِن آخر وَقتهَا حِين يغيب الشَّفق وَإِن أول وَقت الْعشَاء الْآخِرَة حِين يغيب الشَّفق وَإِن آخر وَقتهَا حِين ينتصف اللَّيْل وَإِن أول وَقت الْفجْر حِين يطلع الْفجْر وَإِن آخر وَقتهَا حِين تطلع الشَّمْس
الْآيَة 104(2/668)
وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تهنوا} قَالَ: وَلَا تضعفوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {وَلَا تهنوا فِي ابْتِغَاء الْقَوْم} قَالَ: لَا تضعفوا فِي طلب الْقَوْم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {إِن تَكُونُوا تألمون}(2/668)
قَالَ: توجعون {وترجون من الله مَا لَا يرجون} قَالَ: ترجون الْخَيْر
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة يَقُول: لَا تضعفوا فِي طلب الْقَوْم فَإِنَّكُم إِن تَكُونُوا تتوجعون فَإِنَّهُم يتوجعون كَمَا تتوجعون ويرجعون من الْأجر وَالثَّوَاب مَا لَا يرجون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: لَا تضعفوا فِي طلب الْقَوْم إِن تَكُونُوا تتوجعون من الْجِرَاحَات فَإِنَّهُم يتوجعون كَمَا تتوجعون {وترجون من الله} يَعْنِي الْحَيَاة والرزق وَالشَّهَادَة وَالظفر فِي الدِّينَا
الْآيَات 105 - 113(2/669)
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)
أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان قَالَ: كَانَ أهل بَيت منا يُقَال لَهُم: بَنو أُبَيْرِق: بشر وَبشير ومبشر وَكَانَ بشير رجلا منافقاً يَقُول الشّعْر يهجو بِهِ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ ينحله بعض الْعَرَب ثمَّ يَقُول: قَالَ فلَان كَذَا وَكَذَا قَالَ فلَان كَذَا وَكَذَا وَإِذا سمع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك الشّعْر قَالُوا: وَالله مَا يَقُول هَذَا الشّعْر إِلَّا هَذَا الْخَبيث فَقَالَ: أَو كلما قَالَ الرِّجَال قصيدة أضحوا فَقَالُوا: ابْن الأبيرق قَالَهَا
وَكَانُوا أهل بَيت حَاجَة وفاقة فِي الْجَاهِلِيَّة وَالْإِسْلَام وَكَانَ النَّاس إِنَّمَا طعامهم بِالْمَدِينَةِ التَّمْر وَالشعِير وَكَانَ الرجل إِذا كَانَ لَهُ يسَار فَقدمت ضافطة من الشَّام من الرزمك ابْتَاعَ الرجل مِنْهَا فَخص بهَا بِنَفسِهِ وَأما الْعِيَال فَإِنَّمَا طعامهم الشّعير فَقدمت ضافطة الشَّام فَابْتَاعَ عمي رِفَاعَة بن زر جملا من الرزمك فَجعله فِي مشربَة لَهُ وَفِي الْمشْربَة سلَاح لَهُ دِرْعَانِ وسيفاهما وَمَا يصلحهما فَعدا عدي من تَحت اللَّيْل فَنقبَ الْمشْربَة وَأخذ الطَّعَام وَالسِّلَاح فَلَمَّا أصبح أَتَانِي عمي رِفَاعَة فَقَالَ: يَا ابْن أخي تعلم أَنه قد عدي علينا فِي ليلتنا هَذِه فنقبت مشربتنا فَذهب بِطَعَامِنَا وَسِلَاحنَا قَالَ: فَتَجَسَّسْنَا فِي الدَّار وَسَأَلنَا فَقيل لنا: قد رَأينَا بني أُبَيْرِق قد اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِه اللَّيْلَة وَلَا نرى فِيمَا نرى إِلَّا على بعض طَعَامكُمْ
قَالَ: وَقد كَانَ بَنو أُبَيْرِق قَالُوا - وَنحن نسْأَل فِي الدَّار - وَالله مَا نرى صَاحبكُم إِلَّا لبيد بن سهل رجلا منا لَهُ صَلَاح وَإِسْلَام فَلَمَّا سمع ذَلِك لبيد اخْتَرَطَ سَيْفه ثمَّ أَتَى بني أُبَيْرِق وَقَالَ: أَنا أسرق فوَاللَّه لَيُخَالِطَنكُمْ هَذَا السَّيْف أَو لتتبين هَذِه السّرقَة
قَالُوا: إِلَيْك عَنَّا أَيهَا الرجل - فوَاللَّه - مَا أَنْت بصاحبها فسألنا فِي الدَّار حَتَّى لم نشك أَنهم أَصْحَابهَا
فَقَالَ لي عمي: يَا ابْن أخي لَو أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ
قَالَ قَتَادَة: فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله إِن أهل بَيت منا أهل جفَاء عَمدُوا إِلَى عمي رِفَاعَة بن زيد فَنقبُوا مشربَة لَهُ وَأخذُوا سلاحه وَطَعَامه فليردوا علينا سِلَاحنَا فَأَما الطَّعَام فَلَا حَاجَة لنا فِيهِ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَأَنْظُرُ فِي ذَلِك فَلَمَّا سمع ذَلِك بَنو أُبَيْرِق أَتَوا رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ أَسِير بن عُرْوَة فكلموه فِي ذَلِك وَاجْتمعَ إِلَيْهِ نَاس من أهل الدَّار فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِن قَتَادَة بن النُّعْمَان وَعَمه عَمدُوا إِلَى أهل بَيت منا أهل إِسْلَام وَصَلَاح يرمونهم بِالسَّرقَةِ من غير(2/670)
بَيِّنَة وَلَا ثَبت
قَالَ قَتَادَة: فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكلمته
فَقَالَ: عَمَدت إِلَى أهل بَيت ذكر مِنْهُم إِسْلَام وَصَلَاح ترميهم بِالسَّرقَةِ من غير بَيِّنَة وَلَا ثَبت قَالَ قَتَادَة: فَرَجَعت ولوددت أَنِّي خرجت من بعض مَالِي وَلم أكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك فَأَتَانِي عمي رِفَاعَة فَقَالَ: يَا ابْن أخي مَا صنعت فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: الله الْمُسْتَعَان
فَلم نَلْبَث أَن نزل الْقُرْآن {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله وَلَا تكن للخائنين خصيماً} لبني أُبَيْرِق {واستغفر الله} أَي مِمَّا قلت لِقَتَادَة {إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما وَلَا تجَادل عَن الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم} إِلَى قَوْله {ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما} أَي أَنهم لَو اسْتَغْفرُوا الله لغفر لَهُم {وَمن يكْسب إِثْمًا} إِلَى قَوْله {فقد احْتمل بهتاناً وإثماً مُبينًا} قَوْلهم للبيد {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْك وَرَحمته لهمت طَائِفَة مِنْهُم أَن يضلوك} يَعْنِي أَسِير بن عُرْوَة وَأَصْحَابه إِلَى قَوْله {فسيؤتيه أجرا عَظِيما}
فَلَمَّا نزل الْقُرْآن أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالسِّلَاحِ فَرده إِلَى رِفَاعَة
قَالَ قَتَادَة: فَلَمَّا أتيت عمي بِالسِّلَاحِ - وَكَانَ شَيخا قد عسا فِي الْجَاهِلِيَّة وَكنت أرى إِسْلَامه مَدْخُولا - فَلَمَّا أَتَيْته بِالسِّلَاحِ قَالَ: يَا ابْن أخي هُوَ فِي سَبِيل الله فَعرفت أَن إِسْلَامه كَانَ صَحِيحا فَلَمَّا نزل الْقُرْآن لحق بشير بالمشركين فَنزل على سلافة بنت سعد فَأنْزل الله (وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى) (النِّسَاء الْآيَة 115) إِلَى قَوْله (ضلالا بعيد) فَلَمَّا نزل على سلافة رَمَاهَا حسان بن ثَابت بِأَبْيَات من شعر فَأخذت رَحْله فَوَضَعته على رَأسهَا ثمَّ خرجت فرمت بِهِ فِي الأبطح ثمَّ قَالَت أهديت لي شعر حسان مَا كنت تَأتِينِي بِخَير
وَأخرج ابْن سعد عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ: عدا بشير بن الْحَارِث على علية رِفَاعَة بن زيد عَم قَتَادَة بن النُّعْمَان الظفري فنقبها من ظهرهَا وَأخذ طَعَاما لَهُ ودرعين بأداتهما فَأتى قَتَادَة بن النُّعْمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بذلك فَدَعَا بشيراً فَسَأَلَهُ فَأنْكر وَرمى بذلك لبيد بن سهل رجلا من أهل الدَّار ذَا حسب وَنسب فَنزل الْقُرْآن بتكذيب بشير وَبَرَاءَة لبيد بن سهل قَوْله {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} إِلَى قَوْله {ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما} يَعْنِي بشير بن(2/671)
أُبَيْرِق {وَمن يكْسب خَطِيئَة أَو إِثْمًا ثمَّ يرم بِهِ بَرِيئًا} يَعْنِي لبيد بن سهل حِين رَمَاه بَنو أُبَيْرِق بِالسَّرقَةِ فَلَمَّا نزل الْقُرْآن فِي بشير وعثر عَلَيْهِ هرب إِلَى مَكَّة مُرْتَدا كَافِر فَنزل على سلافة بنت سعد بن الشَّهِيد فَجعل يَقع فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي الْمُسلمين فَنزل الْقُرْآن فِيهِ وهجاه حسان بن ثَابت حَتَّى رَجَعَ وَكَانَ ذَلِك فِي شهر ربيع سنة أَربع من الْهِجْرَة
وَأخرج ابْن سعد من وَجه آخر عَن مَحْمُود بن لبيد قَالَ: كَانَ أَسِير بن عُرْوَة رجلا منطيقاً ظريفاً بليغاً حلواً فَسمع بِمَا قَالَ قَتَادَة بن النُّعْمَان فِي بني أُبَيْرِق للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين اتهمهم بنقب علية عَمه وَأخذ طَعَامه والدرعين فَأتى أَسِير رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جمَاعَة جمعهم من قومه فَقَالَ: إِن قَتَادَة وَعَمه عَمدُوا إِلَى أهل بَيت منا أهل حسب وَنسب وَصَلَاح يؤنبونهم بالقبيح وَيَقُولُونَ لَهُم مَا لَا يَنْبَغِي بِغَيْر ثَبت وَلَا بَيِّنَة فَوضع لَهُم عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ ثمَّ انْصَرف فَأقبل بعد ذَلِك قَتَادَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليكلمه فجبهه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جبهاً شَدِيدا مُنْكرا وَقَالَ: بئْسَمَا صنعت وبئسما مشيت فِيهِ
فَقَامَ قَتَادَة وَهُوَ يَقُول: لَوَدِدْت أَنِّي خرجت من أَهلِي وَمَالِي وَأَنِّي لم أكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَيْء من أَمرهم وَمَا أَنا بعائد فِي شَيْء من ذَلِك
فَأنْزل الله على نبيه فِي شَأْنهمْ {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب} إِلَى قَوْله {وَلَا تجَادل عَن الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم} يَعْنِي أَسِير بن عُرْوَة وَأَصْحَابه {إِن الله لَا يحب من كَانَ خوانًا أَثِيمًا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} إِلَى قَوْله {وَمن يفعل ذَلِك ابْتِغَاء مرضات الله} فِيمَا بَين ذَلِك فِي طعمة بن أُبَيْرِق درعه من حَدِيد الَّتِي سرق وَقَالَ أَصْحَابه من الْمُؤمنِينَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اعذره فِي النَّاس بلسانك ورموا بالدرع رجلا من يهود بَرِيئًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَات أنزلت فِي شَأْن طعمة بن أُبَيْرِق وَفِيمَا هم بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عذره فَبين الله شَأْن طعمة بن أُبَيْرِق وَوعظ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وحذره أَن يكون للخائنين خصيماً وَكَانَ طعمة بن أُبَيْرِق رجلا من الْأَنْصَار ثمَّ أحد بني ظفر سرق درعاً لِعَمِّهِ كَانَت وَدِيعَة عِنْدهم ثمَّ قدمهَا على يَهُودِيّ كَانَ يَغْشَاهُم يُقَال لَهُ زيد بن(2/672)
السمين فجَاء الْيَهُودِيّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهْتِف فَلَمَّا رأى ذَلِك قومه بَنو ظفر جَاءُوا إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِيَعْذِرُوا صَاحبهمْ وَكَانَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد هم بِعُذْرِهِ حَتَّى أنزل الله فِي شَأْنه مَا أنزل فَقَالَ {وَلَا تجَادل عَن الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم} إِلَى قَوْله {يرم بِهِ بَرِيئًا} وَكَانَ طعمة قذف بهَا برئيا فَلَمَّا بَين الله شَأْن طعمة نَافق وَلحق بالمشركين فَأنْزل الله فِي شَأْنه (وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ
) (النِّسَاء الْآيَة 114) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن نَفرا من الْأَنْصَار غزوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض غَزَوَاته فسرقت درع لأَحَدهم فأظن بهَا رجلا من الْأَنْصَار فَأتى صَاحب الدرْع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن طعمة بن أُبَيْرِق سرق دِرْعِي
فَلَمَّا رأى السَّارِق ذَلِك عمد إِلَيْهَا فألقاها فِي بَيت رجل بَرِيء وَقَالَ لنفر من عشيرته: إِنِّي غيبت الدرْع وألقيتها فِي بَيت فلَان وستوجد عِنْده فَانْطَلقُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا نَبِي الله إِن صاحبنا بَرِيء وَإِن سَارِق الدرْع فلَان وَقد أحطنا بذلك علما فاعذر صاحبنا على رُؤُوس النَّاس وجادل عَنهُ فَإِنَّهُ إِن لَا يعصمه الله بك يهْلك فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبرأه وعذره على رُؤُوس النَّاس فَأنْزل الله {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} يَقُول: بِمَا أنزل الله إِلَيْك إِلَى قَوْله {خوانًا أَثِيمًا} ثمَّ قَالَ للَّذين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلًا {يستخفون من النَّاس} إِلَى قَوْله {وَكيلا} يَعْنِي الَّذين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مستخفين يجادلون عَن الخائنين ثمَّ قَالَ {وَمن يكْسب خَطِيئَة} الْآيَة
يَعْنِي السَّارِق وَالَّذين جادلوا عَن السَّارِق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ رجل سرق درعاً من حَدِيد فِي زمَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَرحه على يَهُودِيّ فَقَالَ الْيَهُودِيّ: وَالله مَا سرقتها يَا أَبَا الْقَاسِم وَلَكِن طرحت عليّ
وَكَانَ الرجل الَّذِي سرق لَهُ جيران يبرئونه ويطرحونه على الْيَهُودِيّ وَيَقُولُونَ: يَا رَسُول الله إِن هَذَا الْيَهُودِيّ خَبِيث يكفر بِاللَّه وَبِمَا جِئْت بِهِ حَتَّى مَال عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَعْض القَوْل فَعَاتَبَهُ الله فِي ذَلِك فَقَالَ {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله وَلَا تكن للخائنين خصيماً واستغفر الله} بِمَا قلت لهَذَا الْيَهُودِيّ {إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما} ثمَّ أقبل على جِيرَانه فَقَالَ(2/673)
{هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ جادلتم عَنْهُم} إِلَى قَوْله {وَكيلا} ثمَّ عرض التَّوْبَة فَقَالَ {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما وَمن يكْسب إِثْمًا فَإِنَّمَا يكسبه على نَفسه} فَمَا أدخلكم أَنْتُم أَيهَا النَّاس على خَطِيئَة هَذَا تكَلمُون دونه {وَمن يكْسب خَطِيئَة أَو إِثْمًا ثمَّ يرم بِهِ بَرِيئًا} وَإِن كَانَ مُشْركًا {فقد احْتمل بهتاناً} إِلَى قَوْله {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى} قَالَ: أَبى أَن يقبل التَّوْبَة الَّتِي عرض الله لَهُ وَخرج إِلَى الْمُشْركين بِمَكَّة فَنقبَ بَيْتا يسرقه فهدمه الله عَلَيْهِ فَقتله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن أَن رجلا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتَانَ درعاً من حَدِيد فَلَمَّا خشِي أَن تُوجد عِنْده أَلْقَاهَا فِي بَيت جَار لَهُ من الْيَهُود وَقَالَ: تَزْعُمُونَ إِنِّي اختنت الدرْع - فوَاللَّه - لقد أنبئت أَنَّهَا عِنْد الْيَهُودِيّ فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاء أَصْحَابه يعذرونه فَكَأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عذره حِين لم يجد عَلَيْهِ بَيِّنَة ووجدوا الدرْع فِي بَيت الْيَهُودِيّ وأبى الله إِلَّا الْعدْل فَأنْزل الله على نبيه {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ} إِلَى قَوْله {أم من يكون عَلَيْهِم وَكيلا} فَعرض الله بِالتَّوْبَةِ لَو قبلهَا إِلَى قَوْله {ثمَّ يرم بِهِ بَرِيئًا} الْيَهُودِيّ ثمَّ قَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْك وَرَحمته} إِلَى قَوْله {وَكَانَ فضل الله عَلَيْك عَظِيما} فأبرىء الْيَهُودِيّ وَأخْبر بِصَاحِب الدرْع قَالَ: قد افتضحت الْآن فِي الْمُسلمين وَعَلمُوا أَنِّي صَاحب الدرْع مَا لي اقامة بِبَلَد فتراغم فلحق بالمشركين فَأنْزل الله (وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى) (النِّسَاء الْآيَة 114) إِلَى قَوْله (ضلالا بعيد)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} قَالَ: بِمَا أوحى الله إِلَيْك نزلت فِي طعمة بن أُبَيْرِق استودعه رجل من الْيَهُود درعاً فَانْطَلق بهَا إِلَى دَاره فحفر لَهَا الْيَهُودِيّ ثمَّ دَفنهَا فَخَالف إِلَيْهَا طعمة فاحتفر عَنْهَا فَأَخذهَا فَلَمَّا جَاءَ الْيَهُودِيّ يطْلب درعه كافره عَنْهَا فَانْطَلق إِلَى أنَاس من الْيَهُود من عشيرته فَقَالَ: انْطَلقُوا معي فَإِنِّي أعرف مَوضِع الدرْع فَلَمَّا علم بِهِ طعمة أَخذ الدرْع فألقاها فِي بَيت أبي مليك الْأنْصَارِيّ فَلَمَّا جَاءَت الْيَهُود تطلب الدرْع فَلم تقدر عَلَيْهَا وَقع بِهِ طعمة وأناس من قومه فسبوه(2/674)
قَالَ: أتخوِّنوني
فَانْطَلقُوا يطلبونها فِي دَاره فأشرفوا على دَار أبي مليك فَإِذا هم بالدرع وَقَالَ طعمة: أَخذهَا أَبُو مليك وجادلت الْأَنْصَار دون طعمة وَقَالَ لَهُم: انْطَلقُوا معي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقولُوا لَهُ ينضح عني ويكذب حجَّة الْيَهُودِيّ فَإِنِّي إِن أكذب كذب على أهل الْمَدِينَة الْيَهُودِيّ فَأَتَاهُ أنَاس من الْأَنْصَار فَقَالُوا: يَا رَسُول الله جادل عَن طعمة وأكذب الْيَهُودِيّ
فهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يفعل فَأنْزل الله عَلَيْهِ {وَلَا تكن للخائنين خصيماً} إِلَى قَوْله {أَثِيمًا} ثمَّ ذكر الْأَنْصَار ومجادلتهم عَنهُ فَقَالَ {يستخفون من النَّاس وَلَا يستخفون من الله} إِلَى قَوْله {وَكيلا} ثمَّ دَعَا إِلَى التَّوْبَة فَقَالَ {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه} إِلَى قَوْله {رحِيما} ثمَّ ذكر قَوْله حِين قَالَ أَخذهَا أَبُو مليك فَقَالَ {وَمن يكْسب إِثْمًا} إِلَى قَوْله {مُبينًا} ثمَّ ذكر الْأَنْصَار وأتيانها إِيَّاه أَن ينضح عَن صَاحبهمْ ويجادل عَنهُ فَقَالَ: {لهمت طَائِفَة مِنْهُم أَن يضلوك} ثمَّ ذكر مناجاتهم فِيمَا يُرِيدُونَ أَن يكذبوا عَن طعمة فَقَالَ: (لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ) (النِّسَاء الْآيَة 115) فَلَمَّا فَضَح الله طعمة بِالْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ هرب حَتَّى أَتَى مَكَّة فَكفر بعد إِسْلَامه وَنزل على الْحجَّاج بن علاط السّلمِيّ فَنقبَ بَيت الْحجَّاج فَأَرَادَ أَن يسرقه فَسمع الْحجَّاج خشخشته فِي بَيته وَقَعْقَعَة جُلُود كَانَت عِنْده فَنظر فَإِذا هُوَ بطعمة فَقَالَ: ضَيْفِي وَابْن عمي فَأَرَدْت أَن تسرقني فَأخْرجهُ فَمَاتَ بحرة بني سليم كَافِرًا وَأنزل الله فِيهِ (وَمن يُشَاقق الرَّسُول) (النِّسَاء الْآيَة 115) إِلَى (وَسَاءَتْ مصيرا)
وَأخرج سنيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: استودع رجل من الْأَنْصَار طعمة بن أُبَيْرِق مشربَة لَهُ فِيهَا درع فَغَاب فَلَمَّا قدم الْأنْصَارِيّ فتح مشْربَته فَلم يجد الدرْع فَسَأَلَ عَنْهَا طعمة بن أُبَيْرِق فَرمى بهَا رجلا من الْيَهُود يُقَال لَهُ زيد بن السمين فَتعلق صَاحب الدرْع بطعمة فِي درعه فَلَمَّا رأى ذَلِك قومه أَتَوْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكلموه ليدرأ عَنهُ فهم بذلك فَأنْزل الله {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس} إِلَى قَوْله {وَلَا تجَادل عَن الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم} يَعْنِي طعمة بن أُبَيْرِق وَقَومه {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ جادلتم} إِلَى قَوْله {يكون عَلَيْهِم وَكيلا} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقوم طعمة {ثمَّ يرم بِهِ بَرِيئًا} يَعْنِي زيد بن السمين {فقد احْتمل بهتاناً}(2/675)
طعمة بن أُبَيْرِق {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْك وَرَحمته} لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لهمت طَائِفَة} قوم طعمة (لَا خير فِي كثير) (النِّسَاء الْآيَة 114) الْآيَة للنَّاس عَامَّة (وَمن يُشَاقق الرَّسُول) (النِّسَاء الْآيَة 115) قَالَ: لما أنزل الْقُرْآن فِي طعمة بن أُبَيْرِق لحق بِقُرَيْش وَرجع فِي دينه ثمَّ عدا على مشربَة للحجاج بن علاط البهري فنقبها فَسقط عَلَيْهِ حجر فلحج فَلَمَّا أصبح أَخْرجُوهُ من مَكَّة فَخرج فلقي ركباً من قضاعة فَعرض لَهُم فَقَالَ: ابْن سَبِيل مُنْقَطع بِهِ
فَحَمَلُوهُ حَتَّى إِذا جن عَلَيْهِ اللَّيْل عدا عَلَيْهِم فسرقهم ثمَّ انْطلق فَرَجَعُوا فِي طلبه فأدركوه فقذفوه بِالْحِجَارَةِ حَتَّى مَاتَ
فَهَذِهِ الْآيَات كلهَا فِيهِ نزلت إِلَى قَوْله (إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ) (النِّسَاء الْآيَة 115)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل من الْأَنْصَار استودع درعاً فجحدها صَاحبهَا فلحق بِهِ رجال من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَغَضب لَهُ قومه وَأتوا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: خوّنوا صاحبنا وَهُوَ أَمِين مُسلم فأعذره يَا نَبِي الله وازجر عَنهُ فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعذره وَكذب عَنهُ وَهُوَ يرى أَنه بَرِيء وَأَنه مَكْذُوب عَلَيْهِ فَأنْزل الله بَيَان ذَلِك فَقَالَ {إِنَّا أنزلنَا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} إِلَى قَوْله {أم من يكون عَلَيْهِم وَكيلا} فَبين خيانته فلحق بالمشركين من أهل مَكَّة وارتد عَن الْإِسْلَام فَنزل فِيهِ (وَمن يُشَاقق الرَّسُول) (النِّسَاء الْآيَة 115) إِلَى قَوْله (وَسَاءَتْ مصيرا)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ أَن رجلا يُقَال لَهُ طعمة بن أُبَيْرِق سرق درعا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فألقاها فِي بَيت رجل ثمَّ قَالَ لأَصْحَاب لَهُ: انْطَلقُوا فاعذروني عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن الدرْع قد وجد فِي بَيت فلَان
فَانْطَلقُوا يعذرونه عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {وَمن يكْسب خَطِيئَة أَو إِثْمًا ثمَّ يرم بِهِ بَرِيئًا فقد احْتمل بهتاناً} قَالَ: بهتانه قذفه الرجل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تجَادل عَن الَّذين يَخْتَانُونَ أنفسهم} قَالَ: اختان رجل من الْأَنْصَار عمّاً لَهُ درعاً فقذف بهَا يَهُودِيّا كَانَ يَغْشَاهُم فجادل الرجل قومه فَكَأَن(2/676)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عذره ثمَّ لحق بدار الشّرك فَنزلت فِيهِ (وَمن يُشَاقق الرَّسُول
) (النِّسَاء الْآيَة 114) الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إيَّاكُمْ والرأي فَإِن الله قَالَ لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} وَلم يقل بِمَا رَأَيْت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن دِينَار أَن رجلا قَالَ لعمر {بِمَا أَرَاك الله} قَالَ: مَه إِنَّمَا هَذِه للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ {لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} قَالَ: الَّذِي أرَاهُ فِي كِتَابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مَالك بن أنس عَن ربيعَة قَالَ: إِن الله أنزل الْقُرْآن وَترك فِيهِ موضعا للسّنة وَسن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السّنة وَترك فِيهَا موضعا للرأي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن وهب قَالَ: قَالَ لي مَالك: الحكم الَّذِي يحكم بِهِ بَين النَّاس على وَجْهَيْن فَالَّذِي يحكم بِالْقُرْآنِ وَالسّنة الْمَاضِيَة فَذَلِك الحكم الْوَاجِب وَالصَّوَاب وَالْحكم يجْتَهد فِيهِ الْعَالم نَفسه فِيمَا لم يَأْتِ فِيهِ شَيْء فَلَعَلَّهُ أَن يوفق
قَالَ: وثالث التَّكَلُّف لما لَا يعلم فَمَا أشبه ذَلِك أَن لَا يوفق
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} قَالَ: بِمَا بَين الله لَك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مطر {لتَحكم بَين النَّاس بِمَا أَرَاك الله} قَالَ: بِالْبَيِّنَاتِ وَالشُّهُود
وَأخرج عبد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا وَمَرْفُوعًا قَالَ: من صلى صَلَاة عِنْد النَّاس لَا يُصَلِّي مثلهَا إِذا خلا فَهِيَ استهانة استهان بهَا ربه ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {يستخفون من النَّاس وَلَا يستخفون من الله وَهُوَ مَعَهم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن حُذَيْفَة مثله وَزَاد: وَلَا يستحيي أَن يكون النَّاس أعظم عِنْده من الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي رزين {إِذْ يبيتُونَ} قَالَ: إِذْ يؤلفون مَا لَا يرضى من القَوْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله}(2/677)
قَالَ: أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وَكَرمه وسعة رَحمته ومغفرته فَمن أذْنب ذَنبا صَغِير كَانَ أَو كَبِيرا ثمَّ اسْتغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما وَلَو كَانَت ذنُوبه أعظم من السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال
وَأخرج ابْن جرير وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ بَنو إِسْرَائِيل إِذا أصَاب أحدهم ذَنبا أصبح قد كتب كَفَّارَة ذَلِك الذَّنب على بَابه وَإِذا أصَاب الْبَوْل شَيْئا مِنْهُ قرضه بالمقراض فَقَالَ رجل: لقد آتى الله بني إِسْرَائِيل خيرا فَقَالَ ابْن مَسْعُود: مَا آتَاكُم الله خير مِمَّا آتَاهُم جعل لكم المَاء طهُورا وَقَالَ {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما}
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ هَاتين الْآيَتَيْنِ من سُورَة النِّسَاء ثمَّ اسْتغْفر غفر لَهُ {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما}
(وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاؤوك فتستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول
) (النِّسَاء الْآيَة 48) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن حبيب بن أبي ثَابت قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى عبد الله بن مُغفل فَسَأَلته عَن امْرَأَة فجرت فحبلت وَلما ولدت قتلت وَلَدهَا فَقَالَ: مَا لَهَا إِلَّا النَّار
فَانْصَرَفت وَهِي تبْكي فَدَعَاهَا ثمَّ قَالَ: مَا أرى أَمرك إِلَّا أحد أَمريْن {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما} فمسحت عينهَا ثمَّ مَضَت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن السّني فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من عبد أذْنب فَقَامَ فَتَوَضَّأ فَأحْسن وضوءه ثمَّ قَامَ فصلى واستغفر من ذَنبه إِلَّا كَانَ حَقًا على الله أَن يغْفر لَهُ لِأَن الله يَقُول {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما}
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جلس وَجَلَسْنَا حوله وَكَانَت لَهُ حَاجَة فَقَامَ إِلَيْهَا وَأَرَادَ الرُّجُوع ترك نَعْلَيْه فِي مَجْلِسه أَو بعض مَا يكون عَلَيْهِ وَأَنه قَامَ فَترك نَعْلَيْه فَأخذت ركوة من مَاء فاتبعته(2/678)
فَمضى سَاعَة ثمَّ رَجَعَ وَلم يقْض حَاجته فَقَالَ: إِنَّه أَتَانِي آتٍ من رَبِّي فَقَالَ: إِنَّه {وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما} فَأَرَدْت أَن أبشر أَصْحَابِي
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاء: وَكَانَت قد شقَّتْ على النَّاس الَّتِي قبلهَا (من يعْمل سوءا يجز بِهِ) (النِّسَاء الْآيَة 123) فَقلت: يَا رَسُول الله وَإِن زنى وَإِن سرق ثمَّ اسْتغْفر ربه غفر الله لَهُ قَالَ: نعم
قلت: الثَّانِيَة
قَالَ نعم
قلت: الثَّالِثَة
قَالَ: نعم
على رغم أنف عُوَيْمِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن سِيرِين {ثمَّ يرم بِهِ بَرِيئًا} قَالَ: يَهُودِيّا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وعلمك مَا لم تكن تعلم} قَالَ: علَّمه الله بَيَان الدِّينَا وَالْآخِرَة
بَين حَلَاله وَحَرَامه ليحتج بذلك على خلقه
وَأخرج عَن الضَّحَّاك قَالَ: علمه الْخَيْر وَالشَّر
وَالله أعلم
الْآيَة 114(2/679)
لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد أسلم فِي قَوْله {لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ إِلَّا من أَمر بِصَدقَة أَو مَعْرُوف أَو إصْلَاح بَين النَّاس} من جَاءَك يناجيك فِي هَذَا فاقبل مناجاته وَمن جَاءَ يناجيك فِي غير هَذَا فاقطع أَنْت عَنهُ ذَاك لَا تناجيه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان {إِلَّا من أَمر بِصَدقَة أَو مَعْرُوف} قَالَ: الْمَعْرُوف الْقَرْض
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الصمت وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد بن حنيش قَالَ: دَخَلنَا على سُفْيَان الثَّوْريّ نعوده ومعنا سعيد بن حسان(2/679)
المَخْزُومِي فَقَالَ لَهُ سُفْيَان: أعد عليَّ الحَدِيث الَّذِي كنت حدثتنيه عَن أم صَالح
قَالَ: حَدَّثتنِي أم صَالح بنت صَالح عَن صَفِيَّة بنت شيبَة عَن أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَلَام ابْن آدم كُله عَلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا أمرا بِمَعْرُوف أَو نهيا عَن مُنكر أَو ذكر الله عز وَجل
فَقَالَ مُحَمَّد بن يزِيد: مَا أَشد هَذَا الحَدِيث فَقَالَ سُفْيَان: وَمَا شدَّة هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا جَاءَت بِهِ امْرَأَة عَن امْرَأَة هَذَا فِي كتاب اللله الَّذِي أرسل بِهِ نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما سَمِعت الله يَقُول {لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ إِلَّا من أَمر بِصَدقَة أَو مَعْرُوف أَو إصْلَاح بَين النَّاس} فَهَذَا هُوَ بِعَيْنِه أوما سَمِعت الله يَقُول (يَوْم يقوم الرّوح وَالْمَلَائِكَة صفا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا من أذن لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابا) (النبأ الْآيَة 38) فَهُوَ هَذَا بِعَيْنِه أوما سَمِعت الله يَقُول (وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر إِلَّا الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصبرِ) (الْعَصْر: السُّورَة كلهَا) فَهُوَ هَذَا بِعَيْنِه
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شُرَيْح الْخُزَاعِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو ليصمت
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من يضمن لي مَا بَين لحييْهِ وَمَا بَين رجلَيْهِ أضمن لَهُ الْجنَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَكثر مَا يدْخل النَّاس النَّار الأجوفان: الْفَم والفرج
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُفْيَان بن عبد الله الثَّقَفِيّ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله مرني بِأَمْر أَعْتَصِم بِهِ فِي الْإِسْلَام قَالَ: قل آمَنت بِاللَّه ثمَّ اسْتَقِم
قلت: يَا رَسُول الله مَا أخوف مَا تخَاف عَليّ قَالَ: هَذَا وَأخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِطرف لِسَان نَفسه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عمر والشيباني قَالَ: حَدثنِي صَاحب هَذِه الدَّار - يَعْنِي عبد الله بن مَسْعُود - قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْعَمَل أفضل قَالَ: الصَّلَاة على ميقاتها
قلت: ثمَّ مَاذَا يَا(2/680)
رَسُول الله قَالَ: بر الْوَالِدين
قلت: ثمَّ مَاذَا يَا رَسُول الله قَالَ: إِن يسلم النَّاس من لسَانك
قَالَ: ثمَّ سكت وَلَو استزدته لزادني
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قلت يَا نَبِي الله مَا النجَاة قَالَ: أملك عَلَيْك لسَانك وليسعك بَيْتك وابك على خطيئتك
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي الدِّينَا فِي الصمت وَالْبَيْهَقِيّ عَن أسود بن أبي أَصْرَم الْمحَاربي قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أوصني
قَالَ: هَل تملك لسَانك قلت: فَمَا أملك إِذا لم أملك لساني
قَالَ: فَهَل تملك يدك قلت: فَمَا أملك إِذا لم أملك يَدي قَالَ: فَلَا تقل بلسانك إِلَّا مَعْرُوفا وَلَا تبسط يدك إِلَّا إِلَى خير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث مرار: رحم الله امْرأ تكلم فغنم أَو سكت فَسلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رحم الله عبدا تكلم فغنم أَو سكت فَسلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه أَتَى على الصَّفَا فَقَالَ: يَا لِسَان قل خيرا تغنم أَو اصمت تسلم من قبل أَن تندم قَالُوا: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن هَذَا شَيْء تَقوله أَو سمعته قَالَ: لَا بل سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أَكثر خَطَايَا ابْن آدم فِي لِسَانه
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: رَأَيْت ابْن عَبَّاس آخِذا بثمرة لِسَانه وَهُوَ يَقُول: يَا لساناه قل خيرا تغنم أَو اسْكُتْ عَن شَرّ تسلم قبل أَن تندم
فَقَالَ لَهُ رجل: مَا لي أَرَاك آخِذا بثمرة لسَانك تَقول كَذَا وَكَذَا قَالَ: إِنَّه بَلغنِي أَن العَبْد يَوْم الْقِيَامَة لَيْسَ هُوَ عَن شَيْء أحنق مِنْهُ على لِسَانه
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سره أَن يسلم فليلزم الصمت
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي أَبَا ذَر فَقَالَ أَلا أدلُّك على خَصْلَتَيْنِ هما أخف على الظّهْر وأثقل فِي الْمِيزَان من غَيرهمَا قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: عَلَيْك بِحسن الْخلق وَطول الصمت وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا عمل الْخَلَائق بمثلهما
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أوصني
قَالَ: أوصيك(2/681)
بتقوى الله فَإِنَّهُ أزين لأمرك كُله
قلت: زِدْنِي
قَالَ: عَلَيْك بِتِلَاوَة الْقُرْآن وَذكر الله فَإِنَّهُ ذكر لَك فِي السَّمَاء وَنور لَك فِي الأَرْض
قلت: زِدْنِي
قَالَ: عَلَيْك بطول الصمت فَإِنَّهُ مطردَة للشَّيْطَان وَعون لَك على أَمر دينك
قلت: زِدْنِي
قَالَ: إياك وَكَثْرَة الضحك فَإِنَّهُ يُمِيت الْقلب وَيذْهب بِنور الْوَجْه
قلت: زِدْنِي
قَالَ: قل الْحق وَلَو كَانَ مرًّا
قلت: زِدْنِي
قَالَ: لَا تخف فِي الله لومة لائم
قلت: زِدْنِي
قَالَ: ليحجزك عَن النَّاس مَا تعلم من نَفسك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ركب الْمصْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: طُوبَى لمن عمل بِعِلْمِهِ وَأنْفق الْفضل من مَاله وَأمْسك الْفضل من قَوْله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ والبيقهي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا أصبح ابْن آدم فَإِن كل شَيْء من الْجَسَد يكفر اللِّسَان يَقُول: ننشدك الله فِينَا فَإنَّك إِن اسْتَقَمْت استقمنا وَإِن اعوججت أعوججنا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب اطلع على أبي بكر وَهُوَ يمد لِسَانه قَالَ: مَا تصنع يَا خَليفَة رَسُول الله قَالَ: إِن هَذَا الَّذِي أوردني الْمَوَارِد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ شَيْء من الْجَسَد إِلَّا يشكو ذرب اللِّسَان على حِدته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي الْأَعْمَال أحب إِلَى الله قَالَ: فَسَكَتُوا فَلم يجبهُ أحد
قَالَ: هُوَ حفظ اللِّسَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمرَان بن الْحصين أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مقَام الرجل بِالصَّمْتِ أفضل من عبَادَة سِتِّينَ سنة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَأصَاب النَّاس ريح فتقطعوا فَضربت ببصري فَإِذا أَنا أقرب النَّاس من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: لأغتنمن خلوته الْيَوْم فدنوت مِنْهُ فَقلت: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي بِعَمَل يقربنِي - أَو قَالَ - يدخلني الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار قَالَ: لقد سَأَلت عَن عَظِيم وَإنَّهُ ليسير على من يسره الله عَلَيْهِ تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وتؤتي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتحج الْبَيْت وتصوم رَمَضَان وَإِن شِئْت أَنْبَأتك بِأَبْوَاب الْخَيْر
قلت: أجل يَا رَسُول الله
قَالَ: الصَّوْم جنَّة وَالصَّدَََقَة تكفر الْخَطِيئَة وَقيام العَبْد فِي جَوف اللَّيْل يَبْتَغِي بِهِ وَجه الله ثمَّ قَرَأَ الْآيَة(2/682)
(تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع) (ألم السَّجْدَة الْآيَة 16) ثمَّ قَالَ: إِن شِئْت أَنْبَأتك بِرَأْس الْأَمر وعموده وذروة سنامه
قلت أجل يَا رَسُول الله
قَالَ: أما رَأس الْأَمر فالإسلام وَأما عموده فَالصَّلَاة وَأما ذرْوَة سنامه فالجهاد وَإِن شِئْت أَنْبَأتك بأملك النَّاس من ذَلِك كُله
قلت: مَا هُوَ يَا رَسُول الله فَأَشَارَ بإصبعه إِلَى فِيهِ
فَقلت: وَإِنَّا لَنُؤَاخَذَ بِكُل مَا نتكلم بِهِ فَقَالَ: ثكلتك أمك يَا معَاذ وَهل يُكِبُّ النَّاس على مناخرهم فِي جَهَنَّم إِلَّا حصائد ألسنتهم وَهل تَتَكَلَّم إِلَّا مَا عَلَيْك أَو لَك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: إِن من قبلكُمْ كَانُوا يعدون فضول الْكَلَام مَا عدا كتاب الله أَو أَمر بِمَعْرُوف أَو نهي عَن مُنكر أَو أَن تنطق فِي معيشتك الَّتِي لَا بُد لَك مِنْهَا أتذكرون أَن عَلَيْكُم حافظين (كراماً كاتبين) (الانفطار الْآيَة 11) (عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد مَا يلفظ من قَول إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيب عتيد) (ق الْآيَة 18) أما يستحي أحدكُم لَو نشرت صَحِيفَته الَّتِي أمْلى صدر نَهَاره وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء من أَمر آخرته
وَأخرج ابْن سعد عَن أنس بن مَالك قَالَ: لَا يَتَّقِي الله عبد حَتَّى يخزن من لِسَانه
وَأخرج أَحْمد عَن أنس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يَسْتَقِيم إِيمَان عبد حَتَّى يَسْتَقِيم قلبه وَلَا يَسْتَقِيم قلبه حَتَّى يَسْتَقِيم لِسَانه وَلَا يدْخل الْجنَّة حَتَّى يَأْمَن جَاره بوائقه
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: مَا فِي الْمُؤمن بضعَة أحب إِلَى الله من لِسَانه بِهِ يدْخلهُ الْجنَّة وَمَا فِي الْكَافِر بضعَة أبْغض إِلَى الله من لِسَانه بِهِ يدْخلهُ النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: لَا تنطق فِيمَا لَا يَعْنِيك وأخزن لسَانك كَمَا تخزن درهمك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: أَكثر النَّاس ذنوباً أَكْثَرهم كلَاما فِي مَعْصِيّة الله(2/683)
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أَكثر النَّاس خَطَايَا أَكْثَرهم خوضاً فِي الْبَاطِل
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره مَا على الأَرْض شَيْء أحْوج إِلَى طول سجن من لِسَان
وَأخرج ابْن عدي عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يصلح الْكَذِب إِلَّا فِي ثَلَاث: الرجل يُرْضِي امْرَأَته وَفِي الْحَرْب وَفِي صلح بَين النَّاس
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن النّواس بن سمْعَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن الْكَذِب لَا يصلح إِلَّا فِي ثَلَاث: الْحَرْب فَإِنَّهَا خدعة وَالرجل يُرْضِي امْرَأَته وَالرجل يصلح بَين اثْنَيْنِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يصلح الْكَذِب إِلَّا فِي ثَلَاث: الرجل يكذب لامْرَأَته لترضى عَنهُ أَو إصْلَاح بَين النَّاس أَو يكذب فِي الْحَرْب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا عمل ابْن آدم شَيْء أفضل من الصَّدَقَة وَصَلَاح ذَات الْبَين وَخلق حسن
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفضل الصَّدَقَة صَلَاح ذَات الْبَين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي أَيُّوب قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا أَيُّوب أَلا أخْبرك بِمَا يعظم الله بِهِ الْأجر ويمحو بِهِ الذُّنُوب تمشي فِي إصْلَاح النَّاس إِذا تباغضوا وتفاسدوا فَإِنَّهَا صَدَقَة يحب الله موضعهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أم كُلْثُوم بنت عقبَة أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَيْسَ الْكذَّاب بِالَّذِي يصلح بَين النَّاس فينمي خيرا أَو يَقُول خيرا وَقَالَت: لم أسمعهُ يرخص فِي شَيْء مِمَّا يَقُوله النَّاس إِلَّا فِي ثَلَاث: فِي الْحَرْب والإصلاح بَين النَّاس وَحَدِيث الرجل امْرَأَته وَحَدِيث الْمَرْأَة زَوجهَا
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا أخْبركُم بِأَفْضَل من دَرَجَات الصّيام وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة قَالُوا: بلَى
قَالَ: إصْلَاح ذَات الْبَين
قَالَ: وَفَسَاد ذَات الْبَين هِيَ الحالقة(2/684)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي أَيُّوب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: يَا أَبَا أَيُّوب أَلا أدلك على صَدَقَة يرضى الله وَرَسُوله موضعهَا قَالَ: بلَى
قَالَ: أَن تصلح بَين النَّاس إِذا تفاسدوا وتقرب بَينهم إِذا تباعدوا
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأبي أَيُّوب: أَلا أدلك على تِجَارَة قَالَ: بلَى
قَالَ: تسْعَى فِي صلح بَين النَّاس إِذا تفاسدوا وتقرب بَينهم إِذا تباعدوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن حبيب بن أبي ثَابت قَالَ: كنت جَالِسا مَعَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ لَهُ الْقَوْم: أَيْن كنت فَقَالَ: أصلحت بَين الْقَوْم فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: أصبت لَك مثل أجر الْمُجَاهدين ثمَّ قَرَأَ {لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ إِلَّا من أَمر بِصَدقَة أَو مَعْرُوف أَو إصْلَاح بَين النَّاس}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله {وَمن يفعل ذَلِك} تصدق أَو اقرض أَو اصلح بَين النَّاس
وَأخرج أَبُو نصر السجري فِي الْإِبَانَة عَن أنس قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله أنزل عليّ فِي الْقُرْآن يَا أَعْرَابِي {لَا خير فِي كثير من نَجوَاهُمْ} إِلَى قَوْله {فَسَوف نؤتيه أجرا عَظِيما} يَا أَعْرَابِي الْأجر الْعَظِيم: الْجنَّة
قَالَ الْأَعرَابِي: الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا للإِسلام
الْآيَتَانِ 115 - 116(2/685)
وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: دَعَاني مُعَاوِيَة فَقَالَ: بَايع لِابْنِ أَخِيك
فَقلت: يَا مُعَاوِيَة {وَمن يُشَاقق الرَّسُول من بعد مَا تبين لَهُ الْهدى وَيتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ نوله مَا تولى ونصله جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً} فأسكته عني(2/685)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {نوله مَا تولى} من آلِهَة الْبَاطِل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك قَالَ: كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يَقُول: سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وولاة الْأَمر من بعده سنناً الْأَخْذ بهَا تَصْدِيق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوّة على دين الله لَيْسَ لأحد تغييرها وَلَا تبديلها وَلَا النّظر فِيمَا خالفها من اقْتدى بهَا مهتد وَمن استنصر بهَا مَنْصُور وَمن خالفها اتبع غير سَبِيل الْمُؤمنِينَ وولاه الله مَا تولى وصلاه جَهَنَّم وَسَاءَتْ مصيراً
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يجمع الله هَذِه الْأمة على الضَّلَالَة أبدا وَيَد الله على الْجَمَاعَة فَمن شَذَّ شذَّ فِي النَّار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يجمع الله أمتِي
أَو قَالَ: هَذِه الْأمة على الضَّلَالَة أبدا وَيَد الله على الْجَمَاعَة
الْآيَات 118 - 122(2/686)
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا (117) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)
أخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والضياء فِي المختارة عَن أبيّ بن كَعْب {إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا} قَالَ: مَعَ كل صنم جنية(2/686)
وَأخرج عبد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك فِي قَوْله {إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا} قَالَ: اللات والعزى ومنات كلهَا مؤنث
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا} يَقُول: يسمونهم إِنَاثًا لات وَمَنَاة وعزى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا} قَالَ: موتى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: الْإِنَاث كل شَيْء ميت لَيْسَ فِيهِ روح مثل الْخَشَبَة الْيَابِسَة وَمثل الْحجر الْيَابِس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ {إِلَّا إِنَاثًا} قَالَ: مَيتا لَا روح فِيهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: كَانَ لكل حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب صنم يعبدونها اثنى بني فلَان فَأنْزل الله {إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا} قَالَ الْمُشْركُونَ: إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله وَإِنَّمَا نعبدهم ليقربونا إِلَى الله زلفى
قَالَ اتَّخذُوا أَرْبَابًا وصوروهن صور الْجَوَارِي فحلوا وقلدوا وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ يشبهن بَنَات الله الَّذِي نعبده يعنون الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْكَلْبِيّ أَن ابْن عَبَّاس كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف إِن يدعونَ من دونه إِلَّا أُنْثَى وَإِن يدعونَ إِلَّا شَيْطَانا مرِيدا قَالَ مَعَ كل صنم شَيْطَانَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا إِنَاثًا} قَالَ: إِلَّا أوثاناً
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تقْرَأ ((إِن يدعونَ من دونه إِلَّا أوثاناً)) وَلَفظ ابْن جرير كَانَ فِي مصحف عَائِشَة {إِن يدعونَ من دونه إِلَّا إِنَاثًا}
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة قَالَت: قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ((إِن يدعونَ من دونه إِلَّا أُنْثَى))(2/687)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان {وَإِن يدعونَ إِلَّا شَيْطَانا} يَعْنِي إِبْلِيس
وَأخرج عَن سُفْيَان {وَإِن يدعونَ إِلَّا شَيْطَانا} قَالَ: لَيْسَ من صنم إِلَّا فِيهِ شَيْطَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مرِيدا} قَالَ: تمرد على معاصي الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان {وَقَالَ لأتَّخذن من عِبَادك} قَالَ: هَذَا قَول إِبْلِيس {نَصِيبا مَفْرُوضًا} يَقُول: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لأتَّخذنَّ من عِبَادك نَصِيبا مَفْرُوضًا} قَالَ: يتخذونها من دونه وَيَكُونُونَ من حزبي
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {نَصِيبا مَفْرُوضًا} قَالَ: مَعْلُوما
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {لأتَّخذنَّ من عِبَادك نَصِيبا مَفْرُوضًا} قَالَ: من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتِسْعين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ولأضلنهم ولأمنينّهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الْأَنْعَام} قَالَ: دين شَرعه لَهُم إِبْلِيس كَهَيئَةِ البحائر والسوائب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فليبتكن آذان الْأَنْعَام} قَالَ: التبتك فِي الْبحيرَة والسائبة كَانُوا يبتكون آذانها لطواغيتهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {فليبتكن آذان الْأَنْعَام} قَالَ: ليقطعن آذان الْأَنْعَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: أما يبتكن آذان الْأَنْعَام فيشقونها فيجعلونها بحيرة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه كره الإخصاء وَقَالَ: فِيهِ نزلت {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن(2/688)
أنس بن مَالك أَنه كره الإخصاء وَقَالَ: فِيهِ نزلت {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} وَلَفظ عبد الرَّزَّاق قَالَ: من تَغْيِير خلق الله الإخصاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اخصاء الْبَهَائِم مثله ثمَّ قَرَأَ {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله}
وَأخرج عبد بن حميد من طرق عَن ابْن عَبَّاس {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} قَالَ: هُوَ الخصاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن خصاء الْخَيل والبهائم قَالَ ابْن عمر: فِيهِ نَمَاء الْخلق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَبر الرّوح وإخصاء الْبَهَائِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر إِن عمر بن الْخطاب كَانَ ينْهَى عَن إخصاء الْبَهَائِم وَيَقُول: هَل النَّمَاء إِلَّا فِي الذُّكُور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن شبيل أَنه سمع شهر بن حَوْشَب قَرَأَ هَذِه الْآيَة {فليغيرن خلق الله} قَالَ: الخصاء مِنْهُ
فَأمرت أَبَا التياج فَسَأَلَ الْحسن عَن خصاء الْغنم قَالَ: لَا بَأْس بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {فليغيرن خلق الله} قَالَ: هُوَ الخصاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يكره الخصاء وَيَقُول: هُوَ نَمَاء خلق الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَنه كره الخصاء قَالَ: فِيهِ نزلت {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة أَنه خصى بغلاً لَهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن طَاوس أَنه خصى جملا لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين أَنه سُئِلَ عَن خصاء الفحول فَقَالَ: لَا بَأْس لَو تركت الفحول لأكل بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: لَا بَأْس بإخصاء الدَّوَابّ(2/689)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد عبد الله بن بشر قَالَ: أمرنَا عمر بن عبد الْعَزِيز بخصاء الْخَيل ونهانا عَنهُ عبد الْملك بن مَرْوَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء أَنه سُئِلَ عَن إخصاء الْفَحْل فَلم ير بِهِ عِنْد عضاضه وَسُوء خلقه بَأْسا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} قَالَ: دين لله
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فليغيرن خلق الله} قَالَ: دين الله
وَهُوَ قَوْله (فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا لَا تَبْدِيل لخلق الله) (الرّوم الْآيَة 30) يَقُول: لدين الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم {فليغيرن خلق الله} قَالَ: دين الله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {فليغيرن خلق الله} قَالَ: دين الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وآدَم وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {فليغيرن خلق الله} قَالَ: دين الله ثمَّ قَرَأَ {لَا تَبْدِيل لخلق الله ذَلِك الدّين الْقيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {فليغيرن خلق الله} قَالَ: الوشم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لعن الله الْوَاشِمَات وَالْمُسْتَوْشِمَات وَالْمُتَنَمِّصَات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحسنِ والمغيرات خلق الله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي رَيْحَانَة قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عشرَة: عَن الوشر والوشم والنتف وَعَن مكامعة الرجل الرجل بِغَيْر شعار وَعَن مكامعة الْمَرْأَة الْمَرْأَة بِغَيْر شعار وَأَن يَجْعَل الرجل فِي أَسْفَل ثَوْبه حَرِيرًا مثل الْأَعْلَام وَأَن يَجْعَل على مَنْكِبه مثل الْأَعَاجِم وَعَن النهبى وَعَن ركُوب النمور ولبوس الْخَاتم إِلَّا لذِي سُلْطَان(2/690)
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يلعن القاشرة والمقشورة والواشمة والتستوشمة والواصلة والمتصلة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن جَابر قَالَ: زجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تصل الْمَرْأَة برأسها شَيْئا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة أَن جَارِيَة من الْأَنْصَار تزوجت وَأَنَّهَا مَرضت فتمعط شعرهَا فأرداوا أَن يصلوها فسألوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم امْرَأَة فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن لي ابْنة عروساً وَأَنه أَصَابَهَا حصبة فتمزق شعرهَا أفأصله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعن الله الْوَاصِلَة وَالْمسْتَوْصِلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ولآمرنهم فليغيرن خلق الله} قَالَ: مَا بَال أَقوام جهلة يغيرون صبغة الله ولون الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن أصدق الحَدِيث كَلَام الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كل مَا هُوَ آتٍ قريب إِلَّا إِن الْبعيد مَا لَيْسَ بآتٍ أَلا لَا يعجل الله لعجلة أحد وَلَا يجد لأمر النَّاس مَا شَاءَ الله لَا مَا شَاءَ النَّاس يُرِيد الله أمرا وَيُرِيد النَّاس أمرا مَا شَاءَ الله كَانَ وَلَو كره النَّاس لَا مقرب لما باعد الله وَلَا مباعد لما قرب الله وَلَا يكون شَيْء إِلَّا بِإِذن الله أصدق الحَدِيث كتاب الله وَأحسن الْهَدْي هدي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشر الْأُمُور محدثاتها وكل محدثة بِدعَة وكل بِدعَة ضَلَالَة وَخير مَا ألقِي فِي الْقلب الْيَقِين وَخير الْغنى غنى النَّفس وَخير الْعلم مَا نفع وَخير الْهَدْي مَا اتبع وَمَا قل وَكفى خير مِمَّا كثر وألهى وَإِنَّمَا يصير أحدكُم إِلَى مَوضِع أَرْبَعَة أَذْرع أَلا لَا تملوا النَّاس وَلَا تسئموهم فَإِن لكا نفس نشاطاً وإقبالاً وَإِن لَهَا سآمة وإدباراً أَلا وَشر الروايا روايا الْكَذِب وَالْكذب يَقُود إِلَى الْفُجُور وَإِن الْفُجُور يَقُود إِلَى النَّار أَلا وَعَلَيْكُم بِالصّدقِ فَإِن الصدْق يَقُود إِلَى الْبر وَإِن الْبر يَقُود إِلَى الْجنَّة واعتبروا فِي ذَلِك أَيهمَا الفئتان التقا يُقَال للصادق صدق وبر وَيُقَال للكاذب كذب وفجر وَقد سمعنَا نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يزَال العَبْد يصدق حَتَّى يكْتب صديقا وَلَا يزَال يكذب حَتَّى يكْتب كذابا(2/691)
أَلا وَإِن الْكَذِب لَا يصلح فِي جد وَلَا هزل وَلَا أَن يَعِدَ الرجل مِنْكُم صَبِيه ثمَّ لَا ينجز لَهُ أَلا وَلَا تسألوا أهل الْكتاب عَن شَيْء فَإِنَّهُم قد طَال عَلَيْهِم الأمد فقست قُلُوبهم وابتدعوا فِي دينهم فَإِن كُنْتُم لَا محَالة سائليهم فَمَا وَافق كتابكُمْ فَخُذُوهُ وَمَا خَالفه فأمسكوا عَنهُ واستكوا أَلا وَإِن أصفر الْبيُوت الْبَيْت الَّذِي لَيْسَ فِيهِ من كتاب الله شَيْء أَلا وَإِن الْبَيْت الَّذِي لَيْسَ فِيهِ من كتاب الله خرب كخراب الْبَيْت الَّذِي لَا عَامر لَهُ أَلا وَإِن الشَّيْطَان يخرج من الْبَيْت الَّذِي يسمع سُورَة الْبَقَرَة تقْرَأ فِيهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك فَأَشْرَف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا كَانَ مِنْهَا على لَيْلَة فَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى كَانَت الشَّمْس قيد رمح قَالَ: ألم أقل لَك يَا بِلَال أكلئنا اللَّيْلَة فَقَالَ: يَا رَسُول الله ذهب بِي النّوم فَذهب بِي الَّذِي ذهب بك فانتقل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ذَلِك الْمنزل غير بعيد ثمَّ صلى ثمَّ هدر بَقِيَّة يَوْمه وَلَيْلَته فَأصْبح بتبوك فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ: أما بعد: فَإِن أصدق الحَدِيث كتاب الله وأوثق العرا كلمة التَّقْوَى وَخير الْملَل مِلَّة إِبْرَاهِيم وَخير السّنَن سنة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأشرف الحَدِيث ذكر الله وَأحسن الْقَصَص هَذَا الْقُرْآن وَخير الْأُمُور عوازمها وَشر الْأُمُور محدثاتها وَأحسن الْهَدْي هدي الْأَنْبِيَاء وأشرف الْمَوْت قتل الشُّهَدَاء وأعمى الْعَمى الضَّلَالَة بعد الْهدى وَخير الْعلم مَا نفع وَخير الْهَدْي مَا اتبع وَشر الْعَمى عمى الْقلب وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وَمَا قل وَكفى خير مِمَّا كثر وألهى وَشر المعذرة حِين يحضر الْمَوْت وَشر الندامة يَوْم الْقِيَامَة وَمن النَّاس من لَا يَأْتِي الصَّلَاة إِلَّا دبراً وَمِنْهُم من لَا يذكر الله إِلَّا هجراً وَأعظم الْخَطَايَا اللِّسَان الكذوب وَخير الْغنى غنى النَّفس وَخير الزَّاد التَّقْوَى وَرَأس الْحِكْمَة مَخَافَة الله عز وَجل وَخير مَا وقر فِي الْقُلُوب الْيَقِين والإرتياب من الْكفْر والنياحة من عمل الْجَاهِلِيَّة والغلول من جثاء جَهَنَّم والكنز كي من النَّار وَالشعر من مَزَامِير إِبْلِيس وَالْخمر جماع الْإِثْم وَالنِّسَاء حبالة الشَّيْطَان والشباب شُعْبَة من الْجُنُون وَشر المكاسب كسب الرِّبَا وَشر المآكل مَال الْيَتِيم والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ والشقي من شقي فِي بطن أمه وَإِنَّمَا يصير أحدكُم إِلَى مَوضِع أَربع أَذْرع وَالْأَمر بِآخِرهِ وملاك الْعَمَل خواتمه وَشر الروايا روايا الْكَذِب وكل مَا هُوَ آتٍ قريب وسباب الْمُؤمن فسوق وقتال الْمُؤمن كفر وَأكل(2/692)
لَحْمه من مَعْصِيّة الله وَحُرْمَة مَاله كَحُرْمَةِ دَمه وَمن يتَأَوَّل على الله يكذبهُ وَمن يغْفر يغْفر لَهُ وَمن يغْضب يغْضب الله عَنهُ وَمن يَكْظِم الغيظ يأجره الله وَمن يصبر على الرزية يعوضه الله وَمن يتبع السمعة يسمع الله بِهِ وَمن يصبر يضعف الله لَهُ وَمن يعْص الله يعذبه الله اللَّهُمَّ اغْفِر لي ولأمتي قَالَهَا ثَلَاثًا: اسْتغْفر الله لي وَلكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يَقُول فِي خطبَته: أصدق الحَدِيث كَلَام الله فَذكر مثله سَوَاء
الْآيَة 123(2/693)
لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: قَالَت الْعَرَب: لَا نبعث وَلَا نحاسب وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى (لن يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ هوداً أَو نَصَارَى) (الْبَقَرَة الْآيَة 111)
وَقَالُوا (لن تمسنا النَّار إِلَّا أَيَّامًا معدوة) (الْبَقَرَة الْآيَة 80) فَأنْزل الله {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق قَالَ: احْتج الْمُسلمُونَ وَأهل الْكتاب فَقَالَ الْمُسلمُونَ: نَحن أهْدى مِنْكُم
وَقَالَ أهل الْكتاب نَحن أهْدى مِنْكُم
فَأنْزل الله {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب} فانفلج عَلَيْهِم الْمُسلمُونَ بِهَذِهِ الْآيَة (وَمن يعْمل من الصَّالِحَات من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن
) (وَمن يعْمل من الصَّالِحَات من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن) (النِّسَاء الْآيَة 124) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مَسْرُوق قَالَ: تفاخر النَّصَارَى وَأهل الْإِسْلَام فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحن أفضل مِنْكُم
وَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحن أفضل مِنْكُم
فَأنْزل الله {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب}(2/693)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن الْمُسلمين وَأهل الْكتاب افْتَخرُوا فَقَالَ أهل الْكتاب: نَبينَا قبل نَبِيكُم وَكِتَابنَا قبل كتابكُمْ وَنحن أولى بِاللَّه مِنْكُم
وَقَالَ الْمُسلمُونَ: نَحن أولى بِاللَّه مِنْكُم وَنَبِينَا خَاتم النَّبِيين وَكِتَابنَا يقْضِي على الْكتب الَّتِي كَانَت قبله
فَأنْزل الله {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب} إِلَى قَوْله {وَمن أحسن دينا} الْآيَة
فأفلج الله حجَّة الْمُسلمين على من ناوأهم من أهل الْأَدْيَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: التقى نَاس من الْمُسلمين وَالْيَهُود وَالنَّصَارَى فَقَالَت الْيَهُود للْمُسلمين: نَحن خير مِنْكُم ديننَا قبل دينكُمْ وَكِتَابنَا قبل كتابكُمْ وَنَبِينَا قبل نَبِيكُم وَنحن على دين إِبْرَاهِيم وَلنْ يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ يَهُودِيّا
وَقَالَت النَّصَارَى مثل ذَلِك
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: كتَابنَا بعد كتابكُمْ وَنَبِينَا بعد نَبِيكُم وَدِيننَا بعد دينكُمْ وَقد أمرْتُم أَن تتبعونا وتتركوا أَمركُم فَنحْن خير مِنْكُم نَحن على دين إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَلنْ يدْخل الْجنَّة إِلَّا من كَانَ على ديننَا
فَرد الله عَلَيْهِم قَوْلهم فَقَالَ {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ} ثمَّ فضل الله الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِم فَقَالَ (وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن وَاتبع مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا) (النِّسَاء الْآيَة 125)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عبيد بن سُلَيْمَان عَن الضَّحَّاك قَالَ: تخاصم أهل الْأَدْيَان فَقَالَ أهل التَّوْرَاة: كتَابنَا أول كتاب وَخَيرهَا وَنَبِينَا خير الْأَنْبِيَاء
وَقَالَ أهل الْإِنْجِيل نَحوا من ذَلِك وَقَالَ أهل الْإِسْلَام: لَا دين إِلَّا الْإِسْلَام وَكِتَابنَا نسخ كل كتاب وَنَبِينَا خَاتم النَّبِيين وأمرنا أَن نعمل بكتابنا ونؤمن بِكِتَابِكُمْ فَقضى الله بَينهم فَقَالَ {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ} ثمَّ خير بَين أهل الْأَدْيَان ففضل أهل الْفضل فَقَالَ (وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن
) (النِّسَاء الْآيَة 125) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك قَالَ: افتخر أهل الْأَدْيَان فَقَالَت الْيَهُود: كتَابنَا خير الْكتب وَأَكْرمهَا على الله وَنَبِينَا أكْرم الْأَنْبِيَاء على الله مُوسَى خلا بِهِ وَكَلمه نجيا وَدِيننَا خير الْأَدْيَان
وَقَالَت النَّصَارَى: عِيسَى(2/694)
خَاتم النَّبِيين آتَاهُ الله التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَلَو أدْركهُ مُحَمَّد تبعه وَدِيننَا خير الدّين
وَقَالَت الْمَجُوس وكفار الْعَرَب: ديننَا أقدم الْأَدْيَان وَخَيرهَا
وَقَالَ الْمُسلمُونَ: مُحَمَّد رَسُول الله وَخَاتم الْأَنْبِيَاء وَسيد الرُّسُل وَالْقُرْآن آخر مَا نزل من عِنْد الله من الْكتب وَهُوَ أَمِير على كل كتاب وَالْإِسْلَام خير الْأَدْيَان فَخير الله بَينهم فَقَالَ {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ} يَعْنِي بذلك الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وكفار الْعَرَب وَلَا يجد لَهُ من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا ثمَّ فضل الْإِسْلَام على كل دين فَقَالَ: (وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله) (النِّسَاء الْآيَة 125) الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ أهل التَّوْرَاة: كتَابنَا خير الْكتب أنزل قبل كتابكُمْ وَنَبِينَا خير الْأَنْبِيَاء
وَقَالَ أهل الْإِنْجِيل مثل ذَلِك وَقَالَ أهل الْإِسْلَام: كتَابنَا نسخ كل كتاب وَنَبِينَا خَاتم النَّبِيين وأمرتم وأمرنا أَن نؤمن بِكِتَابِكُمْ ونعمل بكتابنا فَقضى الله بَينهم فَقَالَ {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ} وَخير بَين أهل الْأَدْيَان فَقَالَ (وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه) (النِّسَاء الْآيَة 125) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي صَالح قَالَ: جلس أنَاس من أهل التَّوْرَاة وَأهل الْإِنْجِيل وَأهل الْإِيمَان فَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحن أفضل مِنْكُم
وَقَالَ هَؤُلَاءِ: نَحن أفضل
فَقَالَ الله {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ} ثمَّ خص الله أهل الْأَدْيَان فَقَالَ (وَمن يعْمل من الصَّالِحَات من ذكر أَو أُنْثَى) (النِّسَاء الْآيَة 124)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب} قَالَ: قُرَيْش وَكَعب بن الْأَشْرَف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: إِن الْإِيمَان لَيْسَ بالتحلي وَلَا بالتمني إِن الْإِيمَان مَا وقر فِي الْقلب وَصدقه الْعَمَل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى: لَا يدْخل الْجنَّة غَيرنَا
وَقَالَت قُرَيْش: لَا نبعث
فَأنْزل الله {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ}(2/695)
وَالسوء: الشّرك
وَأخرج أَحْمد وهناد وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَابْن السّني فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء فِي المختارة عَن أبيّ بكر الصّديق أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله كَيفَ الصّلاح بعد هَذِه الْآيَة {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ} فَكل سوء جزينا بِهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: غفر الله لَك يَا أَبَا بكر أَلَسْت تنصب أَلَسْت تمرض أَلَسْت تحزن أَلَسْت تصيبك اللأواء قَالَ: بلَى
قَالَ: فَهُوَ مَا تُجْزونَ بِهِ
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب فِي الْمُتَّفق والمفترق عَن ابْن عمر قَالَ: سَمِعت أَبَا بكر يَقُول: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يعْمل سوءا يجز بِهِ فِي الدِّينَا
وَأخرج ابْن سعيد وَالتِّرْمِذِيّ الْحَكِيم وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر أَنه مر بِعَبْد الله بن الزبير وَهُوَ مصلوب فَقَالَ: رَحِمك الله يَا أَبَا خبيب سَمِعت أَبَاك الزبير يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من يعْمل سوءا يجز بِهِ فِي الدِّينَا
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة {من يعْمل سوءا يجز بِهِ وَلَا يجد لَهُ من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا بكر أَلا أقرئك آيَة نزلت عليّ قلت: بلَى يَا رَسُول الله فاقرأنيها فَلَا أعلم إِلَّا أَنِّي وجدت انقصاما فِي ظَهْري حَتَّى تمطيت لَهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالك يَا أَبَا بكر قلت: بِأبي وَأمي يَا رَسُول الله وأينا لم يعْمل السوء وَإِنَّا لمجزيون بِكُل سوء عَمِلْنَاهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما أَنْت وَأَصْحَابك يَا أَبَا بكر الْمُؤْمِنُونَ فتجزون بذلك فِي الدِّينَا حَتَّى تلقوا الله لَيْسَ لكم ذنُوب وَأما الْآخرُونَ فَيجمع لَهُم ذَلِك حَتَّى يجزوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة عَن أبي بكر قَالَ: لما نزلت {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله كل مَا نعمل نؤاخذ بِهِ فَقَالَ: يَا أَبَا بكر أَلَيْسَ يصيبك كَذَا وَكَذَا
فَهُوَ كَفَّارَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وهناد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن مرْدَوَيْه عَن مَسْرُوق قَالَ: قَالَ أَبُو بكر: يَا رَسُول الله مَا أَشد هَذِه الْآيَة {من يعْمل سوءا يجز بِهِ}(2/696)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: المصائب والأمراض وَالْأَحْزَان فِي الدِّينَا جَزَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان بِسَنَد صَحِيح عَن عَائِشَة أَن رجلا تَلا هَذِه الْآيَة {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ: إِنَّا لنجزى بِكُل مَا عَمِلْنَاهُ هلكنا إِذن فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم يجزى بِهِ الْمُؤمن فِي الدِّينَا فِي نَفسه فِي جسده فِيمَا يُؤْذِيه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قلت: يَا رَسُول الله إِنِّي لأعْلم أَشد آيَة فِي الْقُرْآن قَالَ: مَا هِيَ يَا عَائِشَة قلت: {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} فَقَالَ: هُوَ مَا يُصِيب العَبْد من السوء حَتَّى النكبة ينكبها يَا عَائِشَة من نُوقِشَ هلك وَمن حُوسِبَ عذب
فَقلت: يَا رَسُول الله أَلَيْسَ الله يَقُول (فَسَوف يُحَاسب حسابا يَسِيرا) قَالَ: ذَاك الْعرض يَا عَائِشَة من نُوقِشَ الْحساب عَن هَذِه الْآيَة {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ: إِن الْمُؤمن يُؤجر فِي كل شَيْء حَتَّى فِي الغط عِنْد الْمَوْت
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كثرت ذنُوب العَبْد وَلم يكن لَهُ مَا يكفرهَا ابتلاه الله بالحزن ليكفرها
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الْمُهلب قَالَ: رحلت إِلَى عَائِشَة فِي هَذِه الْآيَة {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَت: هُوَ مَا يُصِيبكُم فِي الدِّينَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما نزلت {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} شقّ ذَلِك على الْمُسلمين وَبَلغت مِنْهُم مَا شَاءَ الله فشكوا ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: سددوا وقاربوا فَإِن فِي كل مَا أصَاب الْمُسلم كَفَّارَة حَتَّى الشَّوْكَة يُشَاكَهَا والنكبة ينكبها
وَفِي لفظ عِنْد ابْن مرْدَوَيْه: بكينا وحزنا وَقُلْنَا: يَا رَسُول الله مَا أبقت هَذِه الْآيَة من شَيْء قَالَ: أما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَكمَا نزلت وَلَكِن أَبْشِرُوا وقاربوا وسددوا إِنَّه لَا يُصِيب أحد مِنْكُم من مُصِيبَة فِي الدِّينَا إِلَّا كفر الله بهَا خطيئته حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها أحدكُم فِي قدمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد أَنَّهُمَا(2/697)
سمعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا يُصِيب الْمُؤمن من وصب وَلَا نصب وَلَا سقم وَلَا حزن حَتَّى الْهم يهمه إِلَّا كفر الله بِهِ من سيئاته
وَأخرج أَحْمد ومسدد وَابْن أبي الدِّينَا فِي الْكَفَّارَات وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت هَذِه الْأَمْرَاض الَّتِي تصيبنا مَا لنا بهَا قَالَ: كَفَّارَات
قَالَ أبي: وَإِن قلت قَالَ: وَإِن شَوْكَة فَمَا فَوْقهَا
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَن مُحَمَّد بن الْمُنْتَشِر قَالَ: قَالَ رجل لعمر ابْن الْخطاب: إِنِّي لَا أعرف أَشد آيَة فِي كتاب الله
فَأَهوى عمر فَضَربهُ بِالدرةِ وَقَالَ: مَالك نقبت عَنْهَا فَانْصَرف حَتَّى كَانَ الْغَد قَالَ لَهُ عمر: الْآيَة الَّتِي ذكرت بالْأَمْس فَقَالَ {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} فَمَا منا أحد يعْمل سوءا إِلَّا جزي بِهِ
فَقَالَ عمر: لبثنا حِين نزلت مَا ينفعنا طَعَام وَلَا شراب حَتَّى أنزل الله بعد ذَلِك وَرخّص وَقَالَ: (وَمن يعْمل سوءا أَو يظلم نَفسه ثمَّ يسْتَغْفر الله يجد الله غَفُورًا رحِيما) (النِّسَاء الْآيَة 110)
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أُميَّة بنت عبد الله قَالَت: سَأَلت عَائِشَة عَن هَذِه الْآيَة {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} فَقَالَت: لقد سَأَلتنِي عَن شَيْء مَا سَأَلَني عَنهُ أحد بعد أَن سَأَلت عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا عَائِشَة هَذِه مبايعة الله العَبْد بِمَا يُصِيبهُ من الْحمى والحزن والنكبة حَتَّى البضاعة يَضَعهَا فِي كمه فيفقدها فَيفزع لَهَا فيجدها تَحت ضبنه حَتَّى إِن العَبْد ليخرج من ذنُوبه كَمَا يخرج التبر الْأَحْمَر من الْكِير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدِّينَا وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن زِيَاد بن الرّبيع قَالَ: قلت لأبي بن كَعْب: آيَة فِي كتاب الله قد أحزنتني قَالَ: مَا هِيَ قلت {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ: مَا كنت أَرَاك إِلَّا أفقه مِمَّا أرى إِن الْمُؤمن لَا تصيبه مُصِيبَة عَثْرَة قدم وَلَا اخْتِلَاج عرق وَلَا نحبة نملة إِلَّا بذنب وَمَا يعفوه الله عَنهُ أَكثر حَتَّى اللدغة والنفحة
وَأخرج هناد وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن إِبْرَاهِيم بن مرّة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى أبي فَقَالَ:(2/698)
يَا أَبَا الْمُنْذر آيَة فِي كتاب الله قد غمتني قَالَ: أَي آيَة قَالَ {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ: ذَاك العَبْد الْمُؤمن مَا أَصَابَته من نكبة مُصِيبَة فيصبر فليقى الله عز وَجل وَلَا ذَنْب لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: لما نزلت {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ أَبُو بكر: جَاءَت قاصمة الظّهْر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا هِيَ المصيبات فِي الدِّينَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس إِن ابْن عمر لقِيه حَزينًا فَسَأَلَهُ عَن هَذِه الْآيَة {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ} فَقَالَ: مَا لكم ولهذه إِنَّمَا هَذِه للْمُشْرِكين قُرَيْش وَأهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} يَقُول من يُشْرك يجز بِهِ وَهُوَ السوء {وَلَا يجد لَهُ من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا} إِلَّا أَن يَتُوب قبل مَوته فيتوب الله عَلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وهناد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن فِي قَوْله {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ: إِنَّمَا ذَاك لمن أَرَادَ الله هوانه فَأَما من أَرَادَ الله كرامته فَإِنَّهُ يتَجَاوَز عَن سيئاته فِي أَصْحَاب الْجنَّة وعد الصدْق الَّذِي كَانُوا يوعدون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَجَرَة فهزها حَتَّى تساقط من وَرقهَا مَا شَاءَ الله أَن يتساقط ثمَّ قَالَ: الأوجاع والمصيبات أسْرع فِي ذنُوب بني آدم مني فِي هَذِه الشَّجَرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يزَال الْبلَاء بِالْمُؤمنِ والمؤمنة فِي نَفسه وَفِي وَلَده وَمَاله حَتَّى يلقى الله وَمَا عَلَيْهِ من خَطِيئَة
وَأخرج أَحْمد عَن السَّائِب بن خَلاد أَن(2/699)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من شَيْء يُصِيب الْمُؤمن حَتَّى الشَّوْكَة تصيبه إِلَّا كتب الله لَهُ بهَا حَسَنَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا من مُصِيبَة تصيب الْمُسلم إِلَّا كفر الله بهَا عَنهُ حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يُصِيب الْمُؤمن شَوْكَة فَمَا فَوْقهَا إِلَّا رَفعه الله بهَا دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طرقه وجع فَجعل يشتكي ويتقلب على فرَاشه فَقَالَت عَائِشَة: لَو صنع هَذَا بَعْضنَا لوجدت عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الصَّالِحين يشدد عَلَيْهِم وَأَنه لَا يُصِيب مُؤمنا نكبة من شَوْكَة فَمَا فَوق ذَلِك إِلَّا حطت بِهِ عَنهُ خَطِيئَة وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا يُصِيب الْمُؤمن من نصب وَلَا وصب وَلَا هم وَلَا حزن وَلَا أَذَى وَلَا غم حَتَّى الشَّوْكَة يشاكها إِلَّا كفر الله من خطاياه
وَأخرج أَحْمد وهناد فِي الزّهْد مَعًا عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: إِن الْمُسلم ليؤجر فِي كل شَيْء حَتَّى فِي النكبة وَانْقِطَاع شسعه والبضاعة تكون فِي كمه فيفقدها فَيفزع لَهَا فيجدها فِي ضبنه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله أَي النَّاس أَشد بلَاء قَالَ: النَّبِيُّونَ ثمَّ الأمثل من النَّاس فَمَا يزَال بِالْعَبدِ الْبلَاء حَتَّى يلقى الله وَمَا عَلَيْهِ من خَطِيئَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُعَاوِيَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من شَيْء يُصِيب الْمُؤمن فِي جسده يُؤْذِيه إِلَّا كفَّر الله عَنهُ بِهِ من سيئاته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صداع الْمُؤمن أَو شَوْكَة يشاكها أَو شَيْء يُؤْذِيه يرفعهُ الله بهَا يَوْم الْقِيَامَة دَرَجَة وَيكفر عَنهُ بهَا ذنُوبه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن بُرَيْدَة الْأَسْلَمِيّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا أصَاب رجلا من الْمُسلمين نكبة فَمَا فَوْقهَا - حَتَّى ذكر الشَّوْكَة - إِلَّا لإحدى خَصْلَتَيْنِ: إِلَّا ليغفر الله من الذُّنُوب ذَنبا لم يكن ليغفر الله لَهُ إِلَّا بِمثل ذَلِك أَو يبلغ بِهِ من الْكَرَامَة كَرَامَة لم يكن يبلغهَا إِلَّا بِمثل ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الوجع لَا يكْتب بِهِ الْأجر إِنَّمَا الْأجر فِي الْعَمَل وَلَكِن يكفِّر الله بِهِ الْخَطَايَا
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن أياس بن أبي فَاطِمَة عَن أَبِيه عَن جده(2/700)
عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَيّكُم يحب أَن يَصح فَلَا يسقم قَالُوا: كلنا يَا رَسُول الله قَالَ: أتحبون أَن تَكُونُوا كالحمير الضَّالة
وَفِي لفظ: الصيالة أَلا تحبون أَن تَكُونُوا أَصْحَاب بلَاء وَأَصْحَاب كَفَّارَات وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن الله ليبتلي الْمُؤمن وَمَا يَبْتَلِيه إِلَّا لكرامته عَلَيْهِ وَإِن العَبْد لتَكون لَهُ الدرجَة فِي الْجنَّة لَا يبلغهَا بِشَيْء من عمله حَتَّى يَبْتَلِيه بالبلاء ليبلغ بِهِ تِلْكَ الدرجَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدِّينَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن خَالِد السّلمِيّ عَن أَبِيه عَن جده وَكَانَت لَهُ صُحْبَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا سبقت للْعَبد من الله منزلَة لم يبلغهَا بِعَمَلِهِ ابتلاه الله فِي جسده أَو فِي مَاله أَو فِي وَلَده ثمَّ صبره حَتَّى يبلغهُ الْمنزلَة الَّتِي سبقت لَهُ من الله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الرجل لتَكون لَهُ الْمنزلَة عِنْد الله فَمَا يبلغهَا بِعَمَل فَمَا يزَال يَبْتَلِيه بِمَا يكره حَتَّى يبلغهُ ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أَحْمد بن أبي الْحوَاري قَالَ: سَمِعت أَبَا سُلَيْمَان يَقُول: مر مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام على رجل فِي متعبد لَهُ ثمَّ مر بِهِ بعد ذَلِك وَقد مزقت السبَاع لَحْمه فرأس ملقى وفخذ ملقى وكبد ملقى فَقَالَ مُوسَى: يَا رب عَبدك كَانَ يطيعك فابتليه بِهَذَا فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا مُوسَى إِنَّه سَأَلَني دَرَجَة لم يبلغهَا بِعَمَلِهِ فابتليه بِهَذَا لأبلغه بذلك الدرجَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا ضرب من مُؤمن عرق إلاَّ حَطَّ الله بِهِ عَنهُ خَطِيئَة وَكتب لَهُ بِهِ حَسَنَة وَرفع لَهُ بِهِ دَرَجَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله ليبتلي عَبده بِالسقمِ حَتَّى يكفِّر كل ذَنْب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من صدع فِي سَبِيل الله ثمَّ احستب غفر الله لَهُ مَا كَانَ قبل ذَلِك من ذَنْب
وَأخرج ابْن أبي الدِّينَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يزَال الصداع والمليلة بِالْمَرْءِ الْمُسلم حَتَّى يَدعه مثل الْفضة الْبَيْضَاء
وَأخرج ابْن أبي الدِّينَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَامر أخي الْخضر قَالَ: إِنِّي لبأرض محَارب إِذا رايات وألوية فَقلت: مَا هَذَا قَالُوا: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَجَلَست إِلَيْهِ وَهُوَ فِي ظلّ شَجَرَة قد بسط لَهُ كسَاء وَحَوله أَصْحَابه فَذكرُوا الأسقام فَقَالَ: إِن العَبْد(2/701)
الْمُؤمن إِذا أَصَابَهُ سقم ثمَّ عافاه الله كَانَ كَفَّارَة لما مضى من ذنُوبه وموعظة لَهُ فِيمَا يسْتَقْبل من عمره وَإِن الْمُنَافِق إِذا مرض وعوفي كَانَ كالبعير عقله أَهله ثمَّ أَطْلقُوهُ لَا يدْرِي فِيمَا عقلوه وَلَا فِيمَا أَطْلقُوهُ
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَا الأسقام قَالَ: أَو مَا سقمت قطّ قَالَ: لَا
قَالَ: فَقُمْ عَنَّا فلست منا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من عبد يصرع صرعة من مرض إِلَّا بَعثه مِنْهُ طَاهِرا
وَأخرج ابْن أبي الدِّينَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن العَبْد إِذا مرض أوحى الله إِلَى مَلَائكَته: يَا ملائكتي إِذا قيدت عَبدِي بِقَيْد من قيودي فَإِن أقبضهُ أَغفر لَهُ وَإِن أعافه فجسده مغْفُور لَا ذَنْب لَهُ
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ليجرب أحدكُم بالبلاء - وَهُوَ أعلم - كَمَا يجرب أحدكُم ذهبه بالنَّار فَمنهمْ من يخرج كالذهب الإِبريز فَذَلِك الَّذِي نجاه الله من السَّيِّئَات وَمِنْهُم من يخرج كالذهب دون ذَلِك فَذَلِك الَّذِي يشك بعض الشَّك وَمِنْهُم من يخرج كالذهب الْأسود فَذَلِك الَّذِي قد افْتتن
وَأخرج ابْن أبي الدِّينَا وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق بشير بن عبد الله بن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: عَاد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من الْأَنْصَار فأكبَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: يَا نَبِي الله مَا غمضت مُنْذُ سبع لَيَال وَلَا أحد يحضرني
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي أخي اصبر أَي أخي اصبر تخرج من ذنوبك كَمَا دخلت فِيهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَاعَات الْأَمْرَاض يذْهبن سَاعَات الْخَطَايَا
وَأخرج ابْن أبي الدِّينَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَاعَات الْأَذَى يذْهبن سَاعَات الْخَطَايَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الحكم بن عتبَة رَفعه قَالَ: إِذا كثرت ذنُوب العَبْد وَلم يكن لَهُ من الْعَمَل مَا يكفر ذنُوبه ابتلاه الله بالهم يكفر بِهِ ذنُوبه
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله ليبتلي عَبده بالبلاء والألم حَتَّى يتْركهُ من ذَنبه كالفضة المصفاة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْمسيب بن رَافع أَن أَبَا بكر الصّديق قَالَ: إِن الْمَرْء الْمُسلم يمشي فِي النَّاس وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَة
قيل: وَلم ذَلِك يَا أَبَا بكر قَالَ: بالمصائب وَالْحجر والشوكة والسشع يَنْقَطِع(2/702)
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الصداع والمليلة لَا يزَال بِالْمُؤمنِ وَإِن ذَنبه مثل أحد فَمَا يتْركهُ وَعَلِيهِ من ذَلِك مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل
وَأخرج أَحْمد عَن خَالِد بن عبد الله الْقَسرِي عَن جده يزِيد بن أَسد أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْمَرِيض تحات خطاياه كَمَا يتحات ورق الشّجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: مَا يسرني بليلة أمرضها حمر النعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِيَاض بن غُضَيْف قَالَ: دَخَلنَا على أبي عُبَيْدَة بن الْجراح نعوده فَإِذا وَجهه مِمَّا يَلِي الْجِدَار وَامْرَأَته قَاعِدَة عِنْد رَأسه قلت: كَيفَ بَات أَبُو عُبَيْدَة قَالَت: بَات بِأَجْر
فَأقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: إِنِّي لم أَبِتْ بِأَجْر وَمن ابتلاه الله ببلاء فِي جسده فَهُوَ لَهُ حطة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان قَالَ: إِن الْمُؤمن يُصِيبهُ الله بالبلاء ثمَّ يعافيه فَيكون كَفَّارَة لسيئاته ومستعتباً فِيمَا بَقِي وَإِن الْفَاجِر يُصِيبهُ الله بالبلاء ثمَّ يعافيه فَيكون كالبعير عقله أَهله لَا يدْرِي لمَ عقلوه ثمَّ أَرْسلُوهُ فَلَا يدْرِي لمَ أَرْسلُوهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمار أَنه كَانَ عِنْده أَعْرَابِي فَذكرُوا الوجع فَقَالَ عمار: مَا اشتكيت قطّ قَالَ: لَا
فَقَالَ عمار: لست منا مَا من عبد يبتلى إِلَّا حط عَنهُ خطاياه كَمَا تحط الشَّجَرَة وَرقهَا وَإِن الْكَافِر يبتلى فَمثله مثل الْبَعِير عُقِل فَلم يدرِ لمَ عَقِلْ وأُطْلِقَ فَلم يدرِ لمَ أُطْلِقَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ: الشّرك
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} قَالَ: الْكَافِر ثمَّ قَرَأَ (وَهل يجازى إِلَّا الكفور) (سبأ الْآيَة 17)
الْآيَة 124(2/703)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مَسْرُوق قَالَ: لما نزلت (لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب
) (النِّسَاء الْآيَة 123) الْآيَة
قَالَ أهل الْكتاب: نَحن وَأَنْتُم سَوَاء
فَنزلت هَذِه الْآيَة {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن} ففجلوا عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن} قَالَ: أَبى أَن يقبل الْإِيمَان إِلَّا بِالْعَمَلِ الصَّالح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن ابْن عمر لقِيه فَسَأَلَهُ عَن هَذِه الْآيَة {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات} قَالَ: الْفَرَائِض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن} قَالَ: قد يعْمل الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ والمشرك الْخَيْر فَلَا يَنْفَعهُمْ فِي الدِّينَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن يعْمل من الصَّالِحَات من ذكر أَو أُنْثَى وَهُوَ مُؤمن} قَالَ: إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْعَمَل مَا كَانَ فِي الإِيمان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: النقير هِيَ النُّكْتَة الَّتِي تكون فِي ظهر النواة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: القطمير القشرة الَّتِي تكون على النواة والفتيل الَّذِي يكون فِي بَطنهَا والنقير النقطة الْبَيْضَاء الَّتِي فِي وسط النواة
الْآيَتَانِ 125 - 126(2/704)
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ أهل الْإِسْلَام: لَا دين إِلَّا الْإِسْلَام كتَابنَا نسخ كل كتاب وَنَبِينَا خَاتم النَّبِيين وَدِيننَا خير الْأَدْيَان
فَقَالَ الله تَعَالَى {وَمن أحسن دينا مِمَّن أسلم وَجهه لله وَهُوَ محسن}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله اصْطفى مُوسَى بالْكلَام وَإِبْرَاهِيم بالخلة(2/704)
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الله اصْطفى إِبْرَاهِيم بالخلة وَاصْطفى مُوسَى بالْكلَام وَاصْطفى مُحَمَّدًا بِالرُّؤْيَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن الضريس عَن معَاذ بن جبل أَنه لما قدم الْيمن صلى بهم الصُّبْح فَقَرَأَ {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} فَقَالَ رجل من الْقَوْم: لقد قرت عين أم إِبْرَاهِيم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جُنْدُب: أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول قبل أَن يتوفى: إِن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الله اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وَإِن صَاحبكُم خَلِيل الله وَإِن مُحَمَّدًا سيد بني آدم يَوْم الْقِيَامَة
ثمَّ قَرَأَ (عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا) (الْإِسْرَاء الْآيَة 79)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة كل اثْنَيْنِ مِنْهُم خليلان دون سَائِرهمْ
قَالَ فخليلي مِنْهُم يَوْمئِذٍ خَلِيل الله إِبْرَاهِيم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن فِي الْجنَّة قصراً من درة لَا صدع فِيهِ وَلَا وَهن أعده الله لخليله إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام نزلا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أتعجبون أَن تكون الْخلَّة لإِبراهيم وَالْكَلَام لمُوسَى والرؤية لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جلس نَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينتظرونه فَخرج حَتَّى إِذا دنا مِنْهُم سمعهم يتذاكرون فَسمع حَدِيثهمْ وَإِذا بَعضهم يَقُول: إِن الله اتخذ من خلقه خَلِيلًا فإبراهيم خَلِيله
وَقَالَ آخر: مَاذَا بِأَعْجَب من أَن كلم الله مُوسَى تكليماً
وَقَالَ آخر: فعيسى روح الله وكلمته
وَقَالَ آخر آدم اصطفاه الله
فَخرج عَلَيْهِم فَسلم فَقَالَ: قد سَمِعت كلامكم وعجبكم ان إِبْرَاهِيم خَلِيل الله وَهُوَ كَذَلِك ومُوسَى كليمه وَعِيسَى روحه وكلمته وآدَم اصطفاه الله ربه كَذَلِك أَلا وَإِنِّي حبيب الله وَلَا فَخر وَأَنا أول شَافِع وَأول مُشَفع وَلَا فَخر وَأَنا أول من يُحَرك حلق الْجنَّة فيفتحها الله فيدخلنيها وَمَعِي فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ وَلَا فَخر وَأَنا أكْرم الْأَوَّلين والآخرين يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر(2/705)
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات قَالَ: أوحى الله إِلَى إِبْرَاهِيم: أَتَدْرِي لم اتخذتك خَلِيلًا قَالَ: لَا يارب
قَالَ: لِأَنِّي اطَّلَعت إِلَى قَلْبك فوجدتك تحب أَن ترزأ وَلَا ترزأ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن أَبْزَى قَالَ: دخل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام منزله فَجَاءَهُ ملك الْمَوْت فِي صُورَة شَاب لَا يعرفهُ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم: بِإِذن من دخلت قَالَ: بِإِذن رب الْمنزل
فَعرفهُ إِبْرَاهِيم فَقَالَ لَهُ ملك الْمَوْت: إِن رَبك اتخذ من عباده خَلِيلًا
قَالَ إِبْرَاهِيم: وَنحن ذَلِك قَالَ: وَمَا تصنع بِهِ قَالَ: أكون خَادِمًا لَهُ حَتَّى أَمُوت
قَالَ: فَإِنَّهُ أَنْت
وَبِأَيِّ شَيْء اتَّخَذَنِي خَلِيلًا قَالَ: بأنك تحب أَن تُعْطِي وَلَا تَأْخُذ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل لم اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا قَالَ: لإطعامه الطَّعَام يَا مُحَمَّد
وَأخرج الديلمي بِسَنَد واهٍ عَن أبي هُرَيْرَة: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْعَبَّاس: يَا عَم أَتَدْرِي لم اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا هَبَط إِلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ: أَيهَا الْخَلِيل هَل تَدْرِي بِمَ اسْتَوْجَبت الْخلَّة فَقَالَ: لَا أَدْرِي يَا جِبْرِيل قَالَ: لِأَنَّك تُعْطِي وَلَا تَأْخُذ
وَأخرج الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم حَمْزَة بن يُوسُف السَّهْمِي فِي فَضَائِل الْعَبَّاس عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله اصْطفى من ولد آدم إِبْرَاهِيم اتَّخذهُ خَلِيلًا وَاصْطفى من ولد إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل ثمَّ اصْطفى من ولد إِسْمَاعِيل نزاراً ثمَّ اصْطفى من ولد نزار مُضر ثمَّ اصْطفى من مُضر كنَانَة ثمَّ اصْطفى من كنَانَة قُريْشًا ثمَّ اصْطفى من قُرَيْش بني هَاشم ثمَّ اصْطفى من بني هَاشم بني عبد عبد الْمطلب ثمَّ اصطفاني من بني عبد الْمطلب
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَضَعفه وَابْن عَسَاكِر والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا ومُوسَى نجياً واتخذني حبيباً ثمَّ قَالَ: وَعِزَّتِي لَأُوثِرَنَّ حَبِيبِي على خليلي ونجيِّي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: أوّل من يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم قبطيتين وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلَّة حبرَة وَهُوَ عَن يَمِين الْعَرْش
وَالله أعلم(2/706)
الْآيَة 127(2/707)
وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا (127)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ويستفتونك فِي النِّسَاء} الْآيَة
قَالَ كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يورثون الْمَوْلُود حَتَّى يكبر وَلَا يورثون الْمَرْأَة
فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَام قَالَ {ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب} فِي أوّل السُّورَة فِي الْفَرَائِض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ لَا يَرث إِلَّا الرجل الَّذِي قد بلغ أَن يقوم فِي المَال وَيعْمل فِيهِ وَلَا يَرث الصَّغِير وَلَا الْمَرْأَة شَيْئا قَلما نزلت الْمَوَارِيث فِي سُورَة النِّسَاء شقّ ذَلِك على النَّاس وَقَالُوا: أَيَرِث الصَّغِير الَّذِي لَا يقوم فِي المَال وَالْمَرْأَة الَّتِي هِيَ كَذَلِك فيرثان كَمَا يَرث الرجل فَرجوا أَن يَأْتِي فِي ذَلِك حدث من السَّمَاء فانتظروا فَلَمَّا رَأَوْا أَنه لَا يَأْتِي حدث قَالُوا: لَئِن تمّ هَذَا إِنَّه لواجب مَا عَنهُ بُد ثمَّ قَالُوا: سلوا
فسألوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب} فِي أول السُّورَة فِي يتامى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تؤتونهن مَا كتب لَهُنَّ وترغبون أَن تنكحوهن
قَالَ سعيد ابْن جُبَير: وَكَانَ الْوَلِيّ إِذا كَانَت الْمَرْأَة ذَات جمال وَمَال رغب فِيهَا ونكحها واستأثر بهَا وَإِذا لم تكن ذَات جمال وَمَال أنْكحهَا وَلم ينْكِحهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يورثون النِّسَاء وَلَا الصّبيان شَيْئا كَانُوا يَقُولُونَ: لَا يغزون وَلَا يغنمون خيرا فَفرض الله لَهُنَّ الْمِيرَاث حَقًا وَاجِبا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا إِذا كَانَت الْجَارِيَة يتيمة دَمِيمَة لم يعطوها مِيرَاثهَا وحبسوها من التَّزْوِيج حَتَّى تَمُوت فيرثوها فَأنْزل الله هَذَا(2/707)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الْيَتِيمَة تكون فِي حجر الرجل فيرغب أَن ينكجها وَلَا يُعْطِيهَا مَالهَا رَجَاء أَن تَمُوت فيرثها وَإِن مَاتَ لَهَا حميم لم تعط من الْمِيرَاث شَيْئا وَكَانَ ذَلِك فِي الْجَاهِلِيَّة فَبين الله لَهُم ذَلِك وَكَانُوا لَا يورثون الصَّغِير والضعيف شَيْئا فَأمر الله أَن يعْطى نصِيبه من الْمِيرَاث
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ جَابر بن عبد الله لَهُ ابْنة عَم عمياء وَكَانَت دَمِيمَة وَكَانَت قد ورثت من أَبِيهَا مَالا فَكَانَ جَابر يرغب عَن نِكَاحهَا وَلَا ينْكِحهَا رهبة أَن يذهب الزَّوْج بمالها فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَكَانَ نَاس فِي حجورهم جوَار أَيْضا مثل ذَلِك فَأنْزل الله فيهم هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب فِي يتامى النِّسَاء اللَّاتِي لَا تؤتونهن مَا كتب لَهُنَّ وترغبون أَن تنكحوهن} قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة إِذا كَانَت عِنْد ولي يرغب عَن حسنها لم يتزوّجها وَلم يتْرك أحدا يتزوّجها {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ من الْولدَان} قَالَ: كَانُوا لَا يورثون إِلَّا الْأَكْبَر فالأكبر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب فِي يتامى النِّسَاء} قَالَ: مَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي أول السُّورَة من الْمَوَارِيث وَكَانُوا لَا يورثون امْرَأَة وَلَا صَبيا حَتَّى يَحْتَلِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة فِي قَوْله {ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ} إِلَى قَوْله {وترغبون أَن تنكحوهن} قَالَت: هُوَ الرجل تكون عِنْده الْيَتِيمَة هُوَ وَليهَا ووراثها قد شركته فِي مَاله حَتَّى فِي العذق فيرغب أَن ينْكِحهَا وَيكرهُ أَن يزوّجها رجلا فيشركه فِي مَاله بِمَا شركته فيعضلها فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: ثمَّ إِن النَّاس استفتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد هَذِه الْآيَة فِيهِنَّ فَأنْزل الله {ويستفتونك فِي النِّسَاء قل الله يفتيكم فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب فِي يتامى النِّسَاء} قَالَت: وَالَّذِي ذكر الله أَنه يُتْلَى عَلَيْكُم فِي الْكتاب الْآيَة الأولى الَّتِي قَالَ الله (وَإِن خِفْتُمْ أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء) قَالَت: وَقَول الله {وترغبون أَن تنكحوهن} رَغْبَة أحدكُم عَن يتيمته الَّتِي تكون فِي حجره حِين تكون(2/708)
قَليلَة المَال وَالْجمال فنهوا أَن ينكحوا مَا رَغِبُوا فِي مَالهَا وجمالها من يتامى النِّسَاء إِلَّا بِالْقِسْطِ من أجل رغبتهم عَنْهُن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة تكون عِنْده الْيَتِيمَة فيلقي عَلَيْهَا ثَوْبه فَإِذا فعل ذَلِك لم يقدر أحد أَن يتزوّجها أبدا فَإِن كَانَت جميلَة وهويها تزوّجها وَأكل مَالهَا وَإِن كَانَت دَمِيمَة منعهَا الرِّجَال أبدا حَتَّى تَمُوت فَإِذا مَاتَت ورثهَا فَحرم الله ذَلِك وَنهى عَنهُ وَكَانُوا لَا يورثون الصغار وَلَا الْبَنَات وَذَلِكَ قَوْله {لَا تؤتونهن مَا كتب لَهُنَّ} فَنهى الله عَنهُ وبيَّن لكل ذِي سهم سَهْمه صَغِيرا كَانَ أَو كَبِيرا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الْيَتِيمَة تكون فِي حجر الرجل فِيهَا دمامة فيرغب عَنْهَا أَن ينْكِحهَا وَلَا ينْكِحهَا رَغْبَة فِي مَالهَا
وَأخرج القَاضِي إِسْمَاعِيل فِي أَحْكَام الْقُرْآن عَن عبد الْملك بن مُحَمَّد بن حزم أَن عمْرَة بنت حزم كَانَت تَحت سعد بن الرّبيع فَقتل عَنْهَا بِأحد وَكَانَ لَهُ مِنْهَا ابْنة فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تطلب مِيرَاث ابْنَتهَا فَفِيهَا نزلت {ويستفتونك فِي النِّسَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن عون عَن الْحسن وَابْن سِيرِين فِي هَذِه الْآيَة قَالَ أَحدهمَا: ترغبون فِيهِنَّ وَقَالَ الآخر: ترغبون عَنْهُن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وترغبون أَن تنكحوهن} قَالَ: ترعبون عَنْهُن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عُبَيْدَة {وترغبون أَن تنكحوهن} قَالَ: ترغبون عَنْهُن
الْآيَات 128 - 134(2/709)
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128) وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133) مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خشيت سَوْدَة أَن يطلقهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله لَا تُطَلِّقنِي وَاجعَل يومي لعَائِشَة فَفعل وَنزلت هَذِه الْآيَة {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا} الْآيَة
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَمَا اصطلحا عَلَيْهِ من شَيْء فَهُوَ جَائِز
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يفضل بَعْضنَا على بعض فِي مكثه عندنَا وَكَانَ يطوف علينا يومياً من كل امْرَأَة من غير مَسِيس حَتَّى يبلغ إِلَى من هُوَ يَوْمهَا فيبيت عِنْدهَا وَلَقَد قَالَت سَوْدَة بنت زَمعَة حِين أَسِنَت وَفرقت أَن يفارقها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رَسُول الله يومي هُوَ لعَائِشَة
فَقبل ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت عَائِشَة: فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا} الْآيَة
قَالَت: الرجل تكون عِنْده الْمَرْأَة لَيْسَ مستكثراً مِنْهَا يُرِيد أَن يفارقها فَتَقول: أجعلك من شأني فِي حل
فَنزلت هَذِه الْآيَة(2/710)
وَأخرج ابْن مَاجَه عَن عَائِشَة قَالَت: نزلت هَذِه الْآيَة {وَالصُّلْح خير} فِي رجل كَانَت تَحْتَهُ امْرَأَة قد طَالَتْ صحبتهَا وَولدت مِنْهُ أَوْلَادًا فَأَرَادَ أَن يسْتَبْدل بهَا فراضته على أَن يُقيم عِنْدهَا وَلَا يُقيم لَهَا
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن رَافع بن خديج أَنه كَانَت تَحْتَهُ امْرَأَة قد خلا من سنّهَا فَتزَوج عَلَيْهَا شَابة فآثرها عَلَيْهَا فَأَبت الأولى أَن تقر فَطلقهَا تَطْلِيقَة حَتَّى إِذا بَقِي من أجلهَا يسير قَالَ: إِن شِئْت رَاجَعتك وَصَبَرت على الأثرة وَإِن شِئْت تركتك قَالَت: بل راجعني
فَرَاجعهَا فَلم تصبر على الأثرة فَطلقهَا أُخْرَى وآثر عَلَيْهَا الشَّابَّة فَذَلِك الصُّلْح الَّذِي بلغنَا أَن الله أنزل فِيهِ {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا أَو إعْرَاضًا} الْآيَة
وَأخرج الشَّافِعِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد ابْن الْمسيب أَن ابْنة مُحَمَّد بن مسلمة كَانَت عِنْد رَافع بن خديج فكره مِنْهَا أمرا إِمَّا كبرا أَو غَيره فَأَرَادَ طَلاقهَا فَقَالَت: لَا تُطَلِّقنِي واقسم لي مَا بدا لَك فاصطلحا على صلح فجرت السّنة بذلك وَنزل الْقُرْآن {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عمر أَن رجلا سَأَلَهُ عَن آيَة فكره ذَلِك وضربه بِالدرةِ فَسَأَلَهُ آخر عَن هَذِه الْآيَة {وَإِن امْرَأَة خَافت من بَعْلهَا نُشُوزًا} فَقَالَ: عَن مثل هَذَا فَسَلُوا ثمَّ قَالَ: هَذِه الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل قد خلا من سنّهَا فَيَتَزَوَّج الْمَرْأَة الثَّانِيَة يلْتَمس وَلَدهَا فَمَا اصطلحا عَلَيْهِ من شَيْء فَهُوَ جَائِز
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: هُوَ الرجل عِنْده امْرَأَتَانِ فَتكون إِحْدَاهمَا قد عجزت أَو تكون دَمِيمَة فيريد فراقها فتصالحه على أَن يكون عِنْدهَا لَيْلَة وَعند الْأُخْرَى ليَالِي وَلَا يفارقها فَمَا طابت بِهِ نَفسه فَلَا بَأْس بِهِ فَإِن رجعت سوَّى بَينهمَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل حَتَّى تكبر فيريد أَن يتَزَوَّج عَلَيْهَا فيتصالحان بَينهمَا صلحا على أَن لَهَا يَوْمًا ولهذه يَوْمَانِ أَو ثَلَاثَة(2/711)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: تِلْكَ الْمَرْأَة تكون عِنْد الرجل لَا يرى مِنْهَا كثيرا مِمَّا يحب وَله امْرَأَة غَيرهَا أحب إِلَيْهِ مِنْهَا فيؤثرها عَلَيْهَا فَأمر الله إِذا كَانَ ذَلِك أَن يَقُول لَهَا: يَا هَذِه إِن شِئْت أَن تقيمي على مَا تَرين من الأثرة فأواسيك وَأنْفق عَلَيْك فأقيمي وَإِن كرهت خليت سَبِيلك فَإِن هِيَ رضيت أَن تقيم بعد أَن يخبرها فَلَا جنَاح عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْله {وَالصُّلْح خير} يَعْنِي أَن تَخْيِير الزَّوْج لَهَا بَين الْإِقَامَة والفراق خير من تمادي الزَّوْج على أَثَرَة غَيرهَا عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل تكون تَحْتَهُ الْمَرْأَة الْكَبِيرَة فينكح عَلَيْهَا الْمَرْأَة الشَّابَّة وَيكرهُ أَن يُفَارق أم وَلَده فيصالحها على عَطِيَّة من مَاله وَنَفسه فيطيب لَهُ ذَلِك الصُّلْح
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي أبي السنابل بن بعكك
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي سَوْدَة بنت زَمعَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق
وَأخرج الْحَاكِم عَن كثير بن عبد الله بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الصُّلْح حائز بَين الْمُسلمين إِلَّا صلحا حرم حَلَالا أَو أحل حَرَامًا والمسلمون على شروطهم إِلَّا شرطا حرم حَلَالا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأحضرت الْأَنْفس الشُّح} قَالَ: تشح عِنْد الصُّلْح على نصِيبهَا من زَوجهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وأحضرت الْأَنْفس الشُّح} قَالَ: هَوَاهُ فِي الشَّيْء يحرص عَلَيْهِ
وَفِي قَوْله {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء} قَالَ: فِي الْحبّ وَالْجِمَاع
وَفِي قَوْله {فَلَا تميلوا كل الْميل فتذروها كالمعلقة} قَالَ: لَا هِيَ أيِّم وَلَا هِيَ ذَات زوج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء} فِي عَائِشَة يَعْنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُحِبهَا أَكثر من غَيرهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن الْمُنْذر(2/712)
عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم بَين نِسَائِهِ فيعدل ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ هَذَا قسمي فِيمَا أملك فَلَا تلمني فِيمَا تملك وَلَا أملك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كَانَت لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَال إِلَى إِحْدَاهمَا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة وَأحد شقيه سَاقِط
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا يستحبون أَن يسوّوا بَين الضرائر حَتَّى فِي الطّيب يتطيب لهَذِهِ كَمَا يتطيب لهَذِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن زيد قَالَ: كَانَت لي امْرَأَتَانِ فَلَقَد كنت أعدل بَينهمَا حَتَّى أعد الْقبل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين فِي الَّذِي لَهُ امْرَأَتَانِ يكره أَن يتَوَضَّأ فِي بَيت إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِن كَانُوا ليسوّون بَين الضرائر حَتَّى تبقى الفضلة مِمَّا لَا يُكَال من السويق وَالطَّعَام فيقسمونه كفا كفا إِذا كَانَ مِمَّا لَا يُسْتَطَاع كَيْله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء} قَالَ: فِي الْجِمَاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُبَيْدَة فِي قَوْله {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء} قَالَ فِي الْحبّ {فَلَا تميلوا كل الْميل} قَالَ: فِي الغشيان {فتذروها كالمعلقة} لَا أيِّم وَلَا ذَات زوج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء} يَعْنِي فِي الْحبّ {فَلَا تميلوا كل الْميل} قَالَ: لَا تتعمدوا الْإِسَاءَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة يَقُول: لَا تمل عَلَيْهَا فَلَا تنْفق عَلَيْهَا وَلَا تقسم لَهَا يَوْمًا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة يَقُول: إِن أَحْبَبْت وَاحِدَة وأبغضت وَاحِدَة فاعدل بَينهمَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فتذروها كالمعلقة} قَالَ: لَا مُطلقَة وَلَا ذَات بعل(2/713)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كالمعلقة} قَالَ: كالمسجونة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن يَتَفَرَّقَا} قَالَ: الطَّلَاق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ الله غَنِيا} قَالَ: غَنِيا عَن خلقه {حميدا} قَالَ: مستحمداً إِلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَكفى بِاللَّه وَكيلا} قَالَ: حفيظاً
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن يَشَأْ يذهبكم أَيهَا النَّاس وَيَأْتِ بِآخَرين} قَالَ: قَادر وَالله رَبنَا على ذَلِك أَن يهْلك من خلقه مَا شَاءَ وَيَأْتِ بِآخَرين من بعدهمْ
الْآيَة 135(2/714)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوّامين} الْآيَة
قَالَ: أَمر الله الْمُؤمنِينَ أَن يَقُولُوا بِالْحَقِّ وَلَو على أنفسهم أَو آبَائِهِم أَو أبنائهم لَا يحابوا غَنِيا لغناه وَلَا يرحموا مِسْكينا لمسكنته وَفِي قَوْله {فَلَا تتبعوا الْهوى} فتذروا الْحق فتجوروا {وَإِن تلووا} يَعْنِي أَلْسِنَتكُم بِالشَّهَادَةِ أَو تعرضوا عَنْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوّامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله} الْآيَة
قَالَ: الرّجلَانِ يقعدان عِنْد القَاضِي فَيكون ليّ القَاضِي وإعراضه لأحد الرجلَيْن على الآخر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن مولى لِابْنِ عَبَّاس قَالَ: لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة كَانَت الْبَقَرَة أول سُورَة نزلت ثمَّ أردفها النِّسَاء قَالَ:(2/714)
فَكَانَ الرجل يكون عِنْده الشَّهَادَة قبل ابْنه أَو عَمه أَو ذَوي رَحمَه فيلوي بهَا لِسَانه أَو يكتمها مِمَّا يرى من عسرته حَتَّى يوسر فَيَقْضِي فَنزلت {كونُوا قوّامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله} يَعْنِي إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اخْتصم إِلَيْهِ رجلَانِ غَنِي وفقير فَكَانَ حلفه مَعَ الْفَقِير يرى أَن الْفَقِير لَا يظلم الْغَنِيّ فَأبى الله إِلَّا أَن يقوم بِالْقِسْطِ فِي الْغَنِيّ وَالْفَقِير
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا فِي الشَّهَادَة فأقم الشَّهَادَة يَا ابْن آدم وَلَو على نَفسك أَو الْوَالِدين والأقربين أَو على ذِي قرابتك وأشراف قَوْمك فَإِنَّمَا الشَّهَادَة لله وَلَيْسَت للنَّاس وَإِن الله تَعَالَى رَضِي بِالْعَدْلِ لنَفسِهِ والإقساط وَالْعدْل ميزَان الله فِي الأَرْض بِهِ يرد الله من الشَّديد على الضَّعِيف وَمن الصَّادِق على الْكَاذِب وَمن الْمُبْطل على المحق وبالعدل يصدق الصَّادِق ويكذب الْكَاذِب وَيرد المعتدي ويوبخه تَعَالَى رَبنَا وتبارك وبالعدل يصلح النَّاس يَا ابْن آدم إِن يكن غَنِيا أَو فَقِيرا فَالله أولى بهما يَقُول الله أولى بغنيكم وفقيركم وَلَا يمنعك عَنى غَنِي وَلَا فَقْرُ فَقير أَن تشهد عَلَيْهِ بِمَا تعلم فَإِن ذَلِك من الْحق قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: يَا رب أَي شَيْء وضعت فِي الأَرْض أقل قَالَ: الْعدْل أقل مَا وضعت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن تلووا أَو تعرضوا} يَقُول: تلوي لسَانك بِغَيْر الْحق وَهِي اللجلجة فَلَا يُقيم الشَّهَادَة على وَجههَا
والإعراض التّرْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ {تلووا} تحرفوا و {تعرضوا} تتركوا
وَأخرج آدم وَالْبَيْهَقِيّ فب سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن تلووا} يَقُول: تبدلوا الشَّهَادَة {أَو تعرضوا} يَقُول: تكتموها
الْآيَة 136(2/715)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)
أخرج الثَّعْلَبِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن عبد الله بن سَلام وأسداً وَأُسَيْدًا ابنَيْ كَعْب وثعلبة بن قيس وَسلَامًا ابْن أُخْت عبد الله بن سَلام وَسَلَمَة ابْن أَخِيه ويامين بن يَامِين أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا نؤمن بكتابك ومُوسَى والتوراة وعزير ونكفر بِمَا سواهُ من الْكتب وَالرسل
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله مُحَمَّد وَكتابه الْقُرْآن وَبِكُل كتاب كَانَ قبله فَقَالُوا: لَا نَفْعل
فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَالْكتاب الَّذِي نزل على رَسُوله وَالْكتاب الَّذِي أنزل من قبل} قَالَ: فآمنوا كلهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: يَعْنِي بذلك أهل الْكتاب كَانَ الله قد أَخذ ميثاقهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وأقروا على أنفسهم بِأَن يُؤمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا بعث الله رَسُوله دعاهم إِلَى أَن يُؤمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَذكرهمْ الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم من الْمِيثَاق فَمنهمْ من صدق النَّبِي وَاتبعهُ وَمِنْهُم من كفر
الْآيَات 137 - 139(2/716)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137) بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هم الْيَهُود وَالنَّصَارَى آمَنت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ ثمَّ كفرت وَآمَنت النَّصَارَى بالإنجيل ثمَّ كفرت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْيَهُود آمنُوا بِالتَّوْرَاةِ ثمَّ كفرُوا ثمَّ ذكر النَّصَارَى فَقَالَ {ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا} يَقُول: آمنُوا بالإنجيل ثمَّ كفرُوا بِهِ {ثمَّ ازدادوا كفرا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَا ليهديهم سَبِيلا} قَالَ: طَرِيق هدى وَقد كفرُوا بآيَات الله(2/716)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ المُنَافِقُونَ آمنُوا مرَّتَيْنِ وَكَفرُوا مرَّتَيْنِ {ثمَّ ازدادوا كفرا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ أَنه قَالَ فِي الْمُرْتَد: إِن كنت لمستتيبه ثَلَاثًا ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ كفرُوا ثمَّ ازدادوا كفرا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن فضَالة بن عبيد أَنه أُتِي بِرَجُل من الْمُسلمين قد فر إِلَى العدوّ فأقاله الْإِسْلَام فَأسلم ثمَّ فر الثَّانِيَة فَأتي بِهِ فأقاله الْإِسْلَام ثمَّ فر الثَّالِثَة فَأتي بِهِ فَنزع بِهَذِهِ الْآيَة {إِن الَّذين آمنُوا ثمَّ كفرُوا} إِلَى {سَبِيلا} ثمَّ ضرب عُنُقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ازدادوا كفرا} قَالَ: تَمُّوا على كفرهم حَتَّى مَاتُوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج الْحَاكِم فِي التَّارِيخ والديلمي وَابْن عَسَاكِر عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله يَقُول كل يَوْم: أَنا ربكُم الْعَزِيز فَمن أَرَادَ عز الدَّاريْنِ فليطع الْعَزِيز
الْآيَتَانِ 140 - 141(2/717)
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن أبي وَائِل قَالَ: إِن الرجل ليَتَكَلَّم فِي الْمجْلس بِالْكَلِمَةِ الْكَذِب يُضْحِكُ بهَا جلساءه فيسخط الله عَلَيْهِم جَمِيعًا فَذكر ذَلِك لإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَقَالَ: صدق أَبُو وَائِل أَو لَيْسَ ذَلِك فِي كتاب الله {فَلَا تقعدوا مَعَهم حَتَّى يخوضوا فِي حَدِيث غَيره}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: أنزل فِي سُورَة الْأَنْعَام (حَتَّى يخوضوا فِي حَدِيث غَيره) (الْأَنْعَام الْآيَة 68) ثمَّ نزل التَّشْدِيد فِي سُورَة النِّسَاء {إِنَّكُم إِذا مثلهم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ إِذا جالسوا الْمُؤمنِينَ وَقَعُوا فِي رَسُول الله وَالْقُرْآن فَشَتَمُوهُ واستهزؤوا بِهِ فَأمر الله أَن لَا يقعدوا مَعَهم حَتَّى يخوضوا فِي حَدِيث غَيره
وَأخرج عَن سعيد بن جُبَير أَن الله جَامع الْمُنَافِقين من أهل الْمَدِينَة وَالْمُشْرِكين من أهل مَكَّة الَّذين خَاضُوا واستهزؤوا بِالْقُرْآنِ فِي جَهَنَّم جَمِيعًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {الَّذين يتربصون بكم} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ يتربصون بِالْمُؤْمِنِينَ {فَإِن كَانَ لكم فتح من الله} إِن أصَاب الْمُسلمُونَ من عدوّهم غنيمَة قَالَ المُنَافِقُونَ {ألم نَكُنْ مَعكُمْ} قد كُنَّا مَعكُمْ فأعطونا من الْغَنِيمَة مثل مَا تأخذون {وَإِن كَانَ للْكَافِرِينَ نصيب} يصيبونه من الْمُسلمين قَالَ المُنَافِقُونَ للْكفَّار {ألم نستحوذ عَلَيْكُم} ألم نبين لكم أَنا على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ قد نثبطهم عَنْكُم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {ألم نستحوذ عَلَيْكُم} قَالَ: نغلب عَلَيْكُم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ أَنه قيل لَهُ: أَرَأَيْت هَذِه الْآيَة {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} وهم يقاتلونا فيظهرون وَيقْتلُونَ فَقَالَ: ادنه ادنه ثمَّ قَالَ: فَالله يحكم بَيْنكُم يَوْم الْقِيَامَة {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا}
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} قَالَ فِي الْآخِرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} قَالَ: ذَاك يَوْم الْقِيَامَة(2/718)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَلنْ يَجْعَل الله للْكَافِرِينَ على الْمُؤمنِينَ سَبِيلا} قَالَ: ذَاك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {سَبِيلا} قَالَ: حجَّة
الْآيَة 142(2/719)
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: يلقى على كل مُؤمن ومنافق نور يَمْشُونَ بِهِ يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى إِذا انْتَهوا إِلَى الصِّرَاط طفىء نور الْمُنَافِقين وَمضى الْمُؤْمِنُونَ بنورهم فَتلك خديعة الله إيَّاهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَهُوَ خادعهم} قَالَ: يعطيهم يَوْم الْقِيَامَة نورا يَمْشُونَ فِيهِ مَعَ الْمُسلمين كَمَا كَانُوا مَعَه فِي الدِّينَا ثمَّ يسلبهم ذَلِك النُّور فيطفئه فَيقومُونَ فِي ظلمتهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد وَسَعِيد بن جُبَير
نَحوه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن أبي وَأبي عَامر بن النُّعْمَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن أبي الدِّينَا فِي الصمت عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكره أَن يَقُول الرجل إِنِّي كسلان ويتأوّل هَذِه الْآيَة
وَأخرج أَبُو يعلى عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من حسن الصَّلَاة حَيْثُ يرَاهُ النَّاس وأساءها حَيْثُ يَخْلُو فَتلك استهانة استهان بهَا ربه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {يراؤون النَّاس} قَالَ: وَالله لَوْلَا النَّاس مَا صلى الْمُنَافِق وَلَا يُصَلِّي إِلَّا رِيَاء وَسُمْعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن الْحسن {وَلَا يذكرُونَ الله إِلَّا قَلِيلا} قَالَ: إِنَّمَا لِأَنَّهُ كَانَ لغير الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَلَا يذكرُونَ الله إِلَّا قَلِيلا}(2/719)
قَالَ: إِنَّمَا قل ذكر الْمُنَافِق لِأَن الله لم يقبله وكل مَا رد الله قَلِيل وكل مَا قبل الله كثير
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ قَالَ: لَا يقل عمل مَعَ تقوى وَكَيف يقل مَا يتَقَبَّل وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ صَلَاة الْمُنَافِق يجلس يرقب الشَّمْس حَتَّى إِذا كَانَت بَين قَرْني شَيْطَان قَامَ فَنقرَ أَرْبعا لَا يذكر الله فِيهَا إِلَّا قَلِيلا
الْآيَة 143(2/720)
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مثل الْمُؤمن وَالْمُنَافِق وَالْكَافِر مثل ثَلَاثَة نفر انْتَهوا إِلَى وَاد فَوَقع أحدهم فَعبر حَتَّى أَتَى ثمَّ وَقع أحدهم حَتَّى أَتَى على نصف الْوَادي ناداه الَّذِي على شَفير الْوَادي: وَيلك أَيْن تذْهب إِلَى الهلكة ارْجع عودك على بدئك وناداه الَّذِي عبر: هَلُمَّ النجَاة
فَجعل ينْتَظر إِلَى هَذَا مرّة وَإِلَى هَذَا مرّة قَالَ: فَجَاءَهُ سيل فأغرقه فَالَّذِي عبر الْمُؤمن وَالَّذِي غرق الْمُنَافِق مذبذب بَين ذَلِك لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَالَّذِي مكث الْكَافِر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة {مذبذبين بَين ذَلِك لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} يَقُول: لَيْسُوا بمؤمنين مُخلصين وَلَا مُشْرِكين مصرحين بالشرك
قَالَ: وَذكر لنا: أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يضْرب مثلا لِلْمُؤمنِ وَالْكَافِر وَالْمُنَافِق كَمثل رَهْط ثَلَاثَة دفعُوا إِلَى نهر فَوَقع الْمُؤمن فَقطع ثمَّ وَقع الْمُنَافِق حَتَّى كَاد يصل إِلَى الْمُؤمن ناداه الْكَافِر: أَن هَلُمَّ إليّ فَإِنِّي أخْشَى عَلَيْك وناداه الْمُؤمن أَن هَلُمَّ إِلَيّ فَإِن عِنْدِي وَعِنْدِي يحصي لَهُ مَا عِنْده فَمَا زَالَ الْمُنَافِق يتَرَدَّد بَينهمَا حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ المَاء فغرقه وَإِن الْمُنَافِق لم يزل فِي شكّ وشبهة حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ الْمَوْت وَهُوَ كَذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مذبذبين بَين ذَلِك} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ {لَا إِلَى هَؤُلَاءِ} يَقُول: لَا إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْيَهُود(2/720)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {مذبذبين بَين ذَلِك} قَالَ: بَين الْإِسْلَام وَالْكفْر
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَثَل الْمُنَافِق مَثَل الشَّاة العائرة بَين الْغَنَمَيْنِ تعير إِلَى هَذِه مرّة وَإِلَى هَذِه مرّة لَا تَدْرِي أَيهَا تتبع
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن مثل الْمُنَافِق يَوْم الْقِيَامَة كالشاة بَين الْغَنَمَيْنِ إِن أَتَت هَؤُلَاءِ نطحتها وَإِن أَتَت هَؤُلَاءِ نطحتها
الْآيَة 144(2/721)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أتريدون أَن تجْعَلُوا لله عَلَيْكُم سُلْطَانا مُبينًا} قَالَ: إِن لله السُّلْطَان على خلقه وَلكنه يَقُول: عذرا مُبينًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل سُلْطَان فِي الْقُرْآن فَهُوَ حجَّة
الْآيَات 145 - 147(2/721)
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (147)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وهناد وَابْن أبي الدِّينَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي صفة النَّار عَن ابْن مَسْعُود {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل} قَالَ: فِي توابيت من حَدِيد مقفلة عَلَيْهِم وَفِي لفظ: مُبْهمَة عَلَيْهِم أَي مقفلة لَا يَهْتَدُونَ لمَكَان فتحهَا(2/721)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل} قَالَ: الدَّرك الْأَسْفَل: بيُوت من حَدِيد لَهَا أَبْوَاب تطبق عَلَيْهَا فيوقد من تَحْتهم وَمن فَوْقهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة {إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك} قَالَ: فِي توابيت ترتج عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فِي الدَّرك الْأَسْفَل} يَعْنِي فِي أَسْفَل النَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن كثير قَالَ: سَمِعت أَن جَهَنَّم أَدْرَاك منَازِل بَعْضهَا فَوق بعض
وَأخرج ابْن أبي الدِّينَا فِي صفة النَّار عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: قَالَ ابْن مَسْعُود: أَي أهل النَّار أَشد عذَابا قَالَ رجل: المُنَافِقُونَ
قَالَ: صدقت فَهَل تَدْرِي كَيفَ يُعَذبُونَ قَالَ: لَا
قَالَ: يجْعَلُونَ فِي توابيت من حَدِيد تصمد عَلَيْهِم ثمَّ يجْعَلُونَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل فِي تنانير أضيق من زج يُقَال لَهُ: جب الْحزن يطبق على أَقوام بأعمالهم آخر الْأَبَد
وَأخرج ابْن أبي الدِّينَا فِي كتاب الْإِخْلَاص وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه إِلَى الْيمن: أوصني
قَالَ: أخْلص دينك يكفك الْقَلِيل من الْعَمَل
وَأخرج ابْن أبي الدِّينَا فِي الْإِخْلَاص وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ثَوْبَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: طُوبَى للمخلصين أُولَئِكَ مصابيح الْهدى تنجلي عَنْهُم كل فتْنَة ظلماء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي فراس رجل من أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سلوني عَمَّا شِئْتُم
فَنَادَى رجل: يَا رَسُول الله مَا الْإِسْلَام قَالَ: إقَام الصَّلَاة وإتياء الزَّكَاة قَالَ: فَمَا الْإِيمَان قَالَ: الْإِخْلَاص
قَالَ: فَمَا الْيَقِين قَالَ: التَّصْدِيق بالقيامة
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد حسن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي حجَّة الْوَدَاع: نصر الله أمرأ سمع مَقَالَتي فوعاها فَرب حَامِل فقه لَيْسَ بفقيه ثَلَاث لَا يغل عَلَيْهِنَّ قلب امرىء مُؤمن
إخلاص الْعَمَل لله والمناصحة لأئمة الْمُسلمين وَلُزُوم جَمَاعَتهمْ فَإِن دعاءهم يُحِيط من ورائهم(2/722)
الْجَهْر بالسوء من القَوْل
الْآيَة
قَالَ: لَا يحب الله أَن يَدْعُو أحد على أحد إِلَّا أَن يكون مَظْلُوما فَإِنَّهُ رخص لَهُ أَن يَدْعُو على من ظلمه وَإِن يصبر فَهُوَ خير لَهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل يظلم فَلَا يدع عَلَيْهِ وَلَكِن ليقل: اللَّهُمَّ أَعنِي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ استخرج لي حَقي حل بَينه وَبَين مَا يُرِيد وَنَحْو هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: عذر الله الْمَظْلُوم كَمَا تَسْمَعُونَ أَن يَدْعُو
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن عَائِشَة أَنه سرق لَهَا شَيْء فَجعلت تَدْعُو عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسبخي عَنهُ بدعائك
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من دَعَا على مَنْ ظلمه فقد انتصر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي رجل ضاف رجلا بفلاة من الأَرْض فَلم يضفه فَنزلت {إِلَّا من ظلم} ذكر أَنه لم يضفه لَا يزِيد على ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: هُوَ الرجل ينزل بِالرجلِ فَلَا يحسن ضيافته فَيخرج من عِنْده فَيَقُول: أَسَاءَ ضيافتي وَلم يحسن
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة يَقُول: إِن الله لَا يحب الْجَهْر بالسوء من القَوْل من أحد من الْخلق وَلَكِن يَقُول: من ظلم فانتصر بِمثل مَا ظلم فَلَيْسَ عَلَيْهِ جنَاح
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ أبي يقْرَأ {لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إِلَّا من ظلم} قَالَ ابْن زيد: يَقُول: من قَامَ على ذَلِك النِّفَاق فجهر لَهُ بالسوء حَتَّى نزع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن إِسْمَاعِيل {لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل إِلَّا من ظلم} قَالَ: كَانَ الضَّحَّاك بن مُزَاحم يَقُول: هَذَا فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير يَقُول الله (مَا(2/723)
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن مُصعب بن سعد عَن أَبِيه أَنه ظن أَن لَهُ فضلا على من دونه من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا ينصر الله هَذِه الْأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو الشَّيْخ بن حبَان عَن مَكْحُول قَالَ: بَلغنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أخْلص عبد لله أَرْبَعِينَ صباحاً إِلَّا ظَهرت ينابيع الْحِكْمَة من قلبه على لِسَانه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قد أَفْلح من أخْلص قلبه للْإيمَان وَجعل قلبه سليما وَلسَانه صَادِقا وَنَفسه مطمئنة وخليقته مُسْتَقِيمَة وَأذنه مستمعة وعينه ناظرة فَأَما الْأذن فقمع وَالْعين مقرة لما يوعي الْقلب وَقد أَفْلح من جعل قلبه واعياً
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن زيد بن أَرقم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً دخل الْجنَّة قيل: يَا رَسُول الله وَمَا إخلاصها قَالَ: أَن تحجزه عَن الْمَحَارِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي ثُمَامَة قَالَ: قَالَ الحواريون لعيس عَلَيْهِ السَّلَام: يَا روح الله من المخلص لله قَالَ: الَّذِي يعْمل لله لَا يحب أَن يحمده النَّاس عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي إِدْرِيس قَالَ: لَا يبلغ عبد حَقِيقَة الْإِخْلَاص حَتَّى لَا يحب أَن يحمده أحد على شَيْء من عمل الله عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مَا يفعل الله بعذابكم} الْآيَة
قَالَ: إِن الله لَا يعذب شاكرا وَلَا مُؤمنا
الْآيَتَانِ 148 - 149(2/724)
لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (149)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا يفعل الله بعذابكم إِن شكرتم وآمنتم} ) (النِّسَاء الْآيَة 147) {إِلَّا من ظلم}(2/724)
وَكَانَ يَقْرَأها كَذَلِك ثمَّ قَالَ {لَا يحب الله الْجَهْر بالسوء من القَوْل} أَي على كل حَال
الْآيَات 150 - 152(2/725)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أُولَئِكَ أَعدَاء الله الْيَهُود وَالنَّصَارَى آمَنت الْيَهُود بِالتَّوْرَاةِ ومُوسَى وَكَفرُوا بالإنجيل وَعِيسَى وَآمَنت النَّصَارَى بالإنجيل وَعِيسَى وَكَفرُوا بِالْقُرْآنِ وَمُحَمّد فاتخذوا الْيَهُودِيَّة والنصرانية وهما بدعتان ليستا من الله وَتركُوا الْإِسْلَام وَهُوَ دين الله الَّذِي بعث بِهِ رسله
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ وَابْن جريج
نَحوه
الْآيَات 153 - 156(2/725)
يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156)
أخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: جَاءَ نَاس من الْيَهُود إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن مُوسَى جَاءَنَا بالألواح من عِنْد الله فائتنا بالألواح من عِنْد الله حَتَّى نصدقِّك فَأنْزل الله {يَسْأَلك أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء} إِلَى {وَقَوْلهمْ على مَرْيَم بهتاناً عَظِيما}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى قَالُوا لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لن نُبَايِعك على مَا تدعونا إِلَيْهِ حَتَّى تَأْتِينَا بِكِتَاب من عِنْد الله من الله إِلَى فلَان أَنَّك رَسُول الله وَإِلَى فلَان أَنَّك رَسُول الله فَأنْزل الله {يَسْأَلك أهل الْكتاب} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: قَالَت الْيَهُود: إِن كنت صَادِقا أَنَّك رَسُول الله فآتنا كتابا مَكْتُوبًا من السَّمَاء كَمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء} أَي كتابا خَاصَّة
وَفِي قَوْله {جهرة} أَي عيَانًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَقَالُوا أرنا الله جهرة} قَالَ: إِنَّهُم إِذا رَأَوْهُ إِنَّمَا قَالُوا جهرة أرنا الله قَالَ: هُوَ مقدم ومؤخر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَرَأَ فَأَخَذتهم الصعقة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَأَخَذتهم الصاعقة} قَالَ: الْمَوْت أماتهم الله قبل آجالهم عُقُوبَة بقَوْلهمْ مَا شَاءَ الله أَن يميتهم ثمَّ بَعثهمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {ورفعنا فَوْقهم الطّور} قَالَ: جبل كَانُوا فِي أَصله فرفعه الله فَجعله فَوْقهم كَأَنَّهُ ظلة فَقَالَ: لتأخذن أَمْرِي أَو لأرمينكم بِهِ فَقَالُوا: نَأْخُذهُ وأمسكه الله عَنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَقُلْنَا لَهُم ادخُلُوا الْبَاب سجدا} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه بَاب من أَبْوَاب بَيت الْمُقَدّس {وَقُلْنَا لَهُم لَا تعدوا فِي السبت} قَالَ: أَمر الْقَوْم أَن لَا يَأْكُلُوا الْحيتَان يَوْم السبت وَلَا يعرضُوا(2/726)
لَهَا وَأحلت لَهُم مَا خلا ذَلِك وَفِي قَوْله {فبمَا نقضهم} يَقُول: فبنقضهم ميثاقهم {وَقَوْلهمْ قُلُوبنَا غلف} أَي لَا نَفَقَة {بل طبع الله عَلَيْهَا} يَقُول: لما ترك الْقَوْم أَمر الله وَقتلُوا رَسُوله وَكَفرُوا بآياته وَنَقَضُوا الْمِيثَاق الَّذِي عَلَيْهِم طبع الله على قُلُوبهم ولعنهم حِين فعلوا ذَلِك
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الطابع مُعَلّق بقائمة الْعَرْش فَإِذا انتكهت الْحُرْمَة وَعمل بِالْمَعَاصِي واجترىء على الله بعث الله الطابع فطبع على قلبه فَلَا يقبل بعد ذَلِك شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقَوْلهمْ على مَرْيَم بهتاناً عَظِيما} قَالَ: رَمَوْهَا بِالزِّنَا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عليّ قَالَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن لَك من عِيسَى مثلا أبغضته الْيَهُود حَتَّى بهتُوا أمه وأحبته النَّصَارَى حَتَّى أنزلوه الْمنزل الَّذِي لَيْسَ لَهُ
وَالله تَعَالَى أعلم
الْآيَتَانِ 157 - 158(2/727)
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)
أخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أَرَادَ الله أَن يرفع عِيسَى إِلَى السَّمَاء خرج إِلَى أَصْحَابه وَفِي الْبَيْت إثنا عشر رجلا من الحواريين فَخرج عَلَيْهِم من غير الْبَيْت وَرَأسه يقطر مَاء فَقَالَ: إِن مِنْكُم من يكفر بِي إثني عشر مرّة بعد أَن آمن بِي ثمَّ قَالَ: أَيّكُم يلقى عَلَيْهِ شبهي فَيقْتل مَكَاني وَيكون معي فِي درجتي فَقَامَ شَاب من أحدثهم سنا فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ
ثمَّ أعَاد عَلَيْهِم فَقَامَ الشَّاب فَقَالَ: اجْلِسْ
ثمَّ أعَاد عَلَيْهِم فَقَامَ الشَّاب فَقَالَ: أَنا
فَقَالَ: أَنْت ذَاك فَألْقى عَلَيْهِ شبه عِيسَى وَرفع عِيسَى من روزنة فِي الْبَيْت إِلَى السَّمَاء
قَالَ: وَجَاء الطّلب من الْيَهُود فَأخذُوا الشّبَه فَقَتَلُوهُ ثمَّ(2/727)
صلبوه وَكفر بِهِ بَعضهم إثني عشر مرّة بعد أَن آمن بِهِ وافترقوا ثَلَاث فرق وَقَالَت طَائِفَة: كَانَ الله فِينَا مَا شَاءَ ثمَّ صعد إِلَى السَّمَاء فَهَؤُلَاءِ اليعقوبية
وَقَالَت فرقة: كَانَ فِينَا ابْن الله مَا شَاءَ ثمَّ رَفعه الله إِلَيْهِ وَهَؤُلَاء النسطورية وَقَالَت فرقة: كَانَ فِينَا عبد الله وَرَسُوله وَهَؤُلَاء الْمُسلمُونَ
فتظاهرت الكافرتان على الْمسلمَة فَقَتَلُوهَا فَلم يزل الْإِسْلَام طامساً حَتَّى بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {فآمنت طَائِفَة من بني إِسْرَائِيل} يَعْنِي الطَّائِفَة الَّتِي آمَنت فِي زمن عِيسَى وكفرت الطَّائِفَة الَّتِي كفرت فِي زمن عِيسَى {فأيدنا الَّذين آمنُوا} فِي زمن عِيسَى بِإِظْهَار مُحَمَّد دينهم على دين الْكَافرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وَقَوْلهمْ إِنَّا قتلنَا الْمَسِيح} الْآيَة
قَالَ: أُولَئِكَ أَعدَاء الله الْيَهُود افْتَخرُوا بقتل عِيسَى وَزَعَمُوا أَنهم قَتَلُوهُ وصلبوه وَذكر لنا أَنه قَالَ لأَصْحَابه: أَيّكُم يقذف عَلَيْهِ شبهي فَإِنَّهُ مقتول قَالَ رجل من أَصْحَابه: أَنا يَا نَبِي الله فَقتل ذَلِك الرجل وَمنع الله نبيه وَرَفعه إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {شُبِّه لَهُم} قَالَ: صلبوا رجلا غير عِيسَى شبه بِعِيسَى يَحْسبُونَهُ إِيَّاه وَرفع الله إِلَيْهِ عِيسَى حَيا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينا} قَالَ: يَعْنِي لم يقتلُوا ظنهم يَقِينا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: مَا قتلوا ظنهم يَقِينا
وَأخرج ابْن جرير مثله عَن جُوَيْبِر وَالسُّديّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق ثَابت الْبنانِيّ عَن أبي رَافع قَالَ: رفع عِيسَى بن مَرْيَم وَعَلِيهِ مدرعة وخُفَّا رَاع وحذافة يخذف بهَا الطير
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد وَأَبُو نعيم وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق ثَابت الْبنانِيّ عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: مَا ترك عِيسَى بن مَرْيَم حِين رفع إِلَّا مدرعة صوف وخفَّيْ رَاع وقذافة يقذف بهَا الطير
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الْجَبَّار بن عبد الله بن سُلَيْمَان قَالَ: أقبل عِيسَى ابْن مَرْيَم على أَصْحَابه لَيْلَة رفع فَقَالَ لَهُم: لَا تَأْكُلُوا بِكِتَاب الله أجرا فانكم إِن لم تَفعلُوا(2/728)
أقعدكم الله على مَنَابِر الْحجر مِنْهَا خير من الدِّينَا وَمَا فِيهَا
قَالَ عبد الْجَبَّار: وَهِي المقاعد الَّتِي ذكر الله فِي الْقُرْآن (فِي مقْعد صدق عِنْد مليك مقتد) (الْقَمَر الْآيَة 55) وَرفع عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن عِيسَى لما أعلمهُ الله أَنه خَارج من الدِّينَا جزع من الْمَوْت وشق عَلَيْهِ فَدَعَا الحواريين فَصنعَ لَهُم طَعَاما فَقَالَ: احضروني اللَّيْلَة فَإِن لي إِلَيْكُم حَاجَة فَلَمَّا اجْتَمعُوا إِلَيْهِ من اللَّيْلَة عَشَّاهُم وَقَامَ يُحَدِّثهُمْ فَلَمَّا فرغوا من الطَّعَام أَخذ يغسل أَيْديهم ويوضيهم بِيَدِهِ وَيمْسَح أَيْديهم بثيابه فتعاظموا ذَلِك وتكارموه فَقَالَ: أَلا من رد عليَّ شَيْئا اللَّيْلَة مِمَّا أصنع فَلَيْسَ مني وَلَا أَنا مِنْهُ فأقروه حَتَّى فرغ من ذَلِك قَالَ: أما مَا صنعت بكم اللَّيْلَة مِمَّا خدمتكم فَلَا يتعظم بَعْضكُم على بعض وليبذل بَعْضكُم نَفسه لبَعض كَمَا بذلت نَفسِي لكم وَأما حَاجَتي الَّتِي استعنتكم عَلَيْهَا فتدعون لي الله وتجتهدون فِي الدُّعَاء أَن يؤخِّر أَجلي فَلَمَّا نصبوا أنفسهم للدُّعَاء وَأَرَادُوا أَن يجتهدوا أَخذهم النّوم حَتَّى لم يستطيعوا دُعَاء فَجعل يوقظهم وَيَقُول: سُبْحَانَ الله
مَا تصبرون لي لَيْلَة وَاحِدَة تعينونني فِيهَا قَالُوا: وَالله مَا نَدْرِي مَا كُنَّا لقد كُنَّا نسمر فنكثر السمر وَمَا نطيق اللَّيْلَة سمراً وَمَا نُرِيد دُعَاء إِلَّا حيل بَيْننَا وَبَينه فَقَالَ: يذهب بالراعي وتتفرق الْغنم وَجعل يَأْتِي بِكَلَام نَحْو هَذَا ينعي بِهِ نَفسه ثمَّ قَالَ: الْحق ليكفرن بِي أحدكُم قبل أَن يَصِيح الديك ثَلَاث مَرَّات وليبيعنني أحدكُم بِدَرَاهِم يسيرَة وليأكلن ثمني فَخَرجُوا وَتَفَرَّقُوا وَكَانَت الْيَهُود تطلبه فَأخذُوا شَمْعُون أحد الحواريين فَقَالُوا: هَذَا من أَصْحَابه
فَجحد وَقَالَ: مَا أَنا بِصَاحِبِهِ فَتَرَكُوهُ
ثمَّ أَخذه آخَرُونَ كَذَلِك ثمَّ سمع صَوت ديك فَبكى وأحزنه فَلَمَّا أصبح أَتَى أحد الحواريين إِلَى الْيَهُود فَقَالَ: مَا تَجْعَلُونَ لي إِن دللتكم على الْمَسِيح فَجعلُوا لَهُ ثَلَاثِينَ درهما فَأَخذهَا ودلهم عَلَيْهِ وَكَانَ شبِّه عَلَيْهِم قبل ذَلِك فَأَخَذُوهُ واستوثقوا مِنْهُ وربطوه بالحبل فَجعلُوا يقودنه وَيَقُولُونَ: أَنْت كنت تحيي الْمَيِّت وتبرىء الْمَجْنُون أَفلا تخلِّص نَفسك من هَذَا الْحَبل ويبصقون عَلَيْهِ ويلقون عَلَيْهِ الشوك حَتَّى أَتَوا بِهِ الْخَشَبَة الَّتِي أَرَادوا أَن يصلبوه عَلَيْهَا فرفعه الله إِلَيْهِ وصلبوا مَا شُبِّه لَهُم فَمَكثَ سبعا(2/729)
ثمَّ إِن أمه وَالْمَرْأَة الَّتِي كَانَ يدوايها عِيسَى فأبرأها الله من الْجُنُون جاءتا تبكيان حَيْثُ المصلوب فجاءهما عِيسَى فَقَالَ: علام تبكيان قَالَتَا عَلَيْك
قَالَ: إِنِّي قد رفعني الله إِلَيْهِ وَلم يُصِبْنِي إِلَّا خير وَإِن هَذَا شَيْء شبِّه لَهُم فَأمروا الحواريين أَن يلقوني إِلَى مَكَان كَذَا وَكَذَا فألقوه إِلَى ذَلِك الْمَكَان أحد عشر وَقعد الَّذِي كَانَ بَاعه وَدلّ عَلَيْهِ الْيَهُود فَسَأَلَ عَنهُ أَصْحَابه فَقَالُوا: إِنَّه نَدم على مَا صنع فاختنق وَقتل قَالَ: لَو تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ ثمَّ سَأَلَهُمْ عَن غُلَام يتبعهُم يُقَال لَهُ يحنا فَقَالَ: هُوَ مَعكُمْ فَانْطَلقُوا فَإِنَّهُ سيصبح كل إِنْسَان مِنْكُم يحدث بلغَة فليتدبرهم وليدعهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ سياحاً فَمر على امْرَأَة تستقي فَقَالَ: اسقيني من مائك الَّذِي من شرب مِنْهُ مَاتَ وأسقيك من مائي الَّذِي من شرب مِنْهُ حييّ قَالَ: وصادف امْرَأَة حكيمة فَقَالَت لَهُ: أما تكتفي بمائك الَّذِي من شرب مِنْهُ حييّ عَن مائي الَّذِي من شرب مِنْهُ مَاتَ قَالَ: إِن ماءك عَاجل ومائي آجل
قَالَت: لَعَلَّك هَذَا الرجل الَّذِي يُقَال لَهُ عِيسَى بن مَرْيَم قَالَ: فَإِنِّي أَنا هُوَ وَأَنا أَدْعُوك إِلَى عبَادَة الله وَترك مَا تعبدين من دون الله عز وَجل
قَالَت: فأتني على مَا تَقول ببرهان قَالَ: برهَان ذَلِك أَن تَرْجِعِي إِلَى زَوجك فيطلقك
قَالَت: إِن فِي هَذَا لآيَة بَيِّنَة مَا فِي بني إِسْرَائِيل امْرَأَة أكْرم على زَوجهَا مني وَلَئِن كَانَ كَمَا تَقول إِنِّي لأعرف أَنَّك صَادِق
قَالَ: فَرَجَعت إِلَى زَوجهَا وَزوجهَا شَاب غيور فَقَالَ: مَا بَطُؤ بِكِ قَالَت: مر عَليّ رجل فَأَرَادَتْ أَن تخبره عَن عِيسَى فاحتملته الْغيرَة فَطلقهَا فَقَالَت: لقد صدقني صَاحِبي
فَخرجت تتبع عِيسَى وَقد آمَنت بِهِ فَأتى عِيسَى وَمَعَهُ سَبْعَة وَعِشْرُونَ من الحواريين فِي بَيت وَأَحَاطُوا بهم فَدَخَلُوا عَلَيْهِم وَقد صوّرهم الله على صُورَة عِيسَى فَقَالُوا: قد سحرتمونا لتبرزن لنا عِيسَى أَو لنقتلكم جَمِيعًا فَقَالَ عِيسَى لأَصْحَابه: من يَشْتَرِي مِنْكُم نَفسه بِالْجنَّةِ فَقَالَ رجل من الْقَوْم: أَنا
فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ وصلبوه فَمن ثمَّ شُبِّه لَهُم وظنوا أَنهم قد قتلوا عِيسَى وصلبوه فظنت النَّصَارَى مثل ذَلِك وَرفع الله عِيسَى من يَوْمه ذَلِك
فَبلغ الْمَرْأَة أَن عِيسَى قد قتل وصلب فَجَاءَت حَتَّى بنت مَسْجِدا إِلَى أصل شجرته فَجعلت تصلي وتبكي على عِيسَى فَسمِعت صَوتا من فَوْقهَا صَوت عِيسَى لَا تنكره: أَي فُلَانَة إِنَّهُم وَالله مَا قتلوني وَمَا صلبوني وَلَكِن شُبِّه لَهُم وَآيَة ذَلِك أَن(2/730)
الحواريين يَجْتَمعُونَ اللَّيْلَة فِي بَيْتك فيفترقون اثْنَتَيْ عشرَة فرقة كل فرقة مِنْهُم تَدْعُو قوما إِلَى دين الله فَلَمَّا أَمْسوا اجْتَمعُوا فِي بَيتهَا فَقَالَت لَهُم: إِنِّي سَمِعت اللَّيْلَة شَيْئا أحدِّثكم بِهِ وَعَسَى أَن تكذبوني وَهُوَ الْحق سَمِعت صَوت عِيسَى وَهُوَ يَقُول: يَا فُلَانَة إِنِّي وَالله مَا قتلت وَلَا صلبت وَآيَة ذَلِك أَنكُمْ تجتمعون اللَّيْلَة فِي بَيْتِي فتفترقون اثْنَتَيْ عشرَة فرقة فَقَالُوا: إِن الَّذِي سَمِعت كَمَا سَمِعت فَإِن عِيسَى لم يقتل وَلم يصلب إِنَّمَا قتل فلَان وصلب وَمَا اجْتَمَعنَا فِي بَيْتك إِلَّا لما قَالَ نُرِيد أَن نخرج دعاة فِي الأَرْض فَكَانَ مِمَّن توجه إِلَى الرّوم نسطور وصاحبان لَهُ فَأَما صَاحِبَاه فَخَرَجَا وَأما نسطور فحسبته حَاجَة لَهُ فَقَالَ لَهما: ارفقا وَلَا تخرقا وَلَا تستبطئاني فِي شَيْء فَلَمَّا قدما الكورة الَّتِي أَرَادَا قدما فِي يَوْم عيدهم وَقد برز ملكهم وبرز وبرز مَعَه أهل مَمْلَكَته فَأَتَاهُ الرّجلَانِ فقاما بَين يَدَيْهِ فَقَالَا لَهُ: اتَّقِ الله فَإِنَّكُم تَعْمَلُونَ بمعاصي الله وتنتهكون حرم الله مَعَ مَا شَاءَ الله أَن يَقُولَا
قَالَ: فأسف الْملك وهمَّ بِقَتْلِهِمَا فَقَامَ إِلَيْهِ نفر من أهل مَمْلَكَته فَقَالُوا: إِن هَذَا يَوْم لَا تهرق فِيهِ دَمًا وَقد ظَفرت بصاحبيك فَإِن أَحْبَبْت أَن تحبسهما حَتَّى يمْضِي عيدنا ثمَّ ترى فيهمَا رَأْيك فعلت فَأمر بحبسهما ثمَّ ضُرِب على أُذُنه بِالنِّسْيَانِ لَهما حَتَّى قدم نسطور فَسَأَلَ عَنْهُمَا فَأخْبر بشأنهما وإنهما محبوسان فِي السجْن فَدخل عَلَيْهِمَا فَقَالَ: ألم أقل لَكمَا ارفقا وَلَا تخرقا وَلَا تستبطئاني فِي شَيْء هَل تدريان مَا مثلكما مثلكما مثل امْرَأَة لم تصب ولدا حَتَّى دخلت فِي السن فأصابت بَعْدَمَا دخلت فِي السن ولدا فأحبت أَن تعجل شبابه لتنتفع بِهِ فَحملت على معدته مَا لَا تطِيق فَقتلته ثمَّ قَالَ لَهما: والآن فَلَا تستبطئاني فِي شَيْء ثمَّ خرج فَانْطَلق حَتَّى أَتَى بَاب الْملك وَكَانَ إِذا جلس النَّاس وضع سَرِيره وَجلسَ النَّاس سمطاً بَين يَدَيْهِ وَكَانُوا إِذا ابتلوا بحلال أَو حرَام رفعوا لَهُ فَنظر فِيهِ ثمَّ سَأَلَ عَنهُ من يَلِيهِ فِي مَجْلِسه وَسَأَلَ النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى تَنْتَهِي الْمَسْأَلَة إِلَى أقْصَى الْمجْلس وَجَاء نسطور حَتَّى جلس فِي أقْصَى الْقَوْم فَلَمَّا ردوا على الْملك جَوَاب من أَجَابَهُ وردوا عَلَيْهِ جَوَاب نسطور فَسمع بِشَيْء عَلَيْهِ نور وحلا فِي مسامعه فَقَالَ: من صَاحب هَذَا القَوْل فَقيل: الرجل الَّذِي فِي أقْصَى الْقَوْم
فَقَالَ: عليَّ بِهِ
فَقَالَ: أَنْت الْقَائِل كَذَا وَكَذَا قَالَ: نعم
قَالَ: فَمَا تَقول فِي كَذَا وَكَذَا قَالَ: كَذَا وَكَذَا
فَجعل لَا يسْأَله عَن شَيْء إِلَّا فسَّره لَهُ
فَقَالَ: عنْدك هَذَا الْعلم وَأَنت تجْلِس فِي آخر الْقَوْم ضَعُوا لَهُ عِنْد(2/731)
سَرِيرِي مَجْلِسا ثمَّ قَالَ: إِن أَتَاك ابْني فَلَا تقم لَهُ عَنهُ ثمَّ أقبل على نسطور وَترك النَّاس فَلَمَّا عرف أَن مَنْزِلَته قد تثبتت قَالَ: لأزورنه
فَقَالَ: أَيهَا الْملك رجل بعيد الدَّار بعيد الضَّيْعَة فَإِن أَحْبَبْت أَن تقضي حَاجَتك مني وتأذن لي فأنصرف إِلَى أَهلِي
فَقَالَ: يَا نسطور لَيْسَ إِلَى ذَلِك سَبِيل فَإِن أَحْبَبْت أَن تحمل أهلك إِلَيْنَا فلك الْمُوَاسَاة وَإِن أَحْبَبْت أَن تَأْخُذ من بَيت المَال حَاجَتك فتبعث بِهِ إِلَى أهلك فعلت فَسكت نسطور
ثمَّ تحيَّن يَوْمًا فَمَاتَ لَهُم فِيهِ ميت فَقَالَ: أَيهَا الْملك بَلغنِي أَن رجلَيْنِ أتياك يعيبان دينك قَالَ: فذكرهما فَأرْسل إِلَيْهِمَا فَقَالَ: يَا نسطور أَنْت حكم بيني وَبَينهمَا مَا قلت من شَيْء رضيت
قَالَ: نعم أَيهَا الْملك هَذَا ميت قد مَاتَ فِي بني إِسْرَائِيل فمرهما حَتَّى يَدْعُوَا ربهما فيحييه لَهما فَفِي ذَلِك آيَة بيِّنة قَالَ: فَأتى بِالْمَيتِ فَوضع عِنْده فقاما وتوضآ ودعوا ربهما فَرد عَلَيْهِ روحه وَتكلم فَقَالَ: أَيهَا الْملك إِن فِي هَذِه لآيَة بَيِّنَة وَلَكِن مرهما بِغَيْر مَا أجمع أهل مملكتك ثمَّ قل لآلهتك فَإِن كَانَت تقدر أَن تضر هذَيْن فَلَيْسَ أَمرهمَا بِشَيْء وَإِن كَانَ هَذَانِ يقدران أَن يضرا آلهتك فَأَمرهمَا قوي فَجمع الْملك أهل مَمْلَكَته وَدخل الْبَيْت الَّذِي فِيهِ الْآلهَة فَخر سَاجِدا هُوَ وَمن مَعَه من أهل مَمْلَكَته وخرَّ نسطور سَاجِدا وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسجد لَك وأكيد هَذِه الْآلهَة أَن تعبد من دُونك ثمَّ رفع الْملك رَأسه فَقَالَ: إِن هذَيْن يُريدَان أَن يبدلا دينكُمْ ويدعوا إِلَى إِلَه غَيْركُمْ فافقأوا أعينهما أَو اجذموهما أَو شلوهما فَلم تردَّ عَلَيْهِ الْآلهَة شَيْئا وَقد كَانَ نسطور أَمر صَاحِبيهِ أَن يحملا مَعَهُمَا فأساً فَقَالَ: أَيهَا الْملك قل لهذين أيقدران أَن يضرا آلهتك قَالَ: أتقدران على أَن تضرا آلِهَتنَا قَالَا: خلِّ بَيْننَا وَبَينهَا فَأَقْبَلَا عَلَيْهَا فكسراها فَقَالَ نسطور: أما أَنا فآمنت بِرَبّ هذَيْن وَقَالَ الْملك: وَأَنا آمَنت بِرَبّ هذَيْن وَقَالَ جَمِيع النَّاس: آمنا بِرَبّ هذَيْن فَقَالَ نسطور لصاحبيه: هَكَذَا الرِّفْق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَانَ الله عَزِيزًا حكيماً} قَالَ: معنى ذَلِك أَنه كَذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن يَهُودِيّا قَالَ لَهُ: إِنَّكُم تَزْعُمُونَ أَن الله كَانَ عَزِيزًا حكيماً فَكيف هُوَ الْيَوْم قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّه كَانَ من نَفسه عَزِيزًا حكيما(2/732)
الْآيَة 159(2/733)
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: خُرُوج عِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأَن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: قبل موت عِيسَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: يَعْنِي أَنه سيدرك أنَاس من أهل الْكتاب حِين يبْعَث عِيسَى سيؤمنون بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأَن من أهل الْكتاب} قَالَ: الْيَهُود خَاصَّة {إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: قبل موت الْيَهُودِيّ
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: هِيَ فِي قِرَاءَة أبي قبل مَوْتهمْ
قَالَ: لَيْسَ يَهُودِيّ أبدا حَتَّى يُؤمن بِعِيسَى
قيل لِابْنِ عَبَّاس: أَرَأَيْت إِن خر من فَوق بَيت قَالَ: يتَكَلَّم بِهِ فِي الْهَوَاء
فَقيل: أَرَأَيْت إِن ضرب عنق أحدهم قَالَ: يتلجلج بهَا لِسَانه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو ضربت عُنُقه لم تخرج نَفسه حَتَّى يُؤمن بِعِيسَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يَمُوت يَهُودِيّ حَتَّى يشْهد أَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وَلَو عجل عَلَيْهِ بِالسِّلَاحِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: لَو أَن يَهُودِيّا ألقِي من فَوق قصر مَا خلص إِلَى الأَرْض حَتَّى يُؤمن أَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: لَا يَمُوت يَهُودِيّ حَتَّى يُؤمن بِعِيسَى
قيل: وَإِن ضرب بِالسَّيْفِ قَالَ: يتَكَلَّم بِهِ
قيل: وَإِن هوى قَالَ: يتَكَلَّم بِهِ وَهُوَ يهوي(2/733)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي هَاشم وَعُرْوَة قَالَا: فِي مصحف أبي بن كَعْب: وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوْتهمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن شهر بن حَوْشَب فِي قَوْله {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} عَن مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب هُوَ ابْن الحنيفة قَالَ: لَيْسَ من أهل الْكتاب أحد إِلَّا أَتَتْهُ الْمَلَائِكَة يضْربُونَ وَجهه وَدبره ثمَّ يُقَال: يَا عَدو الله إِن عِيسَى روح الله وكلمته كذبت على الله وَزَعَمت أَنه الله إِن عِيسَى لم يمت وَإنَّهُ رفع إِلَى السَّمَاء وَهُوَ نَازل قبل أَن تقوم السَّاعَة فَلَا يبْقى يَهُودِيّ وَلَا نَصْرَانِيّ إِلَّا آمن بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: قَالَ لي الْحجَّاج: يَا شهر آيَة من كتاب الله مَا قرأتها إِلَّا اعْترض فِي نَفسِي مِنْهَا شَيْء قَالَ الله {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} وَإِنِّي أُوتى بالأسارى فَأَضْرب أَعْنَاقهم وَلَا أسمعهم يَقُولُونَ شَيْئا فَقلت: رفعت إِلَيْك على غير وَجههَا وَإِن النَّصْرَانِي إِذا خرجت روحه ضَربته الْمَلَائِكَة من قبله وَمن دبره وَقَالُوا: أَي خَبِيث إِن الْمَسِيح الَّذِي زعمت أَنه الله أَو ابْن الله أَو ثَالِث ثَلَاثَة عبد الله وروحه وكلمته فَيُؤمن حِين لَا يَنْفَعهُ إيمَانه وَإِن الْيَهُودِيّ إِذا خرجت نَفسه ضَربته الْمَلَائِكَة من قبله وَمن دبره وَقَالُوا: أَي خَبِيث إِن الْمَسِيح الَّذِي زعمت أَنَّك قتلته عبد الله وروحه فَيُؤمن بِهِ حِين لَا يَنْفَعهُ الْإِيمَان فَإِذا كَانَ عِنْد نزُول عِيسَى آمَنت بِهِ أحياؤهم كَمَا آمَنت بِهِ موتاهم
فَقَالَ: من أَيْن أَخَذتهَا فَقلت: من مُحَمَّد بن عَليّ
قَالَ: لقد أَخَذتهَا من مَعْدِنهَا
قَالَ شهر: وأيم الله مَا حَدَّثَنِيهِ إِلَّا أم سَلمَة وَلَكِنِّي أَحْبَبْت أَن أَغيظهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: إِذا نزل آمَنت بِهِ الْأَدْيَان كلهَا {وَيَوْم الْقِيَامَة يكون عَلَيْهِم شَهِيدا} أَنه قد بلَّغ رِسَالَة ربه وأقرَّ على نَفسه بالعبودية
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: إِذا نزل عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَقتل الدَّجَّال لم يبْق يَهُودِيّ فِي الأَرْض إِلَّا آمن بِهِ فَذَلِك حِين لَا يَنْفَعهُمْ الْإِيمَان
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مَالك {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته}(2/734)
قَالَ: ذَلِك عِنْد نزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم لَا يبْقى أحد من أهل الْكتاب إِلَّا آمن بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: قبل موت عِيسَى وَالله إِنَّه الْآن حَيّ عِنْد الله وَلَكِن إِذا نزل آمنُوا بِهِ أَجْمَعُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَن رجلا سَأَلَهُ عَن قَوْله {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} قَالَ: قبل موت عِيسَى وَإِن الله رفع إِلَيْهِ عِيسَى وَهُوَ باعثه قبل يَوْم الْقِيَامَة مقَاما يُؤمن بِهِ الْبر والفاجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليوشكن أَن ينزل فِيكُم ابْن مَرْيَم حكما عدلا فيكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَيَضَع الْجِزْيَة وَيفِيض المَال حَتَّى لَا يقبله أحد حَتَّى تكون السَّجْدَة خيرا من الدِّينَا وَمَا فِيهَا
ثمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: واقرأوا إِن شِئْتُم {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته وَيَوْم الْقِيَامَة يكون عَلَيْهِم شَهِيدا}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يُوشك أَن ينزل فِيكُم ابْن مَرْيَم حكما عدلا يقتل الدَّجَّال وَيقتل الْخِنْزِير وَيكسر الصَّلِيب وَيَضَع الْجِزْيَة وَيفِيض المَال وَتَكون السَّجْدَة وَاحِدَة لله رب الْعَالمين واقرأوا إِن شِئْتُم {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} موت عِيسَى بن مَرْيَم ثمَّ يُعِيدهَا أَبُو هُرَيْرَة ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ينزل عِيسَى ابْن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام فَيقْتل الْخِنْزِير وَيكسر الصَّلِيب وَيجمع لَهُ الصَّلَاة وَيُعْطِي المَال حَتَّى لَا يقبل وَيَضَع الْخراج وَينزل الروحاء فيحج مِنْهَا أَو يعْتَمر أَو يجمعهما
قَالَ: وتلا أَبُو هُرَيْرَة {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته وَيَوْم الْقِيَامَة يكون عَلَيْهِم شَهِيدا} قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: يُؤمن بِهِ قبل موت عِيسَى
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ليهلن عِيسَى بن مَرْيَم بفج الروحاء بِالْحَجِّ أَو بِالْعُمْرَةِ أَو ليثنينهما جَمِيعًا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ أَنْتُم إِذا نزل فِيكُم ابْن مَرْيَم وإمامكم مِنْكُم(2/735)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْأَنْبِيَاء أَخَوَات لعَلَّات أمهاتهم شَتَّى وَدينهمْ وَاحِد وَإِنِّي أولى النَّاس بِعِيسَى بن مَرْيَم لِأَنَّهُ لم يكن بيني وَبَينه نَبِي وَإنَّهُ خليفتي على أمتِي وَأَنه نَازل فَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ رجل مَرْبُوع إِلَى الْحمرَة وَالْبَيَاض عَلَيْهِ ثَوْبَان مُمَصَّرَانِ كَأَن رَأسه يقطر وَإِن لم يصبهُ بَلل فَيدق الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَيَضَع الْجِزْيَة وَيَدْعُو النَّاس إِلَى الْإِسْلَام وَيهْلك الله فِي زَمَانه الْملَل كلهَا إِلَّا الْإِسْلَام وَيهْلك الله فِي زَمَانه الْمَسِيح الدَّجَّال ثمَّ تقع الأمنة على الأَرْض حَتَّى ترتع الْأسود مَعَ الْإِبِل والنمار مَعَ الْبَقر والذئاب مَعَ الْغنم وتلعب الصيبان بالحيات لَا تَضُرهُمْ فيمكث أَرْبَعِينَ سنة ثمَّ يتوفى وَيُصلي عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ ويدفنونه
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنِّي لأرجو إِن طَال بِي عمر أَن ألْقى عِيسَى بن مَرْيَم فَإِن عجل بِي موت فَمن لقية مِنْكُم فليقرئه مني السَّلَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلا إِن عِيسَى بن مَرْيَم لَيْسَ بَينه وبيني نَبِي وَلَا رَسُول إِلَّا أَنه خليفتي فِي أمتِي من بعدِي إِلَّا أَنه يقتل الدَّجَّال وَيكسر الصَّلِيب وَيَضَع الْجِزْيَة وتضع الْحَرْب أَوزَارهَا أَلا من أدْركهُ مِنْكُم فليقرأ عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينزل عِيسَى بن مَرْيَم فيمكث فِي النَّاس أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ينزل ابْن مَرْيَم إِمَامًا عادلاً وَحكما مقسطاً فيكسر الصَّلِيب وَيقتل الْخِنْزِير وَيرجع السّلم وتتخذ السيوف مناجل وَتذهب حمة كل ذَات حمة وتنزل السَّمَاء رزقها وَتخرج الأَرْض بركتها حَتَّى يلْعَب الصَّبِي بالثعبان وَلَا يضرّهُ ويراعي الْغنم الذِّئْب وَلَا يَضرهَا ويراعي الْأسد الْبَقر وَلَا يَضرهَا
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الدَّجَّال خَارج وَهُوَ أَعور عين الشمَال عَلَيْهَا طفرة غَلِيظَة وَأَنه يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الْمَوْتَى وَيَقُول: أَنا ربكُم
فَمن قَالَ: أَنْت رَبِّي فقد فتن(2/736)
وَمن قَالَ رَبِّي الله حَيّ لَا يَمُوت فقد عصم من فتنته وَلَا فتْنَة عَلَيْهِ وَلَا عَذَاب فيلبث فِي الأَرْض مَا شَاءَ الله ثمَّ يَجِيء عِيسَى بن مَرْيَم من الْمغرب
وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: من الْمشرق مُصدقا بِمُحَمد وعَلى مِلَّته فَيقْتل الدَّجَّال ثمَّ إِنَّمَا هُوَ قيام السَّاعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عَائِشَة قَالَت: دخل عليَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا أبْكِي فَقَالَ: مَا يبكيكِ قلت: يَا رَسُول الله ذكرت الدَّجَّال فَبَكَيْت
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّه يخرج فِي يَهُودِيَّة أَصْبَهَان حَتَّى يَأْتِي الْمَدِينَة فَينزل ناحيتها وَلها يَوْمئِذٍ سَبْعَة أَبْوَاب على كل نقب مِنْهَا ملكان فَيخرج إِلَيْهَا شرار أَهلهَا حَتَّى يَأْتِي الشَّام مَدِينَة بفلسطين بَاب لدّ فَينزل عِيسَى بن مَرْيَم فيقتله ثمَّ يمْكث عِيسَى فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة إِمَامًا عادلاً وَحكما مقسطاً
وَأخرج أَحْمد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج الدَّجَّال فِي خفقة من الدّين وإدبار من الْعلم فَلهُ أَرْبَعُونَ لَيْلَة يسيحها فِي الأَرْض الْيَوْم مِنْهَا كالسنة وَالْيَوْم مِنْهَا كالشهر وَالْيَوْم مِنْهَا كَالْجُمُعَةِ ثمَّ سَائِر أَيَّامه كأيامكم هَذِه وَله حمَار يركبه عرض مَا يبن أُذُنَيْهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعا فَيَقُول للنَّاس: أَنا ربكُم
وَهُوَ أَعور وَإِن ربكُم لَيْسَ بأعور مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ ك ف ر مهجاة يَقْرَؤُهُ كل مُؤمن كَاتب وَغير كَاتب يرد كل مَاء منهل إِلَّا الْمَدِينَة وَمَكَّة حرمهما الله عَلَيْهِ وَقَامَت الْمَلَائِكَة بأبوابها وَمَعَهُ جبال من خبز وَالنَّاس فِي جهد إِلَّا من اتبعهُ وَمَعَهُ نهران أَنا أعلم بهما مِنْهُ نهر يَقُول الْجنَّة ونهر يَقُول النَّار فَمن دخل الَّذِي يُسَمِّيه الْجنَّة فَهِيَ النَّار وَمن دخل الَّذِي يُسَمِّيه النَّار فَهِيَ الْجنَّة وتبعث مَعَه شياطين تكلم النَّاس وَمَعَهُ فتْنَة عَظِيمَة يَأْمر السَّمَاء فتمطر فِيمَا يرى النَّاس وَيقتل نفسا ثمَّ يحييه لَا يُسَلط على غَيرهَا من النَّاس فِيمَا يرى النَّاس فَيَقُول للنَّاس: أَيهَا النَّاس هَل يفعل مثل هَذَا إِلَّا الرب فيفر الْمُسلمُونَ إِلَى جبل الدُّخان بِالشَّام فيأتهم فيحصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهداً شَدِيدا ثمَّ ينزل عِيسَى فينادي من السحر فَيَقُول: يَا أَيهَا النَّاس مَا يمنعكم أَن تخْرجُوا إِلَى الْكذَّاب الْخَبيث فَيَقُولُونَ: هَذَا رجل حَيّ فَيَنْطَلِقُونَ فَإِذا هم بِعِيسَى فتقام الصَّلَاة فَيُقَال لَهُ: تقدم يَا روح الله فَيَقُول: لِيَتَقَدَّم إمامكم فَليصل بكم فَإِذا صلوا الصُّبْح خَرجُوا إِلَيْهِ فحين يرَاهُ الْكذَّاب ينماث كَمَا ينماث الْملح فِي المَاء فَيَمْشِي إِلَيْهِ فيقتله حَتَّى إِن الشَّجَرَة تنادي: يَا روح الله هَذَا يَهُودِيّ فَلَا يتْرك مِمَّن كَانَ يتبعهُ أحد إلاَّ قَتله(2/737)
وَأخرج معمر فِي جَامعه عَن الزُّهْرِيّ أَخْبرنِي عَمْرو بن سُفْيَان الثَّقَفِيّ أَخْبرنِي رجل من الْأَنْصَار عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدَّجَّال فَقَالَ: يَأْتِي سباخ الْمَدِينَة وَهُوَ محرم عَلَيْهِ أَن يدخلهَا فتنتفض بِأَهْلِهَا نفضة أَو نفضتين وَهِي الزلزلة فَيخرج إِلَيْهِ مِنْهَا كل مُنَافِق وَمُنَافِقَة ثمَّ يَأْتِي الدَّجَّال قبل الشَّام حَتَّى يَأْتِي بعض جبال الشَّام فيحاصرهم وَبَقِيَّة الْمُسلمُونَ يَوْمئِذٍ معتصمون بِذرْوَةِ جبل فيحاصرهم نازلاً بِأَصْلِهِ حَتَّى إِذا طَال عَلَيْهِم الْحصار قَالَ رجل: حَتَّى مَتى أَنْتُم هَكَذَا وعدوّكم نَازل بِأَصْل جبلكم هَل أَنْتُم إِلَّا بَين إِحْدَى الحسنيين بَين أَن تستشهدوا أَو يظهركم فيتبايعون على الْقِتَال بيعَة يعلم الله أَنَّهَا الصدْق من أنفسهم ثمَّ تأخذهم ظلمَة لَا يبصر أحدهم كَفه فَينزل ابْن مَرْيَم فيحسر عَن أَبْصَارهم وَبَين أظهرهم رجل عَلَيْهِ لأمة فَيَقُول: من أَنْت فَيَقُول: أَنا عبد الله وروحه وكلمته عِيسَى إختاروا إِحْدَى ثَلَاث: بَين أَن يبْعَث الله على الدَّجَّال وَجُنُوده عذَابا جسيماً أَو يخسف بهم الأَرْض أَو يُرْسل عَلَيْهِم سلاحكم ويكف سِلَاحهمْ فَيَقُولُونَ: هَذِه يَا رَسُول الله أشفى لصدرونا فَيَوْمئِذٍ ترى الْيَهُودِيّ الْعَظِيم الطَّوِيل الأكول الشروب لَا تقل يَده سَيْفه من الرعب فينزلون إِلَيْهِم فيسلطون عَلَيْهِم ويذرب الدَّجَّال حَتَّى يُدْرِكهُ عِيسَى فيقتله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عُثْمَان بن أبي العَاصِي سَمِعت رسلو الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يكون للْمُسلمين ثَلَاثَة أَمْصَار: مصر بملتقى الْبَحْرين ومصر بالجزيرة ومصر بِالشَّام فَيفزع النَّاس ثَلَاث فَزعَات فَيخرج الدَّجَّال فِي عراض جَيش فيهزم من قبل الْمشرق فأوّل مصر يردهُ الْمصر الَّذِي بلمتقى الْبَحْرين فَيصير أَهلهَا ثَلَاث فرق: فرقة تقيم وَتقول نشامه نَنْظُر مَا هُوَ وَفرْقَة تلْحق الْأَعْرَاب وَفرْقَة تلْحق بِالْمِصْرِ الَّذِي يليهم وَمَعَ الدَّجَّال سَبْعُونَ ألفا عَلَيْهِم التيجان وَأكْثر من مَعَه الْيَهُود وَالنِّسَاء ثمَّ يَأْتِي الْمصر الَّذِي يليهم فَيصير أَهله ثَلَاث فرق: فرقة تَقول نشامه وَنَنْظُر مَا هُوَ وَفرْقَة تلْحق بالأعراب وَفرْقَة تلْحق بِالْمِصْرِ الَّذِي يليهم ثمَّ يَأْتِي الشَّام فَيَنْحَاز الْمُسلمُونَ إِلَى عقبَة أفِيق فيبعثون بسرح لَهُم فيصاب سرحهم فيشتد ذَلِك عَلَيْهِم وتصيبهم مجاعَة شَدِيدَة وَجهد شَدِيد حَتَّى إِن أحدهم ليحرق وتر قوسه فيأكله فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ ناداهم مُنَاد: من السحر أَتَاكُم الْغَوْث أَيهَا النَّاس ثَلَاثًا فَيَقُول بَعضهم لبَعض: إِن هَذَا لصوت رجل(2/738)
شبعان فَينزل عِيسَى عِنْد صَلَاة الْفجْر فَيَقُول لَهُ أَمِير النَّاس تقدم يَا روح الله فصلِّ بِنَا فَيَقُول: إِنَّكُم معشر هَذِه الْأمة أُمَرَاء بَعْضكُم على بعض تقدم أَنْت فصلِّ بِنَا فيتقدم فَيصَلي بهم فَإِذا انْصَرف أَخذ عِيسَى حربته نَحْو الدَّجَّال فَإِذا رَآهُ ذاب كَمَا يذوب الرصاص فَتَقَع حربته بَين تندوته فيقتله ثمَّ ينهزم أَصْحَابه فَلَيْسَ شَيْء يَوْمئِذٍ يجن أحدا مِنْهُم حَتَّى إِن الْحجر ليقول: يَا مُؤمن هَذَا كَافِر فاقتله وَالشَّجر يَقُول: يَا مُؤمن هَذَا كَافِر فاقتله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: كنت بِالْكُوفَةِ فَقيل: قد خرج الدَّجَّال فأتينا حُذَيْفَة بن أسيد فَقلت: هَذَا الدَّجَّال قد خرج فَقَالَ اجْلِسْ فَجَلَست فَنُوديَ أَنَّهَا كذبة صباغ فَقَالَ حُذَيْفَة: إِن الدَّجَّال لَو خرج زمانكم لرمته الصّبيان بالخزف وَلكنه يخرج فِي نقص من النَّاس وخفة من الدّين وَسُوء ذَات بَين فَيرد كل منهل وتُطْوَى لَهُ الأَرْض طيّ فَرْوَة الْكَبْش حَتَّى يَأْتِي الْمَدِينَة فيغلب على خَارِجهَا وَيمْنَع داخلها ثمَّ جبل إيليا فيحاصر عِصَابَة من الْمُسلمين فَيَقُول لَهُم الَّذِي عَلَيْهِم: مَا تنتظرون بِهَذَا الطاغية أَن تقاتلوه حَتَّى تلحقوا بِاللَّه أَو يفتح لكم فيأتمرون أَن يقاتلوه إِذا أَصْبحُوا فيصبحون وَمَعَهُمْ عِيسَى بن مَرْيَم فَيقْتل الدَّجَّال ويهزم أَصْحَابه
وَأخرج مُسلم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يخرج الدَّجَّال فليبث فِي أمتِي مَا شَاءَ الله يلبث أَرْبَعِينَ وَلَا أَدْرِي لَيْلَة أَو شهرا أَو سنة
قَالَ: ثمَّ يبْعَث الله عِيسَى بن مَرْيَم كَأَنَّهُ عُرْوَة بن مَسْعُود الثَّقَفِيّ فيطلبه حَتَّى يهلكه ثمَّ يبْقى النَّاس سبع سِنِين لَيْسَ بَين اثْنَيْنِ عَدَاوَة ثمَّ يبْعَث الله ريحًا بَارِدَة تَجِيء من قبل الشَّام فَلَا تدع أحدا فِي قلبه مِثْقَال ذرة من إِيمَان إِلَّا قبضت روحه حَتَّى لَو أَن أحدكُم دخل فِي كبد جبل لدخلت عَلَيْهِ حَتَّى تقبضه سَمِعت هَذِه من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبد جبل ثمَّ يبْقى شرار النَّاس من لَا يعرف مَعْرُوفا وَلَا يُنكر مُنْكرا فِي خفَّة الطير وأحلام السبَاع فيجيئهم الشَّيْطَان فَيَقُول: أَلا تستحيون فَيَقُولُونَ مَا تَأْمُرنَا فيأمرهم بِعبَادة الْأَوْثَان فيعبدونها وهم فِي ذَلِك دَار رزقهم حسن عيشهم ثمَّ ينْفخ فِي الصُّور
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ أَكثر خطبَته حَدِيثا حدّثنَاهُ عَن الدَّجَّال وحذرناه فَكَانَ من قَوْله أَن قَالَ: إِنَّه(2/739)
لم تكن فتْنَة فِي الأَرْض مُنْذُ ذَرأ الله ذُرِّيَّة آدم أعظم من فتْنَة الدَّجَّال وَإِن الله لم يبْعَث نَبيا إِلَّا حذر من الدَّجَّال وَأَنا آخر الْأَنْبِيَاء وَأَنْتُم آخر الْأُمَم وَهُوَ خَارج فِيكُم لَا محَالة فَإِن يخرج وَأَنا بَين ظهرانيكم فَأَنا حجيج لكل مُسلم وَإِن يخرج من بعدِي فَكل حجيج نَفسه وَالله خليفتي على كل مُسلم وَأَنه يخرج من خلة بَين الشَّام وَالْعراق فيعيث يَمِينا ويعيث شمالاً يَا عباد الله فاثبتوا وَإِنِّي سأصفه لكم صفة لم يصفها إِيَّاه نَبِي قبلي
إِنَّه يبْدَأ فَيَقُول: أَنا نَبِي وَلَا نَبِي بعدِي ثمَّ يثني فَيَقُول: أَنا ربكُم وَلَا ترَوْنَ ربكُم حَتَّى تَمُوتُوا وَإنَّهُ أَعور وَإِن ربكُم عز وَجل لَيْسَ بأعور وَإنَّهُ مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ كَافِر يقرأه كل مُؤمن كَاتب وَغير كَاتب وَإِن من فتنته أَن مَعَه جنَّة وَنَارًا فناره جنَّة وجنته نَار فَمن ابْتُلِيَ بناره فليستعن بِاللَّه وليقرأ فواتح الْكَهْف فَتكون عَلَيْهِ بردا وَسلَامًا كَمَا كَانَت النَّار على إِبْرَاهِيم وَإِن من فتنته أَن يَقُول لأعرابي: أَرَأَيْت إِن بعثت لَك أَبَاك وأمك أَتَشهد أَنِّي رَبك فَيَقُول لَهُ: نعم
فيمثل لَهُ شيطانان فِي صُورَة أَبِيه وَأمه فَيَقُولَانِ: يَا بني اتبعهُ فَإِنَّهُ رَبك
وَإِن من فتنته أَن يُسَلط على نفس وَاحِدَة فيقتلها ينشرها بِالْمِنْشَارِ حَتَّى يلقى شقتين ثمَّ يَقُول: انْظُرُوا إِلَى عَبدِي هَذَا فَإِنِّي أبعثه الْآن ثمَّ يزْعم أَن لَهُ رَبًّا غَيْرِي فيبعثه الله فَيَقُول لَهُ الْخَبيث: من رَبك فَيَقُول: رَبِّي الله وَأَنت عدوّ الله الدَّجَّال وَالله مَا كنت أَشد بَصِيرَة بك مني الْيَوْم
وَإِن من فتنته أَن يَأْمر السَّمَاء أَن تمطر فتمطر وَيَأْمُر الأَرْض أَن تنْبت وَإِن من فتنته أَن يمر بالحي فيكذبونه فَلَا يبْقى لَهُم سَائِمَة إِلَّا هَلَكت وَإِن من فتنته أَن يمر بالحي فيصدقونه فيأمر السَّمَاء أَن تمطر وَيَأْمُر الأَرْض أَن تنْبت فتنبت حَتَّى تروح مَوَاشِيهمْ من يومهم ذَلِك أسمن مَا كَانَت وأعظمه وأمده خواصر وادره ضروعاً وَأَنه لَا يبْقى من الأَرْض شَيْء إِلَّا وَطئه وَظهر عَلَيْهِ إِلَّا مَكَّة وَالْمَدينَة فَإِنَّهُ لَا يَأْتِيهَا من نقب من نقابها إِلَّا لَقيته الْمَلَائِكَة بِالسُّيُوفِ صلته حَتَّى ينزل عِنْد الظريب الْأَحْمَر عِنْد مُنْقَطع السبخة فترجف الْمَدِينَة بِأَهْلِهَا ثَلَاث رجفات فَلَا يبْقى مُنَافِق وَلَا منافقة إِلَّا خرج إِلَيْهِ فتنقي الْخبث مِنْهَا كَمَا ينقي الْكِير خبث الْحَدِيد ويدعى ذَلِك الْيَوْم يَوْم الْخَلَاص
فَقَالَت أم شريك بنت أبي الْعَسْكَر: يَا رَسُول الله فَأَيْنَ الْعَرَب يَوْمئِذٍ قَالَ:(2/740)
هم قَلِيل وجلهم بِبَيْت الْمُقَدّس وإمامهم رجل صَالح فَبَيْنَمَا إمَامهمْ قد تقدم يُصَلِّي الصُّبْح إِذْ نزل عَلَيْهِم عِيسَى بن مَرْيَم الصُّبْح فَرجع ذَلِك الإِمَام يمشي الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّم عِيسَى يُصَلِّي فَيَضَع عِيسَى يَده بَين كَتفيهِ ثمَّ يَقُول لَهُ تقدم فصل فَإِنَّهَا لَك أُقِيمَت فَيصَلي بهم إمَامهمْ فَإِذا انْصَرف قَالَ عِيسَى: أقِيمُوا الْبَاب فَيفتح ووراءه الدَّجَّال مَعَه سَبْعُونَ ألف يَهُودِيّ كلهم ذُو سيف محلى وساج فَإِذا نظر إِلَيْهِ الدَّجَّال ذاب كَمَا يذوب الْملح فِي المَاء وينطلق هَارِبا وَيَقُول عِيسَى: إِن لي فِيك ضَرْبَة لن تسبقني بهَا فيدركه عِنْد بَاب لدّ الشَّرْقِي فيقتله فيهزم الله الْيَهُود فَلَا يبْقى شَيْء مَا خلق الله يتَوَارَى بِهِ يَهُودِيّ إِلَّا أنطق الله الشَّيْء لَا حجر وَلَا شجر وَلَا دَابَّة وَلَا حَائِط إِلَّا الغرقدة فَإِنَّهَا من شجرهم لَا تنطق إِلَّا قَالَت: يَا عبد الله الْمُسلم هَذَا يَهُودِيّ فتعال فاقتله
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَإِن أَيَّامه أَرْبَعُونَ سنة السّنة كَنِصْف السّنة وَالسّنة كالشهر والشهر كَالْجُمُعَةِ وَآخر أَيَّامه كالشررة يصبح أحدكُم على بَاب الْمَدِينَة فَلَا يبلغ بهَا الآخر حَتَّى يُمْسِي فَقيل لَهُ: يَا رَسُول الله كَيفَ نصلي فِي تِلْكَ الْأَيَّام الْقصار قَالَ: تقدرون فِيهَا للصَّلَاة كَمَا تقدرون فِي هَذِه الْأَيَّام الطوَال ثمَّ صلوا
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيَكُونن عِيسَى بن مَرْيَم فِي أمتِي حكما عدلا وإماماً مقسطاً يدق الصَّلِيب ويذبح الْخِنْزِير وَيَضَع الْجِزْيَة وَيتْرك الصَّدَقَة فَلَا يسْعَى على شَاة وَلَا بعير وترفع الشحناء والتباغض وتنزع حمة كل ذَات حمة حَتَّى يدْخل الْوَلِيد يَده فِي فِي الْحَيَّة فَلَا تضره وينفر الْوَلِيد الْأسد فَلَا يضرّهُ وَيكون الذِّئْب فِي الْغنم كَأَنَّهُ كلبها وتملأ الأَرْض من الْمُسلم كَمَا يمْلَأ الْإِنَاء من الأناء وَتَكون الْكَلِمَة وَاحِدَة فَلَا يعبد إِلَّا الله وتضع الْحَرْب أَوزَارهَا وتسلب قُرَيْش ملكهَا وَتَكون الأَرْض كثاثور الْفضة تنْبت نباتها كعهد آدم حَتَّى يجْتَمع النَّفر على القطف من الْعِنَب يشبعهم ويجتمع النَّفر على الرمانة فتشبعهم وَيكون الثور بِكَذَا وَكَذَا من المَال وَيكون الْفرس بالدريهمات
قيل: يَا رَسُول الله وَمَا يرخص الْفرس قَالَ: لَا يركب لِحَرْب أبدا
قيل لَهُ: فَمَا يغلي الثور قَالَ: لحرث الأَرْض كلهَا
وَإِن قبل خرج الدَّجَّال ثَلَاث سنوات شَدَّاد يُصِيب النَّاس فِيهَا جوع شَدِيد يَأْمر الله السَّمَاء أَن تحبس ثلث مطرها وَيَأْمُر الأَرْض أَن تحبس ثلث نباتها ثمَّ يَأْمر السَّمَاء فِي السّنة الثَّانِيَة فتحبس ثُلثي(2/741)
مطرها وَيَأْمُر الأَرْض فتحبس ثُلثي نباتها ثمَّ يَأْمر السَّمَاء فِي السّنة الثَّالِثَة فتحبس مطرها كُله فَلَا تقطر قَطْرَة وَيَأْمُر الأَرْض فتحبس نباتها كُله فَلَا تنْبت خضراء فَلَا تبقي ذَات ظلف إِلَّا هَلَكت إِلَّا مَا شَاءَ الله
قيل: فَمَا يعِيش النَّاس فِي ذَلِك الزَّمَان قَالَ: التهليل وَالتَّكْبِير وَالتَّسْبِيح والتحميد وَيجْرِي ذَلِك عَلَيْهِم مجْرى الطَّعَام
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي يُقَاتلُون على الْحق ظَاهِرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: فَينزل عِيسَى بن مَرْيَم فَيَقُول أَمِيرهمْ: تعال صلِّ بِنَا
فَيَقُول: لَا إِن بَعْضكُم على بعض أَمِير تكرمه الله هَذِه الْأمة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أَوْس بن أَوْس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ينزل عِيسَى بن مَرْيَم عِنْد المنارة الْبَيْضَاء فِي دمشق
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ: بَعَثَنِي خَالِد بن الْوَلِيد بشيراً إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم مُؤْتَة فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ قلت: يَا رَسُول الله فَقَالَ: على رسلك يَا عبد الرَّحْمَن أَخذ اللِّوَاء زيد ابْن حَارِثَة فقاتل حَتَّى قتل رحم الله زيدا ثمَّ أَخذ اللِّوَاء جَعْفَر فقاتل فَقتل رحم الله جعفراً ثمَّ أَخذ اللِّوَاء عبد الله بن رَوَاحَة فقاتل فَقتل رحم الله عبد الله ثمَّ أَخذ اللِّوَاء خَالِد فَفتح الله لخَالِد فَخَالِد سيف من سيوف الله فَبكى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم حوله فَقَالَ: مَا يبكيكم قَالُوا: وَمَا لنا لَا نبكي وَقد قتل خيارنا وَأَشْرَافنَا وَأهل الْفضل منا فَقَالَ: لَا تبكوا فَإِنَّمَا مَثل أمتِي مثل حديقة قَامَ عَلَيْهَا صَاحبهَا فاجتث زواكيها وهيأ مساكنها وَحلق سعفها فأطعمت عَاما فوجا ثمَّ عَاما فوجا ثمَّ عَاما فوجا فَلَعَلَّ آخرهَا طعماً يكون أَجودهَا قنواناً وأطولها شمراخاً وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ليجدن ابْن مَرْيَم فِي أمتِي خلفا من حواريه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الرَّحْمَن بن جُبَير بن نفير الْحَضْرَمِيّ عَن أَبِيه قَالَ: لما اشْتَدَّ جزع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من قتل يَوْم مُؤْتَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليدركن الدَّجَّال من هَذِه الْأمة قوما مثلكُمْ أَو خيرا مِنْكُم ثَلَاث مَرَّات وَلنْ يخزي الله أمة أَنا أَولهَا وَعِيسَى بن مَرْيَم آخرهَا قَالَ الذَّهَبِيّ: مُرْسل وَهُوَ خبر مُنكر(2/742)
وَأخرج الْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سيدرك رجال من أمتِي عِيسَى بن مَرْيَم وَيشْهدُونَ قتال الدَّجَّال
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليهبطن ابْن مَرْيَم حكما عدلا واماماً مقسطاً وليسلكن فجاً حاجّاً أَو مُعْتَمِرًا وليأتين قَبْرِي حَتَّى يسلِّم عليَّ ولأردن عَلَيْهِ
يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: أَي بني أخي إِن رَأَيْتُمُوهُ فَقولُوا: أَبُو هُرَيْرَة يُقْرِئك السَّلَام
وَأخرج الْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أدْرك مِنْكُم عِيسَى بن مَرْيَم فَلْيُقْرئْهُ مني السَّلَام
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: يلبث عِيسَى بن مَرْيَم فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة لَو يَقُول للبطحاء سيلي عسلاً لسالت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن مجمع بن جَارِيَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ليقْتلن ابْن مَرْيَم الدَّجَّال بِبَاب لدّ
وَأخرج أَحْمد عَن ثَوْبَان عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عصابتان من أمتِي أحرزهم الله من النَّار: عِصَابَة تغزو الْهِنْد وعصابة تكون مَعَ عِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن مُحَمَّد بن يُوسُف بن عبد الله بن سَلام عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة صفة مُحَمَّد وَعِيسَى بن مَرْيَم يدْفن مَعَه
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: يدْفن عِيسَى بن مَرْيَم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصاحبيه فَيكون قَبره رَابِعا
الْآيَتَانِ 160 - 161(2/743)
فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ طَيّبَات كَانَت أحل لَهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {فبظلم من الَّذين هادوا حرَّمنا عَلَيْهِم طَيّبَات أحلّت لَهُم}(2/743)
قَالَ: عُوقِبَ الْقَوْم بظُلْم ظلموه وبغي بغوه فَحرمت عَلَيْهِم أَشْيَاء ببغيهم وظلمهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {وبصدهم عَن سَبِيل الله كثيرا} قَالَ: أنفسهم وَغَيرهم عَن الْحق
الْآيَة 162(2/744)
لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَكِن الراسخون فِي الْعلم مِنْهُم} قَالَ: اسْتثْنى الله مِنْهُم فَكَانَ مِنْهُم من يُؤمن بِاللَّه وَمَا أُنزل عَلَيْهِم وَمَا أُنزل على نَبِي الله يُؤمنُونَ بِهِ ويصدقون بِهِ ويعلمون أَنه الْحق من رَبهم
وَأخرج ابْن إِسْحَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَكِن الراسخون فِي الْعلم مِنْهُم} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن سَلام وَأسيد بن سعية وثعلبة بن سعية حِين فارقوا يهود وَأَسْلمُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر عَن الزبير بن خَالِد قَالَ: قلت لأَبَان بن عُثْمَان بن عَفَّان: مَا شَأْنهَا كتبت {لَكِن الراسخون فِي الْعلم مِنْهُم والمؤمنون يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك والمقيمين الصَّلَاة والمؤتون الزَّكَاة} مَا بَين يَديهَا وَمَا خلفهَا رفع وَهِي نصب قَالَ: إِن الْكَاتِب لما كتب {لَكِن الراسخون} حَتَّى إِذا بلغ قَالَ: مَا أكتب قيل لَهُ: اكْتُبْ {والمقيمين الصَّلَاة} فَكتب مَا قيل لَهُ
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة قَالَ: سَأَلت عَائِشَة عَن لحن الْقُرْآن (إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصائبون) (الْمَائِدَة الْآيَة 69) {والمقيمين الصَّلَاة والمؤتون الزَّكَاة} وَإِن هَذَانِ(2/744)
لساحران) (طه الْآيَة 63) فَقَالَت: يَا ابْن أُخْتِي هَذَا عمل الْكتاب أخطأوا فِي الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: فِي الْقُرْآن أَرْبَعَة أحرف
الصائبون والمقيمين (فأصَّدَّق وأكن من الصَّالِحين) (المُنَافِقُونَ الْآيَة 10) (وَإِن هَذَانِ لساحران) (طه الْآيَة 63)
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عبد الْأَعْلَى بن عبد الله بن عَامر الْقرشِي قَالَ: لما فرغ من الْمُصحف أَتَى بِهِ عُثْمَان فَنظر فِيهِ فَقَالَ: قد أَحْسَنْتُم وَأَجْمَلْتُمْ أرى شَيْئا من لحن ستقيمه الْعَرَب بألسنتها قَالَ ابْن أبي دَاوُد: هَذَا عِنْدِي يَعْنِي بلغتهَا فِينَا وَإِلَّا فَلَو كَانَ فِيهِ لحن لَا يجوز فِي كَلَام الْعَرَب جَمِيعًا لما استجاز أَن يبْعَث إِلَى قوم يقرأونه
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما أَتَى عُثْمَان بالمصحف رأى فِيهِ شَيْئا من لحن فَقَالَ: لَو كَانَ المملي من هُذَيْل وَالْكَاتِب من ثَقِيف لم يُوجد فِيهِ هَذَا
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن قَتَادَة أَن عُثْمَان لما رفع إِلَيْهِ الْمُصحف قَالَ: إِن فِيهِ لحناً وستقيمه الْعَرَب بألسنتها
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن يحيى بن يعمر قَالَ: قَالَ عُثْمَان: إِن فِي الْقُرْآن لحناً وستقيمه الْعَرَب بألسنتها
الْآيَة 163(2/745)
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163)
أخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ سكين وعدي بن زيد: يَا مُحَمَّد مَا نعلم الله أنزل على بشر من شَيْء بعد مُوسَى
فَأنْزل الله فِي ذَلِك {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك} إِلَى آخر الْآيَات
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن خَيْثَم فِي قَوْله {إِنَّا أَوْحَينَا إِلَيْك كَمَا أَوْحَينَا إِلَى نوح والنبيين من بعده} قَالَ: أوحى إِلَيْهِ كَمَا أوحى إِلَى جَمِيع النَّبِيين من قبله(2/745)
الْآيَة 164(2/746)
وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)
أخرج عبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله كم الْأَنْبِيَاء قَالَ: مائَة ألف نَبِي وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا
قلت: يَا رَسُول الله كم الرُّسُل مِنْهُم قَالَ: ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر جم غفير
قَالَ: يَا أَبَا ذَر أَرْبَعَة سريانيون: آدم وشيث ونوح وخنوخ وَهُوَ إِدْرِيس وَهُوَ أوّل من خطّ بقلم وَأَرْبَعَة من الْعَرَب: هود وَصَالح وَشُعَيْب وَنَبِيك وأوّل نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل مُوسَى وَآخرهمْ عِيسَى وأوّل النَّبِيين آدم وَآخرهمْ نبيك أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات وهما فِي طرفِي نقيض وَالصَّوَاب أَنه ضَعِيف لَا صَحِيح وَلَا مَوْضُوع كَمَا بَينته فِي مُخْتَصر الموضوعات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قلت: يَا نَبِي الله كم الْأَنْبِيَاء قَالَ: مائَة ألف وَأَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألفا الرُّسُل من ذَلِك ثَلَاثمِائَة وَخَمْسَة عشر جماً غفيراً
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَانَ فِيمَن خلا من اخواني من الْأَنْبِيَاء ثَمَانِيَة آلَاف نَبِي ثمَّ كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم ثمَّ كنت أَنا بعده
وَأخرج الْحَاكِم بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ثَمَانِيَة آلَاف من الْأَنْبِيَاء مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف من بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ فِي قَوْله {ورسلاً لم نقصصهم عَلَيْك} قَالَ: بعث الله نَبيا عبدا حَبَشِيًّا فَهُوَ مِمَّا مَا لم يقصصه على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِي لفظ: بعث نَبِي من الْحَبَش
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن كَعْب الْأَحْبَار قَالَ: إِن الله أنزل على آدم عَلَيْهِ السَّلَام عصياً بِعَدَد الْأَنْبِيَاء الْمُرْسلين ثمَّ أقبل على ابْنه شِيث فَقَالَ: أَي بني أَنْت خليفتي من بعدِي فَخذهَا بعمارة التَّقْوَى والعروة الوثقى وَكلما ذكرت اسْم الله تَعَالَى فاذكر(2/746)
إِلَى جنبه اسْم مُحَمَّد فَإِنِّي رَأَيْت اسْمه مَكْتُوبًا على سَاق الْعَرْش وَأَنا بَين الرّوح والطين ثمَّ إِنِّي طفت السَّمَوَات فَلم أرَ فِي السَّمَوَات موضعا إِلَّا رَأَيْت اسْم مُحَمَّد مَكْتُوبًا عَلَيْهِ وَإِن رَبِّي أسكنني الْجنَّة فَلم أرَ فِي الْجنَّة قصراً وَلَا غرفَة إِلَّا رَأَيْت اسْم مُحَمَّد مَكْتُوبًا عَلَيْهِ وَلَقَد رَأَيْت اسْم مُحَمَّد مَكْتُوبًا على نحور الْحور الْعين وعَلى ورق قصب آجام الْجنَّة وعَلى ورق شَجَرَة طُوبَى وعَلى ورق سِدْرَة الْمُنْتَهى وعَلى أَطْرَاف الْحجب وَبَين أعين الْمَلَائِكَة فَأكْثر ذكره فَإِن الْمَلَائِكَة تذكره فِي كل ساعاتها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق أبي يُونُس عَن سماك بن حَرْب عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا من بني عبس يُقَال لَهُ خَالِد بن سِنَان قَالَ لِقَوْمِهِ: إِنِّي أطفىء عَنْكُم نَار الْحدثَان
فَقَالَ لَهُ عمَارَة بن زِيَاد رجل من قومه: وَالله مَا قلت لنا يَا خَالِد قطّ إِلَّا حَقًا فَمَا شَأْنك وشأن نَار الْحدثَان تزْعم أَنَّك تطفئها قَالَ: فَانْطَلق وَانْطَلق مَعَه عمَارَة فِي ثَلَاثِينَ من قومه حَتَّى أتوها وَهِي تخرج من شن جبل من حرَّة يُقَال لَهَا حرَّة أَشْجَع فَخط لَهُم خَالِد خطة فاجلسهم فِيهَا فَقَالَ: إِن أَبْطَأت عَلَيْكُم فَلَا تَدعُونِي باسمي فَخرجت كَأَنَّهَا خيل شقر يتبع بَعْضهَا بَعْضًا فَاسْتَقْبلهَا خَالِد فَجعل يضْربهَا بعصاه وَهُوَ يَقُول: بدا بدا بدا كل هدي زعم ابْن راعية المعزى أَنِّي لَا أخرج مِنْهَا وثيابي تندى حَتَّى دخل مَعهَا الشق فابطأ عَلَيْهِم فَقَالَ عمَارَة: وَالله لَو كَانَ صَاحبكُم حَيا لقد خرج إِلَيْكُم
فَقَالُوا: إِنَّه قد نَهَانَا أَن نَدْعُوهُ باسمه قَالَ: فَقَالَ: فَادعوهُ باسمه - فو الله - لَو كَانَ صَاحبكُم حَيا لقد خرج إِلَيْكُم فَدَعوهُ باسمه فَخرج إِلَيْهِم بِرَأْسِهِ فَقَالَ: ألم أنهكم أَن تَدعُونِي باسمي - قد وَالله - قتلتموني فادفنوني فَإِذا مرت بكم الْحمر فِيهَا حمَار ابتر فانبشوني فَإِنَّكُم ستجدوني حَيا
فدفنوه فمرت بهم الْحمر فِيهَا حمَار ابتر فَقَالُوا: انبشوه فَإِنَّهُ أمرنَا أَن ننبشه
فَقَالَ لَهُم عمَارَة: لَا تحدث مُضر اننا ننبش مَوتَانا وَالله لَا تنبشوه أبدا وَقد كَانَ خَالِد أخْبرهُم أَن فِي عُكَن امْرَأَته لوحين فَإِذا أشكل عَلَيْكُم أَمر فانظروا فيهمَا فَإِنَّكُم سَتَرَوْنَ مَا تساءلون عَنهُ وَقَالَ: لَا تمسها حَائِض فَلَمَّا رجعُوا إِلَى امْرَأَته سألوها عَنْهُمَا فأخرجتهما وَهِي حَائِض فَذهب مَا كَانَ فيهمَا من علم وَقَالَ أَبُو يُونُس: قَالَ سماك بن حَرْب: سُئِلَ عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ذَاك نَبِي أضاعه قومه وَإِن ابْنه أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مرْحَبًا بِابْن أخي قَالَ(2/747)
الْحَاكِم: صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ فَإِن أَبَا يُونُس هُوَ حَاتِم بن أبي صَغِيرَة وَقَالَ الذَّهَبِيّ مُنكر
وَأخرج ابْن سعد وَالزُّبَيْر بن بكار فِي الموفقيات وَابْن عَسَاكِر عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: أول نَبِي بَعثه الله فِي الأَرْض ادريس وَهُوَ اخنوخ بن يرد وَهُوَ يارد ابْن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شِيث بن آدم ثمَّ انْقَطَعت الرُّسُل حَتَّى بعث نوح بن لمك بن متوشلخ بن اخنوخ بن يارد وَقد كَانَ سَام بن نوح نَبيا ثمَّ انْقَطَعت الرُّسُل حَتَّى بعث الله إِبْرَاهِيم نَبيا وَهُوَ إِبْرَاهِيم بن تارح وتارح هُوَ آزر بن ناحور بن شاروخ بن ارغو بن فالغ وفالغ هُوَ فالخ وَهُوَ الَّذِي قسم الأَرْض ابْن عَابِر بن شالخ بن أرفخشد بن سَام بن نوح ثمَّ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم فَمَاتَ بِمَكَّة وَدفن بهَا ثمَّ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم مَاتَ بِالشَّام وَلُوط بن هاران بن تارح وَإِبْرَاهِيم عَمه هُوَ ابْن أخي إِبْرَاهِيم ثمَّ إِسْرَائِيل وَهُوَ يَعْقُوب بن إِسْحَاق ثمَّ يُوسُف بن يَعْقُوب ثمَّ شُعَيْب بن بوبب ابْن عنقاء بن مَدين بن إِبْرَاهِيم ثمَّ هود بن عبد الله بن الخلود بن عَاد بن عوص بن أرم بن سَام بن نوح ثمَّ صَالح بن آسَف بن كماشج بن اروم بن ثَمُود بن جَابر بن أرم بن سَام بن نوح ثمَّ مُوسَى وَهَارُون ابْنا عمرَان بن فاهت ابْن لاوي بن يَعْقُوب ثمَّ أَيُّوب بن رازخ بن أُمُور بن ليغزر بن الْعيص ثمَّ دَاوُد بن إيشا بن عُوَيْد بن ناخر بن سَلمُون بن بخشون بن عنادب بن رام ابْن خصرون بن يهود بن يَعْقُوب ثمَّ سُلَيْمَان بن دَاوُد ثمَّ يُونُس بن مَتى من سبط بنيامين بن يَعْقُوب ثمَّ اليسع من سبط روبيل بن يَعْقُوب والياس بن بشير بن العاذر بن هَارُون بن عمرَان وَذَا الكفل اسْمه عويدياً من سبط يهود بن يَعْقُوب وَبَين مُوسَى بن عمرَان وَبَين مَرْيَم بنت عمرَان أم عِيسَى ألف سنة وَسَبْعمائة سنة وليسا من سبط ثمَّ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكل نَبِي ذكر فِي الْقُرْآن من ولد إِبْرَاهِيم غير إِدْرِيس ونوح وَلُوط وَهود وَصَالح وَلم يكن من الْعَرَب أَنْبيَاء إِلَّا خَمْسَة: هود وَصَالح وَإِسْمَاعِيل وَشُعَيْب وَمُحَمّد وَإِنَّمَا سموا عربا لِأَنَّهُ لم يتَكَلَّم أحد من الْأَنْبِيَاء بِالْعَرَبِيَّةِ غَيرهم فَلذَلِك سموا عربا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل الْأَنْبِيَاء من بني إِسْرَائِيل إِلَّا عشرَة: نوح وَهود وَصَالح وَلُوط وَإِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَإِسْمَاعِيل وَيَعْقُوب وَشُعَيْب وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن نَبِي لَهُ اسمان إِلَّا عِيسَى وَيَعْقُوب فيعقوب إِسْرَائِيل وَعِيسَى الْمَسِيح(2/748)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ بَين آدم ونوح ألف سنة وَبَين نوح وَإِبْرَاهِيم ألف سنة وَبَين إِبْرَاهِيم ومُوسَى ألف سنة وَبَين مُوسَى وَعِيسَى أَرْبَعمِائَة سنة وَبَين عِيسَى وَمُحَمّد سِتّمائَة سنة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانَ بَين مُوسَى وَعِيسَى ألف نَبِي
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عمر آدم ألف سنة
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَبَين آدم وَبَين نوح ألف سنة وَبَين نوح وَإِبْرَاهِيم ألف سنة وَبَين إِبْرَاهِيم وَبَين مُوسَى سَبْعمِائة سنة وَبَين مُوسَى وَعِيسَى ألف وَخَمْسمِائة سنة وَبَين عِيسَى وَنَبِينَا سِتّمائَة سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن وَائِل بن دَاوُد فِي قَوْله {وكلم الله مُوسَى تكليماً} قَالَ: مرَارًا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الْجَبَّار بن عبد الله قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى أبي بكر بن عَيَّاش فَقَالَ: سَمِعت رجلا يقْرَأ {وكلم الله مُوسَى تكليماً} فَقَالَ: مَا قَالَ هَذَا إِلَّا كَافِر قَرَأت على الْأَعْمَش وَقَرَأَ الْأَعْمَش على يحيى بن وثاب وَقَرَأَ يحيى بن وثاب على أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَقَرَأَ أَبُو عبد الرَّحْمَن على عَليّ بن أبي طَالب وَقَرَأَ عَليّ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وكلم الله مُوسَى تكليماً} قَالَ الهيثمي: وَرِجَاله ثِقَات غير أَن عبد الْجَبَّار لم أعرفهُ وَالَّذِي روى عَن ابْن عَبَّاس أَحْمد بن عبد الْجَبَّار بن مَيْمُون وَهُوَ ضَعِيف
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن ثَابت قَالَ: لما مَاتَ مُوسَى بن عمرَان جالت الْمَلَائِكَة فِي السَّمَوَات بَعْضهَا إِلَى بعض واضعي أَيْديهم على خدودهم ينادون مَاتَ مُوسَى كليم الله فَأَي الْخلق لَا يَمُوت
الْآيَة 165(2/749)
رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)
أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا أحد أغير من الله من أجل ذَلِك حرَّم الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَلَا أحد أحب إِلَيْهِ الْمَدْح من الله من أجل ذَلِك مدح(2/749)
نَفسه وَلَا أحد أحب إِلَيْهِ الْعذر من الله من أجل ذَلِك بعث النَّبِيين مبشرين ومنذرين
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم والحكيم التِّرْمِذِيّ عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا شخص أحب إِلَيْهِ الْعذر من الله وَلذَلِك بعث الرُّسُل مبشرين ومنذرين وَلَا شخص أحب إِلَيْهِ الْمَدْح من الله وَلذَلِك وعد الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} فيقولوا: مَا أرسلتَ إِلَيْنَا رَسُولا
الْآيَات 166 - 170(2/750)
لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (166) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا (167) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (169) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)
أخرج ابْن إِسْحَاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: دخل جمَاعَة من الْيَهُود على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم: إِنِّي وَالله أعلم أَنكُمْ تعلمُونَ أَنِّي رَسُول الله فَقَالُوا: مَا نعلم ذَلِك
فَأنْزل الله {لَكِن الله يشْهد} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَكِن الله يشْهد} الْآيَة
قَالَ: شُهُود وَالله غير متهمة(2/750)
الْآيَة 171(2/751)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (171)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا تغلوا} قَالَ: لَا تبتدعوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم} قَالَ: كَلمته إِن قَالَ: كن فَكَانَ
وَأخرج عبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي مُوسَى
أَن النَّجَاشِيّ قَالَ لجَعْفَر: مَا يَقُول صَاحبك فِي ابْن مَرْيَم قَالَ: يَقُول فِيهِ قَول الله: روح الله وكلمته أخرجه من البتول الْعَذْرَاء لم يقربهَا بشر فَتَنَاول عوداً من الأَرْض فرفعه فَقَالَ: يَا معشر القسيسين والرهبان مَا يزِيد هَؤُلَاءِ على مَا تَقولُونَ فِي ابْن مَرْيَم مَا يزن هَذِه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: بعثنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّجَاشِيّ وَنحن ثَمَانُون رجلا ومعنا جَعْفَر بن أبي طَالب وَبعثت قُرَيْش عمَارَة وَعَمْرو بن الْعَاصِ ومعهما هَدِيَّة إِلَى النَّجَاشِيّ فَلَمَّا دخلا عَلَيْهِ سجدا لَهُ وبعثا إِلَيْهِ بالهدية وَقَالا: إِن نَاسا من قَومنَا رَغِبُوا عَن ديننَا وَقد نزلُوا أَرْضك فَبعث إِلَيْهِم حَتَّى دخلُوا عَلَيْهِ فَلم يسجدوا لَهُ فَقَالُوا: مَا لكم لم تسجدوا للْملك فَقَالَ جَعْفَر: إِن الله بعث إِلَيْنَا نبيه فَأمرنَا أَن لَا نسجد إِلَّا لله
فَقَالَ عَمْرو بن الْعَاصِ: إِنَّهُم يخالفونك فِي عِيسَى وَأمه
قَالَ: فَمَا يَقُولُونَ فِي عِيسَى وَأمه قَالُوا: نقُول كَمَا قَالَ الله: هُوَ روح الله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاء البتول الَّتِي لم يمسسها بشر فَتَنَاول النَّجَاشِيّ عوداً فَقَالَ: يَا معشر القسيسين والرهبان مَا تزيدون على مَا يَقُول هَؤُلَاءِ مَا يزن هَذِه مرْحَبًا بكم وبمن جئْتُمْ من عِنْده فَأَنا أشهد أَنه نَبِي ولوددت أَنِّي عِنْده فأحتمل نَعْلَيْه فانزلوا حَيْثُ شِئْتُم من أرضي(2/751)
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى بن مَرْيَم فَإِنَّمَا أَنا عبد فَقولُوا: عبد الله وَرَسُوله
وَأخرج مُسلم عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من شهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن عِيسَى عبد الله وَرَسُوله وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وروح مِنْهُ وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق أدخلهُ الله من أَبْوَاب الْجنَّة الثَّمَانِية من أَيهَا شَاءَ على مَا كَانَ من الْعَمَل
الْآيَتَانِ 172 - 173(2/752)
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (172) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (173)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لن يستنكف} قَالَ: لن يستكبر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية والإسماعيلي فِي مُعْجَمه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فيوفِّيهم أُجُورهم ويزيدهم من فَضله} قَالَ {أُجُورهم} يدخلهم الْجنَّة {ويزيدهم من فَضله} الشَّفَاعَة فِيمَن وَجَبت لَهُم النَّار مِمَّن صنع إِلَيْهِم الْمَعْرُوف فِي الدِّينَا وَالله سُبْحَانَهُ أعلم
الْآيَتَانِ 174 - 175(2/752)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (175)
أخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه كَانَ إِذا تحرّك من اللَّيْل قَالَ {يَا أَيهَا النَّاس قد جَاءَكُم برهَان من ربكُم وأنزلنا إِلَيْكُم نورا مُبينًا}
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أَبِيه عَن رجل لَا يحفظ اسْمه فِي قَوْله {قد جَاءَكُم برهَان من ربكُم} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وأنزلنا إِلَيْكُم نورا مُبينًا} قَالَ: الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {برهَان من ربكُم} قَالَ: حجَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد جَاءَكُم برهَان من ربكُم} قَالَ: بيِّنة {وأنزلنا إِلَيْكُم نورا مُبينًا} قَالَ: هَذَا الْقُرْآن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {واعتصموا بِهِ} قَالَ: الْقُرْآن
الْآيَة 176(2/753)
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (176)
أخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَرِيض لَا أَعقل فَتَوَضَّأ ثمَّ صب عليَّ فعقلت فَقلت إِنَّه لَا يَرِثنِي إِلَّا كَلَالَة فَكيف الْمِيرَاث فَنزلت آيَة الْفَرَائِض
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي حَاتِم عَن جَابر قَالَ: أنزلت فِي {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة}
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ تورث الْكَلَالَة فَأنْزل الله {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} إِلَى آخرهَا
فَكَأَن عمر لم يفهم فَقَالَ لحفصة: إِذا رَأَيْت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طيب نفس فسليه عَنْهَا(2/753)
فرأت مِنْهُ طيب نفس فَسَأَلته فَقَالَ: أَبوك ذكر لَك هَذَا مَا أرى أَبَاك يعلمهَا فَكَانَ عمر يَقُول مَا أَرَانِي أعلمها وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن مرْدَوَيْه عَن طَاوس أَن عمر أَمر حَفْصَة أَن تسْأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكَلَالَة فَسَأَلته فأملاها عَلَيْهَا فِي كتف وَقَالَ: من أَمرك بِهَذَا أعمر
مَا أرَاهُ يقيمها أَو مَا تكفيه آيَة الصَّيف قَالَ سُفْيَان: وَآيَة الصَّيف الَّتِي فِي النِّسَاء (وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة) (النِّسَاء الْآيَة 12) فَلَمَّا سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت الْآيَة الَّتِي فِي خَاتِمَة النِّسَاء
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر قَالَ: مَا سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيْء أَكثر مَا سَأَلته عَن الْكَلَالَة حَتَّى طعن بِأُصْبُعِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: تكفيك آيَة الصَّيف الَّتِي فِي آخر سُورَة النِّسَاء
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن الْكَلَالَة فَقَالَ: تكفيك آيَة الصَّيف
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن الْكَلَالَة فَقَالَ: أما سَمِعت الْآيَة الَّتِي أنزلت فِي الصَّيف {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} فَمن لم يتْرك ولدا وَلَا والداً فورثته كَلَالَة
وَأخرجه الْحَاكِم مَوْصُولا عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمر قَالَ: ثَلَاث وددت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عهد إِلَيْنَا فِيهِنَّ عهدا ننتهي إِلَيْهِ: الْجد والكلالة وأبواب من أَبْوَاب الرِّبَا
وَأخرج أَحْمد عَن عمر قَالَ: سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكَلَالَة فَقَالَ: تكفيك آيَة الصَّيف فَلِأَن أكون سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهَا أحب إليَّ من أَن يكون لي حمر النعم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والعدني وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن عمر قَالَ: لِأَن أكون سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ثَلَاث أحب إليَّ من حُمُرِ النِعَمْ: عَن الْخَلِيفَة بعده وَعَن قوم قَالُوا: نقر بِالزَّكَاةِ من أَمْوَالنَا وَلَا نؤديها إِلَيْك أَيحلُّ قِتَالهمْ وَعَن الْكَلَالَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق والعدني وَابْن مَاجَه والساجي وَابْن جرير وَالْحَاكِم(2/754)
وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر قَالَ: ثَلَاث لِأَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيَّنهنَّ لنا أحب إليّ من الدِّينَا وَمَا فِيهَا: الْخلَافَة والكلالة والربا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ رجل يستفتيه فِي الْكَلَالَة أنبئني يَا رَسُول الله أكلالة الرجل يُرِيد إخْوَته من أَبِيه وَأمه فَلم يقل لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا غير أَنه قَرَأَ عَلَيْهِ آيَة الْكَلَالَة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء ثمَّ عَاد الرجل يسْأَله فَكلما سَأَلَهُ قَرَأَهَا حَتَّى أَكثر وصخب الرجل وَاشْتَدَّ صخبه من حرصه على أَن يبيِّن لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَة ثمَّ قَالَ لَهُ: إِنِّي وَالله لَا أزيدك على مَا أَعْطَيْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت آخر النَّاس عهدا بعمر فَسَمعته يَقُول: القَوْل مَا قلت
قلت: وَمَا قلت قَالَ: قلت: الْكَلَالَة من لَا ولد لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: أَخذ عمر كَتفًا وَجمع أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: لأقضين فِي الْكَلَالَة قَضَاء تحدث بِهِ النِّسَاء فِي خُدُورهنَّ فَخرجت حِينَئِذٍ حَيَّة من الْبَيْت فَتَفَرَّقُوا فَقَالَ: لَو أَرَادَ الله أَن يتم هَذَا الْأَمر لأتمه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر كتب فِي الْجد والكلالة كتابا فَمَكثَ يستخير الله يَقُول: اللَّهُمَّ إِن علمت أَن فِيهِ خيرا فامضه حَتَّى إِذا طعن دَعَا بِالْكتاب فمحا وَلم يدر أحد مَا كتب فِيهِ فَقَالَ: إِنِّي كنت كتبت فِي الْجد والكلالة كتابا وَكنت أستخير الله فِيهِ فَرَأَيْت أَن أترككم على مَا كُنْتُم عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَنا أوّل من أَتَى عمر حِين طعن فَقَالَ: احفظ عني ثَلَاثًا فَإِنِّي أَخَاف أَن لَا يدركني النَّاس: أما أَنا فَلم أقض فِي الْكَلَالَة وَلم أستخلف على النَّاس خَليفَة وكل مَمْلُوك لَهُ عَتيق
وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو الْقَارِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على سعد وَهُوَ وجع مغلوب فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي مَالا وَإِنِّي أورث كَلَالَة أفأوصي بِمَالي أَو أتصدَّق بِهِ قَالَ: لَا
قَالَ: أفأوصي بثلثيه قَالَ: لَا
قَالَ: أفأوصي بشطره قَالَ: لَا
قَالَ: أفأوصي بِثُلثِهِ قَالَ: نعم وَذَاكَ كثير
وَأخرج ابْن سعد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جَابر قَالَ:(2/755)
اشتكيت فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليَّ فَقلت: يَا رَسُول الله أوصِي لأخواني بِالثُّلثِ قَالَ: أحسن
قلت: بالشطر قَالَ: أحسن ثمَّ خرج ثمَّ دخل عَليّ فَقَالَ: لَا أَرَاك تَمُوت فِي وجعك هَذَا إِن الله أنزل وبيَّن مَا لأخواتك وَهُوَ الثُّلُثَانِ فَكَانَ جَابر يَقُول: نزلت هَذِه الْآيَة فِي {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة}
وَأخرج الْعَدنِي وَالْبَزَّار فِي مسنديهما وَأَبُو الشَّيْخ فِي الْفَرَائِض بِسَنَد صَحِيح عَن حُذَيْفَة قَالَ: نزلت آيَة الْكَلَالَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسير لَهُ فَوقف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ بحذيفة فلقاه إِيَّاه فَنظر حُذَيْفَة فَإِذا عمر فلقاه إِيَّاه فَلَمَّا كَانَ فِي خلَافَة عمر نظر عمر فِي الْكَلَالَة فَدَعَا حُذَيْفَة فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ حُذَيْفَة: لقد لقانيها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلقيتك كَمَا لقاني - وَالله - لَا أزيدك على ذَلِك شَيْئا أبدا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي الْفَرَائِض عَن الْبَراء قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكَلَالَة فَقَالَ: مَا خلا الْوَلَد وَالْوَالِد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والدرامي وَابْن جرير عَن أبي الْخَيْر أَن رجلا سَأَلَ عقبَة بن عَامر عَن الْكَلَالَة فَقَالَ: أَلا تعْجبُونَ من هَذَا يسألني عَن الْكَلَالَة وَمَا أعضل بأصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء مَا أعضلت بهم الْكَلَالَة وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة والدرامي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الشّعبِيّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بكر عَن الْكَلَالَة فَقَالَ: إِنِّي سأقول فِيهَا برأيي فَإِذا كَانَ صَوَابا فَمن الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن كَانَ خطأ فمني وَمن الشَّيْطَان وَالله مِنْهُ بَرِيء أرَاهُ مَا خلا الْوَلَد وَالْوَالِد فَلَمَّا اسْتخْلف عمر قَالَ: الْكَلَالَة مَا عدا الْوَلَد فَلَمَّا طعن عمر قَالَ: إِنِّي لأَسْتَحي من الله أَن أُخَالِف أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي بكر الصّديق أَنه قَالَ: من مَاتَ لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا وَالِد فورثته كَلَالَة فَضَجَّ مِنْهُ عَليّ ثمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ: مَا رَأَيْتهمْ إِلَّا قد تواطأوا إِن الْكَلَالَة من لَا ولد لَهُ وَلَا وَالِد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة والدرامي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق الْحسن بن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْكَلَالَة قَالَ: هُوَ مَا عدا الْوَالِد وَالْولد
فَقلت لَهُ {إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد} فَغَضب وانتهرني(2/756)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْكَلَالَة: من لم يتْرك ولدا وَلَا والداً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن السميط قَالَ: كَانَ عمر يَقُول: الْكَلَالَة: مَا خلا الْوَلَد وَالْوَالِد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: الْكَلَالَة مَا كَانَ سوى الْوَالِد وَالْولد من الْوَرَثَة إخْوَة أَو غَيرهم من الْعصبَة
كَذَلِك قَالَ: عَليّ وَابْن مَسْعُود وَزيد ابْن ثَابت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْكَلَالَة: الْمَيِّت نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن معدان بن أبي طالحة الْيَعْمرِي قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: مَا أغْلظ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مَا نازعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَيْء مَا نازعته فِي آيَة الْكَلَالَة حَتَّى ضرب صَدْرِي فَقَالَ: يَكْفِيك مِنْهَا آيَة الصَّيف {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} وسأقضي فِيهَا بِقَضَاء يُعلمهُ من يقْرَأ وَمن لَا يقْرَأ هُوَ مَا خلا الرب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين قَالَ: نزلت {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسير لَهُ وَإِلَى جنبه حُذَيْفَة بن الْيَمَان فبلغها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُذَيْفَة وَبَلغهَا حُذَيْفَة عمر بن الْخطاب وَهُوَ يسير خَلفه فَلَمَّا اسْتخْلف عمر سَأَلَ عَنْهَا حُذَيْفَة وَرَجا أَن يكون عِنْده تَفْسِيرهَا فَقَالَ لَهُ حُذَيْفَة: وَالله إِنَّك لعاجز إِن ظَنَنْت أَن أمارتك تحملنِي أَن أحَدثك مَا لم أحَدثك يَوْمئِذٍ فَقَالَ عمر: لم أرد هَذَا رَحِمك الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عمر قَالَ: لِأَن أكون أعلم الْكَلَالَة أحب إليَّ من أَن يكون لي جِزْيَة قُصُور الشَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن بن مَسْرُوق عَن أَبِيه قَالَ: سَأَلت عمر وَهُوَ يخْطب النَّاس عَن ذِي قرَابَة لي ورث كَلَالَة فَقَالَ: الْكَلَالَة الْكَلَالَة الْكَلَالَة وَأخذ بلحيته ثمَّ قَالَ: وَالله لِأَن أعلمها أحب إليَّ من أَن يكون لي مَا على الأَرْض من شَيْء سَأَلت عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ألم تسمع الْآيَة الَّتِي أنزلت فِي الصَّيف فَأَعَادَهَا ثَلَاث مَرَّات(2/757)
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي سَلمَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن الْكَلَالَة فَقَالَ: ألم تسمع الْآيَة الَّتِي أنزلت فِي الصَّيف (وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة) (النِّسَاء الْآيَة 12) إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج أَحْمد بِسَنَد جيد عَن زيد بن ثَابت أَنه سُئِلَ عَن زوج وَأُخْت لأَب وَأم فَأعْطى الزَّوْج النّصْف وَالْأُخْت النّصْف فَكلم فِي ذَلِك فَقَالَ: حضرت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بذلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَالْحَاكِم عَن الْأسود قَالَ: قضى فِينَا معَاذ بن جبل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ابْنة وَأُخْت للإبنة النّصْف وَللْأُخْت النّصْف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن هزيل بن شُرَحْبِيل أَن أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ سُئِلَ عَن ابْنة وَابْنَة ابْن وَأُخْت لِأَبَوَيْنِ فَقَالَ: للْبِنْت النّصْف وَللْأُخْت النّصْف وائت ابْن مَسْعُود فيتابعني
فَسئلَ ابْن مَسْعُود وَأخْبر بقول أبي مُوسَى فَقَالَ: لقد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين اقْضِ فِيهَا بِمَا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للابنة النّصْف ولابنة الإبن السُّدس تَكْمِلَة الثُّلثَيْنِ وَمَا بَقِي فللأخت فَأَخْبَرنَاهُ بقول ابْن مَسْعُود فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الحبر فِيكُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن رجل توفّي وَترك ابْنَته وَأُخْته لِأَبِيهِ وَأمه فَقَالَ: الْبِنْت النّصْف وَلَيْسَ للْأُخْت شَيْء وَمَا بَقِي فلعصبته فَقيل: إِن عمر جعل للْأُخْت النّصْف
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أأنتم أعلم أم الله قَالَ الله {إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد وَله أُخْت فلهَا نصف مَا ترك} فقلتم أَنْتُم لَهَا النّصْف وَإِن كَانَ لَهُ ولد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: شَيْء لَا تجدونه فِي كتاب الله وَلَا فِي قَضَاء رَسُول الله وَتَجِدُونَهُ فِي النَّاس كلهم للابنة النّصْف وَللْأُخْت النّصْف وَقد قَالَ الله {إِن امْرُؤ هلك لَيْسَ لَهُ ولد وَله أُخْت فلهَا نصف مَا ترك}
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ألْحقُوا الْفَرَائِض بِأَهْلِهَا فَمَا أبقت فلأول رجل ذكر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {يستفتونك} قَالَ: سَأَلُوا نَبِي الله عَن الْكَلَالَة {يبين الله لكم أَن تضلوا} قَالَ فِي شَأْن الْمَوَارِيث(2/758)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْبَراء قَالَ: آخر سُورَة نزلت كَامِلَة (بَرَاءَة) وَآخر آيَة نزلت خَاتِمَة سُورَة النِّسَاء {يستفتونك قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة}
وَأخرج ابْن جرير وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن أَبَا بكر الصّديق قَالَ فِي خطبَته: أَلا إِن الْآيَة الَّتِي أنزلت فِي سُورَة النِّسَاء فِي شَأْن الْفَرَائِض أنزلهَا الله فِي الْوَلَد وَالْوَالِد وَالْآيَة الثَّانِيَة أنزلهَا فِي الزَّوْج وَالزَّوْجَة وَالإِخْوَة من الْأُم وَالْآيَة الَّتِي ختم بهَا سُورَة النِّسَاء أنزلهَا فِي الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم وَالْآيَة الَّتِي ختم بهَا سُورَة الْأَنْفَال أنزلهَا فِي أولي الْأَرْحَام بَعضهم أولى بِبَعْض فِي كتاب الله مِمَّا جرت بِهِ الرَّحِم من الْعصبَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير عَن أبي سعيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ركب حمارا إِلَى قبَاء يستخير فِي الْعمة وَالْخَالَة فَأنْزل الله لَا مِيرَاث لَهما
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب إِذا قَرَأَ {يبين الله لكم أَن تضلوا} قَالَ: اللَّهُمَّ من بيِّنت لَهُ الْكَلَالَة فَلم تتبيَّن لي
وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو الْقَارِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل على سعد وَهُوَ وجع وغلوب فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي مَالا وَإِنِّي أورث كَلَالَة أفأوصي بِمَالي أَو أتصدَّق بِهِ قَالَ: لَا
قَالَ: أفأوصي بثلثيه قَالَ: لَا
قَالَ: أفأوصي بشطره قَالَ: لَا
قَالَ: أفأوصي بِثُلثِهِ قَالَ: نعم وَذَاكَ كثير
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت أَن زيد بن ثَابت كتب لمعاوية رِسَالَة: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
لعبد الله مُعَاوِيَة أَمِير الْمُؤمنِينَ من زيد بن ثَابت سَلام عَلَيْك أَمِير الْمُؤمنِينَ وَرَحْمَة الله فَإِنِّي أَحْمد إِلَيْك الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أما بعد فَإنَّك كتبت تَسْأَلنِي عَن مِيرَاث الْجد وَالإِخْوَة وَإِن الْكَلَالَة وَكَثِيرًا مِمَّا قضى بِهِ فِي هَذِه الْمَوَارِيث لَا يعلم مبلغها إِلَّا الله وَقد كُنَّا نحضر من ذَلِك أموراً عِنْد الْخُلَفَاء بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فوعينا مِنْهَا مَا شِئْنَا أَن نعي فَنحْن نفتي بعد من استفتاناً فِي الْمَوَارِيث
وَالله أعلم
3(2/759)
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم مُقَدّمَة سُورَة الْمَائِدَة أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: الْمَائِدَة مدنيه
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو عبيد فِي فضائله والنحاس فِي ناسخه وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن جُبَير بن نفير قَالَ: حججْت فَدخلت على عَائِشَة فَقَالَت لي: يَا جُبَير تقْرَأ الْمَائِدَة فَقلت: نعم
فَقَالَت: أما انها آخر سُورَة نزلت فَمَا وجدْتُم فِيهَا من حَلَال فاستحلوه وَمَا وجدْتُم من حرَام فحرموه
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: آخر سُورَة نزلت سُورَة الْمَائِدَة وَالْفَتْح
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: أنزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُورَة الْمَائِدَة وَهُوَ رَاكب على رَاحِلَته فَلم تستطع أَن تحمله فَنزل عَنْهَا
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَمُحَمّد بن نصر فِي الصَّلَاة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل والبيهيقي فِي شعب الإِيمان عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت: اني لآخذة بزمام العضباء نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ نزلت الْمَائِدَة كلهَا فَكَادَتْ من ثقلهَا تدق عضد النَّاقة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة عَن أم عَمْرو بنت عبس عَن عَمها أَنه كَانَ فِي مسير مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْمَائِدَة فاندق كتف رَاحِلَته العضباء من ثقل السُّورَة
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله غليه وَسلم قَرَأَ فِي خطبَته سُورَة الْمَائِدَة وَالتَّوْبَة
وَأخرج أَبُو عبيد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ نزلت سُورَة الْمَائِدَة على رَسُول(3/3)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع فِيمَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة وَهُوَ على نَاقَته فانصدعت كتفها فَنزل عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: نزلت سُورَة الْمَائِدَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمسير فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ رَاكب رَاحِلَته فبركت بِهِ رَاحِلَته من ثقلهَا
وَأخرج أَبُو عبيد عَن ضَمرَة بن حبيب وعطية بن قيس قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَائِدَة من آخر الْقُرْآن تَنْزِيلا فاحلوا حلالها وحرموا حرامها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي ميسرَة قَالَ: آخر سُورَة أنزلت سُورَة الْمَائِدَة وان فِيهَا لسبع عشرَة فَرِيضَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي ميسرَة قَالَ: فِي الْمَائِدَة ثَمَان عشرَة فَرِيضَة لَيْسَ فِي سُورَة من الْقُرْآن غَيرهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخ
المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وماأكل السَّبع إِلَّا مَا ذكتيم وَمَا ذبح على النصب وان تستقيموا بالازلام والجوارح مكلبين وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب وَتَمام الطّهُور واذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وَالسَّارِق والسارقة وَمَا جعل الله من بحيرة الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد والنحاس كِلَاهُمَا فِي النَّاسِخ عَن أبي ميسرَة عَمْرو بن شُرَحْبِيل قَالَ: لم ينْسَخ من الْمَائِدَة شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عون قَالَ: قلت لِلْحسنِ: نسخ من الْمَائِدَة شَيْء فَقَالَ: لَا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس عَن الشّعبِيّ قَالَ: لم ينْسَخ من الْمَائِدَة إِلَّا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد} الْمَائِدَة الْآيَة 2
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نسخ من هَذِه السُّورَة آيتان آيَة
القلائد وَقَوله {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} الْمَائِدَة الْآيَة 42
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه من طَرِيق عَبدة بن أبي لبَابَة قَالَ: بَلغنِي عَن سَالم(3/4)
مولى أبي حُذَيْفَة قَالَ كَانَت لي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاجَة فَأتيت الْمَسْجِد فَوَجَدته قد كبر فتقدمت قَرِيبا مِنْهُ فَقَرَأَ بِسُورَة الْبَقَرَة وَسورَة النِّسَاء وبسورة الْمَائِدَة وبسورة الْأَنْعَام ثمَّ ركع فَسَمعته يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم ثمَّ قَامَ فَسجدَ فَسَمعته يَقُول سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فِي كل رَكْعَة
(5)
سُورَة الْمَائِدَة
مَدَنِيَّة وآياتها عشرُون وَمِائَة(3/5)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ (1)
- يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم غير محلي الصَّيْد وَأَنْتُم حرم إِن الله يحكم مَا يُرِيد
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} يَعْنِي بالعهود مَا أحل الله وَمَا حرم وَمَا فرض وَمَا حدَّ فِي الْقُرْآن كُله لاتغدروا وَلَا تنكثوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} أَي بِعقد الْجَاهِلِيَّة ذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول أَوْفوا بِعقد الْجَاهِلِيَّة ولاتحدثوا عقدا فِي الْإِسْلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَوْفوا بِالْعُقُودِ} قَالَ: بالعهود وَهِي عُقُود الْجَاهِلِيَّة الْحلف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عُبَيْدَة قَالَ: الْعُقُود خمس: عقدَة الْإِيمَان وعقدة النِّكَاح وعقدة البيع وعقدة الْعَهْد وعقدة الْحلف
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم فِي الْآيَة قَالَ: الْعُقُود خمس: عقدَة الْإِيمَان وعقدة النِّكَاح وعقدة البيع وعقدة الْعَهْد وعقدة الْحلف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: هَذَا كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عندنَا الَّذِي كتبه لعَمْرو بن حزم حِين بَعثه إِلَى الْيمن يفقِّه أَهلهَا وَيُعلمهُم السّنة وَيَأْخُذ صَدَقَاتهمْ فَكتب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا كتاب من الله وَرَسُوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} عهدا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم أمره بتقوى الله فِي أمره كُله {إِن الله مَعَ الَّذين اتَّقوا وَالَّذين هم محسنون}(3/5)
(النَّحْل الْآيَة 128) وَأمره أَن يَأْخُذ الْحق كَمَا أمره وَأَن يبشر بِالْخَيرِ النَّاس وَيَأْمُرهُمْ بِهِ الحَدِيث بِطُولِهِ
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَدّوا للحلفاء عقودهم الَّتِي عاقدت أَيْمَانكُم
قَالُوا: وَمَا عقدهم يَا رَسُول الله قَالَ: الْعقل عَنْهُم والنصرلهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: بلغنَا فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ} يَقُول: أَوْفوا بالعهود يَعْنِي الْعَهْد الَّذِي كَانَ عهد اليهم فِي الْقُرْآن فِيمَا أَمرهم من طَاعَته أَن يعملوا بهَا وَنَهْيه الَّذِي نَهَاهُم عَنهُ وبالعهد الَّذِي بَينهم وَبَين الْمُشْركين وَفِيمَا يكون من العهود بَين النَّاس
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} قَالَ: يَعْنِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: أهل القباب الْحمر والن عَم [وَالنعَم] المؤثل والقبائل وَأخرج عبد بن حميد ابْن جرير ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} قَالَ: الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
أَنه أَخذ بذنب الْجَنِين فَقَالَ: هَذَا من بَهِيمَة الْأَنْعَام الَّتِي أحلَّت لكم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر فِي قَوْله {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} قَالَ: مَا فِي بطونها
قلت: إِن خرج مَيتا آكله قَالَ: نعم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} قَالَ: الْأَنْعَام كلهَا {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} قَالَ: إِلَّا الْميتَة ومالم يذكر اسْم الله عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} قَالَ {الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ}(3/6)
الْمَائِدَة الْآيَة 3 إِلَى آخر الْآيَة فَهَذَا مَا حرم الله من بَهِيمَة الْأَنْعَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم} قَالَ: إِلَّا الْميتَة وماذكر مَعهَا {غير محلي الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} قَالَ: غير أَن يحل الصَّيْد أحد وَهُوَ محرم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أَيُّوب قَالَ: سُئِلَ مُجَاهِد عَن القرد أيؤكل لَحْمه فَقَالَ: لَيْسَ من بَهِيمَة الْأَنْعَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي الْآيَة قَالَ: الْأَنْعَام كلهَا حل الاما كَانَ مِنْهَا وحشياً فَإِنَّهُ صيد فلايحل إِذا كَانَ محرما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن الله يحكم مَا يُرِيد} قَالَ: إِن الله يحكم ماأراد فِي خلقه وَبَين مااراد فِي عباده وَفرض فَرَائِضه وحدَّ حُدُوده وَأمر بِطَاعَتِهِ وَنهى عَن مَعْصِيَته(3/7)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم ورضوانا وَإِذا حللتم فاصطادوا وَلَا يجرمنكم شنآن قوم أَن صدوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام أَن تَعْتَدوا وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تحلوا شَعَائِر الله} قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يحجون الْبَيْت الْحَرَام ويهدون الْهَدَايَا ويعظمون حُرْمَة المشاعر وينحرون فِي حجهم فَأَرَادَ الْمُسلمُونَ أَن يُغيرُوا عَلَيْهِم فَقَالَ الله {لَا تحلوا شَعَائِر الله} وَفِي قَوْله {وَلَا الشَّهْر الْحَرَام} يَعْنِي لاتستحلوا قتالاً فِيهِ {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} يَعْنِي من توجه قبل الْبَيْت فَكَانَ(3/7)
الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يحجون الْبَيْت جَمِيعًا فَنهى الله الْمُؤمنِينَ أَن يمنعوا أحدا يحجّ الْبَيْت أَو يتَعَرَّضُوا لَهُ من مُؤمن أَو كَافِر ثمَّ أنزل الله بعد هَذَا {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} التَّوْبَة الْآيَة 28 وَفِي قَوْله {يَبْتَغُونَ فضلا} يَعْنِي أَنهم يترضون الله بحجهم {وَلَا يجرمنكم} يَقُول: لايحملنكم {شنآن قوم} يَقُول: عَدَاوَة قوم {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} قَالَ: الْبر
ماأمرت بِهِ {وَالتَّقوى} مانهيت عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: شَعَائِر الله مَا نهى الله عَنهُ أَن تصيبه وَأَنت محرم وَالْهَدْي مالم يقلدوا القلائد مقلدات الْهَدْي {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} يَقُول: من توجه حَاجا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تحلوا شَعَائِر الله} قَالَ: مَنَاسِك الْحَج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تحلوا شَعَائِر الله} قَالَ: معالم الله فِي الْحَج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن المنذرعن عَطاء أَنه سُئِلَ عَن شَعَائِر الْحَج فَقَالَ: حرمات الله اجْتِنَاب سخط الله وَاتِّبَاع طَاعَته فَذَلِك شَعَائِر الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} قَالَ: مَنْسُوخ كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا خرج من بَيته يُرِيد الْحَج تقلد من السمر فَلم يعرض لَهُ أحد واذا تقلد بقلادة شعر لم يعرض لَهُ أحد وَكَانَ الْمُشرك يَوْمئِذٍ لايصد عَن الْبَيْت فَأمر الله أَن لايقاتل الْمُشْركُونَ فِي الشَّهْر الْحَرَام ولاعند الْبَيْت ثمَّ نسخهَا قَوْله {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التَّوْبَة الْآيَة 5
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: نسخ مِنْهَا {آمّين الْبَيْت الْحَرَام} نسختها الْآيَة الَّتِي فِي بَرَاءَة {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} وَقَالَ {مَا كَانَ للْمُشْرِكين أَن يعمروا مَسَاجِد الله شَاهِدين على أنفسهم بالْكفْر}(3/8)
التَّوْبَة الْآيَة 17 وَقَالَ {إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نجس فَلَا يقربُوا الْمَسْجِد الْحَرَام بعد عَامهمْ هَذَا} التَّوْبَة الْآيَة 28 وَهُوَ الْعَام الَّذِي حج فِيهِ أَبُو بكر بالآذان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تحلوا شَعَائِر الله} الْآيَة
قَالَ: نسختها {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التَّوْبَة الْآيَة 5
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: كَانُوا يتقلدون من لحاء شجر الْحرم يأمنون بذلك إِذا خَرجُوا من الْحرم فَنزلت {لَا تحلوا شَعَائِر الله وَلَا الشَّهْر الْحَرَام وَلَا الْهَدْي وَلَا القلائد}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تحلوا شَعَائِر الله} قَالَ: القلائد
اللحاء فِي رِقَاب النَّاس والبهائم أَمَانًا لَهُم والصفا والمروة وَالْهَدْي وَالْبدن كل هَذَا من شَعَائِر الله قَالَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا كُله عمل أهل الْجَاهِلِيَّة فعله وإقامته فَحرم الله ذَلِك كُله بِالْإِسْلَامِ إِلَّا اللحاء القلائد ترك ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: أما القلائد
فَإِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانُوا ينزعون من لحاء السمر فيتخذون مِنْهَا قلائد يأمنون بهَا فِي النَّاس فَنهى الله عَن ذَلِك أَن ينْزع من شجر الْحرم
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلَا الشَّهْر الْحَرَام} قَالَ: هُوَ ذُو الْقعدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية وَأَصْحَابه حِين صدهم الْمُشْركُونَ عَن الْبَيْت وَقد اشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِم فَمر بهم أنَاس من الْمُشْركُونَ من أهل الْمشرق يُرِيدُونَ الْعمرَة فَقَالَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصد هَؤُلَاءِ كَمَا صدنَا أَصْحَابنَا فَأنْزل الله {وَلَا يجرمنكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: أقبل الحطم بن هِنْد الْبكْرِيّ حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَاهُ فَقَالَ: إلام تَدْعُو فَأخْبرهُ وَقد كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه يدْخل الْيَوْم عَلَيْكُم رجل من ربيعَة يتَكَلَّم بِلِسَان شَيْطَان فَلَمَّا أخبرهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: انْظُرُوا لعَلي أسلم ولي من أشاوره فَخرج من عِنْده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(3/9)
لقد دخل بِوَجْه كَافِر وَخرج بعقب غادر فَمر بسرح من سرح الْمَدِينَة فساقه ثمَّ أقبل من عَام قَابل حَاجا قد قلد وَأهْدى فَأَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يبْعَث إِلَيْهِ فَنزلت هَذِه الْآيَة حَتَّى بلغ {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} فَقَالَ النَّاس من أَصْحَابه: يَا رَسُول الله خلِّ بَيْننَا وَبَينه فَإِنَّهُ صاحبنا
قَالَ: أَنه قد قلد قَالُوا: إِنَّمَا هُوَ شَيْء كُنَّا نصنعه فِي الْجَاهِلِيَّة فَأبى عَلَيْهِم فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: قدم الحطم بن هِنْد الْبكْرِيّ الْمَدِينَة فِي عير لَهُ تحمل طَعَاما فَبَاعَهُ ثمَّ دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايعهُ وَأسلم فَلَمَّا ولى خَارِجا نظر اليه فَقَالَ لمن عِنْده لقد دخل عليَّ بِوَجْه فَاجر وَولى بقفا غادر فَلَمَّا قدم الْيَمَامَة ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَخرج فِي عير لَهُ تحمل الطَّعَام فِي ذِي الْقعدَة يُرِيد مَكَّة فَلَمَّا سمع بِهِ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تهَيَّأ لِلْخُرُوجِ اليه نفر من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار ليقتطعوه فِي عيره فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحلوا شَعَائِر الله} الْآيَة
فَانْتهى الْقَوْم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} قَالَ: هَذَا يَوْم الْفَتْح جَاءَ النَّاس يؤمُّونَ الْبَيْت من الْمُشْركين يهلون بِعُمْرَة فَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله إِنَّمَا هَؤُلَاءِ مشركون فَمثل هَؤُلَاءِ فَلَنْ ندعهم إِلَّا أَن نغير عَلَيْهِم فَنزل الْقُرْآن {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم ورضواناً} قَالَ: يَبْتَغُونَ الْأجر وَالتِّجَارَة حرم الله على كل أحد إخافتهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم ورضواناً} قَالَ: هِيَ للْمُشْرِكين يَلْتَمِسُونَ فضل الله ورضواناً نَمَاء يصلح لَهُم دنياهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: خمس آيَات فِي كتاب الله رخصَة وَلَيْسَت بعزمة {وَإِذا حللتم فاصطادوا} إِن شَاءَ اصطاد وَإِن شَاءَ لم يصطد {فَإِذا قضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا} الْجُمُعَة الْآيَة 10
{أَو على سفر فَعدَّة من أَيَّام أخر} الْبَقَرَة الْآيَة 184 {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} الْحَج الْآيَة 28(3/10)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: خمس آيَات من كتاب الله رخصَة وَلَيْسَت بعزيمة {فَكُلُوا مِنْهَا وأطعموا} الْحَج الْآيَة 28 فَمن شَاءَ أكل وَمن شَاءَ لم يَأْكُل {وَإِذا حللتم فاصطادوا} فَمن شَاءَ فعل وَمن شَاءَ لم يفعل {وَمن كَانَ مَرِيضا أَو على سفر} الْبَقَرَة الْآيَة 184 فَمن شَاءَ صَامَ وَمن شَاءَ أفطر {فكاتبوهم إِن علمْتُم} النُّور الْآيَة 33 إِن شَاءَ كَاتب وَإِن شَاءَ لم يفعل {فَإِذا قُضيت الصَّلَاة فَانْتَشرُوا} الْجُمُعَة الْآيَة 10 إِن شَاءَ انْتَشَر وَإِن شَاءَ لم ينتشر
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم} قَالَ: لَا يحملنكم بغض قوم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وَلَا آمين الْبَيْت الْحَرَام} قَالَ: الَّذين يُرِيدُونَ الْحَج {يَبْتَغُونَ فضلا من رَبهم} قَالَ: التِّجَارَة فِي الْحَج {ورضواناً} قَالَ: الْحَج {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم} قَالَ: عَدَاوَة قوم {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} قَالَ: الْبر
ماأمرت بِهِ وَالتَّقوى
مانهيت عَنهُ
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي هَذِه الْآيَة وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن وابصة قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا لَا أُرِيد أَن أدع شَيْئا من الْبر وَالْإِثْم إِلَّا سَأَلته عَنهُ فَقَالَ لي ياوابصة أخْبرك عَمَّا جِئْت تسْأَل عَنهُ أم تسْأَل قلت: يَا رَسُول الله أَخْبرنِي قَالَ: جِئْت لتسأل عَن الْبر والاثم ثمَّ جمع أَصَابِعه الثَّلَاث فَجعل ينكت بهَا فِي صَدْرِي وَيَقُول: يَا وابصة استفت قَلْبك استفت نَفسك الْبر: مااطمأن اليه الْقلب واطمأنت اليه النَّفس وَالْإِثْم: ماحاك فِي الْقلب وَتردد فِي الصَّدْر وَإِن أَفْتَاك النَّاس وأفتوك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن النّواس بن سمْعَان قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْبر والاثم فَقَالَ ماحاك فِي نَفسك فَدَعْهُ قَالَ: فَمَا الْإِيمَان قَالَ: من ساءته سيئته وسرته حسنته فَهُوَ مُؤمن(3/11)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: الْإِثْم حوّاز الْقُلُوب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الاثم حوّاز الْقُلُوب فَإِذا حز فِي قلب أحدكُم شَيْء فليدعه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِثْم حوّاز الْقُلُوب وَمَا من نظرة إِلَّا وللشيطان فِيهَا مطمع
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مامن رجل ينعش لِسَانه حَقًا يعْمل بِهِ إِلَّا أجْرى عَلَيْهِ أجره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ بوَّأه الله ثَوَابه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ فِيمَا يُخَاطب ربه عز وَجل: يَا رب أَي عِبَادك أحب إِلَيْك أحبه بحبك قَالَ: يَا دَاوُد أحب عبَادي إليّ نقي الْقلب نقي الْكَفَّيْنِ لَا يَأْتِي إِلَى أحد سوءا وَلَا يمشي بالنميمة تَزُول الْجبَال وَلَا يَزُول أَحبَّنِي وَأحب من يحبني وحببني إِلَى عبَادي قَالَ: يَا رب إِنَّك لتعلم إِنِّي أحبك وَأحب من يجبك فَكيف أحببك إِلَى عِبَادك قَالَ: ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي يَا دَاوُد إِنَّه لَيْسَ من عبد يعين مَظْلُوما أَو يمشي مَعَه فِي مظلمته إِلَّا أُثَبِّتُ قَدَمَيْهِ يَوْم تزل الْأَقْدَام
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من رد عَن عرض أَخِيه رد الله عَن وَجهه النَّار يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعَان على قتل مُؤمن وَلَو بِشَطْر كلمة لَقِي الله مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعَان ظَالِما بباطل ليدحض بِهِ حَقًا فقد برىء من ذمَّة الله وَرَسُوله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعَان على خُصُومَة بِغَيْر حق كَانَ فِي سخط الله حَتَّى ينْزع
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أَوْس ابْن شُرَحْبِيل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَشى مَعَ ظَالِم ليعينه وهويعلم أَنه ظَالِم فقد خرج من الْإِسْلَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من(3/12)
حَالَتْ شَفَاعَته دون حد من حُدُود الله فقد ضاد الله فِي أمره وَمن مَاتَ وَعَلِيهِ دين فَلَيْسَ بالدينار وَالدِّرْهَم وَلكنهَا الْحَسَنَات والسيئات وَمن خَاصم فِي بَاطِل وَهُوَ يُعلمهُ لم يزل فِي سخط الله حَتَّى ينْزع وَمن قَالَ فِي مُؤمن ماليس فِيهِ أسْكنهُ الله ردغة الخبال حَتَّى يخرج مِمَّا قَالَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق فسيلة
أَنَّهَا سَمِعت أَبَاهَا وَهُوَ وَاثِلَة بن الْأَسْقَع يَقُول: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمن الْمعْصِيَة أَن يحب الرجل قومه قَالَ لَا وَلَكِن من الْمعْصِيَة أَن يعين الرجل قومه على الظُّلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَشى مَعَ قوم يرى أَنه شَاهد وَلَيْسَ بِشَاهِد فَهُوَ شَاهد زور وَمن أعَان على خُصُومَة بِغَيْر علم كَانَ فِي سخط الله حَتَّى ينْزع وقتال الْمُسلم كفر وسبابه فسوق
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعَان قوما على ظلم فَهُوَ كالبعير المتردي فَهُوَ ينْزع بِذَنبِهِ
وَلَفظ الْحَاكِم: مثل الَّذِي يعين قومه على غير الْحق كَمثل الْبَعِير يتردى فَهُوَ يمد بِذَنبِهِ(3/13)
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)
- قَوْله تَعَالَى: حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير وَمَا أهل لغير الله بِهِ والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وَمَا أكل السَّبع إِلَّا مَا ذكيتم وَمَا ذبح على النصب وَأَن تستقسموا بالأزلام ذَلِكُم فسق الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ فَلَا تخشوهم واخشون الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الإِسلام دينا فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير متجانف لإثم فَإِن الله غَفُور رَحِيم
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى قومِي أدعوهم إِلَى الله وَرَسُوله وَأعْرض عَلَيْهِم شَعَائِر الْإِسْلَام فأتيتهم فَبَيْنَمَا نَحن كَذَلِك إِذْ جاؤوا بقصعة دم واجتمعوا عَلَيْهَا يأكلونها(3/13)
قَالُوا: هَلُمَّ يَا صدي فَكل
قلت: وَيحكم
إِنَّمَا أتيتكم من عِنْد من يحرِّم هَذَا عَلَيْكُم وَأنزل الله عَلَيْهِ
قَالُوا: وماذاك قَالَ: فتلوت عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة {حرمت عَلَيْكُم الْميتَة وَالدَّم وَلحم الْخِنْزِير} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن قَتَادَة قَالَ: إِذا أكل لحم الْخِنْزِير عرضت عَلَيْهِ التَّوْبَة فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا أهل لغير الله بِهِ} قَالَ: ماأهل للطواغيت بِهِ {والمنخنقة} قَالَ: الَّتِي تخنق فتموت {والموقوذة} الَّتِي تضرب بالخشبة فتموت {والمتردية} قَالَ: الَّتِي تتردى من الْجَبَل فتموت {والنطيحة} قَالَ: الشَّاة الَّتِي تنطح الشَّاة {وَمَا أكل السَّبع} يَقُول: ماأخذ السَّبع {إِلَّا مَا ذكيتم} يَقُول: ماذبحتم من ذَلِك وَبِه روح فكلوه {وَمَا ذبح على النصب} قَالَ: النصب
إنصاب كَانُوا يذبحون ويهلون عَلَيْهَا {وَأَن تستقسموا بالأزلام} قَالَ: هِيَ القداح كَانُوا يستقسون بهَا فِي الْأُمُور {ذَلِكُم فسق} يَعْنِي من أكل من ذَلِك كُله فَهُوَ فسق
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {والمنخنقة} قَالَ: كَانَت الْعَرَب تخنق الشَّاة فَإِذا مَاتَت أكلُوا لَحمهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت امرىء الْقَيْس وَهُوَ يَقُول: يغط غطيط الْبكر شدّ خناقه ليقتلني والمرء لَيْسَ بِقِتَال قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {والموقوذة} قَالَ: الَّتِي تضرب بالخشب حَتَّى تَمُوت
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: يلوينني دين النَّهَار واقتضي ديني إِذا وقذ النعاس الرقدا قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {والأنصاب} قَالَ: الأنصاب
الْحِجَارَة الَّتِي كَانَت الْعَرَب تعبدها من دون الله وتذبح لَهَا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت نَابِغَة بني ذبيان وَهُوَ يَقُول: فَلَا لعمر الَّذِي مسحت كعبته وَمَا هريق على الأنصاب من جَسَد قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَإِن تستقسموا بالأزلام} قَالَ: الأزلام
القداح كَانُوا يستقسمون الْأُمُور بهَا مَكْتُوب على أَحدهمَا أَمرنِي رَبِّي وعَلى الآخر نهاني ربّي(3/14)
فَإِذا أَرَادوا أمرا أَتَوا بَيت أصنامهم ثمَّ غطوا على القداح بِثَوْب فَأَيّهمَا خرج عمِلُوا بِهِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الحطيئة وَهُوَ يَقُول: لايزجر الطير إِن مرت بِهِ سنحاً ولايفاض على قدح بأزلام وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قلت يَا رَسُول الله إِنِّي أرمي بالمعراض الصَّيْد فأصيب فَقَالَ: إِذا رميت بالمعراض فخزق فكله وَإِن أَصَابَهُ بعرضه فَإِنَّمَا هُوَ وقيذ فلاتأكله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرادة الَّتِي تتردى فِي الْبِئْر والمتردية الَّتِي تتردى من الْجَبَل
وَأخرج عَن أبي ميسرَة أَنه كَانَ يقْرَأ (والمنطوحة)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ (وأكيل السَّبع)
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ قَالَ: إِذا أدْركْت ذَكَاة الموقوذة والمتردية والنطيحة وَهِي تحرّك يدا أَو رجلا فَكلهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لاتأكل الشريطة فَإِنَّهَا ذَبِيحَة الشَّيْطَان قَالَ ابْن الْمُبَارك: هِيَ أَن تخرج الرّوح مِنْهُ بِشَرْط من غير قطع حلقوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا ذبح على النصب} قَالَ: كَانَت حِجَارَة حول الْكَعْبَة يذبح عَلَيْهَا أهل الْجَاهِلِيَّة ويبدلونها بحجارة: إِذا شاؤوا أعجب اليهم مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن تستقسموا بالأزلام} قَالَ: سِهَام الْعَرَب وكعاب فَارس الَّتِي يتقامرون بهَا(3/15)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ {والأزلام} القداح يضْربُونَ بهَا لكل سفر وغزو وتجارة
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَإِن تستقسموا بالأزلام} قَالَ: القداح كَانُوا إِذا أَرَادوا أَن يخرجُوا فِي سفر جعلُوا قداحاً لِلْخُرُوجِ وللجلوس فَإِن وَقع الْخُرُوج خَرجُوا وَإِن وَقع الْجُلُوس جَلَسُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَإِن تستقسموا بالأزلام} قَالَ: حَصى بيض كَانُوا يضْربُونَ بهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا إِذا أَرَادوا أمرا أَو سفرا يَعْمِدُونَ إِلَى قداح ثَلَاثَة على وَاحِد مِنْهَا مَكْتُوب أَمرنِي وعَلى الآخر إنهني ويتركون الآخر محللاً بَينهمَا عَلَيْهِ شَيْء ثمَّ يجيلونها فَإِن خرج الَّذِي عَلَيْهِ مرني مضوا لأمرهم وَإِن خرج الَّذِي عَلَيْهِ إنهني كفوا وَإِن خرج الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء أعادوها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن يلج الدَّرَجَات العلى من تكهَّن أَو استقسم أَو رَجَعَ من سفر تطيراً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ} قَالَ: يئسوا أَن ترجعوا إِلَى دينهم أبدا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ} يَقُول: يئس أهل مَكَّة أَن ترجعوا إِلَى دينهم عبَادَة الاوثان أبدا {فَلَا تخشوهم} فِي اتِّبَاع مُحَمَّد {واخشوني} فِي عبَادَة الْأَوْثَان وَتَكْذيب مُحَمَّد فَلَمَّا كَانَ وَاقِفًا بِعَرَفَات نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل وَهُوَ رَافع يَده والمسلمون يدعونَ الله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} يَقُول: حلالكم وحرامكم فَلم ينزل بعد هَذَا حَلَال ولاحرام {وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي} قَالَ: منتي فَلم يحجّ مَعكُمْ مُشْرك {ورضيت} يَقُول: واخترت {لكم الْإِسْلَام دينا} مكث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول هَذِه الْآيَة إِحْدَى وَثَمَانِينَ يَوْمًا ثمَّ قَبضه الله إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الْيَوْم يئس الَّذين كفرُوا من دينكُمْ فَلَا تخشوهم واخشون الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} قَالَ: هَذَا حِين فعلت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَلَا تخشوهم واخشون} قَالَ: فَلَا تخشوهم ان يظهروا عَلَيْكُم
وَأخرج مُسلم عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن يعبده المصلون فِي جَزِيرَة الْعَرَب وَلَكِن فِي التحريش بَينهم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة وَأبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان قد أيس أَن يعبد بأرضكم هَذِه وَلكنه رَاض مِنْكُم بِمَا تحقرون
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الشَّيْطَان قد يئس أَن تعبد الْأَصْنَام بِأَرْض الْعَرَب وَلَكِن سيرضى مِنْكُم بِدُونِ ذَلِك بالمحقرات وَهِي(3/16)
الموبقات يَوْم الْقِيَامَة فَاتَّقُوا الْمَظَالِم مااستطعتم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أخبر الله نبيه وَالْمُؤمنِينَ أَنه قد أكمل لَهُم الْإِيمَان فَلَا تحتاجون إِلَى زِيَادَة أبدا وَقد أتمه فَلَا ينقص أبدا وَقد رضيه فلايسخطه وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} قَالَ: أخْلص الله لَهُم دينهم وَنفى الْمُشْركين عَن الْبَيْت قَالَ: وبلغنا أَنَّهَا أنزلت يَوْم عَرَفَة ووافقت يَوْم جُمُعَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة يَوْم جُمُعَة حِين نفى الله الْمُشْركين عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وأخلص للْمُسلمين حجهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ والمسلمون يحجون جَمِيعًا فَلَمَّا نزلت بَرَاءَة فنفي الْمُشْركُونَ عَن الْبَيْت الْحَرَام وَحج الْمُسلمُونَ لايشاركهم فِي الْبَيْت الْحَرَام أحد من الْمُشْركين فَكَانَ ذَلِك من تَمام النِّعْمَة وَهُوَ قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} قَالَ: تَمام الْحَج وَنفي الْمُشْركين عَن الْبَيْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَات وَقد أطاف بِهِ النَّاس وتهدمت منار الْجَاهِلِيَّة ومناسكهم واضمحل الشّرك وَلم يطف بِالْبَيْتِ عُرْيَان وَلم يحجّ مَعَه فِي ذَلِك الْعَام مُشْرك فَأنْزل الله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة وَهُوَ بِعَرَفَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وَكَانَ إِذا أَعْجَبته آيَات جَعلهنَّ صدر السُّورَة قَالَ: وَكَانَ جِبْرِيل يعلم كَيفَ ينْسك
وَأخرج الْحميدِي وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن طَارق بن شهَاب قَالَ قَالَت الْيَهُود لعمر: إِنَّكُم تقرأون آيَة فِي كتابكُمْ لَو علينا معشر الْيَهُود نزلت لاتّخذنا ذَلِك الْيَوْم عيداً
قَالَ: وَأي آيَة قَالُوا {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي}(3/17)
قَالَ عمر: وَالله إِنِّي لأعْلم الْيَوْم الَّذِي نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ والساعة الَّتِي نزلت فِيهَا نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة عَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَعبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانُوا عِنْد عمر فَذكرُوا هَذِه الْآيَة فَقَالَ رجل من أهل الْكتاب: لَو علمنَا أَي يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة لاتخذناه عيداً
فَقَالَ عمر: الْحَمد لله الَّذِي جعله لنا عيداً وَالْيَوْم الثَّانِي نزلت يَوْم عَرَفَة وَالْيَوْم الثَّانِي يَوْم النَّحْر فأكمل لنا الْأَمر فَعلمنَا أَن الْأَمر بعد ذَلِك فِي انتقاص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عنترة قَالَ: لما نزلت {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وَذَلِكَ يَوْم الْحَج الْأَكْبَر بَكَى عمر فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مايبكيك قَالَ: أبكاني أَنا كُنَّا فِي زِيَادَة من ديننَا فَأَما إِذْ كمل فَإِنَّهُ يكمل شَيْء قطّ إِلَّا نقص
فَقَالَ: صدقت
وَأخرج ابْن جرير عَن قبيصَة بن أبي ذُؤَيْب قَالَ: قَالَ كَعْب: لَو أَن غير هَذِه الْأمة نزلت عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة لنظروا الْيَوْم الَّذِي أنزلت فِيهِ عَلَيْهِم فاتخذوه عيداً يَجْتَمعُونَ فِيهِ فَقَالَ عمر: وَأي آيَة ياكعب فَقَالَ {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} فَقَالَ عمر: لقد علمت الْيَوْم الَّذِي أنزلت وَالْمَكَان الَّذِي نزلت فِيهِ نزلت فِي يَوْم جُمُعَة وَيَوْم عَرَفَة وَكِلَاهُمَا بِحَمْد الله لنا عيد
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} فَقَالَ يَهُودِيّ: لَو نزلت هَذِه الْآيَة علينا لاتخذنا يَوْمهَا عيداً
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهَا نزلت فِي يَوْم عيدين اثْنَيْنِ: فِي يَوْم جُمُعَة يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عِيسَى بن حَارِثَة الْأنْصَارِيّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا فِي الدِّيوَان فَقَالَ لنا نَصْرَانِيّ: ياأهل الْإِسْلَام لقد أنزلت عَلَيْكُم آيَة لَو أنزلت علينا لاتخذنا ذَلِك الْيَوْم وَتلك السَّاعَة عيدا مابقى منا اثْنَان {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} فَلم يجبهُ أحد منا فَلَقِيت مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَسَأَلته عَن ذَلِك فَقَالَ: ألارددتم عَلَيْهِ فَقَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: أنزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ وَاقِف على الْجَبَل يَوْم عَرَفَة فلايزال ذَلِك الْيَوْم عيد للْمُسلمين مابقي مِنْهُم أحد
وَأخرج ابْن جرير عَن دَاوُد قَالَ: قلت لعامر الشّعبِيّ ان الْيَهُود تَقول كَيفَ لم(3/18)
تحفظ الْعَرَب هَذَا الْيَوْم الَّذِي أكمل الله لَهَا دينهَا فِيهِ فَقَالَ عَامر: أَو مَا حفظته
قلت لَهُ: فَأَي يَوْم هُوَ قَالَ: يَوْم عَرَفَة أنزل الله فِي يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ قَائِم عَشِيَّة عَرَفَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَمْرو بن قيس السكونِي
أَنه سمع مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان على الْمِنْبَر ينْزع بِهَذِهِ الْآيَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} حَتَّى خَتمهَا
فَقَالَ: نزلت فِي يَوْم عَرَفَة فِي يَوْم جُمُعَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سَمُرَة قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِعَرَفَة وَاقِف يَوْم الْجُمُعَة
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِعَرَفَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ولد نَبِيكُم يَوْم الِاثْنَيْنِ ونبأ يَوْم الِاثْنَيْنِ وَخرج من مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَدخل الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَفتح مَكَّة يَوْم الِاثْنَيْنِ وأنزلت سُورَة الْمَائِدَة يَوْم الِاثْنَيْنِ {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} وَتُوفِّي يَوْم الِاثْنَيْنِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ لما نصب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا يَوْم غَدِير خم فَنَادَى لَهُ بِالْولَايَةِ هَبَط جِبْرِيل عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لما كَانَ يَوْم غَدِير خم وَهُوَ يَوْم ثَمَانِي عشر من ذِي الْحجَّة قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ
فَأنْزل الله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} قَالَ: هَذَا نزل يَوْم عَرَفَة فَلم ينزل بعْدهَا حرَام ولاحلال وَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَاتَ فَقَالَت أَسمَاء بنت عُمَيْس: حججْت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ الْحجَّة فَبَيْنَمَا نَحن نسير إِذْ تجلى لَهُ جِبْرِيل على الرَّاحِلَة فَلم تطق الرَّاحِلَة من ثقل ماعليها من الْقُرْآن فبركت فَأَتَيْته فسجيت عَلَيْهِ بردا كَانَ عليّ(3/19)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ مكث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مانزلت هَذِه الْآيَة احدى وَثَمَانِينَ لَيْلَة قَوْله {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ}
أما قَوْله تَعَالَى: {ورضيت لكم الإِسلام دينا} أخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَنه يمثل لأهل كل دين دينهم يَوْم الْقِيَامَة فَأَما الْإِيمَان فيبشر أَصْحَابه وَأَهله ويعدهم إِلَى الْخَيْر حَتَّى يَجِيء الْإِسْلَام فَيَقُول: رب أَنْت السَّلَام وَأَنا الْإِسْلَام فَيَقُول: إياك الْيَوْم أقبل وَبِك الْيَوْم أجزي
وَأخرج أَحْمد عَن عَلْقَمَة بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: حَدثنِي رجل قَالَ: كنت فِي مجْلِس عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر لرجل من الْقَوْم: كَيفَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ينعَت الْإِسْلَام قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الْإِسْلَام بَدَأَ جذعاً ثمَّ ثنياً ثمَّ رباعياً ثمَّ سدسياً ثمَّ بازلاً
قَالَ عمر: فَمَا بعد البزول إِلَّا النُّقْصَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن اضْطر} يَعْنِي إِلَى ماحرم مِمَّا سمي فِي صدر هَذِه السُّورَة {فِي مَخْمَصَة} يَعْنِي مجاعَة {غير متجانف لإثم} يَقُول: غير معتدٍ لإثم
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فِي مَخْمَصَة} قَالَ: فِي مجاعَة وحهد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول: تبيتون فِي المشتى ملاء بطونكم وجاراتكم غرتي يبتن خمائصا وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَمن اضْطر فِي مَخْمَصَة غير متجانف لإثم} قَالَ: فِي مجاعَة غير متعرض لإثم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: رخص للْمُضْطَر إِذا كَانَ غير متعمد لإثم أَن يَأْكُلهُ من جهد فَمن بغى أَو عدا أَو خرج فِي مَعْصِيّة الله فَإِنَّهُ محرم عَلَيْهِ أَن يَأْكُلهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي وَاقد اللَّيْثِيّ أَنهم قَالُوا يارسول الله إِنَّا بِأَرْض تصيبنا بهَا المخمصة فَمَتَى تحل لنا الْميتَة قَالَ: إِذا لم تصطبحوا وَلم تغتبقوا وَلم تحتفئوا بقلاً فشأنكم بهَا(3/20)
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو دَاوُد عَن الفجيع العامري
أَنه قَالَ يارسول الله مايحل لنا من الْميتَة فَقَالَ: ماطعامكم قُلْنَا: نغتبق ونصطبح
قَالَ عقبَة: قدح غدْوَة وقدح عَشِيَّة
قَالَ: ذَاك
وأبى الْجُوع وَأحل لَهُم الْميتَة على هَذِه الْحَال وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا رويت أهلك من اللَّبن غبوقا فاجتنب مانهى الله عَنهُ من ميتَة(3/21)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (4)
- قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ وَاتَّقوا الله إِن الله سريع الْحساب
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي رَافع قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْتَأْذن عَلَيْهِ فَأذن لَهُ فَأَبْطَأَ فَأخذ رِدَاءَهُ فَخرج فَقَالَ: قد أذنا لَك قَالَ: أجل وَلَكنَّا لاندخل بَيْتا فِيهِ كلب ولاصورة فنظروا فَإِذا فِي بعض بُيُوتهم جرو
قَالَ أَبُو رَافع: فَأمرنِي أَن أقتل كل كلب بِالْمَدِينَةِ فَفعلت وجاءالناس فَقَالُوا: يارسول الله مَاذَا يحل لنا من هَذِه الْأمة الَّتِي أمرت بقتلها فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أرسل الرجل كَلْبه وَذكر اسْم الله فَأمْسك عَلَيْهِ فَليَأْكُل مالم يَأْكُل
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث أَبَا رَافع فِي قتل الْكلاب فَقتل حَتَّى بلغ العوالي فَدخل عَاصِم بن عدي وَسعد بن خَيْثَمَة وعويم بن سَاعِدَة فَقَالُوا: مَاذَا أحل لنا يارسول الله فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ لما أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقتل الْكلاب قَالُوا: يارسول الله مَاذَا أحل لنا من هَذِه الْأمة فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير أَن عدي بن حَاتِم وَزيد بن المهلهل(3/21)
الطائيين سَأَلَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَا: يارسول الله قد حرم اللخ الْميتَة
فَمَاذَا يحل لنا فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا أحل لَهُم قل أحل لكم الطَّيِّبَات}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَامر
أَن عدي بن حَاتِم الطَّائِي أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن صيد الْكلاب فَلم يدر مايقول لَهُ حَتَّى أنزل الله عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة فِي الْمَائِدَة {تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن رعوة بن الزبير عَمَّن حَدثهُ أَن رجلا من الْأَعْرَاب أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يستفتيه فِي الَّذِي حرم الله عَلَيْهِ وَالَّذِي أحل لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يحل لَك الطَّيِّبَات وَيحرم عَلَيْك الْخَبَائِث إِلَّا ان تفتقرالى طَعَام لَك فتأكل مِنْهُ حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنهُ
فَقَالَ الرجل: ومافقري الَّذِي يحل لي وَمَا غناي الَّذِي يغنيني عَن ذَلِك قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا كنت ترجو نتاجاً فتبلغ من لُحُوم ماشيتك إِلَى نتاجك أَو كنت ترجو غنى تطلبه فتبلغ من ذَلِك شَيْئا فاطعم أهلك مابدا لَك حَتَّى تَسْتَغْنِي عَنهُ
فَقَالَ الْأَعرَابِي: ماغناي الَّذِي أَدَعهُ إِذا وجدته فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أرويت أهلك غبوقاً من اللَّيْل فاجتنب ماحرم الله عَلَيْك من طَعَام وَأما مَالك فَإِنَّهُ ميسور كُله لَيْسَ فِيهِ حرَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن صَفْوَان بن أُميَّة أَن عرفطة بن نهيك التَّمِيمِي قَالَ: يارسول الله إِنِّي وَأهل بَيْتِي يرْزقُونَ من هَذَا الصَّيْد وَلنَا فِيهِ قسم وبركة وَهُوَ مشغلة عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فِي جمَاعَة وبنا اليه حَاجَة أفتحله أم أحرمهُ قَالَ: أحله لِأَن الله قد أحله نعم الْعَمَل وَالله أولى بالعذر قد كَانَت قبلي لله رسل كلهم يصطادون وَيطْلبُونَ الصَّيْد وَيَكْفِيك من الصَّلَاة فِي جمَاعَة إِذا غبت غبت عَنْهَا فِي طلب الرزق حبك الْجَمَاعَة وَأَهْلهَا وحبك ذكر الله وَأَهله وابتغ على نَفسك وَعِيَالك حَلَالا فَإِن فِي ذَلِك جِهَاد فِي سَبِيل الله وَاعْلَم أَن عون الله فِي صَالح التُّجَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين} قَالَ: هِيَ الْكلاب المعلمة والبازي يعلم الصَّيْد والجوارح يَعْنِي: الْكلاب والفهود والصقور وأشباهها والمكلبين الضوراي {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} يَقُول: كلوا مِمَّا قتلن فَإِن قتل وَأكل فَلَا تَأْكُل {واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ} يَقُول: إِذا أرْسلت جوارحك فَقل بِسم الله وَإِن نسيت فَلَا حرج(3/22)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {من الْجَوَارِح مكلبين} قَالَ: الطير وَالْكلاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من الْجَوَارِح مكلبين} قَالَ: يكالبن الصَّيْد {فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم} قَالَ: إِذا أرْسلت كلبك أَو طائرك أَو سهمك فَذكرت اسْم الله فَأمْسك أَو قتل فَكل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس: فِي الْمُسلم يَأْخُذ كلب الْمَجُوسِيّ الْمعلم أَو بازه أَو صقره مِمَّا علمه الْمَجُوسِيّ فيرسله فَيَأْخذهُ
قَالَ: لايأكله وَإِن سميت لِأَنَّهُ من تَعْلِيم الْمَجُوسِيّ وَإِنَّمَا قَالَ {تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح} قَالَ: كُلّ مَا {تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله} قَالَ: تعلمونهن من الطّلب كَمَا علمكُم الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا الْمعلم من الْكلاب أَن يمسك صَيْده فلايأكل كل مِنْهُ حَتَّى يَأْتِيهِ صَاحبه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أكل الْكَلْب فلاتأكل فَإِنَّمَا أمسك على نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صيد الْبَازِي
قَالَ: ماأمسك عَلَيْك فَكل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ قلت: يارسول الله إِنِّي أرسل الْكلاب المعلمة وَاذْكُر اسْم الله فَقَالَ: إِذا أرْسلت كلبك الْمعلم وَذكرت اسْم الله فَكل ماأمسكن عَلَيْك
قلت: وَإِن قتلن قَالَ: وَإِن قتلن مَا لم يشركها كلب لَيْسَ مِنْهَا فَإنَّك إِنَّمَا سميت على كلبك وَلم تسمِّ على غَيره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قلت يارسول الله إِنَّا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فَمَا يحل لنا مِنْهَا قَالَ: يحل لكم {وَمَا علمْتُم من الْجَوَارِح مكلبين تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله فَكُلُوا مِمَّا أمسكن عَلَيْكُم واذْكُرُوا اسْم الله عَلَيْهِ} ثمَّ قَالَ: مَا أرْسلت من كلب وَذكرت اسْم الله فَكل مَا أمسك عَلَيْك
قلت: وَإِن قتل قَالَ: وَإِن قتل مالم يَأْكُل هُوَ الَّذِي أمسك
قلت: إِنَّا قوم نرمي فَمَا يحل لنا قَالَ: ماذكرت اسْم الله وخزقت فَكل
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن الحكم أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَ ابْن عَبَّاس(3/23)
فَقَالَ: أَرَأَيْت إِذا أرْسلت كَلْبِي وَسميت فَقتل الصَّيْد آكله قَالَ: نعم
قَالَ نَافِع: يَقُول الله {إِلَّا مَا ذكيتم} تَقول أَنْت: وَإِن قتل قَالَ: وَيحك ياابن الْأَزْرَق
أَرَأَيْت لَو أمسك على سنور فأدركت ذَكَاته أَكَانَ يكون على يأس وَالله إِنِّي لأعْلم فِي أَي كلاب نزلت: فِي كلاب نَبهَان من طي وَيحك ياابن الْأَزْرَق
لَيَكُونن لَك نبأ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماأمسك عَلَيْك الَّذِي لَيْسَ بمكلب فأدركت ذَكَاته فَكل وَإِن لم تدْرك ذَكَاته فَلَا تَأْكُل
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أكل الْكَلْب فَلَا تَأْكُل وَإِذا أكل الصَّقْر فَكل لِأَن الْكَلْب تَسْتَطِيع أَن تضربه والصقر لاتستطيع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُرْوَة أَنه سُئِلَ عَن الْغُرَاب أَمن الطَّيِّبَات هُوَ قَالَ: من أَيْن يكون من الطَّيِّبَات وَسَماهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسِقًا(3/24)
الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)
- قَوْله تَعَالَى: الْيَوْم أحل لكم الطَّيِّبَات وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم وطعامكم حل لَهُم وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ محصنين غير مسافحين وَلَا متخذي أخدان وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله وَهُوَ فِي الْآخِرَة من الخاسرين
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: ذَبَائِحهم
وَفِي قَوْله {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ: حل لكم {إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورهنَّ} يَعْنِي مهورهن {محصنين} يَعْنِي تنكحوهن بِالْمهْرِ وَالْبَيِّنَة {غير مسافحين} غير معلنين بِالزِّنَا {وَلَا متخذات أخدان} يَعْنِي يسررن بِالزِّنَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب حل لكم} قَالَ: ذبيحتهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {وَطَعَام الَّذين أُوتُوا الْكتاب} قَالَ: ذَبَائِحهم(3/24)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ: أحل الله لنا محصنتين: مُحصنَة مُؤمنَة ومحصنة من أهل الْكتاب نساؤنا عَلَيْهِم حرَام وَنِسَاؤُهُمْ لنا حَلَال
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نتزوج نسَاء أهل الْكتاب ولايتزوجون نِسَاءَنَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: الْمُسلم يتَزَوَّج النَّصْرَانِيَّة ولايتزوج النَّصْرَانِي الْمسلمَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: أحل لنا طعامهم وَنِسَاؤُهُمْ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا أحلّت ذَبَائِح الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أجل أَنهم آمنُوا بِالتَّوْرَاةِ والإِنجيل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ: من الْحَرَائِر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ: من العفائف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ} قَالَ: الَّتِي أحصنت فرجهَا وَاغْتَسَلت من الْجَنَابَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله
أَنه سُئِلَ عَن نِكَاح الْمُسلم الْيَهُودِيَّة والنصرانية فَقَالَ: تزوجناهن زمن الْفَتْح وَنحن لانكاد نجد المسلمات كثيرا فَلَمَّا رَجعْنَا طلقناهن
قَالَ: ونساؤهن لنا حل وَنِسَاؤُنَا عَلَيْهِم حرَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن نسَاء أهل الْكتاب فَتلا عليّ هَذِه الْآيَة {وَالْمُحصنَات من الْمُؤْمِنَات وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ}
{وَلَا تنْكِحُوا المشركات} الْبَقَرَة الْآيَة 221
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن
أَنه سُئِلَ: أيتزوج الرجل الْمَرْأَة من أهل الْكتاب قَالَ: مَاله وَلأَهل الْكتاب وَقد أَكثر الله المسلمات فَإِن كَانَ لابد فَاعِلا فليعهد إِلَيْهَا حصاناً غير مسافحة
قَالَ الرجل: وَمَا المسافحة قَالَ: هِيَ الَّتِي إِذا ألمح اليها الرجل بِعَيْنِه تَبعته(3/25)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا متخذي أخدان} قَالَ: ذُو الخدن والخلية الْوَاحِدَة
قَالَ: ذكر لنا أَن رجَالًا قَالُوا: كَيفَ نتزوج نِسَاءَهُمْ وهم على دين وَنحن على دين فَأنْزل الله {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} قَالَ: لاوالله لايقبل الله عملا إِلَّا بِالْإِيمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله} قَالَ: أخبرالله أَن الْإِيمَان هُوَ العروة الوثقى وَأَنه لايقبل عملا إِلَّا بِهِ ولايحرم الْجنَّة إِلَّا على من تَركه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَصْنَاف النِّسَاء الاماكان من الْمُؤْمِنَات الْمُهَاجِرَات وَحرم كل ذَات دين غير الْإِسْلَام قَالَ الله تَعَالَى {وَمن يكفر بِالْإِيمَان فقد حَبط عمله}(3/26)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)
- قَوْله تَعَالَى: ياأيها الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مايريد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن عَلْقَمَة بن صَفْوَان قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أراق الْبَوْل نكلمه فَلَا يُكَلِّمنَا ونسلم عَلَيْهِ فَلَا يرد علينا حَتَّى يَأْتِي أَهله فيتوضأ كوضوئه للصَّلَاة فَقُلْنَا: يارسول الله نكلمك فَلَا تكلمنا ونسلم عَلَيْك فَلَا ترد علينا حَتَّى نزلت آيَة الرُّخْصَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} الْآيَة
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ عِنْد كل صَلَاة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْفَتْح تَوَضَّأ وَمسح على خفيه وَصلى الصَّلَوَات بِوضُوء وَاحِد فَقَالَ لَهُ عمر: يارسول الله إِنَّك فعلت شَيْئا لم تكن تَفْعَلهُ قَالَ: إِنِّي عمدا فعلت ياعمر(3/26)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن عَبَّاس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الْخَلَاء فَقدم إِلَيْهِ طَعَام فَقَالُوا: أَلا نَأْتِيك بِوضُوء فَقَالَ: إِنَّمَا أمرت بِالْوضُوءِ إِذا قُمْت إِلَى الصَّلَاة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن حَنْظَلَة بن الغسيل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالْوضُوءِ لكل صَلَاة طَاهِرا كَانَ أوغير طَاهِر فَلَمَّا شقّ ذَلِك على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة وَوضع عَنهُ الْوضُوء إِلَّا من حدث
وَأخرج ابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن عَليّ أَنه كَانَ يتَوَضَّأ عِنْد كل صَلَاة وَيقْرَأ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} الْآيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن رِفَاعَة بن رَافع
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للمسيء صلَاته: إِنَّهَا لاتتم صَلَاة أحدكُم حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أمره الله يغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن زيد بن أسلم والنحاس أَن معنى هَذِه الْآيَة {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} الْآيَة
إِن ذَلِك إِذا قُمْتُم من الْمضَاجِع يَعْنِي النّوم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} يَقُول: قُمْتُم وَأَنْتُم على غير طهر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي قَوْله {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ} قَالَ: ذَلِك الْغسْل الدَّلْك
وَأخرج الدَّارقطني وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ أدَار المَاء على مرفقيه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَلْحَة عَن أَبِيه عَن جده قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمسح رَأسه هَكَذَا وأمرَّ حَفْص بيدَيْهِ على رَأسه حَتَّى مسح قَفاهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ فَمسح بناصيته وعَلى الْعِمَامَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر(3/27)
وَابْن أبي حَاتِم والنحاس عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا (وأرجلكم) بِالنّصب يَقُول رجعت إِلَى الْغسْل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ أَنه قَرَأَ (وأرجلكم) قَالَ: عَاد إِلَى الْغسْل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والنحاس عَن ابْن مَسْعُود
أَنه قَرَأَ (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) بِالنّصب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة
أَنه كَانَ يقْرَأ (وأرجلكم) يَقُول: رَجَعَ الْأَمر إِلَى الْغسْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالطَّبَرَانِيّ عَن قَتَادَة أَن ابْن مَسْعُود قَالَ: رَجَعَ قَوْله إِلَى غسل الْقَدَمَيْنِ فِي قَوْله {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَرَأَ الْحسن وَالْحُسَيْن {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} فَسمع عَليّ ذَلِك وَكَانَ يقْضِي بَين النَّاس فَقَالَ: أَرْجُلكُم هَذَا من الْمُقدم والمؤخر فِي الْكَلَام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أنس أَنه قَرَأَ (وأرجلكم)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} قَالَ: هُوَ الْمسْح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَبى النَّاس إِلَّا الْغسْل وَلَا أجد فِي كتاب الله إِلَّا الْمسْح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْوضُوء غسلتان ومسحتان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: افْترض الله غسلتين ومسحتين ألاترى أَنه ذكر التَّيَمُّم فَجعل مَكَان الغسلتين مسحتين وَترك المسحتين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة
مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أنس
أَنه قيل لَهُ: إِن الْحجَّاج خَطَبنَا فَقَالَ: اغسلوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم وَأَنه لَيْسَ شَيْء من ابْن آدم أقرب إِلَى الْخبث من قَدَمَيْهِ فَاغْسِلُوا بطونهما وَظُهُورهمَا(3/28)
وعراقيبهما
فَقَالَ أنس: صدق الله وَكذب الْحجَّاج
قَالَ الله {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} وَكَانَ أنس إِذا مسح قَدَمَيْهِ بلهما
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزل جِبْرِيل بِالْمَسْحِ على الْقَدَمَيْنِ أَلا ترى أَن التَّيَمُّم أَن يمسح ماكان غسلا ويلقى ماكان مسحاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش والنحاس عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزل الْقُرْآن بِالْمَسْحِ وَجَرت السُّنة بِالْغسْلِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانُوا يقرؤونها {برؤوسكم وأرجلكم} بالخفض وَكَانُوا يغسلون
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: اجْتمع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على غسل الْقَدَمَيْنِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الحكم قَالَ: مَضَت السّنة من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين بِغسْل الْقَدَمَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: لم أرَ أحدا يمسح الْقَدَمَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس قَالَ: نزل الْقُرْآن بِالْمَسْحِ وَالسّنة بِالْغسْلِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن الْبَراء بن عَازِب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يزل يمسح على الْخُفَّيْنِ قبل نزُول الْمَائِدَة وَبعدهَا حَتَّى قَبضه الله عزوجل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أَنه قَالَ: ذكر الْمسْح على الْقَدَمَيْنِ عِنْد عمر وَسعد وَعبد الله بن عمر فَقَالَ: عمر: سعد أفقه مِنْك
فَقَالَ عمر ياسعد انا لاننكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح وَلَكِن هَل مسح مُنْذُ أنزلت سُورَة الْمَائِدَة فَإِنَّهَا أحكمت كل شَيْء وَكَانَت آخر سُورَة نزلت من الْقُرْآن إِلَّا بَرَاءَة قَالَ: فَلم يتَكَلَّم أحد
وَأخرج أَبُو الْحسن بن صَخْر فِي الهاشميات بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزل بهَا جِبْرِيل على ابْن عمي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} قَالَ لَهُ: اجْعَلْهَا بَينهمَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهُ عَن جرير أَنه بَال ثمَّ تَوَضَّأ وَمسح على(3/29)
الْخُفَّيْنِ قَالَ: مايمنعني أَن أَمسَح وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مسح قَالُوا: إِنَّمَا كَانَ ذَلِك قبل نزُول الْمَائِدَة
قَالَ: ماأسلمت إلابعد نزُول الْمَائِدَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن جرير بن عبد الله قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول الْمَائِدَة فرأيته يمسح على الْخُفَّيْنِ
وَأخرج ابْن عدي عَن بِلَال قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: امسحوا على الْخُفَّيْنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْقَاسِم بن الْفضل الْحدانِي قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَر: من الْكَعْبَيْنِ فَقَالَ الْقَوْم: هَهُنَا فَقَالَ: هَذَا رَأس السَّاق وَلَكِن الْكَعْبَيْنِ هما عِنْد الْمفصل
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم جنبا فاطهروا} يَقُول: فاغتسلوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ رجل جيد الثِّيَاب طيب الرّيح حسن الْوَجْه فَقَالَ: السَّلَام عَلَيْك يارسول الله
فَقَالَ: وَعَلَيْك السَّلَام
قَالَ أدنو مِنْك قَالَ: نعم
فَدَنَا حَتَّى ألصق ركبته بركبة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: يارسول الله ماالاسلام قَالَ: تقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج إِلَى بَيت الله الْحَرَام وتغتسل من الْجَنَابَة قَالَ: صدقت
فَقُلْنَا: مارأينا كَالْيَوْمِ قطّ رجلا - وَالله - لكأنه يعلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب الذمارِي قَالَ: مَكْتُوب فِي الزبُور من اغْتسل من الْجَنَابَة فَإِنَّهُ عَبدِي حَقًا وَمن لم يغْتَسل من الْجَنَابَة فَإِنَّهُ عدوي حَقًا
أما قَوْله تَعَالَى: {وَإِن كُنْتُم مرضى} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: احْتَلَمَ رجل على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ مجذوم فغسلوه فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله ضيعوه ضيعهم الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يطوف بِالْبَيْتِ بَعْدَمَا ذهب بَصَره وَسمع قوما يذكرُونَ المجامعة وَالْمُلَامَسَة والرفث ولايدرون مَعْنَاهُ وَاحِد أم شَتَّى فَقَالَ: الله أنزل الْقُرْآن بلغَة كل حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب فَمَا كَانَ مِنْهُ(3/30)
لايستحي النَّاس من ذكره فقد عناه وَمَا كَانَ مِنْهُ يستحي النَّاس فقد كناه وَالْعرب يعْرفُونَ مَعْنَاهُ لِأَن المجامعة وَالْمُلَامَسَة والرفث وَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ثمَّ قَالَ: أَلا هُوَ النيك
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} قَالَ: أَو جامعتم النِّسَاء وهذيل تَقول اللَّمْس بِالْيَدِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت لبيد بن ربيعَة وَهُوَ يَقُول: يلمس الاحلاس فِي منزله بيدَيْهِ كاليهودي المصل وَقَالَ الْأَعْشَى: ودارعة صفراء بالطيب عندنَا للمس الندى مَا فِي يَد الدرْع منتق وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} قَالَ: إِن أعياك المَاء فلايعييك الصَّعِيد أَن تضع فِيهِ كفيك ثمَّ تنفضهما فتمسح بهما يَديك ووجهك لاتعدو ذَلِك لغسل جَنَابَة وَلَا لوضوء صَلَاة وَمن تيَمّم بالصعيد فصلى ثمَّ قدر على المَاء فَعَلَيهِ الْغسْل وَقد مَضَت صلَاته الَّتِي كَانَ صلاهَا وَمن كَانَ مَعَه مَاء قَلِيل وخشي على نَفسه الظمأ فليتيمم الصَّعِيد ويتبلغ بمائه فَإِنَّهُ كَانَ يُؤمر بذلك وَالله أعذر بالعذر
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة قَالَت: سَقَطت قلادة لي بِالْبَيْدَاءِ وَنحن داخلون الْمَدِينَة فَأَنَاخَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وثنى رَأسه فِي حجري رَاقِدًا وَأَقْبل أَبُو بكر فلكزني لكزة شَدِيدَة وَقَالَ: حبست النَّاس فِي قلادة فَبِي الْمَوْت لمَكَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أوجعني ثمَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَيْقَظَ وَحَضَرت الصُّبْح فالتمس المَاء فَلم يُوجد فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} الْآيَة
فَقَالَ أسيد بن الْحضير: لقد بَارك الله فِيكُم ياآل أبي بكر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن مَاجَه عَن عمار بن يَاسر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عرس باولات الْجَيْش وَمَعَهُ عَائِشَة فَانْقَطع عقد لَهَا من جزع ظفار فَجَلَسَ ابْتِغَاء عقدهَا ذَلِك حَتَّى أَضَاء الْفجْر وَلَيْسَ مَعَ النَّاس مَاء فَأنْزل الله على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخصَة الطُّهْر بالصعيد الطّيب فَقَامَ الْمُسلمُونَ مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضربُوا بِأَيْدِيهِم إِلَى المناكب من بطُون أَيْديهم إِلَى الابط(3/31)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {من حرج} قَالَ: من ضيق
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا تَوَضَّأ العَبْد الْمُسلم فَغسل وَجهه خرج من وَجهه كل خَطِيئَة بطشتها يَدَاهُ مَعَ المَاء أَو مَعَ آخر قطر المَاء حَتَّى يخرج نقياً من الذُّنُوب
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ عَن عبد الله بن دارة عَن حمْرَان مولى عُثْمَان عَن عُثْمَان بن عَفَّان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ماتوضأ عبد فأسبغ وضوءه ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة إِلَّا غفر لَهُ مابينه وَبَين الصَّلَاة الْأُخْرَى
قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: وَكنت إِذا سَمِعت الحَدِيث عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التمسته فِي الْقُرْآن فَالْتمست هَذَا فَوَجَدته {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَيتم نعْمَته عَلَيْك} الْبَقَرَة الْآيَة 221 فَعرفت أَن الله لم يتم عَلَيْهِ النِّعْمَة حَتَّى غفر لَهُ ذنُوبه ثمَّ قَرَأت الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} حَتَّى بلغ {وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم} فَعرفت أَن الله لم يتم النِّعْمَة عَلَيْهِم حَتَّى غفر لَهُم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ الرجل الْمُسلم خرجت ذنُوبه من سَمعه وبصره وَيَديه وَرجلَيْهِ فَإِن جاس جلس مغفوراً لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد صَحِيح عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تمضمض أحدكُم حط ماأصاب بِفِيهِ وَإِذا غسل وَجهه حط ماأصاب بِوَجْهِهِ وَإِذا غسل يَدَيْهِ حط ماأصاب بيدَيْهِ وَإِذا مسح رَأسه تناثرت خطاياه من أصُول الشّعْر وَإِذا غسل قَدَمَيْهِ حط ماأصاب برجليه
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا رجل قَامَ إِلَى وضوئِهِ يُرِيد الصَّلَاة فَغسل كفيه نزلت كل خَطِيئَة من كفيه فَإِذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لِسَانه وشفتيه مَعَ أول قَطْرَة فاذ غسل(3/32)
وَجهه نزلت كل خَطِيئَة من سَمعه وبصره مَعَ أول قَطْرَة وَإِذا غسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ سلم من كل ذَنْب كَهَيْئَته يَوْم وَلدته أمه فَإِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع الله دَرَجَته وَإِن قعد قعد سالما
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء غسل يَدَيْهِ وَوَجهه وَمسح على رَأسه وَأُذُنَيْهِ ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة غفر لَهُ ذَلِك الْيَوْم مامشت رجله وقبضت عَلَيْهِ يَدَاهُ وَسمعت إِلَيْهِ أذنَاهُ وَنظرت إِلَيْهِ عَيناهُ وَحدث بِهِ نَفسه من سوء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من مُسلم يتَوَضَّأ فَيغسل يَدَيْهِ ويمضمض فَاه وَيتَوَضَّأ كَمَا أَمر الاحط عَنهُ ماأصاب يَوْمئِذٍ مانطق بِهِ فَمه وَمَا مس بيدَيْهِ وَمَا مَشى إِلَيْهِ حَتَّى أَن الْخَطَايَا لتتحادر من أَطْرَافه ثمَّ هُوَ إِذا مَشى إِلَى الْمَسْجِد فرِجل تكْتب حَسَنَة وَأُخْرَى تمحو سَيِّئَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ثَعْلَبَة بن عباد عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مامن عبد يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء فَيغسل وَجهه حَتَّى يسيل المَاء على ذقنه ثمَّ يغسل ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يسيل المَاء على مرفقيه ثمَّ يغسل رجلَيْهِ حَتَّى يسيل المَاء من كعبيه ثمَّ يقوم فَيصَلي الاغفر الله ماسلف من ذَنبه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم يتَوَضَّأ للصَّلَاة فيمضمض إلاخرج مَعَ قطر المَاء كل سَيِّئَة تكلم بهَا لِسَانه ولايستنشق الاخرج مَعَ قطر المَاء كل سَيِّئَة نظر إِلَيْهَا بهما ولايغسل شَيْئا من يَدَيْهِ إلاّ خرج مَعَ قطر المَاء كل سَيِّئَة مَشى بهما إِلَيْهَا فَإِذا خرج إِلَى الْمَسْجِد كتب لَهُ بِكُل خطْوَة خطاها حَسَنَة ومحا بهَا عَنهُ سَيِّئَة حَتَّى يَأْتِي مقَامه
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ: قلت يارسول الله أَخْبرنِي عَن الْوضُوء فَقَالَ: مامنكم من رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويمج ثمَّ يستنشق وينثر إِلَّا جرت خَطَايَا فِيهِ وخياشيمه مَعَ المَاء ثمَّ يغسل وَجهه كَمَا أمره الله إِلَّا جرت خَطَايَا وَجهه من أَطْرَاف لحيته مَعَ المَاء ثمَّ يغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين إِلَّا جرت خَطَايَا يَدَيْهِ بَين أَطْرَاف أنامله ثمَّ يمسح رَأسه كَمَا أمره الله الاجرت خَطَايَا رَأسه من أَطْرَاف شعره مَعَ المَاء ثمَّ يغسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ كَمَا أمره الله إِلَّا جرت(3/33)
خَطَايَا قَدَمَيْهِ من أَطْرَاف أَصَابِعه مَعَ المَاء ثمَّ يقوم فيحمد الله ويثني عَلَيْهِ بِالَّذِي هُوَ لَهُ أهل ثمَّ يرْكَع رَكْعَتَيْنِ إِلَّا انْصَرف من ذنُوبه كَهَيْئَته يَوْم وَلدته أمة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَيتم نعْمَته عَلَيْك} قَالَ: تَمام النِّعْمَة
دُخُول الْجنَّة لم تتمّ نعْمَته على عبد لم يدْخل الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والخطيب عَن معَاذ بن جبل قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الصَّبْر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَأَلت الْبلَاء فَاسْأَلْهُ المعافاة
وَمر على رجل وَهُوَ يَقُول: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك تَمام النِّعْمَة
قَالَ: ياابن آدم هَل تَدْرِي ماتمام النِّعْمَة قَالَ: يارسول الله دَعْوَة دَعَوْت بهَا رَجَاء الْخَيْر قَالَ: تَمام النِّعْمَة دُخُول الْجنَّة والفوز من النَّار
وَمر على رجل وَهُوَ يَقُول: يَاذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام
فَقَالَ: قد اسْتُجِيبَ لَك فسل
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتتم على عبد نعْمَة إِلَّا بِالْجنَّةِ(3/34)
وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
- قَوْله تَعَالَى: واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سمعنَا وأطعنا وَاتَّقوا الله إِن الله عليم بِذَات الصُّدُور
- أخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سمعنَا وأطعنا} حَتَّى ختم بعث الله النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأنزل عَلَيْهِ الْكتاب قَالُوا: آمنا بِالنَّبِيِّ وَالْكتاب وأقررنا بِمَا فِي التَّوْرَاة فأذكرهم الله ميثاقه الَّذِي أقرُّوا بِهِ على أنفسهم وَأمرهمْ بِالْوَفَاءِ بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم} قَالَ: النعم
آلَاء الله وميثاقه الَّذِي واثقكم بِهِ
قَالَ: الَّذِي واثق بِهِ بني آدم فِي ظهر آدم عَلَيْهِ السَّلَام(3/34)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوّامين لله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ ولايجرمنكم شنآن قوم على أَلا تعدلوا اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى(3/34)
وَاتَّقوا الله إِن الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ وعد الله الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَهُم مغْفرَة وَأجر عَظِيم وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم
- أخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن عبد الله بن كثير فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوّامين لله شُهَدَاء بِالْقِسْطِ} الْآيَة نزلت فِي يهود خَيْبَر ذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليستعينهم فِي دِيَة فَهموا ليقتلوه فَذَلِك قَوْله {وَلَا يجرمنكم شنآن قوم على أَلا تعدلوا} الْآيَة
وَالله أعلم(3/35)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)
- قَوْله يعالى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم فكفَّ أَيْديهم عَنْكُم وَاتَّقوا الله وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل منزلا فَتفرق النَّاس فِي العضاه يَسْتَظِلُّونَ تحتهَا فعلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلاحه بشجرة فجَاء أَعْرَابِي إِلَى سَيْفه فَأَخذه فَسَلَّهُ ثمَّ أقبل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من يمنعك مني قَالَ: الله
قَالَ الْأَعرَابِي: مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَة من يمنعك مني وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الله
فَشَام الْأَعرَابِي السَّيْف فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه فَأخْبرهُم بصنيع الْأَعرَابِي وَهُوَ جَالس إِلَى جنبه لم يُعَاقِبهُ
قَالَ معمر: وَكَانَ قَتَادَة يذكر نَحْو هَذَا وَيذكر أَن قوما من الْعَرَب أَرَادوا أَن يفتكوا بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأرسلوا هَذَا الْأَعرَابِي ويتألوا {اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم} الْآيَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَاتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محَارب خصفة بِنَخْل فَرَأَوْا من الْمُسلمين غرَّة فجَاء رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ غورث بن الْحَارِث قَامَ على رَأس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: من يمنعك قَالَ: الله فَوَقع السَّيْف من يَده فَأَخذه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: من يمنعك قَالَ: كن خيرا آخذ
قَالَ: تشهد أَن(3/35)
لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله قَالَ: أعاهدك أَن لَا أقاتلك وَلَا أكون مَعَ قوم يقاتلونك فخلى سَبيله فجَاء إِلَى قومه فَقَالَ: جِئتُكُمْ من عِنْد خير النَّاس فَلَمَّا حضرت الصَّلَاة صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فَكَانَ النَّاس طائفتين: طَائِفَة بِإِزَاءِ الْعَدو وَطَائِفَة تصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فانصرفوا فَكَانُوا مَوضِع الَّذين بِإِزَاءِ عدوهم وَجَاء أُولَئِكَ فصلى بهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ للنَّاس رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ وَلِلنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع رَكْعَات
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْحسن
أَن رجلا من محَارب يُقَال لَهُ غورث بن الْحَارِث قَالَ لِقَوْمِهِ: أقتل لكم مُحَمَّدًا قَالُوا لَهُ: كَيفَ تقتله فَقَالَ: أفتك بِهِ فَأقبل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس وسيفه فِي حجره فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أنظر إِلَى سَيْفك هَذَا قَالَ: نعم فَأَخذه فاستله وَجعل يهزه ويهم فيكبته الله فَقَالَ: يَا مُحَمَّد مَا تخافني وَفِي يَدي السَّيْف ورده إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم فكفَّ أَيْديهم عَنْكُم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من طَرِيق عَطاء وَالضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي حِين انْصَرف من بِئْر مَعُونَة لَقِي رجلَيْنِ كلابيين مَعَهُمَا أَمَان من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَتَلَهُمَا وَلم يعلم أم مَعَهُمَا أَمَانًا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذهب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني النَّضِير وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعلي فَتَلقاهُ بَنو النَّضِير فَقَالُوا: مرْحَبًا
يَا أَبَا الْقَاسِم لماذا جِئْت قَالَ: رجل من أَصْحَابِي قتل رجلَيْنِ من بني كلاب مَعَهُمَا أَمَان مني طلب مني دِيَتهمَا فَأُرِيد أَن تُعِينُونِي
قَالُوا: نعم أقعد حَتَّى نجمع لَك
فَقعدَ تَحت الْحصن وَأَبُو بكر وَعمر وَعلي وَقد تآمر بَنو النَّضِير أَن يطْرَحُوا عَلَيْهِ حجرا فجَاء جِبْرِيل فاخبره بِمَا هموا بِهِ فَقَامَ بِمن مَعَه وَأنزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس
نَحوه
وَأخرج أَيْضا عَن عُرْوَة وَزَاد بعد نزُول الْآيَة وَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإجلائهم لما أَرَادوا فَأَمرهمْ أَن يخرجُوا من دِيَارهمْ
قَالُوا: إِلَى أَيْن قَالَ: إِلَى الْحَشْر
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَاصِم بن عمر بن قَتَادَة وَعبد الله بن أبي بكر قَالَا: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني النَّضِير يَسْتَعِينهُمْ على دِيَة الْعَامِرِيين(3/36)
اللَّذين قَتلهمَا عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي فَلَمَّا جَاءَهُم خلا بَعضهم بِبَعْض فَقَالُوا: إِنَّكُم لن تَجدوا مُحَمَّدًا أقرب مِنْهُ الْآن فَمروا رجلا يظْهر على هَذَا الْبَيْت فيطرح عَلَيْهِ صَخْرَة فَيُرِيحنَا مِنْهُ
فَقَالَ عمر بن جحاش بن كَعْب: أَنا فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخَبَر فَانْصَرف فَأنْزل الله فيهم وَفِيمَا أَرَادَ هُوَ وَقَومه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم} قَالَ: هم يهود
دخل عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَائِطا لَهُم وَأَصْحَابه من وَرَاء جِدَاره فاستعانهم فِي مغرم فِي دِيَة غرمها ثمَّ قَامَ من عِنْدهم فائتمروا بَينهم بقتْله فَخرج يمشي الْقَهْقَرَى مُعْتَرضًا ينظر إِلَيْهِم ثمَّ دَعَا أَصْحَابه رجلا رجلا حَتَّى تقاوموا إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن يزِيد بن زِيَاد قَالَ: جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير يَسْتَعِينهُمْ فِي عقل أَصَابَهُ وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعلي فَقَالَ أعينوني فِي عقل أصابني
فَقَالُوا: نعم يَا أَبَا الْقَاسِم قد آن لَك تَأْتِينَا وتسألنا حَاجَة اجْلِسْ حَتَّى نُطْعِمك ونعطيك الَّذِي تسألنا فَجَلَسَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ينتظرونه وَجَاء حييّ بن أَخطب فَقَالَ حييّ لأَصْحَابه: لَا تَرَوْنَهُ أقرب مِنْهُ الْآن اطرحوا عَلَيْهِ حِجَارَة فَاقْتُلُوهُ وَلَا ترَوْنَ شرا أبدا فجاؤوا إِلَى رحى لَهُم عَظِيمَة ليطرحوها عَلَيْهِ فَأمْسك الله عَنْهَا أَيْديهم حَتَّى جَاءَهُ جِبْرِيل فأقامه من بَينهم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ هم قوم} الْآيَة
فَأخْبر الله نبيه مَا أَرَادوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك فِي الْآيَة قَالَ: نزلت فِي كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه حِين أَرَادوا أَن يغروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُنْذر بن عَمْرو أحد النُّقَبَاء لَيْلَة الْعقبَة فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِلَى غطفان فَالْتَقوا على مَاء من مياه عَامر فَاقْتَتلُوا فَقتل الْمُنْذر ابْن عَمْرو وَأَصْحَابه إِلَّا ثَلَاثَة نفر كَانُوا فِي طلب ضَالَّة لَهُم فَلم يرعهم إِلَّا وَالطير تجول فِي جوّ السَّمَاء يسْقط من خراطيمها علق الدَّم فَقَالُوا قتل أَصْحَابنَا والرحمن
فَانْطَلق رجل مِنْهُم فلقي رجلا فاختلفا ضربتين فَلَمَّا خالطه الضَّرْبَة رفع طرفه إِلَى السَّمَاء ثمَّ رفع عَيْنَيْهِ فَقَالَ: الله(3/37)
أكبر
الْجنَّة وَرب الْعَالمين وَكَانَ يرْعَى أعنق ليَمُوت فَانْطَلق صَاحِبَاه فلقيا رجلَيْنِ من بني سليم فانتسبا لَهما إِلَى بني عَامر فَقَتَلَاهُمَا وَكَانَ بَينهمَا وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم موادعة فَقدم قومهما على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يطْلبُونَ عقلهما فَانْطَلق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف حَتَّى دخلُوا على بني النَّضِير يستعينونهم فِي عقلهما فَقَالُوا: نعم
فاجتمعت يهود على أَن يقتلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فَاعْتَلُّوا لَهُ بصنعة الطَّعَام فَلَمَّا أَتَاهُ جِبْرِيل بِالَّذِي أجمع لَهُ يهود من الْغدر خرج ثمَّ أعَاد عليا فَقَالَ: لاتبرح من مَكَانك هَذَا فَمن مر بك من أَصْحَابِي فسألك عني فَقل: وَجه إِلَى الْمَدِينَة فأدركوه فجعلو يَمرونَ على عَليّ فَيَقُول لَهُم الَّذِي أمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى عَلَيْهِ آخِرهم ثمَّ تَبِعَهُمْ فَفِي ذَلِك أنزلت {إِذْ هم قوم أَن يبسطوا إِلَيْكُم أَيْديهم} حَتَّى {وَلَا تزَال تطلع على خَائِنَة مِنْهُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ إِن قوما من الْيَهُود صَنَعُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأصحابه طَعَاما ليقتلوه فَأوحى الله إِلَيْهِ بشأنهم فَلم يَأْتِ الطَّعَام وَأمر أَصْحَابه فَلم يأتوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ ذكر لنا أَنَّهَا أنزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِبَطن نخل فِي الْغَزْوَة الثَّانِيَة فَأَرَادَ بَنو ثَعْلَبَة وَبَنُو محَارب ان يفتكوا بِهِ فأطلعه الله على ذَلِك ذكر لنا أَن رجلا انتدب لقَتله فَأتى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيفه مَوْضُوع فَقَالَ: آخذه يارسول الله قَالَ: خُذْهُ
قَالَ: استله قَالَ: نعم
فاستله فَقَالَ: من يمنعك مني قَالَ: الله يَمْنعنِي مِنْك فهدده أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأغلظوا لَهُ القَوْل فَشَام السَّيْف فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه بالرحيل فأنزلت عَلَيْهِ صَلَاة الْخَوْف عِنْد ذَلِك(3/38)
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَقَد أَخذ الله مِيثَاق بني إِسْرَائِيل وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا وَقَالَ الله إِنِّي مَعكُمْ لَئِن أقمتم الصَّلَاة وَآتَيْتُم الزَّكَاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ ولأدخلنكم جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار فَمن كفر بعد ذَلِك مِنْكُم فقد ضل سَوَاء السَّبِيل(3/38)
- أخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وَلَقَد أَخذ الله مِيثَاق بني إِسْرَائِيل} قَالَ: أَخذ الله مواثيقهم أَن يخلصوا لَهُ وَلَا يعبدوا غَيره {وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا} يَعْنِي بذلك وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر كَفِيلا فكفلوا عَلَيْهِم بِالْوَفَاءِ لله بِمَا وثقوا عَلَيْهِ من العهود فِيمَا أَمرهم عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {اثْنَي عشر نَقِيبًا} قَالَ: من كل سبط من بني إِسْرَائِيل رجال أرسلهم مُوسَى إِلَى الجبارين فوجدوهم يدْخل فِي كم أحدهم اثْنَان ولايحمل عنقود عنبهم إِلَّا خَمْسَة أنفس بَينهم فِي خَشَبَة وَيدخل فِي شطر الرمانة إِذا نزع حبها خَمْسَة أنفس وَأَرْبَعَة فَرجع النُّقَبَاء كل مِنْهُم ينْهَى سبطه عَن قِتَالهمْ إِلَّا يُوشَع بن نون وكالب بن بَاقِيَة
أمرا الأسباط بِقِتَال الجبارين ومجاهدتهم فعصوهما وأطاعوا الآخرين فهما الرّجلَانِ اللَّذَان أنعم الله عَلَيْهِمَا فتاهت بَنو إِسْرَائِيل أَرْبَعِينَ سنة يُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسوا وَيُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبحُوا فِي تيههم ذَلِك فَضرب مُوسَى الْحجر لكل سبط عينا حجر لَهُم يحملونه مَعَهم فَقَالَ لَهُم مُوسَى: اشربوا ياحمير
فَنَهَاهُ الله عَن سبهم وَقَالَ: هم خلقي فَلَا تجعلهم حميراً
والسبط كل بطن بني فلَان
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: أَمر الله بني إِسْرَائِيل بالسير إِلَى أريحاء - وَهِي أَرض بَيت الْمُقَدّس - فَسَارُوا حَتَّى إِذا كَانُوا قَرِيبا مِنْهُ أرسل مُوسَى اثْنَي عشر نَقِيبًا من جَمِيع أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل فَسَارُوا يُرِيدُونَ أَن يأتوه بِخَبَر الْجَبَابِرَة فَلَقِيَهُمْ رجل من الجبارين يُقَال لَهُ عاج فَأخذ اثْنَي عشر فجعلهم فِي حجزته وعَلى رَأسه حزمة حطب فَانْطَلق بهم إِلَى امْرَأَته فَقَالَ: انظري إِلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين يَزْعمُونَ أَنهم يُرِيدُونَ أَن يقاتلونا فطرحهم بَين يَديهَا فَقَالَ: أَلا أطحنهم برجلي فَقَالَت امْرَأَته: بل خل عَنْهُم حَتَّى يخبروا قَومهمْ بِمَا رَأَوْا
فَفعل ذَلِك فَلَمَّا خرج الْقَوْم قَالَ بَعضهم لبَعض: ياقوم إِنَّكُم ان أخبرتم بني إِسْرَائِيل خبر الْقَوْم ارْتَدُّوا عَن نَبِي الله وَلَكِن اكتموه ثمَّ رجعُوا فَانْطَلق عشرَة مِنْهُم فَنَكَثُوا الْعَهْد فَجعل كل مِنْهُم يخبرأخاه وأباه بِمَا رأى من عاج وكتم رجلَانِ مِنْهُم فَأتوا مُوسَى وهاورن فأخبروهما فَذَلِك حِين يَقُول الله {وَلَقَد أَخذ الله مِيثَاق بني إِسْرَائِيل وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا} قَالَ: شَهِيدا من كل سبط رجل شَاهد على قومه(3/39)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: النُّقَبَاء الْأُمَنَاء
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {اثْنَي عشر نَقِيبًا}
قَالَ: اثْنَي عشر وزيراً وصاروا أَنْبيَاء بعد ذَلِك
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: وَإِنِّي بِحَق قَائِل لسراتها مقَالَة نصح لايضيع نقيبها وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله عز وَجل {اثْنَي عشر نَقِيبًا} قَالَ: هم من بني إِسْرَائِيل بَعثهمْ مُوسَى لينظروا إِلَى الْمَدِينَة فجاؤوا بِحَبَّة من فاكهتهم فَعِنْدَ ذَلِك فتنُوا فَقَالُوا: لانستطيع الْقِتَال فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو صدقني وآمن بِي واتبعني عشرَة من الْيَهُود لأسلم كل يَهُودِيّ كَانَ قَالَ كَعْب اثْنَي عشر وتصديق ذَلِك فِي الْمَائِدَة {وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا}
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود
أَنه سُئِلَ كم يملك هَذِه الْأمة من خَليفَة فَقَالَ: سَأَلنَا عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اثْنَا عشر كعدة بني إِسْرَائِيل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس
أَن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ للنقباء الاثْنَي عشر: سِيرُوا الْيَوْم فحدثوني حَدِيثهمْ وَمَا امرهم ولاتخافوا إِن الله {مَعكُمْ لَئِن أقمتم الصَّلَاة وَآتَيْتُم الزَّكَاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وعزرتموهم} قَالَ: أعنتموهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وعزرتموهم} قَالَ: نصرتموهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: التعزيز والتوقير
النُّصْرَة وَالطَّاعَة(3/40)
فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)
- قَوْله تَعَالَى: فبمَا نقضهم ميثاقهم لعناهم وَجَعَلنَا قُلُوبهم قاسية يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه ونسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ وَلَا تزَال تطلع على خَائِنَة مِنْهُم إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فاعفوا عَنْهُم وَاصْفَحْ أَن الله يحب الْمُحْسِنِينَ(3/40)
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فبمَا نقضهم ميثاقهم} قَالَ: هُوَ مِيثَاق أَخذه الله على أهل التَّوْرَاة فنقضوه
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فبمَا نقضهم} يَقُول: فبنقضهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فبمَا نقضهم ميثاقهم لعناهم} قَالَ: اجتنبوا نقض الْمِيثَاق فَإِن الله قدم فِيهِ وأوعد فِيهِ وَذكره فِي آي من الْقُرْآن تقدمة ونصيحة وَحجَّة وَإِنَّمَا بِعظم عظمها الله بِهِ عِنْد أولي الْفَهم وَالْعقل وَأهل الْعلم بِاللَّه وانا مانعلم الله أوعد فِي ذَنْب مَا أوعد فِي نقض الْمِيثَاق
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه} يَعْنِي حُدُود الله فِي التَّوْرَاة يَقُول: ان أَمركُم مُحَمَّد بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ فاقبلوه وَإِن خالفكم فاحذروا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ونسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: نسوا الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ونسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: نسوا الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ونسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: كتاب الله إِذا نزل عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {ونسوا حظاً} تركُوا نَصِيبا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {ونسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: عرى دينهم ولطائف الله الَّتِي لايقبل الْأَعْمَال إِلَّا بهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: نسوا كتاب الله بَين أظهرهم وَعَهده الَّذِي عَهده إِلَيْهِم وَأمره الَّذِي أَمرهم بِهِ وضيعوا فَرَائِضه وعطلوا حُدُوده وَقتلُوا رسله ونبذوا كِتَابه
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأحمد فِي الزّهْد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِنِّي لأحسب الرجل ينسى الْعلم كَانَ يُعلمهُ بالخطيئة يعملها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تزَال تطلع على خَائِنَة مِنْهُم} قَالَ: هم يهود مثل الَّذِي هموا بِهِ من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم دخل عَلَيْهِم حائطهم(3/41)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تزَال تطلع على خَائِنَة مِنْهُم} يَقُول: على خِيَانَة وَكذب وفجور
وَفِي قَوْله {فَاعْفُ عَنْهُم وَاصْفَحْ} قَالَ: لم يُؤمر يَوْمئِذٍ بقتالهم فَأَمرهمْ الله أَن يعْفُو عَنْهُم ويصفح ثمَّ نسخ ذَلِك فِي بَرَاءَة فَقَالَ {قَاتلُوا الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الآخر} التَّوْبَة الْآيَة 29 الْآيَة(3/42)
وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخذنَا ميثاقهم فنسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ فأغرينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وسوف ينبئهم الله بِمَا كَانُوا يصنعون
- أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} قَالَ: كَانُوا بقرية يُقَال لَهَا ناصرة كَانَ عِيسَى بن مَرْيَم ينزلها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} قَالَ: كَانُوا بقرية يُقَال لَهَا ناصرة نزلها عِيسَى وَهُوَ اسْم تسموا بِهِ وَلم يؤمروا بِهِ
وَفِي قَوْله {ميثاقهم فنسوا حظاً مِمَّا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: نسوا كتاب الله بَين أظهرهم وعهد الله الَّذِي عهد لَهُم وَأمر الله الَّذِي أَمر بِهِ وضيعوا فَرَائِضه {فأغرينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: بأعمالهم أَعمال السوء وَلَو أَخذ الْقَوْم بِكِتَاب الله وَأمره ماتفرقوا وماتباغضوا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {فأغرينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: أغرى بَعضهم بَعْضًا بالخصومات والجدال فِي الدّين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم فِي الْآيَة قَالَ: مَا أرى الإغراء فِي هَذِه الْآيَة إِلَّا الْأَهْوَاء الْمُخْتَلفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: إِن الله تقدم إِلَى بني إِسْرَائِيل أَن لايشتروا بآيَات الله ثمنا قَلِيلا ويعلموا الْحِكْمَة ولايأخذوا عَلَيْهَا أجرا فَلم يفعل ذَلِك إِلَّا قَلِيل(3/42)
مِنْهُم فَأخذُوا الرِّشْوَة فِي الحكم وجاوزوا الْحُدُود فَقَالَ فِي الْيَهُود حَيْثُ حكمُوا بِغَيْر مَا أَمر الله {وألقينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} الْمَائِدَة الْآيَة 64 وَقَالَ فِي النَّصَارَى {فنسوا حَظًّا مِمَّا ذكرُوا بِهِ فأغرينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة}(3/43)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم كثيرا مِمَّا كُنْتُم تخفون من الْكتاب ويعفوا عَن كثير قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين يهدي بِهِ الله من اتبع رضوانه سبل السَّلَام ويخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِهِ ويهديهم إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم قل فَمن يملك من الله شَيْئا إِن أَرَادَ أَن يهْلك الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَأمه وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا وَللَّه ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا يخلق مايشاء وَالله على كل شَيْء قدير
- أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: لما أخبر الْأَعْوَر سمويل بن صوريا الَّذِي صدق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرَّجْم أَنه فِي كِتَابهمْ وَقَالَ: لَكنا نخفيه فَنزلت {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم كثيرا مِمَّا كُنْتُم تخفون من الْكتاب} وَهُوَ شَاب أَبيض طَوِيل من أهل فدك
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يبين لكم كثيرا} يَقُول: يبين لكم مُحَمَّد رَسُولنَا كثيرا مِمَّا كُنْتُم تكتمونه النَّاس: ولاتبينونه لَهُم مِمَّا فِي كتابكُمْ وَكَانَ مِمَّا يخفونه من كِتَابهمْ فبينه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس: رجم الزَّانِيَيْنِ المحصنين(3/43)
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ الْيَهُود يسألونه عَن الرَّجْم فَقَالَ: أَيّكُم أعلم فأشاروا إِلَى ابْن صوريا فَنَاشَدَهُ بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَالَّذِي رفع الطّور بالمواثيق الَّتِي أخذت عَلَيْهِم هَل تَجِدُونَ الرَّجْم فِي كتابكُمْ فَقَالَ: إِنَّه لما كثر فِينَا جلدنا مائَة وحلقنا الرؤوس فَحكم عَلَيْهِم بِالرَّجمِ فَأنْزل الله {يَا أهل الْكتاب} إِلَى قَوْله {صِرَاط مُسْتَقِيم}
وَأخرج ابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من كفر بِالرَّجمِ فقد كفر بِالْقُرْآنِ من حَيْثُ لايحتسب
قَالَ تَعَالَى {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم كثيرا مِمَّا كُنْتُم تخفون من الْكتاب} قَالَ: فَكَانَ الرَّجْم مِمَّا أخفوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيَعْفُو عَن كثير} من ذنُوب الْقَوْم جَاءَ مُحَمَّد باقالة مِنْهَا وَتجَاوز إِن اتَّبعُوهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يهدي بِهِ الله من اتبع رضوانه سبل السَّلَام} قَالَ: سَبِيل الله الَّذِي شَرعه لِعِبَادِهِ ودعاهم إِلَيْهِ وابتعث بِهِ رسله وَهُوَ الْإِسْلَام الَّذِي لايقبل من أحد عمل إِلَّا بِهِ لَا الْيَهُودِيَّة وَلَا النَّصْرَانِيَّة وَلَا الْمَجُوسِيَّة
وَالله تَعَالَى أعلم(3/44)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (18)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه قل فَلم يعذبكم بذنوبكم بل أَنْتُم بشر مِمَّن خلق يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء وَللَّه ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا وَإِلَيْهِ الْمصير
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْن أبي وبحري بن عَمْرو وشاس بن عدي فَكَلَّمَهُمْ وكلموه ودعاهم إِلَى الله وحذرهم نقمته فَقَالُوا: ماتخوفنا يامحمد نَحن وَالله أَبنَاء الله وأحباؤه كَقَوْل النَّصَارَى فَأنْزل الله فيهم {وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى} إِلَى آخر الْآيَة وَالله تَعَالَى أعلم
قَوْله تَعَالَى: {قل فَلم يعذبكم} الْآيَة(3/44)
أخرج أَحْمد عَن أنس قَالَ مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر من أَصْحَابه وَصبي فِي الطَّرِيق فَلَمَّا رَأَتْ أمه الْقَوْم خشيت على وَلَدهَا أَن يُوطأ فَأَقْبَلت تسْعَى وَتقول: ابْني ابْني
فَأَخَذته فَقَالَ الْقَوْم: يارسول الله ماكانت هَذِه لتلقي ابْنهَا فِي النَّار فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لاوالله ولايلقى حَبِيبه فِي النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله لايعذب الله حَبِيبه وَلَكِن يَبْتَلِيه فِي الدُّنْيَا
أخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {يغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء} يَقُول: يهدي مِنْكُم من يَشَاء فِي الدُّنْيَا فَيغْفر لَهُ وَيُمِيت من يَشَاء مِنْكُم على كفره فيعذبه(3/45)
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (19)
- قَوْله يعالى: يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة من الرُّسُل أَن تَقولُوا مَا جَاءَنَا من بشير وَلَا نَذِير فقد جَاءَكُم بشير ونذير وَالله على كل شَيْء قدير
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهود إِلَى الْإِسْلَام فرغبهم فِيهِ وحذرهم فَأَبَوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُم معَاذ بن جبل وَسعد بن عبَادَة وَعقبَة بن وهب: يامعشر يهود اتَّقوا الله فوَاللَّه إِنَّكُم لتعلمون أَنه رَسُول الله لقد كُنْتُم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بِصفتِهِ فَقَالَ رَافع بن حُرَيْمِلَة ووهب بن يهودا: ماقلنا لكم هَذَا وَمَا أنزل الله من كتاب من بعد مُوسَى وَلَا أرسل بشيراً وَلَا نذيراً بعده فَأنْزل الله {يَا أهل الْكتاب قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد جَاءَكُم رَسُولنَا يبين لكم على فَتْرَة من الرُّسُل} قَالَ: هُوَ مُحَمَّد جَاءَ بِالْحَقِّ الَّذِي فتر بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل فِيهِ بَيَان وموعظة وَنور وَهدى وعصمة لمن أَخذ بِهِ قَالَ: وَكَانَت الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَذكر لنا أَنه كَانَت سِتّمائَة سنة أَو ماشاء الله من ذَلِك(3/45)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق معمر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {على فَتْرَة من الرُّسُل} قَالَ: كَانَ بَين عِيسَى وَمُحَمّد خَمْسمِائَة سنة وَسِتُّونَ
قَالَ معمر: قَالَ الْكَلْبِيّ: خَمْسمِائَة سنة وَأَرْبَعُونَ سنة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَت الفترة خَمْسمِائَة سنة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَت الفترة بَين عِيسَى وَمُحَمّد أَرْبَعمِائَة سنة وبضعاً وَثَلَاثِينَ سنة(3/46)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يُؤْت أحدا من الْعَالمين
- أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكاً} قَالَ: وَاسم الله قد جعل نَبيا وجعلكم ملوكاً على رِقَاب النَّاس فاشكروا نعْمَة الله إِن الله يحب الشَّاكِرِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قوم اذْكروا نعْمَة الله عَلَيْكُم إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكاً} قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنهم أول من سخَّر لَهُم الخدم من بني آدم وملكوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: ملَّكهم الخدم وَكَانُوا أول من ملك الخدم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: كَانَ الرجل من بني إِسْرَائِيل إِذا كَانَت لَهُ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّار يُسمى ملكا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالْبَيْت
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِذْ جعل فِيكُم أَنْبيَاء وجعلكم ملوكاً} قَالَ: الْمَرْأَة الْخَادِم {وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين} قَالَ: الَّذين هم بَين ظهرانيهم يَوْمئِذٍ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا كَانَ لأَحَدهم خَادِم ودابة وَامْرَأَة كتب ملكا(3/46)
وَأخرج ابْن جرير وَالزُّبَيْر بن بكار فِي الموفقيات عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ بَيت وخادم فَهُوَ ملك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسليه عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ بَيت وخادم فَهُوَ ملك
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسليه عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوْجَة ومسكن وخادم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
أَنه سَأَلَهُ رجل: أَلسنا من فُقَرَاء الْمُهَاجِرين قَالَ: أَلَك امْرَأَة تأوي إِلَيْهَا قَالَ: نعم
قَالَ: أَلَك مسكن تسكنه قَالَ: نعم
قَالَ: فَأَنت من الْأَغْنِيَاء
قَالَ: إِن لي خَادِمًا
قَالَ: فَأَنت كم الْمُلُوك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: جعل لَهُم أَزْوَاجًا وخدماً وبيوتاً {وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين} المنَّ والسلوى وَالْحجر والغمام
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وجعلكم ملوكاً} قَالَ: وَهل الْملك إِلَّا مركب وخادم وَدَار
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وآتاكم مَا لم يُؤْت أحدا من الْعَالمين} قَالَ: الْمَنّ والسلوى(3/47)
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)
- قَوْله تَعَالَى: يَا قوم ادخُلُوا الأَرْض المقدسة الَّتِي كتب الله لكم وَلَا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين
- أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الأَرْض المقدسة} قَالَ: هِيَ الْمُبَارَكَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن معَاذ بن جبل قَالَ: الأَرْض مابين الْعَريش إِلَى الْفُرَات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الأَرْض المقدسة} قَالَ: هِيَ الشَّام
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {الَّتِي كتب الله لكم} قَالَ: أَمركُم الله بهَا(3/47)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أَمر الْقَوْم كَمَا أمروا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة وَالْحج وَالْعمْرَة(3/48)
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)
- قَوْله تَعَالَى: قَالُوا ياموسى إِن فِيهَا قوما جبارين وَإِنَّا لن ندْخلهَا حَتَّى يخرجُوا مِنْهَا فَإِن يخرجُوا مِنْهَا فَإنَّا داخلون قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون وعَلى الله فتوكلوا إِن كُنْتُم مُؤمنين
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِن فِيهَا قوما جبارين} قَالَ: ذكر لنا أَنهم كَانَت لَهُم أجسام وَخلق لَيست لغَيرهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا مُوسَى إِن فِيهَا قوما جبارين} قَالَ: هم أطول منا أجساماً وَأَشد قوّة
وَأخرج ابْن عبد الحكم فِي فتوح مصر عَن أبي ضَمرَة قَالَ: استظل سَبْعُونَ رجلا من قوم مُوسَى خلف رجل من العماليق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن زيد بن أسلم قَالَ: بَلغنِي أَنه رُئِيَتْ ضبع وَأَوْلَادهَا رابضة فِي فجاج عين رجل من العمالقة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك
أَنه أَخذ عَصا فذرع فِيهَا شَيْئا ثمَّ قَاس فِي الأَرْض خمسين أَو خمْسا وَخمسين ثمَّ قَالَ: هَكَذَا أطوال العماليق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَمر مُوسَى أَن يدْخل مَدِينَة الجبارين فَسَار بِمن مَعَه حَتَّى نزل قَرِيبا من الْمَدِينَة وَهِي أريحاء فَبعث إِلَيْهِم اثْنَي عشر نَقِيبًا من كل سبط مِنْهُم عين فيأتوه بِخَبَر الْقَوْم فَدَخَلُوا الْمَدِينَة فَرَأَوْا أمرا عَظِيما من هيبتهم وجسمهم وعظمهم فَدَخَلُوا حَائِطا لبَعْضهِم فجَاء صَاحب الْحَائِط ليجني من حَائِطه فَجعل يحش الثِّمَار فَنظر إِلَى آثَارهم فَتَبِعهُمْ فَكلما أصَاب وَاحِد مِنْهُم أَخذه فَجعله فِي كمه مَعَ الْفَاكِهَة وَذهب إِلَى ملكهم فنثرهم بَين يَدَيْهِ فَقَالَ الْملك: قد رَأَيْتُمْ شَأْننَا وأمرنا اذْهَبُوا فَأخْبرُوا صَاحبكُم
قَالَ: فَرَجَعُوا إِلَى مُوسَى فأخبروه بِمَا عاينوا من أَمرهم
فَقَالَ: اكتموا عَنَّا فَجعل الرجل يخبر أَبَاهُ(3/48)
وَصديقه وَيَقُول: اكتم عني فأشيع ذَلِك فِي عَسْكَرهمْ وَلم يكتم مِنْهُم الارجلان يُوشَع بن نون وكالب بن يوحنا وهم اللَّذَان أنزل الله فيهمَا {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ادخُلُوا الأَرْض المقدسة} قَالَ: هِيَ مَدِينَة الجبارين لما نزل بهَا مُوسَى وَقَومه بعث مِنْهُم اثْنَي عشر رجلا وهم النُّقَبَاء الَّذين ذكرهم الله تَعَالَى ليأتوهم بخبرهم فَسَارُوا فَلَقِيَهُمْ رجل من الجبارين فجعلهم فِي كساءته فحملهم حَتَّى أَتَى بهم الْمَدِينَة ونادى فِي قومه: فَاجْتمعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: من أَنْتُم قَالُوا: نَحن قوم مُوسَى بعثنَا لنأتيه بخبركم فأعطوهم حَبَّة من عِنَب تَكْفِي الرجل وَقَالُوا لَهُم: اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَومه فَقولُوا لَهُم: أقدروا قدر فاكهتهم فَلَمَّا أتوهم قَالُوا: ياموسى {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 24 {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} وَكَانَا من أهل الْمَدِينَة أسلما واتبعا مُوسَى فَقَالَا لمُوسَى {ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب فَإِذا دخلتموه فَإِنَّكُم غالبون} وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالَ رجلَانِ} قَالَ: يُوشَع بن نون وكالب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ فِي قَوْله {قَالَ رجلَانِ} قَالَ: كالب ويوشع بن نون فَتى مُوسَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} قَالَ: فِي بعض الْقِرَاءَة (يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا)
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَا من الْعَدو فصارا مَعَ مُوسَى
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ} بِرَفْع الْيَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {من الَّذين يخَافُونَ} بِنصب الْيَاء فِي يخَافُونَ(3/49)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} بِالْهدى فهداهما فَكَانَا على دين مُوسَى وَكَانَا فِي مَدِينَة الجبارين
وَأخرج ابْن جرير عَن سهل بن عَليّ {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} بالخوف
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا} قَالَ: هم النُّقَبَاء
وَفِي قَوْله {ادخُلُوا عَلَيْهِم الْبَاب} قَالَ: هِيَ قَرْيَة الجبارين(3/50)
قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)
- قَوْله تَعَالَى: قَالُوا ياموسى إِنَّا لن ندْخلهَا أبدا ماداموا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ
- أخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سَار إِلَى بدر اسْتَشَارَ الْمُسلمين فَأَشَارَ عَلَيْهِ عمر ثمَّ استشارهم فَقَالَت الْأَنْصَار: يامعشر الْأَنْصَار إيَّاكُمْ يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالُوا: لَا نقُول كَمَا قَالَت بَنو اسرئيل لمُوسَى {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَو ضربت أكبادها إِلَى برك الغماد لاتبعناك
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عتبَة بن عبد السّلمِيّ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاصحابه ألاتقاتلون قَالُوا: نعم
ولانقول كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِن اذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا مَعكُمْ مُقَاتِلُونَ
وَأخرج أَحْمد عَن طَارق بن شهَاب أَن الْمِقْدَاد قَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر يارسول الله انا لانقول كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِن اذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا مَعكُمْ مُقَاتِلُونَ
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لقد شهِدت من الْمِقْدَاد مشهداً لِأَن أكون أَنا صَاحبه أحب إليَّ مِمَّا عدل بِهِ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَدْعُو على الْمُشْركين قَالَ: وَالله يارسول الله لانقول كَمَا قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لمُوسَى {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} وَلَكِن نُقَاتِل عَن يَمِينك(3/50)
وَعَن يسارك وَمن بَين يَديك وَمن خَلفك فَرَأَيْت وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشرق لذَلِك وسر بذلك
وَأخرج ابْن جريرعن قَتَادَة ذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه يَوْم الْحُدَيْبِيَة حِين صد الْمُشْركُونَ الْهَدْي وحيل بَينهم وَبَين مناسكهم إِنِّي ذَاهِب بِالْهَدْي فناحره عِنْد الْبَيْت
فَقَالَ الْمِقْدَاد بن الْأسود: اما وَالله لانكون كالملأ من بني إِسْرَائِيل إِذْ قَالُوا لنبيهم {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ}(3/51)
قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَ رَبِّي إِنِّي لَا أملك إِلَّا نَفسِي وَأخي فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الْفَاسِقين
- أخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: غضب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حِين قَالَ لَهُ الْقَوْم: {فَاذْهَبْ أَنْت وَرَبك فَقَاتلا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ} فَدَعَا عَلَيْهِم فَقَالَ: {رب إِنِّي لَا أملك إِلَّا نَفسِي وَأخي فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الْفَاسِقين} وَكَانَ عجلة من مُوسَى عجلها فَلَمَّا ضرب عَلَيْهِم التيه نَدم مُوسَى فَلَمَّا نَدم أوحى الله إِلَيْهِ {فَلَا تأس على الْقَوْم الْفَاسِقين} الْمَائِدَة الْآيَة 26 لاتحزن على الْقَوْم الَّذين سميتهم فاسقين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فافرق بَيْننَا وَبَين الْقَوْم الْفَاسِقين} يَقُول: افصل بَيْننَا وَبينهمْ(3/51)
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)
- قَوْله تَعَالَى: قَالَ فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة يتيهون فِي الأَرْض فَلَا تأس على الْقَوْم الْفَاسِقين
- أخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم} قَالَ: أبدا
وَفِي قَوْله {يتيهون فِي الأَرْض} قَالَ: أَرْبَعِينَ سنة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنهم بعثوا اثْنَي عشر رجلا من كل سبط رجلا عيُونا ليأتوهم بِأَمْر الْقَوْم فَأَما عشرَة فجبنوا قَومهمْ وكرهوا إِلَيْهِم الدُّخُول وَأما يُوشَع بن نون وَصَاحبه فأمرا بِالدُّخُولِ واستقاما على أَمر الله ورغبا(3/51)
قَومهمْ فِي ذَلِك وأخبراهم فِي ذَلِك أَنهم غالبون حَتَّى بلغ {هَا هُنَا قَاعِدُونَ}
قَالَ: لما جبن الْقَوْم عَن عدوّهم وَتركُوا أَمر رَبهم قَالَ الله {فَإِنَّهَا مُحرمَة عَلَيْهِم أَرْبَعِينَ سنة} إِنَّمَا يشربون مَاء الاطوار لايهبطون قَرْيَة ولامصرا ولايهتدون لَهَا وَلَا يقدرُونَ على ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: حرمت عَلَيْهِم الْقرى فَكَانُوا لَا يهبطون قَرْيَة وَلَا يقدرُونَ على ذَلِك إِنَّمَا يتبعُون الاطواء أَرْبَعِينَ سنة والاطواء الركايا وَذكر لنا أَن مُوسَى توفّي فِي الْأَرْبَعين سنة وَأَنه لم يدْخل بَيت الْمُقَدّس مِنْهُم إِلَّا أبناؤهم وَالرجلَانِ اللَّذَان قَالَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تاهوا أَرْبَعِينَ سنة فَهَلَك مُوسَى وهرون فِي التيه وكل من جَاوز الْأَرْبَعين سنة فَلَمَّا مَضَت الْأَرْبَعُونَ سنة ناهضهم يُوشَع بن نون وَهُوَ الَّذِي قَامَ بِالْأَمر بعد مُوسَى وَهُوَ الَّذِي قيل لَهُ الْيَوْم يَوْم الْجُمُعَة فَهموا بافتتاحها فدنت الشَّمْس للغروب فخشي إِن دخلت لَيْلَة السبت أَن يُسْبِتُوا فَنَادَى الشَّمْس: إِنِّي مَأْمُور وَإنَّك مأمورة
فوقفت حَتَّى افتتحها فَوجدَ فِيهَا من الْأَمْوَال مالم ير مثله قطّ فقربوه إِلَى النَّار فَلم تأتِ فَقَالَ: فِيكُم غلُول فَدَعَا رُؤُوس الاسباط وهم اثْنَا عشر رجلا فبايعهم فالتصقت يَد رجل مِنْهُم بِيَدِهِ فَقَالَ: الْغلُول عنْدك فَأخْرجهُ فَأخْرج رَأس بقرة من ذهب لَهَا عينان من ياقوت وأسنان من لُؤْلُؤ فوضعا مَعَ القربان فَأَتَت النَّار فَأَكَلتهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: تاهت بَنو إِسْرَائِيل أَرْبَعِينَ سنة يُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسوا وَيُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبحُوا فِي تيهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل لما حرم الله عَلَيْهِم أَن يدخلُوا الأَرْض المقدسة أَرْبَعِينَ سنة يتيهون فِي الأَرْض شكوا إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: مانأكل فَقَالَ: إِن الله سيأتكم بِمَا تَأْكُلُونَ
قَالُوا: من أَيْن قَالَ: إِن الله سينزل عَلَيْكُم خبْزًا مخبوزاً
فَكَانَ ينزل عَلَيْهِم المنّ وَهُوَ خبز الرقَاق وَمثل الذّرة
قَالُوا: وَمَا نَأْتَدِمُ وَهل بُدِّلْنَا من لحم قَالَ: فَإِن الله يأتيكم بِهِ
قَالُوا: من أَيْن فَكَانَت الرّيح تأتيهم بالسلوى وَهُوَ طير سمين مثل الْحمام
فَقَالُوا: فَمَا نلبس قَالَ: لَا يخلق لأحدكم ثوب أَرْبَعِينَ سنة
قَالُوا: فَمَا نحتذي قَالَ: لَا يَنْقَطِع لأحدكم شسع أَرْبَعِينَ سنة
قَالُوا: فَإِنَّهُ يُولد فِينَا أَوْلَاد صغَار فَمَا نكسوهم(3/52)
قَالَ: الثَّوْب الصَّغِير يشب مَعَه
قَالُوا: فَمن أَيْن لنا المَاء قَالَ: يأتيكم بِهِ الله
فَأمر الله مُوسَى أَن يضْرب بعصاه الْحجر قَالُوا: فَمَا نبصر تغشانا الظامة فَضرب لَهُ عموداً من نور فِي وسط عسكره أَضَاء عسكره كُله
قَالُوا: فَبِمَ نستظل الشَّمْس علينا شَدِيدَة قَالَ: يظلكم الله تَعَالَى بالغمام
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: ظلل عَلَيْهِم الْغَمَام فِي التيه قدر خَمْسَة فراسخ أَو سِتَّة كلما أَصْبحُوا سَارُوا غادين فَإِذا امسوا إِذا هم فِي مكانهم الَّذِي ارتحلوا مِنْهُ فَكَانُوا كَذَلِك أَرْبَعِينَ سنة وهم فِي ذَلِك ينزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى وَلَا تبلى ثِيَابهمْ وَمَعَهُمْ حجر من حِجَارَة الطّور يحملونه مَعَهم فَإِذا نزلُوا ضربه مُوسَى بعصاه فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق لَهُم فِي التيه ثِيَاب لَا تخلق وَلَا تذوب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن طَاوس قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا كَانُوا فِي تيهم تشب مَعَهم ثِيَابهمْ إِذا شبوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: لما استسقى مُوسَى لِقَوْمِهِ أوحى الله إِلَيْهِ: أَن اضْرِب بعصاك الْحجر فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا فَقَالَ لَهُم مُوسَى: ردوا معشر الْحمير
فَأوحى الله إِلَيْهِ: قلت لعبادي معشر الْحمير وَإِنِّي قد حرمت عَلَيْكُم الأَرْض المقدسة
قَالَ: يارب فَاجْعَلْ قَبْرِي مِنْهَا قذفة حجر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو رَأَيْتُمْ قبر مُوسَى لرأيتموه من الأَرْض المقدسة قذفة بِحجر
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: لما استسقى لِقَوْمِهِ فسقوا قَالَ: اشربوا ياحمير
فَنَهَاهُ عَن ذَلِك وَقَالَ: لَا تدع عبَادي ياحمير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَا تأس} قَالَ: لَا تحزن
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {فَلَا تأس} قَالَ: لَا تحزن
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت امْرُؤ الْقَيْس وهويقول: وقوفاً بهَا صحبي عليّ مطيهم يَقُولُونَ لَا تهْلك أسى وتجمَّل وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة: سَمِعت(3/53)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن نَبيا من الْأَنْبِيَاء قَاتل أهل مَدِينَة حَتَّى إِذا كَاد أَن يفتحها خشِي أَن تغرب الشَّمْس فَقَالَ: أيتها الشَّمْس إِنَّك مأمورة وَأَنا مَأْمُور بحرمتي عَلَيْك إِلَّا وقفت سَاعَة من النَّهَار
قَالَ: فحبسها الله تَعَالَى حَتَّى افْتتح الْمَدِينَة وَكَانُوا إِذا أَصَابُوا الْغَنَائِم قربوها فِي القربان فَجَاءَت النَّار فَأَكَلتهَا فَلَمَّا أَصَابُوا وضعُوا القربان فَلم تجىء النَّار تَأْكُله
فَقَالُوا: يانبي الله مالنا لَا يقبل قرباننا قَالَ: فِيكُم غلُول
قَالُوا: وَكَيف لنا أَن نعلم من عِنْده الْغلُول قَالَ: وهم اثْنَا عشر سبطاً قَالَ: يبايعني رَأس كل سبط مِنْكُم فَبَايعهُ رَأس كل سبط فلزقت كَفه بكف رجل مِنْهُم فَقَالُوا لَهُ: عنْدك الْغلُول
فَقَالَ: كَيفَ لي أَن أعلم قَالَ تَدْعُو سبطك فتبايعهم رجلا رجلا فَفعل فلزقت كَفه بكف رجل مِنْهُم قَالَ: عنْدك الْغلُول
قَالَ: نعم عِنْدِي الْغلُول
قَالَ: وماهو قَالَ: رَأس ثَوْر من ذهب أعجبني فغللته فجَاء بِهِ فَوَضعه فِي الْغَنَائِم فَجَاءَت النَّار فأكلته فَقَالَ كَعْب: صدق الله وَرَسُوله هَكَذَا وَالله فِي كتاب الله يَعْنِي فِي التَّوْرَاة ثمَّ قَالَ: ياأبا هُرَيْرَة أحدثكُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي نَبِي كَانَ قَالَ: هُوَ يُوشَع بن نون
قَالَ: فحدثكم أَي قَرْيَة قَالَ: هِيَ مَدِينَة أريحاء وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم تحل الْغَنِيمَة لأحد قبلنَا وَذَلِكَ أَن الله رأى ضعفنا فطيبها لنا وَزَعَمُوا أَن الشَّمْس لم تحبس لأحد قبله وَلَا بعده(3/54)
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27)
- قَوْله تَعَالَى: واتل عَلَيْهِم نبأ ابْني آدم بِالْحَقِّ إِذْ قربا قربانا فَتقبل من أَحدهمَا وَلم يتَقَبَّل من الآخر قَالَ لأَقْتُلَنك قَالَ إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود عَن نَاس من الصَّحَابَة
أَنه كَانَ لايولد لآدَم مَوْلُود أَلا ولد مَعَه جَارِيَة فَكَانَ يزوّج غُلَام هَذَا الْبَطن لجارية الْبَطن الآخر ويزوّج جَارِيَة هَذَا الْبَطن غُلَام هَذَا الْبَطن الآخر حَتَّى ولد لَهُ ابْنَانِ يُقَال لَهما قابيل وهابيل وَكَانَ قابيل صَاحب زرع وَكَانَ هابيل صَاحب ضرع وَكَانَ قابيل أكبرهما وَكَانَت لَهُ أُخْت أحسن من أُخْت هابيل وَإِن هابيل طلب أَن ينْكح أُخْت قابيل فَأبى عَلَيْهِ وَقَالَ: هِيَ اختي ولدت معي وَهِي أحسن من أختك وَأَنا أَحَق أَن أتزوّج بهَا
فَأمره أَبوهُ أَن يتزوّجها هابيل فَأبى وإنهما قَرَّبَا قرباناً إِلَى الله أَيهمَا أَحَق(3/54)
بالجارية وَكَانَ آدم قد غَابَ عَنْهُمَا إِلَى مَكَّة ينظر إِلَيْهَا فَقَالَ آدم للسماء: احفظي وَلَدي بالأمانة فَأَبت وَقَالَ للْأَرْض فَأَبت وَقَالَ للجبال فَأَبت فَقَالَ لقابيل فَقَالَ: نعم تذْهب وَترجع وتجد أهلك كَمَا يَسُرك
فَلَمَّا انْطلق آدم قربا قرباناً وَكَانَ قابيل يفخر عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنا أَحَق بهَا مِنْك هِيَ أُخْتِي وَأَنا أكبر مِنْك وَأَنا وَصِيّ وَالِدي فَلَمَّا قربا قرب هابيل جَذَعَة سَمِينَة وَقرب قابيل حزمة سنبل فَوجدَ فِيهَا سنبلة عَظِيمَة ففركها فَأكلهَا فَنزلت النَّار فَأكلت قرْبَان هابيل وَتركت قرْبَان قابيل فَغَضب وَقَالَ: لأَقْتُلَنك حَتَّى لَا تنْكح أُخْتِي
فَقَالَ هابيل {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ} {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك} يَقُول: إِثْم قَتْلِي إِلَى إثمك الَّذِي فِي عُنُقك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر بِسَنَد جيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى أَن ينْكح الْمَرْأَة أخاها توأمها وَأَن ينْكِحهَا غَيره من اخوتها وَكَانَ يُولد لَهُ فِي كل بطن رجل وَامْرَأَة فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك ولد لَهُ امْرَأَة وضيئة وَأُخْرَى قبيحة ذميمة فَقَالَ أَخُو الذميمة: انكحني أختك وأنكحك أُخْتِي
قَالَ: لَا أَنا أَحَق بأختي فقربا قرباناً فجَاء صَاحب الْغنم بكبش أَبيض وَصَاحب الزَّرْع بصبرة من طَعَام فَتقبل من صَاحب الْكَبْش فخزنه الله فِي الْجنَّة أَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَهُوَ الْكَبْش الَّذِي ذبحه إِبْرَاهِيم وَلم يقبل من صَاحب الزَّرْع فبنو آدم كلهم من ذَلِك الْكَافِر
وَأخرج إِسْحَق بن بشر فِي الْمُبْتَدَأ وَابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه من طَرِيق جُوَيْبِر وَمُقَاتِل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ولد لآدَم أَرْبَعُونَ ولدا عشرُون غُلَاما وَعِشْرُونَ جَارِيَة فَكَانَ مِمَّن عَاشَ مِنْهُم هابيل وقابيل وَصَالح وَعبد الرَّحْمَن وَالَّذِي كَانَ سَمَّاهُ عبد الْحَارِث وود وَكَانَ يُقَال لَهُ شِيث وَيُقَال لَهُ هبة الله وَكَانَ اخوته قد سودوه وَولد لَهُ سواع ويغوث ونسر وَإِن الله أمره أَن يفرق بَينهم فِي النِّكَاح ويزوج أُخْت هَذَا من هَذَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ من شَأْن ابْني آدم أَنه لم يكن مِسْكين يتَصَدَّق عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ القربان يقربهُ الرجل فَبينا ابْنا آدم قاعدان إِذْ قَالَا: لَو قربنا قرباناً وَكَانَ أَحدهمَا رَاعيا وَالْآخر حراثاً وَإِن صَاحب الْغنم قرب خير غنمه واسمنه وَقرب الآخر بعض زرعه فَجَاءَت النَّار فَنزلت فَأكلت الشَّاة(3/55)
وَتركت الزَّرْع وَإِن ابْن آدم قَالَ لِأَخِيهِ: أتمشي فِي النَّاس وَقد علمُوا أَنَّك قربت قرباناً فَتقبل مِنْك وردَّ عليَّ فَلَا وَالله لَا ينظر النَّاس إليّ وَإِلَيْك وَأَنت خير مني فَقَالَ: لأَقْتُلَنك
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: مَا ذَنبي {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ لَئِن بسطت إليّ يدك لتقتلني مَا أَنا بباسط يَدي إِلَيْك لأقتلك} لَا أَنا مستنصر ولأمسكن يَدي عَنْك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: إِن ابْني آدم اللَّذين قربا قرباناً كَانَ أَحدهمَا صَاحب حرث وَالْآخر صَاحب غنم وأنهما أُمِرَا أَن يُقَرِّبَا قرباناً وَأَن صَاحب الْغنم قرب أكْرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبَة بهَا نَفسه وَإِن صَاحب الْحَرْث قرب شَرّ حرثه الكردن والزوان غير طيبَة بهَا نَفسه وَإِن الله تقبل قرْبَان صَاحب الْغنم وَلم يقبل قرْبَان صَاحب الْحَرْث وَكَانَ من قصتهما مَا قصّ الله فِي كِتَابه وَايْم الله إِن كَانَ الْمَقْتُول لأشد الرجالين [الرجلَيْن] وَلكنه مَنعه التحرج أَن يبسط يَده إِلَى أَخِيه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ ابْني آدم} قَالَ: هابيل وقابيل لصلب آدم قرب هابيل عنَاقًا من أحسن غنمه وَقرب قابيل زرعا من زرعه فَتقبل من صَاحب الشَّاة فَقَالَ لصَاحبه: لأَقْتُلَنك
فَقتله
فعقل الله إِحْدَى رجلَيْهِ بساقه إِلَى فَخذهَا من يَوْم قَتله إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَجعل وَجهه إِلَى الْيمن حَيْثُ دارت عَلَيْهِ حَظِيرَة من ثلج فِي الشتَاء وَعَلِيهِ فِي الصَّيف حَظِيرَة من نَار وَمَعَهُ سَبْعَة أَمْلَاك كلما ذهب ملك جَاءَ الآخر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ ابْني آدم بِالْحَقِّ} قَالَ: كَانَا من بني إِسْرَائِيل وَلم يَكُونَا ابْني آدم لصلبه وَإِنَّمَا كَانَ القربان فِي بني اسرئيل وَكَانَ أوّل من مَاتَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لِأَن استيقن ان الله تقبل مني صَلَاة وَاحِدَة أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا ومافيها إِن الله يَقُول {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لايقل عمل مَعَ تقوى وَكَيف يقل مايتقبل
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عمر بن عبد الْعَزِيز
أَنه كتب إِلَى رجل: أوصيك بتقوى الله الَّذِي لايقبل غَيرهَا ولايرحم إِلَّا عَلَيْهَا ولايثيب إِلَّا عَلَيْهَا فَإِن الواعظين بهَا كثير والعاملين بهَا قَلِيل(3/56)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن يزِيد الْعيص: سَأَلت مُوسَى بن أعين عَن قَوْله عز وَجل {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ} قَالَ: تنزهوا عَن أَشْيَاء من الْحَلَال مَخَافَة أَن يقعوا فِي الْحَرَام فسماهم الله متقين
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن فضَالة بن عبيد قَالَ: لِأَن أكون اعْلَم أَن الله يقبل مني مِثْقَال حَبَّة من خَرْدَل أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا ومافيها فَإِن الله يَقُول {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَ عَامر بن عبد قيس آيَة فِي الْقُرْآن أحب إِلَيّ من الدُّنْيَا جَمِيعًا أَن أعطَاهُ أَن يَجْعَلنِي الله من الْمُتَّقِينَ فَإِنَّهُ قَالَ {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن همام بن يحيى قَالَ: بَكَى عَامر بن عبد الله عِنْد الْمَوْت فَقيل لَهُ: مايبكيك قَالَ: آيَة فِي كتاب الله
فَقيل لَهُ: أيّة آيَة قَالَ {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لايقبل عمل عبد حَتَّى يرضى عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ثَابت قَالَ: كَانَ مطرف يَقُول: اللَّهُمَّ تقبَّل مني صِيَام يَوْم اللَّهُمَّ اكْتُبْ لي حَسَنَة ثمَّ يَقُول {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ} قَالَ: الَّذين يَتَّقُونَ الشّرك
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن هِشَام بن يحيى عَن أَبِيه قَالَ: دخل سَائل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ لِابْنِهِ: اعطه دِينَار فاعطاه فَلَمَّا انْصَرف قَالَ ابْنه: تقبل الله مِنْك ياأبتاه فَقَالَ: لَو علمت أَن الله تقبل مني سَجْدَة وَاحِدَة أَو صَدَقَة دِرْهَم لم يكن غَائِب أحب إِلَيّ من الْمَوْت تَدْرِي مِمَّن يتَقَبَّل الله {إِنَّمَا يتَقَبَّل الله من الْمُتَّقِينَ}(3/57)
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)
- قَوْله تَعَالَى: لَئِن بسطت إِلَيّ يدك لتقتلني مَا أَنا بباسط يَدي إِلَيْك لأقتلك إِنِّي أَخَاف الله رب الْعَالمين إِنِّي أُرِيد أَن تبوأ بإثمي وإثمك فَتكون من أَصْحَاب النَّار وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمين(3/57)
- أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَئِن بسطت إِلَيّ يدك} الْآيَة
قَالَ: كَانَ كتب عَلَيْهِم إِذا أَرَادَ الرجل رجلا تَركه ولايمتنع مِنْهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي الْآيَة
قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل كتب عَلَيْهِم إِذا الرجل بسط يَده إِلَى الرجل لايمتنع عَنهُ حَتَّى يقْتله أَو يَدعه فَذَلِك قَوْله {لَئِن بسطت} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك} قَالَ: بقتلك إيَّايَ {وإثمك} قَالَ: بِمَا كَانَ مِنْك قبل ذَلِك
وَأخرج عَن قَتَادَة وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك} قَالَ: ترجع بإثمي وإثمك الَّذِي عملت فتستوجب النَّار
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول: من كَانَ كَارِه عيشه فليأتنا يلقى الْمنية أَو يبوء عناء وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعد بن أبي وَقاص: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُون فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم والقائم خير من الْمَاشِي والماشي خير من السَّاعِي قَالَ: أَفَرَأَيْت إِن دخل عَليّ بَيْتِي فَبسط إليّ يَده ليقتلني قَالَ: كن كَابْن آدم وتلا {لَئِن بسطت إلىّ يدك لتقتلني} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْحَاكِم عَن أبي ذَر قَالَ ركب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمارا وأردفني خَلفه فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر أَرَأَيْت إِن أصَاب النَّاس جوع لاتستطيع أَن تقوم من فراشك إِلَى مسجدك كَيفَ تصنع قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: تعفف يَا أباذر أَرَأَيْت إِن أصَاب النَّاس موت شَدِيد يكون الْبَيْت فِيهِ بِالْعَبدِ يَعْنِي الْقَبْر قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: اصبر يَا أَبَا ذَر
قَالَ: أَرَأَيْت إِن قتل النَّاس بَعضهم بَعْضًا حَتَّى تغرق حِجَارَة الزَّيْت من الدِّمَاء كَيفَ تصنع قلت: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: اقعد فِي بَيْتك واغلق بابك
قلت: فَإِن لم أترك قَالَ: فَائت من أنق مِنْهُم فَكُن فيهم
قلت: فآخذ سلاحي قَالَ: إِذن تشاركهم فِيمَا هم فِيهِ وَلَكِن إِن خشيت أَن يروّعك شُعَاع السَّيْف فالق طرف ردائك على وَجهك حَتَّى يبوء بإثمه وإثمك فَيكون من أَصْحَاب النَّار(3/58)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اكسروا سيفكم يَعْنِي فِي الْفِتْنَة واقطعوا أوتاركم والزموا أَجْوَاف الْبيُوت وَكُونُوا فِيهَا كالخير من ابْني آدم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة قَالَ: لَئِن اقتتلتم لأنتظرن أقْصَى بَيت فِي دَاري فلألجنه فلئن عليَّ فلأقولن: هَا بؤ بإثمي وإثمك كخير ابْني آدم
وَأخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر عَن أبي نَضرة قَالَ: دخل أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ يَوْم الْحرَّة غاراً فَدخل عَلَيْهِ الْغَار رجل وَمَعَ أبي سعيد السَّيْف فَوَضعه أَبُو سعيد وَقَالَ: بؤ بإثمي وإثمك وَكن من أَصْحَاب النارولفظ ابْن سعد وَقَالَ: {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك فَتكون من أَصْحَاب النَّار} قَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: أَنْت
قَالَ: نعم
قَالَ: فَاسْتَغْفر لي
قَالَ: غفر الله لَك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ابْني آدم ضربا مثلا لهَذِهِ الْأمة فَخُذُوا بِالْخَيرِ مِنْهُمَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ياأيها النَّاس أَلا إِن ابْن آدم ضربا لكم مثلا فتشبهوا بخيرهما وَلَا تتشبهوا بشرهما
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْمُعْتَمِر بن سُلَيْمَان عَن أَبِيه قَالَ: قلت لبكر بن عبد الله: أما بلغك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله ضرب لكم ابْني آدم مثلا فَخُذُوا خيرهما ودعوا شرهما
قَالَ بلَى
وَأخرج الْحَاكِم بِسَنَد صَحِيح عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِنَّهَا سَتَكُون فتن أَلا ثمَّ تكون فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم والقائم فِيهَا خير من الْمَاشِي والماشي فِيهَا خير من السَّاعِي إِلَيْهَا فَإِذا نزلت فَمن كَانَ لَهُ إبل فليلحق بإبله وَمن كَانَ لَهُ أَرض فليلحق بأرضه
فَقيل: أَرَأَيْت يارسول الله إِن لم يكن لَهُ ذَلِك قَالَ: فليأخذ حجرا فليدق بِهِ على حد سَيْفه ثمَّ لينج إِن اسْتَطَاعَ النجَاة اللَّهُمَّ هَل بلغت ثَلَاثًا
فَقَالَ رجل: يارسول الله أَرَأَيْت إِن أكرهت حَتَّى ينْطَلق بِي إِلَى أحد الصفين فيرميني رجل بِسَهْم أَو يضربني بِسيف فَيَقْتُلنِي قَالَ يبوء بإثمه وإثمك فَيكون من أَصْحَاب النَّار
قَالَهَا ثَلَاثًا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة أَنه قيل لَهُ: مَا تَأْمُرنَا إِذا قتل المصلون قَالَ: آمُرك أَن تنظر أقْصَى بَيت فِي دَارك فلتج فِيهِ فَإِن دخل عَلَيْك فَتَقول لَهُ: بُؤْ بإثمي وإثمك فَتكون كَابْن آدم(3/59)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن خَالِد بن عرفطة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ياخالد إِنَّه سَيكون بعدِي أَحْدَاث وَفتن وَاخْتِلَاف فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون عبد الله الْمَقْتُول لَا الْقَاتِل فافعل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يكون فتْنَة النَّائِم فِيهَا خير من المضطجع والمضطجع خير من الْقَاعِد والقاعد خير من الْمَاشِي والماشي خير من السَّاعِي قتلاها كلهَا فِي النَّار
قَالَ: يارسول الله فيمَ تَأْمُرنِي إِن أدْركْت ذَلِك قَالَ: ادخل بَيْتك
قلت: أَفَرَأَيْت إِن إِن دخل عليَّ قَالَ: قل بؤ بإثمي وإثمك وَكن عبد الله الْمَقْتُول
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: من قتل مَظْلُوما كفَّر الله كل ذَنْب عَنهُ وَذَلِكَ فِي الْقُرْآن {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك}
وَأخرج ابْن سعد عَن خباب بن الْأَرَت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر فتْنَة الْقَاعِد فِيهَا خير من الْقَائِم والقائم فِيهَا خير من الْمَاشِي والماشي فِيهَا خير من السَّاعِي فَإِن أدْركْت ذَلِك فَكُن عبد الله الْمَقْتُول ولاتكن عبد الله الْقَاتِل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعجز أحدكُم أَتَاهُ الرجل أَن يقْتله أَن يَقُول هَكَذَا وَقَالَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى فَيكون كالخير من ابْني آدم وَإِذا هُوَ فِي الْجنَّة وَإِذا هُوَ فِي الْجنَّة وَإِذا قَاتله فِي النَّار(3/60)
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30)
- قَوْله تَعَالَى: فطوّعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه فَقتله فَأصْبح من الخاسرين
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فطوّعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه} قَالَ: زيَّنت لَهُ نَفسه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة {فطوّعت لَهُ نَفسه قتل أَخِيه} ليَقْتُلهُ فرَاغ الْغُلَام مِنْهُ فِي رُؤُوس الْجبَال فَأَتَاهُ يَوْمًا من الْأَيَّام وَهُوَ يرْعَى غنما لَهُ وَهُوَ نَائِم فَرفع صَخْرَة فشدخ بهَا رَأسه فَمَاتَ فَتَركه بالعراء ولايدري كَيفَ يدْفن فَبعث الله غرابين أَخَوَيْنِ فاقتتلا فَقتل أَحدهمَا صَاحبه فحفر لَهُ ثمَّ حثا عَلَيْهِ التُّرَاب فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ياويلتا أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب(3/60)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: ابْن آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ لم يدر كَيفَ يقْتله فتمثل لَهُ إِبْلِيس فِي صُورَة طير فَأخذ طيراً فَوضع رَأسه بَين حجرين فشدخ رَأسه فَعلمه الْقَتْل
وَأخرج عَن مُجَاهِد نَحوه
وَأخرج ابْن جرير عَن خَيْثَمَة قَالَ: لما قتل ابْن آدم أَخَاهُ شفت الأَرْض دَمه فلعنت فَلم تشف الأَرْض دَمًا بعد
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بِدِمَشْق جبل يُقَال لَهُ قاسيون فِيهِ قتل ابْن آدم أَخَاهُ
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عَمْرو بن خَبِير الشَّعْبَانِي قَالَ: كنت مَعَ كَعْب الْأَحْبَار على جبل دير المران فَرَأى لجة سَائِلَة فِي الْجَبَل فَقَالَ: هَهُنَا قتل ابْن آدم أَخَاهُ وَهَذَا أثر دَمه جعله الله آيَة للْعَالمين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من وَجه آخر عَن كَعْب قَالَ: إِن الدَّم الَّذِي على جبل قاسيون هُوَ دم ابْن آدم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن وهب قَالَ: إِن الأَرْض نشفت دم ابْن آدم الْمَقْتُول فلعن ابْن آدم الأَرْض فَمن أجل ذَلِك لاتنشف الأَرْض دَمًا بعد دم هابيل إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن عَن عبد الرَّحْمَن بن فضَالة قَالَ: لما قتل قابيل هابيل مسح الله عقله وخلع فُؤَاده تائها حَتَّى مَاتَ
قَوْله تَعَالَى: {فَأصْبح من الخاسرين} أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاتقتل نفس ظلما إِلَّا كَانَ على ابْن آدم الأول كفل من دَمهَا لِأَنَّهُ أول من سنّ الْقَتْل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماقتلت نفس ظلما إِلَّا كَانَ على ابْن آدم قَاتل الأول كفل من دَمهَا لِأَنَّهُ أول من سنّ الْقَتْل
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن أَشْقَى النَّاس رجلا لِابْنِ آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ مَا سفك دم فِي الأَرْض مُنْذُ قتل أَخَاهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا لحق بِهِ مِنْهُ شَيْء وَذَلِكَ أَنه أول من سنّ الْقَتْل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشْقَى النَّاس ثَلَاثَة:(3/61)
عَاقِر نَاقَة ثَمُود وَابْن آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ مَا سفك على الأَرْض من دم إِلَّا لحقه مِنْهُ لِأَنَّهُ أول من سنّ الْقَتْل
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَمْرو قَالَ إِنَّا لنجد ابْن آدم الْقَاتِل يقاسم أهل النَّار قسْمَة صَحِيحَة الْعَذَاب عَلَيْهِ شطر عَذَابهمْ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا كتاب من عَاشَ بعد الْمَوْت من طَرِيق عبد الله بن دِينَار عَن أبي أَيُّوب الْيَمَانِيّ عَن رجل من قومه يُقَال لَهُ عبد الله أَنه وَنَفَرًا من قومه ركبُوا الْبَحْر وَإِن الْبَحْر أظلم عَلَيْهِم أَيَّامًا ثمَّ انجلت عَنْهُم تِلْكَ الظلمَة وهم قرب قَرْيَة
قَالَ عبد الله: فَخرجت ألتمس المَاء وَإِذا أَبْوَاب مغلقة تجأجأ فِيهَا الرّيح فهتفت فِيهَا فَلم يجبني أحد فَبينا أَنا على ذَلِك إِذْ طلع عليَّ فارسان فسألا عَن أَمْرِي فأخبرتهما الَّذِي أَصَابَنَا فِي الْبَحْر وَأَنِّي خرجت أطلب المَاء فَقَالَا لي: اسلك فِي هَذِه السِّكَّة فَإنَّك ستنتهي إِلَى بركَة فِيهَا مَاء فاستق مِنْهَا ولايهولنك ماترى فِيهَا
فَسَأَلتهمَا عَن تِلْكَ الْبيُوت المغلقة الَّتِي تجأجىء فِيهَا الرّيح فَقَالَا: هَذِه بيُوت أَرْوَاح الْمَوْتَى فَخرجت حَتَّى انْتَهَيْت إِلَى الْبركَة فَإِذا فِيهَا رجل مُعَلّق منكوس على رَأسه يُرِيد أَن يتَنَاوَل المَاء بِيَدِهِ فَلَا يَنَالهُ فَلَمَّا رَآنِي هتف بِي وَقَالَ: يَا عبد الله اسْقِنِي فغرفت بالقدح لأناوله فقبضت يَدي فَقلت: أَخْبرنِي من أَنْت فَقَالَ: أَنا ابْن آدم أول من سفك دَمًا فِي الأَرْض(3/62)
فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)
- قَوْله تَعَالَى: فَبعث الله غرابا يبْحَث فِي الأَرْض ليريه كَيفَ يواري سوأة أَخِيه قَالَ ياويلتا أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب فأواري سوأة أخي فَأصْبح من النادمين
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطِيَّة قَالَ: لما قَتله نَدم ضمه إِلَيْهِ حَتَّى أروح وعكفت عَلَيْهِ الطير وَالسِّبَاع تنْتَظر مَتى يَرْمِي بِهِ فتأكله وَكره أَن يَأْتِي بِهِ آدم فيحزنه فَبعث الله غرابين قتل أَحدهمَا الآخر وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ ثمَّ حفر بِهِ بمنقاره وبرجليه حَتَّى مكَّن لَهُ ثمَّ دَفعه بِرَأْسِهِ حَتَّى أَلْقَاهُ فِي الحفرة ثمَّ بحث عَلَيْهِ برجليه حَتَّى واراه فَلَمَّا رأى مَا صنع الْغُرَاب {يَا ويلتى أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب فأواري سوأة أخي}(3/62)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بعث الله غرابين فاقتتلا فَقتل أَحدهمَا الآخر ثمَّ جعل يحثو عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى واراه فَقَالَ ابْن آدم الْقَاتِل: {يَا ويلتى أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب فأواري سوأة أخي}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ غراب إِلَى غراب ميت فَحَثَا عَلَيْهِ التُّرَاب حَتَّى واراه فَقَالَ الَّذِي قتل أَخَاهُ {يَا ويلتى أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب فأواري سوأة أخي}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مكث يحمل أَخَاهُ فِي جراب على رقبته سنة حَتَّى بعث الله بغرابين فرآهما يبحثان فَقَالَ {أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب} فَدفن أَخَاهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: ان آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر مكث مائَة عَام لايضحك حزنا عَلَيْهِ فَأتى على رَأس الْمِائَة فَقيل لَهُ: حياك الله وبياك وَبشر بِغُلَام فَعِنْدَ ذَلِك ضحك
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما قتل ابْن آدم بَكَى آدم فَقَالَ: تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا فلون الأَرْض مغبر قَبِيح تغير كل ذِي لون وَطعم وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح فَأُجِيب آدم عَلَيْهِ السَّلَام: أَبَا هابيل قد قتلا جَمِيعًا وَصَارَ الْحَيّ بِالْمَيتِ الذَّبِيح وَجَاء بشره قد كَانَ مِنْهُ على خوف فجَاء بهَا يَصِيح وَأخرج الْخَطِيب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما قتل ابْن آدم أَخَاهُ قَالَ آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: تَغَيَّرت الْبِلَاد وَمن عَلَيْهَا فلون الأَرْض مغبر قَبِيح تغير كل ذِي لون وَطعم وَقل بشاشة الْوَجْه الْمليح قتل قابيل هابيلا أَخَاهُ فواحزنا مضى الْوَجْه الْمليح فَأَجَابَهُ إِبْلِيس عَلَيْهِ اللَّعْنَة: تَنَح عَن الْبِلَاد وساكنيها فَبِي فِي الْخلد ضَاقَ بك الفسيح(3/63)
وَكنت بهَا وزوجك فِي رخاء وقلبك من أَذَى الدُّنْيَا مريح فَمَا انفكت مكايدتي ومكري إِلَى أَن فاتك الثّمن الربيح(3/64)
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
- قَوْله تَعَالَى: من أجل ذَلِك كتبنَا على بني إِسْرَائِيل أَنه من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا وَلَقَد جَاءَتْهُم رسلنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثمَّ إِن كثيرا مِنْهُم بعد ذَلِك فِي الأَرْض لمسرفون
- أخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {من أجل ذَلِك كتبنَا على بني إِسْرَائِيل} يَقُول: من أجل ابْن آدم الَّذِي قتل أَخَاهُ ظلما
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا} عِنْد الْمَقْتُول يَقُول: فِي الْإِثْم {وَمن أَحْيَاهَا} فاستنقذها من هلكة {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} عِنْد المستنفذ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا} قَالَ: أوبق نَفسه كَمَا لَو قتل النَّاس جَمِيعًا وَفِي قَوْله {وَمن أَحْيَاهَا} قَالَ: من سلم من قَتلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: احياؤها أَن لايقتل نفسا حرمهَا الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: من قتل نَبيا أَو إِمَام عدل فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: دخلت على عُثْمَان يَوْم الدَّار فَقلت: جِئْت لأنصرك
فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَة أَيَسُرُّك أَن تقتل النَّاس جَمِيعًا وإيار مَعَهم قلت: لَا
قَالَ: فَإنَّك إِن قتلت رجلا وَاحِدًا فَكَأَنَّمَا قتلت النَّاس جَمِيعًا فَانْصَرف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا}(3/64)
قَالَ: هَذِه مثل الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما} النِّسَاء الْآيَة 93 يَقُول: لَو قتل النَّاس جَمِيعًا لم يزدْ على مثل ذَلِك الْعَذَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {من قتل نفسا بِغَيْر نفس أَو فَسَاد فِي الأَرْض فَكَأَنَّمَا قتل النَّاس جَمِيعًا} قَالَ: فِي الْوزر {وَمن أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا} قَالَ: فِي الْأجر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن أَحْيَاهَا} قَالَ: من أنجاها من غرق أَو حرق أَو هدم أَو هلكة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمن أَحْيَاهَا} قَالَ: من قتل حميم فَعَفَا عَنهُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاس جَمِيعًا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن أَنه قيل لَهُ فِي هَذِه الْآيَة: أَهِي لنا كَمَا كَانَت لبني إِسْرَائِيل قَالَ: اي وَالَّذِي لااله غَيره(3/65)
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض ذَلِك لَهُم خزي فِي الدُّنْيَا وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم فاعلموا إِن الله غَفُور رَحِيم
- أخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} قَالَ: نزلت فِي الْمُشْركين مِنْهُم من تَابَ قبل أَن يقدر عَلَيْهِ لم يكن عَلَيْهِ سَبِيل وَلَيْسَت تحرز هَذِه الْآيَة الرجل الْمُسلم من الْحَد إِن قتل أَو أفسد فِي الأَرْض أَو حَارب الله وَرَسُوله ثمَّ لحق بالكفار قبل أَن يقدروا عَلَيْهِ لم يمنعهُ ذَلِك أَن يُقَام فِيهِ الْحَد الَّذِي أَصَابَهُ(3/65)
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ كَانَ قوم من أهل الْكتاب بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد وميثاق فنقضوا الْعَهْد وأفسدوا فِي الأَرْض فَخير الله نبيه فيهم إِن شَاءَ أَن يقتل وَإِن شَاءَ أَن يصلب وَإِن شَاءَ أَن يقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف وَأما النَّفْي فَهُوَ الْهَرَب فِي الأَرْض فَإِن جَاءَ تَائِبًا فَدخل فِي الْإِسْلَام قُبِل مِنْهُ وَلم يُؤْخَذ بِمَا سلف
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن سعد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الحرورية {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أنس أَن نَفرا من عكل قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسلموا وآمنوا فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْتُوا إبل الصَّدَقَة فيشربوا من أبوالها فَقتلُوا راعيها واستاقوها فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي طَلَبهمْ فَأتى بهم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم وسمل أَعينهم وَلم يحسمهم وتركهم حَتَّى مَاتُوا فَأنْزل الله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: نزلت آيَة الْمُحَاربين فِي الْعرنِين
وَأخرج ابْن جرير قَالَ: قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قوم من عرينة مضرورين فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا صحوا واشتدوا قتلوا رعاء اللقَاح ثمَّ صرخوا باللقاح عَامِدين بهَا إِلَى أَرض قَومهمْ قَالَ جرير: فَبَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي نفر من الْمُسلمين فقدمنا بهم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أَعينهم فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن يزِيد بن أبي حبيب أَن عبد الْملك بن مَرْوَان كتب إِلَى أنس يسْأَله عَن هَذِه الْآيَة فَكتب إِلَيْهِ أنس يُخبرهُ أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أُولَئِكَ النَّفر من الْعرنِين وهم من بجيلة
قَالَ أنس فَارْتَدُّوا عَن الْإِسْلَام وَقتلُوا الرَّاعِي وَاسْتَاقُوا الْإِبِل وأخافوا السَّبِيل وَأَصَابُوا الْفرج الْحَرَام فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل عَن الْقَضَاء فِيمَن حَارب فَقَالَ: من سرق وأخاف السَّبِيل واستحل الْفرج الْحَرَام فاصلبه
وَأخرج الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ فِي إِيضَاح الْإِشْكَال من طَرِيق أبي قلَابَة عَن أنس(3/66)
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} قَالَ: هم من عكل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجال من بني فزاره قد مَاتُوا هزالًا فَأَمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى لقاحه فسرقوها فطلبوا فَأتى بهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقطع أَيْديهم وأرجلهم وسمل أَعينهم قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فيهم نزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} قَالَ: فَترك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْين بعد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ نَاس من بني سليم أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايعُوهُ على الْإِسْلَام وهم كذبة ثمَّ قَالُوا: إِنَّا نَجْتَوِي الْمَدِينَة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه اللقَاح تَغْدُو عَلَيْكُم وَتَروح فَاشْرَبُوا من أبوالها فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَ الصَّرِيخ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قتلوا الرَّاعِي وَسَاقُوا النعم فَرَكبُوا فِي أَثَرهم فَرجع صحابة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أَسرُّوا مِنْهُم فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهم فَأنْزل الله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
فَقتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم وصلب وَقطع وسمل الْأَعْين قَالَ: فَمَا مثل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل ولابعد وَنهى عَن الْمثلَة وَقَالَ: لاتمثلوا بِشَيْء
وَأخرج مُسلم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ إِنَّمَا سمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعين أُولَئِكَ لأَنهم سملوا أعين الرُّعَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي سودان عرينة أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبهم المَاء الْأَصْفَر فشكوا ذَلِك إِلَيْهِ فَأَمرهمْ فَخَرجُوا إِلَى إبل الصَّدَقَة فَقَالَ اشربوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا فَشَرِبُوا حَتَّى إِذا صحوا وبرئوا قتلوا الرُّعَاة وَاسْتَاقُوا الْإِبِل فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتى بهم فَأَرَادَ أَن يسمل أَعينهم فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَأمره أَن يُقيم فيهم الْحُدُود كَمَا أنزل الله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ: ذكرت لليث بن سعد ماكان من سمل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَترك حسمهم حَتَّى مَاتُوا فَقَالَ: سَمِعت مُحَمَّد بن عجلَان يَقُول: أنزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معاتبة فِي ذَلِك وعلَّمه عُقُوبَة مثلهم من الْقطع وَالْقَتْل وَالنَّفْي وَلم يسمل بعدهمْ وَغَيرهم
قَالَ: وَكَانَ هَذَا القَوْل ذكر لِابْنِ عمر فَأنْكر أَن تكون نزلت معاتبة وَقَالَ: بل كَانَت عُقُوبَة ذَلِك النَّفر(3/67)
بأعيانهم ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُقُوبَة غَيرهم مِمَّن حَارب بعدهمْ فَرفع عَنهُ السمل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن عجلَان عَن أبي الزِّنَاد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قطع الَّذين أخذُوا لقاحه وسمل أَعينهم عاتبه الله فِي ذَلِك فَأنْزل الله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: إِذا خرج الْمُحَارب فَأخذ المَال وَلم يقتل يقطع من خلاف واذا خرج فَقتل وَلم يَأْخُذ المَال قتل وَإِذا خرج فَقتل وَأخذ المَال قتل وصلب واذا خرج فَأَخَاف السَّبِيل وَلم يَأْخُذ المَال وَلم يقتل نفي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: من شهر السِّلَاح فِي قبَّة الْإِسْلَام وأفسد السَّبِيل وَظهر عَلَيْهِ وَقدر فإمام الْمُسلمين مخيَّر فِيهِ إِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ صلبه وَإِن شَاءَ قطع يَده وَرجله قَالَ {أَو ينفوا من الأَرْض} يهربوا يخرجُوا من دَار الْإِسْلَام إِلَى دَار الْحَرْب
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لايحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث خِصَال: زَان مُحصن يرْجم وَرجل قتل مُتَعَمدا فَيقْتل وَرجل خرج من الْإِسْلَام فحارب فَيقْتل أَو يصلب أَو ينفى من الأَرْض
وَأخرج الخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس أَن قوما من عرينة جاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأسلموا وَكَانَ مِنْهُم مواربة قد شلت أعضاؤهم واصفرت وُجُوههم وعظمت بطونهم فَأَمرهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى إبل الصَّدَقَة يشْربُوا من أبوالها وَأَلْبَانهَا فَشَرِبُوا حَتَّى صحوا وسمنوا فعمدوا إِلَى راعي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَتَلُوهُ وَاسْتَاقُوا الْإِبِل وَارْتَدوا عَن الْإِسْلَام وَجَاء جِبْرِيل فَقَالَ: يامحمد ابْعَثْ فِي آثَارهم فَبعث ثمَّ قَالَ: ادْع بِهَذَا الدُّعَاء: اللَّهُمَّ إِن السَّمَاء سماؤك وَالْأَرْض أَرْضك والمشرق مشرقك وَالْمغْرب مغربك اللَّهُمَّ ضيق [] من مسك حمل حَتَّى تقدرني عَلَيْهِم
فجاؤوا بهم فَأنْزل الله تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
فَأمره جِبْرِيل أَن من أَخذ المَال وَقتل يصلب وَمن قتل وَلم يَأْخُذ المَال يقتل وَمن(3/68)
أَخذ المَال وَلم يقتل تقطع يَده وَرجله من خلاف وَقَالَ ابْن عَبَّاس هَذَا الدُّعَاء: لكل آبق وَلكُل من ضلت لَهُ ضَالَّة من انسان وَغَيره يَدْعُو هَذَا الدُّعَاء وَيكْتب فِي شَيْء ويدفن فِي مَكَان نظيف إِلَّا قدره الله عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة وَعَطَاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: هَذَا الَّذِي يقطع الطَّرِيق فَهُوَ محَارب فَإِن قتل وَأخذ مَالا صلب وَإِن قتل وَلم يَأْخُذ مَالا قتل وَإِن أَخذ مَالا وَلم يقتل قطعت يَده وَرجله وَإِن أَخذ قبل أَن يفعل شَيْئا من ذَلِك نفي وَأما قَوْله {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} فَهَؤُلَاءِ خَاصَّة وَمن أصَاب دَمًا ثمَّ تَابَ من قبل أَن يقدر عَلَيْهِ أهْدر عَنهُ مامضى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عَطاء وَمُجاهد قَالَا: الإِمَام فِي ذَلِك مُخَيّر إِن شَاءَ قتل وَإِن شَاءَ قطع وَإِن شَاءَ صلب وَإِن شَاءَ نفى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب وَالْحسن وَالضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالُوا: الإِمَام مخيَّر فِي الْمُحَارب يصنع بِهِ ماشاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك فال كَانَ قوم بَينهم وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِيثَاق فنقضوا الْعَهْد وقطعو السبل وأفسدوا فِي الأَرْض فَخير الله نبيه فيهم إِن شَاءَ قتل وَإِن شَاءَ صلب وَإِن شَاءَ قطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض
قَالَ: هُوَ أَن يطلبوا حَتَّى يعْجزُوا فَمن تَابَ قبل أَن يقدروا عَلَيْهِ قبل ذَلِك مِنْهُ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن الضَّحَّاك قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُشْركين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نَفْيه أَن يَطْلُبهُ الإِمَام حَتَّى يَأْخُذهُ أَقَامَ عَلَيْهِ إِحْدَى هَذِه الْمنَازل الَّتِي ذكر الله بِمَا اسْتحلَّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {أَو ينفوا من الأَرْض} قَالَ: من بلد إِلَى بلد
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: ينفى حَتَّى لايقدر عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ فِي قَوْله {أَو ينفوا من الأَرْض} قَالَ: نَفْيه أَن يطْلب فَلَا يقدرعليه كلما سمع بِهِ أَرض طلب(3/69)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي الْآيَة قَالَ: يخرجُوا من الأَرْض أَيْنَمَا أدركوا خَرجُوا حَتَّى يلْحقُوا بِأَرْض الْعَدو
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: من أَخَاف سَبِيل الْمُؤمنِينَ نفي من بلد إِلَى غَيره
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا} قَالَ: الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَقتل النَّفس وهلاك الْحَرْث والنسل
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَسَعِيد بن جُبَير قَالَا: ان جَاءَ تَائِبًا لم يقطع مَالا ولاسفك دَمًا فَذَلِك الَّذِي قَالَ الله {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَشْرَاف وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَ حَارِثَة بن بدر التَّمِيمِي من أهل الْبَصْرَة قد أفسد فِي الأَرْض وَحَارب وكلم رجَالًا من قُرَيْش أَن يستأمنوا لَهُ عليا فَأَبَوا فَأتى سعيد بن قيس الهمذاني فَأتى عليا فَقَالَ: ياأمير الْمُؤمنِينَ ماجزاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا قَالَ: أَن يقتلُوا أَو يصلبوا أَو تقطع أَيْديهم وأرجلهم من خلاف أَو ينفوا من الأَرْض ثمَّ قَالَ {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} فَقَالَ سعيد: وَإِن كَانَ حَارِثَة بن بدر فَقَالَ: هَذَا حَارِثَة بن بدر قد جَاءَ تَائِبًا فَهُوَ آمن قَالَ: نعم
قَالَ: فجَاء بِهِ إِلَيْهِ فَبَايعهُ وقَبِل ذَلِك مِنْهُ وَكتب لَهُ أَمَانًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الْأَشْعَث عَن رجل قَالَ: صلى رجل مَعَ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ الْغَدَاة ثمَّ قَالَ: هَذَا مقَام العائذ التائب أَنا فلَان بن فلَان أَنا كنت مِمَّن حَارب الله وَرَسُوله وَجئْت تَائِبًا من قبل أَن يقدر عليَّ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: إِن فلَان بن فلَان كَانَ مِمَّن حَارب الله وَرَسُوله وَجَاء تَائِبًا من قبل أَن يقدر عَلَيْهِ فلايعرض لَهُ أحد إِلَّا بِخَير فَإِن يكن صَادِقا فسبيلي ذَلِك وَإِن يَك كَاذِبًا فَلَعَلَّ الله أَن يَأْخُذهُ بِذَنبِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء أَنه سُئِلَ عَن رجل سرق سَرقَة فجَاء تَائِبًا من غير أَن يُؤْخَذ عَلَيْهِ هَل عَلَيْهِ حد قَالَ: لَا ثمَّ قَالَ: {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} الْآيَة(3/70)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن السّديّ فِي قَوْله {إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله} قَالَ: سمعنَا انه إِذا قَتَلَ قُتِلَ واذا أَخذ المَال وَلم يقتل قطعت يَده بِالْمَالِ وَرجله بالمحاربة وَإِذا قتل وَأخذ المَال قطعت يَده وَرجلَاهُ وصلب {إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل أَن تقدروا عَلَيْهِم} فَإِن جَاءَ تَائِبًا إِلَى الإِمَام قبل أَن يقدر عَلَيْهِ فَأَمنهُ الإِمَام فَهُوَ آمن فَإِن قَتله إِنْسَان بعد أَن يعلم أَن الإِمَام قد أَمنه قتل بِهِ فَإِن قَتله وَلم يعلم أَن الإِمَام قد أَمنه كَانَت الدِّيَة(3/71)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة وَجَاهدُوا فِي سَبيله لَعَلَّكُمْ تفلحون
- أخرج عبد بن حميد وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم فِي قَوْله {وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} قَالَ: الْقرْبَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} قَالَ: الْقرْبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} قَالَ: تقربُوا إِلَى الله بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بِمَا يرضيه
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي وَائِل قَالَ {الْوَسِيلَة} فِي الْإِيمَان
وَأخرج الطستي وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {وابتغوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَة} قَالَ: الْحَاجة قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عنترة وَهُوَ يَقُول: إِن الرِّجَال لَهُم إِلَيْك وَسِيلَة إِن يأخذوك تكللي وتخضبي(3/71)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)
- قَوْله يعالى: إِن الَّذين كفرُوا لَو أَن لَهُم مافي الأَرْض جَمِيعًا وَمثله مَعَه ليفتدوا بِهِ من عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مَا تقبل مِنْهُم وَلَهُم عَذَاب أَلِيم يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُم عَذَاب مُقيم(3/71)
- أخرج مُسلم وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يخرج من النَّار قوم فَيدْخلُونَ الْجنَّة
قَالَ يزِيد بن الْفَقِير: فَقلت لجَابِر بن عبد الله: يَقُول الله {يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} قَالَ: اتل أول الْآيَة {إِن الَّذين كفرُوا لَو أَن لَهُم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا وَمثله مَعَه ليفتدوا بِهِ من عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة} أَلا إِنَّهُم الَّذين كفرُوا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن طلق بن حبيب قَالَ: كنت من أَشد النَّاس تَكْذِيبًا للشفاعة حَتَّى لقِيت جَابر بن عبد الله فَقَرَأت عَلَيْهِ كل آيَة أقدر عَلَيْهَا يذكر الله فِيهَا خُلُود أهل النَّار
قَالَ: ياطلق أتراك أَقْرَأ لِكِتابِ الله وأَعْلَم لسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني إِن الَّذين قَرَأت هم أَهلهَا هم الْمُشْركُونَ وَلَكِن هَؤُلَاءِ قوم أَصَابُوا ذنوباً ثمَّ خَرجُوا مِنْهَا ثمَّ أَهْوى بيدَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ: صمتا إِن لم أكن سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يخرجُون من النَّار بَعْدَمَا دخلُوا وَنحن نَقْرَأ كَمَا قَرَأت
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لِابْنِ عَبَّاس {وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} فَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَيحك
اقْرَأ مافوقها هَذِه للْكفَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِن الله إِذا فرغ من الْقَضَاء بَين خلقه أخرج كتابا من تَحت عَرْشه فِيهِ: رَحْمَتي سبقت غَضَبي وَأَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ
قَالَ: فَيخرج من النَّار مثل أهل الْجنَّة أَو قَالَ مثلي أهل الْجنَّة مَكْتُوب هَهُنَا مِنْهُم - وَأَشَارَ إِلَى نَحره - عُتَقَاء الله تَعَالَى فَقَالَ رجل لعكرمة: يَا أَبَا عبد الله فَإِن الله يَقُول {يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} قَالَ: وَيلك
أُولَئِكَ هم أَهلهَا الَّذين هم أَهلهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أَشْعَث قَالَ: قلت: أَرَأَيْت قَول الله {يُرِيدُونَ أَن يخرجُوا من النَّار وَمَا هم بِخَارِجِينَ مِنْهَا} فَقَالَ: إِنَّك وَالله لاتسقط على شَيْء إِن للنار أَهلا لايخرجون مِنْهَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك قَالَ: ماكان فِيهِ عَذَاب مُقيم يَعْنِي دَائِم لاينقطع(3/72)
وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)
- قَوْله تَعَالَى: وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا جَزَاء بِمَا كسبا نكالاً من الله وَالله عَزِيز حَكِيم(3/72)
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن نجدة الْحَنَفِيّ قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} أخاص أم عَام قَالَ: بل عَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن نجدة بن نفيع قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله {وَالسَّارِق والسارقة} الْآيَة
قَالَ: ماكان من الرِّجَال وَالنِّسَاء قطع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ فَاقْطَعُوا أيمانهما
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه قَالَ: فِي قراءتنا وَرُبمَا قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله والسارقون والسارقات فَاقْطَعُوا أَيْمَانهم
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {جَزَاء بِمَا كسبا نكالا من الله} قَالَ: لاترثوا لَهُم فِيهِ فَإِنَّهُ أَمر الله الَّذِي أَمر بِهِ قَالَ: وَذكر لنا أَن عمر بن الْخطاب كَانَ يَقُول: اشتدوا على الْفُسَّاق واجعلوهم يدا يدا ورجلاً رجلا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لاتقطع يَد السَّارِق إلافي ربع دِينَار فَصَاعِدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن شُعَيْب قَالَ إِن أول حد أقيم فِي الْإِسْلَام لرجل أَتَى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سرق فَشَهِدُوا عَلَيْهِ فَأمر بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقطع فَلَمَّا حف الرجل نظر إِلَى وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا سفى فِيهِ الرماد فَقَالُوا: يارسول الله كَأَنَّهُ اشْتَدَّ عَلَيْك قطع هَذَا
قَالَ: ومايمنعني وَأَنْتُم أعون للشَّيْطَان على أخيكم قَالُوا: فَأرْسلهُ
قَالَ: فَهَلا قبل أَن تَأْتُونِي بِهِ إِن الإِمَام إِذا أَتَى بِحَدّ لم يسغْ لَهُ أَن يعطله(3/73)
فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)
- قَوْله تَعَالَى: فَمن تَابَ من بعد ظلمه وَأصْلح فَإِن الله يَتُوب عَلَيْهِ إِن الله غَفُور رَحِيم ألم تعلم أَن الله لَهُ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض يعذب من يَشَاء وَيغْفر لمن يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير
- أخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عمر أَن امْرَأَة سرقت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقطعت يَدهَا الْيُمْنَى
فَقَالَت: هَل لي من تَوْبَة يارسول(3/73)
الله قَالَ: نعم أَنْت الْيَوْم من خطيئتك كَيَوْم وَلدتك أمك فَأنْزل الله فِي سُورَة الْمَائِدَة {فَمن تَابَ من بعد ظلمه وَأصْلح فَإِن الله يَتُوب عَلَيْهِ إِن الله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَمن تَابَ من بعد ظلمه وَأصْلح فَإِن الله يَتُوب عَلَيْهِ} يَقُول: الْحَد كَفَّارَته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن ثَوْبَان قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل سرق شملة فَقَالَ: ماأخاله سرق أَو سرقت قَالَ: نعم
قَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوا يَده ثمَّ احسموها ثمَّ ائْتُونِي بِهِ فَأتوهُ بِهِ فَقَالَ: تبت إِلَى الله فَقَالَ: إِنِّي أَتُوب إِلَى الله
قَالَ: اللَّهُمَّ تب عَلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن الْمُنْكَدر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قطع رجلا ثمَّ أَمر بِهِ فحسم وَقَالَ: تب إِلَى الله فَقَالَ أَتُوب إِلَى الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن السَّارِق إِذا قطعت يَده وَقعت فِي النَّار فَإِن عَاد تبعها وَإِن تَابَ استشلاها يَقُول: استرجعها(3/74)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر من الَّذين قَالُوا آمنا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم وَمن الَّذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك يحرفُونَ الْكَلم من بعد موَاضعه يَقُولُونَ إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لم تؤتوه فاحذروا وَمن يرد الله فتنته فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا أُولَئِكَ الَّذين لم يرد الله أَن يطهر قُلُوبهم لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم
- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} قَالَ: هم الْيَهُود {من الَّذين قَالُوا آمنا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الله أنزل {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ}(3/74)
الْمَائِدَة الْآيَة 44 الظَّالِمُونَ الْفَاسِقُونَ أنزلهَا الله فِي طائفتين من الْيَهُود قهرت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى فِي الْجَاهِلِيَّة حَتَّى ارتضوا واصطلحوا على أَن كل قَتِيل قتلته الغريزة من الذليلة فديته خَمْسُونَ وسْقا وكل قَتِيل قتلته الذليلة من الغريزة فديته مائَة وسق فَكَانُوا على ذَلِك حَتَّى قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَنزلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ لم يظْهر عَلَيْهِم فَقَامَتْ الذليلة فَقَالَت: وَهل كَانَ هَذَا فِي حيين قطّ دينهما وَاحِد ونسبهما وَاحِد وبلدهما وَاحِد ودية بَعضهم نصف دِيَة بعض إِنَّمَا أعطيناكم هَذَا ضيماً مِنْكُم لنا وفرقاً مِنْكُم فاما إِذْ قدم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلانعطيكم ذَلِك فَكَادَتْ الْحَرْب تهيج بَينهم ثمَّ ارتضوا على أَن يجْعَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَينهم ففكرت الغريزة فَقَالَت: وَالله مَا مُحَمَّد بمعطيكم مِنْهُم ضعف مَا يعطيهم مِنْكُم وَلَقَد صدقُوا مَا أعطونا هَذَا الاضيما وقهراً لَهُم فدسوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخبر الله رَسُوله بأمرهم كُله وماذا أَرَادوا فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} إِلَى قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} ثمَّ قَالَ: فيهم - وَالله - أنزلت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَامر الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَلَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} قَالَ: رجل من الْيَهُود قتل رجلا من أهل دينه فَقَالُوا لحلفائهم من الْمُسلمين: سلوا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن كَانَ يقْضِي بِالدِّيَةِ اختصمنا إِلَيْهِ وَإِن كَانَ يقْضِي بِالْقَتْلِ لم نأته
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة أَن أَحْبَار الْيَهُود اجْتَمعُوا فِي بَيت الْمِدْرَاس حِين قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَقد زنى رجل بعد احصانه بِامْرَأَة من الْيَهُود وَقد أحصنت فَقَالُوا: ابْعَثُوا هَذَا الرجل وَهَذِه الْمَرْأَة إِلَى مُحَمَّد فَاسْأَلُوهُ كَيفَ الحكم فيهمَا وولوه الحكم فيهمَا فَإِن حكم بعملكم من التجبية وَالْجَلد بِحَبل من لِيف مَطْلِي بقار ثمَّ يسود وُجُوههمَا ثمَّ يحْملَانِ على حِمَارَيْنِ وُجُوههمَا من قبل أدبار الْحمار فَاتَّبعُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ ملك سيد الْقَوْم وَإِن حكم فيهمَا بِالنَّفْيِ فَإِنَّهُ نَبِي فَاحْذَرُوهُ على مَا فِي أَيْدِيكُم أَن يسلبكم
فَأتوهُ فَقَالُوا: يامحمد
هَذَا رجل قد زنى بعد إحْصَانه بِامْرَأَة قد أحصنت فاحكم فيهمَا فقد وليناك الحكم فيهمَا فَمشى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى أَحْبَارهم فِي بَيت(3/75)
الْمِدْرَاس فَقَالَ: يامعشر يهود أخرجُوا إِلَيّ علمائكم فأخرجوا إِلَيْهِ عبد الله بن صوريا وياسر بن أَخطب ووهب بن يهودا فَقَالُوا: هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا
فَسَأَلَهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حصل أَمرهم إِلَى أَن قَالُوا لعبد الله بن صوريا: هَذَا أعلم من بَقِي بِالتَّوْرَاةِ فَخَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وشدد الْمَسْأَلَة وَقَالَ: ياابن صوريا أنْشدك الله وأذكرك أَيَّامه عِنْد بني إِسْرَائِيل هَل تعلم أَن الله حكم فِيمَن زنى بعد إحْصَانه بِالرَّجمِ فِي التَّوْرَاة فَقَالَ: اللَّهُمَّ نعم أما وَالله يَا أَبَا الْقَاسِم إِنَّهُم ليعرفون أَنَّك مُرْسل وَلَكنهُمْ يحسدونك فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمر بهما فَرُجِمَا عِنْد بَاب الْمَسْجِد ثمَّ كفر بعد ذَلِك ابْن صوريا وَجحد نبوّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أول مرجوم رجمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْيَهُود زنى رجل مِنْهُم وَامْرَأَة فَقَالَ بَعضهم لبَعض: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِي فَإِنَّهُ نَبِي بعث بتَخْفِيف فَإِن أَفتانا بِفُتْيَا دون الرَّجْم قبلناها واحتججنا بهَا عِنْد الله وَقُلْنَا: فتيا نَبِي من أنبيائك
قَالَ: فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس فِي الْمَسْجِد وَأَصْحَابه فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم ماترى فِي رجل وَامْرَأَة مِنْهُم زَنَيَا فَلم يكلمهُ كلمة حَتَّى أَتَى مِدْرَاسهمْ فَقَامَ على الْبَاب فَقَالَ: أنْشدك الله الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى ماتجدون فِي التَّوْرَاة على من زنى إِذا أحصن قَالُوا يحمم ويجبه ويجلد وَالتَّجْبِيَة أَن يحمل الزانيان على حمَار ويقابل أقفيتهما وَيُطَاف بهما وَسكت شَاب فَلَمَّا رَآهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سكت ألظ النِّشْدَة فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَشَدتنَا فَإنَّا نجد فِي التَّوْرَاة الرَّجْم ثمَّ زنى رجل فِي أسرة من النَّاس فَأَرَادَ رجمه فحال قومه دونه وَقَالُوا: وَالله مانرجم صاحبنا حَتَّى تَجِيء بصاحبك فترجمه فَاصْطَلَحُوا بِهَذِهِ الْعقُوبَة بَينهم
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَإِنِّي أحكم بِمَا فِي التَّوْرَاة فَأمر بهما فرجمها
قَالَ الزُّهْرِيّ: فَبَلغنَا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فيهم {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا} الْمَائِدَة الْآيَة 44 فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والنحاس فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن(3/76)
الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: مر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهُودِيّ محمم مجلود فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: أهكذا تَجِدُونَ حد الزَّانِي فِي كتابكُمْ قَالُوا: نعم فَدَعَا رجلا من عُلَمَائهمْ فَقَالَ: أنْشدك بِاللَّه الَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى: أهكذا تَجِدُونَ حد الواني فِي كنابكم قَالَ: اللَّهُمَّ لَا وَلَوْلَا أَنَّك نشدتني بِهَذَا لم أخْبرك نجد حد الزَّانِي فِي كتَابنَا الرَّجْم وَلكنه كثر فِي أشرافنا فَكُنَّا إِذا أَخذنَا الشريف تَرَكْنَاهُ وَإِذا أَخذنَا الضَّعِيف أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَد فَقُلْنَا: تَعَالَوْا نجْعَل شَيْئا نقيمه على الشريف والوضيع فَاجْتَمَعْنَا على التحميم وَالْجَلد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ إِنِّي أول من أَحْيَا أَمرك إِذْ أماتوه وَأمر بِهِ فرجم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} إِلَى قَوْله {إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} وَإِن أفتاكم بِالرَّجمِ {فاحذروا} إِلَى قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} قَالَ فِي الْيَهُود {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 45 قَالَ: فِي النَّصَارَى إِلَى قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 47 قَالَ: فِي الْكفَّار كلهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ: إِن الْيَهُود جاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا لَهُ رجلا مِنْهُم وَامْرَأَة زَنَيَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماتجدون فِي التَّوْرَاة قَالُوا: نفصحهم ويجلدون
قَالَ عبد الله بن سَلام: كَذبْتُمْ ان فِيهَا آيَة الرَّجْم فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فنشروها فَوضع أحدهم يَده على آيَة الرَّجْم فَقَالَ ماقبلها وَمَا بعْدهَا فَقَالَ عبد الله بن سَلام: ارْفَعْ يدك فَرفع يَده فَإِذا آيَة الرَّجْم
قَالُوا: صدق فَأمر بهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرُجِمَا
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لم تؤتوه فاحذروا} قَالَ هم الْيَهُود زنت مِنْهُم امْرَأَة وَقد كَانَ حكم الله فِي التَّوْرَاة فِي الزِّنَا الرَّجْم فنفسوا أَن يرجموها وَقَالُوا: انْطَلقُوا إِلَى مُحَمَّد فَعَسَى أَن تكون عِنْده رخصَة فَإِن كَانَت عِنْده رخصَة فاقبلوها فَأتوهُ فَقَالُوا: ياأبا الْقَاسِم إِن امْرَأَة منا زنت فَمَا تَقول فِيهَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَكيف حكم الله فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِي قَالُوا: دَعْنَا مِمَّا فِي التَّوْرَاة وَلَكِن ماعندك فِي ذَلِك فَقَالَ: ائْتُونِي(3/77)
بأعلمكم بِالتَّوْرَاةِ الَّتِي أنزلت على مُوسَى
فَقَالَ لَهُم: بِالَّذِي نجاكم من آل فِرْعَوْن وَبِالَّذِي فلق لكم الْبَحْر فانجاكم وَأغْرقَ آل فِرْعَوْن إِلَّا أخبرتموني ماحكم الله فِي التَّوْرَاة فِي الزَّانِي قَالُوا: حكمه الرَّجْم فَأمر بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرجمت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن جَابر بن عبد الله فِي قَوْله {وَمن الَّذين هادوا سماعون للكذب} قَالَ: يهود الْمَدِينَة {سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك} قَالَ: يهود فدك {يحرفُونَ الْكَلم} قَالَ: يهود فدك {يَقُولُونَ} ليهود الْمَدِينَة {إِن أُوتِيتُمْ هَذَا} الْجلد {فَخُذُوهُ وَإِن لم تؤتوه فاحذروا} الرَّجْم
وَأخرج الْحميدِي فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: زنى رجل من أهل فدك فَكتب أهل فدك إِلَى نَاس من الْيَهُود بِالْمَدِينَةِ اسألوا مُحَمَّدًا عَن ذَلِك فَإِن أَمركُم بِالْجلدِ فَخُذُوهُ عَنهُ وَإِن أَمركُم بِالرَّجمِ فَلَا تأخذوه عَنهُ فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: أرْسلُوا إليَّ أعلم رجلَيْنِ مِنْكُم فجاؤوا بِرَجُل أَعور يُقَال لَهُ ابْن صوريا وَآخر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهما أَلَيْسَ عندكما التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله قَالَا: بلَى
قَالَ: فانشدك بِالَّذِي فلق الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل وظلل عَلَيْكُم الْغَمَام ونجاكم من آل فِرْعَوْن وَأنزل التَّوْرَاة على مُوسَى وَأنزل الْمَنّ والسلوى على بني إِسْرَائِيل ماتجدون فِي التَّوْرَاة فِي شَأْن الرَّجْم فَقَالَ أَحدهمَا للْآخر: مانشدت بِمثلِهِ قطّ: قَالَا: نجد ترداد النّظر زنية والاعتناق زنية والقبل زنية فَإِذا شهد أَرْبَعَة أَنهم رَأَوْهُ يبدىء وَيُعِيد كَمَا يدْخل الْميل فِي المكحلة فقد وَجب الرَّجْم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَهُوَ كَذَلِك فَأمر بِهِ فرجم فَنزلت {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم} إِلَى قَوْله {يحب المقسطين} الْمَائِدَة الْآيَة 42
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر} قَالَ: نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار زَعَمُوا أَنه أَبُو لباتة أشارت اليه بَنو قُرَيْظَة يَوْم الْحصار ماالامر على ماننزل فَأَشَارَ إِلَيْهِم أَنه الذّبْح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن الَّذين هادوا سماعون للكذب} قَالَ: هم أَبُو يسرة وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل فِي قَوْله {سماعون لقوم آخَرين} قَالَ: يهود خَيْبَر(3/78)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {سمَّاعون لقوم آخَرين} قَالَ: هم أَيْضا سماعون ليهود
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {يحرِّفون الْكَلم عَن موَاضعه} (الْمَائِدَة الْآيَة 13) قَالَ: كَانَ يَقُول بني إِسْرَائِيل: يابني أحباري فحرفوا ذَلِك فجعلوه يابني أبكاري فَذَلِك قَوْله {يحرفُونَ الْكَلم عَن موَاضعه} وَكَانَ إِبْرَاهِيم يَقْرَأها (يحرفُونَ الْكَلم من موَاضعه)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يحرفُونَ الْكَلم من بعد موَاضعه} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَن هَذَا كَانَ فِي قَتِيل بني قُرَيْظَة وَالنضير إِذْ قتل رجل من قُرَيْظَة قَتله النَّضِير وَكَانَت النَّضِير إِذا قتلت من بني قُرَيْظَة لم يقيدوهم إِنَّمَا يعطونهم الدِّيَة لفضلهم عَلَيْهِم فِي أنفسهم تعوذاً فَقدم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَسَأَلَهُمْ فأرادوا ان يرفعوا ذَلِك إِلَى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليحكم بَينهم فَقَالَ لَهُم رجل من الْمُنَافِقين: إِن قتيلكم هَذَا قَتِيل عمد وَإِنَّكُمْ مَتى ترفعون أمره إِلَى مُحَمَّد أخْشَى عَلَيْكُم الْقود فَإِن قبل مِنْكُم الدِّيَة فَخُذُوهُ وَإِلَّا فكونوا مِنْهُم على حذر
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَقُولُونَ إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ} قَالَ: إِن وافقكم وَإِن لم يوافقكم {فَاحْذَرُوهُ} يهود تَقول: لِلْمُنَافِقين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يحرفُونَ الْكَلم} يَعْنِي حُدُود الله فِي التَّوْرَاة
وَفِي قَوْله {يَقُولُونَ إِن أُوتِيتُمْ هَذَا} قَالَ: يَقُولُونَ إِن أَمركُم مُحَمَّد بِمَا أَنْتُم عَلَيْهِ فاقبلوه وَإِن خالفكم فَاحْذَرُوهُ
وَفِي قَوْله {وَمن يرد الله فتنته} قَالَ: ضلالته {فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا} يَقُول: لن تغني عَنهُ شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي} قَالَ: أما خزيهم فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ إِذا قَامَ الْهدى فتح الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَقَتلهُمْ فَذَلِك الخزي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي} مَدِينَة تفتح بالروم فيسبون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي} قَالَ: يُعْطون الْجِزْيَة عَن يَد وهم صاغرون(3/79)
سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)
- قَوْله تَعَالَى: سماعون للكذب أكالون للسحت فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم وَإِن تعرض عَنْهُم فَلَنْ يضروك شَيْئا وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ إِن الله يحب المقسطين
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت} وَذَلِكَ أَنهم أخذُوا الرِّشْوَة فِي الحكم وقضوا بِالْكَذِبِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {سمَّاعون للكذب أكَّالون للسحت} قَالَ: تِلْكَ أَحْكَام الْيَهُود يسمع كذبه وَيَأْخُذ رشوته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: السُّحت الرِّشْوَة فِي الدّين
قَالَ سُفْيَان: يَعْنِي فِي الحكم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من شفع لرجل ليدفع عَنهُ مظلمته أويرد عَلَيْهِ حَقًا فاهدى لَهُ هَدِيَّة فقبلها فَذَلِك السُّحت
فَقيل: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّا كُنَّا نعد السُّحت الرِّشْوَة فِي الحكم فَقَالَ عبد الله: ذَلِك الْكفْر {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 44
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن السُّحت فَقَالَ: الرشا
قيل: فِي الحكم قَالَ: ذَلِك الْكفْر ثمَّ قَرَأَ {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 44
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ عَن السُّحت أهوَ الرِّشْوَة فِي الحكم قَالَ: لَا
{وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 45 الْفَاسِقُونَ وَلَكِن السُّحت أَن يستعينك رجل على مظْلمَة فيهدي لَك فتقبله فَذَلِك السُّحت(3/80)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَسْرُوق قَالَ: قلت لعمر بن الْخطاب: أَرَأَيْت الرِّشْوَة فِي الحكم أَمن السُّحت هِيَ قَالَ: لَا وَلَكِن كفرا إِنَّمَا السُّحت أَن يكون للرجل عِنْد السُّلْطَان جاه ومنزلة وَيكون إِلَى السُّلْطَان حَاجَة فلايقضي حَاجته حَتَّى يهدي إِلَيْهِ هَدِيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رشوة الْحُكَّام حرَام وَهِي السُّحت الَّذِي ذكر الله فِي كِتَابه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل لحم نبت من سحت فَالنَّار أولى بِهِ
قيل: يارسول الله وَمَا السُّحت قَالَ: الرِّشْوَة فِي الحكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن زيد بن ثَابت
أَنه سُئِلَ عَن السُّحت فَقَالَ: الرِّشْوَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه سُئِلَ عَن السُّحت فَقَالَ: الرشا
فَقيل لَهُ: فِي الحكم قَالَ: ذَاك الْكفْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: بَابَانِ من السُّحت يأكلهما النَّاس
الرشا فِي الحكم وَمهر الزَّانِيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ قَالَ: أَبْوَاب السُّحت ثَمَانِيَة: رَأس السُّحت رشوة الْحَاكِم وَكسب الْبَغي وعَسَبُ الْفَحْل وَثمن الْميتَة وَثمن الْخمر وَثمن الْكَلْب وَكسب الْحجام وَأجر الكاهن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طريف قَالَ: مر عَليّ بِرَجُل يحْسب بَين قوم بِأَجْر وَفِي لفظ: يقسم بَين نَاس قسما فَقَالَ لَهُ عَليّ: إِنَّمَا تَأْكُل سحتاً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: من السُّحت مهر الزَّانِيَة وَثمن الْكَلْب إِلَّا كلب الصَّيْد وَمَا أَخذ من شَيْء فِي الحكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدَايَا الْأُمَرَاء سحت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سِتّ خِصَال من السُّحت: رشوة الإِمَام وَهِي أَخبث ذَلِك كُله وَثمن الْكَلْب وعسب الْفَحْل وَمهر الْبَغي وَكسب الْحجام وحلوان الكاهن(3/81)
وَأخرج عبد بن حميد عَن طَاوس قَالَ: هَدَايَا الْعمَّال سحت
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن سعيد قَالَ لما بعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن رَوَاحَة إِلَى أهل خيبرأهدوا لَهُ فَرْوَة فَقَالَ: سحت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراشي والمرتشي
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ثَوْبَان قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الراشي والمرتشي والرائش يَعْنِي الَّذِي يمشي بَينهمَا
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من ولي عشرَة فَحكم بَينهم بِمَا أَحبُّوا أَو كَرهُوا جِيءَ بِهِ مغلولة يَده فَإِن عدل وَلم يرتش وَلم يحف فك الله عَنهُ وَإِن حكم بِغَيْر ماأنزل الله ارتشى وحابى فِيهِ شدت يسَاره إِلَى يَمِينه ثمَّ رمي فِي جَهَنَّم فَلم يبلغ قعرها خَمْسمِائَة عَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَتَكُون من بعدِي وُلَاة يسْتَحلُّونَ الْخمر بالنبيذ والبخس بِالصَّدَقَةِ والسحت بالهدية وَالْقَتْل بِالْمَوْعِظَةِ يقتلُون البريء لتوطى الْعَامَّة لَهُم فيزدادوا إِثْمًا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من السُّحت: كسب الْحجام وَثمن الْكَلْب وَثمن القرد وَثمن الْخِنْزِير وَثمن الْخمر وَثمن الْميتَة وَثمن الدَّم وعسب الْفَحْل وَأجر النائحة وَأجر الْمُغنيَة وَأجر الكاهن وَأجر السَّاحر وَأجر الْقَائِف وَثمن جُلُود السبَاع وَثمن جُلُود الْميتَة فَإِذا دبغت فَلَا بَأْس بهَا وَأجر صور التماثيل وهدية الشَّفَاعَة وجعلة الْغَزْو
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله قَالَ: هَذِه الرغف الَّتِي يَأْخُذهَا المعلمون من السُّحت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آيتان نسختا من هَذِه السُّورَة - يَعْنِي من الْمَائِدَة - آيَة القلائد وَقَوله {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُخَيّرا إِن شَاءَ حكم بَينهم وَإِن شَاءَ أعرض عَنْهُم فردهم إِلَى(3/82)
أحكامهم فَنزلت {وَأَن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم} الْمَائِدَة الْآيَة 49 قَالَ: فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم بَينهم بِمَا فِي كتَابنَا
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} قَالَ: نسختها هَذِه الْآيَة {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} الْمَائِدَة 49
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن شهَاب
إِن الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم} كَانَت فِي شَأْن الرَّجْم
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن الْآيَات من الْمَائِدَة الَّتِي قَالَ الله فِيهَا {فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} إِلَى قَوْله {المقسطين} إِنَّمَا نزلت فِي الدِّيَة من بني النَّضِير وَقُرَيْظَة وَذَلِكَ أَن قَتْلَى بني النَّضِير كَانَ لَهُم شرف يُرِيدُونَ الدِّيَة كَامِلَة وَأَن بني قُرَيْظَة كَانُوا يُرِيدُونَ نصف الدِّيَة فَتَحَاكَمُوا فِي ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله ذَلِك فيهمفحملهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْحق فَجعل الدِّيَة سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت قُرَيْظَة وَالنضير وَكَانَ النَّضِير أشرف من قُرَيْظَة فَكَانَ إِذا قتل رجل من النَّضِير رجلا من قُرَيْظَة أدّى مائَة وسق من تمر وَإِذا قتل رجل من قُرَيْظَة رجلا من النَّضِير قتل بِهِ فَلَمَّا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتل رجل من النَّضِير رجلا من قُرَيْظَة فَقَالُوا: ادفعوه إِلَيْنَا نَقْتُلهُ فَقَالُوا: بَيْننَا وَبَيْنكُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتوهُ فَنزلت {وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} والقسط
النَّفس بِالنَّفسِ ثمَّ نزلت {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 50
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} قَالَ: يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة كَانَ فِي سَعَة من أمره إِن شَاءَ حكم وَإِن شَاءَ لم يحكم ثمَّ قَالَ {وَإِن تعرض عَنْهُم فَلَنْ يضروك شَيْئا} قَالَ: نسختها {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم} الْمَائِدَة الْآيَة 49(3/83)
وَأخرج عبد بن حميد والنحاس فِي ناسخه عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} قَالَ: إِن شَاءَ حكم بَينهم وَإِن شَاءَ لم يحكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ قَالَا: إِذا جاؤوا إِلَى حَاكم من حكام الْمُسلمين إِن شَاءَ حكم بَينهم وَإِن شَاءَ أعرض عَنْهُم وَإِن حكم بَينهم حكم بِمَا أنزل الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ مخيَّر
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي أهل الذِّمَّة يرتفعون إِلَى حكام الْمُسلمين قَالَ: يحكم بَينهم بِمَا أنزل الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: أهل الذِّمَّة إِذْ ارتفعوا إِلَى الْمُسلمين حكم عَلَيْهِم بِحكم الْمُسلمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ {وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ} قَالَ: بِالرَّجمِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك فِي قَوْله {إِن الله يحب المقسطين} قَالَ: المعدلين فِي القَوْل وَالْفِعْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الزُّهْرِيّ فِي الْآيَة قَالَ: مَضَت السّنة أَن يردوا فِي حُقُوقهم ومواريثهم إِلَى أهل دينهم إِلَّا أَن يَأْتُوا راغبين فِي حد يحكم بَينهم فِيهِ فَيحكم بَينهم بِكِتَاب الله وَقد قَالَ لرَسُوله {وَإِن حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ}(3/84)
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)
- قَوْله تَعَالَى: وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله ثمَّ يتولون من بعد ذَلِك وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
- أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ مر على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَهُودِيّ محمم قد جلد فَسَأَلَهُمْ ماشأن هَذَا قَالُوا: زنى
فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُود: ماتجدون حد الزَّانِي فِي كتابكُمْ قَالُوا نجد حَده التحميم وَالْجَلد
فَسَأَلَهُمْ أَيّكُم أعلم فوركوا ذَلِك إِلَى رجل مِنْهُم قَالُوا: فلَان
فارسل إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ قَالَ: نجد التحميم وَالْجَلد فَنَاشَدَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماتجدون حد الزَّانِي فِي كتابكُمْ قَالَ: نجد الرَّجْم وَلكنه(3/84)
كثر فِي عظمائنا فامنتعوا مِنْهُم بقومهم وَوَقع الرَّجْم على ضعفائنا فَقُلْنَا نضع شَيْئا يصلح بَينهم حَتَّى يستووا فِيهِ فَجعلنَا التحميم وَالْجَلد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ إِنِّي أول من أَحْيَا أَمرك إِذْ أماتوه فَأمر بِهِ فرجم
قَالَ: وَوَقع الْيَهُود بذلك الرجل الَّذِي أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشتموه وَقَالُوا: لوكنا نعلم أَنَّك تَقول هَذَا ماقلنا انك أعلمنَا
قَالَ: ثمَّ جعلُوا بعد ذَلِك يسْأَلُون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ماتجد فِيمَا أنزل إِلَيْك حد الزَّانِي فَأنْزل الله {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله} يَعْنِي حُدُود الله فَأخْبرهُ الله بِحكمِهِ فِي التَّوْرَاة قَالَ {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا} إِلَى قَوْله {والجروح قصاص} الْمَائِدَة الْآيَة 45
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله} يَقُول: عِنْدهم بَيَان ماتشاجروا فِيهِ من شَأْن قتيلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله {وَكَيف يحكمونك وَعِنْدهم التَّوْرَاة فِيهَا حكم الله} يَقُول: فِيهَا الرَّجْم للمحصن والمحصنة وَالْإِيمَان بِمُحَمد والتصديق لَهُ {ثمَّ يتولون} يَعْنِي عَن الْحق {من بعد ذَلِك} يَعْنِي بعد الْبَيَان {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} يَعْنِي الْيَهُود(3/85)
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا والربانيون والأحبار بِمَا استحفظوا من كتاب الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلَا تخشوا النَّاس واخشون وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل فِي قَوْله {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور} يَعْنِي هدى من الضَّلَالَة وَنور من الْعَمى {يحكم بهَا النَّبِيُّونَ} يحكمون بِمَا فِي التَّوْرَاة من لدن مُوسَى إِلَى عِيسَى {للَّذين هادوا} لَهُم وَعَلَيْهِم ثمَّ قَالَ وَيحكم بهَا {الربانيون والأحبار} أَيْضا بِالتَّوْرَاةِ {بِمَا استحفظوا من كتاب الله} من(3/85)
الرَّجْم وَالْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلَا تخشوا النَّاس} فِي أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالرَّجم يَقُول: اظهروا أَمر مُحَمَّد وَالرَّجم {واخشون} فِي كِتْمَانه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا والربانيون والأحبار} قَالَ: أما الربانيون
ففقهاء الْيَهُود وَأما الْأَحْبَار
فعلماؤهم
قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما أنزلت هَذِه الْآيَة: نَحن نحكم على الْيَهُود وعَلى من سواهُم من أهل الْأَدْيَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا} قَالَ: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن قبله من الْأَنْبِيَاء يحكمون بِمَا فِيهَا من الْحق
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {والربانيون والأحبار} قَالَ: الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء
وَأخرج عَن مُجَاهِد قَالَ: {الربانيون} الْعلمَاء الْفُقَهَاء وهم فَوق الْأَحْبَار
وَأخرج عَن قَتَادَة قَالَ {الربانيون} فُقَهَاء الْيَهُود {والأحبار} الْعلمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ كَانَ رجلَانِ من الْيَهُود أَخَوان يُقَال لَهما ابْنا صوريا قد اتبعا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يسلما وأعطياه عهدا أَن لايسألهما عَن شَيْء فِي التَّوْرَاة إِلَّا أخبراه بِهِ وَكَانَ أَحدهمَا ربيّا وَالْآخر حبرًا وَإِنَّمَا الْأَمر كَيفَ حِين زنى الشريف وزنى الْمِسْكِين وَكَيف غيروه فَأنْزل الله {إِنَّا أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا} يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والربانيون والأحبار} هما ابْنا صوريا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الربانيون
الْفُقَهَاء الْعلمَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {والربانيون} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ {والأحبار} قَالَ: هم الْقُرَّاء {وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء} يَعْنِي الربانيون والأحبار هم الشُّهَدَاء لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا قَالَ أَنه حق جَاءَ من عِنْد الله فَهُوَ نَبِي الله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَتْهُ الْيَهُود فَقضى بَينهم بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جريج {فَلَا تخشوا النَّاس واخشون} لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن عَسَاكِر عَن نَافِع قَالَ: كُنَّا مَعَ ابْن عمر فِي سفر فَقيل إِن السَّبع فِي الطَّرِيق قد حبس النَّاس فاستحث ابْن عمر(3/86)
رَاحِلَته فَلَمَّا بلغ اليه برك فَعَرَكَ أُذُنه وقعده قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِنَّمَا يسْخط على ابْن آدم من خافه ابْن آدم وَلَو أَن ابْن آدم لم يخف إِلَّا الله لم يُسَلط عَلَيْهِ غَيره وَإِنَّمَا وكل ابْن آدم عَن رجال ابْن آدم وَلَو أَن ابْن آدم لم يرج إِلَّا الله لم يكله إِلَى سواهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {فَلَا تخشوا النَّاس} فتكتموا مَا أنزلت {وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا} على أَن تكتموا مَا أنزلت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا} قَالَ: لاتأكلوا السُّحت على كتابي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله} فقد كفر وَمن أقرّ بِهِ وَلم يحكم بِهِ فَهُوَ ظَالِم فَاسق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور والْفرْيَابِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} (الْمَائِدَة آيَة 45) {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} (الْمَائِدَة آيَة 47) قَالَ: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وَفسق دون فسق
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا نزل الله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} والظالمون والفاسقون فِي الْيَهُود خَاصَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح قَالَ: الثَّلَاث الْآيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} هم الظَّالِمُونَ هم الْفَاسِقُونَ لَيْسَ فِي أهل الْإِسْلَام مِنْهَا شَيْء هِيَ فِي الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} هم الظَّالِمُونَ هم الْفَاسِقُونَ نزلت هَؤُلَاءِ الْآيَات فِي أهل الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله} الْآيَات
قَالَ: نزلت الْآيَات فِي بني إِسْرَائِيل وَرَضي لهَذِهِ الْأمة بهَا(3/87)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} قَالَ: نزلت فِي الْيَهُود وَهِي علينا وَاجِبَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ قَالَ: الثَّلَاث آيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله} أَولهَا فِي هَذِه الْأمة وَالثَّانيَِة فِي الْيَهُود وَالثَّالِثَة فِي النَّصَارَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} قَالَ: من حكم بكتابه الَّذِي كتب بِيَدِهِ وَترك كتاب الله وَزعم أَن كِتَابه هَذَا من عِنْد الله فقد كفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن حُذَيْفَة أَن هَذِه الْآيَات ذكرت عِنْده {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} والظالمون والفاسقون فَقَالَ رجل: ان هَذَا فِي بني إِسْرَائِيل
قَالَ حُذَيْفَة: نعم الْأُخوة لكم بَنو إِسْرَائِيل إِن كَانَ لكم كل حلوة وَلَهُم كل مرّة كلا وَالله لتسلكن طريقهم قدر الشرَاك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نعم الْقَوْم أَنْتُم إِن كَانَ مَا كَانَ من حُلو فَهُوَ لكم وماكان من مُر فَهُوَ لأهل الْكتاب كَأَنَّهُ يرى أَن ذَلِك فِي الْمُسلمين {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} قَالَ: نعم
قَالُوا {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} قَالَ: نعم
قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ يحكمون بِمَا أنزل الله
قَالَ: نعم هُوَ دينهم الَّذِي بِهِ يحكمون وَالَّذِي بِهِ يَتَكَلَّمُونَ وَإِلَيْهِ يدعونَ فَإِذا تركُوا مِنْهُ شَيْئا علمُوا أَنه جور مِنْهُم إِنَّمَا هَذِه الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ الَّذين لايحكمون بِمَا أنزل الله
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَكِيم بن جُبَير قَالَ: سَأَلت سعيد بن جُبَير عَن هَذِه الْآيَات فِي الْمَائِدَة {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} {وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} فَقلت: زعم قوم أَنَّهَا نزلت على بني إِسْرَائِيل وَلم تنزل علينا قَالَ: اقْرَأ ماقبلها وَمَا بعْدهَا فَقَرَأت عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا بل نزلت علينا ثمَّ لقِيت مقسمًا مولى ابْن عَبَّاس فَسَأَلته عَن هَذِه الْآيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة قلت: زعم قوم أَنَّهَا نزلت على(3/88)
بني إِسْرَائِيل وَلم تنزل علينا
قَالَ: إِنَّه نزل على بني إِسْرَائِيل وَنزل علينا وَمَا نزل علينا وَعَلَيْهِم فَهُوَ لنا وَلَهُم ثمَّ دخلت على عَليّ بن الْحُسَيْن فَسَأَلته عَن هَذِه الْآيَات الَّتِي فِي الْمَائِدَة وحدثته أَنِّي سَأَلت عَنْهَا سعيد بن جُبَير ومقسماً قَالَ: فَمَا قَالَ مقسم فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ
قَالَ صدق وَلكنه كفر لَيْسَ ككفر الشّرك وَفسق لَيْسَ كفسق الشّرك وظلم لَيْسَ كظلم الشّرك فَلَقِيت سعيد بن جُبَير فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ: فَقَالَ سعيد بن جُبَير لِابْنِهِ: كَيفَ رَأَيْته لقد وجدت لَهُ فضلا عَلَيْك وعَلى مقسم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عمر قَالَ: مارأيت مثل من قضى بَين إثنين بعد هَذِه الْآيَات
وَأخرج سعيد قَالَ: استُعمل أَبُو الدَّرْدَاء على الْقَضَاء فَأصْبح يهينه
قَالَ: تهينني بِالْقضَاءِ وَقد جعلت على رَأس مهواة منزلتها أبعد من عدن وَأبين وَلَو علم النَّاس مَا فِي الْقَضَاء لأخذوه بالدول رَغْبَة عَنهُ وكراهية لَهُ وَلَو يعلم النَّاس مافي الْأَذَان لأخذوه بالدول رَغْبَة فِيهِ وحرصاً عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن سعد عَن يزِيد بن موهب
أَن عُثْمَان قَالَ لعبد الله بن عمر: اقْضِ بَين النَّاس قَالَ: لَا أَقْْضِي بَين إثنين وَلَا أؤم إثنين قَالَ: لَا وَلكنه بَلغنِي أَن الْقُضَاة ثَلَاثَة
رجل قضى بِجَهْل فَهُوَ فِي النَّار وَرجل حاف وَمَال بِهِ الْهوى فَهُوَ فِي النَّار وَرجل اجْتهد فَأصَاب فَهُوَ كفاف لَا أجر لَهُ وَلَا وزر عَلَيْهِ
قَالَ: إِن أَبَاك كَانَ يقْضِي قَالَ: إِن أبي إِذا أشكل عَلَيْهِ شَيْء سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا أشكل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ جِبْرِيل وَإِنِّي لَا أجد من أسأَل أما سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من عاذ بِاللَّه فقد عاذ بمعاذ فَقَالَ عُثْمَان: بلَى
قَالَ: فَانِي أعوذ بِاللَّه أَن تَسْتَعْمِلنِي فاعفاه وَقَالَ: لاتخبر بِهَذَا أحدا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عبد الْعَزِيز بن أبي رواد قَالَ: بَلغنِي أَن قَاضِيا كَانَ فِي زمن بني إِسْرَائِيل بلغ من اجْتِهَاده أَن طلب إِلَى ربه أَن يَجْعَل بَينه وَبَينه علما إِذا هُوَ قضى بِالْحَقِّ عرف ذَلِك
فَقيل لَهُ: ادخل مَنْزِلك ثمَّ مد يدك فِي جدارك ثمَّ انْظُر كَيفَ تبلغ أصابعك من الْجِدَار فاخطط عِنْده خطا فَإِذا أَنْت قُمْت من مجْلِس الْقَضَاء فَارْجِع إِلَى ذَلِك الْخط فامدد يدك إِلَيْهِ فانك مَتى كنت على الْحق فانك ستبلغه وَإِن قصرت عَن الْحق قصر بك فَكَانَ يَغْدُو إِلَى الْقَضَاء وَهُوَ مُجْتَهد وَكَانَ لايقضي إِلَّا بِالْحَقِّ وَكَانَ إِذا فرغ لم يذقْ طَعَاما وَلَا(3/89)
شرابًا وَلَا يُفْضِي إِلَى أَهله بِشَيْء حَتَّى يَأْتِي ذَلِك الْخط فَإِذا بلغه حمد الله وأفضى إِلَى كل ماأحل الله لَهُ من أهل أَو مطعم أَو مشرب فَلَمَّا كَانَ ذَات يَوْم وَهُوَ فِي مجْلِس الْقَضَاء أقبل إِلَيْهِ رجلَانِ بِدَابَّة فَوَقع فِي نَفسه أَنَّهُمَا يُريدَان يختصمان إِلَيْهِ وَكَانَ أَحدهمَا لَهُ صديقا وخدنا فَتحَرك قلبه عَلَيْهِ محبَّة أَن يكون لَهُ فَيَقْضِي لَهُ بِهِ فَلَمَّا إِن تكلما دَار الْحق على صَاحبه فَقضى عَلَيْهِ فَلَمَّا قَامَ من مَجْلِسه ذهب إِلَى خطه كَمَا كَانَ يذهب كل يَوْم فَمد يَده إِلَى الْخط فَإِذا الْخط قد ذهب وتشمر إِلَى السّقف وَإِذا هُوَ لايبلغه فَخر سَاجِدا وَهُوَ يَقُول: يارب شَيْء لم أتعمده فَقيل لَهُ: أتحسبن أَن الله لم يطلع على جور قَلْبك حَيْثُ أَحْبَبْت أَن يكون الْحق لصديقك فتقضي لَهُ بِهِ قد أردته وأحببته وَلَكِن الله قد رد الْحق إِلَى أَهله وَأَنت لذَلِك كَارِه
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ عَن لَيْث قَالَ: تقدم عمر بن الْخطاب خصمان فأقامهما ثمَّ عادا ففصل بَينهم فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: تقدما إليَّ فَوجدت لأَحَدهمَا مَا لم أجد لصَاحبه فَكرِهت أَن افصل بَينهمَا ثمَّ عادا فَوجدت بعض ذَلِك فَكرِهت ثمَّ عادا وَقد ذهب ذَلِك ففصلت بَينهمَا(3/90)
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
- قَوْله تَعَالَى: وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ لما رَأَتْ قُرَيْظَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حكم بِالرَّجمِ وَقد كَانُوا يخفونه فِي كِتَابهمْ فَنَهَضت قُرَيْظَة فَقَالُوا: يامحمد اقْضِ بَيْننَا وَبَين إِخْوَاننَا بني النَّضِير وَكَانَ بَينهم دم قبل قدوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت النَّضِير ينفرون على بني قُرَيْظَة دياتهم على انصاف ديات النَّضِير فَقَالَ: دم الْقرظِيّ وَفَاء دم النَّضِير فَغَضب بنوالنضير وَقَالُوا: لانطيعك فِي الرَّجْم وَلَكنَّا نَأْخُذ بحدودنا الَّتِي كُنَّا عَلَيْهَا فَنزلت {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 50 وَنزل {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} الْآيَة(3/90)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا} قَالَ: فِي التَّوْرَاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} قَالَ: كتب عَلَيْهِم هَذَا فِي التَّوْرَاة فَكَانُوا يقتلُون الْحر بِالْعَبدِ وَيَقُولُونَ: كتب علينا أَن النَّفس بِالنَّفسِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كتب ذَلِك على بني إِسْرَائِيل فَهَذِهِ الْآيَات لنا وَلَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} إِلَى تَمام الْآيَة
أَهِي عَلَيْهِم خَاصَّة قَالَ: بل عَلَيْهِم وَالنَّاس عَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا} قَالَ: فِي التَّوْرَاة {أَن النَّفس بِالنَّفسِ} الْآيَة
قَالَ: إِنَّمَا أنزل مَا تَسْمَعُونَ فِي أهل الْكتاب حِين نبذوا كتاب الله وعطّلوا حُدُوده وَتركُوا كِتَابه وَقتلُوا رسله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن يرويهِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قتل عَبده قَتَلْنَاهُ وَمن جدعه جدعناه فراجعوه فَقَالَ: قضى الله {أَن النَّفس بِالنَّفسِ}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن شهَاب قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ} أقيد الرجل من الْمَرْأَة وَفِيمَا تَعَمّده من الْجَوَارِح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ إِذا قَتلهَا
قَالَ الله {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه فِي قَوْله {أَن النَّفس بِالنَّفسِ} قَالَ: تقتل بِالنَّفسِ {وَالْعين بِالْعينِ} قَالَ: تفقأ بِالْعينِ {وَالْأنف بالأنف} قَالَ: يقطع الْأنف بالأنف {وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص} قَالَ: وتقتص الْجراح بالجراح {فَمن تصدَّق بِهِ} يَقُول: من عَفا عَنهُ فَهُوَ كَفَّارَة للمطلوب
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَهَا {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ} بِنصب النَّفس وَرفع الْعين ومابعده الْآيَة كلهَا(3/91)
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس أَن الرّبيع كسرت ثنية جَارِيَة فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَخُوهَا أنس بن النَّضر: يارسول الله تكسر ثنية فُلَانَة فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ياأنس كتاب الله الْقصاص
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: الجروح قصاص وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يضْربهُ ولايحبسه إِنَّمَا الْقصاص - ماكان الله نسياً - لَو شَاءَ لأمر بِالضَّرْبِ والسجن
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عمر
فِي قَوْله {فَمن تصدَّق بِهِ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ كَفَّارَة للمجروح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن عبد الله {فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ للَّذي تصدق بِهِ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن رجل من الْأَنْصَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ: الرجل تكسر سنه أَو تقطع يَده أَو يقطع الشَّيْء أَو يجرح فِي بدنه فيعفو عَن ذَلِك فيحط عَنهُ قدر خطاياه فَإِن كَانَ ربع الدِّيَة فربع خطاياه وَإِن كَانَ الثُّلُث فثلث خطاياه وَإِن كَانَت الدِّيَة حطت عَنهُ خطاياه كَذَلِك
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} الرجل تكسر سنه أَو يجرح من جسده فيعفو عَنهُ فيحط من خطاياه بِقدر مَا عَفا من جسده إِن كَانَ نصف الدِّيَة فَنصف خطاياه وَإِن كَانَ ربع الدِّيَة فربع خطاياه وَإِن كَانَ ثلث الدِّيَة فثلث خطاياه وَإِن كَانَت الدِّيَة كلهَا فخطاياه كلهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عدي بن ثَابت
أَن رجلا هتم فَم رجل على عهد مُعَاوِيَة فَأعْطَاهُ دِيَة فَأبى إِلَّا أَن يقْتَصّ فاعطاه ديتين فَأبى فَأعْطى ثَلَاثًا
فَحدث رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من تصدق بِدَم فَمَا دونه فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ من يَوْم ولد إِلَى يَوْم يَمُوت(3/92)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كسر رجل من قُرَيْش سنّ رجل من الْأَنْصَار فاستعدى عَلَيْهِ فَقَالَ مُعَاوِيَة: أَنا أسترضيه فألح الْأنْصَارِيّ فَقَالَ مُعَاوِيَة: شَأْنك بصاحبك وَأَبُو الدَّرْدَاء جَالس فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مامن مُسلم يصاب بِشَيْء من جسده فَيصدق بِهِ إِلَّا رَفعه الله بِهِ دَرَجَة وَحط عَنهُ بِهِ خَطِيئَة
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: فَانِي قد عَفَوْت
وَأخرج الديلمي عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ: هُوَ الرجل تكسر سنه ويجرح من جسده فيعفو عَنهُ فيحط عَنهُ من خطاياه بِقدر ماعفا عَنهُ من جسده إِن كَانَ نصف الدِّيَة فَنصف خطاياه وَإِن كَانَ ربع الدِّيَة فربع خطاياه وَإِن كَانَ ثلث الدِّيَة فثلث خطاياه وَإِن كَانَ الدِّيَة كلهَا فحطاياه كلهَا
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن أبي الدَّرْدَاء
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مامن مُسلم يصاب بِشَيْء من جسده فَيتَصَدَّق بِهِ إِلَّا رَفعه الله بِهِ دَرَجَة وَحط بِهِ خَطِيئَة
فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: فَانِي قد عَفَوْت
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مامن رجل يجرح من جسده جرحة فَيتَصَدَّق بهَا إِلَّا كفر الله عَنهُ مثل مَا تصدق بِهِ
وَأخرج أَحْمد عَن رجل من الصَّحَابَة قَالَ: من أُصِيب بِشَيْء من جسده فَتَركه بعد كَانَ كَفَّارَة لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن يُونُس بن أبي إِسْحَق قَالَ: سَأَلَ مُجَاهِد أَبَا اسحق عَن قَوْله {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} فَقَالَ لَهُ أَبُو اسحق: هُوَ الَّذِي يعْفُو
قَالَ مُجَاهِد: بل هُوَ الْجَارِح صَاحب الذَّنب
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ: كَفَّارَة للجارح وَأجر الْمُتَصَدّق على الله(3/93)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَ: كَفَّارَة للجارح وَأجر الْمُتَصَدّق على الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} قَالَا: للجارح
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} للمتصدق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن تصدق بِهِ فَهُوَ كَفَّارَة لَهُ} يَقُول: من جرح فَتصدق بِهِ على الْجَارِح فَلَيْسَ على الْجَارِح سَبِيل ولاقود ولاعقل ولاجرح عَلَيْهِ من أجل أَنه تصدق عَلَيْهِ الَّذِي جرح فَكَانَ كَفَّارَة لَهُ من ظلمه الَّذِي ظلم
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من عَفا عَن دم لم يكن لَهُ ثَوَاب إِلَّا الْجنَّة(3/94)
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)
- قَوْله تَعَالَى: وقفينا على آثَارهم بِعِيسَى ابْن مَرْيَم مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من التَّوْرَاة وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيل فِيهِ هدى وَنور ومصدقا لما بَين يَدَيْهِ من التَّوْرَاة وَهدى وموعظة لِلْمُتقين وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ وَمن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ
- أخرج أَبُو الشَّيْخ فِي قَوْله {وقفينا على آثَارهم} يَقُول: بعثنَا من بعدهمْ عِيسَى ابْن مَرْيَم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {وقفينا على آثَارهم} قَالَ: اتَّبعنَا آثَار الْأَنْبِيَاء أَي بعثنَا على آثَارهم قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت عدي بن زيد وَهُوَ يَقُول: يَوْم قفت عيرهم من عيرنَا وَاحْتِمَال الْحَيّ فِي الصُّبْح فلق وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وليحكم أهل الْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فِيهِ} قَالَ: من أهل الْإِنْجِيل {فَأُولَئِك هم الْفَاسِقُونَ} قَالَ: الْكَاذِبُونَ
قَالَ ابْن زيد: كل شَيْء فِي الْقُرْآن فَاسق فَهُوَ كَاذِب إِلَّا قَلِيلا وَقَرَأَ قَول الله {إِن جَاءَكُم فاسقٌ بنبإ} الحجرات الْآيَة 6 فَهُوَ كَاذِب
قَالَ: الْفَاسِق هَهُنَا كَاذِب(3/94)
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
- قَوْله تَعَالَى: وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من الْكتاب ومهيمنا عَلَيْهِ فاحكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم عَمَّا جَاءَك من الْحق لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجاً وَلَو شَاءَ الله لجعلكم أمة وَاحِدَة وَلَكِن ليَبْلُوكُمْ فِي مَا ءاتاكم فاستبقوا الْخيرَات إِلَى الله مرجعكم جَمِيعًا فينبئكم بِمَا كُنْتُم فِيهِ تختلفون
- أخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: لما أنبأكم الله عَن أهل الْكتاب قبلكُمْ بأعمالهم أَعمال السوء وبحكمهم بِغَيْر ماأنزل الله وعظ نبيه وَالْمُؤمنِينَ موعظة بليغة شافية وليعلم من ولي شَيْئا من هَذَا الحكم أَنه لَيْسَ بَين الْعباد وَبَين الله شَيْء يعطيهم بِهِ خيرا ولايدفع عَنْهُم بِهِ سوءا إِلَّا بِطَاعَتِهِ وَالْعَمَل بِمَا يرضيه فَلَمَّا بيَّن الله لنَبيه وَالْمُؤمنِينَ صَنِيع أهل الْكتاب وجورهم قَالَ {وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} يَقُول: للكتب الَّتِي قد خلت قبله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: مؤتمناً عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: الْمُهَيْمِن الْأمين وَالْقُرْآن أَمِين على كل كتاب قبله
وَأخرج ابو الشَّيْخ عَن عَطِيَّة {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: أَمينا على التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل يحكم عَلَيْهِمَا وَلَا يحكمان عَلَيْهِ قَالَ: مؤتمنا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مؤتمناً على الْقُرْآن والمهيمن الشَّاهِد على ماقبله من الْكتب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: شَهِيدا على كل كتاب قبله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي روق {ومهيمناً عَلَيْهِ} قَالَ: شَهِيدا على خلقه بأعمالهم(3/95)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاحكم بَينهم بِمَا أنزل الله} قَالَ: بحدود الله
وَأخرج عبد بن حميد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْفِرْيَابِي وابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {شرعة ومنهاجاً} قَالَ: سَبِيلا وَسنة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزوجل {شرعة ومنهاجاً} قَالَ: الشرعة الدّين والمنهاج الطَّرِيق
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت أَبَا سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب وَهُوَ يَقُول: لقد نطق الْمَأْمُون بِالصّدقِ وَالْهدى وَبَين لنا الْإِسْلَام دينا ومنهاجاً يَعْنِي بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجاً} قَالَ: الدّين وَاحِد والشرائع مُخْتَلفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لكل جعلنَا مِنْكُم شرعة ومنهاجاً} يَقُول: سَبِيلا وَالسّنَن مُخْتَلفَة للتوراة شَرِيعَة وللإنجيل من يطيعه مِمَّن يعصيه وَلَكِن الدّين الْوَاحِد الَّذِي لايقبل غَيره التَّوْحِيد وَالْإِخْلَاص الَّذِي جَاءَت بِهِ الرُّسُل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن كثير فِي قَوْله {وَلَكِن ليَبْلُوكُمْ فِي مَا آتَاكُم} قَالَ: من الْكتب(3/96)
وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)
- قَوْله تَعَالَى: وَأَن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله وَلَا تتبع أهواءهم واحذرهم أَن يفتنوك عَن بعض مَا أنزل الله إِلَيْك فَإِن توَلّوا فَاعْلَم أَنما يُرِيد الله أَن يصيبهم بِبَعْض ذنوبهم وَإِن كثيرا من النَّاس لفاسقون
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ كَعْب بن أَسد وَعبد الله بن صوريا وشاس بن قيس اذْهَبُوا بِنَا إِلَى مُحَمَّد لَعَلَّنَا نفتنه عَن دينه فَأتوهُ فَقَالُوا: يامحمد إِنَّك عرفت أَنا أَحْبَار يهود(3/96)
وأشرافهم وساداتهم وَإِنَّا إِن اتَّبَعْنَاك اتَّبعنَا يهود وَلم يخالفونا وَإِن بَيْننَا وَبَين قَومنَا خُصُومَة فنحاكمهم إِلَيْك فتقضي لنا عَلَيْهِم ونؤمن لَك ونصدقك فَأبى ذَلِك وَأنزل الله عز وَجل فيهم {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} إِلَى قَوْله {لقوم يوقنون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله} قَالَ: أَمر الله نبيه أَن يحكم بَينهم بَعْدَمَا كَانَ رخص لَهُ أَن يعرض عَنْهُم إِن شَاءَ فنسخت هَذِه الْآيَة ماكان قبلهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نسخت من هَذِه السُّورَة {فَإِن جاؤوك فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} الْمَائِدَة الْآيَة 42 قَالَ: فَكَانَ مُخَيّرا حَتَّى أنزل الله {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله} فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم بَينهم بِمَا فِي كتاب الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن أحكم بَينهم بِمَا أنزل الله} قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحكم بَينهم قَالَ: نسخت ماقبلها {فاحكم بَينهم أَو أعرض عَنْهُم} الْمَائِدَة الْآيَة 42
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن مَسْرُوق
أَنه كَانَ يحلف أهل الْكتاب بِاللَّه وَكَانَ يَقُول {وَأَن احكم بَينهم بِمَا أنزل الله}(3/97)
أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)
- قَوْله تَعَالَى: أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ وَمن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} قَالَ: يهود
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ} قَالَ: هَذَا فِي قَتِيل الْيَهُود إِن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانَ يَأْكُل شديدهم ضعيفهم وعزيزهم ذليلهم
قَالَ {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ}(3/97)
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أبْغض النَّاس إِلَى الله مبتغ فِي الْإِسْلَام سنة جَاهِلِيَّة وطالب امرىء بِغَيْر حق ليريق دَمه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: الحكم حكمان: حكم الله وَحكم الْجَاهِلِيَّة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {أَفَحكم الْجَاهِلِيَّة يَبْغُونَ وَمن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عُرْوَة قَالَ: كَانَت تسمى الْجَاهِلِيَّة العالمية حَتَّى جَاءَت امْرَأَة فَقَالَت: يارسول الله كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة كَذَا وَكَذَا
فَأنْزل الله ذكر الْجَاهِلِيَّة(3/98)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن عبَادَة بن الْوَلِيد أَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: لما حَارَبت بَنو قينقاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن سلول وَقَامَ دونهم وَمَشى عبَادَة بن الصَّامِت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتبرأ إِلَى الله وَإِلَى رَسُوله من حلفهم - وَكَانَ أحد بني عَوْف بن الْخَزْرَج - وَله من حلفهم مثل الَّذِي كَانَ لَهُم من عبد الله بن أبي فخلعهم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ: أتولى الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ وَأَبْرَأ إِلَى الله وَرَسُوله من حلف هَؤُلَاءِ الْكفَّار وولايتهم وَفِيه وَفِي عبد الله بن أبي نزلت الْآيَات فِي الْمَائِدَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} إِلَى قَوْله {فَإِن حزب الله هم الغالبون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَن عبد الله بن أبيّ بن سلول قَالَ: أَن بيني وَبَين قُرَيْظَة وَالنضير حلف وَإِنِّي أَخَاف الدَّوَائِر فأرتد كَافِرًا
وَقَالَ عبَادَة بن الصَّامِت: أَبْرَأ إِلَى الله من حلف قُرَيْظَة وَالنضير وأتولى الله وَرَسُوله وَالْمُؤمنِينَ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} إِلَى قَوْله {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم} يَعْنِي عبد الله بن أبي
وَقَوله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ} ) (الْمَائِدَة الْآيَة 55) يَعْنِي(3/98)
عبَادَة بن الصَّامِت وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: {وَلَو كَانُوا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيّ وَمَا أنزل إِلَيْهِ مَا اتخذوهم أَوْلِيَاء وَلَكِن كثيرا مِنْهُم فَاسِقُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 81
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عبَادَة بن الْوَلِيد عَن أَبِيه عَن جده عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: فيَّ نزلت هَذِه الْآيَة حِين أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبرأت إِلَيْهِ من حلف الْيَهُود وظاهرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عَطِيَّة بن سعد قَالَ جَاءَ عبَادَة بن الصَّامِت من بني الْحَارِث بن الْخَزْرَج إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يارسول الله إِن لي موَالِي من يهود كثير عَددهمْ وَإِنِّي أَبْرَأ إِلَى الله وَرَسُوله من ولَايَة يهود وأتولى الله وَرَسُوله فَقَالَ عبد الله بن أبي: إِنِّي رجل أَخَاف الدَّوَائِر لَا أَبْرَأ من ولَايَة مواليّ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن أُبَيِّ: يَا أَبَا حباب أَرَأَيْت الَّذِي نفست بِهِ من وَلَاء يهود على عبَادَة
فَهُوَ لَك دونه
قَالَ: إِذن أقبل
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} إِلَى أَن بلغ إِلَى قَوْله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما كَانَت وقْعَة أُحد اشْتَدَّ على طَائِفَة من النَّاس وتخوَّفوا أَن يدال عَلَيْهِم الْكفَّار فَقَالَ رجل لصَاحبه: أما أَنا فَألْحق بفلان الْيَهُودِيّ فآخذ مِنْهُ أَمَانًا وأتهوّد مَعَه فَإِنِّي أَخَاف أَن يدال على الْيَهُود
وَقَالَ الآخر: اما أَنا فَألْحق بفلان النَّصْرَانِي بِبَعْض أَرض الشَّام فآخذ مِنْهُ أَمَانًا وأتنصر مَعَه
فَأنْزل الله تَعَالَى فيهمَا ينهاهما {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض} فِي بني قُرَيْظَة إِذْ غدروا وَنَقَضُوا الْعَهْد بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كِتَابه إِلَى أبي سُفْيَان بن حَرْب يَدعُونَهُ وقريشاً ليدخلوهم حصونهم فَبعث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا لبَابَة بن عبد الْمُنْذر إِلَيْهِم ان يستنزلهم من حصونهم فَلَمَّا أطاعوا لَهُ بالنزول وَأَشَارَ إِلَى حلقه بِالذبْحِ وَكَانَ طَلْحَة وَالزُّبَيْر يكاتبان النَّصَارَى وَأهل الشَّام وَبَلغنِي أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا(3/99)
يخَافُونَ العوز والفاقة فيكاتبون الْيَهُود من بني قُرَيْظَة وَالنضير فيدسون إِلَيْهِم الْخَبَر من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَلْتَمِسُونَ عِنْدهم الْقَرْض والنفع فنهوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كلوا من ذَبَائِح بني تغلب وتزوّجوا من نِسَائِهِم فَإِن الله يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم} فَلَو لم يَكُونُوا مِنْهُم إِلَّا بِالْولَايَةِ لكانوا مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} الْآيَة
قَالَ: إِنَّهَا فِي الذَّبَائِح من دخل فِي دين قوم فَهُوَ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الايمان عَن عِيَاض
أَن عمر أَمر أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن يرفع اليه مَا أَخذ وَمَا أعْطى فِي أزيم وَاحِد وَكَانَ لَهُ كَاتب نَصْرَانِيّ فَرفع إِلَيْهِ ذَلِك فَعجب عمر وَقَالَ: إِن هَذَا لحفيظ هَل أَنْت قارىء لنا كتابا فِي الْمَسْجِد جَاءَ من الشَّام فَقَالَ: إِنَّه لايستطيع أَن يدْخل الْمَسْجِد
قَالَ عمر: أجنب هُوَ قَالَ: لَا بل نَصْرَانِيّ
فَانْتَهرنِي وَضرب فَخذي ثمَّ قَالَ: أَخْرجُوهُ ثمَّ قَرَأَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن حُذَيْفَة قَالَ: ليتق أحدكُم أَن يكون يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا وَهُوَ لايشعر وتلا {وَمن يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُم فَإِنَّهُ مِنْهُم}(3/100)
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53)
- قَوْله تَعَالَى: فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم يَقُولُونَ نخشى أَن تصيبنا دَائِرَة فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح أَو أَمر من عِنْده فيصبحوا على مَا أَسرُّوا فِي أنفسهم نادمين وَيَقُول الَّذين آمنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذين أَقْسمُوا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم إِنَّهُم لمعكم حبطت أَعْمَالهم فَأَصْبحُوا خاسرين
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض} كَعبد الله بن أبي {يُسَارِعُونَ فيهم} فِي ولايتهم(3/100)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض يُسَارِعُونَ فيهم} قَالَ: هم المُنَافِقُونَ فِي مصانعة الْيَهُود وملاحاتهم واسترضاعهم أَوْلَادهم اياهم {يَقُولُونَ نخشى} أَن تكون الدائرة للْيَهُود بِالْفَتْح حِينَئِذٍ {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} على النَّاس عَامَّة {أَو أَمر من عِنْده} خَاصَّة لِلْمُنَافِقين {فيصبحوا} المُنَافِقُونَ {على مَا أَسرُّوا فِي أنفسهم} من شَأْن يهود {نادمين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: شكّ {يَقُولُونَ نخشى أَن تصيبنا دَائِرَة} والدائرة ظُهُور الْمُشْركين عَلَيْهِم {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} فتح مَكَّة {أَو أَمر من عِنْده} قَالَ: وَالْأَمر هُوَ الْجِزْيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فترى الَّذين فِي قُلُوبهم مرض} قَالَ: أنَاس من الْمُنَافِقين كَانُوا يوادّون الْيَهُود ويناصحونهم دون الْمُؤمنِينَ
قَالَ الله تَعَالَى {فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح} أَي بِالْقضَاءِ {أَو أَمر من عِنْده فيصبحوا على مَا أَسرُّوا فِي أنفسهم نادمين} وَأخرج ابْن سعد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو
انه سمع ابْن الزبير يقْرَأ فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح أَو أَمر من عِنْده فيصبحوا على ماأسروا فِي أنفسهم من موادتهم الْيَهُود وَمن غمهم الْإِسْلَام وَأَهله نادمين
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو
انه سمع ابْن الزبير يقْرَأ فَعَسَى الله أَن يَأْتِي بِالْفَتْح أَو أَمر من عِنْده فَيُصْبِح الْفُسَّاق على مَا أَسرُّوا فِي أنفسهم نادمين قَالَ عمر: وَلَا أَدْرِي كَانَت قِرَاءَته أم فسر(3/101)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة قَالَ: أنزل الله هَذِه الْآيَة وَقد علم أَنه سيرتد مرتدون من النَّاس فَلَمَّا قبض(3/101)
الله نبيه ارْتَدَّ عَامَّة الْعَرَب عَن الْإِسْلَام إِلَّا ثَلَاثَة مَسَاجِد: أهل الْمَدِينَة وَأهل الجواثي من عبد الْقَيْس وَقَالَ الَّذين ارْتَدُّوا: نصلي الصَّلَاة ولانزكي وَالله يغصب أَمْوَالنَا فَكلم أَبُو بكر فِي ذَلِك ليتجاوز عَنْهُم وَقيل لَهُم أَنهم قد فقهوا أَدَاء الزَّكَاة فَقَالَ: وَالله لَا أفرق بَين شَيْء جمعه الله وَالله لَو مَنَعُونِي عقَالًا مِمَّا فرض الله وَرَسُوله لقاتلتهم عَلَيْهِ فَبعث الله تَعَالَى عصائب مَعَ أبي بكر فَقَاتلُوا حَتَّى أقرُّوا بالماعون وَهُوَ الزَّكَاة قَالَ قَتَادَة: فَكُنَّا نُحدث أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أبي بكر وَأَصْحَابه {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ: هُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه لما ارْتَدَّ من ارْتَدَّ من الْعَرَب عَن الْإِسْلَام جاهدهم أَبُو بكر وَأَصْحَابه حَتَّى ردهم إِلَى الْإِسْلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وخيثمة الاترابلسي فِي فَضَائِل الصَّحَابَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْحسن {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ: هم الَّذين قَاتلُوا أهل الرِّدَّة من الْعَرَب بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن جرير عَن شُرَيْح بن عبيد قَالَ: لما أنزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ عمر: أَنا وقومي هم يارسول الله قَالَ: بل هَذَا وَقَومه يَعْنِي أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عِيَاض الْأَشْعَرِيّ قَالَ: لما نزلت {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم قوم هَذَا وَأَشَارَ إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم فِي جمعه لحَدِيث شُعْبَة وَالْبَيْهَقِيّ {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هم قَوْمك يَا أَبَا مُوسَى أهل الْيمن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم فِي الكنى وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَوْله(3/102)
{فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ: هَؤُلَاءِ قوم من أهل الْيمن من كِنْدَة من السّكُون ثمَّ من التحبيب
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ: هم قوم من أهل الْيمن ثمَّ كِنْدَة من السّكُون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم} قَالَ: هم أهل الْقَادِسِيَّة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن الْقَاسِم بن مخيمرة قَالَ: أتيت ابْن عمر فرحَّب بِي ثمَّ تَلا {من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ} ثمَّ ضرب على مَنْكِبي وَقَالَ: احْلِف بِاللَّه أَنهم لمنكم أهل الْيمن ثَلَاثًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم} قَالَ: هم قوم سبأ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَالَ: هَذَا وَعِيد من عِنْد الله انه من ارْتَدَّ مِنْكُم سيتبدل بهم خيرا
وَفِي قَوْله {أَذِلَّة} لَهُ قَالَ: رحماء
وَأخرج ابْن جرير عَن قَوْله {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ} قَالَ: أهل رقة على أهل دينهم {أعزة على الْكَافرين} قَالَ: أهل غلظة على من خالفهم فِي دينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أَذِلَّة على الْمُؤمنِينَ} قَالَ: رحماء بَينهم {أعزة على الْكَافرين} قَالَ: أشداء عَلَيْهِم
وَفِي قَوْله {يجاهدون فِي سَبِيل الله} قَالَ: يُسَارِعُونَ فِي الْحَرْب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: لما قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْتَدَّ طوائف من الْعَرَب فَبعث الله أَبَا بكر فِي أنصار من أنصار الله فَقَاتلهُمْ حَتَّى ردهم إِلَى الْإِسْلَام فَهَذَا تَفْسِير هَذِه الْآيَة
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يخَافُونَ لومة لائم} أخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ أَمرنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع: بحب الْمَسَاكِين وَأَن أدنو مِنْهُم وَأَن لَا أنظر إِلَى من هُوَ فَوقِي وَأَن أصل رحمي وَإِن جفاني وَأَن أَكثر من قَول لاحول ولاقوة إِلَّا(3/103)
بِاللَّه فَإِنَّهَا من كنز تَحت الْعَرْش وَأَن أَقُول الْحق وَإِن كَانَ مرًّا وَلَا أَخَاف فِي الله لومة لائم وَأَن لَا أسأَل النَّاس شَيْئا
وَأخرج أَحْمد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا لَا يمنعن أحدكُم رهبة النَّاس أَن يَقُول الْحق إِذا رَآهُ وَتَابعه فَإِنَّهُ لَا يقرِّب من أجل وَلَا يباعد من رزق أَن يَقُول بِحَق أَو أَن يذكر بعظيم
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايحقرن أحدكُم نَفسه أَن يرى أَمر الله فِيهِ يُقَال فَلَا يَقُول فِيهِ مَخَافَة النَّاس فَيُقَال: إيَّايَ كنت أَحَق أَن تخَاف
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: بَايَعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وَأَبُو ذَر وَعبادَة بن الصَّامِت وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَمُحَمّد بن مسلمة وسادس على أَن لَا تأخذنا فِي الله لومة لائم فَأَما السَّادِس فاستقاله فأقاله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه من طَرِيق الزُّهْرِيّ أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: إِن وليت شَيْئا من أَمر النَّاس فَلَا تبال لومة لائم
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي ذَر قَالَ: مازال بِي الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر حَتَّى مَا ترك لي الْحق صديقا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ بَايعنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على السّمع وَالطَّاعَة فِي الْعسر واليسر والمنشط وَالْمكْره وعَلى أَثَره علينا وَأَن لَا ننازع الْأَمر أَهله وعَلى أَن نقُول بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَاف فِي الله لومة(3/104)
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
- قَوْله تَعَالَى: إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة بن سعد قَالَ: نزلت فِي عبَادَة بن الصَّامِت {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا}
وَأخرج الْخَطِيب فِي الْمُتَّفق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تصدق عَليّ بِخَاتمِهِ وَهُوَ(3/104)
رَاكِع فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للسَّائِل من أَعْطَاك هَذَا الْخَاتم قَالَ: ذَاك الرَّاكِع فَأنْزل الله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمار بن يَاسر قَالَ: وقف بعلي سَائل وَهُوَ رَاكِع فِي صَلَاة تطوّع فَنزع خَاتمه فَأعْطَاهُ السَّائِل فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاعلمه ذَلِك فَنزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ} فَقَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَصْحَابه ثمَّ قَالَ: من كنت مَوْلَاهُ فعلي مَوْلَاهُ اللَّهُمَّ وَال من وَالَاهُ وَعَاد من عَادَاهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيته {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين} إِلَى آخر الْآيَة
فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل الْمَسْجِد جَاءَ وَالنَّاس يصلونَ بَين رَاكِع وَسَاجِد وقائم يُصَلِّي فَإِذا سَائل فَقَالَ: ياسائل هَل أَعْطَاك أحد شَيْئا قَالَ: لَا إِلَّا ذَاك الرَّاكِع - لعَلي بن أبي طَالب - أَعْطَانِي خَاتمه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن عَسَاكِر عَن سَلمَة بن كهيل قَالَ: تصدق عَليّ بِخَاتمِهِ وَهُوَ رَاكِع فَنزلت {إِنَّمَا وَلِيكُم الله} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله} الْآيَة نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب تصدق وَهُوَ رَاكِع
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ وَعتبَة بن حَكِيم مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَتَى عبد الله بن سَلام ورهط مَعَه من أهل الْكتاب نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد الظّهْر فَقَالُوا يارسول الله إِن بُيُوتنَا قاصية لانجد من يجالسنا ويخالطنا دون هَذَا الْمَسْجِد وَإِن قَومنَا لما رأونا قد صدقنا الله وَرَسُوله وَتَركنَا دينهم أظهرُوا الْعَدَاوَة وأقسموا ان لَا يخالطونا وَلَا يؤاكلونا فشق ذَلِك علينا فبيناهم يَشكونَ ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ نزلت هَذِه الْآيَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ}(3/105)
وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ صَلَاة الظّهْر وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَعْطَاك أحد شَيْئا قَالَ: نعم
قَالَ: من قَالَ: ذَاك الرجل الْقَائِم
قَالَ: على أَي حَال أعطاكه قَالَ: وَهُوَ رَاكِع
قَالَ: وَذَلِكَ عَليّ بن أبي طَالب فَكبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد ذَلِك وَهُوَ يَقُول {وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم الغالبون} الْمَائِدَة الْآيَة 56
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن أبي رَافع قَالَ دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ نَائِم يُوحى إِلَيْهِ فَإِذا حَيَّة فِي جَانب الْبَيْت فَكرِهت أَن أَبيت عَلَيْهَا فأوقظ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخفت أَن يكون يُوحى إِلَيْهِ فاضطجعت بَين الْحَيَّة وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَئِن كَانَ مِنْهَا سوء كَانَ فيَّ دونه فَمَكثت سَاعَة فَاسْتَيْقَظَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ} الْحَمد لله الَّذِي أتمَّ لعَلي نعمه وهيأ لعَلي بِفضل الله إِيَّاه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ عَليّ بن أبي طَالب قَائِما يُصَلِّي فَمر سَائل وَهُوَ رَاكِع فَأعْطَاهُ خَاتمه فَنزلت هَذِه الْآيَة {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي الَّذين آمنُوا وَعلي بن أبي طَالب أوّلهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله} الْآيَة
قَالَ: يَعْنِي من أسلم فقد تولى الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي جَعْفَر
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة من الَّذين آمنُوا قَالَ: الَّذين آمنُوا
قيل لَهُ: بلغنَا أَنَّهَا نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب
قَالَ: عَليّ من الَّذين آمنُوا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الْملك بن أبي سُلَيْمَان قَالَ: سَأَلت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ عَن قَوْله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتونَ الزَّكَاة وهم رَاكِعُونَ} قَالَ: أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت يَقُولُونَ عَليّ قَالَ: عَليّ مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن جرير بن مُغيرَة قَالَ: كَانَ فِي قِرَاءَة عبد الله {إِنَّمَا وَلِيكُم الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا الَّذين يُقِيمُونَ الصَّلَاة}(3/106)
وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)
- قَوْله تَعَالَى: وَمن يتول الله وَرَسُوله والَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم الغالبون
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن يتول الله وَرَسُوله وَالَّذين آمنُوا فَإِن حزب الله هم الغالبون} قَالَ: أخْبرهُم من الْغَالِب فَقَالَ: لاتخافوا الدولة وَلَا الدائرة(3/107)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تتَّخذوا الَّذين اتَّخذُوا دينكُمْ هزوا وَلَعِبًا من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَالْكفَّار أَوْلِيَاء وَاتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رِفَاعَة بن زيد بن التابوت وسُويد بن الْحَارِث قد أظهرا الْإِسْلَام ونافقا وَكَانَ رجال من الْمُسلمين يوادّونهما فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تتَّخذوا الَّذين اتَّخذُوا دينكُمْ هزوا وَلَعِبًا} إِلَى قَوْله {أعلم بِمَا كَانُوا يكتمون}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود
أَنه كَانَ يقْرَأ (من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ وَمن الَّذين أشركوا)(3/107)
وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا ذَلِك بِأَنَّهُم قوم لَا يعْقلُونَ
- أخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا ذَلِك بِأَنَّهُم قوم لَا يعْقلُونَ} أَمر الله
قَالَ: كَانَ مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نَادَى بِالصَّلَاةِ فَقَامَ الْمُسلمُونَ إِلَى الصَّلَاة قَالَت الْيَهُود: قد قَامُوا لَا قَامُوا فَإِذا رَأَوْهُمْ ركعا وَسجدا استهزأوا بهم وَضَحِكُوا مِنْهُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا} قَالَ: كَانَ رجل من النَّصَارَى بِالْمَدِينَةِ إِذا سمع(3/107)
الْمُنَادِي يُنَادي: أشهد أَن مُحَمَّد رَسُول الله
قَالَ: أحرق الله الْكَاذِب فَدخل خادمه ذَات لَيْلَة من اللَّيَالِي بِنَار وَهُوَ قَائِم وَأَهله نيام فَسَقَطت شرارة فاحرقت الْبَيْت وَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن شهَاب الزُّهْرِيّ قَالَ: قد ذكر الله الْأَذَان فِي كِتَابه فَقَالَ {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ ائتمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه كَيفَ يجْعَلُونَ شَيْئا إِذا أَرَادوا جمع الصَّلَاة اجْتَمعُوا لَهَا بِهِ فائتمروا بالناقوس فَبينا عمر بن الْخطاب يُرِيد أَن يَشْتَرِي خشبتين للناقوس إِذْ رأى فِي الْمَنَام ان لاتجعلوا الناقوس بل أذنوا بِالصَّلَاةِ فَذهب عمر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخبره بِالَّذِي رأى وَقد جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَحْي بذلك فَمَا رَاع عمر إِلَّا بِلَال يُؤذن فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سَبَقَك بذلك الْوَحْي حِين أخبرهُ بذلك عمر(3/108)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)
- قَوْله تَعَالَى: قل يَا أهل الْكتاب هَل تَنْقِمُونَ منا إِلَّا أَن آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل من قبل وَأَن أَكْثَرَكُم فَاسِقُونَ
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نفر من يهود فيهم أَبُو يَاسر بن أَخطب وَنَافِع بن أبي نَافِع وغازي بن عَمْرو وَزيد بن خَالِد وازار بن أبي أزار وأسقع فَسَأَلُوهُ عَمَّن يُؤمن بِهِ من الرُّسُل قَالَ: أُؤْمِن بِاللَّه {وَمَا أنزل إِلَيْنَا وَمَا أنزل إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب والأسباط وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ من رَبهم لَا نفرِّق بَين أحد مِنْهُم وَنحن لَهُ مُسلمُونَ} فَلَمَّا ذكر عِيسَى جَحَدُوا نبوّته وَقَالُوا: لانؤمن بِعِيسَى فَأنْزل الله {قل يَا أهل الْكتاب هَل تَنْقِمُونَ منا إِلَّا أَن آمنا بِاللَّه وَمَا أنزل إِلَيْنَا} إِلَى قَوْله {فَاسِقُونَ}(3/108)
قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)
- قَوْله تَعَالَى: قل هَل أنبئكم بشر من ذَلِك مثوبة عِنْد الله من لَعنه الله وَغَضب عَلَيْهِ وَجعل مِنْهُم القردة والخنازير وَعبد الطاغوت أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا وأضل عَن سَوَاء السَّبِيل(3/108)
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: المثوبة
الثَّوَاب مثوبة الْخَيْر ومثوبة الشَّرّ وقرىء بشر ثَوابًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {مثوبة عِنْد الله} يَقُول: ثَوابًا عِنْد الله
قَوْله تَعَالَى: {وَجعل مِنْهُم القردة والخنازير} وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَجعل مِنْهُم القردة والخنازير} قَالَ: مسخت من يهود
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك
أَنه قيل: أَكَانَت القردة والخنازير قبل أَن يمسخوا قَالَ: نعم وَكَانُوا مِمَّا خلق من الْأُمَم
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن القردة والخنازير أَهِي مِمَّا مسخ الله فَقَالَ: إِن الله لم يهْلك قوما أَو يمسخ قوما فَيجْعَل لَهُم نَسْلًا ولاعاقبة وَإِن القردة والخنازير قبل ذَلِك
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن القردة والخنازير أَهِي من نسل من الْيَهُود فَقَالَ: لَا إِن الله لم يعلن قوما قطّ فمسخم فَكَانَ لَهُم نسل وَلَكِن هَذَا خلق فَلَمَّا غضب الله على الْيَهُود فمسخهم جعلهم مثلهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَيَّات مسخ الْجِنّ كَمَا مسخت القردة والخنازير
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن كثير عَن أَفْلح مولى أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: حدثت ان المسخ فِي بني إِسْرَائِيل من الْخَنَازِير كَانَ أَن امْرَأَة كَانَت من بني إِسْرَائِيل كَانَت فِي قَرْيَة من قرى بني إِسْرَائِيل وَكَانَ فِيهَا ملك بني إِسْرَائِيل وَكَانُوا قد استجمعوا على الهلكة إِلَّا أَن تِلْكَ الْمَرْأَة كَانَت على بَقِيَّة من الْإِسْلَام متمسكة فَجعلت تَدْعُو إِلَى الله حَتَّى إِذا اجْتمع إِلَيْهَا نَاس فبايعوها على أمرهَا قَالَت لَهُم: أَنه لابد لكم من أَن تجاهدوا عَن دين الله وَأَن تنادوا قومكم بذلك فاخرجوا فَإِنِّي خَارِجَة فَخرجت وَخرج إِلَيْهَا ذَلِك الْملك فِي النَّاس فَقتل أَصْحَابهَا جَمِيعًا وانفلتت من بَينهم ودعت إِلَى الله حَتَّى تجمع النَّاس إِلَيْهَا إِذا رضيت مِنْهُم أَمرتهم بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا وَخرجت مَعَهم(3/109)
فأصيبوا جَمِيعًا وانفلتت مِنْهُم ثمَّ دعت إِلَى الله حَتَّى إِذا اجْتمع اليها رجال واستجابوا لَهَا أَمرتهم بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا وَخرجت مَعَهم فأصيبوا جَمِيعًا وانفلتت مِنْهُم ثمَّ دعت إِلَى الله حَتَّى إِذا اجْتمع اليها رجال واستجابوا لَهَا أَمرتهم بِالْخرُوجِ فَخَرجُوا وَخرجت مَعَهم فأصيبوا جَمِيعًا وانفلتت من بَينهم فَرَجَعت وَقد أَيِست وَهِي تَقول: سُبْحَانَ الله
لَو كَانَ لهَذَا الدّين ولي وناصر لقد أظهره بعد فباتت محزونة وَأصْبح أهل الْقرْيَة يسعون فِي نَوَاحِيهَا خنازير مسخهم الله فِي ليلتهم تِلْكَ فَقَالَت حِين أَصبَحت وَرَأَتْ مَا رَأَتْ: الْيَوْم أعلم أَن الله قد أعز دينه وَأمر دينه قَالَ: فَمَا كَانَ مسخ الْخَنَازِير فِي بني إِسْرَائِيل إِلَّا على يَدي تِلْكَ الْمَرْأَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي من طَرِيق عُثْمَان بن عَطاء عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَيكون فِي أمتِي خسف ورجف وقردة وَخَنَازِير
وَالله أعلم
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن زُهَيْر قَالَ: قلت لِابْنِ أبي ليلى: كَيفَ كَانَ طَلْحَة يقْرَأ الْحَرْف {وَعبد الطاغوت} فسره ابْن أبي ليلى وخففه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء بن السَّائِب قَالَ: كَانَ أَبُو عبد الرَّحْمَن يقْرَأ (وَعبد الطاغوت) بِنصب الْعين وَالْبَاء
كَمَا يَقُول ضرب الله
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي جَعْفَر النَّحْوِيّ
أَنه كَانَ يَقْرَأها (وَعبد الطاغوت) كَمَا يَقُول: ضرب الله
وَأخرج ابْن جرير عَن بُرَيْدَة
أَنه كَانَ يقْرؤهَا (وعابد الطاغوت)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي حَمَّاد قَالَ: حَدثنِي الْأَعْمَش وَعَن يحيى بن وثاب أَنه قَرَأَ (وَعبد الطاغوت) يَقُول: خدم قَالَ عبد الرَّحْمَن: وَكَانَ حَمْزَة رَحمَه الله يقْرؤهَا كَذَلِك(3/110)
وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذا جاءوكم قَالُوا آمنا وَقد دخلُوا بالْكفْر وهم قد خَرجُوا بِهِ وَالله أعلم بِمَا كَانُوا يكتمون
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذا جاؤوكم قَالُوا آمنا} الْآيَة
قَالَ اناس من الْيَهُود وَكَانُوا يدْخلُونَ على(3/110)
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيخبرونه أَنهم مُؤمنُونَ راضون بِالَّذِي جَاءَ بِهِ وهم متمسكون بضلالتهم وبالكفر فَكَانُوا يدْخلُونَ وَيخرجُونَ بِهِ من عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا جاؤوكم قَالُوا آمنا وَقد دخلُوا بالْكفْر وهم قد خَرجُوا بِهِ} فَإِنَّهُم دخلُوا وهم يَتَكَلَّمُونَ بِالْحَقِّ وتسر قُلُوبهم الْكفْر فَقَالَ {دخلُوا بالْكفْر وهم قد خَرجُوا بِهِ}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ نَاس من الْمُنَافِقين كَانُوا يهوداً يَقُول: دخلُوا كفَّارًا وَخَرجُوا كفَّارًا(3/111)
وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)
- قَوْله تَعَالَى: وَترى كثيرا مِنْهُم يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان وأكلهم السُّحت لبئس مَا كَانُوا يعْملُونَ لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت لبئس مَا كَانُوا بصنعون
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَترى كثيرا مِنْهُم يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان} قَالَ: هَؤُلَاءِ الْيَهُود {لبئس مَا كَانُوا يعْملُونَ لَوْلَا ينهاهم الربانيون} إِلَى قَوْله {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} ويعملون وَاحِد
قَالَ: هَؤُلَاءِ لم ينهوا كَمَا قَالَ لهَؤُلَاء حِين عمِلُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَترى كثيرا مِنْهُم يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان وأكلهم السُّحت} قَالَ: كَانَ هَذَا فِي أَحْكَام الْيَهُود بَين أَيْدِيكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار} وهم الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {لَوْلَا ينهاهم} الْعلمَاء والأحبار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لبئس مَا كَانُوا يصنعون} قَالَ: حَيْثُ لم ينهوهم عَن قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم أَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي خطبَته: أَيهَا النَّاس إِنَّمَا هلك من هلك قبلكُمْ بركوبهم الْمعاصِي وَلم ينههم الربانيون والأحبار فَلَمَّا تَمَادَوْا فِي(3/111)
الْمعاصِي وَلم ينههم الربانيون والأحبار أخذتهم الْعُقُوبَات فَمروا بِالْمَعْرُوفِ وانهوا عَن الْمُنكر فَإِن الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لايقطع رزقا ولايقرب أَََجَلًا
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَشد توبيخاً من هَذِه الْآيَة لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْعدوان وأكلهم السُّحت لبئس ماكانوا يعْملُونَ هَكَذَا قَرَأَ
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك ابْن مُزَاحم قَالَ: مافي الْقُرْآن آيَة أخوف عِنْدِي من هَذِه الْآيَة {لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت لبئس مَا كَانُوا يصنعون} أَسَاءَ الثَّنَاء على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق سَلمَة بن نبيط عَن الضَّحَّاك {لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت} قَالَ {الربانيون والأحبار} فقهاؤهم وقراؤهم وعلماؤهم قَالَ: ثمَّ يَقُول الضَّحَّاك: وَمَا أخوفني من هَذِه الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن جرير
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مامن قوم يكون بَين أظهرهم من يعْمل من الْمعاصِي هم أعز مِنْهُ وَأَمْنَع من يُغيرُوا إِلَّا أَصَابَهُم الله مِنْهُ بِعَذَاب(3/112)
وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)
- قَوْله تَعَالَى: وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة غلت أَيْديهم ولعنوا بِمَا قَالُوا بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء وليزيدن كثيرا مِنْهُم مَا أنزل إِلَيْك من رَبك طغياناً وَكفرا وألقينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله ويسعون فِي الأَرْض فَسَادًا وَالله لَا يحب المفسدين
- أخرج ابْن إِسْحَق وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
قَالَ رجل من الْيَهُود يُقَال لَهُ النباش بن قيس: إِن رَبك بخيل لاينفق
فَأنْزل الله {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة غلت أَيْديهم ولعنوا بِمَا قَالُوا بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء}(3/112)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة} نزلت فِي فنحَاص رَأس يهود قينقاع
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي فنحَاص الْيَهُودِيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة} قَالَ: أَي بخيلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة} قَالَ: لايعنون بذلك أَن يَد الله موثوقة وَلَكِن يَقُولُونَ: إِنَّه بخيل أمسك مَا عِنْده تَعَالَى عَمَّا الله يَقُولُونَ علوا كَبِيرا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {مغلولة} يَقُولُونَ: إِنَّه بخيل لَيْسَ بجواد
وَفِي قَوْله {غلت أَيْديهم} قَالَ: أَمْسَكت عَن النَّفَقَة وَالْخَيْر
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أنس مَرْفُوعا أَن يحيى بن زَكَرِيَّا سَأَلَ ربه فَقَالَ: يارب اجْعَلنِي مِمَّن لايقع النَّاس فِيهِ
فَأوحى الله: يَا يحيى هَذَا شَيْء لم أستخلصه لنَفْسي كَيفَ أَفعلهُ بك اقْرَأ فِي الْمُحكم تَجِد فِيهِ {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله} التَّوْبَة الْآيَة 30 وَقَالُوا {يَد الله مغلولة} وَقَالُوا وَقَالُوا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ: إِذا بلغك عَن أَخِيك شَيْء يسوءك فَلَا تغتم فَإِنَّهُ إِن كَانَ كَمَا يَقُول كَانَت عُقُوبَة أجلت وَإِن كَانَت على غير مَا يَقُول كَانَت حَسَنَة لم تعملها
قَالَ: وَقَالَ مُوسَى: يارب أَسَالَك أَن لَا يذكرنِي أحد إِلَّا بِخَير
قَالَ مافعلت ذَلِك لنَفْسي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن وهب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يَا رب أَسَالَك أَن لَا يذكرنِي أحد إِلَّا بِخَير
قَالَ مَا فعلت ذَلِك لنَفْسي
وَأخرج أَبُو نعيم عَن وهب قَالَ: قَالَ مُوسَى: يارب احْبِسْ عني كَلَام النَّاس
فَقَالَ الله عزوجل لَو فعلت هَذَا بِأحد لفعلته بِي
قَوْله تَعَالَى {بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء}
أخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَعبد بن حميد وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي مَعًا فِي الْمَصَاحِف وَابْن المنذرعن ابْن مَسْعُود قَرَأَ {بل يَدَاهُ مبسوطتان}(3/113)
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَمِين الله ملأى لَا يغيضها نَفَقَة سخاء اللَّيْل وَالنَّهَار أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَإِنَّهُ لم يغض مَا فِي يَمِينه
قَالَ: وعرشه على المَاء وَفِي يَده الْأُخْرَى الْقَبْض يرفع ويخفض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وليزيدن كثيرا مِنْهُم مَا أنزل إِلَيْك من رَبك طغياناً وَكفرا} قَالَ: حملهمْ حسد مُحَمَّد وَالْعرب على أَن تركُوا الْقُرْآن وَكَفرُوا بِمُحَمد وَدينه وهم يجدونه عِنْدهم مَكْتُوبًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع قَالَ: قَالَت الْعلمَاء فِيمَا حفظو وَعَلمُوا: أَنه لَيْسَ على الأَرْض قوم حكمُوا بِغَيْر مَا أنزل الله إِلَّا ألْقى الله بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء وَقَالَ: ذَلِك فِي الْيَهُود حَيْثُ حكمُوا بِغَيْر ماانزل الله {وألقينا بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} قَالَ: الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَفِي قَوْله {كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله} قَالَ: حَرْب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله} قَالَ: كلما اجْمَعُوا أَمرهم على شَيْء فرّقه الله وأطفأ حَدهمْ ونارهم وَقذف فِي قُلُوبهم الرعب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله} قَالَ: أُولَئِكَ أَعدَاء الله الْيَهُود كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله فَلَنْ تلقى الْيَهُود بِبَلَد إِلَّا وَجَدتهمْ من أذلّ أَهله لقد جَاءَ الْإِسْلَام حِين جَاءَ وهم تَحت أَيدي الْمَجُوس وهم أبْغض خلق الله تعمية وتصغيراً باعمالهم أَعمال السوء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَفِي قَوْله عَن الْحسن {كلما أوقدوا نَارا للحرب أطفأها الله} قَالَ: كلما اجْتمعت السفلة على قتل الْعَرَب(3/114)
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (65)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو أَن أهل الْكتاب آمنُوا وَاتَّقوا لكفرنا عَنْهُم سيئاتهم ولأدخلناهم جنَّات النَّعيم(3/114)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَو أَن أهل الْكتاب آمنُوا وَاتَّقوا} قَالَ: آمنُوا بِمَا أنزل الله وَاتَّقوا مَا حرم الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مَالك بن دِينَار قَالَ {جنَّات النَّعيم} بَين جنَّات الفردوس وجنات عدن وفيهَا جوَار خُلِقْنَ من ورد الْجنَّة
قيل فَمن سكنها قَالَ: الَّذين هموا بِالْمَعَاصِي فَلَمَّا ذكرُوا عَظمَة الله جلّ جَلَاله راقبوه(3/115)
وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ (66)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْهِم من رَبهم لأكلوا من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم مِنْهُم أمة مقتصدة وَكثير مِنْهُم سَاءَ مَا يعْملُونَ
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} الْآيَة
قَالَ: أما اقامتهم التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل فَالْعَمَل بهما وَأما {وَمَا أنزل إِلَيْهِم من رَبهم} فمحمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وماأنزل عَلَيْهِ وَأما {لأكلوا من فَوْقهم} فَأرْسلت عَلَيْهِ مَطَرا وَأما {وَمن تَحت أَرجُلهم} يَقُول: لأنبت لَهُم من الأَرْض من رِزْقِي مَا يغنيهم {مِنْهُم أمة مقتصدة} وهم مسلمة أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {لأكلوا من فَوْقهم} يَعْنِي لأرسل عَلَيْهِم السَّمَاء مدراراً {وَمن تَحت أَرجُلهم} قَالَ: تخرج الأَرْض من بركاتها
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة يَقُول: لأكلوا من الرزق الَّذِي ينزل من السَّمَاء وَالَّذِي وَالَّذِي ينْبت من الأَرْض
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {لأكلوا من فَوْقهم وَمن تَحت أَرجُلهم} يَقُول لأعطتهم السَّمَاء بركاتها وَالْأَرْض نباتها {مِنْهُم أمة مقتصدة} على كتاب الله قد آمنُوا ثمَّ ذمّ أَكثر الْقَوْم فَقَالَ {وَكثير مِنْهُم سَاءَ مَا يعْملُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: الْأمة المقتصدة
الَّذين لاهم فسقوا فِي الدّين ولاهم غلوا
قَالَ: والغلو الرَّغْبَة وَالْفِسْق التَّقْصِير عَنهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {أمة مقتصدة} يَقُول مُؤمنَة(3/115)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جُبَير بن نفير
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُوشك أَن يرفع الْعلم
قلت: كَيفَ وَقد قَرَأنَا الْقُرْآن وعلمناه أبناءنا فَقَالَ: ثكلتك أمك يَا ابْن نفير إِن كنت لأرَاك من أفقه أهل الْمَدِينَة أوليست التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بأيدي الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَمَا أغْنى عَنْهُم حِين تركُوا أَمر الله ثمَّ قَرَأَ {وَلَو أَنهم أَقَامُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة من طَرِيق ابْن أبي الْجَعْد عَن زِيَاد بن لبيد قَالَ ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَقَالَ: وَذَلِكَ عِنْد ذهَاب أَبْنَائِنَا يارسول الله وَكَيف يذهب الْعلم وَنحن نَقْرَأ الْقُرْآن ونقرئه أبناءنا ويقرئه أَبْنَاؤُنَا أَبْنَاءَهُم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة قَالَ: ثكلتك أمك يَا ابْن أم لبيد
إِن كنت لأرَاك من أفقه رجل بِالْمَدِينَةِ أوليس هَذِه الْيَهُود وَالنَّصَارَى يقرؤون التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ولاينتفعون مِمَّا فيهمَا بِشَيْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق يَعْقُوب بن زيد بن طَلْحَة عَن زيد بن أسلم عَن أنس بن مَالك قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر حَدِيثا قَالَ: ثمَّ حَدثهمْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: تفرَّقت أمة مُوسَى على إِحْدَى وَسبعين مِلَّة سَبْعُونَ مِنْهَا فِي النَّار وَوَاحِدَة مِنْهَا فِي الْجنَّة
وَتَفَرَّقَتْ أمة عِيسَى على اثْنَيْنِ وَسبعين مِلَّة وَاحِدَة مِنْهَا فِي الْجنَّة وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّار
وتعلوا أَنْتُم على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا بِملَّة وَاحِدَة فِي الْجنَّة وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّار قَالُوا: من هم يارسول الله قَالَ: الْجَمَاعَات الْجَمَاعَات
قَالَ يَعْقُوب بن زيد: كَانَ عَليّ بن أبي طَالب إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا فِيهِ قُرْآنًا {وَلَو أَن أهل الْكتاب آمنُوا وَاتَّقوا} إِلَى قَوْله {سَاءَ مَا يعْملُونَ} وتلا أَيْضا {وَمِمَّنْ خلقنَا أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 181 يَعْنِي أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(3/116)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (67)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس إِن الله لَا يهدي الْقَوْم الْكَافرين
- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله بَعَثَنِي برسالة فضقت(3/116)
بهَا ذرعاً وَعرفت أَن النَّاس مُكَذِّبِي فوعدني لأبلغن أَو ليعذبني فَأنْزل {يَا أَيهَا الرَّسُول بلِّغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: لما نزلت {بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} قَالَ: يارب إِنَّمَا أَنا وَاحِد كَيفَ أصنع ليجتمع عليّ النَّاس فَنزلت {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته} وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم غَدِير خم فِي عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا نَقْرَأ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} أَن عليا مولى الْمُؤمنِينَ {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عنترة
أَنه قَالَ لعَلي هَل عنْدكُمْ شَيْء لم يُبْدِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للنَّاس فَقَالَ: ألم تعلم إِن الله قَالَ {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} وَالله ماورثنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَوْدَاء فِي بَيْضَاء
أما قَوْله تَعَالَى: {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي آيَة أنزلت من السَّمَاء أَشد عَلَيْك فَقَالَ كنت بمنى أَيَّام موسم وَاجْتمعَ مُشْرِكُوا الْعَرَب وافناء النَّاس فِي الْمَوْسِم فَنزل عليّ جِبْرِيل فَقَالَ {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته وَالله يَعْصِمك من النَّاس} قَالَ: فَقُمْت عِنْد الْعقبَة فناديت: ياأيها النَّاس من ينصرني على أَن أبلغ رِسَالَة رَبِّي وَلكم الْجنَّة أَيهَا النَّاس قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنا رَسُول الله إِلَيْكُم وتنجحوا وَلكم الْجنَّة
قَالَ: فَمَا بَقِي رجل وَلَا امْرَأَة وَلَا صبي إِلَّا يرْمونَ عليّ بِالتُّرَابِ وَالْحِجَارَة ويبصقون فِي وَجْهي وَيَقُولُونَ: كَذَّاب صابىء فَعرض عَليّ عَارض فَقَالَ: يامحمد إِن كنت رَسُول الله فقد آن لَك أَن تَدْعُو عَلَيْهِم كَمَا دَعَا نوح على قومه بِالْهَلَاكِ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ اهد قومِي فانهم لايعلمون وَانْصُرْنِي عَلَيْهِم أَن يجيبوني إِلَى طَاعَتك فجَاء الْعَبَّاس عَمه فأنقذه مِنْهُم وطردهم عَنهُ قَالَ: الْأَعْمَش فبذلك تفتخر بنوالعباس وَيَقُولُونَ: فيهم نزلت {إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء}(3/117)
الْقَصَص الْآيَة 56 هوى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَبَا طَالب وَشاء الله عَبَّاس بن عبد الْمطلب
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرس حَتَّى نزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَأخْرج رَأسه من الْقبَّة فَقَالَ: أَيهَا النَّاس انصرفوا فقد عصمني الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَن يَحْرُسهُ فَلَمَّا نزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} ترك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحرس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج بعث مَعَه أَبُو طَالب من يكلؤه حَتَّى نزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَذهب ليَبْعَث مَعَه فَقَالَ: ياعم أَن الله قد عصمني لاحاجة لي إِلَى من تبْعَث
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرس وَكَانَ يُرْسل مَعَه عَمه أَبُو طَالب كل يَوْم رجلا من بني هَاشم يحرسونه فَقَالَ: ياعم أَن الله قد عصمني لاحاجة لي إِلَى من تبْعَث
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي ذَر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاينام إِلَّا وَنحن حوله من مَخَافَة الغوائل حَتَّى نزلت آيَة الْعِصْمَة {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عصمَة بن مَالك الخطمي قَالَ كُنَّا نحرس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّيْلِ حَتَّى نزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَترك الحرس
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لما غزا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني أَنْمَار نزل ذَات الرّقاع بِأَعْلَى نخل فَبينا هُوَ جَالس على رَأس بِئْر قد دلى رجلَيْهِ فَقَالَ غورث بن الْحَرْث: لأقتلن مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: كَيفَ تقتله قَالَ: أَقُول لَهُ أعطيني سَيْفك فَإِذا أعطانيه قتلته بِهِ
فَأَتَاهُ فَقَالَ: يامحمد اعطني سَيْفك أشمه(3/118)
فَأعْطَاهُ إِيَّاه فَرعدَت يَده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حَال الله بَيْنك وَبَين ماتريد فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك من رَبك} الْآيَة
وَأخرج ابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كُنَّا إِذا صَحِبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر تركنَا لَهُ أعظم دوحة وأظلها فَينزل تحتهَا فَنزل ذَات يَوْم تَحت شَجَرَة وعلق سَيْفه فِيهَا فجَاء رجل فَأَخذه فَقَالَ: يامحمد من يمنعك مني فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الله ينمعني مِنْك ضع عَنْك السَّيْف فَوَضعه فَنزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}
وَأخرج أحمدعن جعدة بن خَالِد بن الصمَّة الْجُشَمِي قَالَ: أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِرَجُل فَقيل: هَذَا أَرَادَ أَن يقتلك
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الم ترع
وَلَو أردْت ذَلِك لم يسلطك الله عَليّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: أخبر الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سيكفيه النَّاس ويعصمه مِنْهُم وَأمره بالبلاغ وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لَهُ: لَو احتجت فَقَالَ: وَالله لايدع الله عَقبي للنَّاس مَا صاحبتهم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت {يَا أَيهَا الرَّسُول} إِلَى قَوْله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تحرسوني إِن رَبِّي قد عصمني
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن شَقِيق قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتعقبه نَاس من أَصْحَابه فَلَمَّا نزلت {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَخرج فَقَالَ: ياأيها النَّاس الحقوا بملاحقكم فَإِن الله قد عصمني من النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا زَالَ يحرس يحارسه أَصْحَابه حَتَّى أنزل الله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فَترك الحرس حِين أخبرهُ أَنه سيعصمه من النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل منزلا اخْتَار لَهُ أَصْحَابه شَجَرَة ظليلة فيقيل تحتهَا فَأَتَاهُ اعرابي فاخترط سَيْفه ثمَّ قَالَ: من يمنعك مني قَالَ: الله فَرعدَت يَد الْأَعرَابِي وَسقط السَّيْف مِنْهُ قَالَ: وَضرب بِرَأْسِهِ الشَّجَرَة حَتَّى انتثرت دماغه فَأنْزل الله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}(3/119)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهاب قُريْشًا فَأنْزل الله {وَالله يَعْصِمك من النَّاس} فاستلقى ثمَّ قَالَ: من شَاءَ فليخذلني مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن الرّبيع بن أنس قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَحْرُسهُ أَصْحَابه حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الرَّسُول بلغ مَا أنزل إِلَيْك} الْآيَة
فَخرج إِلَيْهِم فَقَالَ: لاتحرسوني فَإِن الله قد عصمني من النَّاس(3/120)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (69) لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)
- قَوْله تَعَالَى: قل يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وليزيدن كثيرا مِنْهُم مَا أنزل إِلَيْك من رَبك طغياناً وَكفرا فَلَا تأس على الْقَوْم الْكَافرين إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا والصابئون وَالنَّصَارَى من آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وَعمل صَالحا فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ لقد أَخذنَا مِيثَاق بني إِسْرَائِيل وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِم رسلًا كلما جَاءَهُم رَسُول بِمَا لَا تهوى أنفسهم فريقا كذبُوا وفريقا يقتلُون
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رَافع بن حَارِثَة وَسَلام بن مشْكم وَمَالك بن الصَّيف وَرَافِع بن حَرْمَلَة قَالُوا: يامحمد أَلَسْت تزْعم أَنَّك على مِلَّة إِبْرَاهِيم وَدينه وتؤمن بِمَا عندنَا من التَّوْرَاة وَتشهد أَنَّهَا من حق الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلَى وَلَكِنَّكُمْ أحدثتم وجحدتم مافيها مِمَّا أَخذ عَلَيْكُم من الْمِيثَاق كتمتم مِنْهَا مَا أمرْتُم أَن تبينوا للنَّاس فبرئت من أحداثكم
قَالُوا: فَإنَّا نَأْخُذ مِمَّا فِي أَيْدِينَا فَإنَّا على الْهدى وَالْحق وَلَا نؤمن بك وَلَا نتبعك فَأنْزل الله فيهم {قل يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل} إِلَى قَوْله {الْقَوْم الْكَافرين}(3/120)
وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71)
- قَوْله تَعَالَى: وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة فعموا وصموا ثمَّ تَابَ الله عَلَيْهِم ثمَّ عموا وصموا كثير مِنْهُم وَالله بَصِير بِمَا يعْملُونَ
- أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} قَالَ: يهود
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} قَالَ: بلَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} قَالَ: حسب الْقَوْم أَن لَا يكون بلَاء {فعموا وصموا} قَالَ: كلما عرض لَهُم بلَاء ابتلوا بِهِ هَلَكُوا فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} قَالَ: حسبوا أَن لَا يبتلوا فعموا عَن الْحق(3/121)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)
- قَوْله تَعَالَى: لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله هُوَ الْمَسِيح ابْن مَرْيَم وَقَالَ الْمَسِيح يَا بني إِسْرَائِيل اعبدوا الله رَبِّي وربكم أَنه من يُشْرك بِاللَّه فقد حرم الله عَلَيْهِ الْجنَّة ومأواه النَّار وَمَا للظالمين من أنصار لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة وَمَا من إِلَه إِلَّا إِلَه وَاحِد وَأَن لم ينْتَهوا عَمَّا يَقُولُونَ ليمسن الَّذين كفرُوا مِنْهُم عَذَاب أَلِيم أَفلا يتوبون إِلَى الله ويستغفرونه وَالله غَفُور رَحِيم مَا الْمَسِيح ابْن مَرْيَم إِلَّا رَسُول قد خلت من قبله الرُّسُل وَأمه صديقَة كَانَا يأكلان الطَّعَام انْظُر كَيفَ نبين لَهُم الْآيَات ثمَّ انْظُر أَنى يؤفكون قل أتعبدون من دون الله مَا لَا يملك لكم ضرا وَلَا نفعا وَالله هُوَ السَّمِيع الْعَلِيم(3/121)
- أخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: لما رفع الله عِيسَى بن مَرْيَم اجْتمع من عُلَمَاء بني إِسْرَائِيل مائَة رجل فَقَالَ بَعضهم: أَنْتُم كثير نتخوف الْفرْقَة اخْرُجُوا عشرَة فاخرجوا عشرَة ثمَّ قَالُوا: أَنْتُم كثير نتخوف الْفرْقَة اخْرُجُوا عشرَة فاخرجوا عشرَة ثمَّ قَالُوا: أَنْتُم كثير فاخرجوا عشرَة فاخرجوا عشرَة ثمَّ قَالُوا: أَنْتُم كثير فاخرجوا عشرَة حَتَّى بَقِي عشرَة فَقَالُوا: أَنْتُم كثير حَتَّى الْآن فاخرجوا سِتَّة وَبَقِي أَرْبَعَة فَقَالَ بَعضهم: ماتقولون فِي عِيسَى فَقَالَ رجل مِنْهُم: أتعلمون أَنه لايعلم الْغَيْب إِلَّا الله قَالُوا: لَا
فَقَالَ الرجل: هُوَ الله كَانَ فِي الأَرْض مَا بدا لَهُ ثمَّ صعد إِلَى السَّمَاء حِين بدا لَهُ
وَقَالَ الآخر: قد عرفنَا عِيسَى وعرفنا أمه هُوَ وَلَده وَقَالَ الآخر: لَا أَقُول كَمَا تَقولُونَ قد كَانَ عِيسَى يخبرنا أَنه عبد الله وروحه وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم فَنَقُول كَمَا قَالَ لنَفسِهِ لقد خشيت أَن تَكُونُوا قُلْتُمْ قولا عَظِيما
قَالَ: فَخَرجُوا على النَّاس فَقَالُوا لرجل مِنْهُم: مَاذَا قلت قَالَ: قلت هُوَ الله كَانَ فِي الأَرْض مابدا لَهُ ثمَّ صعد إِلَى السَّمَاء حِين بدا لَهُ
قَالَ: فَاتبعهُ عنق من النَّاس وَهَؤُلَاء النسطورية واليعقوبية ثمَّ خرج الرَّابِع فَقَالُوا لَهُ: مَاذَا قلت قَالَ: قلت هُوَ عبد الله روحه وكلمته أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم فَاتبعهُ عنق من النَّاس فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب فَكل قد ذكره الله فِي الْقُرْآن {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} الْآيَة
ثمَّ قَرَأَ {وبكفرهم وَقَوْلهمْ على مَرْيَم بهتاناً عَظِيما} النِّسَاء الْآيَة 156 ثمَّ قَرَأَ {وَلَو أَن أهل الْكتاب آمنُوا وَاتَّقوا} الْمَائِدَة الْآيَة 65 إِلَى قَوْله {مِنْهُم أمة مقتصدة وَكثير مِنْهُم سَاءَ مَا يعْملُونَ} الْمَائِدَة الْآيَة 66 قَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: فَهَؤُلَاءِ أمة مقتصدة الَّذين قَالُوا: عِيسَى عبد الله وكلمته وروحه أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} قَالَ: النَّصَارَى يَقُولُونَ: {إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} وكذبوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: تفرق بَنو إِسْرَائِيل ثَلَاث فرق فِي(3/122)
عِيسَى فَقَالَت فرقة هُوَ الله
وَقَالَت فرقة: هُوَ ابْن الله
وَقَالَت فرقة: هُوَ عبد الله وروحه وَهِي المقتصدة وَهِي مسلمة أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {لقد كفر الَّذين قَالُوا إِن الله ثَالِث ثَلَاثَة} قَالَ: قَالَت النَّصَارَى: إِن الله هُوَ الْمَسِيح وَأمه فَذَلِك قَوْله {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} الْمَائِدَة الْآيَة 116
قَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا عبد الله بن هِلَال الدِّمَشْقِي حَدثنَا أَحْمد بن أبي الْحوَاري قَالَ: قَالَ أَبُو سُلَيْمَان الدَّارَانِي: ياأحمد - وَالله - مَا حرك ألسنتهم بقَوْلهمْ ثَالِث ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ وَلَو شَاءَ الله لأخرس ألسنتهم(3/123)
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)
- قَوْله تَعَالَى: قل يَا أهل الْكتاب لَا تغلوا فِي دينكُمْ غير الْحق وَلَا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل
- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا تغلوا فِي دينكُمْ} يَقُول لَا تبتدعوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {لَا تغلوا فِي دينكُمْ} قَالَ: الغلوا فِرَاق الْحق وَكَانَ مِمَّا غلوا فِيهِ أَن دعوا الله صَاحِبَة وَولدا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: قد كَانَ قَائِم قَامَ عَلَيْهِم فَأخذ بِالْكتاب وَالسّنة زَمَانا فَأَتَاهُ الشَّيْطَان فَقَالَ: إِنَّمَا تركب اثر وأمراً قد عمل بِهِ قبلك فَلَا تحمد عَلَيْهِ وَلَكِن ابتدع أمرا من قبل نَفسك وادع إِلَيْهِ واجبر النَّاس عَلَيْهِ فَفعل ثمَّ ادّكر من بعد فعله زَمَانا فاراد أَن يَمُوت فَخلع سُلْطَانه وَملكه وَأَرَادَ أَن يتعبد فَلبث فِي عِبَادَته أَيَّامًا فَأتي فَقيل لَهُ: لَو أَنَّك تبت من خَطِيئَة عملتها فِيمَا بَيْنك وَبَين رَبك عَسى أَن يُتَاب عَلَيْك وَلَكِن ضل فلَان وَفُلَان فِي سَبِيلك حَتَّى فارقوا الدُّنْيَا وهم على الضَّلَالَة فَكيف لَك بهداهم فَلَا تَوْبَة لَك أبدا فَفِيهِ سمعنَا وَفِي(3/123)
اشباهه هَذِه الْآيَة {يَا أهل الْكتاب لَا تغلوا فِي دينكُمْ غير الْحق وَلَا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلَا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا} فهم أُولَئِكَ الَّذين ضلوا وأضلوا أتباعهم {وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل} عَن عدل السَّبِيل
وَالله أعلم(3/124)
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)
- قَوْله تَعَالَى: لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى ابْن مَرْيَم ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
- أخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ الرجل يلقى الرجل فَيَقُول لَهُ: ياهذا اتَّقِ الله ودع ماتصنع فانه لايحل لَك ثمَّ يلقاه من الْغَد فَلَا يمنعهُ ذَلِك أَن يكون أكيله وشريبه وقعيده فَلَمَّا فعلوا ذَلِك ضرب الله على قُلُوب بَعضهم بِبَعْض
قَالَ {لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد} إِلَى قَوْله {فَاسِقُونَ} ثمَّ قَالَ: كلا وَالله لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر ولتأخذن على يَدي الظَّالِم ولتأطرنه على الْحق اطراء
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن بني اسرئيل لما عمِلُوا الْخَطِيئَة نَهَاهُم علماؤهم تعزيراً ثمَّ جالسوهم وآكلوهم وشاربوهم كَأَن لم يعملوا بالْأَمْس خَطِيئَة فَلَمَّا رأى الله ذَلِك مِنْهُم ضرب بقلوب بَعضهم على بعض ولعنهم على لِسَان نَبِي من الْأَنْبِيَاء ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالله لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهن عَن الْمُنكر ولتأطرنهم على الْحق أطراً أَو ليضربن الله بقلوب بَعْضكُم على بعض وليلعننكم كَمَا لعنهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذُوا الْعَطاء ماكان عَطاء فَإِذا كَانَ رشوة عَن دينكُمْ فَلَا تأخذوه وَلنْ تتركوه يمنعكم(3/124)
من ذَلِك الْفقر والمخافة إِن بني يَأْجُوج قد جاؤوا وَإِن رحى الْإِسْلَام ستدور فَحَيْثُ مَا دَار الْقُرْآن فدوروا بِهِ يُوشك السُّلْطَان وَالْقُرْآن أَن يقتتلا ويتفرقا إِنَّه سَيكون عَلَيْكُم مُلُوك يحكمون لكم بِحكم وَلَهُم بِغَيْرِهِ فَإِن أطعتموهم أضلوكم وَإِن عصيتموهم قتلوكم قَالُوا: يارسول الله فَكيف بِنَا ان أدركنا ذَلِك قَالَ: تَكُونُونَ كأصحاب عِيسَى نشرُوا بالمناشير وَرفعُوا على الْخشب موت فِي طَاعَة خير من حَيَاة فِي مَعْصِيّة إِن أول ماكان نقص فِي بني اسرئيل أَنهم كَانُوا يأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر شبه التَّعْزِير فَكَانَ أحدهم إِذا لَقِي صَاحبه الَّذِي كَانَ يعيب عَلَيْهِ آكله وشاربه كَأَنَّهُ لم يعب عَلَيْهِ شَيْئا فلعنهم الله على لِسَان دَاوُد وَذَلِكَ بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليسلطنَّ الله عَلَيْكُم شِرَاركُمْ ثمَّ ليدعون خياركم فَلَا يُسْتَجَاب لكم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهن عَن الْمُنكر ولتأخذن على يَد الظَّالِم فلتأطرنه عَلَيْهِ اطراً أَو ليضربن الله قُلُوب بَعْضكُم بِبَعْض
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَالْبُخَارِيّ فِي الوحدانيات وَابْن السكن وَابْن مَنْدَه والباوردي فِي معرفَة الصَّحَابَة وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن أَبْزَى عَن أَبِيه قَالَ خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر طوائف من الْمُسلمين فَأثْنى عَلَيْهِم خيرا ثمَّ قَالَ: مَا بَال أَقوام لَا يعلمُونَ جيرانهم وَلَا يفقهونهم وَلَا يفطنونهم وَلَا يأمرونهم وَلَا ينهونهم وَمَا بَال أَقوام لَا يتعلمون من جيرانهم وَلَا يتفقهمون وَلَا يتفطنون وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليعلمن جِيرَانه أَو ليتفقهن أَو ليفطنن أَو لأعاجلنهم بالعقوبة فِي دَار الدُّنْيَا ثمَّ نزل فَدخل بَيته
فَقَالَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يَعْنِي بِهَذَا الْكَلَام قَالُوا: مَا نعلم يَعْنِي بِهَذَا الْكَلَام إِلَّا الْأَشْعَرِيين فُقَهَاء عُلَمَاء وَلَهُم جيران من أهل الْمِيَاه جُفَاة جهلة فَاجْتمع جمَاعَة من الْأَشْعَرِيين فَدَخَلُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ذكرت طوائف من الْمُسلمين بِخَير وذكرتنا بشر فَمَا بالنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لتعلمن جِيرَانكُمْ ولتفقهنهم ولتأمرنهم ولتنهونهم أَو لأعاجلنكم بالعقوبة فِي دَار الدُّنْيَا فَقَالُوا: يارسول الله فاما إِذن فامهلنا سنة فَفِي سنة مَا نعلمهُ ويتعلمون فامهلهم سنة ثمَّ قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى ابْن مَرْيَم ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون كَانُوا لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ لبئس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}(3/125)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لُعِن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل على لِسَان دَاوُد} يَعْنِي فِي الزبُور {وَعِيسَى} يَعْنِي فِي الْإِنْجِيل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لعن الَّذين كفرُوا} الْآيَة
قَالَ: لعنُوا بِكُل لِسَان لعنُوا على عهد مُحَمَّد فِي الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {لعن الَّذين كفرُوا} الْآيَة
خالطوهم بعد النَّهْي على تجارهم فَضرب الله قُلُوب بَعضهم على بعض وهم ملعونون على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى بن مَرْيَم
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك الْغِفَارِيّ فِي الْآيَة قَالَ: لعنُوا على لِسَان دَاوُد فجُعلوا قردة وعَلى لِسَان عِيسَى فجُعِلوا خنازير
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: لعنهم الله على لِسَان دَاوُد فِي زمانهم فجعلهم قردة خَاسِئِينَ ولعنهم فِي الْإِنْجِيل على لِسَان عِيسَى فجعلهم خنازير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون} مَاذَا كَانَ بَعضهم قَالُوا {لَا يتناهون عَن مُنكر فَعَلُوهُ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي عَمْرو بن حماس أَن ابْن الزبير قَالَ لكعب: هَل لله من عَلامَة فِي الْعباد إِذا سخط عَلَيْهِم قَالَ: نعم يذلهم فَلَا يامرون بِالْمَعْرُوفِ ولاينهون عَن الْمُنكر وَفِي الْقُرْآن {لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل} الْآيَة
وَأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح مَرْفُوعا قتلت بَنو إِسْرَائِيل ثَلَاثَة وَأَرْبَعين نَبيا من أوّل النَّهَار فَقَامَ مائَة وَاثنا عشر رجلا من عبادهم فأمروهم بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَن الْمُنكر فَقتلُوا جَمِيعًا فِي آخر النَّهَار فهم الَّذين ذكر الله {لعن الَّذين كفرُوا من بني إِسْرَائِيل} الْآيَات
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليوشكن أَن يبْعَث الله عَلَيْكُم عقَابا من عِنْده ثمَّ لتدعنه فَلَا يستجيب لكم(3/126)
وَأخرج ابْن مَاجَه عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مروا بِالْمَعْرُوفِ وانهوا عَن الْمُنكر قبل أَن تدعوا فَلَا يُسْتَجَاب لكم
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رأى مِنْكُم مُنْكرا فليغيره بِيَدِهِ فَإِن لم يسْتَطع فبلسانه فَإِن لم يسْتَطع فبقلبه وَذَلِكَ أَضْعَف الْإِيمَان
وَأخرج أَحْمد عَن عدي بن عميرَة
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله لايعذب الْعَامَّة بِعَمَل الْخَاصَّة حَتَّى يرَوا الْمُنكر بَين ظهرانيهم وهم قادرون على أَن ينكروه فَإِذا فعلوا ذَلِك عذب الله الْعَامَّة والخاصة
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله لايعذب الْعَامَّة بِعَمَل الْخَاصَّة حَتَّى يرَوا الْمُنكر بَين ظهرانيهم وهم قادرون على أَن ينكروه فَلَا ينكرونه فَإِذا فعلوا ذَلِك عذب الله الْخَاصَّة والعامة
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق أبي سَلمَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ ليخرجن من أمتِي اناس من قُبُورهم فِي صُورَة القردة والخنازير داهنوا أهل الْمعاصِي سكتوا عَن نهيهم وهم يَسْتَطِيعُونَ
وَأخرج الْحَكِيم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عظمت أمتِي الدُّنْيَا نزعت مِنْهَا هَيْبَة الْإِسْلَام واذا تركت الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر حرمت بَرَكة الْوَحْي وَإِذا تسابَّت امتي سَقَطت من عين الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل يارسول الله أتهلك الْقرْيَة فيهم الصالحون قَالَ: نعم
فَقيل يارسول الله
قَالَ: تهانونهم وسكوتهم عَن معاصي الله عز وَجل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن من كَانَ قبلكُمْ من بني إِسْرَائِيل إِذا عمل الْعَامِل فيهم الْخَطِيئَة فَنَهَاهُ الناهي تعزيراً فَإِذا كَانَ من الْغَد جالسه وآكله وشاربه كَأَنَّهُ لم يره على خَطِيئَة بالْأَمْس فَلَمَّا رأى الله ذَلِك مِنْهُم ضرب بقلوب بَعضهم على بعض ولعنهم على لِسَان دَاوُد وَعِيسَى بن مَرْيَم {ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون} وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهن عَن الْمُنكر ولتأخذن على يَد الْمُسِيء ولتأطرنه على الْحق أطرا أَو ليضربن الله بقلوب بَعْضكُم على بعض ويلعنكم كَمَا لعنهم(3/127)
وَأخرج الديلمي عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتغنى النِّسَاء بِالنسَاء وَالرِّجَال بِالرِّجَالِ فبشروهم برِيح حَمْرَاء تخرج من قبل الْمشرق فَينْسَخ بَعضهم ويخسف بِبَعْض {ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون}(3/128)
تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80)
- قَوْله تَعَالَى: ترى كثيرا مِنْهُم يتولون الَّذين كفرُوا لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم أَن سخط الله عَلَيْهِم وَفِي الْعَذَاب هم خَالدُونَ
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم} قَالَ: مَا أَمرتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن حُذَيْفَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يامعشر الْمُسلمين إيَّاكُمْ وَالزِّنَا فَإِن فِيهِ سِتّ خِصَال: ثَلَاث فِي الدُّنْيَا وَثَلَاث فِي الْآخِرَة فاما الَّتِي فِي الدُّنْيَا قد طَابَ إِلَيْهَا ودوام الْفقر وَقصر الْعُمر وَأما الَّتِي فِي الْآخِرَة فسخط الله وَطول الْحساب وَالْخُلُود فِي النَّار ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لبئس مَا قدمت لَهُم أنفسهم أَن سخط الله عَلَيْهِم وَفِي الْعَذَاب هم خَالدُونَ}(3/128)
وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)
- قَوْله تَعَالَى: وَلَو كَانُوا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيّ وَمَا أنزل إِلَيْهِ مَا اتخذوهم أَوْلِيَاء وَلَكِن كثيرا مِنْهُم فَاسِقُونَ
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَو كَانُوا يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالنَّبِيّ وَمَا أنزل إِلَيْهِ مَا اتخذوهم أَوْلِيَاء} الْآيَة(3/128)
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86)
- قَوْله تَعَالَى: لتجدن أَشد النَّاس عَدَاوَة للَّذين آمنُوا الْيَهُود وَالَّذين أشركوا ولتجدن أقربهم مَوَدَّة للَّذين آمنُوا الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِك بِأَن مِنْهُم قسيسن وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول ترى أَعينهم تفيض من الدمع مِمَّا عرفُوا من الْحق يَقُولُونَ رَبنَا آمنا فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين وَمَا لنا لَا نؤمن بِاللَّه وَمَا جَاءَنَا من الْحق ونطمع أَن يدخلنا رَبنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحين فأثابهم الله بِمَا قَالُوا جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم(3/128)
- أخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماخلا يَهُودِيّ بِمُسلم إِلَّا هم بقتْله وَفِي لفظ: إِلَّا حدَّث نَفسه بقتْله
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ولتجدن أقربهم مَوَدَّة للَّذين آمنُوا الَّذين قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} قَالَ: هم الْوَفْد الَّذين جاؤوا مَعَ جَعْفَر وَأَصْحَابه من أَرض الْحَبَشَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: مَا ذكر الله بِهِ النَّصَارَى قَالَ: هم نَاس من الْحَبَشَة آمنُوا إِذْ جَاءَتْهُم مهاجرة الْمُؤمنِينَ فَذَلِك لَهُم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه {وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول ترى أَعينهم تفيض من الدمع}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية والواحدي من طَرِيق ابْن شهَاب قَالَ: أَخْبرنِي سعيد بن الْمسيب وَأَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن ابْن الْحَارِث بن هِشَام وَعُرْوَة بن الزبير قَالُوا بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمْرو بن أُميَّة الضمرِي وَكتب مَعَه كتابا إِلَى النَّجَاشِيّ فَقدم على النَّجَاشِيّ فَقَرَأَ كتاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ دَعَا جَعْفَر بن أبي طَالب والمهاجرين مَعَه وَأرْسل النَّجَاشِيّ إِلَى الرهبان والقسيسين فَجَمعهُمْ ثمَّ أَمر جَعْفَر بن أبي طَالب أَن يقْرَأ عَلَيْهِم الْقُرْآن فَقَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة(3/129)
مَرْيَم فآمنوا بِالْقُرْآنِ وفاضت أَعينهم من الدمع وهم الَّذين أنزل فيهم {ولتجدن أقربهم مَوَدَّة} إِلَى قَوْله {مَعَ الشَّاهِدين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} قَالَ: هم رسل النَّجَاشِيّ الَّذين أرسل بِإِسْلَامِهِ وَإِسْلَام قومه كَانُوا سبعين رجلا اخْتَارَهُمْ من قومه الخيِّر الخيِّر فالخير فِي الْفِقْه وَالسّن وَفِي لفظ: بعث من خِيَار أَصْحَابه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثِينَ رجلا فَلَمَّا أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخلُوا عَلَيْهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِم سُورَة يس فبكوا حِين سمعُوا الْقُرْآن وَعرفُوا أَنه الْحق فَأنْزل الله فيهم {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} الْآيَة
وَنزلت هَذِه الْآيَة فيهم أَيْضا {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب من قبله هم بِهِ يُؤمنُونَ} الْقَصَص الْآيَة 52 إِلَى قَوْله {أُولَئِكَ يُؤْتونَ أجرهم مرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} الْقَصَص الْآيَة 54 وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن عُرْوَة قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي النَّجَاشِيّ {وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول} قَالَ: إِنَّهُم كَانُوا برايين يَعْنِي ملاحين قدمُوا مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب من الْحَبَشَة فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن آمنُوا وفاضت أَعينهم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رجعتم إِلَى أَرْضكُم انقلبتم عَن دينكُمْ فَقَالُوا لن ننقلب عَن ديننَا فَأنْزل الله ذَلِك من قَوْلهم {وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي الَّذين أَقبلُوا مَعَ جَعْفَر من أَرض الْحَبَشَة وَكَانَ جَعْفَر لحق بِالْحَبَشَةِ هُوَ وَأَرْبَعُونَ مَعَه من قُرَيْش وَخَمْسُونَ من الْأَشْعَرِيين مِنْهُم أَرْبَعَة من عك أكبرهم أَبُو عَامر الْأَشْعَرِيّ وأصغرهم عَامر فَذكر لنا أَن قُريْشًا بعثوا فِي طَلَبهمْ عَمْرو بن الْعَاصِ وَعمارَة بن الْوَلِيد فَأتوا النَّجَاشِيّ فَقَالُوا: إِن هَؤُلَاءِ قد أفسدوا دين قَومهمْ فَأرْسل اليهم فجاؤوا فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا: بعث الله فِينَا نَبيا كَمَا بعث فِي الْأُمَم قبلنَا يَدْعُونَا إِلَى الله وَحده ويأمرنا بِالْمَعْرُوفِ وينهانا عَن الْمُنكر ويأمرنا بالصلة وينهانا عَن القطيعة ويأمرنا بِالْوَفَاءِ وينهانا عَن النكث وَإِن قَومنَا بغوا علينا وأخرجونا حِين صدقناه وآمنا بِهِ فَلم نجد(3/130)
أحد نلجأ اليه غَيْرك فَقَالَ: مَعْرُوفا
فَقَالَ عَمْرو وَصَاحبه: إِنَّهُم يَقُولُونَ فِي عِيسَى غير الَّذِي تَقول
قَالَ: وَمَا تَقولُونَ فِي عِيسَى قَالُوا: نشْهد أَنه عبد الله وَرَسُوله وكلمته وروحه وَلدته عذراء بتول
قَالَ: مَا أخطأتم ثمَّ قَالَ لعَمْرو وَصَاحبه: لَوْلَا أنكما أقبلتما فِي جواري لفَعَلت بكما وَذكر لنا أَن جَعْفَر وَأَصْحَابه إِذْ أَقبلُوا جَاءَ أُولَئِكَ مَعَهم فآمنوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ قَائِل: لَو قد رجعُوا إِلَى أَرضهم لَحِقُوا بدينهم فحدثنا أَنه قدم مَعَ جَعْفَر سَبْعُونَ مِنْهُم فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِم نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاضت أَعينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ بعث إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إثنا عشر رجلا سَبْعَة قِسِّيسِينَ وَخَمْسَة رهباناً ينظرُونَ إِلَيْهِ ويسألونه فَلَمَّا لقوه قَرَأَ عَلَيْهِم مَا أنزل الله بكوا وآمنوا وَأنزل الله فيهم {وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِمَكَّة يخَاف على أَصْحَابه من الْمُشْركين فَبعث جَعْفَر بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود وَعُثْمَان بن مَظْعُون فِي رَهْط من أَصْحَابه إِلَى النَّجَاشِيّ ملك الْحَبَشَة فَلَمَّا بلغ الْمُشْركين بعثوا عَمْرو بن الْعَاصِ فِي رَهْط مِنْهُم وَذكروا أَنهم سبقوا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى النَّجَاشِيّ فَقَالُوا إِنَّه قد خرج فِينَا رجل سفه عقول قُرَيْش وأحلامها زعم أَنه نَبِي وَأَنه بعث إِلَيْك رهطاً ليفسدوا عَلَيْك قَوْمك فأحببنا أَن نَأْتِيك ونخبرك خبرهم
قَالَ: إِن جاؤوني نظرت فِيمَا يَقُولُونَ فَلَمَّا قدم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتوا إِلَى بَاب النَّجَاشِيّ فَقَالُوا: اسْتَأْذن لأولياء الله فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُم فمرحباً بأولياء الله فَلَمَّا دخلُوا عَلَيْهِ سلمُوا فَقَالَ الرَّهْط من الْمُشْركين: ألم تَرَ أَيهَا الْملك انا صدقناك وانهم لم يحيوك بتحيتك الَّتِي تحيى بهَا
فَقَالَ لَهُم: مَا يمنعكم أَن تحيوني بتيحيتي قَالُوا: إِنَّا حييناك بِتَحِيَّة أهل الْجنَّة وتحية الْمَلَائِكَة
فَقَالَ لَهُم: مايقول صَاحبكُم فِي عِيسَى وَأمه قَالُوا: يَقُول عبد الله وَرَسُوله وَكلمَة من الله وروح مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَم وَيَقُول فِي مَرْيَم: إِنَّهَا الْعَذْرَاء الطّيبَة البتول
قَالَ: فَأخذ عوداً من الأَرْض فَقَالَ: مَا زَاد عِيسَى وَأمه على مَا قَالَ صَاحبكُم هَذَا الْعود فكره الْمُشْركُونَ قَوْله وَتغَير لون وُجُوههم فَقَالَ: هَل تقرأون شَيْئا مِمَّا أنزل عَلَيْكُم قَالُوا: نعم
قَالَ: فاقرأوا وَحَوله القسيسون والرهبان وَسَائِر النَّصَارَى فَجعلت طَائِفَة من(3/131)
القسيسسن والرهبان كلما قرأوا آيَة انحدرت دموعهم مِمَّا عرفُوا من الْحق
قَالَ الله {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذا سمعُوا مَا أنزل إِلَى الرَّسُول ترى أَعينهم تفيض من الدمع مِمَّا عرفُوا من الْحق}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان فِي إِسْلَامه قَالَ لما قدم النَّبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة صنعت طَعَاما فَجئْت بِهِ فَقَالَ: ماهذا قلت: صَدَقَة
فَقَالَ لأَصْحَابه: كلوا وَلم يَأْكُل ثمَّ إِنِّي رجعت حَتَّى جمعت طَعَاما فَأَتَيْته بِهِ فَقَالَ: ماهذا قلت: هَدِيَّة
فَأكل وَقَالَ لأَصْحَابه: كلوا
قلت يَا رَسُول الله أَخْبرنِي عَن النَّصَارَى قَالَ: لَا خير فيهم ولافيمن أحبهم فَقُمْت وَأَنا مثقل فَأنْزل الله {لتجدن أَشد النَّاس عَدَاوَة للَّذين آمنُوا الْيَهُود} حَتَّى بلغ {تفيض من الدمع} فَأرْسل إلىَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي: ياسلمان إِن أَصْحَابك هَؤُلَاءِ الَّذين ذكر الله
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ولتجدن أقربهم مَوَدَّة} الْآيَة
قَالَ: أنَاس من أهل الْكتاب كَانُوا على شَرِيعَة من الْحق مِمَّا جَاءَ بِهِ عِيسَى يُؤمنُونَ بِهِ وينتهون إِلَيْهِ فَلَمَّا بعث الله مُحَمَّدًا صدقوه وآمنوا بِهِ وَعرفُوا مَا جَاءَ بِهِ من الْحق أَنه من الله فَأثْنى عَلَيْهِم بِمَا تَسْمَعُونَ
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه والْحَارث بن أُسَامَة فِي مُسْنده والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالْبَزَّار وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} قَالَ: الرهبان الَّذين فِي الصوامع نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا} وَلَفظ الْبَزَّار دع القسيسين أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم / ذَلِك بِأَن مِنْهُم صديقين / وَلَفظ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ: قَرَأت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ} فأقرأني / ذَلِك بِأَن مِنْهُم صديقين /
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سلمَان قَالَ: كنت يَتِيما من رامهرمز وَكَانَ ابْن دهقان رامهرمز يخْتَلف إِلَى معلم يُعلمهُ فَلَزِمته لأَكُون فِي كنفه وَكَانَ لي أَخ أكبر مني وَكَانَ مستغنياً فِي نَفسه وَكنت غُلَاما فَقِيرا فَكَانَ إِذا قَامَ من مَجْلِسه تفرق من يحفظه فَإِذا تفَرقُوا خرج فتقنع بِثَوْبِهِ ثمَّ صعد الْجَبَل فَكَانَ يفعل ذَلِك غير مرّة متنكراً قَالَ: فَقلت أما أَنَّك تفعل كَذَا وَكَذَا فَلم لَا تذْهب بِي مَعَك قَالَ:(3/132)
أَنْت غُلَام وأخاف أَن يظْهر مِنْك شَيْء
قَالَ: قلت لاتخف
قَالَ: فَإِن فِي هَذَا الْجَبَل قوما فِي برطيل لَهُم عبَادَة وَصَلَاح يذكرُونَ الله عز وَجل ويذكرون الْآخِرَة يَزْعمُونَ أَنا عَبدة النيرَان وَعَبدَة الْأَوْثَان وَأَنا على غير دين
قلت: فَاذْهَبْ بِي مَعَك إِلَيْهِم
قَالَ: لَا أقدر على ذَلِك حَتَّى أستأمرهم وَأَنا أَخَاف أَن يظْهر مِنْك شَيْء فَيعلم أبي فَيقْتل الْقَوْم فَيجْرِي هلاكهم على يَدي
قَالَ: قلت لن يظْهر مني ذَلِك فاستأمرهم فَقَالَ: غُلَام عِنْدِي يَتِيم فَأحب أَن يأتيكم وَيسمع كلامكم قَالُوا: إِن كنت تثق بِهِ
قَالَ: أَرْجُو أَن لَا يَجِيء مِنْهُ إِلَّا مَا أحب
قَالُوا: فجيء بِهِ
فَقَالَ لي: قد اسْتَأْذَنت الْقَوْم أَن تَجِيء معي فَإِذا كَانَت السَّاعَة الَّتِي رَأَيْتنِي أخرج فِيهَا فأتني وَلَا يعلم بك أحد فَإِن أبي إِن علم قَتلهمْ
قَالَ: فَلَمَّا كَانَت السَّاعَة الَّتِي يخرج تَبعته فَصَعدَ الْجَبَل فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِم فَإِذا هم فِي برطيلهم
قَالَ: عَليّ
وَأرَاهُ قَالَ: هم سِتَّة أَو سَبْعَة
قَالَ: وَكَانَت الرّوح قد خرجت مِنْهُم من الْعِبَادَة يَصُومُونَ النَّهَار ويقومون اللَّيْل يَأْكُلُون الشّجر وَمَا وجدوا فَقَعَدْنَا إِلَيْهِم فَأثْنى ابْن الدهْقَان عليَّ خيرا فتكلموا فحمدوا الله وأثنوا عَلَيْهِ وَذكروا من مضى من الرُّسُل والأنبياء حَتَّى خلصوا إِلَى عِيسَى بن مَرْيَم قَالُوا: بَعثه الله وَولده بِغَيْر ذكر بَعثه الله رَسُوله وسخر لَهُ ماكان يفعل من إحْيَاء الْمَوْتَى وَخلق الطير وابراء الْأَعْمَى والأبرص فَكفر بِهِ قوم وَتَبعهُ قوم
وَإِنَّمَا كَانَ عبد الله وَرَسُوله ابتلى بِهِ خلقه
قَالَ: وَقَالُوا قبل ذَلِك: ياغلام إِن لَك رَبًّا وَإِن لَك معاداً وَإِن بَين يَديك جنَّة وَنَارًا إِلَيْهَا تصير وَإِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين يعْبدُونَ النيرَان أهل كفر وضلالة لايرضى الله بِمَا يصنعون وَلَيْسوا على دين فَلَمَّا حضرت السَّاعَة الَّتِي ينْصَرف فِيهَا الْغُلَام انْصَرف وانصرفت مَعَه ثمَّ غدونا إِلَيْهِم فَقَالُوا مثل ذَلِك وَأحسن فلزمتهم فَقَالُوا: ياغلام إِنَّك غُلَام وَإنَّك لَا تَسْتَطِيع أَن تصنع كَمَا نصْنَع فَكل واشرب وصل ونم
قَالَ: فَاطلع الْملك على صَنِيع ابْنه فَركب الْخَيل حَتَّى أَتَاهُم فِي برطيلهم فَقَالَ: ياهؤلاء قد جاورتموني فأحسنت جوراكم وَلم تروا مني سوءا فعمدتم إِلَى ابْني فافسدتموه عليَّ قد أجلتكم ثَلَاثًا فَإِن قدرت عَلَيْكُم بعد ثَلَاث أحرقت عَلَيْكُم برطيلكم هَذَا فالحقوا ببلادكم فَإِنِّي أكره أَن يكون مني إِلَيْكُم سوء
قَالُوا: نعم ماتعمدنا اساءتك وَلَا أردنَا إِلَّا الْخَيْر فكفَّ ابْنه عَن إتيانهم فَقلت لَهُ: اتَّقِ الله(3/133)
فَإنَّك تعرف أَن هَذَا الدّين دين الله وَإِن أَبَاك وَنحن على غير دين إِنَّمَا هم عَبدة النيرَان لايعرفون الله فَلَا تبع آخرتك بدنيا غَيْرك
قَالَ: ياسلمان هُوَ كَمَا تَقول وَإِنَّمَا أَتَخَلَّف عَن الْقَوْم بقيا عَلَيْهِم ان اتبعت الْقَوْم يطلبني أبي فِي الْخَيل وَقد جزع من إتياني إيَّاهُم حَتَّى طردهم وَقد أعرف أَن الْحق فِي أَيْديهم
قلت: أَنْت أعلم ثمَّ لقِيت أخي فعرضت عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنا مشتغل بنفسي وَطلب الْمَعيشَة فأتيتهم فِي الْيَوْم الَّذِي أَرَادوا أَن يرتحلوا فِيهِ فَقَالُوا: ياسلمان قد كُنَّا نحذر فَكَانَ مَا رَأَيْت اتَّقِ الله وَاعْلَم أَن الدّين مَا أوصيناك بِهِ وَإِن هَؤُلَاءِ عَبدة النيرَان لايعرفون الله ولايذكرونه فَلَا يخدعنَّك أحد عَن ذَلِك
قلت: مَا أَنا بمفارقكم
قَالُوا: إِنَّك لَا تقدر على أَن تكون مَعنا نَحن نَصُوم النَّهَار ونقوم اللَّيْل وَنَأْكُل الشّجر وَمَا أصبْنَا وَأَنت لاتستطيع ذَلِك
قَالَ: قلت: لَا أفارقكم
قَالُوا: أَنْت أعلم قد أعلمناك حَالنَا فَإِذا أَبيت فاطلب أحدا يكون مَعَك واحمل مَعَك شَيْئا تَأْكُله لَا تَسْتَطِيع مانستطيع نَحن
قَالَ: فَفعلت فَلَقِيت أخي فعرضت عَلَيْهِ فَأبى فأتيتهم فتحمَّلوا فَكَانُوا يَمْشُونَ وأمشي مَعَهم فرزقنا الله السَّلامَة حَتَّى أَتَيْنَا الْموصل فأتينا بَيْعه بالموصل فَلَمَّا دخلُوا حفوا بهم وَقَالُوا: أَيْن كُنْتُم قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَاد لَا يذكرُونَ الله بهَا عبّاد نيران فطردونا فقدمنا عَلَيْكُم فَلَمَّا كَانَ بعد قَالُوا: يَا سلمَان ان هَهُنَا قوما فِي هَذِه الْجبَال هم أهل دين وَإِنَّا نُرِيد لقاءهم فَكُن أَنْت هَهُنَا مَعَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُم أهل دين وسترى مِنْهُم مَا تحب قلت: مَا أَنا بمفارقكم
قَالَ: وأوصوا بِي أهل الْبيعَة فَقَالَ أهل دين الْبيعَة: أقِم مَعنا فانه لايعجزك شَيْء يسعنا
قلت: مَا أَنا بمفارقكم
فَخَرجُوا وَأَنا مَعَهم فأصبحنا بَين الْجبَال فَإِذا صَخْرَة وَمَاء كثير فِي جرار وخبز كثير فَقَعَدْنَا عِنْد الصَّخْرَة فَلَمَّا طلعت الشَّمْس خَرجُوا من بَين تِلْكَ الْجبَال يخرج رجل رجل من مَكَانَهُ كَأَن الْأَرْوَاح انتزعت مِنْهُم حَتَّى كَثُرُوا فرحبوا بهم وحفوا وَقَالُوا: أَيْن كُنْتُم لم نركم قَالُوا: كُنَّا فِي بِلَاد لَا يذكرُونَ اسْم الله فِيهَا عَبدة النيرَان وَكُنَّا نعْبد الله فِيهَا فطردونا فَقَالُوا: ماهذا الْغُلَام قَالَ: فطفقوا يثنون عليَّ وَقَالُوا: صَحِبنَا من تِلْكَ الْبِلَاد فَلم نرَ مِنْهُ إِلَّا خيرا
قَالَ: فو الله إِنَّهُم لكذا إِذْ طلع عَلَيْهِم رجل من كَهْف رجل طَوِيل فجَاء حَتَّى سلم وَجلسَ فحف بِهِ أَصْحَابِي الَّذين كنت مَعَهم وعظموه وَأَحْدَقُوا بِهِ فَقَالَ لَهُم: أَيْن كُنْتُم فأخبروه(3/134)
فَقَالَ: وَمَا هَذَا الْغُلَام مَعكُمْ فَأَثْنوا عليَّ خيرا وَأَخْبرُوهُ باتباعي إيَّاهُم وَلم أرَ مثل إعظامهم إِيَّاه فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ ذكر من أرسل من رسله وأنبيائه وَمَا لقوا وَمَا صنع بهم حَتَّى ذكر مولد عِيسَى بن مَرْيَم وَأَنه ولد بِغَيْر ذكر فَبَعثه الله رَسُولا وأجرى على يَدَيْهِ إحْيَاء الْمَوْتَى وإبراء الْأَعْمَى والأبرص وَأَنه يخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير فينفخ فِيهِ فَيكون طيراً بِإِذن الله وَأنزل عَلَيْهِ الْإِنْجِيل وَعلمه التَّوْرَاة وَبَعثه رَسُولا إِلَى بني إِسْرَائِيل فَكفر بِهِ قوم وآمن بِهِ قوم وَذكر بعض مَا لَقِي عِيسَى بن مَرْيَم وَأَنه كَانَ عبدا أنعم الله عَلَيْهِ فَشكر ذَلِك لَهُ وَرَضي عَنهُ حَتَّى قَبضه الله وَهُوَ يعظمهم وَيَقُول: اتَّقوا الله والزموا مَا جَاءَ عِيسَى بِهِ وَلَا تخالفوا فيخالف بكم ثمَّ قَالَ: من أَرَادَ أَن يَأْخُذ من هَذَا شَيْئا فليأخذ
فَجعل الرجل يقوم فَيَأْخُذ الجرة من المَاء وَالطَّعَام وَالشَّيْء وَقَامَ إِلَيْهِ أَصْحَابِي الَّذين جِئْت مَعَهم فَسَلمُوا عَلَيْهِ وعظموه فَقَالَ لَهُم: الزموا هَذَا الدّين وَإِيَّاكُم أَن تفَرقُوا وَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَام خيرا وَقَالَ لي: هَذَا دين الله الَّذِي لَيْسَ لَهُ دين فَوْقه وَمَا سواهُ هُوَ الْكفْر
قَالَ: قلت: مَا أُفَارِقك
قَالَ: إِنَّك لن تَسْتَطِيع أَن تكون معي إِنِّي لَا أخرج من كهفي هَذَا إِلَّا كل يَوْم أحد لَا تقدر على الكينونة معي
قَالَ: وَأَقْبل على أَصْحَابه فَقَالُوا: يَا غُلَام إِنَّك لَا تَسْتَطِيع أَن تكون مَعَه
قلت: مَا أَنا بمفارقك
قَالَ: يَا غُلَام فَإِنِّي أعلمك الْآن إِنِّي أَدخل هَذَا الْكَهْف وَلَا أخرج مِنْهُ إِلَى الْأَحَد الآخر وَأَنت أعلم
قلت: مَا أَنا بمفارقك
قَالَ لَهُ أَصْحَابه: يافلان هَذَا غُلَام ونخاف عَلَيْهِ
قَالَ: قَالَ لي: أَنْت أعلم
قلت: إِنِّي لَا أُفَارِقك
فَبكى أَصْحَابِي الأوّلون الَّذين كنت مَعَهم عِنْد فراقهم إيَّايَ
فَقَالَ: خُذ من هَذَا الطَّعَام مَا ترى أَنه يَكْفِيك إِلَى الْأَحَد الآخر وَخذ من هَذَا المَاء مَا تكتفي بِهِ فَفعلت وَتَفَرَّقُوا وَذهب كل إِنْسَان إِلَى مَكَانَهُ الَّذِي يكون فِيهِ وتبعته حَتَّى دخل الْكَهْف فِي الْجَبَل فَقَالَ: ضع مَا مَعَك وكل واشرب وَقَامَ يُصَلِّي فَقُمْت مَعَه أُصَلِّي قَالَ: وانفتل إِلَيّ فَقَالَ: إِنَّك لَا تَسْتَطِيع هَذَا وَلَكِن صل ونم وكل واشرب فَفعلت فَمَا رَأَيْته لَا نَائِما وَلَا طاعماً إِلَّا رَاكِعا وساجداً إِلَى الْأَحَد الآخر
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَالَ: خُذ جرتك هَذِه وَانْطَلق فَخرجت مَعَه أتبعه حَتَّى انتهينا إِلَى الصَّخْرَة وَإِذا هم قد خَرجُوا من تِلْكَ الْجبَال واجتمعوا إِلَى الصَّخْرَة ينتظرون(3/135)
خُرُوجه فقعدوا وجاد فِي حَدِيثه نَحْو الْمرة الأولى
فَقَالَ: الزموا هَذَا الدّين وَلَا تفَرقُوا وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن عِيسَى بن مَرْيَم كَانَ عبد الله أنعم الله عَلَيْهِ ثمَّ ذكروني فَقَالُوا: يَا فلَان كَيفَ وجدت هَذَا الْغُلَام فَأثْنى عَليّ وَقَالَ: خيرا
فحمدوا الله فَإِذا خبز كثير وَمَاء فَأخذُوا وَجعل الرجل يَأْخُذ بِقدر مَا يَكْتَفِي بِهِ فَفعلت وَتَفَرَّقُوا فِي تِلْكَ الْجبَال وَرجع إِلَى كهفه وَرجعت مَعَه
فَلبث ماشاء الله يخرج فِي كل يَوْم أحد وَيخرجُونَ مَعَه ويوصيهم بِمَا كَانَ يوصيهم بِهِ فَخرج فِي أحد فَلَمَّا اجْتَمعُوا حمد الله ووعظهم وَقَالَ مثل ماكان يَقُول لَهُم ثمَّ قَالَ لَهُم آخر ذَلِك: يَا هَؤُلَاءِ إِنِّي قد كَبرت سني ورق عظمي واقترب أَجلي وَأَنه لَا عهد لي بِهَذَا الْبَيْت مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَلَا بُد لي من إِتْيَانه فَاسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَام خيرا وَإِنِّي رَأَيْته لَا بَأْس بِهِ قَالَ: فجزع الْقَوْم فَمَا رَأَيْت مثل جزعهم وَقَالُوا: يَا أَبَا فلَان أَنْت كَبِير وَأَنت وَحدك وَلَا نَأْمَن أَن يصيبك الشَّيْء ولسنا أحْوج مَا كُنَّا إِلَيْك
قَالَ: لَا تراجعوني لَا بُد لي من إِتْيَانه وَلَكِن اسْتَوْصُوا بِهَذَا الْغُلَام خيرا وافعلوا وافعلوا
قَالَ: قلت: مَا أَنا بمفارقك
قَالَ: ياسلمان قد رَأَيْت حَالي وماكنت عَلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا لَك إِنَّمَا أَمْشِي أَصوم النَّهَار وأقوم اللَّيْل وَلَا أَسْتَطِيع أَن أحمل معي زادا ولاغيره وَلَا تقدر على هَذَا
قَالَ: قلت: مَا أَنا بمفارقك
قَالَ: أَنْت أعلم قَالُوا: يَا أَبَا فلَان إِنَّا نَخَاف عَلَيْك وعَلى هَذَا الْغُلَام
قَالَ: هُوَ أعلم قد أعلمته الْحَالة وَقد رأى ماكان قبل هَذَا
قلت: لَا أُفَارِقك
فبكوا وودعوه وَقَالَ لَهُم: اتَّقوا الله وَكُونُوا على مَا أوصيتكم بِهِ فَإِن أعش فلعلي أرجع إِلَيْكُم وَإِن أمت فَإِن الله حَيّ لَا يَمُوت فَسلم عَلَيْهِم وَخرج وَخرجت مَعَه وَقَالَ لي: احْمِلْ مَعَك من هَذَا الْخبز شَيْئا تَأْكُله
فَخرج وَخرجت مَعَه يمشي وَاتبعهُ يذكر الله وَلَا يلْتَفت وَلَا يقف على شَيْء حَتَّى إِذْ أَمْسَى قَالَ: يَا سلمَان صل أَنْت ونم وكل واشرب ثمَّ قَامَ هُوَ يُصَلِّي إِلَى أَن انْتهى إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَكَانَ لَا يرفع طرفه إِلَى السَّمَاء حَتَّى انتهينا إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَإِذا على الْبَاب مقْعد قَالَ: ياعبد الله قد ترى حَالي فَتصدق عليَّ بِشَيْء فَلم يلْتَفت إِلَيْهِ وَدخل الْمَسْجِد وَدخلت مَعَه فَجعل يتتبع أمكنة من الْمَسْجِد يُصَلِّي فِيهَا ثمَّ قَالَ: ياسلمان إِنِّي لم أنم مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَلم أجد طعم نوم فَإِن أَنْت جعلت لي أَن توقظني إِذا بلغ الظل مَكَان كَذَا وَكَذَا نمت فَانِي أحب أَن أَنَام فِي هَذَا الْمَسْجِد(3/136)
وَإِلَّا لم أنم
قَالَ: قلت: فَإِنِّي أفعل
قَالَ: فَانْظُر إِذا بلغ الظل مَكَان كَذَا وَكَذَا فأيقظني إِذا غلبتني عَيْني فَنَامَ فَقلت فِي نَفسِي: هَذَا لم ينم مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَقد رَأَيْت بعض ذَلِك لأدعنه ينَام حَتَّى يشتفي من النّوم
وَكَانَ فِيمَا يمشي وَأَنا مَعَه يقبل عليَّ فيعظني ويخبرني أَن لي رَبًّا وَأَن بَين يَدَيْهِ جنَّة وَنَارًا وحساباً ويعلمني بذلك ويذكرني نَحْو مَا كَانَ يذكر الْقَوْم يَوْم الْأَحَد حَتَّى قَالَ فِيمَا يَقُول لي: ياسلمان الله تَعَالَى سَوف يبْعَث رَسُولا اسْمه أَحْمد يخرج بتهامة - وَكَانَ رجلا أعجمياً لَا يحسن أَن يَقُول تهَامَة ولامحمد - علامته أَنه يَأْكُل الْهَدِيَّة وَلَا يَأْكُل الصَّدَقَة بَين كَتفيهِ خَاتم وَهَذَا زَمَانه الَّذِي يخرج فِيهِ قد تقَارب فَأَما أَنا فَإِنِّي شيخ كَبِير وَلَا أحسبني أدْركهُ فَإِن أَدْرَكته أَنْت فَصدقهُ وَاتبعهُ
قلت: وَإِن أَمرنِي بترك دينك وَمَا أَنْت عَلَيْهِ قَالَ: وَإِن أَمرك فَإِن الْحق فِيمَا يَجِيء بِهِ ورضا الرَّحْمَن فِيمَا قَالَ
فَلم يمض إِلَّا يسير حَتَّى اسْتَيْقَظَ فَزعًا يذكر الله تَعَالَى فَقَالَ: ياسلمان مضى الْفَيْء من هَذَا الْمَكَان وَلم أذكر الله أَيْنَمَا جعلت لي على نَفسك قَالَ: قلت: أَخْبَرتنِي أَنَّك لم تنم مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَقد رَأَيْت بعض ذَلِك فَأَحْبَبْت أَن تشتفي من النّوم فَحَمدَ الله فَقَامَ وَخرج فتبعته فَقَالَ المقعد: ياعبد الله دخلت فسألتك فَلم تعطني وَخرجت فسألتك فَلم تعطني فَقَامَ ينظر هَل يرى أحد فَلم يره فَدَنَا مِنْهُ فَقَالَ: ناولني يدك فَنَاوَلَهُ فَقَالَ: قُم بِسم الله فَقَامَ كَأَنَّهُ نشط من عقال صَحِيحا لاعيب فِيهِ فخلى عَن يَده فَانْطَلق ذَاهِبًا فَكَانَ لَا يلوي على أحد وَلَا يقوم عَلَيْهِ فَقَالَ لي المقعد: يَا غُلَام أحمل على ثِيَابِي حَتَّى أَنطلق وأبشر أَهلِي فَحملت عَلَيْهِ ثِيَابه وَانْطَلق لَا يلوي عليَّ
فَخرجت فِي أَثَره أطلبه وَكلما سَأَلت عَنهُ قَالُوا: أمامك
حَتَّى لَقِيَنِي الركب من كلب فسألتهم فَلَمَّا سمعُوا لغتي أَنَاخَ رجل مِنْهُم بعيره فَحَمَلَنِي فجعلني خَلفه حَتَّى بلغُوا بِي بِلَادهمْ قَالَ: فباعوني فاشترتني امْرَأَة من الْأَنْصَار فجعلتني فِي حَائِط لَهَا وَقدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأُخبرت بِهِ فَأخذت شَيْئا من تمر حائطي فَجَعَلته على شَيْء ثمَّ أَتَيْته فَوجدت عِنْده أُنَاسًا وَإِذا أَبُو بكر أقرب الْقَوْم مِنْهُ فَوَضَعته بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا قلت صَدَقَة
فَقَالَ للْقَوْم: كلوا وَلم يَأْكُل هُوَ ثمَّ لَبِثت مَا شَاءَ الله ثمَّ أخذت مثل ذَلِك فَجَعَلته على شَيْء ثمَّ أَتَيْته بِهِ فَوجدت عِنْده أُنَاسًا(3/137)
وَإِذا أَبُو بكر أقرب الْقَوْم مِنْهُ فَوَضَعته بَين يَدَيْهِ فَقَالَ: ماهذا قلت: هَدِيَّة
قَالَ: بِسم الله فَأكل وَأكل الْقَوْم قَالَ: قلت: فِي نَفسِي هَذِه من آيَاته كَانَ صَاحِبي رجلا أعجمياً لم يحسن أَن يَقُول تهَامَة قَالَ تُهْمَة وَقَالَ أَحْمد فَدرت خَلفه فَفطن بِي فَأرْخى ثَوْبه فَإِذا الْخَاتم فِي نَاحيَة كتفه الايسر فتبينته ثمَّ درت حَتَّى جَلَست بَين يَدَيْهِ فَقلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله
قَالَ: من أَنْت قلت: مَمْلُوك فَحَدَّثته بحديثي وَحَدِيث الرجل الَّذِي كنت مَعَه وَمَا أَمرنِي بِهِ قَالَ: لمن أَنْت قلت: لامْرَأَة من الْأَنْصَار جَعَلتني فِي حَائِط لَهَا
قَالَ: يَا أَبَا بكر قَالَ: لبيْك
قَالَ: اشتره
قَالَ: فاشتراني أَبُو بكر فاعتقني فَلَبثت مَا شَاءَ الله أَن ألبث ثمَّ أَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ وَقَعَدت بَين يَدَيْهِ فَقلت: يارسول الله مَا تَقول فِي دين النَّصَارَى قَالَ: لَا خير فيهم وَلَا فِي دينهم فدخلني أَمر عَظِيم فَقلت فِي نَفسِي: هَذَا الَّذِي كنت مَعَه وَرَأَيْت مِنْهُ مَا رَأَيْت أَخذ بيد المقعد فأقامه الله على يَدَيْهِ لَا خير فِي هَؤُلَاءِ وَلَا فِي دينهم فَانْصَرَفت وَفِي نَفسِي ماشاء الله فَأنْزل الله بعد على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليَّ بسلمان فَأَتَانِي الرَّسُول فدعاني وَأَنا خَائِف فَجئْت حَتَّى قعدت بَين يَدَيْهِ فَقَرَأَ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} إِلَى آخر الْآيَة
فَقَالَ: ياسلمان أُولَئِكَ الَّذين كنت مَعَهم وَصَاحِبك لم يَكُونُوا نَصَارَى إِنَّمَا كَانُوا مُسلمين فَقلت: يارسول الله فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لقد أَمرنِي باتباعك
فَقلت لَهُ: وَإِن أَمرنِي بترك دينك وَمَا أَنْت عَلَيْهِ فأتركه قَالَ: نعم فَاتْرُكْهُ فَإِن الْحق وَمَا يحب الله فِيمَا يَأْمُرك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {قِسِّيسِينَ} قَالَ: علماؤهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: القسيسون
عبادهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: سَأَلت الزُّهْرِيّ عَن هَذِه الْآيَة {ذَلِك بِأَن مِنْهُم قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} وَقَوله {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} الْفرْقَان الْآيَة 63 قَالَ: مازلت أسمع عُلَمَائِنَا يَقُولُونَ: نزلت فِي النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه(3/138)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاكتبنا مَعَ الشَّاهِدين} قَالَ: أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِي لفظ: قَالَ: يعنون بالشاهدين مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته أَنهم قد شهدُوا لَهُ أَنه بلِّغ وشهدوا للمرسلين أَنهم قد بلغُوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {ونطمع أَن يدخلنا رَبنَا مَعَ الْقَوْم الصَّالِحين} قَالَ: الْقَوْم الصالحون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأصاحبه رَضِي الله عَنْهُم(3/139)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (88)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ وكلوا مِمَّا رزقكم الله حَلَالا طيبا وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ
- أخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يارسول الله إِنِّي إِذا أكلت اللَّحْم انتشرت للنِّسَاء وأخذتني شهوتي وَإِنِّي حرمت عليّ اللَّحْم فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رَهْط من الصَّحَابَة قَالُوا: نقطع مذاكيرنا ونترك شهوات الدُّنْيَا ونسيح فِي الأَرْض كَمَا تفعل الرهبان قَالُوا: فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَيْهِم فَذكر لَهُم ذَلِك فَقَالُوا: نعم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لكني أَصوم أفطر وأصلي وأنام وأنكح النِّسَاء فَمن أَخذ بِسنتي فَهُوَ مني وَمن لم يَأْخُذ بسنَّتي فَلَيْسَ منى
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي مراسليه وَابْن جرير عَن أبي مَالك فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} قَالَ: نزلت فِي عُثْمَان بن مَظْعُون وَأَصْحَابه كَانُوا حرمُوا على أنفسهم كثيرا من الشَّهَوَات وَالنِّسَاء وهمَّ بَعضهم أَن يقطع ذكره فَنزلت هَذِه الْآيَة(3/139)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلُوا أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عمله فِي السِّرّ فَقَالَ بَعضهم: لَا آكل اللَّحْم قَالَ بَعضهم: لَا أَتزوّج النِّسَاء وَقَالَ بَعضهم لَا أَنَام على الْفراش فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا بَال أَقوام يَقُول أحدهم كَذَا وَكَذَا لكني أَصوم وَأفْطر وأنام وأقوم وآكل اللَّحْم وأتزوج النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا نغزو مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَيْسَ مَعنا نسَاء فَقُلْنَا أَلا نستخصي فنهانا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك وَرخّص لنا أَن ننكح الْمَرْأَة بِالثَّوْبِ إِلَى أجل ثمَّ قَرَأَ عبد الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ أنَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم همُّوا بالخصاء وَترك اللَّحْم وَالنِّسَاء فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة
أَن عُثْمَان بن مَظْعُون فِي نفر من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَعضهم: لَا آكل اللَّحْم وَقَالَ الآخر: لَا أَنَام على فرَاش وَقَالَ الآخر: لَا أَتزوّج النِّسَاء وَقَالَ الآخر: أَصوم وَلَا أفطر فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} قَالَ: كَانُوا حرمُوا الطّيب وَاللَّحم فَأنْزل الله هَذَا فيهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي قلَابَة قَالَ أَرَادَ أنَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرفضوا الدُّنْيَا ويتركوا النِّسَاء ويترهبوا فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فغلظ فيهم الْمقَالة ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِالتَّشْدِيدِ شَدَّدُوا على أنفسهم فَشدد الله عَلَيْهِم فَأُولَئِك بقاياهم فِي الديار والصوامع اعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم بكم
قَالَ: وَنزلت فيهم {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}(3/140)
قَالَ: نزلت فِي أنَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادوا أَن يتخلوا من الدُّنْيَا ويتركوا النِّسَاء وتزهَّدوا مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب وَعُثْمَان بن مَظْعُون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْآيَة
قَالَ ذكر لنا أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفضوا النِّسَاء وَاللَّحم وَأَرَادُوا أَن يتخذوا الصوامع فَلَمَّا بلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ فِي ديني ترك النِّسَاء وَاللَّحم وَلَا اتِّخَاذ الصوامع وخبرنا أَن ثَلَاثَة نفر على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّفقُوا فَقَالَ أحدهم أما أَنا فأقوم اللَّيْل لَا أَنَام وَقَالَ أحدهم: أما أَنا فأصوم النَّهَار فَلَا أفطر وَقَالَ الآخر: أما أَنا فَلَا آتِي النِّسَاء فَبعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم فَقَالَ: ألم أنبأ إِنَّكُم اتفقتم على كَذَا وَكَذَا قَالُوا: بلَى يارسول الله وَمَا أردنَا إِلَّا الْخَيْر
قَالَ: لكني أقوم وأنام وَأَصُوم وَأفْطر وَآتِي النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني وَكَانَ فِي بعض الْقِرَاءَة فِي الْحَرْف الأول: من رغب عَن سنتك فَلَيْسَ من أمتك وَقد ضل سَوَاء السَّبِيل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا آمركُم أَن تَكُونُوا قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جلس يَوْمًا فَذكر النَّاس ثمَّ قَامَ وَلم يزدهم على التخويف فَقَالَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا عشرَة مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب وَعُثْمَان بن مَظْعُون: مَا حَقنا أَن لم نُحدث عملا فَإِن النَّصَارَى قد حرَّموا على أنفسهم فَنحْن نحرم فَحرم بَعضهم أكل اللَّحْم والودك وَأَن يَأْكُل مِنْهَا وَحرم بَعضهم النّوم وَحرم بَعضهم النِّسَاء فَكَانَ عُثْمَان بن مَظْعُون مِمَّن حرم النِّسَاء وَكَانَ لَا يدنو من أَهله وَلَا يدنون مِنْهُ فَأَتَت امْرَأَته عَائِشَة - وَكَانَ يُقَال لَهَا الحولاء - فَقَالَت لَهَا عَائِشَة وَمن حولهَا من نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بالك يَا حولاء متغيرة اللَّوْن لَا تمتشطين وَلَا تتطيبين فَقَالَت: وَكَيف أتطيب وأمتشط وَمَا وَقع عليَّ زَوجي وَلَا رفع عني ثوبا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَجعلْنَ يضحكن من كَلَامهَا فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهن يضحكن فَقَالَ: مَا يضحككن قَالَت: يَا رَسُول الله الحولاء سَأَلتهَا عَن أمرهَا فَقَالَت: مَا رفع عني زَوجي ثوبا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا فَأرْسل إِلَيْهِ فَدَعَاهُ فَقَالَ: مَا بالك ياعثمان قَالَ: إِنِّي تركته لله لكَي أتخلى لِلْعِبَادَةِ وقصَّ عَلَيْهِ أمره وَكَانَ عُثْمَان قد أَرَادَ أَن يجب نَفسه(3/141)
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا رجعت فواقعت أهلك فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي صَائِم قَالَ: أفطر
قَالَ: فَأفْطر وأتى أَهله فَرَجَعت الحولاء إِلَى عَائِشَة قد اكتحلت وامتشطت وتطيبت فَضَحكت عَائِشَة فَقَالَت: مَالك يَا حولاء فَقَالَت: أَنه أَتَاهَا أمس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا بَال أَقوام حرمُوا النِّسَاء وَالطَّعَام وَالنَّوْم أَلا اني أَنَام وأقوم وَأفْطر وَأَصُوم وأنكح النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا} يَقُول لعُثْمَان: لَا تجب نَفسك فَإِن هَذَا هُوَ الاعتداء وَأمرهمْ أَن يكفروا أَيْمَانهم فَقَالَ {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} الْمَائِدَة الْآيَة 89 الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ أَرَادَ رجال مِنْهُم عُثْمَان بن مَظْعُون وَعبد الله بن عَمْرو أَن يتبتلوا ويخصوا أنفسهم ويلبسوا المسوح فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} وَالْآيَة الَّتِي بعْدهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة
أَن عُثْمَان بن مَظْعُون وَعلي بن أبي طَالب وَابْن مَسْعُود والمقداد بن الْأسود وسالماً مولى أبي حُذَيْفَة وَقُدَامَة تبتلوا فجلسوا فِي الْبيُوت واعتزلوا النِّسَاء ولبسوا المسوح وحرموا طَيّبَات الطَّعَام واللباس إِلَّا مَا يَأْكُل ويلبس السياحة من بني إِسْرَائِيل وهمُّوا بالاختصاء وَأَجْمعُوا لقِيَام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْآيَة
فَلَمَّا نزلت بعث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن لأنفسكم حَقًا ولأعينكم حَقًا وَإِن لأهلكم حَقًا فصلوا وناموا وأفطروا فَلَيْسَ منا من ترك سنتنا
فَقَالُوا: اللَّهُمَّ صدقنا وَاتَّبَعنَا مَا أنزلت على الرَّسُول
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَن رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم عُثْمَان بن مَظْعُون حرمُوا اللَّحْم وَالنِّسَاء على أنفسهم وَأخذُوا الشفار ليقطعوا مَذَاكِيرهمْ لكَي تَنْقَطِع الشَّهْوَة عَنْهُم ويتفرغوا لعبادة رَبهم فَأخْبر بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا أردتم قَالُوا: أَردنا أَن نقطع الشَّهْوَة عَنَّا ونتفرغ لعبادة رَبنَا ونلهو عَن النَّاس فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم أُؤمر بذلك وَلَكِنِّي أُمِرْتُ فِي ديني أَن أَتزوّج النِّسَاء فَقَالُوا: نطيع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}(3/142)
إِلَى قَوْله {وَاتَّقوا الله الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤمنُونَ} فَقَالُوا: يَا رَسُول الله فَكيف نصْنَع بأيماننا الَّتِي حلفنا عَلَيْهَا فَأنْزل الله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} الْمَائِدَة الْآيَة 89
وَأخرج ابْن مردوية عَن الْحسن العرني قَالَ: كَانَ عَليّ فِي أنَاس مِمَّن أَرَادوا أَن يحرموا الشَّهَوَات فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق ابْن جريج عَن الْمُغيرَة بن عُثْمَان قَالَ كَانَ عُثْمَان بن مَظْعُون وَعلي وَابْن مَسْعُود والمقداد وعمار أَرَادوا الاختصاء وَتَحْرِيم اللَّحْم وَلبس المسوح فِي أَصْحَاب لَهُم فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عُثْمَان بن مَظْعُون فَسَأَلَهُ عَن ذَلِك فَقَالَ: قد كَانَ بعض ذَلِك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنكح النِّسَاء وآكل اللَّحْم وَأَصُوم وَأفْطر وأصلي وأنام وألبس الثِّيَاب لم آتِ بالتبتل وَلَا بالرهبانية وَلَكِن جِئْت بالحنيفية السمحة وَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني قَالَ ابْن جريج: فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم أَن عبد الله بن رَوَاحَة ضافه ضيف من أَهله وَهُوَ عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَوَجَدَهُمْ لم يطعموا ضيفهم انتظاراً لَهُ فَقَالَ لامْرَأَته: حبست ضَيْفِي من أَجلي هُوَ حرَام عَليّ
فَقَالَت امْرَأَته: هُوَ عليَّ حرَام
قَالَ الضَّيْف: هُوَ عَليّ حرَام فَلَمَّا رأى ذَلِك وضع يَده وَقَالَ: كلوا بِسم الله ثمَّ ذهب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أصبت
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن: {لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم وَلَا تَعْتَدوا} إِلَى مَا حرم الله عَلَيْكُم
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْمُغيرَة قَالَ: قلت: لإِبْرَاهِيم فِي هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} هوالرجل يحرم الشَّيْء مِمَّا أحل الله قَالَ: نعم(3/143)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل يحلف لَا يصل أَهله أَو يحرِّم عَلَيْهِ بعض مَا أحل الله لَهُ فيأتيه وَيكفر عَن يَمِينه
وَأخرج ابْن سعد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ من طرق عَن ابْن مَسْعُود
أَن معقل بن مقرن قَالَ لَهُ: إِنِّي حرمت فِرَاشِي عليَّ سنة
فَقَالَ: نم على فراشك وكفِّر عَن يَمِينك ثمَّ تَلا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالدَّارقطني عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ آخى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين سلمَان وَأبي الدَّرْدَاء فزار سلمَان أَبَا الدَّرْدَاء فَرَأى أم الدَّرْدَاء متبذلة فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنك
قَالَت: أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاء لَيْسَ لَهُ حَاجَة فِي الدُّنْيَا فجَاء أَبُو الدَّرْدَاء فَصنعَ لَهُ طَعَاما فَقَالَ: كل فَإِنِّي صَائِم قَالَ: مَا أَنا بآكل حَتَّى تَأْكُل فَأكل فَلَمَّا كَانَ اللَّيْل ذهب أَبُو الدَّرْدَاء يقوم قَالَ: نم فَنَامَ ثمَّ ذهب يقوم فَقَالَ: نم
فَلَمَّا كَانَ من آخر اللَّيْل قَالَ سلمَان: قُم الْآن
فَصَليَا فَقَالَ لَهُ سلمَان: أَن لِرَبِّك عَلَيْك حَقًا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًا ولأهلك عَلَيْك حَقًا فأعط كل ذِي حق حَقه
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ: صدق سلمَان
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ألم أخبر أَنَّك تَصُوم النَّهَار وَتقوم اللَّيْل قلت: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: فَلَا تفعل صم وَأفْطر وقم ونم فَإِن لجسدك عَلَيْك حَقًا وَإِن لعينك عَلَيْك حَقًا وَإِن لزوجك عَلَيْك حَقًا وَإِن لزورك عَلَيْك حَقًا وَأَن بحسبك أَن تَصُوم من كل شهر ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن لَك بِكُل حَسَنَة عشر أَمْثَالهَا فَإِذن ذَلِك صِيَام الدَّهْر كُله
قلت: إِنِّي أجد قُوَّة
قَالَ: فَصم صِيَام نَبِي الله دَاوُد لَا تزد عَلَيْهِ
قلت: وَمَا كَانَ صِيَام نَبِي الله دَاوُد قَالَ: نصف الدَّهْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن سعيد بن الْمسيب أَن نَفرا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن عَمْرو لما تبتلوا وجلسوا فِي الْبيُوت واعتزلوا وهما بالخصاء وَأَجْمعُوا على قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: أما أَنا فَانِي أُصَلِّي وأنام وَأَصُوم وَأفْطر وأتزوج النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة قَالَت دخلت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون(3/144)
وَاسْمهَا خَوْلَة بنت حَكِيم عليَّ وَهِي باذة الْهَيْئَة فسألتها ماشأنك فَقَالَت: زَوجي يقوم اللَّيْل ويصوم النَّهَار فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فلقي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا عُثْمَان إِن الرهبانية لم تكْتب علينا أما لَك فيَّ أُسْوَة فوَاللَّه إِن أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده لأَنا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي قلَابَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من: تبتل فَلَيْسَ منا
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن شهَاب أَن عُثْمَان بن مَظْعُون أَرَادَ أَن يختصي ويسيح فِي الأَرْض فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلَيْسَ لَك فيَّ أُسْوَة فَأَنِّي آتِي النِّسَاء وآكل اللَّحْم وَأَصُوم وَأفْطر إِن خصاء أمتِي الصّيام وَلَيْسَ من أمتِي من خصى أَو اختصى
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي بردة قَالَ دخلت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون على نسَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرأينها سَيِّئَة الْهَيْئَة فَقُلْنَ لَهَا: مَالك فَقَالَت: مالنا مِنْهُ شَيْء أما ليله فقائم وَأما نَهَاره فصائم فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فذكرن ذَلِك لَهُ فَلَقِيَهُ فَقَالَ يَا عُثْمَان بن مَظْعُون أما لَك فيَّ أُسْوَة قَالَ: وَمَا ذَاك قَالَ: تَصُوم النَّهَار وَتقوم اللَّيْل
قَالَ: إِنِّي لأَفْعَل
قَالَ: لَا تفعل إِن لعينك عَلَيْك حَقًا ان لجسدك عَلَيْك حَقًا وَإِن لأهْلك عَلَيْك حَقًا فصل ونم وصم وَأفْطر قَالَ: فاتتهن بعد ذَلِك عطرة كَأَنَّهَا عروس فَقُلْنَ لَهَا مَه قَالَت: أَصَابَنَا ماأصاب النَّاس
وَأخرج ابْن سعد عَن أبي قلَابَة أَن عُثْمَان بن مَظْعُون اتخذ بَيْتا فَقعدَ يتعبّد فِيهِ فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ فَأخذ بِعضَادَتَيْ بَاب الْبَيْت الَّذِي هُوَ فِيهِ فَقَالَ: يَا عُثْمَان إِن الله لم يَبْعَثنِي بالرهبانية مرَّتَيْنِ أوثلاثة وَإِن خير الدّين عِنْد الله الحنيفية السمحة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ كَانَت امْرَأَة عُثْمَان بن مَظْعُون امْرَأَة جميلَة عطرة تحب اللبَاس والهيئة لزَوجهَا فزارتها عَائِشَة وَهِي تفلة قَالَت: ماحالك هَذِه قَالَت: إِن نَفرا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن رَوَاحَة وَعُثْمَان بن مَظْعُون قد تخلوا لِلْعِبَادَةِ وامتنعوا من النِّسَاء وَأكل اللَّحْم وصاموا النَّهَار وَقَامُوا اللَّيْل فَكرِهت أَن أريه من حَالي مَا يَدعُوهُ إِلَى مَا(3/145)
عِنْدِي لما تخلى لَهُ فَلَمَّا دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبرته عَائِشَة فَأخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَعله فَحَمله بالسبابة من أُصْبُعه الْيُسْرَى ثمَّ انْطلق سَرِيعا حَتَّى دخل عَلَيْهِم فَسَأَلَهُمْ عَن حَالهم قَالُوا: أردنَا الْخَيْر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي إِنَّمَا بعثت بالحنيفية السمحة وَإِنِّي لم أبْعث بالرهبانية الْبِدْعَة إِلَّا وان أَقْوَامًا ابتدعوا الرهبانية فَكتبت عَلَيْهِم فَمَا رعوها حق رعايتها إِلَّا فَكُلُوا اللَّحْم وَأتوا النِّسَاء وصوموا وأفطروا وصلوا وناموا فَإِنِّي بذلك أمرت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اسْتَطَاعَ مِنْكُم الْبَاءَة فليتزوّج فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فَعَلَيهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بفتية فَقَالَ: من كَانَ مِنْكُم ذَا طول فلينزوج فَإِنَّهُ أَغضّ لِلْبَصَرِ وَأحْصن لِلْفَرجِ وَمن لم يسْتَطع فليصم فَإِن الصَّوْم لَهُ وَجَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة قَالَ: لَو لم يبْق من الدُّنْيَا إِلَّا يَوْم وَاحِد لأحببت أَن يكون لي فِيهِ زَوْجَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر بن الْخطاب
أَنه قَالَ لرجل: أتزوجت قَالَ: لَا
قَالَ: إِمَّا أَن تكون أَحمَق وَإِمَّا أَن تكون فَاجِرًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم بن ميسرَة قَالَ: قَالَ لي طَاوس: لتنكحن أَو لأقول لَك مَا قَالَ عمر لأبي الزَّوَائِد مايمنعك من النِّكَاح إِلَّا عجز أَو فجور
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: مثل الأعزب كَمثل شَجَرَة فِي فلاة تقلبها الرِّيَاح هَكَذَا وَهَكَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن سعيد بن هِلَال أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تناكحوا تكثروا فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ لقد رد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عُثْمَان بن مَظْعُون التبتل وَلَو أذن لَهُ فِي ذَلِك لاختصينا
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان من طَرِيق عَائِشَة بنت قدامَة بن(3/146)
مَظْعُون عَن أَبِيهَا عَن أَخِيه عُثْمَان بن مَظْعُون أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي رجل تشق عليَّ هَذِه الْعزبَة فِي الْمَغَازِي فتأذن لي يَا رَسُول الله فِي الخصاء فأختصي
قَالَ: لَا وَلَكِن عَلَيْك يَا ابْن مَظْعُون بالصيام فَإِنَّهُ مجفر
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن التبتل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سَمُرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن التبتل
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أنس أَن نَفرا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلُوا أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن عمله فِي السِّرّ فَقَالَ بَعضهم: لَا أَتزوّج النِّسَاء وَقَالَ بَعضهم: لَا آكل اللَّحْم وَقَالَ بَعضهم: لَا أَنَام على فرَاش وَقَالَ بَعضهم أَصوم وَلَا أفطر فَقَامَ فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: مَا بَال أَقوام قَالُوا كَذَا وَكَذَا لكني أُصَلِّي وأنام وَأَصُوم وَأفْطر وأتزوج النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبيد الله بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أحب فِطْرَتِي فَليَسْتَنَّ بِسنتي وَمن سنتي النِّكَاح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مَيْمُون أبي الْمُغلس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ مُوسِرًا لِأَن ينْكح فَلم ينْكح فَلَيْسَ منا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أَيُّوب
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من اسْتنَّ بِسنتي فَهُوَ مني وَمن سنتي النِّكَاح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد عَن أبي ذَر قَالَ دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل يُقَال لَهُ عَكَّاف بن بشير التَّمِيمِي فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل لَك من زَوْجَة قَالَ: لَا
قَالَ: وَلَا جَارِيَة قَالَ: وَلَا جَارِيَة
قَالَ: وَأَنت مُوسر بِخَير قَالَ: نعم
قَالَ: أَنْت إِذا من إخْوَان الشَّيَاطِين لَو كنت من النَّصَارَى كنت من رهبانهم إِن من سنتنا النِّكَاح شِرَاركُمْ عُزَّابُكُمْ وأراذل مَوْتَاكُم عُزَّابُكُمْ أبالشيطان تتمرسون ماللشيطان من سلَاح أبلغ فِي الصَّالِحين من النِّسَاء إِلَّا المتزوجين أُولَئِكَ الْمُطهرُونَ المبرأون من الْخَنَا وَيحك ياعكاف إنَّهُنَّ صَوَاحِب أَيُّوب وَدَاوُد ويوسف وكرسف فَقَالَ لَهُ بشير بن عَطِيَّة: وَمن كُرْسُف يَا رَسُول الله قَالَ: رجل كَانَ يعبد الله بساحل من سواحل الْبَحْر ثلثمِائة عَام يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل ثمَّ إِنَّه كفر بعد ذَلِك بِاللَّه الْعَظِيم فِي سَبَب امْرَأَة عَشِقَهَا وَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ من عبَادَة ربه ثمَّ(3/147)
استدركه الله بِبَعْض مَا كَانَ مِنْهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَيحك يَا عَكَّاف تزوج وَإِلَّا فَأَنت من الْمُذَبْذَبِينَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَطِيَّة بن بسر الْمَازِني قَالَ جَاءَ عَكَّاف بن ودَاعَة الْهِلَالِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا عَكَّاف أَلَك زَوْجَة قَالَ: لَا
قَالَ: وَلَا جَارِيَة قَالَ: لَا
قَالَ: وَأَنت صَحِيح مُوسر قَالَ: نعم وَالْحَمْد لله
قَالَ: فَأَنت إِذا من الشَّيَاطِين إِمَّا أَن تكون من رَهْبَانِيَّة النَّصَارَى فَأَنت مِنْهُم وَإِمَّا أَن تكون منا فتصنع كَمَا نصْنَع فَإِن من ستنا النِّكَاح شِرَاركُمْ عُزَّابُكُمْ وأراذل مَوْتَاكُم عُزَّابُكُمْ أبالشيطان تتمرسون مَاله فِي نَفسه سلَاح أبلغ فِي الصَّالِحين من النِّسَاء إِلَّا المتزوجون الْمُطهرُونَ المبرأون من الْخَنَا وَيحك ياعكاف
تزوج إنَّهُنَّ صَوَاحِب دَاوُد وَصَوَاحِب أَيُّوب وَصَوَاحِب يُوسُف وَصَوَاحِب كُرْسُف فَقَالَ عَطِيَّة من كُرْسُف يَا رَسُول الله فَقَالَ: رجل من بني إِسْرَائِيل على سَاحل من سواحل الْبَحْر يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل لَا يفتر من صَلَاة وَلَا صِيَام ثمَّ كفر من بعد ذَلِك بِاللَّه الْعَظِيم فِي سَبَب امْرَأَة عَشِقَهَا فَترك مَا كَانَ عَلَيْهِ من عبَادَة ربه عز وَجل فَتَدَاركهُ الله بِمَا سلف مِنْهُ فَتَابَ الله عَلَيْهِ وَيحك
تزوج وَإِلَّا فَإنَّك من الْمُذَبْذَبِينَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي نجيح قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ مُوسِرًا لِأَن ينْكح فَلم ينْكح فَلَيْسَ مني
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي نجيح قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِسْكين مِسْكين مِسْكين رجل لَيست لَهُ امْرَأَة
قيل يَا رَسُول الله وَإِن كَانَ غَنِيا ذَا مَال قَالَ: وَإِن كَانَ غَنِيا من المَال
قَالَ: ومسكينة مسكينة مسكينة امْرَأَة لَيْسَ زوج قيل: يَا رَسُول الله وَإِن كَانَت غنية ومكثرة من المَال قَالَ: وَإِن كَانَت
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَبُو نجيح اسْمه يسَار وَهُوَ وَالِد عبد الله بن أبي نجيح والْحَدِيث مُرْسل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا بِالْبَاءَةِ وينهانا عَن التبتل نهيا شَدِيدا وَيَقُول: تزوجوا الْوَدُود الْوَلُود فَإِنِّي مُكَاثِر بكم الْأَنْبِيَاء يَوْم الْقِيَامَة(3/148)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تزوج العَبْد فقد اسْتكْمل نصف دينه فليتق الله فِي النّصْف الْبَاقِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من وَجه آخر عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من رزقه الله امْرَأَة صَالِحَة فقد أَعَانَهُ على شطر دينه فليتق الله فِي الشّطْر الْبَاقِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل عَابِد وَكَانَ مُعْتَزِلا فِي كَهْف لَهُ فَكَانَ بَنو إِسْرَائِيل قد أعجبوا بِعِبَادَتِهِ فَبَيْنَمَا هم عِنْد نَبِيّهم إِذْ ذَكرُوهُ فَأَثْنوا عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِي: إِنَّه لَكمَا تَقولُونَ لَوْلَا أَنه تَارِك لشَيْء من السّنة وَهُوَ التَّزَوُّج
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن شَدَّاد بن أَوْس أَنه قَالَ: زوِّجوني فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَوْصَانِي أَن لَا ألْقى الله عزباً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: قَالَ معَاذ فِي مَرضه الَّذِي مَاتَ فِيهِ: زوجوني إِنِّي أكره أَن ألْقى الله عزباً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: يُكفن الرجل فِي ثَلَاثَة أَثوَاب لَا تَعْتَدوا إِن الله لايحب الْمُعْتَدِينَ(3/149)
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)
- قَوْله تَعَالَى: لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم أَو كسوتهم أَو تَحْرِير رَقَبَة فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام ذَلِك كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا حلفتم واحفظوا أَيْمَانكُم كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لعلم تشكرون
- أخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} الْمَائِدَة الْآيَة 87 فِي الْقَوْم الَّذين كَانُوا حرَّموا النِّسَاء وَاللَّحم على(3/149)
أنفسهم قَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ نصْنَع بأيماننا الَّتِي حلفنا عَلَيْهَا فَأنْزل الله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يعلى بن مُسلم قَالَ: سَأَلت سعيد ابْن جُبَير عَن هَذِه الْآيَة {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} قَالَ: اقْرَأ ماقبلها فَقَرَأت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحرموا طَيّبَات مَا أحل الله لكم} إِلَى قَوْله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: اللَّغْو أَن تحرم هَذَا الَّذِي أحل الله لَك وأشباهه تكفرعن يَمِينك وَلَا تحرمه فَهَذَا اللَّغْو الَّذِي لَا يُؤَاخِذكُم {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} فَإِن مت عَلَيْهِ أخذت بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على الْحَلَال أَن يحرمه فَقَالَ الله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} أَن تتركه وتكفرعن يَمِينك {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} قَالَ: مَا أَقمت عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هما الرّجلَانِ يتبايعان
يَقُول أَحدهمَا: وَالله لَا أبيعك بِكَذَا وَيَقُول الآخر: وَالله لَا أشتريه بِكَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: اللَّغْو
أَن يصل الرجل كَلَامه بِالْحلف وَالله لتجيئن وَالله لتأكلن وَالله لتشربن وَنَحْو هَذَا لَا يُرِيد بِهِ يَمِينا وَلَا يتَعَمَّد بِهِ حلفا فَهُوَ لَغْو الْيَمين لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي مَالك قَالَ: الْأَيْمَان ثَلَاثَة
يَمِين تكفر وَيَمِين لَا تكفر وَيَمِين لَا يُؤَاخذ بهَا فَأَما الَّتِي تكفر فالرجل يحلف على قطيعة رحم أَو مَعْصِيّة الله فيكفر يَمِينه وَالَّتِي لَا تكفر الرجل يحلف على الْكَذِب مُتَعَمدا وَلَا تكفر وَالَّتِي لَا يُؤَاخذ بهَا فالرجل يحلف على الشَّيْء يرى أَنه صَادِق فَهُوَ اللَّغْو لَا يُؤَاخذ بِهِ
وَالله أعلم
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: اللَّغْو
الْخَطَأ أَن تحلف على الشَّيْء وَأَنت ترى كَمَا حَلَفت عَلَيْهِ فَلَا يكون كَذَلِك تجوّز لَك عَنهُ وَلَا كفَّارة(3/150)
عَلَيْك فِيهِ {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} قَالَ: مَا تَعَمّدت فِيهِ المآثم فَعَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} قَالَ: بِمَا تعمدتم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: الرجل يحلف على الشَّيْء يرى أَنه كَذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا عقدتم الْأَيْمَان} قَالَ: الرجل يحلف على الشَّيْء وَهُوَ يُعلمهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَائِشَة قَالَت: إِنَّمَا اللَّغْو فِي المراء والهزل والمزاحة فِي الحَدِيث الَّذِي لَا يعْقد عَلَيْهِ الْقلب وَإِنَّمَا الْكَفَّارَة فِي كل يَمِين حلف عَلَيْهَا فِي جد من الْأَمر فِي غضب أَو غَيره ليفعلن أَو ليتركن فَذَاك عقد الْأَيْمَان الَّذِي فرض الله فِيهِ الْكَفَّارَة
قَوْله تَعَالَى {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين}
أخرج ابْن مَاجَه وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كفر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَاع من تمر وَأمر النَّاس بِهِ وَمن لم يجد فَنصف صَاع من بر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُقيم كَفَّارَة الْيَمين مدا من حِنْطَة بِمد الأول
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: كُنَّا نعطي فِي كَفَّارَة الْيَمين بِالْمدِّ الَّذِي يقتات بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: أَنِّي أَحْلف لَا أعطي أَقْوَامًا ثمَّ يَبْدُو لي أَن أعطيهم فأطعم عشرَة مَسَاكِين كل مِسْكين صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر أَو نصف صَاع من قَمح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: فِي كَفَّارَة الْيَمين إطْعَام عشرَة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس: فِي كَفَّارَة الْيَمين نصف صَاع من حِنْطَة(3/151)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: كل طَعَام فِي الْقُرْآن فَهُوَ نصف صَاع فِي كَفَّارَة الْيَمين وَغَيرهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي كَفَّارَة الْيَمين مد من حِنْطَة لكل مِسْكين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن ثَابت
أَنه قَالَ: فِي كَفَّارَة الْيَمين مد من حِنْطَة لكل مِسْكين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر
فِي كَفَّارَة الْيَمين قَالَ: إطْعَام عشرَة مَسَاكِين لكل مِسْكين مد من حِنْطَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: ثَلَاث فِيهِنَّ مد مد كَفَّارَة الْيَمين وَكَفَّارَة الظِّهَار وَكَفَّارَة الصّيام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {فكفارته إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} قَالَ: يغديهم ويعشيهم إِن شِئْت خبْزًا وَلَحْمًا أَو خبْزًا وزيتاً أَو خبْزًا وَسمنًا أَو خبْزًا وَتَمْرًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
فِي كَفَّارَة الْيَمين قَالَ: أَكلَة وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن الشّعبِيّ أَنه سُئِلَ عَن كَفَّارَة الْيَمين فَقَالَ: رغيفين وعرق لكل مِسْكين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر قَالَ: قيل لِلشَّعْبِيِّ أردد على مِسْكين وَاحِد
قَالَ: لَا يجْزِيك إِلَّا عشرَة مَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن
أَنه كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يطعم مِسْكينا وَاحِدًا عشر مَرَّات فِي كَفَّارَة الْيَمين
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ: من عسركم ويسركم
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل يقوت أَهله قوتاً فِيهِ سَعَة(3/152)
وَكَانَ الرجل يقوت أَهله قوتاً فِيهِ شدَّة فَنزلت {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل يقوت أَهله قوتاً فِيهِ فضل وَبَعْضهمْ يقوت قوتاً دون ذَلِك فَقَالَ الله {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} لَيْسَ بأرفعه وَلَا أدناه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ: من أَوسط مَا نطعم أَهْلينَا الْخبز وَالتَّمْر وَالْخبْز وَالزَّيْت وَالْخبْز وَالسمن وَمن أفضل مَا نطعمهم الْخبز وَاللَّحم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: أفضله الْخبز وَاللَّحم وأوسطه الْخبز وَالسمن وأخسه الْخبز وَالتَّمْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ أهل الْمَدِينَة يفضلون الْحر على العَبْد وَالْكَبِير على الصَّغِير يَقُولُونَ: الصَّغِير على قدره وَالْكَبِير على قدره فَنزلت {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} فَأمروا بأوسط من ذَلِك لَيْسَ بأرفعه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {من أَوسط} يَعْنِي من أعدل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {من أَوسط} قَالَ: من أمثل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم} قَالَ: قوتهم وَالطَّعَام صَاع من كل شَيْء إِلَّا الْحِنْطَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: كل شَيْء فِيهِ إطْعَام مِسْكين فَهُوَ مد بِمد أهل مَكَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {أَو كسوتهم} قَالَ عباءة لكل مِسْكين
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة قَالَ قُلْنَا يارسول الله {أَو كسوتهم} ماهو قَالَ: عباءة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أَو كسوتهم} قَالَ: عباءة لكل مِسْكين أَو شملة(3/153)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {أَو كسوتهم} قَالَ: ثوب ثوب لكل إِنْسَان وَقد كَانَت العباءة تقضي يَوْمئِذٍ من الْكسْوَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: الْكسْوَة ثوب أَو إِزَار
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {أَو كسوتهم} قَالَ: الْقَمِيص أَو الرِّدَاء أَو الْإِزَار
قَالَ: وَيجْزِي فِي كَفَّارَة الْيَمين كل ثوب إِلَّا التبَّان أَو القلنسوة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {أَو كسوتهم} قَالَ: أدناه ثوب وَأَعلاهُ مَا شِئْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن الْمسيب {أَو كسوتهم} قَالَ: إِزَار وعمامة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: السَّرَاوِيل لَا يَجْزِي والقلنسوة لَا تجزي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عمرَان بن حُصَيْن
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {أَو كسوتهم} قَالَ: لَو أَن وَفْدًا قدمُوا على أميركم فكساهم قلنسوة قلنسوة قُلْتُمْ قد كسوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء
فِي الرجل يكون عَلَيْهِ الْكَفَّارَة من الْيَمين فيكسو خمس مَسَاكِين وَيطْعم خَمْسَة أَن ذَلِك جَائِز وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأَ (إطْعَام عشرَة مَسَاكِين أَو كاسوتهم) ثمَّ قَالَ سعيد: أَو كاسوتهم فِي الطَّعَام
أما قَوْله تَعَالَى: {أَو تَحْرِير رَقَبَة} وَأخرج ابْن أَبُو شيبَة وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: لَا يَجْزِي الْأَعْمَى وَلَا المقعد فِي الرَّقَبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن فضَالة بن عبيد قَالَ: يَجْزِي ولد الزِّنَا فِي الرَّقَبَة الْوَاجِبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء بن أبي ريَاح قَالَ: تجزي الرَّقَبَة لصغيرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن: أَنه كَانَ لَا يرى عتق الْكَافِر فِي شَيْء من الْكَفَّارَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: لَا يَجْزِي ولد الزِّنَا فِي الرَّقَبَة ويجزىء الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ فِي كَفَّارَة الْيَمين
وَالله تَعَالَى أعلم
أما قَوْله تَعَالَى: {فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام}(3/154)
أخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس
فِي آيَة كَفَّارَة الْيَمين قَالَ: هُوَ بِالْخِيَارِ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة الأول فالأوّل فَإِن لم يجد شَيْئا من ذَلِك فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت آيَة الْكَفَّارَات قَالَ حُذَيْفَة: يَا رَسُول الله نَحن بِالْخِيَارِ قَالَ أَنْت بِالْخِيَارِ إِن شِئْت أعتقت وَإِن شِئْت كسوت وَإِن شِئْت أطعمت فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: من كَانَ عِنْده دِرْهَمَانِ فَعَلَيهِ أَن يطعم فِي الْكَفَّارَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: إِذا كَانَ عِنْده خَمْسُونَ درهما فَهُوَ مِمَّن يجد وَيجب عَلَيْهِ الْإِطْعَام وَإِن كَانَت أقل فَهُوَ مِمَّن لَا يجد ويصوم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: إِذا كَانَ عِنْده عشرُون درهما فَعَلَيهِ أَن يطعم فِي الْكَفَّارَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي بن كَعْب
أَنه كَانَ يَقْرَأها (فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات)
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن حميد بن قيس الْمَكِّيّ قَالَ: كنت أَطُوف مَعَ مُجَاهِد فَجَاءَهُ إِنْسَان يسْأَله عَن صِيَام الْكَفَّارَة أيتابع قَالَ حميد: فَقلت: لَا
فَضرب مُجَاهِد فِي صَدْرِي ثمَّ قَالَ: إِنَّهَا فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب (مُتَتَابِعَات)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن مَسْعُود
أَنه كَانَ يَقْرَأها (فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات) قَالَ سُفْيَان: وَنظرت فِي مصحف ربيع بن خَيْثَم فَرَأَيْت فِيهِ (فَمن لم يجد من ذَلِك شَيْئا فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ كل شَيْء فِي الْقُرْآن مُتَتَابِعَات
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقْرَأها (فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن(3/155)
مُجَاهِد قَالَ: كل صَوْم فِي الْقُرْآن فَهُوَ متتابع إلاَّ قَضَاء رَمَضَان فَإِنَّهُ عدَّة من أَيَّام أخر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ
أَنه كَانَ لَا يفرق فِي صِيَام الْيَمين ثَلَاثَة أَيَّام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن
إِنَّه كَانَ يَقُول فِي صَوْم كَفَّارَة الْيَمين: يَصُومهُ مُتَتَابِعَات فَإِن أفطر من عذر يقْضِي يَوْمًا مَكَان يَوْم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير {ذَلِك} يَعْنِي الَّذِي ذكر من الْكَفَّارَة {كَفَّارَة أَيْمَانكُم إِذا حلفتم} يَعْنِي الْيَمين الْعمد {واحفظوا أَيْمَانكُم} يَعْنِي لَا تعمدوا الْأَيْمَان الكاذبة {كَذَلِك} يَعْنِي هَكَذَا {يبين الله لكم آيَاته} يَعْنِي مَا ذكر من الْكَفَّارَة {لَعَلَّكُمْ تشكرون} فَمن صَامَ من كَفَّارَة الْيَمين يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ ثمَّ وجد مَا يطعم فليطعم وَيجْعَل صَوْمه تطوّعاً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ أَبُو بكر إِذا حلف لم يَحْنَث حَتَّى نزلت آيَة الْكَفَّارَة فَكَانَ بعد ذَلِك يَقُول: لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير وَقبلت رخصَة الله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من حلف على ملك يَمِين ليضربه فكفارته تَركه وَمَعَ الْكَفَّارَة حَسَنَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جُبَير بن مطعم
أَنه افتدى يَمِينه بِعشْرَة آلَاف دِرْهَم وَقَالَ: وَرب هَذِه الْقبْلَة لَو حَلَفت لحلفت صَادِقا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء افتديت بِهِ يَمِيني
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي نجيح
أَن نَاسا من أهل الْبَيْت حلفوا عِنْد الْبَيْت خمسين رجلا قسَامَة فكأنهم حلفوا على بَاطِل ثمَّ خَرجُوا حَتَّى إِذا كَانُوا فِي بعض الطَّرِيق قَالُوا تَحت صَخْرَة فَبَيْنَمَا هم قَائِلُونَ تحتهَا إِذْ انقبلت الصَّخْرَة عَلَيْهِم فَخَرجُوا يَشْتَدُّونَ من تحتهَا فانفلقت خمسين فلقَة فقتلت كل فلقَة رجلا(3/156)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول واحذروا فَإِن توليتم فاعلموا أَنما على رَسُولنَا الْبَلَاغ الْمُبين لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ(3/156)
- أخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ حرمت الْخمر ثَلَاث مَرَّات قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُمَا فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
فَقَالَ النَّاس مَا حرم علينا إِنَّمَا قَالَ إِثْم كَبِير وَكَانُوا يشربون الْخمر حَتَّى كَانَ يَوْم من الْأَيَّام صلى رجل من الْمُهَاجِرين أمّ أَصْحَابه فِي الْمغرب خلط فِي قِرَاءَته فَأنْزل الله أغْلظ مِنْهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} النِّسَاء الْآيَة 43 وَكَانَ النَّاس يشربون حَتَّى يَأْتِي أحدهم الصَّلَاة وَهُوَ مغتبق ثمَّ نزلت آيَة أغْلظ من ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} قَالُوا: انتهينا رَبنَا فَقَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله نَاس قتلوا فِي سَبِيل الله وماتوا على فرشهم كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون الميسر وَقد جعله الله رجساً من عمل الشَّيْطَان فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} إِلَى آخر الْآيَة
وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو حرم عَلَيْهِم لتركوه كَمَا تركْتُم
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر قَالَ: نزل فِي الْخمر ثَلَاث آيَات فأوّل شَيْء نزل {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
فَقيل حرمت الْخمر فَقَالُوا: يَا رَسُول الله دَعْنَا ننتفع بهَا كَمَا قَالَ الله فَسكت عَنْهُم
ثمَّ نزلت هَذِه الْآيَة {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَقيل: حرمت الْخمر
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَا نشربها قرب الصَّلَاة(3/157)
فَسكت عَنْهُم ثمَّ نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حرمت الْخمر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والنحاس فِي ناسخه عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: فيَّ نزل تَحْرِيم الْخمر صنع رجل من الْأَنْصَار طَعَاما فَدَعَانَا فَأَتَاهُ نَاس فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا حَتَّى انتشوا من الْخمر
وَذَلِكَ قبل أَن تحرم الْخمر
فتفاخروا فَقَالَت الْأَنْصَار: الْأَنْصَار خير وَقَالَت قُرَيْش: قُرَيْش خير
فَأَهوى رجل بِلحي جزور فَضرب على أنفي ففزره فَكَانَ سعد مفزور الْأنف قَالَ: فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن شهَاب أَن سَالم بن عبد الله حَدثهُ
أَن أول مَا حرمت الْخمر إِن سعد بن أبي وَقاص وأصحاباً لَهُ شربوا فَاقْتَتلُوا فكسروا أنف سعد فَأنْزل الله {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ نزلت فيَّ ثَلَاث آيَات من كتاب الله نزل تَحْرِيم الْخمر نادمت رجلا فعارضته وعارضني فعربدت عَلَيْهِ فشججته فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} وَنزلت فيَّ {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ حسنا} العنكبوت الْآيَة 8 {حَملته أمه كرها} إِلَى آخر الْآيَة وَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نَاجَيْتُم الرَّسُول فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة} المجادلة الْآيَة 12 فَقدمت شعيرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّك لَزَهِيد فَنزلت الْآيَة الْأُخْرَى {أَأَشْفَقْتُم أَن تقدمُوا} المجادلة الْآيَة 13 الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا نزل تَحْرِيم الْخمر فِي قبيلتين من قبائل الْأَنْصَار شربوا فَلَمَّا أَن ثمل الْقَوْم عَبث بَعضهم بِبَعْض فَلَمَّا أَن صحوا جعل يرى الرجل مِنْهُم الْأَثر بِوَجْهِهِ وبرأسه ولحيته فَيَقُول: صنع بِي هَذَا أخي فلَان وَكَانُوا إخْوَة لَيْسَ فِي قُلُوبهم ضغائن وَالله لَو كَانَ بِي رؤوفاً مَا صنع(3/158)
بِي هَذَا حَتَّى وَقعت الضغائن فِي قُلُوبهم فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ نَاس من المتكلفين: هِيَ رِجْس وَهِي فِي بطن فلَان قتل يَوْم بدر وَفُلَان قتل يَوْم أحد فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن بُرَيْدَة قَالَ بَيْنَمَا نَحن قعُود على شراب لنا وَنحن نشرب الْخمر جلاء إِذْ قُمْت حَتَّى آتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأسلم عَلَيْهِ وَقد نزل تَحْرِيم الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {مُنْتَهُونَ} فَجئْت إِلَى أَصْحَابِي فقرأتها عَلَيْهِم قَالَ: وَبَعض الْقَوْم شربته فِي بِيَدِهِ قد شرب بَعْضًا وَبَقِي بعض فِي الْإِنَاء فَقَالَ بِالْإِنَاءِ تَحت شفته الْعليا كَمَا يفعل الْحجام ثمَّ صبوا مَا فِي باطيتهم فَقَالُوا: انتهينا رَبنَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أهل الْمَدِينَة إِن الله يعرض عَن الْخمر تعريضاً لَا أَدْرِي لَعَلَّه سينزل فِيهَا أَمر ثمَّ قَامَ فَقَالَ: يَا أهل الْمَدِينَة إِن الله قد أنزل إليَّ تَحْرِيم الْخمر فَمن كتب مِنْكُم هَذِه الْآيَة وَعِنْده مِنْهَا شَيْء فَلَا يشْربهَا
وَأخرج ابْن سعد عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: زَعَمُوا أَن عُثْمَان بن مَظْعُون حرم الْخمر فِي الْجَاهِلِيَّة وَقَالَ: لَا أشْرب شَيْئا يذهب عَقْلِي ويضحك بِي من هُوَ أدنى مني ويحملني على أَن أنكح كَرِيمَتي من لَا أُرِيد فَنزلت هَذِه الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة فِي الْخمر فَمر عليَّ رجل فَقَالَ: حرمت الْخمر وتلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: تَبًّا لَهَا قد كَانَ بَصرِي فِيهَا ثَابتا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ لما نزلت فِي الْبَقَرَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس} الْبَقَرَة الْآيَة 219 شربهَا قوم لقَوْله مَنَافِع للنَّاس وَتركهَا قوم لقَوْله إِثْم كَبِير مِنْهُم عُثْمَان بن مَظْعُون حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي فِي النِّسَاء {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَتَركهَا قوم وشربها قوم يتركونها بِالنَّهَارِ حِين الصَّلَاة ويشربونها بِاللَّيْلِ حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر}(3/159)
الْآيَة
قَالَ عمر: أقرنت بالميسر والأنصاب والأزلام بعدا لَك وَسُحْقًا فَتَركهَا النَّاس وَوَقع فِي صُدُور أنَاس من النَّاس مِنْهَا فَجعل قوم يمر بالراوية من الْخمر فتخرق فيمر بهَا أَصْحَابهَا فَيَقُولُونَ: قد كُنَّا نكرمك عَن هَذَا المصرع وَقَالُوا: مَا حرم علينا شَيْء أَشد من الْخمر حَتَّى جعل الرجل يلقى صَاحبه فَيَقُول: إِن فِي نَفسِي شَيْئا
فَيَقُول لَهُ صَاحبه: لَعَلَّك تذكر الْخمر
فَيَقُول: نعم
فَيَقُول: إِن فِي نَفسِي مثل مافي نَفسك حَتَّى ذكر ذَلِك قوم واجتمعوا فِيهِ فَقَالُوا: كَيفَ نتكلم وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَاهد وخافوا أَن ينزل فيهم فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أعدُّوا لَهُ حجَّة فَقَالُوا: أَرَأَيْت حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَمصْعَب بن عُمَيْر وَعبد الله بن جحش أَلَيْسُوا فِي الْجنَّة قَالَ: بلَى
قَالُوا: أَلَيْسُوا قد مضوا وهم يشربون الْخمر فَحرم علينا شَيْء دخلُوا الْجنَّة وهم يشربونه
فَقَالَ: قد سمع الله مَا قُلْتُمْ فَإِن شَاءَ أجابكم فَأنْزل الله {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} قَالُوا: انتهينا وَنزل فِي الَّذين ذكرُوا حَمْزَة وَأَصْحَابه {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} قَالَ: الميسر
هُوَ الْقمَار كُله {قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس} قَالَ: فذمهما وَلم يحرمهما وَهِي لَهُم حَلَال يَوْمئِذٍ ثمَّ أنزل هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْخمر وَهِي أَشد مِنْهَا فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَكَانَ السكر مِنْهَا حَرَامًا ثمَّ أنزل الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فجَاء تَحْرِيمهَا فِي هَذِه الْآيَة قليلها وكثيرها مَا أسكر مِنْهَا وَمَا لم يسكر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: أول مَا نزل تَحْرِيم الْخمر {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
فَقَالَ بعض النَّاس: نشربها لمنافعها الَّتِي فِيهَا وَقَالَ آخَرُونَ لَا خير فِي شَيْء فِيهِ إِثْم ثمَّ نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى}(3/160)
النِّسَاء الْآيَة 43 الْآيَة
فَقَالَ بعض النَّاس: نشربها ونجلس فِي بُيُوتنَا وَقَالَ آخَرُونَ: لَا خير فِي شَيْء يحول بَيْننَا وَبَين الصَّلَاة مَعَ الْمُسلمين فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَانْتَهوا فنهاهم فَانْتَهوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 قَالَ: كَانَ الْقَوْم يشربونها حَتَّى إِذا حضرت الصَّلَاة أَمْسكُوا عَنْهَا قَالَ: وَذكر لنا أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حِين أنزلت هَذِه الْآيَة: قد تقرَّب الله فِي تَحْرِيم الْخمر ثمَّ حرمهَا بعد ذَلِك فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد غَزْوَة الْأَحْزَاب وَعلم أَنَّهَا تسفِّه الأحلام وتجهد الْأَمْوَال وتشغل عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} قَالَ: فَانْتهى الْقَوْم عَن الْخمر وأمسكوا عَنْهَا قَالَ: وَذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة لما أنزلت قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس إِن الله قد حرم الْخمر فَمن كَانَ عِنْده شَيْء فَلَا يطعمهُ وَلَا تَبِيعُوهَا فَلبث الْمُسلمُونَ زَمَانا يَجدونَ رِيحهَا من طرق الْمَدِينَة لِكَثْرَة مَا أهرقوا مِنْهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
أَن الشَّرَاب كَانُوا يضْربُونَ على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْأَيْدِي وَالنعال والعصي حَتَّى توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَبُو بكر: لَو فَرضنَا لَهُم حدا فتوخى نَحْو مَا كَانُوا يضْربُونَ فِي عهد رَسُول الله صللى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ أَبُو بكر يجلدهم أَرْبَعِينَ حَتَّى توفّي ثمَّ كَانَ عمر من بعده يجلدهم كَذَلِك أَرْبَعِينَ حَتَّى أَتَى بِرَجُل من الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين وَقد شرب فَأمر بِهِ لن يجلد فَقَالَ: لم تجلدني بيني وَبَيْنك كتاب الله
قَالَ: وَفِي أَي كتاب الله تَجِد أَن لَا أجلدك قَالَ: فَإِن الله تَعَالَى يَقُول فِي كِتَابه {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} فَإنَّا من الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات {ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا} شهِدت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدْرًا وأحداً وَالْخَنْدَق والمشاهد
فَقَالَ عمر: أَلا تردون عَلَيْهِ فَقَالَ ابْن عَبَّاس: هَؤُلَاءِ الْآيَات نزلت عذرا للماضين وَحجَّة على البَاقِينَ عذرا للماضين لأَنهم لقوا الله قبل أَن حرم عَلَيْهِم الْخمر وَحجَّة على البَاقِينَ لِأَن الله يَقُول {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام} حَتَّى بلغ الْآيَة الْأُخْرَى فَإِن كَانَ من {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا} فَإِن(3/161)
الله نهى أَن يشرب الْخمر
فَقَالَ عمر: فَمَاذَا ترَوْنَ فَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: نرى أَنه إِذا شرب سكر وَإِذا سكر هذى وَإِذا هذى افترى وعَلى المفتري ثَمَانُون جلدَة فَأمر عمر فجلد ثَمَانِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس عَن أبي طَلْحَة زوج أم أنس قَالَ لما نزلت تَحْرِيم الْخمر بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هاتفاً يَهْتِف: أَلا أَن الْخمر قد حرمت فَلَا تَبِيعُوهَا فَمن كَانَ عِنْده مِنْهُ شَيْء فليهرقه
قَالَ أَبُو طَلْحَة: يَا غُلَام حل عُزّلى تِلْكَ المزاد فَفَتحهَا فَأَهْرقهَا وخمرنا يَوْمئِذٍ الْبُسْر وَالتَّمْر فأهرق النَّاس حَتَّى امْتنعت فجاج الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: كُنَّا نَأْكُل من طَعَام لنا وَنَشْرَب عَلَيْهِ من هَذَا الشَّرَاب فَأَتَانَا فلَان من نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّكُم تشربون الْخمر وَقد أنزل فِيهَا
قُلْنَا مَا تَقولُونَ قَالَ: نعم سمعته من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّاعَة وَمن عِنْده أتيتكم فقمنا فأكفينا ماكان فِي الْإِنَاء من شَيْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ كَانَ عِنْد أبي طَلْحَة مَال ليتيم فَاشْترى بِهِ خمرًا فَلَمَّا حرمت الْخمر أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: اجْعَلْهُ خلا فَقَالَ: لَا أهْرقْهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس
أَن الْآيَة الَّتِي حرم الله فِيهَا الْخمر نزلت وَلَيْسَ فِي الْمَدِينَة شراب يشرب إِلَّا من تمر
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر فَدخلت على نَاس من أَصْحَابِي وَهِي بَين أَيْديهم فضربتها برجلي وَقلت: انْطَلقُوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد نزل تَحْرِيم الْخمر وشرابهم يَوْمئِذٍ الْبُسْر وَالتَّمْر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانُوا يشربون الْخمر بعد مَا أنزلت الَّتِي فِي الْبَقَرَة وَبعد الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء فَلَمَّا نزلت الَّتِي الَّتِي فِي سُورَة الْمَائِدَة تَرَكُوهُ
وَأخرج مُسلم وَأَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِن الله أعرض بِالْخمرِ فَمن كَانَ عِنْده مِنْهَا شَيْء فليبع ولينتفع بِهِ فَلم نَلْبَث إِلَّا يَسِيرا ثمَّ قَالَ: إِن الله قد حرم الْخمر فَمن أَدْرَكته هَذِه الْآيَة وَعِنْده مِنْهَا شَيْء فَلَا يبع وَلَا يشرب
قَالَ: فَاسْتقْبل النَّاس بِمَا كَانَ عِنْدهم مِنْهَا فسفكوها فِي طرق الْمَدِينَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حرمت الْخمر بِعَينهَا قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب(3/162)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن وهب بن كيسَان قَالَ: قلت لجَابِر بن عبد الله مَتى حرمت الْخمر قَالَ: بعد أحد صبحنا الْخمر يَوْم أحد حِين خرجنَا إِلَى الْقِتَال
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: حرمت الْخمر يَوْم حرمت وَمَا كَانَ شراب النَّاس إِلَّا التَّمْر وَالزَّبِيب
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ كَانَ رجل عِنْده مَال أَيْتَام فَكَانَ يَشْتَرِي لَهُم وَيبِيع فَاشْترى خمرًا فَجعله فِي خوابي وَإِن الله أنزل تَحْرِيم الْخمر فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله إِنَّه لَيْسَ لَهُم مَال غَيره فَقَالَ: أهرقه
فأهرقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: حرمت الْخمر وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْء وَمَا خمرهم يَوْمئِذٍ إِلَّا الفضيخ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: حرمت الْخمر يَوْم حرمت وَمَا بِالْمَدِينَةِ خمر إِلَّا الفضيخ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: أَن هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون} هِيَ فِي التَّوْرَاة إِن الله أنزل الْحق ليذْهب بِهِ الْبَاطِل وَيبْطل بِهِ اللّعب والزفن والمزامير والكبارات
يَعْنِي البرابط والزمارات يَعْنِي الدُّف والطنابير وَالشعر وَالْخمر مرّة لمن طعمها وَأقسم رَبِّي بِيَمِينِهِ وَعزة حيله لَا يشْربهَا عبد بَعْدَمَا حرمتهَا عَلَيْهِ إِلَّا عطشته يَوْم الْقِيَامَة وَلَا يَدعهَا بعد مَا حرمتهَا إِلَّا سقيته إِيَّاهَا من حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حرم الله الْخمر وكل مُسكر حرَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: لقد أنزل الله تَحْرِيم الْخمر وَمَا بِالْمَدِينَةِ زبيبة وَاحِدَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن الْجَارُود وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد قَالَ كَانَ عندنَا خمر ليتيم فَلَمَّا نزلت الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة سَأَلنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: ليتيم فَقَالَ: اهريقوها
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: حرمت الْخمر وَهِي تخمر فِي الجراري(3/163)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: نزل تَحْرِيم الْخمر وَمَا فِي أسقيتنا إِلَّا الزَّبِيب وَالتَّمْر فأكفأناهما
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من التَّمْر خمر وَمن الْعَسَل خمر وَمن الزَّبِيب خمر وَمن الْعِنَب خمر وَمن الْحِنْطَة خمر وأنهاكم عَن كل مُسكر
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْبَقَرَة الْآيَة 219 الْآيَة
كرهها قوم لقَوْله {فيهمَا إِثْم كَبِير} وشربها قوم لقَوْله {وَمَنَافع للنَّاس} حَتَّى نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 فَكَانُوا يَدَعونها فِي حِين الصَّلَاة ويشربونها فِي غير حِين الصَّلَاة
حَتَّى نزلت {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة فَقَالَ عمر: ضَيْعَة لَك الْيَوْم قرنت بالميسر
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزلت فِي الْخمر أَربع آيَات {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فتركوها ثمَّ نزلت {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} النَّحْل الْآيَة 67 فشربوها ثمَّ نزلت الْآيَتَانِ فِي الْمَائِدَة {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَلم يزَالُوا بذلك يشربونها حَتَّى(3/164)
صنع عبد الرَّحْمَن بن عَوْف طَعَاما فَدَعَانَا ساقيهم وَعلي بن أبي طَالب يقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} الْكَافِرُونَ الْآيَة 1 فَلم يفهمها فَأنْزل الله يشدد فِي الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ} فَكَانَت حَلَالا يشربونها من صَلَاة الْغَدَاة حَتَّى يرْتَفع النَّهَار فَيقومُونَ إِلَى صَلَاة الظّهْر وهم مصحون ثمَّ لَا يشربونها حَتَّى يصلوا الْعَتَمَة ثمَّ يقومُونَ إِلَى صَلَاة الْفجْر وَقد صحوا فَلم يزَالُوا بذلك يشربونها حَتَّى صنع سعد بن أبي وَقاص طَعَاما فَدَعَا ساقيهم رجل من الْأَنْصَار فشوى لَهُم رَأس بعير ثمَّ دعاهم عَلَيْهِ فَلَمَّا أكلُوا وَشَرِبُوا من الْخمر سَكِرُوا وَأخذُوا فِي الحَدِيث فَتكلم سعد بِشَيْء فَغَضب الْأنْصَارِيّ فَرفع لحي الْبَعِير فَكسر أنف سعد فَأنْزل الله نسخ الْخمر وتحريمها {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: نزل تَحْرِيم الْخمر فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد غَزْوَة الْأَحْزَاب وَلَيْسَ للْعَرَب يَوْمئِذٍ عَيْش أعجب اليهم مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: لما نزلت آيَة الْبَقَرَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ربكُم يقدم فِي تَحْرِيم الْخمر ثمَّ نزلت آيَة النِّسَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ربكُم يقرب فِي تَحْرِيم الْخمر ثمَّ نزلت آيَة الْمَائِدَة فَحرمت الْخمر عِنْد ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ نزلت أَربع آيَات فِي تَحْرِيم الْخمر أولهنَّ الَّتِي فِي الْبَقَرَة ثمَّ نزلت الثَّانِيَة {وَمن ثَمَرَات النخيل وَالْأَعْنَاب تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سكرا وَرِزْقًا حسنا} النَّحْل الْآيَة 67 ثمَّ أنزلت الَّتِي فِي النِّسَاء بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بعض الصَّلَوَات إِذْ غنى سَكرَان خَلفه فَأنْزل الله {لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى} النِّسَاء الْآيَة 43 الْآيَة
فَشربهَا طَائِفَة من النَّاس وَتركهَا طَائِفَة ثمَّ نزلت الرَّابِعَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة فَقَالَ عمر ين الْخطاب انتهينا ياربنا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن قيس قَالَ لما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَتَاهُ النَّاس وَقد كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فَسَأَلُوهُ عَن ذَلِك فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} الْبَقَرَة الْآيَة 216 فَقَالُوا: هَذَا شَيْء قد جَاءَ فِيهِ رخصَة نَأْكُل الميسر وَنَشْرَب الْخمر ونستغفر من ذَلِك حَتَّى أَتَى رجل صَلَاة الْمغرب فَجعل يقْرَأ {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ لَا أعبد مَا تَعْبدُونَ وَلَا أَنْتُم عَابِدُونَ مَا أعبد} الْكَافِرُونَ الْآيَات الثَّلَاث فَجعل لَا يجوّد ذَلِك وَلَا يدْرِي مَا يقْرَأ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى}(3/165)
النِّسَاء الْآيَة 43 فَكَانَ النَّاس يشربون الْخمر حَتَّى يَجِيء وَقت الصَّلَاة فَيدعونَ شربهَا فَيَأْتُونَ الصَّلَاة وهم يعلمُونَ مَا يَقُولُونَ فَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى أنزل الله {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ: انتهينا يارب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَمُوت مدمن خمر إِلَّا لَقِي الله كعابد وثن ثمَّ قَرَأَ {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عَمْرو
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله حرم الْخمر وَالْميسر والكوبة والغبيراء وكل مُسكر حرَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله حرم عَلَيْكُم الْخمر وَالْميسر والكوبة وكل مُسكر حرَام
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: نزل تَحْرِيم الْخمر وَإِن بِالْمَدِينَةِ يَوْمئِذٍ لخمسة أشربة مَا فِيهَا شراب الْعِنَب
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر بن عبد الله
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ عَام الْفَتْح إِن الله حرَّم بيع الْخمر الأنصاب وَالْميتَة وَالْخِنْزِير فَقَالَ بعض النَّاس: كَيفَ ترى فِي شحوم الْميتَة يدهن بهَا السفن والجلود ويستصبح بهَا النَّاس فَقَالَ: لَا هِيَ حرَام ثمَّ قَالَ عِنْد ذَلِك: قَاتل الله الْيَهُود إِن الله لما حرم عَلَيْهِم الشحوم جملوه فباعوه وأكلوا ثمنه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قدم رجل من دوس على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم براوية من خمر أهداها لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل علمت أَن الله حرمهَا بعْدك فَأقبل الدوسي على رجل كَانَ مَعَه فَأمره بِبَيْعِهَا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل علمت أَن الَّذِي حرَّم شربهَا حرم بيعهَا وَأكل ثمنهَا وَأمر بالمزاد فأهريقت حَتَّى لم يبْق فِيهَا قَطْرَة(3/166)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن تَمِيم الدَّارِيّ أَنه كَانَ يهدى لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل عَام راوية من خمر فَلَمَّا كَانَ عَام حرمت الْخمر جَاءَ براوية فَلَمَّا نظر إِلَيْهَا ضحك وَقَالَ: هَل شَعرت أَنَّهَا قد حرمت فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَفلا نبيعها فننتفع بِثمنِهَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لعن الله الْيَهُود انْطَلقُوا إِلَى مَا حرم الله عَلَيْهِم من شحوم الْبَقر وَالْغنم فأذابوه اهالة فباعوا مِنْهُ مَا يَأْكُلُون وَالْخمر حرَام ثمنهَا حرَام بيعهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو عوَانَة والطَّحَاوِي وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر
أَنه قَامَ على الْمِنْبَر فَقَالَ: أما بعد فَإِن الْخمر نزل تَحْرِيمهَا يَوْم نزل وَهِي من خَمْسَة
من الْعِنَب وَالتَّمْر وَالْبر وَالشعِير وَالْعَسَل وَالْخمر ماخامر الْعقل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: إِن هَذِه الأنبذة تنبذ من خَمْسَة أَشْيَاء
من التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْعَسَل وَالْبر وَالشعِير فَمَا خمرته مِنْهَا ثمَّ عتقته فَهُوَ خمر
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل مُسكر خمر وكل خمر حرَام
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الزَّبِيب وَالتَّمْر هُوَ الْخمر يَعْنِي إِذا انتبذا جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه والنحاس فِي ناسخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَتعقبه الذَّهَبِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من الْحِنْطَة خمرًا وَمن الشّعير خمرًا وَمن الزَّبِيب خمرًا وَمن التَّمْر خمرًا وَمن الْعَسَل خمرًا وَأَنا أنهاكم عَن كل مُسكر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن مَرْيَم بنت طَارق قَالَت: كنت فِي نسْوَة من الْمُهَاجِرَات حجَجنَا فَدَخَلْنَا على عَائِشَة فَجعل نسَاء يسألنها عَن الظروف فَقَالَت: إِنَّكُم لتذكرن ظروفاً مَا كَانَ كثير مِنْهَا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاتقين الله واجتنبن مَا يسكركن فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل مُسكر حرَام وَإِن أسكرها مَاء حبها فلتجتنبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي ناسخه عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْخمر من هَاتين الشجرتين: النَّخْلَة والعنبة(3/167)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي عَن الْحسن قَالَ: الميسر
الْقمَار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن نَافِع
أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول: الميسر
الْقمَار
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: الميسر كعاب فَارس وقداح الْعَرَب وَهُوَ الْقمَار كُله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: الميسر الْقمَار كُله حَتَّى الْجَوْز الَّذِي يلْعَب بِهِ الصّبيان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اجتنبوا هَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي يزْجر بهَا زجرا فَإِنَّهَا من الميسر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَهَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي تزجر زجرا فَإِنَّهَا من الميسر
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ وَهَاتين اللُّعْبَتَيْنِ الموسومتين اللَّتَيْنِ يُزْجَرَانِ زجرا فَإِنَّهُمَا ميسر الْعَجم
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وأبوالشيخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إيَّاكُمْ وَهَذِه الكعاب الموسومة الَّتِي تزجر زجرا فَإِنَّهَا ميسر الْعَجم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل الْقمَار من الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالجوز والكعاب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: النَّرْد وَالشطْرَنْج من الميسر
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ قَالَ: الشطرنج ميسر الْأَعَاجِم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد
أَنه سُئِلَ عَن النَّرْد أَهِي من الميسر قَالَ: كل مَا ألهى عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهُوَ ميسر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْقَاسِم
أَنه قيل لَهُ: هَذِه النَّرْد تكرهونها فَمَا بَال الشطرنج قَالَ: كل مَا ألهى عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهُوَ من الميسر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي(3/168)
الشّعب من طَرِيق ربيعَة بن كُلْثُوم عَن أَبِيه قَالَ: خَطَبنَا ابْن الزبير فَقَالَ: يَا أهل مَكَّة بَلغنِي عَن رجال يَلْعَبُونَ بلعبة يُقَال لَهَا النَّرْد شير وَإِن الله يَقُول فِي كِتَابه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} وَإِنِّي أَحْلف بِاللَّه لَا أُوتى بِأحد لعب بهَا إِلَّا عاقبته فِي شعره وبشره وَأعْطيت سلبه من أَتَانِي بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لعب بالنرد شير فقد عصى الله وَرَسُوله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي عبد الرَّحْمَن الخطمي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مثل الَّذِي يلْعَب بالنرد ثمَّ يقوم فَيصَلي مثل الَّذِي يتَوَضَّأ بالقيح وَدم الْخِنْزِير ثمَّ يقوم فَيصَلي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: اللاعب بالنرد قماراً كآكل لحم الْخِنْزِير واللاعب بهَا من غير قمار كالمدهن بودك الْخِنْزِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مُجَاهِد قَالَ: اللاعب بالنرد قماراً من الميسر واللاعب بهَا سِفَاحًا كالصابغ يَده فِي دم الْخِنْزِير والجالس عِنْدهَا كالجالس عِنْد مسالخه وَإنَّهُ يُؤمر بِالْوضُوءِ مِنْهَا والكعبين وَالشطْرَنْج سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ: مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقوم يَلْعَبُونَ بالنرد فَقَالَ: قُلُوب لاهية وأيد عاملة وألسنة لاغية
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: النَّرْد ميسر الْعَجم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن أنس قَالَ: الشطرنج من النَّرْد بلغنَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه ولي مَال يَتِيم فأحرقها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبيد الله بن عُمَيْر قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر عَن الشطرنج فَقَالَ: هِيَ شَرّ من النَّرْد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي جَعْفَر أَنه سُئِلَ عَن الشطرنج فَقَالَ: تِلْكَ الْمَجُوسِيَّة لَا تلعبوا بهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: رأى رجل من أهل الشَّام أَنه يغْفر لكل مُؤمن فِي كل يَوْم اثْنَتَيْ عشرَة مرّة إِلَّا أَصْحَاب الشاه يَعْنِي الشطرنج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: الميسر الْقمَار(3/169)
كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يقامر على أَهله وَمَاله فيقعد سليباً حَزينًا ينظر إِلَى مَاله فِي يَد غَيره وَكَانَت تورث بَينهم الْعَدَاوَة والبغضاء فَنهى الله عَن ذَلِك وَتقدم فِيهِ وَأخْبر إِنَّمَا هُوَ رِجْس من عمل الشَّيْطَان فَاجْتَنبُوهُ لَعَلَّكُمْ تفلحون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق لَيْث عَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد قَالُوا: كل شَيْء فِيهِ قمار فَهُوَ من الميسر حَتَّى لعب الصّبيان بالكعاب والجوز
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين
أَنه رأى غلماناً يتقامرون فِي يَوْم عيد فَقَالَ: لَا تقامروا فَإِن الْقمَار من الميسر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن سِيرِين قَالَ: مَا كَانَ من لعب فِيهِ قمار أَو قيام أَو صياح أَو شَرّ فَهُوَ من الميسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن شُرَيْح
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاث من الميسر: الصفير بالحمام والقمار وَالضَّرْب بالكعاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يتبع حمامة فَقَالَ: شَيْطَان يتبع شَيْطَانَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: شهِدت عُثْمَان وَهُوَ يخْطب وَهُوَ يَأْمر بِذبح الْحمام وَقتل الْكلاب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن خَالِد الْحذاء عَن رجل يُقَال لَهُ أَيُّوب قَالَ: كَانَ ملاعب آل فِرْعَوْن الْحمام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: من لعب بالحمام الطيارة لم يمت حَتَّى يَذُوق ألم الْفقر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد الْمسيب بن قَالَ: كَانَ من ميسر أهل الْجَاهِلِيَّة بيع اللَّحْم بِالشَّاة والشاتين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي الميسر قَالَ: كَانُوا يشْتَرونَ الْجَزُور فيجعلونها أَجزَاء ثمَّ يَأْخُذُونَ القداح فيلقونها وينادي: يَا يَاسر الْجَزُور يَا يَاسر الْجَزُور فَمن خرج قدحه أَخذ جُزْءا بِغَيْر شَيْء وَمن لم يخرج قدحه غرم وَلم يَأْخُذ شَيْئا
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يُقَال: ايْنَ ايسار(3/170)
الْجَزُور فيجتمع الْعشْرَة فيشترون الْجَزُور بِعشْرَة فصلان إِلَى الفصال فيجيلون السِّهَام فَتَصِير بِتِسْعَة حَتَّى تصير إِلَى وَاحِد وَيغرم الْآخرُونَ فصيلاً فصيلاً إِلَى الفصال فَهُوَ الميسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الأنصاب حِجَارَة كَانُوا يذبحون لَهَا والأزلام قداح كَانُوا يقتسمون بهَا الْأُمُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَت لَهُم حَصَيَات إِذا أَرَادَ أحدهم أَن يَغْزُو أَو يجلس استقسم بهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والأزلام} قَالَ: هِيَ كعاب فَارس الَّتِي يقتمرون بهَا وسهام الْعَرَب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سَلمَة بن وهرام قَالَ: سَأَلت طاوساً عَن الأزلام فَقَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة لَهُم قداح يضْربُونَ بهَا قدح معلم يَتَطَيَّرُونَ مِنْهُ فَإِذا ضربوا بهَا حِين يُرِيد أحدهم الْحَاجة فَخرج ذَلِك الْقدح لم يخرج لِحَاجَتِهِ وَإِن خرج غَيره خرج لِحَاجَتِهِ وَكَانَت الْمَرْأَة إِذا أَرَادَت حَاجَة لَهَا لم تضرب بِتِلْكَ القداح فَذَلِك قَوْله الشَّاعِر: إِذا جددت أُنْثَى لأمر خمارها أَتَتْهُ وَلم تضرب لَهُ بالمقاسم وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {رِجْس} قَالَ: سخط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {رِجْس} قَالَ: إِثْم {من عمل الشَّيْطَان} يَعْنِي من تَزْيِين الشَّيْطَان {إِنَّمَا يُرِيد الشَّيْطَان أَن يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة والبغضاء فِي الْخمر وَالْميسر} يَعْنِي حِين شج الْأنْصَارِيّ رَأس سعد بن أبي وَقاص {ويصدكم عَن ذكر الله وَعَن الصَّلَاة فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَهَذَا وَعِيد التَّحْرِيم {وَأَطيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} يَعْنِي فِي تَحْرِيم الْخمر وَالْميسر والأنصاب والأزلام {فَإِن توليتم} يَعْنِي أعرضتم عَن طاعتهما {فاعلموا أَنما على رَسُولنَا} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْبَلَاغ الْمُبين} يَعْنِي أَن يبين تَحْرِيم ذَلِك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزل تَحْرِيم(3/171)
الْخمر قَالُوا: يَا رَسُول الله فَكيف بأصحابنا الَّذين مَاتُوا وهم يشربون الْخمر فَنزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
وَأخرج الطياليسي وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: مَاتَ نَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم يشربون الْخمر فَلَمَّا نزل تَحْرِيمهَا قَالَ أنَاس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كَيفَ بأصحابنا الَّذين مَاتُوا وهم يشربونها فَنزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ بَينا أدير الكاس على أبي طَلْحَة وَأبي عُبَيْدَة بن الْجراح ومعاذ بن جبل وَسُهيْل بن بَيْضَاء وَأبي دُجَانَة حَتَّى مَالَتْ رؤوسهم من خليط بسر وتمر فسمعنا منادياً يُنَادي: أَلا إِن الْخمر قد حرمت
قَالَ: فَمَا دخل علينا دَاخل وَلَا خرج منا خَارج حَتَّى أهرقنا الشَّرَاب وكسرنا القلال وَتَوَضَّأ بَعْضنَا واغتسل بَعْضنَا وأصبنا من طيب أم سليم ثمَّ خرجنَا إِلَى الْمَسْجِد وَإِذا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {فَهَل أَنْتُم مُنْتَهُونَ} فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله فَمَا منزلَة من مَاتَ منا وَهُوَ يشْربهَا فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: كنت ساقي الْقَوْم فِي منزل أبي طَلْحَة فَنزل تَحْرِيم الْخمر فَنَادَى مُنَاد فَقَالَ أَبُو طَلْحَة: اخْرُج فَانْظُر مَا هَذَا الصَّوْت فَخرجت فَقلت: هَذَا مُنَاد يُنَادي: أَلا إِن الْخمر قد حرمت
فَقَالَ لي: اذْهَبْ فَأَهْرقهَا
قَالَ: فجرت فِي سِكَك الْمَدِينَة قَالَ: وَكَانَت خمرهم يَوْمئِذٍ الفضيخ الْبُسْر وَالتَّمْر فَقَالَ بعض الْقَوْم: قتل قوم وَهِي فِي بطونهم فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: اصطبح نَاس الْخمر يَوْم أحد ثمَّ قتلوا شُهَدَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لما نزل تَحْرِيم الْخمر قَالَت الْيَهُود: أَلَيْسَ إخْوَانكُمْ الَّذين مَاتُوا كَانُوا يشربونها فَأنْزل الله(3/172)
{لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} الْآيَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لي: أَنْت مِنْهُم
وَأخرج الدَّارقطني فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما نزل تَحْرِيم الْخمر قَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ بِمن شربهَا من إِخْوَاننَا الَّذين مَاتُوا وَهِي فِي بطونهم فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا} الْآيَة
يَعْنِي بذلك رجَالًا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاتُوا وهم يشربون الْخمر قبل أَن تحرم الْخمر فَلم يكن عَلَيْهِم فِيهَا جنَاح قبل أَن تحرم فَلَمَّا حرمت قَالُوا: كَيفَ تكون علينا حَرَامًا وَقد مَاتَ إِخْوَاننَا وهم يشربونها فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} يَقُول لَيْسَ عَلَيْهِم حرج فِيمَا كَانُوا يشربون قبل أَن أحرمهَا إِذْ كَانُوا محسنين متقين وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} فِيمَن كَانَ يشْربهَا مِمَّن قتل ببدر وَأحد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: لما أنزل الله تَحْرِيم الْخمْرَة فِي سُورَة الْمَائِدَة بعد سُورَة الْأَحْزَاب قَالَ فِي ذَلِك رجال من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أُصِيب فلَان يَوْم بدر وَفُلَان يَوْم أحد وهم يشربونها فَنحْن نشْهد أَنهم من أهل الْجنَّة فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ} يَقُول: شربهَا الْقَوْم على تقوى من الله وإحسان وَهِي لَهُم يَوْمئِذٍ حَلَال ثمَّ حرمت بعدهمْ فَلَا جنَاح عَلَيْهِم فِي ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح} قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا نقُول لإِخْوَانِنَا الَّذين مضوا كَانُوا يشربون الْخمر ويأكلون الميسر فَأنْزل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} من الْحَرَام قبل أَن يحرم عَلَيْهِم {إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وأمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا} وأحسنوا بَعْدَمَا حرم عَلَيْهِم وهوقوله {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف} الْبَقَرَة الْآيَة 275(3/173)
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: لما نزلت {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} الْآيَة
قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قيل لي: أَنْت مِنْهُم
وَأخرج الدينَوَرِي فِي المجالسة وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم عَن ثَابت بن عبيد قَالَ: جَاءَ رجل من آل حَاطِب إِلَى عَليّ فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أرجع إِلَى الْمَدِينَة وَإِنَّهُم سائلي عَن عُثْمَان فَمَاذَا أَقُول لَهُم قَالَ: أخْبرهُم أَن عُثْمَان كَانَ من {الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا إِذا مَا اتَّقوا وآمنوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات ثمَّ اتَّقوا وآمنوا ثمَّ اتَّقوا وأحسنوا وَالله يحب الْمُحْسِنِينَ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء بن السَّائِب عَن محَارب بن دثار أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شربوا الْخمر بِالشَّام فَقَالَ لَهُم يزِيد بن أبي سُفْيَان: شربتم الْخمر فَقَالُوا: نعم لقَوْل الله {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} حَتَّى فرغوا من الْآيَة
فَكتب فيهم إِلَى عمر فَكتب إِلَيْهِ إِن أَتَاك كتابي هَذَا نَهَارا فَلَا تنظر بهم اللَّيْل وَإِن أَتَاك لَيْلًا فَلَا تنظر بهم النَّهَار حَتَّى تبْعَث بهم إليَّ لَا يفتنوا عباد الله فَبعث بهم إِلَى عمر فَلَمَّا قدمُوا على عمر قَالَ: شربتم الْخمر قَالُوا: نعم
فَتلا عَلَيْهِم {إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى آخر الْآيَة
قَالُوا: اقْرَأ الَّتِي بعْدهَا {لَيْسَ على الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات جنَاح فِيمَا طعموا} قَالَ: فَشَاور فيهم النَّاس فَقَالَ لعَلي: مَا ترى قَالَ: أرى أَنهم شرَّعوا فِي دين الله مَا لم يَأْذَن الله فِيهِ فَإِن زَعَمُوا أَنَّهَا حَلَال فاقتلهم فقد أحلُّوا مَا حرم الله وَإِن زَعَمُوا أَنَّهَا حرَام فاجلدهم ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ فقد افتروا على الله الْكَذِب وَقد أخبرنَا الله بِحَدّ مَا يفتري بِهِ بَعْضنَا على بعض
قَالَ: فجلدهم ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لعن الْخمر وَلعن غارسها وَلعن شاربها وَلعن عاصرها وَلعن مؤويها وَلعن مديرها وَلعن سَاقيهَا وَلعن حاملها وَلعن آكل ثمنهَا وَلعن بَائِعهَا
وَأخرج وَكِيع وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة إِلَّا أَن يَتُوب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا وَلم يتب لم يشْربهَا فِي الْآخِرَة وَإِن أُدخل الْجنَّة(3/174)
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله
أَن رجلا قدم من الْيمن فَسَأَلَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شراب يشربونه بأرضهم من الذّرة يُقَال لَهُ المزر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو يسكر هُوَ قَالُوا: نعم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كل مُسكر حرَام إِن الله عهد لمن يشرب الْمُسكر أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: عرق أهل النَّار أَو عصارة أهل النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن شربهَا الثَّالِثَة لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن شربهَا الرَّابِعَة لم تقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ لم يتب الله عَلَيْهِ وَكَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قيل: وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: صديد أهل النَّار
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر شربة لم تقبل صلَاته أَرْبَعِينَ صباحاً فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن عَاد لم تقبل تَوْبَته أَرْبَعِينَ صباحاً فَلَا أَدْرِي أَفِي الثَّالِثَة أَو فِي الرَّابِعَة قَالَ: فَإِن عَاد كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من ردغة الخبال يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر وَعَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من ترك الصَّلَاة سكرا مرّة وَاحِدَة فَكَأَنَّمَا كَانَت لَهُ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا فسلبها وَمن ترك الصَّلَاة سكرا أَربع مَرَّات كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قيل: وَمَا طِينَة الخبال يَا رَسُول الله قَالَ: عصارة أهل النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الْخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ وساقيها وشاربها وآكل ثمنهَا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِن الله لعن الْخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إِلَيْهِ وبائعها وساقيها ومسقيها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان
سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول اجتنبوا أم الْخَبَائِث فَإِنَّهُ كَانَ رجل فِيمَن كَانَ قبلكُمْ يتعبد ويعتزل النِّسَاء فعلقته امْرَأَة غاوية فَأرْسلت إِلَيْهِ خَادِمهَا فَقَالَت: إِنَّا ندعوك لشهادة فَدخل فطفقت كلما(3/175)
دخل عَلَيْهَا بَاب أغلقته دونه حَتَّى أفْضى إِلَى امْرَأَة وضيئة جالسة عِنْدهَا غُلَام وباطية فِيهَا خمر فَقَالَت: أَنا لم أدعك لشهادة وَلَكِن دعوتك لتقتل هَذَا الْغُلَام أَو تقع عليَّ أَو تشرب كأساً من هَذَا الْخمر فَإِن أَبيت صحت وفضحتك فَلَمَّا رأى أَنه لَا بُد من ذَلِك قَالَ: اسْقِنِي كأساً من هَذَا الْخمر فسقته كأساً من الْخمر ثمَّ قَالَ: زيديني فَلم يرم حَتَّى وَقع عَلَيْهَا وَقتل النَّفس فَاجْتَنبُوا الْخمر فَإِنَّهُ - وَالله - لَا يجْتَمع الْإِيمَان وإدمان الْخمر فِي صدر رجل أبدا ليوشكن أَحدهمَا أَن يخرج صَاحبه
وَأخرجه عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عُثْمَان موثوقا
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجتنبوا الْخمر فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ أَوْصَانِي أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا وَإِن قطِّعت أَو حرِّقت وَلَا تتْرك صَلَاة مَكْتُوبَة مُتَعَمدا فَمن تَركهَا مُتَعَمدا بَرِئت مِنْهُ الذِّمَّة وَأَن لَا تشرب الْخمر فَإِنَّهَا مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تبَارك وَتَعَالَى بنى الفردوس بِيَدِهِ وحظره على كل مُشْرك وكل مدمن الْخمر سكير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا تقبل لَهُم صَلَاة وَلَا يرفع لَهُم إِلَى السَّمَاء عمل: العَبْد الْآبِق من موَالِيه حَتَّى يرجع فَيَضَع يَده فِي أَيْديهم وَالْمَرْأَة الساخط عَلَيْهَا زَوجهَا حَتَّى يرضى والسكران حَتَّى يصحو
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَلَا مدمن خمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْعد على مائدة يشرب عَلَيْهَا الْخمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل حليلته الْحمام وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر وَمن كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يجلس على مائدة يدار عَلَيْهَا الْخمر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ عَن سهل بن أبي صَالح عَن مُحَمَّد بن عبيد الله عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من لَقِي الله وَهُوَ مدمن خمر لقِيه كعابد وثن(3/176)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مثله وَقَالَ البُخَارِيّ وَلَا يَصح حَدِيث أبي هُرَيْرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من مَاتَ مدمن خمر لَقِي الله وَهُوَ كعابد الوثن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شرب شرابًا يذهب بعقله فقد أَتَى بَاب من أَبْوَاب الْكَبَائِر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: لِأَن أزني أحب إليَّ من أَن أسكر وَلِأَن أسرق أحب إليَّ من أَن أسكر لِأَن السَّكْرَان يَأْتِي عَلَيْهِ سَاعَة لَا يعرف فِيهَا ربه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لبس الْحَرِير فِي الدُّنْيَا لم يلْبسهُ فِي الْآخِرَة وَمن شرب الْخمر فِي الدُّنْيَا لم يشربه فِي الْآخِرَة وَمن شرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة لم يشرب بهَا فِي الْآخِرَة ثمَّ قَالَ: لِبَاس أهل الْجنَّة وشراب أهل الْجنَّة وآنية أهل الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مُوسَى
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة مدمن الْخمر وقاطع الرَّحِم ومصدِّق بِالسحرِ وَمن مَاتَ مدمن الْخمر سقَاهُ الله من نهر الغوطة قيل: وَمَا نهر الغوطة قَالَ: نهر يخرج من فروج المومسات يُؤْذِي أهل النَّار ريح فروجهم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر: أَن أَبَا بكر وَعمر وناساً جَلَسُوا بعد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا أعظم الْكَبَائِر فَلم يكن عِنْدهم فِيهَا علم فأرسلوني إِلَى عبد الله بن عَمْرو أسأله فَأَخْبرنِي أَن أعظم الْكَبَائِر شرب الْخمر
فأتيتهم فَأَخْبَرتهمْ فأنكروا ذَلِك ووثبوا جَمِيعًا حَتَّى أَتَوْهُ فِي دَاره فَأخْبرهُم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ملكا من مُلُوك بني إِسْرَائِيل أَخذ رجلا فخيره بَين أَن يشرب الْخمر أَو يقتل نفسا أَو يَزْنِي أَو يَأْكُل لحم خِنْزِير أَو يقتلوه
فَاخْتَارَ الْخمر وَإنَّهُ لما شربه لم يمْتَنع من شَيْء أرادوه مِنْهُ وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من أحد يشْربهَا فَتقبل لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة وَلَا يَمُوت وَفِي مثانته مِنْهُ شَيْء إِلَّا حرمت عَلَيْهِ بهَا الْجنَّة فَإِن مَاتَ فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَة مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مُسلم الْخَولَانِيّ
أَنه حج فَدخل على(3/177)
عَائِشَة فَجعلت تسأله عَن الشَّام وَعَن بردهَا فَجعل يخبرها فَقَالَت: كَيفَ تصبرون على بردهَا قَالَ: يَا أم الْمُؤمنِينَ إِنَّهُم يشربون شرابًا لَهُم يُقَال لَهُ الطلا
قَالَت: صدق الله وَبلغ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سمعته يَقُول إِن نَاسا من أمتِي يشربون الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَعَثَنِي الله رَحْمَة وَهدى للْعَالمين وبعثني بمحق المعازف والمزامير وَأمر الْجَاهِلِيَّة ثمَّ قَالَ: من شرب خمرًا فِي الدُّنْيَا سقَاهُ الله كَمَا شرب مِنْهُ من حميم جَهَنَّم معذب بعد أَو مغْفُور لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي ذمّ الملاهي وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله بَعَثَنِي رَحْمَة وَهدى للْعَالمين بَعَثَنِي لأمحق المعازف والمزامير وَأمر الْجَاهِلِيَّة والأوثان وَحلف رَبِّي عز وَجل بعزته لَا يشرب الْخمر أحد فِي الدُّنْيَا إِلَّا سقَاهُ الله مثلهَا من الْحَمِيم يَوْم الْقِيَامَة مغْفُور لَهُ أَو معذب وَلَا يَدعهَا أحد فِي الدُّنْيَا إِلَّا سقيته إِيَّاهَا فِي حَظِيرَة الْقُدس حَتَّى تقنع نَفسه
وَأخرج الْحَاكِم عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حَلَفت على مَعْصِيّة فدعها واقذف ضغائن الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمك وَإِيَّاك وَشرب الْخمر فَإِن الله لم يقدس شاربها
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الملاهي عَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي خسف وَقذف ومسخ
قيل: يارسول الله مَتى قَالَ: إِذا ظَهرت المعازف والقينات واستحلت الْخمر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي وَقذف ومسخ وَخسف
قيل: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَتى ذَلِك قَالَ: إِذا ظَهرت المعازف وَكَثُرت الْقَيْنَات وشربت الْخمر
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي خسف ومسخ وَقذف
قلت: يَا رَسُول الله وهم يَقُولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله قَالَ: إِذا ظَهرت القيان وَظهر الزِّنَا وَشرب الْخمر وَلبس الْحَرِير كَانَ ذَا عِنْد ذَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عملت أمتِي خمس عشرَة خصْلَة حل بهَا الْبلَاء قيل: وَمَا هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا كَانَ الْمغنم دولاً وَالْأَمَانَة مغنماً وَالزَّكَاة مغرماً وأطاع(3/178)
الرجل زَوجته وعقَّ أمه وبرَّ صديقه وجفا أَبَاهُ وَارْتَفَعت الْأَصْوَات فِي الْمَسَاجِد وَكَانَ زعيم الْقَوْم أرذلهم وَأكْرم الرجل مَخَافَة شَره وشربت الْخُمُور وَلبس الْحَرِير وَاتَّخذُوا القيان وَالْمَعَازِف وَلعن آخر هَذِه الْأمة أَولهَا فليرتقبوا عِنْد ذَلِك ثَلَاثًا: ريحًا حَمْرَاء وخسفاً ومسخاً
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عَليّ بن أبي طَالب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تمسخ طَائِفَة من أمتِي قردة وَطَائِفَة خنازير ويخسف بطَائفَة وَيُرْسل على طَائِفَة الرّيح الْعَقِيم بِأَنَّهُم شربوا الْخمر ولبسوا الْحَرِير وَاتَّخذُوا القيان وضربوا بِالدُّفُوفِ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيَكُونن فِي هَذِه الْأمة خسف وَقذف ومسخ وَذَلِكَ إِذا شربوا الْخمر وَاتَّخذُوا الْقَيْنَات وضربوا بالمعازف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسخ قوم من هَذِه الْأمة فِي آخر الزَّمَان قردة وَخَنَازِير
قَالُوا: يَا رَسُول الله أَلَيْسَ يشْهدُونَ أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّد رَسُول الله قَالَ: بلَى وَيَصُومُونَ وَيصلونَ ويحجون
قَالَ: فَمَا بالهم قَالَ: اتَّخذُوا المعازف والدفوف والقينات فَبَاتُوا على شربهم ولهوهم فَأَصْبحُوا قد مسخوا قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون فِي أمتِي خسف وَقذف ومسخ
قَالُوا: مَتى ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا أظهرُوا المعازف وَاسْتَحَلُّوا الْخُمُور وَلبس الْحَرِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْغَازِي بن ربيعَة رفع الحَدِيث قَالَ ليمسخن قوم وهم على أريكتهم قردة وَخَنَازِير بشربهم الْخمر وضربهم بالبرابط والقيان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن صَالح بن خَالِد رفع ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليستحلن نَاس من أمتِي الْحَرِير وَالْخمر وَالْمَعَازِف وليأتين الله على أهل حاضرتهم بجبل عَظِيم حَتَّى ينبذه عَلَيْهِم ويمسخ آخَرُونَ قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليبيتن رجال على أكل وَشرب وعزف يُصْبِحُونَ على أرائكهم ممسوخين قردة وَخَنَازِير
واخرج ابْن عدي وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَا تَنْقَضِي هَذِه الدُّنْيَا حَتَّى يَقع بهم الْخَسْف وَالْمَسْخ(3/179)
وَالْقَذْف
قَالُوا: وَمَتى ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ: إِذا رَأَيْتُمْ النِّسَاء ركبن السُّرُوج وَكَثُرت المعازف وفشت شَهَادَات الزُّور وشربت الْخمر لَا يستخفى بِهِ وشربت المصلون فِي آنِية أهل الشّرك من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَاسْتغْنى النِّسَاء بِالنسَاء وَالرِّجَال بِالرِّجَالِ فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فاستدفروا واستعدوا وَاتَّقوا الْقَذْف من السَّمَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اسْتعْملت أمتِي خمْسا فَعَلَيْهِم الدمار: إِذا ظهر فيهم التلاعن وَلبس الْحَرِير وَاتَّخذُوا الْقَيْنَات وَشَرِبُوا الْخمر وَاكْتفى الرِّجَال بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاء بِالنسَاء
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يبيت قوم من هَذِه الْأمة على طعم وَشرب وَلَهو وَلعب فيصبحوا وَقد مسخوا قردة وَخَنَازِير وليصيبنهم خسف وَقذف حَتَّى يصبح النَّاس فَيَقُولُونَ: قد خسف اللَّيْلَة ببني فلَان وَخسف اللَّيْلَة بدار فلَان وليرسلن عَلَيْهِم حاصباً من السَّمَاء كَمَا أرْسلت على قوم لوط على قبائل فِيهَا وعَلى دور وليرسلن عَلَيْهِم الرّيح الْعَقِيم الَّتِي أهلكت عاداً على قبائل فِيهَا وعَلى دور بشربهم الْخمر ولبسهم الْحَرِير واتخاذهم الْقَيْنَات وأكلهم الرِّبَا وقطيعتهم الرَّحِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماحه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ليشربن نَاس من أمتِي الْخمر يسمونها بِغَيْر اسْمهَا وتضرب على رؤوسهم المعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأَرْض وَيجْعَل مِنْهُم القردة والخنازير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ وَأبي عُبَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذَا الْأَمر بَدَأَ رَحْمَة ونبوّة ثمَّ يكون رَحْمَة وَخِلَافَة ثمَّ كَائِن ملكا عَضُوضًا ثمَّ كَائِن عتواً وَجَبْرِيَّة وَفَسَادًا فِي الأَرْض يسْتَحلُّونَ الْحَرِير وَالْخُمُور والفروج يرْزقُونَ على ذَلِك وينصرون حَتَّى يلْقوا الله عز وَجل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حبس الْعِنَب أَيَّام قطافه حَتَّى يَبِيعهُ من يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مِمَّن يعلم أَنه يتَّخذ خمرًا فقد تقدم فِي النَّار على بَصِيرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ يكره أَن تسقى الْبَهَائِم الْخمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة: أَنَّهَا كَانَت تنْهى النِّسَاء أَن يمتشطن بِالْخمرِ(3/180)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن مُعَاوِيَة ابْن أبي سُفْيَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شرب الْخمر فاجلدوه
قَالَهَا ثَلَاثًا فَإِن شربهَا الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين بَعثه إِلَى الْيمن سَأَلَهُ قَالَ: إِن قومِي يصنعون شرابًا من الذّرة يُقَال لَهُ المزر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أيسكر قَالَ: نعم قَالَ: فانههم عَنهُ
قَالَ: نهيتهم وَلم ينْتَهوا
قَالَ: فَمن لم ينتهِ فِي الثَّالِثَة مِنْهُم فاقتله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فَاضْرِبُوهُ ثمَّ قَالَ فِي الرَّابِعَة: من شرب الْخمر فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ
قَالَهَا ثَلَاثًا فَإِذا شربوا الرَّابِعَة فاقتلوهم
قَالَ معمر: فَذكرت ذَلِك لِابْنِ الْمُنْكَدر فَقَالَ: قد ترك الْقَتْل قد أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِابْن النعيمان فجلده ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده ثمَّ أَتَى بِهِ فجلده الرَّابِعَة أَو أَكثر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ إِذا شربوا فاقتلوهم ثمَّ قَالَ: إِن الله قد وضع عَنْهُم الْقَتْل فَإِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ثمَّ إِذا شربوا فَاجْلِدُوهُمْ ذكرهَا أَربع مَرَّات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَمْرو بن دِينَار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من شرب الْخمر فحدُّوه فَإِن شرب الثَّانِيَة فحدُّوه فَإِن شرب الرَّابِعَة فَاقْتُلُوهُ قَالَ: فَأتى بِابْن النعيمان قد شرب فَضرب بالنعال وَالْأَيْدِي ثمَّ أَتَى بِهِ الثَّانِيَة فَكَذَلِك ثمَّ أَتَى بِهِ الرَّابِعَة فحدَّه وَوضع الْقَتْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب رجلا فِي الْخمر أَربع مَرَّات ثمَّ أَن عمر بن خطاب ضرب أَبَا محجن الثَّقَفِيّ فِي الْخمر ثَمَان مَرَّات
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الرمد البلوي أَن رجلا مِنْهُم شرب الْخمر فَأتوا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضَربهُ ثمَّ شرب الثَّانِيَة فَأتوا بِهِ فَضَربهُ فَمَا أَدْرِي قَالَ فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة فَجعل على الْعجل فَضربت عُنُقه(3/181)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يدْخل الْجنَّة عَاق وَلَا منان وَلَا مدمن خمر قَالَ ابْن عَبَّاس: فذهبنا نَنْظُر فِي كتاب الله فَإِذا هم فِيهِ فِي العاقّ {فَهَل عسيتم إِن توليتم أَن تفسدوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم} مُحَمَّد الْآيَة 82 إِلَى آخر الْآيَة
وَفِي المنان {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى} الْبَقَرَة الْآيَة 262 وَفِي الْخمر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر} إِلَى قَوْله {من عمل الشَّيْطَان}
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن الديلمي قَالَ وفدت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله إِنَّا نصْنَع طَعَاما وَشَرَابًا فنطعمه بني عمنَا فَقَالَ: هَل يسكر قلت: نعم
فَقَالَ: حرَام
فَلَمَّا كَانَ عِنْد توديعي إِيَّاه ذكرته لَهُ فَقلت: يَا نَبِي الله إِنَّهُم لن يصبروا عَنهُ
قَالَ: فَمن لم يصبر عَنهُ فاضربوا عُنُقه
وَأخرج ابْن سعد وَأحمد عَن شُرَحْبِيل بن أَوْس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر فاجلدوه فَإِن عَاد فاجلدوه فَإِن عَاد فاجلدوه فَإِن عَاد فَاقْتُلُوهُ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان أَن نَاسا من أهل الْيمن قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأعلمهم الصَّلَاة وَالسّنَن والفرائض ثمَّ قَالُوا: يَا رَسُول الله إِن لنا شرابًا نصنعه من التَّمْر وَالشعِير فَقَالَ: الغبيراء قَالُوا: نعم
قَالَ: لَا تطعموه
قَالُوا: فَإِنَّهُم لَا يدعونها
قَالَ: من لم يَتْرُكهَا فاضربوا عُنُقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الَّذين يشربون الْخمر وَقد حرم الله عَلَيْهِم لَا يسقونها فِي حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ من شرب الْخمر لم يقبل الله مِنْهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ صباحاً فَإِن مَاتَ فِي الْأَرْبَعين دخل النَّار وَلم ينظر الله إِلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يلقى الله شَارِب الْخمر يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ سَكرَان فَيَقُول: وَيلك مَا شربت
فَيَقُول: الْخمر
قَالَ: أَو لم أحرمهَا عَلَيْك فَيَقُول: بلَى
فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار(3/182)
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليبيتن أنَاس من أمتِي على أشر وبطر وَلعب وَلَهو فيصبحوا قردة وَخَنَازِير باستحلالهم الْمَحَارِم واتخاذهم الْقَيْنَات وشربهم الْخمر وبأكلهم الرِّبَا ولبسهم الْحَرِير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِنَّه فِي الْكتاب مَكْتُوب: أَن خَطِيئَة الْخمر تعلو الْخَطَايَا كَمَا تعلو شجرتها الشّجر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مَسْرُوق بن الأجدع قَالَ: شَارِب الْخمر كعابد الوثن وشارب الْخمر كعابد اللات والعزى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جُبَير قَالَ: من شرب مُسكرا لم يقبل الله مِنْهُ مَا كَانَت فِي مثانته مِنْهُ قَطْرَة فَإِن مَاتَ مِنْهَا كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال وَهِي صديد أهل النَّار وقيحهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي ذَر قَالَ: من شرب مُسكرا من الشَّرَاب فَهُوَ رِجْس ورجس صلَاته أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن شرب أَيْضا فَهُوَ رِجْس ورجس صلَاته أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ فَإِن عَاد لَهَا قَالَ: فِي الثَّالِثَة أَو الرَّابِعَة كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبان رفع الحَدِيث قَالَ: إِن الْخَبَائِث جعلت فِي بَيت فأغلق عَلَيْهَا وَجعل مفتاحها الْخمر فَمن شرب الْخمر وَقع بالخبائث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: إِن الْخمر مِفْتَاح كل شَرّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد الْمُنْكَدر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر صباحاً كَانَ كالمشرك بِاللَّه حَتَّى يُمْسِي وَكَذَلِكَ إِن شربهَا لَيْلًا كَانَ كالمشرك بِاللَّه حَتَّى يصبح وَمن شربهَا حَتَّى يسكر لم يقبل الله لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ صباحاً وَمن مَاتَ وَفِي عروقه مِنْهَا شَيْء مَاتَ ميتَة جَاهِلِيَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حلف الله بعزته وَقدرته لَا يشرب عبد مُسلم شربة من خمر إِلَّا سقيته بِمَا انتهك مِنْهَا من الْحَمِيم معذب بعد أَو مغْفُور لَهُ وَلَا يَتْرُكهَا وهوعليها قَادر ابْتِغَاء مرضاتي إِلَّا سقيته مِنْهَا فأرويته فِي حَظِيرَة الْقُدس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: يَجِيء يَوْم الْقِيَامَة(3/183)
شَارِب الْخمر مسوداً وَجهه مزرقَّة عَيناهُ مائلاً شقَّه
أَو قَالَ: شدقه مدلياً لِسَانه يسيل لعابه على صَدره يقذره كل من يرَاهُ
وَأخرج أَحْمد عَن قيس بن سعد بن عبَادَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر أَتَى عطشان يَوْم الْقِيَامَة أَلا وكل مُسكر خمر وَإِيَّاكُم والغبيراء
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من شرب الْخمر لم يقبل الله لَهُ صَلَاة أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن عَاد كَانَ مثل ذَلِك فَمَا أَدْرِي فِي الثَّالِثَة أم فِي الرَّابِعَة قَالَ: فَإِن عَاد كَانَ حتما على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قَالُوا: يَا رَسُول الله مَا طِينَة الخبال قَالَ: عصارة أهل النَّار
وَأخرج ابْن أبي سعد وَابْن أبي شيبَة عَن خلدَة بنت طلق قَالَت: قَالَ لنا أبي: جلسنا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجَاء صحار فَسَأَلَهُ مَا ترى فِي شراب نصنعه من ثمارنا قَالَ: تَسْأَلنِي عَن الْمُسكر لَا تشربه وَلَا تسقه أَخَاك فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا شربه رجل قطّ ابْتِغَاء لَذَّة سكر فيسقيه الله الْخمر يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد عَن أَسمَاء بنت يزِيد
أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول من شرب الْخمر لم يرضَ الله عَنهُ أَرْبَعِينَ لَيْلَة فَإِن مَاتَ مَاتَ كَافِرًا وَإِن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَإِن عَاد كَانَ حَقًا على الله أَن يسْقِيه من طِينَة الخبال
قلت: يَا رَسُول الله وَمَا طِينَة الخبال قَالَ: صديد أهل النَّار
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ الريب من الْكفْر وَالنوح عمل الْجَاهِلِيَّة وَالشعر من أَمر إِبْلِيس والغلول جمر من جَهَنَّم وَالْخمر جَامع كل إِثْم والشباب شُعْبَة من الْجُنُون وَالنِّسَاء حبائل الشَّيْطَان وَالْكبر شَرّ من الشَّرّ وَشر المآكل مَال الْيَتِيم وَشر المكاسب الرِّبَا والسعيد من وعظ بِغَيْرِهِ والشقي من شقي فِي بطن أمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عليّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لم يزل جِبْرِيل ينهاني عَن عبَادَة الْأَوْثَان وَشرب الْخمر وملاحاة الرِّجَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أم سَلمَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَانَ فِي أول مَا نهاني عَنهُ رَبِّي وعهد إليَّ بعد عبَادَة الْأَوْثَان وَشرب الْخمر لملاحاة الرِّجَال وَالله تَعَالَى أعلم(3/184)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} قَالَ: هُوَ الضَّعِيف من الصَّيْد وصغيره يَبْتَلِي الله بِهِ عباده فِي إحرامهم حَتَّى لَو شاؤوا تناولوه بِأَيْدِيهِم فنهاهم الله أَن يقربوه فَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا قَالَ: إِن قَتله مُتَعَمدا أَو نَاسِيا أَو خطأ حكم عَلَيْهِ فَإِن عَاد مُتَعَمدا عجلت لَهُ الْعقُوبَة إِلَّا أَن يعْفُو الله عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد تناله أَيْدِيكُم ورماحكم} قَالَ: النبل وَالرمْح ينَال كبار الصَّيْد وأيديهم تنَال صغَار الصَّيْد أَخذ الفروخ وَالْبيض
وَفِي لفظ: أَيْدِيكُم
أخذكم إياهن بِأَيْدِيكُمْ من بيضهن وفراخهن ورماحكم
مَا رميت أَو طعنت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {ليبلونكم الله بِشَيْء من الصَّيْد} قَالَ: مَا لَا يَسْتَطِيع أَن يَرْمِي من الصَّيْد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة فِي عمْرَة الْحُدَيْبِيَة فَكَانَت الْوَحْش وَالطير وَالصَّيْد يَغْشَاهُم فِي رحالهم لم يرَوا مثله قطّ فِيمَا خلا فنهاهم الله عَن قَتله وهم محرمون {ليعلم الله من يخافه بِالْغَيْبِ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طرق قيس بن سعد عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يَقُول فِي قَوْله: {فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} : أَن يُوسع ظَهره وبطنه جلدا ويسلب ثِيَابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَ إِذا مَا أَخذ شَيْئا من الصَّيْد أَو قَتله جلد مائَة ثمَّ نزل الحكم بعد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يمْلَأ بَطْنه وظهره إِن عَاد لقتل الصَّيْد مُتَعَمدا وَكَذَلِكَ صنع بِأَهْل وَج أهل وَاد بِالطَّائِف قَالَ ابْن(3/185)
عَبَّاس: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا أحدث الرجل حَدثا أَو قتل صيدا ضرب ضربا شَدِيدا وسلب ثِيَابه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {فَمن اعْتدى بعد ذَلِك فَلهُ عَذَاب أَلِيم} قَالَ: هِيَ وَالله مُوجبَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
مثله(3/186)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم وَمن قَتلهمْ مِنْكُم مُتَعَمدا فجزاء مثل مَا قتل من النعم يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم هَديا بَالغ الْكَعْبَة أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما ليذوق وبال أمره عَفا الله عَمَّا سلف وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ وَالله عَزِيز ذُو انتقام
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} فَنهى الْمحرم عَن قَتله فِي هَذِه الْآيَة وَأكله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} قَالَ: حرم صَيْده هَهُنَا وَأكله هَهُنَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} قَالَ: إِن قَتله مُتَعَمدا أَو نَاسِيا أوخطأ حكم عَلَيْهِ فَإِن عَاد مُتَعَمدا عجلت لَهُ الْعقُوبَة إِلَّا أَن يعْفُو الله عَنهُ
وَفِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: إِذا قتل الْمحرم شَيْئا من الصَّيْد حكم عَلَيْهِ فِيهِ فَإِن قتل ظَبْيًا أَو نَحوه فَعَلَيهِ شَاة تذبح بِمَكَّة فَإِن لم يجد فإطعام سِتَّة مَسَاكِين فَإِن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن قتل إبِلا وَنَحْوه فَعَلَيهِ بقرة فَإِن لم يجدهَا أطْعم عشْرين مِسْكينا فَإِن لم يجد صَامَ عشْرين يَوْمًا وَإِن قتل نعَامَة أَو حمَار وَحش أَو نَحوه فَعَلَيهِ بَدَنَة من الْإِبِل فَإِن لم يجد أطْعم ثَلَاثِينَ مِسْكينا فَإِن لم يجد صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالطَّعَام مدٌّ مدٌّ يشبعهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الحكم
أَن عمر كتب أَن يحكم عَلَيْهِ فِي الْخَطَأ والعمد(3/186)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد وَالْخَطَأ وَالنِّسْيَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} قَالَ: متعمد القتلة نَاسِيا لإحرامه فَذَلِك الَّذِي يحكم عَلَيْهِ فَإِن قَتله ذَاكِرًا لإحرامه متعمد القتلة لم يحكم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الَّذِي يقتل الصَّيْد مُتَعَمدا وَهُوَ يعلم أَنه محرم ومتعمد قَتله قَالَ: لَا يحكم عَلَيْهِ وَلَا حج لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الْعمد هُوَ الْخَطَأ الْمُكَفّر أَن يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ يُرِيد غَيره فَيُصِيبهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} للصَّيْد نَاسِيا لإحرامه فَمن اعْتدى بعد ذَلِك مُتَعَمدا للصَّيْد يذكر إِحْرَامه لم يحكم عَلَيْهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} قَالَ: إِذا كَانَ نَاسِيا لإحرامه وَقتل الصَّيْد مُتَعَمدا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: من قَتله مُتَعَمدا لقَتله نَاسِيا لإحرامه فَعَلَيهِ الْجَزَاء وَمن قَتله مُتَعَمدا لقَتله غير نَاس لإحرامه فَذَاك إِلَى الله إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: من قَتله مُتَعَمدا غير نَاس لإحرامه وَلَا يُرِيد غَيره فقد حل وَلَيْسَت لَهُ رخصَة وَمن قَتله نَاسِيا لإحرامه أَو أَرَادَ غَيره فَأَخْطَأَ بِهِ فَذَلِك الْعمد الْمُكَفّر
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا} فَمن قَتله خطأ يغرم وَإِنَّمَا جعل الْغرم على من قَتله مُتَعَمدا قَالَ: نعم تعظم بذلك حرمات الله وَمَضَت بذلك السّنَن وَلِئَلَّا يدْخل النَّاس فِي ذَلِك
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: رَأَيْت النَّاس أَجْمَعِينَ يغرمون فِي الْخَطَأ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير(3/187)
قَالَ: إِنَّمَا كَانَت الْكَفَّارَة فِيمَن قتل الصَّيْد مُتَعَمدا وَلَكِن غلظ عَلَيْهِم فِي الْخَطَأ كي يتقوا
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: نزل الْقُرْآن بالعمد وَجَرت السّنة فِي الْخَطَأ يَعْنِي فِي الْمحرم يُصِيب الصَّيْد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد وَفِي الْخَطَأ وَمِنْه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أصَاب الْمحرم الصَّيْد فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير
فِي الْمحرم إِذا أمات صيدا خطأ فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن أصَاب مُتَعَمدا فَعَلَيهِ الْجَزَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس قَالَ: لَا يحكم على من أصَاب صيدا خطأ إِنَّمَا يحكم من أَصَابَهُ عمدا وَالله مَا قَالَ الله إِلَّا {وَمن قَتله مِنْكُم مُتَعَمدا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: إِذا أصَاب الْمحرم الصَّيْد يحكم عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ من النعم فَإِن وجد جَزَاؤُهُ ذبحه وتصدَّق بِلَحْمِهِ وَإِن لم يجد جَزَاؤُهُ قوم الْجَزَاء دَرَاهِم ثمَّ قومت الدَّرَاهِم حِنْطَة ثمَّ صَامَ مَكَان كل نصف صَاع يَوْمًا
قَالَ {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما} وَإِنَّمَا أُرِيد بِالطَّعَامِ الصّيام أَنه إِذا وجد الطَّعَام وجد جَزَاؤُهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس فِي الرجل يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ محرم قَالَ: يحكم عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَإِن لم يجد قَالَ: يحكم عَلَيْهِ ثمنه فقوّم طَعَاما فَتصدق بِهِ فَإِن لم يجد حكم عَلَيْهِ الصّيام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {فجزاء مثل} قَالَ: شبهه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: نده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: سَأَلَ مَرْوَان بن الحكم ابْن عَبَّاس وَهُوَ بوادي الْأَزْرَق قَالَ: أَرَأَيْت مَا أصبْنَا من الصَّيْد لم نجد لَهُ ندا فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ثمنه يهدى إِلَى مَكَّة(3/188)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: عَلَيْهِ من النعم مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: إِن قتل نعَامَة أَو حمارا فَعَلَيهِ بَدَنَة وَإِن قتل بقرة أَو أيلاً أَو أروى فَعَلَيهِ بقرة أَو قتل غزالاً أَو أرنباً فَعَلَيهِ شَاة وَإِن قتل ظَبْيًا أَو جَريا أَو يربوعاً فَعَلَيهِ سخلة قد أكلت العشب وشربت اللَّبن
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء أَنه سُئِلَ: أيغرم فِي صَغِير الصَّيْد كَمَا يغرم فِي كبيره قَالَ: أَلَيْسَ يَقُول الله {فجزاء مثل مَا قتل} وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل} قَالَ: مَا كَانَ لَهُ مثل يُشبههُ فَهُوَ جَزَاؤُهُ قَضَاؤُهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حبَان فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل} قَالَ: فَمَا كَانَ من صيد الْبر مِمَّا لَيْسَ لَهُ قرن الْحمار والنعامة فَجَزَاؤُهُ من الْبدن وَمَا كَانَ من صيد الْبر ذَوَات الْقُرُون فَجَزَاؤُهُ من الْبَقر وَمَا كَانَ من الظباء فَفِيهِ من الْغنم والأرنب فِيهِ ثنية من الْغنم واليربوع فِيهِ برق وَهُوَ الْحمل وَمَا كَانَ من حمامة أونحوها من الطير فَفِيهَا شَاة وَمَا كَانَ من جَرَادَة أونحوها فَفِيهَا قَبْضَة من طَعَام
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أَرَأَيْت إِن قتلت صيدا فَإِذا هُوَ أَعور أَو أعرج أَو مَنْقُوص أغرم مثله قَالَ: نعم إِن شِئْت
قَالَ عَطاء: وَإِن قتلت ولد بقرة وحشية فَفِيهِ ولد بقرة إنسية مثله فَكل ذَلِك على ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك بن مُزَاحم فِي قَوْله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} قَالَ: مَا كَانَ من صيد الْبر مِمَّا لَيْسَ لَهُ قرن الْحمار أَو النعامة فَعَلَيهِ مثله من الْإِبِل وَمَا كَانَ ذَا قرن من صيد الْبر من وعل أَو إبل فَجَزَاؤُهُ من الْبَقر وَمَا كَانَ من ظَبْي فَمن الْغنم مثله وَمَا كَانَ من أرنب فَفِيهَا ثنية وَمَا كَانَ من يَرْبُوع وَشبهه فَفِيهِ حمل صَغِير وَمَا كَانَ من جَرَادَة أَو نَحْوهَا فَفِيهَا قَبْضَة من طَعَام وَمَا كَانَ من طير الْبر فَفِيهِ أَن يقوم وَيتَصَدَّق بِثمنِهِ وَإِن شَاءَ صَامَ لكل نصف صَاع يَوْمًا وَإِن أصَاب فرخ طير بَريَّة أَو بيضها فَالْقيمَة فِيهَا طَعَام أوصوم على الَّذِي يكون فِي الطير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الضبع صيد فَإِذا أَصَابَهُ الْمحرم فَفِيهِ جَزَاء كَبْش مسن وتؤكل(3/189)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء
أَن عمر وَعُثْمَان وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَمُعَاوِيَة قَالُوا: فِي النعامة بَدَنَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر
أَن عمر قضى فِي الأرنب جفرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد أَنهم قَالُوا: فِي الْحمار بقرة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة قَالَ: إِذا أصَاب الْمحرم بقرة الْوَحْش فَفِيهَا جزور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء
أَن رجلا أغلق بَابه على حمامة وفرخيها ثمَّ انْطلق إِلَى عَرَفَات وَمنى فَرجع وَقد مَاتَت فَأتى ابْن عمر فَذكر ذَلِك لَهُ فَجعل عَلَيْهِ ثَلَاثَة من الْغنم وَحكم مَعَه رجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي طير الْحرم شَاة شَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: أول من فدى طير الْحرم بِشَاة عُثْمَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: فِي الْجَرَاد قَبْضَة من طَعَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: تَمْرَة خير من جَرَادَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْقَاسِم قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الْمحرم يصيد الجرادة فَقَالَ: تَمْرَة خير من جَرَادَة
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: مَا أصَاب الْمحرم من شَيْء حكم فِيهِ قِيمَته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي بَيْضَة النعام صِيَام يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج الشَّافِعِي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَابْن مَسْعُود مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة وَأحمد عَن رجل من الْأَنْصَار
أَن رجلا أوطأ بعيره ادحي نعَامَة فَكسر بيضها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْك بِكُل بَيْضَة صَوْم يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن ذكْوَان
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن رجل محرم أصَاب بيض نعام قَالَ: عَلَيْهِ فِي كل بَيْضَة صِيَام يَوْم أَو إطْعَام مِسْكين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الزِّنَاد عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نَحوه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق أبي المهزم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي بيض النعام ثمنه(3/190)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: فِي بيض النعام قِيمَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: فِي بيض النعام قِيمَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي كل بيضتين دِرْهَم وَفِي كل بَيْضَة نصف دِرْهَم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قبيصَة بن جَابر قَالَ: حجَجنَا زمن عمر فَرَأَيْنَا ظَبْيًا فَقَالَ أَحَدنَا لصَاحبه: أَترَانِي أبلغه فَرمى بِحجر فَمَا أَخطَأ خششاه فَقتله فأتينا عمر بن الْخطاب فَسَأَلْنَاهُ عَن ذَلِك وَإِذا إِلَى جنبه رجل يَعْنِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَالْتَفت إِلَيْهِ فَكَلمهُ ثمَّ أقبل على صاحبنا فَقَالَ: أعمدا قَتله أم خطأ قَالَ الرجل: لقد تَعَمّدت رميه وَمَا أردْت قَتله
قَالَ عمر: مَا أَرَاك إِلَّا قد أشركت بَين الْعمد وَالْخَطَأ اعمد إِلَى شَاة فاذبحها وَتصدق بلحمها وأسق إهابها يَعْنِي ادفعه إِلَى مِسْكين يَجعله سقاء فقمنا من عِنْده فَقلت لصاحبي: أَيهَا الرجل أعظم شَعَائِر الله الله مَا درى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يفتيك حَتَّى شاور صَاحبه اعمد إِلَى نَاقَتك فانحرها فَلَعَلَّ ذَلِك
قَالَ قبيصَة: وَمَا أذكر الْآيَة فِي سُورَة الْمَائِدَة {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: فَبلغ عمر مَقَالَتي فَلم يفجأنا إِلَّا وَمَعَهُ الدرة فعلا صَاحِبي ضربا بهَا وَهُوَ يَقُول: أقتلت الصَّيْد فِي الْحرم وسفهت الْفتيا ثمَّ أقبل عليَّ يضربني فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَا أحل لَك مني شَيْئا مِمَّا حرم الله عَلَيْك
قَالَ: يَا قبيصَة إِنِّي أَرَاك شَابًّا حَدِيث السن فصيح اللِّسَان فسيح الصَّدْر وَإنَّهُ قد يكون فِي الرجل تِسْعَة أَخْلَاق صَالِحَة وَخلق سيء فيغلب خلقه السيء أخلاقه الصَّالِحَة فإياك وعثرات الشَّبَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون بن مهْرَان
أَن أَعْرَابِيًا أَتَى أَبَا بكر فَقَالَ: قتلت صيدا وَأَنا محرم فَمَا ترى عليَّ من الْجَزَاء فَقَالَ أَبُو بكر لأبي بن كَعْب وهوجالس عِنْده: مَا ترى فِيهَا فَقَالَ الْأَعرَابِي: أَتَيْتُك وَأَنت خَليفَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَسأَلك فَإِذا أَنْت تسْأَل غَيْرك قَالَ أَبُو بكر: فَمَا تنكر يَقُول الله {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} فشاورت صَاحِبي حَتَّى إِذا اتفقنا على أَمر أمرناك بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن بكر بن عبد الله الْمُزنِيّ قَالَ: كَانَ رجلَانِ من الْأَعْرَاب محرمان فأجاش أَحدهمَا ظَبْيًا فَقتله الآخر فَأتيَا عمر وَعِنْده عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ لَهُ عمر: مَا ترى قَالَ: شَاة
قَالَ: وَأَنا أرى ذَلِك(3/191)
اذْهَبَا فاهديا شَاة فَلَمَّا مضيا قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: مَا درى أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يَقُول حَتَّى سَأَلَ صَاحبه فَسَمعَهَا عمر فردهما وَأَقْبل على الْقَائِل ضربا بِالدرةِ وَقَالَ: تقتل الصَّيْد وَأَنت محرم وَتَغْمِص الْفتيا إِن الله يَقُول {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم} ثمَّ قَالَ: إِن الله لم يرض بعمر وَحده فاستعنت بصاحبي هَذَا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن طَارق بن شهَاب قَالَ: أوطأ أَرْبَد ظَبْيًا فَقتله وَهُوَ محرم فَأتى عمر ليحكم عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عمر: احكم معي
فحكما فِيهِ جدياً قد جمع المَاء وَالشَّجر ثمَّ قَالَ عمر {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مجلز: أَن رجلا سَأَلَ ابْن عمر عَن رجل أصَاب صيدا وهومحرم وَعِنْده عبد الله بن صَفْوَان فَقَالَ ابْن عمر لَهُ: إِمَّا أَن تَقول فأصدقك أَو أَقُول فتصدقني
فَقَالَ ابْن صَفْوَان: بل أَنْت فَقل
فَقَالَ ابْن عمر وَوَافَقَهُ على ذَلِك عبد الله بن صَفْوَان
وَأخرج ابْن سعد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي حريز البَجلِيّ قَالَ: أصبت ظَبْيًا وَأَنا محرم فَذكرت ذَلِك لعمر فَقَالَ: ائْتِ رجلَيْنِ من إخوانك فليحكما عَلَيْك فَأتيت عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وسعداً فحكما عليَّ تَيْسًا أعفر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَمْرو بن حبشِي قَالَ: سَمِعت رجلا سَأَلَ عبد الله بن عمر عَن رجل أصَاب ولد أرنب فَقَالَ: فِيهِ ولد مَاعِز فِيمَا أرى أَنا ثمَّ قَالَ لي: أكذاك فَقلت: أَنْت أعلم مني
فَقَالَ: قَالَ الله {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مليكَة قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن محرم قتل سخلة فِي الْحرم فَقَالَ لي: احكم
فَقلت: أحكم وَأَنت هَهُنَا فَقَالَ: إِن الله يَقُول {يحكم بِهِ ذَوا عدل مِنْكُم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة بن خَالِد قَالَ: لَا يصلح إِلَّا بحكمين لَا يَخْتَلِفَانِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر بن مُحَمَّد بن عَليّ أَن رجلا سَأَلَ عليا عَن الْهَدْي ممَّ هُوَ قَالَ: من الثَّمَانِية الْأزْوَاج فَكَأَن الرجل شكّ فَقَالَ عَليّ: تقْرَأ الْقُرْآن فَكَأَن الرجل قَالَ نعم
قَالَ: أفسمعت الله يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام} الْمَائِدَة الْآيَة 1 قَالَ: نعم
قَالَ: وسمعته يَقُول {لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام}(3/192)
الْحَج الْآيَة 34 {وَمن الْأَنْعَام حمولة وفرشاً} الْأَنْعَام 142 فَكُلُوا من بَهِيمَة الْأَنْعَام قَالَ: نعم
قَالَ: أفسمعته يَقُول {من الضَّأْن اثْنَيْنِ وَمن الْمعز اثْنَيْنِ} {وَمن الْإِبِل اثْنَيْنِ وَمن الْبَقر اثْنَيْنِ} الْأَنْعَام قَالَ: نعم
قَالَ: أفسمعته يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقتلُوا الصَّيْد وَأَنْتُم حرم} الْمَائِدَة الْآيَة 95 إِلَى قَوْله {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} قَالَ الرجل: نعم
فَقَالَ: إِن قتلت ظَبْيًا فَمَا عَليّ قَالَ: شَاة
قَالَ عَليّ: هَديا بَالغ الْكَعْبَة
قَالَ الرجل: نعم
فَقَالَ عَليّ: قد سَمَّاهُ الله بَالغ الْكَعْبَة كَمَا تسمع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عمر قَالَ: إِنَّمَا الْهَدْي ذَوَات الْجوف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} قَالَ: مَحَله مَكَّة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: الْهَدْي والنسك وَالطَّعَام بِمَكَّة وَالصَّوْم حَيْثُ شِئْت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الحكم قَالَ: قيمَة الصَّيْد حَيْثُ أَصَابَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} قَالَ: الْكَفَّارَة فِي قتل مَا دون الأرنب إطْعَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: من قتل الصَّيْد نَاسِيا أَو أَرَادَ غَيره فَأَخْطَأَ بِهِ فَذَلِك الْعمد الْمُكَفّر فَعَلَيهِ مثله {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} فَإِن لم يجد فَابْتَاعَ بِثمنِهِ طَعَاما فَإِن لم يجد صَامَ عَن كل مد يَوْمًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ لي الْحسن بن مُسلم: من أصَاب من الصَّيْد مَا يبلغ أَن يكون فِيهِ شَاة فَصَاعِدا فَذَلِك الَّذِي قَالَ الله {فجزاء مثل مَا قتل من النعم} وَأما {كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين} فَذَلِك الَّذِي لَا يبلغ أَن يكون فِيهِ هدي العصفور يقتل فَلَا يكون هدي قَالَ {أَو عدل ذَلِك صياما} عدل النعامة أَو عدل العصفور أَو عدل ذَلِك كُله
قَالَ ابْن جريج: فَذكرت ذَلِك لعطاء فَقَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن أَو فلصاحبه أَن يخْتَار مَا شَاءَ(3/193)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
أَنه كَانَ يَقُول: إِذا أصَاب الْمحرم شَيْئا من الصَّيْد عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ من النعم فَإِن لم يجد قوم الْجَزَاء دَرَاهِم ثمَّ قومت الدَّرَاهِم طَعَاما بِسعْر ذَلِك الْيَوْم فَتصدق بِهِ فَإِن لم يكن عِنْده طَعَام صَامَ مَكَان كل نصف صَاع يَوْمًا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء وَمُجاهد فِي قَوْله {أَو كَفَّارَة طَعَام مَسَاكِين أَو عدل ذَلِك صياما} قَالَا: هُوَ مَا يُصِيب الْمحرم من الصَّيْد لَا يبلغ أَن يكون فِيهِ الْهَدْي فَفِيهِ طَعَام قِيمَته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: إِن أصَاب إِنْسَان محرم نعَامَة فَإِن لَهُ إِن كَانَ ذَا يسَار أَن يهدي مَا شَاءَ جزوراً أَو عدلها طَعَاما أَو عدلها صياما لَهُ ايتهن شَاءَ من أجل قَوْله عز وَجل فَجَزَاؤُهُ كَذَا
قَالَ: فَكل شَيْء فِي الْقُرْآن أَو فليختر مِنْهُ صَاحبه مَا شَاءَ
قلت لَهُ: أَرَأَيْت إِذا قدر على الطَّعَام أَلا يقدر على عدل الصَّيْد الَّذِي أصَاب قَالَ: ترخيص الله عَسى أَن يكون عِنْده طَعَام وَلَيْسَ عِنْده ثمن الْجَزُور وَهِي الرُّخْصَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي
أَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَمُعَاوِيَة قضوا فِيمَا كَانَ من هدي مِمَّا يقتل الْمحرم من صيد فِيهِ جَزَاء نظر إِلَى قيمَة ذَلِك فأطعم بِهِ الْمَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآن أَو فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ وَمَا كَانَ فَمن لم يجد فَالْأول ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَإِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الشّعبِيّ فِي محرم أصَاب صيدا بخراسان قَالَ: يكفر بِمَكَّة أَو بمنى ويقوِّم الطَّعَام بِسعْر الأَرْض الَّتِي يكفر بهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: مَا كَانَ من دم فبمكة وَمَا كَانَ من صَدَقَة أَو صَوْم حَيْثُ شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس وَعَطَاء
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أَيْن يتَصَدَّق بِالطَّعَامِ قَالَ: بِمَكَّة من أجل أَنه بِمَنْزِلَة الْهَدْي(3/194)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: كَفَّارَة الْحَج بِمَكَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: إِذا قدمت مَكَّة بجزاء صيد فانحره فَإِن الله يَقُول {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} إِلَّا أَن تقدم فِي الْعشْر فيؤخر إِلَى يَوْم النَّحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: هَل لصيامه وَقت قَالَ: لَا إِذا شَاءَ وَحَيْثُ شَاءَ وتعجيله أحب إليَّ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: مَا عدل الطَّعَام من الصّيام قَالَ: لكل مد يَوْم يَأْخُذ زعم بصيام رَمَضَان وبالظهار وَزعم أَن ذَلِك رَأْي يرَاهُ وَلم يسمعهُ من أحد
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {أَو عدل ذَلِك صياما} قَالَ: يَصُوم ثَلَاثَة أَيَّام إِلَى عشرَة أَيَّام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا جعل الطَّعَام ليعلم بِهِ الصّيام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {ليذوق وبال أمره} قَالَ: عُقُوبَة أمره
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قتاد {ليذوق وبال أمره} قَالَ: عَاقِبَة عمله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ من طَرِيق نعيم بن قعنب عَن أبي ذَر {عَفا الله عَمَّا سلف} عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} قَالَ: فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء {عَفا الله عَمَّا سلف} قَالَ: عَمَّا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة {وَمن عَاد} قَالَ: من عَاد فِي الْإِسْلَام {فينتقم الله مِنْهُ} وَعَلِيهِ مَعَ ذَلِك الْكَفَّارَة
قَالَ ابْن جريج: قلت لعطاء: فَعَلَيهِ من الآثام عُقُوبَة قَالَ: لَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
فِي الَّذِي يُصِيب الصَّيْد وَهُوَ محرم يحكم عَلَيْهِ من وَاحِدَة فَإِن عَاد لم يحكم عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك إِلَى الله إِن شَاءَ عاقبه وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ ثمَّ تَلا {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} وَلَفظ أبي الشَّيْخ: وَمن عَاد قيل لَهُ اذْهَبْ ينْتَقم الله مِنْك(3/195)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من قتل شَيْئا من الصَّيْد خطأ وهومحرم حكم عَلَيْهِ كلما قَتله وَمن قَتله مُتَعَمدا حكم عَلَيْهِ فِيهِ مرّة وَاحِدَة فَإِن عَاد يُقَال لَهُ: ينْتَقم الله مِنْك كَمَا قَالَ الله عز وَجل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ
أَن رجلا أصَاب صيدا وَهُوَ محرم فَسَأَلَ شريحاً فَقَالَ: هَل أصبت قبل هَذَا شَيْئا قَالَ: لَا
قَالَ: أما إِنَّك لَو فعلت لم أحكم عَلَيْك ولوكلتك إِلَى الله يكون هُوَ ينْتَقم مِنْك
وَأخرج ابْن جرير وأبوالشيخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: رخص فِي قتل الصَّيْد مرّة فَإِن عَاد لم يَدعه الله حَتَّى ينْتَقم مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم
فِي الَّذِي يقتل الصَّيْد ثمَّ يعود قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: من عَاد لَا يحكم عَلَيْهِ أمره إِلَى الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: يحكم عَلَيْهِ فِي الْعمد مرّة وَاحِدَة فَإِن عَاد لم يحكم عَلَيْهِ وَقيل لَهُ: اذْهَبْ ينْتَقم الله مِنْك وَيحكم عَلَيْهِ فِي الْخَطَأ أبدا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: يحكم عَلَيْهِ كلما عَاد
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كلما أصَاب الصَّيْد الْمحرم حكم عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق زيد أبي الْمُعَلَّى عَن الْحسن
أَن رجلا أصَاب صيدا وَهُوَ محرم فَتجوز عَنهُ ثمَّ عَاد فَأصَاب صيدا آخر فَنزلت نَار من السَّمَاء فَأَحْرَقتهُ فَهُوَ قَوْله {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا عَاد فَبعث الله عَلَيْهِ نَارا فأكلته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليقْتل الْمحرم الْفَأْرَة وَالْعَقْرَب والحدأ والغراب وَالْكَلب الْعَقُور زَاد فِي رِوَايَة وَيقتل الْحَيَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول خمس فواسق فاقتلوهن فِي الْحرم: الحدأ والغراب وَالْكَلب والفأرة وَالْعَقْرَب(3/196)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن مَسْعُود
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر محرما أَن يقتل حَيَّة فِي الْحرم بمنى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يقتل الْمحرم الذِّئْب(3/197)
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)
- قَوْله تَعَالَى: أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعا لكم وللسيارة وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما وَاتَّقوا الله الَّذِي إِلَيْهِ تحشرون
- أخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعا لكم} قَالَ: مَا لَفظه مَيتا فَهُوَ طَعَامه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس عَن أبي بكر الصّديق فِي الْآيَة قَالَ: صَيْده مَا حويت عَلَيْهِ وَطَعَامه مَا لفظ إِلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة
أَن أَبَا بكر الصّديق قَالَ فِي قَوْله {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه} قَالَ: صيد الْبَحْر مَا تصطاده أَيْدِينَا وَطَعَامه مَا لاثه الْبَحْر
وَفِي لفظ: طَعَامه كل مَا فِيهِ وَفِي لفظ: طَعَامه ميتَته
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي الطُّفَيْل عَن أبي بكر الصّديق قَالَ فِي الْبَحْر: هُوَ الطّهُور مَاؤُهُ الْحل ميتَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صيد الْبَحْر حَلَال وماؤه طهُور
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق أبي الزبير عَن عبد الرَّحْمَن مولى بني مَخْزُوم قَالَ: مَا فِي الْبَحْر شَيْء إِلَّا قد ذكَّاه الله لكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خطب أَبُو بكر النَّاس فَقَالَ {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه مَتَاعا لكم} قَالَ: وَطَعَامه مَا قذف بِهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قدمت الْبَحْرين فَسَأَلَنِي أهل الْبَحْرين عَمَّا يقذف الْبَحْر من السّمك فَقلت لَهُم: كلوا فَلَمَّا رجعت سَأَلت عمر بن الْخطاب عَن ذَلِك(3/197)
فَقَالَ: بِمَ أفتيتهم قَالَ: أفتيتهم أَن يَأْكُلُوا
قَالَ: لَو أفتيتهم بِغَيْر ذَلِك لعلوتك بِالدرةِ ثمَّ قَالَ {أحل لكم صيد الْبَحْر وَطَعَامه} فصيده مَا صيد مِنْهُ وَطَعَامه مَا قذف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: صَيْده مَا صيد وَطَعَامه مَا لفظ بِهِ الْبَحْر وَفِي رِوَايَة مَا قذف بِهِ يَعْنِي مَيتا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طرق أُخْرَى عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: صَيْده الطري وَطَعَامه المالح للْمُسَافِر والمقيم
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن ثَابت قَالَ: صَيْده مَا اصطدت
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: مَا حسر عَنهُ فَكل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ: صَيْده مَا اضْطربَ وَطَعَامه مَا قذف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {أحل لكم صيد الْبَحْر} يَعْنِي طَعَامه مالحه وَمَا حسر عَنهُ المَاء وَمَا قذفه فَهَذَا حَلَال لجَمِيع النَّاس محرم وَغَيره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير عَن نَافِع أَن عبد الرَّحْمَن بن أبي هُرَيْرَة سَأَلَ ابْن عمر عَن حيتان أَلْقَاهَا الْبَحْر فَقَالَ ابْن عمر: أميتة هِيَ قَالَ: نعم
فَنَهَاهُ فَلَمَّا رَجَعَ عبد الله إِلَى أَهله أَخذ الْمُصحف فَقَرَأَ سُورَة الْمَائِدَة فَأتى على هَذِه الْآيَة {وَطَعَامه مَتَاعا لكم} فَقَالَ: طَعَامه هُوَ الَّذِي أَلْقَاهُ فألحقه فمره يَأْكُلهُ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي أَيُّوب قَالَ: مَا لفظ الْبَحْر فَهُوَ طَعَامه وَإِن كَانَ مَيتا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: صَيْده مَا اصطدت طرياً وَطَعَامه مَا تزوّدت مملوحاً فِي سفرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان قَالَ: مَا نعلمهُ حرم من صيد الْبَحْر شَيْئا غير الْكلاب(3/198)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَيْمُون الْكرْدِي
أَن ابْن عَبَّاس كَانَ رَاكِبًا فَمر عَلَيْهِ جَراد فَضَربهُ فَقيل لَهُ: قتلت صيدا وَأَنت محرم فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ من صيد الْبَحْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: قَالَ كَعْب الْأَحْبَار لعمر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن هُوَ إِلَّا نثرة حوت يَنْثُرهُ فِي كل عَام مرَّتَيْنِ
يَعْنِي الْجَرَاد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز فِي الْآيَة قَالَ: مَا كَانَ من صيد الْبَحْر يعِيش فِي الْبر وَالْبَحْر فَلَا يصيده وَمَا كَانَ حَيَاته فِي المَاء فَذَلِك لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة {مَتَاعا لكم} لمن كَانَ يحضرهُ الْبَحْر {وللسيارة} قَالَ: السّفر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَطَعَامه} قَالَ: حيتانه {مَتَاعا لكم} لأهل الْقرى {وللسيارة} أهل الْأَسْفَار وأجناس النَّاس كلهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن {وللسيارة} قَالَ: هم المحرمون
وَأخرج الْفرْيَابِيّ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {وللسيارة} قَالَ: الْمُسَافِر يتزوّد مِنْهُ وَيَأْكُل
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق طَاوس عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما} قَالَ: هِيَ مُبْهمَة لَا يحل لَك أكل لحم الصَّيْد وَأَنت محرم وَلَفظ ابْن أبي حَاتِم قَالَ: هِيَ مُبْهمَة صَيْده وَأكله حرَام على الْمحرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق قَالَ: قلت لمجاهد: فَإِنَّهُ صيد اصطيد بهمذان قبل أَن يحرم الرجل بأَرْبعَة أشهر
فَقَالَ: لَا كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: هِيَ مُبْهمَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحَارِث بن نَوْفَل قَالَ: حج عُثْمَان بن عَفَّان فَأتى بِلَحْم صيد صَاده حَلَال فَأكل مِنْهُ عُثْمَان وَلم يَأْكُل عَليّ فَقَالَ عُثْمَان: وَالله مَا صدنَا وَلَا أمرنَا وَلَا أَشَرنَا فَقَالَ عَليّ {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما}(3/199)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن الْحسن
أَن عمر بن الْخطاب لم يكن يرى بَأْسا بِلَحْم الصَّيْد للْمحرمِ إِذا صيد لغيره وَكَرِهَهُ عَليّ بن أبي طَالب
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب
إِن عليا كره لحم الصَّيْد للْمحرمِ على كل حَال
وَأخرج عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ لَا يَأْكُل الصَّيْد وَهُوَ محرم وَإِن صَاده الْحَلَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِسْمَاعِيل قَالَ: سَأَلت الشّعبِيّ عَنهُ فَقَالَ: قد اخْتلف فِيهِ فَلَا تَأْكُل مِنْهُ أحب إليَّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة
أَنه سُئِلَ عَن لحم صيد صَاده حَلَال أيأكله الْمحرم قَالَ: نعم
ثمَّ لَقِي عمر بن الْخطاب فَأخْبرهُ فَقَالَ: لَو أَفْتيت بِغَيْر هَذَا لعلوتك بِالدرةِ إِنَّمَا نهيت أَن تصطاده
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما} فَجعل الصَّيْد حَرَامًا على الْمحرم صَيْده وَأكله حَرَامًا وَإِن كَانَ الصَّيْد صيد قبل أَن يحرم الرجل فَهُوَ حَلَال وَإِن صَاده حرَام للْحَلَال فَلَا يحل أكله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن عبد الرَّحْمَن بن عُثْمَان قَالَ كُنَّا مَعَ طَلْحَة بن عبيد الله وَنحن حرم فأهدي لنا طَائِر فمنا من أكل وَمنا من تورع فَلم يَأْكُل فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طَلْحَة وَافق من أكل وَقَالَ: أكلناه مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اقرأها كَمَا تقرؤها فَإِن الله ختم الْآيَة بِحرَام قَالَ أَبُو عبيد: يَعْنِي {وَحرم عَلَيْكُم صيد الْبر مَا دمتم حرما} يَقُول: فَهَذَا يَأْتِي مَعْنَاهُ على قَتله وعَلى أكل لَحْمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي قَتَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج حَاجا فَخَرجُوا مَعَه فصرف طَائِفَة مِنْهُم فيهم أَبُو قَتَادَة فَقَالَ: خُذُوا سَاحل الْبَحْر حَتَّى نَلْتَقِي فَأخذُوا سَاحل الْبَحْر فَلَمَّا انصرفوا أَحْرمُوا كلهم إِلَّا أَبُو قَتَادَة لم يحرم فَبَيْنَمَا هم يَسِيرُونَ إِذْ رَأَوْا حمر وَحش فَحمل أَبُو قَتَادَة على الْحمر فعقر مِنْهَا أَتَانَا فنزلوا فَأَكَلُوا من لَحمهَا فَقَالُوا: نَأْكُل لحم صيد وَنحن محرمون فحملنا مَا بَقِي من لَحمهَا فَلَمَّا أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا كُنَّا أحرمنا وَقد كَانَ أَبُو قَتَادَة(3/200)
لم يحرم فَرَأَيْنَا حمر وَحش فَحمل عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَة فعقر مِنْهَا أَتَانَا فنزلنا فأكلنا من لَحمهَا ثمَّ قُلْنَا أنأكل لحم صيد وَنحن محرمون فحملنا مَا بَقِي من لَحمهَا
قَالَ: أمنكم أحد أمره أَن يحمل عَلَيْهَا أَو أَشَارَ إِلَيْهَا قَالُوا: لَا
قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِي من لَحمهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لحم صيد الْبر لكم حَلَال وَأَنْتُم حرم مَا لم تصيدوه أَو يصد لكم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ يَا زيد بن أَرقم أعلمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهدي لَهُ بيضات نعام وَهُوَ حرَام فردهن قَالَ: نعم
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حج أَو عمْرَة فَاسْتقْبلنَا رَحل جَراد فَجعلنَا نضربهن بعصينا وسياطنا فنقتلهن فأسقط فِي أَيْدِينَا فَقُلْنَا: مَا نصْنَع وَنحن محرمون فسألنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا بَأْس بصيد الْبَحْر
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: كل شَيْء عَاشَ فِي الْبر وَالْبَحْر فَأَصَابَهُ الْمحرم فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة(3/201)
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97)
- قَوْله تَعَالَى: جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس والشهر الْحَرَام وَالْهَدْي والقلائد ذَلِك لِتَعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْض وَإِن الله بِكُل شَيْء عليم
- أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: إِنَّمَا سميت الْكَعْبَة لِأَنَّهَا مربعة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: إِنَّمَا سميت الْكَعْبَة لتربيعها
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس} قَالَ: قيَاما لدينهم ومعالم لحجهم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: قِيَامهَا أَن يَأْمَن من توجه إِلَيْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {قيَاما للنَّاس} قَالَ: قواماً للنَّاس(3/201)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير {قيَاما للنَّاس} قَالَ: صلاحاً لدينهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير {قيَاما للنَّاس} قَالَ: شدَّة لدينهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير {قيَاما للنَّاس} قَالَ: عصمَة فِي أَمر دينهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَ النَّاس كلهم فيهم مُلُوك يدْفع بَعضهم عَن بعض وَلم يكن فِي الْعَرَب مُلُوك يدْفع بَعضهم عَن بعض فَجعل الله لَهُم الْبَيْت الْحَرَام قيَاما يدْفع بَعضهم عَن بعض بِهِ {والشهر الْحَرَام} كَذَلِك يدْفع الله بَعضهم عَن بعض بِالْأَشْهرِ الْحرم والقلائد ويلقي الرجل قَاتل أَبِيه أَو ابْن عَمه فَلَا يعرض لَهُ وَهَذَا كُله قد نسخ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب قَالَ: جعل الله الْبَيْت الْحَرَام والشهر الْحَرَام قيَاما للنَّاس يأمنون بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة الأولى لَا يخَاف بَعضهم بَعْضًا حِين يلقونهم عِنْد الْبَيْت أَو فِي الْحرم أَو فِي الشَّهْر الْحَرَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس والشهر الْحَرَام وَالْهَدْي والقلائد} قَالَ: حواجز أبقاها الله فِي الْجَاهِلِيَّة بَين النَّاس فَكَانَ الرجل لَو جر كل جريرة ثمَّ لَجأ الْحرم لم يتَنَاوَل وَلم يقرب وَكَانَ الرجل لَو لَقِي قَاتل أَبِيه فِي الشَّهْر الْحَرَام لم يعرض لَهُ وَلم يقربهُ وَكَانَ الرجل لَو لَقِي الْهَدْي مُقَلدًا وَهُوَ يَأْكُل العصب من الْجُوع لم يعرض لَهُ وَلم يقربهُ وَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ الْبَيْت تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من النَّاس وَكَانَ إِذا نفر تقلد قلادة من الْإِذْخر أَو من السمر فمنعته من النَّاس حَتَّى يَأْتِي أَهله حواجز أبقاها الله بَين النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس} قَالَ: لَا يزَال النَّاس على دين مَا حجُّوا الْبَيْت واستقبلوا الْقبْلَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: جعل الله هَذِه الْأَرْبَعَة قيَاما للنَّاس هِيَ قوام أَمرهم(3/202)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده فِي قَوْله {قيَاما للنَّاس} قَالَ: تعظيمهم إِيَّاهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل بن حَيَّان {قيَاما للنَّاس} يَقُول: قواماً علما لقبلتهم وَأمنا هم فِيهِ آمنون
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم {قيَاما للنَّاس} قَالَ: أمنا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن مُسلم بن هُرْمُز قَالَ: حَدثنِي من أصدق قَالَ: تنصب الْكَعْبَة يَوْم الْقِيَامَة للنَّاس تخبرهم بأعمالهم فِيهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي مجلز
أَن أهل الْجَاهِلِيَّة كَانَ الرجل مِنْهُم إِذا أحرم تقلد قلادة من شعر فَلَا يعرض لَهُ أحد فَإِذا حج وَقضى حجه تقلد قلادة من إذخرفقال الله {جعل الله الْكَعْبَة الْبَيْت الْحَرَام قيَاما للنَّاس والشهر الْحَرَام} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا إِذا دخل الشَّهْر الْحَرَام وضعُوا السِّلَاح وَمَشى بَعضهم إِلَى بعض
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الْعَرَب فِي جَاهِلِيَّتهَا جعل الله هَذَا لَهُم شَيْئا بَينهم يعيشون بِهِ فَمن انتهك شَيْئا من هَذَا أَو هَذَا لم يناظره الله حَتَّى بعد ذَلِك {لِتَعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض}
وَالله تَعَالَى أعلم(3/203)
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)
- قَوْله تَعَالَى: اعلموا أَن الله شَدِيد الْعقَاب وَأَن الله غَفُور رَحِيم مَا على الرَّسُول إِلَّا الْبَلَاغ وَالله يعلم مَا تبدون وَمَا تكتمون
- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَن أَبَا بكر الصّديق حِين حَضرته الْوَفَاة قَالَ: ألم ترَ أَن الله ذكر آيَة الرخَاء عِنْد آيَة الشدَّة وَآيَة الشدَّة عِنْد آيَة الرخَاء ليَكُون الْمُؤمن رَاغِبًا رَاهِبًا لَا يتَمَنَّى على الله غير الْحق وَلَا يلقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة(3/203)
قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
- قَوْله تَعَالَى: قل لَا يَسْتَوِي الْخَبيث وَالطّيب وَلَو أعْجبك كَثْرَة الْخَبيث فَاتَّقُوا الله يَا أولي الْأَلْبَاب لَعَلَّكُمْ تفلحون(3/203)
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: الْخَبيث هم الْمُشْركُونَ وَالطّيب هم الْمُؤْمِنُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لدرهم حَلَال أَتصدق بِهِ أحب إليَّ من مائَة ألف وَمِائَة ألف حرَام فَإِن شِئْتُم فاقرأوا كتاب الله {قل لَا يَسْتَوِي الْخَبيث وَالطّيب}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم حَدثنَا يُونُس بن عبد الْأَعْلَى حَدثنَا ابْن وهب حَدثنِي يَعْقُوب بن عبد الرَّحْمَن الاسكندراني قَالَ: كتب إِلَى عمر عبد العزبز بعض عماله يذكر أَن الْخراج قد انْكَسَرَ فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن الله يَقُول {لَا يَسْتَوِي الْخَبيث وَالطّيب وَلَو أعْجبك كَثْرَة الْخَبيث} فَإِن اسْتَطَعْت أَن تكون فِي الْعدْل والإصلاح وَالْإِحْسَان بِمَنْزِلَة من كَانَ قبلك فِي الظُّلم والفجور والعدوان فافعل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {يَا أولي الْأَلْبَاب} يَقُول: من كَانَ لَهُ لب أَو عقل(3/204)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ (102)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسئلوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ وَإِن تسئلوا عَنْهَا حِين ينزل الْقُرْآن تبد لكم عَفا الله عَنْهَا وَالله غَفُور حَلِيم قد سَأَلَهَا قوم من قبلكُمْ ثمَّ أَصْبحُوا بهَا كَافِرين
- أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ خطب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة مَا سَمِعت مثلهَا قطّ فَقَالَ رجل: من أبي قَالَ فلَان فَنزلت هَذِه الْآيَة {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق قَتَادَة عَن أنس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسؤْكُم} أَن النَّاس سَأَلُوا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أحفوه بِالْمَسْأَلَة فَخرج ذَات يَوْم حَتَّى صعد الْمِنْبَر فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْم عَن شَيْء إِلَّا أنبأتكم بِهِ فَلَمَّا سمع ذَلِك الْقَوْم أرموا وظنوا أَن ذَلِك بَين يَدي أَمر قد حضر فَجعلت الْتفت عَن يَمِيني وشمالي فَإِذا كل رجل لاف ثَوْبه بِرَأْسِهِ يبكي فَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله من أبي(3/204)
قَالَ: أَبوك حذافة وَكَانَ إِذا لحى يدعى إِلَى غير أَبِيه فَقَالَ عمر بن الْخطاب: رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا ونعوذ بِاللَّه من سوء الْفِتَن
قَالَ: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا رَأَيْت فِي الْخَيْر وَالشَّر كَالْيَوْمِ قطّ إِن الْجنَّة وَالنَّار مثلتا لي حَتَّى رأيتهما دون الْحَائِط
قَالَ قَتَادَة: وَإِن الله يرِيه مَا لَا ترَوْنَ ويسمعه مَا لَا تَسْمَعُونَ
قَالَ: وَأنزل عَلَيْهِ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة
قَالَ قَتَادَة: وَفِي قِرَاءَة أبي بن كَعْب (قد سَأَلَهَا قوم بيّنت لَهُم فَأَصْبحُوا بهَا كَافِرين)
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ نَاس يسْأَلُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استهزاء فَيَقُول الرجل: من أبي وَيَقُول الرجل تضل نَاقَته: أَيْن نَاقَتي فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} حَتَّى فرغ من الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عون قَالَ: سَأَلت عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس عَن قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} قَالَ: ذَاك يَوْم قَامَ فيهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أَخْبَرتكُم بِهِ فَقَامَ رجل فكره الْمُسلمُونَ مقَامه يَوْمئِذٍ فَقَالَ: يَا رَسُول الله من أبي قَالَ: أَبوك حذافة
فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن طَاوس قَالَ نزلت {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} فِي رجل قَالَ: يَا رَسُول الله من أبي قَالَ: أَبوك فلَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة
قَالَ: غضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا من الْأَيَّام فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: سلوني فَإِنَّكُم لَا تَسْأَلُونِي عَن شَيْء إِلَّا أنبأتكم بِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ رجل من قُرَيْش من بني سهم يُقَال لَهُ عبد الله بن حذافة - وَكَانَ يطعن فِيهِ - فَقَالَ: يَا رَسُول الله من أبي قَالَ: أَبوك فلَان فَدَعَاهُ لِأَبِيهِ فَقَامَ إِلَيْهِ عمر فَقبل رجله وَقَالَ: يَا رَسُول الله رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا وَبِك نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا فَاعْفُ عَنَّا عَفا الله عَنْك فَلم يزل بِهِ حَتَّى رَضِي فَيَوْمئِذٍ قَالَ: الْوَلَد للْفراش وللعاهر الْحجر وَأنزل عَلَيْهِ {قد سَأَلَهَا قوم من قبلكُمْ}
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غَضْبَان محمار الوجهه حَتَّى جلس على الْمِنْبَر فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: أَيْن(3/205)
آبَائِي قَالَ: فِي النَّار
فَقَامَ آخر فَقَالَ: من أبي فَقَالَ: أَبوك حذافة
فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا إِنَّا يَا رَسُول الله حَدِيث عهد بجاهلية وشرك وَالله أعلم مَنْ آبَاؤُنَا فسكن غَضَبه وَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء}
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله تَعَالَى قد افْترض عَلَيْكُم الْحَج فَقَامَ رجل فَقَالَ: لكل عَام يَا رَسُول الله فَسكت عَنهُ حَتَّى أَعَادَهَا ثَلَاث مَرَّات قَالَ: لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت مَا قُمْتُم بهَا ذروني مَا تركتكم فَإِنَّمَا هلك الَّذين قبلكُمْ بِكَثْرَة سُؤَالهمْ وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ فَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَاجْتَنبُوهُ وَإِذا أَمرتكُم بِشَيْء فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم وَذكر أَن هَذِه الْآيَة فِي الْمَائِدَة نزلت فِي ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس كتب الله عَلَيْكُم الْحَج
فَقَامَ عكاشة بن مُحصن الْأَسدي فَقَالَ: أَفِي كل عَام يارسول الله قَالَ: أما أَنِّي لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت ثمَّ تركتكم لَضَلَلْتُمْ اسْكُتُوا عني مَا سكت عَنْكُم فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بسؤالهم وَاخْتِلَافهمْ على أَنْبِيَائهمْ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى كتب عَلَيْكُم الْحَج
فَقَالَ رجل من الْأَعْرَاب: أَفِي كل عَام فَسكت طَويلا ثمَّ تكلم فَقَالَ: من السَّائِل فَقَالَ: أَنا ذَا
فَقَالَ: وَيحك
مَاذَا يُؤمنك أَن أَقُول نعم وَالله لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت لتركتم وَلَو تركْتُم لكَفَرْتُمْ أَلا أَنه إِنَّمَا أهلك الَّذين من قبلكُمْ أَئِمَّة الْحَرج وَالله لَو أَنِّي أحللت لكم جَمِيع مَا فِي الأَرْض من شَيْء وَحرمت عَلَيْكُم مِنْهَا مَوضِع خف بعير لوقعتم فِيهِ وَأنزل الله عِنْد ذَلِك {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كتب الله عَلَيْكُم الْحَج
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله كل عَام فَأَعْرض عَنهُ ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي(3/206)
نَفسِي بِيَدِهِ لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت مَا أطقتموها وَلَو تَرَكْتُمُوهَا لكَفَرْتُمْ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيْن أبي قَالَ: فِي النَّار
ثمَّ جَاءَ آخر فَقَالَ: يَا رَسُول الله الْحَج كل عَام فَغَضب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحول وركه فَدخل الْبَيْت ثمَّ خرج فَقَالَ: لم تَسْأَلُونِي عَمَّا لَا أَسأَلكُم عَنهُ ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ عَلَيْكُم كل عَام ثمَّ لكَفَرْتُمْ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارقطني وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ لما نزلت {وَللَّه على النَّاس حجُّ الْبَيْت} آل عمرَان الْآيَة 97 قَالُوا: يَا رَسُول الله أَفِي كل عَام فَسكت ثمَّ قَالُوا: أَفِي كل عَام قَالَ: لَا: وَلَو قلت نعم لَوَجَبَتْ فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت آيَة الْحَج أذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّاس فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِن الله قد كتب عَلَيْكُم الْحَج فحجوا
فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أعاماً وَاحِدًا أم كل عَام فَقَالَ: لَا بل عَاما وَاحِدًا وَلَو قلت كل عَام لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت لكَفَرْتُمْ وَأنزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن فِي النَّاس فَقَالَ: يَا قوم كتب عَلَيْكُم الْحَج فَقَامَ رجل من بني أَسد فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَفِي كل عَام فَغَضب غَضبا شَدِيدا فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو قلت نعم لَوَجَبَتْ وَلَو وَجَبت مَا اسْتَطَعْتُم وَإِذن لكَفَرْتُمْ فَاتْرُكُونِي ماتركتكم واذ أَمرتكُم بِشَيْء فافعلوا وَإِذا نَهَيْتُكُمْ عَن شَيْء فَانْتَهوا عَنهُ فَأنْزل الله {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} نَهَاهُم أَن يسْأَلُوا عَن مثل الَّذِي سَأَلت النَّصَارَى من الْمَائِدَة فَأَصْبحُوا بهَا كَافِرين فَنهى الله عَن ذَلِك وَقَالَ {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} أَي إِن نزل الْقُرْآن فِيهَا بتغليظ ساءكم ذَلِك وَلَكِن انتظروا فَإِذا نزل الْقُرْآن فَإِنَّكُم لَا تسْأَلُون عَن شَيْء إِلَّا وجدْتُم تبيانه(3/207)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ: ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج
فَقيل: أواجب هُوَ يَا رَسُول الله كل عَام قَالَ: لَا وَلَو قلتهَا لَوَجَبَتْ عَلَيْكُم كل عَام وَلَو وَجَبت مَا أطقتم وَلَو لم تُطِيقُوا لكَفَرْتُمْ ثمَّ قَالَ: سلوني فَلَا يسألني رجل فِي مجلسي هَذَا عَن شَيْء إِلَّا أخْبرته وَإِن سَأَلَني عَن أَبِيه
فَقَامَ إِلَيْهِ رجل فَقَالَ: من أبي قَالَ: أَبوك حذافة بن قيس
فَقَامَ عمر فَقَالَ: يَا رَسُول الله رَضِينَا بِاللَّه رَبًّا وبالإِسلام دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا ونعوذ بِاللَّه من غَضَبه وَغَضب رَسُوله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: إِن كَانُوا ليسألون عَن الشَّيْء وَهُوَ لَهُم حَلَال فَمَا يزالون يسْأَلُون حَتَّى يحرم عَلَيْهِم وَإِذا حرم عَلَيْهِم وَقَعُوا فِيهِ
وَأخرج الشَّافِعِي وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن الْمُنْذر عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم الْمُسلمين فِي الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم فَحرم من أجل مَسْأَلته
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ثَعْلَبَة الْخُشَنِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله حد حدوداً فَلَا تعتدوها وَفرض لكم فَرَائض فَلَا تضيعوها وَحرم أَشْيَاء فَلَا تنتهكوها وَترك أَشْيَاء فِي غير نِسْيَان وَلَكِن رَحْمَة مِنْهُ لكم فاقبلوها وَلَا تبحثوا عَنْهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق خصيف عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ يَعْنِي بحيرة والسائبة والوصيلة والحام أَلا ترى أَنه يَقُول بعد ذَلِك: مَا جعل الله من كَذَا وَلَا كَذَا قَالَ: وَأما عِكْرِمَة فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّهُم كَانُوا يسألونه عَن الْآيَات فنهوا عَن ذَلِك ثمَّ قَالَ {قد سَأَلَهَا قوم من قبلكُمْ ثمَّ أَصْبحُوا بهَا كَافِرين} قَالَ: فَقلت: قد حَدثنِي مُجَاهِد بِخِلَاف هَذَا عَن ابْن عَبَّاس فَمَا لَك تَقول هَذَا فَقَالَ: هاه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عبد الْكَرِيم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ: هُوَ الَّذِي سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من أبي وَأما سعيد بن جُبَير فَقَالَ: هم الَّذين سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْبحيرَة والسائبة وَأما مقسم فَقَالَ: هِيَ فِيمَا سَأَلت الْأُمَم أنبياءها عَن الْآيَات(3/208)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن نَافِع فِي قَوْله {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ: مَا زَالَ كَثْرَة السُّؤَال مذ قطّ تكره
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم
أَنه قَرَأَ (تبد لكم) بِرَفْع التَّاء وَنصب الدَّال
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عبد الْملك بن أبي جُمُعَة الْأَزْدِيّ قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن كسب الكناس فَقَالَ لي: وَيحك
مَا تسْأَل عَن شَيْء لَو ترك فِي مَنَازِلكُمْ لضاقت عَلَيْكُم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ مردف الْفضل بن عَبَّاس على جمل آدم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس خُذُوا الْعلم قبل رَفعه وَقَبضه
قَالَ: وَكُنَّا نهاب مَسْأَلته بعد تَنْزِيل الله الْآيَة {لَا تسألوا عَن أَشْيَاء أَن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} فقدمنا إِلَيْهِ أَعْرَابِيًا فرشوناه برداء على مَسْأَلته فاعتم بهَا حَتَّى رَأَيْت حَاشِيَة الْبرد على حَاجِبه الْأَيْمن وَقُلْنَا لَهُ: سل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ يرفع الْعلم وَهَذَا الْقُرْآن بَين أظهرنَا وَقد تعلمناه وعلمناه نِسَاءَنَا وذرارينا وخدامنا فَرفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأسه قد علا وَجهه حمرَة من الْغَضَب فَقَالَ: أوليست الْيَهُود وَالنَّصَارَى بَين أظهرها الْمَصَاحِف وَقد أَصْبحُوا مَا يتعلقون مِنْهَا بِحرف مِمَّا جَاءَ بِهِ أنبياؤهم أَلا وَإِن ذهَاب الْعلم أَن تذْهب حَملته
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} قَالَ: فَنحْن نَسْأَلهُ إِذْ قَالَ: ان لله عبادا لَيْسُوا بِأَنْبِيَاء وَلَا شُهَدَاء يَغْبِطهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاء بقربهم ومقعدهم من الله يَوْم الْقِيَامَة
فَقَالَ أَعْرَابِي: من هم يَا رَسُول الله قَالَ: هم عباد من عباد الله من بلدان شَتَّى وقبائل شَتَّى من شعوب الْقَبَائِل لم تكن بَينهم أَرْحَام يتواصلون بهَا وَلَا دنيا يتبادلون بهَا يتحابون بِروح الله يَجْعَل الله وُجُوههم نورا وَيجْعَل لَهُم مَنَابِر من لُؤْلُؤ قُدَّام الرَّحْمَن يفزع النَّاس وَلَا يفزعون وَيخَاف النَّاس وَلَا يخَافُونَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَالك بن بُحَيْنَة قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أهل الْمقْبرَة ثَلَاث مَرَّات وَذَلِكَ بعد نزُول هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ}(3/209)
فاسكت الْقَوْم
فَقَامَ أَبُو بكر فَأتى عَائِشَة فَقَالَ: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على أهل الْمقْبرَة فَقَالَت عَائِشَة: صليت على أهل الْمقْبرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تِلْكَ مَقْبرَة بعسقلان يحْشر مِنْهَا سَبْعُونَ ألف شَهِيد
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة والخرائطي فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن معَاذ بن جبل قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتقدمت بِهِ رَاحِلَته ثمَّ إِن رَاحِلَتي لحقت براحلته حَتَّى تصْحَب ركبتي ركبته فَقلت: يَا رَسُول الله إِنِّي أُرِيد أَن أَسأَلك عَن أَمر يَمْنعنِي مَكَان هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء إِن تبد لكم تَسُؤْكُمْ} قَالَ: مَا هُوَ يَا معَاذ قلت: مَا الْعَمَل الَّذِي يدخلني الْجنَّة وينجيني من النَّار قَالَ: قد سَأَلت عَن عَظِيم وَإنَّهُ يسير شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله واقام الصَّلَاة وايتاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت وَصَوْم رَمَضَان ثمَّ قَالَ: أَلا أخْبرك بِرَأْس الْأَمر وعموده وذروته أما رَأس الْأَمر فالإسلام وعموده الصَّلَاة وَأما ذروته فالجهاد ثمَّ قَالَ: الصّيام جنَّة وَالصَّدَََقَة تكفر الْخَطَايَا وَقيام اللَّيْل وَقَرَأَ {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع} إِلَى آخر الْآيَة
ثمَّ قَالَ: أَلا أنبئكم مَا هُوَ أملك بِالنَّاسِ من ذَلِك ثمَّ أخرج لِسَانه فأمسكه بَين أصبعيه فَقلت: يَا رَسُول الله أكل مَا نتكلم بِهِ يكْتب علينا قَالَ: ثكلتك أمك
وَهل يكب النَّاس على مناخرهم فِي النَّار إِلَّا حصائد ألسنتهم إِنَّك لن تزَال سالما مَا أَمْسَكت فَإِذا تَكَلَّمت كتب عَلَيْك أَو لَك(3/210)
مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (104)
- قَوْله تَعَالَى: مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حام وَلَكِن الَّذين كفرُوا يفترون على الله الْكَذِب وَأَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ وَإِذا قيل لَهُم تَعَالَوْا إِلَى مَا أنزل الله وَإِلَى الرَّسُول قَالُوا حَسبنَا مَا وجدنَا عَلَيْهِ آبَائِنَا أولو كَانَ آباؤهم لَا يعلمُونَ شَيْئا وَلَا يَهْتَدُونَ
- أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الْبحيرَة
الَّتِي يمْنَع درها للطواغيت وَلَا يحلبها أحد من النَّاس والسائبة: كَانُوا يسيبونها لآلهتهم(3/210)
لَا يحمل عَلَيْهَا شَيْء
قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت عَمْرو بن عَامر الْخُزَاعِيّ يجر قصبه فِي النَّار كَانَ أول من سيب السوائب قَالَ ابْن الْمسيب: والوصيلة
النَّاقة الْبكر تبكر فِي أول نتاج الْإِبِل ثمَّ تثني بعد بأنثى وَكَانُوا يسيبونها لطواغيتهم إِن وصلت إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى لَيْسَ بَينهمَا ذكر والحامي: فَحل الْإِبِل يضْرب الضراب الْمَعْدُود فَإِذا قضى ضرابه وَدعوهُ للطواغيت واعفوه من الْحمل فَلم يحمل شَيْء وسموه الحتمي
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الْأَحْوَص عَن أَبِيه قَالَ: أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خلقان من الثِّيَاب فَقَالَ لي: هَل لَك من مَال قلت: نعم
قَالَ: من أَي مَال قلت: من كل المَال من الْإِبِل وَالْغنم وَالْخَيْل وَالرَّقِيق
قَالَ: فَإِذا آتاك الله مَالا فلير عَلَيْك ثمَّ قَالَ: تنْتج إبلك رافية آذانها قلت: نعم وَهل تنْتج الْإِبِل إِلَّا كَذَلِك قَالَ: فلعلك تَأْخُذ مُوسَى قتقطع آذان طَائِفَة مِنْهَا وَتقول: هَذِه بَحر وتشق آذان طَائِفَة مِنْهَا وَتقول: هَذِه الصرم قلت: نعم
قَالَ: فَلَا تفعل إِن كل مَا آتاك الله لَك حل ثمَّ قَالَ {مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة وَلَا وصيلة وَلَا حام} قَالَ أَبُو الْأَحْوَص: أما الْبحيرَة فَهِيَ الَّتِي يجدعون آذانها فَلَا تنْتَفع امْرَأَته وَلَا بَنَاته وَلَا أحد من أهل بَيته بصوفها وَلَا أوبارها وَلَا أشعارها وَلَا أَلْبَانهَا فَإِذا مَاتَت اشْتَركُوا فِيهَا
وَأما السائبة: فَهِيَ الَّتِي يسيبون لآلهتهم
وَأما الوصيلة: فالشاة تَلد سِتَّة أبطن وتلد السَّابِع جدياً وعناقاً فَيَقُولُونَ: قد وصلت فَلَا يذبحونها وَلَا تضرب وَلَا تمنع مهما وَردت على حَوْض وَإِذا مَاتَت كَانُوا فِيهَا سَوَاء
والحام من الْإِبِل إِذا أدْرك لَهُ عشرَة من صلبه كلهَا تضرب حمى ظَهره فَسُمي الحام فَلَا ينْتَفع لَهُ بوبر وَلَا ينْحَر وَلَا يركب لَهُ ظهر فَإِذا مَاتَ كَانُوا فِيهِ سَوَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْبحيرَة
هِيَ النَّاقة إِذا أنتجت خَمْسَة أبطن نظرُوا إِلَى الْخَامِس فَإِن كَانَ ذكرا ذبحوه فَأَكله الرِّجَال دون النِّسَاء وَإِن كَانَت أُنْثَى جدعوا آذانها فَقَالُوا: هَذِه بحيرة
وَأما السائبة: فَكَانُوا يسيبون من أنعامهم لآلهتهم لَا يركبون لَهَا ظهرا وَلَا يحلبون لَهَا لَبَنًا وَلَا يجزون لَهَا وَبرا وَلَا يحملون عَلَيْهَا شَيْئا
وَأما(3/211)
الوصيلة: فالشاة إِذا أنتجت سَبْعَة أبطن نظرُوا السَّابِع فَإِن كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى وَهُوَ ميت اشْترك فِيهِ الرِّجَال دون النِّسَاء وَإِن كَانَت أُنْثَى اسحيوها وَإِن كَانَ ذكرا وَأُنْثَى فِي بطن استحيوهما وَقَالُوا: وصلته أُخْته فحرمته علينا
وَأما الحام: فالفحل من الْإِبِل إِذا ولد لوَلَده قَالُوا: حمى هَذَا ظَهره فَلَا يحملون عَلَيْهِ شَيْئا وَلَا يجزون لَهُ وَبرا وَلَا يمنعونه من حمى رعي وَلَا من حَوْض يشرب مِنْهُ وَإِن كَانَ الْحَوْض لغير صَاحبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مَا جعل الله من بحيرة} قَالَ: الْبحيرَة النَّاقة كَانَ الرجل إِذا ولدت خَمْسَة فيعمد إِلَى الْخَامِسَة فَمَا لم تكن سقيا فيبتك آذانها وَلَا يجز لَهَا وَبرا وَلَا يَذُوق لَهَا لَبَنًا فَتلك الْبحيرَة {وَلَا سائبة} كَانَ الرجل يسيب من مَاله مَا شَاءَ {وَلَا وصيلة} فَهِيَ الشَّاة إِذا ولدت سبعا عمد إِلَى السَّابِع فَإِن كَانَ ذكرا ذبح وَإِن كَانَت أُنْثَى تركت وَإِن كَانَ فِي بَطنهَا اثْنَان ذكر وَأُنْثَى فولدتهما قَالُوا: وصلت أخاها فيتركان جَمِيعًا لَا يذبحان فَتلك الوصيلة {وَلَا حام} كَانَ الرجل يكون لَهُ الْفَحْل فَإِذا ألقح عشرا قيل: حام فاتركوه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مَا جعل الله من بحيرة} الْآيَة
قَالَ: الْبحيرَة من الْإِبِل كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يحرمُونَ وبرها وظهرها ولحمها ولبنها إِلَّا على الرِّجَال فَمَا ولدت من ذكر وَأُنْثَى فَهُوَ على هيئتها فَإِن مَاتَت اشْترك الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أكل لَحمهَا فَإِذا ضرب من ولد الْبحيرَة فَهُوَ الحامي والسائبة من الْغنم على نَحْو ذَلِك إِلَّا أَنَّهَا مَا ولدت من ولد بَينهَا وَبَين سِتَّة أَوْلَاد كَانَ على هيئتها فَإِذا ولدت فِي السَّابِع ذكرا أَو أُنْثَى أَو ذكرين ذبحوه فَأَكله رِجَالهمْ دون نِسَائِهِم وَإِن توأمت أُنْثَى وَذكر فَهِيَ وصيلة ترك ذبح الذّكر بِالْأُنْثَى وَإِن كَانَتَا أنثيين تركتا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر فاستأخر عَن قبلته وَأعْرض بِوَجْهِهِ وتعوَّذ بِاللَّه ثمَّ دنا من قبلته حَتَّى رَأَيْنَاهُ يتَنَاوَل بِيَدِهِ فَلَمَّا سلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُلْنَا: يَا نَبِي الله لقد صنعت الْيَوْم فِي صَلَاتك شَيْئا ماكنت تَصنعهُ
قَالَ: نعم عرضت عليَّ فِي مقَامي هَذَا الْجنَّة وَالنَّار فَرَأَيْت فِي النَّار مَا لَا يُعلمهُ إِلَّا الله وَرَأَيْت فِيهَا الحميرية صَاحِبَة الْهِرَّة الَّتِي ربطتها فَلم(3/212)
تطعمها وَلم تسقها وَلم ترسلها فتأكل من خشَاش الأَرْض حَتَّى مَاتَت فِي رباطها وَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بن لحي يجر قصبه فِي النَّار وَهُوَ الَّذِي سيَّب السوائب وبحر الْبحيرَة وَنصب الْأَوْثَان وغيَّر دين إِسْمَاعِيل وَرَأَيْت فِيهَا عمرَان الْغِفَارِيّ مَعَه محجنه الَّذِي كَانَ يسرق بِهِ الْحَاج
قَالَ: وسمى لي الرَّابِع فَنسيته
وَرَأَيْت الْجنَّة فَلم أر مثل مَا فِيهَا فتناولت مِنْهَا قطفاً لأريكموه فحيل بيني وَبَينه فَقَالَ رجل من الْقَوْم: كَيفَ تكون الْحبَّة مِنْهُ قَالَ: كأعظم دلو فرته أمك قطّ
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَق: فَسَأَلت عَن الرَّابِع فَقَالَ: هُوَ صَاحب ثنيتي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي نزعهما
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت جَهَنَّم يحطم بَعْضهَا بَعْضًا وَرَأَيْت عمرا يجر قصبه فِي النَّار وَهُوَ أول من سيب السوائب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لأكتم بن الجون: يَا أكتم عرضت عليَّ النَّار فَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه فِي النَّار فَمَا رَأَيْت رجلا أشبه بِرَجُل مِنْك بِهِ وَلَا بِهِ مِنْك
فَقَالَ أكتم: أخْشَى أَن يضرني شبهه يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا إِنَّك مُؤمن وَهُوَ كَافِر إِنَّه أول من غيَّر دين إِبْرَاهِيم وبحر الْبحيرَة وسيب السائبة وَحمى الحامي
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن أول من سيب السوائب وَعبد الْأَصْنَام أَبُو خُزَاعَة عَمْرو بن عَامر وَإِنِّي رَأَيْته يجر أمعاءه فِي النَّار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن زيد بن أسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي لأعرف أول من سيَّب السوائب وَنصب النصب وَأول من غير دين إِبْرَاهِيم قَالُوا: من هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ: عَمْرو بن لحي أَخُو بني كَعْب لقد رَأَيْته يجر قصبه فِي النَّار يُؤْذِي أهل النَّار ريح قصبه وَإِنِّي لأعرف من بَحر البحائر
قَالُوا: من هُوَ يَا رَسُول الله قَالَ: رجل من بني مُدْلِج كَانَت لَهُ ناقتان فجدع آذانهما وَحرم ألبانهما وَظُهُورهمَا وَقَالَ: هَاتَانِ لله ثمَّ احْتَاجَ إِلَيْهِمَا فَشرب ألبانهما وَركب ظهورهما قَالَ: فَلَقَد رَأَيْته فِي النَّار وهما يقضمانه بأفواههما ويطآنه بأخفافهما(3/213)
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي بن كَعْب قَالَ: بَينا نَحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الظّهْر وَالنَّاس فِي الصُّفُوف خَلفه فرأيناه تنَاول شَيْئا فَجعل يتَنَاوَلهُ فَتَأَخر فَتَأَخر النَّاس ثمَّ تَأَخّر الثَّانِيَة فَتَأَخر النَّاس فَقلت: يَا رَسُول الله رَأَيْنَاك صنعت الْيَوْم شَيْئا مَا كنت تَصنعهُ فِي الصَّلَاة فَقَالَ: إِنَّه عرضت عَليّ الْجنَّة بِمَا فِيهَا من الزهرة والنضرة فتناولت قطفاً من عنبها وَلَو أَخَذته لأكل مِنْهُ من بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَا ينقصونه فحيل بيني وَبَينه وَعرضت عَليّ النَّار فَلَمَّا وجدت سفعتها تأخَّرت عَنْهَا وَأكْثر من رَأَيْت فِيهَا النِّسَاء إِن ائْتمن أفشين وَإِن سألن ألحفن وَإِذا سئلن بخلن وَإِذا أعطين لم يشكرن وَرَأَيْت فِيهَا عَمْرو بن لحي يجر قصبه فِي النَّار وأشبه من رَأَيْت بِهِ معبد بن أكتم الْخُزَاعِيّ فَقَالَ معبد: يَا رَسُول الله أتخشى عليّ من شبهه قَالَ: لَا أَنْت مُؤمن وَهُوَ كَافِر وَهُوَ أول من حمل الْعَرَب على عبَادَة الْأَصْنَام
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وَلَكِن الَّذين كفرُوا يفترون على الله الْكَذِب وَأَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} قَالَ: لَا يعْقلُونَ تَحْرِيم الشَّيْطَان الَّذِي يحرم عَلَيْهِم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن أبي مُوسَى فِي الْآيَة قَالَ: الْآبَاء جعلُوا هَذَا وماتوا وَنَشَأ الْأَبْنَاء وظنوا أَن الله هُوَ جعل هَذَا فَقَالَ الله {وَلَكِن الَّذين كفرُوا يفترون على الله الْكَذِب} الْآبَاء فالآباء افتروا على الله الْكَذِب وَالْأَبْنَاء أَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ يظنون الله هُوَ الَّذِي جعله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن أبي مُوسَى فِي قَوْله {وَلَكِن الَّذين كفرُوا يفترون على الله الْكَذِب} قَالَ: هم أهل الْكتاب {وَأَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} قَالَ: هم أهل الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الشّعبِيّ فِي قَوْله {وَلَكِن الَّذين كفرُوا يفترون على الله الْكَذِب وَأَكْثَرهم لَا يعْقلُونَ} قَالَ: الَّذين لَا يعقلوهم الأتباع وَأما الَّذين افتروا فعقلوا أَنهم افتروا(3/214)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (105)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى الله مرجعكم جَمِيعًا فينبئكم بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ(3/214)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد والعدني وَابْن منيع والْحميدِي فِي مسانيدهم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى والكجي فِي سنَنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الافراد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والضياء فِي المختارة عَن قيس قَالَ: قَامَ أَبُو بكر فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنَّكُم تقرأون هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} وَإِنَّكُمْ تضعونها على غير موضعهَا وَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن النَّاس إِذا رَأَوْا الْمُنكر وَلم يغيروه أوشك أَن يعمهم الله بعقاب
وَأخرج ابْن جرير عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: صعد أَبُو بكر مِنْبَر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّكُم لتتلون آيَة من كتاب الله وتعدونها رخصَة وَالله مَا أنزل الله فِي كِتَابه أَشد مِنْهَا {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} وَالله لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليعمنكم الله مِنْهُ بعقاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن جرير البَجلِيّ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مامن قوم يكون بَين أظهرهم رجل يعْمل بِالْمَعَاصِي هم أمنع مِنْهُ وأعز ثمَّ لَا يغيرون عَلَيْهِ إِلَّا أوشك أَن يعمهم الله مِنْهُ بعقاب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي أُميَّة الشَّعْبَانِي قَالَ أتيت أَبَا ثَعْلَبَة الْخُشَنِي فَقلت لَهُ: كَيفَ تصنع فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: أَيَّة آيَة قَالَ: قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: أما وَالله لقد سَأَلت عَنْهَا خَبِيرا سَأَلت عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: بل ائْتَمرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهوا عَن الْمُنكر
حَتَّى إِذا رَأَيْت شحا مُطَاعًا وَهوى مُتبعا وَدُنْيا مُؤثرَة وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ فَعَلَيْك بِخَاصَّة نَفسك ودع عَنْك أَمر الْعَوام فَإِن من وَرَائِكُمْ أَيَّام الصَّبْر الصابر فِيهِنَّ مثل الْقَابِض على الْحمر لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مثل أجر خمسين رجلا يعْملُونَ مثل عَمَلكُمْ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي عَامر الْأَشْعَرِيّ أَنه كَانَ فيهم شَيْء فاحتبس على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: مَا حَبسك(3/215)
قَالَ: يَا رَسُول الله قَرَأت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن ذهبتم إِنَّمَا هِيَ لَا يضركم من ضل من الْكفَّار إِذا اهْتَدَيْتُمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن
أَن ابْن مَسْعُود سَأَلَهُ رجل عَن قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ بزمانها فَإِنَّهَا الْيَوْم مَقْبُولَة وَلكنه قد أوشك أَن يَأْتِي زمَان تأمرون بِالْمَعْرُوفِ فيصنع بكم كَذَا وَكَذَا أَو قَالَ: فَلَا يقبل مِنْكُم فَحِينَئِذٍ عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم} الْآيَة
قَالَ: مروا بِالْمَعْرُوفِ وانهوا عَن الْمُنكر مالم يكن من دون ذَلِك السَّوْط وَالسيف فَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَعَلَيْكُم أَنفسكُم
وَأخرج عبد بن حميد ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كَانُوا عِنْد عبد الله بن مَسْعُود فَوَقع بَين رجلَيْنِ بعض مَا يكون بَين النَّاس حَتَّى قَامَ كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى صَاحبه فَقَالَ رجل من جلساء عبد الله: أَلا أقوم فآمرهما بِالْمَعْرُوفِ وأنهاهما عَن الْمُنكر فَقَالَ آخر إِلَى جنبه: عَلَيْك نَفسك فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَسَمعَهَا ابْن مَسْعُود فَقَالَ: مَه لم يَجِيء تَأْوِيل هَذِه الْآيَة بعد إِن الْقُرْآن أنزل حَيْثُ أنزل وَمِنْه آي قد مضى تأويلهن قبل أَن ينزلن وَمِنْه مَا وَقع تأويلهن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمِنْه آي يَقع تأويلهن بعد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسنين وَمِنْه آي يَقع تأويلهن بعد الْيَوْم وَمِنْه آي يَقع تأويلهن عِنْد السَّاعَة مَا ذكر من أَمر السَّاعَة وَمِنْه آي يَقع تأويلهن عِنْد الْحساب مَا ذكر من أَمر الْحساب وَالْجنَّة وَالنَّار فَمَا دَامَت قُلُوبكُمْ وَاحِدَة وأهواؤكم وَاحِدَة وَلم تلبسوا شيعًا فَلم يذقْ بَعْضكُم بَأْس بعض فَمروا وانهوا فَإِذا اخْتلفت الْقُلُوب والأهواء وألبستم شيعًا وذاق بَعْضكُم بَأْس بعض فَكل امرىء وَنَفسه فَعِنْدَ ذَلِك جَاءَ تَأْوِيل هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر
أَنه قيل لَهُ: أجلست فِي هَذِه الْأَيَّام فَلم تَأمر وَلم تنه فَإِن الله قَالَ {عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَقَالَ: إِنَّهَا لَيست لي وَلَا لِأَصْحَابِي لِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا فليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب فَكُنَّا نَحن الشُّهُود(3/216)
وَأَنْتُم الْغَيْب وَلَكِن هَذِه الْآيَة لأقوام يجيئون من بَعدنَا إِن قَالُوا لم يقبل مِنْهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير من طَرِيق قَتَادَة عَن رجل قَالَ: كنت فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب بِالْمَدِينَةِ فِي حَلقَة فيهم أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا فيهم شيخ حسبت أَنه قَالَ أبي بن كَعْب فَقَرَأَ {عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَقَالَ: إِنَّمَا تَأْوِيلهَا فِي آخر الزَّمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق قَتَادَة عَن أبي مَازِن قَالَ: انْطَلَقت على عهد عُثْمَان إِلَى الْمَدِينَة فَإِذا قوم جُلُوس فَقَرَأَ أحدهم {عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَقَالَ: أَكْثَرهم: لم يَجِيء تَأْوِيل هَذِه الْآيَة الْيَوْم
وَأخرج ابْن جرير عَن جُبَير بن نفير قَالَ: كنت فِي حَلقَة فِيهَا أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِنِّي لأصغر الْقَوْم فتذاكروا الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر فَقلت: أَلَيْسَ الله يَقُول {عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَأَقْبَلُوا عَليّ بِلِسَان وَاحِد فَقَالُوا: تنْزع آيَة من الْقُرْآن لَا تعرفها وَلَا تَدْرِي مَا تَأْوِيلهَا حَتَّى تمنيت أَنِّي لم أكن تَكَلَّمت ثمَّ أَقبلُوا يتحدثون فَلَمَّا حضر قيامهم قَالُوا: إِنَّك غُلَام حدث السن وَإنَّك نزعت أَيَّة لَا تَدْرِي ماهي وَعَسَى أَن تدْرك ذَلِك الزَّمَان إِذا رَأَيْت شحا مُطَاعًا وَهوى مُتبعا وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ فَعَلَيْك بِنَفْسِك لَا يَضرك من ضل إِذا اهتديت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ: يارسول الله أَخْبرنِي عَن قَول الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: يَا معَاذ مروا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهوا عَن الْمُنكر فَإِذا رَأَيْتُمْ شحا مُطَاعًا وَهوى مُتبعا وَإِعْجَاب كل ذِي رَأْي بِرَأْيهِ فَعَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم ضَلَالَة غَيْركُمْ فَهُوَ من وَرَائِكُمْ أَيَّام الصَّبْر المتمسك فِيهَا بِدِينِهِ مثل الْقَابِض على الْجَمْر فللعامل مِنْهُم يَوْمئِذٍ مثل عمل أحدكُم الْيَوْم كَأَجر خمسين مِنْكُم
قلت: يَا رَسُول الله خمسين مِنْهُم قَالَ: بل خمسين مِنْكُم أَنْتُم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: ذكرت هَذِه الْآيَة عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَول الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم يجىء تَأْوِيلهَا لَا يَجِيء تَأْوِيلهَا حَتَّى يهْبط عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مُحَمَّد بن عبد الله التَّيْمِيّ عَن أبي بكر الصّديق سَمِعت(3/217)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا ترك قوم الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِلَّا ضَربهمْ الله بذل وَلَا أقرّ قوم الْمُنكر بَين أظهارهم إِلَّا عمهم الله بعقاب وَمَا بَيْنك وَبَين أَن يعمكم الله بعقاب من عِنْده إِلَّا أَن تأولوا هَذِه الْآيَة على غير أَمر بِمَعْرُوف وَلَا نهي عَن الْمُنكر {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم قَالَ: خطب أَبُو بكر النَّاس فَكَانَ فِي خطبَته قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَيهَا النَّاس لَا تتكلموا على هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} إِن الذاعر ليَكُون فِي الْحَيّ فَلَا يمنعوه فيعمهم الله بعقاب
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} فَقَالَ: يالها من سَعَة مَا أوسعها ويالها ثِقَة مَا أوثقها
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عُثْمَان الشحام أبي سَلمَة قَالَ: حَدثنِي شيخ من أهل الْبَصْرَة وَكَانَ لَهُ فضل وَسن قَالَ: بَلغنِي أَن دَاوُد سَأَلَ ربه قَالَ: يَا رب كَيفَ لي أَن أَمْشِي لَك فِي الأَرْض واعمل لَك فِيهَا بنصح قَالَ ياداود تحب من أَحبَّنِي من أَحْمَر وأبيض وَلَا يزَال شفتاك رطبتين من ذكري واجتنب فرَاش المغيب
قَالَ: أَي رب فَكيف أَن تحبني أهل الدُّنْيَا الْبر والفاجر قَالَ: ياداود تصانع أهل الدُّنْيَا لدنياهم وتحب أهل الْآخِرَة لآخرتهم وتجتان إِلَيْك ذَنْبك بيني وَبَيْنك فَإنَّك إِذا فعلت ذَلِك فَلَا يَضرك من ضل إِذا اهتديت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر
أَنه جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن نفر سِتَّة كلهم قَرَأَ الْقُرْآن وَكلهمْ مُجْتَهد لَا يألوهم فِي ذَلِك يشْهد بَعضهم على بعض بالشرك فَقَالَ: لَعَلَّك ترى أَنِّي آمُرك أَن تذْهب إِلَيْهِم تقَاتلهمْ عظهم وانههم فَإِن عصوك فَعَلَيْك نَفسك فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم} حَتَّى ختم الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن صَفْوَان بن مُحرز
أَنه أَتَاهُ رجل من أَصْحَاب الْأَهْوَاء فَذكر لَهُ بعض أمره فَقَالَ لَهُ صَفْوَان: أَلا أدلك على خَاصَّة الله الَّتِي خص الله بهَا أولياءه {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ}(3/218)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} يَقُول: أطِيعُوا أَمْرِي واحفظوا وصيتي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} يَقُول: إِذا مَا أَطَاعَنِي العَبْد فِيمَا أَمرته من الْحَلَال وَالْحرَام فَلَا يضرّهُ من ضل بعده إِذا عمل بِمَا أَمرته بِهِ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق قَارب بَينهمَا عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} مالم يكن سيف أَو سَوط
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول
أَن رجلا سَأَلَهُ عَن قَول الله {عَلَيْكُم أَنفسكُم} الْآيَة
فَقَالَ: إِن تَأْوِيل هَذِه الْآيَة لم يَجِيء بعد إِذا هاب الْوَاعِظ وَأنكر الموعوظ فَعَلَيْك نَفسك لَا يَضرك حِينَئِذٍ من ضل إِذا اهتديت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عمر مولى غفرة قَالَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة لِأَن الرجل كَانَ يسلم وَيكفر أَبوهُ وَيسلم الرجل وَيكفر أَخُوهُ فَلَمَّا دخل قُلُوبهم حلاوة الْإِيمَان دعوا آبَاءَهُم وإخوانهم فَقَالُوا: حَسبنَا مَا وجدنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: نزلت فِي أهل الْكتاب يَقُول {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل} من أهل الْكتاب {إِذا اهْتَدَيْتُمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {عَلَيْكُم أَنفسكُم لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: إِذا أمرْتُم بِالْمَعْرُوفِ ونهيتم عَن الْمُنكر
وَأخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {لَا يضركم من ضل إِذا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: إِذا أمرت بِالْمَعْرُوفِ ونهيت عَن الْمُنكر لَا يَضرك من ضل إِذا اهتديت
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا عَلَيْكُم أَنفسكُم} فَقَالَ: الْحَمد لله بهَا وَالْحَمْد لله عَلَيْهَا مَا كَانَ مُؤمن فِيمَا مضى وَلَا مُؤمن فِيمَا بَقِي إِلَّا وَإِلَى جَانِبه مُنَافِق يكره عمله(3/219)
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس قَالَ: قيل يَا رَسُول الله مَتى يتْرك الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر قَالَ إِذا ظهر فِيكُم مَا ظهر فِي بني إِسْرَائِيل قبلكُمْ
قَالُوا: وَمَا ذَاك يارسول الله قَالَ: إِذا ظهر الادهان فِي خياركم والفاحشة فِي كباركم وتحوّل الْملك فِي صغاركم وَالْفِقْه وَفِي لفظ: وَالْعلم فِي رذالكم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتأمرن بِالْمَعْرُوفِ ولتنهون عَن الْمُنكر أَو ليوشكن الله أَن يبْعَث عَلَيْكُم عقَابا مِنْهُ ثمَّ تَدعُونَهُ فَلَا يستجيب لكم
وَالله تَعَالَى أعلم(3/220)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لَا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ (106) فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107) ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (108)
- قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض فأصابتكم مُصِيبَة الْمَوْت تحبسونهما من بعد الصَّلَاة فيقسمان بِاللَّه إِن ارتبتم لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ ذَا قربى وَلَا نكتم شَهَادَة الله إِنَّا إِذا لمن الآثمين فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فآخران يقومان مقامهما من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان فيقسمان بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَمَا اعتدينا إِنَّا إِذا لمن الظَّالِمين ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ على وَجههَا أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم وَاتَّقوا الله واسمعوا وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين
- أخرج التِّرْمِذِيّ وَضَعفه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو النَّعيم فِي الْمعرفَة من طَرِيق أبي النَّضر وَهُوَ الْكَلْبِيّ عَن باذان مولى أم هانىء عَن ابْن عَبَّاس عَن تَمِيم الدَّارِيّ فِي هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت} قَالَ برىء النَّاس مِنْهَا غَيْرِي وَغير عدي بن بداء وَكَانَا نَصْرَانِيين يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّام قبل الْإِسْلَام فَأتيَا الشَّام لِتِجَارَتِهِمَا وَقدم(3/220)
عَلَيْهِمَا مولى لبني سهم يُقَال لَهُ: بديل بن أبي مَرْيَم بِتِجَارَة وَمَعَهُ جَام من فضَّة يُرِيد بِهِ الْملك وَهُوَ عظم تِجَارَته فَمَرض فأوصى إِلَيْهِمَا وَأَمرهمَا أَن يبلغَا مَا ترك أَهله
قَالَ تَمِيم: فَلَمَّا مَاتَ أَخذنَا ذَلِك الْجَام فَبِعْنَاهُ بِأَلف دِرْهَم ثمَّ اقتسمناه أَنا وعدي بن بداء فَلَمَّا قدمنَا إِلَى أَهله دفعنَا إِلَيْهِم ماكان مَعنا وَفقدُوا الْجَام فَسَأَلُونَا عَنهُ فَقُلْنَا: مَا ترك غير هَذَا وَمَا دفع إِلَيْنَا غَيره
قَالَ تَمِيم: فَلَمَّا أسلمت بعد قدوم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة تَأَثَّمت من ذَلِك فَأتيت أَهله فَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر وَأديت إِلَيْهِم خَمْسمِائَة دِرْهَم وَأَخْبَرتهمْ أَن عِنْد صَاحِبي مثلهَا فَأتوا بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة فَلم يَجدوا فَأَمرهمْ أَن يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يعظم بِهِ على أهل دينه فَحلف الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم} إِلَى قَوْله {أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} فَقَامَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَرجل آخر فَحَلفا فنزعت الْخَمْسمِائَةِ دِرْهَم من عدي بن بداء
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ خرج رجل من بني سهم مَعَ تَمِيم الدَّارِيّ وعدي بن بداء فَمَاتَ السَّهْمِي بِأَرْض لَيْسَ فِيهَا مُسلم فأوصى إِلَيْهِمَا فَلَمَّا قدما بِتركَتِهِ فقدوا جَاما من فضَّة مخوصاً بِالذَّهَب فَأَحْلفهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِاللَّه: مَا كتمتماها وَلَا اطلعتما ثمَّ وجدوا الْجَام بِمَكَّة فَقيل: اشْتَرَيْنَاهُ من تَمِيم وعدي فَقَامَ رجلَانِ من أَوْلِيَاء السَّهْمِي فَحَلفا بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَإِن الْجَام لصَاحِبِهِمْ وَأخذ الْجَام وَفِيه نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ كَانَ تَمِيم الدَّارِيّ وعدي بن بداء رجلَيْنِ نَصْرَانِيين يتجران إِلَى مَكَّة فِي الْجَاهِلِيَّة ويطيلان الْإِقَامَة بهَا فَلَمَّا هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حوّل متجرهما إِلَى الْمَدِينَة فَخرج بديل بن أبي مَارِيَة مولى عَمْرو بن الْعَاصِ تَاجِرًا حَتَّى قدم الْمَدِينَة فَخَرجُوا جَمِيعًا تجارًا إِلَى الشَّام حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق اشْتَكَى بديل فَكتب وَصيته بِيَدِهِ ثمَّ دسها فِي مَتَاعه وَأوصى إِلَيْهِمَا فَلَمَّا مَاتَ فتحا مَتَاعه فأخذا مِنْهُ شَيْئا ثمَّ حجزاه كَمَا كَانَ وقدما الْمَدِينَة على أَهله فدفعا مَتَاعه فَفتح أَهله مَتَاعه فوجدوا كِتَابه وَعَهده وَمَا خرج بِهِ وَفقدُوا شَيْئا فسألوهما عَنهُ فَقَالُوا: هَذَا الَّذِي قبضنا لَهُ وَدُفِعَ إِلَيْنَا فَقَالُوا لَهما: هَذَا كِتَابه بِيَدِهِ قَالُوا:(3/221)
مَا كتمنا لَهُ شَيْئا فترافعوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت} إِلَى قَوْله {إِنَّا إِذا لمن الآثمين} فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يستحلفوهما بعد صَلَاة الْعَصْر بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ مَا قبضنا لَهُ غير هَذَا وَلَا كتمنا فمكثا مَا شَاءَ الله أَن يمكثا ثمَّ ظهر مَعَهُمَا على إِنَاء من فضَّة منقوش مموه بِذَهَب فَقَالَ أَهله: هَذَا من مَتَاعه وَلَكنَّا اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُ ونسينا أَن نذكرهُ حِين حلفنا فكرهنا أَن نكذب نفوسنا فترافعوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت الْآيَة الْأُخْرَى {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا} فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلَيْنِ من أهل الْمَيِّت أَن يحلفا على مَا كتما وغيبا ويستحقانه ثمَّ إِن تميماً الدَّارِيّ أسلم وَبَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ يَقُول: صدق الله وَرَسُوله أَنا أخذت الْإِنَاء ثمَّ قَالَ: يَا رَسُول الله إِن الله يظهرك على أهل الأَرْض كلهَا فَهَب لي قريتين من بَيت لحم - وَهِي الْقرْيَة الَّتِي ولد فِيهَا عِيسَى - فَكتب لَهُ بهَا كتابا فَلَمَّا قدم عمر الشَّام أَتَاهُ تَمِيم بِكِتَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر: أَنا حَاضر ذَلِك فَدَفعهَا إِلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {شَهَادَة بَيْنكُم} مُضَاف بِرَفْع شَهَادَة بِغَيْر نون وبخفض بَيْنكُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس من طَرِيق عَليّ عَن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} هَذَا لمن مَاتَ وَعِنْده الْمُسلمُونَ أمره الله أَن يشْهد على وَصيته عَدْلَيْنِ من الْمُسلمين ثمَّ قَالَ {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ إِن أَنْتُم ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْض} فَهَذَا لمن مَاتَ وَلَيْسَ عِنْده أحد من الْمُسلمين أمره الله بِشَهَادَة رجلَيْنِ من غير الْمُسلمين فَإِن ارتيب بِشَهَادَتِهِمَا استحلفا بِاللَّه بعد الصَّلَاة: مَا اشترينا بشهادتنا ثمنا قَلِيلا فَإِن اطلع الْأَوْلِيَاء على أَن الْكَافرين كذبا فِي شَهَادَتهمَا قَامَ رجلَانِ من الْأَوْلِيَاء فَحَلفا بِاللَّه أَن شَهَادَة الْكَافرين بَاطِلَة فَذَلِك قَوْله تَعَالَى {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا} يَقُول: إِن اطلع على أَن الْكَافرين كذبا قَامَ الأوليان فَحَلفا أَنَّهُمَا كذبا ذَلِك أدنى أَن يَأْتِي الكافران بِالشَّهَادَةِ على وَجههَا أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم فَتتْرك شَهَادَة الْكَافرين وَيحكم بِشَهَادَة الأوليان فَلَيْسَ على شُهُود الْمُسلمين أَقسَام إِنَّمَا الْأَقْسَام إِذا كَانَا كَافِرين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله(3/222)
{اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: من أهل الْإِسْلَام {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ: من غير أهل الْإِسْلَام وَفِي قَوْله {فيقسمان بِاللَّه} يَقُول: يحلفان بِاللَّه بعد الصَّلَاة
وَفِي قَوْله {فآخران يقومان مقامهما} قَالَ: من أَوْلِيَاء الْمَيِّت فيحلفان {بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا} يَقُول: فيحلفان بِاللَّه مَا كَانَ صاحبنا ليوصي بِهَذَا وإنهما لكاذبان
وَفِي قَوْله {ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ على وَجههَا أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} يَعْنِي أَوْلِيَاء الْمَيِّت فيستحقون مَاله بأيمانهم ثمَّ يوضع مِيرَاثه كَمَا أَمر الله وَتبطل شَهَادَة الْكَافرين
وَهِي مَنْسُوخَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: مَا من الْكتاب إِلَّا قد جَاءَ على شَيْء جَاءَ على إدلاله غير هَذِه الْآيَة وَلَئِن أَنا لم أخْبركُم بهَا لأَنا أَجْهَل من الَّذِي ترك الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة هَذَا رجل خرج مُسَافِرًا وَمَعَهُ مَال فأدركه قدره فَإِن وجد رجلَيْنِ من الْمُسلمين دفع إِلَيْهِمَا تركته وَأشْهد عَلَيْهِمَا عَدْلَيْنِ من الْمُسلمين فَإِن لم يجد عَدْلَيْنِ من الْمُسلمين فرجلين من أهل الْكتاب فَإِن أدّى فسبيل مَا أدّى وَإِن هُوَ جحد اسْتحْلف بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ دبر صَلَاة: أَن هَذَا الَّذِي وَقع إِلَيّ وَمَا غيبت شَيْئا فَإِذا حلف برىء فَإِذا أَتَى بعد ذَلِك صاحبا الْكتاب فشهدا عَلَيْهِ ثمَّ ادّعى الْقَوْم عَلَيْهِ من تسميتهم مَا لَهُم جعلت أَيْمَان الْوَرَثَة مَعَ شَهَادَتهم ثمَّ اقتطعوا حَقه فَذَلِك الَّذِي يَقُول الله {ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت} قَالَ: أَن يَمُوت الْمُؤمن فيحضر مَوته مسلمان أَو كَافِرَانِ لَا يحضرهُ غير اثْنَيْنِ مِنْهُم فَإِن رَضِي ورثته بِمَا غابا عَنهُ من تركته فَذَلِك وَيحلف الشَّاهِدَانِ أَنَّهُمَا صادقان فَإِن عثر قَالَ: وجد لطخ أَو لبس أَو تَشْبِيه حلف الِاثْنَان الأوّلان من الْوَرَثَة فاستحقا وأبطلا أَيْمَان الشَّاهِدين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ: من غير الْمُسلمين من أهل الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: من أهل دينكُمْ {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ: من أهل الْكتاب إِذا كَانَ بِبِلَاد لَا يجد غَيرهم(3/223)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن شُرَيْح قَالَ: لَا تجوز شَهَادَة الْيَهُودِيّ وَلَا النَّصْرَانِي إِلَّا فِي وَصِيَّة وَلَا تجوز فِي وَصِيَّة إِلَّا فِي سفر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن الشّعبِيّ
أَن رجلا من الْمُسلمين حَضرته الْوَفَاة بدقوقاء وَلم يجد أحدا من الْمُسلمين يشْهد على وَصيته فَأشْهد رجلَيْنِ من أهل الْكتاب فَقدما الْكُوفَة فَأتيَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَأَخْبَرَاهُ وقدما بِتركَتِهِ ووصيته فَقَالَ الْأَشْعَرِيّ: هَذَا أَمر لم يكن بعد الَّذِي كَانَ فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَحْلفهُمَا بعد الْعَصْر بِاللَّه مَا خَانا وَلَا كذبا وَلَا بدَّلا وَلَا كتما وَلَا غيرا وَإِنَّهَا وَصِيَّة الرجل وَتركته فَأمْضى شَهَادَتهمَا
وَأخرج ابْن جرير عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {شَهَادَة بَيْنكُم} الْآيَة
كلهَا قَالَ: كَانَ ذَلِك فِي رجل توفّي وَلَيْسَ عِنْده أحد من أهل الْإِسْلَام وَذَلِكَ فِي أول الْإِسْلَام وَالْأَرْض حَرْب وَالنَّاس كفار إِلَّا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ النَّاس يتوارثون بَينهم بِالْوَصِيَّةِ ثمَّ نسخت الْوَصِيَّة وفرضت الْفَرَائِض وَعمل الْمُسلمُونَ بهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن الزبير قَالَ: مَضَت السّنة أَن لايجوز شَهَادَة كَافِر فِي حضر وَلَا سفر إِنَّمَا هِيَ فِي الْمُسلمين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة
وَأخرج عبد بن حميد وأبوالشيخ عَن عِكْرِمَة {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ: من الْمُسلمين من غير حيه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد والنحاس وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه {اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم} قَالَ: من قبيلتكم {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} قَالَ: من غير قبيلتكم أَلا ترى أَنه يَقُول {تحبسونهما من بعد الصَّلَاة} كلهم من الْمُسلمين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عقيل قَالَ: سَأَلت ابْن شهَاب عَن هَذِه الْآيَة قلت: أَرَأَيْت الِاثْنَيْنِ اللَّذين ذكر الله من غير أهل الْمَرْء الْمُوصي أَهما من الْمُسلمين أَو هما من أهل الْكتاب وَرَأَيْت الآخرين اللَّذين يقومان مقامهما أتراهما من أهل الْمَرْء الْمُوصي أم هما فِي غير الْمُسلمين قَالَ ابْن شهَاب: لم نسْمع فِي هَذِه اللآية عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن أَئِمَّة الْعَامَّة سنة أذكرها وَقد كُنَّا نتذكرها أُنَاسًا من عُلَمَائِنَا(3/224)
أَحْيَانًا فَلَا يذكرُونَ فِيهَا سنة مَعْلُومَة ولاقضاء من إِمَام عَادل وَلكنه مُخْتَلف فِيهَا رَأْيهمْ وَكَانَ أعجبهم فِيهَا رَأيا إِلَيْنَا الَّذين كَانُوا يَقُولُونَ: هِيَ فِيمَا بَين أهل الْمِيرَاث من الْمُسلمين يشْهد بَعضهم الْمَيِّت الَّذِي يرثونه ويغيب عَنهُ بَعضهم وَيشْهد من شهده على مَا أوصى بِهِ لِذَوي الْقُرْبَى فيخبرون من غَابَ عَنهُ مِنْهُم بِمَا حَضَرُوا من وَصِيَّة فَإِن سلمُوا جَازَت وَصيته وَإِن ارْتَابُوا أَن يَكُونُوا بدلُوا قَول الْمَيِّت وآثروا بِالْوَصِيَّةِ من أَرَادوا مِمَّن لم يوص لَهُم الْمَيِّت بِشَيْء حلف اللَّذَان يَشْهَدَانِ على ذَلِك بعد الصَّلَاة وَهِي أَن الْمُسلمين {فيقسمان بِاللَّه إِن ارتبتم لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ ذَا قربى وَلَا نكتم شَهَادَة الله إِنَّا إِذا لمن الآثمين} فَإِذا أقسما على ذَلِك جَازَت شَهَادَتهمَا وأيمانهما مَا لم يعثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا فِي شَيْء من ذَلِك قَامَ آخرَانِ مقامهما من أهل الْمِيرَاث من الْخصم الَّذين يُنكرُونَ مَا يشْهد عَلَيْهِ الْأَوَّلَانِ المستحلفان أول مرّة فيقسمان بِاللَّه لَشَهَادَتنَا على تكذيبكما أَو إبِْطَال مَا شهدتما بِهِ وَمَا اعتدينا إِنَّا إِذا لمن الظَّالِمين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عُبَيْدَة فِي قَوْله {تحبسونهما من بعد الصَّلَاة} قَالَ: صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {لَا نشتري بِهِ ثمنا} قَالَ: لَا نَأْخُذ بِهِ رشوة {وَلَا نكتم شَهَادَة الله} وَإِن كَانَ صَاحبهَا بَعيدا
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَامر الشّعبِيّ أَنه كَانَ يقْرَأ (وَلَا نكتم شَهَادَة) يَعْنِي بِقطع الْكَلَام منوّناً (الله) بِقطع الْألف وخفض اسْم الله على الْقسم
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ أَنه كَانَ يقْرؤهَا (وَلَا نكتم شَهَادَة الله) يَقُول هوالقسم
وَأخرج عَن عَاصِم (وَلَا نكتم شَهَادَة الله) مُضَاف بِنصب شَهَادَة ولاينون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا} أَي اطلع مِنْهُمَا على خِيَانَة على أَنَّهُمَا كذبا أَو كتما فَشهد رجلَانِ هما أعدل مِنْهُمَا بِخِلَاف مَا قَالَا أُجِيز شَهَادَة الآخرين وَبَطلَت شَهَادَة الْأَوَّلين
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو عُبَيْدَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وأبوالشيخ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه كَانَ يقْرَأ (من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان) بِفَتْح التَّاء(3/225)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن عدي عَن أبي مجلز أَن أبي بن كَعْب قَرَأَ {من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الأوليان} قَالَ عمر: كذبت
قَالَ: أَنْت أكذب
فَقَالَ الرجل: تكذب أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: أَنا أَشد تَعْظِيمًا لحق أَمِير الْمُؤمنِينَ مِنْك وَلَكِن كَذبته فِي تَصْدِيق كتاب الله وَلم أصدق أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي تَكْذِيب كتاب الله
فَقَالَ عمر: صدق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يحيى ابْن يعمر أَنه قَرَأَهَا (الأوليان) وَقَالَ: هما الوليان
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وأبوالشيخ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ (من الَّذين اسْتحق عَلَيْهِم الْأَوَّلين) وَيَقُول: أَرَأَيْت لَو كَانَ الأوليان صغيرين كَيفَ يقومان مقامهما وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة أَنه كَانَ يقْرَأ الْأَوَّلين مُشَدّدَة على الْجِمَاع
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم (من الَّذين اسْتحق) بِرَفْع التَّاء وَكسر الْحَاء (عَلَيْهِم الْأَوَّلين) مُشَدّدَة على الْجِمَاع
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن يزِيد فِي قَوْله {الأوليان} قَالَ: الْمَيِّت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ذَلِك أدنى أَن يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ على وَجههَا} يَقُول: ذَلِك أَحْرَى أَن يصدقُوا فِي شَهَادَتهم {أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} يَقُول: وَأَن يخَافُوا الْعَنَت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن يزِيد فِي قَوْله {أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} قَالَ: فَتبْطل أَيْمَانهم وَتُؤْخَذ أَيْمَان هَؤُلَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن مقَاتل فِي قَوْله {وَاتَّقوا الله واسمعوا} قَالَ: يَعْنِي الْقَضَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين} قَالَ: الْكَاذِبين الَّذين يحلفُونَ على الْكَذِب
وَالله تَعَالَى أعلم(3/226)
يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (109)
- قَوْله تَعَالَى: يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا إِنَّك أَنْت علام الغيوب(3/226)
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم} فيفزعون فَيَقُول: مَاذَا أجبتم فَيَقُولُونَ: لاعلم لنا فَيرد إِلَيْهِم أفئدتهم فيعلمون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا} قَالَ: ذَلِك أَنهم نزلُوا منزلا ذهلت فِيهِ الْعُقُول فَلَمَّا سئلوا قَالُوا: لَا علم لنا ثمَّ نزلُوا منزلا آخر فَشَهِدُوا على قَومهمْ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم} فَيَقُولُونَ للرب تبَارك وَتَعَالَى: لَا علم لنا إِلَّا علم أَنْت أعلم بِهِ منا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا} قَالَ: فرقا تذهل عُقُولهمْ ثمَّ يرد الله عُقُولهمْ إِلَيْهِم فيكونون هم الَّذين يسْأَلُون يَقُول الله {فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسألن الْمُرْسلين} الْأَعْرَاف الْآيَة 6
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {فَيَقُول مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا} قَالَ: من هول ذَلِك الْيَوْم
وَأخرج أبوالشيخ عَن زيد بن أسلم قَالَ: يَأْتِي على الْخلق سَاعَة يذهل فِيهَا عقل كل ذِي عقل {يَوْم يجمع الله الرُّسُل}
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: جَاءَ نَافِع بن الْأَزْرَق إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لتفسرن لي آياً من كتاب الله عز وَجل أَو لأكفرن بِهِ
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَيحك
أَنا لَهَا الْيَوْم أَي آي قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {يَوْم يجمع الله الرُّسُل فَيَقُول مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا} وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى {وَنَزَعْنَا من كل أمة شَهِيدا فَقُلْنَا هاتوا برهانكم فَعَلمُوا أَن الْحق لله} الْقَصَص الْآيَة 75 فَكيف علمُوا وَقد قَالُوا لَا علم لنا وَأَخْبرنِي عَن قَول الله {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} الزمر الْآيَة 31 وَقَالَ فِي آيَة آخرى {لَا تختصموا لدي} ق الْآيَة 38 فَكيف يختصمون وَقد(3/227)
قَالَ: لَا تختصموا لديَّ وَأَخْبرنِي عَن قَول الله {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم وتكلمنا أَيْديهم وَتشهد أَرجُلهم} يس الْآيَة 65 فَكيف شهدُوا وَقد ختم على الأفواه فَقَالَ ابْن عَبَّاس: ثكلتك أمك يَا ابْن الْأَزْرَق إِن للقيامة أحوالاً وأهوالاً وفظائع وزلازل فَإِذا تشققت السَّمَوَات وتناثرت النُّجُوم وَذهب ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر وذهلت الْأُمَّهَات عَن الْأَوْلَاد وقذفت الْحَوَامِل مَا فِي الْبُطُون وسجرت الْبحار ودكدكت الْجبَال وَلم يلْتَفت وَالِد إِلَى ولد وَلَا ولد إِلَى وَالِد وَجِيء بِالْجنَّةِ تلوح فِيهَا قباب الدّرّ والياقوت حَتَّى تنصب على يَمِين الْعَرْش ثمَّ جِيءَ بجهنم تقاد بسبعين ألف زِمَام من حَدِيد مُمْسك بِكُل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك لَهَا عينان زرقاوان تجر الشّفة السُّفْلى أَرْبَعِينَ عَاما تخطر كَمَا يخْطر الْفَحْل لَو تركت لأتت على كل مُؤمن وَكَافِر ثمَّ يُؤْتى بهَا حَتَّى تنصب عَن يسَار الْعَرْش فَتَسْتَأْذِن رَبهَا فِي السُّجُود فَيَأْذَن لَهَا فتحمده بِمَحَامِد لم يسمع الْخَلَائق بِمِثْلِهَا تَقول: لَك الْحَمد إلهي إِذْ جَعَلتني أنتقم من أعدائك وَلم تجْعَل لي شَيْئا مِمَّا خلقت تنتقم بِهِ مني إِلَى أَهلِي فلهي أعرف بِأَهْلِهَا من الطير بالحب على وَجه الأَرْض
حَتَّى إِذا كَانَت من الْموقف على مسيرَة مائَة عَام وَهُوَ قَول الله تَعَالَى {إِذا رأتهم من مَكَان بعيد} الْفرْقَان الْآيَة 12 زفرت زفرَة فَلَا يبْقى ملك مقرب وَلَا نَبِي مُرْسل وَلَا صديق منتخب وَلَا شَهِيد مِمَّا هُنَالك الآخر جاثياً على رُكْبَتَيْهِ ثمَّ تزفر الثَّانِيَة زفرَة فَلَا يبْقى قَطْرَة من الدُّمُوع إِلَّا بدرت فَلَو كَانَ لكل آدَمِيّ يَوْمئِذٍ عمل اثْنَيْنِ وَسبعين نَبيا لظن أَنه سيواقعها ثمَّ تزفر الثَّالِثَة زفرَة فتنقطع الْقُلُوب من أماكنها فَتَصِير بَين اللهوات والحناجر ويعلو سَواد الْعُيُون بياضها يُنَادي كل آدَمِيّ يَوْمئِذٍ: يَا ربّ نَفسِي نَفسِي لَا أَسأَلك غَيرهَا ونبيكم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَا رب أمتِي أمتِي لَا همة لَهُ غَيْركُمْ فَعِنْدَ ذَلِك يدعى بالأنبياء وَالرسل فَيُقَال لَهُم {مَاذَا أجبتم قَالُوا لَا علم لنا} طاشت الأحلام وذهلت الْعُقُول فَإِذا رجعت الْقُلُوب إِلَى أماكنها {وَنَزَعْنَا من كل أمة شَهِيدا فَقُلْنَا هاتوا برهانكم فَعَلمُوا أَن الْحق لله} الْقَصَص الْآيَة 75 وَأما قَوْله تَعَالَى {ثمَّ إِنَّكُم يَوْم الْقِيَامَة عِنْد ربكُم تختصمون} الزمر الْآيَة 31 فَيُؤْخَذ(3/228)
للمظلوم من الظَّالِم وللمملوك من الْمَالِك وللضعيف من الشَّديد وللجماء من القرناء حَتَّى يُؤدى إِلَى كل ذِي حق حَقه فَإِذا أدّى إِلَى كل ذِي حق حَقه أَمر بِأَهْل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى النَّار اخْتَصَمُوا فَقَالُوا: رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا {رَبنَا من قدم لنا هَذَا فزده عذَابا ضعفا فِي النَّار} ص الْآيَة 16 فَيَقُول الله تَعَالَى {لَا تختصموا لديَّ وَقد قدمت إِلَيْكُم بالوعيد} ق الْآيَة 38 إِنَّمَا الْخُصُومَة بالموقف وَقد قضيت بَيْنكُم بالموقف فَلَا تختصموا لدي
وَأما قَوْله {الْيَوْم نختم على أَفْوَاههم وتكلمنا أَيْديهم وَتشهد أَرجُلهم} يس الْآيَة 65 فَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة حَيْثُ يرى الْكفَّار مَا يُعْطي الله أهل التَّوْحِيد من الْفَضَائِل وَالْخَيْر
يَقُولُونَ: تَعَالَوْا حَتَّى نحلف بِاللَّه مَا كُنَّا مُشْرِكين فتتكلم الْأَيْدِي بِخِلَاف مَا قَالَت الألسن: وَتشهد الأرجل تَصْدِيقًا للأيدي ثمَّ يَأْذَن الله للأفواه فَتَنْطِق {وَقَالُوا لجلودهم لم شهدتم علينا قَالُوا أنطقنا الله الَّذِي أنطق كل شَيْء} فصلت الْآيَة 21(3/229)
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (110)
- قَوْله تَعَالَى: إِذْ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم اذكر نعمتي عَلَيْك وعَلى والدتك إِذْ أيدتك بِروح الْقُدس تكلم النَّاس فِي المهد وكهلا وَإِذ علمتك الْكتاب وَالْحكمَة والتوراة وَالْإِنْجِيل وَإِذ تخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير بإذني فتنفخ فِيهَا فَتكون طيرا بإذني وتبرأ الأكمه والأبرص بإذني وَإِذ تخرج الْمَوْتَى بإذني وَإِذ كَفَفْت بني إِسْرَائِيل عَنْك إِذْ جئتهم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذين كفرُوا مِنْهُم إِن هَذَا إِلَّا سحر مُبين
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دعِي بالأنبياء وأممها ثمَّ يدعى بِعِيسَى فيذكره الله نعْمَته عَلَيْهِ فيقربها يَقُول {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم اذكر نعمتي عَلَيْك وعَلى والدتك} الْآيَة
ثمَّ يَقُول {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} الْمَائِدَة الْآيَة 116 فينكر أَن يكون قَالَ ذَلِك فيؤتي بالنصارى فَيسْأَلُونَ فَيَقُولُونَ: نعم هُوَ(3/229)
أمرنَا بذلك
فَيطول شعر عِيسَى حَتَّى يَأْخُذ كل ملك من الْمَلَائِكَة بشعرة من شعر رَأسه وَجَسَده فيجاثيهم بَين يَدي الله مِقْدَار ألف عَام حَتَّى يُوقع عَلَيْهِم الْحجَّة وَيرْفَع لَهُم الصَّلِيب وينطلق بهم إِلَى النَّار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن ابْن وهب عَن أَبِيه قَالَ: قدم رجل من أهل الْكتاب الْيمن فَقَالَ أبي: ائته واسمع مِنْهُ
فَقلت: تحيلني على رجل نَصْرَانِيّ قَالَ: نعم
ائته واسمع مِنْهُ
فَأَتَيْته فَقَالَ: لما رفع الله عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام أَقَامَهُ بَين يَدي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل فَقَالَ لَهُ {اذكر نعمتي عَلَيْك وعَلى والدتك} فعلت بك وَفعلت بك ثمَّ أخرجتك من بطن أمك فَفعلت بك وَفعلت بك سَتَكُون أمة بعْدك ينتجلونك وينتجلون ربوبيتك وَيشْهدُونَ أَنَّك قدمت وَكَيف يكون رب يَمُوت فبعزتي حَلَفت لأناصبنهم الْحساب يَوْم الْقِيَامَة ولأقيمنهم مقَام الْخصم من الْخصم حَتَّى ينفذوا مَا قَالُوا وَلنْ ينفذوه أبدا ثمَّ أسلم وَجَاء من الْأَحَادِيث بِشَيْء لم أسمع مثلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ كَفَفْت بني إِسْرَائِيل عَنْك إِذْ جئتهم بِالْبَيِّنَاتِ} أَي الْآيَات الَّتِي وضع على يَدَيْهِ من احياء الْمَوْتَى وخلقه من الطين كَهَيئَةِ الطير
ثمَّ ينْفخ فِيهِ فَيكون طيراً بِإِذن الله وإبراء الأسقام وَالْخَبَر بِكَثِير من الغيوب مِمَّا يدخرون فِي بُيُوتهم وَمَا رد عَلَيْهِم من التَّوْرَاة مَعَ الإِنجيل الَّذِي أحدث الله إِلَيْهِ ثمَّ ذكر كفرهم بذلك كُله(3/230)
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (111)
- قَوْله تَعَالَى: وَإِذ أوحيت إِلَى الحواريين أَن آمنُوا بِي وبرسولي قَالُوا آمنا واشهد بأننا مُسلمُونَ
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِذ أوحيت إِلَى الحواريين} يَقُول: قذفت فِي قُلُوبهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَإِذ أوحيت إِلَى الحواريين} قَالَ: وَحي قذف فِي قُلُوبهم لَيْسَ بِوَحْي نبوّة وَالْوَحي وحيان: وَحي تَجِيء بِهِ الْمَلَائِكَة ووحي يقذف فِي قلب العَبْد(3/230)
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115)
- قَوْله تَعَالَى: إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء قَالَ اتَّقوا الله إِن كُنْتُم مُؤمنين قَالُوا نُرِيد أَن نَأْكُل مِنْهَا وتطمئن قُلُوبنَا ونعلم أَن قد صدقتنا ونكون عَلَيْهَا من الشَّاهِدين قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم اللَّهُمَّ رَبنَا أنزل علينا مائدة من السَّمَاء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وَآيَة مِنْك وارزقنا وَأَنت خير الرازقين قَالَ الله إِنِّي منزلهَا عَلَيْكُم فَمن يكفر بعد مِنْكُم فَإِنِّي أعذبه عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين
- أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت: كَانَ الحواريون أعلم بِاللَّه من أَن يَقُولُوا هَل يَسْتَطِيع رَبك إِنَّمَا قَالُوا: هَل تَسْتَطِيع أَنْت رَبك هَل تَسْتَطِيع أَن تَدعُوهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الرَّحْمَن بن غنم قَالَ: سَأَلت معَاذ بن جبل عَن قَول الحواريين {هَل يَسْتَطِيع رَبك} أَو تَسْتَطِيع رَبك فَقَالَ أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (هَل تَسْتَطِيع رَبك) بِالتَّاءِ
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وأبوالشيخ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَهَا (هَل تَسْتَطِيع رَبك) بِالتَّاءِ وَنصب رَبك
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَرَأَهَا (هَل تَسْتَطِيع رَبك) قَالَ: هَل تَسْتَطِيع أَن تسْأَل رَبك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامر الشّعبِيّ أَن عليا كَانَ يَقْرَأها (هَل يَسْتَطِيع رَبك) قَالَ: هَل يعطيك رَبك
وَأخرج عبد بن حميد عَن يحيى بن وثاب وَأبي رَجَاء أَنَّهُمَا قرآ (هَل يَسْتَطِيع رَبك) بِالْيَاءِ وَالرَّفْع
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} قَالَ: قَالُوا: هَل يطيعك رَبك إِن سَأَلته فَأنْزل الله عَلَيْهِم مائدة من السَّمَاء فِيهَا جَمِيع الطَّعَام إِلَّا اللَّحْم فَأَكَلُوا مِنْهَا(3/231)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {مائدة} قَالَ: الْمَائِدَة الخوان
وَفِي قَوْله {وتطمئن} قَالَ: توقن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن السّديّ فِي قَوْله {تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} يَقُول: نتَّخذ الْيَوْم الَّذِي نزلت فِيهِ عيداً نعظمه نَحن وَمن بَعدنَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} قَالَ: أَرَادوا أَن تكون لعقبهم من بعدهمْ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ فِي العظمة وَأَبُو بكر الشَّافِعِي فِي فَوَائده الْمَعْرُوفَة بالغيلانيات عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: لما سَأَلَ الحواريون عِيسَى بن مَرْيَم الْمَائِدَة كره ذَلِك جدا وَقَالَ: اقنعوا بِمَا رزقكم الله فِي الأَرْض وَلَا تسألوا الْمَائِدَة من السَّمَاء فَإِنَّهَا إِن نزلت عَلَيْكُم كَانَت آيَة من ربكُم وَإِنَّمَا هَلَكت ثَمُود حِين سَأَلُوا نَبِيّهم آيَة فابتلوا بهَا حَتَّى كَانَ بوارهم فِيهَا فَأَبَوا إِلَّا أَن يَأْتِيهم بهَا فَلذَلِك {قَالُوا نُرِيد أَن نَأْكُل مِنْهَا وتطمئن قُلُوبنَا ونعلم أَن قد صدقتنا ونكون عَلَيْهَا من الشَّاهِدين}
فَلَمَّا رأى عِيسَى أَن قد أَبَوا إِلَّا أَن يدعوا لَهُم بهَا قَامَ فَألْقى عَنهُ الصُّوف وَلبس الشّعْر الْأسود وجبة من شعر وعباءة من شعر ثمَّ تَوَضَّأ واغتسل وَدخل مُصَلَّاهُ فصلى مَا شَاءَ الله فَلَمَّا قضى صلَاته قَامَ قَائِما مُسْتَقْبل الْقبْلَة وصف قَدَمَيْهِ حَتَّى اسْتَويَا فألصق الكعب بالكعب وحاذي الْأَصَابِع بالأصابع وَوضع يَده الْيُمْنَى على الْيُسْرَى فَوق صَدره وغض بَصَره وطأطأ رَأسه خشوعاً ثمَّ أرسل عَيْنَيْهِ بالبكاء فَمَا زَالَت دُمُوعه تسيل على خديه وتقطر من أَطْرَاف لحيته حَتَّى ابتلت الأَرْض حِيَال وَجهه من خشوعه فَلَمَّا رأى ذَلِك دَعَا الله فَقَالَ {اللَّهُمَّ رَبنَا أنزل علينا مائدة من السَّمَاء تكون لنا عيداً لأوّلنا وآخرنا} تكون عظة مِنْك لنا {وَآيَة مِنْك} أَي عَلامَة مِنْك تكون بَيْننَا وَبَيْنك وارزقنا عَلَيْهَا طَعَاما نأكله {وَأَنت خير الرازقين}
فَأنْزل الله عَلَيْهِم سفرة حَمْرَاء بَين غمامتين غمامة فَوْقهَا وغمامة تحتهَا وهم ينظرُونَ إِلَيْهَا فِي الْهَوَاء منقضة من فلك السَّمَاء تهوي إِلَيْهِم وَعِيسَى يبكي خوفًا(3/232)
للشروط الَّتِي اتخذ الله فِيهَا عَلَيْهِم إِنَّه يعذب من يكفر بهَا مِنْهُم بعد نُزُولهَا عذَابا لم يعذبه أحدا من الْعَالمين وَهُوَ يَدْعُو الله فِي مَكَانَهُ وَيَقُول: إلهي اجْعَلْهَا رَحْمَة إلهي لَا تجعلها عذَابا إلهي كم من عَجِيبَة سَأَلتك فأعطيتني إلهي اجْعَلْنَا لَك شاكرين إلهي أعوذ بك أَن تكون أنزلتها غَضبا ورجزاً إلهي اجْعَلْهَا سَلامَة وعافية وَلَا تجعلها فتْنَة ومثلة فَمَا زَالَ يَدْعُو حَتَّى اسْتَقَرَّتْ السفرة بَين يَدي عِيسَى والحواريون وَأَصْحَابه حوله يَجدونَ رَائِحَة طيبَة لم يَجدوا فِيمَا مضى رَائِحَة مثلهَا قطّ وخر عِيسَى والحواريون لله سجدا شكرا لَهُ بِمَا رزقهم من حَيْثُ لم يحتسبوا وأراهم فِيهِ آيَة عَظِيمَة ذَات عجب وعبرة
وَأَقْبَلت الْيَهُود ينظرُونَ فَرَأَوْا أمرا عجبا أورثهم كمداً وغماً ثمَّ انصرفوا بغيظ شَدِيد وَأَقْبل عِيسَى والحواريون وَأَصْحَابه حَتَّى جَلَسُوا حول السفرة فَإِذا عَلَيْهِ منديل مغطى قَالَ عِيسَى: من أجرؤنا على كشف المنديل عَن هَذِه السفرة وأوثقنا بِنَفسِهِ وأحسننا بلَاء عِنْد ربه فليكشف عَن هَذِه الْآيَة حَتَّى نرَاهَا وَنَحْمَد رَبنَا وَنَذْكُر باسمه وَنَأْكُل من رزقه الَّذِي رزقنا فَقَالَ الحواريون: يَا روح الله وكلمته أَنْت أولانا بذلك وأحقنا بالكشف عَنْهَا
فَقَامَ عِيسَى: فاستأنف وضُوءًا جَدِيدا ثمَّ دخل مُصَلَّاهُ فصلى بذلك رَكْعَات ثمَّ بَكَى طَويلا ودعا الله أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْكَشْف عَنْهَا وَيجْعَل لَهُ ولقومه فِيهَا بركَة وَرِزْقًا ثمَّ انْصَرف وَجلسَ إِلَى السفرة وَتَنَاول المنديل وَقَالَ: بِسم الله خير الرازقين وكشف عَن السفرة وَإِذا هُوَ عَلَيْهَا سَمَكَة ضخمة مشوية لَيْسَ عَلَيْهَا بواسير وَلَيْسَ فِي جوفها سوك يسيل مِنْهَا السّمن سيلاً قد نضد حولهَا بقول من كل صنف غير الكراث وَعند رَأسهَا خل وَعند ذنبها ملح وحول الْبُقُول خَمْسَة أرغفة على وَاحِد مِنْهَا زيتون وعَلى الآخر تمرات وعَلى الآخر خمس رمانات فَقَالَ شَمْعُون رَأس الحواريين لعيسى: يَا روح الله وكلمته أَمن طَعَام الدُّنْيَا هَذَا أم من طَعَام الْجنَّة فَقَالَ: أما آن لكم أَن تعتبروا بِمَا ترَوْنَ من الْآيَات وَتَنْتَهُوا عَن تنقير الْمسَائِل مَا أخوفني عَلَيْكُم أَن تعاقبوا فِي سَبَب هَذِه الْآيَة
فَقَالَ شَمْعُون: لَا وإله إِسْرَائِيل مَا أردْت بهَا سوءا يَا ابْن الصديقة
فَقَالَ عِيسَى: لَيْسَ شَيْء مِمَّا ترَوْنَ عَلَيْهَا من طَعَام الْجنَّة وَلَا من طَعَام الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ شَيْء ابتدعه الله فِي الْهَوَاء بِالْقُدْرَةِ الْغَالِبَة(3/233)
الْقَاهِرَة فَقَالَ لَهُ كن فَكَانَ أسْرع من طرفَة عين فَكُلُوا مِمَّا سَأَلْتُم بِسم الله واحمدوا عَلَيْهِ ربكُم يمدكم مِنْهُ ويزدكم فَإِنَّهُ بديع قَادر شَاكر
فَقَالَ يَا روح الله وكلمته إِنَّا نحب أَن ترينا آيَة فِي هَذِه الْآيَة
فَقَالَ عِيسَى: سُبْحَانَ الله
أما اكتفيتم بِمَا رَأَيْتُمْ من هَذِه الْآيَة حَتَّى تسألوا فِيهَا آيَة أُخْرَى ثمَّ أقبل عِيسَى على السَّمَكَة فَقَالَ: يَا سَمَكَة عودي بِإِذن الله حَيَّة كَمَا كنت فأحياها الله بقدرته فاضطربت وعادت بِإِذن الله حَيَّة طرية تلمظ كَمَا يتلمظ الْأسد تَدور عَيناهَا لَهَا بصيص وعادت عَلَيْهَا بواسيرها فَفَزعَ الْقَوْم مِنْهَا وانحاسوا فَلَمَّا رأى عِيسَى ذَلِك مِنْهُم قَالَ: مَا لكم تسْأَلُون الْآيَة فَإِذا أراكموها ربكُم كرهتموها مَا أخوفني عَلَيْكُم أَن تعاقبوا بِمَا تَصْنَعُونَ يَا سَمَكَة عودي بِإِذن الله كَمَا كنت فَعَادَت بِإِذن الله مشوية كَمَا كَانَت فِي خلقهَا الأول
فَقَالُوا لعيسى: كن أَنْت يَا روح الله الَّذِي تبدأ بِالْأَكْلِ مِنْهَا ثمَّ نَحن بعد
فَقَالَ: معَاذ الله من ذَلِك يبْدَأ بِالْأَكْلِ كل من طلبَهَا
فَلَمَّا رأى الحواريون وأصحابهم امْتنَاع نَبِيّهم مِنْهَا خَافُوا أَن يكون نُزُولهَا سخطَة وَفِي أكلهَا مثلَة فتحاموها فَلَمَّا رأى ذَلِك عِيسَى دَعَا لَهَا الْفُقَرَاء والزمنى وَقَالَ: كلوا من رزق ربكُم ودعوة نَبِيكُم واحمدوا الله الَّذِي أنزلهَا لكم يكون مهناها لكم وعقوبتها على غَيْركُمْ وافتتحوا أكلكم بِسم الله واختتموه بِحَمْد الله فَفَعَلُوا فَأكل مِنْهَا ألف وثلثمائة إِنْسَان بَين رجل وَامْرَأَة يصدرون عَنْهَا كل وَاحِد مِنْهُم شبعان يتجشأ
وَنظر عِيسَى والحواريون فَإِذا مَا عَلَيْهَا كَهَيئَةِ إِذْ نزلت من السَّمَاء لم ينتقص مِنْهُ شَيْء ثمَّ إِنَّهَا رفعت إِلَى السَّمَاء وهم ينظرُونَ فاستغنى كل فَقير أكل مِنْهَا وبريء كل زمن مِنْهُم أكل مِنْهَا فَلم يزَالُوا أَغْنِيَاء صحاحاً حَتَّى خَرجُوا من الدُّنْيَا وَنَدم الحواريون وأصحابهم الَّذين أَبُو أَن يَأْكُلُوا مِنْهَا ندامة سَأَلت مِنْهَا أشفارهم وَبقيت حسرتها فِي قُلُوبهم إِلَى يَوْم الْمَمَات
قَالَ: فَكَانَت الْمَائِدَة إِذا نزلت بعد ذَلِك أَقبلت بَنو إِسْرَائِيل إِلَيْهَا من كل مَكَان يسعون يزاحم بَعضهم بَعْضًا الْأَغْنِيَاء والفقراء وَالنِّسَاء وَالصغَار والكبار والأصحاء والمرضى يركب بَعضهم بَعْضًا فَلَمَّا رأى عِيسَى ذَلِك جعلهَا نوباً بَينهم فَكَانَت تنزل يَوْمًا وَلَا تنزل يَوْمًا فلبثوا فِي ذَلِك أَرْبَعِينَ يَوْمًا تنزل عَلَيْهِم غبا عِنْد ارْتِفَاع الضُّحَى فَلَا تزَال مَوْضُوعَة يُؤْكَل مِنْهَا حَتَّى إِذا قَالُوا ارْتَفَعت عَنْهُم بِإِذن الله إِلَى جو السَّمَاء وهم ينظرُونَ إِلَى ظلها فِي الأَرْض حَتَّى توارى عَنْهُم(3/234)
فَأوحى الله إِلَى عِيسَى أَن اجْعَل رِزْقِي فِي الْمَائِدَة لِلْيَتَامَى والفقراء والزمنى دون الْأَغْنِيَاء من النَّاس فَلَمَّا فعل الله ذَلِك ارتاب بهَا الْأَغْنِيَاء وغمصوا ذَلِك حَتَّى شكوا فِيهَا فِي أنفسهم وشككوا فِيهَا النَّاس وأذاعوا فِي أمرهَا الْقَبِيح وَالْمُنكر وَأدْركَ الشَّيْطَان مِنْهُم حَاجته وَقذف وساوسه فِي قُلُوب المرتابين حَتَّى قَالُوا لعيسى: أخبرنَا عَن الْمَائِدَة ونزولها من السَّمَاء حق فَإِنَّهُ ارتاب بهَا بشر منا كثير
قَالَ عِيسَى: كَذبْتُمْ وإله الْمَسِيح طلبتم الْمَائِدَة إِلَى نَبِيكُم أَن يطْلبهَا لكم إِلَى ربكُم فَلَمَّا أَن فعل وأنزلها الله عَلَيْكُم رَحْمَة وَرِزْقًا وأراكم فِيهَا الْآيَات والعبر كَذبْتُمْ بهَا وشككتم فِيهَا فأبشروا بِالْعَذَابِ فَإِنَّهُ نَازل بكم إِلَّا أَن يَرْحَمكُمْ الله وَأوحى الله إِلَى عِيسَى إِنِّي آخذ المكذبين بشرطي فَإِنِّي معذب مِنْهُم من كفر بالمائدة بعد نُزُولهَا عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين فَلَمَّا أَمْسَى المرتابون بهَا وَأخذُوا مضاجعهم فِي أحسن صُورَة من نِسَائِهِم آمِنين فَلَمَّا كَانَ من آخر اللَّيْل مسخهم الله خنازير وَأَصْبحُوا يتتبعون الأقذار فِي الكناسات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن ابْن عَبَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وأبوالشيخ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يحدث عَن عِيسَى بن مَرْيَم أَنه قَالَ لبني إِسْرَائِيل: هَل لكم أَن تَصُومُوا لله ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ تسألوه فيعطيكم مَا سَأَلْتُم فَإِن أجر الْعَامِل على من عمل لَهُ فَفَعَلُوا ثمَّ قَالُوا: يَا معلم الْخَيْر قلت لنا إِن أجر الْعَامِل على من عمل لَهُ وأمرتنا أَن نَصُوم ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَفَعَلْنَا وَلم نَكُنْ نعمل لأحد ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَّا أطعمنَا {هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} إِلَى قَوْله {أحدا من الْعَالمين} فَأَقْبَلت الْمَلَائِكَة تطير بمائدة من السَّمَاء عَلَيْهَا سَبْعَة أحوات وَسَبْعَة أرغفة حَتَّى وَضَعتهَا بَين أَيْديهم فَأكل مِنْهَا آخر النَّاس كَمَا أكل مِنْهَا أَوَّلهمْ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وأبوالشيخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمار بن يَاسر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزلت الْمَائِدَة من السَّمَاء خبْزًا وَلَحْمًا وَأمرُوا أَن لَا يخونوا وَلَا يدخروا لغد فخانوا وَادخرُوا وَرفعُوا لغد فمسخوا قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن عمار بن يَاسر مَوْقُوفا مثله
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَالْوَقْف أصح(3/235)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمار بن يَاسر قَالَ: نزلت الْمَائِدَة عَلَيْهَا ثَمَر من ثَمَر الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمَائِدَة سَمَكَة وأريغفة
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عِكْرِمَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَوْلَا بَنو إِسْرَائِيل مَا خنز الْخبز وَلَا أنتن اللَّحْم وَلَكِن خَبَّأوه لغد فأُنتن اللَّحْم وخنز الْخبز
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ فِي قَوْله {أنزل علينا مائدة من السَّمَاء} قَالَ: خبْزًا وسمكاً
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: نزلت الْمَائِدَة وَهِي طَعَام يفور فَكَانُوا يَأْكُلُون مِنْهَا قعُودا فأحدثوا فَرفعت شَيْئا فَأَكَلُوا على الركب ثمَّ أَحْدَثُوا فَرفعت الْبَتَّةَ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كَانَت مائدة يجلس عَلَيْهَا أَرْبَعَة آلَاف فَقَالُوا لقوم من وضعائهم: إِن هَؤُلَاءِ يلطخون ثيابنا علينا فَلَو بنينَا لَهَا دكاناً يرفعها فبنوا لَهَا دكاناً فَجعلت الضُّعَفَاء لَا تصل إِلَى شَيْء فَلَمَّا خالفوا أَمر الله عز وَجل رَفعهَا عَنْهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطِيَّة الْعَوْفِيّ قَالَ: الْمَائِدَة سَمَكَة فِيهَا من طعم كل طَعَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة
أَن الْخبز الَّذِي أنزل مَعَ الْمَائِدَة كَانَ من أرز
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزل على عِيسَى ابْن مَرْيَم والحواريين خوان عَلَيْهِ خبز وسمك يَأْكُلُون مِنْهُ أَيْنَمَا توَلّوا إِذا شاؤوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي الْمَائِدَة قَالَ: كَانَ طَعَاما ينزل عَلَيْهِم من السَّمَاء حَيْثُمَا نزلُوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: هُوَ الطَّعَام ينزل عَلَيْهِم حَيْثُ نزلُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن إِسْحَق بن عبد الله
أَن الْمَائِدَة نزلت على عِيسَى بن مَرْيَم عَلَيْهَا سَبْعَة أرغفة وَسَبْعَة أحوات يَأْكُلُون مِنْهَا مَا شاؤوا فَسرق بَعضهم مِنْهَا وَقَالَ: لَعَلَّهَا لَا تنزل غَدا فَرفعت(3/236)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنَّهَا كَانَت مائدة ينزل عَلَيْهَا الثَّمر من ثمار الْجنَّة وَأمرُوا أَن لَا يخبئوا وَلَا يخونوا وَلَا يدخروا لغد بلَاء أبلاهم الله بِهِ وَكَانُوا إِذا فعلوا شَيْئا من ذَلِك أنبأهم بِهِ عِيسَى فخان الْقَوْم فِيهِ فخبأوا وادَّخَروا لِغدٍ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أنزل على الْمَائِدَة كل شَيْء إِلَّا اللَّحْم
والمائدة الخوان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ميسرَة وزاذان قَالَا: كَانَت الْمَائِدَة إِذا وضعت لبني إِسْرَائِيل اخْتلفت الْأَيْدِي فِيهَا بِكُل طَعَام
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه أَنه سُئِلَ عَن الْمَائِدَة الَّتِي أنزلهَا الله من السَّمَاء على بني إِسْرَائِيل قَالَ: كَانَ ينزل عَلَيْهِم فِي كل يَوْم فِي تِلْكَ الْمَائِدَة من ثمار الْجنَّة فَأَكَلُوا مَا شاؤوا من ضروب شَتَّى فَكَانَت يقْعد عَلَيْهَا أَرْبَعَة آلَاف فَإِذا أكلُوا أبدل الله مَكَان ذَلِك بِمثلِهِ فلبثوا بذلك مَا شَاءَ الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أنزل علينا مائدة من السَّمَاء} قَالَ: هُوَ مثل ضرب وَلم ينزل عَلَيْهِم شَيْء
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: مائدة عَلَيْهَا طَعَام أَبوهَا حِين عرض عَلَيْهِم الْعَذَاب إِن كفرُوا فَأَبَوا أَن ينزل عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن الْحسن قَالَ: لما قيل لَهُم {فَمن يكفر بعد مِنْكُم فَإِنِّي أعذبه عذَابا} قَالُوا: لَا حَاجَة لنا فِيهَا فَلم تنزل عَلَيْهِم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِنِّي أعذبه عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين} قَالَ: ذكر لنا أَنهم لما صَنَعُوا فِي الْمَائِدَة مَا صَنَعُوا حوِّلوا خنازير
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فَمن يكفر بعد مِنْكُم} بعد مَا جَاءَتْهُ الْمَائِدَة {فَإِنِّي أعذبه عذَابا لَا أعذبه أحدا من الْعَالمين} يَقُول: أعذبه بِعَذَاب لَا أعذبه أحدا غير أهل الْمَائِدَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة من كفر من أَصْحَاب الْمَائِدَة والمنافقون وَآل فِرْعَوْن(3/237)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {إِنِّي منزلهَا} مثقلة
- الْآيَة (116 - 117)(3/238)
وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)
- أخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: يلقى الله عِيسَى حجَّته وَالله لقاه فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} قَالَ أبوهريرة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فلقاه الله {سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق}
الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ميسرَة قَالَ: لما {قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} أرعد كل مفصل مِنْهُ حَتَّى وَقع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن بن صَالح قَالَ: لما قَالَ {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} زَالَ كل مفصل لَهُ من مَكَانَهُ خيفة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} مَتى يكون ذَلِك قَالَ: يَوْم الْقِيَامَة أَلا ترى أَنه يَقُول {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} الْمَائِدَة الْآيَة 119
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} قَالَ: لما رفع الله عِيسَى بن مَرْيَم إِلَيْهِ قَالَت النَّصَارَى مَا قَالَت وَزَعَمُوا أَن عِيسَى أَمرهم بذلك(3/238)
فَسَأَلَهُ عَن قَوْله {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي} إِلَى قَوْله {وَأَنت على كل شَيْء شَهِيد}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: احْتج عِيسَى وربه وَالله وَفقه {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق طَاوس عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن عِيسَى حاجه ربه فحاج عِيسَى ربه وَالله لقاه حجَّته بقوله {أَأَنْت قلت للنَّاس} الْآيَة
وَأخرج ابْن مردوية عَن جَابر بن عبد الله سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمعت الْأُمَم ودعي كل أنَاس بإمامهم قَالَ: ويدعى عِيسَى فَيَقُول لعيسى {يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} فَيَقُول {سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق} إِلَى قَوْله {يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج {وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله} وَالنَّاس يسمعُونَ فَرَاجعه بِمَا قد رَأَيْت فَأقر لَهُ بالعبودية على نَفسه فَعلم من كَانَ يَقُول فِي عِيسَى مَا كَانَ يَقُول أَنه إِنَّمَا كَانَ يَقُول بَاطِلا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَن اعبدوا الله رَبِّي وربكم} قَالَ: سَيِّدي وسيدكم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّكُم مَحْشُورُونَ إِلَى الله حُفَاة عُرَاة غرلًا ثمَّ قَرَأَ {كَمَا بدأنا أوّل خلق نعيده وَعدا علينا إِنَّا كُنَّا فاعلين} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 104 ثمَّ قَالَ: أَلا وَإِن أول الْخَلَائق يكسى يَوْم الْقِيَامَة إِبْرَاهِيم أَلا(3/239)
وَإنَّهُ يجاء بِرِجَال من أمتِي فَيُؤْخَذ بهم ذَات الشمَال فَأَقُول: يَا رب أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيُقَال: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك فَأَقُول كَمَا قَالَ العَبْد الصَّالح {وَكنت عَلَيْهِم شَهِيدا مَا دمت فيهم فَلَمَّا توفيتني كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم} فَيُقَال: أما هَؤُلَاءِ لم يزَالُوا مرتدين على أَعْقَابهم مذ فَارَقْتهمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كنت أَنْت الرَّقِيب عَلَيْهِم} قَالَ: الحفيظ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كنت أَنْت الرَّقِيب} قَالَ: الحفيظ
- الْآيَة (118)(3/240)
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)
- أخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي ذَر قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة فَقَرَأَ بِآيَة حَتَّى أصبح يرْكَع بهَا وَيسْجد بهَا {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} الْآيَة
فَلَمَّا أصبح قلت: يَا رَسُول الله مَا زلت تقْرَأ هَذِه الْآيَة حَتَّى أَصبَحت قَالَ: إِنِّي سَأَلت رَبِّي الشَّفَاعَة لأمتي فَأَعْطَانِيهَا وَهِي ائلة إِن شَاءَ الله من لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي ذَر قَالَ قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِآيَة حَتَّى أصبح يُرَدِّدهَا {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وان تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم}
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي حسن الظَّن وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَلا قَول الله فِي إِبْرَاهِيم {رب إنَّهُنَّ أضللن كثيرا من النَّاس فَمن تَبِعنِي فَإِنَّهُ مني} إِبْرَاهِيم الْآيَة 36 الْآيَة
وَقَالَ عِيسَى بن مَرْيَم {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وان تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} فَرفع يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أمتِي أمتِي وَبكى
فَقَالَ الله: جِبْرِيل اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد فَقل إِنَّا سنرضيك فِي أمتك وَلَا نسوءك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ بَات رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة يشفع لأمته(3/240)
فَكَانَ يُصَلِّي بِهَذِهِ الْآيَة {إِن تعذِّبهم فَإِنَّهُم عِبَادك} إِلَى آخر الْآيَة
كَانَ بهَا يسْجد وَبهَا يرْكَع وَبهَا يقوم وَبهَا يقْعد حَتَّى أصبح
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ذَر قَالَ: قلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله قُمْت اللَّيْلَة بِآيَة من الْقُرْآن ومعك قُرْآن لَو فعل هَذَا بَعْضنَا لوجدنا عَلَيْهِ قَالَ: دَعَوْت لأمتي
قَالَ: فَمَاذَا أجبْت قَالَ: أجبْت بِالَّذِي لَو اطَّلع كثير مِنْهُم عَلَيْهِ تركُوا الصَّلَاة
قَالَ: أَفلا أبشر النَّاس قَالَ: بلَى
فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله إِنَّك إِن تبْعَث إِلَى النَّاس بِهَذَا نكلوا عَن الْعِبَادَة فناداه أَن ارْجع فَرجع وتلا الْآيَة الَّتِي يتلوها {إِن تعذِّبهم فَإِنَّهُم عِبَادك وان تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} يَقُول: عبيدك قد استوجبوا الْعَذَاب بمقالتهم {وَإِن تغْفر لَهُم} أَي من تركت مِنْهُم وَمد فِي عمره حَتَّى أهبط من السَّمَاء إِلَى الأَرْض يقتل الدَّجَّال فنزلوا عَن مقالتهم ووحدوك وأقروا إِنَّا عبيد {وَإِن تغْفر لَهُم} حَيْثُ رجعُوا عَن مقالتهم {فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك} يَقُول: إِن تُعَذبهُمْ تميتهم بنصرانيتهم فيحق عَلَيْهِم الْعَذَاب فَإِنَّهُم عِبَادك {وان تغْفر لَهُم} فتخرجهم من النَّصْرَانِيَّة وتهديهم إِلَى الْإِسْلَام {فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} هَذَا قَول عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام فِي الدُّنْيَا
- الْآيَة (119 - 120)(3/241)
قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} قَالَ: يَقُول هَذَا يَوْم ينفع الْمُوَحِّدين توحيدهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {قَالَ الله هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} قَالَ: هَذَا فصل بَين كَلَام عِيسَى وَهَذَا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: متكلمان تكلما يَوْم الْقِيَامَة
نَبِي الله عِيسَى وإبليس عَدو الله فَأَما إِبْلِيس فَيَقُول {إِن الله وَعدكُم وعد الْحق} إِبْرَاهِيم الْآيَة 42 إِلَى قَوْله {إِلَّا أَن دعوتكم فاستجبتم} لي وَصدق عَدو الله يَوْمئِذٍ وَكَانَ فِي الدُّنْيَا كَاذِبًا وَأما عِيسَى فَمَا قصّ الله عَلَيْكُم فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي} الْمَائِدَة الْآيَة 116 إِلَى آخر الْآيَة: {قَالَ الله هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} وَكَانَ صَادِقا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَبعد الْمَوْت
قَوْله تَعَالَى: {لله ملك السَّمَاوَات} الْآيَة
أخرج أبوعبيد فِي فضائله عَن أبي الزَّاهِرِيَّة أَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ كتب فِي آخر الْمَائِدَة لله ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالله سميع بَصِير(3/242)
(6)
سُورَة الْأَنْعَام
مَكِّيَّة وآياتها خمس وَسِتُّونَ وَمِائَة أخرج ابْن الضريس وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت سُورَة الْأَنْعَام بِمَكَّة
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة وَابْن الضريس فِي فضائلهما وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْعَام بِمَكَّة لَيْلًا جملَة حولهَا سَبْعُونَ ألف ملك يجأرون بالتسبيح
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت سُورَة الْأَنْعَام جَمِيعًا بِمَكَّة مَعهَا موكب من الْمَلَائِكَة يشيعونها قد طبقوا مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض لَهُم زجل بالتسبيح حَتَّى كَادَت الأَرْض أَن ترتج من زجلهم بالتسبيح ارتجاجا فَلَمَّا سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زجلهم بالتسبيح رعب من ذَاك فَخر سَاجِدا حَتَّى أنزلت عَلَيْهِ بِمَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْعَام يشيعها سَبْعُونَ ألفا من الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء قَالَت: نزلت سُورَة الْأَنْعَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي مسير فِي زجل من الْمَلَائِكَة وَقد نظموا مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أَسمَاء بنت يزِيد قَالَت: نزلت سُورَة الْأَنْعَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جملَة وَاحِدَة وَأَنا آخذة بزمام نَاقَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن كَادَت من ثقلهَا لتكسر عِظَام النَّاقة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت عَليّ سُورَة الْأَنْعَام جملَة وَاحِدَة يشيعها سَبْعُونَ ألف ملك لَهُم زجل بالتسبيح والتحميد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان والسلفي فِي(3/243)
الطيوريات عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزلت عَليّ سُورَة الْأَنْعَام وَمَعَهَا موكب من الْمَلَائِكَة يسد مَا بَين الْخَافِقين لَهُم زجل بالتسبيح وَالتَّقْدِيس وَالْأَرْض ترتج وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: سُبْحَانَ الله الْعَظِيم سُبْحَانَ الله الْعَظِيم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والإسماعيلي فِي مُعْجَمه عَن جَابر قَالَ: لما نزلت سُورَة الْأَنْعَام سبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ لقد شيع هَذِه السُّورَة من الْمَلَائِكَة مَا سد الْأُفق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه والخطيب فِي تَارِيخه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: أنزل الْقُرْآن خمْسا خمْسا وَمن حفظ خمْسا خمْسا لم ينسه إِلَّا سُورَة الْأَنْعَام فَإِنَّهَا نزلت جملَة فِي ألف يشيعها من كل سَمَاء سَبْعُونَ ملكا حَتَّى أدوها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قُرِئت على عليل إِلَّا شفَاه الله
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنزلت عَليّ سُورَة الْأَنْعَام جملَة وَاحِدَة يشيعها سَبْعُونَ ألف ملك لَهُم زجل بالتسبيح والتحميد وَالتَّكْبِير والتهليل
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُورَة الْأَنْعَام نزلت بِمَكَّة جملَة وَاحِدَة فَهِيَ مَكِّيَّة إِلَّا ثَلَاث آيَات مِنْهَا نزلتا بِالْمَدِينَةِ {قل تَعَالَوْا أتل} الْأَنْعَام الْآيَات 151 - 153 إِلَى تَمام الْآيَات الثَّلَاث
وَأخرج الديلمي بِسَنَد ضَعِيف عَن أنس مَرْفُوعا يُنَادي مناديا: قارىء سُورَة الْأَنْعَام هَلُمَّ إِلَى الْجنَّة بحبك إِيَّاهَا وتلاوتها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْعَام كلهَا جملَة مَعهَا خَمْسمِائَة ملك يزفونها ويحفونها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ: نزلت سُورَة الْأَنْعَام جَمِيعًا مَعهَا سَبْعُونَ ألف ملك كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة} الْأَنْعَام الْآيَة 111 فَإِنَّهَا مَدَنِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: لما نزلت سُورَة الْأَنْعَام سبح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ لقد شيع هَذِه السُّورَة من الْمَلَائِكَة مَا سد الْأُفق
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَعبد بن حميد عَن شهر بن(3/244)
حَوْشَب قَالَ: نزلت الْأَنْعَام جملَة وَاحِدَة مَعهَا رجز من الْمَلَائِكَة قد نظموا مَا بَين السَّمَاء الدُّنْيَا إِلَى الأَرْض قَالَ: وَهِي مَكِّيَّة غير آيَتَيْنِ {قل تَعَالَوْا أتل مَا حرم ربكُم عَلَيْكُم} الْأَنْعَام الْآيَات 151 - 152 وَالْآيَة الَّتِي بعْدهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: أنزلت الْأَنْعَام جَمِيعًا وَمَعَهَا سَبْعُونَ ألف ملك
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: نزلت الْأَنْعَام كلهَا بِمَكَّة إِلَّا آيَتَيْنِ نزلتا بِالْمَدِينَةِ فِي رجل من الْيَهُود وَهُوَ الَّذِي قَالَ {مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} الْأَنْعَام الْآيَة 91 الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان قَالَ: نزلت الْأَنْعَام كلهَا بِمَكَّة إِلَّا آيَتَيْنِ نزلتا بِالْمَدِينَةِ فِي رجل من الْيَهُود وَهُوَ الَّذِي قَالَ {مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} الْأَنْعَام الْآيَة 91 وَهُوَ فنحَاص الْيَهُودِيّ أَو مَالك بن الصَّيف
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة فِي فضائله والدارمي فِي مُسْنده وَمُحَمّد بن نصر فِي كتاب الصَّلَاة وَأَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: الْأَنْعَام من مواجب الْقُرْآن
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْأَنْعَام من مواجب الْقُرْآن
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن حبيب أبي مُحَمَّد العابد قَالَ: من قَرَأَ ثَلَاث آيَات من أول الْأَنْعَام إِلَى تكسبون بعث الله لَهُ سبعين ألف ملك يدعونَ لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَله مثل أَعْمَالهم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أدخلهُ الله الْجنَّة وسقاه من سلسبيل وغسله من الْكَوْثَر وَقَالَ: أَنا رَبك حَقًا وَأَنت عَبدِي حَقًا
وَأخرج ابْن الضريس عَن حبيب بن عِيسَى عَن أبي مُحَمَّد الْفَارِسِي قَالَ: من قَرَأَ ثَلَاث آيَات من أول سُورَة الْأَنْعَام بعث الله سبعين ألف ملك يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَله مثل أُجُورهم فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أدخلهُ الله الْجنَّة أظلهُ فِي ظلّ عَرْشه وأطعمه من ثمار الْجنَّة وَشرب من الْكَوْثَر واغتسل من السلسبيل وَقَالَ الله: أَنا رَبك وَأَنت عَبدِي
وَأخرج السلَفِي بِسَنَدِهِ واه عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا قَالَ من قَرَأَ إِذا صلى الْغَدَاة(3/245)
ثَلَاث آيَات من أول سُورَة الْأَنْعَام إِلَى {وَيعلم مَا تكسبون} نزل إِلَيْهِ أَرْبَعُونَ ألف ملك يكْتب لَهُ مثل أَعْمَالهم وَبعث إِلَيْهِ ملك من سبع سموات وَمَعَهُ مرزبة من حَدِيد فَإِن أوحى الشَّيْطَان فِي قلبه شَيْئا من الشَّرّ ضربه حَتَّى يكون بَينه وَبَينه سَبْعُونَ حِجَابا فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ الله تَعَالَى: أَنا رَبك وَأَنت عَبدِي: امش فِي ظِلِّي واشرب من الْكَوْثَر واغتسل من السلسبيل وادخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب وَلَا عَذَاب
وَأخرج الديلمي عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى الْفجْر فِي جمَاعَة وَقعد فِي مُصَلَّاهُ وَقَرَأَ ثَلَاث آيَات من أول سُورَة الانعام وكل الله بِهِ سبعين ملكا يسبحون الله وَيَسْتَغْفِرُونَ لَهُ إِلَى الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن حُذَيْفَة أَنه مر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة وَهُوَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد قَالَ: فَقُمْت أُصَلِّي وَرَاءه فَاسْتَفْتَحَ سُورَة الْبَقَرَة فَلَمَّا ختم قَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد اللَّهُمَّ لَك الْحَمد وترا ثمَّ افْتتح آل عمرَان فختمها فَلم يرْكَع وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَك الْحَمد ثَلَاث مَرَّات ثمَّ افْتتح سُورَة الْمَائِدَة فختمها فَرَكَعَ فَسَمعته يَقُول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيم وَيرجع شَفَتَيْه فَاعْلَم انه يَقُول: غير ذَلِك ثمَّ افْتتح سُورَة الْأَنْعَام فتركته وَذَهَبت
- الْآيَة (1)(3/246)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)
- أخرج ابْن الضريس فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: فتحت التَّوْرَاة {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} وختمت {الْحَمد لله الَّذِي لم يتَّخذ ولدا} الى قَوْله {وَكبره تَكْبِيرا}
وَأخرج عبد بن حميد عَن الرّبيع بن أنس {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} قَالَ: هِيَ فِي التَّوْرَاة بستمائة آيَة(3/246)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} حمد نَفسه فأعظم خلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ
أَنه أَتَاهُ رجل من الْخَوَارِج فَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ أَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ: نعم
فَانْصَرف عَنهُ ثمَّ قَالَ: ارْجع
فَرجع فَقَالَ: أَي قل إِنَّمَا أنزلت فِي أهل الْكتاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي عَن أَبِيه أَنه أَتَاهُ رجل من الْخَوَارِج فَقَرَأَ عَلَيْهِ {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: أَلَيْسَ الَّذِي كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ قَالَ: بلَى
فَانْصَرف عَنهُ الرجل فَقَالَ لَهُ رجل من الْقَوْم: يَا ابْن ابزى إِن هَذَا أَرَادَ تَفْسِير الْآيَة غير مَا ترى إِنَّه رجل من الْخَوَارِج
قَالَ: ردُّوهُ عَليّ
فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَتَدْرِي فِيمَن أنزلت هَذِه الْآيَة قَالَ: لَا
قَالَ: نزلت فِي أهل الْكتاب فَلَا تضعها فِي غير موضعهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الزَّنَادِقَة {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور} قَالَ: قَالُوا: إِن الله لم يخلق الظلمَة وَلَا الخنافس وَلَا العقارب وَلَا شَيْئا قبيحاً وَإِنَّمَا خلق النُّور وكل شَيْء حسن فَأنْزل فيهم هَذِه الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: نزل جِبْرِيل مَعَ سبعين ألف ملك مَعَهم سُورَة الْأَنْعَام لَهُم زجل من التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير والتهليل والتحميد وَقَالَ: الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَكَانَ فِيهِ رد على ثَلَاثَة أَدْيَان مِنْهُم فَكَانَ فِيهِ رد على الدهرية لِأَن الْأَشْيَاء كلهَا دائمة ثمَّ قَالَ: {وَجعل الظُّلُمَات والنور} فَكَانَ فِيهِ رد على الْمَجُوس الَّذين زَعَمُوا أَن الظلمَة والنور هما المدبران وَقَالَ {ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} فَكَانَ فِيهِ رد على مُشْركي الْعَرَب وَمن دَعَا دون الله إِلَهًا
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي روق قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن {جعل} فَهُوَ خلق
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَجعل الظُّلُمَات والنور} قَالَ: الْكفْر وَالْإِيمَان
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن(3/247)
قَتَادَة فِي قَوْله {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور} قَالَ: خلق الله السَّمَوَات قبل الأَرْض والظلمة قبل النُّور وَالْجنَّة قبل النَّار {ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} قَالَ: كذب الْعَادِلُونَ بِاللَّه فَهَؤُلَاءِ أهل الشّرك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَجعل الظُّلُمَات والنور} قَالَ: الظُّلُمَات ظلمَة اللَّيْل والنور نور النَّهَار {ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} قَالَ: هم الْمُشْركُونَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} قَالَ: يشركُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} قَالَ: الْآلهَة الَّتِي عبدوها عدلوها بِاللَّه تَعَالَى وَلَيْسَ لله عدل وَلَا ند وَلَيْسَ مَعَه آلِهَة وَلَا اتخذ صَاحِبَة وَلَا ولدا
- الْآيَة (2 - 5)(3/248)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من طين} يَعْنِي آدم {ثمَّ قضى أَََجَلًا} يَعْنِي أجل الْمَوْت {وَأجل مُسَمّى عِنْده} أجل السَّاعَة وَالْوُقُوف عِنْد الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ قضى أَََجَلًا} قَالَ: أجل الدُّنْيَا
وَفِي لفظ: أجل مَوته {وَأجل مُسَمّى عِنْده} قَالَ: الْآخِرَة لَا يُعلمهُ إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {قضى أَََجَلًا} قَالَ: هُوَ النّوم يقبض الله فِيهِ الرّوح ثمَّ يرجع إِلَى صَاحبه حِين الْيَقَظَة {وَأجل مُسَمّى عِنْده} قَالَ: هُوَ أجل موت الإِنسان(3/248)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي خَلقكُم من طين} قَالَ: هَذَا بَدْء الْخلق خلق آدم من طين {ثمَّ جعل نَسْله من سلالة من مَاء مهين} السَّجْدَة الْآيَة 8 {ثمَّ قضى أَََجَلًا وَأجل مُسَمّى عِنْده} يَقُول: أجل حياتك إِلَى يَوْم تَمُوت وَأجل موتك إِلَى يَوْم الْبَعْث {ثمَّ أَنْتُم تمترون} قَالَ: تشكون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ثمَّ قضى أَََجَلًا} قَالَ: أجل الدُّنْيَا الْمَوْت {وَأجل مُسَمّى عِنْده} قَالَ: الْآخِرَه الْبَعْث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة وَالْحسن فِي قَوْله {قضى أَََجَلًا} قَالَا: قضى أجل الدُّنْيَا مُنْذُ خلقت إِلَى أَن تَمُوت {وَأجل مُسَمّى عِنْده} قَالَ: يَوْم القيامه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي {قضى أَََجَلًا} قَالَ: مَا خلق فِي سِتَّة أَيَّام {وَأجل مُسَمّى عِنْده} قَالَ: مَا كَانَ بعد ذَلِك إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {ثمَّ أَنْتُم تمترون} قَالَ: تشكون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن خَالِد بن معدان فِي قَوْله {ثمَّ أَنْتُم تمترون} يَقُول يَقُول: فِي الْبَعْث
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله وَمَا {وَمَا تأتيهم من آيَة من آيَات رَبهم إِلَّا كَانُوا عَنْهَا معرضين} يَقُول: مَا يَأْتِيهم من شَيْء من كتاب الله إِلَّا أَعرضُوا عَنهُ
وَفِي قَوْله {فقد كذبُوا بِالْحَقِّ لما جَاءَهُم فَسَوف يَأْتِيهم أنباء مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} يَقُول: سيأتيهم يَوْم الْقِيَامَة أنباء مَا استهزأوا بِهِ من كتاب الله عز وَجل
- الْآيَة (6)(3/249)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك فِي قَوْله {من قرن} قَالَ: أمة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مكناهم فِي الأَرْض مَا لم نمكن لكم} يَقُول: أعطيناهم مَا لم نعطكم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مدراراً} يَقُول: يتبع بَعْضهَا بَعْضًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن هَارُون التَّمِيمِي فِي قَوْله {وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مدراراً} قَالَ: الْمَطَر فِي إبانه
- الْآيَة (7)(3/250)
وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَو نزلنَا عَلَيْك كتابا فِي قرطاس فلمسوه بِأَيْدِيهِم} يَقُول: لَو أنزلنَا من السَّمَاء صحفاً فِيهَا كتاب فلمسوه بِأَيْدِيهِم لزادهم ذَلِك تَكْذِيبًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَو نزلنَا عَلَيْك كتابا فِي قرطاس} يَقُول: فِي صحيفَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فلمسوه بِأَيْدِيهِم} يَقُول: فعاينوه مُعَاينَة ومسوه بِأَيْدِيهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فلمسوه بِأَيْدِيهِم} قَالَ: فمسوه ونظروا إِلَيْهِ لم يصدقُوا بِهِ
- الْآيَة (8 - 9)(3/250)
وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)
- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق قَالَ دَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قومه إِلَى الإِسلام وكلمهم فابلغ إِلَيْهِم فِيمَا بَلغنِي فَقَالَ لَهُ زَمعَة بن الْأسود بن الْمطلب وَالنضْر بن الْحَارِث بن كلدة وَعَبدَة بن عبد يَغُوث وَأبي بن خلف بن وهب والعاصي بن وَائِل بن هِشَام: لَو جعل مَعَك يَا مُحَمَّد ملك يحدث عَنْك النَّاس وَيرى مَعَك فَأنْزل الله فِي ذَلِك من قَوْلهم {وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقَالُوا لَوْلَا أنزل عَلَيْهِ ملك} قَالَ: ملك فِي صُورَة رجل {وَلَو أنزلنَا ملكا لقضي الْأَمر} قَالَ: لقامت السَّاعَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَو أنزلنَا ملكا لقضي الْأَمر} يَقُول: لَو أنزل الله ملكا ثمَّ لم يُؤمنُوا لعجَّل لَهُم الْعَذَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَلَو أنزلنَا ملكا} قَالَ: وَلَو أَتَاهُم ملك فِي صورته {لقضي الْأَمر} لأهلكناهم {ثمَّ لَا ينظرُونَ} لَا يؤخرون {وَلَو جَعَلْنَاهُ ملكا لجعلناه رجلا} يَقُول: لَو أَتَاهُم ملك مَا أَتَاهُم إِلَّا فِي صُورَة رجل لأَنهم لَا يَسْتَطِيعُونَ النّظر إِلَى الْمَلَائِكَة {وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ} يَقُول: لخلطنا عَلَيْهِم مَا يخلطون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَو جَعَلْنَاهُ ملكا لجعلناه رجلا} قَالَ: فِي صُورَة رجل وَفِي خلق رجل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَو جَعَلْنَاهُ ملكا لجعلناه رجلا} يَقُول: فِي صُورَة آدَمِيّ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَو جَعَلْنَاهُ ملكا لجعلناه رجلا} قَالَ: لجعلنا ذَلِك الْملك فِي صُورَة رجل لم نرسله فِي صُورَة الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وللبسنا عَلَيْهِم} يَقُول: شبهنا عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ} يَقُول: شبهنا عَلَيْهِم مَا يشبهون على أنفسهم(3/251)
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وللبسنا عَلَيْهِم مَا يلبسُونَ} يَقُول: مَا لبس قوم على أنفسهم إِلَّا لبس الله عَلَيْهِم واللبس إِنَّمَا هُوَ من النَّاس قد بَين الله للعباد وَبعث رسله وَاتخذ عَلَيْهِم الْحجَّة وأراهم الْآيَات وَقدم إِلَيْهِم بالوعيد
- الْآيَة (10)(3/252)
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)
- أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن إِسْحَق قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بَلغنِي بالوليد بن الْمُغيرَة وَأُميَّة بن خلف وَأبي جهل بن هِشَام فهمزوه واستهزؤا بِهِ فَغَاظَهُ ذَلِك فَأنْزل الله {وَلَقَد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا مِنْهُم مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {فحاق بالذين سخروا مِنْهُم} من الرُّسُل {مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} يَقُول: وَقع بهم الْعَذَاب الَّذِي استهزؤا بِهِ
- الْآيَة (11 - 12)(3/252)
قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11) قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قل سِيرُوا فِي الأَرْض ثمَّ انْظُرُوا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين} قَالَ: بئس - وَالله - مَا كَانَ عَاقِبَة المكذبين دمر الله عَلَيْهِم وأهلكهم ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سلمَان فِي قَوْله {كتب على نَفسه الرَّحْمَة} قَالَ: إِنَّا نجده فِي التَّوْرَاة عطيفتين أَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ثمَّ جعل مائَة رَحْمَة قبل أَن يخلق الْخلق ثمَّ خلق(3/252)
الْخلق فَوضع بَينهم وَاحِدَة وَأمْسك عِنْده تسعا وَتِسْعين رَحْمَة فِيهَا يتراحمون وَبهَا يتعاطفون وَبهَا يتباذلون وَبهَا يتزاورون وَبهَا تحن النَّاقة وَبهَا تنْتج الْبَقَرَة وَبهَا تَيْعر الشَّاة وَبهَا تتَابع الطير وَبهَا تتَابع الْحيتَان فِي الْبَحْر فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جمع تِلْكَ الرَّحْمَة إِلَى مَا عِنْده وَرَحمته أفضل وأوسع
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سلمَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خلق الله يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض مائَة رَحْمَة مِنْهَا رَحْمَة يتراحم بهَا الْخلق وتسع وَتسْعُونَ ليَوْم الْقِيَامَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أكملها بِهَذِهِ الرَّحْمَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما قضى الله الْخلق كتب كتابا فَوَضعه عِنْده فَوق الْعَرْش: ان رَحْمَتي سبقت غَضَبي
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خلق الله الْخلق كتب كتابا بِيَدِهِ على نَفسه: إِن رَحْمَتي تغلب غَضَبي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا فرغ الله من الْقَضَاء بَين الْخلق أخرج كتابا من تَحت الْعَرْش: إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي وَأَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ فَيقبض قَبْضَة أَو قبضتين فَيخرج من النَّار خلق كثير لم يعملوا خيرا: مَكْتُوب بَين أَعينهم عُتَقَاء الله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله كتب كتابا بِيَدِهِ لنَفسِهِ قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَوَضعه تَحت عَرْشه فِيهِ: رَحْمَتي سبقت غَضَبي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن طَاوس
أَن الله لما خلق الْخلق لم يعْطف شَيْء مِنْهُ على شَيْء حَتَّى خلق مائَة رَحْمَة فَوضع بَينهم رَحْمَة وَاحِدَة فعطف بعض الْخلق على بعض
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة حسبته أسْندهُ قَالَ: إِذا فرغ الله من الْقَضَاء بَين خلقه أخرج كتابا من تَحت الْعَرْش فِيهِ: إِن رَحْمَتي سبقت غَضَبي وَأَنا أرْحم الرَّاحِمِينَ
قَالَ: فَيخرج من النَّار مثل أهل الْجنَّة أَو قَالَ مثلا أهل الْجنَّة(3/253)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِن لله مائَة رَحْمَة فاهبط مِنْهَا رَحْمَة وَاحِدَة إِلَى أهل الدُّنْيَا يتراحم بهَا الْجِنّ وَالْإِنْس وطائر السَّمَاء وحيتان المَاء ودواب الأَرْض وهوامها وَمَا بَين الْهَوَاء واختزن عِنْده تسعا وَتِسْعين رَحْمَة حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة اختلج الرَّحْمَة الَّتِي كَانَ أهبطها إِلَى أهل الدُّنْيَا فحواها إِلَى مَا عِنْده فَجَعلهَا فِي قُلُوب أهل الْجنَّة وعَلى أهل الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْمخَارِق زُهَيْر بن سَالم قَالَ: قَالَ عمر لكعب: مَا أول شَيْء ابتدأه الله من خلقه فَقَالَ كَعْب: كتب الله كتابا لم يَكْتُبهُ بقلم وَلَا مدد وَلَكِن كتب بِأُصْبُعِهِ يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا سبقت رَحْمَتي غَضَبي
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب حسن الظَّن بِاللَّه عَن أبي قَتَادَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ الله للْمَلَائكَة: أَلا أحدثكُم عَن عَبْدَيْنِ من بني إِسْرَائِيل أما أَحدهمَا فَيرى بَنو إِسْرَائِيل أَنه أفضلهما فِي الدّين وَالْعلم والخلق وَالْآخر أَنه مُسْرِف على نَفسه
فَذكر عِنْد صَاحبه فَقَالَ: لن يغْفر الله لَهُ
فَقَالَ: ألم يعلم أَنِّي أرْحم الرَّاحِمِينَ ألم يعلم رَحْمَتي سبقت غَضَبي وَإِنِّي أوجبت لهَذَا الْعَذَاب
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلَا تألوا على الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن أبي سعيد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله خلق يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض مائَة رَحْمَة فَجعل فِي الأَرْض مِنْهَا رَحْمَة فِيهَا تعطف الوالدة على وَلَدهَا والبهائم بَعْضهَا على بعض وَأخر تسعا وَتِسْعين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أكملها بِهَذِهِ الرَّحْمَة مائَة رَحْمَة
وَأخرج مُسلم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله خلق يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض مائَة رَحْمَة كل رَحْمَة طباق مَا بَين السَّمَوَات وَالْأَرْض فَجعل مِنْهَا فِي الأَرْض رَحْمَة فبها تعطف الوالدة على وَلَدهَا والوحش وَالطير بَعْضهَا على بعض فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة أكملها بِهَذِهِ الرَّحْمَة
- الْآيَة (13 - 18)(3/254)
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَله مَا سكن فِي اللَّيْل وَالنَّهَار} يَقُول: مَا اسْتَقر فِي اللَّيْل وَالنَّهَار
وَفِي قَوْله {قل أغير الله أَتَّخِذ وليا} قَالَ: أما الْوَلِيّ فَالَّذِي يَتَوَلَّاهُ ويقر لَهُ بالربوبية
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ بديع السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج أَبُو عُبَيْدَة فِي فضائله وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت لَا أَدْرِي مَا فاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى أَتَانِي اعرابيان يختصمان فِي بِئْر فَقَالَ أَحدهمَا: أَنا فطرتها
يَقُول: أَنا ابْتَدَأتهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَهُوَ يطعِم وَلَا يطعَم} قَالَ: يرْزق وَلَا يُرزق
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن السّني وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ دَعَا رجل من الْأَنْصَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَانْطَلَقْنَا مَعَه فَلَمَّا طعَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغسل يَده قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي يطعم وَلَا يطعم ومنَّ علينا فهدانا وأطعمنا وَسَقَانَا وكل بلَاء حسن أبلانا الْحَمد لله غير مُودع رَبِّي وَلَا مكفأ وَلَا مكفور وَلَا مستغني عَنهُ الْحَمد لله الَّذِي أطعمنَا من الطَّعَام وَسَقَانَا من الشَّرَاب وكسانا من العرى وهدانا(3/255)
من الضلال وبصرنا من الْعَمى وفضلنا على كثير من خلقه تَفْضِيلًا الْحَمد لله رب الْعَالمين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {من يصرف عَنهُ يَوْمئِذٍ} قَالَ: من يصرف عَنهُ الْعَذَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق بشر بن السّري عَن هَارُون النَّحْوِيّ قَالَ: فِي قِرَاءَة أبي (من يصرفهُ الله)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِن يمسسك بِخَير} يَقُول: بعافية
- الْآيَة (19)(3/256)
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)
- أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ النحام بن زيد وقردم بن كَعْب وبحرى بن عَمْرو فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد مَا تعلم مَعَ الله إِلَهًا غَيره فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا إِلَه إِلَّا الله بذلك بعثت وَإِلَى ذَلِك أَدْعُو فَأنْزل الله فِي قَوْلهم {قل أَي شَيْء أكبر شَهَادَة} الْآيَة
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل أَي شَيْء أكبر شَهَادَة} قَالَ: أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يسْأَل قُريْشًا أَي شَيْء أكبر شَهَادَة ثمَّ امْرَهْ أَن يُخْبِرهُمْ فَيَقُول: الله شَهِيد بيني وَبَيْنكُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس {وأوحي إليَّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ} يَعْنِي أهل مَكَّة {وَمن بلغ} يَعْنِي من بلغه هَذَا الْقُرْآن فَهُوَ لَهُ نَذِير
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وأوحي إليَّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ} كتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي وكل جَبَّار يَدعُوهُم إِلَى الله عز وَجل وَلَيْسَ بالنجاشي الَّذِي صلي عَلَيْهِ(3/256)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي بن كَعْب قَالَ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأسَارَى فَقَالَ لَهُم: هَل دعيتم إِلَى الْإِسْلَام قَالُوا: لَا
فخلى سبيلهم ثمَّ قَرَأَ {وأوحي إليَّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} ثمَّ قَالَ: خلوا سبيلهم حَتَّى يَأْتُوا مَا مِنْهُم من أجل أَنهم لم يدعوا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم والخطيب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من بلغه الْقُرْآن فَكَأَنَّمَا شافهته بِهِ ثمَّ قَرَأَ {وأوحي إليَّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ وَمن بلغ}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {وأوحي إليَّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} قَالَ: من بلغه الْقُرْآن فَكَأَنَّمَا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِي لفظ: من بلغه الْقُرْآن حَتَّى يفهمهُ ويعقله كَانَ كمن عاين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَلمه
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأوحي إليَّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ} قَالَ: الْعَرَب {وَمن بلغ} قَالَ: الْعَجم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن بن صَالح قَالَ: سَأَلت ليثاً هَل بَقِي أحد لم تبلغه الدعْوَة قَالَ: كَانَ مُجَاهِد يَقُول: حَيْثُمَا يَأْتِي الْقُرْآن فَهُوَ دَاع وَهُوَ نَذِير ثمَّ قَرَأَ {لأنذركم بِهِ وَمن بلغ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وأوحي إليَّ هَذَا الْقُرْآن لأنذركم بِهِ وَمن بلغ} أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول بلغُوا عَن الله فَمن بلغته آيَة من كتاب الله فقد بلغه أَمر الله
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن أَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا أَيهَا النَّاس بلغُوا وَلَو آيَة من كتاب الله فَمن بلغته آيَة من كتاب الله فقد بلغه أَمر الله أَخذهَا أَو تَركهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن عمر وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بلغُوا عني وَلَو آيَة وَحَدثُوا عَن بني إِسْرَائِيل وَلَا حرج وَمن كذب عليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: كَأَن النَّاس لم يسمعوا الْقُرْآن قبل يَوْم الْقِيَامَة حِين يتلوه الله عَلَيْهِم.(3/257)
- الْآيَة (20)(3/258)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)
- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} الْآيَة
يَعْنِي يعْرفُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم لِأَن نَعته مَعَهم فِي التَّوْرَاة {الَّذين خسروا أنفسهم فهم لَا يُؤمنُونَ} لأَنهم كفرُوا بِهِ بعد الْمعرفَة
- الْآيَة (21 - 22)(3/258)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ النَّضر وَهُوَ من بني عبد الدَّار: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة شفعت لي اللات والعزى فَأنْزل الله {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو كذب بآياته إِنَّه لَا يفلح الظَّالِمُونَ}
- الْآيَة (23 - 24)(3/258)
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {ثمَّ لم تكن فتنتهم} قَالَ: معذرتهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {ثمَّ لم تكن فتنتهم} قَالَ: حجتهم {إِلَّا أَن قَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْمُشْرِكين قَالُوا وهم فِي النَّار: هَلُمَّ فلنكذب فَلَعَلَّهُ أَن ينفعنا
فَقَالَ الله {أنظر كَيفَ كذبُوا على أنفسهم وضلّ عَنْهُم} فِي الْقِيَامَة {مَا كَانُوا يفترون} يكذبُون فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (ثمَّ لم تكن فتنتهم) بِالنّصب (إِلَّا أَن قَالُوا وَالله رَبنَا) بالخفض(3/258)
وَأخرج عبد بن حميد عَن شُعَيْب بن الْحجاب
سَمِعت الشّعبِيّ يقْرَأ (وَالله رَبنَا) بِالنّصب
فَقلت: إِن أَصْحَاب النَّحْو يقرأونها (وَالله رَبنَا) بالخفض
فَقَالَ: هَكَذَا أَقْرَأَنيهَا عَلْقَمَة بن قيس
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَلْقَمَة أَنه قَرَأَ (وَالله رَبنَا) وَالله يَا رَبنَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} ثمَّ قَالَ {وَلَا يكتمون الله حَدِيثا} النِّسَاء الْآيَة 42 قَالَ: بجوارحهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين} قَالَ: قَول أهل الشّرك حِين رَأَوْا الذُّنُوب تغْفر وَلَا يغْفر الله لِمُشْرِكٍ {أنظر كَيفَ كذبُوا على أنفسهم} قَالَ: بتكذيب الله إيَّاهُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير
أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف (وَالله رَبنَا) بخفضها قَالَ: حلفوا وَاعْتَذَرُوا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {أنظر كَيفَ كذبُوا على أنفسهم} قَالَ: باعتذارهم بِالْبَاطِلِ وَالْكذب {وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون} قَالَ: مَا كَانُوا يشركُونَ بِهِ
- الْآيَة (25)(3/259)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} قَالَ: قُرَيْش
وَفِي قَوْله {وَجَعَلنَا على قُلُوبهم أكنَّة} قَالَ: كالجعبة للنبل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجَعَلنَا على قُلُوبهم أكنَّة أَن يفقهوه وَفِي آذانهم وقرا}(3/259)
قَالَ: يسمعونه بآذانهم وَلَا يعون مِنْهُ شَيْئا كَمثل الْبَهِيمَة الَّتِي تسمع النداء وَلَا تَدْرِي مَا يُقَال لَهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَجَعَلنَا على قُلُوبهم أكنَّة} قَالَ: الغطاء أكن قُلُوبهم {أَن يفقهوه} فَلَا يفقهُونَ الْحق {وَفِي آذانهم وقرا} قَالَ: صمم
وَفِي قَوْله {أساطير الْأَوَّلين} قَالَ: أساجيع الْأَوَّلين
261 - وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أساطير الْأَوَّلين} قَالَ: أَحَادِيث الْأَوَّلين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أساطير الْأَوَّلين} قَالَ: كذب الْأَوَّلين وباطلهم
وَالله أعلم
- الْآيَة (26)(3/260)
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (26)
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس {وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ} قَالَ: نزلت فِي أبي طَالب كَانَ ينْهَى الْمُشْركين أَن يؤذوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويتباعد عَمَّا جَاءَ بِهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْقَاسِم بن مخيمرة فِي قَوْله {وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ} قَالَ: نزلت فِي أبي طَالب كَانَ ينْهَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُؤْذى وَلَا يصدق بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن دِينَار فِي قَوْله {وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ} قَالَ: نزلت فِي أبي طَالب كَانَ ينْهَى النَّاس عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وينأى عَمَّا جَاءَ بِهِ من الْهدى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وهم ينهون عَنهُ} قَالَ: ينهون النَّاس عَن مُحَمَّد أَن يُؤمنُوا بِهِ {وينأون عَنهُ} يتباعدون عَنهُ(3/260)
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ} يَقُول: لَا يلقونه وَلَا يدعونَ أحدا يَأْتِيهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله {وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ} قَالَ: كفار مَكَّة كَانُوا يدْفَعُونَ النَّاس عَنهُ وَلَا يجيبون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وهم ينهون} قَالَ: قُرَيْش عَن الذّكر {وينأون عَنهُ} يَقُول: يتباعدون
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وهم ينهون عَنهُ} قَالَ: ينهون عَن الْقُرْآن وَعَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وينأون عَنهُ} يتباعدون عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن أبي هِلَال فِي قَوْله {وهم ينهون عَنهُ وينأون عَنهُ} قَالَ: نزلت فِي عمومة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانُوا عشرَة فَكَانُوا أَشد النَّاس مَعَه فِي الْعَلَانِيَة وَأَشد النَّاس عَلَيْهِ فِي السِّرّ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {وهم ينهون عَنهُ} قَالَ: عَن قَتله {وينأون عَنهُ} قَالَ: لَا يتبعونه
- الْآيَة (27 - 29)(3/261)
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28) وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29)
- أخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير عَن هرون قَالَ: فِي حرف ابْن مَسْعُود {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب} بِالْفَاءِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {بل بدا لَهُم مَا كَانُوا يخفون من قبل} قَالَ: من أَعْمَالهم {وَلَو ردوا لعادوا لما نُهوا عَنهُ} يَقُول: وَلَو وصل الله لَهُم دنيا كدنياهم الَّتِي كَانُوا فِيهَا لعادوا إِلَى أَعْمَالهم أَعمال السوء الَّتِي كَانُوا نهوا عَنْهَا(3/261)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {بل بدا لَهُم مَا كَانُوا يخفون من قبل} يَقُول: بَدَت لَهُم أَعْمَالهم فِي الْآخِرَة الَّتِي افتروا فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فاخبر الله سُبْحَانَهُ أَنهم لَو ردوا لم يقدروا على الْهدى فَقَالَ {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ} أَي وَلَو ردوا إِلَى الدُّنْيَا لحيل بَينهم وَبَين الْهدى كَمَا حلنا بَينهم وَبَينه أول مرّة وهم فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَو ردوا لعادوا لما نهوا عَنهُ} قَالَ: وَقَالُوا حِين يردون {إِن هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا وَمَا نَحن بمبعوثين}
- الْآيَة (30 - 31)(3/262)
وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (30) قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحَسْرَة الندامة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب بِسَنَد صَحِيح عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {يَا حسرتنا} قَالَ: الْحَسْرَة أَن يرى أهل النَّار مَنَازِلهمْ من الْجنَّة فِي الْجنَّة فَتلك الْحَسْرَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يَا حسرتنا} قَالَ: ندامتنا {على مَا فرَّطنا فِيهَا} قَالَ: ضيعنا من عمل الْجنَّة {وهم يحملون أوزارهم على ظُهُورهمْ} قَالَ: لَيْسَ من رجل ظَالِم يَمُوت فَيدْخل قَبره إِلَّا جَاءَهُ رجل قَبِيح الْوَجْه أسود اللَّوْن منتن الرّيح عَلَيْهِ ثِيَاب دنسة حَتَّى يدْخل مَعَه الْقَبْر فَإِذا رَآهُ قَالَ لَهُ: مَا أقبح وَجهك قَالَ: كَذَلِك كَانَ عَمَلك قبيحاً
قَالَ: مَا أنتن رِيحك قَالَ: كَذَلِك كَانَ عَمَلك منتناً
قَالَ: مَا أدنس ثِيَابك فَيَقُول: إِن عَمَلك كَانَ دنساً
قَالَ: من أَنْت قَالَ: أَنا عَمَلك
قَالَ: فَيكون مَعَه فِي قَبره(3/262)
فَإِذا بعث يَوْم الْقِيَامَة قَالَ لَهُ: إِنِّي كنت أحملك الدُّنْيَا باللذات والشهوات فَأَنت الْيَوْم تحملنِي فيركب على ظَهره فيسوقه حَتَّى يدْخلهُ النَّار فَذَلِك قَوْله {يحملون أوزارهم على ظُهُورهمْ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي قَالَ: إِن الْمُؤمن إِذا خرج من قَبره استقبله عمله فِي أحسن صُورَة وَأطيب ريحًا فَيَقُول لَهُ: هَل تعرفنِي فَيَقُول: لَا إِلَّا أَن الله قد طيب رِيحك وَحسن صُورَتك
فَيَقُول: كَذَلِك كنت فِي الدُّنْيَا أَنا عَمَلك الصَّالح طالما ركبتك فِي الدُّنْيَا فاركبني أَنْت الْيَوْم وتلا {يَوْم نحْشر الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَن وَفْدًا} مَرْيَم الْآيَة 85
وَإِن الْكَافِر يستقبله أقبح شَيْء صُورَة وأنتنه ريحًا فَيَقُول: هَل تعرفنِي فَيَقُول: لَا إِلَّا أَن الله قد قبح صُورَتك ونتن رِيحك
فَيَقُول: كَذَلِك كنت فِي الدُّنْيَا أَنا عَمَلك السيء طالما ركبتني فِي الدُّنْيَا فَأَنا الْيَوْم أركبك وتلا {وهم يحملون أوزارهم على ظُهُورهمْ أَلا سَاءَ مَا يزرون}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَمْرو بن قيس عَن أبي مَرْزُوق
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَلا سَاءَ مَا يزرون} قَالَ: مَا يعْملُونَ
- الْآيَة (32)(3/263)
وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كل لعب لَهو
- الْآيَة (33)(3/263)
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)
- أخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ والضياء فِي المختارة عَن عليّ قَالَ: قَالَ أَبُو جهل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا لَا نكذبك وَلَكِن نكذب بِمَا جِئْت بِهِ فَأنْزل الله {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}(3/263)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي يزِيد الْمدنِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَقِي أَبَا جهل فَجعل أَبُو جهل يلاطفه ويسائله فَمر بِهِ بعض شياطينه فَقَالَ: أتفعل هَذَا قَالَ: أَي وَالله إِنِّي لأَفْعَل بِهِ هَذَا وَإِنِّي لاعلم أَنه صَادِق وَلَكِن مَتى كُنَّا تبعا لبني عبد منَاف وتلا أَبُو يزِيد {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي ميسرَة قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ أبي جهل فَقَالَ: وَالله يَا مُحَمَّد مَا نكذبك أَنَّك عندنَا لمصدق وَلَكنَّا نكذب بِالَّذِي جِئْت بِهِ فَأنْزل الله {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح فِي الْآيَة قَالَ: جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ جَالس حَزِين فَقَالَ لَهُ: مَا يحزنك فَقَالَ كَذبَنِي هَؤُلَاءِ
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل: إِنَّهُم لَا يكذبُونَك إِنَّهُم ليعلمون أَنَّك صَادِق {وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي صَالح قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ إِذا رَأَوْا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة قَالَ بَعضهم لبَعض فِيمَا بَينهم: إِنَّه لنَبِيّ فَنزلت هَذِه الْآيَة {قد نعلم أَنه ليحزنك الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والضياء عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه قَرَأَ (فَإِنَّهُم لَا يكذبُون) خَفِيفَة قَالَ: لَا يجيؤن بِحَق هُوَ أَحَق من حَقك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَرَأَ (فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك) مُخَفّفَة قَالَ: لَا يقدرُونَ على أَن لَا تكون رَسُولا وعَلى أَن لَا يكون الْقُرْآن قُرْآنًا فاما أَن يكذبُونَك بألسنتهم فهم يكذبُونَك فَذَاك الا كَذَّاب وَهَذَا التَّكْذِيب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب
أَنه كَانَ يقْرؤهَا (فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك) بِالتَّخْفِيفِ
يَقُول: لَا يبطلون مَا فِي يَديك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَكِن الظَّالِمين بآيَات الله يجحدون} قَالَ: يعلمُونَ أَنَّك رَسُول الله ويجحدون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن
أَنه قَرَأَ عِنْده رجل (فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك)(3/264)
خَفِيفَة فَقَالَ الْحسن {فَإِنَّهُم لَا يكذبُونَك} وَقَالَ: إِن الْقَوْم قد عرفوه وَلَكنهُمْ جَحَدُوا بعد الْمعرفَة
- الْآيَة (34)(3/265)
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَقَد كذبت رسل من قبلك فصبروا على مَا كذبُوا} قَالَ: يعزي نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا تَسْمَعُونَ ويخبره أَن الرُّسُل قد كذبت قبله فصبروا على مَا كذبُوا حَتَّى حكم الله وَهُوَ خير الْحَاكِمين
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَلَقَد كذبت رسل من قبلك} قَالَ: يعزي نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَلَقَد كذبت رسل من قبلك} الْآيَة
قَالَ يعزي نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
- الْآيَة (35 - 37)(3/265)
وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35) إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن كَانَ كبر عَلَيْك إعراضهم فَإِن اسْتَطَعْت أَن تبتغي نفقاً فِي الأَرْض} والنفق السرب فتذهب فِيهِ فتأتيهم بِآيَة أَو تجْعَل لَهُم سلما {فِي السَّمَاء} فتصعد عَلَيْهِ {فتأتيهم بِآيَة} أفضل مِمَّا أتيناهم بِهِ فافعل {وَلَو شَاءَ الله لجمعهم على الْهدى} يَقُول الله سُبْحَانَهُ: لَو شِئْت لجمعتهم على الْهدى أَجْمَعِينَ(3/265)
أخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {نفقاً فِي الأَرْض} قَالَ: سرباً {أَو سلما فِي السَّمَاء} قَالَ: يَعْنِي الدرج
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله تَعَالَى {تبتغي نفقاً فِي الأَرْض} قَالَ: سرباً فِي الأَرْض فتذهب هربا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت عدي بن زيد وهويقول: فَدس لَهَا على الانفاق عَمْرو بشكته وَمَا خشيت كمينا وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قَوْله {إِنَّمَا يستجيب الَّذين يسمعُونَ} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ {والموتى} قَالَ: الْكفَّار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِنَّمَا يستجيب الَّذين يسمعُونَ} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ للذّكر {والموتى} قَالَ: الْكفَّار حِين يَبْعَثهُم الله مَعَ الْمَوْتَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {إِنَّمَا يستجيب الَّذين يسمعُونَ} قَالَ: هَذَا مثل الْمُؤمن سمع كتاب الله فَانْتَفع بِهِ وَأخذ بِهِ وعقله فَهُوَ حَيّ الْقلب حَيّ الْبَصَر {وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا صم وبكم} الْأَنْعَام الْآيَة 39 وَهَذَا مثل الْكَافِر أَصمّ أبكم لَا يبصر هدي وَلَا ينْتَفع بِهِ
- الْآيَة (38)(3/266)
وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)
- أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِلَّا أُمَم أمثالكم} قَالَ: أصنافاً مصنفة تعرف باسمائها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَلَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم} يَقُول: الطير أمة وَالْإِنْس أمة وَالْجِنّ أمه(3/266)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {إِلَّا أُمَم أمثالكم} قَالَ: خلق أمثالكم
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي الْآيَة قَالَ: الذّرة فَمَا فَوْقهَا من ألوان مَا خلق الله من الدَّوَابّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {مَا فرَّطنا فِي الْكتاب من شَيْء} يَعْنِي مَا تركنَا شَيْئا إِلَّا وَقد كتبناه فِي أم الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء} قَالَ: من الْكتاب الَّذِي عِنْده
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن زِيَادَة الْبكْرِيّ قَالَ: دخلت على ابْني بشر المازنيين صَاحِبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يرحمكما الله الرجل يركب منا دَابَّة فيضربها بِالسَّوْطِ أَو يكبحها باللجام فَهَل سمعتما من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك شَيْئا فَقَالَا: لَا
قَالَ عبد الله: فنادتني امْرَأَة من الدَّاخِل فَقَالَت: يَا هَذَا إِن الله يَقُول فِي كِتَابه {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَلَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء ثمَّ إِلَى رَبهم يحشرون} فَقَالَا: هَذِه أُخْتنَا وَهِي أكبر منا وَقد أدْركْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {مَا فرطنا فِي الْكتاب من شَيْء} قَالَ: لم نغفل الْكتاب مَا من شَيْء إِلَّا وَهُوَ فِي ذَلِك الْكتاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أنس بن مَالك أَنه سَأَلَ من يقبض أَرْوَاح الْبَهَائِم فَقَالَ: ملك الْمَوْت
فَبلغ الْحسن فَقَالَ: صدق أَن ذَلِك فِي كتاب الله ثمَّ تَلا {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَلَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثمَّ إِلَى رَبهم يحشرون} قَالَ: موت الْبَهَائِم حشرها
وَفِي لفظ قَالَ: يَعْنِي بالحشر الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: مَا من دَابَّة وَلَا طَائِر إِلَّا ستحشر يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يقْتَصّ لبعضها من بعض حَتَّى يقْتَصّ للجلحاء من ذَات الْقرن ثمَّ يُقَال لَهُم كوني تُرَابا فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول الْكَافِر {يَا لَيْتَني كنت تُرَابا} النبأ الْآيَة 40 وَإِن شِئْتُم فاقرؤوا {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض وَلَا طَائِر يطير بجناحيه إِلَّا أُمَم أمثالكم}(3/267)
إِلَى قَوْله {يحشرون}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي ذَر قَالَ انتطحت شَاتَان عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي: يَا أَبَا ذَر أَتَدْرِي فِيمَا انتطحتا قلت: لَا
قَالَ: لَكِن الله يدْرِي وسيقضي بَينهمَا
قَالَ أَبُو ذَر: لقد تركنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا يقلب طَائِر جناحيه فِي السَّمَاء إِلَّا ذكرنَا مِنْهُ علما
- الْآيَة (39 - 42)(3/268)
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا صم وبكم} قَالَ: هَذَا مثل الْكَافِر أَصمّ أبكم لَا يبصر هدي وَلَا ينْتَفع بِهِ صم عَن الْحق فِي الظُّلُمَات لَا يَسْتَطِيع مِنْهَا خُرُوجًا متسكع فِيهَا
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي يُوسُف الْمدنِي قَالَ: كل مَشِيئَة فِي الْقُرْآن إِلَى ابْن آدم مَنْسُوخَة نسختها {من يشإ الله يضلله وَمن يَشَأْ يَجعله على صِرَاط مُسْتَقِيم}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {فأخذناهم بالبأساء وَالضَّرَّاء} قَالَ: خوف السُّلْطَان وغلا السّعر وَالله أعلم
- الْآيَة (43)(3/268)
فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فلولا إِذْ جَاءَهُم بأسنا تضرعوا وَلَكِن قست قُلُوبهم} قَالَ: عَابَ الله عَلَيْهِم قسوة عِنْد ذَلِك فتضعضوا لعقوبة الله بَارك الله فِيكُم وَلَا تعرضوا لعقوبة الله بالقسوة فَإِنَّهُ عَابَ ذَلِك على قوم قبلكُمْ(3/268)
- الْآيَة (44 - 45)(3/269)
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: يَعْنِي تركُوا مَا ذكرُوا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ} قَالَ: مَا دعاهم الله إِلَيْهِ وَرُسُله أَبوهُ وردوه عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء} قَالَ: رخاء الدُّنْيَا ويسرها على الْقُرُون الأولى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء} قَالَ: يَعْنِي الرخَاء وسعة الرزق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا} قَالَ: من الرزق {أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذا هم مبلسون} قَالَ: مهلكون متغير حَالهم {فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا} يَقُول: قطع أصل الَّذين ظلمُوا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن النَّضر الْحَارِثِيّ فِي قَوْله {أَخَذْنَاهُم بَغْتَة} قَالَ: أمهلوا عشْرين سنة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فَإِذا هم مبلسون} قَالَ: المبلس المجهود المكروب الَّذِي قد نزل بِهِ الشَّرّ الَّذِي لَا يَدْفَعهُ والمبلس أَشد من المستكبر وَفِي قَوْله {فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا} قَالَ: استؤصلوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فَإِذا هم مبلسون} قَالَ: الاكتئاب
وَفِي لفظ قَالَ: آيسون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: الإِبلاس تَغْيِير الْوُجُوه وَإِنَّمَا سمي إِبْلِيس لِأَن الله نكس وَجهه وَغَيره(3/269)
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عقبَة بن عَامر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا رَأَيْت الله يُعْطي العَبْد فِي الدُّنْيَا وَهُوَ مُقيم على مَعَاصيه مَا يحب فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاج ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء} الْآيَة وَالْآيَة الَّتِي بعْدهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبَادَة بن صَامت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله تبَارك وَتَعَالَى إِذا أَرَادَ بِقوم بَقَاء أَو نَمَاء رزقهم الْقَصْد والعفاف وَإِذا أَرَادَ بِقوم اقتطاعا فتح عَلَيْهِم بَاب خِيَانَة {حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة فَإِذا هم مبلسون فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن قَالَ: من وسع عَلَيْهِ فَلم ير أَنه يمكر بِهِ فَلَا رَأْي لَهُ وَمن قتر عَلَيْهِ فَلم ير أَنه ينظر لَهُ فَلَا رَأْي لَهُ ثمَّ قَرَأَ {فَلَمَّا نسوا مَا ذكرُوا بِهِ فتحنا عَلَيْهِم أَبْوَاب كل شَيْء} الْآيَة
وَقَالَ الْحسن: مكر بالقوم وَرب الْكَعْبَة أعْطوا حاجاتهم ثمَّ أخذُوا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جَعْفَر قَالَ: أوحى الله إِلَى دَاوُد خفني على كل حَال وأخوف مَا تكون عِنْد تظاهر النعم عَلَيْك لَا أصرعك عِنْدهَا ثمَّ لَا أنظر إِلَيْك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي حَازِم قَالَ: إِذا رَأَيْت الله يُتَابع نعمه عَلَيْك وَأَنت تعصيه فاحذره
قَالَ: وكل نعْمَة لَا تقرب من الله عز وَجل فَهِيَ بلية
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة} قَالَ: بَغت الْقَوْم أَمر الله مَا أَخذ الله قوما قطّ إِلَّا عِنْد سلوتهم وغرتهم ونعيمهم فَلَا تغتروا بِاللَّه فَإِنَّهُ لَا يغتر بِاللَّه إِلَّا الْقَوْم الْفَاسِقُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: إِن الْبَعُوضَة تحيا مَا جاعت فَإِذا شبعت مَاتَت وَكَذَلِكَ ابْن آدم إِذا امْتَلَأَ من الدُّنْيَا أَخذه الله عِنْد ذَلِك ثمَّ تَلا {حَتَّى إِذا فرحوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَة}
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فَقطع دابر الْقَوْم الَّذين ظلمُوا} قَالَ: قطع أصلهم واستؤصلوا من ورائهم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول زُهَيْر وَهُوَ يَقُول:(3/270)
الْقَائِد الْخَيل منكوباً دوابرها محكومة بحكام الْعَدو الأنفا
- الْآيَة (46 - 50)(3/271)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (46) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47) وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (48) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (49) قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يصدفون} قَالَ: يعدلُونَ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {يصدفون} قَالَ: يعرضون عَن الْحق
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت سُفْيَان بن الْحَارِث وَهُوَ يَقُول: عجبت لحكم الله فِينَا وَقد بدا لَهُ صدفنا عَن كل حق منزل وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يصدفون} قَالَ: يعرضون
وَفِي قَوْله {قل أَرَأَيْتكُم إِن أَتَاكُم عَذَاب الله بَغْتَة} قَالَ: فَجْأَة آمِنين {أَو جهرة} قَالَ: وهم ينظرُونَ وَفِي قَوْله {قل هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير}(3/271)
قَالَ: الضال والمهتدي
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: كل فسق فِي الْقُرْآن فَمَعْنَاه الْكَذِب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قل هَل يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} قَالَ: الْأَعْمَى الْكَافِر الَّذِي عمي عَن حق الله وَأمره ونعمه عَلَيْهِ {والبصير} العَبْد الْمُؤمن الَّذِي أبْصر بصراً نَافِعًا فَوحد الله وَحده وَعمل بِطَاعَة ربه وانتفع بِمَا آتَاهُ الله
- الْآيَة (51 - 56)(3/272)
وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53) وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56)
- أخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ مر الْمَلأ من قُرَيْش على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده صُهَيْب وعمار وبلال وخباب وَنَحْوهم من ضعفاء الْمُسلمين فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد أرضيت بهؤلاء من قَوْمك منّ الله عَلَيْهِم من بَيْننَا أونحن نَكُون تبعا لهَؤُلَاء أطردهم عَنْك فلعلك إِن طردتهم أَن نتبعك
فَأنْزل فيهم الْقُرْآن {وأنذر بِهِ الَّذين يخَافُونَ أَن يحْشرُوا إِلَى رَبهم} إِلَى قَوْله {وَالله أعلم بالظالمين}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ مَشى عتبَة بن ربيعَة وَشَيْبَة بن ربيعَة وقرظة بن عبد عمر وبن نَوْفَل والْحَارث بن عَامر بن نَوْفَل ومطعم بن(3/272)
عدي بن الْخِيَار بن نَوْفَل فِي أَشْرَاف الْكفَّار من عبد منَاف إِلَى أبي طَالب فَقَالُوا: لَو أَن ابْن أَخِيك طرد عَنَّا هَؤُلَاءِ إِلَّا عبد فانهم عبيدنا وعسفاؤنا كَانَ أعظم لَهُ فِي صدورنا وأطوع لَهُ عندنَا وَأدنى لاتباعنا إِيَّاه وتصديقه فَذكر ذَلِك أَبُو طَالب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ عمر بن الْخطاب: لَو فعلت يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نَنْظُر مَا يُرِيدُونَ بقَوْلهمْ وَمَا يصيرون إِلَيْهِ من أَمرهم فَأنْزل الله {وأنذر بِهِ الَّذين يخَافُونَ أَن يحْشرُوا إِلَى رَبهم} إِلَى قَوْله {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ} قَالُوا: وَكَانُوا بِلَالًا وعمار بن يَاسر وسالماً مولى أبي حُذَيْفَة وصبحاً مولى أسيد وَمن الحلفاء ابْن مَسْعُود والمقداد بن عَمْرو وواقد بن عبد الله الْحَنْظَلِي وَعَمْرو بن عبد عمر وَذُو الشمالين ومرثد بن أبي مرْثَد وأشباهم وَنزلت فِي أَئِمَّة الْكفْر من قُرَيْش والموالي والحلفاء {وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض لِيَقُولُوا} الْآيَة
فَلَمَّا نزلت أقبل عمر بن الْخطاب فَاعْتَذر من مقَالَته فَأنْزل الله {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن خباب قَالَ جَاءَ الْأَقْرَع بن حَابِس التَّمِيمِي وعيينة بن حصن الْفَزارِيّ فوجدا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَاعِدا مَعَ بِلَال وصهيب وعمار وخباب فِي أنَاس ضعفاء من الْمُؤمنِينَ فَلَمَّا رَأَوْهُمْ حوله حَقرُوهُمْ فَأتوهُ فَخلوا بِهِ فَقَالُوا: انا نحب أَن تجْعَل لنا مِنْك مَجْلِسا تعرف لنا الْعَرَب بِهِ فضلنَا فَإِن وُفُود الْعَرَب ستأتيك فنستحي أَن تَرَانَا الْعَرَب قعُودا مَعَ هَؤُلَاءِ الْأَعْبد فَإِذا نَحن جئْنَاك فأقمهم عَنَّا فَإِذا نَحن فَرغْنَا فلتقعد مَعَهم إِن شِئْت
قَالَ: نعم
قَالُوا: فَكتب لنا عَلَيْك بذلك كتابا فَدَعَا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب وَنحن قعُود فِي نَاحيَة إِذْ نزل جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} إِلَى قَوْله {فَقل سَلام عَلَيْكُم كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} فَألْقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّحِيفَة من يَده ثمَّ دَعَا فأتيناه وَهُوَ يَقُول {سَلام عَلَيْكُم كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة} فَكُنَّا نقعد مَعَه فَإِذا أَرَادَ أَن يقوم قَامَ وَتَركنَا فَأنْزل الله {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} الْكَهْف الْآيَة 28 الْآيَة
قَالَ: فَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْعد مَعنا بعد فَإِذا بلغ السَّاعَة الَّتِي يقوم فِيهَا تَرَكْنَاهُ حَتَّى يقوم(3/273)
وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن عمر بن عبد الله بن المُهَاجر مولى غفرة
أَنه قَالَ فِي أسطوان التَّوْبَة: كَانَ أَكثر نَافِلَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهَا وَكَانَ إِذا صلى الصُّبْح انْصَرف إِلَيْهَا وَقد سبق إِلَيْهَا الضُّعَفَاء وَالْمَسَاكِين وَأهل الضّر وضيفان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤلفة قُلُوبهم وَمن لَا مبيت لَهُ إِلَّا الْمَسْجِد
قَالَ: وَقد تحلقوا حولهَا حلقا بَعْضهَا دون بعض فَيَنْصَرِف إِلَيْهِم من مُصَلَّاهُ من الصُّبْح فيتلو عَلَيْهِم مَا أنزل الله عَلَيْهِ من ليلته ويحدثهم ويحدثونه حَتَّى إِذا طلعت الشَّمْس جَاءَ أهل الطول والشرف والغني فَلم يَجدوا إِلَيْهِ مخلصاً فتاقت أنفسهم إِلَيْهِ وتاقت نَفسه إِلَيْهِم فَأنْزل الله عز وَجل {واصبر نَفسك مَعَ الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه} الْكَهْف الْآيَة 28 إِلَى مُنْتَهى الْآيَتَيْنِ فَلَمَّا نزل ذَلِك فيهم قَالُوا: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو طردتهم عَنَّا ونكون نَحن جلساءك وإخوانك لَا نُفَارِقك فَأنْزل الله عز وَجل {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} إِلَى مُنْتَهى الْآيَتَيْنِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حَيَّان وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: لقد نزلت هَذِه الْآيَة فِي سِتَّة أَنا وَعبد الله بن مَسْعُود وبلال وَرجل من هُذَيْل واثنين قَالُوا: يَا رَسُول الله أطردهم فانا نستحي أَن نَكُون تبعا لهَؤُلَاء فَوَقع فِي نفس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ الله أَن يَقع فَأنْزل الله {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} إِلَى قَوْله {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَالَ: الْمُصَلِّين بِلَال وَابْن أم عبد كَانَا يجالسان مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت قُرَيْش تحقره لَهما: لولاهما واشباههما لجالسناه فَنهى عَن طردهم حَتَّى قَوْله {أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس قَالَ كَانَ رجال يَسْتَبقُونَ إِلَى مجْلِس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم بِلَال وصهيب وسلمان فَيَجِيء أَشْرَاف قومه وسادتهم وَقد أَخذ هَؤُلَاءِ الْمجْلس فَيَجْلِسُونَ نَاحيَة فَقَالُوا: صُهَيْب رومي وسلمان فَارسي وبلال حبشِي يَجْلِسُونَ عِنْده وَنحن نجيء فنجلس نَاحيَة(3/274)
حَتَّى ذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: انا سادة قَوْمك وأشرافهم فَلَو أدنيتنا مِنْك إِذا جِئْنَا قَالَ: فهم إِن يفعل فَأنْزل الله {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم} الْآيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ أَشْرَاف قُرَيْش يأْتونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده بِلَال وسلمان وصهيب وَغَيرهم مثل ابْن أم عبد وعمار وخباب فَإِذا أحاطوا بِهِ قَالَ أَشْرَاف قُرَيْش: بِلَال حبشِي وسلمان فَارسي وصهيب رومي فَلَو نحاهم لأتيناه فَأنْزل الله {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} يَعْنِي يعْبدُونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يَعْنِي الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَالَ: الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة الصُّبْح وَالْعصر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي} قَالَ: هم أهل الذّكر لَا تطردهم عَن الذّكر قَالَ سُفْيَان: هم أهل الْفقر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض} يَعْنِي أَنه جعل بَعضهم اغنياء وَبَعْضهمْ فُقَرَاء فَقَالَ الْأَغْنِيَاء للْفُقَرَاء {أَهَؤُلَاءِ منَّ الله عَلَيْهِم من بَيْننَا} يَعْنِي هَؤُلَاءِ هدَاهُم الله وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِك استهزاءً وسخرياً
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض} يَقُول: ابتلينا بَعضهم بِبَعْض
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {أَهَؤُلَاءِ منَّ الله عَلَيْهِم من بَيْننَا} لَو كَانَ بهم كَرَامَة على الله مَا أَصَابَهُم هَذَا من الْجهد
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض} الْآيَة
قَالَ: هم أنَاس كَانُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْفُقَرَاء فَقَالَ أنَاس من أَشْرَاف النَّاس: نؤمن لَك فَإِذا صلينَا مَعَك فَأخر هَؤُلَاءِ الَّذين مَعَك فليصلوا خلفنا(3/275)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد ومسدد فِي مُسْنده وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ماهان قَالَ: أَتَى قوم إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: انا أصبْنَا ذنوبا عظاما فَمَا رد عَلَيْهِم شَيْئا فانصرفوا فَأنْزل الله {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا} الْآيَة
فَدَعَاهُمْ فقرأها عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: أخْبرت أَن قَوْله {سَلام عَلَيْكُم} قَالَ: كَانُوا إِذا دخلُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بدأهم فَقَالَ: سَلام عَلَيْكُم وَإِذا لَقِيَهُمْ فَكَذَلِك أَيْضا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ نفصل الْآيَات} قَالَ: نبين الْآيَات
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {ولتستبين سَبِيل الْمُجْرمين} قَالَ: الَّذين يأمرونك بطرد هَؤُلَاءِ
قَوْله تَعَالَى {قد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين}
أخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم عَن هزيل بن شُرَحْبِيل قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى أبي مُوسَى وسلمان بن ربيعَة فَسَأَلَهُمَا عَن ابْنة وَابْنَة ابْن أُخْت فَقَالَ: للابنة النّصْف وَللْأُخْت النّصْف وائت عبد الله فَإِنَّهُ سيتابعنا
فَأتى عبد الله فَأخْبرهُ فَقَالَ {قد ضللت إِذا وَمَا أَنا من المهتدين} لأقضين فِيهَا بِقَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للابنة النّصْف ولابنة الإبن السُّدس وَمَا بَقِي فللأخت
- الْآيَة (57 - 58)(3/276)
قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)
- وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ أَنه قَرَأَ / يقْضِي الْحق /
وَأخرج الدَّارقطني فِي الافراد وَابْن مرْدَوَيْه عَن أُبيّ بن كَعْب قَالَ أَقرَأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا {يقص الْحق وَهُوَ خير الفاصلين}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن(3/276)
ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ {يقص الْحق} وَيَقُول {نَحن نقص عَلَيْك أحسن الْقَصَص} لُقْمَان الْآيَة 34
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن هرون قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله {يقص الْحق}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد الْأَنْبَارِي عَن هرون قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله {يقص الْحق}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ {يقص الْحق} وَقَالَ: لَو كَانَت يقْضِي كَانَت بِالْحَقِّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {لقضي الْأَمر بيني وَبَيْنكُم} قَالَ: لقامت السَّاعَة
- الْآيَة (59)(3/277)
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)
- أخرج جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب} قَالَ: يَقُول خَزَائِن الْغَيْب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب} قَالَ: هن خمس {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث} إِلَى قَوْله {عليم خَبِير}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ ومحشيش بن أَصْرَم فِي الاسْتقَامَة وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمرَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَفَاتِيح الْغَيْب خمس لَا يعلمهَا إِلَّا الله لَا يعلم مَا فِي الْغَد إِلَّا الله وَلَا يعلم مَتى تغيض الْأَرْحَام إِلَّا الله وَلَا يعلم مَتى يَأْتِي الْمَطَر أحد إِلَّا الله وَلَا تَدْرِي نفس بِأَيّ أَرض تَمُوت إِلَّا الله وَلَا يعلم أحد مَتى تقوم السَّاعَة إِلَّا الله تبَارك وَتَعَالَى(3/277)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: اعطى نَبِيكُم كل شَيْء إِلَّا مَفَاتِيح الْغَيْب الْخمس ثمَّ قَالَ {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث} لُقْمَان الْآيَة 34 إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر فِي قَوْله {وَعِنْده مفاتح الْغَيْب لَا يعلمهَا إِلَّا هُوَ} قَالَ: هُوَ قَوْله عز وَجل {إِن الله عِنْده علم السَّاعَة وَينزل الْغَيْث} لُقْمَان الْآيَة 34 إِلَى آخر الْآيَة
قَوْله تَعَالَى {وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا}
أخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا} قَالَ: مَا من شَجَرَة على سَاق إِلَّا مُوكل بهَا ملك يعلم مَا يسْقط مِنْهَا حِين يُحْصِيه ثمَّ يرفع علمه وَهُوَ أعلم مِنْهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن جحاده فِي قَوْله {وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا} قَالَ: لله تبَارك وَتَعَالَى شَجَرَة تَحت الْعَرْش لَيْسَ مَخْلُوق إِلَّا لَهُ فِيهَا ورقة فَإِذا سَقَطت ورقته خرجت روحه من جسده فَذَلِك قَوْله {وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا}
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه بسندٍ ضَعِيف عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من زرع على الأَرْض وَلَا ثمار على أَشجَار إِلَّا عَلَيْهَا مَكْتُوب بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم هَذَا رزق فلَان بن فلَان وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا تسْقط من ورقة إِلَّا يعلمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين}
قَوْله تَعَالَى {وَلَا حَبَّة فِي ظلمات الأَرْض}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: إِن تَحت الأَرْض الثَّالِثَة وَفَوق الأَرْض الرَّابِعَة من الْجِنّ مَا لَو أَنهم ظَهَرُوا لكم لم تروا مَعَه نورا على كل زَاوِيَة من زواياه خَاتم من خَوَاتِم الله على كل خَاتم ملك من الْمَلَائِكَة يبْعَث الله إِلَيْهِ فِي كل يَوْم ملكا من عِنْده أَن احتفظ بِمَا عنْدك
قَوْله تَعَالَى: {وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين}(3/278)
أخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ: مَا فِي الأَرْض من شَجَرَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة وَلَا كمغر زابرة رطبَة وَلَا يابسة إِلَّا عَلَيْهَا ملك مُوكل بهَا يَأْتِي الله بعلمها رطوبتها إِذا رطبت ويبسها إِذا يَبِسَتْ كل يَوْم قَالَ الْأَعْمَش: وَهَذَا فِي الْكتاب {وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن كَعْب قَالَ: مَا من شَجَرَة وَلَا مَوضِع ابرة إِلَّا وَملك وكل بهَا يرفع علم ذَلِك إِلَى الله تَعَالَى فَإِن مَلَائِكَة السَّمَاء أَكثر من عدد التُّرَاب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه تَلا هَذِه الْآيَة {وَلَا رطب وَلَا يَابِس} فَقَالَ ابْن عَبَّاس: الرطب واليابس من كل شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله النُّور وَهِي الدواة وَخلق الألواح فَكتب فِيهَا أَمر الدُّنْيَا حَتَّى تَنْقَضِي مَا كَانَ من خلق مَخْلُوق أَو رزق حَلَال أَو حرَام أَو عمل برِّ أَو فجور ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {وَلَا رطب وَلَا يَابِس إِلَّا فِي كتاب مُبين} ثمَّ وكل بِالْكتاب حفظَة ووكل بخلقه حفظَة فتنسخ حفظَة الْخلق من الذّكر مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ فِي كل يَوْم وَلَيْلَة فَيجْرِي الْخلق على مَا وكل بِهِ مقسوم على من وكل بِهِ فَلَا يُغَادر أحدا مِنْهُم فيجرون على مَا فِي أَيْديهم مِمَّا فِي الْكتاب فَلَا يُغَادر مِنْهُ شَيْء قبل مَا كُنَّا نرَاهُ إِلَّا كتب عَملنَا قَالَ: ألستم بعرب هَل تكون نُسْخَة إِلَّا من شَيْء قد فرغ مِنْهُ ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} الجاثية 29
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي عمرَان الْجونِي فِي قَوْله {قل إِنِّي على بَيِّنَة من رَبِّي} قَالَ: على ثِقَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (يقْضِي الْحق وَهُوَ أسْرع الفاصلين)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَصْمَعِي قَالَ: قَرَأَ أَبُو عَمْرو / يقْضِي الْحق / وَقَالَ: لَا يكون الْفَصْل إِلَّا بعد الْقَضَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق حسن بن صَالح بن حَيّ عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم(3/279)
النَّخعِيّ أَنه قَرَأَ / يقْضِي الْحق وَهُوَ خير الفاصلين / قَالَ ابْن حَيّ: لَا يكون الْفَصْل إِلَّا مَعَ الْقَضَاء
- الْآيَة (60)(3/280)
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60)
- أخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كل انسان ملك إِذا نَام يَأْخُذ نَفسه فَإِن أذن الله فِي قبض روحه قَبضه وَإِلَّا رد إِلَيْهِ فَذَلِك قَوْله {يتوفاكم بِاللَّيْلِ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يتوفاكم بِاللَّيْلِ} قَالَ: يتوفى الْأَنْفس عِنْد منامها مَا من لَيْلَة الا وَالله يقبض الْأَرْوَاح كلهَا فَيسْأَل كل نفس عَمَّا عمل صَاحبهَا من النَّهَار ثمَّ يَدْعُو ملك الْمَوْت فَيَقُول: اقبض هَذَا اقبض هَذَا وَمَا من يَوْم إِلَّا وَملك الْمَوْت ينظر فِي كتاب حَيَاة النَّاس
قَائِل يَقُول ثَلَاثًا وَقَائِل يَقُول خمْسا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يتوفاكم بِاللَّيْلِ} الْآيَة
قَالَ: أما وفاتهم بِاللَّيْلِ فمنامهم وَأما مَا جرحتم بِالنَّهَارِ فَيَقُول: مَا اكتسبتم بِالنَّهَارِ {ثمَّ يبعثكم فِيهِ} قَالَ: فِي النَّهَار
{ليقضي أجل مُسَمّى} وَهُوَ الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي يتوفاكم بِاللَّيْلِ} يَعْنِي بذلك نومهم {وَيعلم مَا جرحتم} قَالَ: مَا عملتم من الأثم بِالنَّهَارِ {ثمَّ يبعثكم فِيهِ} قَالَ: فِي النَّهَار والبعث الْيَقَظَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَيعلم مَا جرحتم} قَالَ: مَا كسبتم من الْإِثْم(3/280)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ عبد الله بن كثير فِي قَوْله {ليقضي أجل مُسَمّى} قَالَ: ليقضي الله إِلَيْهِم مدتهم
- الْآيَة (61 - 62)(3/281)
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)
- أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَيُرْسل عَلَيْكُم حفظَة} قَالَ: هم المعقبات من الْمَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ ويحفظون عمله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَيُرْسل عَلَيْكُم حفظَة} يَقُول: حفظَة يَا ابْن آدم عَلَيْك عَمَلك ورزقك وأجلك فَإِذا توفيت ذَلِك قبضت إِلَى رَبك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {توفته رسلنَا} قَالَ: اعوان ملك الْمَوْت من الْمَلَائِكَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {توفته رسلنَا} قَالَ: الْمَلَائِكَة تقبض الْأَنْفس ثمَّ يذهب بهَا ملك الْمَوْت
وَفِي لفظ: ثمَّ يقبضهَا مِنْهُم ملك الْمَوْت بعد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: جعلت الأَرْض لملك الْمَوْت مثل الطست يتَنَاوَل من حَيْثُ شَاءَ وَجعلت لَهُ أعوان يتوفون الْأَنْفس ثمَّ يقبضهَا مِنْهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن قَتَادَة فِي قَوْله {توفته رسلنَا} قَالَ: إِن ملك الْمَوْت لَهُ رسل فيلي قبضهَا الرُّسُل ثمَّ يدفعونها إِلَى ملك الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: إِن ملك الْمَوْت هُوَ الَّذِي يَلِي ذَلِك فيدفعه إِن كَانَ مُؤمنا إِلَى مَلَائِكَة الرَّحْمَة وَإِن كَانَ كَافِرًا إِلَى مَلَائِكَة الْعَذَاب(3/281)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا من أهل الْبَيْت شعر وَلَا مدر إِلَّا وَملك الْمَوْت يطِيف بهم كل يَوْم مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس
أَنه سُئِلَ عَن ملك الْمَوْت أهوَ وَحده الَّذِي يقبض الْأَرْوَاح قَالَ: هُوَ الَّذِي يَلِي أَمر الْأَرْوَاح وَله أعوان على ذَلِك أَلا تسمع إِلَى قَوْله تَعَالَى {حَتَّى إِذا جَاءَتْهُم رسلنَا يتوفونهم} الْأَعْرَاف الْآيَة 37 وَقَالَ {توفته رسلنَا وهم لَا يفرطون} غير أَن ملك الْمَوْت هُوَ الرئيس وكل خطْوَة مِنْهُ من الْمشرق إِلَى الْمغرب
قيل: أَيْن تكون أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ قَالَ: عِنْد السِّدْرَة فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وهم لَا يفرطون} يَقُول: لَا يضيعون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قيس قَالَ: دخل عُثْمَان بن عَفَّان على عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ: كَيفَ تجدك قَالَ: مَرْدُود إِلَى مولَايَ الْحق
فَقَالَ: طبت
وَالله أعلم
- الْآيَة (63 - 64)(3/282)
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قل من ينجيكم من ظلمات الْبر وَالْبَحْر} يَقُول: من كرب الْبر وَالْبَحْر
وَأخرج وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل من ينجيكم من ظلمات الْبر وَالْبَحْر تَدعُونَهُ تضرعاً وخفية} يَقُول: إِذا أضلّ الرجل الطَّرِيق دَعَا الله {لَئِن أنجيتنا من هَذِه لنكونن من الشَّاكِرِينَ}
- الْآيَة (65 - 67)(3/282)
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} قَالَ: يَعْنِي من أمرائكم {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} يَعْنِي سفلتكم {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} يَعْنِي بالشيع الْأَهْوَاء الْمُخْتَلفَة {وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} قَالَ: يُسَلط بَعْضكُم على بعض بِالْقَتْلِ وَالْعَذَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} قَالَ: أَئِمَّة السوء {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: خدم السوء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عذَابا من فَوْقكُم} قَالَ: من قبل أمرائكم وأشرافكم {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: من قبل سفلتكم وعبيدكم
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك {عذَابا من فَوْقكُم} قَالَ: الْقَذْف {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: الْخَسْف
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} قَالَ: الصَّيْحَة وَالْحِجَارَة وَالرِّيح {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: الرجفة والخسف وهما عَذَاب أهل التَّكْذِيب {وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} قَالَ: عَذَاب أهل الاقرار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {عذَابا من فَوْقكُم} قَالَ: الْحِجَارَة {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: الْخَسْف {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} قَالَ: الِاخْتِلَاف والاهواء المفترقة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: عَذَاب هَذِه الْأمة أهل الاقرار بِالسَّيْفِ {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} وَعَذَاب أهل التَّكْذِيب الصَّيْحَة والزلزلة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه(3/283)
وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} قَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعوذ بِوَجْهِك {أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: أعوذ بِوَجْهِك {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} قَالَ: هَذَا أَهْون أَو أيسر
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر قَالَ: لما نزلت {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أعوذ بِاللَّه من ذَلِك {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} قَالَ: هَذَا أيسر وَلَو استعاذه لأعاذه
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه ونعيم بن حَمَّاد فِي الْفِتَن وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن سعد بن أبي وَقاص عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي هَذِه الْآيَة {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم أَو من تَحت أَرْجُلكُم} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما انها كائنة وَلم يَأْتِ تَأْوِيلهَا بعد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله {قل هُوَ الْقَادِر} الْآيَة
قَالَ: هن أَربع وكلهن عَذَاب وكلهن وَاقع لَا محَالة فمضت اثْنَتَانِ بعد وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِخمْس وَعشْرين سنة فألبسوا شيعًا وذاق بَعضهم بَأْس بعض وَبقيت اثْنَتَانِ وَاقِعَتَانِ لَا محَالة الْخَسْف وَالرَّجم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {قل هُوَ الْقَادِر} قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ ثمَّ قَالَ اللَّهُمَّ لَا ترسل على أمتِي عذَابا من فَوْقهم وَلَا من تَحت أَرجُلهم وَلَا تَلبسهمْ شيعًا وَلَا تذق بَعضهم بَأْس بعض فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن الله قد أَجَارَ أمتك أَن يُرْسل عَلَيْهِم عذَابا من فَوْقهم أَو من تَحت أَرجُلهم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: دَعَوْت رَبِّي أَن يدْفع عَن أمتِي أَرْبعا فَرفع عَنْهُم اثْنَتَيْنِ وأبى أَن يرفع عَنْهُم اثْنَتَيْنِ دَعَوْت رَبِّي أَن يرفع عَنْهُم الرَّجْم من السَّمَاء وَالْغَرق من الأَرْض وَأَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا وَأَن لَا يُذِيق بَعضهم بَأْس بعض فَرفع عَنْهُم الرَّجْم وَالْغَرق وأبى أَن يرفع الْقَتْل والهرج(3/284)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن سعد بن أبي وَقاص أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقبل ذَات يَوْم من الْعَالِيَة حَتَّى إِذا مر بِمَسْجِد بني مُعَاوِيَة دخل فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وصلينا مَعَه ودعا ربه طَويلا ثمَّ انْصَرف إِلَيْنَا فَقَالَ: سَأَلت رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَن لَا يهْلك أمتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يهْلك أمتِي بِالسنةِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ: خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ تحدثون من آخركم وَفَاة قُلْنَا: أجل
قَالَ: فَإِنِّي من أوّلكم وَفَاة وتتبعوني أفناداً يهْلك بَعْضكُم بَعْضًا ثمَّ نزع هَذِه الْآيَة {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} حَتَّى بلغ {لكل نبإ مُسْتَقر وسوف تعلمُونَ}
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ثَوْبَان أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن رَبِّي زوى لي الأَرْض حَتَّى رَأَيْت مشارقها وَمَغَارِبهَا وَأَعْطَانِي الكنزين الْأَحْمَر والأبيض وَإِن أمتِي سيبلغ ملكهَا مَا زوى لي مِنْهَا وَإِنِّي سَأَلت رَبِّي لأمتي أَن لَا يهلكها بِسنة عَامَّة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يُسَلط عَلَيْهَا عدوا من غَيرهم فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يُذِيق بَعضهم بَأْس بعض فَمَنَعَنِيهَا وَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنِّي إِذا قضيت قَضَاء لم يرد إِنِّي أَعطيتك لأمتك أَن لَا أهلكها بِسنة عَامَّة وَلَا أظهر عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم فيستبيحهم بعامة وَلَو اجْتمع من بَين أقطارها حَتَّى يكون بَعضهم هُوَ يهْلك بَعْضًا وَبَعْضهمْ هُوَ يسبي بَعْضًا وَإِنِّي لَا أَخَاف على أمتِي إِلَّا الْأَئِمَّة المضلين وَلنْ تقوم السَّاعَة حَتَّى تلْحق قبائل من أمتِي بالمشركين وَحَتَّى تعبد قبائل من أمتِي الْأَوْثَان وَإِذا وضع السَّيْف فِي أمتِي لم يرفع عَنْهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَنه قَالَ: كلهَا يُوجد فِي مائَة سنة وسيخرج فِي أمتِي كذابون ثَلَاثُونَ كلهم يزْعم أَنه نَبِي الله وَأَنا خَاتم الْأَنْبِيَاء لَا نَبِي بعدِي وَلنْ يزَال فِي أمتِي طَائِفَة يُقَاتلُون على الْحق ظَاهِرين لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله
قَالَ: وَزعم أَنه لَا ينْزع رجل من أهل الْجنَّة شَيْئا من ثَمَرهَا إِلَّا أخلف الله مَكَانهَا مثلهَا وَأَنه قَالَ: لَيْسَ دِينَار يُنْفِقهُ رجل بأعظم أجرا من دِينَار يُنْفِقهُ على عِيَاله ثمَّ دِينَار يُنْفِقهُ على فرسه فِي سَبِيل الله ثمَّ دِينَار يُنْفِقهُ على أَصْحَابه فِي سَبِيل الله
قَالَ:(3/285)
وَزعم أَن نَبِي الله عظم شَأْن الْمَسْأَلَة وَأَنه إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة جَاءَ أهل الْجَاهِلِيَّة يحملون أوثانهم على ظُهُورهمْ فيسألهم رَبهم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ فَيَقُولُونَ: رَبنَا لم ترسل إِلَيْنَا رَسُولا وَلم يأتنا امْر
فَيَقُول: أَرَأَيْتُم إِن أَمرتكُم بِأَمْر تطيعوني فَيَقُولُونَ: نعم
فَيَأْخُذ مواثيقهم على ذَلِك فيأمرهم أَن يعمدوا لِجَهَنَّم فيدخلونها فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى إِذا جاؤوها رَأَوْا لَهَا تغيظاً وزفيراً فهابوا فَرَجَعُوا إِلَى رَبهم فَقَالُوا: رَبنَا فرقنا مِنْهَا
فَيَقُول: ألم تعطوني مواثيقكم لتطيعن اعمدوا إِلَيْهَا فادخلوا
فَيَنْطَلِقُونَ حَتَّى إِذا رأوها فرقوا فَرَجَعُوا فَيَقُول: ادخلوها داخرين
قَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو دخلوها أول مرّة كَانَت عَلَيْهِم بردا وَسلَامًا
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عبد الله بن جَابر بن عتِيك عَن جَابر بن عتِيك قَالَ: جَاءَنَا عبد الله بن عمر وَفِي بني مُعَاوِيَة وَهِي قَرْيَة من قرى الْأَنْصَار فَقَالَ لي: هَل تَدْرِي أَيْن صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَسْجِدكُمْ هَذَا قلت: نعم
وأشرت لَهُ إِلَى نَاحيَة مِنْهُ فَقَالَ: هَل تَدْرِي مَا الثَّلَاث الَّتِي دَعَا بِهن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت: نعم
فَقَالَ: أَخْبرنِي بِهن
قلت: دَعَا أَن لَا يظْهر عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم وَلَا يُهْلِكهُمْ بِالسِّنِينَ فاعطيها ودعا بِأَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمنعهَا
قَالَ: صدقت لَا يزَال الْهَرج إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي نَضرة الْغِفَارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَأَلت رَبِّي أَرْبعا فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلت الله أَن لَا يجمع أمتِي على ضَلَالَة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلت الله أَن لَا يظْهر عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلت الله أَن لَا يُهْلِكهُمْ بِالسِّنِينَ كَمَا أهلك الْأُمَم فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلت الله أَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعضهم بَأْس بعض فَمَنَعَنِيهَا
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مردوية عَن أنس قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر صلى سبْحَة الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات فَلَمَّا انْصَرف قَالَ إِنِّي صليت صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة سَأَلت رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَن لَا يَبْتَلِي أمتِي بِالسِّنِينَ فَفعل وَسَأَلته أَن لَا يظْهر عَلَيْهَا عدوهم فَفعل وَسَأَلته أَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا فَأبى عليّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن مرْدَوَيْه عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى حرَّة بني مُعَاوِيَة وَاتَّبَعت أَثَره حَتَّى ظهر عَلَيْهَا فصلى الضُّحَى ثَمَان رَكْعَات(3/286)
فَأطَال فِيهِنَّ ثمَّ الْتفت إِلَيّ فَقَالَ: إِنِّي سَأَلت الله ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَن لَا يُسَلط على أمتِي عدوّاً من غَيرهم فَأَعْطَانِي وَسَأَلته أَن لَا يُهْلِكهُمْ بغرق فَأَعْطَانِي وَسَأَلته أَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِي
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلت الله ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي إثنتين وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلت رَبِّي أَن لَا يهْلك أمتِي بِالسِّنِينَ فَفعل وَسَأَلت رَبِّي أَن لَا يُسَلط على أمتِي عدوا لَهَا فَفعل وَسَأَلت رَبِّي أَن لَا يهْلك أمتِي بَعْضهَا بِبَعْض فَمَنَعَنِيهَا
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صليت صَلَاة رغباً ورهباً ودعوت دُعَاء رغباً ورهباً حَتَّى فرج لي عَن الْجنَّة فَرَأَيْت عناقيدها فهويت أَن أتناول مِنْهَا شَيْئا فخوفت بالنَّار فَسَأَلت رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي إثنتين وكف عني الثَّالِثَة سَأَلته أَن لَا يظهرعلى أمتِي عدوها فَفعل وَسَأَلته أَن لَا يهلكها بِالسِّنِينَ فَفعل وَسَأَلته أَن لَا يلبسهَا شيعًا وَلَا يُذِيق بَعْضهَا بَأْس بعض فكفها عني
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن شَدَّاد قَالَ: فقد معَاذ بن جبل أَو سعد بن معَاذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوَجَدَهُ قَائِما يُصَلِّي فِي الْحرَّة فَأَتَاهُ فتنحنح فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْتُك صليت صَلَاة لم تصل مثلهَا قَالَ صليت صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة سَأَلت رَبِّي فِيهَا ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَن لَا يهْلك أمتِي جوعا فَفعل ثمَّ قَرَأَ {وَلَقَد أَخذنَا آل فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ} الْأَعْرَاف الْآيَة 130 الْآيَة
وَسَأَلته أَن لَا يُسَلط عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم فَفعل ثمَّ قَرَأَ {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق} الْفَتْح الْآيَة 28 إِلَى آخر الْآيَة وَسَأَلته أَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِي ثمَّ قَرَأَ {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا من فَوْقكُم} إِلَى آخر الْآيَة ثمَّ قَالَ: لَا يزَال هَذَا الدّين ظَاهرا على من ناوأهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن خباب بن الارث فِي قَوْله {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} قَالَ: راقب خباب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي حَتَّى إِذا كَانَ فِي الصُّبْح قَالَ لَهُ: يَا نَبِي الله لقد رَأَيْتُك تصلي هَذِه اللَّيْلَة صَلَاة مَا رَأَيْتُك تصلي مثلهَا قَالَ أجل إِنَّهَا صَلَاة رَغْبَة(3/287)
وَرَهْبَة سَأَلت رَبِّي فِيهَا ثَلَاث خِصَال فَأَعْطَانِي إثنتين وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَن لَا يُهْلِكنَا بِمَا أهلكت بِهِ الْأُمَم قبلكُمْ فَأَعْطَانِي وَسَأَلته أَن لَا يُسَلط علينا عدوا من غَيرنَا فَأَعْطَانِي وَسَأَلته أَن لَا يلْبِسنَا شيعًا فَمَنَعَنِي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق نَافِع بن خَالِد الْخُزَاعِيّ عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة خَفِيفَة الرُّكُوع وَالسُّجُود فَقَالَ: قد كَانَت صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة فَسَأَلت الله فِيهَا ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي إثنتين وَبَقِي وَاحِدَة سَأَلت الله أَن لَا يُصِيبكُم بِعَذَاب أصَاب بِهِ قبلكُمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلت الله أَن لَا يُسَلط عَلَيْكُم عدوا يستبيح بيضتكم فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض فَمَنَعَنِيهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن خَالِد الْخُزَاعِيّ وَكَانَ من أَصْحَاب الشَّجَرَة قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم صَلَاة فأخف وَجلسَ فَأطَال الْجُلُوس فَلَمَّا انْصَرف قُلْنَا: يَا رَسُول الله أطلت الْجُلُوس فِي صَلَاتك قَالَ: إِنَّهَا صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة سَأَلت الله فِيهَا ثَلَاث خِصَال فَأَعْطَانِي إثنتين وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَن لَا يسحتكم بِعَذَاب أصَاب من كَانَ قبلكُمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يُسَلط على بيضتكم عدوا فيجتاحها فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض فَمَنَعَنِيهَا
وَأخرج نعيم بن حَمَّاد فِي كتاب الْفِتَن عَن ضرار بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا} قَالَ: أَربع فتن تَأتي فتنته الأولى يسْتَحل فِيهَا الدِّمَاء وَالثَّانيَِة يسْتَحل فِيهَا الدِّمَاء وَالْأَمْوَال وَالثَّالِثَة يسْتَحل فِيهَا الدِّمَاء وَالْأَمْوَال والفروج وَالرَّابِعَة عمياء مظْلمَة تمور مور الْبَحْر تَنْتَشِر حَتَّى لَا يبْقى بَيت من الْعَرَب إِلَّا دَخلته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن شَدَّاد بن أَوْس يرفعهُ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله زوى لي الأَرْض حَتَّى رَأَيْت مشارقها وَمَغَارِبهَا وَإِن ملك أمتِي سيبلغ مَا زوي لي مِنْهَا وَأَنِّي أَعْطَيْت الكنزين الْأَحْمَر والأبيض وَإِنِّي سَأَلت رَبِّي أَن لَا يهْلك قوم بِسنة عَامَّة وَأَن لَا يلْبِسهُمْ شيعًا وَلَا يُذِيق بَعضهم بَأْس بعض
فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنِّي إِذا قضيت قَضَاء فَإِنَّهُ لَا يرد وَإِنِّي أَعطيتك لأمتك أَن لَا أهلكهم بِسنة عَامَّة وَلَا أسلط عَلَيْهِم عدوا من سواهُم فيهلكوهم حَتَّى يكون بَعضهم يهْلك بَعْضًا وَبَعْضهمْ يقتل بَعْضًا وَبَعْضهمْ يسبي(3/288)
بَعْضًا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أَخَاف على أمتِي الْأَئِمَّة المضلين فَإِذا وضع السَّيْف فِي أمتِي لم يرفع عَنْهُم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة فَأطَال قِيَامهَا وركوعها وسجودها فَلَمَّا انْصَرف قلت: يَا رَسُول الله لقد أطلت الْيَوْم الصَّلَاة فَقَالَ إِنَّهَا صَلَاة رَغْبَة وَرَهْبَة إِنِّي سَأَلت رَبِّي ثَلَاثًا فَأَعْطَانِي إثنتين وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلت رَبِّي أَن لَا يُسَلط على أمتِي عدوا من سواهُم فيهلكهم عَامَّة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يُسَلط عَلَيْهِم سنة فتهلكهم عَامَّة فَأَعْطَانِيهَا وَلَفظ أَحْمد وَابْن ماجة وَسَأَلته أَن لَا يُهْلِكهُمْ غرقاً فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَأَلت رَبِّي لأمتي أَربع خِصَال فَأَعْطَانِي ثَلَاثًا وَمَنَعَنِي وَاحِدَة سَأَلته أَن لَا تكفر أمتِي وَاحِدَة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يظْهر عَلَيْهِم عدوا من غَيرهم فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته أَن لَا يعذبهم بِمَا عذب بِهِ الْأُمَم من قبلهم فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلته لَا يَجْعَل بأسهم بَينهم فَمَنَعَنِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا} قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ فَسَأَلَ ربه أَن لَا يُرْسل عَلَيْهِم عذَابا من فَوْقهم أَو من تَحت أَرجُلهم وَلَا يلبس أمته شيعًا وَيُذِيق بَعضهم بَأْس بعض كَمَا أذاق بني إِسْرَائِيل فهبط إِلَيْهِ جِبْرِيل فَقَالَ: يَا مُحَمَّد إِنَّك سَأَلت رَبك أَرْبعا فأعطاك إثنتين ومنعك إثنتين لن يَأْتِيهم عَذَاب من فَوْقهم وَلَا من تَحت أَرجُلهم يَسْتَأْصِلهُمْ فَإِنَّهُمَا عذابان لكل أمة اجْتمعت على تَكْذِيب نبيها ورد كتاب رَبهَا وَلَكنهُمْ يلْبِسهُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعضهم بَأْس بعض وَهَذَانِ عذابان لأهل الإِقرار بالكتب والتصديق بالأنبياء وَلَكِن يُعَذبُونَ بِذُنُوبِهِمْ وَأوحى الله إِلَيْهِ {فإمَّا نذهبن بك فَإنَّا مِنْهُم منتقمون} التَّوْبَة الْآيَة 5 يَقُول: من أمتك أَو نرينك الَّذِي وعدناهم من الْعَذَاب وَأَنت حَيّ فَإنَّا عَلَيْهِم مقتدرون
فَقَامَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فراجع ربه فَقَالَ: أَي مُصِيبَة أَشد من أَن أرى أمتِي يعذب(3/289)
بَعْضهَا بَعْضًا وَأوحى إِلَيْهِ {آلمَ أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} العنكبوت الْآيَتَانِ 1 - 2 الْآيَتَيْنِ
فَأعلمهُ أَن أمته لم تخص دون الْأُمَم بالفتن وَأَنَّهَا ستبتلى كَمَا ابْتليت الْأُمَم ثمَّ أنزل عَلَيْهِ {قل رب إِمَّا تريني مَا يوعدون رب فَلَا تجعلني فِي الْقَوْم الظَّالِمين} الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 93 فتعوذ نَبِي الله فأعاذه الله لم ير من أمته إِلَّا الْجَمَاعَة والألفة وَالطَّاعَة ثمَّ أنزل عَلَيْهِ آيَة حذر فِيهَا أَصْحَاب الْفِتْنَة فَأخْبرهُ أَنه إِنَّمَا يخص بهَا نَاس مِنْهُم دون نَاس فَقَالَ {وَاتَّقوا فتْنَة لَا تصيبن الَّذين ظلمُوا مِنْكُم خَاصَّة وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب} الْأَنْفَال الْآيَة 25 فَخص بهَا أَقْوَامًا من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعده وعصم بهَا أَقْوَامًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم قَالَ: لما نزلت {قل هُوَ الْقَادِر على أَن يبْعَث عَلَيْكُم عذَابا} الْآيَة
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ترجعوا بعدِي كفَّارًا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض بِالسُّيُوفِ فَقَالُوا: وَنحن نشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُول الله قَالَ: نعم
فَقَالَ بعض النَّاس: لَا يكون هَذَا أبدا فَأنْزل الله {انْظُر كَيفَ نصرف الْآيَات لَعَلَّهُم يفقهُونَ وَكذب بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحق} إِلَى قَوْله {وسوف تعلمُونَ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي قولة {عذَابا من فَوْقكُم أَو من تَحت أَرْجُلكُم} قَالَ: هَذَا للْمُشْرِكين {أَو يلْبِسكُمْ شيعًا وَيُذِيق بَعْضكُم بَأْس بعض} قَالَ: للْمُسلمين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن قَانِع فِي مُعْجَمه عَن ابْن إِسْحَق عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ: قَرَأَ عبد الله بن سُهَيْل على أَبِيه {وَكذب بِهِ قَوْمك وَهُوَ الْحق قل لست عَلَيْكُم بوكيل} فَقَالَ: أما وَالله يَا بني لَو كنت إِذْ ذَاك وَنحن مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة فهمت مِنْهَا إِذْ ذَاك مَا فهمت الْيَوْم لقد كنت إِذْ ذَاك أسلمت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَكذب بِهِ قَوْمك} يَقُول: كذبت قُرَيْش بِالْقُرْآنِ {وَهُوَ الْحق} وَأما الْوَكِيل: فالحفيظ
وَأما {لكل نبإٍ مُسْتَقر} فَكَانَ نبأ الْقُرْآن اسْتَقر يَوْم بدر بِمَا كَانَ يعدهم من الْعَذَاب
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل لست عَلَيْكُم بوكيل}(3/290)
قَالَ: نسخ هَذِه الْآيَة آيَة السَّيْف {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} الزخرف الْآيَة 41
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {لكل نبأ مُسْتَقر} يَقُول: حَقِيقَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن أَنه قَرَأَ {لكل نبإٍ مُسْتَقر} قَالَ: حبست عقوبتها حَتَّى عمل ذنبها أرْسلت عقوبتها
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لكل نبإٍ مُسْتَقر وسوف تعلمُونَ} يَقُول: فعل وَحَقِيقَة مَا كَانَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا كَانَ فِي الْآخِرَة
وَأخرج وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لكل نبإٍ مُسْتَقر وسوف تعلمُونَ} قَالَ: لكل نبأ حَقِيقَة أما فِي الدُّنْيَا فَسَوف تَرَوْنَهُ وَأما فِي الْآخِرَة فَسَوف يَبْدُو لكم
- الْآيَة (68 - 69)(3/291)
وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68) وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (69)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} وَنَحْو هَذَا فِي الْقُرْآن قَالَ: أَمر الله الْمُؤمنِينَ بِالْجَمَاعَة ونهاهم عَن الِاخْتِلَاف والفرقة وَأخْبرهمْ إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلهم بالمراء والخصومات فِي دين الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرض عَنْهُم} قَالَ: نَهَاهُ الله أَن يجلس مَعَ الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَات الله يكذبُون بهَا فَإِن نسى فَلَا يقْعد بعد الذكرى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} قَالَ: يستهزؤون بهَا نهى(3/291)
مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يقْعد مَعَهم إِلَّا أَن ينسى فَإِذا ذكر فَليقمْ وَذَلِكَ قَول الله {فَلَا تقعد بعد الذكرى مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك وَسَعِيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} قَالَ: الَّذين يكذبُون بِآيَاتِنَا يَعْنِي الْمُشْركين {وَإِمَّا ينسينك الشَّيْطَان فَلَا تقعد بعد الذكرى} بعد مَا تذكر
قَالَ: إِن نسيت فَذكرت فَلَا تجْلِس مَعَهم {وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ من حسابهم من شَيْء} قَالَ: مَا عَلَيْك أَن يخوضوا فِي آيَات الله إِذا فعلت ذَلِك {وَلَكِن ذكرى لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ} ذكروهم ذَلِك وأخبروهم أَنه يشق عَلَيْكُم فيتقون مساءتكم ثمَّ أنزل الله {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب} النِّسَاء الْآيَة 140 الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ إِذا جالسوا الْمُؤمنِينَ وَقَعُوا فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن فسبوه واستهزؤا بِهِ فَأَمرهمْ الله أَن لَا يقعدوا مَعَهم حَتَّى يخوضوا فِي حَدِيث غَيره
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين فِي قَوْله {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} قَالَ: كَانَ يرى أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي أهل الْأَهْوَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أبي جَعْفَر قَالَ: لَا تجالسوا أهل الْخُصُومَات فَإِنَّهُم الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَات الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: أَن أَصْحَاب الْأَهْوَاء من الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَات الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يَجْلِسُونَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحبونَ أَن يسمعوا مِنْهُ فَإِذا سمعُوا استهزؤوا فَنزلت {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرض عَنْهُم} الْآيَة
قَالَ: فَجعلُوا إِذا استهزؤوا قَامَ فحذروا وَقَالُوا: لَا تستهزؤوا فَيقوم فَذَلِك قَوْله {لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ} إِن يخوضوا فَيقوم وَنزل {وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ من حسابهم من شَيْء} أَن تقعد مَعَهم وَلَكِن لَا تقعد ثمَّ نسخ قَوْله بِالْمَدِينَةِ {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن إِذا سَمِعْتُمْ} النِّسَاء الْآيَة 140(3/292)
إِلَى قَوْله {إِنَّكُم إِذا مثلهم} نسخ قَوْله {وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ من حسابهم من شَيْء} الْآيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} قَالَ: هم أهل الْكتاب نهى أَن يقْعد مَعَهم إِذا سمعهم يَقُولُونَ فِي الْقُرْآن غير الْحق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي وَائِل قَالَ: إِن الرجل ليَتَكَلَّم بِالْكَلِمَةِ من الْكَذِب ليضحك بهَا جلساءه فيسخط الله عَلَيْهِ فَذكر ذَلِك لإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فَقَالَ: صدق أَو لَيْسَ ذَلِك فِي كتاب الله {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرض عَنْهُم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مقَاتل قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ بِمَكَّة إِذا سمعُوا الْقُرْآن من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاضُوا واستهزؤوا فَقَالَ الْمُسلمين: لَا يصلح لنا مجالستهم نَخَاف أَن نخرج حِين نسْمع قَوْلهم ونجالسهم فَلَا نعيب عَلَيْهِم فَأنْزل الله فِي ذَلِك {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا فَأَعْرض عَنْهُم} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {وَإِذا رَأَيْت الَّذين يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا} الْآيَة
قَالَ: نسختها هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي سُورَة النِّسَاء {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن إِذا سَمِعْتُمْ آيَات الله يكفر بهَا} النِّسَاء الْآيَة 140 الْآيَة
ثمَّ أنزل بعد ذَلِك {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التَّوْبَة الْآيَة 5
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ من حسابهم من شَيْء} قَالَ: هَذِه مَكِّيَّة نسخت بِالْمَدِينَةِ بقوله {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن إِذا سَمِعْتُمْ آيَات الله يكفر بهَا} النِّسَاء الْآيَة 140 الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَمَا على الَّذين يَتَّقُونَ من حسابهم من شَيْء} إِن قعدوا وَلَكِن لَا تقعد
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما هَاجر الْمُسلمُونَ إِلَى الْمَدِينَة جعل المُنَافِقُونَ يجالسونهم فَإِذا سمعُوا الْقُرْآن خَاضُوا واستهزؤوا كَفعل الْمُشْركين بِمَكَّة فَقَالَ(3/293)
الْمُسلمُونَ: لاحرج علينا قد رخص الله لنا فِي مجالستهم وَمَا علينا من خوضهم فَنزلت بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ: أَتَى عمر بن عبد الْعَزِيز بِقوم قعدوا على شراب مَعَهم رجل صَائِم فَضَربهُ وَقَالَ {فَلَا تقعدوا مَعَهم حَتَّى يخوضوا فِي حَدِيث غَيره}
- الْآيَة (70)(3/294)
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (70)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وذر الَّذين اتَّخذُوا دينهم لعباً ولهواً} قَالَ: مثل قَوْله {ذَرْنِي وَمن خلقت وحيداً} المدثر الْآيَة 11
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وذر الَّذين اتَّخذُوا دينهم لعباً ولهواً} قَالَ: ثمَّ أنزل فِي سُورَة بَرَاءَة فَأمر بقتالهم فَقَالَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التَّوْبَة الْآيَة 5 فنسختها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {اتَّخذُوا دينهم لعباً ولهواً} قَالَ: أكلا وشرباً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَن تبسل} قَالَ: تفضح
وَفِي قَوْله {أبسلوا} قَالَ: فضحوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَن تبسل} قَالَ: تسلم
وَفِي قَوْله {أبسلوا بِمَا كسبوا} قَالَ: أَسْلمُوا بجرائرهم(3/294)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل أَن تبسل نفس قَالَ: يَعْنِي أَن تحبس نَفسه بِمَا كتبت فِي النَّار
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت زهيراً وَهُوَ يَقُول: وفارقتك برهن لَا فكاك لَهُ يَوْم الْوَدَاع وقلبي مبسل علقاً وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَن تبسل نفس} قَالَ: تُؤْخَذ فتحبس
وَفِي قَوْله {وَإِن تعدل كل عدل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا} قَالَ: لَو جَاءَت بملء الأَرْض ذَهَبا لم يقبل مِنْهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين أبسلوا بِمَا كسبوا} قَالَ: أخذُوا بِمَا كسبوا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن سُفْيَان بن حُسَيْن أَنه سَأَلَ عَن قَوْله {أبسلوا} قَالَ: اخذلوا أَو أَسْلمُوا أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: فَإِن أقفرت مِنْهُم فأنهم بسل
- الْآيَة (71)(3/295)
قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {قل أندعو من دون الله} هَذَا مثل ضربه الله للآلهة وللدعاة الَّذين يدعونَ إِلَى الله كَمثل رجل ضل عَن الطَّرِيق تائهاً ضَالًّا إِذْ ناداه مُنَاد فلَان بن فلَان هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيق وَله أَصْحَاب يَدعُونَهُ يَا فلَان بن فلَان هَلُمَّ إِلَى الطَّرِيق فَإِن اتبع الدَّاعِي الأول انْطلق بِهِ حَتَّى يلقيه فِي هلكة وَإِن أجَاب من يَدْعُو إِلَى الْهدى اهْتَدَى إِلَى الطَّرِيق وَهَذِه الداعية الَّتِي تَدْعُو فِي الْبَريَّة الغيلان
يَقُول: مثل من يعبد هَذِه الْآلهَة من دون الله فَإِنَّهُ يرى أَنه فِي شَيْء حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت فيستقبل الهلكة والندامة
وَقَوله {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين فِي الأَرْض} يَقُول: أضلته وهم الغيلان يَدعُونَهُ باسمه وَاسم أَبِيه وجده(3/295)
فيتبعها وَيرى أَنه فِي شَيْء فَيُصْبِح وَقد ألقته فِي هلكه وَرُبمَا أَكلته أَو تلقيه فِي مضلة من الأَرْض يهْلك فِيهَا عطشاً فَهَذَا مثل من أجَاب الْآلهَة الَّتِي تعبد من دون الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {قل أندعو من دون الله} الْآيَة
قَالَ: قَالَ الْمُشْركُونَ للْمُؤْمِنين: اتبعُوا سبيلنا واتركوا دين مُحَمَّد
فَقَالَ الله {قل أندعو من دون الله مَا لَا ينفعنا وَلَا يضرنا} فَهَذِهِ الْآلهَة {ونرد على أعقابنا بعد إِذْ هدَانَا الله} فَيكون مثلنَا {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين فِي الأَرْض} يَقُول: مثلكُمْ إِن كَفرْتُمْ بعد الإِيمان كَمثل رجل كَانَ مَعَ قوم على طَرِيق فضل الطَّرِيق فحيرته الشَّيَاطِين واستهوته فِي الأَرْض وَأَصْحَابه على الطَّرِيق فَجعلُوا يَدعُونَهُ إِلَيْهِم يَقُولُونَ ائتنا فَإنَّا على الطَّرِيق فَأبى أَن يَأْتِيهم فَذَلِك مثل من تبعكم بعد الْمعرفَة لمُحَمد وَمُحَمّد الَّذِي يَدْعُو إِلَى الطَّرِيق وَالطَّرِيق هُوَ الْإِسْلَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل أندعو من دون الله مَا لَا ينفعنا وَلَا يضرنا} قَالَ: الْأَوْثَان
وَفِي قَوْله {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين فِي الأَرْض حيران} قالِ: رجل حيران يَدْعُو أَصْحَابه إِلَى الطَّرِيق فَذَلِك مثل من يضل بعد إِذْ هدى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَالَّذي استهوته الشَّيَاطِين} الْآيَة
قَالَ: هُوَ الرجل الَّذِي لَا يستجيب لهدي الله وَهُوَ رجل أطَاع الشَّيْطَان وَعمل فِي الأَرْض بالمعصية وجار عَن الْحق وضل عَنهُ وَله أَصْحَاب يَدعُونَهُ إِلَى الْهدى ويزعمون أَن الَّذِي يأمرونه بِهِ هدى الله يَقُول الله ذَلِك لأوليائهم من الإِنس يَقُول {إِن الْهدى هدى الله} والضلالة مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْجِنّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: خُصُومَة علمهَا الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يُخَاصِمُونَ بهَا أهل الضَّلَالَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي إِسْحَق قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (كَالَّذي استهواه الشَّيْطَان)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن أبي إِسْحَق قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (يَدعُونَهُ إِلَى الْهدى بَينا)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (يَدعُونَهُ إِلَى الْهدى بَينا) قَالَ: الْهدى الطَّرِيق أَنه بَين وَالله أعلم(3/296)
- الْآيَة (72)(3/297)
وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (72)
- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: مَا من أهل بَيت يكون لَهُم مَوَاقِيت يعلمُونَ الصَّلَاة إِلَّا بورك فيهم كَمَا بورك فِي إِبْرَاهِيم وَآل إِبْرَاهِيم
- الْآيَة (73)(3/297)
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (73)
- أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصُّور فَقَالَ هُوَ قرن ينْفخ فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو أَن أهل منى اجْتَمعُوا على أَن يقلوا الْقرن من الأَرْض مَا أَقلوهُ
وَأخرج مُسَدّد فِي مُسْنده وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الصُّور كَهَيئَةِ الْقرن ينْفخ فِيهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الصُّور كَهَيئَةِ البوق
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَزَّار وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال صاحبا الْقرن ممسكين بالصور ينتظران مَتى يؤمران
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن طرف صَاحب الصُّور مذ وكل بِهِ مستعد ينظر نَحْو الْعَرْش مَخَافَة أَن يُؤمر قبل أَن يَرْتَد إِلَيْهِ طرفه كَأَن عَيْنَيْهِ كوكبان دريان
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن ابْن عَبَّاس(3/297)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ أنعم وَصَاحب الصُّور قد الْتَقم الْقرن وحنى جَبهته وأصغى بسمعه ينْتَظر مَتى يُؤمر كَيفَ نقُول يَا رَسُول الله قَالَ: قُولُوا: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل على الله توكلنا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كَيفَ أنعم وَصَاحب الصُّور قد الْتَقم الْقرن وحنى الْجَبْهَة وأصغى بالأذن مَتى يُؤمر فينفخ قَالُوا: فَمَا نقُول يَا رَسُول الله قَالَ: قُولُوا: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل على الله توكلنا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ أنعم وَصَاحب الْقرن قد التقمه وحنى جَبهته وأصغى بسمعه ينْتَظر مَتى يُؤمر فينفخ قَالُوا: يَا رَسُول الله فَمَا تَأْمُرنَا قَالَ: حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مامن صباح إِلَّا وملكان يناديان يَقُول أَحدهمَا: اللَّهُمَّ أعْط منفقاً خلفا وَيَقُول الآخر: اللَّهُمَّ اعط ممسكاً تلفاً وملكان موكلان بالصور ينتظران مَتى يؤمران فينفخان وملكان يناديان: يَا باغي الْخَيْر هَلُمَّ وَيَقُول الآخر: يَا باغي الشَّرّ أقصر وملكان يناديان يَقُول أَحدهمَا: ويل للرِّجَال من النِّسَاء وويل للنِّسَاء من الرِّجَال
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النافخان فِي السَّمَاء الثَّانِيَة رَأس أَحدهمَا بالمشرق وَرجلَاهُ بالمغرب وينتظران مَتى يؤمران أَن ينفخا فِي الصُّور فينفخا
وَأخرج عبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة بِسَنَد حسن عَن عبد الله بن الْحَارِث قَالَ كنت عِنْد عَائِشَة وَعِنْدهَا كَعْب الحبر فَذكر إسْرَافيل فَقَالَت عَائِشَة: أَخْبرنِي عَن إسْرَافيل فَقَالَ كَعْب: عنْدكُمْ الْعلم
قَالَت: أجل فَأَخْبرنِي قَالَ: لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة جَنَاحَانِ فِي الْهَوَاء وَجَنَاح قد تسربل بِهِ وَجَنَاح على كَاهِله والقلم على أُذُنه فَإِذا نزل الْوَحْي كتب الْقَلَم ثمَّ درست الْمَلَائِكَة وَملك الصُّور جاث على إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ وَقد نصب الْأُخْرَى فالتقم الصُّور محنى ظَهره وَقد أَمر إِذا رأى إسْرَافيل قد ضم جناحيه أَن ينْفخ فِي الصُّور
فَقَالَت عَائِشَة: هَكَذَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: خلق الله الصُّور من لؤلؤة(3/298)
بَيْضَاء فِي صفاء الزجاجة ثمَّ قَالَ للعرش: خُذ الصُّور فَتعلق بِهِ ثمَّ قَالَ: كن فَكَانَ إسْرَافيل فَأمره أَن يَأْخُذ الصُّور فَأَخذه وَبِه ثقب بِعَدَد كل روح مخلوقة وَنَفس منفوسة لَا تخرج روحان من ثقب وَاحِد وَفِي وسط الصُّور كوَّة كاستدارة السَّمَاء وَالْأَرْض وإسرافيل وَاضع فَمه على تِلْكَ الكوة ثمَّ قَالَ لَهُ الرب تَعَالَى: قد وَكلتك بالصور فَأَنت للنفخة والصيحة فَدخل إسْرَافيل فِي مقدم الْعَرْش فَادْخُلْ رجله الْيُمْنَى تَحت الْعَرْش وقدَّم الْيُسْرَى وَلم يطرف مُنْذُ خلقه الله ينْتَظر مَتى يُؤمر بِهِ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن أبي بكر الهزلي قَالَ: إِن ملك الصُّور وكل بِهِ أَن إِحْدَى قَدَمَيْهِ لفي الأَرْض السَّابِعَة وَهُوَ جاث على رُكْبَتَيْهِ شاخص بَصَره إِلَى إسْرَافيل مَا طرف مُنْذُ خلقه الله تَعَالَى ينْتَظر مَتى يُشِير إِلَيْهِ فينفخ فِي الصُّور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَوْم ينْفخ فِي الصُّور} قَالَ: يَعْنِي النفخة الأولى ألم تسمع أَنه يَقُول {وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَاوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله ثمَّ نفخ فِيهِ أُخْرَى} الزمر الْآيَة 68 يَعْنِي الثَّانِي {فَإِذا هم قيام ينظرُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة أَنه قَرَأَ {يَوْم ينْفخ فِي الصُّور} أَي فِي الْخلق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} يَعْنِي أَن عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة هُوَ الَّذِي ينْفخ فِي الصُّور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة} قَالَ: السِّرّ وَالْعَلَانِيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: الشَّهَادَة مَا قد رَأَيْتُمْ من خلقه والغيب مَا غَابَ عَنْكُم مِمَّا لم تروه
- الْآيَة (74)(3/299)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آزر الصَّنَم وَأَبُو إِبْرَاهِيم(3/299)
اسْمه يازر وَأمه اسْمهَا مثلى وَامْرَأَته اسْمهَا سارة وسريته أم اسمعيل اسْمهَا هَاجر وَدَاوُد بن أَمِين ونوح بن لمك وَيُونُس بن مَتى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: آزر لم يكن بِأَبِيهِ وَلكنه اسْم صنم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: اسْم أَبِيه تارح وأسم الصَّنَم آزر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزر} قَالَ: لَيْسَ آزر بِأَبِيهِ وَلَكِن {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزر} وَهن الْآلهَة وَهَذَا من تَقْدِيم الْقُرْآن إِنَّمَا هُوَ إِبْرَاهِيم بن تيرح
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سُلَيْمَان التَّيْمِيّ أَنه قَرَأَ {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزر} قَالَ: بَلغنِي أَنَّهَا أَعْوَج وَأَنَّهَا أَشد كلمة قَالَهَا إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِذ قَالَ إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزر أتتخذ أصناماً آلِهَة} قَالَ: كَانَ يَقُول أعضد أتعتضد بالآلهة من دون الله لَا تفعل وَيَقُول: إِن أَبَا إِبْرَاهِيم لم يكن اسْمه آزر وَإِنَّمَا اسْمه تارح
قَالَ أَبُو زرْعَة: بهمزتين (أءزر)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: آزر أَبُو إِبْرَاهِيم
- الْآيَة (75 - 79)(3/300)
وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن(3/300)
عَبَّاس {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: كشف مَا بَين السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى نظر إلَيْهِنَّ على صَخْرَة والصخرة على حوت وَهُوَ الْحُوت الَّذِي مِنْهُ طَعَام النَّاس والحوت فِي سلسلة والسلسلة فِي خَاتم الْعِزَّة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ: سلطانهما
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: إِنَّمَا هُوَ ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلكنه بِلِسَان النبطية ملكوثا
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَابْن الْمُنْذر وَابْن حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: آيَات فرجت لَهُ السَّمَوَات السَّبع فَنظر إِلَى مَا فِيهِنَّ حَتَّى انْتهى بَصَره إِلَى الْعَرْش وفرجت لَهُ الأرضون السَّبع فَنظر إِلَى مَا فِيهِنَّ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: قَامَ على صَخْرَة ففرجت لَهُ السَّمَوَات السَّبع حَتَّى نظر إِلَى الْعَرْش وَإِلَى منزله من الْجنَّة ثمَّ فرجت لَهُ الأرضون السَّبع حَتَّى نظر إِلَى الصَّخْرَة الَّتِي عَلَيْهَا الأرضون كَذَلِك قَوْله {وَآتَيْنَاهُ أجره فِي الدُّنْيَا} العنكبوت الْآيَة 27
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الرَّحْمَن بن عائش الْحَضْرَمِيّ عَن بعض أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: رَأَيْت رَبِّي فِي أحسن صُورَة فَقَالَ: فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى يَا مُحَمَّد قَالَ: قلت أَنْت أعلم أَي رب
قَالَ: فَوضع يَده بَين كَتِفي فَوجدت بردهَا بَين ثديي
قَالَ: فَعلمت مَا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض وليكون من الموقنين} ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد فيمَ(3/301)
يخْتَصم الْمَلأ الْأَعْلَى قَالَ: قلت: فِي الدَّرَجَات وَالْكَفَّارَات
قَالَ: وَمَا الْكَفَّارَات قلت: نقل الْأَقْدَام إِلَى الْجَمَاعَات والمجالس فِي الْمَسَاجِد خلاف الصَّلَوَات وإبلاغ الْوضُوء أماكنه فِي الْمَكْرُوه فَمن يفعل ذَلِك يَعش بِخَير ويمت بِخَير ويكن من خطيئته كَهَيْئَته يَوْم وَلدته أمه وَأما الدَّرَجَات فبذل السَّلَام واطعام الطَّعَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام
قَالَ: قل اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الطَّيِّبَات وَترك الْمُنْكَرَات وَحب الْمَسَاكِين وَإِن تغْفر لي وترحمني وَإِذا أردْت فتْنَة فِي قوم فتوفني غير مفتون
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تُعَلِّمُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ حق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما رأى إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض أشرف على رجل على مَعْصِيّة من معاصي الله فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَك ثمَّ أشرف على آخر على مَعْصِيّة من معاصي الله فَدَعَا فَهَلَك ثمَّ أشرف على آخر فَذهب يَدْعُو عَلَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن يَا إِبْرَاهِيم أَنَّك رجل مستجاب الدعْوَة فَلَا تدع على عبَادي فَإِنَّهُم مني على ثَلَاث
إِمَّا أَن يَتُوب فأتوب عَلَيْهِ وَإِمَّا أَن أخرج من صلبه نسمَة تملأ الأَرْض بالتسبيح وَإِمَّا أَن أقبضهُ إِلَيّ فَإِن شِئْت عَفَوْت وَإِن شِئْت عَاقَبت
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء قَالَ: لما رفع إِبْرَاهِيم إِلَى ملكوت السَّمَوَات أشرف على عبد يَزْنِي فَدَعَا عَلَيْهِ فَأهْلك ثمَّ رفع أَيْضا فَأَشْرَف على عبد يَزْنِي فَدَعَا عَلَيْهِ فَأهْلك ثمَّ رفع أَيْضا فَأَشْرَف على عبد يَزْنِي فَأَرَادَ أَن يَدْعُو عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ربه: على رسلك يَا إِبْرَاهِيم فَإنَّك عبد مستجاب لَك وَإِنِّي من عَبدِي على إِحْدَى ثَلَاث خلال
إِمَّا أَن يَتُوب إِلَيّ فأتوب عَلَيْهِ وَإِمَّا أَن أخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة طيبَة وَإِمَّا أَن يتمادى فِيمَا هُوَ فِيهِ فَأَنا من وَرَائه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن شهر بن حَوْشَب فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: رفع إِبْرَاهِيم إِلَى السَّمَاء فَنظر أَسْفَل مِنْهُ فَرَأى رجلا على فَاحِشَة فَدَعَا فَخسفَ بِهِ حَتَّى دَعَا على سَبْعَة كلهم يخسف بِهِ فَنُوديَ يَا إِبْرَاهِيم رفه عَن عبَادي ثَلَاث مرار إِنِّي من عَبدِي بَين ثَلَاث اما أَن يَتُوب فأتوب عَلَيْهِ وَإِمَّا أَن استخرج من صلبه ذُرِّيَّة مُؤمنَة وَإِمَّا أَن يكفر فحسبه جَهَنَّم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق شهر بن حَوْشَب عَن(3/302)
معَاذ بن جبل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لما رأى إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض أبْصر عبدا على خَطِيئَة فَدَعَا عَلَيْهِ ثمَّ أبْصر عبدا على خَطِيئَة فَدَعَا عَلَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ: يَا إِبْرَهِيمُ إِنَّك عبد مستجاب الدعْوَة فَلَا تدع على أحد فَإِنِّي من عَبدِي على ثَلَاث إِمَّا أَن أخرج من صلبه ذُرِّيَّة تعبدني وَإِمَّا أَن يَتُوب فِي آخر عمره فأتوب عَلَيْهِ وَإِمَّا أَن يتَوَلَّى فَإِن جَهَنَّم من وَرَائه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: لما رأى إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض رأى رجلا على فَاحِشَة فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَك ثمَّ رأى آخر على فَاحِشَة فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَك ثمَّ رأى آخر على فَاحِشَة فَدَعَا عَلَيْهِ فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَن يَا إِبْرَاهِيم مهلا فَإنَّك رجل مستجاب لَك وَإِنِّي من عَبدِي على ثَلَاث خِصَال
إِمَّا أَن يَتُوب قبل الْمَوْت فأتوب عَلَيْهِ وَإِمَّا أَن أخرج من صلبه ذُرِّيَّة يذكروني وَإِمَّا أَن يتَوَلَّى فجهنم من وَرَائه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَطاء قَالَ: لما رفع إِبْرَاهِيم فِي ملكوت السَّمَوَات رأى رجلا يَزْنِي فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَك ثمَّ رفع فَرَأى رجلا يَزْنِي فَدَعَا عله فَهَلَك ثمَّ رفع فَرَأى رجلا يَزْنِي فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَك ثمَّ رأى رجلا يَزْنِي فَدَعَا عَلَيْهِ فَهَلَك
فَقيل: على رسلك يَا إِبْرَاهِيم إِنَّك عبد يُسْتَجَاب لَك وَإِنِّي من عَبدِي على ثَلَاث إِمَّا أَن يَتُوب إِلَيّ فأتوب عَلَيْهِ وَإِمَّا أَن أخرج مِنْهُ ذُرِّيَّة طيبَة تعبدني وَإِمَّا أَن يتمادى فِيمَا هُوَ فِيهِ فَإِن جَهَنَّم من وَرَائه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ نري إِبْرَاهِيم ملكوت السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: يَعْنِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {وليكون من الموقنين} فَإِنَّهُ جلا لَهُ الْأَمر سره وعلانيته فَلم يخف عَلَيْهِ شَيْء من أَعمال الْخَلَائق فَلَمَّا جعل يلعن أَصْحَاب الذُّنُوب قَالَ الله: إِنَّك لَا تَسْتَطِيع هَذَا فَرده الله كَمَا كَانَ قبل ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام فر بِهِ من جَبَّار مترف فَجعل فِي سرب وَجعل رزقه فِي أَطْرَافه فَجعل لَا يمص أصبعاً من أَصَابِعه إِلَّا جعل الله لَهُ فِيهَا رزقا فَلَمَّا خرج من ذَلِك السرب أرَاهُ الله ملكوت السَّمَوَات وَالْأَرْض وَأرَاهُ شمساً وقمراً ونجوماً وسحاباً وخلقاً عَظِيما وَأرَاهُ ملكوت الأَرْض فَرَأى جبالاً وبحوراً وأنهاراً وشجراً(3/303)
وَمن كل الدَّوَابّ وخلقاً عَظِيما {فَلَمَّا جن عَلَيْهِ اللَّيْل رأى كوكباً} ذكر لنا أَن الْكَوْكَب الَّذِي رأى الزهرة طلعت عشَاء {قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أفل قَالَ لَا أحب الآفلين} علم أَن ربه دَائِم لَا يَزُول {فَلَمَّا رأى الْقَمَر بازغاً قَالَ هَذَا رَبِّي} رأى خلقا أكبر من الْخلق الأوّل {فَلَمَّا أفل قَالَ لَئِن لم يهدني رَبِّي لأكونن من الْقَوْم الضَّالّين فَلَمَّا رأى الشَّمْس بازغة قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أكبر} أَي أكبر خلقا من الخلقين الأوّلين وأبهى وأنور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: كَانَ من شَأْن إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أَن أول ملك ملك فِي الأَرْض شرقها وغربها نمْرُود بن كنعان بن كوش بن سَام بن نوح وَكَانَت الْمُلُوك الَّذين ملكوا الأَرْض كلهَا أَرْبَعَة
بن كنعان وَسليمَان بن دَاوُد وَذُو القرنين وَبُخْتنَصَّرَ
مُسلمين وكافرين وَإنَّهُ طلع كَوْكَب على نمْرُود ذهب بضوءالشمس وَالْقَمَر فَفَزعَ من ذَلِك فَدَعَا السَّحَرَة والكهنة والقافة والحازة فَسَأَلَهُمْ عَن ذَلِك فَقَالُوا: يخرج من ملكك رجل يكون على وَجهه هلاكك وهلاك ملكك وَكَانَ مَسْكَنه بِبَابِل الْكُوفَة فَخرج من قريته إِلَى قَرْيَة أُخْرَى وَأخرج الرِّجَال وَترك النِّسَاء وَأمر أَن لَا يُولد مَوْلُود ذكر إِلَّا ذبحه فذبح أَوْلَادهم
ثمَّ إِنَّه بَدَت لَهُ حَاجَة فِي الْمَدِينَة لم يَأْمَن عَلَيْهَا إِلَّا آزر أَبَا إِبْرَاهِيم فَدَعَاهُ فَأرْسلهُ فَقَالَ لَهُ: أنظر لَا تواقع أهلك
فَقَالَ لَهُ آزر أَنا أضُنُّ بديني من ذَلِك فَلَمَّا دخل الْقرْيَة نظر إِلَى أَهله فَلم يملك نَفسه إِن وَقع عَلَيْهَا ففر بهَا إِلَى قَرْيَة بَين الْكُوفَة وَالْبَصْرَة يُقَال لَهَا ادر فَجَعلهَا فِي سرب فَكَانَ يتعهدها بِالطَّعَامِ وَمَا يصلحها وَإِن الْملك لما طَال عَلَيْهِ الْأَمر قَالَ: قَول سحرة كَذَّابين ارْجعُوا إِلَى بلدكم فَرَجَعُوا وَولد إِبْرَاهِيم فَكَانَ فِي كل يَوْم يمر بِهِ كَأَنَّهُ جُمُعَة وَالْجُمُعَة كالشهر من سرعَة شبابه وَنسي الْملك ذَاك وَكبر إِبْرَاهِيم وَلَا يرى أَن أحدا من الْخلق غَيره وَغير أَبِيه وَأمه فَقَالَ أَبُو إِبْرَاهِيم لأَصْحَابه: إِن لي ابْنا وَقد خبأته فتخافون عَلَيْهِ الْملك ان أَنا جِئْت بِهِ قَالُوا: لَا فَائت بِهِ
فَانْطَلق فَأخْرجهُ فَلَمَّا خرج الْغُلَام من السرب نظر إِلَى الدَّوَابّ والبهائم والخلق فَجعل يسْأَل أَبَاهُ فَيَقُول: مَا هَذَا فيخبره عَن الْبَعِير أَنه بعير وَعَن الْبَقَرَة أَنَّهَا بقرة وَعَن الْفرس أَنَّهَا فرس وَعَن الشَّاة أَنَّهَا شَاة
فَقَالَ: مَا لهَؤُلَاء بُد من أَن يكون لَهُم رب
وَكَانَ خُرُوجه حِين خرج من السرب بعد غرُوب الشَّمْس فَرفع رَأسه إِلَى السَّمَاء(3/304)
فَإِذا هُوَ بالكوكب وَهُوَ المُشْتَرِي فَقَالَ: هَذَا رَبِّي
فَلم يلبث أَن غَابَ قَالَ: لَا أحب رَبًّا يغيب
قَالَ ابْن عَبَّاس: وَخرج فِي آخر الشَّهْر فَلذَلِك لم ير الْقَمَر قبل الْكَوْكَب فَلَمَّا كَانَ آخر اللَّيْل رأى الْقَمَر بازغاً قد طلع قَالَ: هَذَا رَبِّي
فَلَمَّا أفل - يَقُول غَابَ {قَالَ لَئِن لم يهدني رَبِّي لأكونن من الْقَوْم الضَّالّين} فَلَمَّا أصبح رأى الشَّمْس بازغة {قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أكبر فَلَمَّا أفلت قَالَ يَا قوم إِنِّي بَرِيء مِمَّا تشركون} قَالَ الله لَهُ: اسْلَمْ
قَالَ: أسلمت لرب الْعَالمين
فَجعل إِبْرَاهِيم يَدْعُو قومه وَيُنْذرهُمْ وَكَانَ أَبوهُ يصنع الْأَصْنَام فيعطيها أَوْلَاده فيبيعونها وَكَانَ يُعْطِيهِ فينادي من يَشْتَرِي مَا يضرّهُ وَلَا يَنْفَعهُ فَيرجع إخْوَته وَقد باعوا أصنامهم وَيرجع إِبْرَاهِيم بأصنامه كَمَا هِيَ ثمَّ دَعَا أَبَاهُ فَقَالَ {يَا أَبَت لم تعبد مَا لَا يسمع وَلَا يبصر وَلَا يُغني عَنْك شَيْئا} مَرْيَم الْآيَة 42 ثمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيم إِلَى بَيت الْآلهَة فَإِذا هن فِي بهو عَظِيم مُسْتَقْبل بَاب البهو صنم عَظِيم إِلَى جنبه أَصْغَر مِنْهُ بَعْضهَا إِلَى جنب بعض كل صنم يَلِيهِ أَصْغَر مِنْهُ حَتَّى بلغُوا بَاب البهو وَإِذا هم قد جعلُوا طَعَاما بَين يَدي الْآلهَة وَقَالُوا: إِذا كَانَ حِين نرْجِع رَجعْنَا وَقد بَرحت الْآلهَة من طعامنا فأكلنا فَلَمَّا نظر إِلَيْهِم إِبْرَاهِيم وَإِلَى مَا بَين أَيْديهم من الطَّعَام قَالَ: أَلا تَأْكُلُونَ فَلَمَّا لم تجبه قَالَ: مَا لكم لَا تنطقون ثمَّ إِن إِبْرَاهِيم أَتَى قومه فَدَعَاهُمْ فَجعل يَدْعُو قومه وَيُنْذرهُمْ فحبسوه فِي بَيت وجمعوا لَهُ الْحَطب حَتَّى أَن الْمَرْأَة لتمرض فَتَقول: لَئِن عافاني الله لأجمعن لإِبْرَاهِيم حطباً فَلَمَّا جمعُوا لَهُ وَأَكْثرُوا من الْحَطب حَتَّى إِن كَانَ الطير ليمر بهَا فيحترق من شدَّة وهجها وحرها فعمدوا إِلَيْهِ فَرَفَعُوهُ إِلَى رَأس الْبُنيان فَرفع إِبْرَاهِيم رَأسه إِلَى السَّمَاء فَقَالَت السَّمَاء وَالْأَرْض وَالْجِبَال وَالْمَلَائِكَة: رَبنَا إِبْرَاهِيم يحرق فِيك
قَالَ: أَنا أعلم بِهِ فَإِن دعَاكُمْ فأغيثوه
وَقَالَ إِبْرَاهِيم حِين رفع رَأسه إِلَى السَّمَاء: اللَّهُمَّ أَنْت الْوَاحِد فِي السَّمَاء وَأَنا الْوَاحِد فِي الأَرْض لَيْسَ أحد يعبدك غَيْرِي حسبي الله وَنعم الْوَكِيل
فقذفوه فِي النَّار فناداها فَقَالَ {يَا نَار كوني بردا وَسلَامًا على إِبْرَاهِيم} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 69 وَكَانَ جِبْرِيل هُوَ الَّذِي ناداها
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَو لم يتبع بردا سَلاما لمات إِبْرَاهِيم من بردهَا وَلم يبْق يَوْمئِذٍ فِي الأَرْض نَار إِلَّا طفئت ظنت أَنَّهَا هِيَ تعنى فَلَمَّا طفئت(3/305)
النَّار نظرُوا إِلَى إِبْرَاهِيم فَإِذا هُوَ وَرجل آخر مَعَه وَرَأس إِبْرَاهِيم فِي حجره يمسح عَن وَجهه الْعرق وَذكر أَن ذَلِك الرجل ملك الظل فَأنْزل الله نَارا فَانْتَفع بهَا بَنو آدم وأخرجوا إِبْرَاهِيم فأدخلوه على الْملك وَلم يكن قبل ذَلِك دخل عَلَيْهِ فَكَلمهُ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن السّديّ فِي قَوْله {رأى كوكباً} قَالَ: هُوَ المُشْتَرِي وَهُوَ الَّذِي يطلع نَحْو الْقبْلَة عِنْد الْمغرب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن عَليّ فِي قَوْله {رأى كوكباً} قَالَ: الزهرة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {فَلَمَّا أفل} أَي ذهب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَا أحب الآفلين} قَالَ: الزائلين
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {فَلَمَّا أفلت} قَالَ: فَلَمَّا زَالَت الشَّمْس عَن كبد السَّمَاء
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت كَعْب بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَهُوَ يرثي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول: فَتغير الْقَمَر الْمُنِير لفقده وَالشَّمْس قد كسفت وكادت تأفل قَالَ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {حَنِيفا} قَالَ: دينا مخلصاً
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَهُوَ يَقُول: حمدت الله حِين هدى فُؤَادِي إِلَى الْإِسْلَام والدّين الحنيف قَالَ: أَيْضا رجل من الْعَرَب يذكر بني عبد الْمطلب وفضلهم أقِيمُوا لنادينا حَنِيفا فانتمو لنا غَايَة قد نهتدي بالذوائب وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَطاء فِي قَوْله {حَنِيفا} قَالَ: مخلصاً
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِيَاض بن حمَار الْمُجَاشِعِي أَنه شهد خطْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَمعهُ يَقُول: إِن الله أَمرنِي أَن أعلمكُم مَا جهلتم من دينكُمْ مِمَّا عَلمنِي يومي هَذَا إِن كل مَال نحلته عبدا فَهُوَ لَهُ حَلَال وَإِنِّي خلقت عبَادي حنفَاء كلهم وَإنَّهُ أَتَتْهُم الشَّيَاطِين فَاجْتَالَتْهُمْ عَن دينهم وَحرمت عَلَيْهِم مَا أحللت لَهُم وأمرتهم أَن يشركوا بِي مَا لم أنزل بِهِ سُلْطَانا
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا استفتح الصَّلَاة كبر ثمَّ قَالَ: وجهت(3/306)
وَجْهي للَّذي فطر السَّمَوَات وَالْأَرْض حَنِيفا وَمَا أَنا من الْمُشْركين إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب الْعَالمين لَا شريك لَهُ وَبِذَلِك أمرت وَأَنا أول الْمُسلمين
- الْآيَة (80 - 81)(3/307)
وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وحاجه قومه} يَقُول: خاصموه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أتحاجوني} قَالَ: أتخاصموني
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (أتحاجوني) مُشَدّدَة النُّون
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وحاجه قومه} قَالَ: دعوا مَعَ الله إِلَهًا {قَالَ أتحاجوني فِي الله وَقد هدان} وَقد عرفت رَبِّي خوّفوه بآلهتهم أَن يُصِيبهُ مِنْهَا خبل فَقَالَ {وَلَا أَخَاف مَا تشركون بِهِ} ثمَّ قَالَ {وَكَيف أَخَاف مَا أشركتم وَلَا تخافون} أَيهَا الْمُشْركُونَ {أَنكُمْ أشركتم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَأَي الْفَرِيقَيْنِ أَحَق بالأمن} قَالَ: قَول إِبْرَاهِيم حِين سَأَلَهُمْ أَي الْفَرِيقَيْنِ أَحَق بالأمن وَمن حجَّة إِبْرَاهِيم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن زيد فِي قَوْله {فَأَي الْفَرِيقَيْنِ أَحَق بالأمن} أَمن خَافَ غير الله وَلم يخفه أم من خَافَ الله وَلم يخف غَيره فَقَالَ الله {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون} الْأَنْعَام الْآيَة 82(3/307)
- الْآيَة (82)(3/308)
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
- أخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارقطني فِي الْأَفْرَاد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} شقّ ذَلِك على النَّاس فَقَالُوا: يَا رَسُول الله وأينا لَا يظلم نَفسه قَالَ إِنَّه لَيْسَ الَّذِي تعنون ألم تسمعوا مَا قَالَ العَبْد الصَّالح {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} لُقْمَان الْآيَة 13 إِنَّمَا هُوَ الشّرك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي شيبَة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي بكر الصّديق
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ: مَا تَقولُونَ قَالُوا: لم يظلموا
قَالَ: حملتم الْأَمر على أشده بظُلْم: بشرك ألم تسمع إِلَى قَول الله {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عمر بن الْخطاب {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ: بشرك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن حُذَيْفَة {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ: بشرك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن سلمَان الْفَارِسِي
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ: إِنَّمَا عَنى بِهِ الشّرك ألم تسمع الله يَقُول {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ من طرق عَن أبيّ بن كَعْب فِي قَوْله {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ: ذَاك الشّرك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس
إِن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا دخل بَيته نشر الْمُصحف يقرأه فَدخل ذَات يَوْم فَقَرَأَ سُورَة الْأَنْعَام فَأتى(3/308)
على هَذِه الْآيَة {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} إِلَى آخر الْآيَة فانتقل وَأخذ رِدَاءَهُ ثمَّ أَتَى أبي بن كَعْب فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُنْذر أتيت على هَذِه الْآيَة {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} وَقد نرى أَنا نظلم ونفعل ونفعل فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن هَذَا لَيْسَ بِذَاكَ
يَقُول الله {إِن الشّرك لظلم عَظِيم} لُقْمَان الْآيَة 13 إِنَّمَا ذَلِك الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وأبوالشيخ من طرق عَن ابْن عَبَّاس {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ: بشرك
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ: بِعبَادة الْأَوْثَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} يَقُول: لم يخلصوا إِيمَانهم بشرك
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي إِبْرَاهِيم وَأَصْحَابه خَاصَّة لَيْسَ فِي هَذِه الْأمة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن جرير بن عبد الله قَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا بَرَزْنَا من الْمَدِينَة إِذا رَاكب يوضع نحونا فَانْتهى إِلَيْنَا فَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَيْن أَقبلت فَقَالَ: من أَهلِي وَوَلَدي وعشيرتي أُرِيد رَسُول الله
قَالَ: قد أصبته
قَالَ: عَلمنِي مَا الإِيمان قَالَ: تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رَمَضَان وتحج الْبَيْت
قَالَ: قد أَقرَرت
ثمَّ إِن بعيره دخلت يَده فِي شبكة جردان فهوى وَوَقع الرجل على هامته فَمَاتَ
فَقَالَ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا من الَّذين عمِلُوا قَلِيلا وأجروا كثيرا هَذَا من الَّذين قَالَ الله {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون} إِنِّي رَأَيْت حور الْعين يدخلن فِي فِيهِ من ثمار الْجنَّة فَعلمت أَن الرجل مَاتَ جائعا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسير ساره إِذْ عرض لَهُ أَعْرَابِي فَقَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لقد خرجت من بلادي وتلادي لأَهْتَدِي بهداك وآخذ من قَوْلك فاعرض عَليّ فَأَعْرض عَلَيْهِ(3/309)
الإِسلام فَقبل فازدحمنا حوله فَدخل خف بكره فِي ثقب جردان فتردى الْأَعرَابِي فَانْكَسَرت عُنُقه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أسمعتم بِالَّذِي عمل قَلِيلا وَأجر كثيرا هَذَا مِنْهُم أسمعتم بالذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم هَذَا مِنْهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن بكر بن سوَادَة قَالَ: حمل رجل من العدوّ على الْمُسلمين فَقتل رجلا ثمَّ حمل فَقتل آخر ثمَّ حمل فَقتل آخر ثمَّ قَالَ: أينفعني الإِسلام بعد هَذَا قَالُوا: مَا نَدْرِي فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: نعم
فَضرب فرسه فَدخل فيهم ثمَّ حمل على أَصْحَابه فَقتل رجلا ثمَّ آخر ثمَّ قتل
قَالَ: فيرون أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِيهِ {الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَن رجلا سَأَلَ عَنْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسكت حَتَّى جَاءَ رجل فَأسلم فَلم يلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى قَاتل فاستشهد فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا مِنْهُم من الَّذين آمنُوا وَلم يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم
وَأخرج الْبَغَوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن أبي حَاتِم وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سَخْبَرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ابْتُلِيَ فَصَبر وَأعْطِي فَشكر وظلم فغفر وظلم فَاسْتَغْفر ثمَّ سكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَاله قَالَ {أُولَئِكَ لَهُم الْأَمْن وهم مهتدون}
- الْآيَة (83)(3/310)
وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه} قَالَ: ذَاك فِي الْخُصُومَة الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين قومه وَالْخُصُومَة الَّتِي كَانَت بَينه وَبَين الْجَبَّار الَّذِي يُسمى نمْرُود
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه} قَالَ: خصمهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق مَالك بن أنس عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وَتلك حجتنا آتيناها إِبْرَاهِيم على قومه} قَالَ: خصمهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق مَالك بن أنس عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {نرفع دَرَجَات من نشَاء} قَالَ: بِالْعلمِ(3/310)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك قَالَ: إِن للْعُلَمَاء دَرَجَات كدرجات الشُّهَدَاء
- الْآيَة (84 - 88)(3/311)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي حَرْب بن أبي الْأسود قَالَ: أرسل الْحجَّاج إِلَى يحيى بن يعمر فَقَالَ: بَلغنِي أَنَّك تزْعم أَن الْحسن وَالْحُسَيْن من ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَجدهُ فِي كتاب الله وَقد قرأته من أَوله إِلَى آخِره فَلم أَجِدهُ
قَالَ: أَلَسْت تقْرَأ سُورَة الْأَنْعَام {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان} حَتَّى بلغ {وَيحيى وَعِيسَى} قَالَ: أَلَيْسَ عِيسَى من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَلَيْسَ لَهُ أَب قَالَ: صدقت
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: دخل يحيى بن يعمر على الْحجَّاج فَذكر الْحُسَيْن فَقَالَ الْحجَّاج: لم يكن من ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَقَالَ يحيى: كذبت
فَقَالَ: لتَأْتِيني على مَا قلت بِبَيِّنَة
فَتلا {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان} إِلَى قَوْله {وَعِيسَى وإلياس} فَأخْبر تَعَالَى أَن عِيسَى من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم بِأُمِّهِ
قَالَ: صدقت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: الْخَال وَالِد وَالْعم وَالِد نسب الله عِيسَى إِلَى أَخْوَاله قَالَ {وَمن ذُريَّته} حَتَّى بلغ إِلَى قَوْله {وزَكَرِيا وَيحيى وَعِيسَى}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاق وَيَعْقُوب كلا هدينَا ونوحاً هدينَا من قبل} ثمَّ قَالَ فِي إِبْرَاهِيم {وَمن ذُريَّته دَاوُد وَسليمَان}(3/311)
إِلَى قَوْله {وَإِسْمَاعِيل وَالْيَسع وَيُونُس ولوطاً وكلا فضلنَا على الْعَالمين} ثمَّ قَالَ فِي الْأَنْبِيَاء الَّذين سماهم الله فِي هَذِه الْآيَة {فبهداهم اقتده}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {واجتبيناهم} قَالَ: أخلصناهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَو أشركوا لحبط عَنْهُم مَا كَانُوا يعْملُونَ} قَالَ: يُرِيد هَؤُلَاءِ الَّذين قَالَ: هديناهم وفضلناهم
- الْآيَة (89)(3/312)
أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن حوثرة بن بشير
سَمِعت رجلا سَأَلَ الْحسن عَن قَوْله {الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب وَالْحكم والنبوّة} من هم يَا أَبَا سعيد قَالَ: هم الَّذين فِي صدر هَذِه الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب وَالْحكم} قَالَ: الحكم اللب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِن يكفر بهَا هَؤُلَاءِ} يَعْنِي أهل مَكَّة يَقُول: أَن يكفروا بِالْقُرْآنِ {فقد وكلنَا بهَا قوما لَيْسُوا بهَا بكافرين} يَعْنِي أهل الْمَدِينَة وَالْأَنْصَار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَإِن يكفر بهَا هَؤُلَاءِ} قَالَ: أهل مَكَّة كفار قُرَيْش {فقد وكلنَا بهَا قوما لَيْسُوا بهَا بكافرين} وهم الْأَنْبِيَاء الَّذين قصّ الله على نبيه الثَّمَانِية عشر الَّذين قَالَ الله {فبهداهم اقتده}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي رَجَاء العطاردي فِي قَوْله {فقد وكلنَا بهَا قوما لَيْسُوا بهَا بكافرين} قَالَ: هم الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أهل الْإِيمَان قد تبوّأوا الدَّار والإِيمان قبل أَن يقدم عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أنزل الله الْآيَات جحد بهَا أهل مَكَّة فَقَالَ الله {فَإِن يكفر بهَا هَؤُلَاءِ فقد وكلنَا بهَا قوما لَيْسُوا بهَا بكافرين}(3/312)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب فِي الْآيَة قَالَ: إِن يكفر بهَا أهل مَكَّة فقد وكلنَا بهَا أهل الْمَدِينَة من الْأَنْصَار
- الْآيَة (90)(3/313)
أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)
- أخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أُولَئِكَ الَّذين هدى الله فبهداهم اقتده} قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يقْتَدى بهداهم وَكَانَ يسْجد فِي ص
وَلَفظ ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن السَّجْدَة الَّتِي فِي ص فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة وَقَالَ: أَمر نَبِيكُم أَن يقْتَدى بِدَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: قصّ الله عَلَيْهِ ثَمَانِيَة عشر نَبيا ثمَّ أمره أَن يَقْتَدِي بهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم
أَنه قَرَأَ (فبهداهم اقتده) بَين الْهَاء إِذا وصل وَلَا يدغمها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
فِي قَوْله {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا} قَالَ: قل لَهُم يَا مُحَمَّد لَا أَسأَلكُم على مَا أدعوكم إِلَيْهِ عرضا من عرض الدُّنْيَا
وَالله أعلم
- الْآيَة (91)(3/313)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} قَالَ: هم الْكفَّار الَّذين لم يُؤمنُوا بقدرة(3/313)
الله عَلَيْهِم فَمن آمن أَن الله على كل شَيْء قدير فقد قدر الله حق قدره وَمن لم يُؤمن بذلك فَلم يُؤمن بِاللَّه حق قدره {إِذْ قَالُوا مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} يَعْنِي من بني إِسْرَائِيل قَالَت الْيَهُود يَا مُحَمَّد أنزل الله عَلَيْك كتابا قَالَ: نعم
قَالُوا: وَالله مَا أنزل الله من السَّمَاء كتابا
فَأنْزل الله قل يَا مُحَمَّد {من أنزل الْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نورا وَهدى للنَّاس} إِلَى قَوْله {وَلَا آباؤكم قل الله} أنزلهُ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} قَالَ: وَمَا علمُوا كَيفَ هُوَ حَيْثُ كذبوه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} قَالَ: مَا عظموه حق عَظمته
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره إِذْ قَالُوا مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} قَالَ: قَالَهَا مُشْرِكُوا قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ فِي قَوْله {إِذْ قَالُوا مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} قَالَ: قَالَ فنحَاص الْيَهُودِيّ: مَا أنزل الله على مُحَمَّد من شَيْء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {إِذْ قَالُوا مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} قَالَ: نزلت فِي مَالك بن الصَّيف
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: جَاءَ رجل من الْيَهُود يُقَال لَهُ مَالك بن الصَّيف فخاصم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ النَّبِي أنْشدك بِالَّذِي أنزل التَّوْرَاة على مُوسَى هَل تَجِد فِي التَّوْرَاة أَن الله يبغض الحبر السمين وَكَانَ حبرًا سميناً فَغَضب وَقَالَ: وَالله مَا أنزل الله على بشر من شَيْء
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه: وَيحك
وَلَا على مُوسَى قَالَ: مَا أنزل الله على بشر من شَيْء فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} الْآيَة
وَأخرج ابْن جريرعن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: جَاءَ نَاس من يهود إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ محتب فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِم أَلا تَأْتِينَا بِكِتَاب من السَّمَاء كَمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى ألواحا فَأنْزل الله تَعَالَى {يَسْأَلك أهل الْكتاب أَن تنزل عَلَيْهِم كتابا من السَّمَاء} النِّسَاء الْآيَة 153 الْآيَة
فَجَثَا رجل من الْيَهُود فَقَالَ: مَا أنزل الله عَلَيْك وَلَا على(3/314)
مُوسَى وَلَا على عِيسَى وَلَا على أحد شَيْئا فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} الْآيَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: أَمر الله مُحَمَّدًا أَن يسْأَل أهل الْكتاب عَن أمره وَكَيف يجدونه فِي كتبهمْ فحملهم حسدهم أَن يكفروا بِكِتَاب الله وَرُسُله فَقَالُوا {مَا أنزل الله على بشر من شَيْء} فَأنْزل الله {وَمَا قدرُوا الله حق قدره} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد هَلُمَّ لَك إِلَى الْخَبِير ثمَّ أنزل {الرَّحْمَن فاسأل بِهِ خَبِيرا} الْفرْقَان الْآيَة 59 {وَلَا ينبئك مثل خَبِير} فاطر الْآيَة 14
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن كَعْب قَالَ: إِن الله يبغض أهل الْبَيْت اللحمين والحبر السمين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جعدة الْجُشَمِي قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجل يقص عَلَيْهِ رُؤْيا فَرَأى رجلا سميناً فَجعل بَطْنه بِشَيْء فِي يَده وَيَقُول لَو كَانَ بعض هَذَا فِي غير هَذَا لَكَانَ خير الْملك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا} قَالَ: هم الْيَهُود {وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم} قَالَ: هَذِه للْمُسلمين
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا} فِي يهود فِيمَا أظهرُوا من التَّوْرَاة وأخفوا من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَ {تجعلونه قَرَاطِيس تبدونها وتخفون كثيرا} وعلمتم معشر الْعَرَب {مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وعلمتم مَا لم تعلمُوا أَنْتُم وَلَا آباؤكم} قَالَ: هم الْيَهُود آتَاهُم الله علما فَلم يقتدوا بِهِ وَلم يَأْخُذُوا بِهِ وَلم يعملوا بِهِ فذمهم الله فِي عَمَلهم ذَلِك(3/315)
- الْآيَة (92)(3/316)
وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك} قَالَ: هُوَ الْقُرْآن الَّذِي أنزلهُ الله تَعَالَى على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {مُصدق الَّذِي بَين يَدَيْهِ} أَي من الْكتب الَّتِي قد خلت قبله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولتنذر أم الْقرى} قَالَ: مَكَّة وَمن حولهَا
قَالَ: يَعْنِي مَا حولهَا من الْقرى إِلَى الْمشرق وَالْمغْرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء وَعَمْرو بن دِينَار قَالَا: بعث الله رياحاً فشققت المَاء فأبرزت مَوضِع الْبَيْت على حَشَفَة بَيْضَاء فَمد الله الأَرْض مِنْهَا فَذَلِك هِيَ أم الْقرى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {أم الْقرى} قَالَ: مَكَّة وَإِنَّمَا سميت أم الْقرى لِأَنَّهَا أول بَيت وضع بهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ولتنذر أم الْقرى} قَالَ: هِيَ مَكَّة
قَالَ: وَبَلغنِي أَن الأَرْض دحيت من مَكَّة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم الْقرى مَكَّة
- الْآيَة (93)(3/316)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93)
- أخرج الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك عَن شُرَحْبِيل بن سعد قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن أبي سرح {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء} الْآيَة
فَلَمَّا دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة فر إِلَى عُثْمَان أَخِيه من الرضَاعَة فغيبه عِنْده حَتَّى اطْمَأَن أهل مَكَّة ثمَّ استأمن لَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي خلف الْأَعْمَى قَالَ: كَانَ ابْن أبي سرح يكْتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَحْي فَأتى أهل مَكَّة فَقَالُوا: يَا ابْن أبي سرح كَيفَ كتبت لِابْنِ أبي كَبْشَة الْقُرْآن قَالَ: كنت أكتب كَيفَ شِئْت فَأنْزل الله {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن سعد بن أبي سرح الْقرشِي أسلم وَكَانَ يكْتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ إِذا أمْلى عَلَيْهِ {سميعاً عليماً} كتب (عليماً حكيماً) وَإِذا قَالَ {عليماً حكيماً} كتب (سميعاً عليماً) فَشك وَكفر وَقَالَ: إِن كَانَ مُحَمَّد يُوحى إِلَيْهِ فقد أوحى إليّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء} قَالَ: نزلت فِي مُسَيْلمَة الْكذَّاب وَنَحْوه مِمَّن دَعَا إِلَى مثل مَا دَعَا إِلَيْهِ وَمن قَالَ: {سَأُنْزِلُ مثل مَا أنزل الله} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن سعد بن أبي سرح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن أظلم} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي مُسَيْلمَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن أظلم} الْآيَة
قَالَ: ذكر لنا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي مُسَيْلمَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء} قَالَ: نزلت فِي مُسَيْلمَة فِيمَا كَانَ يسجع ويتكهن بِهِ وَمن {قَالَ سَأُنْزِلُ مثل مَا أنزل الله} قَالَ: نزلت فِي عبد الله بن سعد بن أبي سرح كَانَ يكْتب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ فِيمَا يملى {عَزِيز حَكِيم} فَيكْتب(3/317)
(غَفُور رَحِيم) فيغيره ثمَّ يقْرَأ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا لما حوّل فَيَقُول: نعم سَوَاء فَرجع عَن الْإِسْلَام وَلحق بِقُرَيْش
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما نزلت {والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا} المرسلات الْآيَة 1 - 2 قَالَ النَّضر وَهُوَ من بني عبد الدَّار: والطاحنات طحناً والعاجنات عَجنا
وقولاً كثيرا فَأنْزل الله {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا من الْقُرْآن شَيْء إِلَّا قد عمل بِهِ من كَانَ قبلكُمْ وسيعمل بِهِ من بعدكم حَتَّى كنت لأمر بِهَذِهِ الْآيَة {وَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو قَالَ أُوحِي إِلَيّ وَلم يُوح إِلَيْهِ شَيْء} وَلم يعْمل هَذَا أهل هَذِه الْقبْلَة حَتَّى كَانَ الْمُخْتَار بن أبي عُبَيْدَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آيتان يبشر بهما الْكَافِر عِنْد مَوته {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ} إِلَى قَوْله {تستكبرون}
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بَينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم قَاعِدا وتلا هَذِه الْآيَة {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم أخرجُوا أَنفسكُم الْيَوْم تُجْزونَ عَذَاب الْهون بِمَا كُنْتُم تَقولُونَ على الله غير الْحق وكنتم عَن آيَاته تستكبرون} ثمَّ قَالَ: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا من نفس تفارق الدُّنْيَا حَتَّى ترى مقعدها من الْجنَّة وَالنَّار ثمَّ قَالَ: إِذا كَانَ عِنْد ذَلِك صف سماطان من الْمَلَائِكَة نظموا مَا بَين الْخَافِقين كَأَن وُجُوههم الشَّمْس فَينْظر إِلَيْهِم مَا يرى غَيرهم وَإِن كُنْتُم ترَوْنَ أَنه ينظر إِلَيْكُم مَعَ كل ملك مِنْهُم أكفان وحنوط فَإِذا كَانَ مُؤمنا بشروه بِالْجنَّةِ وَقَالُوا: اخْرُجِي أيتها النَّفس الطّيبَة إِلَى رضوَان الله وجنته فقد أعد الله لَك من الْكَرَامَة مَا هُوَ خير لَك من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَمَا يزالون يُبَشِّرُونَهُ ويحفون بِهِ فهم ألطف وأرأف من الوالدة بِوَلَدِهَا ويسلون روحه من تَحت كل ظفر ومفصل وَيَمُوت الأول فَالْأول ويبرد كل عُضْو الأول فَالْأول ويهون عَلَيْهِ وان كُنْتُم تَرَوْنَهُ شَدِيدا حَتَّى تبلغ ذقنه فَلَهو أَشد كَرَامَة لِلْخُرُوجِ حِينَئِذٍ من الْوَلَد حِين يخرج من الرَّحِم فيبتدرها كل ملك مِنْهُم أَيهمْ يقبضهَا فيتولى قبضهَا ملك(3/318)
الْمَوْت
ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قل يتوفاكم ملك الْمَوْت الَّذِي وكل بكم ثمَّ إِلَى ربكُم ترجعون} السَّجْدَة الْآيَة 11 قَالَ: فيتلقاها باكفان بيض ثمَّ يحتضنها إِلَيْهِ فَهُوَ أَشد لَهَا لُزُوما من الْمَرْأَة لولدها ثمَّ يفوح لَهَا فيهم ريح أطيب من الْمسك يتباشرون بهَا وَيَقُولُونَ: مرْحَبًا بِالرِّيحِ الطّيبَة وَالروح الطّيب اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ روحاً وصل عَلَيْهِ جسداً خرجت مِنْهُ فيصعدون بهَا وَللَّه خلق فِي الْهَوَاء لَا يعلم عدتهمْ إِلَّا هُوَ فيفوح لَهَا فيهم ريح أطيب من الْمسك فيصلون عَلَيْهَا ويتباشرون بهَا وَيفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وَيُصلي عَلَيْهَا كل ملك فِي كل سَمَاء تمر بِهِ حَتَّى توقف بَين يَدي الْملك الْجَبَّار فَيَقُول الْجَبَّار عز وَجل: مرْحَبًا بِالنَّفسِ الطّيبَة وبجسد خرجت مِنْهُ وَإِذا قَالَ الرب عز وَجل للشَّيْء: مرْحَبًا
رحب لَهُ كل شَيْء وَذهب عَنهُ كل ضيق ثمَّ يَقُول: اذْهَبُوا بِهَذِهِ النَّفس الطّيبَة فادخلوها الْجنَّة وأروها مقعدها واعرضوا عَلَيْهَا مَا أعد لَهَا من النَّعيم والكرامة ثمَّ اهبطوا بهَا إِلَى الأَرْض فَإِنِّي قضيت أَنِّي مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى فو الَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ هِيَ أَشد كَرَاهَة لِلْخُرُوجِ مِنْهَا حِين كَانَت تخرج من الْجَسَد وَتقول: ايْنَ تذهبون بِي إِلَى ذَلِك الْجَسَد الَّذِي كنت فِيهِ فَيَقُولُونَ: إنّا مأمورون بِهَذَا فَلَا بُد لَك مِنْهُ
فيهبطون بِهِ على قدر فراغهم من غسله وأكفانه فَيدْخلُونَ ذَلِك الرّوح بَين الْجَسَد وأكفانه فَمَا خلق الله تَعَالَى كلمة تكلم بهَا حميم وَلَا غير حميم إِلَّا وَهُوَ يسْمعهَا إِلَّا أَنه لَا يُؤذن لَهُ فِي الْمُرَاجَعَة فَلَو سمع أَشد النَّاس لَهُ حبا وَمن أعزهم كَانَ عَلَيْهِ يَقُول: على رسلكُمْ مَا يعجلكم وَأذن لَهُ فِي الْكَلَام للعنه وَإنَّهُ يسمع خَفق نعَالهمْ ونفض أَيْديهم إِذا ولوا عَنهُ
ثمَّ يَأْتِيهِ عِنْد ذَلِك ملكان فظان غليظان يسميان مُنْكرا ونكيراً ومعهما عَصا من حَدِيد لَو اجْتمع عَلَيْهَا الْجِنّ والانس مَا أَقلوهَا وَهِي عَلَيْهِمَا يسير فَيَقُولَانِ لَهُ: أقعد بِإِذن الله فَإِذا هُوَ مستو قَاعِدا فَينْظر عِنْد ذَلِك إِلَى خلق كريه فظيع ينسيه مَا كَانَ رأى عِنْد مَوته
فَيَقُولَانِ لَهُ من رَبك فَيَقُول: الله
فَيَقُولَانِ: فَمَا دينك فَيَقُول: الإِسلام ثمَّ ينتهرانه عِنْد ذَلِك انتهارة شَدِيدَة ثمَّ يَقُولَانِ: فَمن نبيك فَيَقُول: مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويعرق عِنْد ذَلِك عرقاً يبتل مَا تَحْتَهُ من التُّرَاب وَيصير ذَلِك(3/319)
الْعرق أطيب من ريح الْمسك وينادي عِنْد ذَلِك من السَّمَاء نِدَاء خفِيا صدق عَبدِي فلينفعه صدقه ثمَّ يفسح لَهُ فِي قَبره مد بَصَره ويتبذله فِيهِ الريحان وَيسْتر بالحرير فَإِن كَانَ مَعَه من الْقُرْآن شَيْء كَفاهُ نوره وَإِن لم يكن مَعَه جعل لَهُ نور مثل الشَّمْس فِي قَبره وَيفتح لَهُ أَبْوَاب وكوى إِلَى الْجنَّة فَينْظر إِلَى مَقْعَده مِنْهَا مِمَّا كَانَ عاين حِين صعد بِهِ ثمَّ يُقَال: نم قرير الْعين فَمَا نَومه ذَلِك إِلَى يَوْم يقوم إِلَّا كنومة ينامها أحدكُم شهية لم يرو مِنْهَا يقوم وَهُوَ يمسح عَيْنَيْهِ فَكَذَلِك نَومه فِيهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَإِن كَانَ غير ذَلِك إِذا نزل بِهِ ملك الْمَوْت صف لَهُ سماطان من الْمَلَائِكَة نظموا مَا بَين الْخَافِقين فيخطف بَصَره إِلَيْهِم مَا يرى غَيرهم وَإِن كُنْتُم ترَوْنَ أَنه ينظر إِلَيْكُم ويشدد عَلَيْهِ وَإِن كُنْتُم ترَوْنَ أَنه يهون عَلَيْهِ فيلعنونه ويقولن: أَخْرِجِي أيتها النَّفس الخبيثة فقد أعد الله لَك من النكال والنقمة وَالْعَذَاب كَذَا وَكَذَا سَاءَ مَا قدمت لنَفسك وَلَا يزالون يسلونها فِي غضب وتعب وَغلظ وَشدَّة من كل ظفر وعضو وَيَمُوت الأول فَالْأول وتنشط نَفسه كَمَا يصنع السفود ذُو الشّعب بالصوف حَتَّى تقع الرّوح فِي ذقنه فلهي أَشد كَرَاهِيَة لِلْخُرُوجِ من الْوَلَد حِين يخرج من الرَّحِم مَعَ مَا يُبَشِّرُونَهُ بأنواع النكال وَالْعَذَاب حَتَّى تبلغ ذقنه فَلَيْسَ مِنْهُم ملك إِلَّا وَهُوَ يتحاماه كَرَاهِيَة لَهُ فيتولى قبضهَا ملك الْمَوْت الَّذِي وكل بهَا فيتلقاها أَحْسبهُ قَالَ: بِقطعِهِ من بجاد أنتن مَا خلق الله وأخشنه فَيلقى فِيهَا ويفوح لَهَا ريح أنتن مَا خلق الله ويسد ملك الْمَوْت مَنْخرَيْهِ ويسدون آنافهم وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ العنها من روح والعنه جسداً خرجت مِنْهُ فَإِذا صعد بهَا غلقت أَبْوَاب السَّمَاء دونهَا فيرسلها ملك الْمَوْت فِي الْهَوَاء حَتَّى إِذا دنت من الأَرْض انحدر مسرعاً فِي أَثَرهَا فيقبضها بحديدة مَعَه يفعل بهَا ذَلِك ثَلَاث مَرَّات ثمَّ تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمن يُشْرك بِاللَّه فَكَأَنَّمَا خرّ من السَّمَاء فتخطفه الطير أَو تهوي بِهِ الرّيح فِي مَكَان سحيق} الْحَج الْآيَة 31 والسحيق الْبعيد
ثمَّ يَنْتَهِي بهَا فتوقف بَين يَدي الْملك الْجَبَّار فَيَقُول: لَا مرْحَبًا بِالنَّفسِ الخبيثة وَلَا بجسد خرجت مِنْهُ ثمَّ يَقُول: انْطَلقُوا بهَا إِلَى جَهَنَّم فأروها مقعدها مِنْهَا واعرضوا عَلَيْهَا مَا أَعدَدْت لَهَا من الْعَذَاب والنقمة والنكال
ثمَّ يَقُول الرب: اهبطو بهَا إِلَى الأَرْض فَإِنِّي قضيت أَنِّي مِنْهَا خلقتهمْ وفيهَا أعيدهم وَمِنْهَا أخرجهم تَارَة أُخْرَى
فيهبطون بهَا على قدر فراغهم مِنْهَا فَيدْخلُونَ(3/320)
ذَلِك الرّوح بَين جسده وأكفانه فَمَا خلق الله حميماً وَلَا غير حميم من كلمة يتَكَلَّم بهَا إِلَّا وَهُوَ يسْمعهَا إِلَّا أَنه لَا يُؤذن لَهُ فِي الْمُرَاجَعَة فَلَو سمع أعز النَّاس عَلَيْهِ وأحبهم إِلَيْهِ يَقُول: أخرجُوا بِهِ وعجلوا وَأذن لَهُ فِي الْمُرَاجَعَة للعنه
وود أَنه ترك كَمَا هُوَ لَا يبلغ بِهِ حفرته إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
فَإِذا دخل قَبره جَاءَهُ ملكان أسودان أزرقان فظان غليظان ومعهما مرزبة من حَدِيد وسلاسل وأغلال ومقامع الْحَدِيد فَيَقُولَانِ لَهُ: أقعد بِإِذن الله
فَإِذا هُوَ مستوٍ قَاعد سَقَطت عَنهُ أَكْفَانه وَيرى عِنْد ذَلِك خلقا فظيعاً ينسى بِهِ مَا رأى قبل ذَلِك فَيَقُولَانِ لَهُ: من رَبك فَيَقُول: أَنْت
فيفزعان عِنْد ذَلِك فزعة ويقبضان ويضربانه ضَرْبَة بِمِطْرَقَةٍ الْحَدِيد فَلَا يبْقى مِنْهُ عُضْو إِلَّا وَقع على حِدة فَيَصِيح عِنْد ذَلِك صَيْحَة فَمَا خلق الله من شَيْء ملك أَو غَيره إِلَّا يسْمعهَا إِلَّا الْجِنّ والإِنس فيلعنونه عِنْد ذَلِك لعنة وَاحِدَة وَهُوَ قَوْله {أُولَئِكَ يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون} الْبَقَرَة الْآيَة 159 وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَو اجْتمع على مطرقتهما الْجِنّ والإِنس مَا أَقلوهَا وَهِي عَلَيْهِمَا يسير ثمَّ يَقُولَانِ عد بِإِذن الله فَإِذا هُوَ مستو قَاعد فَيَقُولَانِ: من رَبك فَيَقُول: لَا أَدْرِي
فَيَقُولَانِ: فَمن نبيك فَيَقُول: سَمِعت النَّاس يَقُولُونَ مُحَمَّد
فَيَقُولَانِ: فَمَا تَقول أَنْت فَيَقُول: لَا أَدْرِي
فَيَقُولَانِ: لَا دَريت
ويعرق عِنْد ذَلِك عرقاً يبتل مَا تَحْتَهُ من التُّرَاب فَلَهو أنتن من الجيفة فِيكُم ويضيق عَلَيْهِ قَبره حَتَّى تخْتَلف أضلاعه فَيَقُولَانِ لَهُ: نم نومَة المسهر
فَلَا يزَال حيات وعقارب أَمْثَال أَنْيَاب البخت من النَّار ينهشنه ثمَّ يفتح لَهُ بَابه فَيرى مَقْعَده من النَّار وتهب عَلَيْهِ أرواحها وسمومها وتلفح وَجهه النَّار غدوّاً وعشياً إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {غَمَرَات الْمَوْت} قَالَ: سَكَرَات الْمَوْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم} قَالَ: هَذَا عِنْد الْمَوْت
والبسط الضَّرْب
يضْربُونَ وُجُوههم وأدبارهم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم} قَالَ: ملك الْمَوْت عَلَيْهِ السَّلَام(3/321)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم} قَالَ: بِالْعَذَابِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن قيس قَالَ: إِن لملك الْمَوْت أعوانا من الْمَلَائِكَة ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب قَالَ: إِن الْمَلَائِكَة الَّذين يقرنون بِالنَّاسِ هم الَّذين يتفونهم ويكتبون لَهُم آجالهم فَإِذا كَانَ يَوْم كَذَا وَكَذَا توفته ثمَّ نزع {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم أخرجُوا أَنفسكُم} فَقيل لوهب: أَلَيْسَ قد قَالَ الله {قل يتوفاكم ملك الْمَوْت الَّذِي وكل بكم} السَّجْدَة الْآيَة 11 قَالَ: نعم إِن الْمَلَائِكَة إِذا توفوا نفسا دفعوها إِلَى ملك الْمَوْت وَهُوَ كالعاقب - يَعْنِي العشار - الَّذِي يُؤَدِّي إِلَيْهِ من تَحْتَهُ
وَأخرج الطستي وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْوَقْف والابتداء عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {عَذَاب الْهون} قَالَ: الهوان الدَّائِم الشَّديد
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: أَنا وجدنَا بِلَاد الله واسعه تنجى من الذل والمخزات والهون وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {عَذَاب الْهون} قَالَ: الهوان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {عَذَاب الْهون} قَالَ: الَّذِي يهينهم
- الْآيَة (94)(3/322)
وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (94)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ النَّضر بن الْحَارِث: سَوف تشفع لي اللات والعزى فَنزلت {وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى} الْآيَة كلهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة
أَنَّهَا قَرَأت قَول الله {وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة} فَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: يَا رَسُول الله واسوأتاه
إِن الرِّجَال وَالنِّسَاء سيحشرون جَمِيعًا ينظر بَعضهم إِلَى سوأة بعض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكل امرىء مِنْهُم يَوْمئِذٍ شَأْن يُغْنِيه لَا ينظر الرِّجَال إِلَى النِّسَاء وَلَا النِّسَاء إِلَى الرِّجَال شغل بَعضهم عَن بعض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة} قَالَ: كَيَوْم ولد يرد عَلَيْهِ كل شَيْء نقص مِنْهُ من يَوْم ولد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة حشر النَّاس حُفَاة عُرَاة غرلًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {وتركتم مَا خوّلناكم} قَالَ: من المَال والخدم {وَرَاء ظهوركم} قَالَ: فِي الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يُؤْتى بِابْن آدم يَوْم الْقِيَامَة كَأَنَّهُ بذخ فَيَقُول لَهُ تبَارك وَتَعَالَى: أَيْن مَا جمعت فَيَقُول لَهُ يَا رب جمعته وَتركته أوفر مَا كَانَ
فَيَقُول: فَأَيْنَ مَا قدمت لنَفسك فَلَا يرَاهُ قدم شَيْئا وتلا هَذِه الْآيَة {وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة وتركتم مَا خوّلناكم وَرَاء ظهوركم}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن بُرَيْدَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: كَانَ عِنْد ابْن زِيَاد أَبُو الْأسود الديلمي وَجبير بن حَيَّة الثَّقَفِيّ فَذكرُوا هَذَا الْحَرْف (لقد تقطع بَيْنكُم) فَقَالَ أَحدهمَا: بيني وَبَيْنك أول من يدْخل علينا فَدخل يحيى بن يعمر فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: بَيْنكُم بِالرَّفْع
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْأَعْرَج أَنه قَرَأَ (لقد تقطع بَيْنكُم) بِالرَّفْع يَعْنِي وصلكم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن رَضِي الله عَنهُ أَنه قَرَأَ (لقد تقطع بَيْنكُم) بِالنّصب أَي مَا بَيْنكُم من المواصلة الَّتِي كَانَت بَيْنكُم فِي الدُّنْيَا(3/323)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ (لقد تقطع بَيْنكُم) قَالَ: مَا كَانَ بَينهم من الْوَصْل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: لما تزوج عمر رَضِي الله عَنهُ أم كُلْثُوم رَضِي الله عَنْهَا بنت عَليّ اجْتمع عَلَيْهِ أَصْحَابه فباركوا لَهُ دعوا لَهُ فَقَالَ: لقد تَزَوَّجتهَا وَمَا بِي حَاجَة إِلَى النِّسَاء وَلَكِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن كل نسب وَسبب يَنْقَطِع يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا سببي ونسبي فاحببت أَن يكون بيني وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {لقد تقطع بَيْنكُم وضل عَنْكُم مَا كُنْتُم تَزْعُمُونَ} يَعْنِي الْأَرْحَام والمنازل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {لقد تقطع بَيْنكُم} قَالَ: تواصلكم فِي الدُّنْيَا
- الْآيَة (95)(3/324)
إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله {فالق الْحبّ والنوى} يَقُول: خلق الْحبّ والنوى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فالق الْحبّ والنوى} قَالَ: يفلق الْحبّ والنوى عَن النَّبَات
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فالق الْحبّ والنوى} قَالَ: الشقان اللَّذَان فيهمَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فالق الْحبّ والنوى} قَالَ: الشق الَّذِي فِي النواة وَالْحِنْطَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله {فالق الْحبّ والنوى} قَالَ: فالق الْحبَّة عَن السنبلة وفالق النواة عَن النَّخْلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك رَضِي الله عَنهُ(3/324)
فِي قَوْله {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت} قَالَ: النَّخْلَة من النواة والسنبلة من الْحبَّة {ومخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} قَالَ: النواة من النَّخْلَة والحبة من السنبلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت ومخرج الْمَيِّت من الْحَيّ} قَالَ: النَّاس الْأَحْيَاء من النطف والنطفة ميتَة تخرج من النَّاس الْأَحْيَاء وَمن الْأَنْعَام والنبات كَذَلِك أَيْضا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَأنى تؤفكون} قَالَ: كَيفَ تكذبون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {فَأنى تؤفكون} قَالَ: أَنى تصرفون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {فَأنى تؤفكون} قَالَ: كَيفَ تضل عقولكم عَن هَذَا
- الْآيَة (96)(3/325)
فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فالق الإصباح} قَالَ: خلق اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فالق الإصباح} قَالَ: يَعْنِي بالاصباح ضوء الشَّمْس بِالنَّهَارِ وضوء الْقَمَر بِاللَّيْلِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فالق الإصباح} قَالَ: اضاءة الْفجْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فالق الإصباح} قَالَ: فالق الصُّبْح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فالق الإصباح} قَالَ: فالق النُّور نور النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَجعل اللَّيْل سكناً} قَالَ: يسكن فِيهِ كل طير ودابة(3/325)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسبانا} قَالَ: يَعْنِي عدد الْأَيَّام والشهور والسنين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسباناً} قَالَ: يدوران فِي حِسَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {حسباناً} قَالَ: ضِيَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الرّبيع فِي قَوْله {وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسباناً} قَالَ: الشَّمْس وَالْقَمَر فِي حِسَاب فَإِذا خلت أَيَّامهَا فَذَلِك آخر الدَّهْر وَأول الْفَزع الْأَكْبَر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة بِسَنَد واهٍ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خلق الله بحراً دون السَّمَاء بِمِقْدَار ثَلَاث فراسخ فَهُوَ موج مكفوف قَائِم فِي الْهَوَاء بِأَمْر الله لَا يقطر مِنْهُ قَطْرَة جَار فِي سرعَة السهْم تجْرِي فِيهِ الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم فَذَلِك قَوْله {كل فِي فلك يسبحون} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 33 والفلك دوران العجلة فِي لجة غمر ذَلِك الْبَحْر فَإِذا أحب الله أَن يحدث الْكُسُوف خرت الشَّمْس عَن العجلة فَتَقَع فِي غمر ذَلِك الْبَحْر فَإِذا أَرَادَ أَن يعظم الْآيَة وَقعت كلهَا فَلَا يبْقى على العجلة مِنْهَا شَيْء وَإِذا أَرَادَ دون ذَلِك وَقع النّصْف مِنْهَا أَو الثُّلُث أَو الثُّلُثَانِ فِي المَاء وَيبقى سَائِر ذَلِك على العجلة وَصَارَت الْمَلَائِكَة الموكلين بهَا فرْقَتَيْن فرقة يقبلُونَ على الشَّمْس فيجرونها نَحْو العجلة وَفرْقَة يقبلُونَ إِلَى العجلة فيجرونها إِلَى الشَّمْس فَإِذا غربت رفع بهَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة فِي سرعَة طيران الْمَلَائِكَة وتحبس تَحت الْعَرْش فَتَسْتَأْذِن من أَيْن تُؤمر بالطلوع ثمَّ ينْطَلق بهَا مَا بَين السَّمَاء السَّابِعَة وَبَين أَسْفَل دَرَجَات الْجنان فِي سرعَة طيران الْمَلَائِكَة فتنحدر حِيَال الْمشرق من سَمَاء إِلَى سَمَاء فَإِذا وصلت إِلَى هَذِه السَّمَاء فَذَلِك حِين ينفجر الصُّبْح فَإِذا وصلت إِلَى هَذَا الْوَجْه من السَّمَاء فَذَلِك حِين تطلق الشَّمْس قَالَ: وَخلق الله عِنْد الْمشرق حِجَابا من الظلمَة فوضعها على الْبَحْر السَّابِع مِقْدَار عدَّة اللَّيَالِي فِي الدُّنْيَا مُنْذُ خلقهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَإِذا كَانَ عِنْد غرُوب الشَّمْس أقبل ملك قد وكل بِاللَّيْلِ فَقبض قَبْضَة من ظلمَة ذَلِك الْحجاب ثمَّ يسْتَقْبل الغرب فَلَا يزَال يُرْسل تِلْكَ الظلمَة من خلل أَصَابِعه قَلِيلا قَلِيلا وَهُوَ يُرَاعِي الشَّفق فَإِذا غَابَ الشَّفق أرسل الظلمَة كلهَا ثمَّ ينشر جناحيه فيبلغان قطري الأَرْض وكنفي السَّمَاء(3/326)
فتشرق ظلمَة اللَّيْل بجناحيه فَإِذا حَان الصُّبْح ضم جنَاحه ثمَّ يضم الظلمَة كلهَا بَعْضهَا إِلَى بعض بكفيه من الْمشرق ويضعها على الْبَحْر السَّابِع بالمغرب
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ بِسَنَد واه عَن سلمَان قَالَ: اللَّيْل مُوكل بِهِ ملك يُقَال لَهُ شراهيل: فَإِذا حَان وَقت اللَّيْل أَخذ خرزة سَوْدَاء فدلاها من قبل الْمغرب فَإِذا نظرت إِلَيْهَا الشَّمْس وَجَبت فِي أسْرع من طرفَة الْعين وَقد أمرت الشَّمْس أَن لَا تغرب حَتَّى ترى الخرزة فَإِذا غربت جَاءَ اللَّيْل فَلَا تزَال الخرزة معلقَة حَتَّى يَجِيء ملك آخر يُقَال لَهُ هراهيل بخرزة بَيْضَاء فيعلقها من قبل المطلع فَإِذا رَآهَا شراهيل مد إِلَيْهِ خرزته وَترى الشَّمْس الخرزة الْبَيْضَاء فَتَطلع وَقد وَقد أمرت أَن لاتطلع حَتَّى ترَاهَا فَإِذا طلعت جَاءَ النَّهَار
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب عباد الله إِلَى الله الَّذين يراعون الشَّمْس وَالْقَمَر لذكر الله
وَأخرج الْخَطِيب فِي كتاب النُّجُوم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب عباد الله إِلَى الله رعاء الشَّمْس وَالْقَمَر الَّذين يحببون عباد الله إِلَى الله وَيُحَبِّبُونَ الله إِلَى عباده
وَأخرج ابْن شاهين وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم والخطيب عَن عبد الله بن أبي أوفى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن خِيَار عباد الله الَّذين يراعون الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والاظلة لذكر الله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد والخطيب عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: إِن أحب عباد الله إِلَى الله لرعاة الشَّمْس وَالْقَمَر
وَأخرج الْحَاكِم فِي تَارِيخه والديلمي بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله
التَّاجِر الامين والإِمام المقتصد وراعي الشَّمْس بِالنَّهَارِ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي زَوَائِد الزّهْد عَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: سَبْعَة فِي ظلّ الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله
رجل لَقِي أَخَاهُ فَقَالَ: إِنِّي أحبك فِي الله وَقَالَ الآخر مثل ذَلِك وَرجل ذكر الله فَفَاضَتْ عَيناهُ من مَخَافَة الله وَرجل يتَصَدَّق بِيَمِينِهِ يخفيها من شِمَاله وَرجل دَعَتْهُ أمراة ذَات حسب وجمال إِلَى نَفسهَا فَقَالَ إِنِّي أَخَاف الله وَرجل قلبه مُعَلّق بالمساجد من حبها وَرجل يُرَاعِي الشَّمْس لمواقيت الصَّلَاة وَرجل إِن تكلم تكلم بِعلم وَإِن سكت سكت على حلم(3/327)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُسلم بن يسَار قَالَ: كَانَ دُعَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ فالق الأصباح وجاعل اللَّيْل سكناً وَالشَّمْس وَالْقَمَر حسباناً اقضِ عني الدّين واغني من الْفقر وأمتعني بسمعي وبصري وقوتي فِي سَبِيلك
- الْآيَة (97 - 98)(3/328)
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَهُوَ الَّذِي جعل لكم النُّجُوم لتهتدوا بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر} قَالَ: يضل الرجل وَهُوَ الظلمَة والجور عَن الطَّرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر والخطيب فِي كتاب النُّجُوم عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: تعلمُوا من النُّجُوم مَا تهتدون بِهِ فِي بركم وبحركم ثمَّ امسكوا فَإِنَّهَا وَالله مَا خلقت إِلَّا زِينَة للسماء ورجوماً للشياطين وعلامات يهتدى بهَا وتعلموا من النِّسْبَة مَا تصلونَ بِهِ أَرْحَامكُم وتعلموا مَا يحل لكم من النِّسَاء وَيحرم عَلَيْكُم ثمَّ امسكوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ والخطيب فِي كتاب النُّجُوم عَن قَتَادَة قَالَ: إِن الله إِنَّمَا جعل هَذِه النُّجُوم لثلاث خِصَال
جعلهَا زِينَة للسماء وَجعلهَا يَهْتَدِي بهَا وَجعلهَا رجوماً للشياطين فَمن تعاطى فِيهَا غير ذَلِك فقد قَالَ رَأْيه وَأَخْطَأ حَظه وأضاع نصِيبه وتكلف مَا لَا علم لَهُ بِهِ وَإِن نَاسا جهلة بِأَمْر الله قد أَحْدَثُوا فِي هَذِه النُّجُوم كهَانَة من أعرس بِنَجْم كَذَا وَكَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَمن سَافر بِنَجْم كَذَا وَكَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا ولعمري مَا من نجم إِلَّا يُولد بِهِ الْأَحْمَر وَالْأسود والطويل والقصير وَالْحسن والدميم وَلَو أَن أحدا علم الْغَيْب لعلمه آدم الَّذِي خلقه الله بِيَدِهِ وأسجد لَهُ مَلَائكَته وَعلمه أَسمَاء كل شَيْء
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعلمُوا من النُّجُوم مَا تهتدون بِهِ فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر ثمَّ انْتَهوا(3/328)
وَأخرج الْخَطِيب عَن مُجَاهِد قَالَ: لَا بَأْس أَن يتَعَلَّم الرجل من النُّجُوم مَا يَهْتَدِي بِهِ فِي الْبر وَالْبَحْر ويتعلم منَازِل الْقَمَر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم والمرهبي فِي فضل الْعلم عَن حميد الشَّامي قَالَ: النُّجُوم هِيَ علم آدم عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج المرهبي عَن الْحسن بن صَالح قَالَ: سَمِعت عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: ذَلِك علم ضيعه النَّاس النُّجُوم
وَأخرج الْخَطِيب عَن عِكْرِمَة
أَنه سَأَلَ رجلا عَن حِسَاب النُّجُوم وَجعل الرجل يتحرج أَن يُخبرهُ فَقَالَ عِكْرِمَة: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: علم عجز النَّاس عَنهُ وددت أَنِّي عَلمته قَالَ الْخَطِيب: مُرَاده الضَّرْب الْمُبَاح الَّذِي كَانَت الْعَرَب تخْتَص بِهِ
وَأخرج الزبير بن بكار فِي المفقيات عَن عبد الله بن حَفْص قَالَ: خصت الْعَرَب بخصال بالكهانة والقيافة والعيافة والنجوم والحساب فهدم الإِسلام الكهانة وَثَبت الْبَاقِي بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن الْقرظِيّ قَالَ: وَالله مَا لأحد من أهل الأَرْض فِي السَّمَاء من نجم وَلَكِن يتبعُون الكهنة وْيتخذون النُّجُوم عِلّة
وَأخرج أَبُو دَاوُد والخطيب عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَنه خطب فَذكر حَدِيثا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ أما بعد فَإِن نَاسا يَزْعمُونَ أَن كسوف الشَّمْس وكسوف هَذَا الْقَمَر وَزَوَال هَذِه النُّجُوم عَن موَاضعهَا لمَوْت رجال عُظَمَاء من أهل الأَرْض وَإِنَّهُم قد كذبُوا وَلكنهَا آيَات من آيَات الله يعْتَبر بهَا عباده لينْظر من يحدث لَهُ مِنْهُم تَوْبَة
وَأخرج الْخَطِيب عَن عمر بن الْخطاب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا تسألوا عَن النُّجُوم وَلَا تفسروا الْقُرْآن برأيكم وَلَا تسبوا أحدا من أَصْحَابِي فَإِن ذَلِك الايمان الْمَحْض
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن عَليّ قَالَ نهاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النّظر فِي النُّجُوم وَأَمرَنِي باسباغ الطّهُور
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والمرهبي والخطيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النّظر فِي النُّجُوم(3/329)
وَأخرج الْخَطِيب عَن عَائِشَة قَالَت نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النّظر فِي النُّجُوم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية والخطيب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر أَصْحَابِي فامسكوا وَإِذا ذكر الْقدر فامسكوا وَإِذا ذكر النُّجُوم فامسكوا
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن مرْدَوَيْه والخطيب عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخَاف على أمتِي خَصْلَتَيْنِ تَكْذِيبًا بِالْقدرِ وَتَصْدِيقًا بالنجوم وَفِي لفظ: وحذقا بالنجوم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وأبوداود وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اقتبس علما من النُّجُوم أقتبس شُعْبَة من السحر زَاد مَا زَاد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة والخطيب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن قوما مَا ينظرُونَ فِي النُّجُوم وَيَحْسبُونَ ابراجاً وَمَا أرى الَّذين يَفْعَلُونَ ذَلِك من خلاق
وَأخرج الْخَطِيب عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس أوصني
قَالَ: أوصيك بتقوى الله وَإِيَّاك وَعلم النُّجُوم فَإِنَّهُ يدعوا إِلَى الكهانة وَإِيَّاك أَن تذكر أحدا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِخَير فَيُكِبُّكَ الله على وَجهك فِي جَهَنَّم فَإِن الله أظهر بهم هَذَا الدّين وَإِيَّاك وَالْكَلَام فِي الْقدر فَإِنَّهُ مَا تكلم فِيهِ اثْنَان إِلَّا اثماً أَو اثم أَحدهمَا
وَأخرج الْخَطِيب فِي كتاب النُّجُوم بِسَنَد ضعفه عَن عَطاء قَالَ: قيل لعَلي بن أبي طَالب: هَل كَانَ للنجوم أصل قَالَ: نعم كَانَ نَبِي من الْأَنْبِيَاء يُقَال لَهُ يُوشَع بن نون
فَقَالَ لَهُ قومه: انا لَا نؤمن بك حَتَّى تعلمنا بَدْء الْخلق وآجاله فَأوحى الله تَعَالَى إِلَى غمامة فأمطرتهم واستنقع على الْجَبَل مَاء صافياً ثمَّ أوحى الله إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم أَن تجْرِي فِي ذَلِك المَاء ثمَّ أوحى إِلَى يُوشَع بن نون أَن يرتقي هُوَ وَقَومه على الْجَبَل فارتقوا الْجَبَل فَقَامُوا على المَاء حَتَّى عرفُوا بَدْء الْخلق وآجاله بمجاري الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وساعات اللَّيْل وَالنَّهَار فَكَانَ أحدهم يعلم مَتى يَمُوت وَمَتى يمرض وَمن ذَا الَّذِي يُولد لَهُ وَمن الَّذِي لَا يُولد لَهُ
قَالَ: فبقوا كَذَلِك بُرْهَة من دهرهم ثمَّ إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَاتلهم على الْكفْر فأخرجوا إِلَى دَاوُد فِي الْقِتَال من لم يحضر أَجله وَمن حضر أَجله خلفوه فِي بُيُوتهم(3/330)
فَكَانَ يقتل من أَصْحَاب دَاوُد وَلَا يقتل من هَؤُلَاءِ أحد فَقَالَ دَاوُد رب هَا أَنا أقَاتل على طَاعَتك وَيُقَاتل هَؤُلَاءِ على معصيتك فَيقْتل أَصْحَابِي وَلَا يقتل من هَؤُلَاءِ أحد فَأوحى الله إِلَيْهِ: أَنِّي كنت عَلَّمْتهمْ بَدْء الْخلق وآجاله وَإِنَّمَا أخرجُوا إِلَيْك من لم يحضر أَجله وَمن حضر أَجله خلفوه فِي بُيُوتهم فَمن ثمَّ يقتل من أَصْحَابك وَلَا يقتل مِنْهُم أحد
قَالَ دَاوُد: يَا رب على مَاذَا عَلَّمْتهمْ قَالَ: على مجاري الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وساعات اللَّيْل وَالنَّهَار فَدَعَا الله فحبست الشَّمْس عَلَيْهِم فَزَاد فِي النَّهَار فاختلطت الزِّيَادَة بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَلم يعرفوا قدر الزِّيَادَة فاختلط عَلَيْهِم حسابهم
قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: فَمن ثمَّ كره النّظر فِي النُّجُوم
وَأخرج المرهبي فِي فضل الْعلم عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما فتح الله على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر دَعَا بقوسه واتكأ على سيتها وَحمد الله وَذكر مَا فتح الله على نبيه وَنَصره وَنهى عَن خِصَال: عَن مهر الْبَغي وَعَن خَاتم الذَّهَب وَعَن المياثر الْحمر وَعَن لبس الثِّيَاب القسي وَعَن ثمن الْكَلْب وَعَن أكل لُحُوم الْحمر الْأَهْلِيَّة وَعَن الصّرْف الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ بَينهمَا فضل وَعَن النّظر فِي النُّجُوم
وَأخرج المرهبي عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: لَا تعلم النُّجُوم فانها تَدْعُو إِلَى الكهانة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق الْحسن عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقد طهر الله هَذِه الجزيرة من الشّرك مَا لم تضلهم النُّجُوم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن متعلم حُرُوف أبي جاد وَرَاء فِي النُّجُوم لَيْسَ لَهُ عِنْد الله خلاق يَوْم الْقِيَامَة
أما قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة}
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نصب آدم بَين يَدَيْهِ ثمَّ ضرب كتفه الْيُسْرَى فَخرجت ذُريَّته من صلبه حَتَّى ملأوا الأَرْض
قَوْله تَعَالَى: {فمستقر ومستودع}
- أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله(3/331)
{فمستقر ومستودع} قَالَ: المستقر مَا كَانَ فِي الرَّحِم والمستودع مَا استودع فِي أصلاب الرِّجَال وَالدَّوَاب
وَفِي لفظ: المستقر مَا فِي الرَّحِم وعَلى ظهر الأَرْض وبطنها مِمَّا هُوَ حَيّ وَمِمَّا قد مَاتَ
وَفِي لفظ: المستقر مَا كَانَ فِي الأَرْض والمستودع مَا كَانَ فِي الصلب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {فمستقر ومستودع} قَالَ: مستقرها فِي الدُّنْيَا ومستودعها فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: المستقر الرَّحِم والمستودع الْمَكَان الَّذِي تَمُوت فِيهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا كَانَ أجل الرجل بِأَرْض أتيحت لَهُ إِلَيْهَا الْحَاجة فَإِذا بلغ أقْصَى أَثَره قبض
فَتَقول الأَرْض يَوْم الْقِيَامَة: هَذَا مَا استودعتني
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فمستقر ومستودع} قَالَ: قَالَا: مُسْتَقر فِي الْقَبْر ومستودع فِي الدُّنْيَا أوشك أَن يلْحق بصاحبة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عَوْف قَالَ: بَلغنِي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أنبئت بِكُل مُسْتَقر ومستودع من هَذِه الْأمة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَمَا علم آدم الْأَسْمَاء كلهَا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من اشْتَكَى ضرسه فليضع يَده عَلَيْهِ وليقرأ {وَهُوَ الَّذِي أنشأكم من نفس وَاحِدَة} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم (فمستقر) بِنصب الْقَاف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَ لي ابْن عَبَّاس: أتزوجت قلت: لَا وَمَا ذَاك فِي نَفسِي الْيَوْم
قَالَ: إِن كَانَ فِي صلبك وَدِيعَة فستخرج
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد فصلنا الْآيَات} يَقُول: بَينا الأيات {لقوم يفقهُونَ}
- الْآيَة (99)(3/332)
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْبَراء بن عَازِب {قنوان دانية} قَالَ: قريبَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {قنوان دانية} قَالَ: قصار النّخل اللاصقة عذوقها بِالْأَرْضِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {قنوان} الكبائس والدانية المنصوبة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قنوان دانية} قَالَ: تهدل العذوق من الطّلع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قنوان} قَالَ: عذوق النّخل {دانية} قَالَ: متهدلة يَعْنِي متدلية
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {مشتبهاً وَغير متشابه} قَالَ: مشتبهاً ورقه مُخْتَلفا ثمره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي قَوْله {انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر} قَالَ: رطبه وعنبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ (انْظُرُوا إِلَى ثمره) بِنصب الثَّاء وَالْمِيم (وينعه) بِنصب الْيَاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُحَمَّد مسعر قَالَ: فرضا على النَّاس إِذا أخرجت الثِّمَار أَن يخرجُوا وينظروا إِلَيْهَا
قَالَ الله {انْظُرُوا إِلَى ثمره إِذا أثمر}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء {وينعه} قَالَ: نضجه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس {وينعه} قَالَ: نضجه
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وينعه} قَالَ: نضجه وبلاغه
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول: إِذا مَا مشت وسط النِّسَاء تأوّدت كَمَا اهتز غُصْن ناعم أنبت يَانِع(3/333)
- الْآيَة (100 - 102)(3/334)
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَجعلُوا لله شُرَكَاء الْجِنّ وخلقهم} قَالَ: وَالله خلقهمْ {وخرقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْر علم} قَالَ: تخرصوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وخرقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات} قَالَ: عَبَّاس فِي قَوْله {وخرقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات} قَالَ: جعلُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وخرقوا} قَالَ: كذبُوا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وخرقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات} قَالَ: قَالَت الْعَرَب: الْمَلَائِكَة بَنَات الله وَقَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى: الْمَسِيح وعُزير ابْنا الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وخرقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات} قَالَ: كذبُوا لَهُ أما الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: نَحن أَبنَاء الله وأحباؤه وَأما مُشْرِكُوا الْعَرَب فَكَانُوا يعْبدُونَ اللات والعزى فَيَقُولُونَ الْعُزَّى بَنَات الله {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يصفونَ} أَي عَمَّا يكذبُون
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وخرقوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَات} قَالَ: وصفوا لله بَنِينَ وَبَنَات افتراء عَلَيْهِ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت حسان بن ثَابت يَقُول: اخترق القَوْل بهَا لاهيا مُسْتَقْبلا أَشْعَث عذب الْكَلَام وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن يحيى بن يعمر
أَنه كَانَ يَقْرَأها {وَجعلُوا لله شُرَكَاء الْجِنّ وخلقهم} خَفِيفَة يَقُول: جعلُوا لله خلقهمْ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن
أَنه قَرَأَ {وخلقهم} مثقلة
يَقُول: هُوَ خلقهمْ(3/334)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: خرقوا مَا هُوَ إِنَّمَا خرقوا خَفِيفَة كَانَ الرجل إِذا كذب الكذبة فينادي الْقَوْم قيل: خرقها
- الْآيَة (103)(3/335)
لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم والعقيلي وَابْن عدي وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد ضَعِيف عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} قَالَ لَو أَن الإِنس وَالْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَالْمَلَائِكَة مُنْذُ خُلِقُوا إِلَى أَن فُنُوا صُفُّوا صفا وَاحِدًا مَا أحاطوا بِاللَّه أبدا
قَالَ الذَّهَبِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه واللالكائي فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رأى مُحَمَّد ربه
قَالَ عِكْرِمَة: فَقلت لَهُ: أَلَيْسَ الله يَقُول {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} قَالَ: لَا أم لَك
ذَاك نوره وَإِذا تجلى بنوره لَا يُدْرِكهُ شَيْء
وَفِي لفظ: إِنَّمَا ذَلِك إِذا تجلى بكيفيته لم يقم لَهُ بصر
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} قَالَ: لَا يُحِيط بصر أحد بِاللَّه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى ربه
فَقَالَ لَهُ رجل عِنْد ذَلِك: أَلَيْسَ قَالَ الله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} فَقَالَ لَهُ عِكْرِمَة أَلَسْت ترى السَّمَاء قَالَ: بلَى قَالَ: فَكلهَا تُرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} قَالَ: هُوَ أجلُّ من ذَلِك وَأعظم أَن تُدْرِكهُ الْأَبْصَار
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الرُّؤْيَة عَن الْحسن فِي قَوْله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} قَالَ: فِي الدُّنْيَا
وَقَالَ الْحسن: يرَاهُ أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة يَقُول الله {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} الْقِيَامَة الْآيَة 22 قَالَ: ينظرُونَ إِلَى وَجه الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} يَقُول: لَا يرَاهُ شَيْء وَهُوَ يرى الْخَلَائق(3/335)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن إِسْمَعِيل بن علية فِي قَوْله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ واللالكائي من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن مهْدي قَالَ: سَمِعت أَبَا الْحصين يحيى بن الْحصين قارىء أهل مَكَّة يَقُول {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} قَالَ: أبصار الْعُقُول
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريح فِي قَوْله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} قَالَ: قَالَت امْرَأَة: استشفع لي يَا رَسُول الله على رَبك قَالَ هَل تدرين على من تستشفعين إِنَّه مَلأ كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض ثمَّ جلس عَلَيْهِ فَمَا يفضل مِنْهُ من كل أَربع أَصَابِع ثمَّ قَالَ: إِن لَهُ أطيطا كأطيط الرحل الْجَدِيد فَذَلِك قَوْله {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار} يَنْقَطِع بِهِ بَصَره قبل أَن تبلغ أرجاء السَّمَاء زَعَمُوا أَن أول من يعلم بِقِيَام السَّاعَة الْجِنّ تذْهب فَإِذا ارجاؤها قد سَقَطت لَا تَجِد منفذاً تذْهب فِي الْمشرق وَالْمغْرب واليمن وَالشَّام
- الْآيَة (104 - 106)(3/336)
قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106)
- أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قد جَاءَكُم بصائر} أَي بَيِّنَة {فَمن أبْصر فلنفسه} أَي من اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لنَفسِهِ {وَمن عمي} أَي من ضل {فعلَيْهَا} وَالله أعلم
قَوْله تَعَالَى: {وليقولوا درست}
- أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف (دارست) بِالْألف مجزومة السِّين منتصبة التَّاء قَالَ: قارأت(3/336)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس درست قَالَ: قَرَأت وتعلمت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس (دارست) قَالَ: خَاصَمت جادلت تَلَوت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله (وليقولوا دارست) قَالَ: فاقهت وقرأت على يهود وقرأوا عَلَيْك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: سَمِعت عبد الله بن الزبير يَقُول: إِن صبياناً هَهُنَا يقرأون (دارست) وَإِنَّمَا هِيَ {درست} يَعْنِي بِفَتْح السِّين وَجزم التَّاء ويقرأون (وَحرم على قَرْيَة) (الْأَنْبِيَاء الْآيَة 59) وَإِنَّمَا هِيَ {وَحرَام} ويقرأون (فِي عين حمئة) وَإِنَّمَا هِيَ {حامية} قَالَ عَمْرو: وَكَانَ ابْن عَبَّاس يُخَالِفهُ فِيهِنَّ كُلهنَّ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ابْن كَعْب قَالَ: أَقْرَأَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وليقولوا درست} يَعْنِي بجزم السِّين وَنصب التَّاء
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس دارست يَقُول: قارأت الْيَهُود وفاقهتهم
وَفِي حرف أُبي وليقولوا درس أَي تعلم
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير عَن هرون قَالَ: فِي حرف أبيّ بن كَعْب وَابْن مَسْعُود (وليقولوا درس) يَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن زيد أَنه قَرَأَ {درست} قَالَ: علمت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي إِسْحَق الْهَمدَانِي قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (درست) بِغَيْر ألف بِنصب السِّين ووقف التَّاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن الْحسن
أَنه كَانَ يقْرَأ (وليقولوا درست) أَي انمحت وَذَهَبت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن
أَنه يقْرَأ (درست) مُشَدّدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ (أدارست) ويتمثل
دارس كطعم الصاب والعلقم(3/337)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس {وليقولوا درست} قَالُوا: قَرَأت وتعلمت تَقول ذَلِك لَهُ قُرَيْش
قَوْله تَعَالَى: {وَأعْرض عَن الْمُشْركين}
أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {وَأعْرض عَن الْمُشْركين} قَالَ: كف عَنْهُم وَهَذَا مَنْسُوخ نسخه الْقِتَال {فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التَّوْبَة الْآيَة 5
- الْآيَة (107)(3/338)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107)
- أخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَو شَاءَ الله مَا أشركوا} يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى: لَو شِئْت لجمعتهم على الْهدى أَجْمَعِينَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمَا أَنْت عَلَيْهِم بوكيل} أَي بحفيظ
- الْآيَة (108)(3/338)
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108)
- أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تسبوا الَّذين يدعونَ من دون الله} الْآيَة
قَالَ: قَالُوا: يَا مُحَمَّد لتنتهين عَن سبِّ أَو شتم آلِهَتنَا أَو لَنَهْجُوَنَّ ربَّك
فنهاهم الله أَن يسبوا أوثانهم {فيسبوا الله عدوا بِغَيْر علم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ لما حضر أَبَا طَالب الْمَوْت قَالَت قُرَيْش انْطَلقُوا فلندخل على هَذَا الرجل فلنأمره أَن يُنْهِي عَنَّا ابْن أَخِيه فانا نستحي أَن نَقْتُلهُ بعد مَوته فَتَقول الْعَرَب: كَانَ يمنعهُ
فَلَمَّا مَاتَ قَتَلُوهُ فَانْطَلق أَبُو سُفْيَان وَأَبُو جهل وَالنضْر بن الْحَارِث وَأُميَّة وَأبي ابْنا خلف وَعقبَة بن أبي معيط وَعَمْرو(3/338)
بن العَاصِي وَالْأسود بن البخْترِي وبعثوا رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ الْمطلب فَقَالُوا: اسْتَأْذن لنا عَليّ أبي طَالب فَأتى أَبَا طَالب فَقَالَ: هَؤُلَاءِ مشيخة قَوْمك يُرِيدُونَ الدُّخُول عَلَيْك فَأذن لَهُم عَلَيْهِ فَدَخَلُوا فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالب أَنْت كَبِيرنَا وَسَيِّدنَا وَأَن مُحَمَّدًا قد آذَانا وآذى آلِهَتنَا فَنحب أَن تَدعُوهُ فتنهاه عَن ذكر آلِهَتنَا ولندعه وإلهه فَدَعَا فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالب: هَؤُلَاءِ قَوْمك وَبَنُو عمك
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يُرِيدُونَ قَالُوا: نُرِيد أَن تدعنا وَآلِهَتنَا ولندعك وَإِلَهك
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرَأَيْتُم أَن أَعطيتكُم هَذَا هَل أَنْتُم معطيّ كلمة إِن تكلمتم بهَا ملكتم بهَا الْعَرَب ودانت لكم بهَا الْعَجم الْخراج قَالَ أَبُو جهل: وَأَبِيك لنعطينكها وَعشرَة أَمْثَالهَا فَمَا هِيَ قَالَ: قُولُوا: لَا إِلَه إِلَّا الله فَأَبَوا واشمأزوا
قَالَ أَبُو طَالب: قل غَيرهَا فَإِن قَوْمك قد فزعوا مِنْهَا
قَالَ: يَا عَم مَا أَنا بِالَّذِي أَقُول غَيرهَا حَتَّى يَأْتُوا بالشمس فيضعوها فِي يَدي وَلَو أَتَوْنِي بالشمس فَوَضَعُوهَا فِي يَدي مَا قلت غَيرهَا إِرَادَة أَن يؤيسهم فغضبوا وَقَالُوا: لتكفن عَن شتم آلِهَتنَا أَو لنشتمك ونشتم من يَأْمُرك فَأنْزل الله {وَلَا تسبوا الَّذين يدعونَ من دون الله فيسبوا الله عدوا بِغَيْر علم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ يسبون أصنام الْكفَّار فيسب الْكفَّار الله فَأنْزل الله {وَلَا تسبوا الَّذين يدعونَ من دون الله}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {كَذَلِك زينا لكل أمة عَمَلهم} قَالَ: زين الله لكل أمة عَمَلهم الَّذِي يعْملُونَ بِهِ حَتَّى يموتوا عَلَيْهِ
- الْآيَة (109 - 111)(3/339)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)
- أخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أنزلت فِي قُرَيْش {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَتْهُم آيَة ليُؤْمِنن بهَا قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَمَا يشعركم} يَا معشر الْمُسلمين {أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} إِلَّا إِن يَشَاء الله فيجبرهم على الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ كلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُريْشًا فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد تخبرنا أَن مُوسَى كَانَ مَعَه عَصا يضْرب بهَا الْحجر وَأَن عِيسَى كَانَ يُحيي الْمَوْتَى وَأَن ثَمُود كَانَ لَهُم نَاقَة فأتنا من الْآيَات حَتَّى نصدقك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَي شَيْء تحبون أَن آتيكم بِهِ قَالُوا: تجْعَل لنا الصَّفَا ذَهَبا
قَالَ: فَإِن فعلت تصدقوني قَالُوا: نعم
وَالله لَئِن فعلت لنتبعنك أَجْمَعُونَ
فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدعوا فَجَاءَهُ جِبْرِيل فَقَالَ لَهُ: إِن شِئْت أصبح ذَهَبا
فَإِن لم يصدقُوا عِنْد ذَلِك لنعذبهم وَإِن شِئْت فاتركهم حَتَّى يَتُوب تائبهم فَقَالَ: بل يَتُوب تائبهم
فَأنْزل الله {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} إِلَى قَوْله {يجهلون}
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن جريح {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَتْهُم آيَة} فِي الْمُسْتَهْزِئِينَ هم الَّذين سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآيَة فَنزل فيهم {وأقسموا بِاللَّه} حَتَّى {وَلَكِن أَكْثَرهم يجهلون}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: الْقسم يَمِين ثمَّ قَرَأَ {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْقسم يَمِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم لَئِن جَاءَتْهُم آيَة ليُؤْمِنن بهَا} قَالَ: سَأَلت قُريْشًا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن يَأْتِيهم بِآيَة فاستحلفهم ليُؤْمِنن بهَا {قل إِنَّمَا الْآيَات عِنْد الله وَمَا يشعركم} قَالَ: مَا يدريكم ثمَّ أوجب عَلَيْهِم أَنهم لَا يُؤمنُونَ {ونقلب أفئدتهم} قَالَ: نحول بَينهم وَبَين الْأَيْمَان لَو جَاءَتْهُم كل آيَة كَمَا حلنا بَينهم وَبَينه أوّل مرّة {ونذرهم فِي طغيانهم يعمهون} قَالَ: يَتَرَدَّدُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ من وَجه آخر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا يشعركم} قَالَ: وَمَا يدريكم أَنكُمْ تؤمنون إِذا جَاءَت ثمَّ اسْتقْبل يخبر فَقَالَ: أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن النَّضر بن شُمَيْل قَالَ: سَأَلَ رجل الْخَلِيل بن أَحْمد(3/340)
عَن قَوْله {وَمَا يشعركم أَنَّهَا إِذا جَاءَت لَا يُؤمنُونَ} فَقَالَ: إِنَّهَا لَعَلَّهَا أَلا ترى أَنَّك تَقول: اذْهَبْ إِنَّك تَأْتِينَا بِكَذَا وَكَذَا يَقُول: لَعَلَّك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة} قَالَ: لما جحد الْمُشْركُونَ مَا أنزل الله لم تثبت قُلُوبهم على شَيْء وَردت عَن كل أَمر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ونقلب أفئدتهم} الْآيَة
قَالَ: جَاءَهُم مُحَمَّد بِالْبَيِّنَاتِ فَلم يُؤمنُوا بِهِ فقلبنا أَبْصَارهم وأفئدتهم وَلَو جَاءَتْهُم كل آيَة مثل ذَلِك لم يُؤمنُوا إِلَّا أَن يَشَاء الله
وَأخرج ابْن الْمُبَارك وَأحمد فِي الزّهْد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان وَابْن عَسَاكِر عَن أم الدَّرْدَاء
أَن أَبَا الدَّرْدَاء لما احْتضرَ جعل يَقُول: من يعْمل لمثل يومي هَذَا: من يعْمل لمثل سَاعَتِي هَذِه من يعْمل لمثل مضجعي هَذَا ثمَّ يَقُول {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كَمَا لم يُؤمنُوا بِهِ أول مرّة ونذرهم فِي طغيانهم يعمهون} ثمَّ يغمى عَلَيْهِ ثمَّ يفِيق فيقولها حَتَّى قبض
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا} قَالَ: معانية {مَا كَانُوا ليؤمنوا} أَي أهل الشَّقَاء {إِلَّا أَن يَشَاء الله} أَي أهل السَّعَادَة الَّذين سبق لَهُم فِي عمله أَن يدخلُوا فِي الإِيمان
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة {وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا} أَي فعاينوا ذَلِك مُعَاينَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد {وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا} قَالَ: أَفْوَاجًا قبيلا
- الْآيَة (112 - 113)(3/341)
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
- أخرج أَحْمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا ذَر تعوذ بِاللَّه من شَرّ شياطين الْجِنّ والإِنس
قَالَ: يَا نَبِي الله وَهل للإِنس شياطين قَالَ: نعم {شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ يوحي بَعضهم إِلَى بعض زخرف القَوْل غرُورًا}
وَأخرج أَحْمد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعوذ شياطين الانس وَالْجِنّ
قلت: يَا رَسُول الله وللانس شياطين قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوّاً شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} قَالَ: إِن للجن شياطين يضلونهم مثل شياطين الإِنس يضلونهم فيلتقي شَيْطَان الإِنس وَشَيْطَان الْجِنّ فَيَقُول هَذَا لهَذَا: أضلله بِكَذَا وأضلله بِكَذَا
فَهُوَ قَوْله {يوحي بَعضهم إِلَى بعض زخرف القَوْل غرُورًا} وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الْجِنّ هم الجان وَلَيْسوا بشياطين وَالشَّيَاطِين ولد إِبْلِيس وهم لَا يموتون إِلَّا مَعَ إِبْلِيس وَالْجِنّ يموتون فَمنهمْ الْمُؤمن وَمِنْهُم الْكَافِر
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الكهنة هم شياطين الإِنس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يوحي بَعضهم إِلَى بعض} قَالَ: شياطين الْجِنّ يوحون إِلَى شياطين الإِنس فَإِن الله تَعَالَى يَقُول {وَإِن الشَّيَاطِين ليوحون إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} الْأَنْعَام 121
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {شياطين الإِنس وَالْجِنّ} قَالَ: من الإِنس شياطين وَمن الْجِنّ شياطين {يوحي بَعضهم إِلَى بعض}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {زخرف القَوْل غرُورًا} يَقُول: بوراً من القَوْل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {زخرف القَوْل غرُورًا} يَقُول: بوراً من القَوْل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا {زخرف القَوْل غرُورًا} قَالَ: يحسن بعصهم لبَعض القَوْل ليتبعوهم فِي فتنتهم
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الْإِبَانَة وَأَبُو(3/342)