سُفْيَان عَن أبي قَالَ قَالَ الْمُسلمُونَ يَا رَسُول الله أَقَرِيب رَبنَا فنناجيه أم بعيد فنناديه فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنه لما أنزل الله (ادْعُونِي أستجيب لكم) (غَافِر الْآيَة 60) قَالَ رجال: كَيفَ نَدْعُو يَا نَبِي الله فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن عبيد قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة (ادْعُونِي أستجيب لكم) (غَافِر الْآيَة 60) قَالُوا: كَيفَ لنا بِهِ أَن نَلْقَاهُ حَتَّى نَدْعُوهُ فَأنْزل الله {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} الْآيَة
فَقَالُوا: صدق رَبنَا وَهُوَ بِكُل مَكَان
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: قَالَ الْمُسلمُونَ: أَقَرِيب رَبنَا فنناجيه أم بعيد فنناديه فَنزلت {فليستجيبوا لي} ليطعوني والاستجابة هِيَ الطَّاعَة {وليؤمنوا بِي} ليعلموا {فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: مِفْتَاح الْبحار السفن ومفتاح الأَرْض الطّرق ومفتاح السَّمَاء الدُّعَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد فِي الزّهْد عَن كَعْب قَالَ: قَالَ مُوسَى: أَي رب
أَقَرِيب أَنْت فأناجيك أم بعيد فأناديك قَالَ: يَا مُوسَى أَنا جليس من ذَكرنِي قَالَ: يَا رب فَإِن نَكُون من الْحَال على حَال نعظمك أَو نجلك أَن نذكرك عَلَيْهَا قَالَ: وماهي قَالَ: الْجَنَابَة وَالْغَائِط
قَالَ: يَا مُوسَى اذْكُرْنِي على كل حَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة فَجعلنَا لَا نصعد شرفاً وَلَا نهبط وَاديا إِلَّا رفعنَا أصواتنا بِالتَّكْبِيرِ فَدَنَا منا فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس أربعوا على أَنفسكُم فَإِنَّكُم لَا تدعون أَصمّ وَلَا غَائِبا إِنَّمَا تدعون سميعاً بَصيرًا إِن الَّذِي تدعون أقرب إِلَى أحدكُم من عنق رَاحِلَته
وَأخرج أَحْمد عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله: أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنا مَعَه إِذا دَعَاني(1/470)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وحسنة وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سلمَان الْفَارِسِي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ربكُم حَيّ كريم يستحي من عَبده إِذا رفع يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَن يردهما صفراً
وَفِي لفظ: يستحي أَن يبسط العَبْد إِلَيْهِ فَيَرُدهُمَا خائبين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سلمَان قَالَ: إِنِّي أجد فِي التَّوْرَاة
أَن الله حَيّ كريم يستحي أَن يرد يدين خائبتين يسْأَل بهما خيرا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ربكُم حَيّ كريم يستحي إِذا رفع العَبْد يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَن يردهما حَتَّى يَجْعَل فيهمَا خيرا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله جواد كريم يستحي من العَبْد الْمُسلم إِذا دَعَاهُ أَن يرد يَدَيْهِ صفراً لَيْسَ فيهمَا شَيْء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله حَيّ كريم يستحي أَن يرفع العَبْد يَدَيْهِ فَيَرُدهُمَا صفراً لَا خير فيهمَا فَإِذا رفع أحدكُم يَدَيْهِ فَلْيقل: يَا حَيّ يَا قيوم لَا إِلَه إِلَّا أَنْت يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ثَلَاث مَرَّات ثمَّ إِذا أَرَادَ رد يَدَيْهِ فليفرغ الْخَيْر على وَجهه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رفع قوم أكفهم إِلَى الله عز وَجل يسألونه شَيْئا إِلَّا كَانَ حَقًا على الله أَن يضع فِي أَيْديهم الَّذِي سَأَلُوهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله عز وَجل حَيّ كريم يستحي من عَبده أَن يرفع يَدَيْهِ فَيَرُدهُمَا صفراً لَيْسَ فيهمَا شَيْء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء عَن الْوَلِيد بن عبد الله بن أبي مغيث قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دَعَا أحدكُم فَرفع يَدَيْهِ فَإِن الله جَاعل فِي يَدَيْهِ بركَة وَرَحْمَة فَلَا يردهما حَتَّى يمسح بهما وَجهه
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله تَعَالَى: يَا ابْن آدم وَاحِدَة لي وَوَاحِدَة لَك وَوَاحِدَة فِيمَا بيني وَبَيْنك وَوَاحِدَة فِيمَا بَيْنك وَبَين عبَادي
فَأَما الَّتِي لي فتعبدني لَا تشرك بِي شَيْئا وَأما الَّتِي لَك فَمَا عملت من شَيْء أَو من عمل وفيتكه وَأما الَّتِي بيني وَبَيْنك فمنك الدُّعَاء وعليّ الاجابة وَأما الَّتِي بَيْنك وَبَين عبَادي فارض لَهُم مَا ترْضى لنَفسك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالْحَاكِم عَن أبي سعيد(1/471)
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من مُسلم يَدْعُو الله بدعوة لَيْسَ فِيهَا اثم وَلَا قطيعة رحم إِلَّا أعطَاهُ الله بهَا إِحْدَى ثَلَاث خِصَال إِمَّا أَن يعجل لَهُ دَعوته وَإِمَّا أَن يدخرها لَهُ فِي الْآخِرَة وَإِمَّا أَن يصرف عَنهُ من السوء مثلهَا
قَالُوا: إِذا نكثر قَالَ الله أَكثر
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يُسْتَجَاب لأحدكم مَا لم يعجل يَقُول: دَعَوْت فَلم يستجب لي
وَأخرج الْحَاكِم عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُغني حذر من قدر وَالدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل وَإِن الْبلَاء لينزل فيتلقاه الدُّعَاء فيعتلجان إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرد الْقدر إِلَّا الدُّعَاء وَلَا يزِيد فِي الْعُمر إِلَّا الْبر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدُّعَاء ينفع مِمَّا نزل وَمِمَّا لم ينزل فَعَلَيْكُم عباد الله بِالدُّعَاءِ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادعوا الله وَأَنْتُم موقنون بالاجابة وَاعْلَمُوا أَن الله لَا يقبل دُعَاء من قلب غافل لاهٍ
وَأخرج الْحَاكِم عَن أنس مَرْفُوعا لَا تعجزوا فِي الدُّعَاء فَإِنَّهُ لَا يهْلك مَعَ الدُّعَاء أحد
وَأخرج الْحَاكِم عَن جَابر مَرْفُوعا يَدْعُو الله بِالْمُؤمنِ يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يوقفه بَين يَدَيْهِ فَيَقُول: عَبدِي إِنِّي أَمرتك أَن تَدعُونِي ووعدتك أَن أستجيب لَك فَهَل كنت تَدعُونِي فَيَقُول: نعم يَا رب
فَيَقُول: أما أَنَّك لم تَدعُونِي بدعوة إِلَّا أستجيب لَك أَلَيْسَ دعوتني يَوْم كَذَا وَكَذَا لغم نزل بك أَن أفرج عَنْك ففرجت عَنْك فَيَقُول: بلَى يَا رب
فَيَقُول: فَإِنِّي عجلتها لَك فِي الدُّنْيَا
وَدَعَوْتنِي يَوْم كَذَا وَكَذَا لغم نزل بك أَن أفرج عَنْك فَلم تَرَ فرجا فَيَقُول: نعم يَا رب
فَيَقُول: إِنِّي ادخرت لَك بهَا فِي الْجنَّة كَذَا وَكَذَا
وَدَعَوْتنِي فِي حَاجَة قضيتها لَك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَلَا يَدْعُو الله عَبده الْمُؤمن إِلَّا بَين لَهُ إِمَّا أَن يكون عجل لَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَن يكون ادخر لَهُ فِي الْآخِرَة
فَيَقُول الْمُؤمن فِي ذَلِك الْمقَام: يَا ليته لم يكن عجل لَهُ شَيْء من دُعَائِهِ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا مَا من عبد ينصب وَجه إِلَى الله فِي مَسْأَلَة إِلَّا أَعْطَاهَا إِيَّاه إِمَّا أَن يعجلها لَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَن يدخرها لَهُ فِي الْآخِرَة(1/472)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يُسْتَجَاب لأحدكم مَا لم يدع بإثم أَو قطيعة رحم أَو يستعجل فَيَقُول: دَعَوْت فَلَا أرى تَسْتَجِيب لي فيدع الدُّعَاء
وَأخرج أَحْمد عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يزَال العَبْد بِخَير مَا لم يستعجل
قَالُوا: وَكَيف يستعجل قَالَ: يَقُول قد دَعَوْت ربكُم فَلم يستجب لي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى على لِسَان نَبِي من بني إِسْرَائِيل قل لبني إِسْرَائِيل تَدعُونِي بألسنتكم وقلوبكم بعيدَة مني بَاطِل مَا تَدعُونِي وَقَالَ: تَدعُونِي وعَلى أَيْدِيكُم الدَّم اغسلوا أَيْدِيكُم من الدَّم أَي من الْخَطَايَا هلموا نادوني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقل أحدكُم اغْفِر لي إِن شِئْت وليعزم فِي الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ لَا مكره لَهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا على ظهر الأَرْض من رجل مُسلم يَدْعُو الله بدعوة إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهَا أَو كف عَنهُ من السوء مثلهَا مَا لم يدع بإثم أَو قطيعة رحم
وَأخرج أَحْمد عَن جَابر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من أحد يَدْعُو بِدُعَاء إِلَّا آتَاهُ الله مَا سَأَلَ وكف عَنهُ من السوء مثله مَا لم يدع باثم أَو قطيعة رحم
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله إِذا أَرَادَ أَن يستجيب لعبد أذن لَهُ فِي الدُّعَاء
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا سَأَلَ أحدكُم ربه مَسْأَلَة فتعرف الاستجابة فَلْيقل: الْحَمد لله الَّذِي بعزته تتمّ الصَّالِحَات وَمن أَبْطَأَ عَلَيْهِ من ذَلِك شَيْء فَلْيقل الْحَمد لله على كل حَال
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن معَاذ بن جبل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو عَرَفْتُمْ الله حق مَعْرفَته لزالت لدعائكم الْجبَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد عَن أبي ذَر قَالَ: يَكْفِي من الدُّعَاء مَعَ الْبر مَا يَكْفِي الطَّعَام من الْملح(1/473)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن شبيب قَالَ: صليت إِلَى جنب سعيد بن الْمسيب الْمغرب فَرفعت صوتي بِالدُّعَاءِ فَانْتَهرنِي وَقَالَ: ظَنَنْت أَن الله لَيْسَ بقريب مِنْك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فتح لَهُ فِي الدُّعَاء مِنْكُم فتحت لَهُ أَبْوَاب الاجابة
وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: من فتح لَهُ مِنْكُم بَاب الدُّعَاء فتحت لَهُ أَبْوَاب الرَّحْمَة وَمَا سُئِلَ شَيْئا أحب إِلَيْهِ من أَن يسْأَل الْعَافِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: كَانَ يُقَال: إِذا بَدَأَ الرجل بالثناء قبل الدُّعَاء فقد اسْتوْجبَ وَإِذا بَدَأَ بِالدُّعَاءِ قبل الثَّنَاء كَانَ على رَجَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سلمَان قَالَ: لما خلق الله آدم قَالَ: وَاحِدَة لي وَوَاحِدَة لَك وَوَاحِدَة بيني وَبَيْنك فمنك الْمَسْأَلَة وَالدُّعَاء وَعلي الإِجابة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن نَافِع بن معد يكرب قَالَ: كنت أَنا وَعَائِشَة فَقَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن هَذِه االآية {أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان} قَالَ: يَا رب مَسْأَلَة عَائِشَة فهبط جِبْرِيل فَقَالَ: الله يُقْرِئك السَّلَام هَذَا عَبدِي الصَّالح بِالنِّيَّةِ الصادقة وَقَلبه تَقِيّ يَقُول: يَا رب فَأَقُول
لبيْك فاقضي حَاجته
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاء وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات والأصبهاني فِي التَّرْغِيب والديلمي من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حَدثنِي جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَرَأَ {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب} الْآيَة
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أمرت بِالدُّعَاءِ وتكفلت بالاجابة لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك اللَّهُمَّ أشهد أَنَّك فَرد أحد صَمد لم تَلد وَلم تولد وَلم يكن لَك كفوا أحد وَأشْهد أَن وَعدك حق ولقاءك حق وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق والساعة آتِيَة لَا ريب فِيهَا وَأَنَّك تبْعَث من فِي الْقُبُور
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس فِي قَوْله {فليستجيبوا لي} قَالَ: ليدعوني {وليؤمنوا بِي} انهم إِذا دَعونِي أستجيب لَهُم
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {فليستجيبوا لي} قَالَ: فليطيعوني
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي {فليستجيبوا لي} قَالَ: فليدعوني {وليؤمنوا بِي} يَقُول: إِنِّي أستجيب لَهُم(1/474)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع فِي قَوْله {لَعَلَّهُم يرشدون} قَالَ: يَهْتَدُونَ(1/475)
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
قَوْله تَعَالَى: أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم فَالْآن باشروهن وابتغوا مَا كتب الله لكم وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها كَذَلِك يبين الله آيَاته للنَّاس لَعَلَّهُم يَتَّقُونَ
أخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ والنحاس فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ الرجل صَائِما فَحَضَرَ الإِفطار فَنَامَ قبل أَن يفْطر لم يَأْكُل ليلته وَلَا يَوْمه حَتَّى يُمْسِي وَإِن قيس بن صرمة الْأنْصَارِيّ كَانَ صَائِما فَكَانَ يَوْمه ذَاك يعْمل فِي أرضه فَلَمَّا حضر الإِفطار أَتَى امْرَأَته فَقَالَ: هَل عنْدك طَعَام قَالَت: لَا وَلَكِن أَنطلق فأطلب لَك فغلبته عينه فَنَامَ وَجَاءَت امْرَأَته فَلَمَّا رَأَتْهُ نَائِما قَالَت: خيبة لَك أنمت فَلَمَّا انتصف النَّهَار غشي عَلَيْهِ فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث} إِلَى قَوْله {من الْفجْر} فَفَرِحُوا بهَا فَرحا كثيرا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ: لمَّا نزل صَوْم شهر رَمَضَان كَانُوا لَا يقربون النِّسَاء رَمَضَان كُله فَكَانَ رجال يخونون أنفسهم فَأنْزل الله {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم}
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم بِسَنَد حسن عَن كَعْب بن مَالك قَالَ كَانَ النَّاس فِي رَمَضَان إِذا صَامَ الرجل فَنَامَ حرم عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّسَاء حَتَّى يفْطر من الْغَد فَرجع عمر بن الْخطاب من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة وَقد سمر عِنْده فَوجدَ امْرَأَته قد نَامَتْ فأيقظها وَأَرَادَهَا فَقَالَت: إِنِّي قد نمت(1/475)
فَقَالَ: مَا نمت ثمَّ وَقع بهَا
وصنع كَعْب بن مَالك مثل ذَلِك فغدا عمر بن الْخطاب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَأنْزل الله {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم}
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ قبل أَن تنزل هَذِه الْآيَة إِذا صلوا الْعشَاء الْآخِرَة حرم عَلَيْهِم الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّسَاء حَتَّى يفطروا وَأَن عمر أصَاب أَهله بعد صَلَاة الْعشَاء وَأَن صرمة بن قيس غلبته عينه بعد صَلَاة الْمغرب فَنَامَ فَلم يشْبع من الطَّعَام وَلم يَسْتَيْقِظ حَتَّى صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء فَقَامَ فَأكل وَشرب فَلَمَّا أصبح أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ بذلك فَأنْزل {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} يَعْنِي بالرفث مجامعة النِّسَاء {كُنْتُم تختانون أَنفسكُم} يَعْنِي تجامعون النِّسَاء وتأكلون وتشربون بعد الْعشَاء {فَالْآن باشروهن} يَعْنِي جامعوهن {وابتغوا مَا كتب الله لكم} يَعْنِي الْوَلَد {وكلوا وَاشْرَبُوا} فَكَانَ ذَلِك عفوا من الله وَرَحْمَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَن الْمُسلمين كَانُوا فِي شهر رَمَضَان إِذا صلوا الْعشَاء حرم عَلَيْهِم النِّسَاء وَالطَّعَام إِلَى مثلهَا من الْقَابِلَة ثمَّ إِن نَاسا من الْمُسلمين أَصَابُوا الطَّعَام وَالنِّسَاء فِي رَمَضَان بعد الْعشَاء مِنْهُم عمر بن الْخطاب فشكوا ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {أحل لكم لَيْلَة الصّيام} إِلَى قَوْله {فَالْآن باشروهن} يَعْنِي انكحوهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ النَّاس أول مَا أَسْلمُوا إِذا صَامَ أحدهم يَصُوم يَوْمه حَتَّى إِذا أَمْسَى طعم من الطَّعَام حَتَّى يُمْسِي من اللَّيْلَة الْقَابِلَة وَأَن عمر بن الْخطاب بَيْنَمَا هُوَ نَائِم إِذْ سوّلت لَهُ نَفسه فَأتى أَهله ثمَّ أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أعْتَذر إِلَى الله وَإِلَيْك من نَفسِي هَذِه الْخَاطِئَة فَإِنَّهَا زينت لي فواقعت أَهلِي هَل تَجِد لي من رخصَة قَالَ: لم تكن حَقِيقا بذلك يَا عمر
فَلم بلغ بَيته أرسل إِلَيْهِ فَأَنْبَأَهُ بِعُذْرِهِ فِي آيَة من الْقُرْآن وَأمر الله رَسُوله أَن يَضَعهَا فِي الْمِائَة الْوُسْطَى من سُورَة الْبَقَرَة فَقَالَ {أحل لكم لَيْلَة الصّيام} إِلَى قَوْله {تختانون أَنفسكُم} يَعْنِي بذلك الَّذِي فعل عمر فَأنْزل الله عَفوه فَقَالَ {فَتَابَ عَلَيْكُم} إِلَى قَوْله {من الْخَيط الْأسود} فأحل لَهُم المجامعة وَالْأكل وَالشرب حَتَّى يتَبَيَّن لَهُم الصُّبْح(1/476)
وَأخرج ابْن جرير عَن ثَابت أَن عمر بن الْخطاب وَاقع أَهله لَيْلَة فِي رَمَضَان فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ ذَلِك فَأنْزل الله {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ} قَالَ: فَكَانَ النَّاس على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلوا الْعَتَمَة حرم عَلَيْهِم الطَّعَام وَالشرَاب وَالنِّسَاء وصاموا إِلَى الْقَابِلَة فاختان رجل نَفسه فجامع امْرَأَته وَقد صلى الْعشَاء وَلم يفْطر فَأَرَادَ الله أَن يَجْعَل ذَلِك تيسيراً لمن بَقِي ورخصة وَمَنْفَعَة فَقَالَ {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون} الْآيَة
فَرخص لَهُم وَيسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج {وكلوا وَاشْرَبُوا} قَالَ: نزلت فِي أبي قيس بن صرمة من بني الْخَزْرَج
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ كَانُوا إِذا صَامُوا فَنَامَ أحدهم قبل أَن يطعم لم يَأْكُل شَيْئا إِلَى مثلهَا من الْغَد وَإِذا نَام قبل أَن يُجَامع لم يُجَامع إِلَى مثلهَا فَانْصَرف شيخ من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ صرمة بن مَالك ذَات لَيْلَة إِلَى أَهله وَهُوَ صَائِم فَقَالَ: عشوني
فَقَالُوا: حَتَّى نجْعَل لَك طَعَاما سخناً تفطر عَلَيْهِ فَوضع الشَّيْخ رَأسه فغلبته عَيناهُ فَنَامَ فجاؤوا بِالطَّعَامِ وَقد نَام فَقَالُوا: كل
فَقَالَ: قد كنت نمت فَترك الطَّعَام وَبَات ليلته يتقلب ظهرا لبطن فَلَمَّا أصبح أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أردْت أَهلِي البارحة على مَا يُرِيد الرجل أَهله فَقَالَت: إِنَّهَا قد نَامَتْ فظننتها تعتل فَوَاقَعْتهَا فأخبرتني أَنَّهَا كَانَت نَامَتْ فَأنْزل الله فِي صرمة بن مَالك {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود من الْفجْر} وَنزل فِي عمر بن الْخطاب {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم} قَالَ: كَانَ هَذَا قبل صَوْم رَمَضَان أمروا بصيام ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر من كل عشرَة أَيَّام يَوْمًا وَأمرُوا بِرَكْعَتَيْنِ غدْوَة وَرَكْعَتَيْنِ عَشِيَّة فَكَانَ هَذَا بَدْء الصَّلَاة وَالصَّوْم فَكَانُوا فِي صومهم هَذَا وَبعد مَا فرض الله رَمَضَان إِذا رقدوا لم يمسوا النِّسَاء وَالطَّعَام إِلَى مثلهَا من الْقَابِلَة وَكَانَ أنَاس من الْمُسلمين يصيبون من(1/477)
النِّسَاء وَالطَّعَام بعد رقادهم وَكَانَت تِلْكَ خِيَانَة الْقَوْم أنفسهم فَأنْزل الله فِي ذَلِك الْقُرْآن {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد يَصُوم الصَّائِم فِي شهر رَمَضَان فَإِذا أَمْسَى أكل وَشرب وجامع النِّسَاء فَإِذا رقد حرم ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى مثلهَا من الْقَابِلَة وَكَانَ مِنْهُم رجال يَخْتَانُونَ أنفسهم فِي ذَلِك فَعَفَا الله عَنْهُم أحل لَهُم ذَلِك بعد الرقاد وَقَبله فِي اللَّيْل كُله
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ قَالَ: كَانَ الْمُسلمُونَ فِي أول الإِسلام يَفْعَلُونَ كَمَا يفعل أهل الْكتاب إِذا نَام أحدهم لم يطعم حَتَّى يكون الْقَابِلَة فَنزلت {وكلوا وَاشْرَبُوا} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فصل مَا بَين صيامنا وَصِيَام أهل الْكتاب أَكلَة السحر
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرَّفَث الْجِمَاع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر قَالَ: الرَّفَث الْجِمَاع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الدُّخُول والتغشي والإِفضاء والمباشرة والرفث واللمس والمس والمسيس: الْجِمَاع والرفث فِي الصّيام: الْجِمَاع والرفث فِي الْحَج: الإِغراء بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {هن لِبَاس لكم وَأَنْتُم لِبَاس لَهُنَّ} قَالَ: هن سكن لكم وَأَنْتُم سكن لَهُنَّ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {هن لِبَاس لكم} قَالَ: هن سكن لكم تسكنون إلَيْهِنَّ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت نَابِغَة بن ذبيان وَهُوَ يَقُول: إِذا مَا الضجيع ثنى عطفها تثنت عَلَيْهِ فَكَانَت لباسا وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن يحيى بن الْعَلَاء عَن ابْن أنعم أَن سعد بن مَسْعُود الْكِنْدِيّ قَالَ: أَتَى عُثْمَان بن مَظْعُون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي لأَسْتَحي أَن ترى أَهلِي عورتي
قَالَ: لم وَقد جعلك الله لَهُم لباساً وجعلهم لَك قَالَ: أكره ذَلِك
قَالَ: لإغنهم يرونه مني وَأرَاهُ مِنْهُم
قَالَ: أَنْت يَا رَسُول الله(1/478)
قَالَ: أَنا
قَالَ: أَنْت فَمن بعْدك إِذا فَلَمَّا أدبر عُثْمَان قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن ابْن مَظْعُون لحيي ستير
وَأخرجه ابْن سعد عَن سعد بن مَسْعُود وَعمارَة بن غراب الْيحصبِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {تختانون} فال: تقعون عَلَيْهِنَّ خِيَانَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَالْآن باشروهن} قَالَ: انكحوهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر ابْن وَأبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمُبَاشرَة الْجِمَاع وَلَكِن الله كريم يستكني
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الْمُبَاشرَة فِي كل كتاب الله الْجِمَاع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وابتغوا مَا كتب الله لكم} قَالَ: الْوَلَد
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وابتغوا مَا كتب الله لكم} قَالَ: لَيْلَة الْقدر
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أنس فِي قَوْله {وابتغوا مَا كتب الله لكم} قَالَ: لَيْلَة الْقدر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وابتغوا مَا كتب الله لكم} قَالَ: وابتغوا الرُّخْصَة الَّتِي كتب الله لكم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس كَيفَ تقْرَأ هَذِه الْآيَة {وابتغوا مَا كتب الله لكم} قَالَ: أَو وَاتبعُوا قَالَ: أَيَّتهمَا شِئْت عَلَيْك بِالْقِرَاءَةِ الأولى
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة قَالَت قد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُدْرِكهُ الْفجْر فِي رَمَضَان وَهُوَ جنب من أَهله ثمَّ يغْتَسل ويصوم
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن(1/479)
أم سَلمَة أَنَّهَا سُئِلت عَن الرجل يصبح جنبا أيصوم فَقَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يصبح جنبا من جماع غير احْتِلَام فِي رَمَضَان ثمَّ يَصُوم
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أصبح جنبا وَأَنا أُرِيد الصّيام فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأَنا أصبح جنبا وَأُرِيد الصّيام فأغتسل وَأَصُوم ذَلِك الْيَوْم فَقَالَ الرجل: إِنَّك لست مثلنَا قد غفر الله لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر فَغَضب وَقَالَ: وَالله إِنِّي لأرجو أَن أكون أخشاكم لله وَأعْلمكُمْ بِمَا أتقي
وَأخرج أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والابتداء والطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} قَالَ: بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل وَهُوَ الصُّبْح إِذا [] قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول أُميَّة: الْخَيط الْأَبْيَض ضوء الصُّبْح منغلق وَالْخَيْط الْأسود لون اللَّيْل مكموم وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سهل بن سعد قَالَ: أنزلت {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} وَلم ينزل من الْفجْر فَكَانَ رجال إِذا أَرَادوا الصَّوْم ربط أحدهم فِي رجلَيْهِ الْخَيط الْأَبْيَض وَالْخَيْط الْأسود فَلَا يزَال يَأْكُل وَيشْرب حَتَّى يتَبَيَّن لَهُ رُؤْيَتهمَا فَأنْزل الله بعد {من الْفجْر} فَعَلمُوا إِنَّمَا يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عدي بن حَاتِم قَالَ لما أنزلت هَذِه الْآيَة {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} عَمَدت إِلَى عِقَالَيْنِ أَحدهمَا أسود وَالْآخر أَبيض فَجَعَلتهمَا تَحت وِسَادَتِي فَجعلت أنظر إِلَيْهِمَا فَلَا يتَبَيَّن لي الْأَبْيَض من الْأسود فَلَمَّا أَصبَحت غَدَوْت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بِالَّذِي صنعت فَقَالَ: إِن وِسَادك إِذا لَعَرِيض إِنَّمَا ذَاك بَيَاض النَّهَار من سَواد اللَّيْل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلمني الإِسلام ونعت لي الصَّلَوَات الْخمس كَيفَ أُصَلِّي كل صَلَاة لوَقْتهَا ثمَّ قَالَ: إِذا جَاءَ رَمَضَان فَكل واشرب حَتَّى يتَبَيَّن لَك الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط(1/480)
الْأسود من الْفجْر ثمَّ أتم الصّيام إِلَى اللَّيْل وَلم أدر مَا هُوَ ففتلت خيطين من أَبيض وأسود فَنَظَرت فيهمَا عِنْد الْفجْر فرأيتهما سَوَاء فَأتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: يَا رَسُول الله كل شَيْء أوصيتني قد حفظت غير الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود قَالَ: وَمَا مَنعك يَا ابْن حَاتِم وَتَبَسم كَأَنَّهُ قد علم مَا فعلت
قلت: فتلت خيطين من أَبيض وأسود فَنَظَرت فيهمَا من اللَّيْل فوجدتهما سَوَاء فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى رُؤِيَ نَوَاجِذه ثمَّ قَالَ: ألم أقل لَك من الْفجْر إِنَّمَا هُوَ ضوء النَّهَار من ظلمَة اللَّيْل
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير عَن عدي بن حَاتِم قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود أَهما الْخيطَان فَقَالَ: إِنَّك لَعَرِيض الْقَفَا إِن أَبْصرت الْخَيْطَيْنِ ثمَّ قَالَ: لَا بل هُوَ سَواد اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر الْجَعْدِي أَنه سَأَلَ عَن هَذِه الآيه {حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض من الْخَيط الْأسود} يَعْنِي اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: مَتى أدع السّحُور فَقَالَ رجل: إِذا شَككت فَقَالَ ابْن عَبَّاس: كل مَا شَككت حِين يتَبَيَّن لَك
وَأخرج وَكِيع عَن أبي الضُّحَى قَالَ: كَانُوا يرَوْنَ أَن الْفجْر المستفيض فِي السَّمَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: هما فجران فَأَما الَّذِي يسطع فِي السَّمَاء فَلَيْسَ يحل وَلَا يحرم شَيْئا وَلَكِن الْفجْر الَّذِي يستبين على رُؤُوس الْجبَال هُوَ الَّذِي يحرم الشَّرَاب
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايمنعكم من سحوركم أَذَان بِلَال وَلَا الْفجْر المستطيل وَلَكِن الْفجْر المستظهر فِي الْأُفق
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يمنعكم أَذَان بِلَال من سحوركم فَإِنَّهُ يُنَادي بلَيْل فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تسمعوا أَذَان ابْن أم مَكْتُوم فَإِنَّهُ لَا يُؤذن حَتَّى يطلع الْفجْر(1/481)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن طلق بن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كلوا وَاشْرَبُوا وَلَا يمنعكم الساطع المصعد وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يعْتَرض لكم الْأَحْمَر
وَأخرج أَحْمد: لَيْسَ الْفجْر المستطيل فِي الْأُفق وَلكنه الْمُعْتَرض الْأَحْمَر
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن عَن ثَوْبَان أَنه بلغه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْفجْر فجران فَأَما الَّذِي كَأَنَّهُ ذَنْب السرحان فَإِنَّهُ لَا يحل شَيْئا وَلَا يحرمه وَأما المستطيل الَّذِي يَأْخُذ الْأُفق فانه يحل الصَّلَاة وَيحرم الطَّعَام وَأخرجه الْحَاكِم من طَرِيقه عَن جَابر مَوْصُولا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْفجْر فجران فجر يحرم فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب وَيحل فِيهِ الصَّلَاة وفجر يحل فِيهِ الطَّعَام وَيحرم فِيهِ الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَرَادَ أَن يَصُوم فليتسحر وَلَو بِشَيْء
وَأخرج {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أقبل اللَّيْل من هَهُنَا وَأدبر النَّهَار من هَهُنَا وغربت الشَّمْس فقد أفطر الصَّائِم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد
فِيمَن أفطر ثمَّ طلعت الشَّمْس قَالَ: يقْضِي لِأَن الله يَقُول {أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل}
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: بَينا أَنا نَائِم إِذْ أَتَانِي رجلَانِ فأخذا بضبعي فأتياني جبلا وعراً فَقَالَا لي: اصْعَدْ
فَقلت: إِنِّي لَا أُطِيقهُ
فَقَالَا: إِنَّا سنسهله لَك فَصَعدت حَتَّى إِذا كنت فِي سَوَاء الْجَبَل إِذا أَنا بِأَصْوَات شَدِيدَة فَقلت: مَا هَذِه الْأَصْوَات قَالُوا: هَذَا عواء أهل النَّار ثمَّ انْطَلقَا بِي فَإِذا أَنا بِقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دَمًا
قلت: من هَؤُلَاءِ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذين يفطرون قبل تَحِلَّة صومهم
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ليلى امْرَأَة بشير بن الخصاصية قَالَت أردْت أَن أَصوم يَوْمَيْنِ مُوَاصلَة فَمَنَعَنِي بشير وَقَالَ: أَن رَسُول(1/482)
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَنهُ وَقَالَ: إِنَّمَا يفعل ذَلِك النَّصَارَى وَلَكِن صُومُوا كَمَا أَمركُم الله وَأَتمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل فَإِذا كَانَ اللَّيْل فافطروا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن عَسَاكِر عَن أبي ذَر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاصل يَوْمَيْنِ وَلَيْلَة فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: إِن الله قد قبل وصالك وَلَا يحل لأحد بعْدك وَذَلِكَ بِأَن الله قَالَ: وَأَتمُّوا الصّيام إِلَى اللَّيْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: قَالَت عَائِشَة {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} يَعْنِي أَنَّهَا كرهت الْوِصَال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة
أَنه ذكر عِنْده الْوِصَال فَقَالَ: فرض الله الصَّوْم بِالنَّهَارِ فَقَالَ {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} فَإِذا جَاءَ اللَّيْل فَأَنت مفطر فَإِن شِئْت فَكل وَإِن شِئْت فَلَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال الدّين ظَاهرا مَا عجل النَّاس الْفطر إِن الْيَهُود وَالنَّصَارَى يؤخرون
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن سهل بن سعد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يزَال النَّاس بِخَير مَا عجلوا الْفطر
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الْوِصَال قَالُوا: إِنَّك تواصل قَالَ: لست مثلكُمْ إِنِّي أطْعم وأسقى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تواصلوا
قَالُوا: إِنَّك تواصل قَالَ: إِنِّي لست كَأحد مِنْكُم إِنِّي أَبيت أطْعم وأسقى
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد عَن أبي سعيد أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تواصلوا فَأَيكُمْ أَرَادَ أَن يواصل حَتَّى السحر
قَالُوا: فَإنَّك تواصل يَا رَسُول الله قَالَ: إِنِّي لست كهيئتكم إِنِّي أَبيت لي مطعم يطعمني وسَاق يسقيني
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة قَالَت نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوِصَال رَحْمَة لَهُم فَقَالُوا: إِنَّك تواصل قَالَ: إِنِّي لست كهيئتكم إِنِّي يطعمني رَبِّي ويسقيني(1/483)
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْوِصَال فِي الصَّوْم فَقَالَ لَهُ رجل من الْمُسلمين: إِنَّك تواصل يَا رَسُول الله قَالَ: وَأَيكُمْ مثلي
إِنِّي أَبيت يطعمني رَبِّي ويسقيني
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ الصّيام من الْأكل وَالشرب إِنَّمَا الصّيام من اللَّغْو والرفث فَإِن سابك أحد أَو جهل عَلَيْك فَقل: إِنِّي صَائِم إِنِّي صَائِم
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من لم يدع
وَفِي لفظ: إِذا لم يدع الصَّائِم قَول الزُّور وَالْعَمَل بِهِ وَالْجهل فَلَيْسَ لله حَاجَة فِي أَن يدع طَعَامه وَشَرَابه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: رب قَائِم حَظه من الْقيام السهر وَرب صَائِم حَظه من الصّيام الْجُوع والعطش
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: الْغَيْبَة تخرق الصَّوْم وَالِاسْتِغْفَار يرقعه فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يَجِيء غَدا بصومه مرقعاً فَلْيفْعَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِذا صمت فليصم سَمعك وبصرك وَلِسَانك عَن الْكَذِب والمحارم ودع أَذَى الْخَادِم وَليكن عَلَيْك وقار وسكينة يَوْم صيامك وَلَا تجْعَل فطرك وصومك سَوَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن طلق بن قيس قَالَ: قَالَ أَبُو ذَر: إِذا صمت فتحفظ مَا اسْتَطَعْت فَكَانَ طلق إِذا كَانَ يَوْم صَوْمه دخل فَلم يخرج إِلَّا للصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: خصلتان من حفظهما يسلم لَهُ صَوْمه الْغَيْبَة وَالْكذب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: الصَّائِم فِي عبَادَة مَا لم يغتب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا صَامَ من ظلّ يَأْكُل لُحُوم النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِب يفْطر الصَّائِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايقولن أحدكُم: إِنِّي قُمْت رَمَضَان كُله وصمته
فَلَا أَدْرِي أكره التَّزْكِيَة أَو قَالَ: لابد من نومَة أَو رقدة(1/484)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون} قَالَ: الْمُبَاشرَة الْمُلَامسَة والمس الْجِمَاع وَلَكِن الله يكني مَا شَاءَ بِمَا يَشَاء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تباشروهن} الْآيَة
قَالَ: هَذَا فِي الرجل يعْتَكف فِي الْمَسْجِد فِي رَمَضَان أَو غير رَمَضَان فَحرم الله عَلَيْهِ أَن ينْكح النِّسَاء لَيْلًا أَو نَهَارا حَتَّى يقْضِي اعْتِكَافه
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانُوا يُجَامِعُونَ وهم معتكفون حَتَّى نزلت {وَلَا تباشروهن وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ الرجل إِذا اعْتكف فَخرج من الْمَسْجِد جَامع إِن شَاءَ فَنزلت
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: كَانَ نَاس يصيبون نِسَاءَهُمْ وهم عاكفون فنهاهم الله عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا إِذا اعتكفوا فَخرج الرجل إِلَى الْغَائِط جَامع امْرَأَته ثمَّ اغْتسل ثمَّ رَجَعَ إِلَى اعْتِكَافه فنهوا عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: نهى عَن جماع النِّسَاء فِي الْمَسَاجِد كَمَا كَانَت الْأَنْصَار تصنع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا جَامع الْمُعْتَكف بَطل اعْتِكَافه ويستأنف
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم فِي معتكف وَقع بأَهْله قَالَ: يسْتَقْبل اعْتِكَافه ويستغفر الله وَيَتُوب إِلَيْهِ ويتقرب مَا اسْتَطَاعَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي الْمُعْتَكف إِذا جَامع قَالَ: قَالَ: يتَصَدَّق بدينارين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن فِي رجل غشي امْرَأَته وَهُوَ معتكف أَنه بِمَنْزِلَة الَّذِي غشي فِي رَمَضَان عَلَيْهِ على الَّذِي فِي رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: من أصَاب امْرَأَته وَهُوَ معتكف فَعَلَيهِ من الْكَفَّارَة مثل مَا على الَّذِي يُصِيب فِي رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا يقبل الْمُعْتَكف وَلَا يُبَاشر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: الْمُعْتَكف لَا يَبِيع وَلَا يبْتَاع
قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد}(1/485)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَعَن عُرْوَة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان حَتَّى توفاه الله عز وَجل ثمَّ اعْتكف أَزوَاجه من بعده وَالسّنة فِي الْمُعْتَكف أَن لَا يخرج إِلَّا لحَاجَة الإِنسان وَلَا يتبع جَنَازَة وَلَا يعود مَرِيضا وَلَا يمس امْرَأَة وَلَا يُبَاشِرهَا وَلَا اعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسْجِد جمَاعَة وَالسّنة إِلَى آخِره
فقد قيل: أَنه من قَول عُرْوَة وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ من كَلَام الزُّهْرِيّ زمن أدرجه فِي الحَدِيث فقد وهم
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ فِي الْمُعْتَكف أَنه معتكف الذُّنُوب وَيجْرِي لَهُ من الْأجر كَأَجر عَامل الْحَسَنَات كلهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَضَعفه والخطيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ معتكفاً فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهُ رجل فِي حَاجَة فَقَامَ مَعَه وَقَالَ: سَمِعت صَاحب هَذَا الْقَبْر يَقُول من مَشى فِي حَاجَة أَخِيه وَبلغ فِيهَا كَانَ خيرا من اعْتِكَاف عشر سِنِين وَمن اعْتكف يَوْمًا ابْتِغَاء وَجه الله جعل الله بَينه وَبَين النَّار ثَلَاث خنادق أبعد مِمَّا بَين الْخَافِقين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن عَليّ بن حُسَيْن عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اعْتكف عشرا فِي رَمَضَان كَانَ كحجتين وعمرتين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: للمعتكف كل يَوْم حجَّة قَالَ الْبَيْهَقِيّ: لَا يَقُوله الْحسن إِلَّا عَن بَلَاغ بلغه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن زِيَاد بن السكن قَالَ: كَانَ زبيد اليامي وَجَمَاعَة إِذا كَانَ يَوْم النيروز وَيَوْم المهرجان اعتكفوا فِي مَسَاجِدهمْ ثمَّ قَالُوا: إِن هَؤُلَاءِ قد اعتكفوا على كفرهم واعتكفنا على إيمَاننَا فَاغْفِر لنا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: إِن مثل الْمُعْتَكف مثل الْمحرم ألْقى نَفسه بَين يَدي الرَّحْمَن
فَقَالَ: وَالله لَا أَبْرَح حَتَّى ترحمني
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب قَضَاء الجوائج عَن الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى الْحُسَيْن بن عَليّ فَسَأَلَهُ أَن يذهب مَعَه فِي حَاجَة فَقَالَ: إِنِّي معتكف فَأتى الْحسن فَأخْبرهُ الْحسن: لَو مشي مَعَك لَكَانَ خيرا لَهُ من اعْتِكَافه وَالله لِأَن أَمْشِي مَعَك فِي حَاجَتك أحب إِلَيّ من اعْتكف شهرا(1/486)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي جُزْء التراجم بِسَنَد ضَعِيف جدا عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن أَمْشِي مَعَ أَخ لي فِي حَاجَة أحب إليّ من أَن اعْتكف شهرا فِي مَسْجِدي هَذَا وَمن مَشى مَعَ أَخِيه الْمُسلم فِي حَاجَة حَتَّى يَقْضِيهَا ثَبت الله قَدَمَيْهِ يَوْم تزل الْأَقْدَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد بن وَاسع الْأَزْدِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعَان أَخَاهُ يَوْمًا كَانَ خيرا لَهُ من اعْتِكَاف شهر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن حُذَيْفَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كل مَسْجِد لَهُ مُؤذن وَإِمَام فالاعتكاف فِيهِ يصلح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْمسيب قَالَ: لَا اعْتِكَاف إِلَّا فِي مَسْجِد
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا اعْتِكَاف إِلَّا بصيام
وَأخرج مَالك عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد وَنَافِع مولى ابْن عمر قَالَا: لَا اعْتِكَاف إِلَّا بصيام لقَوْل الله تَعَالَى {وكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم الْخَيط الْأَبْيَض} إِلَى قَوْله {وَأَنْتُم عاكفون فِي الْمَسَاجِد} فَإِنَّمَا ذكر الله عز وَجل الِاعْتِكَاف مَعَ الصّيام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمُعْتَكف عَلَيْهِ الصَّوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ قَالَ: لَا اعْتِكَاف إِلَّا بِصَوْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن من وَجه آخر عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود قَالَا: الْمُعْتَكف لَيْسَ عَلَيْهِ صَوْم إِلَّا أَن يشرطه على نَفسه
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ على الْمُعْتَكف صِيَام إِلَّا أَن يَجعله على نَفسه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الْمُعْتَكف يعود الْمَرِيض وَيشْهد الْجِنَازَة وَيَأْتِي الْجُمُعَة وَيَأْتِي أَهله وَلَا يجالسهم
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة قَالَت إِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليدْخل عليّ رَأسه وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فأرجله وَكَانَ لَا يدْخل الْبَيْت إِلَّا لحَاجَة إِذا كَانَ معتكفاً
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْتَكف الْعشْر الْأَوَاخِر من رَمَضَان(1/487)
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعْتَكف فِي كل رَمَضَان عشرَة أَيَّام فَلَمَّا كَانَ الْعَام الَّذِي قبض فِيهِ اعْتكف عشْرين
وَأخرج مَالك عَن أهل الْفضل وَالدّين أَنهم كَانُوا إِذا اعتكفوا الْعشْر الْأَوَاخِر من شهر رَمَضَان لَا يرجعُونَ حَتَّى يشْهدُوا الْعِيد مَعَ النَّاس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا يستحبون للمعتكف أَن يبيت لَيْلَة الْفطر حَتَّى يكون غدوه مِنْهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مجلز قَالَ: بت لَيْلَة الْفطر فِي الْمَسْجِد الَّذِي اعتكفت فِيهِ حَتَّى يكون غدوّك إِلَى مصلاك مِنْهُ
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نظر الرجل إِلَى أَخِيه على شوق خير من اعْتِكَاف سنة فِي مَسْجِدي هَذَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة أَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت مُسْتَحَاضَة وَهِي عاكف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {تِلْكَ حُدُود الله} يَعْنِي طَاعَة الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {تِلْكَ حُدُود الله} قَالَ: مَعْصِيّة الله يَعْنِي الْمُبَاشرَة فِي الِاعْتِكَاف
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تقربوها} يَعْنِي الْجِمَاع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {كَذَلِك} يَعْنِي هَكَذَا يبين الله(1/488)
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)
قَوْله تَعَالَى: وَلَا تَأْكُلُوا(1/488)
أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام لتأكلوا فريقاً من أَمْوَال النَّاس بالإثم وَأَنْتُم تعلمُونَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} قَالَ: هَذَا فِي الرجل يكون عَلَيْهِ مَال وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ بَيِّنَة فيجحد المَال ويخاصمهم إِلَى الْحُكَّام وَهُوَ يعرف أَن الْحق عَلَيْهِ وَقد علم أَنه إِثْم أكل حرَام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} قَالَ: لَا تخاصم وَأَنت تعلم أَنَّك ظَالِم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: لَا تدل بِمَال أَخِيك إِلَى الْحُكَّام وَأَنت تعلم أَنَّك ظَالِم فَإِن قَضَاءَهُ لَا يحل لَك شَيْئا كَانَ حَرَامًا عَلَيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} يَعْنِي بالظلم وَذَلِكَ أَن امْرأ الْقَيْس بن عَابس وعبدان بن أَشوع الْحَضْرَمِيّ اخْتَصمَا فِي أَرض وَأَرَادَ امْرُؤ الْقَيْس أَن يحلف فَفِيهِ نزلت {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} وَفِي قَوْله {لتأكلوا فريقاً من أَمْوَال النَّاس بالإِثم} يَعْنِي طَائِفَة {وَأَنْتُم تعلمُونَ} يَعْنِي تعلمُونَ أَنكُمْ تدعون الْبَاطِل
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر وَإِنَّكُمْ تختصمون إليّ وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض فأقضي لَهُ على نَحْو مَا أسمع مِنْهُ فَمن قضيت لَهُ بِشَيْء من حق أَخِيه فَلَا يأخذنه فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار
وَأخرج أَحْمد عَن أبي حميد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يحل لامرىء أَن يَأْخُذ مَال أَخِيه بِغَيْر حَقه وَذَلِكَ لما حرم الله مَال الْمُسلم على الْمُسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكره أَن يَبِيع الرجل الثَّوْب وَيَقُول لصَاحبه: إِن كرهته فَرد مَعَه دِينَارا فَهَذَا مِمَّا قَالَ الله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ}
وَأخرج ايْنَ أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن عبد رب الْكَعْبَة قَالَ: قلت لعبد الله بن عَمْرو: هَذَا ابْن عمك يَأْمُرنَا أَن نَأْكُل أَمْوَالنَا بَيْننَا بِالْبَاطِلِ وَأَن نقْتل أَنْفُسنَا وَقد قَالَ الله {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام} إِلَى آخر الْآيَة
فَجمع يَدَيْهِ فوضعهما على جَبهته ثمَّ قَالَ: أطعه فِي طَاعَة الله واعصه فِي مَعْصِيّة الله(1/489)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس وَالْحج وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا وَاتَّقوا الله لَعَلَّكُمْ تفلحون
أخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة} قَالَ: نزلت فِي معَاذ بن جبل وثعلبة بن غنمة وهما رجلَانِ من الْأَنْصَار قَالَا: يَا رَسُول الله مَا بَال الْهلَال يَبْدُو ويطلع دَقِيقًا مثل الْخَيط ثمَّ يزِيد حَتَّى يعظم وَيَسْتَوِي ويستدير ثمَّ لَا يزَال ينقص ويدق حَتَّى يعود كَمَا كَانَ لَا يكون على حَال وَاحِد فَنزلت {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس} فِي مَحل دينهم ولصومهم ولفطرهم وعدة نِسَائِهِم والشروط الَّتِي تَنْتَهِي إِلَى أجل مَعْلُوم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم جعلت الْأَهِلّة فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة} الْآيَة
فَجَعلهَا لصوم الْمُسلمين ولإِفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نِسَائِهِم وَمحل دينهم فِي أَشْيَاء وَالله أعلم بِمَا يصلح خلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ ذكر لنا أَنهم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم خلقت الْأَهِلّة فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة} الْآيَة
جعلهَا الله مَوَاقِيت لصوم الْمُسلمين وإفطارهم ولحجهم ومناسكهم ولعدة نِسَائِهِم وَمحل دينهم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَأَلَ النَّاس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْأَهِلّة فَنزلت هَذِه الْآيَة {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس} يعلمُونَ بهَا حل دينهم وعدة نِسَائِهِم وَوقت حجهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الْأَهِلّة قل هِيَ مَوَاقِيت للنَّاس} قَالَ: لحجكم وصومكم وَقَضَاء ديونكم وعدة نِسَائِكُم
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وَجل {مَوَاقِيت للنَّاس} قَالَ: فِي عدَّة نِسَائِهِم وَمحل دينهم وشروط النَّاس قَالَ: وَهل تعرف العربُ ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر وَهُوَ يَقُول:(1/490)
وَالشَّمْس تجْرِي على وَقت مسخرة إِذا قَضَت سفرا اسْتقْبلت سفرا وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الله الْأَهِلّة مَوَاقِيت للنَّاس فصوموا لرُؤْيَته وَافْطرُوا لرُؤْيَته فَإِن غم عَلَيْكُم فعدوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ بِسَنَد ضَعِيف عَن طلق بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الله الْأَهِلّة مَوَاقِيت للنَّاس فَإِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال فصوموا وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فافطروا فَإِن غم عَلَيْكُم فأكملوا الْعدة ثَلَاثِينَ
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت} الْآيَة
أخرج وَكِيع وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير عَن الْبَراء قَالَ: كَانُوا إِذا أَحْرمُوا فِي الْجَاهِلِيَّة أَتَوا الْبَيْت من ظَهره فَأنْزل الله {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا وَلَكِن الْبر من اتَّقى وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا}
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء
كَانَت الْأَنْصَار إِذا حجُّوا فَرَجَعُوا لم يدخلُوا الْبيُوت إِلَّا من ظُهُورهَا فجَاء رجل من الْأَنْصَار فَدخل من بَابه فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن جَابر قَالَ كَانَت قُرَيْش تَدعِي الحمس وَكَانُوا يدْخلُونَ من الْأَبْوَاب فِي الإِحرام وَكَانَت الْأَنْصَار وَسَائِر الْعَرَب لَا يدْخلُونَ من بَاب فِي الإِحرام فَبينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بُسْتَان إِذْ خرج من بَابه وَخرج مَعَه قُطْبَة بن عَامر الْأنْصَارِيّ فَقَالُوا: يَا رَسُول الله إِن قُطْبَة بن عَامر رجل فَاجر وَإنَّهُ خرج مَعَك من الْبَاب فَقَالَ لَهُ: مَا حملك على مَا صنعت قَالَ: رَأَيْتُك فعلته ففعلته كَمَا فعلت
قَالَ: إِنِّي رجل أحمس
قَالَ لَهُ: فَإِن ديني دينك
فَأنْزل الله {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن رجَالًا من أهل الْمَدِينَة كَانُوا إِذا خَافَ أحدهم من عدوّه شَيْئا أحرم فأمن فَإِذا أحرم لم يلج من بَاب بَيته وَاتخذ نقباً من ظهر بَيته فَلَمَّا قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة كَانَ بهَا رجل محرم كَذَلِك وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل بستاناً فدخله من بَابه وَدخل مَعَه ذَلِك الْمحرم فناداه رجل من وَرَائه: يَا فلَان إِنَّك محرم وَقد دخلت مَعَ النَّاس
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن كنت محرما فَأَنا محرم وَإِن كنت أحمس فَأَنا أحمس
فَأنْزل الله {وَلَيْسَ الْبر بِأَن تَأْتُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا}(1/491)
إِلَى آخر الْآيَة
فأحل للْمُؤْمِنين أَن يدخلُوا من أَبْوَابهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قيس بن جُبَير النَّهْشَلِي أَن النَّاس كَانُوا إِذا أَحْرمُوا لم يدخلُوا حَائِطا من بَابه وَلَا دَارا من بَابهَا وَكَانَت الحمس يدْخلُونَ الْبيُوت من أَبْوَابهَا فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه دَارا وَكَانَ رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ رِفَاعَة بن تَابُوت فتسوّر الْحَائِط ثمَّ دخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا خرج من بَاب الدَّار خرج مَعَه رِفَاعَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا حملك على ذَلِك قَالَ: يَا رَسُول الله رَأَيْتُك خرجت مِنْهُ فَخرجت مِنْهُ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي رجل أحمس
فَقَالَ: إِن تكن رجلا أحمس فَإِن ديننَا وَاحِد فَأنْزل الله {وَلَيْسَ الْبر} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ كَانَ نَاس من الْأَنْصَار إِذا أهلوا بِالْعُمْرَةِ لم يحل بَينهم وَبَين السَّمَاء شَيْء يتحرجون من ذَلِك وَكَانَ الرجل يخرج مهلا بِالْعُمْرَةِ فتبدو لَهُ الْحَاجة فَيرجع وَلَا يدْخل من بَاب الْحُجْرَة من أجل سقف الْبَاب أَن يحول بَينه وَبَين السَّمَاء فَيفتح الْجِدَار من وَرَائه ثمَّ يقوم فِي حجرته فيأمر بحاجته فَتخرج إِلَيْهِ من بَيته حَتَّى بلغنَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل زمن الحديبة بِالْعُمْرَةِ فَدخل حجرَة فَدخل رجل على أَثَره من الْأَنْصَار من بني سَلمَة فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنِّي أحمس
وَكَانَ الحمس لَا يبالون ذَلِك فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: وَأَنا أحمس
يَقُول: وَأَنا على دينك
فَأنْزل الله {لَيْسَ الْبر} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ إِن نايا من الْعَرَب كَانُوا إِذا حجُّوا لم يدخلُوا بُيُوتهم من أَبْوَابهَا كَانُوا ينقبون فِي أدبارها فَلَمَّا حج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة الوادع أقبل يمشي وَمَعَهُ رجل من أُولَئِكَ وَهُوَ مُسلم فَلَمَّا بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَاب الْبَيْت احْتبسَ الرجل خَلفه وأبى أَن يدْخل
قَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أحمس
وَكَانَ أُولَئِكَ الَّذين يَفْعَلُونَ ذَلِك يسمون الحمس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَأَنا أَيْضا أحمس فَادْخُلْ فَدخل الرجل فَأنْزل الله {وَأتوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الرجل من أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا أَتَى الْبَيْت من بيُوت بعض أَصْحَابه أَو ابْن عَمه رفع الْبَيْت من خَلفه أَي بيُوت الشّعْر ثمَّ يدْخل فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا أَن يَأْتُوا الْبيُوت من أَبْوَابهَا ثمَّ يسلمُوا(1/492)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ الرجل إِذا اعْتكف لم يدْخل منزله من بَاب الْبَيْت فَأنْزل الله {لَيْسَ الْبر} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: كَانَ أهل يثرب إِذا رجعُوا من عيدهم دخلُوا الْبيُوت من ظُهُورهَا ويرون أَن ذَلِك أدنى إِلَى الْبر فَأنْزل الله الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يهم بالشَّيْء يصنعه فَيحْبس عَن ذَلِك فَكَانَ لَا يَأْتِي بَيته من قبل بَابه حَتَّى يَأْتِي الَّذِي كَانَ هم بِهِ وأراده(1/493)
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
قَوْله تَعَالَى: وقاتلوا فِي سَبِيل الله الَّذين يقاتلونكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ
أخرج آدم بن أبي اياس فِي تَفْسِيره وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {وقاتلوا فِي سَبِيل الله الَّذين يقاتلونكم} قَالَ: لأَصْحَاب مُحَمَّد أمروا بِقِتَال الْكفَّار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تَعْتَدوا} يَقُول: لَا تقتلُوا النِّسَاء وَالصبيان وَلَا الشَّيْخ الْكَبِير وَلَا من ألْقى السّلم وكف يَده فَإِن فَعلْتُمْ فقد اعتديتم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ وجدت امْرَأَة مقتولة فِي بعض مغازي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قتل النِّسَاء وَالصبيان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أنس قَالَ كُنَّا إِذا استنفرنا نزلنَا بِظهْر الْمَدِينَة حَتَّى يخرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول انْطَلقُوا بِسم الله وَفِي سَبِيل الله تقاتلون أَعدَاء الله لَا تقتلُوا شَيخا فانياً وَلَا طفْلا صَغِيرا وَلَا امْرَأَة وَلَا تغلوا
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن يحيى بن يحيى الغساني قَالَ: كتبت إليّ عمر بن عبد الْعَزِيز أسأله عَن هَذِه الْآيَة {وقاتلوا فِي سَبِيل الله الَّذين يقاتلونكم وَلَا تَعْتَدوا إِن الله لَا يحب الْمُعْتَدِينَ} فَكتب إِلَيّ أَن ذَلِك فِي النِّسَاء والذرية من لم ينصب لَك الْحَرْب مِنْهُم(1/493)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)
قَوْله تَعَالَى: واقتلوهم حَيْثُ ثقفتموهم وأخرجوهم من حَيْثُ أخرجوكم والفتنة أَشد من الْقَتْل وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فاقتلوهم كَذَلِك جَزَاء الْكَافرين فَإِن انْتَهوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {واقتلوهم حَيْثُ ثقفتموهم} الْآيَة
قَالَ: عَنى الله بِهَذَا الْمُشْركين
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {ثقفتموهم} قَالَ: وَجَدْتُمُوهُمْ
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول حسان: فإمَّا يثقفن بني لؤَي جذيمة إِن قَتلهمْ دَوَاء وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {والفتنة أَشد من الْقَتْل} قَالَ: الشّرك أَشد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {والفتنة أَشد من الْقَتْل} قَالَ: الْفِتْنَة الَّتِي أَنْتُم مقيمون عَلَيْهَا أكبر من الْقَتْل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والفتنة أَشد من الْقَتْل} قَالَ: ارتداد الْمُؤمن إِلَى الوثن أَشد عَلَيْهِ من أَن يقتل محقاً
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق أبي بكر بن عَيَّاش عَن عَاصِم {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ} كلهَا بِالْألف {فاقتلوهم} آخِرهنَّ بِغَيْر ألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْأَحْوَص قَالَ: شمعت أَبَا اسحق يقرؤهن كُلهنَّ بِغَيْر ألف
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْأَعْمَش قَالَ: كَانَ أَصْحَاب عبد الله يقرؤونها كُلهنَّ بِغَيْر ألف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ}(1/494)
قَالَ: حَتَّى يبدؤوا بِالْقِتَالِ ثمَّ نسخ بعد ذَلِك فَقَالَ: (وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة) (الْبَقَرَة الْآيَة 193) وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد والنحاس مَعًا فِي النَّاسِخ عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام} وَقَوله (يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير) (الْبَقَرَة الْآيَة 217) فَكَانَ كَذَلِك حَتَّى نسخ هَاتين الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا فِي بَرَاءَة قَوْله (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التَّوْبَة الْآيَة 5)
(وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة كَمَا يقاتلونكم كَافَّة) (التَّوْبَة الْآيَة 36)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِن انْتَهوا} قَالَ: فَإِن تَابُوا(1/495)
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
قَوْله تَعَالَى: وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة وَيكون الدّين لله فَإِن انْتَهوا فَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} يَقُول: شرك بِاللَّه {وَيكون الدّين} ويخلص التَّوْحِيد لله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} قَالَ: لَا تقاتلوا إِلَّا من قاتلكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة وَلَا تقاتلوهم عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَكَانَ هَذَا كَذَا حَتَّى نسخ فَأنْزل الله {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} أَي شرك {وَيكون الدّين لله} قَالَ: حَتَّى يُقَال: لَا إِلَه إِلَّا الله عَلَيْهَا قَاتل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإليها دَعَا
وَذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِن الله أَمرنِي أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلأه إِلَّا الله {فَإِن انْتَهوا فَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين} قَالَ: وَإِن الظَّالِم الَّذِي أَبى أَن يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله يُقَاتل حَتَّى يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله(1/495)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {وَيكون الدّين لله} يَقُول: حَتَّى لَا يعبد إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {فَلَا عدوان إِلَّا على الظَّالِمين} قَالَ: هم من أَبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر أَنه أَتَاهُ رجلَانِ فِي فتْنَة ابْن الزبير فَقَالَا: إِن النَّاس صَنَعُوا وَأَنت ابْن عمر وَصَاحب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا يمنعك أَن تخرج قَالَ: يَمْنعنِي إِن الله حرم دم أخي
قَالَا: ألم يقل الله {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} قَالَ: قاتلنا حَتَّى لم تكن فتْنَة وَكَانَ الدّين لله وَأَنْتُم تُرِيدُونَ أَن تقاتلوا حَتَّى تكون فتْنَة وَيكون الدّين لغير الله(1/496)
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
قَوْله تَعَالَى: الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله مَعَ الْمُتَّقِينَ
أخرج البُخَارِيّ عَن نَافِع
أَن رجلا أَتَى ابْن عمر فَقَالَ: مَا حملك على أَن تحج عَاما وتعتمر عَاما وتترك الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وَقد علمت مَا رغب الله فِيهِ قَالَ: يَا ابْن أخي: بني الإِسلام على خمس: إِيمَان بِاللَّه وَرَسُوله وَالصَّلَاة الْخمس وَصِيَام رَمَضَان وَأَدَاء الزَّكَاة وَحج الْبَيْت
قَالَ: أَلا تسمع مَا ذكر الله فِي كِتَابه: (وَإِن طَائِفَتَانِ من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بَينهمَا) (الحجرات الْآيَة 9) {وقاتلوهم حَتَّى لَا تكون فتْنَة} قَالَ: فعلنَا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ الإِسلام قَلِيلا وَكَانَ الرجل يفتن فِي دينه إِمَّا قَتَلُوهُ وَإِمَّا عذبوه حَتَّى كثر الإِسلام فَلم تكن فتْنَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي ظبْيَان قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى سعد فَقَالَ لَهُ: أَلا تخرج تقَاتل مَعَ النَّاس حَتَّى لَا تكون فتْنَة فَقَالَ سعد: قد قَاتَلت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى لم تكن فتْنَة فَأَما أَنْت وَذَا البطين تُرِيدُونَ أَن أقَاتل حَتَّى تكون فتْنَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما سَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُعْتَمِرًا فِي سنة سِتّ من الْهِجْرَة وحبسه الْمُشْركُونَ عَن الدُّخُول والوصول إِلَى الْبَيْت وصدوه بِمن مَعَه(1/496)
من الْمُسلمين فِي ذِي الْقعدَة وَهُوَ شهر حرَام حَتَّى قاضاهم على الدُّخُول من قَابل فَدَخلَهَا فِي السّنة الْآتِيَة هُوَ وَمن كَانَ مَعَه من الْمُسلمين وأقصه الله مِنْهُم نزلت هَذِه الْآيَة {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص}
وَأخرج الواحدي من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة فِي صلح الْحُدَيْبِيَة وَذَلِكَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما صد عَن الْبَيْت ثمَّ صَالحه الْمُشْركُونَ على أَن يرجع عَامه الْقَابِل فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْقَابِل تجهز وَأَصْحَابه لعمرة الْقَضَاء وخافوا أَن لَا تفي قُرَيْش بذلك وَأَن يصدوهم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام ويقاتلوهم وَكره أَصْحَابه قِتَالهمْ فِي الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه فأحرموا بِالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْقعدَة وَمَعَهُمْ الْهَدْي حَتَّى إِذا كَانُوا بِالْحُدَيْبِية صدهم الْمُشْركُونَ فَصَالحهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يرجع ثمَّ يقدم عَاما قَابلا فيقيم بِمَكَّة ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يخرج مَعَه بِأحد من أهل مَكَّة فَنحر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه بِالْهَدْي بِالْحُدَيْبِية وحلقوا أَو قصروا فَلَمَّا كَانَ عَام قَابل أَقبلُوا حَتَّى دخلُوا مَكَّة فِي ذِي الْقعدَة فاعتمروا وَأَقَامُوا بهَا ثَلَاثَة أَيَّام وَكَانَ الْمُشْركُونَ قد فَخَروا عَلَيْهِ حِين صدوه يَوْم الْحُدَيْبِيَة فَقص الله لَهُ مِنْهُم فَادْخُلْهُ مَكَّة فِي ذَلِك الشَّهْر الَّذِي ردُّوهُ فِيهِ فَقَالَ {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص} قَالَ فخرت قُرَيْش بردهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْحُدَيْبِيَة محرما فِي ذِي الْقعدَة عَن الْبَلَد الْحَرَام فَأدْخلهُ الله مَكَّة من الْعَام الْمقبل فَقضى عمرته وأقصه مَا حيل بَينه وَبَين يَوْم الْحُدَيْبِيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ أقبل نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه معتمرين فِي ذِي الْقعدَة وَمَعَهُمْ الْهَدْي حَتَّى إِذا كَانُوا بِالْحُدَيْبِية فصدهم الْمُشْركُونَ فَصَالحهُمْ نَبِي الله أَن يرجع عَامه ذَلِك حَتَّى يرجع من الْعَام الْمقبل فَيكون بِمَكَّة ثَلَاث لَيَال وَلَا يدخلوها إِلَّا بسلاح الرَّاكِب وَلَا يخرج بِأحد من أهل مَكَّة فنحروا الْهَدْي بِالْحُدَيْبِية وحلقوا وَقصرُوا حَتَّى إِذا كَانَ من الْعَام الْمقبل أقبل نَبِي الله وَأَصْحَابه معتمرين فِي ذِي الْقعدَة حَتَّى دخلُوا فَأَقَامَ بهَا ثَلَاث لَيَال وَكَانَ الْمُشْركُونَ قد فَخَروا عَلَيْهِ حِين ردُّوهُ يَوْم الْحُدَيْبِيَة فأقصه الله مِنْهُم وَأدْخلهُ مَكَّة فِي(1/497)
ذَلِك الشَّهْر الَّذِي كَانُوا ردُّوهُ فِيهِ فِي ذِي الْقعدَة فَقَالَ الله {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص}
وَأخرج ابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن جريج قَالَ قلت لعطاء: قَول الله عز وَجل {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص} فَقَالَ: هَذَا يَوْم الْحُدَيْبِيَة صدوا رَسُول الله صلى اللهعليه وَسلم عَن الْبَيْت الْحَرَام وَكَانَ مُعْتَمِرًا فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّنة الَّتِي بعْدهَا مُعْتَمِرًا مَكَّة فعمرة فِي الشَّهْر الْحَرَام بعمره فِي الشَّهْر الْحَرَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عُرْوَة وَابْن شهَاب قَالَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْعَام الْقَابِل من عَام الْحُدَيْبِيَة مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع وَهُوَ الشَّهْر الَّذِي صده فِيهِ الْمُشْركُونَ عَن الْمَسْجِد الْحَرَام وَأنزل الله فِي تِلْكَ الْعمرَة {الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص} فَاعْتَمَرَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّهْر الْحَرَام الَّذِي صد فِيهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} وَقَوله {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} الشورى الْآيَة 40 وَقَوله (وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل) (الشورى الْآيَة 41) وَقَوله (وَإِن عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمثل مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) (النَّحْل الْآيَة 126) قَالَ: هَذَا وَنَحْوه نزل بِمَكَّة والمسلمون يَوْمئِذٍ قَلِيل فَلَيْسَ لَهُم سُلْطَان يقهر الْمُشْركين فَكَانَ الْمُشْركُونَ يتعاطونهم بالشتم والأذى فَأمر الله الْمُسلمين من يتجازى مِنْهُم أَن يتجازى بِمثل مَا أُوتِيَ إِلَيْهِ أَو يصبر أَو يعْفُو فَلَمَّا هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وأعز الله سُلْطَانه أَمر الله الْمُسلمين أَن ينْتَهوا فِي مظالهم إِلَى سلطانهم وَلَا يعدو بَعضهم على بعض كَأَهل الْجَاهِلِيَّة فَقَالَ (وَمن قتل مَظْلُوما فقد جعلنَا لوَلِيِّه سُلْطَانا) (الْإِسْرَاء الْآيَة 33) الْآيَة
يَقُول: ينصره السُّلْطَان حَتَّى ينصفه من ظالمه وَمن انتصر لنَفسِهِ دون السُّلْطَان فَهُوَ عَاص مُسْرِف قد عمل بحمية الْجَاهِلِيَّة وَلم يرض بِحكم الله تَعَالَى(1/498)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ} قَالَ: فقاتلوهم فِيهِ كَمَا قَاتَلُوكُمْ
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير والنحاس فِي ناسخه عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لم يكن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَغْزُو فِي الشَّهْر الْحَرَام إِلَّا أَن يغزى ويغزو فَإِذا حَضَره أَقَامَ حَتَّى يَنْسَلِخ(1/499)
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
قَوْله تَعَالَى: وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة وأحسنوا إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ
أخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن حُذَيْفَة فِي قَوْله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ: هُوَ ترك النَّفَقَة فِي سَبِيل الله مَخَافَة الْعيلَة
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ: ترك النَّفَقَة فِي سَبِيل الله أنْفق وَلَو مشقصاً
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: لَيْسَ التَّهْلُكَة أَن يقتل الرجل فِي سَبِيل الله وَلَكِن الإِمساك عَن النَّفَقَة فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ: نزلت فِي النَّفَقَات فِي سَبِيل الله
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} فِي النَّفَقَة فِي سَبِيل الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ: كَانَ الْقَوْم فِي سَبِيل الله فيتزوّد الرجل فَكَانَ أفضل زاداً من الآخر أنْفق الْيَابِس من زَاده حَتَّى لَا يبْقى من زَاده شَيْء أحب أَن يواسي صَاحبه فَأنْزل الله {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا يسافرون ويقترون وَلَا يُنْفقُونَ من أَمْوَالهم فَأَمرهمْ أَن ينفقوا فِي مغازيهم فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب فِي قَوْله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ: هُوَ الْبُخْل(1/499)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن الأسلم فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ رجال يخرجُون فِي بعوث يبعثها رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِغَيْر نَفَقَة فإمَّا يقطع بهم وَإِمَّا كَانُوا عيالاً فَأَمرهمْ الله أَن يستنفقوا مِمَّا رزقهم الله وَلَا يلْقوا بِأَيْدِيهِم إِلَى التَّهْلُكَة والتهلكة أَن يهْلك رجال من الْجُوع والعطش وَمن الْمَشْي وَقَالَ لمن بِيَدِهِ فضل {وأحسنوا إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَابْن قَانِع وَالطَّبَرَانِيّ عَن الضَّحَّاك بن أبي جبيرَة أَن الأنصاركانوا يُنْفقُونَ فِي سَبِيل الله وَيَتَصَدَّقُونَ فَأَصَابَتْهُمْ سنة فسَاء ظنهم وأمسكوا عَن ذَلِك فَأنْزل الله {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ: لَا يمنعنكم النَّفَقَة فِي حق خيفة الْعيلَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أسلم أبي عمرَان قَالَ: كُنَّا بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ وعَلى أهل مصر عقبَة بن عَامر وعَلى أهل الشَّام فضَالة بن عبيد فَخرج صف عَظِيم من الرّوم فصففنا لَهُم فَحمل رجل من الْمُسلمين على صف الرّوم حَتَّى دخل فيهم فصاح النَّاس وَقَالُوا: سُبْحَانَ الله يلقِي بيدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَة فَقَامَ أَبُو أَيُّوب صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس إِنَّكُم تتأوّلون هَذِه الْآيَة هَذَا التَّأْوِيل وَإِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِينَا معشر الْأَنْصَار إِنَّا لما أعز الله دينه وَكثر ناصروه قَالَ بَعْضنَا لبَعض سرا دون رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن أَمْوَالنَا قد ضَاعَت وَإِن الله قد أعز الإِسلام وَكثر ناصروه فَلَو أَقَمْنَا فِي أَمْوَالنَا فأصلحنا مَا ضَاعَ فِيهَا فَأنْزل الله على نبيه يرد علينا مَا قُلْنَا {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} فَكَانَت التَّهْلُكَة الإِقامة فِي الْأَمْوَال وإصلاحها وَتَركنَا الْغَزْو
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب أَنه قيل لَهُ {وأنفقوا فِي سَبِيل الله وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} هُوَ الرجل يلقى العدّو فَيُقَاتل حَتَّى يقتل قَالَ: لَا وَلَكِن هُوَ الرجل يُذنب فيلقي بيدَيْهِ فَيَقُول: لَا يغْفر الله لي أبدا(1/500)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: كَانَ الرجل يُذنب فَيَقُول: لَا يغْفر الله لي
فَأنْزل الله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي فِي قَوْله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة} قَالَ: الْقنُوط
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: التَّهْلُكَة عَذَاب الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن عبد يَغُوث أَنهم حاصروا دمشق فأسرع رجل إِلَى العدوّ وَحده فعاب ذَلِك عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وَرفعُوا حَدِيثه إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ فَأرْسل إِلَيْهِ فَرده فَقَالَ: قَالَ الله {وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن رجل من الصَّحَابَة فِي قَوْله {وأحسنوا} قَالَ: أَدّوا الْفَرَائِض
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي إِسْحَق
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وأحسنوا إِن الله يحب الْمُحْسِنِينَ} قَالَ: أَحْسنُوا الظَّن بِاللَّه(1/501)
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
قَوْله تَعَالَى: وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله فَإِن أحصرتم فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهدى وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك فَإِذا أمنتم فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بالجعرانة وَعَلِيهِ جبّة وَعَلِيهِ أثر خلوق(1/501)
فَقَالَ: كَيفَ تَأْمُرنِي يَا رَسُول الله أَن أصنع فِي عمرتي فَأنْزل الله {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْن السَّائِل عَن الْعمرَة فَقَالَ: هَذَا أناذا
قَالَ: اخلع الْجُبَّة واغسل عَنْك أثر الخلوق ثمَّ مَا كنت صانعاً فِي حجك فاصنعه فِي عمرتك
وَأخرج الشَّافِعِي وَأحمد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن يعلى بن أُميَّة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بالجعرانة عَلَيْهِ جُبَّة وَعَلَيْهَا خلوق فَقَالَ: كَيفَ تَأْمُرنِي أَن أصنع فِي عمرتي قَالَ: فَأنْزل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتستر بِثَوْب وَكَانَ يعلى يَقُول: وددت أَنِّي أرى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي
فَقَالَ عمر: أَيَسُرُّك أَن تنظر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد أنزل عَلَيْهِ الْوَحْي فَرفع طرف الثَّوْب فَنَظَرت إِلَيْهِ لَهُ غطيط كغطيط الْبكر فَلَمَّا سري عَنهُ قَالَ: أَيْن السَّائِل عَن الْعمرَة اغسل عَنْك أثر الخلوق واخلع عَنْك جبتك واصنع فِي عمرتك مَا أَنْت صانع فِي حجك
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} قَالَ: أَن تحرم من دويرة أهلك
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} إِن تَمام الْحَج أَن تحرم من دويرة أهلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي قَوْله {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} قَالَ: من تمامهما أَن يفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا عَن الآخر وَأَن يعْتَمر فِي غير أشهر الْحَج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: من أحرم بِحَجّ أَو عمْرَة فَلَيْسَ لَهُ أَن يحل حَتَّى يُتمهَا تَمام الْحَج يَوْم النَّحْر إِذا رمى يَوْم النَّحْر إِذا رمى جَمْرَة الْعقبَة وزار الْبَيْت فقد حل وَتَمام الْعمرَة إِذا طَاف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة إِذا حل
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: تمامهما مَا أَمر الله فيهمَا
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عَلْقَمَة وَإِبْرَاهِيم قَالَا: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة إِلَى الْبَيْت / لَا يُجَاوز بِالْعُمْرَةِ الْبَيْت الْحَج الْمَنَاسِك وَالْعمْرَة الْبَيْت والصفا والمروة(1/502)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَليّ أَنه قَرَأَ / وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة للبيت / ثمَّ قَالَ: هِيَ وَاجِبَة مثل الْحَج
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أمرْتُم بِإِقَامَة أَربع
أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة إِلَى الْبَيْت
وَالْحج الْحَج الْأَكْبَر وَالْعمْرَة الْحَج الْأَصْغَر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن يزِيد بن مُعَاوِيَة قَالَ: إِنِّي لفي الْمَسْجِد زمن الْوَلِيد بن عقبَة حَلقَة فِيهَا حُذَيْفَة وَلَيْسَ إِذْ ذَاك حجزة وَلَا جلاوزة إِذْ هتف هَاتِف: من كَانَ يقْرَأ على قِرَاءَة أبي مُوسَى فليأت الزاويه الَّتِي عِنْد أَبْوَاب كِنْدَة وَمن كَانَ يقْرَأ على قِرَاءَة عبد الله بن مَسْعُود فليأت هَذِه الزاوية الَّتِي عِنْد دَار عبد الله وَاخْتلفَا فِي آيَة فِي سُورَة الْبَقَرَة قَرَأَ هَذَا (وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة للبيت) وَقَرَأَ هَذَا {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} فَغَضب حُذَيْفَة واحمرت عَيناهُ ثمَّ قَامَ - وَذَلِكَ فِي زمن عُثْمَان - فَقَالَ: إِمَّا أَن تركب إِلَى أَمِير الْمُؤمنِينَ وَإِمَّا أَن أركب فَهَكَذَا كَانَ من قبلكُمْ ثمَّ أقبل فَجَلَسَ فَقَالَ: إِن الله بعث مُحَمَّدًا فقاتل بِمن أقبل من أدبر حَتَّى أظهر الله دينه ثمَّ إِن الله قَبضه فطعن النَّاس فِي الإِسلام طعنة جواد ثمَّ إِن الله اسْتخْلف أَبَا بكر وَكَانَ مَا شَاءَ الله ثمَّ إِن الله قَبضه فطعن النَّاس فِي الإِسلام طعنة جواد ثمَّ إِن الله اسْتخْلف عمر فَنزل وسط الإِسلام ثمَّ إِن الله قَبضه فطعن النَّاس فِي الإِسلام طعنة جواد ثمَّ إِن الله اسْتخْلف عُثْمَان
وأيم الله ليوشكن أَن تطعنوا فِيهِ طعنة تحلقونه كُله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ أَنه قَرَأَهَا {وَأَتمُّوا الْحَج} ثمَّ قطع ثمَّ قَالَ {وَالْعمْرَة لله} يَعْنِي بِرَفْع التَّاء وَقَالَ: هِيَ تطوع
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن طَاوس قَالَ: قيل لِابْنِ عَبَّاس أتأمر بِالْعُمْرَةِ قبل الْحَج وَالله تَعَالَى يَقُول {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} فَقَالَ ابْن عَبَّاس: كَيفَ تقرؤون (من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين) (النِّسَاء الْآيَة 11) فبأيهما تبدؤون قَالُوا: بِالدّينِ
قَالَ: فَهُوَ ذَلِك(1/503)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْعمرَة وَاجِبَة كوجوب الْحَج من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وَالله إِنَّهَا لقرينتها فِي كتاب الله {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة كِلَاهُمَا فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد عَن مَسْرُوق قَالَ: أمرْتُم فِي الْقُرْآن بِإِقَامَة أَربع: أقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْعمرَة الْحجَّة الصُّغْرَى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَرَأَ (وَأقِيمُوا الْحَج وَالْعمْرَة للبيت) ثمَّ قَالَ: وَالله لَوْلَا التحرج إِنِّي لم أسمع فِيهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا لقلنا أَن الْعمرَة وَاجِبَة مثل الْحَج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: الْعمرَة وَاجِبَة لَيْسَ أحد من خلق الله إِلَّا عَلَيْهِ حجَّة وَعمرَة واجبتان من اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِك سَبِيلا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن طَاوس قَالَ: الْعمرَة على النَّاس كلهم إِلَّا على أهل مَكَّة فَإِنَّهَا لَيست عَلَيْهِم عمْرَة إِلَّا أَن يقدم أحد مِنْهُم من أفق من الْآفَاق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: لَيْسَ أحد من خلق الله إِلَّا عَلَيْهِ حجَّة وَعمرَة واجبتان من اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِك سَبِيلا كَمَا قَالَ الله حَتَّى أهل بوادينا إِلَّا أهل مَكَّة فَإِن عَلَيْهِم حجّة وَلَيْسَت عَلَيْهِم عمْرَة من أجل أَنهم أهل الْبَيْت وَإِنَّمَا الْعمرَة من أجل الطّواف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان على النَّاس كلهم إِلَّا أهل مَكَّة فَإِن عمرتهم طوافهم فَمن جعل بَينه وَبَين الْحرم بطن وَاد فَلَا يدْخل مَكَّة إِلَّا بِالْإِحْرَامِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: لَيْسَ على أهل مَكَّة عمْرَة إِنَّمَا يعْتَمر من زار الْبَيْت ليطوف بِهِ وَأهل مَكَّة يطوفون مَتى شاؤوا(1/504)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْحَج فَرِيضَة وَالْعمْرَة تطوّع
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي صَالح ماهان الْحَنَفِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج جِهَاد وَالْعمْرَة تطوّع
وَأخرج ابْن ماجة عَن طَلْحَة بن عبيد الله أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْحَج جِهَاد وَالْعمْرَة تطوّع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن جَابر بن عبد الله أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعمرَة أَوَاجِبَة هِيَ قَالَ: لَا وَإِن تَعْتَمِرُوا خير لكم
وَأخرج الْحَاكِم عَن زيد بن ثَابت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْحَج وَالْعمْرَة فريضتان لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم عَن ابْن سِيرِين أَن زيد بن ثَابت سُئِلَ عَن الْعمرَة قبل الْحَج قَالَ: صلاتان
وَفِي لفظ نسكان لله عَلَيْك لَا يَضرك بِأَيِّهِمَا بدأت
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن عبد الله بن أبي بكر أَن فِي الْكتاب الَّذِي كتبه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَمْرو بن حزم إِن الْعمرَة هِيَ الْحَج الْأَصْغَر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أوصني قَالَ: تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم شهر رَمَضَان وتحج وتعتمر وَتسمع وتطيع وَعَلَيْك بالعلانية وَإِيَّاك والسر
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْأَعْمَال عِنْد الله إِيمَان لَا شكّ فِيهِ وغزو لَا غلُول فِيهِ وَحج مبرور
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن كاجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْعمرَة إِلَى الْعمرَة كَفَّارَة لما بَينهمَا وَالْحج المبرور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد عَن عَامر بن ربيعَة مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا سبح الْحَاج من تَسْبِيحَة وَلَا هلل من تَهْلِيلَة وَلَا كبر من تَكْبِيرَة إِلَّا بشر بهَا تبشيرة(1/505)
وَأخرج مُسلم وَابْن خُزَيْمَة عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْإِسْلَام يهدم مَا قبله وَأَن الْهِجْرَة تهدم مَا كَانَ قبلهَا وَأَن الْحَج يهدم مَا كَانَ قبله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْحسن بن عليّ قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي جبان وَضَعِيف
فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى جِهَاد لَا شَوْكَة فِيهِ: الْحَج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عليّ بن حُسَيْن قَالَ سَأَلَ رجل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْجِهَاد فَقَالَ: أَلا أدلك على جِهَاد لَا شَوْكَة فِيهِ الْحَج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي رجل جبان وَلَا أُطِيق لِقَاء العدوّ
فَقَالَ: أَلا أدلك على جِهَاد لَا قتال فِيهِ قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: عَلَيْك بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة قَالَت قلت: يَا رَسُول الله نرى الْجِهَاد أفضل الْعَمَل أَفلا نجاهد فَقَالَ: لَكِن أفضل الْجِهَاد حج مبرور
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن خُزَيْمَة عَن عَائِشَة قَالَت قلت: يَا رَسُول الله
هَل على النِّسَاء من جِهَاد قَالَ: عَلَيْهِنَّ جِهَاد لَا قتال فِيهِ
الْحَج وَالْعمْرَة
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جِهَاد الْكَبِير والضعيف وَالْمَرْأَة: الْحَج وَالْعمْرَة
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الإِسلام أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الهه وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن تقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الْجَنَابَة وَأَن تتمّ الْوضُوء وتصوم رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج جِهَاد كل ضَعِيف
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَمْرو بن عبسة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْأَعْمَال حجَّة مبرورة أَو عمْرَة مبرورة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن مَاعِز عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: إِيمَان بِاللَّه وَحده ثمَّ الْجِهَاد ثمَّ حجَّة برة تفضل سَائِر الْأَعْمَال كَمَا بَين مطلع الشَّمْس وَمَغْرِبهَا(1/506)
وَأخرج أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْحَج المبرور لَيْسَ لَهُ جَزَاء إِلَّا الْجنَّة
قيل: وَمَا بره قَالَ: إطْعَام الطَّعَام وَطيب الْكَلَام وَفِي لفظ وإفشاء السَّلَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عبد الله بن جَراد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجُّوا فَإِن الْحَج يغسل الذُّنُوب كَمَا يغسل المَاء الدَّرن
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي مُوسَى رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحَاج يشفع فِي أَرْبَعمِائَة من أهل بَيته وَيخرج من ذنُوبه كَمَا وَلدته أمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة سَمِعت أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من جَاءَ يؤم الْبَيْت الْحَرَام فَركب بعيره فَمَا يرفع خفاً وَلَا يضع خفاً إِلَّا كتب الله لَهُ بهَا حَسَنَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة وَرفع لَهُ بهَا دَرَجَة حَتَّى إِذا انْتهى إِلَى الْبَيْت فَطَافَ وَطَاف بَين الصَّفَا والمروة ثمَّ حلق أَو قصر خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه فليستأنف الْعَمَل
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفد الله ثَلَاثَة: الْغَازِي والحاج الْمُعْتَمِر
وَأخرج الْبَزَّار عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحجَّاج والعمار وَفد الله دعاهم فَأَجَابُوهُ وسألوه فَأَعْطَاهُمْ
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحجَّاج والعمار وَفد الله إِن دَعوه أجابهم وَإِن استغفروه غفر لَهُم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو يعلم المقيمون مَا للحجاج عَلَيْهِم من الْحق لأتوهم حِين يقدمُونَ حَتَّى يقبلُوا رواحلهم لأَنهم وَفد الله من جَمِيع النَّاس
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يغْفر للحجاج وَلمن اسْتغْفر لَهُ الْحَاج
وَفِي لفظ: اللَّهُمَّ اغْفِر للحجاج وَلمن اسْتغْفر لَهُ الْحَاج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة ومسدد فِي مُسْنده عَن عمر قَالَ: يغْفر للْحَاج وَلمن اسْتغْفر لَهُ الْحَاج بَقِيَّة ذِي الْحجَّة وَالْمحرم وصفر وَعشرا من ربيع الأول
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر أَنه خطب عِنْد بَاب الْكَعْبَة فَقَالَ: مَا من أحد يَجِيء إِلَى هَذَا الْبَيْت لَا ينهزه غير صَلَاة فِيهِ حَتَّى يسْتَلم الْحجر إِلَّا كفر عَنهُ مَا كَانَ قبل ذَلِك(1/507)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: من حج هَذَا الْبَيْت لَا يُرِيد غَيره خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أم معقل أَن زَوجهَا جعل بكرا فِي سَبِيل الله وَأَنَّهَا أَرَادَت الْعمرَة فَسَأَلت زَوجهَا الْبكر فَأبى عَلَيْهَا فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُعْطِيهَا وَقَالَ: إِن الْحَج وَالْعمْرَة لمن سَبِيل الله وَأَن عمْرَة فِي رَمَضَان تعدل حجَّة أَو تجزىء بِحجَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج فَقَالَت امْرَأَة لزَوجهَا: حج بِي
قَالَ: مَا عِنْدِي مَا أحج بك عَلَيْهِ
قَالَت: فحج بِي على ناضحك
قَالَ: ذَاك نعتقبه أَنا وولدك
قَالَت: فحج بِي على جملك فلَان
قَالَ: ذَاك احْتبسَ فِي سَبِيل الله قَالَت: فبع تمر رفك
قَالَ: ذَلِك قوتي وقوتك
فَلَمَّا رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة أرْسلت إِلَيْهِ زَوجهَا فَقَالَت: اقرىء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مني السَّلَام وسله مَا يعدل حجَّة مَعَك فَأتى زَوجهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ: أما أَنَّك لَو كنت حججْت بهَا على الْجمل الحبيس كَانَ فِي سَبِيل الله وَضحك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعَجبا من حرصها على الْحَج وَقَالَ: أقرءها مني السَّلَام وَرَحْمَة الله وأخبرها أَنَّهَا تعدل حجَّة معي عمْرَة فِي رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا فِي عمرتها: إِن لَك من الْأجر على قدر نصبك ونفقتك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبيب
أَن قوما مروا بِأبي ذَر بالربذة فَقَالَ لَهُ: مَا أنصبكم إِلَّا الْحَج استأنفوا الْعَمَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم: أَن ابْن مَسْعُود قَالَ لقوم ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبيب بن الزبير قَالَ: قلت لعطاء: أبلغك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: استقبلوا الْعَمَل بعد الْحَج قَالَ: لَا وَلَكِن عُثْمَان وَأَبُو ذَر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب أَنه رأى قوما من الْحجَّاج فَقَالَ: لَو يعلم هَؤُلَاءِ مَا لَهُم بعد الْمَغْفِرَة لقرت عيونهم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن كَعْب قَالَ: إِذا كبر الْحَاج والمعتمر والغازي كبر الْمُرْتَفع الَّذِي يَلِيهِ ثمَّ الي يَلِيهِ حَتَّى يَنْقَطِع فِي الْأُفق
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/508)
من أَرَادَ الْحَج فَليَتَعَجَّل فَإِنَّهُ قد تضل الضَّالة ويمرض الْمَرِيض وَتَكون الْحَاجة
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعجلوا إِلَى الْحَج - يَعْنِي الْفَرِيضَة - فَإِن أحدكُم لَا يدْرِي مَا يعرض لَهُ
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عبد يدع الْحَج لحَاجَة من حوائج الدُّنْيَا إِلَّا رأى الْمُخلفين قبل أَن يقْضِي تِلْكَ الْحَاجة وَمَا من عبد يدع الْمَشْي فِي حَاجَة أَخِيه قضيت أَو لم تقض إِلَّا ابتلى بعونه من يَأْثَم عَلَيْهِ وَلَا يُؤجر فِيهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي ذَر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ: إلهي مَا لِعِبَادِك إِذا هم زوارك فِي بَيْتك قَالَ: لكل زائر حق على المزور يَا دَاوُد إِن لَهُم أَن أعافيهم فِي الدُّنْيَا وأغفر لَهُم إِذا لقيتهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن سهل بن سعد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا رَاح مُسلم فِي سَبِيل الله مُجَاهدًا أَو حَاجا مهلا أَو ملبياً إِلَّا غربت الشَّمْس بذنوبه وَخرج مِنْهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْحجَّاج والعمار وَفد الله سَأَلُوا أعْطوا وَإِن دعوا أجِيبُوا وَإِن أَنْفقُوا أخلف لَهُم وَالَّذِي نفس أبي الْقَاسِم بِيَدِهِ مَا كبر مكبر على نشز وَلَا أهل مهل على شرف إِلَّا أهل مَا بَين يَدَيْهِ وَكبر حَتَّى يَنْقَطِع مِنْهُ مُنْقَطع التُّرَاب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحجَّاج والعمار وَفد الله يعطيهم مَا سَأَلُوا ويستجيب لَهُم مَا دعوا ويخلف عَلَيْهِم مَا أَنْفقُوا الدِّرْهَم بِأَلف ألف
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله يرفعهُ قَالَ: مَا أمعر حَاج قطّ
قيل لجَابِر: وَمَا الإِمعار قَالَ: مَا افْتقر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/509)
تابعوا بَين الْحَج وَالْعمْرَة فَإِنَّهُمَا ينفيان الْفقر والذنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَيْسَ للحجة المبرورة ثَوَاب دون الْجنَّة وَمَا من مُؤمن يظل يَوْمه محرما إِلَّا غَابَتْ الشَّمْس بذنوبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تابعوا بَين الْحَج وَالْعمْرَة فَإِن الْمُتَابَعَة بَينهمَا تَنْفِي الْفقر والذنُوب كَمَا يَنْفِي الْكِير خبث الْحَدِيد
وَأخرج الْبَزَّار عَن جَابر مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده عَن ابْن عمر مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد عَن عَامر بن ربيع مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا أهل مهل قطّ وَلَا كبر مكبر قطّ إِلَّا بشر
قيل: يَا رَسُول الله بِالْجنَّةِ قَالَ: نعم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أهل مهل قطّ إِلَّا آبت الشَّمْس بذنوبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: مَا أَتَى هَذَا الْبَيْت طَالب حَاجَة لدين أَو دنيا إِلَّا رَجَعَ بحاجته
وَأخرج أَبُو يعلى وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خرج فِي هَذَا الْوَجْه لحج أَو عمْرَة فَمَاتَ فِيهِ لم يعرض وَلم يُحَاسب وَقيل لَهُ ادخل الْجنَّة
قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يباهي بالطائفين
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ فِي طَرِيق مَكَّة ذَاهِبًا أَو رَاجعا لم يعرض وَلم يُحَاسب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أم سَلمَة
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أهل بِالْحَجِّ وَالْعمْرَة من الْمَسْجِد الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام غفر لَهُ مَا تقدم وَمَا تَأَخّر وَوَجَبَت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَضَعفه عَن أبي ذَر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا خرج الْحَاج من أَهله فَسَار ثَلَاثَة أَيَّام أَو ثَلَاث لَيَال خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه وَكَانَ سَائِر أَيَّامه دَرَجَات وَمن كفن مَيتا كَسَاه الله من ثِيَاب الْجنَّة وَمن غسل مَيتا خرج من ذنُوبه وَمن حثى عَلَيْهِ التُّرَاب فِي قَبره كَانَت لَهُ بِكُل هباة أثقل من مِيزَانه من جبل من الْجبَال
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا ترفع ابل الْحَاج رجلا وَلَا تضع يدا إِلَّا كتب لَهُ الله بهَا حَسَنَة أَو محا عَنهُ سَيِّئَة أَو رَفعه بهَا دَرَجَة(1/510)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حبيب بن الزبير الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ: قلت لعطاء بن أبي رَبَاح: أبلغك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يستأنفون الْعَمَل يَعْنِي الْحجَّاج قَالَ: لَا وَلَكِن بَلغنِي عَن عُثْمَان بن عَفَّان وَأبي ذَر الْغِفَارِيّ أَنَّهُمَا قَالَا: يستقبلون الْعَمَل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة
أَن رجلا مر بعمر بن الْخطاب وَقد قضى نُسكه فَقَالَ لَهُ عمر: أحججت قَالَ: نعم
فَقَالَ لَهُ: اجْتنبت مَا نهيت عَنهُ فَقَالَ: مَا ألوت
قَالَ عمر: اسْتقْبل عَمَلك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله عز وَجل ليدْخل بِالْحجَّةِ الْوَاحِدَة ثَلَاثَة نفر الْجنَّة: الْمَيِّت والحاج عَنهُ والمنفذ ذَلِك
يَعْنِي الْوَصِيّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول تبَارك وَتَعَالَى: إِن عبدا صححت لَهُ جِسْمه وأوسعت لَهُ فِي رزقه يَأْتِي عَلَيْهِ خمسين سِنِين لَا يفد إليَّ لمحروم
وَأخرج أَبُو يعلى عَن خباب بن الْأَرَت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يَقُول: إِن عبدا أصححت لَهُ جِسْمه وأوسعت لَهُ فِي الرزق يَأْتِي عَلَيْهِ خمس حجج لم يَأْتِ إليَّ فِيهِنَّ لمحروم
وَأخرج الشَّافِعِي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي كل شهر عمْرَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر قَالَ: إِذا وضعتم السُّرُوج فشدوا الرّحال إِلَى الْحَج والعمره فَإِنَّهُمَا أحد الجهادين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَابر بن زيد قَالَ: الصَّوْم وَالصَّلَاة يجهدان الْبدن وَلَا يجهدان المَال وَالصَّدَََقَة تجهد المَال وَلَا تجهد الْبدن وَإِنِّي لَا أعلم شَيْئا أجهد لِلْمَالِ وَالْبدن من الْحَج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {فَإِن أحصرتم} يَقُول: من أحرم بِحَجّ أَو عمْرَة ثمَّ حبس عَن الْبَيْت بِمَرَض يجهده أَو عَدو يحْبسهُ فَعَلَيهِ ذبح مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة فَمَا فَوْقهَا فَإِن كَانَت حجَّة الإِسلام فَعَلَيهِ قَضَاؤُهَا وَإِن كَانَت بعد حجَّة الفريضه فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ {وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله} فَإِذا كَانَ أحرم بِالْحَجِّ فمحله يَوْم النَّحْر وَإِن كَانَ أحرم بِعُمْرَة فَمحل هدبه إِذا أَتَى الْبَيْت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِن أحصرتم} قَالَ:(1/511)
هُوَ الرجل من أَصْحَاب مُحَمَّد كَانَ يحبس عَن الْبَيْت فيهدي إِلَى الْبَيْت وَيمْكث على إِحْرَامه حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله فَإِن بلغ الْهَدْي مَحَله حلق رَأسه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {فَإِن أحصرتم} الْآيَة
يَقُول: إِذا أهل الرجل بِالْحَجِّ فأحصر بعث بِمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَإِن هُوَ عجل قبل أَن يبلغ الْهَدْي مَحَله فحلق رَأسه أَو مس طيبا أَو تداوى بدواء كَانَ عَلَيْهِ فديَة من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك وَالصِّيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَالصَّدَََقَة ثَلَاثَة أصوع على سِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع والنسك {فَإِذا أمنتم} يَقُول: فَإِذا برىء فَمضى من وَجهه ذَلِك الْبَيْت كَانَ عَلَيْهِ حجَّة وَعمرَة فَإِن رَجَعَ مُتَمَتِّعا فِي أشهر الْحَج كَانَ عَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي شَاة فَإِن هُوَ لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم
قَالَ إِبْرَاهِيم: فَذكرت هَذَا الحَدِيث لسَعِيد بن جُبَير فَقَالَ: هَكَذَا قَالَ ابْن عَبَّاس فِي هَذَا الحَدِيث كُله
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الْحصْر حبس كُله
وَأخرج مَالك وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ فِي قَوْله {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} قَالَ: شَاة
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عمر {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} قَالَ: بقرة أَو جزور
قيل: أَو مَا يَكْفِيهِ شَاة قَالَ: لَا
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} قَالَ: مَا يجد قد يستيسر على الرجل وَالْجَزُور والجزوران
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: من الْأزْوَاج الثَّمَانِية من الإِبل وَالْبَقر والضان والمعز على قدر الميسرة وَمَا عظمت فَهُوَ أفضل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي} قَالَ: عَلَيْهِ هدي إِن كَانَ مُوسِرًا فَمن الإِبل وَإِلَّا فَمن الْبَقر وَإِلَّا فَمن الْغنم(1/512)
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْقَاسِم عَن عَائِشَة يَقُول: مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي الشَّاة
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا حصر إِلَّا حصر العدوّ فاما من أَصَابَهُ مرض أَو وجع أَو ضلال فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
إِنَّمَا قَالَ الله {فَإِذا أمنتم} فَلَا يكون الْأَمْن إِلَّا من الْخَوْف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: لَا إحصار إِلَّا من عدوّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لَا إحصار إِلَّا من الْحَرْب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: لَا إحصار إِلَّا من مرض أَو عدوّ أَو أَمر حَابِس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُرْوَة قَالَ: كل شَيْء حبس الْمحرم فَهُوَ إحصار
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن نَافِع
أَن عبيد الله بن عبد الله وَسَلام بن عبد الله أخبراه: أَنَّهُمَا كلما عبد الله بن عمر ليَالِي نزل الْجَيْش بِابْن الزبير فَقَالَ: لَا يَضرك أَن لَا تحج الْعَام إِنَّا نَخَاف أَن يُحَال بَيْنك وَبَين الْبَيْت
فَقَالَ: خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معتمرين فحال كفار قُرَيْش دون الْبَيْت فَنحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَدْيه وَحلق رَأسه
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قد أحْصر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فحلق رَأسه وجامع نِسَاءَهُ وَنحر هَدْيه حَتَّى اعْتَمر علما قَابلا
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله}
أخرج البُخَارِيّ عَن الْمسور أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نحر قبل أَن يحلق وَأمر أَصْحَابه بذلك
وَأخرج البُخَارِيّ تَعْلِيقا عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا الْبَدَل على من نقص حجَّة بالتذاذ وَأما من حَبسه عذر أَو غير ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يحل وَلَا يرجع وَإِن كَانَ مَعَه هدي وَهُوَ محصر نَحره إِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يبْعَث بِهِ وَإِن اسْتَطَاعَ أَن يبْعَث بِهِ لم يحل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن أهل الْحُدَيْبِيَة أمروا بابدال الْهَدْي فِي الْعَام الَّذِي حلوا فِيهِ فابدلوا وعزت الإِبل فَرخص لَهُم فِيمَن لَا يجد بَدَنَة فِي اشْتِرَاء بقرة(1/513)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي حاصر الْحِمْيَرِي قَالَ: خرجت مُعْتَمِرًا عَام حوصر ابْن الزبير وَمَعِي هدي فمنعنا أَن ندخل الْحرم فنحرت الْهَدْي مَكَاني وأحللت فَلَمَّا كَانَ الْعَام الْمقبل خرجت لأقضي عمرتي أتيت ابْن عَبَّاس فَسَأَلته فَقَالَ: أبدل الْهَدْي فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَصْحَابه أَن يبدلوا الْهَدْي الَّذِي نحرُوا عَام الديبية فِي عمْرَة الْقَضَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِذا حلق قبل أَن يذبح اهرق لذَلِك دَمًا ثمَّ قَرَأَ {وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله}
وَأخرج ابْن جرير عَن الْأَعْرَج أَنه قَرَأَ {حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله} {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} ) الْمَائِدَة الْآيَة 95) بِكَسْر الدَّال مُثقلًا
أما قَوْله تَعَالَى: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك}
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحُدَيْبِية وَنحن محرمون وَقد حصرنا الْمُشْركُونَ وَكَانَت لي وفرة فَجعلت الْهَوَام تساقط على وَجْهي فَمر بِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَيُؤْذِيك هوَام رَأسك قلت: نعم
فَأمرنِي أَن أحلق قَالَ: وَنزلت هَذِه الْآيَة {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صم ثَلَاثَة أَيَّام أَو تصدق بفرق بَين سِتَّة أَو انسك مِمَّا تيَسّر
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تحلقوا رؤوسكم حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله} ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك}
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: قعدت إِلَى كَعْب بن عجْرَة فَسَأَلته عَن هَذِه الْآيَة {ففدية من صِيَام أَو صَدَقَة أَو نسك} فَقَالَ: نزلت فيَّ كَانَ بِي أَذَى من رَأْسِي فَحملت إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقمل يَتَنَاثَر على وَجْهي فَقَالَ: مَا كنت أرى أَن الْجهد بلغ(1/514)
بك هَذَا أما تَجِد شَاة قلت: لَا
قَالَ: صم ثَلَاثَة أَيَّام أَو اطعم سِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع من طَعَام واحلق رَأسك
فَنزلت فيّ خَاصَّة وَهِي لكم عَامَّة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن جرير عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ لفيّ نزلت وإياي عني بهَا {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا أَو بِهِ أَذَى من رَأسه} قَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية وَهُوَ عِنْد الشَّجَرَة: أَيُؤْذِيك هوامك قلت: نعم
فَنزلت
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والواحدي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلنَا الْحُدَيْبِيَة جَاءَ كَعْب بن عجْرَة ينتر هوَام رَأسه على وَجهه فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذَا الْقمل قد أكلني فَأنْزل الله فِي ذَلِك الْموقف {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: النّسك شَاة وَالصِّيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَالطَّعَام فرق بَين سِتَّة مَسَاكِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} يَعْنِي من اشْتَدَّ مَرضه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} يَعْنِي بِالْمرضِ أَن يكون بِرَأْسِهِ أَذَى أَو قُرُوح أَو بِهِ أَذَى من رَأسه
قَالَ: الْأَذَى هُوَ الْقمل
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: مَا أَذَى من رَأسه قَالَ: الْقمل وَغَيره الصداع وَمَا كَانَ فِي رَأسه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: النشك أَن يذبح شَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لكعب بن عجْرَة: أَيُؤْذِيك هوَام رَأسك قَالَ: نعم
قَالَ: فاحلقه وافتد إِمَّا صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وَإِمَّا أَن تطعم سِتَّة مَسَاكِين أَو نسك شَاة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: الصّيام ثَلَاثَة أَيَّام وَالصَّدَََقَة ثَلَاثَة أصوع على سِتَّة مَسَاكِين والنسك شَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن (أَو أَو) فصاحبه مُخَيّر فَإِذا ان {فَمن لم يجد} فَهُوَ الأوّل فالأوّل(1/515)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن (أَو أَو) فَهُوَ خِيَار
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم عَن ابْن جريج عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن (أَو أَو) لَهُ أَيَّة شَاءَ
قَالَ ابْن جريج: إِلَّا قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذين يُحَاربُونَ الله وَرَسُوله) (الْمَائِدَة الْآيَة 33) فَلَيْسَ بمخيَّر فِيهَا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن (أَو أَو) يخْتَار مِنْهُ صَاحبه مَا شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة وَإِبْرَاهِيم
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج} يَقُول: من أحرم بِالْعُمْرَةِ فِي أشهر الْحَج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: التَّمَتُّع الاعتمار فِي أشهر الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن الزبير أَنه خطب فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس وَالله مَا التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج كَمَا تَصْنَعُونَ إِنَّمَا التَّمَتُّع أَن يهل الرجل بِالْحَجِّ فيحصره عدوّ أَو مرض أَو كسر أَو يحْبسهُ أَمر حَتَّى يذهب أَيَّام الْحَج فَيقدم فيجعلها عمْرَة فيتمتع تَحِلَّة إِلَى الْعَام الْمقبل ثمَّ يحجّ وَيهْدِي هَديا فَهَذَا التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: كَانَ ابْن الزبير يَقُول: إِنَّمَا الْمُتْعَة لمن أحْصر وَلَيْسَت لمن خلي سَبيله
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَهِي لمن أحْصر وَلَيْسَت لمن خلي سَبيله
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: وَهِي لمن أحْصر وَمن خليت سَبيله
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ فِي قَوْله {فَإِذا أمنتم فَمن تمتّع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج} قَالَ: فَإِن أخر الْعمرَة حَتَّى يجمعها مَعَ الْحَج فَعَلَيهِ الْهَدْي
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن عَطاء قَالَ: إِنَّمَا سميت الْمُتْعَة لأَنهم كَانُوا يتمتعون بِالنسَاء وَالثيَاب
وَفِي لفظ: يتمتع بأَهْله وثيابه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ أهل اجاهلية إِذا حجُّوا قَالُوا: إِذا(1/516)
عَفا الْوَبر وَتَوَلَّى الدبر وَدخل صفر حلت الْعمرَة لمن اعْتَمر
فَأنْزل الله التَّمَتُّع بِالْعُمْرَةِ تغييراً لما كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يصنعون وترخيصاً للنَّاس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي جَمْرَة
أَن رجلا قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: تمتعت بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج ولي أَرْبَعُونَ درهما فِيهَا كَذَا وفيهَا كَذَا وفيهَا نَفَقَة
فَقَالَ: صم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} قَالَ: قبل التَّرويَة يَوْم وَيَوْم التَّرويَة وَيَوْم عَرَفَة فَإِن فَاتَتْهُ صامهن أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج وَكِيع وَعبد الراق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر فِي قَوْله {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج} قَالَ: قبل التَّرويَة يَوْم وَيَوْم التَّرويَة وَيَوْم عَرَفَة فَإِن فَاتَهُ صيامها صامها أَيَّام منى فَإِنَّهُنَّ من الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَلْقَمَة وَمُجاهد وَسَعِيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الصّيام للمتمتع مَا بَين إِحْرَامه إِلَى يَوْم عَرَفَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: إِذا لم يجد الْمُتَمَتّع بِالْعُمْرَةِ هَديا فَعَلَيهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج قبل يَوْم عَرَفَة وَإِن كَانَ يَوْم عَرَفَة الثَّالِث فقد تمّ صَوْمه وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: الصّيام لمن يتمتع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج لمن لم يجد هَديا مَا بَين أَن يهل بِالْحَجِّ إِلَى يَوْم عَرَفَة فَإِن لم يصم صَامَ أَيَّام منى
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ عَن ابْن عمر
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر وَعَائِشَة قَالَا: لم يرخص فِي أَيَّام التَّشْرِيق أَن يصمن إِلَّا لمتمتع لم يجد هَديا
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ رخص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للمتمتع إِذا لم يجد الْهَدْي وَلم يصم حَتَّى فَاتَتْهُ أَيَّام الْعشْر أَن يَصُوم أَيَّام التَّشْرِيق مَكَانهَا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من لم يكن مَعَه هدي فليصم ثَلَاثَة أَيَّام قبل يَوْم النَّحْر وَمن لم يكن صَامَ تِلْكَ الثَّلَاثَة أَيَّام فليصم أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام منى(1/517)
وَأخرج مَالك وَابْن جرير عَن الزُّهْرِيّ قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن حذاقة بن قيس فَنَادَى فِي أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ: إِن هَذِه أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله إِلَّا من كَانَ عَلَيْهِ صَوْم من هدي
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب عَن عبد الله بن حذاقة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره فِي رَهْط أَن يطوفوا فِي منى فِي حجَّة الْوَدَاع فينادوا إِن هَذِه أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله فَلَا صَوْم فِيهِنَّ إِلَّا صوما فِي هدي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: لَا يُجزئهُ صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام وَهُوَ متمتع إِلَّا أَن يحرم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: لَا يَصُوم متمتع إِلَّا فِي الْعشْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أبي نجيح قَالَ: قَالَ مُجَاهِد يَصُوم الْمُتَمَتّع إِن شَاءَ يَوْمًا من شوّال وَإِن شَاءَ يَوْمًا من ذِي الْقعدَة قَالَ: وَقَالَ طَاوس وَعَطَاء: لَا يَصُوم الثَّلَاثَة إِلَّا فِي الْعشْر
وَقَالَ مُجَاهِد
لَا بَأْس أَن يصومهن فِي أشهر الْحَج
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سُئِلَ عَن مُتْعَة الْحَاج فَقَالَ أهل الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار وَأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وأهللنا فَلَمَّا قدمنَا مَكَّة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اجعلوا إهلالكم بِالْحَجِّ عمْرَة إِلَّا من قلد الْهَدْي فطفنا بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة وأتينا النِّسَاء ولبسنا الثِّيَاب
وَقَالَ: من قلد الْهَدْي فَإِنَّهُ لَا يحل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله ثمَّ أمرنَا عَشِيَّة التَّرويَة أَن نهل بِالْحَجِّ فَإِذا فَرغْنَا من الْمَنَاسِك جِئْنَا فطفنا بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة وأتينا النِّسَاء ولبسنا الثِّيَاب
وَقَالَ: من قلد الْهَدْي فَإِنَّهُ لَا يحل حَتَّى يبلغ الْهَدْي مَحَله ثمَّ أمرنَا عَشِيَّة التَّرويَة أَن نهل بِالْحَجِّ فَإِذا فَرغْنَا من الْمَنَاسِك جِئْنَا فطفنا بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة وَقد تمّ حجنا وعلينا الْهَدْي كَمَا قَالَ الله {فَمَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم} إِلَى أمصاركم وَالشَّاة تجزىء فَجمعُوا نسكين فِي عَام بَين الْحَج وَالْعمْرَة فَإِن الله أنزلهُ فِي كِتَابه وَسنة نبيه وأباحه للنَّاس غير أهل مَكَّة
قَالَ الله تَعَالَى {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} وَأشهر الْحَج الَّتِي ذكر الله شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة فَمن تمتّع فِي هَذِه الْأَشْهر فَعَلَيهِ دم أَو صَوْم والرفث الْجِمَاع والفسوق الْمعاصِي والجدال المراء
وَأخرج مَالك وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر: من اعْتَمر فِي أشهر(1/518)
الْحَج فِي شوّال أَو ذِي الْقعدَة أَو ذِي الْحجَّة فقد استمتع وَوَجَب عَلَيْهِ الْهَدْي أَو الصّيام إِن لم يجد هَديا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: من اعْتَمر فِي شوّال أَو فِي ذِي الْقعدَة ثمَّ قَامَ حَتَّى يحجّ فَهُوَ متمتع عَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ من الْهَدْي فَمن لم يجد فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله وَمن اعْتَمر فِي أشهر الْحَج ثمَّ رَجَعَ فَلَيْسَ بمتمتع ذَاك من أَقَامَ وَلم يرجع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كَانَ أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا اعتمروا فِي أشهر الْحَج ثمَّ لم يحجوا من عَامهمْ ذَلِك لم يهدوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ عمر: إِذا اعْتَمر فِي أشهر الْحَج ثمَّ أَقَامَ فَهُوَ متمتع فَإِن رَجَعَ فَلَيْسَ بمتمتع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: من اعْتَمر فِي أشهر الْحَج ثمَّ أَقَامَ فَهُوَ متمتع فَإِن رَجَعَ فَلَيْسَ بمتمتع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ: من اعْتَمر فِي أشهر الْحَج ثمَّ رَجَعَ إِلَى بَلَده ثمَّ حج من عَامه فَلَيْسَ بمتمتع ذَاك من أَقَامَ وَلم يرجع
وَأخر الْحَاكِم عَن أبي أَنه كَانَ يقْرؤهَا (فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام مُتَتَابِعَات)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر فِي قَوْله {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِلَى أهليكم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِذا رجعتم إِلَى أمصاركم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِلَى بِلَادكُمْ حَيْثُ كَانَت
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِنَّمَا هِيَ رخصَة إِن شَاءَ صامهن فِي الطَّرِيق وَإِن شَاءَ صامها بعد مَا رَجَعَ إِلَى أَهله وَلَا يفرق بَينهُنَّ
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء وَالْحسن {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ عَطاء: فِي الطَّرِيق إِن شَاءَ
وَقَالَ الْحسن: إِذا رَجَعَ إِلَى مصره(1/519)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِن أَقَامَ صامهن بِمَكَّة إِن شَاءَ
وَأخرج وَكِيع عَن عَطاء {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِذا قضيتم حَجكُمْ وَإِذا رَجَعَ إِلَى أَهله أحب إِلَيّ
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن طَاوس {وَسَبْعَة إِذا رجعتم} قَالَ: إِن شَاءَ فرق
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {تِلْكَ عشرَة كَامِلَة} قَالَ: كَامِلَة من الْهَدْي
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عمر قَالَ تمتّع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الوادع بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج وَأهْدى فساق مَعَه الْهَدْي من ذِي الحليفة وَبَدَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأهل بِالْعُمْرَةِ ثمَّ أهل بِالْحَجِّ فتمتع النَّاس مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَج فَكَانَ من النَّاس من أهْدى فساق الْهَدْي وَمِنْهُم من لم يهد فَلَمَّا قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة قَالَ للنَّاس: من مِنْكُم أهْدى فَإِنَّهُ لَا يحل لشَيْء حرم مِنْهُ حَتَّى يقْضِي حجه وَمن لم يكن أهْدى فليطف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة وليقصر وليحلل ثمَّ ليهل بِالْحَجِّ فَمن لم يجد هَديا فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ نزلت آيَة الْمُتْعَة فِي كتاب الله وفعلناها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ لم ينزل آيَة تنسخ آيَة مُتْعَة الْحَج وَلم ينْه عَنْهَا حَتَّى مَاتَ
قَالَ رجل بِرَأْيهِ مَا شَاءَ
وَأخرج مُسلم عَن أبي نَضرة قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَأْمر بِالْمُتْعَةِ وَكَانَ ابْن الزبير ينْهَى عَنْهَا
فَذكر ذَلِك لجَابِر بن عبد الله فَقَالَ: على يَدي دَار الحَدِيث تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَامَ عمر قَالَ: إِن الله كَانَ يحل لرَسُول الله مَا شَاءَ مِمَّا شَاءَ وَإِن الْقُرْآن قد نزل مَنَازِله فاتموا الْحَج وَالْعمْرَة كَمَا أَمركُم الله وافصلوا حَجكُمْ عَن عُمْرَتكُمْ فَإِنَّهُ أتم لحجكم وَأتم لعمرتكم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بالبطحاء فَقَالَ: بِمَ أَهلَلْت قلت: أَهلَلْت بإهلال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هَل سقت من هدي قلت: لَا
قَالَ: طف بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة ثمَّ حل
فطفت بِالْبَيْتِ وبالصفا والمروة ثمَّ أتيت امْرَأَة من قومِي فمشطتني وغسلت رَأْسِي فَكنت(1/520)
أُفْتِي النَّاس بذلك فِي إِمَارَة أبي بكر وإمارة عمر فَإِنِّي لقائم بِالْمَوْسِمِ إِذا جَاءَنِي رجل فَقَالَ: إِنَّك لَا تَدْرِي مَا أحدث أَمِير الْمُؤمنِينَ فِي شَأْن النّسك
فَقلت: أَيهَا النَّاس من كُنَّا أفتيناه بِشَيْء فليتئد فَهَذَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قادم عَلَيْكُم فبه فائتموا فَلَمَّا قدم قلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا هَذَا الَّذِي أحدثت فِي شَأْن النّسك قَالَ: أنْ نَأْخُذ بِكِتَاب الله فَإِن الله قَالَ {وَأَتمُّوا الْحَج وَالْعمْرَة لله} وَأَن نَأْخُذ بِسنة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يحل حَتَّى نحر الْهَدْي
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَأحمد عَن الْحسن
أَن عمر بن الْخطاب هم أَن ينْهَى عَن مُتْعَة الْحَج فَقَامَ إِلَيْهِ أبي بن كَعْب فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِك لَك قد نزل بهَا كتاب الله واعتمرناها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزل عمر
وَأخرج مُسلم عَن عبد الله بن شَقِيق قَالَ: كَانَ عُثْمَان ينْهَى عَن الْمُتْعَة وكا عَليّ يَأْمر بهَا
فَقَالَ عُثْمَان لعَلي كلمة فَقَالَ عَليّ: لقد علمت أَنا قد تَمَتعنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أجل وَلَكنَّا كُنَّا خَائِفين
وَأخرج إِسْحَق بن رَاهَوَيْه عُثْمَان بن عَفَّان أَنه سُئِلَ عَن الْمُتْعَة فِي الْحَج فَقَالَ: كَانَت لنا لَيست لكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم عَن أبي ذَر قَالَ: كَانَت الْمُتْعَة فِي الْحَج لأَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَأخرج مُسلم عَن أبي ذَر قَالَ: لَا تصلح المتعتان إِلَّا لنا خَاصَّة يَعْنِي مُتْعَة النِّسَاء ومتعة الْحَج
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: اخْتلف عَليّ وَعُثْمَان وهما بسعفان فِي الْمُتْعَة فَقَالَ عَليّ: مَا تُرِيدُ إِلَّا أَن تهنى عَن أَمر فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فَلَمَّا رأى ذَلِك عَليّ أهل بهما جَمِيعًا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي جَمْرَة قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْمُتْعَة فَأمرنِي بهَا وَسَأَلته عَن الْهَدْي فَقَالَ: فِيهَا جزور أَو بقرة أَو شَاة أَو شرك فِي دم
قَالَ: وَكَانَ نَاس كرهوها فَنمت فَرَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن انساناً يُنَادي حج مبرور ومتعة متقبلة فَأتيت ابْن عَبَّاس فَحَدَّثته فَقَالَ: الله أكبر سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق مُجَاهِد وَعَطَاء عَن جَابر قَالَ: كثرت القالة من النَّاس فخرجنا حجاجاً حَتَّى إِذا لم يكن بَيْننَا وَبَين أَن نحل إِلَّا لَيَال قَلَائِل أمرنَا(1/521)
بالإحلال فَقُلْنَا: أيروح أَحَدنَا إِلَى عَرَفَة وفرجه يقطر منياً فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ أبالله تعلموني أَيهَا النَّاس فانا وَالله أعلمكُم بِاللَّه وأتقاكم لَهُ وَلَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت مَا سقت هَديا ولحللت كَمَا أحلُّوا فَمن لم يكن مَعَه هدي فليصم ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله وَمن وجد هَديا فلينحر فَكُنَّا نَنْحَر الْجَزُور عَن سَبْعَة قَالَ عَطاء: قَالَ ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم يَوْمئِذٍ فِي أَصْحَابه غنما فَأصَاب سعد بن أبي وَقاص تَيْس فذبحه عَن نَفسه
وَأخرج مَالك عَن ابْن عمر قَالَ: لِأَن اعْتَمر قبل الْحَج وأهدي أحب إِلَيّ من أَنا اعْتَمر بعد الْحَج فِي ذِي الْحجَّة
أما قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام}
أخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عَطاء فِي قَوْله {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: سِتّ قربات
عَرَفَة وعرنة والرجيع والنخلتان وَمر الظهْرَان وضجنان
وَقَالَ مُجَاهِد: هم أهل الْحرم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} قَالَ: هم أهل الْحرم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْحرم كُله هُوَ الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر والأزرقي عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سُئِلَ عَن الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ: هُوَ الْحرم أجمع
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سُئِلَ عَن الْمَسْجِد الْحَرَام قَالَ: هُوَ الْحرم أجمع
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: أساس الْمَسْجِد الْحَرَام الَّذِي وَضعه إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام من الحزوة إِلَى الْمَسْعَى إِلَى مخرج سيل جِيَاد
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: إِنَّا لنجد فِي كتاب الله أَن حد الْمَسْجِد الْحَرَام من الحزور إِلَى الْمَسْعَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لَيْسَ لأحد حاضري(1/522)
الْمَسْجِد الْحَرَام رخصَة فِي الإِحصار لِأَن الرجل إِذا مرض حمل ووقف بِهِ بِعَرَفَة وَيُطَاف بِهِ مَحْمُولا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن عُرْوَة قَالَ {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} عَنى بذلك أهل مَكَّة لَيست لَهُم مُتْعَة وَلَيْسَ عَلَيْهِم إحصار لقربهم من الْمشعر
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: من لَهُ الْمُتْعَة فَقَالَ: قَالَ الله {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} فاما الْقرى الْحَاضِرَة الْمَسْجِد الْحَرَام الَّتِي لَا تتمتع أَهلهَا فالمطمئنة بِمَكَّة المطلة عَلَيْهَا نخلتان وَمر الظهْرَان وعرفة وضجنان والرجيع وَأما الْقرى الَّتِي لَيست بحاضرة الْمَسْجِد الْحَرَام الَّتِي يتمتع أَهلهَا إِن شاؤوا فالسفر وَالسّفر مَا يقصر إِلَيْهِ الصَّلَاة عسفان وَجدّة ورهاط واشباه ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْمُتْعَة للنَّاس إِلَّا لأهل مَكَّة هِيَ لمن لم يكن أَهله فِي الْحرم وَذَلِكَ قَول الله {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يَقُول: يَا أهل مَكَّة إِنَّه لَا مُتْعَة لكم أحلّت لأهل الْآفَاق وَحرمت عَلَيْكُم إِنَّمَا يقطع أحدكُم وَاديا ثمَّ يهل بِعُمْرَة {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر
أَنه سُئِلَ عَن امْرَأَة صرورة أتعتمر فِي حجتها قَالَ: نعم إِن الله جعلهَا رخصَة إِن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَيْسَ على أهل مَكَّة هدي فِي مُتْعَة ثمَّ قَرَأَ {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: لَيْسَ على أهل مَكَّة هدي فِي مُتْعَة ثمَّ قَرَأَ {ذَلِك لمن لم يكن أَهله حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد قَالَ: لَيْسَ على أهل مَكَّة مُتْعَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: لَيْسَ لأهل مَكَّة وَلَا من توطن مَكَّة مُتْعَة(1/523)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: الْمُتْعَة للنَّاس أَجْمَعِينَ إِلَّا أهل مَكَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لَيْسَ على أهل مَكَّة مُتْعَة وَلَا إحصار إِنَّمَا يغشون حَتَّى يقضوا حجهم
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله شَدِيد الْعقَاب}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مطرف أَنه تَلا قَوْله تَعَالَى {إِن الله شَدِيد الْعقَاب} قَالَ: لَو يعلم النَّاس قدر عُقُوبَة الله ونقمة الله وبأس الله ونكال الله لما رقأ لَهُم دمع وَمَا قرت أَعينهم بِشَيْء(1/524)
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)
قَوْله تَعَالَى: الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى واتقون يَا أولي الْأَلْبَاب
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
أخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَج أشهر مَعْلُومَات شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
وَأخرج الْخَطِيب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن عمر بن الْخطاب {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} شوّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن نَافِع
أَنه سُئِلَ أسمعت عبد الله بن عمر يُسَمِّي شهور الْحَج فَقَالَ: نعم كَانَ يسمّي شوالاً وَذَا الْقعدَة وَذَا الْحجَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَالضَّحَّاك
مثله
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن ابْن عمر {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} قَالَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر لَيَال من ذِي الْحجَّة(1/524)
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} قَالَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشر لَيَال من ذِي الْحجَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} قَالَ شَوَّال وَذُو القعده وَعشر من ذِي الْحجَّة لَا يفْرض الْحَج إِلَّا فِيهِنَّ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الزبير {الْحَج أشهر مَعْلُومَات} قَالَ شَوَّال وَذُو القعده وَعشر من ذِي الْحجَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن وَمُحَمّد وَإِبْرَاهِيم
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود
أَنه سُئِلَ عَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَقَالَ: الْحَج أشهر مَعْلُومَات لَيْسَ فِيهِنَّ عمْرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: مَا أحد من أهل الْعلم شكّ أَن عمْرَة فِي غير أشهر الْحَج أفضل من عمْرَة فِي أشهر الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ عمر: افصلوا بَين حَجكُمْ وعمرتكم اجعلوا الْحَج فِي أشهر وَاجْعَلُوا الْعمرَة فِي غير أشهر الْحَج أتم لحجكم ولعمرتكم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عون قَالَ: سُئِلَ الْقَاسِم عَن الْعمرَة فِي أشهر الْحَج فَقَالَ: كَانُوا لَا يرونها تَامَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر فِي قَوْله {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} قَالَ: من أهلَّ فِيهِنَّ الْحَج
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْفَرْض الإِحرام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن الزبير {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} قَالَ: الإِهلال
وأخرح ابْن الْمُنْذر وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الزبير قَالَ: فرض الْحَج الإِحرام
وأخرح ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْفَرْض الإِهلال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: الإِهلال فَرِيضَة الْحَج(1/525)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} يَقُول: من أحرم بِحَجّ أَو عمْرَة
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يحرم بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أشهر الْحَج من أجل قَول الله {الْحَج أشهر مَعْلُومَات}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يحرم بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أشهر الْحَج فَإِن من سنة الْحَج أَن يحرم بِالْحَجِّ فِي أشهر الْحَج
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن جَابر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يحرم بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أشهر الْحَج
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر مَوْقُوفا
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء أَنه قَالَ لرجل قد أحرم بِالْحَجِّ فِي غير أشهر الْحَج: اجْعَلْهَا عمْرَة فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك حج فَإِن الله يَقُول {الْحَج أشهر مَعْلُومَات فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس: فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا يَنْبَغِي أَن يُلَبِّي بِالْحَجِّ ثمَّ يُقيم بِأَرْض
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن الن عمر {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} قَالَ: التَّلْبِيَة والإِحرام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} قَالَ: التَّلْبِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} قَالَ: التَّلْبِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَإِبْرَاهِيم
مثله
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن خَلاد بن السَّائِب عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَانِي جِبْرِيل فَأمرنِي أَن آمُر أَصْحَابِي أَن يرفعوا أَصْوَاتهم بالاهلال والتلبية فَإِنَّهَا شعار الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن زيد بن عَليّ الْجُهَنِيّ
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ جَاءَنِي جِبْرِيل فَقَالَ: مر أَصْحَابك فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتهم بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا من شعار الْحَج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن الزبير قَالَ: التَّلْبِيَة زِينَة الْحَج(1/526)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي بكر الصّديق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: العج والثج
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن سعد عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من ملب يُلَبِّي إِلَّا لبّى مَا عَن يَمِينه وشماله من حجر أَو شجر أَو مدر حَتَّى تَنْقَطِع الأَرْض من هَهُنَا وَهَهُنَا عَن يَمِينه وشماله
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من محرم يُضحي لله يَوْمه يُلَبِّي حَتَّى تغيب الشَّمْس إِلَّا غَابَتْ بذنوبه فَعَاد كَمَا وَلدته أمه
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن تَلْبِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك
وَكَانَ ابْن عمر يزِيد فِيهَا لبيْك لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر بيديك لبيْك وَالرغْبَاء إِلَيْك وَالْعَمَل
وَأخرج وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن عَبَّاس
أَن رجلا أوقصته رَاحِلَته وَهُوَ محلام فَمَاتَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغسلوه بِمَاء وَسدر وكفنوه فِي ثوبيه وَلَا تخمروا رَأسه وَلَا وَجهه فَإِنَّهُ يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة ملبياً
وَأخرج الشَّافِعِي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: مَا سمى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تلبيته حجا قطّ وَلَا عمْرَة
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ من تَلْبِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لبيْك إِلَه الْخلق لبيْك
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة عَن سعد بن أبي وَقاص
أَنه سمع بعض بني أَخِيه وَهُوَ يُلَبِّي: يَا ذَا المعارج
فَقَالَ سعد: إِنَّه لذُو المعارج وَمَا هَكَذَا كُنَّا نلبي على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الشَّافِعِي عَن خُزَيْمَة بن ثَابت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ إِذا فرغ من تَلْبِيَة سَأَلَ الله رضوانه وَالْجنَّة واستعاذه برحمته من النَّار
وَأخرج الشَّافِعِي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكثر من التَّلْبِيَة
أما قَوْله تَعَالَى: {فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج}
أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله {فَلَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال فِي الْحَج}(1/527)
قَالَ: الرَّفَث الاعرابة والتعريض للنِّسَاء بِالْجِمَاعِ والفسوق الْمعاصِي كلهَا والجدال جِدَال الرجل لصَاحبه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج فَلَا رفث} قَالَ: لَا جماع وَلَا فسوق
قَالَ: الْمعاصِي وَالْكذب
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة: الرَّفَث الْجِمَاع والفسوق الْمعاصِي والجدال المراء
وَفِي لفظ: أَن تُمَارِي صَاحبك حَتَّى يغضبك أَو تغضبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الرَّفَث غشيان النِّسَاء والقبل والغمز وَأَن يعرض لَهَا بالفحش من الْكَلَام والفسوق معاصي الله كلهَا والجدال المراء والملاحاة
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن طَاوس قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن قَوْله {فَلَا رفث} قَالَ: الرَّفَث الَّذِي ذكر هُنَا لَيْسَ الرَّفَث الَّذِي ذكر فِي (أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث) (الْبَقَرَة الْآيَة 187) ذَاك الْجِمَاع هَذَا العراب بِكَلَام الْعَرَب والتعريض بِذكر النِّكَاح
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: كنت أَمْشِي مَعَ ابْن عَبَّاس وَهُوَ محرم يرتجز بالإِبل وَيَقُول: وَهن يَمْشين بِنَا هَميسا إِن صدق الطير نَنكْ لَميسا فَقلت: أَتَرْفُثُ وَأَنت محرم قَالَ: إِنَّمَا الرَّفَث مَا رُوجِعَ بِهِ النِّسَاء
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر فِي الْآيَة قَالَ: الرَّفَث الْجِمَاع والفسوق الْمعاصِي والجدال السباب والمنازعة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر فِي قَوْله {فَلَا رفث} قَالَ: غشيان النِّسَاء {وَلَا فسوق} قَالَ: السباب {وَلَا جِدَال} قَالَ: المراء(1/528)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر فِي الْآيَة فَقَالَ: الرَّفَث اتيان النِّسَاء والتكلم بذلك للرِّجَال وَالنِّسَاء إِذا ذكرُوا ذَلِك بأفواههم والفسوق اتيان معاصي الله فِي الْحرم والجدال السباب والمراء الْخُصُومَات
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ ابْن عمر يَقُول للحادي: لَا تعرض بِذكر النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس أَن عبد الله بن الزبير قَالَ: إيَّاكُمْ وَالنِّسَاء فَإِن الاعراب من الرَّفَث
قَالَ طَاوس: وأخبرت بذلك ابْن عَبَّاس فَقَالَ: صدث ابْن الزبير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس
أَنه كره الاعراب للْمحرمِ قيل: وَمَا الاعراب قَالَ: أَن يَقُول لَو أحللت قد أصبتك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة قَالَ: الرَّفَث اتيان النِّسَاء والجدال تُمَارِي صَاحبك حَتَّى تغضبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والشيرازي فِي الألقاب عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: الرَّفَث الْجِمَاع والفسوق والمنابزة بِالْأَلْقَابِ تَقول لأخيك: يَا ظَالِم يَا فَاسق والجدال أَن تجَادل صَاحبك حَتَّى تغضبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد وَعِكْرِمَة قَالَا: الرَّفَث الْجِمَاع والفسوق الْمعاصِي والجدال المراء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك وَعَطَاء
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: الرَّفَث اتيان النِّسَاء والفسوق السباب والجدال المماراة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: الرَّفَث الغشيان والفسوق السباب والجدال الِاخْتِلَاف فِي الْحَج
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن الزبير فِي قَوْله {فَلَا رفث} قَالَ: لَا جماع {وَلَا فسوق} لَا سباب {وَلَا جِدَال} لَا مراء
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ: الْجِدَال كَانَت قُرَيْش إِذا اجْتمعت بمنى قَالَ هَؤُلَاءِ: حجنا أتم من حَجكُمْ
وَقَالَ هَؤُلَاءِ: حجنا أتم من حَجكُمْ(1/529)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ: كَانُوا يقفون مَوَاقِف مُخْتَلفَة يتجادلون كلهم يَدعِي أَن موقفه موقف إِبْرَاهِيم فَقَطعه الله حِين أعلم نبيه بمناسكهم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ: لَا شُبْهَة فِي الْحَج وَلَا شكّ فِي الْحَج قد بَين وَعلم وقته كَانُوا يحجون فِي ذِي الْحجَّة عَاميْنِ وَفِي الْمحرم عَاميْنِ ثمَّ حجُّوا فِي صفر من أجل النسيء الَّذِي نسأ لَهُم أَبُو يمامة حِين وفقت حجَّة أبي بكر فِي ذِي الْقعدَة قبل حجَّة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ حج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَابل فِي ذِي الْحجَّة فَذَلِك حِين يَقُول: إِن الزَّمَان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَته يَوْم خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا جِدَال فِي الْحَج} قَالَ: صَار الْحَج فِي ذِي الْحجَّة فَلَا شهر ينسىء
وَأخرج سُفْيَان وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حج هَذَا الْبَيْت فَلم يرْفث وَلم يفسق خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سباب الْمُسلم فسوق وقتاله كفر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
مثله
وَأخرج عبد بن حميد فِي مُسْنده عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قضى نُسكه وَقد سلم الْمُسلمُونَ من لِسَانه وَيَده غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عمل أحبّ إِلَى الله من جِهَاد فِي سَبيله وَحجَّة مبرورة متقبلة لَا رفث وَلَا فسوق وَلَا جِدَال
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عمل بَين السَّمَاء وَالْأَرْض بعد الْجِهَاد فِي سَبِيل الله أفضل من حجَّة مبرورة لَا رفث فِيهَا وَلَا فسوق وَلَا جِدَال
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجاجاً وَكَانَت زاملتنا مَعَ غُلَام أبي بكر فَجَلَسْنَا نَنْتَظِر حَتَّى تَأْتِينَا فَاطلع(1/530)
الْغُلَام يمشي مَا مَعَه بعيره فَقَالَ أَبُو بكر: أَيْن بعيرك قَالَ: أضلني اللَّيْلَة فَقَامَ أَبُو بكر يضْربهُ بعير وَاحِد أضلك وَأَنت رجل فَمَا يزِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن تَبَسم وَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْمحرم مَا يصنع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن طَاوس قَالَ: لَا ينظر الْمحرم فِي الْمرْآة وَلَا يَدْعُو على أحد وَإِن ظلمه
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى واتقون يَا أولي الْأَلْبَاب} أخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أهل الْيمن يحجون وَلَا يتزوّدون يَقُولُونَ: نَحن متوكلون ثمَّ يقدمُونَ فَيسْأَلُونَ النَّاس فَأنْزل الله {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ نَاس يخرجُون من أهلهم لَيست مَعَهم أزودة يَقُولُونَ: نحج بَيت الله وَلَا يطعمنا
فَقَالَ الله {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} مَا يكف وُجُوهكُم عَن النَّاس
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: كَانُوا إِذا أَحْرمُوا وَمَعَهُمْ أَزْوَادهم رموا بهَا واستأنفوا زادا آخرا فَأنْزل الله {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا أَن يتزوّدوا الكعك والدقيق والسويق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الزبير قَالَ: كَانَ النَّاس يتوكل بَعضهم على بعض فِي الزَّاد فَأَمرهمْ الله أَن يتزوّدوا فَقَالَ {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى}
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: كَانَ النَّاس من الْأَعْرَاب يحجون بِغَيْر زَاد وَيَقُولُونَ: نتوكل على الله فَأنْزل الله {وتزوّدوا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} قَالَ: كَانَ أنَاس من أهل الْيمن يحجون وَلَا يتزوّدون فَأَمرهمْ الله بالزاد وَالنَّفقَة فِي سَبِيل الله وَأخْبرهمْ أَن خير الزَّاد التَّقْوَى
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وتزوّدوا فَإِن خير الزَّاد التَّقْوَى} قَالَ: كَانَ أنَاس يقدمُونَ مَكَّة بِغَيْر زَاد فِي أَيَّام الْحَج فَأمروا بالزاد
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وتزوّدوا} قَالَ: السويق والدقيق والكعك(1/531)
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير {وتزوّدوا} قَالَ: الخشكناتج والسويق
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن سعيد بن جُبَير {وتزوّدوا} قَالَ: هُوَ الكعك وَالزَّيْت
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ {وتزوّدوا} قَالَ: الطَّعَام التَّمْر والسويق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حبَان قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة {وتزوّدوا} قَامَ رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا نجد زاداً نتزوده
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تزوّد مَا تكف بِهِ وَجهك عَن النَّاس وَخير مَا تزودتم بِهِ التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن سُفْيَان قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله / وتزوّدوا وَخير الزَّاد التَّقْوَى /
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن جرير بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من يتزوّد فِي الدُّنْيَا يَنْفَعهُ فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن الزبير بن الْعَوام سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْعباد عباد الله والبلاد بِلَاد الله فَحَيْثُ وجدت خيرا فأقم وَاتَّقِ الله
وَأخرج أَحْمد وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والأصبهاني عَن رجل من أهل الْبَادِيَة قَالَ أَخذ بيَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجعل يعلمني مِمَّا علمه الله فَكَانَ فِيمَا حفظت عَنهُ أَن قَالَ: إِنَّك لن تدع شَيْئا اتقاء الله إِلَّا أَعْطَاك الله خيرا مِنْهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَكثر مَا يدْخل النَّاس الْجنَّة قَالَ: تقوى الله وَحسن الْخلق وَسُئِلَ مَا أَكثر مَا يدْخل النَّاس النَّار قَالَ: الأجوفان: الْفَم والفرج
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن رجل من بني سليط قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول: الْمُسلم أَخُو الْمُسلم لَا يَخْذُلهُ وَلَا يَظْلمه التَّقْوَى هَهُنَا التَّقْوَى هَهُنَا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدره
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن قَتَادَة بن عَيَّاش قَالَ لما عقد لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قومِي(1/532)
أَتَيْته مودعاً لَهُ فَقَالَ: جعل الله التَّقْوَى زادك وَغفر ذَنْبك ووجهك للخير حَيْثُ تكون
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أنس قَالَ جَاءَ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أُرِيد سفرا فزوّدني فَقَالَ: زوّدك الله التَّقْوَى قَالَ: زِدْنِي
قَالَ: وَغفر ذَنْبك
قَالَ: زِدْنِي بِأبي أَنْت وَأمي
قَالَ: وَيسر لَك الْخَيْر حَيْثُمَا كنت
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد سفرا فَقَالَ: أوصني
قَالَ: أوصيك بتقوى الله وَالتَّكْبِير على كل شرف فَلَمَّا مضى قَالَ: اللَّهُمَّ ازو لَهُ الأَرْض وهوّن عَلَيْهِ السّفر
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أبي بكر
أَنه قَالَ فِي خطبَته: الصدْق أَمَانَة وَالْكذب خِيَانَة أَكيس الْكيس التقى وأنوك النوك الْفُجُور
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن عمر بن الْخطاب
أَنه كتب إِلَى ابْنه عبد الله: أما بعد فَإِنِّي أوصيك بتقوى الله فَإِنَّهُ من اتَّقَاهُ وفاه وَمن أقْرضهُ جزاه وَمن شكره زَاده وَاجعَل التَّقْوَى نصب عَيْنَيْك وجلاء قَلْبك وَاعْلَم أَنه لَا عمل لمن لَا نِيَّة لَهُ وَلَا أجر لمن لَا حَسَنَة لَهُ وَلَا مَال لمن لَا رفق لَهُ وَلَا جَدِيد لمن لَا خلق لَهُ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: سَأَلت الْحسن مَا زين الْقُرْآن قَالَ: التَّقْوَى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة قَالَ: مَكْتُوب فِي التَّوْرَاة: ابْن آدم اتَّقِ الله ونم حَيْثُ شِئْت
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: الإِيمان عُرْيَان ولباسه التَّقْوَى وزينته الْحيَاء وَمَاله الْعِفَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن دَاوُد بن هِلَال قَالَ: كَانَ يُقَال: الَّذِي يُقيم بِهِ العَبْد وَجهه عِنْد الله التَّقْوَى ثمَّ يتبعهُ الْوَرع
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عُرْوَة قَالَ: كتبت عَائِشَة إِلَى مُعَاوِيَة
أما بعد فَاتق الله فَإنَّك إِذا اتَّقَيْت الله كَفاك النَّاس وَإِذا اتَّقَيْت النَّاس لم يغنوا عَنْك من الله شَيْئا(1/533)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي حَازِم قَالَ: ترصدني أَرْبَعَة عشر عدوا أما أَرْبَعَة مِنْهَا فشيطان يضلني وَمُؤمن يحسدني وَكَافِر يقتلني ومنافق يبغضني
وَأما الْعشْرَة مِنْهَا فالجوع والعطش وَالْحر وَالْبرد والعري والهرم وَالْمَرَض والفقر وَالْمَوْت وَالنَّار وَلَا أطيقهن إِلَّا بسلاح تَامّ وَلَا أجد لَهُم سِلَاحا أفضل من التَّقْوَى
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن ابْن أبي نجيح قَالَ: قَالَ سُلَيْمَان بن دَاوُد عَلَيْهِمَا السَّلَام: أوتينا مِمَّا أُوتِيَ النَّاس وَمِمَّا لم يؤتوا وَعلمنَا مِمَّا علم النَّاس وَمَا لم يعلمُوا فَلم نجد شَيْئا هُوَ أفضل من تقوى الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وَالْعدْل فِي الرِّضَا وَالْغَضَب وَالْقَصْد فِي الْغنى والفقر
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ يُقَال: من اتَّقى الله أحبه النَّاس وَإِن كَرهُوا(1/534)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
قَوْله تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام واذكروه كَمَا هدَاكُمْ وَإِن كُنْتُم من قبله لمن الضَّالّين
أخرج سُفْيَان وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت عكاظ ومجنة وَذُو الْمجَاز أسواقاً فِي الْجَاهِلِيَّة فتأثموا أَن يتجروا فِي الْمَوْسِم فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} فِي مواسم الْحَج
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا يَتَّقُونَ الْبيُوع وَالتِّجَارَة فِي الْمَوْسِم وَالْحج وَيَقُولُونَ: أَيَّام ذكر الله فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} الْآيَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبيد بن عُمَيْر عَن ابْن عَبَّاس: فِي أوّل الْحَج كَانُوا يتبايعون بمنى وعرفة وسوق ذِي الْمجَاز ومواسم الْحَج(1/534)
فخافوا وهم حرم فَأنْزل الله (لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فِي مواسم الْحَج) فَحدث عبيد بن عُمَيْر أَنه كَانَ يقْرؤهَا فِي الْمُصحف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة التَّمِيمِي قَالَ قلت لِابْنِ عمر: إِنَّا نَاس نكتري فَهَل لنا من حج قَالَ: أَلَيْسَ تطوفون بِالْبَيْتِ وَبَين الصَّفَا والمروة وتأتون الْمَعْرُوف وترمون الْجمار وتحلقون رؤوسكم قلت: بلَى
فَقَالَ ابْن عمر: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن الَّذِي سَأَلتنِي عَنهُ فَلم يجبهُ حَتَّى نزل عَلَيْهِ جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} فَدَعَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَة وَقَالَ: أَنْتُم حجاج
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي الزبير
أَنه قَرَأَ ((لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فِي مواسم الْحَج))
وَأخرج وَكِيع وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ / لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فِي مواسم الْحَج /
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن عَطاء قَالَ: نزلت ((لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم فِي مواسم الْحَج)) وَفِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود ((فِي مواسم الْحَج فابتغوا جينئذ))
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} يَقُول: لَا حرج عَلَيْكُم فِي الشِّرَاء وَالْبيع قبل الاحرام وَبعده
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ نَاس لَا يتجرون أَيَّام الْحَج فَنزلت فيهم {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم}
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن مُجَاهِد أَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذِه الْآيَة {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} قَالَ: كَانُوا لَا يتجرون بمنى فَأمروا بِالتِّجَارَة إِذا أفاضوا من عَرَفَات
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تَبْتَغُوا فضلا من ربكُم} قَالَ: التِّجَارَة فِي الدُّنْيَا وَالْأَجْر فِي الْآخِرَة(1/535)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ نَاس من أهل الْجَاهِلِيَّة يسمون لَيْلَة النَّفر لَيْلَة الصَّدْر وَكَانُوا لَا يعرجون على كسير وَلَا ضَالَّة وَلَا لحَاجَة وَلَا يتبغون فِيهَا تِجَارَة فأحل الله ذَلِك كُله للْمُؤْمِنين أَن يعرجوا على حاجاتهم ويبتغوا من فضل الله
أما قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا أَفَضْتُم من عَرَفَات} أخرج وَكِيع وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا تسمى عَرَفَات لِأَن جِبْرِيل كَانَ يَقُول لإِبراهيم عَلَيْهِمَا السَّلَام: هَذَا مَوضِع كَذَا وَهَذَا مَوضِع كَذَا
فَيَقُول: قد عرفت قد عرفت فَلذَلِك سميت عَرَفَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: إِنَّمَا سميت عَرَفَات لِأَنَّهُ قيل لإِبْرَاهِيم حِين أرِي الْمَنَاسِك عرفت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن عَليّ
مثله
وَأخرج الْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْمسور بن مخرمَة قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: أما بعد - وَكَانَ إِذا خطب قَالَ أما بعد - فَإِن هَذَا الْيَوْم الْحَج الْأَكْبَر أَلا وَأَن أهل الشّرك والأوثان كَانُوا يدْفَعُونَ من هَهُنَا قبل أَن تغيب الشَّمْس إِذا كَانَت الشَّمْس فِي رُؤُوس الْجبَال كَأَنَّهَا عمائم الرِّجَال فِي وجوهها وَإِنَّا ندفع بعد أَن تغيب الشَّمْس وَكَانُوا يدْفَعُونَ من الْمشعر الْحَرَام بعد أَن تطلع الشَّمْس إِذا كَانَت الشَّمْس فِي رُؤُوس الْجبَال كَأَنَّهَا عمائم الرِّجَال فِي وجوهها وَإِنَّا ندفع قبل أَن تطلع الشَّمْس مُخَالفا هدينَا لهدي أهل الشّرك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَفَاضَ من عَرَفَات قبل الصُّبْح فقد تمّ حجه وَمن فَاتَهُ فقد فَاتَهُ الْحَج
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يطوف الرجل بِالْبَيْتِ مَا كَانَ حَلَالا حَتَّى يهل بِالْحَجِّ فَإِذا ركب إِلَى عَرَفَة فَمن تيَسّر لَهُ هَدْيه من الإِبل أَو الْبَقر أَو الْغنم مَا تيَسّر لَهُ من ذَلِك أَي ذَلِك شَاءَ وَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ فَعَلَيهِ صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَذَلِكَ قبل يَوْم عَرَفَة فَإِذا كَانَ آخر يَوْم من أَيَّام الثَّلَاثَة يَوْم عَرَفَة فَلَا جنَاح عَلَيْهِ ثمَّ لينطلق حَتَّى يقف بِعَرَفَات من صَلَاة الْعَصْر إِلَى أَن يكون الظلام ثمَّ ليدفعوا من عَرَفَات إِذا أفاضوا مِنْهَا حَتَّى يبلغُوا جمعا للَّذي يبيتُونَ بِهِ ثمَّ لِيذكرُوا الله كثيرا وَأَكْثرُوا التَّكْبِير(1/536)
والتهاليل قبل أَن تصبحوا ثمَّ أفيضوا فَإِن النَّاس كَانَ يفيضون وَقَالَ الله (ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم) (الْبَقَرَة الْآيَة 199) حَتَّى ترموا الْجَمْرَة
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: حد عَرَفَة من الْجَبَل المشرف على بطن عَرَفَة إِلَى جبال عَرَفَة إِلَى ملتقى وصيق ووادي عَرَفَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل عَرَفَة موقف وكل منى نحر وكل الْمزْدَلِفَة موقف وكل فجاج مَكَّة طَرِيق ومنحر
وَأخرج مُسلم عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نحرت هَهُنَا وَمنى كلهَا منحر فَانْحَرُوا فِي رحالكُمْ ووقفت هَهُنَا وعرفة كلهَا موقف ووقفت هنهنا وَجمع كلهَا موقف
وَأخرج أَحْمد عَن جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كل عَرَفَات موقف وَارْفَعُوا عَن عَرَفَة وكل جمع موقف وَارْفَعُوا عَن محسر وكل فجاج مَكَّة منحر وكل أَيَّام التَّشْرِيق ذبح
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن عَليّ قَالَ: وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة فَقَالَ: هَذِه عَرَفَة وَهُوَ الْموقف وعرفة كلهَا موقف ثمَّ أَفَاضَ حِين غربت الشَّمْس وَأَرْدَفَ أُسَامَة بن زيد وَجعل يُشِير بِيَدِهِ على هينته وَالنَّاس يضْربُونَ يَمِينا وَشمَالًا يلْتَفت إِلَيْهِم وَيَقُول: يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم السكينَة
ثمَّ أَتَى جمعا فصلى بهم الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا فَلَمَّا أصبح أَتَى قزَح وقف عَلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا قزَح وَهُوَ الْموقف وَجمع كلهَا موقف ثمَّ أَفَاضَ حَتَّى انْتهى إِلَى وَادي محسر فَفَزعَ نَاقَته فخبب حَتَّى جازوا الْوَادي فَوقف وَأَرْدَفَ الْفضل ثمَّ أَتَى الْجَمْرَة فَرَمَاهَا ثمَّ أَتَى المنحر فَقَالَ: هَذَا المنحر وَمنى كلهَا منحر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن يزِيد بن شَيبَان قَالَ: أَتَانَا ابْن مربع الْأنْصَارِيّ وَنحن وقُوف بالموقف فَقَالَ: إِنِّي رَسُول رَسُول الله إِلَيْكُم
يَقُول: كونُوا على مشاعركم فَإِنَّكُم على ارث من ارث إِبْرَاهِيم
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَفَاضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَة وَعَلِيهِ السكينَة ورديفه أُسَامَة فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ فَإِن الْبر لَيْسَ بايجاف(1/537)
الْخَيل والإِبل
قَالَ: فَمَا رَأَيْتهَا رَافِعَة يَديهَا عَادِية حَتَّى أَتَى جمعا ثمَّ أرْدف الْفضل ابْن الْعَبَّاس فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الْبر لَيْسَ بايجاف الْخَيل والإِبل فَعَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ
قَالَ: فَمَا رَأَيْتهَا رَافِعَة يَديهَا حَتَّى أَتَى منى
وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه دفع مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَاءه زجرا شَدِيدا وَضَربا للإِبل فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِم وَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ فَإِن الْبر لَيْسَ بالإِيضاع
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِنَّمَا كَانَ بَدْء الإِيضاع من أهل الْبَادِيَة كَانُوا يقفون حافتي النَّاس قد عَلقُوا الْعقَاب والعصي فَإِذا أفاضوا تقعقعوا فانفرت النَّاس فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن ظفري نَاقَته لَا يمس الأَرْض حاركها وَهُوَ يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس عَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أُسَامَة بن زيد أَنه سَأَلَ كَيفَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير حِين أَفَاضَ من عَرَفَة وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أردفه من عَرَفَات قَالَ: كَانَ يسير الْعُنُق فَإِذا وجد فجوة نَص
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وقف حَتَّى غربت الشَّمْس فَأقبل يكبر الله ويهلله ويعظمه ويمجده حَتَّى انْتهى إِلَى الْمزْدَلِفَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَفَاضَ من عَرَفَات وَهُوَ يَقُول: إِلَيْك تعدو قلقاً وضينها مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور عَن عُرْوَة بن الزبير أَن عمر بن الْخطاب حِين دفع من عَرَفَة قَالَ: إِلَيْك تعدو قلقاً وضينها مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عبد الْملك بن أبي بكر قَالَ: رَأَيْت أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث بن هِشَام وَأَبا سَلمَة بن سُفْيَان واقفين على طرف بطن عَرَفَة فوقفت مَعَهُمَا فَلَمَّا دفع الإِمام دفعا وَقَالا
إِلَيْك تعدو قلقاً وضينها مُخَالفا دين النَّصَارَى دينهَا يكثران من ذَلِك وَزعم أَنه سمع أَبَا بكر عبد الرَّحْمَن يذكر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُولهَا إِذا دفع(1/538)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن أُسَامَة بن زيد كَانَ ردف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَة إِلَى مُزْدَلِفَة ثمَّ أرْدف الْفضل من الْمزْدَلِفَة إِلَى منى فكلاهما قَالَ: لم يزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة
وَأخرج مُسلم عَن أُسَامَة بن زيد أَنه كَانَ رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أَفَاضَ من عَرَفَة فَلَمَّا جَاءَ الشّعب أَنَاخَ رَاحِلَته ثمَّ ذهب إِلَى الْغَائِط فَلَمَّا رَجَعَ جِئْت إِلَيْهِ بالأداوه فَتَوَضَّأ ثمَّ ركب حَتَّى أَتَى الْمزْدَلِفَة فَجمع بهَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: جمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع صلى الْمغرب ثَلَاثًا وَالْعشَاء رَكْعَتَيْنِ باقامة وَاحِدَة
أما قَوْله تَعَالَى: {فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام} أخرج وَكِيع وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والأزرقي فِي تَارِيخ مَكَّة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو
أَنه سُئِلَ عَن الْمشعر الْحَرَام فَسكت حَتَّى إِذا هَبَطت أَيدي الرَّوَاحِل بِالْمُزْدَلِفَةِ قَالَ: هَذَا الْمشعر الْحَرَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: الْمشعر الْحَرَام مُزْدَلِفَة كلهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عمر
أَنه رأى النَّاس يزدحمون على قزَح فَقَالَ: علام يزدحمون هَؤُلَاءِ كل مَا هَهُنَا مشْعر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر فِي قَوْله {فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام} قَالَ: هُوَ الْجَبَل وَمَا حوله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس
مثله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا بَين الجبلين اللَّذين بِجمع مشْعر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: مَا بَين جبلي مُزْدَلِفَة فَهُوَ الْمشعر الْحَرَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود قَالَ: لم أجد أحدا يُخْبِرنِي عَن الْمشعر الْحَرَام
وَأخرج مَالك وَابْن جرير عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: عَرَفَة كلهَا موقف إِلَّا بطن عَرَفَة والمزدلفة كلهَا موقف إِلَّا بطن محسر(1/539)
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ارْفَعُوا عَن بطن عَرَفَة وَارْفَعُوا عَن بطن محسر
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: أَيْن الْمزْدَلِفَة قَالَ: الْمزْدَلِفَة إِذا أفضت من مأزمي فَذَلِك إِلَى محسر وَلَيْسَ المأزمان مأزما عَرَفَة من الْمزْدَلِفَة وَلَكِن مفضاهما قَالَ: قف بِأَيِّهِمَا شِئْت وَأحب إِلَيّ أَن تقف دون قزَح
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حِين وقف بِعَرَفَة هَذَا الْموقف وكل عَرَفَة موقف وَقَالَ حِين وقف على قزَح: هَذَا الْموقف وكل الْمزْدَلِفَة موقف
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقف عِنْد الْمشعر الْحَرَام وَيقف النَّاس يدعونَ الله ويكبرونه ويهللونه ويمجدونه ويعظمونه حَتَّى يدْفع إِلَى منى
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: كَانَ ابْن عمر يقف بِجمع كلما حج على قزَح نَفسه لَا يَنْتَهِي حَتَّى يتَخَلَّص عَنهُ فيقف عَلَيْهِ الامام كلما حج
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عبد الله بن عمر
أَنه كَانَ يقدم ضعفة أَهله فيقفون عِنْد الْمشعر الْحَرَام بِالْمُزْدَلِفَةِ بلَيْل فَيذكرُونَ الله مَا بدا لَهُم ثمَّ يدْفَعُونَ قبل أَن يقف الإِمام وَقبل أَن يدْفع فَمنهمْ من يقدم منى لصَلَاة الْفجْر وَمِنْهُم من يقدم بعد ذَلِك فَإِذا قدمُوا رموا الْجَمْرَة وَكَانَ ابْن عمر يَقُول: رخص فِي أُولَئِكَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَمْرو بن مَيْمُون قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب بِجمع بَعْدَمَا صلى الصُّبْح وقف فَقَالَ: إِن الْمُشْركين كَانُوا لَا يفيضون حَتَّى تطلع الشَّمْس وَيَقُولُونَ: أشرق ثبير
وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خالفهم فَأَفَاضَ قبل طُلُوع الشَّمْس
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن كُلَيْب الْجُهَنِيّ قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّته وَقد دفع من عَرَفَة إِلَى جمع وَالنَّار توقد بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ يؤمها حَتَّى نزل قَرِيبا مِنْهَا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: كَانَت النَّار توقد على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَعمر وَعُثْمَان
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن إِسْحَق بن عبد الله بن خَارِجَة عَن أَبِيه قَالَ: لما أَفَاضَ سُلَيْمَان بن عبد الْملك بن مَرْوَان من المأزمين نظر إِلَى النَّار الَّتِي على قزَح فَقَالَ لخارجة(1/540)
بن زيد: يَا أَبَا زيد من أوّل من صنع النَّار هَهُنَا قَالَ خَارِجَة: كَانَت فِي الْجَاهِلِيَّة وَضعهَا قُرَيْش وَكَانَت لَا تخرج من الْحرم إِلَى عَرَفَة وَتقول: نَحن أهل الله قَالَ خَارِجَة: فاخبرني رجال من قومِي أَنهم رأوها فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانُوا يحجون مِنْهُم حسان بن ثَابت فِي عدَّة من قومِي قَالُوا: كَانَ قصي بن كلاب قد أوقد بِالْمُزْدَلِفَةِ نَارا حَيْثُ وقف بهَا حَتَّى يَرَاهَا من دفع من عَرَفَات
وَأخرج البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد قَالَ: خرجت مَعَ عبد الله إِلَى مَكَّة ثمَّ قدمنَا جمعا فصلى الصَّلَاتَيْنِ كل صَلَاة وَحدهَا بآذان وَإِقَامَة الْعشَاء بَينهمَا ثمَّ صلى الْفجْر حِين طُلُوع الْفجْر وَقَائِل يَقُول: طلع الْفجْر وَقَائِل يَقُول: لم يطلع الْفجْر ثمَّ قَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن هَاتين الصَّلَاتَيْنِ حوّلتا عَن وقتهما فِي هَذَا الْمَكَان الْمغرب وَالْعشَاء فَلَا يقدم النَّاس جمعا حَتَّى يعتموا وَصَلَاة الْفجْر هَذِه السَّاعَة ثمَّ وقف حَتَّى اسفر ثمَّ قَالَ: لَو أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ أَفَاضَ الْآن أصَاب السّنة فَمَا أَدْرِي أقوله كَانَ أسْرع أم دفع عُثْمَان فَلم يزل يُلَبِّي حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن الزبير قَالَ: من سنة الْحَج أَن يُصَلِّي الإِمام الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالصُّبْح بمنى ثمَّ يَغْدُو إِلَى عَرَفَة فيقيل حَيْثُ قضى لَهُ حَتَّى إِذا زَالَت الشَّمْس خطب النَّاس ثمَّ صلى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ وقف بِعَرَفَات حَتَّى تغيب الشَّمْس ثمَّ يفِيض فَإِذا رمى الْجَمْرَة الْكُبْرَى حل لَهُ كل شَيْء حرم عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاء وَالطّيب حَتَّى يزور الْبَيْت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عُرْوَة بن مُضرس قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِجمع فَقلت: جئْتُك من جبل طيىء وَقد أكلت مطيتي وأتعبت نَفسِي وَالله مَا تركت من جبل إِلَى وقفت عَلَيْهِ فَهَل لي من حج فَقَالَ: من صلى مَعنا هَذِه الصَّلَاة فِي هَذَا الْمَكَان ثمَّ وقف هَذِه الْموقف حَتَّى يفِيض الإِمام وَكَانَ وقف قبل ذَلِك فِي عَرَفَات لَيْلًا وَنَهَارًا فقد تمّ حجه وَقضى تفثه
وَأخرج الشَّافِعِي عَن ابْن عمر قَالَ: من أدْرك لَيْلَة النَّحْر من الْحَاج فَوقف يجبل عَرَفَة قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك الْحَج وَمن لم يدْرك عَرَفَة فيقف بهَا قبل أَن يطلع الْفجْر فقد فَاتَهُ الْحَج فليأت الْبَيْت فليطف بِهِ سبعا وَيَطوف بَين الصَّفَا(1/541)
والمروة سبعا ثمَّ ليحلق أَو يقصر إِن شَاءَ وَإِن كَانَ مَعَه هَدْيه فلينحره قبل أَن يحلق فَإِذا فرغ من طَوَافه وسعيه فليحلق أَو يقصر ثمَّ ليرْجع إِلَى أَهله فَإِن أدْركهُ الْحَج قَابلا فليحج إِن اسْتَطَاعَ وليهد بَدَنَة فَإِن لم يجد هَديا فليصم عَنهُ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن يزِيد
أَن عبد الله بن مَسْعُود لبّى حِين أَفَاضَ من جمع فَقَالَ أَعْرَابِي: من هَذَا قَالَ عبد الله: انسي النَّاس أم ضلوا سَمِعت الَّذِي أنزلت عَلَيْهِ سُورَة الْبَقَرَة يَقُول فِي هَذَا الْمَكَان لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن الزبير فِي قَوْله {واذكروه كَمَا هدَاكُمْ} قَالَ: لَيْسَ هَذَا بعام هَذَا لأهل الْبَلَد كَانُوا يفيضون من جمع وَيفِيض النَّاس من عَرَفَات فَأبى الله لَهُم ذَلِك فَأنْزل الله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سُفْيَان {وَإِن كُنْتُم من قبله} قَالَ: من قبل الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَإِن كُنْتُم من قبله لمن الضَّالّين} قَالَ: لمن الْجَاهِلين
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَرْمِي على رَاحِلَته يَوْم النَّحْر وَيَقُول: لِتَأْخُذُوا مَنَاسِككُم فَإِنِّي لَا أَدْرِي لعَلي لَا أحج بعد حجتي هَذِه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ: دَخَلنَا على جَابر بن عبد الله فَقلت: أَخْبرنِي عَن حجَّة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكث تسع سِنِين لم يحجّ ثمَّ أذن فِي النَّاس فِي الْعَاشِرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَاج فَقدم الْمَدِينَة بشر كثير كلهم يلْتَمس أَن يأتم برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيعْمل بِمثل عمله فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَخَرجْنَا مَعَه حَتَّى إِذا أَتَيْنَا ذَا الحليفة فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَسْجِد ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى اسْتَوَت بِهِ نَاقَته على الْبَيْدَاء وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين أظهرنَا وَعَلِيهِ ينزل الْقُرْآن وَهُوَ يعلم تَأْوِيله فَمَا عمل بِهِ من شَيْء(1/542)
عَملنَا بِهِ فَأهل التَّوْحِيد لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك لبيْك لَا شريك لَك لبيْك إِن الْحَمد وَالنعْمَة لَك وَالْملك لَا شريك لَك وَأهل النَّاس بِهَذَا الَّذِي تهلون بِهِ فَلم يرد عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا مِنْهُ
وَلزِمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تلبيته حَتَّى أَتَيْنَا الْبَيْت مَعَه اسْتَلم الرُّكْن فَرمَلَ ثَلَاثًا وَمَشى أَرْبعا ثمَّ تقدم إِلَى مقَام إِبْرَاهِيم فَقَرَأَ {وَاتَّخذُوا من مقَام إِبْرَاهِيم مُصَلَّى} فَجعل الْمقَام بَينه وَبَين الْبَيْت فصلى رَكْعَتَيْنِ يقْرَأ فيهمَا بقل هُوَ الله أحد وبقل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْت فاستلم الرُّكْن ثمَّ خرج من الْبَاب إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دنا من الصَّفَا قَرَأَ (إِن الصَّفَا والمروة من شَعَائِر الله) (الْبَقَرَة الْآيَة 158) فَبَدَأَ بِمَا بَدَأَ الله بِهِ فَبَدَأَ بالصفا فرقى عَلَيْهِ حَتَّى رأى الْبَيْت فَكبر الله وَحده وَقَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده أنْجز وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده ثمَّ دَعَا بَين ذَلِك وَقَالَ: مثل هَذَا ثَلَاث مَرَّات
ثمَّ نزل إِلَى الْمَرْوَة حَتَّى انصبت قدماه رمل فِي بطن الْوَادي حَتَّى إِذا صعد مَشى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَة فَصنعَ على الْمَرْوَة مثل مَا صنع على الصَّفَا حَتَّى إِذا كَانَ آخر الطّواف على الْمَرْوَة قَالَ: إِنِّي لَو اسْتقْبلت من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرت لم أسق الْهَدْي ولجعلتها عمْرَة فَمن كَانَ مِنْكُم لَيْسَ مَعَه هدي فليحلل وليجعلها عمْرَة فَحل النَّاس كلهم وَقصرُوا إِلَّا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن كَانَ مَعَه هدي فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرويَة وجهوا إِلَى منى أهلوا بِالْحَجِّ فَركب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى بمنى الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَالصُّبْح ثمَّ مكث قَلِيلا حَتَّى طلعت الشَّمْس وَأمر بقبة لَهُ من شعر فَضربت بنمرة
فَسَار رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا تشك قُرَيْش أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِف عِنْد الْمشعر الْحَرَام بِالْمُزْدَلِفَةِ كَمَا كَانَت قُرَيْش تصنع فِي الْجَاهِلِيَّة فاجاز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَة فَوجدَ الْقبَّة قد ضربت لَهُ بنمرة فَنزل بهَا حَتَّى إِذا غربت الشَّمْس أَمر بالقصواء فرحلت فَركب حَتَّى أَتَى بطن الْوَادي فَخَطب النَّاس فَقَالَ: إِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ عَلَيْكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا فِي شهركم هَذَا فِي بلدكم هَذَا أَلا إِن كل شَيْء من أَمر الْجَاهِلِيَّة تَحت قدمي مَوْضُوع وَدِمَاء الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوعَة وَأول دم أَضَعهُ دم عُثْمَان بن ربيع بن الْحَرْث بن الْمطلب وَربا الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع وَأول رَبًّا أَضَعهُ(1/543)
رَبًّا عَبَّاس بن عبد الْمطلب فَإِنَّهُ مَوْضُوع كُله اتَّقوا الله فِي النِّسَاء فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله وَإِن لكم عَلَيْهِنَّ أَن لَا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فَإِن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عَلَيْكُم رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ
وَإِنِّي قد تركت فِيكُم مَا لن تضلوا بعده إِن اعتصتم بِهِ كتاب الله وَأَنْتُم مسؤولون عني فَمَا أَنْتُم قَائِلُونَ قَالُوا: نشْهد أَنَّك قد بلغت وَأديت وَنَصَحْت قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثمَّ أذن بِلَال ثمَّ أَقَامَ فصلى الظّهْر ثمَّ أَقَامَ فصلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْموقف فَجعل بطن نَاقَته الْقَصْوَاء إِلَى الصخرات وَجعل جبل المشاة بَين يَدَيْهِ فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى غربت الشَّمْس وَذَهَبت الصُّفْرَة قَلِيلا حِين غَابَ القرص وَأَرْدَفَ أُسَامَة خَلفه فَدفع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد شنق للقصواء الزِّمَام حَتَّى أَن رَأسهَا ليصيب مورك رَحْله وَهُوَ يَقُول بِيَدِهِ الْيُمْنَى: السكينَة أَيهَا النَّاس كلما أَتَى جبلا من الْجبَال أرْخى لَهَا قَلِيلا حَتَّى صعد أَتَى الْمزْدَلِفَة فَجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِأَذَان وَاحِد وَإِقَامَتَيْنِ وَلم يسبح بَينهمَا شَيْئا ثمَّ اضْطجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى طلع الْفجْر فصلى الْفجْر حِين تبين لَهُ الصُّبْح
ثمَّ ركب الْقَصْوَاء حَتَّى أَتَى الْمشعر الْحَرَام فرقى عَلَيْهِ فَاسْتقْبل الْكَعْبَة فَحَمدَ الله وَكبره وَوَحَّدَهُ فَلم يزل وَاقِفًا حَتَّى أَسْفر جدا ثمَّ دفع قبل أَن تطلع الشَّمْس حَتَّى أَتَى محسراً فحرك قَلِيلا ثمَّ سلك الطَّرِيق الْوُسْطَى الَّذِي تخرجك إِلَى الْجَمْرَة الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَة عِنْد الشَّجَرَة فَرَمَاهَا بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة مِنْهَا فَرمى بطن الْوَادي ثمَّ انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى المنحر فَنحر بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَأمر عليا مَا غبر وأشركه فِي هَدْيه ثمَّ أَمر من كل بَدَنَة ببضعة فَجعلت فِي قدر فطبخت فأكلا من لَحمهَا وشربا من مرقتها ثمَّ ركب ثمَّ أَفَاضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْبَيْت فصلى بِمَكَّة الظّهْر ثمَّ أَتَى بني عبد الْمطلب وهم يسقون على زَمْزَم فَقَالَ: انزعوا بني عبد الْمطلب فلولا أَن يغلبكم النَّاس على سِقَايَتكُمْ لنزعت مَعكُمْ فأدلوه دلواً فَشرب مِنْهُ(1/544)
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)
قَوْله تَعَالَى: ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم(1/544)
أخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَت قُرَيْش وَمن دَان دينهَا يقفون بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانُوا يسمون الحمس وَكَانَت سَائِر الْعَرَب يقفون بِعَرَفَات فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام أَمر نبيه أَن يَأْتِي عَرَفَات ثمَّ يقف بهَا ثمَّ يفِيض مِنْهَا فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: كَانَت الْعَرَب تَطوف بِالْبَيْتِ عُرَاة إِلَّا الحمس والحمس قُرَيْش وَمَا ولدت كَانُوا يطوفون عُرَاة إِلَّا أَن تعطيهم الحمس ثيابًا فيعطون الرِّجَال الرِّجَال وَالنِّسَاء النِّسَاء وَكَانَت الحمس لَا يخرجُون من الْمزْدَلِفَة وَكَانَ النَّاس كلهم يبلغون عَرَفَات قَالَ هِشَام: فَحَدثني أبي عَن عَائِشَة قَالَ: كَانَت الحمس الَّذين أنزل الله فيهم {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} قَالَت: كَانَ النَّاس يفيضون من عَرَفَات وَكَانَ الحمس يفيضون من الْمزْدَلِفَة يَقُولُونَ: لَا نفيض إِلَّا من الْحرم
فَلَمَّا نزلت {أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} رجعُوا إِلَى عَرَفَات
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَت قُرَيْش: نَحن قواطن الْبَيْت لَا نجاوز الْحرم فَقَالَ الله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: أضللت بَعِيرًا لي فَذَهَبت أطلبه يَوْم عَرَفَة فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاقِفًا مَعَ النَّاس بِعَرَفَة فَقلت وَالله إِن هَذَا لمن الحمس فَمَا شَأْنه هَهُنَا وَكَانَت قُرَيْش تعد من الحمس
وَزَاد الطَّبَرَانِيّ وَكَانَ الشَّيْطَان قد استهواهم فَقَالَ لَهُم: إِن عظمتم غير حرمكم استخف النَّاس حرمكم وَكَانُوا لَا يخرجُون من الْحرم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: كَانَت قُرَيْش إِنَّمَا تدفع من الْمزْدَلِفَة وَيَقُولُونَ: نَحن الحمس فَلَا نخرج من الْحرم وَقد تركُوا الْموقف على عَرَفَة فَرَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجَاهِلِيَّة يقف مَعَ النَّاس بِعَرَفَة على جمل لَهُ ثمَّ يصبح مَعَ قومه بِالْمُزْدَلِفَةِ فيقف مَعَهم ثمَّ يدْفع إِذا دفعُوا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جُبَير بن مطعم قَالَ: لقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل أَن ينزل عَلَيْهِ وَأَنه لواقف على بعير بِهِ بِعَرَفَات مَعَ النَّاس يدْفع مَعَهم مِنْهَا وَمَا ذَاك إِلَّا توفيق من الله(1/545)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْعَرَب تقف بِعَرَفَة وَكَانَت قُرَيْش دون ذَلِك بِالْمُزْدَلِفَةِ فَأنْزل الله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت: كَانَت قُرَيْش يقفون بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيقف النَّاس بِعَرَفَة إِلَّا شيبَة بن ربيعَة فَأنْزل الله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَت قُرَيْش وكل ابْن أُخْت لَهُم وحليف لَا يفيضون مَعَ النَّاس من عَرَفَات أَنما يفيضون من المغمس كَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّمَا نَحن أهل الله فَلَا نخرج من حرمه فَأَمرهمْ الله أَن يفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَكَانَت سنة إِبْرَاهِيم واسماعيل الإِفاضة من عَرَفَات
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} قَالَ: إِبْرَاهِيم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} قَالَ عَرَفَة كَانَت قُرَيْش تَقول: إِنَّمَا نَحن حمس أهل الْحرم لَا يخلف الْحرم الْمزْدَلِفَة أمروا أَن يبلغُوا عَرَفَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ النَّاس يقفون بِعَرَفَة إِلَّا قُريْشًا وأحلافها وَهِي الحمس فَقَالَ بَعضهم: لَا تعظموا إِلَّا الْحرم فَإِنَّكُم إِن عظمتم غير الْحرم أوشك أَن تتهاونوا بحرمكم فقصروا عَن مَوَاقِف الْحق فوقفوا بِجمع فَأَمرهمْ الله أَن يفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس من عَرَفَات
أما قَوْله تَعَالَى: {وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم}
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: إِذا كَانَ يَوْم عَرَفَة هَبَط الله إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فِي الْمَلَائِكَة فَيَقُول لَهُم: عبَادي آمنُوا بوعدي وَصَدقُوا رُسُلِي مَا جزاؤهم فَيُقَال: أَن يغْفر لَهُم
فَذَلِك قَوْله {ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَضَاحِي وَالْحَاكِم عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من يَوْم أَكثر من أَن يعْتق الله فِيهِ عبدا من النَّار من يَوْم عَرَفَة وَأَنه ليدنو ثمَّ يباهي بهم الملاءكة فَيَقُول: مأراده هَؤُلَاءِ
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن(1/546)
أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يباهي بِأَهْل عَرَفَات أهل السَّمَاء فَيَقُول لَهُم: انْظُرُوا عبَادي جاؤوني شعثاً غبراً
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أفضل الْأَيَّام أَيَّام الْعشْر - يَعْنِي عشر ذِي الْحجَّة - قيل: وَمَا مِثْلهنَّ فِي سَبِيل الله قَالَ: وَلَا مِثْلهنَّ فِي سَبِيل الله إِلَّا رجل عفر وَجهه بِالتُّرَابِ وَمَا من يَوْم أفضل عِنْد الله من يَوْم عَرَفَة ينزل الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فيباهي بِأَهْل الأضر أهل السَّمَاء فَيَقُول: انْظُرُوا عبَادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رَحْمَتي ويستعيذون من عَذَابي وَلم يروه فَلم ير يَوْمًا أَكثر عتقا وعتيقة من النَّار مِنْهُ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله يباهي مَلَائكَته عَشِيَّة عَرَفَة بِأَهْل عَرَفَة فَيَقُول: انْظُرُوا عبَادي أَتَوْنِي شعثاً غبراً ضاحين من كل فج عميق أشهدكم أَنِّي قد غفرت لَهُم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فَمَا من يَوْم أَكثر عتقا من النَّار من يَوْم عَرَفَة
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن طَلْحَة بن عبيد الله بن كريز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا رُؤِيَ الشَّيْطَان يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَر وَلَا أَحْقَر وَلَا ادحر وَلَا أَغيظ مِنْهُ من يَوْم عَرَفَة وَمَا ذَاك إِلَّا مِمَّا يرى فِيهِ من تنزل الرَّحْمَة وَتجَاوز الله عَن الذُّنُوب الْعِظَام إِلَّا مَا رأى يَوْم بدر
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا الَّذِي رأى يَوْم بدر قَالَ: رأى جِبْرِيل يَزع الْمَلَائِكَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الفضيل بن عَبَّاس أَنه كَانَ رَدِيف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة وَكَانَ الْفَتى يُلَاحظ النِّسَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ببصره هَكَذَا وَصَرفه وَقَالَ يَا ابْن أخي: هَذَا يَوْم من ملك فِيهِ بَصَره إِلَّا من حق وسَمعه إِلَّا من حق ولسان إِلَّا من حق غفر لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الدُّعَاء دُعَاء يَوْم عَرَفَة وَأفضل قولي وَقَول الْأَنْبِيَاء قبلي لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ كَانَ أَكثر دُعَاء(1/547)
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ كَانَ أَكثر دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة يَوْم عَرَفَة اللَّهُمَّ لَك الْحَمد كَالَّذي نقُول وَخيرا مِمَّا نقُول: اللَّهُمَّ لَك صَلَاتي ونسكي ومحياي ومماتي وَإِلَيْك مآبي وَلَك رب تدآبي اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من عَذَاب الْقَبْر ووسوسة الصَّدْر وشتات الْأَمر اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من خير مَا تَجِيء بِهِ الرّيح وَأَعُوذ بك من شَرّ مَا تَجِيء بِهِ الرّيح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم يقف عَشِيَّة عَرَفَة بِالْوَقْفِ يسْتَقْبل الْقبْلَة يوجهه ثمَّ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير مائَة مرّة ثمَّ يقْرَأ (قل هُوَ الله أحد) (الْإِخْلَاص الْآيَة 1) مائَة مرّة ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد كَمَا صليت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم إِنَّك حميد مجيد وعلينا مَعَهم مائَة مرّة إِلَّا قَالَ اله تَعَالَى: يَا ملائكتي مَا جَزَاء عَبدِي هَذَا سبحني وهللني وكبرني وعظمني وعرفني وَأثْنى عليَّ وَصلى على نبيي اشْهَدُوا يَا ملائكتي أَنِّي قد غفرت لَهُ وشفعته فِي نَفسه وَلَو سَأَلَني عَبدِي هَذَا لشفعته فِي أهل الْموقف كلهم
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا متن غَرِيب وَلَيْسَ إِسْنَاده من ينْسب إِلَى الْوَضع
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن بكير بن عَتيق قَالَ: حججْت فتوسمت رجلا أقتدي بِهِ إِذا سَالم بن عبد الله فِي الْموقف يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير لَا إِلَه إِلَّا الله إِلَهًا وَاحِدًا وَنحن لَهُ مُسلمُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَو كره الْمُشْركُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله رَبنَا وَرب آبَائِنَا الأوّلين
فَلم يزل يَقُول هَذَا حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس ثمَّ نظر إِلَيّ وَقَالَ: حَدثنِي أبي عَن جدي عمر بن الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى: من شغله ذكري عَن مَسْأَلَتي أَعْطيته أفضل مَا أعطي السَّائِلين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والجندي فِي فَضَائِل مَكَّة عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَكثر دعائي وَدُعَاء الْأَنْبِيَاء قبلي بِعَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على كل شَيْء قدير اللَّهُمَّ اجْعَل فِي(1/548)
سَمْعِي نورا فِي بَصرِي نورا وَفِي قلبِي نورا اللَّهُمَّ اشرح لي صَدْرِي وَيسر لي أَمْرِي وَأَعُوذ بك من وسواس الصُّدُور وتشتت الْأُمُور وَعَذَاب الْقَبْر اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من شَرّ مَا يلج فِي اللَّيْل وَشر مَا يلج فِي النَّهَار وَشر مَا تهب بِهِ الرِّيَاح شَرّ بوائق الدَّهْر
وَأخرج الجندي عَن ابْن جريج قَالَ: بَلغنِي أَنه كَانَ يُؤمر أَن يكون أَكثر دُعَاء الْمُسلم فِي الْوَقْف: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَضَاحِي وَابْن أبي عَاصِم وَالطَّبَرَانِيّ مَعًا فِي الدُّعَاء وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّعْوَات عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ مَا من عبد وَلَا أمة دَعَا الله لَيْلَة عَرَفَة بِهَذِهِ الدَّعْوَات - وَهِي عشر كَلِمَات - ألف مرّة إِلَّا وَلم يسْأَل الله شَيْئا الا أعطَاهُ إِيَّاه إِلَّا قطيعة رحم أوإثما
سُبْحَانَ الله الَّذِي فِي السَّمَاء عَرْشه سُبْحَانَ الَّذِي فِي النَّار سُلْطَانه سُبْحَانَ الَّذِي فِي الْجنَّة رَحمته سُبْحَانَ الَّذِي فِي الْقُبُور قَضَاؤُهُ سُبْحَانَ الَّذِي فِي الْهَوَاء روحه سُبْحَانَ الَّذِي رفع السَّمَاء سُبْحَانَ الَّذِي وضع الأَرْض سُبْحَانَ الَّذِي لَا ملْجأ وَلَا منجى مِنْهُ إِلَّا إِلَيْهِ
قيل لَهُ: أَنْت سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن صَدَقَة بن يسَار قَالَ: سَأَلت مُجَاهدًا عَن قِرَاءَة الْقُرْآن أفضل يَوْم عَرَفَة أم الذّكر قَالَ: لَا بل قِرَاءَة الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَضَاحِي عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه قَالَ وَهُوَ بِعَرَفَات: لَا أدع هَذَا الْموقف مَا وجدت إِلَيْهِ سَبِيلا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الأَرْض يَوْم أَكثر عتقا للرقاب فِيهِ من يَوْم عَرَفَة فَأَكْثرُوا فِي ذَلِك الْيَوْم من قَول: اللَّهُمَّ اعْتِقْ رقبتي من النَّار وأوسع لي فِي الرزق واصرف عني فسقة الْجِنّ والإِنس فَإِنَّهُ عَامَّة مَا أَدْعُوك بِهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ من دُعَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة عَرَفَة اللَّهُمَّ أَنَّك ترى مَكَاني وَتسمع كَلَامي وَتعلم سري وعلانيتي وَلَا يخفى عَلَيْك شَيْء من أَمْرِي أَنا البائس الْفَقِير المستغيث المستجير الوجل المشفق الْمقر الْمُعْتَرف بذنوبه أَسأَلك مَسْأَلَة الْمَسَاكِين وابتهل إِلَيْك ابتهال المذنب الذَّلِيل وادعوك دُعَاء الْخَائِف المضرور من خضعت لَك رقبته وفاضت لَك عَيناهُ وَنحل لَك(1/549)
جسده وَرَغمَ أَنفه اللَّهُمَّ لَا تجعلني بدعائك شقياً وَكن بِي رؤوفاً رحِيما يَا خير المسؤولين وَيَا خير المعطين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الدُّعَاء عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يرفع صَوته عَشِيَّة عَرَفَة يَقُول: اللَّهُمَّ اهدنا بِالْهَدْي وزينا بالتقوى واغفر لنا فِي الْآخِرَة وَالْأولَى ثمَّ يخفصض صَوته بقوله: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك من فضلك رزقا طيبا مُبَارَكًا اللَّهُمَّ إِنِّي أمرت بِالدُّعَاءِ وقضيت على نَفسك بالإِجابة وَإنَّك لَا تخلف وَعدك وَلَا تنكث عَهْدك اللَّهُمَّ مَا أَحْبَبْت من خير فحببه إِلَيْنَا ويسره لنا وَمَا كرهت من شَرّ فكرهه إِلَيْنَا وجنبناه وَلَا تنْزع منا الإِسلام بعد إِذْ أعطيتناه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو ذَر الْهَرَوِيّ فِي الْمَنَاسِك عَن أبي مجلز قَالَ: شهِدت ابْن عمر بِالْوَقْفِ بِعَرَفَات فَسَمعته يَقُول: الله أكبر وَللَّه الْحَمد ثَلَاث مَرَّات ثمَّ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير مرّة وَاحِدَة ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبروراً وذنباً مغفوراً ويسكت قدر مَا يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب ثمَّ يعود فَيَقُول مثل ذَلِك حَتَّى أَفَاضَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي سُلَيْمَان الدَّارَانِي عَن عبد الله بن أَحْمد بن عَطِيَّة قَالَ: سُئِلَ عَليّ بن أبي طَالب عَن الْوُقُوف بِالْجَبَلِ ولِمَ لم يكن فِي الْحرم قَالَ: لِأَن الْكَعْبَة بَيت الله وَالْحرم بَاب الله فَلَمَّا قصدوه وافدين وقفهم بِالْبَابِ يَتَضَرَّعُونَ
قيل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فالوقوف بالمشعر قَالَ: لِأَنَّهُ لما أذن لَهُم بِالدُّخُولِ وقفهم بالحجاب الثَّانِي وَهُوَ الْمزْدَلِفَة فَلَمَّا أَن طَال تضرعهم أذن لَهُم بتقريب قُرْبَانهمْ بمنى فَلَمَّا أَن قضوا تفثهم وقربوا قُرْبَانهمْ فتطهروا بهَا من الذُّنُوب الَّتِي كَانَت لَهُم أذن لَهُم بالوفادة إِلَيْهِ على الطَّهَارَة
قيل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَمن أَيْن حرم صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق قَالَ: لِأَن الْقَوْم زاروا الله وهم فِي ضيافته وَلَا يجوز للضيف أَن يَصُوم دون إِذن من أَضَافَهُ
قيل: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَتعلق الرجل بِأَسْتَارِ الْكَعْبَة لأي معنى هُوَ قَالَ: مثل الرجل بَينه وَبَين سَيّده جِنَايَة فَتعلق بِثَوْبِهِ وتنصل إِلَيْهِ وتحدى لَهُ ليهب لَهُ جِنَايَته
وَأخرج ابْن زَنْجوَيْه والأزرقي والجندي ومسدد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما وَابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أنس بن مَالك قَالَ: كنت قَاعِدا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي(1/550)
مَسْجِد الْخيف أَتَاهُ رجل من الْأَنْصَار وَرجل من ثَقِيف فسلما عَلَيْهِ ثمَّ قَالَا: يارسول الله جِئْنَا نَسْأَلك
قَالَ: إِن شئتما أخبرتكما بِمَا جئتما تسألاني عَنهُ وَإِن شئتما سألتماني
قَالَ: أخبرنَا يَا رَسُول الله نزداد إِيمَانًا ويقيناً قَالَ للْأَنْصَارِيِّ: جِئْت تسْأَل عَن مخرجك من بَيْتك تؤم الْبَيْت الْحَرَام وَمَا لَك فِيهِ وَعَن طوافك وَمَا لَك فِيهِ وَعَن ركعتيك بعد الطّواف وَمَا لَك فيهمَا وَعَن طوافك بَين الصَّفَا والمروة وَمَا لَك فِيهِ وَعَن وقوفك بِعَرَفَة وَمَا لَك فِيهِ وَعَن رميك الْجمار وَمَا لَك فِيهِ وَعَن طوافك بِالْبَيْتِ وَمَا لَك فِيهِ يَعْنِي الإِفاضة
قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ مَا جِئْت إِلَّا لأسألك عَن ذَلِك
وَقَالَ: أما مخرجك من بَيْتك تؤم الْبَيْت الْحَرَام فَإِن نَاقَتك لَا ترفع خفاً وَلَا تضعه إِلَّا كتب الله لَك بِهِ حَسَنَة ومحا بِهِ عَنْك خَطِيئَة وَأما طوافك بِالْبَيْتِ فَإنَّك لَا ترفع قدماً وَلَا تضعها إِلَّا كتب الله لَك بهَا حَسَنَة ومحا عَنْك بهَا خَطِيئَة وَرفع لَك بهَا دَرَجَة وَأما ركعتاك بعد طوافك فكعتق رَقَبَة من بني اسماعيل وَأما طوافك بَين الصَّفَا والمروة فكعتق سبعين رَقَبَة وَأما وقوفك عَشِيَّة عَرَفَة فَإِن الله تَعَالَى يهْبط إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فيباهي بكم الْمَلَائِكَة وَيَقُول: انْظُرُوا إِلَى عبَادي جاؤوني من كل فج عميق شعثاً غبراً يرجون رَحْمَتي ومغفرتي فَلَو كَانَت ذنوبهم مثل الرمل وَعدد الْقطر وَمثل زبد الْبَحْر وَمثل نُجُوم السَّمَاء لغفرتها لَهُم وَيَقُول: أفيضوا عبَادي مغفوراً لكم وَلم شفعتم فِيهِ وَأما رميك الْجمار فَإِن الله يغْفر لَك بِكُل حَصَاة رميتها كَبِيرَة من الْكَبَائِر الموبقات الموجبات وَأما نحرك فمدخور لَك عِنْد رَبك وَأما طوافك بِالْبَيْتِ - يَعْنِي الافاضة - فَإنَّك تَطوف وَلَا ذَنْب عَلَيْك ويأتيك ملك فَيَضَع يَده بَين كتفيك وَيَقُول: اعْمَلْ لما بَقِي فقد كفيت مَا مضى
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان عَن ابْن عمر قَالَ كنت جَالِسا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد منى فَأَتَاهُ رجل من الْأَنْصَار وَرجل من ثَقِيف فسلما عَلَيْهِ ثمَّ قَالَا: يَا رَسُول الله جِئْنَا نَسْأَلك فَقَالَ: إِن شئتما أخبرتكما بِمَا جئتما تسألاني عَنهُ فعلت وَإِن شئتما أَن أمسك وتسألاني فعلت
فَقَالَا: أخبرنَا يَا رَسُول الله فَقَالَ الثَّقَفِيّ للْأَنْصَارِيِّ: سل
فَقَالَ: اخبرني يَا رَسُول الله
فَقَالَ: جئتن تَسْأَلنِي عَن مخرجك من بَيْتك تؤم الْبَيْت الْحَرَام وَمَا لَك فِيهِ وَعَن طوافك وَمَا لَك فيهمَا وَعَن ركعتيك بعد الطّواف وَمَا لَك فيهمَا وَعَن طوافك بَين الصَّفَا والمروة وَمَا لَك فِيهِ وَعَن وقوفك عَشِيَّة عَرَفَة وَمَا لَك فِيهِ وَعَن رميك(1/551)
الْجمار وَمَا لَك فِيهِ وَعَن نحرك وَمَا لَك فِيهِ مَعَ الإِفاضة
قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لعن هَذَا جِئْت أَسأَلك
قَالَ: فَإنَّك إِذا خرجت من بَيْتك تؤم الْبَيْت الْحَرَام لاتضع نَاقَتك خفاً وَلَا ترفعه إِلَّا كتب الله لَك بِهِ حَسَنَة ومحى عَنْك خَطِيئَة وَأما ركعتاك بعد الطّواف فكعتق رَقَبَة من بني اسماعيل وَأما طوافك بالصفا والمروة كعتق سبعين رَقَبَة وَأما وقوفك عَشِيَّة عَرَفَة فَإِن الله يهْبط إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا فيباهي بكم الْمَلَائِكَة فَيَقُول: عبَادي جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون جنتي فَلَو كَانَت ذنوبكم كعدد الرمل أَو كقطر الْمَطَر أَو كزبد الْبَحْر لغفرتها أفيضوا عبَادي مغفوراً لكم وَلمن شفعتم لَهُ وَأما رميك الْجمار فلك بِكُل حَصَاة رميتها تَكْفِير كَبِيرَة من الموبقات وَأما نحرك فمدخور لَك عِنْد رَبك وَأما حلاقك رَأسك فلك بِكُل شَعْرَة حلقتها حَسَنَة ويمحى عَنْك بهَا خَطِيئَة وَأما طوافك بِالْبَيْتِ بعد ذَلِك فَإنَّك تَطوف وَلَا ذَنْب لَك يَأْتِي ملك حَتَّى يضع يَدَيْهِ بَين كتفيك فَيَقُول: اعْمَلْ فِيمَا يسْتَقْبل فقد غفر لَك مَا مضى
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن ابْن عمر قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَشِيَّة عَرَفَة فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله تطول عَلَيْكُم فِي مقامكم هَذَا فَقبل من محسنكم وَأعْطى محسنكم مَا سَأَلَ ووهب مسيئكم لمحسنكم إِلَّا التَّبعَات فِيمَا بَيْنكُم أفيضوا على اسْم الله
فَلَمَّا كَانَ غَدَاة جمع قَالَ: أَيهَا النَّاس إِن الله قد تطوّل عَلَيْكُم فِي مقامكم هَذَا فَقبل من محسنكم ووهب مسيئكم لمحسنكم والتبعات بَيْنكُم عوضهَا من عِنْده أفيضوا على اسْم الله فَقَالَ أَصْحَابه: يَا رَسُول الله أفضت بِنَا الأمس كئيباً حَزينًا وأفضت بِنَا الْيَوْم فَرحا مَسْرُورا فَقَالَ: إِنِّي سَأَلت رَبِّي بالْأَمْس شَيْئا لم يجد لي بِهِ سَأَلته التَّبعَات فَأبى عَليّ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم أَتَانِي جِبْرِيل فَقَالَ: إِن رَبك يُقْرِئك السَّلَام وَيَقُول ضمنت التَّبعَات وعوّضتها من عِنْدِي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة أَيهَا النَّاس إِن الله تطول عَلَيْكُم فِي هَذَا الْيَوْم فغفر لكم إِلَّا التَّبعَات فِيمَا بَيْنكُم ووهب مسيئكم لمحسنكم وَأعْطى محسنكم مَا سَأَلَ فادفعوا باسم الله فَلَمَّا كَانَ بِجمع قَالَ: إِن الله قد غفر لصالحيكم وشفع لصالحيكم فِي طالحيكم تنزل الرَّحْمَة فتعمهم(1/552)
ثمَّ يفرق الْمَغْفِرَة فِي الأَرْض فَيَقَع على كل تائب مِمَّن حفظ لِسَانه وَيَده وإبليس وَجُنُوده بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور
وَأخرج ابْن ماجة والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن الْعَبَّاس بن مرداس السّلمِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا عَشِيَّة عَرَفَة لأمته بالمغفرة وَالرَّحْمَة فَأكْثر الدُّعَاء فَأوحى الله إِلَيْهِ: إِنِّي قد فعلت إِلَّا ظلم بَعضهم بَعْضًا وَأما ذنوبهم فِيمَا بيني وَبينهمْ فقد غفرتها
فَقَالَ: يَا رب إِنَّك قَادر على أَن تثيب هَذَا الْمَظْلُوم خيرا من مظلمته وَتغْفر لهَذَا الظَّالِم
فَلم يجبهُ تِلْكَ العشية فَلَمَّا كَانَ غَدَاة الْمزْدَلِفَة أعَاد الدُّعَاء فَأَجَابَهُ الله أَنِّي قد غفرت لَهُم
فَتَبَسَّمَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ أَصْحَابه قَالَ: تبسمت من عدوّ الله إِبْلِيس إِنَّه لما علم أَن الله قد اسْتَجَابَ لي فِي أمتِي أَهْوى يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُور ويحثو التُّرَاب على رَأسه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي وَأَبُو يعلى عَن أنس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله تطوّل على أهل عَرَفَات يباهي بهم الْمَلَائِكَة فَيَقُول: يَا ملائكتي انْظُرُوا إِلَى عبَادي شعثاً غبراً أَقبلُوا يضْربُونَ إِلَيّ من كل فج عميق فاشهدكم أَنِّي قد أجبْت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وَأعْطيت لمحسنهم جَمِيع مَا سَأَلُونِي غير التَّبعَات الَّتِي بَينهم فَإِذا أَفَاضَ الْقَوْم إِلَى جمع ووقفوا وعادوا فِي الرَّغْبَة والطلب إِلَى الله فَيَقُول: يَا ملائكتي عبَادي وقفُوا فعادوا فِي الرَّغْبَة والطلب فاشهدكم أَنِّي قد أجبْت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وَأعْطيت محسنيهم جَمِيع مَا سَأَلُونِي وكفلت عَنْهُم التَّبعَات الَّتِي بَينهم
وَأخرج ابْن الْمُبَارك عَن أنس بن مَالك قَالَ وقف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَات وَقد كَادَت الشَّمْس أَن تؤوب فَقَالَ: يَا بِلَال أنصت لي النَّاس
فَقَامَ بِلَال فَقَالَ: انصتوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فنصت النَّاس فَقَالَ: يَا معاشر النَّاس أَتَانِي جِبْرِيل آنِفا فأقرأني من رَبِّي السَّلَام وَقَالَ: إِن الله عز وَجل غفر لأهل عَرَفَات وَأهل الْمشعر وَضمن عَنْهُم التَّبعَات
فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَذَا لنا خَاصَّة قَالَ: هَذَا لكم وَلمن أَتَى من بعدكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
فَقَالَ عمر بن الْخطاب: كثر خير الله وطاب
وَأخرج ابْن ماجة عَن بِلَال بن رَبَاح أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ غَدَاة جمع:(1/553)
أنصت النَّاس
ثمَّ قَالَ: إِن الله تطاول عَلَيْكُم فِي جمعكم هَذَا فوهب مسيئكم لمحسنكم وَأعْطى محسنكم مَا سَأَلَ ادفعوا باسم الله
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن مُحَمَّد بن أبي بكر الثَّقَفِيّ أَنه سَأَلَ أنس بن مَالك وهما عاديان من منى إِلَى عَرَفَة كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْم مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: كَانَ يهل منا الْمهل فَلَا يُنكر عَلَيْهِ وَيكبر منا المكبر فَلَا يُنكر عَلَيْهِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن أم الْفضل بنت الْحَرْث أَن نَاسا اخْتلفُوا عِنْدهَا يَوْم عَرَفَة فِي صَوْم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بَعضهم: هُوَ صَائِم
وَقَالَ بَعضهم: لَيْسَ بصائم
فَأرْسلت إِلَيْهِ بقدح لبن وَهُوَ وَاقِف على بعيره فشربه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي نجيح قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر عَن صَوْم يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: حججْت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يصمه وَمَعَ عمر فَلم يصمه وَمَعَ عُثْمَان فَلم يصمه وَأَنا لَا أصومه وَلَا آمُر بِهِ وَلَا أنهى عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: صِيَام يَوْم عَرَفَة إِنِّي أحتسب على الله أَن يكفر السّنة الَّتِي قبله وَالسّنة الَّتِي بعده
وَأخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ من طَرِيق الْقَاسِم بن مُحَمَّد عَن عَائِشَة
أَنَّهَا كَانَت تَصُوم يَوْم عَرَفَة قَالَ الْقَاسِم: وَلَقَد رَأَيْتهَا عَشِيَّة عَرَفَة يدْفع الإِمام وتقف حَتَّى يبيض مَا بَينهَا وَبَين النَّاس من الأَرْض ثمَّ تَدْعُو بِالشرابِ فتفطر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت: مَا من يَوْم من السّنة أصومه أحب إليّ من يَوْم عَرَفَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول صِيَام يَوْم عَرَفَة كصيام ألف يَوْم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول صِيَام يَوْم عَرَفَة كصيام ألف عَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مَسْرُوق أَنه دخل على عَائِشَة يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: اسقوني(1/554)
فَقَالَت عَائِشَة وَمَا أَنْت يَا مَسْرُوق بصائم
فَقَالَ: لَا إِنِّي أَتَخَوَّف أَن يكون أضحى
فَقَالَت عَائِشَة: لَيْسَ كَذَلِك يَوْم عَرَفَة يَوْم يعرف الإِمام وَيَوْم النَّحْر يَوْم ينْحَر الإِمام أَو مَا سَمِعت يَا مَسْرُوق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يعدله بِصَوْم ألف يَوْم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَضَاحِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: كَانَ يُقَال فِي أَيَّام الْعشْر: بِكُل يَوْم ألف يَوْم وَيَوْم عَرَفَة عشرَة آلَاف يَوْم يَعْنِي فِي الْفضل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْفضل بن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حفظ لِسَانه وسَمعه وبصره يَوْم عَرَفَة غفر لَهُ من عَرَفَة إِلَى عَرَفَة
وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ الْفضل بن عَبَّاس رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة فَجعل الْفَتى يُلَاحظ النِّسَاء وَينظر إلَيْهِنَّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ابْن أخي أَن هَذَا يَوْم من ملك فِيهِ سَمعه وبصره وَلسَانه غفر لَهُ
وَأخرج الْمروزِي فِي كتاب الْعِيدَيْنِ عَن مُحَمَّد بن عباد المَخْزُومِي قَالَ: لَا يستشهد مُؤمن حَتَّى يكْتب اسْمه عَشِيَّة عَرَفَة فِيمَن يستشهد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْأَضَاحِي والمرزوي عَن إِبْرَاهِيم
أَنه سُئِلَ عَن التَّعْرِيف بالأمصار فَقَالَ: إِنَّمَا التَّعْرِيف بِعَرَفَات
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي عوَانَة قَالَ: رَأَيْت الْحسن الْبَصْرِيّ يَوْم عَرَفَة بعد الْعَصْر جلس فَذكر الله ودعا وَاجْتمعَ إِلَيْهِ النَّاس
وَأخرج الْمروزِي عَن مبارك قَالَ: رَأَيْت الْحسن وَبكر بن عبد الله وثابتاً الْبنانِيّ وَمُحَمّد بن وَاسع وغيلان بن جرير يشْهدُونَ عَرَفَة بِالْبَصْرَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي عَن مُوسَى بن أبي عَائِشَة قَالَ: رَأَيْت عَمْرو بن حُرَيْث فِي الْمَسْجِد يَوْم عَرَفَة وَالنَّاس مجتمعون إِلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا والمروزي عَن الْحسن قَالَ: إِن أول من عرف الْبَصْرَة ابْن عَبَّاس
وَأخرج الْمروزِي عَن الحكم قَالَ: أول من فعل ذَلِك بِالْكُوفَةِ مُصعب بن الزبير
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي(1/555)
الْأَضَاحِي وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق عيدنا أهل الإِسلام وَهن أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى صَلَاة الْغَدَاة يَوْم عَرَفَة وَسلم جثا على رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله الله أكبر الله أكبر وَللَّه الْحَمد إِلَى آخر أَيَّام التَّشْرِيق يكبر فِي الْعَصْر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَضَعفه الذَّهَبِيّ من طَرِيق أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ وعمار أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجْهر فِي المكتوبات بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ويقنت فِي الْفجْر وَكَانَ يكبر من يَوْم عَرَفَة صَلَاة الْغَدَاة ويقطعها صَلَاة الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا والمروزي فِي الْعِيدَيْنِ وَالْحَاكِم عَن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: كَانَ عمر يكبر بعد صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة إِلَى صَلَاة الظّهْر أَو الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم عَن شَقِيق قَالَ: كَانَ يكبر بعد الْفجْر غَدَاة عَرَفَة ثمَّ لَا يقطع حَتَّى يُصَلِّي الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والمروزي وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس: أَنه كَانَ يكبر من غَدَاة عَرَفَة إِلَى صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم عَن عُمَيْر بن سعد قَالَ: قدم علينا ابْن مَسْعُود فَكَانَ يكبر من صَلَاة الصُّبْح يَوْم عَرَفَة إِلَى الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول: من يصحبني مِنْكُم من ذكر أَو أُنْثَى فَلَا يصومن يَوْم عَرَفَة فَإِنَّهُ يَوْم أكل وَشرب وتكبير(1/556)
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)
قَوْله تَعَالَى: فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا فَمن النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا(1/556)
فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق وَمِنْهُم من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا كسبوا وَالله سريع الْحساب
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} قَالَ: حَجكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} قَالَ: حَجكُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} قَالَ: اهراقه الدِّمَاء {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم} قَالَ: تفاخر الْعَرَب بَينهَا بفعال آبائها يَوْم النَّحْر حِين يفزعون فامروا بِذكر الله مَكَان ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الْمُشْركُونَ يَجْلِسُونَ فِي الْحَج فَيذكرُونَ فِيهِ أَيَّام آبَائِهِم وَمَا يعدون من أنسابهم يومهم أجمع فَأنْزل الله على رَسُوله فِي الإِسلام {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يقفون فِي الْمَوْسِم يَقُول الرجل مِنْهُم: كَانَ أبي يطعم وَيحمل الحملات وَيحمل الدِّيات لَيْسَ لَهُم ذكر غير فعال آبَائِهِم فَأنْزل الله {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد اله بن الزبير قَالَ: كَانُوا إِذا فزعوا من حجهم تفاخروا بِالْآبَاءِ فَأنْزل الله {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا إِذا قضوا مناسكهم وقفُوا عِنْد الْجَمْرَة فَذكرُوا آبَاءَهُم وَذكروا أيامهم فِي الْجَاهِلِيَّة وفعال آبَائِهِم فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج الفاكهي عَن أنس قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يذكرُونَ آبَاءَهُم فَيَقُول أحدهم: كَانَ أبي يطعم الطَّعَام
وَيَقُول الآخر: كَانَ أبي يضْرب بِالسَّيْفِ
وَيَقُول الآخر: كَانَ أبي يجز بالنواصي
فَنزلت {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم}(1/557)
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن سعيد بن جُبَير وَعِكْرِمَة قَالَا: كَانُوا يذكرُونَ فعل آبَائِهِم فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا وقفُوا بِعَرَفَة فَنزلت {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم}
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة إِذا نزلُوا منى تفاخروا بآبائهم ومجالسهم فَقَالَ هَذَا: فعل أبي كَذَا وَكَذَا
وَقَالَ هَذَا: فعل أبي كَذَا وَكَذَا
فَذَلِك قَوْله {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن أبي رَبَاح فِي قَوْله {فاذكروا الله كذكركم آبَاءَكُم أَو أَشد ذكرا} قَالَ: هُوَ قَول الصَّبِي أوّل مَا يفصح فِي الْكَلَام أَبَاهُ وَأمه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قيل لَهُ: قَول الله {كذكركم آبَاءَكُم} أَن الرجل ليَأْتِي عَلَيْهِ الْيَوْم وَمَا يذكر أَبَاهُ قَالَ: إِنَّه لَيْسَ بِذَاكَ وَلَكِن يَقُول: تغْضب لله إِذا عصي أَشد من غضبك إِذا ذكر والديك بِسوء
أما قَوْله تَعَالَى: {فَمن النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا} الْآيَات
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ قوم من الْأَعْرَاب يجيئون إِلَى الْموقف فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن وَلَا يذكرُونَ من أَمر الْآخِرَة شَيْئا فَأنْزل فيهم {فَمن النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} وَيَجِيء بعدهمْ آخَرُونَ من الْمُؤمنِينَ {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار} فَأنْزل الله فيهم {أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا كسبوا وَالله سريع الْحساب}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن الزبير قَالَ: كَانَ النَّاس فِي الْجَاهِلِيَّة إِذا وقفُوا عِنْد الْمشعر الْحَرَام دعوا فَقَالَ أحدهم: اللَّهُمَّ ارزقني ابلاً
وَقَالَ الآخر: اللَّهُمَّ ارزقني غنما فَأنْزل الله {فَمن النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا} إِلَى قَوْله {سريع الْحساب}
وَأخرج ابْن جرير عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله {فَمن النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا} قَالَ: كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة فَيدعونَ: اللَّهُمَّ اسقنا الْمَطَر وَأَعْطِنَا على عدونا الظفر وردنا صالحين إِلَى صالحين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا يَقُولُونَ: رَبنَا آتنا رزقا ونصراً وَلَا يسْأَلُون لآخرتهم شَيْئا فَنزلت
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: كَانَ أَكثر دَعْوَة يَدْعُو بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار(1/558)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غادر رجلا من الْمُسلمين قد صَار مثل الفرخ المنتوف فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل كنت تَدْعُو الله بِشَيْء قَالَ: نعم كنت أَقُول: اللَّهُمَّ مَا كنت معاقبني بِهِ فِي الْآخِرَة فعجله لي فِي الدُّنْيَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سُبْحَانَ الله
إِذن لَا تطِيق ذَلِك وَلَا تستطيعه فَهَلا قلت رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار ودعا لَهُ فشفاه الله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس
أَن ثَابتا قَالَ لَهُ: إِن إخوانك يحبونَ أَن تَدْعُو لَهُم
فَقَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَن أشقق لكم الْأُمُور إِذا أَتَاكُم الله فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة ووقاكم عَذَاب النَّار فقد آتَاكُم الْخَيْر كُله
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن سعد وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْجَارُود وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن السَّائِب
أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِيمَا بَين الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَالْحجر رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا مَرَرْت على الرُّكْن إِلَّا رَأَيْت عَلَيْهِ ملكا يَقُول آمين فَإِذا مررتم عَلَيْهِ فَقولُوا: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس
أَن ملكا موكلاً بالركن الْيَمَانِيّ مُنْذُ خلق الله السَّمَوَات وَالْأَرْض يَقُول: آمين آمين
فَقولُوا: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن ماجة والجندي فِي فَضَائِل مَكَّة عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سُئِلَ عَن الرُّكْن الْيَمَانِيّ وَهُوَ فِي الطّواف فَقَالَ: حَدثنِي أَبُو هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وكل بِهِ سَبْعُونَ ملكا فَمن قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
قَالَ: آمين(1/559)
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن أبي نجيح قَالَ: كَانَ أَكثر كَلَام عمر وَعبد الرَّحْمَن بن عَوْف فِي الطّواف: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد عَن حبيب بن صهْبَان الْكَاهِلِي قَالَ: كنت أَطُوف بِالْبَيْتِ وَعمر بن الْخطاب يطوف مَا لَهُ إِلَّا قَوْله: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار مَا لَهُ هجيري غَيرهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة
أَنه كَانَ يسْتَحبّ أَن يُقَال فِي أَيَّام التَّشْرِيق: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: يَنْبَغِي لكل من نفر أَن يَقُول حِين ينفر مُتَوَجها إِلَى أَهله: رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: كَانُوا أصنافاً ثَلَاثَة فِي تِلْكَ المواطن يَوْمئِذٍ: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمؤمنون وَأهل الْكفْر وَأهل النِّفَاق {فَمن النَّاس من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق} إِنَّمَا حجُّوا للدنيا وَالْمَسْأَلَة لَا يُرِيدُونَ الْآخِرَة وَلَا يُؤمنُونَ بهَا {وَمِنْهُم من يَقُول رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار} والصنف الثَّالِث (وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا) (الْبَقَرَة الْآيَة 204)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أنس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي الدُّعَاء أفضل قَالَ: تسْأَل رَبك الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ أَتَاهُ من الْغَد فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي الدُّعَاء أفضل قَالَ: تسْأَل رَبك الْعَفو والعافية فِي الدّين وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ أَتَاهُ من الْغَد فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي الدُّعَاء أفضل قَالَ: تسْأَل رَبك الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ أَتَاهُ من الْيَوْم الرَّابِع فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَي الدُّعَاء أفضل قَالَ: تسْأَل رَبك الْعَفو والعافية فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَإنَّك إِذا أعطيتهما فِي الدُّنْيَا ثمَّ أعطيتهما فِي الْآخِرَة فقد أفلحت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: عَافِيَة {وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة} قَالَ: عَافِيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير والذهبي فِي فضل الْعلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن فِي قَوْله {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة} قَالَ: الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْعلم وَالْعِبَادَة وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة(1/560)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: حَسَنَة الدُّنْيَا المَال وحسنة الْآخِرَة الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: الرزق الطّيب وَالْعلم النافع
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن كَعْب فِي الْآيَة قَالَ: الْمَرْأَة الصَّالِحَة من الْحَسَنَات
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سَالم بن عبد الله بن عمر {رَبنَا آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة} قَالَ: الثَّنَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء {أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا كسبوا} قَالَ: مِمَّا عمِلُوا من الْخَيْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {وَالله سريع الْحساب} قَالَ: سريع الإِحصاء
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ لَهُ: إِنِّي أجرت نَفسِي من قومِي على أَن يحملوني وَوضعت لَهُم من أجرتي على أَن يدعوني أحج مَعَهم أفيجزىء ذَلِك عني قَالَ: أَنْت من الَّذين قَالَ الله {أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا كسبوا وَالله سريع الْحساب}
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن سُفْيَان قَالَ: أَصْحَاب عبد الله يقرؤونها ((أُولَئِكَ لَهُم نصيب مِمَّا اكتسبوا))(1/561)
وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
قَوْله تَعَالَى: واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ لمن اتَّقى وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَنكُمْ إِلَيْهِ تحشرون
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الْأَيَّام المعدودات ثَلَاثَة أَيَّام: يَوْم الْأَضْحَى ويومان بعده إذبح فِي أَيهَا شِئْت وأفضلها أَولهَا(1/561)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر فِي قَوْله {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ: ثَلَاثَة أَيَّام أَيَّام التَّشْرِيق
وَفِي لفظ: هِيَ الثَّلَاثَة الْأَيَّام بعد يَوْم النَّحْر
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد والمروزي فِي الْعِيدَيْنِ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والضياء فِي المختارة من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَيَّام المعلومات أَيَّام الْعشْر وَالْأَيَّام المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن الزبير {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ: هن أَيَّام التَّشْرِيق يذكر الله فِيهِنَّ بتسبيح وتهليل وتكبير وتحميد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا والمحاملي فِي أَمَالِيهِ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: الْأَيَّام المعلومات الْعشْر وَالْأَيَّام المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْأَيَّام المعدودات أَرْبَعَة أَيَّام: يَوْم النَّحْر وَثَلَاثَة أَيَّام بعده
وَأخرج الْمروزِي عَن يحيى بن كثير فِي قَوْله {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ: هُوَ التَّكْبِير فِي أَيَّام التَّشْرِيق دبر الصَّلَوَات
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يكبر تِلْكَ الْأَيَّام بمنى وَيَقُول: التَّكْبِير وَاجِب ويتأوّل هَذِه الْآيَة {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات}
وَأخرج الْمروزِي وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه وَعَمْرو بن دِينَار قَالَ: رَأَيْت ابْن عَبَّاس يكبر يَوْم النَّحْر وَيَتْلُو {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} قَالَ: التَّكْبِير أَيَّام التَّشْرِيق يَقُول فِي دبر كل صَلَاة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يكبر ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَرَاء الصَّلَوَات بمنى: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير
وَأخرج الْمروزِي عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكبر أَيَّام التَّشْرِيق كلهَا
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يكبر يَوْم الصَّدْر وَيَأْمُر من حوله أَن يكبر فَلَا أَدْرِي تأوّل قَوْله تَعَالَى {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} أَو قَوْله {فَإِذا قضيتم مَنَاسِككُم} الْآيَة
وَأخرج مَالك عَن يحيى بن سعيد أَنه بلغه أَن عمر بن الْخطاب خرج الْغَد من(1/562)
يَوْم النَّحْر بمنى حَتَّى ارْتَفع النَّهَار شَيْئا فَكبر وَكبر النَّاس بتكبيره حَتَّى بلغ تكبيرهم الْبَيْت ثمَّ خرج الثَّالِثَة من يَوْمه ذَلِك حِين زاغت الشَّمْس فَكبر وَكبر النَّاس بتكبيره فَعرف أَن عمر قد خرج يَرْمِي
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سَالم بن عبد الله بن عمر أَنه رمى الْجَمْرَة بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة الله أكبر الله أكبر اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حجا مبروراً وذنباً مغفوراً وَعَملا مشكوراً وَقَالَ: حَدثنِي أبي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ كلما رمى بحصاة يَقُول مثل مَا قلت
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَة الدُّنْيَا بِسبع حَصَيَات يكبر على كل حَصَاة ثمَّ يتَقَدَّم حَتَّى يسهل فَيقوم مُسْتَقْبل الْقبْلَة فَيقوم طَويلا وَيَدْعُو وَيرْفَع يَدَيْهِ يقوم طَويلا ثمَّ يَرْمِي جَمْرَة ذَات الْعقبَة من بطن الْوَادي وَلَا يقف عِنْدهَا ثمَّ ينْصَرف وَيَقُول: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة قَالَ أَفَاضَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من آخر يَوْمه حِين صلى الظّهْر ثمَّ رَجَعَ فَمَكثَ بمنى ليَالِي أَيَّام التَّشْرِيق يَرْمِي الْجَمْرَة إِذا زَالَت الشَّمْس كل جَمْرَة بِسبع حَصَيَات يكبر مَعَ كل حَصَاة وَيقف عِنْد الأولى وَعند الثَّانِيَة فيطيل الْقيام ويتضرع ثمَّ يَرْمِي الثَّالِثَة وَلَا يقف عِنْدهَا
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَدَاة الْعقبَة هَات القط لي حَصَيَات من حَصى الْخذف فَلَمَّا وضعن فِي يَده قَالَ: بأمثال هَؤُلَاءِ وَإِيَّاكُم والغلو فِي الدّين فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بالغلو فِي الدّين
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي البداح بن عَاصِم بن عدي عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رخص للرعاء أَن يرموا يَوْمًا ويدعوا يَوْمًا
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن الْكَلْبِيّ قَالَ: إِنَّمَا سميت الْجمار جمار لِأَن آدم كَانَ يَرْمِي إِبْلِيس فيتجمر بَين يَدَيْهِ والإِجمار الإِسراع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: مَا يقبل من حَصى الْجمار رفع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الطُّفَيْل قَالَ: قلت لِابْنِ عَبَّاس: رمى النَّاس(1/563)
فِي الْجَاهِلِيَّة والإِسلام
فَقَالَ: مَا تقبل مِنْهُ رفع وَلَوْلَا ذَلِك كَانَ أعظم من ثبير
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ هَذِه الْجمار ترمى فِي الْجَاهِلِيَّة والإِسلام كَيفَ لَا تكون هضاباً تسد الطَّرِيق فَقَالَ: إِن الله وكل بهَا ملكا فَمَا يقبل مِنْهُ رفع وَلم يقبل مِنْهُ ترك
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وَالله مَا قبل الله من امرىء حجه إِلَّا رفع حصاه
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عمر
أَنه قيل لَهُ: مَا كُنَّا نتراءى فِي الْجَاهِلِيَّة من الْحَصَى والمسلمون الْيَوْم أَكثر إِنَّه لضحضاح فَقَالَ: إِنَّه - وَالله - مَا قبل الله من امرىء حجه إِلَّا رفع حصاه
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: إِنَّمَا الْحَصَى قرْبَان فَمَا يقبل مِنْهُ رفع وَمَا لم يتَقَبَّل مِنْهُ فَهُوَ الَّذِي يبْقى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ قُلْنَا: يَا رَسُول الله هَذِه الْأَحْجَار الَّتِي يرْمى بهَا كل سنة فنحسب أَنَّهَا تنقص قَالَ: مَا يقبل مِنْهَا يرفع وَلَوْلَا ذَلِك لرأيتموها مثل الْجبَال
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر أَن رجلا سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن رمي الْجمار وَمَا لنا فِيهِ فَسَمعته يَقُول: تَجِد ذَلِك عِنْد رَبك أحْوج مَا تكون إِلَيْهِ
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سُئِلَ عَن منى وضيقه فِي غير الْحَج فَقَالَ: إِن منى تتسع بِأَهْلِهَا كَمَا يَتَّسِع الرَّحِم للْوَلَد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل منى كالرحم هِيَ ضيقَة فَإِذا حملت وسعهَا الله
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنَّمَا سميت منى منى لِأَن جِبْرِيل حِين أَرَادَ أَن يُفَارق آدم قَالَ لَهُ: تمن
قَالَ: أَتَمَنَّى الْجنَّة فسميت منى لِأَنَّهَا منية آدم
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ عَن عمر بن مطرف قَالَ: إِنَّمَا سميت منى لما يمنى بهَا من الدِّمَاء
وَأخرج الْحَاكِم وصححهعن عَائِشَة قَالَت قيل: يَا رَسُول الله أَلا نَبْنِي لَك بِنَاء يظللك قَالَ: لَا منى مناخ من سبق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَنحن بمنى: لَو يعلم أهل الْجمع بِمن حلوا لاستبشروا بِالْفَضْلِ بعد الْمَغْفِرَة(1/564)
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن نُبَيْشَة الهدبي قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّام التَّشْرِيق أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عبد الله بن حذافة يطوف فِي منى لَا تَصُومُوا هَذِه الْأَيَّام فَإِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله تَعَالَى
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق وَقَالَ: هِيَ أَيَّام أكل وَشرب وَذكر الله
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي الشعْثَاء قَالَ: دَخَلنَا على ابْن عمر فِي الْيَوْم الْأَوْسَط من أَيَّام التَّشْرِيق فَأتى بِطَعَام فَتنحّى ابْن لَهُ فَقَالَ: ادن فاطعم قَالَ: إِنِّي صَائِم
قَالَ: أما علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ هَذِه أَيَّام طعم وَذكر
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن مَسْعُود بن الحكم الزرقي عَن أمه أَنَّهَا حدثته قَالَت كَأَنِّي أنظر إِلَى عليّ على بغلة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْبَيْضَاء فِي شعب الْأَنْصَار وَهُوَ يَقُول: أَيهَا النَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّهَا لَيست أَيَّام صِيَام إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وَذكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر بن خلدَة الْأنْصَارِيّ عَن أمه قَالَت بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عليا أَيَّام التَّشْرِيق يُنَادي: إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب وبعال
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن بشر بن شحيم أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب أَيَّام التَّشْرِيق فَقَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا نفس مسلمة وَإِن هَذِه الْأَيَّام أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج مُسلم عَن كَعْب بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه وَأَوْس بن الْحدثَان أَيَّام التَّشْرِيق فَنَادَى: أَنه لَا يدْخل الْجنَّة إِلَّا مُؤمن وَأَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن أبي الدُّنْيَا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّام منى أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مرّة مولى أم هانىء أَنه دخل مَعَ عبد الله على أَبِيه عَمْرو بن الْعَاصِ فَقرب إِلَيْهِمَا ظعاما فَقَالَ: كل فَقَالَ: إِنِّي صَائِم
قَالَ عَمْرو: كل فَهَذِهِ الْأَيَّام الَّتِي كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرنَا بإفطارها وينهانا عَن صيامها
قَالَ مَالك: وَهن أَيَّام التَّشْرِيق(1/565)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صِيَام سِتَّة أَيَّام من السّنة: يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى وَأَيَّام التَّشْرِيق وَالْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ من رَمَضَان
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن عبد الله بن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن صِيَام أَيَّام التَّشْرِيق وَقَالَ: إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن قَتَادَة أَنه سُئِلَ عَن أَيَّام التَّشْرِيق لأي شَيْء سميت التَّشْرِيق فَقَالَ: كَانُوا يشرقون لُحُوم ضحاياهم وبدنهم يشرقون القديد
أما قَوْله تَعَالَى: {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ} الْآيَة أخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: فِي تَعْجِيله {وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} فِي تَأْخِيره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: فَلَا ذَنْب عَلَيْهِ {وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: فَلَا حرج عَلَيْهِ لمن اتَّقى
يَقُول: اتَّقى معاصي الله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: أحلَّ النَّفر فِي يَوْمَيْنِ لمن اتَّقى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: من غَابَتْ لَهُ الشَّمْس فِي الْيَوْم الَّذِي قَالَ الله فِيهِ {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} وَهُوَ منى فَلَا ينفرن حَتَّى يرْمى الْجمار من الْغَد
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لمن اتَّقى} قَالَ: لمن اتَّقى الصَّيْد وَهُوَ محرم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: هِيَ فِي مصحف عبد الله (لمن اتَّقى الله)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وصحه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن يعمر الديلمي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة وَأَتَاهُ أنَاس من أهل مَكَّة فَقَالُوا: يَا رَسُول الله كَيفَ الْحَج فَقَالَ: الْحَج عَرَفَات الْحَج عَرَفَات فَمن أدْرك لَيْلَة جمع قبل أَن يطلع الْفجْر فقد أدْرك(1/566)
أَيَّام منى ثَلَاثَة أَيَّام {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} ثمَّ أرْدف رجلا خَلفه يُنَادي بِهن
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ فِي قَوْله {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: غفر لَهُ {وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: غفر لَهُ
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: مغْفُور لَهُ {وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: مغْفُور لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: من تعجل فِي يَوْمَيْنِ غفر لَهُ وَمن تَأَخّر إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام غفر لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: رَجَعَ مغفوراً لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: رخص الله أَن ينفروا فِي يَوْمَيْنِ مِنْهَا إِن شاؤوا وَمن تَأَخّر إِلَى الْيَوْم الثَّالِث فَلَا إِثْم عَلَيْهِ لمن اتَّقى
قَالَ قَتَادَة: يرَوْنَ أَنَّهَا مغفورة لَهُ
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: إِلَى قَابل {وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: إِلَى قَابل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ: لَا وَالَّذِي نفس الضَّحَّاك بِيَدِهِ إِن نزلت هَذِه الْآيَة {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} فِي الإِقامة والظعن وَلكنه برىء من الذُّنُوب
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: خرج من الإِثم كُله {وَمن تَأَخّر فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: برىء من الإِثم كُله
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لمن اتَّقى} قَالَ: لمن اتَّقى فِي حجه
قَالَ قَتَادَة: وَذكر لنا أَن ابْن مَسْعُود كَانَ يَقُول: من اتَّقى فِي حجه غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح قَالَ: كَانَت امْرَأَة من الْمُهَاجِرَات تحج فَإِذا رجعت مرت على عمر فَيَقُول لَهَا: أتقيت فَتَقول: نعم
فَيَقُول لَهَا: استأنفي الْعَمَل(1/567)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد
أَن عمرا قَالَ لقوم حجاج: أنهزكم إِلَيْهِ غَيره قَالُوا: لَا
قَالَ: أتقيتم قَالُوا: نعم
قَالَ: أما لَا فاستأنفوا الْعَمَل
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَمن تعجل فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: قد غفر لَهُ إِنَّهُم يتأولونها على غير تَأْوِيلهَا إِن الْعمرَة لتكفر مَا مَعهَا من الذنروب فَكيف بِالْحَجِّ
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُعَاوِيَة بن مرّة الْمُزنِيّ {فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} قَالَ: خرج من ذنُوبه كَيَوْم وَلدته أمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الشّعبِيّ قَالَ: إِنَّمَا جعل الله هَذِه الْمَنَاسِك ليكفر بهَا خَطَايَا بني آدم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي العالي فِي قَوْله {فَلَا إِثْم عَلَيْهِ لمن اتَّقى} قَالَ: ذهب إثمه كُله إِن اتَّقى فِيمَا بَقِي من عمره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن
أَنه قيل لَهُ: النَّاس يَقُولُونَ: إِن الْحَاج مغْفُور لَهُ قَالَ: إِنَّه ذَلِك أَن يدع سيء مَا كَانَ عَلَيْهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن خَيْثَمَة بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: إِذا قضيت حجك فسل الله الْجنَّة فَلَعَلَّهُ
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانَ يُقَال: صافحوا الْحجَّاج قبل أَن يتلطخوا بِالذنُوبِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عمر قَالَ: تلقوا الْحجَّاج والعمار والغزاة فَلْيَدعُوا لكم قبل أَن يتدنسوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبيب بن أبي ثَابت قَالَ: كُنَّا نَلْتَقِي الْحجَّاج فنصافحهم قبل أَن يقارفوا
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن الْحسن
أَنه قيل لَهُ مَا الْحَج المبرور قَالَ: أَن يرجع زاهداً فِي الدُّنْيَا رَاغِبًا فِي الْآخِرَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا قضى أحدكُم حجه فليعجل الرحلة إِلَى أَهله فَإِنَّهُ أعظم لأجره
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قفل من غَزْوَة أَو حج أَو عمْرَة يكبر على كل شرف من الأَرْض ثَلَاث(1/568)
تَكْبِيرَات ثمَّ يَقُول: لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير آيبون تائبون عَابِدُونَ ساجدون لربنا حامدون صدق الله وعده وَنصر عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده
وَأخرج ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَابْن عدي فِي الْكَامِل وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الْعِلَل عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من حج وَلم يزرني فقد جفاني
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حج فزار قَبْرِي بعد وفاتي كَانَ كم زارني فِي حَياتِي
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زار قَبْرِي وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَاءَنِي زَائِرًا لم تنزعه حَاجَة إِلَّا زيارتي كَانَ حَقًا عَليّ أَن أكون لَهُ شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من زار قَبْرِي كنت لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدا وَمن مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ بَعثه الله فِي الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حَاطِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زارني بعد موتِي فَكَأَنَّمَا زارني فِي حَياتِي وَمن مَاتَ بِأحد الْحَرَمَيْنِ بعث من الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن رجل من آل الْخطاب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من زارني مُتَعَمدا كَانَ فِي جواري يَوْم الْقِيَامَة وَمن سكن الْمَدِينَة وصبر على بلائها كنت لَهُ شَهِيدا وشفيعاً يَوْم الْقِيَامَة وَمن مَاتَ فِي أحد الْحَرَمَيْنِ بَعثه الله من الْآمنينَ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من زارني بِالْمَدِينَةِ محتسباً كنت لَهُ شَهِيدا وشفيعاً يَوْم الْقِيَامَة(1/569)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عبد يسلم عليّ عِنْد قَبْرِي إِلَّا وكل الله بِهِ ملكا يبلغنِي وَكفى أَمر آخرته ودنياه وَكنت لَهُ شَهِيدا وشفيعاً يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم يسلم عليّ إِلَّا ردّ الله عليّ روحي حَتَّى أردّ عَلَيْهِ السَّلَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يَأْتِي الْقَبْر فَيسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يمس الْقَبْر ثمَّ يسلم على أبي بكر ثمَّ على عمر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: رَأَيْت جَابِرا وَهُوَ يبكي عِنْد قبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقُول: هَهُنَا تسكب العبرات سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا بَين قَبْرِي ومنبري رَوْضَة من رياض الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن منيب بن عبد الله بن أبي أُمَامَة قَالَ: رَأَيْت أنس بن مَالك أَتَى قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوقف فَرفع يَدَيْهِ حَتَّى ظَنَنْت أَنه افْتتح الصَّلَاة فَسلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ انْصَرف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان بن سحيم قَالَ: رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النّوم قلت: يَا رَسُول الله هَؤُلَاءِ الَّذين يأتونك فيسلّمون عَلَيْك أتفقه سلامهم قَالَ: نعم وأرد عَلَيْهِم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن حَاتِم بن مَرْوَان قَالَ: كَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز يُوَجه بالبريد قَاصِدا إِلَى الْمَدِينَة ليقرىء عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السَّلَام
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي فديك قَالَ: سَمِعت بعض من أدْركْت يَقُول: بلغنَا أَنه من وقف عِنْد قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتلا هَذِه الْآيَة (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا) (الْأَحْزَاب الْآيَة 56) صلى الله عَلَيْك يَا مُحَمَّد حَتَّى يَقُولهَا سبعين مرّة فَأَجَابَهُ ملك: صلى الله عَلَيْك يَا فلَان لم تسْقط لَك حَاجَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي حَرْب الْهِلَالِي قَالَ: حج أَعْرَابِي إِلَى بَاب مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنَاخَ رَاحِلَته فعقلها ثمَّ دخل الْمَسْجِد حَتَّى أَتَى الْقَبْر ووقف بحذاء وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله جئْتُك مُثقلًا بِالذنُوبِ والخطايا مستشفعاً بك على رَبك لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُحكم تَنْزِيله (وَلَو أَنهم إِذْ ظلمُوا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لَهُم الرَّسُول لوجدوا الله تَوَّابًا رحِيما) (النِّسَاء الْآيَة 64)(1/570)
وَقد جئْتُك بِأبي أَنْت وَأمي مُثقلًا بِالذنُوبِ والخطايا استشفع بك على رَبك أَن يغْفر لي ذُنُوبِي وَأَن تشفع فيَّ ثمَّ أقبل فِي عرض النَّاس وَهُوَ يَقُول: يَا خير من دفنت فِي الترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم نَفسِي الْفِدَاء لقبر أَنْت ساكنه فِيهِ العفاف وَفِيه الْجُود وَالْكَرم وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يَقُول للْحَاج إِذا قدم: تقبل نسكك وَأعظم أجرك وأخلف نَفَقَتك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قدم أحدكُم على أَهله من سفر فليهد لأَهله فليطرفهم وَلَو كَانَ حِجَارَة(1/571)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيشْهد الله على مَا فِي قلبه وَهُوَ أَلد الْخِصَام
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما أُصِيبَت السّريَّة الَّتِي فِيهَا عَاصِم ومرثد قَالَ رجال من الْمُنَافِقين: يَا وَيْح هَؤُلَاءِ المقتولين الَّذين هَلَكُوا هَكَذَا لَا هم قعدوا فِي أهلهم وَلَا هم أَدّوا رِسَالَة صَاحبهمْ فَأنْزل الله {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} أَي لما يظْهر من الإِسلام بِلِسَانِهِ {وَيشْهد الله على مَا فِي قلبه} أَنه مُخَالف لما يَقُوله بِلِسَانِهِ {وَهُوَ أَلد الْخِصَام} أَي ذُو جِدَال إِذا كلمك راجعك (وَإِذا تولى) خرج من عنْدك (سعى فِي الأَرْض ليفسد فِيهَا وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَالله لَا يحب الْفساد) (الْبَقَرَة الْآيَة 205) أَي لَا يحب عمله وَلَا يرضى بِهِ (وَمن النَّاس من يشري نَفسه
) (الْبَقَرَة الْآيَة 207) الْآيَة
الَّذين شروا أنفسهم من الله بِالْجِهَادِ فِي سَبيله وَالْقِيَام بِحقِّهِ حَتَّى هَلَكُوا فِي ذَلِك يَعْنِي بِهَذِهِ السّريَّة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي إِسْحَق قَالَ: كَانَ الَّذين اجلبوا على خبيب فِي قَتله نفر من قُرَيْش عِكْرِمَة بن أبي جهل وَسَعِيد بن عبد الله بن أبي قيس بن عبد ود والأخنس بن شريق الثَّقَفِيّ حَلِيف بني زهرَة وَعبيدَة بن حَكِيم بن أُميَّة بن عبد شمس وَأُميَّة ابْن أبي عتبَة(1/571)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يُعْجِبك} الْآيَة
قَالَ نزلت فِي الْأَخْنَس بن شريق الثَّقَفِيّ حَلِيف لبني زهرَة أقبل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَقَالَ: جِئْت أُرِيد الإِسلام وَيعلم الله أَنِّي لصَادِق
فأعجب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك مِنْهُ فَذَلِك قَوْله {وَيشْهد الله على مَا فِي قلبه} ثمَّ خرج من عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمر بزرع لقوم من الْمُسلمين وحمر فَأحرق الزَّرْع وعقر الْحمر فَأنْزل الله (وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض) (الْبَقَرَة 205) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن الْكَلْبِيّ قَالَ: كنت جَالِسا بِمَكَّة فسألوني عَن هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله}
قلت: هُوَ الْأَخْنَس بن شريق ومعنا فَتى من وَلَده فَلَمَّا قُمْت اتبعني فَقَالَ: إِن الْقُرْآن إِنَّمَا نزل فِي أهل مَكَّة فَإِن رَأَيْت أَن لَا تسمي أحدا حَتَّى تخرج مِنْهَا فافعل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي سعيد المَقْبُري
أَنه ذَاكر مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَقَالَ: إِن فِي بعض كتب الله: إِن لله عباداً ألسنتهم أحلى من الْعَسَل وَقُلُوبهمْ أمرّ من الصَّبْر لبسوا لِبَاس مسوك الضَّأْن من اللين يجترون الدُّنْيَا بِالدّينِ
قَالَ الله تَعَالَى: أعلي يجترئون وَبِي يغترون وَعِزَّتِي لَأَبْعَثَن عَلَيْهِم فتْنَة تتْرك الْحَلِيم مِنْهُم حيران
فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: هَذَا فِي كتاب الله {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} الْآيَة
فَقَالَ سعيد: قد عرفت فِيمَن أنزلت
فَقَالَ مُحَمَّد بن كَعْب: إِن الْآيَة تنزل فِي الرجل تكون عَامَّة بعد
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الرّبيع بن أنس قَالَ: أوحى الله إِلَى نَبِي من الْأَنْبِيَاء: مَا بَال قَوْمك يلبسُونَ جُلُود الضَّأْن ويتشبهون بالرهبان كَلَامهم أحلى من الْعَسَل وَقُلُوبهمْ أَمر من الصَّبْر أبي يغترون أم لي يخادعون وَعِزَّتِي لأتركنّ الْعَالم مِنْهُم حيراناً لَيْسَ مني من تكهن أَو تكهن لَهُ أَو سحر أَو سحر لَهُ وَمن آمن بِي فَليَتَوَكَّل عليّ وَمن لم يُؤمن فَليتبعْ غَيْرِي
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب
إِن الرب تبَارك وَتَعَالَى قَالَ لعلماء بني إِسْرَائِيل: يفقهُونَ لغير الدّين ويعملون لغير الْعَمَل ويبتغون الدُّنْيَا بِعَمَل الْآخِرَة يلبسُونَ مسوك الضَّأْن ويخفون أنفس الذُّبَاب ويتّقوى القذى من شرابكم ويبتلعون أَمْثَال الْجبَال من الْمَحَارِم ويثقلون الدّين على النَّاس أَمْثَال الْجبَال وَلَا(1/572)
يعينونهم بِرَفْع الخناصر يبيضون الثِّيَاب ويطيلون الصَّلَاة ينتقصون بذلك مَال الْيَتِيم والأرملة فبعزتي حَلَفت لأضربنكم بفتنة يضل فِيهَا رَأْي ذِي الرَّأْي وَحِكْمَة الْحَكِيم
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ أَلد الْخِصَام}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَهُوَ أَلد الْخِصَام} قَالَ: شَدِيد الْخُصُومَة
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ قَوْله {وَهُوَ أَلد الْخِصَام} قَالَ: الجدل المخاصم فِي الْبَاطِل
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول مهلهل: إِن تَحت الْأَحْجَار حزماً وجودا وخصيماً أَلد ذَا مغلاق وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَهُوَ أَلد الْخِصَام} قَالَ: ظَالِم لَا يَسْتَقِيم
وَأخرج وَكِيع وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبْغض الرِّجَال إِلَى الله الألد الْخصم
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَربع من كن فِيهِ كَانَ منافقاً خَالِصا وَمن كَانَت فِيهِ خصْلَة مِنْهُنَّ كَانَت فِيهِ خصْلَة من النِّفَاق حَتَّى يَدعهَا إِذا ائْتمن خَان وَإِذا حدث كذب وَإِذا عَاهَدَ غدر وَإِذا خَاصم فجر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بك آثِما أَن لَا تزَال مخاصماً
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كفى بك آثِما أَن لَا تزَال ممارياً وَكفى بك ظَالِما أَن لَا تزَال مخاصماً وَكفى بك كَاذِبًا أَن لَا تزَال مُحدثا الْأَحَادِيث فِي ذَات الله عز وَجل
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: من كثر كَلَامه كثر كذبه وَمن كثر حلفه كثر إثمه وَمن كثرت خصومته لم يسلم دينه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الْكَرِيم الْجَزرِي قَالَ: مَا خَاصم ورع قطّ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شبْرمَة قَالَ: من بَالغ فِي الْخُصُومَة أَثم وَمن قصر فِيهَا(1/573)
خصم وَلَا يُطيق الْحق من تألى على من بِهِ دَار الْأَمر وَفضل الصَّبْر التصبر وَمن لزم العفاف هَانَتْ عَلَيْهِ الْمُلُوك والسوق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْأَحْنَف بن قيس قَالَ: ثَلَاثَة لَا ينتصفون من ثَلَاثَة
حَلِيم من أَحمَق وبر من فَاجر []
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَمْرو بن الْعَلَاء قَالَ: مَا تشاتم رجلَانِ قطّ إِلَّا غلب ألأمهما(1/574)
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض ليفسد بهَا وَيهْلك الْحَرْث والنسل الله لَا يحب الْفساد
أخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض} قَالَ: عمل فِي الأَرْض {وَيهْلك الْحَرْث} قَالَ: نَبَات الأَرْض {والنسل} نسل كل شَيْء من الْحَيَوَان: النَّاس وَالدَّوَاب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَإِذا تولى سعى فِي الأَرْض} قَالَ: يَلِي فِي الأَرْض فَيعْمل فِيهَا بالعدوان وَالظُّلم فَيحْبس الله بذلك الْقطر من السَّمَاء فَهَلَك بِحَبْس الْقطر الْحَرْث والنسل {وَالله لَا يحب الْفساد} ثمَّ قَرَأَ مُجَاهِد (ظهر الْفساد فِي الْبر وَالْبَحْر بِمَا كسبت أَيدي النَّاس
) (الرّوم الْآيَة 41) الْآيَة
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {وَيهْلك الْحَرْث والنسل} قَالَ: الْحَرْث الزَّرْع والنسل نسل كل دَابَّة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: النَّسْل نسل كل دَابَّة النَّاس أَيْضا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {الْحَرْث والنسل} قَالَ: النَّسْل الطَّائِر وَالدَّوَاب
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت الشَّاعِر يَقُول:(1/574)
كهواهم خير الكهول ونسلهم كنسل الْمُلُوك لَا ثبور وَلَا تخزي وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: يتخفف الْمحرم إِذا لم يجد نَعْلَيْنِ
قيل أشقهما قَالَ: إِن الله لَا يحب الْفساد(1/575)
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإِثم فحسبه جَهَنَّم ولبئس المهاد
أخرج وَكِيع وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن من أكبر الذَّنب عِنْد الله أَن يَقُول الرجل لِأَخِيهِ: اتَّقِ الله
فَيَقُول: عَلَيْك بِنَفْسِك أَنْت تَأْمُرنِي وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سُفْيَان قَالَ: قَالَ رجل لمَالِك بن مغول: اتَّقِ الله فَقَط فَوضع خَدّه على الأَرْض تواضعاً لله
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن الْحسن
أَن رجلا قَالَ لعمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: اتَّقِ الله فَذهب الرجل فَقَالَ عمر: وَمَا فِينَا خير إِن لم يقل لنا وَمَا فيهم خير إِن لم يقولوها لنا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولبئس المهاد} قَالَ: بئس مَا مهدوا لأَنْفُسِهِمْ(1/575)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)
قَوْله تَعَالَى: وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله وَالله رؤوف بالعباد
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن صُهَيْب قَالَ لما أردْت الْهِجْرَة من مَكَّة إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت لي قُرَيْش: يَا صُهَيْب قدمت إِلَيْنَا وَلَا مَال لَك وَتخرج أَنْت وَمَالك وَالله لَا يكون ذَلِك أبدا فَقلت لَهُم: أَرَأَيْتُم إِن دفعت لكم مَالِي تخلون عني قَالُوا: نعم
فَدفعت إِلَيْهِم مَالِي فَخلوا عني فَخرجت حَتَّى قدمت الْمَدِينَة فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ربح البيع صُهَيْب مرَّتَيْنِ
وَأخرج ابْن سعد والحرث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم(1/575)
وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ أقبل صُهَيْب مُهَاجرا نَحْو النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاتبعهُ نفر من قُرَيْش فَنزل عَن رَاحِلَته وانتثل مَا فِي كِنَانَته ثمَّ قَالَ: يَا معشر قُرَيْش قد علمْتُم إِنِّي من أرماكم رجلا وأيم الله لَا تصلونَ إِلَيّ حَتَّى أرمي بِكُل سهم فِي كِنَانَتِي ثمَّ أضْرب بسيفي مَا بَقِي فِي يَدي فِيهِ شَيْء ثمَّ افعلوا مَا شِئْتُم وَإِن شِئْتُم دللتكم على مَالِي وقنيتي بِمَكَّة وخليتم سبيلي
قَالُوا: نعم
فَلَمَّا قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ربح البيع ربح البيع
وَنزلت {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله وَالله رؤوف بالعباد}
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه} قَالَ: نزلت فِي صُهَيْب بن سِنَان وَأبي ذَر
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه} الْآيَة
قَالَ نزلت فِي صُهَيْب بن سِنَان وَأبي ذَر الْغِفَارِيّ وجندب بن السكن أحد أهل أبي ذَر أما أَبُو ذَر فانفلت مِنْهُم فَقدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رَجَعَ مُهَاجرا عرضوا لَهُ وَكَانُوا بمر الظهْرَان فانفلت أَيْضا حَتَّى قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما صُهَيْب فَأَخذه أَهله فَافْتدى مِنْهُم بِمَالِه ثمَّ خرج مُهَاجرا فأدركه قنفذ بن عُمَيْر بن جدعَان فَخرج ممَّا بَقِي من مَاله وخلى سَبيله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل وَابْن عَسَاكِر عَن صُهَيْب قَالَ: لما خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة هَمَمْت بِالْخرُوجِ فصدني فتيَان من قُرَيْش ثمَّ خرجت فلحقني مِنْهُم أنَاس بعد مَا سرت ليردوني فَقلت لَهُم: هَل لكم أَن أَعطيتكُم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي فَفَعَلُوا
فَقلت: احفروا تَحت أُسْكُفَّة الْبَاب فَإِن تحتهَا الأواقي وَخرجت حَتَّى قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَاء قبل أَن يتحوّل مِنْهَا فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: يَا أَبَا يحيى ربح البيع ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه} الْآيَة
قَالَ: هم الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة قَالَ: كُنَّا فِي غزَاة فَتقدم رجل فقاتل حَتَّى قتل فَقَالُوا: ألْقى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَة
فَكتب فِيهِ إِلَى عمر فَكتب عمر: لَيْسَ كَمَا قَالُوا هُوَ من الَّذين قَالَ الله فيهم {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله}(1/576)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: حمل هِشَام بن عَامر على الصَّفّ حَتَّى خرقه فَقَالُوا: ألْقى بِيَدِهِ
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مدركة بن عَوْف الأحمسي
أَنه كَانَ جَالِسا عِنْد عمر فَذكرُوا رجلا شرى نَفسه يَوْم نهاوند فَقَالَ: ذَاك خَالِي زعم النَّاس أَنه ألْقى نَفسه إِلَى التَّهْلُكَة
فَقَالَ عمر: كذب أُولَئِكَ بل هُوَ من الَّذين اشْتَروا الْآخِرَة بالدنيا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله} قَالَ: نزلت فِي صُهَيْب وَفِي نفر من أَصْحَابه أَخذهم أهل مَكَّة فعذبوهم ليردوهم إِلَى الشّرك بِاللَّه مِنْهُم عمار وَأُميَّة وَسُميَّة وَأَبُو يَاسر وبلال وخباب وعباس مولى حويطب بن عبد الْعُزَّى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن صُهَيْب أَن الْمُشْركين لما أطافوا برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَقْبَلُوا على الْغَار وأدبروا قَالَ: واصهيباه وَلَا صُهَيْب لي
فَلَمَّا رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْخُرُوج بعث أَبَا بكر مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا إِلَى صُهَيْب فَوَجَدَهُ يُصَلِّي فَقَالَ أَبُو بكر للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وجدته يُصَلِّي فَكرِهت أَن أقطع عَلَيْهِ صلَاته
فَقَالَ: أصبت وخرجا من ليلتهما فَلَمَّا أصبح خرج حَتَّى أَتَى أم رُومَان زَوْجَة أبي بكر فَقَالَت: أَلا أَرَاك هَهُنَا وَقد خرج أَخَوَاك ووضعا لَك شَيْئا من زادهما قَالَ صُهَيْب: فَخرجت حَتَّى دخلت على زَوْجَتي أم عَمْرو فَأخذت سَيفي وجعبتي وقوسي حَتَّى أقدم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فأجده وَأَبا بكر جالسين فَلَمَّا رَآنِي أَبُو بكر قَامَ إِلَيّ فبشرني بِالْآيَةِ الَّتِي نزلت فيّ وَأخذ بيَدي فلمته بعض اللائمة فَاعْتَذر وربحني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ربح البيع أَبَا يحيى
وَأخرج ابْن أبي خَيْثَمَة وَابْن عَسَاكِر عَن مُصعب بن عبد الله قَالَ هرب صُهَيْب من الرّوم وَمَعَهُ مَال كثير فَنزل بِمَكَّة فعاقد عبد الله بن جدعَان وحالفه وَإِنَّمَا أخذت الرّوم صهيباً بن رضوى فَلَمَّا هَاجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة لحقه صُهَيْب فَقَالَت لَهُ قُرَيْش: لَا تلْحقهُ بأهلك وَمَالك فَدفع إِلَيْهِم مَاله فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ربح البيع
وَأنزل الله فِي أمره {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله} وَأَخُوهُ مَالك بن سِنَان(1/577)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت قَاعِدا عِنْد عمر إِذْ جَاءَهُ كتاب: أَن أهل الْكُوفَة قد قَرَأَ مِنْهُم الْقُرْآن كَذَا وَكَذَا فَكبر فَقلت: اخْتلفُوا
قَالَ: من أَي شَيْء عرفت قَالَ: قَرَأت {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} الْآيَتَيْنِ فَإِذا فعلوا ذَلِك لم يصبر صَاحب الْقُرْآن ثمَّ قَرَأت (وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإِثم فحسبه جَهَنَّم ولبئس المهاد) (الْبَقَرَة الْآيَة 206) {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله} قَالَ: صدقت وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ
وَأخرج الْحَاكِم عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر قَالَ: بَيْنَمَا ابْن عَبَّاس مَعَ عمر وَهُوَ آخذ بِيَدِهِ فَقَالَ عمر: أرى الْقُرْآن قد ظهر فِي النَّاس قلت: مَا أحب ذَلِك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
قَالَ: لم قلت: لأَنهم مَتى يقرؤوا ينفروا وَمَتى نفروا يَخْتَلِفُوا وَمَتى مَا يَخْتَلِفُوا يضْرب بَعضهم رِقَاب بعض
فَقَالَ عمر: إِن كنت لأكتمها النَّاس
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد أَن ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذِه الْآيَة عِنْد عمر بن الْخطاب فَقَالَ: اقتتل الرّجلَانِ فَقَالَ لَهُ عمر: مَاذَا قَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أرى هَهُنَا من إِذا أَمر بتقوى الله أَخَذته الْعِزَّة بالإِثم وَأرى من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضاة الله يقوم هَذَا فيأمر هَذَا بتقوى الله فَإِذا لم يقبل مِنْهُ وأخذته الْعِزَّة بالإثم قَالَ لهَذَا: وَأَنا أشري نَفسِي فقاتله فاققتل الرّجلَانِ فَقَالَ عمر: لله دَرك يَا ابْن عَبَّاس وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة
إِن عمر بن الْخطاب كَانَ إِذا تَلا هَذِه الْآيَة {وَمن النَّاس من يُعْجِبك قَوْله} إِلَى قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه} قَالَ: اقتتل الرّجلَانِ
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والخطيب عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة فَقَالَ: اقتتلا وَرب الْكَعْبَة
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن صَالح أبي خَلِيل قَالَ: سمع عمر إنْسَانا يقْرَأ هَذِه الْآيَة {وَإِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله} إِلَى قَوْله {وَمن النَّاس من يشري نَفسه ابْتِغَاء مرضات الله} فَاسْتَرْجع فَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون قَامَ الرجل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر فَقتل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُسلم الَّذِي لَقِي كَافِرًا فَقَالَ لَهُ: قل لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِذا قلتهَا عصمت مني دمك وَمَالك إِلَّا(1/578)
بحقهما فَأبى أَن يَقُولهَا فَقَالَ الْمُسلم: وَالله لأشرين نَفسِي لله فَتقدم فقاتل حَتَّى قتل(1/579)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)
قَوْله تَعَالَى: يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة وَلَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان إِنَّه لكم عَدو مُبين فَإِن زللتم من بعد مَا جاءتكم الْبَينَات فاعلموا أَن الله عَزِيز حَكِيم
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة} كَذَا قَرَأَهَا بِالنّصب يَعْنِي مؤمني أهل الْكتاب فَإِنَّهُم كَانُوا مَعَ الإِيمان بِاللَّه مستمسكين بِبَعْض أَمر التَّوْرَاة والشرائع الَّتِي أنزلت فيهم يَقُول: ادخُلُوا فِي شرائع دين مُحَمَّد وَلَا تدعوا مِنْهَا شَيْئا وحسبكم بالإِيمان بِالتَّوْرَاةِ وَمَا فِيهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا ادخُلُوا فِي السّلم كَافَّة} قَالَ: نزلت فِي ثَعْلَبَة وَعبد الله بن سَلام وَابْن يَامِين وَأسد وَأسيد ابْني كَعْب وَسَعِيد بن عَمْرو وَقيس بن زيد كلهم من يهود قَالُوا: يَا رَسُول الله يَوْم السبت يَوْم كُنَّا نعظمه فَدَعْنَا فلنسبت فِيهِ وَأَن التَّوْرَاة كتاب الله فَدَعْنَا فلنقم بهَا بِاللَّيْلِ فَنزلت
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ادخُلُوا فِي السّلم} قَالَ: يَعْنِي أهل الْكتاب و {كَافَّة} : جَمِيعًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السّلم الطَّاعَة وكافة يَقُول: جَمِيعًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السّلم الإِسلام والزلل ترك الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {فَإِن زللتم من بعد مَا جاءتكم الْبَينَات} قَالَ: فَإِن ضللتم من بعد مَا جَاءَكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {فاعلموا أَن الله عَزِيز حَكِيم} يَقُول: عَزِيز فِي نقمته إِذا انتقم حَكِيم فِي أمره(1/579)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)
قَوْله تَعَالَى: هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وَالْمَلَائِكَة وَقضي الْأَمر وَإِلَى الله ترجع الْأُمُور(1/579)
أخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يجمع الله الْأَوَّلين والآخرين لميقات يَوْم مَعْلُوم قيَاما شاخصة أَبْصَارهم إِلَى السَّمَاء ينظرُونَ فصل الْقَضَاء وَينزل الله فِي ظلل من الْغَمَام من الْعَرْش إِلَى الْكُرْسِيّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عبد الله بن عَمْرو فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: يهْبط وَبَينه وَبَين خلقه سَبْعُونَ ألف حجاب مِنْهَا النُّور والظلمة وَالْمَاء فيصوّت المَاء فِي تِلْكَ الظلمَة صَوتا تنخلع لَهُ الْقُلُوب
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: يَأْتِي الله يَوْم الْقِيَامَة فِي ظلل من السَّحَاب قد قطعت طاقات
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وابمن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَوْله {فِي ظلل من الْغَمَام} قَالَ: هُوَ غير السَّحَاب وَلم يكن قطّ إِلَّا لبني إِسْرَائِيل فِي تيههم وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي الله فِيهِ يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ الَّذِي جَاءَت فِيهِ الْمَلَائِكَة
وَأخرج ابْن جرير والديلمي عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن من الْغَمَام طاقات يَأْتِي الله فِيهَا محفوفاً بِالْمَلَائِكَةِ وَذَلِكَ قَوْله {هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام}
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب (هَل ينظرُونَ إِلَّا أَن يَأْتِيهم الله وَالْمَلَائِكَة فِي ظلل من الْغَمَام) قَالَ: يَأْتِي الْمَلَائِكَة فِي ظلل من الْغَمَام وَهُوَ كَقَوْلِه (يَوْم تشقق السَّمَاء وَنزل الْمَلَائِكَة تَنْزِيلا) (الْفرْقَان الْآيَة 25)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة {فِي ظلل من الْغَمَام} قَالَ: طاقات {وَالْمَلَائِكَة} قَالَ: الْمَلَائِكَة حوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: يَأْتِيهم الله فِي ظلل من الْغَمَام وتأتهم الْمَلَائِكَة عِنْد الْمَوْت
وَأخرج عَن عِكْرِمَة {وَقضي الْأَمر} يَقُول: قَامَت السَّاعَة(1/580)
سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)
قَوْله تَعَالَى: سل بني إِسْرَائِيل كم آتَيْنَاهُم من آيَة بَيِّنَة وَمن يُبدل نعْمَة الله من بعد مَا جَاءَتْهُ فَإِن الله شَدِيد الْعقَاب(1/580)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {سل بني إِسْرَائِيل} قَالَ: هم الْيَهُود {كم آتَيْنَاهُم من آيَة بَيِّنَة} مَا ذكر الله فِي الْقُرْآن وَمَا لم يذكر {وَمن يُبدل نعْمَة الله} قَالَ: يكفر بهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي الْآيَة قَالَ: آتَاهُم الله آيَات بَيِّنَات عَصا مُوسَى وَيَده وأقطعهم الْبَحْر وَأغْرقَ عدوّهم وهم ينظرُونَ وظلل عَلَيْهِم الْغَمَام وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى {وَمن يُبدل نعْمَة الله} يَقُول: من يكفر بِنِعْمَة الله(1/581)
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)
قَوْله تَعَالَى: زين للَّذين كفرُوا الْحَيَاة الدُّنْيَا ويسخرون من الَّذين آمنُوا وَالَّذين اتَّقوا فَوْقهم يَوْم الْقِيَامَة وَالله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج فِي قَوْله {زين للَّذين كفرُوا الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: الْكفَّار يَبْتَغُونَ الدُّنْيَا ويطلبونها {ويسخرون من الَّذين آمنُوا} فِي طَلَبهمْ الْآخِرَة
قَالَ: ابْن جرير لَا أَحْسبهُ إِلَّا عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالُوا: لَو كَانَ مُحَمَّدًا نَبيا لاتبعه سَادَاتنَا وَأَشْرَافنَا وَالله مَا اتبعهُ إِلَّا أهل الْحَاجة مثل ابْن مَسْعُود وَأَصْحَابه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {زين للَّذين كفرُوا الْحَيَاة الدُّنْيَا} قَالَ: هِيَ هَمهمْ وسدمهم وطلبهم ونيتهم {ويسخرون من الَّذين آمنُوا} وَيَقُولُونَ: مَا هم على شَيْء استهزاء وسخرية {وَالَّذين اتَّقوا فَوْقهم يَوْم الْقِيَامَة} هُنَاكُم التَّفَاضُل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة {وَالَّذين اتَّقوا فَوْقهم} قَالَ: فَوْقهم فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن هَذِه الْآيَة {وَالله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب} فَقَالَ: تَفْسِيرهَا لَيْسَ على الله رَقِيب وَلَا من يحاسبه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {بِغَيْر حِسَاب} قَالَ: لَا يُحَاسب الرب
وَأخرج مَيْمُون بن مهْرَان بِغَيْر حِسَاب قَالَ: غدقاً
وَأخرج عَن الرّبيع بن أنس بِغَيْر حِسَاب قَالَ: لَا يُخرجهُ بِحِسَاب يخَاف أَن ينقص مَا عِنْده إِن الله لَا ينقص مَا عِنْده(1/581)
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
قَوْله تَعَالَى: كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة فَبعث الله النَّبِيين مبشرين ومنذرين وَأنزل مَعَهم الْكتاب بِالْحَقِّ ليحكم بَين النَّاس فِيمَا اخْتلفُوا فِيهِ وَمَا اخْتلف فِيهِ إلاَّ الَّذين أوتوه من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَينَات بغيا بَينهم فهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: على الإِسلام كلهم
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ بَين آدم ونوح عشرَة قُرُون كلهم على شَرِيعَة من الْحق فَاخْتَلَفُوا فَبعث الله النَّبِيين قَالَ: وَكَذَلِكَ فِي قِرَاءَة عبد الله / كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا /
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: كَانُوا أمة وَاحِدَة حَيْثُ عرضوا على آدم ففطرهم الله على الإِسلام وأقروا لَهُ بالعبودية فَكَانُوا أمة وَاحِدَة مُسلمين ثمَّ اخْتلفُوا من بعد آدم
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: آدم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي أَنه كَانَ يقْرؤهَا / كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة فَاخْتَلَفُوا فَبعث الله النَّبِيين / وَإِن الله إِنَّمَا بعث الرُّسُل وَأنزل الْكتاب بعد الِاخْتِلَاف {وَمَا اخْتلف فِيهِ إلاَّ الَّذين أوتوه} يَعْنِي بني إِسْرَائِيل أُوتُوا الْكتاب وَالْعلم {بغياً بَينهم} يَقُول: بغياً على الدُّنْيَا وَطلب ملكهَا وزخرفها أَيهمْ يكون لَهُ الْملك والمهابة فِي النَّاس فبغى بَعضهم على بعض فَضرب بَعضهم رِقَاب بعض {فهدى الله الَّذين آمنُوا} يَقُول: فهداهم الله عِنْد الِاخْتِلَاف أَنهم أَقَامُوا على مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل قبل الِاخْتِلَاف أَقَامُوا على الإِخلاص لله وَحده وعبادته لَا شريك لَهُ وَأقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة واعتزلوا الِاخْتِلَاف فَكَانُوا شُهَدَاء على النَّاس يَوْم الْقِيَامَة على قوم نوح وَقوم هود وَقوم صَالح وَقوم شُعَيْب وَآل فِرْعَوْن وَأَن رسلهم بلغتهم وَأَنَّهُمْ كذبُوا رسلهم(1/582)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {كَانَ النَّاس أمة وَاحِدَة} قَالَ: كفَّارًا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة فِي قَوْله {فهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ} قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحن الْأَولونَ وَالْآخرُونَ الأوّلون يَوْم الْقِيَامَة وَأول النَّاس دُخُولا الْجنَّة بيد أَنهم أُوتُوا الْكتاب من قبلنَا وأوتيناه من بعدهمْ فهدانا الله لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق فَهَذَا الْيَوْم الَّذِي اخْتلفُوا فِيهِ فهدانا الله فَالنَّاس لنا فِيهِ تبع فغداً للْيَهُود وَبعد غَد لِلنَّصَارَى هُوَ فِي الصَّحِيح بِدُونِ الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: كَانَ بَين آدم ونوح عشرَة أَنْبيَاء وَنشر من آدم النَّاس فَبعث فيهم النَّبِيين مبشرين ومنذرين
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَنه كَانَ بَين آدم ونوح عشرَة قُرُون كلهم على الْهدى وعَلى شَرِيعَة من الْحق ثمَّ اخْتلفُوا بعد ذَلِك فَبعث الله نوحًا وَكَانَ أول رَسُول أرْسلهُ الله إِلَى الأَرْض وَبعث عِنْد الِاخْتِلَاف من النَّاس وَترك الْحق فَبعث الله رسله وَأنزل كِتَابه يحْتَج بِهِ على خلقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {فهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ} فَاخْتَلَفُوا فِي يَوْم الْجُمُعَة فَأخذ الْيَهُود يَوْم السبت وَالنَّصَارَى يَوْم الْأَحَد فهدى الله أمة مُحَمَّد بِيَوْم الْجُمُعَة وَاخْتلفُوا فِي الْقبْلَة فاستقبلت النَّصَارَى الْمشرق وَالْيَهُود بَيت الْمُقَدّس وَهدى الله أمة مُحَمَّد للْقبْلَة وَاخْتلفُوا فِي الصَّلَاة فَمنهمْ من يرْكَع وَلَا يسْجد وَمِنْهُم من يسْجد وَلَا يرْكَع وَمِنْهُم من يُصَلِّي وَهُوَ يتَكَلَّم وَمِنْهُم من يُصَلِّي وَهُوَ يمشي فهدى الله أمة مُحَمَّد للحق من ذَلِك وَاخْتلفُوا فِي الصّيام فَمنهمْ من يَصُوم النَّهَار وَمِنْهُم من يَصُوم عَن بعض الطَّعَام فهدى الله أمة مُحَمَّد للحق من ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِي إِبْرَاهِيم فَقَالَت الْيَهُود: كَانَ يَهُودِيّا وَقَالَت النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيّا
وَجعله الله حَنِيفا مُسلما فهدى الله أمة مُحَمَّد للحق من ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِي عِيسَى فَكَذبت بِهِ الْيَهُود وَقَالُوا لأمه بهتاناً عَظِيما وَجَعَلته النَّصَارَى إِلَهًا وَولدا وَجعله الله روحه وكلمته فهدى الله أمة مُحَمَّد للحق من ذَلِك(1/583)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: {فهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا فِيهِ} يَقُول: اخْتلفُوا عَن الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: فِي قِرَاءَة أبيّ بن كَعْب / فهدى الله الَّذين آمنُوا لما اخْتلفُوا من الْحق فِيهِ بِإِذْنِهِ ليكونوا شُهَدَاء على النَّاس يَوْم الْقِيَامَة وَالله يهدي من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم / فَكَانَ أَبُو الْعَالِيَة يَقُول: فِي هَذِه الْآيَة يهْدِيهم للمخرج من الشُّبُهَات والضلالات والفتن(1/584)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
قَوْله تَعَالَى: أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وَلما يأتيكم مثل الَّذين خلوا من قبلكُمْ مستهم البأساء وَالضَّرَّاء وزلزاوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول وَالَّذين آمنُوا مَعَه مَتى نصر الله أَلا إِن نصر الله قريب
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أم حسبتم} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي يَوْم الْأَحْزَاب أصَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ وَأَصْحَابه بلَاء وَحصر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أخبر الله الْمُؤمن أَن الدُّنْيَا دَار بلَاء وَأَنه مبتليهم فِيهَا وَأخْبرهمْ أَنه هَكَذَا فعل بأنبيائه وصفوته اتطيب أنفسهم فَقَالَ {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء} فالبأساء الْفِتَن وَالضَّرَّاء السقم {وزلزلوا} بالفتن وأذى النَّاس إيَّاهُم
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن خباب بن الْأَرَت قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله أَلا تَسْتَنْصِر لنا أَلا تَدْعُو الله لنا فَقَالَ: إِن من كَانَ قبلكُمْ كَانَ أحدهم يوضع الْمِنْشَار على مفرق رَأسه فيخلص إِلَى قَدَمَيْهِ لَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه وَيُمشط بِأَمْشَاط الْحَدِيد مَا بَين لَحْمه وعظمه لَا يصرفهُ ذَلِك عَن دينه ثمَّ قَالَ: وَالله لَيتِمَّن هَذَا الْأَمر حَتَّى يسير الرَّاكِب من صنعاء إِلَى حَضرمَوْت لَا يخَاف إِلَّا الله وَالذِّئْب على غنمه وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {وَلما يأتكم مثل الَّذين خلوا} قَالَ: أَصَابَهُم هَذَا يَوْم الْأَحْزَاب حَتَّى قَالَ قَائِلهمْ (مَا وعدنا الله وَرَسُوله إِلَّا غرُورًا) (الْأَحْزَاب الْآيَة 12)(1/584)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {مثل الَّذين خلوا} يَقُول: سنَن الَّذين خلوا من قبلكُمْ {مستهم البأساء وَالضَّرَّاء وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} خَيرهمْ وأصبرهم وأعلمهم بِاللَّه {مَتى نصر الله أَلا إِن نصر الله قريب} فَهَذَا هُوَ الْبلَاء والنغص الشَّديد ابتلى الله بِهِ الْأَنْبِيَاء وَالْمُؤمنِينَ قبلكُمْ ليعلم أهل طَاعَته من أهل مَعْصِيَته
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله ليجرب أحدكُم بالبلاء وَهُوَ أعلم بِهِ كَمَا يجرب أحدكُم ذهبه بالنَّار فَمنهمْ من يخرج كالذهب الإِبريز فَذَلِك الَّذِي نجاه الله من السَّيِّئَات وَمِنْهُم من يخرج كالذهب الْأسود فَذَلِك الَّذِي افْتتن(1/585)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ قل مَا أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى وَالْمَسَاكِين وَابْن السَّبِيل وَمَا تَفعلُوا من خير فَإِن الله بِهِ عليم
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ} الْآيَة
قَالَ: يَوْم نزلت هَذِه الْآيَة لم يكن زَكَاة وَهِي النَّفَقَة ينفقها الرجل على أَهله وَالصَّدَََقَة يتَصَدَّق بهَا فنسختها الزَّكَاة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيْن يضعون أَمْوَالهم فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ قل مَا أنفقتم من خير} الْآيَة
فَذَلِك النَّفَقَة فِي التطوّع وَالزَّكَاة سوى ذَلِك كُله
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن حبَان قَالَ إِن عَمْرو بن الجموح سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَاذَا ننفق من أَمْوَالنَا وَأَيْنَ نضعها فَنزلت {يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ} الْآيَة
فَهَذَا مَوَاضِع نَفَقَة أَمْوَالكُم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن المنذرعن قَتَادَة قَالَ همتهم النَّفَقَة فسألوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {مَا أنفقتم من خير} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ} قَالَ: سَأَلُوهُ مَا لَهُم فِي ذَلِك {قل مَا أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين} الْآيَة
قَالَ: هَهُنَا يَا(1/585)
ابْن آدم فضع كدحك وسعيك وَلَا تنفح بهَا وَذَاكَ وَتَدَع ذَوي قرابتك وَذَوي رَحِمك
وَأخرج الدَّارمِيّ وَالْبَزَّار وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا رَأَيْت قوما كَانُوا خيرا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَن ثَلَاث عشرَة مَسْأَلَة حَتَّى قبض كُلهنَّ فِي الْقُرْآن مِنْهُنَّ (يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر) (الْبَقَرَة الْآيَة 219) و (يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام) (الْبَقَرَة الْآيَة 217) و (يَسْأَلُونَك عَن الْيَتَامَى) (الْبَقَرَة الْآيَة 220) و (يَسْأَلُونَك عَن الْمَحِيض) (الْبَقَرَة الْآيَة 222) و (يَسْأَلُونَك عَن الْأَنْفَال) (الْأَنْفَال الْآيَة 1) و {يَسْأَلُونَك مَاذَا يُنْفقُونَ} مَا كَانُوا يَسْأَلُونَك إِلَّا عَمَّا كَانَ يَنْفَعهُمْ(1/586)
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
قَوْله تَعَالَى: كتب عَلَيْكُم الْقِتَال وَهُوَ كره لكم وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُؤمنِينَ بِمَكَّة بِالتَّوْحِيدِ وإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَأَن يكفوا أَيْديهم عَن الْقِتَال فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة نزلت سَائِر الْفَرَائِض وَأذن لَهُم فِي الْقِتَال فَنزلت {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال} يَعْنِي فرض عَلَيْكُم وَأذن لَهُم بعد مَا كَانَ نَهَاهُم عَنهُ {وَهُوَ كره لكم} يَعْنِي الْقِتَال وَهُوَ مشقة لكم {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا} يَعْنِي الْجِهَاد قتال الْمُشْركين {وَهُوَ خير لكم} وَيجْعَل الله عاقبته فتحا وغنيمة وَشَهَادَة {وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا} يَعْنِي الْقعُود عَن الْجِهَاد {وَهُوَ شَرّ لكم} فَيجْعَل الله عاقبته شرا فَلَا تصيبوا ظفراً وَلَا غنيمَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن جريج قَالَ: قلت(1/586)
لعطاء: مَا تَقول فِي قَوْله {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال} أواجب الغزوعلى النَّاس من أجلهَا قَالَ: لَا كتب على أُولَئِكَ حِينَئِذٍ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب فِي الْآيَة قَالَ: الْجِهَاد مَكْتُوب على كل أحد غزا أَو قعد فالقاعد إِن استعين بِهِ أعَان وَإِن استغيث بِهِ أغاث وَإِن استغني عَنهُ قعد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَهُوَ كره لكم} قَالَ نسختها هَذِه الْآيَة (وَقَالُوا سمعنَا وأطعنا) (الْبَقَرَة الْآيَة 285) وَأخرجه ابْن جرير مَوْصُولا عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: عَسى من الله وَاجِب
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: كل شَيْء فِي الْقُرْآن عَسى فَإِن عَسى من الله وَاجِب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك قَالَ: كل شَيْء من الْقُرْآن عَسى فَهُوَ وَاجِب إِلَّا حرفين: حرف التَّحْرِيم (عَسى ربه إِن طَلَّقَكُن) (التَّحْرِيم الْآيَة 5) وَفِي بني إِسْرَائِيل (عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ) (الْإِسْرَاء الْآيَة 8)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: عَسى على نحوين: أَحدهمَا فِي أَمر وَاجِب قَوْله (فَعَسَى أَن يكون من المفلحين) (الْقَصَص الْآيَة 67) وَأما الآخر فَهُوَ أَمر لَيْسَ وَاجِب كُله قَالَ الله {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم} لَيْسَ كل مَا يكره الْمُؤمن من شَيْء هُوَ خير لَهُ وَلَيْسَ كل مَا أحب هُوَ شَرّ لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت رَدِيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس
ارْض عَن الله بِمَا قدر وَإِن كَانَ خلاف هَوَاك فَإِنَّهُ مُثبت فِي كتاب الله
قلت: يَا رَسُول الله فَأَيْنَ وَقد قَرَأت الْقُرْآن قَالَ {وَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَهُوَ خير لكم وَعَسَى أَن تحبوا شَيْئا وَهُوَ شَرّ لكم وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ}
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ: يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: إِيمَان بِاللَّه وَجِهَاد فِي(1/587)
سَبِيل الله قَالَ: فَأَي الْعتَاقَة أفضل أَنْفسهَا
قَالَ: أَفَرَأَيْت إِن لم أجد قَالَ: فَتعين الصَّانِع وتصنع لَا خرق (الْخرق بِضَم الْخَاء وَسُكُون الرَّاء أَو فتح الْخَاء وَالرَّاء وَهُوَ الْحمق أَو سوء التَّصَرُّف أَو مَا لَا يحسن عمله)
قَالَ: أَفَرَأَيْت إِن لم أستطع قَالَ: تدع النَّاس من شرك فَإِنَّهَا صَدَقَة تصدق بهَا على نَفسك
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: الإِيمان بِاللَّه وَرَسُوله
قيل: ثمَّ مَاذَا قَالَ: الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
قيل: ثمَّ مَاذَا قَالَ: ثمَّ حج مبرور
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الْأَعْمَال الصَّلَاة لوَقْتهَا وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله - وَالله أعلم بِمن يُجَاهد فِي سَبيله - كَمثل الصَّائِم الْقَائِم الخاشع الرَّاكِع الساجد وتكفل الله للمجاهد فِي سَبيله أَن يتوفاه فيدخله الْجنَّة أَو يرجعه سالما بِمَا نَالَ من أجر وغنيمة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عَلمنِي عملا يعدل الْجِهَاد قَالَ: لَا أَجِدهُ حَتَّى تَسْتَطِيع إِذا خرج الْمُجَاهِد أَن تدخل مَسْجِدا فتقوم وَلَا تفتر وتصوم وَلَا تفطر قَالَ: لَا أَسْتَطِيع ذَاك قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: إِن فرس الْمُجَاهِد ليستن فِي طوله فَيكْتب لَهُ حَسَنَات
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قيل: يَا رَسُول الله أخبرنَا بِمَا يعدل الْجِهَاد فِي سَبِيل الله قَالَ: لَا تستطيعونه
قَالَ: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: مثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله كَمثل الْقَائِم الصَّائِم البائت بآيَات الله لَا يفتر من صِيَام وَصَلَاة حَتَّى يرجع الْمُجَاهِد إِلَى أَهله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ إِن رجلا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مر بشعب فِيهِ عُيَيْنَة مَاء عذب فأعجبه طيبه فَقَالَ: لَو أَقمت فِي هَذَا الشّعب واعتزلت النَّاس لن أفعل حَتَّى استأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا تفعل فَإِن مقَام أحدكُم فِي سَبِيل(1/588)
الله أفضل من صلَاته فِي أَهله سِتِّينَ عَاما أَلا تحبون أَن يغْفر الله لكم ويدخلكم الْجنَّة اغزوا فِي سَبِيل الله من قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة وَجَبت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ أَتَى رجل إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَي النَّاس أفضل فَقَالَ: مُؤمن مُجَاهِد بِنَفسِهِ وَمَاله فِي سَبِيل الله
قَالَ: ثمَّ من قَالَ: مُؤمن فِي شعب من الشعاب يعبد الله ويدع النَّاس من شَره
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس منزلا قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: رجل أَخذ بِرَأْس فرسه فِي سَبِيل الله حَتَّى يَمُوت أَو يقتل أَلا أخْبركُم بِالَّذِي يَلِيهِ قَالُوا: بلَى
قَالَ: امْرُؤ معتزل فِي شعب يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة ويعتزل شرور النَّاس أَلا أخْبركُم بشر النَّاس قَالُوا: بلَى
قَالَ: الَّذِي يسْأَل بِاللَّه وَلَا يُعْطي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن فضَالة بن عبيد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الإِسلام ثَلَاثَة: سفلى وعليا وغرفة فَأَما السُّفْلى فالإِسلام دخل فِيهِ عَامَّة الْمُسلمين فَلَا تسْأَل أحد مِنْهُم إِلَّا قَالَ: أَنا مُسلم
وَأما الْعليا فتفاضل أَعْمَالهم بعض الْمُسلمين أفضل من بعض وَأما الغرفة الْعليا فالجهاد فِي سَبِيل الله لَا ينالها إِلَّا أفضلهم
وَأخرج الْبَزَّار عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الإِسلام ثَمَانِيَة أسْهم: الإِسلام سهم وَالصَّلَاة سهم وَالزَّكَاة سهم وَالصَّوْم سهم وَحج الْبَيْت سهم وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ سهم وَالنَّهْي عَن الْمُنكر سهم وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله سهم وَقد خَابَ من لَا سهم لَهُ
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن عَليّ مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: إِيمَان بِاللَّه وَجِهَاد فِي سَبيله وَحج مبرور فَلَمَّا ولى الرجل قَالَ: وأهون عَلَيْك من ذَلِك إطْعَام الطَّعَام ولين الْكَلَام وَحسن الْخلق فَلَمَّا ولى الرجل قَالَ: وأهون عَلَيْك من ذَلِك لَا تتهم الله على شَيْء قَضَاهُ عَلَيْك
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاهدوا فِي سَبِيل الله فَإِن الْجِهَاد فِي سَبِيل الله بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة يُنجي الله بِهِ من الْهم وَالْغَم(1/589)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: عَلَيْكُم بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل الله فَإِنَّهُ بَاب من أَبْوَاب الْجنَّة يذهب الله بِهِ الْهم وَالْغَم
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الْجِهَاد فِي سَبِيل الله كَمثل الصَّائِم نَهَاره الْقَائِم ليله حَتَّى يرجع مَتى رَجَعَ
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من مَاتَ وَلم يغز وَلم يحدث نَفسه بالغزو مَاتَ على شُعْبَة من النِّفَاق
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: يَوْم فِي سَبِيل الله خير من ألف يَوْم فِيمَا سواهُ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة فَأَتَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنَّك بعثت هَذِه السّريَّة وَإِن زَوجي خرج فِيهَا وَقد كنت أَصوم بصيامه وأصلي بِصَلَاتِهِ وأتعبد بِعِبَادَتِهِ فدلني على عمل أبلغ بِهِ عمله قَالَ: تصلين فَلَا تقعدين وتصومين فَلَا تفطرين وتذكرين فَلَا تفترين
قَالَ: وأطيق ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: وَلَو طوّقت ذَلِك - وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ - مَا بلغت من العشير من عمله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِذا خرج الْغَازِي فِي سَبِيل الله جعلت ذنُوبه جِسْرًا على بَاب بَيته فَإِذا خلف ذنُوبه كلهَا فَلم يبْق عَلَيْهِ مِنْهَا مثل جنَاح بعوضة وتكفل الله لَهُ بِأَرْبَع
بِأَن يخلفه فِيمَا يخلف من أهل وَمَال وَأي ميتَة مَاتَ بهَا أدخلهُ الْجنَّة فَإِن رده سالما بِمَا ناله من أجر أَو غنيمَة وَلَا تغرب الشَّمْس إِلَّا غربت ذنُوبه
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجمع الله فِي جَوف رجل غباراً فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم وَمن اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرم الله سَائِر جسده على النَّار وَمن صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل الله ختم لَهُ بِخَاتم الشُّهَدَاء يعرفهُ بهَا الْأَولونَ وَالْآخرُونَ يَقُولُونَ: فلَان عَلَيْهِ طَابع الشُّهَدَاء
وَمن قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة وَجَبت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من نصل فِي سَبِيل الله فَمَاتَ أَو قتل فَهُوَ شَهِيد أَو رفصه(1/590)
فرسه أَو بعيره أَو لدغته هَامة أَو مَاتَ على فرَاشه بِأَيّ حتف شَاءَ الله فَإِنَّهُ شَهِيد وَإِن لَهُ الْجنَّة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هِنْد رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله مثل الصَّائِم الْقَائِم القانت لَا يفتر من صِيَام وَلَا صَلَاة وَلَا صَدَقَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي عبس عبد الرَّحْمَن بن جبر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرمهما الله على النَّار
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي بكر الصّديق أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرمهما الله على النَّار
وَأخرج الْبَزَّار عَن عُثْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرم الله عَلَيْهِ النَّار
وَأخرج أَحْمد من حَدِيث مَالك بن عبد الله النَّخعِيّ
مثله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس منزلَة قَالُوا: بلَى
قَالَ: رجل آخذ بعنان فرسه فِي سَبِيل الله حَتَّى يقتل أَو يَمُوت أَلا أخْبركُم بِالَّذِي يَلِيهِ رجل معتزل فِي شعب يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة وَيشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَأخرج ابْن سعد عَن أم بشر بنت الْبَراء بن معْرور قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول أَلا أنبئكم بِخَير النَّاس بعده قَالُوا: بلَى
قَالَ: رجل فِي غنمه يُقيم الصَّلَاة ويؤتي الزَّكَاة يعلم حق الله فِي مَاله قد اعتزل شرور النَّاس
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس عَام تَبُوك وَهُوَ مضيف ظَهره إِلَى نَخْلَة فَقَالَ: أَلا أخْبركُم بِخَير النَّاس إِن من خير النَّاس رجلا عمل فِي سَبِيل الله على ظهر فرسه أَو على ظهر بعيره أَو على قَدَمَيْهِ حَتَّى يَأْتِيهِ الْمَوْت وَإِن من شَرّ النَّاس رجلا فَاجِرًا جريئاً يقْرَأ كتاب الله وَلَا يرعوي إِلَى شَيْء مِنْهُ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة كلهم ضَامِن على الله
رجل خرج غازياً فِي سَبِيل الله فَهُوَ ضَامِن على الله حَتَّى يتوفاه(1/591)
فيدخله الْجنَّة أَو يردهُ بِمَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة وَرجل دخل بَيته بِالسَّلَامِ فَهُوَ ضَامِن على الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن الخصاصية قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبايعه على الإِسلام فَاشْترط عليّ: تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَتصلي الْخمس وتصوم رَمَضَان وَتُؤَدِّي الزَّكَاة وتحج وتجاهد فِي سَبِيل الله
قلت: يَا رَسُول الله أما اثْنَتَانِ فَلَا أطيقهما أما الزَّكَاة فَمَا لي إِلَّا عشر ذودهن رسل أَهلِي وحمولتهم وَأما الْجِهَاد فيزعمون أَن من ولى فقد بَاء بغضب من الله فَأَخَاف إِذا حضرتني قتال كرهت الْمَوْت وخشعت نَفسِي
فَقبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده ثمَّ حركها ثمَّ قَالَ: لَا صَدَقَة وَلَا جِهَاد فَبِمَ تدخل الْجنَّة ثمَّ قلت: يَا رَسُول الله أُبَايِعك فبايعني عَلَيْهِنَّ كُلهنَّ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة أعين لَا تمسها النَّار
عين فقئت فِي سَبِيل الله وَعين حرست فِي سَبِيل الله وَعين بَكت من خشيَة الله
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي رَيْحَانَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حرمت النَّار على عين دَمَعَتْ من خشيَة الله حرمت النَّار على عين سهرت فِي سَبِيل الله وَعين غضت عَن محارم الله وَعين فقئت فِي سَبِيل الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَظَلَّتْكُم فتن كَقطع اللَّيْل المظلم أنجى النَّاس مِنْهَا صَاحب شاهقة يَأْكُل من رسل غنمه أَو رجل من وَرَاء الدروب آخذ بعنان فرسه يَأْكُل من فَيْء سَيْفه
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله مَضْمُون على الله إِمَّا أَن يلقيه إِلَى مغفرته وَرَحمته وَإِمَّا أَن يرجعه بِأَجْر وغنيمة
وَمثل الْمُجَاهِد فِي سَبِيل الله كَمثل الصَّائِم الْقَائِم الَّذِي لَا يفتر حَتَّى يرجع
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: عينان لَا تمسهما النَّار: عين بَكت من خشيَة الله وَعين باتت تحرس فِي سَبِيل الله
وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عينان لَا تمسهما النَّار أبدا
عين باتت تكلأ فِي سَبِيل الله وَعين بَكت من خشيَة الله(1/592)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مُعَاوِيَة بن حيدة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة لَا ترى أَعينهم النَّار: عين حرست فِي سَبِيل الله وَعين بَكت من خشيَة الله وَعين غضت عَن محارم الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا أنبئكم بليلة الْقدر حارس حرس فِي أَرض خوف لَعَلَّه أَن لَا يرجع إِلَى أَهله
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل عين باكية يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا عينا غضت عَن محارم الله وعيناً سهرت فِي سَبِيل الله وعيناً خرج مِنْهَا مثل رَأس الذُّبَاب من خشيَة الله
وَأخرج ابْن ماجة عَن أنس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: حرس لَيْلَة فِي سَبِيل الله أفضل من صِيَام رجل وقيامه فِي أَهله ألف سنة السّنة ثلثمِائة يَوْم الْيَوْم كألف سنة
وَأخرج ابْن ماجة عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَاح رَوْحَة فِي سَبِيل الله كَانَ لَهُ بِمثل مَا أَصَابَهُ من الْغُبَار مسك يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مَكْحُول قَالَ: حَدثنَا بعض الصَّحَابَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة قتل أَو مَاتَ دخل الْجنَّة وَمن رمى بِسَهْم بلغ العدوّ أَو قصر كَانَ عدل رَقَبَة وَمن شَاب شيبَة فِي سَبِيل الله كَانَت لَهُ نورا يَوْم الْقِيَامَة وَمن كلم كلمة جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة رِيحهَا مثل الْمسك ولونها مثل الزَّعْفَرَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أكيدر بن حمام قَالَ: أَخْبرنِي رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: جلسنا يَوْمًا فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا لفتى فِينَا: اذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسْأَلْهُ مَا يعدل الْجِهَاد فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا شَيْء ثمَّ أرسلناه الثَّانِيَة فَقَالَ مثلهَا ثمَّ قُلْنَا إِنَّهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث فَإِن قَالَ: لَا شَيْء فَقل: مَا يقرب مِنْهُ فَأَتَاهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا شَيْء
فَقَالَ: مَا يقرب مِنْهُ يَا رَسُول الله قَالَ: طيب الْكَلَام وادامة الصّيام وَالْحج كل عَام وَلَا يقرب مِنْهُ شَيْء بعد
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن فضَالة بن عبيد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أَنا زعيم - والزعيم الْجَمِيل - لمن آمن بِي وَأسلم وجاهد فِي سَبِيل الله بِبَيْت فِي ربض الْجنَّة وَبَيت فِي وسط الْجنَّة وَبَيت فِي أَعلَى غرف الْجنَّة فَمن(1/593)
فعل ذَلِك لم يدع للخير مطلباً وَلَا من الشَّرّ مهرباً يَمُوت حَيْثُ شَاءَ أَن يَمُوت
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مقَام الرجل فِي الصَّفّ فِي سَبِيل الله أفضل عِنْد الله من عبَادَة الرجل سِتِّينَ سنة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن معَاذ بن جبل أَنه قَالَ: يَا نَبِي الله حَدثنِي بِعَمَل يدخلني الْجنَّة قَالَ: بخ بخ لقد سَأَلت لعَظيم لقد سَأَلت لعَظيم لقد سَأَلت لعَظيم وَأَنه ليسير على من أَرَادَ الله بِهِ الْخَيْر تؤمن بِاللَّه وباليوم الآخر وتقيم الصَّلَاة تؤتي الزَّكَاة وَتعبد الله وَحده لَا تشرك بِهِ شَيْئا حَتَّى تَمُوت وَأَنت على ذَلِك ثمَّ قَالَ: إِن شِئْت يَا معَاذ حدثتك بِرَأْس هَذَا الْأَمر وقوام هَذَا الْأَمر وذروة السنام
فَقَالَ معَاذ
بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: إِن رَأس هَذَا الْأَمر أَن تشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله وَأَن قوام هَذَا الْأَمر الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَأَن ذرْوَة السنام مِنْهُ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله إِنَّمَا أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يقيموا الصَّلَاة ويؤتوا الزَّكَاة ويشهدوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله فَإِذا فعلوا ذَلِك فقد اعتصموا وعصموا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وحسابهم على الله
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا شجت وَجه وَلَا اغبرت قدم فِي عمل يبتغى بِهِ دَرَجَات الْآخِرَة بعد الصَّلَاة الْمَفْرُوضَة كجهاد فِي سَبِيل الله وَلَا ثقل ميزَان عبد كدابة ينْفق عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله أَو يحمل عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ذرْوَة الإِسلام الْجِهَاد لَا يَنَالهُ إِلَّا أفضلهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من لم يغز وَلم يُجهز غازياً أَو يخلف غازياً فِي أَهله بِخَير أَصَابَهُ الله بقارعة قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من أهل بَيت لَا يخرج مِنْهُم غاز أَو يجهزون غازياً أَو يخلفونه فِي أَهله إِلَّا أَصَابَهُم الله بقارعة قبل الْمَوْت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ:(1/594)
من قَاتل فوَاق نَاقَة فقد وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن سَأَلَ الله الْقَتْل من نَفسه صَادِقا ثمَّ مَاتَ أَو قتل فَإِن لَهُ أجر شَهِيد وَمن جرح جرحا فِي سَبِيل الله أَو نكب نكبة فَإِنَّهَا تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة كأغزر مَا كَانَت لَوْنهَا لون الزَّعْفَرَان وريحها ريح الْمسك وَمن جرح فِي سَبِيل الله فَإِن عَلَيْهِ طَابع الشُّهَدَاء
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يَحْكِي عَن ربه قَالَ أَيّمَا عبد من عبَادي خرج مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله ابْتِغَاء مرضاتي ضمنت لَهُ إِن رجعته أرجعته بِمَا أصَاب من أجر أَو غنيمَة وَإِن قَبضته غفرت لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من رجل يغبر وَجهه فِي سَبِيل الله إِلَّا آمنهُ الله دُخان النَّار يَوْم الْقِيَامَة وَمَا من رجل تغبر قدماه فِي سَبِيل الله إِلَّا أَمن الله قَدَمَيْهِ من النَّار
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن ربيع بن زِيَاد بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير إِذْ هُوَ بِغُلَام من قُرَيْش معتزل عَن الطَّرِيق يسير فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلَيْسَ ذَاك فلَانا قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَادعوهُ فَدَعوهُ قَالَ: مَا بالك اعتزلت الطَّرِيق قَالَ: يَا رَسُول الله كرهت الْغُبَار
قَالَ: فَلَا تعتزله فوالذي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ إته لذريرة الْجنَّة
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من اغبرت قدماه فِي سَبِيل الله حرمه الله على النَّار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن أم مَالك البهزية قَالَت ذكر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتْنَة فقر بهَا قلت: من خير النَّاس فِيهَا قَالَ: رجل فِي مَاشِيَة يُؤَدِّي حَقّهَا ويعبد ربه وَرجل أَخذ بِرَأْس فرسه يخيف الْعَدو ويخيفونه
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يلج النَّار رجل بَكَى من خشيَة الله حَتَّى يعود اللَّبن فِي الضَّرع وَلَا يجْتَمع غُبَار فِي سَبِيل الله ودخان جَهَنَّم فِي منخري مُسلم أبدا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ شَيْء أحب إِلَى الله من قطرتين أَو أثرين قَطْرَة دمع من خشيَة الله وقطرة دم تهراق فِي سَبِيل الله وَأما الأثران: فأثر فِي سَبِيل الله وَأثر فِي فَرِيضَة من فَرَائض الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن معَاذ بن جبل(1/595)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْغَزْو غَزوَان
فَأَما من ابْتغى بِهِ وَجه الله وأطاع الإِمام وَأنْفق الْكَرِيمَة وياسر الشَّرِيك واجتنب الْفساد فَإِن نَومه ونبهه أجر كُله
وَأما من غزا فخراً ورياء وَسُمْعَة وَعصى الإِمام وأفسد فِي الأَرْض فَإِنَّهُ لن يرجع بالكفاف
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من سَرِيَّة تغزو فِي سَبِيل الله فيسلمون ويصيبون الْغَنِيمَة إِلَّا أَن تعجلوا ثُلثي أجرهم فِي الْآخِرَة وَيبقى لَهُم الثُّلُث وَمَا من سَرِيَّة تخفق وتخوّف وتصاب إِلَّا تمّ لَهُم أجرهم
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أَذْنَاب الْبَقر ورضيتم بالزرع وتركتم الْجِهَاد سلط الله عَلَيْكُم ذلاً لَا يَنْزعهُ حَتَّى ترجعوا إِلَى دينكُمْ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بسرية أَن تخرج قَالُوا: يَا رَسُول الله أنخرج اللَّيْلَة أم نمكث حَتَّى تصبح قَالَ: أَفلا تحبون أَن تبيتوا هَكَذَا فِي خريف من خراف الْجنَّة والخريف الحديقة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سلمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا رجف قلب الْمُؤمن فِي سَبِيل الله تحات عَنهُ الْخَطَايَا كَمَا يتحات عذق النَّخْلَة
وأخرد الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة خير من أَرْبَعِينَ غَزْوَة وغزوة خير من أَرْبَعِينَ حجَّة يَقُول: إِذا حج الرجل حجَّة الإِسلام فغزوة خير لَهُ من أَرْبَعِينَ حجَّة وَحجَّة الإِسلام خير من أَرْبَعِينَ غَزْوَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجَّة لمن لم يحجّ خير من عشر غزوات وغزوة لمن قد حج خير من عشر حجج وغزوة فِي الْبَحْر خير من عشر غزوات فِي الْبر وَمن أجَاز الْبَحْر فَكَأَنَّمَا أجَاز الأودية كلهَا والمائد فِيهِ كالمتشحط فِي دَمه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لحجة أفضل من عشر غزوات ولغزوة أفضل من عشر حجات
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن مَكْحُول قَالَ كثر المستأذنون على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحَج فِي غَزْوَة تَبُوك فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة لمن قد حج أفضل من أَرْبَعِينَ حجَّة(1/596)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ: لسفرة فِي سَبِيل الله أفضل من خمسين حجَّة
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أَبْوَاب الْجنَّة تَحت ظلال السيوف
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الله: الْمُجَاهِد فِي سبيلي هُوَ عَليّ ضَامِن إِن قَبضته أورثته الْجنَّة وَإِن رجعته رجعته بِأَجْر أَو غنيمَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن جبل عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من جَاهد فِي سَبِيل الله كَانَ ضَامِنا على الله وَمن عَاد مَرِيضا كَانَ ضَامِنا على الله وَمن غَدا إِلَى مَسْجِد أَو رَاح كَانَ ضَامِنا على الله وَمن دخل على إِمَام بغزوة كَانَ ضَامِنا على الله وَمن جلس فِي بَيته لم يغتب إنْسَانا كَانَ ضَامِنا على الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الله بن حبشِي الْخَثْعَمِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ: إِيمَان لَا شكّ فِيهِ وَجِهَاد لَا غلُول فِيهِ وَحجَّة مبرورة
قيل: فَأَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ: جهد الْمقل
قيل: فَأَي الْهِجْرَة أفضل قَالَ: من هجر مَا حرم الله
قيل: فَأَي الْجِهَاد أفضل قَالَ: من جَاهد الْمُشْركين بِنَفسِهِ وَمَاله
قيل: فَأَي الْقَتْل أشرف قَالَ: من أهرق دَمه وعقر جَوَاده
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أنْفق زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله نُودي من أَبْوَاب الْجنَّة يَا عبد الله هَذَا خير فَمن كَانَ من أهل الصَّلَاة دعِي من بَاب الصَّلَاة وَمن كَانَ من أهل الْجِهَاد دعِي من أَبْوَاب الْجِهَاد وَمن كَانَ من أهل الصَّدَقَة دعِي من بَاب الصَّدَقَة
فَقَالَ أَبُو بكر: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله مَا عَليّ من دعِي من تِلْكَ الْأَبْوَاب من ضَرُورَة فَهَل يدعى أحد من تِلْكَ الْأَبْوَاب كلهَا قَالَ: نعم وَأَرْجُو أَن تكون مِنْهُم
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: تضمن الله لمن خرج فِي سَبيله لَا يُخرجهُ إِلَّا جِهَاد فِي سبيلي وإيمان بِي وتصديق برسلي فَهُوَ ضَامِن أَن(1/597)
أدخلته الْجنَّة أَو أرجعه إِلَى منزله الَّذِي خرج مِنْهُ نائلاً مَا نَالَ من أجر أَو غنيمَة وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ مَا كلم بكلم فِي سَبِيل الله إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة كَهَيْئَته يَوْم كلم لَونه لون دم وريحه ريح مسك وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوْلَا أَن أشق على الْمُسلمين مَا قعدت خلف سَرِيَّة تغزو فِي سَبِيل الله أبدا وَلَكِن لأجد مَا أحملهم عَلَيْهِ وَلَا يَجدونَ مَا يتحملون عَلَيْهِ فَيخْرجُونَ ويشق عَلَيْهِم أَن يتخلفوا بعدِي وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أغزو فِي سَبِيل الله فَاقْتُلْ ثمَّ أَحْيَا فَاقْتُلْ ثمَّ أَحْيَا فَاقْتُلْ
وَأخرج ابْن سعد عَن سُهَيْل بن عمر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مقَام أحدكُم فِي سَبِيل الله سَاعَة خير من عمله عمره فِي أَهله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي أُمَامَة قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّة من سراياه فَمر جلّ بِغَار فِيهِ شَيْء من مَاء فَحدث نَفسه بِأَن يُقيم فِي ذَلِك المَاء فيتقوّت مِمَّا كَانَ فِيهِ من مَاء ويصيب مِمَّا حوله من البقل ويتخلى من الدُّنْيَا فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنِّي لم أبْعث باليهودية وَلَا بالنصرانية وَلَكِنِّي بعثت بالحنيفية السمحة وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ لغدوة أَو رَوْحَة فِي سَبِيل الله خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ولمقام أحدكُم فِي الصَّفّ خير من صلَاته سِتِّينَ سنة
وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رجل: يَا رَسُول الله أَي الْعَمَل أفضل قَالَ: إِيمَان بِاللَّه وتصديق وَجِهَاد فِي سَبيله وَحج مبرور
قَالَ الرجل: أكثرت يَا رَسُول الله
فَقَالَ: فلين الْكَلَام وبذل الطَّعَام وسماح وَحسن الْخلق قَالَ الرجل: أُرِيد كلمة وَاحِدَة
قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَلَا تتهم الله على نَفسك
وَأخرج أَحْمد عَن الشِّفَاء بنت عبد الله وَكَانَت من الْمُهَاجِرَات أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن أفضل الإِيمان فَقَالَ: إِيمَان بِاللَّه وَجِهَاد فِي سَبِيل الله وَحج مبرور
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن الْحسن قَالَ: بني الإِسلام على عشرَة أَرْكَان: الاخلاص لله وَهِي الْفطْرَة وَالصَّلَاة وَهِي الْملَّة وَالزَّكَاة والطهرة وَالصِّيَام وَهُوَ الْجنَّة وَالْحج وَهُوَ الشَّرِيعَة وَالْجهَاد وَهُوَ الْعِزَّة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْحجَّة وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَهُوَ الواقية وَالطَّاعَة وَهِي الْعِصْمَة وَالْجَمَاعَة وَهِي الألفة
وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو بن عبسة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَاتل فِي سَبِيل الله فوَاق نَاقَة حرم الله وَجهه على النَّار(1/598)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الْمُنْذر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَاهد فِي سَبِيل الله وَجَبت لَهُ الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا خالط قلب امرىء رهج فِي سَبِيل الله إِلَّا حرم الله عَلَيْهِ النَّار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لَقِي الله بِغَيْر أثر من جِهَاد لقِيه وَفِيه ثلمة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ترك قوم الْجِهَاد إِلَّا عمهم الله بِالْعَذَابِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِذا ضن النَّاس بالدينار وَالدِّرْهَم وابتغوا أَذْنَاب الْبَقر وَتركُوا الْجِهَاد فِي سَبِيل الله وتبايعوا بِالْعينِ أنزل الله عَلَيْهِم الْبلَاء فَلَا يرفعهُ حَتَّى يراجعوا دينهم
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لغدوة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن سهل بن سعد عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الروحة والغدوة فِي سَبِيل الله أفضل من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي أَيُّوب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير مِمَّا طلعت عَلَيْهِ الشَّمْس وغربت
وَأخرج الْبَزَّار عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ غدْوَة فِي سَبِيل الله أَو رَوْحَة خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا
وَأخرج أَحْمد من حَدِيث مُعَاوِيَة بن جريج
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن اسحق بن رَافع قَالَ: بَلغنِي عَن الْمِقْدَاد أَن الْغَازِي إِذا خرج من بَيته عدد مَا خلف وَرَاءه من أهل الْقبْلَة وَأهل الذِّمَّة والبهائم يجْرِي عَلَيْهِ بِعَدَد كل وَاحِد مِنْهُم قِيرَاط قِيرَاط كل لَيْلَة مثل الْجَبَل أَو قَالَ: مثل أحد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحِين قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على النِّسَاء مَا على الرِّجَال إِلَّا الْجُمُعَة والجنائز وَالْجهَاد(1/599)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير وَصد عَن سَبِيل الله وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَإِخْرَاج أَهله مِنْهُ أكبر عِنْد الله والفتنة أَشد من الْقَتْل وَلَا يزالون يقاتلونكم حَتَّى يردكم عَن دينكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا وَمن يرتدد مِنْكُم عَن دينه فيمت وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِك حبطت أَعْمَالهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله وَالله غَفُور رَحِيم
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَد صَحِيح عَن جُنْدُب بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه بعث رهطاً وَبعث عَلَيْهِم أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح أَو عُبَيْدَة بن الْحَرْث فَلَمَّا ذهب لينطلق بَكَى صبَابَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَلَسَ وَبعث مَكَانَهُ عبد الله بن جحش وَكتب لَهُ كتابا وَأمره أَن لَا يقْرَأ الْكتاب حَتَّى يبلغ مَكَان كَذَا وَكَذَا وَقَالَ: لَا تكرهن أحدا على السّير مَعَك من أَصْحَابك فَلَمَّا قَرَأَ الْكتاب اسْترْجع وَقَالَ: سمعا وَطَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ فَخَبرهُمْ الْخَبَر وَقَرَأَ عَلَيْهِم الْكتاب فَرجع رجلَانِ وَمضى بَقِيَّتهمْ فَلَقوا ابْن الْحَضْرَمِيّ فَقَتَلُوهُ وَلم يدروا أَن ذَلِك الْيَوْم من رَجَب أَو جُمَادَى فَقَالَ الْمُشْركُونَ للْمُسلمين: قتلتم فِي الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} الْآيَة
فَقَالَ بَعضهم إِن لم يَكُونُوا أَصَابُوا وزراً فَلَيْسَ لَهُم أجر فَأنْزل الله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله وَالله غَفُور رَحِيم}
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} قَالَ: بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن فلَان فِي سَرِيَّة فَلَقوا عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ بِبَطن نَخْلَة فَذكر الحَدِيث
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الْمُشْركين صدوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وردوه عَن الْمَسْجِد الْحَرَام فِي شهر حرَام فَفتح الله على نبيه فِي شهر حرَام(1/600)
من الْعَام الْمقبل فعاب الْمُشْركُونَ على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقِتَال فِي شهر حرَام فَقَالَ الله {قل قتال فِيهِ كَبِير وَصد عَن سَبِيل الله وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام وَإِخْرَاج أَهله مِنْهُ أكبر عِنْد الله} من الْقِتَال فِيهِ وَأَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة فَلَقوا عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ وَهُوَ مقبل من الطَّائِف فِي آخر لَيْلَة من جُمَادَى وَأول لَيْلَة من رَجَب وَأَن أَصْحَاب مُحَمَّد كَانُوا يظنون أَن تِلْكَ اللَّيْلَة من جُمَادَى وَكَانَت أول رَجَب وَلم يشعروا فَقتله رجل مِنْهُم وَأخذُوا مَا كَانَ مَعَه وَأَن الْمُشْركين أرْسلُوا يُعَيِّرُونَهُ بذلك فَقَالَ الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير} وَغَيره أكبر مِنْهُ {وَصد عَن سَبِيل الله وَكفر بِهِ وَالْمَسْجِد الْحَرَام} وَإِخْرَاج أهل الْمَسْجِد الْحَرَام مِنْهُ أكبر من الَّذِي أصَاب أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والشرك أَشد مِنْهُ
وَأخرج ابْن إِسْحَق حَدثنِي الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزل فِيمَا كَانَ من مصاب عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج ابْن مَنْدَه وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث صَفْوَان بن بَيْضَاء فِي سَرِيَّة عبد الله بن جحش قبل الْأَبْوَاء فغنموا وَفِيهِمْ نزلت {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة وَكَانُوا سَبْعَة نفر عَلَيْهِم عبد الله بن جحش الْأَسدي وَفِيهِمْ عمار بن يَاسر وَأَبُو حُذَيْفَة بن عتبَة بن ربيعَة وَسعد بن أبي وَقاص وَعتبَة بن غَزوَان السّلمِيّ حَلِيف لبني نَوْفَل أَو سُهَيْل بن بَيْضَاء وعامر بن فهَيْرَة وواقد بن عبد الله الْيَرْبُوعي حَلِيف لعمر بن الْخطاب وَكتب مَعَ ابْن جحش كتابا أمره أَن لَا يقرأه حَتَّى ينزل ملل فَلَمَّا نزل بِبَطن ملل فتح الْكتاب فَإِذا فِيهِ أَن سر حَتَّى تنزل بطن نَخْلَة
قَالَ لأَصْحَابه: من كَانَ يُرِيد الْمَوْت فليمض وليوص فَإِنِّي موص وماض لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَار وتخلف عَنهُ سعد بن أبي وَقاص وَعتبَة بن غَزوَان أضلا رَاحِلَة لَهما وَسَار ابْن جحش إِلَى بطن نَخْلَة فَإِذا هم بالحكم بن كيسَان وَعبد الله بن الْمُغيرَة بن عُثْمَان وَعَمْرو الْحَضْرَمِيّ فَاقْتَتلُوا فأسروا الحكم بن كيسَان وَعبد الله بن الْمُغيرَة وانقلب الْمُغيرَة وَقتل عَمْرو الْحَضْرَمِيّ قَتله وَاقد بن عبد الله فَكَانَت أول غنيمَة غنمها(1/601)
أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رجعُوا إِلَى الْمَدِينَة بالأسيرين وَمَا غنموا من الْأَمْوَال قَالَ الْمُشْركُونَ: مُحَمَّد يزْعم أَنه يتبع طَاعَة الله وَهُوَ أول من اسْتحلَّ الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير} لَا يحل وَمَا صَنَعْتُم أَنْتُم يَا معشر الْمُشْركين أكبر من الْقَتْل فِي الشَّهْر الْحَرَام حِين كَفرْتُمْ بِاللَّه وصددتم عَنهُ مُحَمَّدًا {والفتنة} وَهِي الشّرك أعظم عِنْد الله من الْقَتْل فِي الشَّهْر الْحَرَام فَذَلِك قَوْله {وَصد عَن سَبِيل الله وَكفر بِهِ} الْآيَة
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ أَن رجلا من بني تَمِيم أرْسلهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَرِيَّة فَمر بِابْن الْحَضْرَمِيّ يحمل خمرًا من الطَّائِف إِلَى مَكَّة فَرَمَاهُ بِسَهْم فَقتله وَكَانَ بَين قُرَيْش وَمُحَمّد فَقتله فِي آخر يَوْم من جُمَادَى الْآخِرَة وَأول يَوْم من رَجَب
فَقَالَت قُرَيْش: فِي الشَّهْر الْحَرَام وَلنَا عهد فَأنْزل الله {قل قتال فِيهِ كَبِير} الْآيَة
يَقُول: كفر بِهِ وَعبادَة الْأَوْثَان أكبر من قتل ابْن الْحَضْرَمِيّ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي مَالك الْغِفَارِيّ قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن جحش فلقي نَاسا من الْمُشْركين بِبَطن نَخْلَة والمسلمون يحسبون أَنه آخر يَوْم من جُمَادَى وَهُوَ أول يَوْم من رَجَب فَقتل الْمُسلمُونَ ابْن الْحَضْرَمِيّ
فَقَالَ الْمُشْركُونَ: ألستم تَزْعُمُونَ أَنكُمْ تحرمون الشَّهْر الْحَرَام والبلد الْحَرَام وَقد قتلتم فِي الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} إِلَى قَوْله {أكبر عِنْد الله} من الَّذِي استكبرتم من قتل ابْن الْحَضْرَمِيّ {والفتنة} الَّتِي أَنْتُم عَلَيْهَا مقيمون يَعْنِي الشّرك {أكبر من الْقَتْل}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة من الْمُسلمين وَأمر عَلَيْهِم عبد الله بن جحش الْأَسدي فَانْطَلقُوا حَتَّى هَبَطُوا نَخْلَة فوجدوا عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ فِي عير تِجَارَة لقريش فِي يَوْم بَقِي من الشَّهْر الْحَرَام فاختصم الْمُسلمُونَ فَقَالَ قَائِل مِنْهُم: هَذِه غرَّة من عدوّ وغنم رزقتموه وَلَا نَدْرِي أَمن الشَّهْر الْحَرَام هَذَا الْيَوْم أم لَا
وَقَالَ قَائِل: لَا نعلم الْيَوْم إِلَّا من الشَّهْر الْحَرَام وَلَا نرى أَن تستحلوه لطمع أشفقتم عَلَيْهِ فغلب على الْأَمر الَّذين يُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا فشدوا على ابْن الْحَضْرَمِيّ فَقَتَلُوهُ وغنموا عيره
فَبلغ ذَلِك كفار قُرَيْش وَكَانَ ابْن الْحَضْرَمِيّ أوّل قَتِيل قتل بَين الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين فَركب وَفد كفار قُرَيْش(1/602)
حَتَّى قدمُوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فَقَالُوا: أتحل الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله عز وَجل {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ قل قتال فِيهِ كَبِير وَصد عَن سَبِيل الله} إِلَى آخر الْآيَة
فَحَدثهُمْ الله فِي كِتَابه: إِن الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام حرَام كَمَا كَانَ وَإِن الَّذين يسْتَحلُّونَ من الْمُؤمنِينَ هُوَ أكبر من ذَلِك فَمن صدهم عَن سَبِيل الله حِين يسخمونهم ويعذبونهم ويحبسونهم أَن يهاجروا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وكفرهم بِاللَّه وصدهم للْمُسلمين عَن الْمَسْجِد الْحَرَام فِي الْحَج وَالْعمْرَة وَالصَّلَاة فِيهِ وإخراجهم أهل الْمَسْجِد الْحَرَام وهم سكانه من الْمُسلمين وفتنهم إيَّاهُم عَن الدّين فَبَلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عقل ابْن الْحَضْرَمِيّ وَحرم الشَّهْر الْحَرَام كَمَا كَانَ يحرمه حَتَّى أنزل الله عز وَجل (بَرَاءَة من الله وَرَسُوله) (التَّوْبَة الْآيَة 1)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ ومقسم قَالَا لَقِي وَاقد بن عبد الله عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ أوّل لَيْلَة من رَجَب وَهُوَ يرى أَنه من جُمَادَى فَقتله فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} الْآيَة
قَالَ الزُّهْرِيّ: فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بلغنَا يحرم الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام ثمَّ أحل بعد
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق يزِيد بن رُومَان عَن عُرْوَة قَالَ بعث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن جحش إِلَى نَخْلَة فَقَالَ لَهُ: كن بهَا حَتَّى تَأْتِينَا بِخَبَر من أَخْبَار قُرَيْش وَلم يَأْمُرهُ بِقِتَال وَذَلِكَ فِي الشَّهْر الْحَرَام وَكتب لَهُ كتابا قبل أَن يُعلمهُ أَنه يسير فَقَالَ: اخْرُج أَنْت وَأَصْحَابك حَتَّى إِذا سرت يَوْمَيْنِ فافتح كتابك وَانْظُر فِيهِ فَمَا أَمرتك بِهِ فَامْضِ لَهُ وَلَا تستكرهن أحدا من أَصْحَابك على الذّهاب مَعَك فَلَمَّا سَار يَوْمَيْنِ فتح الْكتاب فَإِذا فِيهِ: أَن امْضِ حَتَّى تنزل نَخْلَة فَتَأْتِينَا من أَخْبَار قُرَيْش بِمَا تصل إِلَيْك مِنْهُم
فَقَالَ لأَصْحَابه حِين قَرَأَ الْكتاب: سمعا وَطَاعَة من كَانَ مِنْكُم لَهُ رَغْبَة فِي الشَّهَادَة فَلْيَنْطَلِقْ معي فَإِنِّي ماضٍ لأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن كره ذَلِك مِنْكُم فَليرْجع فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نهاني أَن أستكره مِنْكُم أحدا فَمضى مَعَه الْقَوْم حَتَّى إِذا كَانُوا بِنَجْرَان أضلّ سعد بن أبي وَقاص وَعتبَة بن غَزوَان بَعِيرًا لَهما كَانَا يتعقبانه فتخلفا عَلَيْهِ يطلبانه
وَمضى الْقَوْم حَتَّى نزلُوا نَخْلَة فَمر بهم عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ وَالْحكم بن كيسَان(1/603)
وَعُثْمَان والمغيرة بن عبد الله مَعَهم تِجَارَة قد مروا بهَا من الطَّائِف إِلَى مَكَّة أَدَم وزيت فَلَمَّا رَآهُمْ الْقَوْم أشرف لَهُم وَاقد بن عبد الله وَكَانَ قد حلق رَأسه فَلَمَّا رَأَوْهُ حليقاً قَالَ عمار: لَيْسَ عَلَيْكُم مِنْهُم بَأْس وائتمر الْقَوْم بهم أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ آخر يَوْم من جُمَادَى فَقَالُوا: لَئِن قتلتوهم إِنَّكُم لتقتلونهم فِي الشَّهْر الْحَرَام وَلَئِن تركتموهم ليدخلن فِي هَذِه اللَّيْلَة حرم مَكَّة فيمتنعن مِنْكُم
فأجمع الْقَوْم على قَتلهمْ فَرمى وَاقد بن عبد الله التَّمِيمِي عَمْرو بن الْحَضْرَمِيّ فَقتله واستأسر عُثْمَان بن عبد الله وَالْحكم بن كيسَان وهرب الْمُغيرَة فاعجزهم
وَاسْتَاقُوا العير فقدموا بهَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُم: وَالله مَا أَمرتكُم بِقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام فَأوقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَسِيرين وَالْعير فَلم يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا فَلَمَّا قَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قد سقط فِي أَيْديهم وظنوا أَن قد هَلَكُوا وَعَنَّفَهُمْ اخوانهم من الْمُسلمين وَقَالَت قُرَيْش حِين بَلغهُمْ أَمر هَؤُلَاءِ: قد سفك مُحَمَّد الدَّم الْحَرَام وَأخذ المَال وَأسر الرِّجَال واستحل الشَّهْر الْحَرَام فَأنْزل الله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} الْآيَة
فَلَمَّا نزل ذَلِك أَخذ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العير وفدى الْأَسِيرين
فَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله أتطمع أَن يكون لنا غَزْوَة فَأنْزل الله {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله} وَكَانُوا ثَمَانِيَة وأميرهم التَّاسِع عبد الله بن جحش
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} قَالَ: يَقُول: يَسْأَلُونَك عَن قتال فِيهِ قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَ يقْرؤهَا / عَن قتال فِيهِ /
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله ((يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام عَن قتال فِيهِ)) وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن عِكْرِمَة
أَنه كَانَ يقْرَأ هَذَا الْحَرْف / قتل فِيهِ /
وَأخرج عَن عَطاء بن ميسرَة قَالَ: أحل الْقِتَال فِي الشَّهْر الْحَرَام فِي بَرَاءَة فِي قَوْله (فَلَا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم وقاتلوا الْمُشْركين كَافَّة) (التَّوْبَة الْآيَة 36)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سُفْيَان الثَّوْريّ
أَنه سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة فَقَالَ: هَذَا شَيْء مَنْسُوخ وَلَا بَأْس بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْر الْحَرَام(1/604)
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} أَي فِي الشَّهْر الْحَرَام
قَالَ {قتال فِيهِ كَبِير} أَي عَظِيم فَكَانَ الْقِتَال مَحْظُورًا حَتَّى نُسْخَة آيَة السَّيْف فِي بَرَاءَة (فَاقْتُلُوا الْمُشْركين حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (التَّوْبَة الْآيَة 5) فأبيح الْقِتَال فِي الْأَشْهر الْحَرَام وَفِي غَيرهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر {والفتنة أَشد من الْقَتْل} قَالَ: الشّرك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَلَا يزالون يقاتلونكم} قَالَ: كفار قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي قَوْله {أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله} قَالَ: هَؤُلَاءِ خِيَار هَذِه الْأمة ثمَّ جعلهم الله أهل رَجَاء
إِنَّه من رجا طلب وَمن خَافَ هرب
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ خِيَار هَذِه الْأمة جعلهم الله أهل رَجَاء كَمَا تَسْمَعُونَ(1/605)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
قَوْله تَعَالَى: يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات لَعَلَّكُمْ تتفكرون
أخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن عمر
أَنه قَالَ: اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر بَيَانا شافياً فَإِنَّهَا تذْهب المَال وَالْعقل فَنزلت {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر بَيَانا شافياً فَنزلت الْآيَة الَّتِي سُورَة النِّسَاء (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى) (النِّسَاء الْآيَة 43) فَكَانَ مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَقَامَ الصَّلَاة نَادَى أَن لَا يقربن الصَّلَاة سَكرَان فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَين لنا فِي الْخمر بَيَانا شافياً فَنزلت الْآيَة الَّتِي فِي الْمَائِدَة فدعي عمر فقرئت عَلَيْهِ فَلَمَّا بلغ (فَهَل لَأَنْتُم مُنْتَهُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة 91) قَالَ عمر: انتهينا انتهينا(1/605)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أنس قَالَ: كُنَّا نشرب الْخمر فأنزلت {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} الْآيَة
فَقُلْنَا: نشرب مِنْهَا مَا ينفعنا
فأنزلت فِي الْمَائِدَة (إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر) (الْمَائِدَة الْآيَة 90)
الْآيَة
فَقَالُوا: اللَّهُمَّ قد انتهينا
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة قَالَ لما نزلت سُورَة الْبَقَرَة نزل فِيهَا تَحْرِيم الْخمر فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: إِنَّمَا سميت الْخمر لِأَنَّهَا صفاء صفوها وسفل كدرها
وَأخرج أَبُو عبيد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر قَالَ: الميسر الْقمَار
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الميسر الْقمَار وَإِنَّمَا سمي الميسر لقَولهم أيسر جزوراً كَقَوْلِك ضع كَذَا وَكَذَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر وَالْميسر} قَالَ: الميسر الْقمَار كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يخاطر عَن أَهله وَمَاله فَأَيّهمَا قهر صَاحبه ذهب بأَهْله وَمَاله
وَفِي قَوْله {قل فيهمَا إِثْم كَبِير} يَعْنِي مَا ينقص من الدّين عِنْد شربهَا {وَمَنَافع للنَّاس} يَقُول: فِيمَا يصيبون من لذتها وفرحها إِذا شَرِبُوهَا {وإثمهما أكبر من نفعهما} يَقُول: مَا يذهب من الدّين والاثم فِيهِ أكبر مِمَّا يصيبون من لذتها وفرحها إِذا شَرِبُوهَا فَأنْزل الله بعد ذَلِك (لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى
) (النِّسَاء الْآيَة 43) الْآيَة
فَكَانُوا لَا يشربونها عِنْد الصَّلَاة فَإِذا صلوا الْعشَاء شَرِبُوهَا فَمَا يَأْتِي الظّهْر حَتَّى يذهب عَنْهُم السكر ثمَّ إِن نَاسا من الْمُسلمين شَرِبُوهَا فقاتل بَعضهم بَعْضًا وَتَكَلَّمُوا بِمَا لَا يُرْضِي الله من القَوْل
فَأنْزل الله (إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر والأنصاب) (الْمَائِدَة الْآيَة 90) الْآيَة
فَحرم الْخمر وَنهى عَنْهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَسْأَلُونَك عَن الْخمر} الْآيَة
قَالَ: نسخهَا (إِنَّمَا الْخمر وَالْميسر
) (المائده الْآيَة 90) الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل فيهمَا إِثْم كَبِير}(1/606)
قَالَ: هَذَا أول مَا عيبت بِهِ الْخمر {وَمَنَافع للنَّاس} قَالَ: ثمنهَا وَمَا يصيبون من السرُور
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل فيهمَا إِثْم كَبِير وَمَنَافع للنَّاس} قَالَ: منافعهما قبل التَّحْرِيم وإثمهما بَعْدَمَا حرما
وَأما قَوْله تَعَالَى: {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو}
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَن نَفرا من الصَّحَابَة حِين أمروا بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِنَّا لَا نَدْرِي مَا هَذِه النَّفَقَة الَّتِي أمرنَا بهَا فِي أَمْوَالنَا فَمَا ننفق مِنْهَا فَأنْزل الله {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} وَكَانَ قبل ذَلِك ينْفق مَاله حَتَّى لَا يجد مَا يتَصَدَّق بِهِ وَلَا مَا لَا يَأْكُل حَتَّى يتَصَدَّق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبان عَن يحيى أَنه بلغه أَن معَاذ بن جبل وثعلبة أَتَيَا رَسُول الله فَقَالَا: يَا رَسُول الله إِن لنا ارقاء وأهلين فَمَا ننفق من أَمْوَالنَا فَأنْزل الله {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} قَالَ: هُوَ مَا لَا يتَبَيَّن فِي أَمْوَالكُم وَكَانَ هَذَا قبل أَن تفرض الصَّدَقَة
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} قَالَ: مَا يفضل عَن أهلك وَفِي لفظ قَالَ: الْفضل من الْعِيَال
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن دِينَار الْهُذلِيّ
أَن عبد الْملك بن مَرْوَان كتب إِلَى سعيد بن جُبَير يسْأَله عَن الْعَفو
فَقَالَ: الْعَفو على ثَلَاثَة أنحاء
نَحْو تجَاوز عَن الذَّنب وَنَحْو فِي الْقَصْد فِي النَّفَقَة {ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو} وَنَحْو فِي الاحسان فِيمَا بَين النَّاس (إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح) (الْبَقَرَة الْآيَة 237)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي قَوْله {قل الْعَفو} قَالَ: ذَلِك أَن لَا تَجِد مَالك ثمَّ تقعد تسْأَل النَّاس
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء فِي قَوْله {قل الْعَفو} قَالَ: الْفضل(1/607)
وَأخرج عبد بن حميد من طَرِيق بن أبي نجيح عَن طَاوس قَالَ: الْعَفو الْيُسْر من كل شَيْء قَالَ: وَكَانَ مُجَاهِد يَقُول {الْعَفو} الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قل الْعَفو} قَالَ: لم تفرض فِيهِ فَرِيضَة مَعْلُومَة ثمَّ قَالَ (خُذ الْعَفو وَأمر بِالْعرْفِ) (الْأَعْرَاف الْآيَة 199) ثمَّ نزلت الْفَرَائِض بعد ذَلِك مُسَمَّاة
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {قل الْعَفو} قَالَ: هَذَا نسخته الزَّكَاة
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الصَّدَقَة مَا ترك غنى وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول تَقول الْمَرْأَة: إِمَّا أَن تطعمني وَأما أَن تُطَلِّقنِي وَيَقُول العَبْد اطعمني واستعملني وَيَقُول الابْن: اطعمني إِلَى من تدعني
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ خير الصَّدَقَة مَا أبقت غنى وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول تَقول الْمَرْأَة: انفق عليّ أَو طَلقنِي وَيَقُول مملوكك: انفق عَليّ أَو بِعني
وَيَقُول ولدك: إِلَى من تَكِلنِي
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى وابدأ بِمن تعول
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله عِنْدِي دِينَار
قَالَ: تصدق بِهِ على نَفسك
قَالَ: عِنْدِي آخر قَالَ: تصدق بِهِ على ولدك قَالَ: عِنْدِي آخر
قَالَ: تصدق بِهِ على زَوجتك
قَالَ: عِنْدِي آخر
قَالَ: تصدق بِهِ على خادمك
قَالَ: عِنْدِي آخر
قَالَ: أَنْت أبْصر
وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ جَاءَ رجل وَفِي لفظ: قدم أَبُو حُصَيْن السّلمِيّ بِمثل بَيْضَة من الْحَمَامَة من ذهب فَقَالَ: يَا رَسُول الله أصبت هَذِه من مَعْدن فَخذهَا فَهِيَ صَدَقَة مَا أملك غَيرهَا فاعرض عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَتَاهُ من خَلفه فَأَخذهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَحَذفهُ بهَا فَلَو أَصَابَته لَأَوْجَعَتْهُ أَو لَعَقَرته
فَقَالَ: يَأْتِي أحدكُم بِمَا يملك(1/608)
فَيَقُول هَذِه صَدَقَة ثمَّ يقْعد يَسْتَكِف النَّاس خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى وابدأ بِمن تعول
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن حَكِيم بن حزَام عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول وَخير الصَّدَقَة مَا كَانَ على ظهر غنى وَمن يستعف يعفه الله وَمن يسْتَغْن يغنه الله
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لرجل: ابدأ بِنَفْسِك فَتصدق عَلَيْهَا فَإِن فضل شَيْء فلأهلك فَإِن فضل شَيْء عَن أهلك فلذي قرابتك فَإِن فضل عَن ذِي قرابتك شَيْء فَهَكَذَا وَهَكَذَا
وَأخرج أَبُو يعلى وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَيْدِي ثَلَاث
فيد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَد السَّائِل السُّفْلى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فاستعفف عَن السُّؤَال وَعَن الْمَسْأَلَة مَا اسْتَطَعْت فَإِن أَعْطَيْت خيرا فليُرَ عَلَيْك وابدأ بِمن تعول وارضخ من الْفضل وَلَا تلام على الكفاف
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن مَالك بن نَضْلَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَيْدِي ثَلَاث
فيد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَد السَّائِل السُّفْلى فاعط الْفضل وَلَا تعجز عَن نَفسك
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ دخل رجل الْمَسْجِد فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّاس أَن يطْرَحُوا أثواباً فطرحوا فَأمر لَهُ مِنْهَا بثوبين ثمَّ حث على الصَّدَقَة فجَاء فَطرح أحد الثَّوْبَيْنِ فصاح بِهِ وَقَالَ: خُذ ثَوْبك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يقوت
وَأخرج الْبَزَّار عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي أُمَامَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يَا ابْن آدم إِنَّك إِن تبدل الْفضل خير لَك وان تمسكه شَرّ لَك وَلَا تلام على كفاف وابدأ بِمن تعول وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَا ابْن عَوْف إِنَّك من الْأَغْنِيَاء وَلنْ تدخل الْجنَّة إِلَّا زحفاً فاقرض الله(1/609)
يُطلق لَك قَدَمَيْك
قَالَ: وَمَا الَّذِي أقْرض يَا رَسُول الله قَالَ: تَبرأ مِمَّا أمسيت فِيهِ
قَالَ: أَمن كُله أجمع يَا رَسُول الله قَالَ: نعم
فَخرج وَهُوَ يهم بذلك فَأَتَاهُ جِبْرِيل فَقَالَ: مر ابْن عَوْف فليضف الضَّيْف وليطعم الْمَسَاكِين وليعط السَّائِل وليبدأ بِمن يعول فَإِنَّهُ إِذا فعل ذَلِك كَانَ تَزْكِيَة مِمَّا هُوَ فِيهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ركب الْمصْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طُوبَى لمن تواضع من غير منقصة وذل فِي نَفسه من غير مسكنة وانفق مَالا جمعه فِي غير مَعْصِيّة ورحم أهل الذلة والمسكنة وخالط أهل الْعِفَّة وَالْحكمَة طُوبَى لمن ذل فِي نَفسه وطاب كَسبه وصلحت سَرِيرَته وكرمت عَلَانِيَته وعزل عَن النَّاس شَره وَأنْفق الْفضل من مَاله وَأمْسك الْفضل من قَوْله
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي ذَر قَالَ: قلت يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي الصَّلَاة قَالَ: تَمام الْعَمَل
قلت: يَا رَسُول الله أَسأَلك عَن الصَّدَقَة قَالَ: شَيْء عَجِيب قلت: يَا رَسُول الله تركت أفضل عمل فِي نَفسِي أَو خَيره قَالَ: مَا هُوَ قلت: الصَّوْم
قَالَ: خير وَلَيْسَ هُنَاكَ
قلت: يَا رَسُول الله وَأي الصَّدَقَة قَالَ: تَمْرَة
قلت: فَإِن لم أفعل قَالَ: بِكَلِمَة طيبَة
قلت: فَإِن لم أفعل قَالَ: تُرِيدُ أَن لَا تدع فِيك من الْخَيْر شَيْئا
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة من طَرِيق أبي قلَابَة عَن أبي أَسمَاء عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل دِينَار يُنْفِقهُ الرجل على أَصْحَابه فِي سَبِيل الله قَالَ أَبُو قلَابَة: وَبَدَأَ بالعيال ثمَّ قَالَ أَبُو قلَابَة: وَأي رجل أعظم أجرا من رجل ينْفق على عِيَال صغَار يعفهم أَو يَنْفَعهُمْ الله بِهِ ويعينهم
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دِينَار انفقته فِي سَبِيل الله ودينار أنفقته فِي رَقَبَة ودينار تَصَدَّقت بِهِ على مِسْكين ودينار انفقته على أهلك أعظمها أجرا الَّذِي أنفقته على أهلك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن كدير الضَّبِّيّ قَالَ: أَتَى أَعْرَابِي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: نبئني بِعَمَل يدخلني الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي عَن النَّار
قَالَ: تَقول الْعدْل وَتُعْطِي الْفضل قَالَ: هَذَا شَدِيد لَا أَسْتَطِيع أَن أَقُول الْعدْل كل سَاعَة وَلَا أَن أعطي فضل مَالِي
قَالَ: فاطعم الطَّعَام وأفش السَّلَام قَالَ: هَذَا شَدِيد وَالله قَالَ: هَل لَك من إبل قَالَ: نعم
قَالَ: انْظُر بَعِيرًا من ابلك وسقاء فَاسق أهل(1/610)
بَيت لَا يشربون إلاَّ غبا فلعلك أَن لَا يهْلك بعيرك وَلَا ينخرق سقاؤك حَتَّى تجب لَك الْجنَّة
قَالَ: فَانْطَلق يكبر ثمَّ أَنه اسْتشْهد بعد
وَأخرج ابْن سعد عَن طَارق بن عبد الله قَالَ: أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يخْطب فَسمِعت من قَوْله: تصدقوا فَإِن الصَّدَقَة خير لكم وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثمَّ أدناك فأدناك
وَأخرج مُسلم عَن خَيْثَمَة قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عبد الله بن عَمْرو إِذْ جَاءَهُ قهرمان لَهُ فَدخل فَقَالَ: أَعْطَيْت الرَّقِيق قوتهم قَالَ: لَا
قَالَ: فَانْطَلق فاعطهم وَقَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يحبس عَمَّن يملك قوته
أما قَوْله تَعَالَى: {كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات} الْآيَة أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة يَعْنِي فِي زَوَال الدُّنْيَا وفنائها واقبال الْآخِرَة وبقائها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
قَالَ: لِتَعْلَمُوا فضل الْآخِرَة على الدُّنْيَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الصَّعق بن حزن التَّمِيمِي قَالَ: شهِدت الْحسن وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة من الْبَقَرَة {لَعَلَّكُمْ تتفكرون} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
قَالَ: هِيَ وَالله لمن تفكرها ليعلمن أَن الدُّنْيَا دَار بلَاء ثمَّ دَار فنَاء وليعلمن أَن الْآخِرَة دَار جَزَاء ثمَّ دَار بَقَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: من تفكر فِي الدُّنْيَا عرف فضل احداهما على الْأُخْرَى عرف أَن الدُّنْيَا دَار بلَاء ثمَّ دَار فنَاء وَأَن الْآخِرَة دَار بَقَاء ثمَّ دَار جَزَاء فكونوا مِمَّن يصرم حَاجَة الدُّنْيَا لحَاجَة الْآخِرَة(1/611)
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
قَوْله تَعَالَى: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ويسألونك عَن الْيَتَامَى قل إصْلَاح لَهُم خير وَإِن تخالطوهم فإخوانكم وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم أَن الله عَزِيز حَكِيم
أخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن(1/611)
مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما أنزل الله (وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن) (الْإِسْرَاء الْآيَة 34) و (إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى) (النِّسَاء الْآيَة 10) الْآيَتَيْنِ انْطلق من كَانَ عِنْده يَتِيم فعزل طَعَامه من طَعَامه وَشَرَابه من شرابه فَجعل يفضل لَهُ الشَّيْء من طَعَامه فيجلس لَهُ حَتَّى يَأْكُلهُ أَو يفْسد فَيَرْمِي بِهِ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِم فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْيَتَامَى قل إصْلَاح لَهُم خير وَإِن تخالطوهم فإخوانكم} فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: لما نزل فِي الْيَتِيم مَا نزل اجتنبهم النَّاس فَلم يؤاكلوهم وَلم يشاربوهم وَلم يخالطوهم فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْيَتَامَى} الْآيَة
فخالطهم النَّاس فِي الطَّعَام وَفِيمَا سوى ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الأنبياري والنحاس عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ويسألونك عَن الْيَتَامَى} الْآيَة
قَالَ: كَانَ أنزل قبل ذَلِك فِي سُورَة بني إِسْرَائِيل (وَلَا تقربُوا مَال الْيَتِيم إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن) (الْإِسْرَاء الْآيَة 34) فَكَانُوا لَا يخالطونهم فِي مطعم وَلَا غَيره فَاشْتَدَّ ذَلِك عَلَيْهِم فَأنْزل الله الرُّخْصَة {وَإِن تخالطوهم فإخوانكم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت (إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما
) (النِّسَاء الْآيَة 10) الْآيَة
أمسك النَّاس وَلم يخالطوا الْأَيْتَام فِي الطَّعَام وَالْأَمْوَال حَتَّى نزلت {ويسألونك عَن الْيَتَامَى قل إصْلَاح لَهُم خير} الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ كَانَ أهل الْبَيْت يكون عِنْدهم الْأَيْتَام فِي حجورهم فَيكون للْيَتِيم الصرمة من الْغنم وَيكون الْخَادِم لأهل الْبَيْت فيبعثون خادمهم فيرعى غنم الْأَيْتَام أَو يكون لأهل الْيَتِيم الصرمة من الْغنم وَيكون الْخَادِم للأيتام فيبعثون خَادِم الْأَيْتَام فيرعى غنهم فَإِذا كَانَ الرُّسُل وضعُوا أَيْديهم جَمِيعًا أَو يكون الطَّعَام للأيتام وَيكون الْخَادِم لأهل الْبَيْت فيأمرون خادمهم فيصنع الطَّعَام وَيكون الطَّعَام لأهل الْبَيْت وَيكون الْخَادِم للأيتام فيأمرون خَادِم الْأَيْتَام أَن يصنع الطَّعَام فيضعون أَيْديهم جَمِيعًا فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة (إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال(1/612)
الْيَتَامَى ظلما
) (النِّسَاء الْآيَة 10) الْآيَة
قَالُوا: هَذِه مُوجبَة فاعتزلوهم وَفرقُوا مَا كَانَ من خلطتهم فشق عَلَيْهِم ذَلِك فشكوا ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: إِن الْغنم قد بقيت لَيْسَ لَهَا رَاع وَالطَّعَام لَيْسَ لَهُ من يصنعه
فَقَالَ: قد سمع الله قَوْلكُم فَإِن شَاءَ أجابكم
فَنزلت هَذِه الْآيَة {ويسألونك عَن الْيَتَامَى} وَنزل أَيْضا (وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي الْيَتَامَى
) (النِّسَاء الْآيَة 3) الْآيَة
فقصروا على أَربع فَقَالَ: كَمَا خشيتم أَن لَا تقسطوا فِي الْيَتَامَى وتحرجتم من مخالطتهم حَتَّى سَأَلْتُم عَنْهَا فَهَلا سَأَلْتُم عَن الْعدْل فِي جمع النِّسَاء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن تخالطوهم} قَالَ: المخالطة أَن يشرب من لبنك وتشرب من لبنه وَيَأْكُل فِي قصعتك وتأكل فِي قصعته وتأكل من ثَمَرَته {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} قَالَ: يعلم من يتَعَمَّد أكل مَال الْيَتِيم وَمن يتحرج مِنْهُ وَلَا يألو عَن اصلاحه {وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم} يَقُول: لَو شَاءَ مَا أحل لكم مَا أصبْتُم مِمَّا لَا تتعمدون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله لما أنزل {إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما} الْآيَة
كره الْمُسلمُونَ أَن يضمنوا الْيَتَامَى وتحرجوا أَن يخالطوهم فِي شَيْء فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {قل إصْلَاح لَهُم خير وَإِن تخالطوهم فإخوانكم وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم} يَقُول: لأحرجكم وضيق عَلَيْكُم وَلكنه وسع وَيسر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ / وَإِن تخالطوهم فاخوانكم فِي الدّين /
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالله يعلم الْمُفْسد من المصلح} قَالَ: الله يعلم حِين تخلط مَالك بِمَالِه أَتُرِيدُ أَن تصلح مَاله أَو تفسده فتأكله بِغَيْر حق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم} قَالَ: لَو شَاءَ الله لجعل مَا أصبْتُم من أَمْوَال الْيَتَامَى موبقاً
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَو شَاءَ الله لأعنتكم} قَالَ: لَو شَاءَ الله لأعنتكم فَلم تُؤَدُّوا فَرِيضَة وَلم تقوموا بِحَق(1/613)
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد عَن الْأسود قَالَ: قَالَت عَائِشَة: اخلط طَعَامه بطعامي وَشَرَابه بشرابي فَإِنِّي أكره أَن يكون مَال الْيَتِيم عِنْدِي كالعيرة(1/614)
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
قَوْله تَعَالَى: وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة وَلَو أَعجبتكُم وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا ولعَبْد مُؤمن خير من مُشْرك وَلَو أعجبكم أُولَئِكَ يدعونَ إِلَى النَّار وَالله يَدْعُو إِلَى الْجنَّة وَالْمَغْفِرَة بِإِذْنِهِ وَيبين الله آيَاته للنَّاس لَعَلَّهُم يتذكرون
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن مقَاتل بن حبَان قَالَ نزلت هَذ الْآيَة فِي أبي مرْثَد الغنوي اسْتَأْذن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عنَاق أَن يَتَزَوَّجهَا وَكَانَت ذَا حَظّ من جمال وَهِي مُشركَة وَأَبُو مرْثَد يؤمئذ مُسلم
فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنَّهَا تعجبني
فَأنْزل الله {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة وَلَو أَعجبتكُم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: اسْتثْنى الله من ذَلِك نسَاء أهل الْكتاب فَقَالَ (وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب) (الْمَائِدَة الْآيَة 5)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: نسخ من ذَلِك نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب أحلهن للْمُسلمين وَحرم المسلمات على رِجَالهمْ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: نسخت وَأحل من المشركات نسَاء أهل الْكتاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا تنْكِحُوا المشركات} فحجز النَّاس عَنْهُن حَتَّى نزلت الْآيَة الَّتِي بعْدهَا (وَالْمُحصنَات من الَّذين أُوتُوا الْكتاب من قبلكُمْ) (الْمَائِدَة الْآيَة 5) فنكح النَّاس نسَاء أهل الْكتاب(1/614)
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: يَعْنِي أهل الْأَوْثَان
وَأخرج آدم وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: نسَاء أهل مَكَّة من الْمُشْركين ثمَّ أحل مِنْهُم نسَاء أهل الْكتاب
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: مشركات الْعَرَب اللَّاتِي لَيْسَ لَهُنَّ كتاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن تَزْوِيج الْيَهُودِيَّة والنصرانية فَقَالَ: لَا بَأْس بِهِ
فَقلت: أَلَيْسَ الله يَقُول {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن} قَالَ: إِنَّمَا ذَاك المجوسيات وَأهل الْأَوْثَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن شَقِيق قَالَ: تزوج حُذَيْفَة بيهودية فَكتب إِلَيْهِ عمر أَن خل سَبِيلهَا فَكتب إِلَيْهِ أتزعم أَنَّهَا حرَام فأخلى سَبِيلهَا فَقَالَ: لَا أزعم أَنَّهَا حرَام وَلَكِن أَخَاف أَن تعاطوا المومسات مِنْهُنَّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه كره نِكَاح نسَاء أهل الْكتاب وتأوّل {وَلَا تنْكِحُوا المشركات حَتَّى يُؤمن}
وَأخرج البُخَارِيّ والنحاس فِي ناسخه عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر كَانَ إِذا سَأَلَ عَن نِكَاح الرجل النَّصْرَانِيَّة أَو الْيَهُودِيَّة قَالَ: حرم الله المشركات على الْمُسلمين وَلَا أعرف شَيْئا من الإِشراك أعظم من أَن تَقول الْمَرْأَة: رَبهَا عِيسَى أَو عبد من عباد الله
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة وَلَو أَعجبتكُم} أخرج الواحدي وَابْن عَبَّاس من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس فِي هَذِه الْآيَة {وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة} قَالَ نزلت فِي عبد الله بن رَوَاحَة وَكَانَت لَهُ أمة سَوْدَاء وَأَنه غضب عَلَيْهَا فلطمها ثمَّ إِنَّه فزع فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ خَبَرهَا
فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا هِيَ يَا عبد الله قَالَ: تَصُوم وَتصلي وتحسن الْوضُوء وَتشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك رَسُوله
فَقَالَ: يَا عبد الله هَذِه مُؤمنَة
فَقَالَ عبد الله: فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لأعتقها ولأتزوّجها فَفعل فطعن عَلَيْهِ نَاس من الْمُسلمين وَقَالُوا: نكح أمة وَكَانُوا يُرِيدُونَ أَن ينكحوا إِلَى الْمُشْركين وينكحوهم رَغْبَة فِي أحسابهم فَأنْزل الله {وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ مثله سَوَاء معضلاً(1/615)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله {وَلأمة مُؤمنَة} قَالَ: بلغنَا أَنَّهَا كَانَت أمة الحذيفة سَوْدَاء فَأعْتقهَا وتزوّجها حُذَيْفَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تنْكِحُوا النِّسَاء لحسنهن فَعَسَى حسنهنَّ أَن يرديهن وَلَا تنكحوهن على أموالهن فَعَسَى أموالهن أَن تطغيهن وانكحوهن على الدّين فلأمة سَوْدَاء خرماء ذَات دين أفضل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بِذَات الدّين تربت يداك
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهُ: إِن الْمَرْأَة تنْكح على دينهَا وَمَالهَا وجمالها فَعَلَيْك بِذَات الدّين تربت يداك
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنْكح الْمَرْأَة على إِحْدَى خِصَال: لجمالها وَمَالهَا ودينها فَعَلَيْك بِذَات الدّين والخلق تربت يَمِينك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من تزوّج امْرَأَة لعزها لم يزده الله إِلَّا ذلاً وَمن تزَوجهَا لمالها لم يزده الله إِلَّا فقرا وَمن تزَوجهَا لحسبها لم يزده الله إلاَّ دناءة وَمن تزوج امْرَأَة لم يرد بهَا إِلَّا أَن يغض بَصَره ويحصن فرجه أَو يصل رَحمَه بَارك الله لَهُ فِيهَا وَبَارك لَهَا فِيهِ
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عودوا الْمَرِيض وَاتبعُوا الْجِنَازَة وَلَا عَلَيْكُم أَن تَأْتُوا الْعرس وَلَا عَلَيْكُم أَن لَا تنْكِحُوا الْمَرْأَة من أجل حسنها فعل أَن لَا يَأْتِي بِخَير وَلَا عَلَيْكُم أَن لَا تنْكِحُوا الْمَرْأَة لِكَثْرَة مَالهَا فعل مَالهَا أَن لَا يَأْتِي بِخَير وَلَكِن ذَوَات الدّين وَالْأَمَانَة
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا} أخرج ابْن جرير عَن أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: النِّكَاح بوليّ فِي كتاب الله ثمَّ قَرَأَ {وَلَا تنْكِحُوا الْمُشْركين حَتَّى يُؤمنُوا}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي مُوسَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا نِكَاح إِلَّا بوليّ(1/616)
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس قَالَا: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بوليّ وَفِي حَدِيث عَائِشَة: وَالسُّلْطَان ولي من لَا ولي لَهُ
وَأخرج الشَّافِعِي وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَيّمَا امْرَأَة نكحت بِغَيْر إِذن وَليهَا فنكاحها بَاطِل ثَلَاثًا فَإِن أَصَابَهَا فلهَا الْمهْر بِمَا اسْتحلَّ من فرجهَا وَإِن استجرأوا فالسلطان ولي من لَا ولي لَهُ
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزوّج الْمَرْأَة الْمَرْأَة وَلَا تزوّج الْمَرْأَة نَفسهَا فَإِن الزَّانِيَة هِيَ الَّتِي تزوّج نَفسهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نِكَاح إِلَّا بوليّ وشاهدي عدل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يجوز نِكَاح إِلَّا بوليّ وشاهدي عدل
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: لَا تنْكح الْمَرْأَة إِلَّا بِإِذن وَليهَا أَو ذِي الرَّأْي من أَهلهَا أَو السُّلْطَان
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا نِكَاح إِلَّا بوليّ مرشد وشاهدي عدل
وَأما قَوْله تَعَالَى: {ولعَبْد مُؤمن خير من مُشْرك وَلَو أعجبكم} أخرج البُخَارِيّ وَابْن ماجة عَن سهل بن سعد قَالَ مر رجل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا قَالُوا: حري إِن خطب أَن ينْكح وَإِن شفع أَن يشفع وَإِن قَالَ أَن يستمع
قَالَ: ثمَّ سكت فَمر رجل من فُقَرَاء الْمُسلمين فَقَالَ: مَا تَقولُونَ فِي هَذَا قَالُوا: حري إِن خطب أَن لَا ينْكح وَإِن شفع أَن لَا يشفع وَإِن قَالَ لَا يسمع
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا خير من ملْء الأَرْض مثل هَذَا
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خطب إِلَيْكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فَزَوجُوهُ إِن لَا تَفعلُوا تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد عريض
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي حَاتِم الْمُزنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَاءَكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فانكحوه إِن لَا تَفعلُوا تكن فتْنَة فِي الأَرْض(1/617)
وَفَسَاد عريض
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَإِن كَانَ فِيهِ قَالَ: إِذا جَاءَكُم من ترْضونَ دينه وخلقه فانكحوه ثَلَاث مَرَّات
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعْطى لله وَمنع لله وَأحب لله وَأبْغض لله فقد اسْتكْمل إيمَانه(1/618)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
قَوْله تَعَالَى: ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن فَإِذا تطهرن فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين
أخرج أَحْمد وَعبد بن حميد والدارمي وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس أَن الْيَهُود كَانُوا إِذا حَاضَت الْمَرْأَة مِنْهُم أخرجوها من الْبَيْت وَلم يؤاكلوها وَلم يشاربوها وَلم يجامعوها فِي الْبيُوت
فَسَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: جامعوهن فِي الْبيُوت واصنعوا كل شَيْء إِلَّا النِّكَاح
فَبلغ ذَلِك الْيَهُود فَقَالُوا: مَا يُرِيد هَذَا الرجل أَن يدع من أمرنَا شَيْئا إِلَّا خَالَفنَا فِيهِ فجَاء أسيد بن حضير وَعباد بن بشر فَقَالَا: يَا رَسُول الله إِن الْيَهُود قَالَت كَذَا وَكَذَا أَفلا نجامعهن فَتغير وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى ظننا أَن قد وجد عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّة من لبن إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل فِي أثرهما فَسَقَاهُمَا فعرفا أَنه لم يجد عَلَيْهِمَا
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ عَن جَابر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قَوْله تَعَالَى {ويسألونك عَن الْمَحِيض} قَالَ أَن الْيَهُود قَالُوا: من أَتَى الْمَرْأَة من دبرهَا كَانَ وَلَده أَحول وَكَانَ نسَاء الْأَنْصَار لَا يدعن أَزوَاجهنَّ يأتونهن من أدبارهن فجاؤوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ عَن إتْيَان الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن فَإِذا تطهرن}(1/618)
بالاغتسال {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله}
(نِسَاؤُكُمْ حرث لكم) إِنَّمَا الْحَرْث مَوضِع الْوَلَد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَن الْقُرْآن نزل فِي شَأْن الْحَائِض والمسلمون يخرجونهن من بُيُوتهنَّ كَفعل الْعَجم فاستفتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض} فَظن الْمُؤْمِنُونَ أَن الاعتزال كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ بخروجهن من بُيُوتهنَّ حَتَّى قَرَأَ آخر الْآيَة ففهم الْمُؤْمِنُونَ مَا الإعتزال إِذْ قَالَ الله {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن}
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {ويسألونك عَن الْمَحِيض} قَالَ: الَّذِي سَأَلَ عَن ذَلِك ثَابت بن الدحداح
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله {ويسألونك عَن الْمَحِيض} قَالَ: أنزل فِي ثَابت بن الدحداح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا تساكنهم حَائِض فِي بَيت وَلم يؤاكلوهم فِي إِنَاء فَأنْزل الله الْآيَة فِي ذَلِك فَحرم فرجهَا مَا دَامَت حَائِضًا وَأحل مَا سوى ذَلِك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَهَا وَقد حَاضَت: إِن هَذَا أَمر كتبه الله على بَنَات آدم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَسَعِيد بن مَنْصُور ومسدد فِي مُسْنده عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ نسَاء بني إِسْرَائِيل يصلين مَعَ الرِّجَال فِي الصَّفّ فاتخذن قوالب يَتَطَاوَلْنَ بهَا لتنظر إِحْدَاهَا إِلَى صديقها فَألْقى الله عَلَيْهِنَّ الْحيض ومنعهن الْمَسَاجِد وَفِي لفظ: فَألْقى عَلَيْهِنَّ الْحيض فأخرن قَالَ ابْن مَسْعُود: فأخروهن من حَيْثُ أخرهن الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ نسَاء بني إِسْرَائِيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشوفن للرِّجَال فِي الْمَسَاجِد فَحرم الله عَلَيْهِنَّ الْمَسَاجِد وسلطت عَلَيْهِنَّ الْحَيْضَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن يزِيد بن بابنوس قَالَ: قلت لعَائِشَة: مَا تَقُولِينَ فِي العراك قَالَت الْحيض تعنون قُلْنَا: نعم
قَالَت: سموهُ كَمَا سَمَّاهُ الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والداقطني عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أقل الْحيض ثَلَاث وَأَكْثَره عشر(1/619)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحَائِض تنْتَظر مَا بَينهَا وَبَين عشر فَإِن رَأَتْ الطُّهْر فَهِيَ طَاهِرَة وَإِن جَاوَزت الْعشْر فَهِيَ مُسْتَحَاضَة
وَأخرج أَبُو يعلى وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ:: لتنتظر الْحَائِض خمْسا سبعا ثمانياً تسعا عشرا فَإِذا مَضَت الْعشْر فَهِيَ مُسْتَحَاضَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: الْحيض ثَلَاث وَأَرْبع وَخمْس وست وَسبع وثمان وتسع وَعشر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْحيض ثَلَاث وَأَرْبع وَخمْس وست وَسبع وثمان وتسع وَعشر فَإِن زَاد فَهِيَ إستحاضة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: أدنى الْحيض ثَلَاث وأقصاه عشر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أقل الْحيض ثَلَاث وَأَكْثَره عشرَة أَيَّام
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: لَا يكون الْحيض أَكثر من عشرَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: أدنى وَقت الْحَائِض يَوْم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَطاء قَالَ: أَكثر الْحيض خَمْسَة عشر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن شريك وحسين بن صَالح قَالَ: أَكثر الْحيض خَمْسَة عشر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن شريك قَالَ: عندنَا امْرَأَة تحيض خَمْسَة عشر من الشَّهْر حيضا مُسْتَقِيمًا صَحِيحا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْأَوْزَاعِيّ قَالَ: عندنَا امْرَأَة تحيض غدْوَة وتطهر عَشِيَّة
وَأما قَوْله تَعَالَى: {قل هُوَ أَذَى فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض}
أخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قل هُوَ أَذَى} قَالَ: الْأَذَى الدَّم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {قل هُوَ أَذَى} قَالَ: هُوَ قذر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي إِسْحَق الطَّالقَانِي عَن مُحَمَّد بن حمير عَن فلَان بن السّري أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اتَّقوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض فَإِن الجذام يكون من أَوْلَاد الْحيض(1/620)
وَأخرج أَبُو الْعَبَّاس السراج فِي مُسْنده عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَتَى امْرَأَته وَهِي حَائِض فَجَاءَهُ ولد أَجْذم فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فاعتزلوا النِّسَاء} يَقُول: اعتزلوا نِكَاح فروجهن
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن بعض أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا أَرَادَ من الْحَائِض شَيْئا ألْقى على فرجهَا ثوبا ثمَّ صنع مَا أَرَادَ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَنَّهَا سُئِلت مَا للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض فَقَالَت: كل شَيْء إِلَّا فرجهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عَائِشَة قَالَت كَانَت إحدانا إِذا كَانَت حَائِضًا فَأَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُبَاشِرهَا أمرهَا أَن تتزر فِي فَور حَيْضَتهَا ثمَّ يُبَاشِرهَا
قَالَت: وَأَيكُمْ يملك أربه كَمَا كَانَ رَسُول الله يملك أربه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مَيْمُونَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أَرَادَ أَن يُبَاشر امْرَأَة من نِسَائِهِ أمرهَا فاتزرت وَهِي حَائِض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن مَيْمُونَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُبَاشر الْمَرْأَة من نِسَائِهِ وَهِي حَائِض إِذا كَانَ عَلَيْهَا إِزَار إِلَى أَنْصَاف الفخذين أَو الرُّكْبَتَيْنِ محتجزة بِهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت كنت أَنا وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نبيت فِي الشعار الْوَاحِد وَأَنا حَائِض طامث فَإِن أَصَابَهُ مني شَيْء غسل مَكَانَهُ لم يعده وَإِن أصَاب ثَوْبه مني شَيْء غسل مَكَانَهُ لم يعده وَصلى فِيهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن عمَارَة بن غراب أَن عمَّة لَهُ حدثته أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة قَالَت: إحدانا تحيض وَلَيْسَ لَهَا ولزوجها إِلَّا فرَاش وَاحِد قَالَت: أخْبرك مَا صنع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دخل فَمضى إِلَى مَسْجده فَلم ينْصَرف حَتَّى غلبتني عَيْني وأوجعه الْبرد فَقَالَ: أدني مني
فَقلت: إِنِّي حَائِض
فَقَالَ: وَإِن اكشفي عَن فخذيك فَكشفت عَن فَخذي فَوضع خَدّه وصدره على فَخذي وحنيت عَلَيْهِ حَتَّى دفىء ونام
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا حِضْت يَأْمُرنِي أَن أتزر ثمَّ يباشرني(1/621)
وَأخرج مَالك عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجِعَة فِي ثوب وَاحِد وَإِنَّهَا وَثَبت وثبة شَدِيدَة فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَالك لَعَلَّك نفست - يَعْنِي الْحَيْضَة - قَالَت: نعم
فَقَالَ: شدي عَلَيْك إزارك ثمَّ عودي إِلَى مضجعك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أم سَلمَة قَالَت بَينا أَنا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجِعَة فِي خميصة إِذْ حِضْت فانسللت فَأخذت ثِيَاب حيضتي فَقَالَ: أنفست قلت: نعم
فدعاني فاضطجعت مَعَه فِي الخميلة
وَأخرج ابْن ماجة عَن أم سَلمَة قَالَت كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لِحَافه فَوجدت مَا تَجِد النِّسَاء من الْحَيْضَة فانسللت من اللحاف فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أنفست قلت: وجدت مَا تَجِد النِّسَاء من الْحَيْضَة
قَالَ: ذَاك مَا كتب على بَنَات آدم
قَالَت: فانسللت فأصلحت من شأني ثمَّ رجعت فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تعالي فادخلي معي فِي اللحاف
قَالَت: فَدخلت مَعَه
وَأخرج ابْن ماجة عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان أَنه سَأَلَ أم حَبِيبَة: كَيفَ كنت تصنعين مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْحيض قَالَت: كَانَت إحدانا فِي فورها أول مَا تحيض تشد عَلَيْهَا إِزَار إِلَى أَنْصَاف فخذيها ثمَّ تضطجع مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عبد الله بن سعد الْأنْصَارِيّ أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يحل لي من امْرَأَتي وَهِي حَائِض فَقَالَ: لَك مَا فَوق الإِزار
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن عبد الله بن سعد قَالَ سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن مؤاكلة الْحَائِض فَقَالَ: واكلها
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَن معَاذ بن جبل قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: مَا فَوق الْإِزَار وَالتَّعَفُّف عَن ذَلِك أفضل
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَاذَا يحل لي من امْرَأَتي وَهِي حَائِض فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لِتشد عَلَيْهَا إزَارهَا ثمَّ شَأْنك بِأَعْلَاهَا
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع عَن عبد الله بن عمر أرسل إِلَى عَائِشَة يسْأَلهَا هَل يُبَاشر الرجل امْرَأَته وَهِي حَائِض فَقَالَت: لِتشد إزَارهَا على أَسْفَلهَا ثمَّ ليباشرها إِن شَاءَ(1/622)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ مَا يحل للرجل من الْمَرْأَة الْحَائِض قَالَ: مَا فَوق الإِزار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو يعلى عَن عمر قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: مَا فَوق الإِزار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله مَا لي من امْرَأَتي وَهِي حَائِض قَالَ: تشد إزَارهَا ثمَّ شَأْنك بهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ مَا يحل للرجل من امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: مَا فَوق الْإِزَار وَمَا تَحت الأزرار مِنْهَا حرَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أم سَلمَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَّقِي سُورَة الدَّم ثَلَاثًا ثمَّ يُبَاشر بعد ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير عَن مَسْرُوق قَالَ: قلت لعَائِشَة: مَا يحل للرجل من امْرَأَته إِذا كَانَت حَائِضًا قَالَ: كل شَيْء إِلَّا الْجِمَاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن قَالَ: لَا بَأْس أَن يلْعَب على بَطنهَا وَبَين فخذيها
أما قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} قَالَ: من الدَّم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تقربوهن حَتَّى يطهرن} قَالَ: حَتَّى يَنْقَطِع الدَّم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَتَى حَائِضًا أَو امْرَأَة فِي دبرهَا أَو كَاهِنًا فقد كفر بِمَا أنزل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته وَهِي حَائِض قَالَ: يتَصَدَّق بِدِينَار أَو بِنصْف دِينَار
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا أَصَابَهَا فِي الدَّم فدينار وَإِذا أَصَابَهَا فِي انْقِطَاع الدَّم فَنصف دِينَار(1/623)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا كَانَ دَمًا أَحْمَر فدينار وَإِذا كَانَ دَمًا أصفر فَنصف دِينَار
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمره أَن يتَصَدَّق بخمسي دِينَار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أصبت امْرَأَتي وَهِي حَائِض فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْتق نسمَة وَقِيمَة النَّسمَة يَوْمئِذٍ دِينَار
أما قَوْله تَعَالَى: {فَإِذا تطهرن}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِذا تطهرن} قَالَ: بِالْمَاءِ
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَإِذا تطهرن} قَالَ: إِذا اغْتَسَلْنَ وَلَا تحل لزَوجهَا حَتَّى تَغْتَسِل
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن طَاوس وَمُجاهد قَالَا: إِذا طهرت أمرهَا بِالْوضُوءِ وَأصَاب مِنْهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن مُجَاهِد وَعَطَاء قَالَا: إِذا رَأَتْ الطُّهْر فَلَا بَأْس أَن تستطيب بِالْمَاءِ ويأتيها قبل أَن تَغْتَسِل
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِي فَقَالَ: يَا رَسُول الله إنَّا نَكُون بالرمل أَرْبَعَة أشهر فَيكون فِينَا النُّفَسَاء وَالْحَائِض وَالْجنب فَمَا ترى قَالَ: عَلَيْكُم بالصعيد
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة أَن امْرَأَة سَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن غسلهَا من الْمَحِيض فَأمرهَا كَيفَ أَن تَغْتَسِل قَالَ: خذي فرْصَة من مسك فتطهري بهَا
قَالَت: كَيفَ أتطهر بهَا قَالَ: تطهري بهَا
قَالَ: كَيفَ قَالَ: سُبْحَانَ الله تطهري بهَا
فاجتذبها فَقلت: تتبعي أثر الدَّم
أما قَوْله تَعَالَى: {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: يَعْنِي أَن يَأْتِيهَا طَاهِرا غير حَائِض(1/624)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: طواهر غير حيض
وَأخرج الدَّارمِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: من حَيْثُ أَمركُم أَن تعتزلوهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} يَقُول: فِي الْفرج وَلَا تعدوه إِلَى غَيره
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: حَيْثُ نهاكم الله أَن تأتوهن وَهن حيض يَعْنِي من قبل الْفرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي رزين {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: من قبل الطُّهْر وَلَا تأتوهن من قبل الْحيض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن الْحَنَفِيَّة {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: من قبل التَّزْوِيج من قبل الْحَلَال
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن مُجَاهِد {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} قَالَ: من حَيْثُ خرج الدَّم فَإِن لم يأتها من حَيْثُ أَمر فَلَيْسَ من التوّابين وَلَا من المتطهرين
أما قَوْله تَعَالَى: {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين} أخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء فِي قَوْله {إِن الله يحب التوابين} من الذُّنُوب {وَيُحب المتطهرين} قَالَ: بِالْمَاءِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْأَعْمَش فِي قَوْله {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين} قَالَ: التَّوْبَة من الذُّنُوب والتطهر من الشّرك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: من أَتَى امْرَأَته فِي دبرهَا فَلَيْسَ من المتطهرين
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة: أَن رأى رجلا يتَوَضَّأ فَلَمَّا فرغ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين
قَالَ: إِن الطّهُور بِالْمَاءِ حسن وَلَكنهُمْ المتطهرون من الذُّنُوب
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تَوَضَّأ فَأحْسن(1/625)
الْوضُوء ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّد عَبده وَرَسُوله اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت لَهُ ثَمَانِيَة أَبْوَاب الْجنَّة يدْخل من أَيهَا شَاءَ
وَأخرج ابْن أبيب شيبَة عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه كَانَ إِذا فرغ من وضوئِهِ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رب اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ حُذَيْفَة إِذا تطهر قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من التوابين واجعلني من المتطهرين
وَأخرج الْقشيرِي فِي الرسَالَة وَابْن النجار عَن أنس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ وَإِذا أحب الله عَبده لم يضرّهُ ذَنْب ثمَّ تَلا {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين} قيل: يَا رَسُول الله وَمَا عَلامَة التَّوْبَة قَالَ الندامة
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الشّعبِيّ قَالَ: التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ ثمَّ قَرَأَ {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل بني آدم خطاء وَخير الْخَطَّائِينَ التوّابون
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن قَتَادَة قَالَ: أوحى الله إِلَى نَبِي من أَنْبيَاء بني إِسْرَائِيل أَن كَانَ بني آدم خطاء وَخير الْخَطَّائِينَ التوابون
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قيل لَهُ أصب المَاء على رَأْسِي وَأَنا محرم قَالَ: لَا بَأْس {إِن الله يحب التوابين وَيُحب المتطهرين}(1/626)
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
قَوْله تَعَالَى: نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم وَقدمُوا لأنفسكم وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَنكُمْ ملاقوه وَبشر الْمُؤمنِينَ
أخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه قَالَ: كَانَت الْيَهُود تَقول: إِذا أَتَى الرجل امْرَأَته من خلفهَا فِي قبلهَا ثمَّ حملت جَاءَ الْوَلَد(1/626)
أَحول
فَنزلت {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} إِن محنية وَإِن شَاءَ غير محنية غير أَن ذَلِك فِي صمام وَاحِد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور والدارمي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن جَابر
أَن الْيَهُود قَالُوا للْمُسلمين: من أَتَى امْرَأَته وَهِي مُدبرَة جَاءَ الْوَلَد أَحول
فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقبلة ومدبرة إِذا كَانَ ذَلِك فِي الْفرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مرّة الهمذلني أَن بعض الْيَهُود لَقِي بعض الْمُسلمين فَقَالَ لَهُ: تأتون النِّسَاء وراءهن كَأَنَّهُ كره الإِبراك فَذكرُوا ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
فَرخص الله للْمُسلمين أَن يَأْتُوا النِّسَاء فِي الْفروج كَيفَ شاؤوا وأنى شاؤوا من بَين أَيْدِيهنَّ وَمن خلفهن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مرّة قَالَ: كَانَت الْيَهُود يسخرون من الْمُسلمين فِي إتيانهم النِّسَاء فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: كَانَت الْأَنْصَار تَأتي نساءها مضاجعة وَكَانَت قُرَيْش تشرح شرحاً كثيرا فتزوّج رجل من قُرَيْش امْرَأَة من الْأَنْصَار فَأَرَادَ أَن يَأْتِيهَا فَقَالَت: لَا إِلَّا كَمَا يفعل
فَأخْبر بذلك رَسُول الله فَأنْزل {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} أَي قَائِما وَقَاعِدا ومضطجعاً بعد أَن يكون فِي صمام وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق سعيد بن أبي هِلَال أَن عبد الله بن عَليّ حَدثهُ: أَنه بلغه أَن نَاسا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَلَسُوا يَوْمًا وَرجل من الْيَهُود قريب مِنْهُم فَجعل بَعضهم يَقُول: إِنِّي لآتي امْرَأَتي وَهِي مُضْطَجِعَة
وَيَقُول الآخر: إِنِّي لآتيها وَهِي قَائِمَة وَيَقُول الآخر: إِنِّي لآتيها وَهِي باركة
فَقَالَ الْيَهُودِيّ: مَا أَنْتُم إِلَّا أَمْثَال الْبَهَائِم وَلَكنَّا إِنَّمَا نأتيها على هَيْئَة وَاحِدَة
فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة والدارمي عَن الْحسن قَالَ: كَانَت الْيَهُود لَا يألون مَا شدد على الْمُسلمين كَانُوا يَقُولُونَ: يَا أَصْحَاب مُحَمَّد أَنه - وَالله - مَا يحل لكم أَن تَأْتُوا نساءكم إِلَّا من وَجه وَاحِد فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فخلى الله بَين الْمُؤمنِينَ وَبَين حَاجتهم(1/627)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن
أَن الْيَهُود كَانُوا قوما حسداً فَقَالُوا: يَا أَصْحَاب مُحَمَّد أَنه - وَالله - مَا لكم أَن تَأْتُوا النِّسَاء إِلَّا من وَجه وَاحِد فكذبهم الله فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فخلى بَين الرِّجَال وَبَين نِسَائِهِم يتفكه الرجل من امْرَأَته يَأْتِيهَا إِن شَاءَ من قبلهَا وَإِن شَاءَ من قبل دبرهَا غير أَن المسلك وَاحِد
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: قَالَت الْيَهُود للْمُسلمين: إِنَّكُم تأتون نساءكم كَمَا تَأتي الْبَهَائِم بَعْضهَا بَعْضًا يبركوهن فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} وَلَا بَأْس أَن يغشى الرجل الْمَرْأَة كَيفَ شَاءَ إِذا أَتَاهَا فِي الْفرج
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: ذَلِك أَن الْيَهُود عرضوا بِالْمُؤْمِنِينَ فِي نِسَائِهِم وعيروهم فَأنْزل الله فِي ذَلِك وأكذب الْيَهُود وخلى بَين الْمُؤمنِينَ وَبَين حوائجهم فِي نِسَائِهِم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن عُثْمَان قَالَ: كَانَ عبد الله بن عمر يحدثنا: أَن النِّسَاء كن يؤتين فِي أقبالهن وَهِي موليات
فَقَالَت الْيَهُود: من جَاءَ امْرَأَته وَهِي مولية جَاءَ وَلَده أَحول
فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق صَفِيَّة بنت شيبَة عَن أم سَلمَة قَالَت لما قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة أَرَادوا أَن يَأْتُوا النِّسَاء من أدبارهن فِي فروجهن فأنكرن ذَلِك فجئن أم سَلمَة فذكرن ذَلِك لَهَا فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَقَالَ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} صماماً وَاحِدًا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد الدَّارمِيّ وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عبد الرَّحْمَن بن سابط قَالَ سَأَلت حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن فَقلت لَهَا: إِنِّي أُرِيد أَن أَسأَلك عَن شَيْء وَأَنا أستحي أَن أَسأَلك عَنهُ
قَالَت: سل ابْن أخي عَمَّا بدا لَك
قَالَ: أَسأَلك عَن إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن فَقَالَت: حَدَّثتنِي أم سَلمَة قَالَت: كَانَت الْأَنْصَار لَا تجبي وَكَانَت الْمُهَاجِرُونَ تجبي وَكَانَت الْيَهُود تَقول: إِنَّه من جبى امْرَأَته كَانَ الْوَلَد أَحول فَلَمَّا قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة نكحوا فِي نسَاء الأنصاء فجبوهن فَأَبت امْرَأَة أَن تطيع زَوجهَا(1/628)
وَقَالَت: لن تفعل ذَلِك حَتَّى نسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَت أم سَلمَة فَذكرت لَهَا ذَلِك فَقَالَت: اجلسي حَتَّى يَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استحيت الْأَنْصَارِيَّة أَن تسأله فَخرجت فَذكرت ذَلِك أم سَلمَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ادعوها لي
فَدُعِيت فَتلا عَلَيْهَا هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} صماماً وَاحِدًا
قَالَ: والصمام السَّبِيل الْوَاحِد
وَأخرج فِي مُسْند أبي حنيفَة عَن حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ أَن امْرَأَة أتتها فَقَالَت: إِن زَوجي يأتيني مجبأة ومستقبلة فَكَرِهته فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا بَأْس إِذا كَانَ فِي صمام وَاحِد
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ عمر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله هَلَكت
قَالَ: وَمَا أهْلكك قَالَ: حوّلت رحلي اللَّيْلَة
فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا فَأوحى الله إِلَى رَسُوله هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} يَقُول: أقبل وَأدبر وَاتَّقِ الدبر وَالْحيض
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} فِي أنَاس من الْأَنْصَار أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائتها على كل حَال إِذا كَانَ فِي الْفرج
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ والخرائطي عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَتَى نَاس من حمير إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلُوهُ عَن أَشْيَاء فَقَالَ لَهُ رجل: إِنِّي أحب النِّسَاء وَأحب أَن آتِي إمرأتي مجبأة فَكيف ترى فِي ذَلِك فَأنْزل الله فِي سُورَة الْبَقَرَة بَيَان مَا سَأَلُوا عَنهُ وَأنزل فِيمَا سَأَلَ عَنهُ الرجل {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائتها مقبلة ومدبرة إِذا كَانَ ذَلِك فِي الْفرج
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه والدارمي وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن ابْن عمر - وَالله يغْفر لَهُ - أَو هم إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار وهم أهل وثن مَعَ هَذَا الْحَيّ من الْيَهُود وهم أهل كتاب كَانُوا يرَوْنَ لَهُم فضلا عَلَيْهِم فِي الْعلم فَكَانُوا يقتدون بِكَثِير من فعلهم فَكَانَ من أَمر أهل الْكتاب لَا يأْتونَ النِّسَاء إِلَّا على حرف وَذَلِكَ اسْتُرْ مَا(1/629)
تكون الْمَرْأَة فَكَانَ هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار قد أخذُوا بذلك من فعلهم وَكَانَ هَذَا الْحَيّ من قُرَيْش يشرحون النِّسَاء شرحاً ويتلذذون مِنْهُنَّ مقبلات مدبرات ومستلقيات فَلَمَّا قدم الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَة تزوّج رجل مِنْهُم امْرَأَة من الْأَنْصَار فَذهب يصنع بهَا ذَلِك فأنكرته عَلَيْهِ وَقَالَت: إِنَّمَا كُنَّا نؤتى على حرف وَاحِد فَاصْنَعْ ذَلِك وَإِلَّا فاجتنبني فسرى أَمرهمَا فَبلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} يَقُول: مقبلات ومدبرات بعد أَن يكون فِي الْفرج وَإِنَّمَا كَانَت من قبل دبرهَا فِي قبلهَا
زَاد الطَّبَرَانِيّ قَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ ابْن عَمْرو: فِي دبرهَا فأوهم ابْن عمر - وَالله يغْفر لَهُ - وَإِنَّمَا كَانَ الحَدِيث على هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد والدارمي عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا يجتنبون النِّسَاء فِي الْمَحِيض ويأتوهن فِي أدبارهن فسألوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك فَأنْزل الله {ويسألونك عَن الْمَحِيض قل هُوَ أَذَى} إِلَى قَوْله {من حَيْثُ أَمركُم الله} فِي الْفرج وَلَا تعدوه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: بَينا أَنا وَمُجاهد جالسان عِنْد ابْن عَبَّاس إِذْ أَتَاهُ رجل فَقَالَ: أَلا تشفيني من آيَة الْمَحِيض قَالَ: بلَى فاقرأ {ويسألونك عَن الْمَحِيض} إِلَى قَوْله {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} فَقَالَ ابْن عَبَّاس: من حَيْثُ جَاءَ الدَّم من ثمَّ أمرت أَن تَأتي فَقَالَ: كَيفَ بِالْآيَةِ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَقَالَ: أَي وَيحك وَفِي الدبر من حرث
لَو كَانَ مَا تَقول حَقًا لَكَانَ الْمَحِيض مَنْسُوخا إِذا شغل من هَهُنَا جِئْت من هَهُنَا وَلَكِن {أَنى شِئْتُم} من اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: ظهر الْبَطن كَيفَ شِئْت إِلَّا فِي دبر وَالْحيض
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي صَالح {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: إِن شِئْت فَأْتِهَا مستلقية وَإِن شِئْت فمحرفة وَإِن شِئْت فباركة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: يَأْتِيهَا من بَين يَديهَا وَمن خلفهَا مَا لم يكن فِي الدبر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: ائْتُوا النِّسَاء فِي أقبالهن على كل نَحْو(1/630)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عِكْرِمَة قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: كنت آتِي أَهلِي فِي دبرهَا وَسمعت قَول الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَظَنَنْت أَن ذَلِك لي حَلَال
فَقَالَ: يَا لكع إِنَّمَا قَوْله {أَنى شِئْتُم} قَائِمَة وَقَاعِدَة ومقبلة ومدبرة فِي أقبالهن لَا تعد ذَلِك إِلَى غَيره
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَأتوا حَرْثكُمْ} قَالَ: منبت الْوَلَد
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ائْتِ حرثك من حَيْثُ نَبَاته
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: يَأْتِيهَا كَيفَ شَاءَ مَا لم يَأْتِيهَا فِي دبرهَا أَو فِي الْحيض
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} يَعْنِي بالحرث الْفرج
يَقُول: تَأتيه كَيفَ شِئْت مُسْتَقْبلَة ومستدبرة وعَلى أَي ذَلِك أردْت بعد أَن لَا تجَاوز الْفرج إِلَى غَيره وَهُوَ قَوْله {من حَيْثُ أَمركُم الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يكره أَن تُؤْتى الْمَرْأَة فِي دبرهَا وَيَقُول: إِنَّمَا الْحَرْث من الْقبل الَّذِي يكون مِنْهُ النَّسْل وَالْحيض وَيَقُول: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} يَقُول: من أَي وَجه شِئْتُم
وَأخرج الدَّارمِيّ والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن ابْن عَبَّاس {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: يَأْتِيهَا قَائِمَة وَقَاعِدَة وَمن بَين يَديهَا وَمن خلفهَا وَكَيف يَشَاء بعد أَن يكون فِي المأتى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَقَالَ: ائتها من حَيْثُ يكون الْحيض وَالْولد
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: تُؤْتى مقبلة ومدبرة فِي الْفرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن عِكْرِمَة قَالَ: يَأْتِيهَا كَيفَ شَاءَ قَائِما وَقَاعِدا وعَلى كل حَال مَا لم يكن فِي دبرهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد والدارمي وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْقَعْقَاع الحرمي قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ: آتِي امْرَأَتي كَيفَ شِئْت(1/631)
قَالَ: نعم
قَالَ: وَحَيْثُ شِئْت قَالَ: نعم
قَالَ: وأنّى شِئْت قَالَ: نعم
فَفطن لَهُ رجل فَقَالَ: إِنَّه يُرِيد أَن يَأْتِيهَا فِي مقعدتها فَقَالَ: لَا محاش (محاش: أَسْفَل مَوَاطِن الطَّعَام فِي الْبَطن الْمُؤَدِّي إِلَى الْمخْرج) النِّسَاء عَلَيْكُم حرَام
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن بهز بن حَكِيم عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قلت يَا نَبِي الله نساؤنا مَا نأتي مِنْهُنَّ وَمَا نذر قَالَ: حَرْثكُمْ ائْتِ حرثك أَنى شِئْت غير أَن لَا تضرب الْوَجْه وَلَا تقبح وَلَا تهجر إِلَّا فِي الْبَيْت واطعم إِذا طعمت واكس إِذا اكتسيت كَيفَ وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض إِلَّا بِمَا حل عَلَيْهَا
وَأخرج الشَّافِعِي فِي الْأُم وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرف عَن خُزَيْمَة بن ثَابت أَن سَائِلًا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن فَقَالَ: حَلَال
أَو قَالَ: لَا بَأْس
فَلَمَّا ولى دَعَاهُ فَقَالَ: كَيفَ قلت من دبرهَا فِي قبلهَا فَنعم وَأما من دبرهَا فِي دبرهَا فَلَا إِن الله لَا يستحي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج الْحسن بن عَرَفَة فِي جزئه وَابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَحْيوا إِن الله لَا يستحي من الْحق لَا يحل مأتى النِّسَاء فِي حشوشهن
وَأخرج ابْن عدي عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّقوا محاشي النِّسَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا ينظر الله إِلَى رجل أَتَى رجلا أَو امْرَأَة فِي الدبر
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا هِيَ اللوطية الصُّغْرَى
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اسْتَحْيوا من الله حق الْحيَاء لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَلْعُون من أَتَى امْرَأَة فِي دبرهَا
وَأخرج ابْن عدي عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أَتَى شَيْئا من الرِّجَال أَو النِّسَاء فِي الادبار فقد كفر(1/632)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ اتيان الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي أدبارهن كفر
قَالَ الْحَافِظ بن كثير: هَذَا الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج وَكِيع فِي مُصَنفه وَالْبَزَّار عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله لَا يستحي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: اسْتَحْيوا من الله فَإِن الله لَا يستحي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أدبارهن
قَالَ الْحَافِظ بن كثير: هَذَا الْمَوْقُوف أصح
وَأخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أعجازهن
وَأخرج ابْن وهب وَابْن عدي عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَلْعُون من أَتَى النِّسَاء فِي محاشيهن
وَأخرج أَحْمد عَن طلق بن يزِيد أَو يزِيد بن طلق عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله لَا يستحي من الْحق لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أستاههن
وَأخرج ايْنَ أبي شيبَة عَن عَطاء قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تُؤْتى النِّسَاء فِي أعجازهن
وَقَالَ: إِن الله لَا يستحي من الْحق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن طلق سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تَأْتُوا النِّسَاء فِي أستاههن فَإِن الله لَا يستحي من الْحق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا لَا ينظر الله إِلَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن طَاوس قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا فَقَالَ: هَذَا يسألني عَن الْكفْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عِكْرِمَة: أَن عمر بن الْخطاب ضرب رجلا فِي مثل ذَلِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء: أَنه سُئِلَ عَن إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن فَقَالَ: وَهل يفعل ذَلِك إِلَّا كَافِر(1/633)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو فِي الَّذِي يَأْتِي الْمَرْأَة فِي دبرهَا قَالَ: هِيَ اللوطية الصُّغْرَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: سَأَلت ابْن الْمسيب وَأَبا سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن عَن ذَلِك فكرهاه ونهياني عَنهُ
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَته فِي دبرهَا قَالَ: حَدثنِي عقبَة بن وشاح أَن أَبَا الدَّرْدَاء قَالَ: لَا يفعل ذَلِك إِلَّا كَافِر
قَالَ: وحَدثني عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تِلْكَ اللوطية الصُّغْرَى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب وَضَعفه عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: أَشْيَاء تكون فِي آخر هَذِه الْأمة عِنْد اقتراب السَّاعَة فَمِنْهَا نِكَاح الرجل امْرَأَته أَو أمته فِي دبرهَا فَذَلِك مِمَّا حرم الله وَرَسُوله ويمقت الله عَلَيْهِ وَرَسُوله وَمِنْهَا نِكَاح الْمَرْأَة للْمَرْأَة وَذَلِكَ مِمَّا حرم الله وَرَسُوله وَلَيْسَ لهَؤُلَاء صَلَاة مَا أَقَامُوا على هَذَا حَتَّى يتوبوا إِلَى الله تَوْبَة نصُوحًا
قَالَ زر: قلت لأبي بن كَعْب وَمَا التَّوْبَة النصوح قَالَ: سَأَلت عَن ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هُوَ النَّدَم على الذَّنب حِين يفرط مِنْك فستغفر الله بندامتك عِنْد الْحَافِر ثمَّ لَا تعود إِلَيْهِ أبدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: من أَتَى امْرَأَته فِي دبرهَا فَهُوَ من الْمَرْأَة مثله من الرجل ثمَّ تَلا (ويسألونك عَن الْمَحِيض) (الْبَقَرَة الْآيَة 242) إِلَى قَوْله {فأتوهن من حَيْثُ أَمركُم الله} أَن تعتزلوهن فِي الْمَحِيض فِي الْفروج ثمَّ تَلا {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: إِن شِئْت قَائِمَة وَقَاعِدَة ومقبلة ومدبرة فِي الْفرج
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: سُئِلَ طَاوس عَن إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن فَقَالَ: ذَلِك كفر مَا بَدَأَ قوم لوط إِلَّا ذَاك أَتَوا النِّسَاء فِي أدبارهن وأتى الرِّجَال الرِّجَال
وَأخرج أَبُو بكر الأشرم فِي سنَنه وَأَبُو بشر الدولابي فِي الكنى عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم محاشي النِّسَاء عَلَيْكُم حرَام
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والدارمي وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ محاشي النِّسَاء عَلَيْكُم حرَام
قَالَ ابْن كثير: هَذَا الْمَوْقُوف أصح
قَالَ الْحَافِظ: فِي جَمِيع الْأَحَادِيث المرفوعة فِي هَذَا الْبَاب وعدتها نَحْو عشْرين حَدِيثا كلهَا ضَعِيفَة لَا يَصح مِنْهَا(1/634)
شَيْء وَالْمَوْقُوف مِنْهَا هُوَ الصَّحِيح
وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي ذَلِك: مُنكر لَا يَصح من وَجه كَمَا صرح بذلك البُخَارِيّ وَالْبَزَّار وَالنَّسَائِيّ وَغير وَاحِد
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي النَّضر
أَنه قَالَ لنافع مولى ابْن عمر: إِنَّه قد أَكثر عَلَيْك القَوْل إِنَّك تَقول عَن ابْن عمر: إِنَّه أفتى أَن يُؤْتى النِّسَاء فِي أدبارهن قَالَ: كذبُوا عَليّ وَلَكِن سأحدثك كَيفَ كَانَ الْأَمر: إِن ابْن عمر عرض الْمُصحف يَوْمًا وَأَنا عِنْده حَتَّى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَقَالَ: يَا نَافِع هَل تعلم من أَمر هَذِه الْآيَة قلت: لَا
قَالَ: إنَّا كُنَّا معشر قُرَيْش نجبي النِّسَاء فَلَمَّا دَخَلنَا الْمَدِينَة ونكحنا نسَاء الْأَنْصَار أردنَا مِنْهُنَّ مَا كُنَّا نُرِيد فَإِذا هن قد كرهن ذَلِك وأعظمنه وَكَانَت نسَاء الْأَنْصَار قد أخذت بِحَال الْيَهُود إِنَّمَا يؤتين على جنوبهن فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن سعيد بن يسَار أبي الْحباب قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: مَا تَقول فِي الْجَوَارِي نحمض لَهُنَّ قَالَ: وَمَا التحميض فَذكر الدبر
فَقَالَ: وَهل يفعل ذَلِك أحد من الْمُسلمين وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يعيب النِّكَاح فِي الدبر عَيْبا شَدِيدا
وَأخرج الواحدي من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْمُهَاجِرين لما قدمُوا الْمَدِينَة ذكرُوا إتْيَان النِّسَاء فِيمَا بَينهم وَبَين الْأَنْصَار وَالْيَهُود من بَين أَيْدِيهنَّ وَمن خلفهن إِذا كَانَ المأتى وَاحِدًا فِي الْفرج فعابت الْيَهُود ذَلِك إِلَّا من بَين أَيْدِيهنَّ خَاصَّة وَقَالُوا: أَنا نجد فِي كتاب الله أَن كل إتْيَان النِّسَاء غير مستلقيات دنس عِنْد الله وَمِنْه يكون الْحول والخبل فَذكر الْمُسلمُونَ ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّة وَبَعْدَمَا أسلمنَا نأتي النِّسَاء كَيفَ شِئْنَا وَإِن الْيَهُود عابت علينا فأكذب الله الْيَهُود وَنزلت {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} يَقُول: الْفرج مزرعة الْوَلَد فَأتوا حَرْثكُمْ أَتَى شِئْتُم من بَين يَديهَا وَمن خلفهَا فِي الْفرج
ذكر القَوْل الثَّانِي فِي الْآيَة أخرج اسحق ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَتَفْسِيره وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير عَن نَافِع قَالَ قَرَأت ذَات يَوْم {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: ابْن عمر(1/635)
أَتَدْرِي فيمَ أنزلت هَذِه الْآيَة قلت: لَا
قَالَ: نزلت فِي إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن جرير عَن ابْن عمر {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: فِي الدبر
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق النَّضر بن عبد الله الْأَزْدِيّ عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر فِي قَوْله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: إِن شَاءَ فِي قبلهَا وَإِن شَاءَ فِي دبرهَا
وَأخرج الْحسن بن سُفْيَان فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج بِسَنَد حسن عَن ابْن عمر قَالَ: إِنَّمَا نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
رخصَة فِي إتْيَان الدبر
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَابْن مرْدَوَيْه وَابْن النجار بِسَنَد حسن عَن ابْن عمر أَن رجلا أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْكر ذَلِك النَّاس وَقَالُوا: اثفروها
فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك من طَرِيق أَحْمد بن الحكم الْعَبْدي عَن مَالك عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ جَاءَت امْرَأَة من الْأَنْصَار إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَشْكُو زَوجهَا فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن جرير من طَرِيق زيد بن أسلم عَن ابْن عمر
أَن رجلا أَتَى امْرَأَته فِي دبرهَا فَوجدَ فِي نَفسه من ذَلِك وجدا شَدِيدا فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ فِي غرائب مَالك من طَرِيق أبي بشر الدولابي نبأنا أَبُو الْحَرْث أَحْمد بن سعيد نبأنا أَبُو ثَابت مُحَمَّد بن عبيد الله الْمدنِي حَدثنِي عبد الْعَزِيز مُحَمَّد الدَّرَاورْدِي عَن عبد الله بن عمر بن حَفْص وَابْن أبي ذِئْب وَمَالك بن أنس فرقهم كلهم عَن نَافِع قَالَ: قَالَ لي ابْن عمر: امسك على الْمُصحف يَا نَافِع فَقَرَأَ حَتَّى أَتَى على {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ لي: أَتَدْرِي يَا نَافِع فيمَ نزلت هَذِه الْآيَة قلت: لَا
قَالَ: نزلت فِي رجل من الأنصلر أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا فاعظم النَّاس ذَلِك فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} الْآيَة
قلت لَهُ: من دبرهَا فِي قبلهَا قَالَ: لَا إِلَّا فِي دبرهَا
وَقَالَ الرفا فِي فَوَائده تَخْرِيج الدَّارَقُطْنِيّ نبأنا أَبُو أَحْمد بن(1/636)
عَبدُوس نبأنا عَليّ بن الْجَعْد نبأنا ابْن أبي ذِئْب عَن نلفع عَن ابْن عمر قَالَ: وَقع رجل على امْرَأَته فِي دبرهَا فَأنْزل الله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: فَقلت لِابْنِ أبي ذِئْب مَا تَقول أَنْت فِي هَذَا قَالَ: مَا أَقُول فِيهِ بعد هَذَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأحمد بن أُسَامَة التجِيبِي فِي فَوَائده عَن نَافِع قَالَ: قَرَأَ ابْن عمر هَذِه السُّور فَمر بِهَذِهِ الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
فَقَالَ: تَدْرِي فيمَ أنزلت هَذِه الْآيَة قَالَ: لَا
قَالَ: فِي رجال كَانُوا يأْتونَ النِّسَاء فِي أدبارهن
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ ودعلج كِلَاهُمَا فِي غرائب مَالك من طَرِيق أبي مُصعب واسحق بن مُحَمَّد الْقَرَوِي كِلَاهُمَا عَن نَافِع عَن ابْن عمر أَنه قَالَ: يَا نَافِع أمسك على الْمُصحف فَقَرَأَ حَتَّى بلغ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة
فَقَالَ: يَا نَافِع أَتَدْرِي فيمَ أنزلت هَذِه الْآيَة قلت: لَا
قَالَ: نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا فَوجدَ فِي نَفسه من ذَلِك فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأنْزل الله الْآيَة قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا ثَابت عَن مَالك وَقَالَ ابْن عبد الْبر: الرِّوَايَة عَن ابْن عمر بِهَذَا الْمَعْنى صَحِيحَة مَعْرُوفَة عَنهُ مَشْهُورَة
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه وَأَبُو يعلى وَابْن جرير والطَّحَاوِي فِي مُشكل الْآثَار وَابْن مرْدَوَيْه بِسَنَد حسن عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا أصَاب امْرَأَته فِي دبرهَا فَأنْكر النَّاس عَلَيْهِ ذَلِك فأنزلت {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم}
وَأخرج النَّسَائِيّ والطَّحَاوِي وَابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن مَالك بن أنس
أَنه قيل لَهُ: يَا أَبَا عبد الله إِن النَّاس يروون عَن سَالم بن عبد الله أَنه قَالَ: كذب العَبْد أَو العلج على أبي
فَقَالَ مَالك: أشهد على يزِيد بن رُومَان أَنه أَخْبرنِي عَن سَالم بن عبد الله عَن ابْن عمر مثل مَا قَالَ لنافع
فَقيل لَهُ: فَإِن الْحَارِث بن يَعْقُوب يروي عَن أبي الْحباب سعيد بن يسَار أَنه سَأَلَ ابْن عمر فَقَالَ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن إِنَّا نشتري الْجَوَارِي أفنحمض لَهُنَّ قَالَ: وَمَا التحميض فَذكر لَهُ الدبر
فَقَالَ ابْن عمر: أُفٍّ أُفٍّ أيفعل ذَلِك مُؤمن
أَو قَالَ: مُسلم
فَقَالَ مَالك: أشهد على ربيعَة أَخْبرنِي عَن أبي الْحباب عَن ابْن عمر مثل مَا قَالَ نَافِع
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هَذَا مَحْفُوظ عَن مَالك صَحِيح(1/637)
وَأخرج النَّسَائِيّ من طَرِيق يزِيد بن رُومَان عَن عبيد الله بن عبد الله بن عمر
أَن عبد الله بن عمر كَانَ لَا يرى بَأْسا أَن يَأْتِي الرجل الْمَرْأَة فِي دبرهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن عَليّ قَالَ: كنت عِنْد مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فَجَاءَهُ رجل فَقَالَ: مَا تَقول فِي إتْيَان الْمَرْأَة فِي دبرهَا فَقَالَ: هَذَا شيخ من قُرَيْش فسله يَعْنِي عبد الله بن عَليّ بن السَّائِب
فَقَالَ: قذر وَلَو كَانَ حَلَالا
وَأخرج ابْن جرير عَن الدَّرَاورْدِي قَالَ: قيل لزيد بن أسلم: إِن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر نهى عَن إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن
فَقَالَ زيد: أشهد على مُحَمَّد لأخبرني أَنه يَفْعَله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن أبي مليكَة
أَن سَأَلَ عَن إتْيَان الْمَرْأَة فِي دبرهَا فَقَالَ: قد أردته من جَارِيَة البارحة فاعتاصت عَليّ فاستعنت بدهن
وَأخرج الْخَطِيب فِي رُوَاة مَالك عَن أبي سُلَيْمَان الْجِرْجَانِيّ قَالَ: سَأَلت مَالك بن أنس عَن وَطْء الحلائل فِي الدبر فَقَالَ لي: السَّاعَة غسلت رَأْسِي مِنْهُ
وَأخرج ابْن جرير فِي كتاب النِّكَاح من طَرِيق ابْن وهب عَن مَالك: أَنه مُبَاح
وَأخرج الطَّحَاوِيّ من طَرِيق أصبغ بن الْفرج عَن عبد الله بن الْقَاسِم قَالَ: مَا أدْركْت أحدا اقْتدى بِهِ فِي ديني يشك فِي أَنه حَلَال يَعْنِي وَطْء الْمَرْأَة فِي دبرهَا ثمَّ قَرَأَ {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} ثمَّ قَالَ: فَأَي شَيْء أبين من هَذَا
وَأخرج الطَّحَاوِيّ وَالْحَاكِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي والخطيب عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم أَن الشَّافِعِي سَأَلَ عَنهُ فَقَالَ: مَا صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَحْلِيله وَلَا تَحْرِيمه شَيْء وَالْقِيَاس أَنه حَلَال
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عبد الحكم
أَن الشَّافِعِي نَاظر مُحَمَّد بن الْحسن فِي ذَلِك فاحتج عَلَيْهِ ابْن الْحسن بِأَن الْحَرْث إِنَّمَا يكون فِي الْفرج فَقَالَ لَهُ فَيكون مَا سوى الْفرج محرما فَالْتَزمهُ فَقَالَ: أَرَأَيْت لَو وَطئهَا بَين سَاقيهَا أَو فِي أعكانها أَفِي ذَلِك حرث قَالَ: لَا
قَالَ: أفيحرم قَالَ: لَا
قَالَ: فَكيف تحتج بِمَا لَا تَقول بِهِ قَالَ الْحَاكِم: لَعَلَّ الشَّافِعِي كَانَ يَقُول ذَلِك فِي الْقَدِيم وَأما فِي الْجَدِيد فَصرحَ بِالتَّحْرِيمِ
ذكر القَوْل الثَّالِث فِي الْآيَة أخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَابْن منيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر(1/638)
وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن زَائِدَة بن عُمَيْر قَالَ: سَأَلت ابْن عَبَّاس عَن الْعَزْل فَقَالَ: إِنَّكُم قد أَكثرْتُم فَإِن كَانَ قَالَ فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِن لم يكن قَالَ فِيهِ شَيْئا قَالَ: أَنا أَقُول {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} فَإِن شِئْتُم فاعزلوا وَإِن شِئْتُم فَلَا تَفعلُوا
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة عَن أبي ذِرَاع قَالَ: سَأَلت ابْن عمر عَن قَول الله {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: إِن شَاءَ عزل وَإِن شَاءَ غير الْعَزْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير هن سعيد بن الْمسيب فِي قَوْله {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: إِن شِئْت فأعزل وَإِن شِئْت فَلَا تعزل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر: كُنَّا نعزل وَالْقُرْآن ينزل فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم ينهنا عَنهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن لي جَارِيَة وَأَنا أَطُوف عَلَيْهَا وَأَنا أكره أَن تحمل فَقَالَ: اعزل عَنْهَا إِن شِئْت فَإِنَّهَا سيأتيها مَا قدر لَهَا فَذهب الرجل فَلم يلبث يَسِيرا ثمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُول الله الْجَارِيَة قد حملت
فَقَالَ: قد أَخْبَرتك أَنه سيأتيها مَا قدر لَهَا
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل فَقَالَ: أَو تَفْعَلُونَ
لَا عَلَيْكُم أَن لَا تَفعلُوا فَإِنَّمَا هُوَ الْقدر مَا نسمَة كائنة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا وَهِي كائنة
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل فَقَالَ: مَا من كل المَاء يكون الْوَلَد وَإِذا أَرَادَ الله خلق شَيْء لم يمنعهُ شَيْء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ عَن جَابر قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله: إِنَّا كُنَّا نعزل فَزَعَمت الْيَهُود أَنَّهَا الموءودة الصُّغْرَى
فَقَالَ: كذبت الْيَهُود إِن الله إِذا أَرَادَ أَن يخلقه لم يمنعهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي جَارِيَة وَأَنا أعزل عَنْهَا وَأَنا أكره أَن تحمل(1/639)
وَأَنا أُرِيد مَا أَرَادَ الرِّجَال وَإِن الْيَهُود تحدث أَن الْعَزْل هُوَ الموءودة الصُّغْرَى
قَالَ: كذبت يهود لَو أَرَادَ الله أَن يخلقه مَا اسْتَطَعْت أَن تصرفه
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْعَزْل قَالَ إِن الْيَهُود تزْعم أَن الْعَزْل هِيَ الموءودة الصُّغْرَى
قَالَ: كذبت يهود
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت أَنه سُئِلَ عَن الْعَزْل فَقَالَ: هُوَ حرثك ان شِئْت سقيته وَإِن شِئْت أعطشته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَن سُئِلَ عَن الْعَزْل فَقَالَ: مَا كَانَ ابْن آدم ليقْتل نفسا قضى الله خلقهَا هُوَ حرثك ان شِئْت عطشته وان شِئْت سقيته
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يعْزل عَن الْحرَّة إِلَّا بِإِذْنِهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: تعزل عَن الْأمة وتستأمر الْحرَّة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: تستأمر الْحرَّة فِي الْعَزْل وَلَا تستأمر الْأمة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكره عشر خلال
التَّخَتُّم بِالذَّهَب وجر الإِزار والصفرة يَعْنِي الخلوق وتغيير الشيب والرقى إِلَّا بالمعوّذات وَعقد التمائم وَالضَّرْب بالكعاب والتبرج بالزينة لغير محلهَا وعزل المَاء عَن مَحَله وإفساد الصَّبِي عشر مُحرمَة
ذكر القَوْل الرَّابِع فِي الْآيَة أخرج عبد بن حميد عَن ابْن الْحَنَفِيَّة فِي قَوْله {فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} قَالَ: إِذا شِئْتُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَقدمُوا لأنفسكم} قَالَ: الْوَلَد
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَقدمُوا لأنفسكم} قَالَ: التَّسْمِيَة عِنْد الْجِمَاع يَقُول: بِسم الله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو(1/640)
أَن أحدكُم إِذا أَتَى أَهله قَالَ: بِسم الله اللَّهُمَّ جنبنا الشَّيْطَان وجنب الشَّيْطَان مَا رزقتنا فَقضى بَينهمَا ولد لم يضرّهُ الشَّيْطَان أبدا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق والعقيلي فِي الضُّعَفَاء عَن سلمَان قَالَ أمرنَا خليلي أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لَا نتَّخذ من الْمَتَاع إِلَّا أثاثاً كأثاث الْمُسَافِر وَلَا نتَّخذ من السباء إِلَّا مَا ينْكح أَو ينْكح وأمرنا إِذا دخل أَحَدنَا على أَهله أَن يُصَلِّي وَيَأْمُر أَهله أَن تصلي خَلفه وَيَدْعُو يأمرها تؤمن
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن أبي وَائِل قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عبد الله بن مَسْعُود فَقَالَ لَهُ: إِنِّي تزوجت جَارِيَة بكرا وَإِن قد خشيت أَن تعركني
فَقَالَ عبد الله: إِن الْألف من الله وَإِن العرك من الشَّيْطَان ليكره إِلَيْهِ مَا أحل الله لَهُ فَإِذا أدخلت عَلَيْك فَمُرْهَا أَن تصلي خَلفك رَكْعَتَيْنِ وَقل: اللَّهُمَّ بَارك فِي أَهلِي وَبَارك لَهُم فيّ وارزقني مِنْهُم وارزقهم مني واللهم اجْمَعْ بَيْننَا مَا جمعت وَفرق بَيْننَا مَا فرقت إِلَى خير
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن أبي سعيد مولى بني أَسد قَالَ: تزوجت امْرَأَة فدعوت أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيهم أَبُو ذَر وَابْن مَسْعُود فعلموني وَقَالُوا: إِذا دخل عَلَيْك أهلك فصل رَكْعَتَيْنِ ومرها فلتصل خَلفك وَخذ بناصيتها وسل الله خَيرهَا وتعوذ بِهِ من شَرها ثمَّ شَأْنك وشأن أهلك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن قَالَ: يُقَال إِذا آتى الرجل أَهله فَلْيقل: بِسم الله اللَّهُمَّ بَارك لنا فِيمَا رزقتنا وَلَا تجْعَل للشياطين نَصِيبا فِيمَا رزقتنا
قَالَ: فَكَانَ يُرْجَى إِن حملت أَن يكون ولدا صَالحا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي وَائِل قَالَ: اثْنَتَانِ لَا يذكر الله العَبْد فيهمَا
إِذا أَتَى الرجل أَهله يبْدَأ فيسمي الله وَإِذا كَانَ فِي الْخَلَاء
وَأخرج ابْن أبي شيبَة والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق عَن عَلْقَمَة
أَن ابْن مَسْعُود كَانَ إِذا غشي امْرَأَته فَأنْزل قَالَ: اللَّهُمَّ لَا تجْعَل للشَّيْطَان فِيمَا رزقتنا نَصِيبا
وَأخرج الخرائطي عَن عَطاء فِي قَوْله {وَقدمُوا لأنفسكم} قَالَ: التَّسْمِيَة عِنْد الْجِمَاع(1/641)
وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
//
قَوْله تَعَالَى: وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس وَالله سميع عليم(1/641)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي مُسْنده عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} يَقُول: لَا تجعلني فِي عرضة ليمينك أَن لَا تضع الْخَيْر وَلَكِن كفر عَن يَمِينك واصنع الْخَيْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ أَن يحلف الرجل أَن لَا يكلم قرَابَته أَو لَا يتَصَدَّق أَو يكون بَين رجلَيْنِ مغاضبة فَيحلف لَا يصلح بَينهمَا وَيَقُول قد حَلَفت
قَالَ: يكفر عَن يَمِينه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل يحلف على الشَّيْء من الْبر وَالتَّقوى لَا يَفْعَله فَنهى الله عَن ذَلِك
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الرجل يحلف لَا يصل رَحمَه وَلَا يصلح بَين النَّاس فَأنْزل الله {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عَائِشَة فَقَالَ: إِنِّي نذرت إِن كلمت فلَانا فَإِن كل مَمْلُوك لي عَتيق وكل مَال لي ستر للبيت
فَقَالَت: لَا تجْعَل مملوكيك عُتَقَاء وَلَا تجْعَل مَالك سترا للبيت فَإِن الله يَقُول {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم أَن تبروا وتتقوا} الْآيَة
فَكفر عَن يَمِينك
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة فِي الْآيَة قَالَت: لَا تحلفُوا بِاللَّه وَإِن نذرتم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَاوس فِي قَوْله {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على الْأَمر الَّذِي لَا يصلح ثمَّ يعتل بِيَمِينِهِ يَقُول الله {أَن تبروا وتتقوا} هُوَ خير من أَن تمْضِي على مَا لَا يصلح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانَ الرجل يُرِيد الصُّلْح بَين اثْنَيْنِ فيغضبه أَحدهمَا أَو يتهمه فَيحلف أَن لَا يتَكَلَّم بَينهمَا فِي الصُّلْح فَنزلت الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: حدثت أَن قَوْله {وَلَا تجْعَلُوا الله عرضة لأيمانكم} الْآيَة نزلت فِي أبي بكر فِي شَأْن مسطح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَالله سميع} يَعْنِي الْيَمين الَّتِي حلفوا عَلَيْهَا {عليم} يَعْنِي عَالم بهَا كَانَ هَذَا قبل أَن تنزل كَفَّارَة الْيَمين
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن يلج أحدكُم فِي يَمِينه فِي أَهله أتم لَهُ عِنْد الله من أَن يُعْطي كَفَّارَته الَّتِي افْترض عَلَيْهِ(1/642)
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا نذر وَلَا يَمِين فِيمَا لَا يملك ابْن آدم وَلَا فِي مَعْصِيّة الله وَلَا فِي قطيعة الرَّحِم وَمن حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليدعها وليأت الَّذِي هُوَ خير فَإِن تَركهَا كفارتها
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على يَمِين قطيعة رحم أَو مَعْصِيّة فبره أَن يَحْنَث فِيهَا وَيرجع عَن يَمِينه
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليكفر عَن يَمِينه وليفعل الَّذِي هُوَ خير
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي - وَالله إِن شَاءَ الله - لَا أَحْلف على يَمِين فَأرى غَيرهَا خيرا مِنْهَا إِلَّا أتيت الَّذِي هُوَ خير وتحللتها
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حلف على يَمِين فَرَأى غَيرهَا خيرا مِنْهَا فليأت الَّذِي هُوَ خير فليكفر عَن يَمِينه
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تسْأَل الامارة فَإنَّك إِن اعطيتها عَن غير مَسْأَلَة أعنت عَلَيْهَا وَإِن أعطيتهَا عَن مَسْأَلَة وكلت إِلَيْهَا وَإِذا حَلَفت على يَمِين فَرَأَيْت غَيرهَا خيرا مِنْهَا فأت الَّذِي هُوَ خير وَكفر عَن يَمِينك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سعيد بن الْمسيب
أَن أَخَوَيْنِ من الْأَنْصَار كَانَ بَينهمَا مِيرَاث فَسَأَلَ أَحدهمَا صَاحب الْقِسْمَة فَقَالَ: إِن عدت تَسْأَلنِي الْقِسْمَة لم أُكَلِّمك أبدا وكل مَا لي فِي رتاج الْكَعْبَة
فَقَالَ لَهُ عمر: إنَّ الْكَعْبَة لغنية عَن مَالك كفر عَن يَمِينك وكلم أَخَاك فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا يَمِين وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة الرب وَلَا فِي قَطْعِيَّة الرَّحِم وَفِيمَا لَا تملك
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن مَالك الْجُشَمِي قَالَ قلت: يَا رَسُول الله يأتيني ابْن عمي فاحلف أَن لَا أعْطِيه وَلَا أَصله قَالَ: كفر عَن يَمِينك(1/643)
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
قَوْله تَعَالَى: لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ وَالله غَفُور حَلِيم
أخرج مَالك فِي الْمُوَطَّأ ووكيع وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم وَعبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن عَائِشَة قَالَت: أنزلت هَذِه الْآيَة {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} فِي قَول الرجل: لَا وَالله وبلى وَالله وكلا وَالله زَاد ابْن جرير: يصل بهَا كَلَامه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سُئِلَ عَن اللَّغْو فِي الْيَمين فَقَالَ: قَالَت عَائِشَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: هُوَ كَلَام الرجل فِي يَمِينه كلا وَالله وبلى وَالله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَت: هُوَ الْقَوْم يتدارؤون فِي الْأَمر يَقُول هَذَا: لَا وَالله وَيَقُول هَذَا: كلا وَالله يتدارؤون فِي الْأَمر لَا تعقد عَلَيْهِ قُلُوبهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة قَالَت: إِنَّمَا اللَّغْو فِي المزاحة والهزل وَهُوَ قَول الرجل: لَا وَالله وبلى وَالله فَذَاك لَا كَفَّارَة فِيهِ إِن الْكَفَّارَة فِيمَا عقد عَلَيْهِ قلبه أَن يَفْعَله ثمَّ لَا يَفْعَله
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقوم ينتضلون وَمَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل من أَصْحَابه فَرمى رجل من الْقَوْم فَقَالَ: أصبت وَالله أَخْطَأت وَالله فَقَالَ الَّذِي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حنث الرجل يَا رَسُول الله
فَقَالَ: كلا أَيْمَان الرُّمَاة لَغْو لَا كَفَّارَة فِيهَا وَلَا عُقُوبَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق عَطاء عَن عَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَابْن عَمْرو
أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: اللَّغْو لَا وَالله وبلى وَالله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَغْو الْيَمين لَا وَالله وبلى وَالله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق طَاوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَغْو الْيَمين أَن تحلف وَأَنت غَضْبَان(1/644)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة
أَنَّهَا كَانَت تتأول هَذِه الْآيَة {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} وَتقول: هُوَ الشَّيْء يحلف عَلَيْهِ أحدكُم لَا يُرِيد مِنْهُ إِلَّا الصدْق فَيكون على غير مَا حلف عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لَغْو الْيَمين حلف الإِنسان على الشَّيْء يظنّ أَنه الَّذِي حلف عَلَيْهِ فَإِذا هُوَ غير ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اللَّغْو أَن يحلف الرجل على الشَّيْء يرَاهُ حَقًا وَلَيْسَ بِحَق
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هَذَا فِي الرجل يحلف على أَمر اضرار أَن يَفْعَله أَو لَا يَفْعَله فَيرى الَّذِي خير مِنْهُ فَأمر الله أَن يكفر عَن يَمِينه وَيَأْتِي الَّذِي هُوَ خير
قَالَ: وَمن اللَّغْو أَن يحلف الرجل على أَمر لَا يرى فِيهِ الصدْق وَقد أَخطَأ فِي ظَنّه فَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَلَا إِثْم فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: لَغْو الْيَمين أَن تحرم مَا أحل الله لَك فَذَلِك مَا لَيْسَ عَلَيْك فِيهِ كَفَّارَة {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} قَالَ: مَا تَعَمّدت قُلُوبكُمْ فِيهِ المأثم فَهَذَا عَلَيْك فِيهِ الْكَفَّارَة
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على الْمعْصِيَة يَعْنِي أَن لَا يُصَلِّي وَلَا يصنع الْخَيْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي قَوْله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على الشَّيْء ثمَّ ينسى فَلَا يؤاخذه الله بِهِ وَلَكِن يكفّر
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ من طَرِيق قَتَادَة عَن سُلَيْمَان بن يسَار {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم} قَالَ: الْخَطَأ غير الْمُتَعَمد
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي قلَابَة فِي قَول الرجل: لَا وَالله وبلى وَالله
قَالَ: إِنَّهَا لمن لُغَة الْعَرَب لَيست بِيَمِين
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}(1/645)
قَالَ: هُوَ الرجل يحلف على الشَّيْء يرى أَنه صَادِق وَهُوَ كَاذِب فَذَاك اللَّغْو لَا يُؤَاخِذكُم بِهِ {وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} قَالَ: يحلف على الشَّيْء وَهُوَ يعلم أَنه كَاذِب فَذَاك الَّذِي لَا يُؤَاخذ بِهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ قوم حلفوا على تَحْرِيم الْحَلَال فَقَالُوا: أما إِذْ حلفنا وحرمنا على أَنْفُسنَا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لنا أَن نبر
فَقَالَ اله (أَن تبروا وتتقوا وتصلحوا بَين النَّاس) (الْبَقَرَة الْآيَة 224) وَلم يَجْعَل لَهَا كَفَّارَة فَأنْزل الله (يَا أَيهَا النَّبِي لم تحرم مَا أحل الله لَك
قد فرض الله لكم تَحِلَّة أَيْمَانكُم) (التَّحْرِيم الْآيَتَانِ 1 - 2) فَأمر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام بِالْكَفَّارَةِ لتَحْرِيم مَا حرم على نَفسه الْجَارِيَة الَّتِي كَانَ حرمهَا على نَفسه أمره أَن يكفر يَمِينه ويعاود جَارِيَته ثمَّ أنزل الله {لَا يُؤَاخِذكُم الله بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانكُم}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَالله غَفُور} يَعْنِي إِذا جَاوز الْيَمين الَّتِي حلف عَلَيْهَا {حَلِيم} إِذْ لم يَجْعَل فِيهَا الْكَفَّارَة ثمَّ نزلت الْكَفَّارَة(1/646)
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226)
قَوْله تَعَالَى: للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقرؤوها ((للَّذين يقسمون من نِسَائِهِم)) وَيَقُول: الإِيلاء الْقسم وَالْقسم الإِيلاء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي بن كَعْب
مثله
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن حَمَّاد قَالَ: قَرَأت فِي مصحف أبي (للَّذين يقسمون)
وَأخرج الشتفعي وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الايلاء أَن يحلف بِاللَّه أَن لَا يُجَامِعهَا ابداً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم} قَالَ: هُوَ الرجل يحلف لامْرَأَته بِاللَّه لَا ينْكِحهَا(1/646)
فيتربص أَرْبَعَة أشهر فَإِن هُوَ نَكَحَهَا كفر يَمِينه فَإِن مَضَت أَرْبَعَة أشهر قبل أَن ينْكِحهَا خَيره السُّلْطَان إِمَّا أَن يفِيء فيراجع وَإِمَّا أَن يعزم فيطلق كَمَا قَالَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ والخطيب فِي تالي التَّلْخِيص عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ إِيلَاء أهل الْجَاهِلِيَّة السّنة والسنتين وَأكْثر من ذَلِك فوقت الله أَرْبَعَة أشهر فَإِن كَانَ إيلاؤه أقل من أَرْبَعَة أشهر فَلَيْسَ بإيلاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {للَّذين يؤلون من نِسَائِهِم تربص أَرْبَعَة أشهر} قَالَ: هَذَا فِي الرجل يؤلي من امْرَأَته يَقُول: وَالله لَا يجْتَمع رَأْسِي ورأسك وَلَا أقْربك وَلَا أغشاك
قَالَ: وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يعدونه طَلَاقا فحدَّ لَهُم أَرْبَعَة أشهر فَإِن فَاء فِيهَا كفر عَن يَمِينه وَكَانَت امْرَأَته وَإِن مَضَت الْأَرْبَعَة أشهر وَلم يفىء فِيهَا فَهِيَ طالقة وَهِي أَحَق بِنَفسِهَا وَهُوَ أحد الْخطاب ويخطبها زَوجهَا فِي عدتهَا وَلَا يخطبها غَيره فِي عدتهَا فَإِن تزوّجها فَهِيَ عِنْده على تَطْلِيقَتَيْنِ
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل يَمِين منعت جماعاً فَهِيَ إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ
مثله
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا إِيلَاء إِلَّا بِحلف
وَأخرج عبد بن حميد سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار أَن خَالِد بن سعيد بن الْعَاصِ المَخْزُومِي هجر امْرَأَته سنة وَلم يكن حلف فَقَالَت لَهُ عَائِشَة: أما تقْرَأ آيَة الإِيلاء إِنَّه لَا يَنْبَغِي أَن تهجر أَكثر من أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد بن أبي بكر
أَنه سمع عَائِشَة وَهِي تعظ خَالِد بن الْعَاصِ المَخْزُومِي فِي طول الْهِجْرَة لامْرَأَته تَقول: يَا خَالِد إياك وَطول الْهِجْرَة فَإنَّك قد سَمِعت مَا جعل الله للموتى من الْأَجَل إِنَّمَا جعل الله لَهُ تربص أَرْبَعَة أشهر فَأخذ طول الْهِجْرَة
قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم: وَلم يبلغنَا أَنه مضى فِي طول الْهِجْرَة طَلَاق لأحد وَلَكِن عَائِشَة حذرته ذَلِك فَأَرَادَتْ أَن تعطفه على امْرَأَته وحذرت عَلَيْهِ أَن تشبهه بالإِيلاء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا إِيلَاء إِلَّا بغضب
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الإِيلاء إيلاءان
إِيلَاء(1/647)
الْغَضَب وإيلاء فِي الرِّضَا أما الإِيلاء فِي الْغَضَب فَإِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ وَأما مَا كَانَ فِي الرِّضَا فَلَا يُؤْخَذ بِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطِيَّة بن جُبَير قَالَ: مَاتَت أم صبي بيني وَبَينه قرَابَة فَحلف أبي أَن لَا يطَأ أُمِّي حَتَّى تفطمه فَمضى أَرْبَعَة أشهر فَقَالُوا: قد بَانَتْ مِنْك
فاتى عليا فَقَالَ: إِن كنت إِنَّمَا حَلَفت على تضرة فقد بَانَتْ مِنْك وَإِلَّا فَلَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أم عَطِيَّة قَالَت: ولد لنا غُلَام فَكَانَ أَجْدَر شَيْء وأسمنه
فَقَالَ الْقَوْم لِأَبِيهِ: إِنَّكُم لتحسنون غذَاء هَذَا الْغُلَام
فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت أَن لَا أقرب أمه حَتَّى تفطمه
فَقَالَ الْقَوْم قد - وَالله - ذهبت عَنْك إمرأتك
فارتفعا إِلَى عَليّ فَقَالَ عَليّ: أَنْت أَمن نَفسك أم من غضب غضبته عَلَيْهَا فَحَلَفت قَالَ: لَا بل أُرِيد أَن أصلح إِلَى وَلَدي
قَالَ: فَإِن لَيْسَ فِي الإِصلاح إِيلَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: أَتَى رجل عليا فَقَالَ: إِنِّي حَلَفت أَن لَا آتِي امْرَأَتي سنتَيْن
فَقَالَ: مَا أَرَاك إِلَّا قد آلَيْت
قَالَ: إِنَّمَا حَلَفت من أجل أَنَّهَا ترْضع وَلَدي قَالَ: فَلَا إِذن
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن
إِنَّه سُئِلَ عَن رجل قَالَ لامْرَأَته: وَالله لَا أقْربك حَتَّى تفطمي ولدك
قَالَ: وَالله مَا هَذَا بإيلاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن الرجل يحلف أَن لَا يقرب امْرَأَته وَهِي ترْضع شَفَقَة على وَلَدهَا فَقَالَ إِبْرَاهِيم: مَا أعلم الإيلاءفي الْغَضَب قَالَ الله {فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} فَإِنَّمَا الْفَيْء من الْغَضَب
وَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا أَقُول فِيهَا شَيْئا
وَقَالَ حَمَّاد لَا أَقُول فِيهَا شَيْئا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن يزِيد بن الْأَصَم قَالَ: تزوجت امْرَأَة فَلَقِيت ابْن عَبَّاس فَقلت: تزوجت بهلل بنت يزِيد وَقد بَلغنِي أَن فِي خلقهَا شَيْئا ثمَّ قَالَ: وَالله لقد خرجت وَمَا أكلمها
قَالَ: عَلَيْك بهَا قبل أَن تَنْقَضِي أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن مَنْصُور قَالَ: سَأَلت إِبْرَاهِيم عَن رجل حلف لَا يكلم امْرَأَته فمضت أَرْبَعَة أشهر قبل أَن يُجَامِعهَا قَالَ: إِنَّمَا كَانَ الإِيلاء فِي الْجِمَاع وَأَنا أخْشَى أَن يكون إِيلَاء(1/648)
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا آلى على شهر أَو شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة دون الْحَد برّت يَمِينه لَا يدْخل عَلَيْهِ إِيلَاء
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس قَالَ: كل شَيْء دون الْأَرْبَعَة فَلَيْسَ بإيلاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: لَو آلى مِنْهَا شهرا كَانَ إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن الحكم
أَن رجلا آلى من امْرَأَته شهرا فَتَركهَا حَتَّى مَضَت أَرْبَعَة أشهر قَالَ النَّخعِيّ: هُوَ إِيلَاء وَقد بَانَتْ مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد عَن وبرة
أَن رجلا آلى عشرَة أَيَّام فمضت أَرْبَعَة أشهر فجَاء إِلَى عبد الله فَجعله إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن أبي ليلى قَالَ: إِن آلى مِنْهَا يَوْمًا أَو لَيْلَة فَهُوَ إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي الرجل يَقُول لامْرَأَته: وَالله لَا أطئوك اللَّيْلَة فَتَركهَا من أجل ذَلِك قَالَ: إِن تَركهَا حَتَّى تمْضِي أَرْبَعَة أشهر فَهُوَ إِيلَاء
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْمُنْذر عَن أبيّ بن كَعْب أَنه قَرَأَ ((فَإِن فاؤا فِيهِنَّ فَإِن الله غَفُور رَحِيم))
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الْفَيْء الْجِمَاع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْفَيْء الْجِمَاع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْفَيْء الْجِمَاع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ قَالَ: الْفَيْء الرِّضَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْفَيْء الرِّضَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ مَسْرُوق: الْفَيْء الْجِمَاع
قيل: أَلا سَأَلته عَمَّن رَوَاهُ قَالَ: كَانَ الرجل فِي عَيْني من ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: الْفَيْء الإِشهاد
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: الْفَيْء الْجِمَاع فَإِن كَانَ لَهُ عذر من مرض أَو سجن أَجزَأَهُ أَن يفِيء بِلِسَانِهِ(1/649)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِذا حَال بَينه وَبَينهَا مرض أَو سفر أَو حبس أَو شَيْء يعْذر بِهِ فإشهاده فَيْء
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الشعْثَاء
أَنه سَأَلَ عَلْقَمَة عَن الرجل يولي من امْرَأَته فَيكون بهَا نِفَاس أَو شَيْء فَلَا يَسْتَطِيع أَن يَطَأهَا قَالَ: إِذا فَاء بِقَلْبِه وَلسَانه وَرَضي بذلك فَهُوَ فَيْء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أبي الشعْثَاء قَالَ: يُجزئهُ حَتَّى يتَكَلَّم بِلِسَانِهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن أبي قلَابَة قَالَ: إِذا فَاء فِي نَفسه أَجزَأَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: إِذا آلى الرجل من امْرَأَته ثمَّ وَقع عَلَيْهَا قبل الْأَرْبَعَة أشهر فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَة لِأَن الله تَعَالَى قَالَ {فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} أَي لتِلْك الْيَمين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: كَانُوا يرجون فِي قَول الله {فَإِن فاؤوا فَإِن الله غَفُور رَحِيم} أَن كَفَّارَته فيئه
وَأخرج عبد بن حميد عَن زيد بن ثَابت قَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن فَاء كفر وَإِن لم يفعل فَهِيَ وَاحِدَة وَهِي أَحَق بِنَفسِهَا(1/650)
وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
قَوْله تَعَالَى: وَأَن عزموا الطَّلَاق فَإِن الله سميع عليم
أخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ وَإِن عزموا السراح
وَأخرج ابْن جرير عَن عمر بن الْخطاب أَنه قَالَ فِي الإِيلاء إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر لَا شَيْء عَلَيْهِ حَتَّى توقف فيطلق أَو يمسك
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس أَن عُثْمَان كَانَ يُوقف الْمولي وَفِي لفظ كَانَ لَا يرى إِلَّا إِيلَاء شَيْئا وَإِن مَضَت الْأَرْبَعَة أشهر حَتَّى يُوقف
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَنه كَانَ يَقُول إِذا آلى الرجل من امْرَأَته لم يَقع عَلَيْهَا طَلَاق وَإِن مَضَت أَرْبَعَة أشهر حَتَّى يُوقف فإمَّا أَن يُطلق وَإِمَّا أَن يفِيء(1/650)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ أَيّمَا رجل آلى من امْرَأَته فَإِن إِذا مضى الْأَرْبَعَة أشهر وقف حَتَّى يُطلق أَو يفِيء وَلَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق إِذا مَضَت الْأَرْبَعَة أشهر حَتَّى يُوقف
وَأخرج البُخَارِيّ وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ الإِيلاء الَّذِي سمى الله لَا يحل لأحد بعد الْأَجَل إِلَّا أَن يمسك بِالْمَعْرُوفِ أَو يعزم الطَّلَاق كَمَا أمره الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء فِي رجل آلى من امْرَأَته قَالَ يُوقف عِنْد انْقِضَاء الْأَرْبَعَة أشهر فإمَّا أَن يُطلق وَإِمَّا أَن يفِيء
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت إِذا ذكر لَهَا الرجل يحلف أَن لَا يَأْتِي امْرَأَته فيدعها خَمْسَة أشهر لَا ترى ذَلِك شَيْئا حَتَّى يُوقف وَتقول كَيفَ قَالَ الله إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن قَتَادَة أَن أَبَا ذَر وَعَائِشَة قَالَا يُوقف الْمولي بعد انْقِضَاء الْمدَّة فإمَّا أَن يفِيء وَإِمَّا أَن يُطلق
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار قَالَ أدْركْت بضعَة عشر من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كلهم يَقُول يُوقف الْمولي
وَأخرج ابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق سُهَيْل بن أبي صَالح عَن أَبِيه قَالَ سَأَلت اثْنَي عشر رجلا من الصَّحَابَة عَن الرجل يولي من امْرَأَته فكلهم يَقُول لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء حَتَّى تمْضِي الْأَرْبَعَة أشهر فَيُوقف فَإِن فَاء وَإِلَّا طلق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ثَابت بن عُبَيْدَة مولى زيد بن ثَابت عَن اثْنَي عشر رجلا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِيلَاء لَا يطون طَلَاقا حَتَّى يُوقف
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب وَعُثْمَان بن عَفَّان وَعلي بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَابْن عَبَّاس قَالُوا الإِيلاء تَطْلِيقَة بَائِنَة إِذا مرت أَرْبَعَة أشهر قبل أَن يفِيء فَهِيَ أملك بِنَفسِهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْفِرْيَابِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ عَزِيمَة الطَّلَاق انْقِضَاء أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أَيُّوب قَالَ قلت لِابْنِ جُبَير أَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول فِي الإِيلاء إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر فَهِيَ تَطْلِيقَة بَائِنَة وتزوّج وَلَا عدَّة عَلَيْهَا قَالَ: نعم(1/651)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ إِذا آلى الرجل من امْرَأَته فمضت أَرْبَعَة أشهر فَهِيَ تَطْلِيقَة بَائِنَة وَتعْتَد بعد ذَلِك ثَلَاثَة قُرُوء ويخطبها زَوجهَا فِي عدتهَا وَلَا يخطبها غَيره فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا خطبهَا زَوجهَا وَغَيره
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَليّ فِي الإِيلاء قَالَ إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ بتطليقة وَلَا يخطبها هُوَ وَلَا غَيره إِلَّا من بعد انْقِضَاء الْعدة
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن فِي رجل قَالَ لامْرَأَته إِن قربتك سنة فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا إِن قربهَا قبل السّنة فَهِيَ طَالِق ثَلَاثًا وَإِن تَركهَا حَتَّى تمْضِي الْأَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ بتطليقة فَإِن تزَوجهَا قبل انْقِضَاء السّنة فَإِنَّهُ يمسك عَن غشيانها حَتَّى تَنْقَضِي السّنة وَلَا يدْخل عَلَيْهِ إِيلَاء
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ فِي رجل قَالَ لامْرَأَته إِن قربتك إِلَى سنة فَأَنت طَالِق قَالَ إِن قربهَا بَانَتْ مِنْهُ وَإِن تَركهَا حَتَّى تمْضِي الْأَرْبَعَة أشهر فقد بَانَتْ مِنْهُ بتطليقة فَإِن تزَوجهَا فغشيها قبل انْقِضَاء السّنة بَانَتْ مِنْهُ وَإِن لم يقربهَا حَتَّى تمْضِي الْأَرْبَعَة أشهر فَإِنَّهُ يدْخل عَلَيْهِ إِيلَاء آخر
وَأخرج مَالك عَن سعيد بن الْمسيب وَأبي بكر بن عبد الرَّحْمَن
أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الرجل يولي من امْرَأَته: أَنَّهَا إِذا مَضَت أَرْبَعَة أشهر فَهِيَ تَطْلِيقَة وَاحِدَة ولزوجها عَلَيْهَا رَجْعَة مَا كَانَت فِي الْعدة
وَأخرج مَالك عَن ابْن شهَاب قَالَ: إِيلَاء العَبْد نَحْو إِيلَاء الْحر وَهُوَ وَاجِب وإيلاء العَبْد شَهْرَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: إِيلَاء العَبْد شَهْرَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ قَالَ إِيلَاء العَبْد من الْأمة أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج معمر عَن قَتَادَة قَالَ: إِيلَاء العَبْد من الْحرَّة أَرْبَعَة أشهر
وَأخرج مَالك عَن عبد الله بن دِينَار قَالَ: خرج عمر بن الْخطاب من اللَّيْل يسمع امْرَأَة تَقول: تطاول هَذَا اللَّيْل واسود جَانِبه وأرقني أَن لَا خَلِيل ألاعبه فوَاللَّه لَوْلَا الله أَنِّي أراقبه لحرك من هَذَا السرير جوانبه فَسَأَلَ عمر ابْنَته حَفْصَة كم أَكثر مَا تصبر الْمَرْأَة عَن زَوجهَا فَقَالَت: سِتَّة أشهر أَو أَرْبَعَة أشهر
فَقَالَ عمر: لَا أحبس أحدا من الجيوش أَكثر من ذَلِك(1/652)
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَشْرَاف عَن السَّائِب بن جُبَير مولى ابْن عَبَّاس وَكَانَ قد أدْرك أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا زلت أسمع حَدِيث عمر أَنه خرج ذَات لَيْلَة يطوف بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ يفعل ذَلِك كثيرا إِذْ مر بِامْرَأَة من نسَاء الْعَرَب مغلقة بَابهَا وَهِي تَقول: تطاول هَذَا اللَّيْل تسري كواكبه وأرقني أَن لَا ضجيع ألاعبه فوَاللَّه لَوْلَا الله لَا شَيْء غَيره لحرك من هَذَا السرير جوانبه وَبت ألاهي غير بدع ملعن لطيف الحشا لَا يحتويه مضاجعه يلاعبني طوراً وطوراً كَأَنَّمَا بدا قمراً فِي ظلمَة اللَّيْل حَاجِبه يسر بِهِ من كَانَ يلهو بِقُرْبِهِ يعاتبني فِي حبه واعاتبه ولكنني أخْشَى رقيبا موكلا بِأَنْفُسِنَا لَا يفتر الدَّهْر كَاتبه ثمَّ تنفست الصعداء وَقَالَت: أَشْكُو عمر بن الْخطاب وحشتي فِي بَيْتِي وغيبة زَوجي عَليّ وَقلة نفقتي
فلَان لَهَا عمر يرحمه الله فَلَمَّا أصبح بعث إِلَيْهَا بِنَفَقَة وَكِسْوَة وَكتب إِلَى عَامله يسرح إِلَيْهَا زَوجهَا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: سَأَلَ عمر ابْنَته حَفْصَة كم تصبر الْمَرْأَة عَن الرجل فَقلت: سِتَّة أشهر فَقَالَ: لَا جرم لَا أحبس رجلا أَكثر من سِتَّة أشهر
وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات عَن مُحَمَّد بن معن قَالَ: أَتَت امْرَأَة إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِن زَوجي يَصُوم النَّهَار وَيقوم اللَّيْل وَأَنا أكره أَن أشكوه إِلَيْك وَهُوَ يقوم بِطَاعَة الله
فَقَالَ لَهَا: جَزَاك الله خيرا من مثنية على زَوجهَا
فَجعلت تكَرر عَلَيْهِ القَوْل وَهُوَ يُكَرر عَلَيْهَا الْجَواب وَكَانَ كَعْب بن سوار الاسدي حَاضرا فَقَالَ لَهُ: اقْضِ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ بَينهَا وَبَين زَوجهَا
فَقَالَ: وَهل فِيمَا ذكرت قَضَاء فَقَالَ: إِنَّهَا تَشْكُو مباعدة زَوجهَا لَهَا عَن فراشها وتطلب حَقّهَا فِي ذَلِك
فَقَالَ لَهُ عمر: أما لِأَن فهمت ذَلِك فَاقْض بَينهمَا
فَقَالَ كَعْب: عَليّ بزوجها فأحضر فَقَالَ: إِن امْرَأَتك تشكوك
فَقَالَ: قصرت فِي شَيْء من نَفَقَتهَا قَالَ: لَا
فَقَالَت الْمَرْأَة: يَا أَيهَا القَاضِي الْحَكِيم برشده ألهى خليلي عَن فِرَاشِي مَسْجده نَهَاره وليله مَا يرقده فلست فِي حكم النِّسَاء أَحْمَده زهده فِي مضجعي تعبده فَاقْض القضا يَا كَعْب لَا تردده(1/653)
فَقَالَ زَوجهَا: زهّدَني فِي فرشها وَفِي الحجل إِنِّي امْرُؤ أزهد فِيمَا قد نزل فِي سُورَة النَّحْل وَفِي السَّبع الطول وَفِي كتاب الله تخويف جلل فَقَالَ كَعْب: إِن خير القاضيين من عدل وَقضى بِالْحَقِّ جَهرا وَفصل إِن لَهَا حَقًا عَلَيْك يَا رجل تصيبها فِي أَربع لمن عقل قَضِيَّة من رَبهَا عز وَجل فاعطها ذَاك ودع عَنْك الْعِلَل ثمَّ قَالَ: إِن الله قد أَبَاحَ لَك النِّسَاء أَرْبعا فلك ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها تعبد فِيهَا رَبك وَلها يَوْم وَلَيْلَة
فَقَالَ عمر: وَالله مَا أَدْرِي من أَي امريك أعجب
أَمن فهمك أمرهَا أم من حكمك بَينهمَا اذْهَبْ فقد وليتك قَضَاء الْبَصْرَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج وَعمر بن الْخطاب مَعَه فعرضت امْرَأَة فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ادعِي زَوجك فدعته وَكَانَ ضِرَارًا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا تَقول امْرَأَتك يَا عبد الله فَقَالَ الرجل: وَالَّذِي أكرمك مَا جف رَأْسِي مِنْهَا
فَقَالَت امْرَأَته: مَا مرّة وَاحِدَة فِي الشَّهْر
فَقَالَ لَهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتبغضيه قَالَت: نعم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أدنيا رأسيكما فَوضع جبهتها على جبهة زَوجهَا ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ ألف بَينهمَا وحبب أَحدهمَا إِلَى صَاحبه ثمَّ مر رَسُول الله بسوق النمط وَمَعَهُ عمر بن الْخطاب فطلعت امْرَأَة تحمل ادما على رَأسهَا فَلَمَّا رَأَتْ النَّبِي طرحته وَأَقْبَلت فَقبلت رجلَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله: كَيفَ أَنْت وزوجك فَقَالَت: وَالَّذِي أكرمك مَا طارف وَلَا تالد وَلَا ولد بِأحب إِلَيّ مِنْهُ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أشهد أَنِّي رَسُول الله
فَقَالَ عمر: وَأَنا أشهد أَنَّك رَسُول الله
وَأخرج أَبُو يعلى وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل من حَدِيث جَابر بن عبد الله
مثله
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: يصبح على كل سلامي من ابْن آدم صَدَقَة
تَسْلِيمه على من لَقِي صَدَقَة وَأمره بِالْمَعْرُوفِ صدقه وَنَهْيه عَن النمكر صَدَقَة وإماطته الْأَذَى عَن الطَّرِيق صَدَقَة وبضعه أَهله صَدَقَة
قَالُوا: يَا رَسُول الله أَحَدنَا يقْضِي شَهْوَته وَتَكون لَهُ صَدَقَة قَالَ: أَرَأَيْت لَو ضعها فِي غير حلهَا ألم يكن يَأْثَم(1/654)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذرة قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله ذهب الْأَغْنِيَاء بِالْأَجْرِ
قَالَ: ألستم تصلونَ وتصومون وتجاهدون قلت: بلَى وهم يَفْعَلُونَ كَمَا نَفْعل يصلونَ وَيَصُومُونَ ويجاهدون وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نتصدق قَالَ: إِن فِيك صَدَقَة وَفِي فضل سَمعك صَدَقَة على الَّذِي لَا يسمع تعبر عَن حَاجته صَدَقَة وَفِي فضل بَصرك على الضَّرِير تهديه إِلَى الطَّرِيق صَدَقَة وَفِي فضل قوتك على الضَّعِيف تعينه صَدَقَة وَفِي إماطتك الْأَذَى عَن الطَّرِيق صَدَقَة وَفِي مباضتعك أهلك صَدَقَة قلت: يَا رَسُول الله أَيَأتِي أَحَدنَا شَهْوَته ويؤجر قَالَ: أَرَأَيْت لَو جعلته فِي غير حلّه أَكَانَ عَلَيْك وزر قلت: نعم
قَالَ: أتحتسبون بِالشَّرِّ وَلَا تحتسبون بِالْخَيرِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذرة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَك فِي جماعك زَوجتك أجر قلت: كَيفَ يكون لي أجر فِي شهوتي قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ لَك ولد فَأدْرك ورجوت خَيره ثمَّ مَاتَ أَكنت تحتسبه قلت: نعم
قَالَ: فَأَنت خلقته قلت: بل الله
قَالَ: أفأنت هديته قلت: بل الله هداه
قَالَ: أفأنت كنت ترزقه قلت: بل الله يرزقه
قَالَ: فَكَذَلِك فضعه فِي حَلَاله وجنبه حرَامه فَإِن شَاءَ الله أَحْيَاهُ وَإِن شَاءَ أَمَاتَهُ وَلَك أجر
وَأخرج ابْن السّني وَأَبُو نعيم مَعًا فِي الطِّبّ النَّبَوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيعْجزُ أحدكُم أَن يُجَامع أَهله فِي كل يَوْم جُمُعَة فَإِن لَهُ أَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ غسله وَأجر غسل امْرَأَته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ وَالله إِنِّي لأكْره نَفسِي على الْجِمَاع رَجَاء أَن يخرج الله مني نسمَة تسبح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن زيد بن أسلم قَالَ بَلغنِي أَنه جَاءَت امْرَأَة إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَت إِن زَوجهَا لَا يُصِيبهَا فَأرْسل إِلَيْهِ فَقَالَ كَبرت وَذَهَبت قوّتي فَقَالَ لَهُ عمر أتصيبها فِي كل شهر مرّة قَالَ أَكثر من ذَلِك قَالَ عمر فِي كم تصيبها قَالَ فِي كل طهر مرّة فَقَالَ عمر اذهبي فَإِن فِيهِ مَا يَكْفِي الْمَرْأَة(1/655)
وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
قَوْله تَعَالَى: والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن إِن كن يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك(1/655)
إِن أَرَادوا إصلاحا ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة وَالله عَزِيز حَكِيم
أخرج أَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن الانصارية قَالَت: طلقت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن للمطلقة عدَّة فَأنْزل الله حِين طلقت الْعدة للطَّلَاق {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} فَكَانَت أول من أنزلت فِيهَا الْعدة للطَّلَاق
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} قَالَ: كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يُطلق أحدهم لَيْسَ لذَلِك عدَّة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} {واللائي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم فعدتهن ثَلَاثَة أشهر} الطَّلَاق الْآيَة 4 فنسخ وَاسْتثنى وَقَالَ (ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها) (الْأَحْزَاب الْآيَة 49)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن عَن عَائِشَة قَالَت: إِنَّمَا الْأَقْرَاء الاطهار(1/656)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة
أَنَّهَا انْتَقَلت حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن حِين دخلت فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة
قَالَ ابْن شهَاب: فَذكرت ذَلِك لعمرة بنت عبد الرَّحْمَن فَقَالَت: صدق عُرْوَة وَقد جادلها فِي ذَلِك نَاس قَالُوا: إِن الله يَقُول {ثَلَاثَة قُرُوء} فَقَالَت عَائِشَة: صَدقْتُمْ وَهل تَدْرُونَ مَا الإِقراء الإِقراء الإِطهار
قَالَ ابْن شهَاب: سَمِعت أَبَا بكر بن عبد الرَّحْمَن يَقُول: مَا أدْركْت أحدا من فقهائنا إِلَّا وَهُوَ يَقُول: هَذَا يُرِيد الَّذِي قَالَت عَائِشَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر وَزيد بن ثَابت قَالَا: الإِقراء الإِطهار
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: الإِقراء الْحيض عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ثَلَاثَة قُرُوء} قَالَ: ثَلَاث حيض
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} قَالَ: حيض
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء} فَجعل عدَّة الطَّلَاق ثَلَاث حيض ثمَّ أَنه نسخ مِنْهَا الْمُطلقَة الَّتِي طلقت وَلم يدْخل بهَا زَوجهَا فَقَالَ: فِي سُورَة الْأَحْزَاب (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نكحتم الْمُؤْمِنَات ثمَّ طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ فَمَا لكم عَلَيْهِنَّ من عدَّة تعتدونها) (الْأَحْزَاب الْآيَة 49) فَهَذِهِ تزوّج ان شَاءَت من يَوْمهَا
وَقد نسخ من الثَّلَاثَة فَقَالَ (واللاتي يئسن من الْمَحِيض من نِسَائِكُم إِن ارتبتم) (الطَّلَاق الْآيَة 4) فَهَذِهِ الْعَجُوز الَّتِي لَا تحيض وَالَّتِي لن تَحض فعدتهن ثَلَاثَة أشهر وَلَيْسَ الْحيض من أمرهَا فِي شَيْء وَنسخ من الثَّلَاثَة قُرُوء الْحَامِل فَقَالَ (أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ) (الطَّلَاق الْآيَة 4) فَهَذِهِ لَيست من القروء فِي شَيْء إِنَّمَا أجلهَا أَن تضع حملهَا
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عُرْوَة وَعمرَة عَن عَائِشَة قَالَت: إِذا دخلت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَانَتْ من زَوجهَا وحلت للأزواج
قَالَت عمْرَة: وَكَانَت عَائِشَة تَقول: إِنَّمَا الْقُرْء الطُّهْر وَلَيْسَ بالحيضة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: إِذا دخلت الْمُطلقَة فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَانَتْ من زَوجهَا وحلت للأزواج
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: إِذا طلق الرجل امْرَأَته فَدخلت فِي الدَّم من الْحَيْضَة الثَّالِثَة فقد بَرِئت مِنْهُ وبرىء مِنْهَا وَلَا تَرثه وَلَا يَرِثهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَلْقَمَة
أَن رجلا طلق امْرَأَته ثمَّ(1/657)
تَركهَا حَتَّى إِذا مَضَت حيضتان والثالة أَتَاهَا وَقد قعت فِي مغتسلها لتغتسل من الثَّالِثَة فَأَتَاهَا زَوجهَا فَقَالَ: قد رَاجَعتك قد رَاجَعتك ثَلَاثًا
فَأتيَا عمر بن الْخطاب فَقَالَ عمر لِابْنِ مَسْعُود وَهُوَ إِلَى جنبه: مَا تَقول فِيهَا قَالَ: أرى أَنه أَحَق بهَا حَتَّى تَغْتَسِل من الْحَيْضَة الثَّالِثَة وَتحل لَهَا الصَّلَاة
فَقَالَ عمر: وَأَنا أرى ذَلِك
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: تحل لزَوجهَا الرّجْعَة عَلَيْهَا حَتَّى تَغْتَسِل من الْحَيْضَة الثَّالِثَة وَتحل للأزواج
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: أرسل عُثْمَان بن عَفَّان إِلَى أبي يسْأَله عَن رجل طلق امْرَأَته ثمَّ رَاجعهَا حِين دخلت فِي الْحَيْضَة الثَّالِثَة قَالَ أبي: كَيفَ يُفْتِي مُنَافِق فَقَالَ عُثْمَان: نعيذك بِاللَّه أَن تكون منافقاً ونعوذ بِاللَّه أَن نسميك منافقاً ونعيذك بِاللَّه أَن يكون مِنْك هَذَا فِي الإِسلام ثمَّ تَمُوت وَلم تبينه
قَالَ: فَإِنِّي أرى أَنه أَحَق بهَا مَا لم تَغْتَسِل من الْحَيْضَة الثَّالِثَة وَتحل لَهَا الصَّلَاة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْحسن عَن عمر وَعبد الله وَأبي مُوسَى فِي الرجل يُطلق امْرَأَته فتحيض ثَلَاث حيض فَرَاجعهَا قبل أَن تَغْتَسِل قَالَ: هُوَ أَحَق بهَا مَا لم تَغْتَسِل
وَأخرج وَكِيع عَن الْحسن قَالَ: تَعْتَد بِالْحيضِ وَإِن كَانَت لَا تحيض فِي السّنة إِلَّا مرّة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حَيَّان أَنه كَانَ عِنْد جده هاشمية وانصارية فَطلق الانصارية وَهِي ترْضع فمرت بهَا سنة ثمَّ هلك وَلم تَحض فَقَالَت: أَنا أرثه وَلم أحض
فاختصموا إِلَى عُثْمَان فَقضى للأنصارية بِالْمِيرَاثِ فلامت الهاشمية عُثْمَان فَقَالَ: هَذَا عمل ابْن عمك هُوَ أَشَارَ علينا بِهَذَا يَعْنِي ابْن أبي طَالب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: إِذا طَلقهَا وَهِي حَائِض لم تَعْتَد بِتِلْكَ الْحَيْضَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة قَالَ: الاقراء الْحيض لَيْسَ بِالطُّهْرِ
قَالَ الله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} وَلم يقل لقروئهن
وَأخرج الشَّافِعِي عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أَن رجلا من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ(1/658)
حَيَّان بن منقذ طلق امْرَأَته وَهُوَ صَحِيح وَهِي ترْضع ابْنَته فَمَكثت سَبْعَة عشر شهرا لَا تحيض يمْنَعهَا الرَّضَاع من أَن تحيض ثمَّ مرض حَيَّان فَقلت لَهُ: إِن امْرَأَتك تُرِيدُ أَن تَرث فَقَالَ لأَهله: احْمِلُونِي إِلَى عُثْمَان فَحَمَلُوهُ إِلَيْهِ فَذكر لَهُ شَأْن امْرَأَته وَعِنْده عليّ بن أبي طَالب وَزيد بن ثَابت فَقَالَ لَهما عُثْمَان: مَا تريان فَقَالَا: نرى أَنه إِن مَاتَ تَرثه ويرثها إِن مَاتَت فَإِنَّهَا لَيست من الْقَوَاعِد اللَّاتِي قد يئسن من الْمَحِيض وَلَيْسَت من الْأَبْكَار اللَّاتِي لم يبلغهن بالمحيض ثمَّ هِيَ على عدَّة حَيْضهَا مَا كَانَ من قَلِيل أَو كثير
فَرجع حَيَّان إِلَى أَهله وَأخذ ابْنَته فَلَمَّا فقدت الرَّضَاع حَاضَت حَيْضَة ثمَّ حَاضَت حَيْضَة أُخْرَى ثمَّ توفّي حَيَّان قبل أَن تحيض الثَّالِثَة فاعتدت عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وورثته
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: طَلَاق الْأمة تَطْلِيقَتَانِ وقرؤها حيضتان وَفِي لفظ وعدتها حيضتان
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر مَرْفُوعا
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس قَالُوا: الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: الطَّلَاق للرِّجَال وَالْعدة للنِّسَاء
وَأخرج مَالك عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: عدَّة الْمُسْتَحَاضَة سنة
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن}
أخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة تكْتم حملهَا حَتَّى تَجْعَلهُ لرجل آخر فنهاهن الله عَن ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} قَالَ: علم الله أَن مِنْهُنَّ كواتم يكتمن ضِرَارًا ويذهبن بِالْوَلَدِ إِلَى غير أَزوَاجهنَّ فَنهى عَن ذَلِك وَقدم فِيهِ(1/659)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} قَالَ: الْحمل وَالْحيض لَا يحل لَهَا إِن كَانَت حَامِلا أَن تكْتم حملهَا وَلَا يحل لَهَا ان كَانَت حَائِضًا أَن تكْتم حَيْضهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} قَالَ: الْحيض وَالْولد لَا يحل للمطلقة أَن تَقول: أَنا حَائِض
وَلَيْسَت بحائض
وَلَا تَقول: إِنِّي حُبْلَى
وَلَيْسَت بحبلى وَلَا تَقول: لست بحبلى
وَهِي حُبْلَى
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن شهَاب فِي قَوْله {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن} قَالَ: بلغنَا أَن مَا خلق الله فِي أرحامهن الْحمل وبلغنا أَنه الْحيض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن إِبْرَاهِيم فِي الْآيَة قَالَ: أكبر ذَلِك الْحيض وَفِي لفظ: أَكثر مَا عَنى بِهِ الْحيض
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة قَالَ: الْحيض
أما قَوْله تَعَالَى: {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك}
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} يَقُول: إِذا طلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَة أَو تطلقتين وَهِي حَامِل فَهُوَ أَحَق برجعتها مَا لم تضع حملهَا وَلَا يحل لَهَا أَن تكتمه يَعْنِي حملهَا وَهُوَ قَوْله {وَلَا يحل لَهُنَّ أَن يكتمن مَا خلق الله فِي أرحامهن}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مقَاتل بن حبَان فِي قَوْله {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} يَعْنِي الْمُرَاجَعَة فِي الْعدة نزلت فِي رجل من غفار طلق امْرَأَته وَلم يشْعر بحملها فَرَاجعهَا وردهَا إِلَى بَيته فَولدت وَمَاتَتْ وَمَات وَلَدهَا فَأنْزل الله بعد ذَلِك بأيام يسيرَة (الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان) (الْبَقَرَة الْآيَة 229) فنسخت الْآيَة الَّتِي قبلهَا وَبَين الله للرِّجَال كَيفَ يطلقون النِّسَاء وَكَيف يَتَرَبَّصْنَ
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} قَالَ: فِي القروء الثَّلَاث
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} قَالَ: فِي الْعدة(1/660)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} قَالَ: فِي الْعدة مَا ام يطلقهَا ثَلَاثًا
أما قَوْله تَعَالَى: {ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ} قَالَ: إِذا أطعن الله وأطعن أَزوَاجهنَّ فَعَلَيهِ أَن يحسن خطبتها ويكف عَنْهَا أَذَاهُ وَينْفق عَلَيْهَا من سعته
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَمْرو بن الْأَحْوَص أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَلا إِن لكم على نسائكن حَقًا ولنسائكم عَلَيْكُم حَقًا
فَأَما حقكم على نِسَائِكُم فَلَا يوطئن فرشكم من تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَن فِي بُيُوتكُمْ من تَكْرَهُونَ وَألا وحقهن عَلَيْكُم أَن تحسنوا إلَيْهِنَّ فِي كسوتهن وطعامهن
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي أَن سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حق الْمَرْأَة على الزَّوْج قَالَ: أَن تطعمها إِذا طعمت وَأَن تكسوها إِذا كُسِيت وَلَا تضرب الْوَجْه وَلَا تقبح وَلَا تهجر إِلَّا فِي الْبَيْت
وَأخرج ابْن عدي عَن قيس بن طلق عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِذا جَامع أحدكُم أَهله فَلَا يعجلها حَتَّى تقضي حَاجَتهَا كَمَا يحب أَن يقْضِي حَاجته
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو يعلى عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جَامع أحدكُم أَهله فليصدقها فَإِن سبقها فَلَا يعجلها
وَلَفظ عبد الرَّزَّاق: فَإِن قضى حَاجته وَلم تقض حَاجَتهَا فَلَا يعجلها
وَأخرج وَكِيع وفيان بن عَيْنِيَّة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِنِّي لأحب أَن أتزين للْمَرْأَة كَمَا أحب أَن تتزين الْمَرْأَة لي لِأَن الله يَقُول {ولهن مثل الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وَمَا أحب أَن استوفي جَمِيع حَقي عَلَيْهَا لِأَن الله يَقُول (وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة)
وَأخرج ابْن ماجة عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطلى وَولى عانته بِيَدِهِ
وَأخرج الخرائطي فِي كتاب مساوىء الْأَخْلَاق عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ينوره (ينور: يدهن بالنورة وَهِي خليط من زرنيخ وَغَيره تسْتَعْمل لإِزَالَة الشّعْر) الرجل فَإِذا بلغ مراقه (الشّعْر حَان لَهُ أَن ينتف) تولى هُوَ ذَلِك(1/661)
وَأخرج الخرائطي عَن مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ كَانَ ثَوْبَان مولى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جاراً لي فَكَانَ يدخال الْحمام فَقلت: وَأَنت صَاحب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تدخل الْحمام
فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل الْحمام ثمَّ يتنور
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتنور كل شهر ويقلم أَظْفَاره كل خمس عشرَة
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة أَنه سُئِلت بِأَيّ شَيْء كَانَ يبْدَأ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا دخل بَيته قَالَت: بِالسِّوَاكِ
قَوْله تَعَالَى: {وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} قَالَ: فضل مَا فَضله الله بِهِ عَلَيْهَا من الْجِهَاد وَفضل مِيرَاثه على مِيرَاثهَا وكل مَا فضل بِهِ عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي مَالك قَالَ: يطلقهَا وَلَيْسَ لَهَا من الْأَمر شَيْء
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم {وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} قَالَ: الْإِمَارَة(1/662)
الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
قَوْله تَعَالَى: الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تعتدوها وَمن يعْتد حُدُود الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ
أخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثمَّ ارتجعها قبل أَن تَنْقَضِي عدتهَا كَانَ ذَلِك لَهُ وَإِن طَلقهَا ألف مرّة فَعمد رجل إِلَى امْرَأَته فَطلقهَا حَتَّى مَا جَاءَ وَقت انْقِضَاء عدتهَا ارتجعها ثمَّ طَلقهَا ثمَّ قَالَ: وَالله لَا آويك وَلَا تحلين أبدا فَأنْزل الله {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان}(1/662)
فَاسْتقْبل النَّاس الطَّلَاق جَدِيدا من يَوْمئِذٍ من كَانَ مِنْهُم طلق وَمن لم يُطلق
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه أَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ النَّاس وَالرجل يُطلق امْرَأَته مَا شَاءَ الله أَن يطلقهَا وَهِي امْرَأَته إِذا ارتجعها وَهِي فِي الْعدة وَإِن طَلقهَا مائَة مرّة وَأكْثر حَتَّى قَالَ رجل لامْرَأَته: وَالله لَا أطلقك فتبيني وَلَا آويك أبدا
قَالَت: وَكَيف ذَلِك قَالَ: أطلقك فَكلما هَمت عدتك أَن تَنْقَضِي رَاجَعتك
فَذَهَبت الْمَرْأَة حَتَّى دخلت على عَائِشَة فَأَخْبَرتهَا فَسَكَتَتْ عَائِشَة حَتَّى جَاءَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَسكت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نزل الْقُرْآن {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} قَالَت عَائِشَة: فاستأنف النَّاس الطَّلَاق مُسْتَقْبلا من طلق وَمن لم يُطلق
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: لم يكن للطَّلَاق وَقت يُطلق امْرَأَته أم يُرَاجِعهَا مَا لم تنقض الْعدة وَكَانَ بَين رجل وَبَين أَهله بعض مَا يكون بَين النَّاس فَقَالَ: وَالله لأتركنك لَا أيّماً وَلَا ذَات زوج فَجعل يطلقهَا حَتَّى إِذا كَادَت الْعدة أَن تَنْقَضِي رَاجعهَا فَفعل ذَلِك مرَارًا فَأنْزل الله فِيهِ {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} فوقت لَهُم الطَّلَاق ثَلَاثًا يُرَاجِعهَا فِي الْوَاحِدَة وَفِي الاثنتين وَلَيْسَ فِي الثَّالِثَة رَجْعَة حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج ابْن النجار عَن عَائِشَة أَنَّهَا أتتها امْرَأَة فسألتها عَن شَيْء من الطَّلَاق قَالَت: فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس (والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَة قُرُوء) (الْبَقَرَة الْآيَة 228) إِلَى قَوْله (وبعولتهن أَحَق بردهن) وَذَلِكَ أَن الرجل كَانَ إِذا طلق امْرَأَته فَهُوَ أَحَق برجعتها وَإِن طَلقهَا ثَلَاثًا فنسخ ذَلِك فَقَالَ {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الثَّوْريّ عَن بعض الْفُقَهَاء قَالَ كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يُطلق امْرَأَته مَا شَاءَ لَا يكون عَلَيْهَا عدَّة فتتزوج من مَكَانهَا إِن شَاءَت فجَاء رجل من أَشْجَع إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي طلقت امْرَأَتي وَأَنا أخْشَى أَن تتَزَوَّج فَيكون الْوَلَد لغيري فَأنْزل الله {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فنسخت هَذِه كل طَلَاق فِي الْقُرْآن(1/663)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} قَالَ: لكل مرّة قرء فنسخت هَذِه الْآيَة مَا كَانَ قبلهَا فَجعل الله حدَّ الطَّلَاق ثَلَاثَة وَجعله أَحَق برجعتها مَا دَامَت فِي عدتهَا مَا لم يُطلق ثَلَاثًا
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي رزين الْأَسدي قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت قَول الله عز وَجل {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَة قَالَ: التسريح بِإِحْسَان الثَّالِثَة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِنِّي أسمع الله يَقُول {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} فَأَيْنَ الثَّالِثَة قَالَ: إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان هِيَ الثَّالِثَة
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عز وَجل {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} هَل كَانَت تعرف الْعَرَب الطَّلَاق ثَلَاثًا فِي الْجَاهِلِيَّة قَالَ: نعم كَانَت الْعَرَب تعرف ثَلَاثًا باتاً أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول وَقد أَخذه أختانه فَقَالُوا: وَالله لَا نرفع عَنْك الْعَصَا حَتَّى تطلق أهلك فقد أضررت بهَا فَقَالَ: أيا جارتا بتي فَإنَّك طالقة كَذَاك أُمُور النَّاس غاد وطارقة فَقَالُوا: وَالله لَا نرفع عَنْك الْعَصَا أَو تثلث لَهَا الطَّلَاق فَقَالَ: بيني فَإِن الْبَين خير من الْعَصَا وَإِن لَا يزَال فَوق رَأْسِي بارقة فَقَالُوا: وَالله لَا نرفع عَنْك الْعَصَا أَو تثلث لَهَا الطَّلَاق فَقَالَ: بيني حصان الْفرج غير ذميمة وموقوفة فِينَا كَذَاك روامقة وذوقي فَتى حَيّ فَإِنِّي ذائق فتاة أنَاس مثل مَا أَنْت ذائقة وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} قَالَ: يطلقهَا بَعْدَمَا تطهر من قبل جماع فَإِذا حَاضَت وطهرت طَلقهَا أُخْرَى ثمَّ يَدعهَا تطهر مرّة أُخْرَى ثمَّ يطلقهَا إِن شَاءَ
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} قَالَ: يُطلق الرجل امْرَأَته طَاهِرا فِي غير جماع فَإِذا حَاضَت ثمَّ طهرت فقد تمّ الْقُرْء ثمَّ يُطلق الثَّانِيَة كَمَا يُطلق الأولى إِن أحب أَن يفعل فَإِذا طلق الثَّانِيَة ثمَّ حَاضَت الْحَيْضَة الثَّانِيَة فهاتان(1/664)
تَطْلِيقَتَانِ وَقُرْآن ثمَّ قَالَ الله للثالثة {فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} فيطلقها فِي ذَلِك الْقُرْء كُله إِن شَاءَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد عَن أبي حبيب قَالَ: التسريح فِي كتاب الله الطَّلَاق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَأبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وأناس من الصَّحَابَة فِي قَوْله {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} قَالَ: وَهُوَ الْمِيقَات الَّذِي يكون عَلَيْهَا فِيهِ الرّجْعَة فَإِذا طلق وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فإمَّا يمسك وَيُرَاجع بِمَعْرُوف وَإِمَّا يسكت عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا فَتكون أَحَق بِنَفسِهَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: إِذا طلق الرجل امْرَأَته تَطْلِيقَتَيْنِ فليتق الله فِي الثَّالِثَة فإمَّا أَن يمْسِكهَا بِمَعْرُوف فَيحسن صحابتها أَو يسرحها بِإِحْسَان فَلَا يظلمها من حَقّهَا شَيْئا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ إِذا نكح قَالَ: أنكحتك على مَا أَمر الله على إمْسَاك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبْغض الْحَلَال إِلَى الله عز وَجل الطَّلَاق
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي مُوسَى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تطلق النِّسَاء إِلَّا عَن رِيبَة إِن الله لَا يحب الذواقين وَلَا الذواقات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معَاذ بن جبل قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معَاذ مَا خلق الله شَيْئا على ظهر الأَرْض أحب إِلَيْهِ من عنَاق وَمَا خلق الله على وَجه الأَرْض أبْغض إِلَيْهِ من الطَّلَاق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن وهب
أَن بطالا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَطلق امْرَأَته ألفا فَرفع ذَلِك إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ: إِنَّمَا كنت أَلعَب فعلاه عمر بِالدرةِ وَقَالَ: إِن كَانَ ليكفيك ثَلَاث
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب فِي الرجل يُطلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا قَالَ: هِيَ ثَلَاث لَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره وَكَانَ إِذا أُتِي بِهِ أوجعهُ(1/665)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن عَليّ فِيمَن طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا لَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق حبيب بن أبي ثَابت عَن بعض أَصْحَابه قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى عَليّ قَالَ: طلقت امْرَأَتي ألفا
قَالَ: ثَلَاث تحرمها عَلَيْك واقسم سائرها بَين نِسَائِك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس قَالَ: أَتَى رجل إِلَى ابْن مَسْعُود فَقَالَ: إِن رجلا طلق امْرَأَته البارحة مائَة
قَالَ: قلتهَا مة وَاحِدَة قَالَ: نعم
قَالَ: تُرِيدُ أَن تبين مِنْك امْرَأَتك قَالَ: نعم
قَالَ: هُوَ كَمَا قلت
قَالَ: وَأَتَاهُ رجل فَقَالَ: رجل طلق امْرَأَته البارحة عدد النُّجُوم
قَالَ: قلتهَا مرّة وَاحِدَة قَالَ: نعم
قَالَ: تُرِيدُ أَن تبين مِنْك امْرَأَتك قَالَ: نعم
قَالَ: هُوَ كَمَا قلت ثمَّ قَالَ: قد بَين الله أَمر الطَّلَاق فَمن طلق كَمَا أمره الله فقد بَين لَهُ وَمن لبس على نَفسه جعلنَا بِهِ لبسته وَالله لَا تلبسُونَ على أَنفسكُم ونتحمله عَنْكُم هُوَ كَمَا تَقولُونَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْمُطلقَة ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا بِمَنْزِلَة قد دخل بهَا
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن إِيَاس بن البكير قَالَ: طلق رجل امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا ثمَّ بدا لَهُ أَن ينْكِحهَا فجَاء يستفتي فَذَهَبت مَعَه أسأَل لَهُ فَسَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة وَعبد الله بن عَبَّاس عَن ذَلِك فَقَالَا: لَا نرى أَن تنكحها حَتَّى تنْكح زوجا غَيْرك
قَالَ: إِنَّمَا كَانَ طَلَاقي إِيَّاهَا وَاحِدَة قَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّك أرْسلت من يدك مَا كَانَ لَك من فضل
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو ادود وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي عَيَّاش الْأنْصَارِيّ
أَنه كَانَ جَالِسا مَعَ عبد الله بن الزبير وَعَاصِم بن عمر فجاءهما مُحَمَّد بن أبي إِيَاس بن البكير فَقَالَ: أَن رجلا من أهل الْبَادِيَة طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا فَمَاذَا تريان فَقَالَ ابْن الزبير: إِن هَذَا الْأَمر مَا لنا فِيهِ قَول: اذْهَبْ إِلَى ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة فَإِنِّي تركتهما عِنْد عَائِشَة فاسألهما فَذهب فَسَأَلَهُمَا قَالَ ابْن عَبَّاس لأبي هُرَيْرَة: افْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَة فقد جاءتك معضلة
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: الْوَاحِدَة تبينها وَالثَّلَاث تحرمها حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَقَالَ ابْن عَبَّاس مثل ذَلِك(1/666)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء بن يسَار قَالَ: جَاءَ رجل يسْأَل عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ عَن رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يَمَسهَا فَقلت: إِنَّمَا طَلَاق الْبكر وَاحِدَة
فَقَالَ لي عبد الله بن عَمْرو: إِنَّمَا أَنْت قاضٍ الْوَاحِدَة تبين وَالثَّلَاث تحرمها حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: جَاءَ رجل لِابْنِ عَبَّاس قَالَ: طلقت امْرَأَتي مائَة
قَالَ: نَأْخُذ ثَلَاثًا وَنَدع سَبْعَة وَتِسْعين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: إِذا طلق الرجل امْرَأَته ثَلَاث قبل أَن يدْخل بهَا لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ: سَأَلَ رجل الْمُغيرَة بن شُعْبَة وَأَنا شَاهد عَن رجل طلق امْرَأَته مائَة قَالَ: ثَلَاث تحرم وَسبع وَتسْعُونَ فضل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُوَيْد بن عفلة قَالَ: كَانَت عَائِشَة الخثعمية عِنْد الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا فَلَمَّا قتل عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَت: لِتَهْنَكَ الْخلَافَة قَالَ: يقتل عَليّ وتظهرين الشماتة اذهبي فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا
قَالَ: فتلفعت ثِيَابهَا وَقَعَدت حَتَّى قَضَت عدتهَا فَبعث إِلَيْهَا بِبَقِيَّة لَهَا من صَدَاقهَا وَعشرَة آلَاف صَدَقَة فَلَمَّا جاءها الرَّسُول قَالَت: مَتَاع قَلِيل من حبيب مفارق
فَلَمَّا بلغه قَوْلهَا بَكَى: ثمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعت جدي أَو حَدثنِي أبي: أَنه سمع جدي قَول: أَيّمَا رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا عِنْد الاقراء أَو ثَلَاثًا مُبْهمَة لم تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره لراجعتها
وَأخرج الشَّافِعِي وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ركابة بن عبد يزِيد
أَنه طلق امْرَأَته سهيمة الْبَتَّةَ فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك وَقَالَ: وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة فَقَالَ: ركَانَة وَالله مَا أردْت إِلَّا وَاحِدَة
فَردهَا إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَطلقهَا الثَّانِيَة فِي زمَان عمر وَالثَّالِثَة فِي زمَان عُثْمَان
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عبد الله بن عَليّ بن زيد بن ركَانَة عَن أَبِيه عَن جده ركَانَة أَنه طلق امْرَأَته الْبَتَّةَ فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا أردْت بهَا قَالَ: وَاحِدَة
قَالَ: وَالله مَا أردْت بهَا إِلَّا وَاحِدَة قَالَ: وَالله مَا أردْت بهَا إِلَّا وَاحِدَة
قَالَ: هُوَ مَا أردْت فَردهَا عَلَيْهِ(1/667)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الطَّلَاق على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وسنتين من خلَافَة عمر طَلَاق الثَّلَاث وَاحِدَة فَقَالَ عمر بن الْخطاب: أَن النَّاس قد استعجلوا فِي أَمر كَانَت لَهُم فِيهِ أَنَاة فَلَو امضيناه عَلَيْهِم فأمضاه عَلَيْهِم
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس
أَن أَبَا الصَّهْبَاء قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: أتعلم أَنما كَانَت الثَّلَاث وَاحِدَة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وَثَلَاثًا من امارة عمر قَالَ ابْن عَبَّاس: نعم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس
أَن رجلا يُقَال لَهُ أَبُو الصَّهْبَاء كَانَ كثير السُّؤَال لِابْنِ عَبَّاس قَالَ: أما علمت أَن الرجل كَانَ إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا جعلوها وَاحِدَة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وصدرا من امارة عمر قَالَ ابْن عَبَّاس: بلَى كَانَ الرجل إِذا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا جعلوها وَاحِدَة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بكر وصدرا من امارة عمر فَلَمَّا رأى النَّاس قد تتابعوا فِيهَا قَالَ: أجيزوهن عَلَيْهِم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ طلق عبد يزِيد أَبُو ركَانَة أم ركَانَة ونكح امْرَأَة من مزينة فَجَاءَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: مَا يُغني عني إِلَّا كَمَا تغني هَذِه الشعرة لشعرة أَخَذتهَا من رَأسهَا فَفرق بيني وَبَينه
فَأخذت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حمية فَدَعَا بركانة وَإِخْوَته ثمَّ قَالَ لجلسائه: أَتَرَوْنَ فلَانا يشبه مِنْهُ كَذَا وَكَذَا من عبد يزِيد وَفُلَانًا مِنْهُ كَذَا وَكَذَا قَالُوا: نعم
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد يزِيد: طَلقهَا
فَفعل
قَالَ: رَاجع امْرَأَتك أم ركَانَة
فَقَالَ: إِنِّي طَلقتهَا ثَلَاثًا يَا رَسُول الله قَالَ: قد علمت ارجعها وتلا (يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن) _ الطَّلَاق الْآيَة 1)(1/668)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: طلق ركَانَة امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مجْلِس وَاحِد فَحزن عَلَيْهَا حزنا شَدِيدا فَسَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَيفَ طَلقتهَا قَالَ: طَلقتهَا ثَلَاثًا فِي مجْلِس وَاحِد
قَالَ: نعم فَإِنَّمَا تِلْكَ وَاحِدَة فارجعها إِن شِئْت
فَرَاجعهَا
فَكَانَ ابْن عَبَّاس يرى إِنَّمَا الطَّلَاق عِنْد كل طهر فَتلك السّنة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا النَّاس وَالَّتِي أَمر الله بهَا (فطلقوهن لعدتهن)
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بِفَم وَاحِدَة فَهِيَ وَاحِدَة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن أبي مليكَة
أَن أَبَا الجوزاء أَتَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: أتعلم أَن ثَلَاثًا كن يرددن على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى وَاحِدَة قَالَ: نعم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَلَاق الَّتِي لم يدْخل بهَا وَاحِدَة
وَأخرج ابْن عدي وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْأَعْمَش قَالَ: بَان بِالْكُوفَةِ شيخ يَقُول: سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب يَقُول: إِذا طلق الرجل امْرَأَته فِي مجْلِس وَاحِد فَإِنَّهُ يرد إِلَى وَاحِدَة وَالنَّاس عنقًا وَاحِدًا إِذْ ذَاك يأتونه ويسمعون مِنْهُ
فَأَتَيْته فقرعت عَلَيْهِ الْبَاب فَخرج إِلَيّ شيخ فَقلت لَهُ: كَيفَ سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب يَقُول فِيمَن طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مجْلِس وَاحِد قَالَ: سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب يَقُول: إِذا طلق الرجل امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مجْلِس وَاحِد فَإِنَّهُ يرد إِلَى وَاحِدَة
قَالَ: فَقلت لَهُ: أَنى سَمِعت هَذَا من عَليّ
قَالَ: أخرج إِلَيْك كتابا فَأخْرج فَإِذا فِيهِ: بِسم الله الرَّحِم الرَّحِيم قَالَ: سَمِعت عَليّ بن أبي طَالب يَقُول: إِذا طلق الرجل امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مجْلِس وَاحِد فقد بَانَتْ مِنْهُ وَلَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره قلت: وَيحك هَذَا غير الَّذِي تَقول قَالَ: الصَّحِيح هُوَ هَذَا وَلَكِن هَؤُلَاءِ أرادوني على ذَلِك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مسلمة بن جَعْفَر الأحمس قَالَ: قلت لجَعْفَر بن مُحَمَّد: يَزْعمُونَ أَن من طلق ثَلَاثًا بِجَهَالَة رد إِلَى السّنة يجعلونه وَاحِدَة عَنْكُم
قَالَ: معَاذ الله مَا هَذَا من قَوْلنَا من طلق ثَلَاثًا فَهُوَ كَمَا قَالَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن بسام الصَّيْرَفِي قَالَ: سَمِعت جَعْفَر بن مُحَمَّد يَقُول: من طلق امْرَأَته بِجَهَالَة أَو علم فقد بَرِئت مِنْهُ
وَأخرج ابْن ماجة عَن الشّعبِيّ قَالَ: قلت لفاطمة بنت قيس: حدثيني عَن طَلَاقك قَالَت: طَلقنِي زَوجي ثَلَاثًا وَهُوَ خَارج إِلَى الْيمن فَأجَاز ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا} الْآيَة أخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل يَأْكُل من مَال امْرَأَته نحلته الَّذِي نحلهَا وَغَيره لَا يرى أَن عَلَيْهِ جنَاحا فَأنْزل الله(1/669)
{وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا} فَلم يصلح لَهُم بعد هَذِه الْآيَة أَخذ شَيْء من أموالهن إِلَّا بِحَقِّهَا ثمَّ قَالَ {إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله} وَقَالَ (فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئاً) (النِّسَاء الْآيَة 4)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله} قَالَ: إِلَّا أَن يكون النُّشُوز وَسُوء الْخلق من قبلهَا فتدعوك إِلَى أَن تَفْتَدِي مِنْك فَلَا جنَاح عَلَيْك فِيمَا افتدت بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَابت بن قيس وَفِي حَبِيبَة وَكَانَت اشتكته إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تردين عَلَيْهِ حديقته قَالَت: نعم
فَدَعَاهُ فَذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ: ويطيب لي ذَلِك قَالَ: نعم قَالَ ثَابت: قد فعلت
فَنزلت {وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله} الْآيَة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة عَن حَبِيبَة بنت سهل الْأنْصَارِيّ أَنَّهَا كَانَت تَحت ثَابت بن قيس وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى الصُّبْح فَوَجَدَهَا عِنْد بَابه فِي الْغَلَس فَقَالَ: من هَذِه فَقَالَت: أَنا حَبِيبَة بنت سهل
فَقَالَ: مَا شَأْنك قَالَت: لَا أَنا وَلَا ثَابت فَلَمَّا جَاءَ ثَابت بن قيس قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذِه حَبِيبَة بنت سهل قد ذكرت مَا شَاءَ الله أَن تذكر
فَقَالَت حَبِيبَة: يَا رَسُول الله كل مَا أَعْطَانِي عِنْدِي
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خُذ مِنْهَا
فَأخذ مِنْهَا وَجَلَست فِي أَهلهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو دَاوُد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عمْرَة عَن عَائِشَة أَن حَبِيبَة بنت سهل كَانَت تَحت ثَابت بن قيس بن شماس فضربها فَكسر يَدهَا فَأَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد الصُّبْح فاشتكته إِلَيْهِ فَدَعَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَابتا فَقَالَ: خُذ بعض مَالهَا وفارقها
قَالَ: وَيصْلح ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: نعم
قَالَ: فَإِنِّي أَصدقتهَا حديقتين فهما بِيَدِهَا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خذهما وفارقها
فَفعل ثمَّ تزَوجهَا أبي بن كَعْب فَخرج بهَا إِلَى الشَّام فَتُوُفِّيَتْ هُنَاكَ
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن(1/670)
جميلَة بنت عبد الله بن سلول امْرَأَة ثَابت بن قيس قَالَت: مَا أَعتب عَلَيْهِ فِي خلق وَلَا دين وَلَكِنِّي لَا أُطِيقهُ بغضاً وأكره الْكفْر فِي الإِسلام
قَالَ: أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته قَالَت: نعم
قَالَ: اقبل الحديقة وَطَلقهَا تَطْلِيقَة
وَلَفظ ابْن ماجة: فَأمره رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْخُذ مِنْهَا حديقته ولايزداد
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة أَنه سُئِلَ هَل كَانَ لِلْخلعِ أصل قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يَقُول: إِن أول خلع فِي الإِسلام فِي أُخْت عبد الله بن أبي أَنَّهَا أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله لَا يجمع رَأْسِي وَرَأسه شَيْء أبدا إِنِّي رفعت جَانب الخباء فرأيته أقبل فِي عدَّة فَإِذا هُوَ أَشَّدهم سواداً واقصرهم قامة وأقبحهم وَجها
قَالَ زَوجهَا: يَا رَسُول الله إِنِّي أعطيتهَا أفضل مَالِي: حديقة لي فَإِن ردَّتْ عَليّ حَدِيقَتِي قَالَ: مَا تَقُولِينَ قَالَت: نعم وَإِن شَاءَ زِدْته
قَالَ: فَفرق بَينهمَا
وَأخرج أَحْمد عَن سهل بن أبي حثْمَة كَانَت حَبِيبَة بنت سهل تَحت ثَابت بن قيس بن شماس فَكَرِهته وَكَانَ رجلا دميماً فَجَاءَت فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِنِّي لَا أرَاهُ فلولا مَخَافَة الله لَبَزَقْتُ فِي وَجهه
فَقَالَ لَهَا: أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته الَّتِي أصدقك قَالَت: نعم
فَردَّتْ عَلَيْهِ حديقته وَفرق بَينهمَا فَكَانَ ذَلِك أول خلع كَانَ فِي الإِسلام
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الله بن رَبَاح عَن جميلَة بنت أبي بن سلول أَنَّهَا كَانَت تَحت ثَابت بن قيس فنشزت عَلَيْهِ فَأرْسل إِلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا جميلَة مَا كرهت من ثَابت قَالَت: وَالله مَا كرهت مِنْهُ دينا وَلَا خلقا إِلَّا أَنِّي كرهت دمامته
فَقَالَ لَهَا: أَتردينَ الحديقة قَالَت: نعم
فَردَّتْ الحديقة وَفرق بَينهمَا
وَأخرج ابْن ماجة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ كَانَت حَبِيبَة بنت سهل تَحت بن قيس بن شمس فَكَرِهته وَكَانَ رجلا دميماً فَقَالَت: يَا رَسُول الله وَالله لَوْلَا مَخَافَة الله إِذا دخل عَليّ بسقت فِي وَجهه فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته قَالَت: نعم
فَردَّتْ عَلَيْهِ حديقته فَفرق بَينهمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن جميلَة بنت أبي بن سلول أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُرِيدُ الْخلْع فَقَالَ لَهَا: مَا أصدقك قَالَت: حديقة
قَالَ: فردي عَلَيْهِ حديقته(1/671)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء قَالَ أَتَت امْرَأَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنِّي أبْغض زَوجي وَأحب فِرَاقه فَقَالَ: أَتردينَ حديقته الَّتِي أصدقك - وَكَانَ أصدقهَا حديقة - قَالَت: نعم
وَزِيَادَة
قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اما زِيَادَة من مَالك فَلَا وَلَكِن الحديقة قَالَت: نعم
فَقضى بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرجل فَأخْبر بِقَضَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: قد قبلت قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرجه من وَجه آخر عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس مَوْصُولا وَقَالَ الْمُرْسل هُوَ الصَّحِيح
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الزبير أَن ثَابت بن قيس بن شماس كَانَت عِنْده زَيْنَب بنت عبد الله بن أُبي بن سلول وَكَانَ أصدقهَا حديقة فَكَرِهته فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته الَّتِي أَعْطَاك قَالَت: نعم وَزِيَادَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أما الزِّيَادَة فَلَا وَلَكِن حديقته قَالَت: نعم
فَأَخذهَا لَهُ وخلى سَبِيلهَا فَلَمَّا بلغ ذَلِك ثَابت بن قيس قَالَ: قد قبلت قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ: أَرَادَت أُخْتِي أَن تختلع من زَوجهَا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ زَوجهَا فَذكرت لَهُ ذَلِك فَقَالَ لَهَا: أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته ويطلقك قَالَت: نعم وأزيده فخلعها فَردَّتْ عَلَيْهِ حديقته وزادته
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس قَالَ: جَاءَت امْرَأَة ثَابت بن قيس بن شماس إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت كلَاما كَأَنَّهَا كرهته فَقَالَ: أَتردينَ عَلَيْهِ حديقته قَالَت: نعم
فَأرْسل إِلَى ثَابت: خُذ مِنْهَا ذَلِك وَطَلقهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله} قَالَ: هَذَا لَهما {فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله} قَالَ: هَذَا لولاة الْأَمر {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ} قَالَ: إِذا كَانَ النُّشُوز وَالظُّلم من قبل الْمَرْأَة فقد أحل الله لَهُ مِنْهَا الْفِدْيَة وَلَا يجوز خلع إِلَّا عِنْد سُلْطَان فإمَّا إِذا كَانَت راضية مغتبطة بجناحه مطيعة لأَمره فَلَا يحل لَهُ أَن يَأْخُذ مِمَّا آتاها شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: إِذا جَاءَ الظُّلم من قبل الْمَرْأَة حل لَهُ الْفِدْيَة وَإِذا جَاءَ من قبل الرجل لم يحل لَهُ مِنْهَا شَيْء
وَأخرج عبد بن حميد عَن عُرْوَة قَالَ: لَا يصلح الْخلْع إِلَّا أَن يكون الْفساد من قبل الْمَرْأَة(1/672)
وَأخرج عبد بن حميد عَن اللَّيْث قَالَ: قَرَأَ مُجَاهِد فِي الْبَقَرَة (إِلَّا أَن يخافا) بِرَفْع الْيَاء
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (إِلَّا أَن يخَافُوا)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن مَيْمُون بن مهْرَان قَالَ: فِي حرف أبيّ بن كَعْب أَن الْفِدَاء تَطْلِيقَة فِيهِ إِلَّا أَن يظنا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله فَإِن ظنا أَن لَا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ لَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل الْخلْع تَطْلِيقَة بَائِنَة
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن أم بكر الأسْلَمِيَّة
أَنَّهَا اخْتلعت من زَوجهَا عبد الله بن أسيد ثمَّ أَتَيَا عُثْمَان بن عَفَّان فِي ذَلِك فَقَالَ: هِيَ تَطْلِيقَة إِلَّا أَن تكون سميت شَيْئا فَهُوَ مَا سميت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن طَاوس
أَن إِبْرَاهِيم بن سعيد بن أبي وَقاص سَأَلَ ابْن عَبَّاس عَن امْرَأَة طَلقهَا زَوجهَا طَلْقَتَيْنِ ثمَّ اخْتلعت مِنْهُ أيتزوجها قَالَ ابْن عَبَّاس: نعم ذكر الله الطَّلَاق فِي أول الْآيَة وَآخِرهَا وَالْخلْع بَين ذَلِك فَلَيْسَ الْخلْع بِطَلَاق ينْكِحهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَاوس قَالَ: لَوْلَا أَنه أعلم لَا يحل لي كِتْمَانه مَا حدثته أحدا كَانَ ابْن عَبَّاس لَا يرى الْفِدَاء طَلَاقا حَتَّى يُطلق ثمَّ يَقُول: أَلا ترى أَنه ذكر الطَّلَاق من قبله ثمَّ ذكر الْفِدَاء فَلم يَجعله طَلَاقا ثمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَة (فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره) (الْبَقَرَة الْآيَة 230) وَلم يَجْعَل الْفِدَاء بَينهمَا طَلَاقا
وَأخرج الشَّافِعِي عَن ابْن عَبَّاس
فِي رجل طلق امْرَأَته تَطْلِيقَتَيْنِ ثمَّ اخْتلعت مِنْهُ يَتَزَوَّجهَا إِن شَاءَ لِأَن الله يَقُول {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} قَرَأَ إِلَى أَن يتراجعا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة أَحْسبهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كل شَيْء أجَازه المَال فَلَيْسَ بِطَلَاق يَعْنِي الْخلْع
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كره أَن يَأْخُذ من المختلعة أَكثر مِمَّا أَعْطَاهَا(1/673)
وَأخرج عبد بن حميد عَن حميد الطَّوِيل قَالَ: قلت لرجاء بن حَيْوَة
إِن الْحسن يكره أَن يَأْخُذ من الْمَرْأَة فَوق مَا أَعْطَاهَا فِي الْخلْع
فَقَالَ: قَالَ قبيصَة بن ذُؤَيْب: اقْرَأ الْآيَة الَّتِي تَلِيهَا {فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن كثير مولى سَمُرَة
أَن امْرَأَة نشزت من زَوجهَا فِي امارة عمر فَأمر بهَا إِلَى بَيت كثير الزبل فَمَكثت ثَلَاثَة أَيَّام ثمَّ أخرجهَا فَقَالَ: كَيفَ رَأَيْت قَالَت: مَا وجدت الرَّاحَة إِلَّا فِي هَذِه الْأَيَّام
فَقَالَ عمر: اخْلَعْهَا وَلَو من قُرْطهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن رَبَاح أَن عمر بن الْخطاب قَالَ فِي المختلعة: تختلع بِمَا دون عقَاص رَأسهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن شهَاب الْخَولَانِيّ
أَن امْرَأَة طَلقهَا زَوجهَا على ألف دِرْهَم فَرفع ذَلِك إِلَى عمر بن الْخطاب فَقَالَ: با عك زَوجك طَلَاقا بيعا وَأَجَازَهُ عمر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن الرّبيع بنت معوّذ بن عفراء قَالَت: كَانَ لي زوج يقل عَليّ الْخَيْر إِذا حضرني ويحرمني إِذا غَابَ عني فَكَانَت مني زلَّة يَوْمًا فَقلت لَهُ اختلع مِنْك بِكُل شَيْء أملكهُ
قَالَ: نعم
فَفعلت فخاصم عمي معَاذ بن عفراء إِلَى عُثْمَان بن عَفَّان فَأجَاز الْخلْع وَأمره أَن يَأْخُذ عقَاص رَأْسِي فَمَا دونه
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع
أَن مولاة صَفِيَّة بنت عبيد امْرَأَة عبد الله بن عمر اخْتلعت من زَوجهَا بِكُل شَيْء لَهَا فَلم يُنكر ذَلِك عبد الله بن عمر
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع أَن ربيع بنت معوذ جَاءَت هِيَ وعمها إِلَى عبد الله بن عمر فاخبرته أَنَّهَا اخْتلعت من زَوجهَا فِي زمَان عُثْمَان بن عَفَّان فَبلغ ذَلِك عُثْمَان فَلم يُنكره فَقَالَ عبد الله بن عمر: عدتهَا عدَّة الْمُطلقَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة بن الزبير
أَن رجلا خلع امْرَأَته فِي ولَايَة عُثْمَان بن عَفَّان عِنْد غير سُلْطَان فَأَجَازَهُ عُثْمَان
وَأخرج مَالك عَن سعيد بن الْمسيب وَابْن شهَاب وَسليمَان بن يسَار أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: عدَّة المختلعة ثَلَاثَة قُرُوء(1/674)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: عدَّة المختلعة مثل عدَّة الْمُطلقَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن نَافِع
أَن الرّبيع اخْتلعت من زَوجهَا فَأتى عَمها عُثْمَان فَقَالَ: تَعْتَد حَيْضَة
قَالَ: وَكَانَ ابْن عمر يَقُول: تَعْتَد ثَلَاث حيض حَتَّى قَالَ هَذَا عُثْمَان فَكَانَ ابْن عمر يُفْتِي بِهِ وَيَقُول: عُثْمَان خيرنا وَأَعْلَمنَا
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر قَالَ: عدَّة المختلعة حَيْضَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: عدَّة المختلعة حَيْضَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن امْرَأَة ثَابت بن قيس اخْتلعت من زَوجهَا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تَعْتَد بِحَيْضَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن الرّبيع بنت معوّذ بن عفراء أَنَّهَا اخْتلعت على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمرهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تَعْتَد بِحَيْضَة
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عبَادَة بن الْوَلِيد عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قلت للربيع بنت معوذ بن عفراء: حدثيني حَدِيثك قَالَت: اخْتلعت من زَوجي ثمَّ جِئْت عُثْمَان فَسَأَلت مَاذَا عَليّ من الْعدة فَقَالَ: لَا عدَّة عَلَيْك إلاَّ أَن يكون حَدِيث عهد بك فتمكثين حَتَّى تحيضي حَيْضَة
قَالَت: إِنَّمَا اتبع فِي ذَلِك قَضَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَرْيَم المغالية وَكَانَت تَحت ثَابت بن قيس فَاخْتلعت مِنْهُ
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن ربيع بنت معوذ بن عفراء أَن ثَابت بن قيس بن شماس ضرب امْرَأَته فَكسر يَدهَا وَهِي جميلَة بنت عبد الله بن أبي فَأتى أَخُوهَا يشتكيه إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأرْسل إِلَى ثَابت فَقَالَ لَهُ: خُذ الَّذِي لَهَا عَلَيْك وخل سَبِيلهَا
قَالَ: نعم
فَأمرهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تَتَرَبَّص حَيْضَة وَاحِدَة فتلحق بِأَهْلِهَا
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير أَنَّهُمَا قَالَا: فِي المختلعة يطلقهَا زَوجهَا قَالَا: لَا يلْزمهَا طَلَاق لِأَنَّهُ طلق مَا لَا يملك
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: إِذا أَرَادَ النِّسَاء الْخلْع فَلَا تكفروهن
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيّمَا امْرَأَة سَأَلت زَوجهَا(1/675)
الطَّلَاق من غير مَا بَأْس فَحَرَام عَلَيْهَا رَائِحَة الْجنَّة وَقَالَ: المختلعات المنافقات
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تسْأَل الْمَرْأَة زَوجهَا الطَّلَاق فِي غير كنهه فتجد ريح الْجنَّة وَإِن رِيحهَا ليوجد من مسيرَة أَرْبَعِينَ عَاما
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ المختلعات والمنتزعات هن المنافقات
وَأخرج ابْن جرير عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المختلعات المنتزعات هن المنافقات
وَأما قَوْله تَعَالَى: {تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تعتدوها} أخرج النَّسَائِيّ عَن مَحْمُود بِمَ لبيد قَالَ أخبر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن رجل طلق امْرَأَته ثَلَاث تَطْلِيقَات جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَان ثمَّ قَالَ: أَيلْعَبُ بِكِتَاب الله وَأَنا بَين أظْهركُم حَتَّى قَامَ رجل وَقَالَ: يَا رَسُول الله أَلا اقتله وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن رَافع بن سحبان أَن رجلا أَتَى عمرَان بن حُصَيْن فَقَالَ: رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فِي مجْلِس قَالَ: أَثم بربه وَحرمت عَلَيْهِ امْرَأَته
فَانْطَلق الرجل فَذكر ذَلِك لأبي مُوسَى يُرِيد بذلك عَيبه فَقَالَ: أَلا ترى أَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: كَذَا وَكَذَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى: الله أكبر فتيا مثل أبي نجيد(1/676)
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)
قَوْله تَعَالَى: فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فَإِن طَلقهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يتراجعا إِن ظنا أَن يُقِيمَا حُدُود الله وَتلك حُدُود الله يبينها لقوم يعلمُونَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد} يَقُول: فَإِن طَلقهَا ثَلَاثًا فَلَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح غَيره
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ} قَالَ: عَاد إِلَى قَوْله (فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان) (الْبَقَرَة الْآيَة 229)(1/676)
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} قَالَ: هَذِه الثَّالِثَة الَّتِي ذكر الله عز وَجل جعل الله عُقُوبَة الثَّالِثَة لَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ} قَالَ: هَذِه الثَّالِثَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن أم سَلمَة أَن غُلَاما لَهَا طلق امْرَأَة تَطْلِيقَتَيْنِ فاستفت أم سَلمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: حرمت عَلَيْهِ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: ينْكح العَبْد امْرَأتَيْنِ وَيُطلق تَطْلِيقَتَيْنِ وَتعْتَد الْأمة حيضتين فَإِن لم تكن تحيض فشهرين
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ يَقُول: إِذا طلق العَبْد امْرَأَته اثْنَتَيْنِ فقد حرمت عَلَيْهِ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره حرَّة كَانَت أم أمة وعدة الْأمة حيضتان وعدة الْحرَّة ثَلَاث حيض
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الْمسيب
أَن نفيعاً مكَاتبا لأم سَلمَة طلق امْرَأَته حرَّة تَطْلِيقَتَيْنِ فاستفتى عُثْمَان بن عَفَّان فَقَالَ لَهُ: حرمت عَلَيْك
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار
أَن نفيعاً مكَاتبا لأم سَلمَة كَانَت تَحْتَهُ حرَّة فَطلقهَا اثْنَتَيْنِ ثمَّ أَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا فَأمره أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَأْتِي عُثْمَان بن عَفَّان يسْأَله عَن ذَلِك فَذهب إِلَيْهِ وَعِنْده زيد بن ثَابت فسألاهما فَقَالَا: حرمت عَلَيْك حرمت عَلَيْك
وَأما قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره ويهزها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَائِشَة بنت عبد الرَّحْمَن بن عتِيك النضري كَانَت عِنْد رِفَاعَة بن عتِيك وَهُوَ ابْن عَمها فَطلقهَا طَلَاقا بَائِنا فتزوّجت بعده عبد الرَّحْمَن بن الزبير الْقرظِيّ فَطلقهَا فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنَّه طَلقنِي قبل أَن يمسني أفأراجع إِلَى الأول قَالَ: لَا حَتَّى يمس
فَلَبثت مَا شَاءَ الله ثمَّ أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لَهُ: إِنَّه قد مسّني
فَقَالَ:(1/677)
كذبت بِقَوْلِك الأوّل فَلم أصدّقك فِي الآخر
فَلَبثت حَتَّى قبض النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَت أَبَا بكر فَقَالَت: أرجع إِلَى الأول فَإِن الآخر قد مسني فَقَالَ أَبُو بكر: شهِدت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَك: لَا تَرْجِعِي إِلَيْهِ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو بكر أَتَت عمر فَقَالَ لَهُ: لَئِن أتيتني بعد هَذِه الْمرة لأرجمنك فَمنعهَا وَكَانَ نزل فِيهَا {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} فيجامعها فَإِن طَلقهَا بعد مَا جَامعهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يتراجعا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت جَاءَت امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنِّي كنت عِنْد رِفَاعَة فطلقني فبنت طَلَاقي فتزوجني عبد الرَّحْمَن بن الزبير وَمَا مَعَه إِلَّا مثل هدبة الثَّوْب فَتَبَسَّمَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: أَتُرِيدِينَ أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة حَتَّى تَذُوقِي عسليته وَيَذُوق عسليتك
وَأخرج وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَن رجلا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فَتزوّجت زوجا وَطَلقهَا قبل أَن يَمَسهَا فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أتحل للْأولِ قَالَ: لَا حَتَّى يَذُوق من عسيلتها كَمَا ذاق الأول
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس
أَن الْمَرْأَة الَّتِي طلق رِفَاعَة الْقرظِيّ اسْمهَا تَمِيمَة بنت وهب بن عبيد وَهِي من بني النَّضِير
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن الزبير بن عبد الرَّحْمَن بن الزبير أَن رِفَاعَة بن سموأل الْقرظِيّ طلق امْرَأَته تَمِيمَة بنت وهب على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثًا فنكحها عبد الرَّحْمَن بن الزبير فَاعْترضَ عَنْهَا فَلم يسْتَطع أَن يَمَسهَا ففارقها فَأَرَادَ رِفَاعَة أَن ينْكِحهَا وَهُوَ زَوجهَا الأول الَّذِي طَلقهَا فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنَهَاهُ أَن يَتَزَوَّجهَا وَقَالَ: لَا تحل لَك حَتَّى تذوق الْعسيلَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزبير بن عبد الرَّحْمَن بن الزبير عَن أَبِيه أَن رِفَاعَة بن سموأل طلق امْرَأَته فَأَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله قد تزَوجنِي عبد الرَّحْمَن وَمَا مَعَه إِلَّا مثل هَذِه وأومأت إِلَى هدبة من ثوبها فَجعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعرض عَن كَلَامهَا ثمَّ قَالَ لَهَا تريدين أَن تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَة حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت(1/678)
سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن رجل طلق امْرَأَته فَتزوّجت غَيره فَدخل بهَا ثمَّ طَلقهَا قبل أَن يواقعها أتحل لزَوجهَا الأول قَالَ: لَا حَتَّى تذوق عسيلة الآخر وَيَذُوق عسيلتها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الرجل يُطلق امْرَأَته ثَلَاثًا فيتزوجها آخر فيغلق الْبَاب ويرخي السّتْر ثمَّ يطلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فَهَل تحل للْأولِ قَالَ: لَا حَتَّى تذوق عُسَيْلَته
وَفِي لفظ: حَتَّى يُجَامِعهَا الآخر
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن رجل كَانَت تَحْتَهُ امْرَأَة فَطلقهَا ثَلَاثًا فَتزوّجت بعده رجلا فَطلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا أتحل لزَوجهَا الأول فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا حَتَّى يكون الآخر قد ذاق من عسيلتها وذاقت من عُسَيْلَته
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَرْأَة يطلقهَا زَوجهَا ثَلَاثًا فتتزوج غَيره فيطلقها قبل أَن يدْخل بهَا فيريد الأول أَن يُرَاجِعهَا قَالَ: لَا حَتَّى يَذُوق عسيلتها
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الله بن عَبَّاس أَن الغميصاء أَو الرميصاء أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَشْتَكِي زَوجهَا أَنه لَا يصل إِلَيْهَا فَلم يلبث أَن جَاءَ زَوجهَا فَقَالَ: يَا رَسُول الله هِيَ كَاذِبَة وَهُوَ يصل إِلَيْهَا وَلكنهَا تُرِيدُ أَن ترجع إِلَى زَوجهَا الأول
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَيْسَ ذَلِك لَك حَتَّى يَذُوق عُسَيْلَتك رجل غَيره
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي هُرَيْرَة وَأنس قَالَا: لَا تحل للأوّل حَتَّى يُجَامِعهَا الآخر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَليّ قَالَ: لَا تحل لَهُ حَتَّى يهزها بِهِ هزيز الْبكر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَا تحل لَهُ حَتَّى يقشقشها بِهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَسَأَلَهُ عَن رجل طلق امْرَأَته ثَلَاثًا فَتَزَوجهَا أَخ لَهُ من غير مُؤَامَرَة مِنْهُ لِيحِلهَا لِأَخِيهِ هَل تحل للْأولِ فَقَالَ: لَا الْإِنْكَاح رَغْبَة كُنَّا نعد هَذَا سِفَاحًا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج أَبُو إِسْحَق الْجوزجَاني عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا الْإِنْكَاح رَغْبَة لَا نِكَاح دُلْسَة وَلَا استهزاء بِكِتَاب الله ثمَّ يَذُوق عسيلتها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوه(1/679)
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُحَلّل والمحلل لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الْمُحَلّل والمحلل لَهُ
وَأخرج ابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُحَلّل والمحلل لَهُ
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أخْبركُم بالتيس الْمُسْتَعَار قَالُوا: بلَى يَا رَسُول الله قَالَ: هُوَ الْمُحَلّل لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعن الله الْمُحَلّل والمحلل لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو بكر بن الْأَثْرَم فِي سنَنه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر أَنه قَالَ: لَا أُوتِيَ بِمُحَلل وَلَا مُحَلل لَهُ إِلَّا رَجَمْتهمَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سُلَيْمَان بن يسَار أَن عُثْمَان بن عَفَّان رفع إِلَيْهِ رجل تزوّج امْرَأَة ليحللها لزَوجهَا فَفرق بَينهمَا وَقَالَ: لَا ترجع إِلَيْهِ الْإِنْكَاح رَغْبَة غير دُلْسَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن عَبَّاس
أَن رجلا سَأَلَهُ فَقَالَ: إِن عمي طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قَالَ: إِن عمك عصى الله فاندمه وأطاع الشَّيْطَان فَلم يَجْعَل لَهُ مخرجا
قَالَ: كَيفَ ترى فِي رجل يحلهَا لَهُ قَالَ: من يُخَادع الله يخدعه
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت
أَنه كَانَ يَقُول فِي الرجل يُطلق الْأمة ثَلَاثًا ثمَّ يَشْتَرِيهَا: إِنَّهَا لَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج مَالك عَن سعيد بن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار أَنَّهُمَا سئلا عَن رجل زوج عبدا لَهُ جَارِيَة فَطلقهَا العَبْد الْبَتَّةَ ثمَّ وَهبهَا سَيِّدهَا لَهُ هَل تحل لَهُ بِملك الْيَمين فَقَالَا: لَا تحل لَهُ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي قَالَ: إِذا كَانَ تَحت الرجل مَمْلُوكَة فَطلقهَا - يَعْنِي الْبَتَّةَ - ثمَّ وَقع عَلَيْهَا سَيِّدهَا لَا يحلهَا لزَوجهَا إِلَّا أَن يكون زوج لَا تحل لَهُ إِلَّا من الْبَاب الَّذِي حرمت عَلَيْهِ(1/680)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَا يحلهَا لزَوجهَا وَطْء سَيِّدهَا حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان
أَن رجلا طلق امْرَأَته ثَلَاثًا قبل أَن يدْخل بهَا فَأتى ابْن عَبَّاس يسْأَله وَعِنْده أَبُو هُرَيْرَة فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِحْدَى المعضلات يَا أَبَا هُرَيْرَة
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة: وَاحِدَة تبتها وَثَلَاث تحرمها
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: نورتها يَا أَبَا هُرَيْرَة
وَأما قَوْله تَعَالَى: {فَإِن طَلقهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا} الْآيَة
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُحَمَّد بن الْحَنَفِيَّة قَالَ: قَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أشكل عَليّ امران
قَوْله {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فَإِن طَلقهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يتراجعا} فدرست الْقُرْآن فَعلمت أَنه يَعْنِي إِذا طَلقهَا زَوجهَا الآخر رجعت إِلَى زَوجهَا الأول الْمُطلق ثَلَاثًا
قَالَ: وَكنت رجلا مذاء فاستحيت أَن أسأَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أجل أَن ابْنَته كَانَت تحتي فَأمرت الْمِقْدَاد بن الْأسود فَسَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ فِيهِ الْوضُوء
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَإِن طَلقهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يتراجعا} يَقُول: إِذا تزوّجت بعد الأول فَدخل بهَا الآخر فَلَا حرج على الأول أَن يتزوّجها إِذا طَلقهَا الآخر أَو مَاتَ عَنْهَا فقد حلت لَهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِن ظنا أَن يُقِيمَا حُدُود الله} يَقُول: إِن ظنا أَن نِكَاحهمَا على غير دُلْسَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {أَن يُقِيمَا حُدُود الله} يَقُول: على أَمر الله وطاعته(1/681)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن بِمَعْرُوف أَو سرحوهن بِمَعْرُوف وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا وَمن يفعل ذَلِك فقد ظلم نَفسه وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات الله هزوا واذْكُرُوا نعْمَة الله عَلَيْكُم وَمَا أنزل عَلَيْكُم من الْكتاب وَالْحكمَة يعظكم بِهِ وَاتَّقوا الله وَاعْمَلُوا إِن الله بِكُل شَيْء عليم(1/681)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ الرجل يُطلق امْرَأَته ثمَّ يُرَاجِعهَا قبل انْقِضَاء عدتهَا ثمَّ يطلقهَا فيفعل بهَا ذَلِك يضارها ويعضلها
فَأنْزل الله {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فأمسكوهن بِمَعْرُوف أَو سرحوهن بِمَعْرُوف وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا}
وَأخرج مَالك وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ثَوْر بن زيد الديلِي أَن الرجل كَانَ يُطلق الْمَرْأَة ثمَّ يُرَاجِعهَا وَلَا حَاجَة لَهُ بهَا وَلَا يُرِيد امساكها إِلَّا كَيْمَا يطول عَلَيْهَا بذلك الْعدة ليضارها فَأنْزل الله {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا وَمن يفعل ذَلِك فقد ظلم نَفسه} يَعِظهُمْ الله بذلك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي رجل من الْأَنْصَار يدعى ثَابت بن يسَار طلق امْرَأَته حَتَّى إِذا إنقضت عدتهَا إِلَّا يَوْمَيْنِ أَو ثَلَاثَة رَاجعهَا ثمَّ طَلقهَا فَفعل ذَلِك بهَا حَتَّى مَضَت لَهَا تِسْعَة أشهر يضارها فَأنْزل الله {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} قَالَ: الضرار أَن يُطلق الرجل تَطْلِيقَة ثمَّ يُرَاجِعهَا عِنْد آخر يَوْم يبْقى من الاقراء ثمَّ يطلقهَا عِنْد آخر يَوْم يبْقى من الاقراء يضارها بذلك
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن فِي هَذِه الْآيَة {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا} قَالَ: هُوَ الرجل يُطلق امْرَأَته فَإِذا أَرَادَت أَن تَنْقَضِي عدتهَا أشهد على رَجعتهَا ثمَّ يطلقهَا فَإِذا أَرَادَت أَن تَنْقَضِي عدتهَا أشهد على رَجعتهَا يُرِيد أَن يطول عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مَسْرُوق فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ الَّذِي يُطلق امْرَأَته ثمَّ يَدعهَا حَتَّى إِذا كَانَ فِي آخر عدتهَا رَاجعهَا لَيْسَ بِهِ ليمسكها وَلَكِن يضارها وَيطول عَلَيْهَا ثمَّ يطلقهَا فَإِذا كَانَ فِي آخر عدتهَا رَاجعهَا فَذَلِك الَّذِي يضار وَذَلِكَ الَّذِي يتَّخذ آيَات الله هزوا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطِيَّة فِي الْآيَة قَالَ: الرجل يُطلق امْرَأَته ثمَّ يسكت عَنْهَا حَتَّى تَنْقَضِي عدتهَا إِلَّا أَيَّامًا يسيرَة ثمَّ يُرَاجِعهَا ثمَّ يطلقهَا فَتَصِير عدتهَا تِسْعَة أَقراء أَو تِسْعَة أشهر فَذَلِك قَوْله {وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا}
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/682)
مَا بَال أَقوام يَلْعَبُونَ بحدود الله يَقُول: قد طَلقتك قد رَاجَعتك قد طَلقتك قد رَاجَعتك قد طَلقتك قد رَاجَعتك لَيْسَ هَذَا طَلَاق الْمُسلمين طلقوا الْمَرْأَة فِي قبل عدتهَا
وَأخرج أَبُو بكر بن أبي دَاوُد فِي كتاب الْمَصَاحِف عَن عُرْوَة قَالَ: نزلت {بِمَعْرُوف وَلَا تمسكوهن ضِرَارًا لتعتدوا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: كَانَ الرجل على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول للرجل زَوجتك ابْنَتي ثمَّ يَقُول: كنت لاعباً
وَيَقُول: قد أعتقت
وَيَقُول: كنت لاعباً
فَأنْزل الله {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات الله هزوا} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث من قالهن لاعباً أَو غير لاعب فهن جائزات: الطَّلَاق وَالْعتاق وَالنِّكَاح
وَأخرج ابْن أبي عمر فِي مُسْنده وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كَانَ الرجل يُطلق ثمَّ يَقُول: لعبت
وَيعتق ثمَّ يَقُول: لعبت
فَأنْزل الله {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات الله هزوا} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طلق أَو أعتق فَقَالَ: لعبت
فَلَيْسَ قَوْله بِشَيْء يَقع عَلَيْهِ وَيلْزمهُ
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ طلق رجل امْرَأَته وَهُوَ يلْعَب لَا يُرِيد الطَّلَاق فَأنْزل الله {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات الله هزوا} فألزمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الطَّلَاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: كَانَ الرجل يُطلق وَيَقُول: كنت لاعباً وَيعتق وَيَقُول: كنت لاعباً وينكح وَيَقُول: كنت لاعباً
فَأنْزل الله {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات الله هزوا} وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طلق أَو أعتق أَو نكح أَو أنكح جاداً أَو لاعباً فقد جَازَ عَلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الْحسن عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كَانَ الرجل فِي الْجَاهِلِيَّة يُطلق ثمَّ يَقُول: كنت لاعباً ثمَّ يعْتق وَيَقُول: كنت لاعبا
فَأنْزل الله {وَلَا تَتَّخِذُوا آيَات الله هزوا} فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طلق أَو حرم أَو نكح أَو أنكح فَقَالَ: إِنِّي كنت لاعباً فَهُوَ جاد
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي(1/683)
هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد
النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالرَّجْعَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: أَربع مقفلات: النّذر وَالطَّلَاق وَالْعِتْق وَالنِّكَاح
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي المُصَنّف عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: ثَلَاث لَيْسَ فِيهِنَّ لعب
النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعتاق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: ثَلَاث اللاعب فِيهِنَّ كالجاد: النِّكَاح وَالطَّلَاق وَالْعتاق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: ارْبَعْ لَا لعب فِيهِنَّ: النِّكَاح وَالطَّلَاق والعتاقة وَالصَّدَََقَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق من طَرِيق عبد الْكَرِيم بن أُميَّة عَن جعدة بن هُبَيْرَة
أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: ثَلَاث اللاعب فِيهِنَّ والجاد سَوَاء: الطَّلَاق وَالصَّدَََقَة والعتاقة
قَالَ عبد الْكَرِيم
وَقَالَ طلق بن حبيب: وَالْهَدْي وَالنّذر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من طلق وَهُوَ لاعب فطلاقه جَائِز وَمن أعتق وَهُوَ لاعب فعتقه جَائِز وَمن أنكح وَهُوَ لاعب فنكاحه جَائِز
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه جَاءَهُ رجل فَقَالَ: إِنِّي طلقت امْرَأَتي ألفا
وَفِي لفظ: مائَة قَالَ: ثَلَاث تحرمها عَلَيْك وبقيتهن وزر اتَّخذت آيَات الله هزوا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود
أَن رجلا قَالَ لَهُ: إِنِّي طلقت امْرَأَتي مائَة
قَالَ: بَانَتْ مِنْك بِثَلَاث وسائرهن مَعْصِيّة
وَفِي لفظ: عدوان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن دَاوُد بن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: طلق جدي امْرَأَة لَهُ ألف تَطْلِيقَة فَانْطَلق أبي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا اتَّقى الله جدك أما ثَلَاث فَلهُ واما تِسْعمائَة وَسَبْعَة وَتسْعُونَ فعدوان وظلم إِن شَاءَ عذبه وَإِن شَاءَ غفر لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد قَالَ: سُئِلَ ابْن عَبَّاس عَن رجل طلق امْرَأَته عدد النُّجُوم قَالَ: يَكْفِيهِ من ذَلِك رَأس الجوزاء(1/684)
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)
قَوْله تَعَالَى: وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ إِذا تراضوا بَينهم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِك يوعظ بِهِ من كَانَ مِنْكُم يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِكُم أزكى لكم وأطهر وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ
أخرج وَكِيع وَالْبُخَارِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن المنر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن معقل بن يسَار قَالَ: كَانَت لي أُخْت فَأَتَانِي ابْن عَم لي فانكحتها إِيَّاه فَكَانَت عِنْده مَا كَانَت ثمَّ طَلقهَا تَطْلِيقَة لم يُرَاجِعهَا حَتَّى انْقَضتْ الْعدة فهويها وهويته ثمَّ خطبهَا مَعَ الْخطاب فَقلت لَهُ: يَا لكع أكرمتك بهَا وزوجتكما فطلقتها ثمَّ جِئْت تخطبها وَالله لَا ترجع إِلَيْك أبدا وَكَانَ رجلا لابأس بِهِ وَكَانَت الْمَرْأَة تُرِيدُ أَن ترجع إِلَيْهِ فَعلم الله حَاجته إِلَيْهَا وحاجتها إِلَى بَعْلهَا فَأنْزل الله تَعَالَى {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ} قَالَ: فَفِي نزلت هَذِه الْآيَة
فكفرت عَن يَمِيني وأنكحتها إِيَّاه
وَفِي لفظ: فَلَمَّا سَمعهَا معقل قَالَ: سمع لرَبي وَطَاعَة ثمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: أزَوجك وأكرمك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الرجل يُطلق امْرَأَته طَلْقَة أَو طَلْقَتَيْنِ فتقضي عدتهَا ثمَّ يَبْدُو لَهُ تزَوجهَا وان يُرَاجِعهَا وتريد الْمَرْأَة ذَلِك فيمنعها أولياؤها من ذَلِك فَنهى الله أَن يمنعوها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَلَا تعضلوهن} يَقُول: فَلَا تمنعوهن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي امْرَأَة من مزينة طَلقهَا زَوجهَا وأبينت مِنْهُ فعضلها أَخُوهَا معقل بن يسَار يضارها خيفة أَن ترجع إِلَى زَوجهَا الأول
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي معقل بن يسَار وَأُخْته جمل بنت يسَار كَانَت تَحت أبي البداح طَلقهَا فانقضت عدتهَا فَخَطَبَهَا فعضلها معقل
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي إِسْحَق الهمذاني
أَن فَاطِمَة بنت يسَار طَلقهَا(1/685)
زَوجهَا ثمَّ بدا لَهُ فَخَطَبَهَا فَأبى معقل فَقَالَ: زَوَّجْنَاك فطلقتها وَفعلت
فَأنْزل الله {فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ كَانَت لَهُ ابْنة عَم فَطلقهَا زَوجهَا تَطْلِيقَة وَانْقَضَت عدتهَا فَأَرَادَ مراجعتها فَأبى جَابر فَقَالَ: طلقت بنت عمنَا ثمَّ تُرِيدُ أَن تنكحها الثَّانِيَة وَكَانَت الْمَرْأَة تُرِيدُ زَوجهَا فَأنْزل الله {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك {وَإِذا طلّقْتُم النِّسَاء فبلغن أَجلهنَّ فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ إِذا تراضوا بَينهم بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ: إِذا رضيت الصَدَاق
قَالَ: طلق رجل امْرَأَته فندم وندمت
فَأَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا فَأبى وَليهَا فَنزلت هَذِه الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن أبي جَعْفَر قَالَ: إِن الْوَلِيّ فِي الْقُرْآن
يَقُول الله {فَلَا تعضلوهن أَن ينكحن أَزوَاجهنَّ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {إِذا تراضوا بَينهم بِالْمَعْرُوفِ} يَعْنِي بِمهْر وَبَيِّنَة وَنِكَاح مؤتنف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انكحوا الْأَيَامَى
فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَا العلائق بَينهم قَالَ: مَا تراضى عَلَيْهِ أهلوهن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ {وَالله يعلم وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ} قَالَ: الله يعلم من حب كل وَاحِد مِنْهُمَا لصَاحبه مَا لَا تعلم أَنْت أَيهَا الْوَلِيّ(1/686)
وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)
قَوْله تَعَالَى: والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُود لَهُ بولده وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك فَإِن أَرَادَا فصالاً عَن ترَاض مِنْهُمَا وتشاور فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا وَإِن أردتم أَن تسترضعوا أَوْلَادكُم فَلَا جنَاح عَلَيْكُم إِذا سلمتم مَا آتيتم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقوا الله وَاعْلَمُوا أَن الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير(1/686)
أخرج وَكِيع وسُفْيَان وَعبد الرَّزَّاق وآدَم وَعبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ} قَالَ: المطلقات {حَوْلَيْنِ} قَالَ: سنتَيْن {لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا} يَقُول: لَا تأبى أَن ترْضِعه ضِرَارًا لتشق على أَبِيه {وَلَا مَوْلُود لَهُ بولده} يَقُول: وَلَا يضار الْوَالِد بولده فَيمْنَع أمه أَن ترْضِعه ليحزنها بذلك {وعَلى الْوَارِث} قَالَ: يَعْنِي الْوَلِيّ من كَانَ مثل ذَلِك قَالَ: النَّفَقَة بِالْمَعْرُوفِ وكفله ورضاعه إِن لم يكن للمولود مَال وَأَن لَا تضار أمه {فَإِن أَرَادَا فصالاً عَن ترَاض مِنْهُمَا وتشاور} قَالَ: غير مسببين فِي ظلم أَنفسهمَا وَلَا إِلَى صبيهما {فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا وَإِن أردتم أَن تسترضعوا أَوْلَادكُم} قَالَ: خيفة الضَّيْعَة على الصَّبِي {فَلَا جنَاح عَلَيْكُم إِذا سلمتم مَا آتيتم بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ: حِسَاب مَا أرضع بِهِ الصَّبِي
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} قَالَ: هُوَ الرجل يُطلق امْرَأَته وَله مِنْهَا ولد فَهِيَ أَحَق بِوَلَدِهَا من غَيرهَا فهن يرضعن أَوْلَادهنَّ {لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} يَعْنِي يكمل الرضَاعَة {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ} يَعْنِي الْأَب الَّذِي لَهُ ولد {رزقهن} يَعْنِي رزق الْأُم {لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا} يَقُول: لَا يُكَلف الله نفسا فِي نَفَقَة المراضع إِلَّا مَا أطاقت {لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا} يَقُول: لَا يحمل الرجل امْرَأَته أَن يضارها فينزع وَلَدهَا مِنْهَا وَهِي لَا تُرِيدُ ذَلِك {وَلَا مَوْلُود لَهُ بولده} يَعْنِي الرجل يَقُول: لَا يحملن الْمَرْأَة إِذا طَلقهَا زَوجهَا أَن تضاره فتلقي إِلَيْهِ وَلَده مضارة لَهُ {فَإِن أَرَادَا فصالاً} يَعْنِي الْأَبَوَيْنِ أَن يفصلا الْوَلَد عَن اللَّبن دون الْحَوْلَيْنِ {عَن ترَاض مِنْهُمَا} يَقُول: اتفقَا على ذَلِك {وَإِن أردتم أَن تسترضعوا أَوْلَادكُم فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} يَعْنِي لَا حرج على الإِنسان أَن يسترضع لوَلَده ظِئْرًا وَيسلم لَهَا أجرهَا {إِذا سلمتم} لأمر الله يَعْنِي فِي أجر المراضع {مَا آتيتم بِالْمَعْرُوفِ} يَقُول: مَا أعطيتم الظِّئْر من فضل على أجرهَا {وَاتَّقوا الله} يَعْنِي لَا تعصوه ثمَّ حذرهم فَقَالَ {وَاعْلَمُوا أَن الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} أَي بِمَا ذكر عليم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ثمَّ انْطلق بِي فَإِذا أَنا بنساء تنهش ثديهن الْحَيَّات
فَقلت: مَا بَال هَؤُلَاءِ فَقيل: لي هَؤُلَاءِ يمنعن أَوْلَادهنَّ ألبانهن(1/687)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ} قَالَ: إِنَّهَا الْمَرْأَة تطلق أَو يَمُوت عَنْهَا زَوجهَا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس
فِي الَّتِي تضع لسِتَّة أشهر أَنَّهَا ترْضع حَوْلَيْنِ كَامِلين وَإِذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثَلَاثَة وَعشْرين لتَمام ثَلَاثِينَ شهرا وَإِذا وضعت لتسعة أشهر أرضعت احداً وَعشْرين شهرا ثمَّ تَلا (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) (الْأَحْقَاف الْآيَة 15)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} فَجعل الله الرَّضَاع حَوْلَيْنِ كَامِلين {لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} ثمَّ قَالَ {فَإِن أَرَادَا فصالاً عَن ترَاض} فَلَا حرج إِن أَرَادَا أَن يفطماه قبل الْحَوْلَيْنِ وَبعده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْأسود الديلِي أَن عمر بن الْخطاب رفعت إِلَيْهِ امْرَأَة ولدت لسِتَّة أشهر فهمّ برجمها فَبلغ ذَلِك عليا فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا رجم قَالَ الله تَعَالَى {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} وَسِتَّة أشهر فَذَلِك ثَلَاثُونَ شهرا
وَأخرج وَكِيع وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن فَايِد بن عَبَّاس قَالَ: أُتِي عُثْمَان بِامْرَأَة ولدت فِي سِتَّة أشهر فَأمر برجمها فَقَالَ ابْن عَبَّاس: إِنَّهَا تخاصمك بِكِتَاب الله تخصمك يَقُول الله {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} وَيَقُول الله فِي آيَة آخرى (وَحمله وفصاله ثَلَاثُونَ شهرا) (الْأَحْقَاف الْآيَة 15) فقد حَملته سِتَّة أشهر فَهِيَ ترْضِعه لكم حَوْلَيْنِ كَامِلين فَدَعَا بهَا عُثْمَان فخلى سَبِيلهَا
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر من طَرِيق الزُّهْرِيّ
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس عَن الرَّضَاع بعد الْحَوْلَيْنِ فَقَرَأَ {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} وَلَا نرى رضَاعًا بعد الْحَوْلَيْنِ يحرم شَيْئا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق أبي الضُّحَى قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول {والوالدات يرضعن أَوْلَادهنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلين} قَالَ: لَا رضَاع إِلَّا فِي هذَيْن الْحَوْلَيْنِ(1/688)
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا فتق الأمعاء فِي الثدي وَكَانَ قبل الْفِطَام
وَأخرج ابْن عدي وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لايحرم من الرَّضَاع إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا رضَاع بعد فصَال وَلَا يتم بعد احْتِلَام
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن عدي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتم بعد حلم وَلَا رضَاع بعد فصَال وَلَا صمت يَوْم إِلَى اللَّيْل وَلَا وصال فِي الصّيام وَلَا نذر فِي مَعْصِيّة وَلَا نَفَقَة فِي مَعْصِيّة وَلَا يَمِين فِي قطيعة رحم وَلَا تعرب بعد الْهِجْرَة وَلَا هِجْرَة بعد الْفَتْح وَلَا يَمِين لزوجة مَعَ زوج وَلَا يَمِين لولد مَعَ وَالِد وَلَا يَمِين لمملوك مَعَ سَيّده وَلَا طَلَاق قبل نِكَاح وَلَا عتق قبل ملك
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (لمن أَرَادَت أَن تكمل الرضَاعَة)
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} قَالَ: على قدر الميسرة
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {لَا تضار وَالِدَة بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُود لَهُ بولده} يَقُول: لَيْسَ لَهَا أَن تلقي وَلَدهَا عَلَيْهِ وَلَا يجد من يرضعه وَلَيْسَ لَهُ أَن يضارها فينزع مِنْهَا وَلَدهَا وتحب أَن ترْضِعه {وعَلى الْوَارِث} قَالَ: هُوَ ولي الْمَيِّت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء وَإِبْرَاهِيم وَالشعْبِيّ {وعَلى الْوَارِث} قَالُوا: وَارِث الصَّبِي ينْفق عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} قَالَ: كَانَ يلْزم الْوَارِث النَّفَقَة
وَفِي لفظ: نَفَقَة الصَّبِي إِذا لم يكن لَهُ مَال على وَارثه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} يَقُول: على وَارِث الْمَوْلُود إِذا كَانَ لَا مَال لَهُ مثل الَّذِي على وَالِده من أجر الرَّضَاع
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن جريج قَالَ: قلت لعطاء: مَا قَوْله {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} قَالَ: وَارِث الْمَوْلُود مثل مَا ذكر الله
قلت: أيحبس وَارِث(1/689)
الْمَوْلُود إِن لم يكن للمولود مَال بِأَجْر مرضعته وَإِن كره الْوَارِث قَالَ: أفيدعه يَمُوت وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن سِيرِين
أَن امْرَأَة جَاءَت تخاصم فِي نَفَقَة وَلَدهَا وإرث وَلَدهَا إِلَى عبد الله بن عتبَة بن مَسْعُود فَقضى بِالنَّفَقَةِ من مَال الصَّبِي وَقَالَ لوَارِثه: أَلا ترى {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} وَلَو لم يكن لَهُ مَاله لقضيت بِالنَّفَقَةِ عَلَيْك
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: يجْبر الرجل إِذا كَانَ مُوسِرًا على نَفَقَة أَخِيه إِذا كَانَ مُعسرا
وَأخرج عبد بن حميد عَن حَمَّاد قَالَ: يجْبر على كل ذِي رحم محرم
وَأخرج سُفْيَان وَعبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد فِي الْأَمْوَال وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن الْمسيب: أَن عمر بن الْخطاب حبس بني عَم عَليّ منفوس كَلَالَة بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِ مثل الْعَاقِلَة
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} قَالَ: على وَارِث الصَّبِي أَن يسترضع لَهُ مثل مَا على أَبِيه
وَأخرج ابْن جرير والنحاس عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب فِي قَوْله {وعَلى الْوَارِث} قَالَ: هُوَ الصَّبِي
وَأخرج وَكِيع عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ: رضَاع الصَّبِي من نصِيبه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن ابْن عَبَّاس {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} قَالَ: نَفَقَته حَتَّى يفطم إِن كَانَ أَبوهُ لم يتْرك لَهُ مَالا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق مُجَاهِد وَالشعْبِيّ عَن ابْن عَبَّاس {وعَلى الْوَارِث مثل ذَلِك} قَالَ: أَن لَا يضار
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {فَإِن أَرَادَا فصالاً} قَالَ: الْفِطَام
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: التشاور فِيمَا دون الْحَوْلَيْنِ لَيْسَ لَهَا أَن تفطمه إِلَّا أَن يرضى وَلَيْسَ لَهُ أَن يفطمه إِلَّا أَن ترْضى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطاء {وَإِن أردتم أَن تسترضعوا أَوْلَادكُم} قَالَ: أمه أَو غَيرهَا {فَلَا جنَاح عَلَيْكُم إِذا سلمتم} قَالَ: إِذا سلمت لَهَا أجرهَا {مَا آتيتم} قَالَ: مَا أعطيتم(1/690)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب {وَإِن أردتم أَن تسترضعوا أَوْلَادكُم فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} إِذا كَانَ ذَلِك عَن طيب نفس من الْوَالِد والوالدة(1/691)
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)
قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَإِذا بلغن أَجلهنَّ فَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا فعلن فِي أَنْفسهنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين يتوفون} الْآيَة
قَالَ: كَانَ الرجل إِذا مَاتَ وَترك امْرَأَته اعْتدت سنة فِي بَيته ينْفق عَلَيْهَا من مَاله ثمَّ أنزل الله {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} فَهَذِهِ الْآيَة عدَّة الْمُتَوفَّى عَنْهَا إِلَّا أَن تكون حَامِلا فعدتها أَن تضع مَا فِي بَطنهَا
وَقَالَ فِي مِيرَاثهَا (ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم) (النِّسَاء الْآيَة 12) فَبين مِيرَاث الْمَرْأَة وَترك الْوَصِيَّة وَالنَّفقَة {فَإِذا بلغن أَجلهنَّ فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} يَقُول: إِذا طلقت الْمَرْأَة أَو مَاتَ عَنْهَا فَإِذا انْقَضتْ عدتهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهَا أَن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج فَذَلِك الْمَعْرُوف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: ضمت هَذِه الْأَيَّام الْعشْر إِلَى الْأَرْبَعَة أشهر لِأَن الْعشْر فِيهِ ينْفخ الرّوح
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: سَأَلت سعيد بن الْمسيب مَا بَال الْعشْر قَالَ: فِيهِ ينْفخ الرّوح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ربيعَة وَيحيى بن سعيد
أَنَّهُمَا قَالَا فِي قَوْله {وَعشرا} : عشر لَيَال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {فَإِذا بلغن أَجلهنَّ} يَقُول: إِذا انْقَضتْ عدتهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن شهَاب فِي قَوْله {فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} يَعْنِي أولياءها(1/691)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن أبي نجيح عَن مُجَاهِد {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} قَالَ: كَانَت الْعدة تَعْتَد عِنْد أهل زَوجهَا وَاجِبا عَلَيْهَا ذَلِك فَأنْزل الله (وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج فَإِن خرجن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا فعلن فِي أَنْفسهنَّ من مَعْرُوف) (الْبَقَرَة الْآيَة 240) قَالَ: فَجعل الله لَهَا تَمام السّنة سَبْعَة أشهر وَعشْرين لَيْلَة وَصِيَّة إِن شَاءَت سكنت فِي وصيتها وَإِن شَاءَت خرجت
وَهُوَ قَول الله {غير إِخْرَاج} وَقَالَ عَطاء: قَالَ ابْن عَبَّاس: نسخت هَذِه الْآيَة عدتهَا فِي أَهله فَتعْتَد حَيْثُ شَاءَت
وَهُوَ قَول الله (غير إِخْرَاج) قَالَ عَطاء: إِن شَاءَت اعْتدت عِنْد أَهله وسكنت فِي وصيتها وَإِن شَاءَت خرجت لقَوْل الله (فَإِن خرجن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا فعلن فِي أَنْفسهنَّ) قَالَ عَطاء: ثمَّ جَاءَ الْمِيرَاث فنسخ السُّكْنَى فَتعْتَد حَيْثُ شَاءَت وَلَا سُكْنى لَهَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كره للمتوفى عَنْهَا زَوجهَا الطّيب والزينة
وَقَالَ: إِنَّمَا قَالَ الله {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} وَلم يقل: فِي بُيُوتكُمْ تَعْتَد حَيْثُ شَاءَت
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَابْن سعد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن الفريعة بنت مَالك بن سِنَان وَهِي أُخْت أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أَنه جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسأله أَن ترجع إِلَى أَهلهَا فِي بني خدرة وَأَن زَوجهَا خرج فِي طلب أعبد لَهَا أَبقوا حَتَّى إِذا تطرّف الْقدوم لحقهم فَقَتَلُوهُ
قَالَت: فَسَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ارْجع إِلَى أَهلِي فَإِن زَوجي لم يتركني فِي منزل يملكهُ وَلَا نَفَقَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم
فَانْصَرَفت حَتَّى إِذا كنت فِي الْحُجْرَة أَو فِي الْمَسْجِد فدعاني أَو أَمر بِي فَدُعِيت فَقَالَ: كَيفَ قلت قَالَت: فَرددت عَلَيْهِ الْقِصَّة الَّتِي ذكرت لَهُ من شَأْن زَوجي
فَقَالَ: امكثي فِي بَيْتك حَتَّى يبلغ الْكتاب(1/692)
أَجله
قَالَت: فاعتددت فِيهِ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
قَالَت: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَان بن عَفَّان أرسل إِلَيّ فَسَأَلَنِي عَن ذَلِك فَأَخْبَرته فَاتبعهُ وَقضى بِهِ
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق عَن عمر بن الْخطاب: أَنه كَانَ يرد الْمُتَوفَّى عَنْهُن أَزوَاجهنَّ من الْبَيْدَاء يمنعهن من الْحَج
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق عَن ابْن عمر قَالَ: لَا تبيت الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا وَلَا المبتوتة إِلَّا فِي بَيتهَا
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق حميد بن نَافِع عَن زَيْنَب بنت أبي سَلمَة
أَنَّهَا أخْبرته هَذِه الْأَحَادِيث الثَّلَاثَة قَالَت زَيْنَب: دخلت على أم حَبِيبَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين توفّي أَبوهَا سُفْيَان بن حَرْب فدعَتْ بِطيب فِيهِ صفرَة خلوق أَو غَيره فأدهنت بِهِ جَارِيَة ثمَّ مست بِهِ بَطنهَا ثمَّ قَالَت: وَالله مَالِي بالطيب من حَاجَة غير أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول على الْمِنْبَر لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث لَيَال إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَقَالَت زَيْنَب: دخلت على زَيْنَب بنت جحش حِين توفّي أَخُوهَا عبد الله فمسحت مِنْهُ ثمَّ قَالَت: وَالله مَالِي بالطيب من حَاجَة غير أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول على الْمِنْبَر لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث لَيَال إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
وَقَالَت زَيْنَب: سَمِعت أُمِّي أم سَلمَة تَقول: جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن ابْنَتي توفّي عَنْهَا زَوجهَا وَقد اشتكت عينهَا أفنكحلها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا كل ذَلِك يَقُول: لَا ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَقد كَانَت إحداكن فِي الْجَاهِلِيَّة ترمي بالبعرة عِنْد رَأس الْحول
قَالَ حميد: فَقلت لِزَيْنَب: وَمَا ترمي بالبعرة عِنْد رَأس الْحول فَقَالَت زَيْنَب: كَانَت الْمَرْأَة إِذا توفّي عَنْهَا زَوجهَا دخلت حفشاً ولبست شَرَّ ثِيَابهَا وَلم تمس طيبا وَلَا شَيْئا حَتَّى تمر بهَا سنة ثمَّ تُؤْتى بِدَابَّة حمَار أَو شَاة أَو طَائِر فتقتض بِهِ فقلما تقتض بِشَيْء إِلَّا مَاتَ ثمَّ تخرج فتعطى بَعرَة فترمي بهَا ثمَّ تراجع بعد ذَلِك مَا شَاءَت من طيب أَو غَيره
وَأخرج مَالك وَمُسلم من طَرِيق صَفِيَّة بنت أبي عبيد عَن عَائِشَة وَحَفْصَة أُمِّي الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشر
وَقد أخرج(1/693)
النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه حَدِيث عَن حَفْصَة وَحدهَا وَحَدِيث عَائِشَة من طَرِيق عُرْوَة عَنْهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أم عَطِيَّة قَالَت: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشر فَإِنَّهَا لَا تكتحل وَلَا تلبس ثوبا مصبوغاً إِلَّا ثوب عصب وَلَا تمس طيبا إِلَّا إِذا طهرت نبذة من قسط أَو اظفار
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أم سَلمَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا لَا تلبس المصفر من الثِّيَاب وَلَا الممشقة وَلَا الْحلِيّ وَلَا تختضب وَلَا تكتحل
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أم سَلمَة قَالَت: دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين توفّي أَبُو سَلمَة وَقد جعلت على عَيْني صبرا قَالَ: مَا هَذَا يَا أم سَلمَة قلت: إِنَّمَا هُوَ صَبر يَا رَسُول الله لَيْسَ فِيهِ طيب
قَالَ: إِنَّه يشب الْوَجْه فَلَا تجعليه إِلَّا بِاللَّيْلِ وَلَا تمتشطي بالطيب وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خضاب
قلت: بِأَيّ شَيْء امتشط يَا رَسُول الله قَالَ: بالسدر تغلفين بِهِ رَأسك
وَأخرج مَالك عَن سعيد عَن الْمسيب وَسليمَان بن يسَار قَالَا: عدَّة الْأمة إِذا توفّي عَنْهَا زَوجهَا شَهْرَان وَخمْس لَيَال
وَأخرج مَالك عَن ابْن عمر قَالَ: عدَّة أم الْوَلَد إِذا هلك سَيِّدهَا حَيْضَة
وَأخرج مَالك عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد قَالَ: عدَّة أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا حيضتان
وَأخرج مَالك عَن الْقَاسِم بن مُحَمَّد أَن يزِيد بن عبد الْملك فرق بَين الرِّجَال وَنِسَائِهِمْ أُمَّهَات لأَوْلَاد رجال هَلَكُوا فتزوجهن بعد حَيْضَة أَو حيضتين فَفرق بَينهم حَتَّى يعتددن أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
قَالَ الْقَاسِم بن مُحَمَّد: سُبْحَانَ الله يَقُول الله فِي كِتَابه {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} مَا هن لَهُم بِأَزْوَاج
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وصحه عَن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ: لَا تلبسوا علينا سنة نَبينَا فِي أم الْوَلَد إِذا توفّي عَنْهَا سَيِّدهَا عدتهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشر(1/694)
وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
قَوْله تَعَالَى: وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا عرضتم بِهِ من خطْبَة النِّسَاء أَو أكننتم فِي أَنفسكُم علم الله أَنكُمْ ستذكرونهن وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا إِلَّا أَن تَقولُوا قولا مَعْرُوفا وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله وَاعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي أَنفسكُم فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَن الله غَفُور حَلِيم
أخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا عرضتم بِهِ من خطْبَة النِّسَاء} قَالَ: التَّعْرِيض أَن يَقُول إِنِّي أُرِيد التَّزْوِيج وَإِنِّي لأحب امْرَأَة من أمرهَا وأمرها وَإِن من شأني النِّسَاء لَوَدِدْت أَن الله يسر لي امْرَأَة صَالِحَة من غير أَن ينصب لَهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: يعرض لَهَا فِي عدتهَا يَقُول لَهَا: إِن رَأَيْت أَن لَا تسبقيني بِنَفْسِك ولوددت أَن الله قد هيأ بيني وَبَيْنك وَنَحْو هَذَا من الْكَلَام فَلَا حرج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا عرضتم} قَالَ: يَقُول: إِنِّي فِيك رَاغِب ولوددت أَنِّي تَزَوَّجتك حَتَّى يعلمهَا أَن يُرِيد تَزْوِيجهَا من غير أَن يُوجب عقدَة أَو يعاهدها على عهد
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه
أَنه كَانَ يَقُول فِي قَول الله {وَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِيمَا عرضتم بِهِ من خطْبَة النِّسَاء} أَن يَقُول الرجل للْمَرْأَة وَهِي فِي عدتهَا: إِنَّك عَليّ كَرِيمَة وَإِنِّي فِيك رَاغِب وَالله سائق إِلَيْك خيرا أَو رزقا أَو نَحْو هَذَا من القَوْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَا بَأْس بالهدية فِي تَعْرِيض النِّكَاح
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {أَو أكننتم} قَالَ: أسررتم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الضَّحَّاك
مثله(1/695)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {أَو أكننتم فِي أَنفسكُم} قَالَ: أَن يدْخل فَيسلم وَيهْدِي إِن شَاءَ وَلَا يتَكَلَّم بِشَيْء
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي قَوْله {علم الله أَنكُمْ ستذكرونهن} قَالَ: بِالْخطْبَةِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {علم الله أَنكُمْ ستذكرونهن} قَالَ: ذكره إِيَّاهَا فِي نَفسه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} قَالَ: لَا يَقُول لَهَا إِنِّي عاشق وعاهديني أَن لَا تتزوجي غَيْرِي وَنَحْو هَذَا {إِلَّا أَن تَقولُوا قولا مَعْرُوفا} وَهُوَ قَوْله: إِن رَأَيْت أَن لَا تسبقيني بِنَفْسِك
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَكِن لَا تواعدوهن سرا} قَالَ: الزِّنَا كَانَ الرجل يدْخل من أجل الزِّنَا وَهُوَ يعرض النِّكَاح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن الْحسن وَأبي مجلز وَالنَّخَعِيّ
مثله
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {لَا تواعدوهن سرا} قَالَ: السِّرّ: الْجِمَاع
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول امرىء الْقَيْس: أَلا زعمت بسباسة الْيَوْم أنني كَبرت وَأَن لَا يحسن السِّرّ أمثالي وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: بلغنَا أَن معنى {لَا تواعدوهن سرا} الرَّفَث من الْكَلَام أَي لَا يواجهها الرجل فِي تَعْرِيض الْجِمَاع من نَفسه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تواعدوهن سرا} قَالَ: الَّذِي يَأْخُذ عَلَيْهَا عهدا أَو ميثاقاً أَن تحبس نَفسهَا وَلَا تنْكح غَيره
وَأخرج عَن سعيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج سُفْيَان وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {لَا تواعدوهن سرا} قَالَ: لَا يخطبها فِي عدتهَا {إِلَّا أَن تَقولُوا قولا مَعْرُوفا} قَالَ: يَقُول: إِنَّك لجميلة وَإنَّك لفي منصب وَإنَّك لمرغوب فِيك
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا أَن تَقولُوا قولا مَعْرُوفا} قَالَ: يَقُول: إِنَّك لجميلة وَإنَّك لإِلى خير أَو أَن النِّسَاء من حَاجَتي
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح}(1/696)
قَالَ: لَا تنْكِحُوا حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله قَالَ: حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن أبي مَالك {وَلَا تعزموا عقدَة النِّكَاح حَتَّى يبلغ الْكتاب أَجله} قَالَ: لَا يواعدها فِي عدتهَا: إِنِّي أتزوّجك حِين تَنْقَضِي عدتك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَاعْلَمُوا أَن الله يعلم مَا فِي أَنفسكُم فَاحْذَرُوهُ} قَالَ: وَعِيد(1/697)
لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)
قَوْله تَعَالَى: لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة ومتعوهن على الموسع وعَلى المقتر قدره مَتَاعا بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُحْسِنِينَ
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا جنَاح عَلَيْكُم إِن طلّقْتُم النِّسَاء مَا لم تمَسُّوهُنَّ أَو تفرضوا لَهُنَّ فَرِيضَة} قَالَ: الْمس النِّكَاح وَالْفَرِيضَة الصَدَاق {ومتعوهن} قَالَ: هُوَ على الرجل يتزوّج الْمَرْأَة وَلم يسم لَهَا صَدَاقا ثمَّ يطلقهَا قبل أَن يدْخل بهَا فَأمره الله أَن يمتعها على قدر عسره ويسره فَإِن مُوسِرًا أمتعها بخادم أَو نَحْو ذَلِك وَإِن كَانَ مُعسرا أمتعها بِثَلَاثَة أَثوَاب أَو نَحْو ذَلِك
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مُتْعَة الطَّلَاق أَعْلَاهُ الْخَادِم وَدون ذَلِك الْوَرق وَدون ذَلِك الْكسْوَة
وأخلاج عبد الرَّزَّاق وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
أَنه أَمر موسعاً بمتعة فَقَالَ: تُعْطِي كَذَا وتكسو وَكَذَا فَحسب فَوجدَ ثَلَاثِينَ دِرْهَم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن ابْن عمر قَالَ: أدنى مَا يكون من الْمُتْعَة ثَلَاثُونَ درهما
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِذا طلق الرجل امْرَأَته قبل أَن يفْرض لَهَا وَقيل أَن يدْخل بهَا فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا الْمُتْعَة(1/697)
وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
قَوْله تَعَالَى: وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ وَقد فرضتم لَهُنَّ فَرِيضَة فَنصف مَا فرضتم إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح وَأَن تَعْفُو أقرب للتقوى وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم أَن الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير
أخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش
أَنه قَرَأَ {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} وَفِي قِرَاءَة عبد الله (من قبل أَن تجامعوهن)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} الْآيَة
قَالَ: هُوَ الرجل يتزوّج الْمَرْأَة وَقد سمى لَهَا صَدَاقا ثمَّ يطلقهَا من قبل أَن يَمَسهَا - والمس الْجِمَاع - فلهَا نصف صَدَاقهَا وَلَيْسَ لَهَا أَكثر من ذَلِك إِلَّا أَن يعفون وَهِي الْمَرْأَة الثّيّب وَالْبكْر يزوّجها غير أَبِيهَا فَجعل الله الْعَفو لَهُنَّ إِن شئن عفون بتركهن وَإِن شئن أخذن نصف الصَدَاق {أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} وَهُوَ أَبُو الْجَارِيَة الْبكر جعل الله الْعَفو إِلَيْهِ لَيْسَ لَهَا مَعَه أَمر إِذا طلقت مَا كَانَت فِي حجره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والنحاس فِي ناسخه عَن سعيد بن الْمسيب
أَنه قَالَ فِي الَّتِي طلقت قبل الدُّخُول وَقد فرض لَهَا: كَانَ لَهَا الْمَتَاع فِي الْآيَة الَّتِي فِي الْأَحْزَاب فَلَمَّا نزلت الْآيَة الَّتِي الْبَقَرَة جعل لَهَا النّصْف من صَدَاقهَا وَلَا مَتَاع لَهَا فنسخت آيَة الْأَحْزَاب
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن
أَن أَبَا بكر الهدلي سَأَلَهُ عَن رجل طلق امْرَأَته من قبل أَن يدْخل بهَا: أَلهَا مُتْعَة قَالَ: نعم
فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: أما نسختها {فَنصف مَا فرضتم} قَالَ الْحسن: مَا نسخهَا شَيْء
وَأخرج الشَّافِعِي وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ فِي الرجل يتزوّج الْمَرْأَة فيخلو بهَا وَلَا يَمَسهَا ثمَّ يطلقهَا: لَيْسَ لَهَا إِلَّا نصف الصَدَاق لِأَن الله تَعَالَى يَقُول {وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ وَقد فرضتم لَهُنَّ فَرِيضَة فَنصف مَا فرضتم}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لَهَا نصف الصَدَاق وَإِن جلس بَين رِجْلَيْهَا(1/698)
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَول الله {إِلَّا أَن يعفون أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} قَالَ: إِلَّا أَن تدع الْمَرْأَة نصف الْمهْر الَّذِي لَهَا أَو يُعْطِيهَا زَوجهَا النّصْف الْبَاقِي فَيَقُول: كَانَت فِي ملكي وحبستها عَن الْأزْوَاج
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت زُهَيْر بن أبي سلمى وَهُوَ يَقُول: حزماً وَبرا للإِله وشيمة تَعْفُو عَن خلق الْمُسِيء الْمُفْسد وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ بِسَنَد حسن عَن ابْن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح: الزَّوْج
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان وَالْفِرْيَابِي وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ {الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} الزَّوْج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} أَبوهَا أَو أَخُوهَا أَو من لَا تنْكح إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَأخرج الشَّافِعِي عَن عَائِشَة أَنَّهَا كَانَت تخْطب إِلَيْهَا الْمَرْأَة من أَهلهَا فَتشهد فَإِذا بقيت عقدَة النِّكَاح قَالَت لبَعض أَهلهَا: زوج فَإِن الْمَرْأَة لَا تلِي عقد النِّكَاح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَالضَّحَّاك وَشُرَيْح وَابْن الْمسيب وَالشعْبِيّ وَنَافِع وَمُحَمّد بن كَعْب {الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} الزَّوْج
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي بشر قَالَ: قَالَ طَاوس وَمُجاهد {الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} هُوَ الْوَلِيّ
وَقَالَ سعيد بن جُبَير: هُوَ الزَّوْج فَكَلمَاهُ فِي ذَلِك فَمَا برحا حَتَّى تَابعا سعيداً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء وَالْحسن وعلقمة وَالزهْرِيّ {الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} هُوَ الْوَلِيّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: رَضِي الله بِالْعَفو وَأمر بِهِ فَإِن عفت فَكَمَا عفت وَإِن ضنت فَعَفَا وَليهَا الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح جَازَ وَإِن أَبَت(1/699)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِلَّا أَن يعفون} يَعْنِي النِّسَاء {أَو يعْفُو الَّذِي بِيَدِهِ عقدَة النِّكَاح} هُوَ الْوَلِيّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن الْمسيب قَالَ: عَفْو الزَّوْج إتْمَام الصَدَاق وعفوها أَن تضع شطرها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن تعفوا أقرب للتقوى} قَالَ: أقربهما إِلَى التَّقْوَى الَّذِي يعْفُو
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {وَأَن تعفوا أقرب للتقوى} يَعْنِي بذلك الزَّوْج وَالْمَرْأَة جَمِيعًا أَمرهمَا أَن يستبقا فِي الْعَفو وَفِيه الْفضل
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَأَن تعفوا} قَالَ: يَعْنِي الْأزْوَاج
وَأخرج وَكِيع وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} قَالَ: فِي هَذَا وَفِي غَيره
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} قَالَ: الْمَعْرُوف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: يحثهم على الْفضل وَالْمَعْرُوف بَينهم ويرغبهم فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي وَائِل {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} قَالَ: هُوَ الرجل يتزوّج فتعينه أَو يُكَاتب فتعينه وَأَشْبَاه ذَلِك هَذَا من الْعَطِيَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عون بن عبد الله {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم} قَالَ: إِذا أَتَى أحدكُم السَّائِل وَلَيْسَ عِنْده شَيْء فَليدع لَهُ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن أبي حَاتِم والخرائطي فِي مساوىء الْأَخْلَاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ يُوشك أَن يَأْتِي على النَّاس زمَان عضوض يعَض الْمُوسر فِيهِ على مَا فِيهِ يَدَيْهِ وينسى الْفضل وَقد نهى الله عَن ذَلِك قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تنسوا الْفضل بَيْنكُم}
وَأخرجه ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن عَليّ مَرْفُوعا
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن جُبَير بن مطعم عَن أَبِيه أَنه تزوّج امْرَأَة لم يدْخل بهَا حَتَّى طَلقهَا فَأرْسل إِلَيْهَا بِالصَّدَاقِ تَاما فَقيل لَهُ فِي ذَلِك
فَقَالَ: أَنا أولى بِالْفَضْلِ(1/700)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن نَافِع
أَن بنت عبيد الله بن عَمْرو وَأمّهَا بنت زيد بن الْخطاب كَانَت تَحت ابْن لعبد الله بن عمر فَمَاتَ وَلم يدْخل بهَا وَلم يسم لَهَا صَدَاقا فابتغت أمهَا صَدَاقهَا فَقَالَ ابْن عمر: لَيْسَ لَهَا صدَاق وَلَو كَانَ لَهَا صدَاق لم نمنعكموه وَلم نظلمها فَأَبت أَن تقبل ذَلِك فَجعل بَينهم زيد بن ثَابت فَقضى أَن لَا صدَاق لَهَا وَلها الْمِيرَاث
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَلْقَمَة
أَن قوما أَتَوا ابْن مَسْعُود فَقَالُوا: إِن رجلا منا تزوّج امْرَأَة وَلم يفْرض لَهَا صَدَاقا وَلم يجمعها إِلَيْهِ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ: مَا سُئِلت عَن شَيْء مُنْذُ فَارَقت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد من هَذِه فَأتوا غَيْرِي فَاخْتَلَفُوا إِلَيْهِ فِيهَا شهرا ثمَّ قَالُوا فِي آخر ذَلِك: من نسْأَل إِذا لم نَسْأَلك وَأَنت آخر أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْبَلَد وَلَا نجد غَيْرك فَقَالَ: سأقول فِيهَا بِجهْد رَأْيِي فَإِن كَانَ صَوَابا فَمن الله وَحده لَا شريك لَهُ وَإِن كَانَ خطأ فمني وَالله وَرَسُوله مِنْهُ بَرِيء: أرى أَن أجعَل لَهَا صَدَاقا كصداق نسائها لَا وكس وَلَا شطط وَلها الْمِيرَاث وَعَلَيْهَا الْعدة أَرْبَعَة أشهر وَعشر
قَالَ: وَذَلِكَ بسمع نَاس من أَشْجَع فَقَامُوا وَمِنْهُم معقل بن سِنَان فَقَالُوا: نشْهد إِنَّك قضيت بِمثل الَّذِي قضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي امْرَأَة منا يُقَال لَهَا بروع بنت واشق
قَالَ: فَمَا رُؤِيَ عبد الله فَرح بِشَيْء مَا فَرح يؤمئذ إِلَّا بِإِسْلَامِهِ ثمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِن كَانَ صَوَابا فمنك وَحدك لَا شريك لَك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه قَالَ فِي الْمُتَوفَّى عَنْهَا وَلم يفْرض لَهَا صدَاق: لَهَا الْمِيرَاث وَعَلَيْهَا الْعدة وَلَا صدَاق لَهَا وَقَالَ: لَا نقبل قَول الْأَعرَابِي من أَشْجَع على كتاب الله
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه سُئِلَ عَن الْمَرْأَة يَمُوت عَنْهَا زَوجهَا وَقد فرض لَهَا صَدَاقا قَالَ: لَهَا الصَدَاق وَالْمِيرَاث
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن الْمسيب
أَن عمر بن الْخطاب قضى فِي الْمَرْأَة يتزوّجها الرجل: أَنه إِذا أرخيت الستور فقد وَجب الصَدَاق
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْأَحْنَف بن قيس
أَن عمر وعليا رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَا: إِذا أرْخى سترا وأغلق بَابا فلهَا الصَدَاق كَامِلا وَعَلَيْهَا الْعدة(1/701)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة عَن زُرَارَة بن أوفى قَالَ: قَضَاء الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين أَنه من أغلق بَابا أَو أرْخى سترا فقد وَجب الصَدَاق وَالْعدة
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: إِذا دخل الرجل بامرأته فأرخيت عَلَيْهِمَا السّتْر فقد وَجب الصَدَاق
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُحَمَّد بن ثَوْبَان
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من كشف امْرَأَة فَنظر إِلَى عورتها فقد وَجب الصَدَاق(1/702)
حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238)
قَوْله تَعَالَى: حَافظُوا على الصَّلَوَات والصلوة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {حَافظُوا على الصَّلَوَات} يَعْنِي المكتوبات
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ فِي قِرَاءَة عبد الله: (حَافظُوا على الصَّلَوَات وعَلى الصلوة الْوُسْطَى)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير عَن مَسْرُوق فِي قَوْله {حَافظُوا على الصَّلَوَات} قَالَ: الْمُحَافظَة عَلَيْهَا الْمُحَافظَة على وَقتهَا والسهو عَنْهَا السَّهْو عَن وَقتهَا
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أهل نجد ثَائِر الرَّأْس نسْمع دوِي صَوته وَلَا نفقه مَا يَقُول: حَتَّى دنا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا هُوَ يسْأَل عَن الإِسلام فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خمس صلوَات فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة
فَقَالَ: هَل عَليّ غَيْرهنَّ قَالَ: لَا إِلَّا أَن تطوّع وَصِيَام شهر رَمَضَان فَقَالَ: هَل عَليّ غَيره قَالَ: لَا إِلَّا أَن تطوّع
وَذكر لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة فَقَالَ: هَل عَليّ غَيرهَا قَالَ: لَا إِلَّا أَن تطوّع - فَأَدْبَرَ الرجل وَهُوَ يَقُول: وَالله لَا أَزِيد على هَذَا وَلَا أنقص مِنْهُ
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَفْلح إِن صدق
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أنس قَالَ نهينَا أَن نسْأَل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن شَيْء فَكَانَ يعجبنا أَن يَجِيء الرجل من أهل الْبَادِيَة الْعَاقِل فيسأله(1/702)
وَنحن نسْمع فجَاء رجل من أهل الْبَادِيَة فَقَالَ: يَا مُحَمَّد أَتَانَا رَسُولك فَزعم لنا أَنَّك تزْعم أَن الله أرسلك قَالَ: صدق
قَالَ: فَمن خلق السَّمَاء قَالَ: الله
قَالَ: فَمن خلق الأَرْض قَالَ: الله
قَالَ: فَمن نصب الْجبَال وَجعل فِيهَا مَا جعل قَالَ: الله
قَالَ: فبالذي خلق السَّمَاء وَخلق الأَرْض وَنصب الْجبَال الله أرسلك قَالَ: نعم
قَالَ: وَزعم رَسُولك أَن علينا خمس صلوَات فِي يَوْمنَا وليلتنا قَالَ: صدق
قَالَ: فبالذي أرسلك آللَّهُ أَمرك بِهَذَا قَالَ: نعم
قَالَ: وَزعم رَسُولك أَن علينا زَكَاة فِي أَمْوَالنَا قَالَ: صدق
قَالَ: فبالذي أرسلك الله أَمرك بِهَذَا قَالَ: نعم
قَالَ: وَزعم رَسُولك أَن علينا صَوْم شهر رَمَضَان فِي سنتنا قَالَ: صدق
قَالَ: فبالذي أرسلك الله أَمرك بِهَذَا قَالَ: نعم
قَالَ: وَزعم رَسُولك أَن علينا حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا
قَالَ: صدق
قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا أَزِيد عَلَيْهِنَّ وَلَا انْتقصَ مِنْهُنَّ
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَئِن صدق ليدخلن الْجنَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي أَيُّوب قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: دلَّنِي على عمل أعمله يدنيني من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار
قَالَ: تعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة وتؤتي الزَّكَاة وَتصل ذَا رَحِمك
فَلَمَّا أدبر قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن تمسك بِمَا أَمر بِهِ دخل الْجنَّة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة أَن أَعْرَابِيًا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله دلَّنِي على عمل إِذا عملته دخلت الْجنَّة قَالَ: تعبد الله لَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وتؤتي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة وتصوم رَمَضَان
قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا أَزِيد على هَذَا شَيْئا أبدا وَلَا أنقص مِنْهُ فَلَمَّا ولى قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من سره أَن ينظر إِلَى رجل من أهل الْجنَّة فَلْينْظر إِلَى هَذَا
وَأخرج مُسلم عَن جَابر أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَرَأَيْت إِذا صليت الصَّلَوَات المكتوبات وَصمت رَمَضَان وأحللت الْحَلَال وَحرمت الْحَرَام وَلم أَزْد على ذَلِك شَيْئا أَدخل الْجنَّة قَالَ: نعم
قَالَ: وَالله لَا أَزِيد على ذَلِك شَيْئا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث معَاذًا إِلَى الْيمن فَقَالَ: إِنَّك ستأتي قوما أهل كتاب فَإِذا جئتهم فادعهم إِلَى أَن يشْهدُوا أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَإِن هم أطاعوا(1/703)
لذَلِك فاعلمهم أَن الله قد فرض عَلَيْهِم خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة فَإِن هم أطاعوا فاعلمهم أَن الله قد فرض عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد على فقرائهم فَإِن هم أطاعوا لذَلِك فإياك وكرائم أَمْوَالهم وَاتَّقِ دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهُ لَيْسَ بَينهَا وَبَين الله حجاب
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي قَتَادَة بن ربعي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: إِنِّي افترضت على أمتك خمس صلوَات وعهدت عِنْدِي عهدا أَنه من حَافظ عَلَيْهِنَّ لوقتهن أدخلته الْجنَّة فِي عهدي وَمن لم يحافظ عَلَيْهِنَّ فَلَا عهد لَهُ عِنْدِي
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن فضَالة اللَّيْثِيّ قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعلمني فِيمَا عَلمنِي أَن قَالَ: وحافظ على الصَّلَوَات الْخمس فِي مواقيتهن
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: خمس صلوَات كتبهن الله تبَارك وَتَعَالَى على الْعباد فَمن جَاءَ بِهن وَلم يضيع مِنْهُنَّ شَيْئا اسْتِخْفَافًا بحقهن وَفِي لفظ: من أحسن وضوءهن وصلاتهن لوقتهن وَأتم ركوعهن وخشوعهن كَانَ لَهُ على الله تبَارك وَتَعَالَى عهد أَن يغْفر لَهُ وَمن لم يفعل فَلَيْسَ لَهُ على الله إِن شَاءَ غفر لَهُ وَإِن شَاءَ عذبه
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ: قَالَ رجل يَا رَسُول الله كم افْترض الله على عباده من الصَّلَاة [] قَالَ: هَل قبلهن أَو بعدهن شَيْء قَالَ: افْترض الله على عباده صلوَات خمْسا
فَحلف الرجل بِاللَّه لَا يزِيد عَلَيْهِنَّ وَلَا ينقص
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن صدق دخل الْجنَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ عَن فضَالة الزُّهْرِيّ قَالَ عَلمنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَافظ على الصَّلَوَات الْخمس
فَقلت: إِن هَذِه سَاعَات لي فِيهَا اشْتِغَال فمرني بِأَمْر جَامع إِذا أَنا فعلته اجزأ عني
فَقَالَ: حَافظ على العصرين وَمَا كَانَت من لغتنا فَقلت: وَمَا العصران قَالَ: صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة قبل غُرُوبهَا
وَأخرج مَالك وَأحمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَالْحكم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَامر بن سعيد قَالَ سَمِعت سَعْدا وناساً من الصَّحَابَة يَقُولُونَ: كَانَ(1/704)
رجلَانِ أَخَوان فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ أَحدهمَا أفضل من الآخر فَتوفي الَّذِي هُوَ أفضلهما ثمَّ عمر الآخر بعده أَرْبَعِينَ لَيْلَة ثمَّ توفّي فَذكرُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَضِيلَة الأول فَقَالَ: ألم يكن الآخر يُصَلِّي قَالُوا: بلَى وَكَانَ لَا بَأْس بِهِ
قَالَ: فَمَا يدريكم مَا بلغت بِهِ صلَاته إِنَّمَا مثل الصَّلَاة كَمثل نهر جَار بِبَاب رجل غمرٌ عذبٌ يقتحم فِيهِ كل يَوْم خمس مَرَّات فَمَاذَا ترَوْنَ يبْقى من درنه لَا تَدْرُونَ مَاذَا بلغت بِهِ صلَاته
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ كَانَ رجلَانِ من بني حَيّ من قضاعة أسلما مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستشهد أَحدهمَا وَأخر الآخر سنة قَالَ طَلْحَة بن عبيد الله: فَرَأَيْت الْمُؤخر مِنْهُمَا أَدخل الْجنَّة قبل الشَّهِيد فتعجبت لذَلِك فاصبحت فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَلَيْسَ قد صَامَ بعده رَمَضَان وَصلى سِتَّة آلَاف رَكْعَة وَكَذَا وَكَذَا رَكْعَة صَلَاة سنة
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَالْبَزَّار وَأَبُو يعلى عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من علم أَن الصَّلَاة حق وَاجِب دخل الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله افْترض على الْعباد خمس صلوَات فِي كل يَوْم وَلَيْلَة
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أول مَا افْترض الله على النَّاس من دينهم الصَّلَاة وَآخر مَا يبْقى الصَّلَاة وَأول مَا يُحَاسب بِهِ الصَّلَاة يَقُول الله: انْظُرُوا فِي صَلَاة عَبدِي فَإِن كَانَت تَامَّة كتبت تَامَّة وَإِن كَانَت نَاقِصَة قَالَ: انْظُرُوا هَل لَهُ من تطوّع فَإِن وجد لَهُ تطوّع تمت الْفَرِيضَة من التطوّع ثمَّ يَقُول: هَل زَكَاته تَامَّة فَإِن وجدت زَكَاته تَامَّة كتبت تَامَّة وَإِن كَانَت نَاقِصَة قَالَ: انْظُرُوا هَل لَهُ صَدَقَة فَإِن كَانَت لَهُ صَدَقَة تمت زَكَاته من الصَّدَقَة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن حَنْظَلَة الْكَاتِب قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من حَافظ على الصَّلَوَات الْخمس: ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وَعلم أَنَّهُنَّ حق من عِنْد الله دخل الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أول مَا يُحَاسب بِهِ(1/705)
العَبْد يَوْم الْقِيَامَة الصَّلَاة فَإِن صلحت صلح لَهُ سَائِر عمله وَإِن فَسدتْ فسد سَائِر عمله
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ذكر الصَّلَاة يَوْمًا فَقَالَ: من حَافظ عَلَيْهَا كَانَت لَهُ نورا وبرهاناً وَنَجَاة يَوْم الْقِيَامَة وَمن لم يحافظ عَلَيْهَا لم يكن لَهُ نور وَلَا برهَان وَلَا نجاة وَكَانَ يَوْم الْقِيَامَة مَعَ فِرْعَوْن وهامان وَأبي بن خلف
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا سهم فِي الإِسلام لمن لَا صَلَاة لَهُ وَلَا صَلَاة لمن لَا وضوء لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا إِيمَان لمن لَا أَمَانَة لَهُ وَلَا صَلَاة لمن لَا طهُور لَهُ وَلَا دين لمن لَا صَلَاة لَهُ إِنَّمَا مَوضِع الصَّلَاة من الدّين كموضع الرَّأْس من الْجَسَد
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ أَبُو الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جَاءَ بِصَلَاة الْخمس يَوْم الْقِيَامَة قد حَافظ على وضوئها ومواقيتها وركوعها وسجودها لم ينقص مِنْهَا شَيْئا جَاءَ وَله عِنْد الله عهدا أَن لَا يعذبه وَمن جَاءَ قد انْتقصَ مِنْهُنَّ شَيْئا فَلَيْسَ لَهُ عِنْد الله عهد إِن شَاءَ رَحمَه وَإِن شَاءَ عذبه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاث من حفظهن فَهُوَ ولي حَقًا وَمن ضيعهن فَهُوَ عدوّ حَقًا: الصَّلَاة وَالصِّيَام والجنابة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لمن حوله من أمته: اكفلوا لي بست أكفل لكم بِالْجنَّةِ
قلت: مَا هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ: الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْأَمَانَة والفرج والبطن وَاللِّسَان
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعَائِشَة: اهجري الْمعاصِي فَإِنَّهَا خير الْهِجْرَة وحافظي على الصَّلَوَات فانها أفضل من الْبر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى الصَّلَوَات لوَقْتهَا وأسبغ لَهَا وضوءها وَأتم لَهَا قِيَامهَا وخشوعها وركوعها وسجودها خرجت وَهِي بَيْضَاء مسفرة تَقول: حفظك الله كَمَا حفظتني وَمن صلى لغير وَقتهَا وَلم سبغ لَهَا وضوءها وَلم يتم لَهَا خشوعها وَلَا ركوعها وَلَا سجودها خرجت وَهِي سَوْدَاء مظْلمَة تَقول: ضيعك الله كَمَا ضيعتني
حَتَّى إِذا كَانَت حَيْثُ شَاءَ الله لفت كَمَا يلف الثَّوْب الْخلق ثمَّ يضْرب بهَا وَجهه(1/706)
وَأخرج مُحَمَّد وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنحن نَنْتَظِر صَلَاة الظّهْر فَقَالَ: هَل تَدْرُونَ مَا يَقُول ربكُم قُلْنَا: لَا
قَالَ: فَإِن ربكُم يَقُول: من صلى الصَّلَوَات لوَقْتهَا وحافظ عَلَيْهَا وَلم يضيعها اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهَا فَلهُ عليّ عهد أَن أدخلهُ الْجنَّة وَمن لم يصلها لوَقْتهَا وَلم يحافظ عَلَيْهَا وضيعها استخفاف بِحَقِّهَا فَلَا عهد لَهُ عَليّ إِن شِئْت عَذبته وَإِن شِئْت غفرت لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج على أَصْحَابه يَوْمًا فَقَالَ لَهُم: هَل تَدْرُونَ مَا يَقُول ربكُم تبَارك وَتَعَالَى قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَهَا ثَلَاثًا
قَالَ: قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا يُصليهَا عبد لوَقْتهَا إِلَّا أدخلته الْجنَّة وَمن صلاهَا لغير وَقتهَا إِن شِئْت رَحمته وَإِن شِئْت عَذبته
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَوَضَّأ العَبْد فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاة فَأَتمَّ ركوعها وسجودها وَالْقِرَاءَة فِيهَا
قَالَت: حفظك الله كَمَا حفظتني ثمَّ أصعد بهَا إِلَى السَّمَاء وَلها ضوء وَنور وَفتحت لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وَإِذا لم يحسن العَبْد الْوضُوء وَلم يتم الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالْقِرَاءَة قَالَت: ضيعك الله كَمَا ضيعتني ثمَّ تلف كَمَا يلف الثَّوْب الْخلق ثمَّ يضْرب بهَا وَجه صَاحبهَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن حبَان عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رجلا جَاءَ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن أفضل الْأَعْمَال فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الصَّلَاة
قَالَ: ثمَّ مَه قَالَ: ثمَّ الصَّلَاة
قَالَ: ثمَّ مَه قَالَ: ثمَّ الصَّلَاة ثَلَاث مَرَّات
قَالَ: ثمَّ مَه قَالَ: ثمَّ الْجِهَاد فِي سَبِيل الله
قَالَ الرجل: فَإِن لي وَالدّين قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: آمُرك بالوالدين خيرا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن طَارق بن شهَاب أَنه بَات عِنْد سلمَان لينْظر مَا اجْتِهَاده فَقَامَ يُصَلِّي من آخر اللَّيْل فَكَأَنَّهُ لم ير الَّذِي يظنّ فَذكر ذَلِك لَهُ فَقَالَ سلمَان: حَافظُوا على هَذِه الصَّلَوَات الْخمس فَإِنَّهُنَّ كَفَّارَات لهَذِهِ الْجِرَاحَات مَا لم يصب المقتلة فَإِذا صلى النَّاس الْعشَاء صدرُوا عَن ثَلَاث لَيَال منَازِل مِنْهُم من عَلَيْهِ وَلَا لَهُ وَمِنْهُم من لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَمِنْهُم من لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فَرجل اغتنم ظلمَة اللَّيْل وغفلة النَّاس(1/707)
فَركب فرسه فِي الْمعاصِي عَلَيْهِ وَلَا لَهُ وَمن لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فَرجل اغتنم ظلمَة اللَّيْل وغفلة النَّاس فَقَامَ يُصَلِّي فَذَلِك لَهُ وَلَا عَلَيْهِ وَمِنْهُم من لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ فَرجل صلى ثمَّ نَام فَذَلِك لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ إياك والحقحقة وَعَلَيْك بِالْقَصْدِ وداوم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس من جَاءَ بِهن مَعَ إِيمَان دخل الْجنَّة
من حَافظ على الصَّلَوَات الْخمس: على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وَصَامَ رَمَضَان وَحج الْبَيْت إِن اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا واعطى الزَّكَاة طيبَة بهَا نَفسه وَأدّى الْأَمَانَة قيل: يَا نَبِي الله وَمَا اداء الْأَمَانَة قَالَ: الْغسْل من الْجَنَابَة لِأَن الله لم يَأْمَن ابْن آدم على شَيْء من دينه غَيرهَا
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: ثَلَاث أَحْلف عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَل الله من لَهُ سهم فِي الإِسلام لَا سهم لَهُ وأسهم الإِسلام ثَلَاثَة: الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالزَّكَاة
وَأخرج الدَّارمِيّ عَن جَابر بن عبد الله عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مِفْتَاح الْجنَّة الصَّلَاة
وَأخرج الديلمي عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الصَّلَاة عماد الدّين
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الصَّلَاة ميزَان فَمن أوفى استوفى
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عمر قَالَ: جَاءَ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أَي شَيْء أحب عِنْد الله فِي الإِسلام قَالَ: الصَّلَاة لوَقْتهَا وَمن ترك الصَّلَاة فَلَا دين لَهُ وَالصَّلَاة عماد الدّين
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسْتَقِيمُوا وَلنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَن خير أَعمالكُم الصَّلَاة وَلنْ يحافظ على الْوضُوء إِلَّا مُؤمن
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات المكتوبات لم يكْتب من الغافلين وَمن قَرَأَ فِي لَيْلَة مائَة آيَة كتب من القانتين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مَسْرُوق قَالَ: من حَافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات لم يكْتب من الغافلين فَإِن فِي إفراطهن الهلكة(1/708)
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من سره أَن يلقى الله غَدا مُسلما فليحافظ على هَؤُلَاءِ الصَّلَوَات حَيْثُ يُنَادى بِهن
وَلَفظ أبي دَاوُد: حَافظُوا على الصَّلَوَات الْخمس حَيْثُ يُنَادى بِهن فَإِنَّهُنَّ من سنَن الْهدى وَإِن الله تبَارك وَتَعَالَى شرع لنَبيه سنَن الْهدى وَلَقَد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا مُنَافِق بَين النِّفَاق وَلَقَد رَأَيْتنَا وَأَن الرجل ليهادى بَين الرجلَيْن حَتَّى يُقَام فِي الصَّفّ وَمَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَله مَسْجِد فِي بَيته وَلَو صليتم فِي بُيُوتكُمْ وتركتم مَسَاجِدكُمْ تركْتُم سنة نَبِيكُم وَلَو تركْتُم سنة نَبِيكُم لكَفَرْتُمْ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة من عمله صلَاته فَإِن صلحت فقد أَفْلح وأنجح وَإِن فَسدتْ فقد خَابَ وخسر وَإِن انْتقصَ من فريضته قَالَ الرب: انْظُرُوا هَل لعبدي من تطوع فيكمل بِهِ مَا انْتقصَ من الْفَرِيضَة ثمَّ يكون سَائِر عمله على ذَلِك
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم عَن تَمِيم الدَّارِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أول مَا يُحَاسب بِهِ العَبْد يَوْم الْقِيَامَة صلَاته فَإِن كَانَ أكملها كتبت لَهُ كَامِلَة وَإِن لم يكن أكملها قَالَ الله لملائمته: انْظُرُوا هَل تَجِدُونَ لَهُ من تطوّع فاكملوا بِهِ مَا ضيع من فريضته ثمَّ الزَّكَاة مثل ذَلِك ثمَّ تُؤْخَذ الْأَعْمَال على حسب ذَلِك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن النُّعْمَان بن قوقل أَنه جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِذا صليت الْمَكْتُوبَة وَصمت رَمَضَان وَحرمت الْحَرَام وأحللت الْحَلَال وَلم أَزْد على ذَلِك أَأدْخل الْجنَّة قَالَ: نعم
قَالَ: وَالله لَا أَزِيد على ذَلِك شَيْئا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي من بني سعد بن بكر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من خلقك وَمن خلق من قبلك وَمن هُوَ خَالق من بعْدك قَالَ: الله
قَالَ: فناشدك بذلك أهوَ أرسلك قَالَ: نعم
قَالَ: من خلق السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع وأجرى بَينهُنَّ الرزق قَالَ: الله
قَالَ: فنشدتك بذلك أهوَ أرسلك قَالَ: نعم
قَالَ: فَإنَّا قد وجدنَا فِي كتابك وأمرتنا رسلك أَن نصلي بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار خمس صلوَات لمواقيتها فنشدتك بذلك أهوَ أَمرك قَالَ: نعم
قَالَ: فَإنَّا وجدنَا فِي كتابك وأمرتنا رسلك أَن نَأْخُذ من حَوَاشِي(1/709)
أَمْوَالنَا فنجعله فِي فقرائنا فنشدتك بذلك أهوَ أَمرك قَالَ: نعم
قَالَ: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لاعملن بهَا وَمن أَطَاعَنِي من قومِي
فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ قَالَ: لَئِن صدق ليدخلن الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الطُّفَيْل عَامر بن وَاثِلَة أَن رجلا مر على قوم فَسلم عَلَيْهِم فَردُّوا عَلَيْهِ السَّلَام فَلَمَّا جاوزهم قَالَ رجل مِنْهُم: وَالله إِنِّي لأبغض هَذَا فِي الله
فَقَالَ أهل الْمجْلس: بئس وَالله مَا قلت أما الله لننبئه قُم يَا فلَان فَأخْبرهُ فأدركه رسولهم فَأخْبرهُ بِمَا قَالَ: فَانْصَرف الرجل حَتَّى أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَرَرْت بِمَجْلِس من الْمُسلمين فيهم فلَان فَسلمت عَلَيْهِم فَردُّوا السَّلَام فَلَمَّا جاوزتهم أدركني رجل مِنْهُم فَأَخْبرنِي أَن فلَانا قَالَ: وَالله إِنِّي لأبغض هَذَا الرجل فِي الله فَادعه يَا رَسُول الله فَسَأَلَهُ عمّ يبغضني فَدَعَاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَمَّا أخبرهُ الرجل فاعترف بذلك قَالَ: فَلم تبْغضهُ فَقَالَ: أَنا جَاره وَأَنا بِهِ خابر وَالله مَا رَأَيْته يُصَلِّي قطّ إِلَّا هَذِه الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة الَّتِي يُصليهَا الْبر والفاجر
قَالَ: سَله يَا رَسُول الله خل رَآنِي قطّ أخرتها عَن وَقتهَا أَو أَسَأْت الْوضُوء لَهَا أَو أَسَأْت الرُّكُوع وَالسُّجُود فِيهَا فَسَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: لَا
قَالَ: وَالله مَا رَأَيْته يَصُوم قطّ إِلَّا هَذَا الشَّهْر الَّذِي يَصُومهُ الْبر والفاجر
قَالَ: سَله يَا رَسُول الله هَل رَآنِي قطّ فرطت فِيهِ أَو انتقصت من حَقه شَيْئا فَسَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا
ثمَّ قَالَ: وَالله مَا رَأَيْته يُعْطي سَائِلًا قطّ وَلَا رَأَيْته ينْفق من مَاله شَيْئا فِي سَبِيل الله إِلَّا الصَّدَقَة الَّتِي يُؤَدِّيهَا الْبر والفاجر
قَالَ: فسله يَا رَسُول الله هَل كتمت من الزَّكَاة شَيْئا قطّ أَو مَا كست فِيهَا طالبها فَسَأَلَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا
فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم إِن أَدْرِي لَعَلَّه خير مِنْك
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن مَالك الْأَشْجَعِيّ عَن أَبِيه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أسلم الرجل أول مَا يُعلمهُ الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن أَعْرَابِيًا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّا أنَاس من الْمُسلمين وَهَهُنَا أنَاس من الهاجرين يَزْعمُونَ أَنا لسنا على شَيْء
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: قَالَ نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَقَامَ الصَّلَاة وَآتى الزَّكَاة وَحج الْبَيْت وَصَامَ رَمَضَان وقرى الضَّيْف دخل الْجنَّة(1/710)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه سُئِلَ أَي دَرَجَات الإِسلام أفضل قَالَ: الصَّلَاة
قيل: ثمَّ أَي قَالَ: الزَّكَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن مَسْعُود
أَنه سُئِلَ أَي دَرَجَات الْأَعْمَال أفضل قَالَ: الصَّلَاة وَمن لم يصل فَلَا دين لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الرجل وَبَين الْكفْر ترك الصَّلَاة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن بُرَيْدَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْعَهْد الَّذِي بَيْننَا وَبينهمْ الصَّلَاة فَمن تَركهَا فقد كفر
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي فِي كتاب الصَّلَاة وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: أَوْصَانِي خليلي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسبع خلال
فَقَالَ: لَا تُشْرِكُوا بِاللَّه شَيْئا وَإِن قطعْتُمْ أَو حرقتم أَو صلبتم وَلَا تتركوا الصَّلَاة متعمدين فَمن تَركهَا مُتَعَمدا فقد خرج من الْملَّة وَلَا تركبوا الْمعْصِيَة فَإِنَّهَا تسخط الله وَلَا تشْربُوا الْخمر فَإِنَّهَا رَأس الْخَطَايَا كلهَا
[] وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن عبد الله بن شَقِيق الْعقيلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يرَوْنَ شَيْئا من الْأَعْمَال تَركه كفرا غير الصَّلَاة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ثَوْبَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: بَين العَبْد وَبَين الْكفْر والايمان الصَّلَاة فَإِن تَرَهَا فقد أشرك
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَنه لما اشْتَكَى بَصَره قيل لَهُ نداويك وَتَدَع الصَّلَاة أَيَّامًا قَالَ: لَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من ترك الصَّلَاة لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان
وَأخرج ابْن ماجة وَمُحَمّد بن نصر الْمروزِي وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ بَين العَبْد والشرك إِلَّا ترك الصَّلَاة فَإِن تَركهَا مُتَعَمدا فقد أشرك
وَأخرج أَبُو يعلى عَن ابْن عَبَّاس رَفعه قَالَ: عرا الإِسلام وقواعد الدّين ثَلَاثَة عَلَيْهِنَّ أسس الإِسلام من ترك وَاحِدَة مِنْهُنَّ فَهُوَ كَافِر حَلَال الدَّم: شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَالصَّلَاة الْمَكْتُوبَة وَصَوْم رَمَضَان(1/711)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن جبل قَالَ أَوْصَانِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعشر كَلِمَات
قَالَ: لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا وَإِن قتلت وَحرقت وَلَا تعقن والديك وَإِن أمراك أَن تخرج من أهلك وَمَالك وَلَا تتركن صَلَاة مَكْتُوبَة مُتَعَمدا فَإِنَّهُ من ترك صَلَاة مَكْتُوبَة مُتَعَمدا فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله وَلَا تشربن الْخمر فَإِن رَأس كل فَاحِشَة وَإِيَّاك وَالْمَعْصِيَة فَإِن الْمعْصِيَة جلّ سخط الله وَإِيَّاك والفرار من الزَّحْف وَإِن هلك النَّاس وان أصَاب النَّاس موت فَاثْبتْ وانفق على أهلك من طولك وَلَا ترفع عَنْهُم عصاك أدباً وأخفهم فِي الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أُمَيْمَة مولاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَت كنت أصب على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضوءه فَدخل رجل فَقَالَ: أوصني
فَقَالَ: لَا تشرك بِاللَّه شَيْئا وَإِن قطعت أَو حرقت وَلَا تعص والديك وان أمراك أَن تخلي من أهلك ودنياك فتخله وَلَا تشربن خمرًا فانها مِفْتَاح كل شَرّ وَلَا تتركن صَلَاة مُتَعَمدا فَمن فعل ذَلِك فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن سعد عَن سماك أَن ابْن عَبَّاس فِي عَيْنَيْهِ المَاء فَذهب بَصَره فَأَتَاهُ هَؤُلَاءِ الَّذين يثقبون الْعُيُون ويسيلون المَاء فَقَالُوا: خل بَيْننَا وَبَين عَيْنَيْك نسيل ماءهما وَلَكِنَّك تمسك خَمْسَة أَيَّام لَا تصلي الا على عود
قَالَ: لَا وَالله وَلَا رَكْعَة وَاحِدَة إِنِّي حدثت أَن من ترك صَلَاة وَاحِدَة مُتَعَمدا لَقِي الله وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَان
وَأخرج ابْن حبَان عَن بُرَيْدَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بَكرُوا بِالصَّلَاةِ فِي يَوْم الْغَيْم فَإِنَّهُ من ترك الصَّلَاة فقد كفر
وَأخرج أَحْمد عَن زِيَاد بن نعيم الْحَضْرَمِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع فرضهن الله فِي الإِسلام فَمن أَتَى بِثَلَاث لم يغنين عَنهُ شَيْئا حَتَّى يَأْتِي بِهن جَمِيعًا: الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان وَحج الْبَيْت
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا أحبط الله عمله وبرئت مِنْهُ ذمَّة الله حَتَّى يُرَاجع إِلَى الله عز وَجل تَوْبَة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أم أَيمن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تتْرك الصَّلَاة مُتَعَمدا فَإِنَّهُ من ترك الصَّلَاة مُتَعَمدا فقد بَرِئت مِنْهُ ذمَّة الله وَرَسُوله(1/712)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي كتاب الإِيمان وَفِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن عَليّ قَالَ: من لم يصل فَهُوَ كَافِر
وَفِي لفظ: فقد كفر
وَأخرج مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي وَابْن عبد الْبر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من ترك الصَّلَاة فقد كفر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من ترك الصَّلَاة فَلَا دين لَهُ
وَأخرج ابْن عبد الْبر عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: من لم يصل فَهُوَ كَافِر
وَأخرج ابْن عبد الْبر عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: لَا إِيمَان لمن لَا صَلَاة لَهُ وَلَا صَلَاة لمن لَا وضوء لَهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من ترك الصَّلَاة كفر
وَأخرج مَالك وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عُرْوَة
أَن عمر بن الْخطاب أُوقِظ للصَّلَاة وَهُوَ مطعون فَقَالُوا: الصَّلَاة يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
فَقَالَ: هالله
إِذن وَلَا حق فِي الإِسلام لمن ترك الصَّلَاة فصلى وَإِن جرحه ليثعب دَمًا
وَأخرج مَالك عَن نَافِع
أَن عمر بن الْخطاب كتب إِلَى عماله: إِن أهم أُمُوركُم عِنْدِي الصَّلَاة من حفظهَا أَو حَافظ عَلَيْهَا حفظ دينه وَمن ضيعها فَهُوَ لما سواهَا أضيع
وَأخرج النَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من فَاتَهُ صَلَاة فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جمع بَين صَلَاتَيْنِ من غير عذر فقد أَتَى بَابا من أَبْوَاب الْكَبَائِر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهيت عَن قتل الْمُصَلِّين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو يعلى عَن أبي بكر الصّديق قَالَ نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ضرب الْمُصَلِّين
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي أُمَامَة قَالَ: جَاءَ عَليّ إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله ادْفَعْ إِلَيْنَا خَادِمًا
قَالَ: اذْهَبْ فَإِن فِي الْبَيْت ثَلَاثَة فَخذ أحد الثَّلَاثَة
فَقَالَ: يَا نَبِي الله اختر لي
فَقَالَ: اختر لنَفسك
قَالَ: يَا نَبِي الله اختر لي
قَالَ: اذْهَبْ فَإِن فِي الْبَيْت ثَلَاثَة: مِنْهُم غُلَام قد صلى فَخذه وَلَا تضربه فَإنَّا قد نهينَا عَن ضرب أهل الصَّلَاة(1/713)
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي أَتَاهُ أَبَة الْهَيْثَم بن التيهَان فاستخدمه فوعده النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن أصَاب سبياً ثمَّ جَاءَ فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد أصبْنَا غلامين اسودين اختر أَيهمَا شِئْت
قَالَ: فَإِنِّي استشيرك
قَالَ: خُذ هَذَا فقد صلى عندنَا وَلَا تضربه فَإنَّا قد نهينَا عَن ضرب الْمُصَلِّين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي هرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثقل الصَّلَاة على الْمُنَافِقين صَلَاة الْعشَاء وَالْفَجْر وَلَو يعلمُونَ مَا فيهمَا لأتوهما وَلَو حبواً وَلَقَد هَمَمْت أَن آمُر بِالصَّلَاةِ فتقام ثمَّ آمُر رجلا فَيصَلي بِالنَّاسِ ثمَّ انْطلق معي بِرِجَال مَعَهم حزم من حطب إِلَى قوم لَا يشْهدُونَ الصَّلَاة فَأحرق عَلَيْهِم بُيُوتهم بالنَّار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الدَّرْدَاء سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك واعدد نَفسك من الْمَوْتَى وَإِيَّاك ودعوة الْمَظْلُوم فانها تستجاب وَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يشْهد الصَّلَاتَيْنِ الْعشَاء وَالصُّبْح وَلَو حبواً فَلْيفْعَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ: كُنَّا إِذا فَقدنَا الرجل فِي الْفجْر والْعشَاء أسأنا بِهِ الظَّن
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم عَن أبيّ بن كَعْب قَالَ: صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا الصُّبْح فَقَالَ: أشاهد فلَان قَالُوا: لَا
قَالَ: اشاهد فلَان قَالُوا: لَا
قَالَ: إِن هَاتين الصَّلَاتَيْنِ أثقل الصَّلَوَات على الْمُنَافِقين وَلَو تعلمُونَ مَا فيهمَا لأتيتموهما وَلَو حبواً على الركب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو يعلم النَّاس مَا فِي صَلَاة الْعشَاء وَصَلَاة الْفجْر لأتوهما وَلَو حبواً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْحَرْث بن وهب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن تزَال أمتِي على الإِسلام مَا لم يؤخروا الْمغرب حَتَّى تشتبك النُّجُوم مضاهاة للْيَهُود وَمَا لم يؤخروا الْفجْر مضاهاة لِلنَّصَارَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الصنَابحِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال أمتِي فِي مسكة من دينهَا مَا لم ينتظروا بالمغرب اشتباك النُّجُوم مضاهاة الْيَهُود وَمَا لم يؤخروا الْفجْر مضاهاة النَّصْرَانِيَّة(1/714)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من صلى البردين دخل الْجنَّة
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جُنْدُب بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله فَلَا يكلبنكم الله فِي ذمَّته بِشَيْء فَإِنَّهُ من يَطْلُبهُ من ذمَّته بِشَيْء يُدْرِكهُ ثمَّ يكبه على وَجهه فِي نَار جَهَنَّم
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جُنْدُب بن سُفْيَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله فَلَا تخفروا الله فِي ذمَّته
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله فَلَا تخفروا الله فِي ذمَّته فَإِنَّهُ من أَخْفَر ذمَّته طلبه تبَارك وَتَعَالَى حَتَّى يكبه على وَجهه
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من صلى الْغَدَاة فَهُوَ فِي ذمَّة الله فإياكم أَن يطلبكم الله بِشَيْء من ذمَّته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله فَمن أَخْفَر ذمَّة الله كَبه الله فِي النَّار لوجهه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْجَعِيّ عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من صلى الصُّبْح فَهُوَ فِي ذمَّة الله وحسابه على الله
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر كَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله
وَأخرج الشَّافِعِي عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة الديلمي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فَاتَتْهُ صَلَاة الْعَصْر فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ترك صَلَاة الْعَصْر فقد حَبط عمله
وَأخرج أَحْمد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ترك صَلَاة الْعَصْر مُتَعَمدا فقد حَبط عمله
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي بصرة الْغِفَارِيّ قَالَ صلى بِنَا رَسُول الله(1/715)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَصْر بالمخمص ثمَّ قَالَ: إِن هَذِه الصَّلَاة على من كَانَ قبلكُمْ فضيعوها فَمن حَافظ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أجره مرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاة بعْدهَا حَتَّى يطلع الشَّاهِد وَالشَّاهِد النَّجْم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أَيُّوب قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن هَذِه الصَّلَاة - يَعْنِي الْعَصْر - فرضت على من كَانَ قبلكُمْ فضيعوها فَمن حَافظ عَلَيْهَا أعطي أجرهَا مرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاة بعْدهَا حَتَّى يرى الشَّاهِد يَعْنِي النَّجْم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من ترك صَلَاة الْعَصْر حَتَّى تغيب الشَّمْس من غير عذر فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن نَوْفَل بن مُعَاوِيَة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن من الصَّلَاة صَلَاة من فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله
قَالَ ابْن عمر: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: هِيَ صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: من ترك الْعَصْر حَتَّى تفوته من غير عذر فقد حَبط عمله
وَأخرج ابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال أمتِي على الْفطْرَة مَا لم يؤخروا الْمغرب حَتَّى تشتبك النُّجُوم
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن السَّائِب بن يزِيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تزَال أمتِي على الْفطْرَة مَا صلوا الْمغرب قبل طُلُوع النَّجْم
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي أَيُّوب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تزَال أمتِي بِخَير أَو على الْفطْرَة مَا لم يؤخروا الْمغرب حَتَّى تشتبك النُّجُوم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الصَّلَاة صَلَاة الْمغرب وَمن صلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن سعد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي مُوسَى قَالَ خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة لصَلَاة الْعشَاء فَقَالَ: أَبْشِرُوا إِن من نعْمَة الله عَلَيْكُم أَنه لَيْسَ أحد من النَّاس يُصَلِّي هَذِه الصَّلَاة غَيْركُمْ أَو قَالَ: مَا صلى هَذِه السَّاعَة أحد غَيْركُمْ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْمُنْكَدر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه خرج لَيْلَة لصَلَاة الْعشَاء فَقَالَ: أما إِنَّهَا صَلَاة لم يصلها أحد مِمَّن كَانَ قبلكُمْ من الْأُمَم(1/716)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج لَيْلَة لصَلَاة الْعشَاء فَقَالَ لَهُم: مَا صلى صَلَاتكُمْ هَذِه أمة قطّ قبلكُمْ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن معَاذ قَالَ بَقينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصَلَاة الْعَتَمَة لَيْلَة فَتَأَخر بهَا حَتَّى ظن الظَّان أَن قد صلى أَو لَيْسَ بِخَارِج فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لنا: اعتموا بِهَذِهِ الصَّلَاة فَإِنَّكُم قد فضلْتُمْ بهَا على سَائِر الْأُمَم وَلم تصلها أمة قبلكُمْ
وَأخرج أَحْمد عَن الْحسن عَن أبي هُرَيْرَة أرَاهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَن العَبْد الْمَمْلُوك ليحاسب بِصَلَاتِهِ فَإِذا نقص مِنْهَا قيل لَهُ: لم نقصت مِنْهَا فَيَقُول: يَا رب سلطت عَليّ مليكاً شغلني عَن صَلَاتي
فَيَقُول: قد رَأَيْتُك تسرق من مَاله لنَفسك فَهَلا سرقت من عَمَلك لنَفسك فَتجب لله عز وَجل عَلَيْهِ الْحجَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الْملك بن الرّبيع بن سُبْرَة عَن أَبِيه عَن جَاره قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروا الصَّبِي بِالصَّلَاةِ إِذا بلغ سبع سِنِين فَإِذا بلغ عشر سِنِين فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مروا أَوْلَادكُم بِالصَّلَاةِ وهم أَبنَاء سبع سِنِين وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وهم أَبنَاء عشر سِنِين وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن رجل من الصَّحَابَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه سُئِلَ مَتى يُصَلِّي الصَّبِي فَقَالَ: إِذا عرف يَمِينه من شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عبد الله بن خبيب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: علمُوا أَوْلَادكُم الصَّلَاة إِذا بلغُوا سبعا وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إِذا بلغُوا عشرا وَفرقُوا بَينهم فِي الْمضَاجِع
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُسَامَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عرف الْغُلَام يَمِينه من شِمَاله فَمُرُوهُ بِالصَّلَاةِ
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لسبع سِنِين وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لثلاث عشرَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: حَافظُوا على أَبْنَائِكُم فِي الصَّلَاة وعوّدوهم الْخَيْر فَإِن الْخَيْر عَادَة(1/717)
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي الجوزاء قَالَ: قلت لِلْحسنِ بن عَليّ: مَا حفظت من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الصَّلَوَات الْخمس
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: نبئت أَن أَبَا بكر وَعمر كَانَا يعلمَانِ النَّاس
تعبد الله وَلَا تشرك بِهِ شَيْئا وتقيم الصَّلَاة الَّتِي افترضها الله لمواقيتها فَإِن فِي تفريطها الهلكة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن جَعْفَر بن برْقَان قَالَ: كتب إِلَيْنَا عمر بن الْعَزِيز: أما بعد فَإِن عز الدّين وقوام الإِسلام: الإِيمان بِاللَّه واقام الصَّلَاة وايتاء الزَّكَاة فصلّ الصَّلَاة لوَقْتهَا وحافظ عَلَيْهَا
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} أخرج ابْن جرير عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُخْتَلفين فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى هَكَذَا وَشَبك بَين أَصَابِعه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر
أَنه سُئِلَ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: هِيَ فِيهِنَّ فحافظوا عَلَيْهِنَّ كُلهنَّ
وَقَالَ مَالك فِي الْمُوَطَّأ: بَلغنِي عَن عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن عَبَّاس كَانَا يَقُولَانِ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح
أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس
أَنه صلى الْغَدَاة فِي جَامع الْبَصْرَة فقنت فِي الرُّكُوع وَقَالَ: هَذِه الصَّلَاة الْوُسْطَى الَّتِي ذكرهَا الله فِي كِتَابه
فَقَالَ {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي رَجَاء العطاردي قَالَ: صليت خلف ابْن عَبَّاس الْفجْر فقنت فِيهَا وَرفع يَدَيْهِ ثمَّ قَالَ: هَذِه الصَّلَاة الْوُسْطَى الَّتِي أمرنَا أَن نقوم فِيهَا قَانِتِينَ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح تصلى فِي سَواد اللَّيْل
وَأخرج ابْن عبد الْبر فِي التَّمْهِيد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يَقُول: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح تصلى فِي سَواد من اللَّيْل وَبَيَاض من النَّهَار وَهِي أَكثر الصَّلَوَات تفوت النَّاس(1/718)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ: صليت خلف عبد الله بن قيس زمن عمر صَلَاة الْغَدَاة فَقلت لرجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى جَانِبي: مَا الصَّلَاة الْوُسْطَى قَالَ: هَذِه الصَّلَاة
وأخج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة
أَنه صلى مَعَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْغَدَاة فَلَمَّا أَن فرغوا قلت لَهُم: أيتهن الصَّلَاة الْوُسْطَى قَالُوا: الَّتِي صليتها قبل
وَأخرج ابْن جرير عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طرق عَن ابْن عمر قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة أَنه سُئِلَ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: هِيَ صَلَاة الصُّبْح
وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف بِلَفْظ: لَا أحسبها إِلَّا الصُّبْح
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق جَابر بن زيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْفجْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حَيَّان الْأَزْدِيّ قَالَ: سَمِعت ابْن عَمْرو سُئِلَ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى وَقيل لَهُ: إِن أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: هِيَ الْعَصْر
فَقَالَ: إِن أَبَا هُرَيْرَة يكثر
إِن ابْن عمر يَقُول: هِيَ الصُّبْح
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة عَن طَاوس قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الصُّبْح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن مُجَاهِد وَجَابِر بن زيد قَالَا: هِيَ الصُّبْح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج قَالَ: سَأَلت عَطاء عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى قَالَ: أظنها الصُّبْح أَلا تسمع لقَوْله (وَقُرْآن الْفجْر إِن قُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا) (الْإِسْرَاء الْآيَة 78)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن طَاوس وَعِكْرِمَة قَالَا: هِيَ الصُّبْح وسطت فَكَانَت بَين اللَّيْل وَالنَّهَار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: كُنَّا نتحدث أَنَّهَا الصَّلَاة الَّتِي وَجه فِيهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْقبْلَة الظّهْر(1/719)
وَأخرج عبد بن حميد عَن مَكْحُول أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: هِيَ أول صَلَاة تَأْتِيك بعد صَلَاة الْفجْر
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَأَبُو دَاوُد والطَّحَاوِي وَالرُّويَانِيّ وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزبْرِقَان عَن عُرْوَة بن الزبير عَن زيد بن ثَابت أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة وَكَانَت أثقل الصَّلَاة على أَصْحَابه فَنزلت {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} قَالَ: لِأَن قبلهَا صَلَاتَيْنِ وَبعدهَا صَلَاتَيْنِ
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو يعلى وَالرُّويَانِيّ والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الزبْرِقَان عَن زهرَة بن معبد قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْد زيد بن ثَابت فأرسلوا إِلَى أُسَامَة فَسَأَلُوهُ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: هِيَ الظّهْر كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصليهَا بالهجير
وَأخرج أَحْمد وَابْن المنيع وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير والشاشي والضياء من طَرِيق الزبْرِقَان أَن رهطاً من قُرَيْش مر بهم زيد بن ثايت وهم مجتمعون فارسلوا إِلَيْهِ غلامين لَهُم يسألانه عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: الظّهْر ثمَّ انصرفا إِلَى أُسَامَة بن زيد فَسَأَلَاهُ فَقَالَ: هِيَ الظّهْر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الظّهْر بالهجير فَلَا يكون وَرَاءه إِلَّا الصَّفّ والصفان وَالنَّاس فِي قائلتهم وتجارتهم فَأنْزل الله {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لينتهين رجال أَو لأحرقن بُيُوتهم
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ كنت مَعَ قوم اخْتلفُوا فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى وَأَنا أَصْغَر الْقَوْم فبعثوني إِلَى زيد بن ثَابت لأسأله عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَأَتَيْته فَسَأَلته فَقَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة وَالنَّاس فِي قائلتهم وأسواقهم فَلم يكن يُصَلِّي وَرَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا الصَّفّ والصفان فَأنْزل الله {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لينتهين أَقوام أَو لأحرقن بُيُوتهم
وَأخرج ابْن جرير فِي تهذيبه من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبان عَن أَبِيه عَن زيد بن ثَابت فِي حَدِيث يرفعهُ قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الظّهْر
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق سعيد بن الْمسيب
أَنه كَانَ قَاعِدا وَعُرْوَة بن الزبير وَإِبْرَاهِيم بن طَلْحَة فَقَالَ سعيد بن الْمسيب: سَمِعت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ(1/720)
يَقُول: الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ صَلَاة الظّهْر
قَالَ: فَمر علينا ابْن عمر فَقَالَ عُرْوَة: ارسلوا إِلَى ابْن عمر فَسَأَلُوهُ
فَأَرْسَلنَا إِلَيْهِ غُلَاما فَسَأَلَهُ ثمَّ جَاءَ الرَّسُول فَقَالَ: هِيَ صَلَاة الظّهْر
فشككنا فِي قَول الْغُلَام فقمنا جَمِيعًا فذهبنا إِلَى ابْن عمر فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: هِيَ صَلَاة الظّهْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق قَتَادَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن ابْن عمر عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الظّهْر
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طرق عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الظّهْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن حَرْمَلَة مولى زيد بن ثَابت قَالَ: تمارى زيد بن ثَابت وَأبي بن كَعْب فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى فأرسلاني إِلَى عَائِشَة أَي صَلَاة هِيَ فَقَالَت: الظّهْر
فَكَانَ زيد يَقُول: هِيَ الظّهْر فَلَا أَدْرِي عَنهُ أَخذه أَو عَن غَيرهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طرق أبي جَعْفَر مُحَمَّد بن عَليّ بن حُسَيْن عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الظّهْر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طرق عَن ابْن عمر قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى الظّهْر
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: صَلَاة الظّهْر هِيَ الصَّلَاة الْوُسْطَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن أبي رَافع مولى حَفْصَة قَالَ: استكتبتني حَفْصَة مُصحفا فَقَالَت: إِذا أتيت على هَذِه الْآيَة فتعال حَتَّى أُمليهَا عَلَيْك كَمَا اقرئتها فَلَمَّا أتيت على هَذِه الْآيَة {حَافظُوا على الصَّلَوَات} قَالَت: اكْتُبْ (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر) فَلَقِيت أبيّ بن كَعْب فَقلت: يَا أَبَا الْمُنْذر إِن حَفْصَة قَالَ: كَذَا وَكَذَا
فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَت: أَو لَيْسَ أشغل مَا نَكُون عِنْد صَلَاة الظّهْر فِي عَملنَا ونواضحنا(1/721)
وَأخرج مَالك وَأَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَمْرو بن رَافع قَالَ: كنت أكتب مُصحفا لحفصة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِذا بلغت هَذِه الْآيَة فَآذِنِّي {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَلَمَّا بلغتهَا آذَنتهَا فَأَمْلَتْ عليّ (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقومُوا لله قَانِتِينَ) وَقَالَت: أشهد اني سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن نَافِع
أَن حَفْصَة دفعت مُصحفا إِلَى مولى لَهَا يَكْتُبهُ وَقَالَت: إِذا بلغت هَذِه الْآيَة {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَآذِنِّي فَلَمَّا بلغَهَا جاءها فَكتبت بِيَدِهَا (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر)
وَأخرج مَالك وَأحمد وَعبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنه عَن أبي يُونُس مولى عَائِشَة قَالَ: أَمرتنِي عائشه أَن أكتب لَهَا مُصحفا وَقَالَت: إِذا بلغت هَذِه الْآيَة فآدني {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَلَمَّا بلغتهَا آذَنتهَا فَأَمْلَتْ عليّ (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقومُوا لله قَانِتِينَ) وَقَالَت عَائِشَة: سَمعتهَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر عَن أم حميد بنت عبد الرَّحْمَن
أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَت: كُنَّا نقرؤها فِي الْحَرْف الأوّل على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقومُوا لله قَانِتِينَ)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عِكْرِمَة قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الظّهْر قبلهَا صلاتان وَبعدهَا صلاتان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي دَاوُد عَن هِشَام بن عُرْوَة قَالَ: قَرَأت فِي مصحف عَائِشَة (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقومُوا لله قَانِتِينَ)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق سُلَيْمَان بن أَرقم عَن الْحسن وَابْن سِيرِين وَابْن شهَاب الزُّهْرِيّ وَكَانَ الزُّهْرِيّ أشبعهم حَدِيثا قَالُوا: لما أسْرع فِي قتل قراء الْقُرْآن يَوْم الْيَمَامَة قتل مَعَهم يَوْمئِذٍ أَرْبَعمِائَة رجل لَقِي زيد بن ثَابت عمر بن(1/722)
الْخطاب فَقَالَ لَهُ: إِن هَذَا الْقُرْآن هُوَ الْجَامِع لديننا فَإِن ذهب الْقُرْآن ذهب ديننَا وَقد عزمت على أَن أجمع الْقُرْآن فِي كتاب
فَقَالَ لَهُ: انْتظر حَتَّى نسْأَل أَبَا بكر فمضيا إِلَى أبي بكر فَأَخْبَرَاهُ بذلك
فَقَالَ: لَا تعجل حَتَّى اشاور الْمُسلمين ثمَّ قَامَ خَطِيبًا فِي النَّاس فَأخْبرهُم بذلك فَقَالُوا: أصبت
فَجمعُوا الْقُرْآن وَأمر أَبُو بكر منادياً فَنَادَى فِي النَّاس: من كَانَ عِنْده من الْقُرْآن شَيْء فليجيء بِهِ
قَالَت: حَفْصَة: إِذا انتهيتم إِلَى هَذِه الْآيَة فاخبروني {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَلَمَّا بلغُوا إِلَيْهَا قَالَت: اكتبوا (وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَهِي صَلَاة الْعَصْر) فَقَالَ لَهَا عمر: أَلَك بِهَذَا بَيِّنَة قَالَت: لَا
قَالَ: فو الله لَا ندخل فِي الْقُرْآن مَا تشهد بِهِ امْرَأَة بِلَا اقامة بَيِّنَة
وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود: اكتبوا (وَالْعصر إِن الإِنسان لفي خسر) (الْعَصْر الْآيَة 1) وَأَنه فِيهِ إِلَى آخر الدَّهْر فَقَالَ عمر: نَحوا عَنَّا هَذِه الاعرابية
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر عَن حَفْصَة أَنَّهَا قَالَت لكاتب مصحفها: إِذا بلغت مَوَاقِيت الصَّلَاة فَأَخْبرنِي حَتَّى أخْبرك مَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أخْبرهَا قَالَت: اكْتُبْ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الله بن رَافع عَن أم سَلمَة
أَنَّهَا أَمرته أَن يكْتب لَهَا مُصحفا فَلَمَّا بلغت {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} قَالَت: اكْتُبْ حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر وَقومُوا لله قَانِتِينَ وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق عُمَيْر بن مَرْيَم أَنه سمع ابْن عَبَّاس قَرَأَ هَذَا الْحَرْف ((حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَصَلَاة الْعَصْر))
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: نزلت (حَافظُوا على الصَّلَوَات الْعَصْر) فقرأناها على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شَاءَ الله ثمَّ نسخهَا الله فَأنْزل {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَقيل لَهُ: هِيَ إِذن صَلَاة الْعَصْر فَقَالَ: قد حدثتك كَيفَ نزلت وَكَيف نسخهَا الله وَالله أعلم(1/723)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء قَالَ: قرأناها مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَيَّامًا (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَصَلَاة الْعَصْر) ثمَّ قرأناها {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} فَلَا أَدْرِي أَهِي هِيَ أم لَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن زر قَالَ: قلت لعبيدة: سل عليا عَن صَلَاة الْوُسْطَى
فَسَأَلَهُ فَقَالَ: كُنَّا نرَاهَا الْفجْر حَتَّى سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَوْم الْأَحْزَاب شغلونا عَن صَلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر مَلأ الله قُبُورهم وأجوافهم نَارا
وَأخرج ابْن جرير من وَجه آخر عَن زر قَالَ: انْطَلَقت أَنا وَعبيدَة السَّلمَانِي إِلَى عَليّ فَأمرت عُبَيْدَة أَن يسْأَله عَن الصَّلَاة فَسَأَلَهُ فَقَالَ: كُنَّا نرَاهَا صَلَاة الصُّبْح فَبينا نَحن نُقَاتِل أهل خَيْبَر فَقَاتلُوا حَتَّى ارهقونا عَن الصَّلَاة وَكَانَ قبيل غرُوب الشَّمْس قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ املأ قُلُوب هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى وأجوافهم نَارا فَعرفنَا يَوْمئِذٍ أَنَّهَا الصَّلَاة الْوُسْطَى
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن شُتَيْر بن شكل قَالَ: سَأَلت عليا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: كُنَّا نرى أَنَّهَا الصُّبْح حَتَّى سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَوْم الْأَحْزَاب مَلأ الله بُيُوتهم وقبورهم نَارا كَمَا شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس وَلم يكن صلى يَوْمئِذٍ الظّهْر وَالْعصر حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن عَليّ قَالَ: هِيَ الْعَصْر
وَأخرج الدمياطي فِي كتاب الصَّلَاة الْوُسْطَى من طَرِيق الْحسن الْبَصْرِيّ عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ حبس الْمُشْركُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى احْمَرَّتْ الشَّمْس أَو اصْفَرَّتْ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر مَلأ الله أَجْوَافهم وقبورهم نَارا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان من طرق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر(1/724)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مقسم وَسَعِيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الخَنْدَق شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس مَلأ الله قُبُورهم وأجوافهم نَارا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غزَاة فحبسه الْمُشْركُونَ عَن صَلَاة الْعَصْر حَتَّى مسى بهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ املأ بُيُوتهم وأجوافهم نَارا كَمَا حبسونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نسي الظّهْر وَالْعصر يَوْم الْأَحْزَاب فَذكر بعد الْمغرب فَقَالَ: اللَّهُمَّ من حبسنا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فاملأ بُيُوتهم نَارا
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح عَن جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم الخَنْدَق: مَلأ الله بُيُوتهم وقبورهم نَارا كَمَا شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح عَن حُذَيْفَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْأَحْزَاب شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى مَلأ الله بُيُوتهم وقبورهم نَارا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد صَحِيح عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى - صَلَاة الْعَصْر - مَلأ الله أَجْوَافهم وَقُلُوبهمْ نَارا
وَأخرج ابْن مندة عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الموتور أَهله وَمَاله من وتر الصَّلَاة الْوُسْطَى فِي جمَاعَة وَهِي صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج أَحْمد وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وسماها لنا وَإِنَّمَا هِيَ صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن سَمُرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نحافظ على الصَّلَوَات كُلهنَّ وأوصانا بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ونبأنا أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد من طَرِيق سَالم عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الَّذِي تفوته صَلَاة الْعَصْر فَكَأَنَّمَا وتر أَهله وَمَاله
قَالَ: فَكَانَ ابْن عمر يرى أَنَّهَا الصَّلَاة الْوُسْطَى(1/725)
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي صَالح وَهُوَ ميزَان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج الطَّحَاوِيّ من طَرِيق مُوسَى بن وردان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف والطَّحَاوِي عَن عبد الرَّحْمَن بن لَبِيبَة الطَّائِفِي
أَنه سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَة عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: سأقرأ عَلَيْك الْقُرْآن حَتَّى تعرفها أَلَيْسَ يَقُول الله فِي كِتَابه (أقِم الصَّلَاة لدلوك الشَّمْس) (الْإِسْرَاء الاية 78) الظّهْر (إِلَى غسق اللَّيْل) الْمغرب (وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء ثَلَاث عورات لكم) (النُّور الْآيَة 58) لعتمة وَيَقُول (إِن الْقُرْآن الْفجْر كَانَ مشهودا) (الْإِسْرَاء الْآيَة 78) الصُّبْح ثمَّ قَالَ {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَقومُوا لله قَانِتِينَ} هِيَ الْعَصْر هِيَ الْعَصْر
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَغوِيّ فِي مُعْجَمه عَن كهيل بن حَرْمَلَة قَالَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَة عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: اخْتَلَفْنَا فِيهَا كَمَا اختلفتم فِيهَا وَنحن بِفنَاء بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفينَا الرجل الصَّالح أَبُو هَاشم بن عتبَة بن عبد شمس فَقَالَ: أَنا أعلم لكم ذَلِك فَقَامَ فَاسْتَأْذن على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَدخل عَلَيْهِ ثمَّ خرج إِلَيْنَا فَقَالَ: أخبرنَا انها صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد الدِّمَشْقِي قَالَ كنت جَالِسا عِنْد عبد الْعَزِيز بن مَرْوَان فَقَالَ: يَا فلَان اذْهَبْ إِلَى فلَان فَقل لَهُ: أَي شَيْء سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ رجل جَالس: أَرْسلنِي أَبُو بكر وَعمر وَأَنا غُلَام صَغِير أسأله عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَأخذ أُصْبُعِي الصَّغِيرَة فَقَالَ: هَذِه الْفجْر وَقبض الَّتِي تَلِيهَا وَقَالَ: هَذِه الظّهْر ثمَّ قبض الابهام فَقَالَ: هَذِه الْمغرب ثمَّ قبض الَّتِي تَلِيهَا فَقَالَ: هَذِه الْعشَاء ثمَّ قَالَ: أَي أصابعك بقيت فَقلت الْوُسْطَى
فَقَالَ: أَي الصَّلَاة بقيت فَقلت: الْعَصْر
فَقَالَ: هِيَ الْعَصْر
وَأخرج الْبَزَّار بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر(1/726)
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الْحسن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن جرير عَن عُرْوَة قَالَ: كَانَ فِي مصحف عَائِشَة ((حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَهِي صَلَاة الْعَصْر))
وَأخرج وَكِيع عَن حميدة قَالَت: قَرَأت فِي مصحف عَائِشَة (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر)
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ فِي مصحف عَائِشَة (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَأَبُو عبيد عَن زِيَاد بن أبي مَرْيَم
أَن عَائِشَة أمرت بمصحف لَهَا أَن يكْتب وَقَالَت: إِذا بَلغْتُمْ {حَافظُوا على الصَّلَوَات} فَلَا تكتبوها حَتَّى تؤذنوني فَلَمَّا أَخْبرُوهَا أَنهم قد بلغُوا قَالَت: اكتبوها وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن جرير والطَّحَاوِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَمْرو بن رَافع قَالَ: كَانَ مَكْتُوبًا فِي مصحفة حَفْصَة (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة وَالْوُسْطَى وَهِي صَلَاة الْعَصْر وَقومُوا لله قَانِتِينَ)
وَأخرج الْمحَامِلِي عَن ربيعَة بن أبي عبد الرَّحْمَن
سَمِعت السَّائِب بن يزِيد تَلا هَذِه الْآيَة (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر)
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله وَابْن الْمُنْذر عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبيّ بن كَعْب
أَنه كَانَ يقْرؤهَا (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر)
وَخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير والطَّحَاوِي من طَرِيق رزين بن عبيد
أَنه سمع ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا (وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر)
وَأخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وسُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَسَعِيد بن مَنْصُور ومسدد فِي مُسْنده وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طرق عَن عَليّ بن أبي(1/727)
طَالب قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر الَّتِي فرط بهَا سُلَيْمَان حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب
وَأخرج وَكِيع وسُفْيَان وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ من طرق عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج عبد بن حميد والطَّحَاوِي من طَرِيق أبي قلَابَة قَالَ: كَانَت فِي مصحف أبي بن كَعْب (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَهِي صَلَاة الْعَصْر) وَأخرجه ابْن أبي شيبَة من طَرِيق أبي قلَابَة عَن أبي الْمُهلب بن أبيّ بن كَعْب
وَأخرج ابْن جرير والطَّحَاوِي من طَرِيق سَالم عَن أَبِيه عبد الله بن عمر قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عمر أَنه قَرَأَ (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن أبي أَيُّوب قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن الْمُنْذر والطَّحَاوِي عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن أم سَلمَة قَالَت: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير من طرق عَن عَائِشَة قَالَت: الصَّلَاة الْوُسْطَى الْعَصْر
وَأخرج الدمياطي عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق نَافِع عَن حَفْصَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا قَالَت لكاتب مصحفها إِذْ بلغت مَوَاقِيت الصَّلَاة فَأَخْبرنِي حَتَّى أخْبرك بِمَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبرهَا قَالَت: اكْتُبْ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ (حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى وَهِي صَلَاة الْعَصْر)(1/728)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر قبلهَا صلاتان من النَّهَار وَبعدهَا صلاتان من اللَّيْل
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد عَن سَالم بن عبد الله أَن حَفْصَة أم الْمُؤمنِينَ قَالَت: الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْر
وَأخرج الطَّحَاوِيّ عَن أبي عبد الرَّحْمَن عبيد الله بن مُحَمَّد بن عَائِشَة قَالَ: إِن آدم لما أَتَت عَلَيْهِ عين الْفجْر صلى رَكْعَتَيْنِ فَصَارَت الصُّبْح وفدى اسحق عِنْد الظّهْر فصلى إِبْرَاهِيم أَرْبعا فَصَارَت الظّهْر وَبعث عَزِيز فَقيل لَهُ: كم لَبِثت قَالَ: يَوْمًا فَرَأى الشَّمْس فَقَالَ: أَو بعض يَوْم فصلى أَربع رَكْعَات فَصَارَت الْعَصْر وَغفر لداود عِنْد الْمغرب فَقَامَ فصلى أَربع رَكْعَات فجهد فَجَلَسَ فِي الثَّالِثَة فَصَارَت الْمغرب ثَلَاثًا وَأول من صلى الْعشَاء الْآخِرَة نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلذَلِك قَالُوا: الْوُسْطَى هِيَ صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: هِيَ الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن ابْن سِيرِين قَالَ: سَأَلت عُبَيْدَة عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: هِيَ الْعَصْر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم بِسَنَد حسن عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى الْمغرب
وَأخرج ابْن جرير عَن قبيصَة بن ذُؤَيْب قَالَ: الصَّلَاة الوسطة صَلَاة الْمغرب أَلا ترى أَنَّهَا لَيست باقلها وَلَا أَكْثَرهَا وَلَا تقصر فِي السّفر وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يؤخرها عَن وَقتهَا وَلم يعجلها
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: سَأَلَ رجل زيد بن ثَابت عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى قَالَ: حَافظ على الصَّلَوَات تدركها
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن الرّبيع بن خَيْثَم
أَن سَائِلًا سَأَلَهُ عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى قَالَ: حَافظ عَلَيْهِنَّ فَإنَّك إِن فعلت أصبتها إِنَّمَا هِيَ وَاحِدَة مِنْهُنَّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن سِيرِين قَالَ: سُئِلَ شُرَيْح عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى فَقَالَ: حَافظُوا عَلَيْهَا تصيبوها
وَأما قَوْله تَعَالَى: {وَقومُوا لله قَانِتِينَ}(1/729)
وَأخرج وَكِيع وَأحمد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة والطَّحَاوِي وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن زيد بن أسلم قَالَ: كُنَّا نتكلم على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة يكلم الرجل منا صَاحبه وَهُوَ إِلَى جنبه فِي الصَّلَاة حَتَّى نزلت {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَأمرنَا بِالسُّكُوتِ ونهينا عَن الْكَلَام
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الله {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة يَجِيء الرجل إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فيكلمه بحاجته فنهوا عَن الْكَلَام
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة
مثله
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن كَعْب قَالَ: قدم رَسُول الله صلى الله ليه وَسلم الْمَدِينَة وَالنَّاس يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة فِي حوائجهم كَمَا تكلم أهل الْكتاب فِي الصَّلَاة فِي حوائجهم حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فتركوا الْكَلَام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عَطِيَّة قَالَ: كَانَ يأمرون فِي الصَّلَاة بحوائجهم حَتَّى أنزلت {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فتركوا الْكَلَام فِي الصَّلَاة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة وَكَانَ الرجل يَأْمر أَخَاهُ بِالْحَاجةِ فَأنْزل الله {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} فَقطعُوا الْكَلَام فالقنوت السُّكُوت والقنوت الطَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا نقوم فِي الصَّلَاة فنتكلم ويسارر الرجل صَاحبه ويخبره ويردون عَلَيْهِ إِذا سلم حَتَّى أتيت أَنا فَسلمت فَلم يردوا عَليّ السَّلَام فَاشْتَدَّ ذَلِك عليّ فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته قَالَ: إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك السَّلَام إِلَّا أَن أمرنَا أَن نقوم قَانِتِينَ لَا نتكلم فِي الصَّلَاة والقنوت السُّكُوت
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق زر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا نتكلم فِي الصَّلَاة فَسلمت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يرد عَليّ فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: قد أحدث الله أَن لَا تتكلموا فِي الصَّلَاة وَنزلت هَذِه الْآيَة {وَقومُوا لله قَانِتِينَ}
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق كُلْثُوم بن المصطلق عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عوّدني أَن يرد عليّ السَّلَام فِي الصَّلَاة فَأَتَيْته ذَات يَوْم فَسلمت فَلم يرد عَليّ(1/730)
وَقَالَ: إِن الله يحدث من أمره مَا شَاءَ وَإنَّهُ قد أحدث لكم فِي الصَّلَاة أَن لَا يتَكَلَّم أحد إِلَّا بِذكر الله وَمَا يَنْبَغِي من تَسْبِيح وتمجيد {وَقومُوا لله قَانِتِينَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو يعلى من طَرِيق الْمسيب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: كُنَّا يسلم بَعْضنَا على بعض فِي الصَّلَاة فمررت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ فَوَقع فِي نَفسِي أَنه نزل فيّ شَيْء فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته قَالَ وَعَلَيْك السَّلَام أَيهَا الْمُسلم وَرَحْمَة الله إِن الله يحدث فِي أمره مَا يَشَاء فَإِذا كُنْتُم فِي الصَّلَاة فاقنتوا وَلَا تتكلموا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: القانت الَّذِي يطع الله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ: مصلين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: كل أهل دين يقومُونَ فِيهَا عاصين فَقومُوا أَنْتُم لله مُطِيعِينَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي الصِّنْف عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ: مُطِيعِينَ لله فِي الْوضُوء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: إِذا قُمْتُم فِي الصَّلَاة فاسكتوا وَلَا تكلمُوا أحدا حَتَّى تفرغوا مِنْهَا وَالْقَانِت الْمُصَلِّي الَّذِي لَا يتَكَلَّم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والأصبهاني فِي التَّرْغِيب وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ: من الْقُنُوت الرُّكُوع والخشوع وَطول الرُّكُوع يَعْنِي طول الْقيام وغض الْبَصَر وخفض الْجنَاح والرهبة لله كَانَ الْفُقَهَاء من أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَامَ أحدهم فِي الصَّلَاة يهاب الرَّحْمَن سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَن يلْتَفت أَو يقلب الْحَصَى أَو يشد بَصَره أَو يعبث بِشَيْء أَو يحدث نَفسه بِشَيْء من أَمر الدُّنْيَا إِلَّا نَاسِيا حَتَّى ينْصَرف
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاة ويأمرون بِالْحَاجةِ فنهوا عَن الْكَلَام والالتفات فِي الصَّلَاة وَأمرُوا أَن يخشعوا إِذا قَامُوا فِي الصَّلَاة قَانِتِينَ خاشعين غير ساهين وَلَا لاهين(1/731)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الصَّلَاة طول الْقُنُوت
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا نسلم على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَيرد علينا فَلَمَّا رَجعْنَا من عِنْد النَّجَاشِيّ سلَّمنا عَلَيْهِ فَلم يرد علينا فَقُلْنَا يَا رَسُول الله كُنَّا نسلم عَلَيْك فِي الصَّلَاة فَترد علينا فَقَالَ: إِن فِي الصَّلَاة شغلاً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ قَالَ بَينا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا عطس رجل من الْقَوْم فَقلت يَرْحَمك الله فَرَمَانِي الْقَوْم بِأَبْصَارِهِمْ فَقلت: واثكل أمِّياه مَا شَأْنكُمْ تنْظرُون إِلَيّ
1 - فَجعلُوا يضْربُونَ بِأَيْدِيهِم على أَفْخَاذهم فَلَمَّا رَأَيْتهمْ يصمتونني سكت فَلَمَّا صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبأبي هُوَ وَأمي مَا رَأَيْت معلما قبله وَلَا بعده أحسن تَعْلِيما مِنْهُ فوَاللَّه مَا انتهرني وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي ثمَّ قَالَ: إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا شَيْء من كَلَام النَّاس إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن جَابر قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي فِي سفر فَبَعَثَنِي فِي حَاجَة فَرَجَعت وَهُوَ يُصَلِّي على رَاحِلَته فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ فَلَمَّا انْصَرف قَالَ: إِنَّه لم يَمْنعنِي أَن أرد عَلَيْك إِلَّا أَنِّي كنت أُصَلِّي
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه عَن صُهَيْب قَالَ مَرَرْت برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ إِشَارَة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رجلا سلم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَرد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِشَارَة فَلَمَّا سلم قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا كُنَّا نرد السَّلَام فِي صَلَاتنَا فنهينا عَن ذَلِك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عمار بن يَاسر قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: سُئِلَ أنس بن مَالك أقنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصُّبْح قَالَ: نعم
قيل: أوقنت قبل الرُّكُوع قَالَ: بعد الرُّكُوع يَسِيرا
قَالَ: فَلَا أَدْرِي الْيَسِير للقام أَو الْقُنُوت(1/732)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عمر
أَنه كَانَ لَا يقنت فِي الْفجْر وَلَا فِي الْوتر وَكَانَ إِذا سُئِلَ عَن الْقُنُوت قَالَ: مَا نعلم الْقُنُوت إِلَّا طول الْقيام وَقِرَاءَة الْقُرْآن
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أبي قلَابَة عَن أنس قَالَ: كَانَ الْقُنُوت فِي الْفجْر وَالْمغْرب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقنت فِي الْفجْر وَالْمغْرب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يقنت فِي الصُّبْح وَالْمغْرب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يُصَلِّي صَلَاة مَكْتُوبَة إِلَّا قنت فِيهَا
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سَلمَة
أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول: وَالله لأقربن لكم صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة يقنت فِي الرَّكْعَة الْأَخِيرَة من صَلَاة الظّهْر وَصَلَاة الْعشَاء وَصَلَاة الصُّبْح بعد مَا يَقُول: سمع الله لمن حَمده يَدْعُو للْمُؤْمِنين ويلعن الْكَافرين
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا مُتَتَابِعًا فِي الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء وَصَلَاة الصُّبْح فِي دبر كل صَلَاة إِذا قَالَ: سمع الله لمن حَمده من الرَّكْعَة الْأَخِيرَة يَدْعُو على أَحيَاء من سليم على رعل وذكوان وَعصيَّة ويؤمن من خَلفه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ حَدثنِي من صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْغَدَاة فَلَمَّا رفع رَأسه من الرَّكْعَة الثَّانِيَة قَامَ هنيَّة
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: مَا زَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت فِي الْفجْر حَتَّى فَارق الدُّنْيَا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت شهرا يَدْعُو عَلَيْهِم ثمَّ تَركه وَأما فِي الصُّبْح فَلم يزل يقنت حَتَّى فَارق الدُّنْيَا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس قَالَ: صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يزل يقنت بعد الرُّكُوع فِي صَلَاة الْغَدَاة حَتَّى فارقته
قَالَ: وَصليت خلف عمر بن الْخطاب فَلم يزل يقنت بعد الرُّكُوع فِي صَلَاة الْغَدَاة حَتَّى فارقته(1/733)
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت حَتَّى مَاتَ وَأَبُو بكر حَتَّى مَاتَ وَعمر حَتَّى مَاتَ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي عُثْمَان
أَنه سُئِلَ عَن قنوت عمر فِي الْفجْر فَقَالَ: كَانَ يقنت بِقدر مَا يقْرَأ الرجل مائَة آيَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قنت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان بعد الرُّكُوع ثمَّ تَبَاعَدت الديار فَطلب النَّاس إِلَى عُثْمَان أَن يَجْعَل الْقُنُوت فِي الصَّلَاة قبل الرُّكُوع لكَي يدركوا الصَّلَاة فقنت قبل الرُّكُوع
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق أبي الطُّفَيْل عَن عَليّ وعمار انهما صليا خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقنت فِي الْغَدَاة
وَأخرج ابْن ماجة عَن حميد قَالَ: سُئِلَ أنس عَن الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح فَقَالَ: كُنَّا نقنت قبل الرُّكُوع وَبعده
وَأخرج الْحَرْث بن أبي أُمَامَة وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة قَالَت كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت فِي الْفجْر قبل الرَّكْعَة وَقَالَ: إِنَّمَا أقنت بكم لتدعوا ربكُم وتسألوه حَوَائِجكُمْ
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي رَافع أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سلوا الله حَوَائِجكُمْ فِي صَلَاة الصُّبْح
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا قنت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَيْء من الصَّلَوَات إِلَّا فِي الْوتر وَإنَّهُ وَكَانَ إِذا حَارب يقنت فِي الصَّلَوَات كُلهنَّ يَدْعُو على الْمُشْركين
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي بن كَعْب إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قنت فِي الْوتر قبل الرُّكُوع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ عَلمنِي جدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَلِمَات أقولهن فِي قنوت الْوتر: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وقني شَرّ مَا قضيت إِنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وَإنَّهُ لَا يذل من واليت
زَاد الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ: وَلَا يعز من عاديت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت(1/734)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يزِيد بن أبي مَرْيَم قَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس وَمُحَمّد بن عَليّ بن الْحَنَفِيَّة بالخيف يَقُولَانِ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقنت فِي صَلَاة الصُّبْح وَفِي وتر اللَّيْل بهؤلاء الْكَلِمَات: اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت وَعَافنِي فِيمَن عافيت وتولني فِيمَن توليت وَبَارك لي فِيمَا أَعْطَيْت وقني شَرّ مَا قضيت إِنَّك تقضي وَلَا يقْضى عَلَيْك وَإنَّهُ لَا يذل من واليت تَبَارَكت رَبنَا وَتَعَالَيْت
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن الْحسن فِيمَن نسي الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح قَالَ: عَلَيْهِ سجدتا السَّهْو
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز فِيمَن نسي الْقُنُوت فِي صَلَاة الصُّبْح: يسْجد سَجْدَتي السَّهْو
وَالله أعلم(1/735)
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239)
قَوْله تَعَالَى: فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً فَإِذا أمنتم فاذكروا الله كَمَا علمكُم مَا لم تَكُونُوا تعلمُونَ
أخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق نَافِع قَالَ: كَانَ ابْن عمر إِذا سُئِلَ عَن صَلَاة الْخَوْف قَالَ: يتَقَدَّم الإِمام وَطَائِفَة من النَّاس فَيصَلي بهم الإِمام رَكْعَة وَتَكون طَائِفَة مِنْهُم بَينهم وَبَين الْعَدو لم يصلوا فَإِذا صلى الَّذين مَعَه رَكْعَة استأخروا مَكَان الَّذين لم يصلوا وَلَا يسلمُونَ ويتقدم الَّذين لم يصلوا فيصلون مَعَه رَكْعَة ثمَّ ينْصَرف الإِمام وَقد صلى رَكْعَتَيْنِ فتقوم كل وَاحِدَة من الطَّائِفَتَيْنِ فيصلون لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَة بعد أَن ينْصَرف الإِمام فَيكون كل وَاحِد من الطَّائِفَتَيْنِ قد صلى رَكْعَتَيْنِ وَإِن كَانَ خوف هُوَ أَشد من ذَلِك صلوا رجَالًا أَو قيَاما على أَقْدَامهم أَو ركبانا مستقبلي الْقبْلَة أَو غير مستقبليها
قَالَ نَافِع: لَا أرى ابْن عمر ذكر ذَلِك إِلَّا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف فِي بعض أَيَّامه فَقَامَتْ طَائِفَة مَعَه وَطَائِفَة بِإِزَاءِ العدوّ فصلى بالذين مَعَه رَكْعَة ثمَّ ذَهَبُوا وَجَاء الْآخرُونَ فصلى بهم رَكْعَة ثمَّ قَضَت الطائفتان رَكْعَة رَكْعَة
قَالَ: وَقَالَ ابْن عمر: فَإِذا كَانَ خوف أَكثر من ذَلِك فصلى رَاكِبًا أَو قَائِما تومىء إِيمَاء(1/735)
وَأخرج ابْن ماجة من طَرِيق نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْخَوْف أَن يكون الإِمام يُصَلِّي بطَائفَة مَعَه فيسجدون سَجْدَة وَاحِدَة وَتَكون طَائِفَة مِنْهُم بَينهم وَبَين الْعَدو ثمَّ ينْصَرف الَّذين سجدوا السَّجْدَة مَعَ أَمِيرهمْ ثمَّ يَكُونُوا مَكَان الَّذين لم يصلوا ويتقدم الَّذين لم يصلوا فيصلوا مَعَ أَمِيرهمْ سَجْدَة وَاحِدَة ثمَّ ينْصَرف أَمِيرهمْ وَقد صلى صلَاته وَيُصلي كل وَاحِد من الطَّائِفَتَيْنِ بِصَلَاتِهِ سَجْدَة لنَفسِهِ فَإِن كَانَ خوفًا أَشد من ذَلِك فرجالاً أَو ركباناً
وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة المسايفة رَكْعَة أَي وَجه كَانَ الرجل يجزىء عَنهُ فَإِن فعل ذَلِك لم يعده
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً} قَالَ: يُصَلِّي الرَّاكِب على دَابَّته والراجل على رجلَيْهِ {فَإِذا أمنتم فاذكروا الله كَمَا علمكُم مَا لم تَكُونُوا تعلمُونَ} يَعْنِي كَمَا علمكُم أَن يُصَلِّي الرَّاكِب على دَابَّته والراجل على رجلَيْهِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: إِذا كَانَت المسايفة فليومىء بِرَأْسِهِ حَيْثُ كَانَ وَجهه فَذَلِك قَوْله {فرجالاً أَو ركباناً}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وابنالمنذر عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فرجالاً} قَالَ: مشَاة {أَو ركباناً} قَالَ: لأَصْحَاب مُحَمَّد على الْخَيل فِي الْقِتَال إِذا وَقع الْخَوْف فليصلّ الرجل إِلَى كل جِهَة قَائِما أَو رَاكِبًا أَو مَا قدر على أَن يومىء إِيمَاء بِرَأْسِهِ أَو يتَكَلَّم بِلِسَانِهِ
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: أحل الله لَك إِذا كنت خَائفًا أَن تصلّي وَأَنت رَاكب وَأَنت تسْعَى وتومىء إِيمَاء حَيْثُ كَانَ وَجهك للْقبْلَة أَو لغير ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً} قَالَ: هَذَا فِي الْعَدو يُصَلِّي الرَّاكِب والماشي يومئون إِيمَاء حَيْثُ كَانَ وُجُوههم والركعة الْوَاحِدَة تجزئك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَإِن لم يسْتَطع فركعة فَإِن لم يسْتَطع فتكبيرة حَيْثُ كَانَ وَجهه
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس {فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً} قَالَ: رَكْعَة رَكْعَة(1/736)
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن عبد الله بن أنيس قَالَ بَعَثَنِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى خَالِد بن سُفْيَان الْهُذلِيّ وَكَانَ نَحْو عُرَنَة وعرفات فَقَالَ: اذْهَبْ فاقتله
قَالَ: فرأيته وَقد حضرت صَلَاة الْعَصْر فَقلت: إِنِّي لأخاف أَن يكون بيني وَبَينه مَا أَن أؤخر الصَّلَاة فَانْطَلَقت أَمْشِي وَأَنا أُصَلِّي أومىء إِيمَاء نَحوه فَلَمَّا دَنَوْت مِنْهُ قَالَ لي: من أَنْت قلت: رجل من الْعَرَب بَلغنِي أَنَّك تجمع لهَذَا الرجل فجئتك فِي ذَلِك
قَالَ: إِنِّي لفي ذَلِك
فمشيت مَعَه سَاعَة حَتَّى إِذا أمكنني علوته بسيفي حَتَّى برد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً} قَالَ: إِذا حضرت الصَّلَاة فِي المطادرة فاومىء حَيْثُ كَانَ وَجهك وَاجعَل السُّجُود أَخفض من الرُّكُوع
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فرجالاً أَو ركباناً} قَالَ: ذَلِك عِنْد الضراب بِالسَّيْفِ تصلي رَكْعَة إِيمَاء حَيْثُ كَانَ وَجهك رَاكِبًا كنت أم مَاشِيا أَو ساعياً
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الخَنْدَق فشغلنا عَن صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء حَتَّى كفينا ذَلِك وَذَلِكَ قَوْله (وَكفى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال) (الْأَحْزَاب الْآيَة 25) فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا فَأَقَامَ لكل صَلَاة إِقَامَة وَذَلِكَ قبل أَن ينزل عَلَيْهِ {فَإِن خِفْتُمْ فرجالاً أَو ركباناً}
وَأخرج وَكِيع وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {فَإِذا أمنتم} قَالَ: خَرجْتُمْ من دَار السّفر إِلَى دَار الإِقامه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ {فَإِذا أمنتم} فصلوا الصَّلَاة كَمَا افْترض عَلَيْكُم إِذا جَاءَ الْخَوْف كَانَت لَهُم رخصَة(1/737)
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (240)
قَوْله تَعَالَى: وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج فَإِن خرجن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِي مَا فعلن فِي أَنْفسهنَّ من مَعْرُوف وَالله عَزِيز حَكِيم(1/737)
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن الزبيرقال: قلت لعُثْمَان بن عَفَّان {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} قد نسختها الْآيَة الْأُخْرَى فَلم تَكْتُبهَا أَو تدعها قَالَ: يَا ابْن أخي لَا أغير شَيْئا مِنْهُ من مَكَانَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم} الْآيَة
قَالَ: كَانَ للمتوفى عَنْهَا زَوجهَا نَفَقَتهَا وسكناها فِي الدَّار سنة فنسختها آيَة الْمَوَارِيث فَجعل لَهُنَّ الرّبع وَالثمن مِمَّا ترك الزَّوْج
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ مِيرَاث الْمَرْأَة من زَوجهَا أَن تسكن إِن شَاءَت من يَوْم يَمُوت زَوجهَا إِلَى الْحول يَقُول {فَإِن خرجن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم} ثمَّ نسخهَا مَا فرض الله من الْمِيرَاث
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول غير إِخْرَاج} قَالَ: نسخ الله ذَلِك بِآيَة الْمِيرَاث بِمَا فرض الله لَهُنَّ من الرّبع وَالثمن وَنسخ أجل الْحول بِأَن جعل أجلهَا أَرْبَعَة أشهر وَعشرا
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن سِيرِين عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَامَ يخْطب النَّاس فَقَرَأَ لَهُم سُورَة الْبَقَرَة فَبين لَهُم مِنْهَا فَأتى على هَذِه الْآيَة (إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين) (الْبَقَرَة الْآيَة 180) فَقَالَ: نسخت هَذِه ثمَّ قَرَأَ حَتَّى أَتَى على هَذِه الْآيَة {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم} إِلَى قَوْله {غير إِخْرَاج} فَقَالَ: وَهَذِه
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لَيْسَ للمتوفى عَنْهَا زَوجهَا نَفَقَة حسبها الْمِيرَاث
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَالنَّسَائِيّ عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم مَتَاعا إِلَى الْحول} قَالَ: نسخهَا (وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) (الْبَقَرَة الْآيَة 234)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا وَصِيَّة لأزواجهم} قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة يوصى لَهَا زوجا بِنَفَقَة(1/738)
سنة مَا لم تخرج وتتزوج فنسخ ذَلِك بقوله (وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) (الْبَقَرَة الْآيَة 234) فنسخت هَذِه الْآيَة الْأُخْرَى وَفرض عَلَيْهِنَّ التَّرَبُّص أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَفرض لَهُنَّ الرّبع وَالثمن
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن زيد بن أسلم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة يُوصي لَهَا زوجا بِالسُّكْنَى وَالنَّفقَة مَا لم تخرج وتتزوج ثمَّ نسخ ذَلِك وَفرض لَهَا الرّبع ان لم يكن لزَوجهَا ولد وَالثمن ان كَانَ لزَوجهَا ولد وَنسخ هَذِه الْآيَة قَوْله (يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا) (الْبَقَرَة الْآيَة 234) فنسخت هَذِه الْآيَة الْوَصِيَّة إِلَى الْحول
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه فِي نفسيره عَن مقَاتل بن حَيَّان أَن رجلا من أهل الطَّائِف قدم الْمَدِينَة وَله أَوْلَاد رجال وَنسَاء وَمَعَهُ أَبَوَاهُ وَامْرَأَته فَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ فَرفع ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأعْطى الْوَالِدين وَأعْطى أَوْلَاده بِالْمَعْرُوفِ وَلم يُعْط امْرَأَته شَيْئا غير أَنهم أمروا أَن ينفقوا عَلَيْهَا من تَرِكَة زَوجهَا إِلَى الحوا وَفِيه نزلت {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَلَا جنَاح عَلَيْكُم فِي مَا فعلن فِي أَنْفسهنَّ من مَعْرُوف} قَالَ: النِّكَاح الْحَلَال الطّيب(1/739)
وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (242)
قَوْله تَعَالَى: وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُتَّقِينَ كَذَلِك يبين الله لكم آيَاته لَعَلَّكُمْ تعقلون
أخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: لما نزل قَوْله (مَتَاعا بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُحْسِنِينَ) قَالَ رجل: إِن أَحْسَنت فعلت وَإِن لم أرد ذَلِك لم أفعل فَأنْزل الله {وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: نسخت هَذِه الْآيَة الَّتِي بعْدهَا قَوْله (وَإِن طلقتموهن من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ وَقد فرضتم لَهُنَّ فَرِيضَة فَنصف مَا فرضتم) (الْبَقَرَة الْآيَة 237) نسخت {وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ}(1/739)
وَأخرج عَن عتاب بن خصيف فِي قَوْله {وللمطلقات مَتَاع} قَالَ: كَانَ ذَلِك قبل الْفَرَائِض
وَأخرج مَالك وَعبد الرَّزَّاق وَالشَّافِعِيّ وَعبد بن حميد والنحاس فِي ناسخه وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: لكل مُطلقَة مُتْعَة إِلَّا الَّتِي يطلقهَا وَلم يدْخل بهَا وَقد فرض لَهَا كفى بِالنِّصْفِ مَتَاعا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لكل مُؤمنَة طلقت حرَّة أَو أمة مُتْعَة وَقَرَأَ {وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُتَّقِينَ}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ لما طلق حَفْص بن الْمُغيرَة امْرَأَته فَاطِمَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لزَوجهَا
مَتعهَا
قَالَ: لَا أجد مَا أمتعها
قَالَ: فَإِنَّهُ لَا بُد من الْمَتَاع مَتعهَا وَلَو نصف صَاع من تمر
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة {وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُتَّقِينَ} قَالَ: لكل مُطلقَة مُتْعَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن يعلى بن حَكِيم قَالَ: قَالَ رجل لسَعِيد بن جُبَير: الْمُتْعَة على كل أحد هِيَ قَالَ: لَا
قَالَ: فعلى من هِيَ قَالَ: على الْمُتَّقِينَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن قَتَادَة قَالَ: طلق رجل امْرَأَته عِنْد شُرَيْح فَقَالَ لَهُ شُرَيْح: متعتها فَقَالَت الْمَرْأَة: إِنَّه لَيْسَ لي عَلَيْهِ مُتْعَة إِنَّمَا قَالَ الله {وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ حَقًا على الْمُتَّقِينَ} وللمطلقات مَتَاع بِالْمَعْرُوفِ على الْمُحْسِنِينَ وَلَيْسَ من أُولَئِكَ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن شُرَيْح أَنه قَالَ لرجل فَارق امْرَأَته: لَا تأبَ أَن تكون من الْمُتَّقِينَ لَا تأبَ أَن تكون من الْمُحْسِنِينَ
وَأخرج الشَّافِعِي عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: نَفَقَة الْمُطلقَة مَا لم تحرم فَإِذا حرمت فمتاع بِالْمَعْرُوفِ(1/740)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (243) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)
قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت فَقَالَ لَهُم الله موتوا ثمَّ أحياهم إِن الله لذُو فضل على النَّاس وَلَكِن أَكثر النَّاس لَا يشكرون وقاتلوا فِي سَبِيل الله وَاعْلَمُوا أَن الله سميع عليم(1/740)
أخرج وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت} قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَة آلَاف خَرجُوا فِرَارًا من الطَّاعُون وَقَالُوا: نأتي أَرضًا لَيْسَ بهَا موت حَتَّى إِذا كَانُوا بِموضع كَذَا وَكَذَا قَالَ لَهُم الله: موتوا
فَمر عَلَيْهِم نَبِي من الْأَنْبِيَاء فَدَعَا ربه أَن يحييهم حَتَّى يعبدوه فأحياهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَة آلَاف من أهل قَرْيَة يُقَال لَهَا داوردان خَرجُوا فارين من الطَّاعُون
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أَسْبَاط عَن السّديّ عَن أبي مَالك فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت قَرْيَة يُقَال لَهَا داوردان قريب من وَاسِط فَوَقع فيهم الطَّاعُون فأقامت طَائِفَة وهربت طَائِفَة فَوَقع الْمَوْت فِيمَن أَقَامَ وَسلم الَّذين أجلوا فَلَمَّا ارْتَفع الطَّاعُون رجعُوا إِلَيْهِم فَقَالَ الَّذين بقوا: اخواننا كَانُوا أحزم منا لَو صنعنَا كَمَا صَنَعُوا سلمنَا وَلَئِن بَقينَا إِلَى أَن يَقع الطَّاعُون لنصنعن كَمَا صَنَعُوا
فَوَقع الطَّاعُون من قَابل فَخَرجُوا جَمِيعًا الَّذين كَانُوا أجلوا وَالَّذين كَانُوا أَقَامُوا وهم بضعَة وَثَلَاثُونَ ألفا فَسَارُوا حَتَّى أَتَوا وَاديا فسيحا فنزلوا فِيهِ وَهُوَ بَين جبلين فَبعث الله لإليهم ملكَيْنِ ملكا بِأَعْلَى الْوَادي وملكاً بأسفله فناداهم: أَن موتوا فماتوا
فَمَكَثُوا مَا شَاءَ الله ثمَّ مر بهم نَبِي يُقَال حزقيل فَرَأى تِلْكَ الْعِظَام فَوقف مُتَعَجِّبا لِكَثْرَة مَا يرى مِنْهُم فَأوحى الله إِلَيْهِ أَن نَاد أيتها الْعِظَام إِن الله أَمرك أَن تجتمعي فاجتمعت الْعِظَام من أَعلَى الْوَادي وَأَدْنَاهُ حَتَّى التزق بَعْضهَا بعض كل عظم من جَسَد التزق بجسده فَصَارَت أجساداً من عِظَام لَا لحم وَلَا دم ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ أَن نَاد أيتها الْعِظَام إِن الله يَأْمُرك أَن تكتسي لَحْمًا فاكتست لَحْمًا ثمَّ أوحى الله إِلَيْهِ أَن نَاد أيتها الأجساد إِن الله يَأْمُرك أَن تقومي فبعثوا أَحيَاء
فَرَجَعُوا إِلَى بِلَادهمْ فأقاموا لَا يلبسُونَ ثوبا إِلَّا كَانَ عَلَيْهِم كفناً دسماً يعرفهُمْ أهل ذَلِك الزَّمَان أَنهم قد مَاتُوا ثمَّ أَقَامُوا حَتَّى أَتَت عَلَيْهِم آجالهم بعد ذَلِك قَالَ أَسْبَاط: وَقَالَ مَنْصُور عَن مُجَاهِد: كَانَ كَلَامهم حِين بعثوا أَن قَالُوا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبنَا وَبِحَمْدِك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت(1/741)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز فِي قَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ} قَالَ: هم من أَذْرُعَات
وَأخرج عَن أبي صَالح فِي الْآيَة قَالَ: كَانُوا تِسْعَة آلَاف
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت} قَالَ: مقتهم الله على فرارهم من الْمَوْت فأماتهم الله عُقُوبَة الله ثمَّ بَعثهمْ إِلَى بَقِيَّة آجالهم ليستوفوها وَلَو كَانَت آجال الْقَوْم جَاءَت مَا بعثوا بعد مَوْتهمْ
وَأخرج ابْن جرير عَن أَشْعَث بن أسلم الْبَصْرِيّ قَالَ: بَينا عمر يُصَلِّي ويهوديان خَلفه قَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: أهوَ هُوَ فَلَمَّا انتعل عمر قَالَ: أَرَأَيْت قَول أَحَدكُمَا لصَاحبه أهوَ هُوَ قَالَا: إِنَّا نجده فِي كتَابنَا قرنا من حَدِيد يعْطى مَا يعْطى حزقيل الَّذِي أَحْيَا الْمَوْتَى بِإِذن الله
فَقَالَ عمر: مَا نجد فِي كتاب الله حزقيل وَلَا أَحْيَا الْمَوْتَى بِإِذن الله إِلَّا عِيسَى
قَالَ: أما تَجِد فِي كتاب الله (ورسلا لم نقصصهم عَلَيْك) (النِّسَاء الْآيَة 164) فَقَالَ عمر: بلَى
قَالَ: وَأما إحْيَاء الْمَوْت فسنحدثك أَن بني إِسْرَائِيل وَقع عَلَيْهِم الوباء فَخرج مِنْهُم قوم حَتَّى إِذا كَانُوا على رَأس ميل أماتهم الله فبنوا عَلَيْهِم حَائِطا حَتَّى إِذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فَقَامَ عَلَيْهِم فَقَالَ مَا شَاءَ الله فبعثهم الله لَهُ فَأنْزل الله فِي ذَلِك {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن هِلَال بن يسَاف فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ قوم من بني إِسْرَائِيل كَانُوا إِذا وَقع فيهم الطَّاعُون خرج أغنيائهم وأشرافهم وَأقَام فقراؤهم وسفلتهم فاستحر الْقَتْل على المقيمين وَلم يصب الآخرين شَيْء فَلَمَّا كَانَ عَام من تِلْكَ الأعوام قَالُوا: لَو صنعنَا كَمَا صَنَعُوا نجونا فظعنوا جَمِيعًا فَأرْسل عَلَيْهِم الْمَوْت فصاروا عظاماً تبرق فَجَاءَهُمْ أهل الْقرى فجمعوهم فِي مَكَان وَاحِد فَمر بهم نَبِي فَقَالَ: يَا رب لَو شِئْت أَحييت هَؤُلَاءِ فعمروا بلادك وعبدوك
فَقَالَ: قل كَذَا وَكَذَا فَتكلم بِهِ فَنظر إِلَى الْعِظَام تركب ثمَّ تكلم فَإِذا الْعِظَام تُكْسَى لَحْمًا ثمَّ تكلم فَإِذا هم قعُود يسبحون وَيُكَبِّرُونَ ثمَّ قيل لَهُم {وقاتلوا فِي سَبِيل الله وَاعْلَمُوا أَن الله سميع عليم}(1/742)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: هم قوم فروا من الطَّاعُون فأماتهم الله قبل آجالهم عُقُوبَة ومقتاً ثمَّ أحياهم ليكملوا بَقِيَّة آجالهم
وَأخرج ابْن جرير عَن وهب بن مُنَبّه
أَن كالب بن يوقنا لما قَبضه الله بعد يُوشَع خلف فِي بني إِسْرَائِيل حزقيل من بوزى وَهُوَ ابْن الْعَجُوز وَإِنَّمَا سمي ابْن الْعَجُوز لِأَنَّهَا سَأَلت الله الْوَلَد وَقد كَبرت فوهبه لَهَا وَهُوَ الَّذِي دَعَا للْقَوْم الَّذين ذكر الله فِي كِتَابه فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن وهب قَالَ: أصَاب نَاسا من بني إِسْرَائِيل بلَاء وَشدَّة من زمَان فشكوا مَا أَصَابَهُم وَقَالُوا: يَا ليتنا قد متْنا فاسترحنا مِمَّا نَحن فِيهِ فَأوحى الله إِلَى حزقيل أَن قَوْمك صاحوا من الْبلَاء وَزَعَمُوا أَنهم ودوا لَو مَاتُوا واستراحوا وَأي رَاحَة لَهُم فِي الْمَوْت أيظنون أَنِّي لَا أقدر على أَن أبعثهم بعد الْمَوْت فَانْطَلق إِلَى جبانة كَذَا وَكَذَا فَإِن فِيهَا أَرْبَعَة آلَاف قَالَ وهب: وهم الَّذين قَالَ الله {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت} فَقُمْ فَنَادِ فيهم وَكَانَت عظامهم قد تَفَرَّقت كَمَا فرقتها الطير وَالسِّبَاع فَنَادَى حزقيل: أيتها الْعِظَام إِن الله يَأْمُرك أَن تجتمعي فَاجْتمع عِظَام كل إِنْسَان مِنْهُم مَعًا ثمَّ قَالَ: أيتها الْعِظَام إِن الله يَأْمُرك أَن ينْبت العصب والعقب فتلازمت واشتدت بالعصب والعقب ثمَّ نَادَى جزقيل فَقَالَ: أيتها الْعِظَام ان الله يَأْمُرك أَن تكتسي اللَّحْم
فاكتست اللَّحْم وَبعد اللَّحْم جلدا فَكَانَت أجساداً ثمَّ نَادَى حزقيل الثَّالِثَة فَقَالَ: أيتها الْأَرْوَاح إِن الله يَأْمُرك أَن تعودي فِي أجسادك
فَقَامُوا بِإِذن الله فكبروا تَكْبِيرَة رجل وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت} يَقُول: عدد كثير خَرجُوا فِرَارًا من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله فأماتهم الله حَتَّى ذاقوا الْمَوْت الَّذِي فروا مِنْهُ ثمَّ أحياهم وَأمرهمْ أَن يجاهدوا عدوهم فَذَلِك قَوْله {وقاتلوا فِي سَبِيل الله وَاعْلَمُوا أَن الله سميع عليم} وهم الَّذين قَالُوا لنبيهم (ابْعَثْ ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله) (الْبَقَرَة الْآيَة 246)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة(1/743)
قَالَ: كَانُوا أَرْبَعِينَ ألفا وَثَمَانِية آلَاف حظر عَلَيْهِم حظائر وَقد أروحت أَجْسَادهم وأنتنوا فَإِنَّهَا لتوجد الْيَوْم فِي ذَلِك السبط من الْيَهُود تِلْكَ الرّيح خَرجُوا فِرَارًا من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله فأماتهم ثمَّ أحياهم فَأَمرهمْ بِالْجِهَادِ فَذَلِك قَوْله {وقاتلوا فِي سَبِيل الله}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: خَرجُوا فِرَارًا من الطَّاعُون وهم أُلُوف لَيست الْفرْقَة أخرجتهم كَمَا يخرج للحرب والقتال قُلُوبهم مؤتلفة فَلَمَّا كَانُوا حَيْثُ ذَهَبُوا يَبْتَغُونَ الْحَيَاة قَالَ الله لَهُم: موتوا وَمر رجل بهَا وَهِي عِظَام تلوح فَوقف ينظر فَقَالَ (أَنى يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا فأماته الله مائَة عَام) (الْبَقَرَة الْآيَة 259)
وَأخرج البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عَائِشَة قَالَت سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الطَّاعُون فَأَخْبرنِي أَنه كَانَ عذَابا يَبْعَثهُ الله على من يَشَاء وَجعله رَحْمَة للْمُؤْمِنين فَلَيْسَ من رجل يَقع الطَّاعُون وَيمْكث فِي بَلَده صَابِرًا محتسباً يعلم أَنه لَا يُصِيبهُ إِلَّا مَا كتب الله لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مثل أجر الشَّهِيد
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فِي الطَّاعُون: إِذا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْض فَلَا تقدمُوا عَلَيْهِ وَإِذا وَقع بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا فِرَارًا مِنْهُ
وَأخرج سيف فِي الْفتُوح عَن شُرَحْبِيل بن حَسَنَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا وَقع الطَّاعُون بِأَرْض وَأَنْتُم بهَا فَلَا تخْرجُوا فَإِن الْمَوْت فِي أَعْنَاقكُم وَإِذا بِأَرْض فَلَا تدخلوها فَإِنَّهُ يحرق الْقُلُوب
وَأخرج عبد بن حميد عَن أم أَيمن أَنه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُوصي بعض أَهله فَقَالَ: وَإِن أصَاب النَّاس موتان وَأَنت فيهم فَاثْبتْ
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الطواعين وَأَبُو يعلى والطبرلني فِي الْأَوْسَط وَابْن عدي فِي الْكَامِل عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تفنى أمتِي إِلَّا بالطعن والطاعون
قلت: يَا رَسُول الله هَذَا الطعْن قد عَرفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُون قَالَ: غُدَّة كَغُدَّة الْبَعِير الْمُقِيم بهَا كالشهيد والفار مِنْهُ كالفار من الزَّحْف
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن جَابر بن عبد الله(1/744)
{الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أهل الإِسلام اقرضوا الله من أَمْوَالكُم يضاعفه لكم أضعافاً كَثِيرَة
فَقَالَ لَهُ ابْن الدحداحة: يَا رَسُول الله لي مالان مَال بِالْعَالِيَةِ وَمَال فِي بني ظفر فَابْعَثْ خارصك فليقبض خيرهما
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لفروة بن عمر: انْطلق فَانْظُر خيرهما فَدَعْهُ واقبض الآخر فَانْطَلق فَأخْبرهُ فَقَالَ: مَا كنت لاقرض رَبِّي شَرّ مَا أملك وَلَكِن أقْرض رَبِّي خير مَا أملك إِنِّي لَا أَخَاف فقر الدُّنْيَا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا رب عذق مدلل لِابْنِ الدحداح فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن سعد عَن الشّعبِيّ قَالَ اسْتقْرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رجل تَمرا فَلم يقْرضهُ قَالَ: لَو كَانَ هَذَا نَبيا لم يستقرض فَأرْسل الله إِلَى أبي الدحداح فاستقرضه فَقَالَ: وَالله لأَنْت أَحَق بِي وبمالي وَوَلَدي من نَفسِي وَإِنَّمَا هُوَ مَالك فَخذ مِنْهُ مَا شِئْت اترك لنا مَا شِئْت فَلَمَّا توفّي أَبُو الدحداح قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: رب عذق مدلل لأبي الدحداح فِي الْجنَّة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} الْآيَة
فِي ثَابت بن الدحداحة حِين تصدق بِمَالِه
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب فِي قَوْله {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} قَالَ: النَّفَقَة فِي سَبِيل الله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجلا على عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سمع هَذِه الْآيَة قَالَ: أَنا أقْرض الله فَعمد إِلَى خير مَال لَهُ فَتصدق بِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة} قَالَ: هَذَا التضيعف لَا يعلم الله أحدا مَا هُوَ
وَأخرج أَحْمد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ قَالَ: بَلغنِي عَن أبي هُرَيْرَة حَدِيث أَنه قَالَ: إِن الله ليكتب لعَبْدِهِ الْمُؤمن بِالْحَسَنَة الْوَاحِدَة ألف ألف حَسَنَة فحججت ذَلِك الْعَام وَلم أكن أُرِيد الْحَج إِلَّا لألقاه فِي هَذَا الحَدِيث فَلَقِيت أَبَا هُرَيْرَة فَقلت لَهُ فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا قلت: وَلم يحفظ الَّذِي حَدثَك إِنَّمَا قلت أَن الله ليعطي العَبْد الْمُؤمن بِالْحَسَنَة الْوَاحِدَة ألفي ألف حَسَنَة ثمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة:(1/745)
قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الفار من الطَّاعُون كالفار من الزَّحْف والصابر فِيهِ كالصابر فِي الزَّحْف(1/746)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (245)
قَوْله تَعَالَى: من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة وَالله يقبض ويبسط الرزق وَإِلَيْهِ ترجعون
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن سعد وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما نزلت {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ} قَالَ أَبُو الدحداح الْأنْصَارِيّ: يَا رَسُول الله وَإِن الله ليريد منا الْقَرْض قَالَ: نعم يَا أَبَا الدحداح
قَالَ: أَرِنِي يدك يَا رَسُول الله فَنَاوَلَهُ يَده قَالَ: فَإِنِّي أقرضت رَبِّي حائطي وحائط لَهُ فِيهِ سِتّمائَة نَخْلَة وَأم الدحداح فِيهِ وعيالها فجَاء أَبُو الدحداح فناداها: يَا أم الدحداح قَالَت: لبيْك
قَالَ: اخْرُجِي فقد اقرضته رَبِّي عزَّ وجلَّ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن زيد بن أسلم قَالَ لما نزل {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} الْآيَة
جَاءَ أَبُو الدحداح إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا نَبِي الله أَلا أرى رَبنَا يستقرضنا مِمَّا أَعْطَانَا لأنفسنا وَإِن لي أَرضين احداهما بِالْعَالِيَةِ وَالْأُخْرَى بالسافلة وَإِنِّي قد جعلت خيرهما صَدَقَة وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كم من عذق مدلل لأبي الدحداح فِي الْجنَّة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَزيد بن أسم عَن أَبِيه عَن عمر بن الْخطاب
مثله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار وَعَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لما نزلت {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} قَالَ ابْن الدحداح: يَا رَسُول الله لي حائطان أحداهما بالسافلة وَالْآخر بِالْعَالِيَةِ وَقد أقرضت رَبِّي أحداهما
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد قبله مِنْك
فَأعْطَاهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَتَامَى الَّذين فِي حجره فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: رب عذق لِابْنِ الدحداح مدلى فِي الْجنَّة وَأخرج ابْن سعد عَن يحيى بن أبي كثير قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة:(1/746)
أَو لَيْسَ تَجِدُونَ هَذَا فِي كتاب الله {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة} فالكثيرة عِنْد الله أَكثر من ألف ألف وَألْفي ألف وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن الله يُضَاعف الْحَسَنَة ألفي ألف حَسَنَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابْن عمر قَالَ: لما نزلت (مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل) (الْبَقَرَة الْآيَة 261) إِلَى آخرهَا
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رب زد أمتِي
فَنزلت {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة} قَالَ: رب زد أمتِي
فَنزلت (إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب) (الزمر الْآيَة 10)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان قَالَ: لما نزلت (من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا) (الْأَنْعَام الْآيَة 160) قَالَ: رب زد أمتِي
فَنزلت {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} الْآيَة
قَالَ: رب زد أمتِي
فَنزلت (مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حَبَّة أنبتت سبع سنابل
) (الْبَقَرَة الْآيَة 261) الْآيَة
قَالَ: رب زد أمتِي
فَنزلت (إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب) الزمر الْآيَة 10) فَانْتهى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {قرضا حسنا} قَالَ: النَّفَقَة على الْأَهْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي سُفْيَان عَن أبي حَيَّان عَن أَبِيه عَن شيخ لَهُم
أَنه كَانَ إِذا سمع السَّائِل يَقُول {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا} قَالَ: سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله هَذَا الْقَرْض الْحسن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن كَعْب
أَن رجلا قَالَ لَهُ: سَمِعت رجلا يَقُول من قَرَأَ (قل هُوَ الله أحد) مرّة وَاحِدَة بنى الله لَهُ عشرَة آلَاف ألف غرفَة من درٍّ وَيَاقُوت فِي الْجنَّة أفأصدق بذلك قَالَ: نعم أَو عجبت من ذَلِك وَعشْرين ألف ألف وَثَلَاثِينَ ألف ألف وَمَا لَا يُحْصى ثمَّ قَرَأَ {فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة} فالكثير من الله مَا لَا يُحْصى(1/747)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن ملكا بِبَاب من أَبْوَاب السَّمَاء يَقُول: من يقْرض الله الْيَوْم يجز غَدا وَملك بِبَاب آخر يُنَادي: اللَّهُمَّ اعط منفقا خلفا وأعك ممسكاً تلفاً وَملك بِبَاب آخر يُنَادي: يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم مَا قل وَكفى خير مِمَّا كثر وألهى وَملك بِبَاب آخر يُنَادي: يَا بني آدم لِدُوا للْمَوْت وَابْنُوا للخراب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يروي ذَلِك عَن ربه عز وَجل أَنه يَقُول: يَا ابْن آدم أودع من كَنْزك عِنْدِي وَلَا حرق وَلَا غرق وَلَا سرق أوفيكه أحْوج مَا تكون إِلَيْهِ
أما قَوْله تَعَالَى: {وَالله يقبض ويبسط وَإِلَيْهِ ترجعون}
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَالله يقبض} قَالَ: يقبض الصَّدَقَة {ويبسط} قَالَ: يخلف {وَإِلَيْهِ ترجعون} قَالَ: من التُّرَاب خلقهمْ وَإِلَى التُّرَاب يعودون
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أنس قَالَ غلا السّعر فَقَالَ النَّاس: يَا رَسُول الله سعر لنا
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله هُوَ المسعر الْقَابِض الباسط الرازق وَإِنِّي لأرجو أَن ألْقى الله وَلَيْسَ أحد مِنْكُم يطالبني بمظلمة من دم وَلَا مَال
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله سعر
قَالَ: بل ادعو
ثمَّ جَاءَهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله سعر
فَقَالَ: بل الله يخْفض وَيرْفَع وَإِنِّي لأرجو أَن ألْقى الله وَلَيْسَ لأحد عِنْدِي مظْلمَة
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَليّ قَالَ: قيل: يَا رَسُول الله قوّم لنا السّعر
قَالَ: إِن غلاء السّعر ورخصه بيد الله أُرِيد أَن ألْقى رَبِّي وَلَيْسَ أحد يطلبني بمظلمة ظلمتها إِيَّاه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: علم الله أم فِيمَن يُقَاتل فِي سَبيله من لَا يجد قُوَّة وفيمن لَا يُقَاتل فِي سَبيله من يجد فندب هَؤُلَاءِ إِلَى الْقَرْض فَقَالَ {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة وَالله يقبض ويبسط} قَالَ: يبسط عَلَيْك وَأَنت ثقيل عَن الْخُرُوج لَا تريده وَيقبض عَن هَذَا وَهُوَ يطيب نفسا بِالْخرُوجِ ويخف لَهُ فقوّه مِمَّا فِي يدك يكن لَك فِي ذَلِك حَظّ(1/748)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (247)
قَوْله تَعَالَى: ألم تَرَ إِلَى الْمَلأ من بني إِسْرَائِيل من بعد مُوسَى إِذْ قَالُوا لنَبِيّ لَهُم ابْعَثْ لنا ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله قَالَ هَل عسيتم إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلا تقاتلوا قَالُوا ومالنا أَلا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله وَقد أخرجنَا من دِيَارنَا وأبائنا فَلَمَّا كتب عَلَيْهِم الْقِتَال تواوا إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم وَالله عليم بالظالمين وَقَالَ لَهُم نَبِيّهم إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قَالُوا أَنى يكون لَهُ الْملك علينا وَنحن أَحَق بِالْملكِ مِنْهُ وَلم يُؤْت سَعَة من المَال قَالَ إِن الله اصطفاه عَلَيْكُم وزداه بسطة فِي الْعلم والجسم وَالله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء وَالله وَاسع عليم
أخرج ابْن جرير عَن الرّبيع بن أنس فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا - وَالله أعلم - أَن مُوسَى لما حَضرته الْوَفَاة اسْتخْلف فتاه يُوشَع بن نون على بني إِسْرَائِيل وَأَن يُوشَع بن نون سَار فيهم بِكِتَاب الله التَّوْرَاة وَسنة نبيه مُوسَى ثمَّ أَن يُوشَع بن نون توفّي واستخلف فيهم آخر فَسَار فيهم بِكِتَاب الله وَسنة نبيه مُوسَى ثمَّ اسْتخْلف آخر فَسَار بهم سيرة صَاحِبيهِ ثمَّ اسْتخْلف آخر فعرفوا وأنكروا ثمَّ اسْتخْلف آخر فأنكروا عَامَّة أمره ثمَّ اسْتخْلف آخر فأنكروا أمره كُله ثمَّ أَن بني إِسْرَائِيل أَتَوا نَبيا من أَنْبِيَائهمْ حِين أوذوا فِي أنفسهم وَأَمْوَالهمْ فَقَالُوا لَهُ: سل رَبك أَن يكْتب علينا الْقِتَال
فَقَالَ لَهُم ذَلِك النَّبِي: {هَل عسيتم إِن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال أَلا تقاتلوا} الْآيَة
فَبعث الله طالوت ملكا وَكَانَ فِي بني إِسْرَائِيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة وَلم يكن طالوت من سبط النبوّة وَلَا من سبط المملكة فَلَمَّا بعث لَهُم ملكا أَنْكَرُوا ذَلِك وَقَالُوا {أَنى يكون لَهُ الْملك علينا} فَقَالَ {إِن الله اصطفاه عَلَيْكُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الْمَلأ من بني إِسْرَائِيل}(1/749)
الْآيَة
قَالَ: هَذَا حِين رفعت التَّوْرَاة واستخرج أهل الإِيمان وَكَانَت الْجَبَابِرَة قد أخرجتهم من دِيَارهمْ وَأَبْنَائِهِمْ فَلَمَّا كتب عَلَيْهِم الْقِتَال وَذَلِكَ حِين أَتَاهُم التابوت قَالَ: وَكَانَ من بني اسرائي سبطان سبط نبوّة وسبط خلَافَة فَلَا تكون الْخلَافَة إِلَّا فِي سبط الْخلَافَة وَلَا تكون النبوّة إِلَّا فِي سبط النُّبُوَّة {وَقَالَ لَهُم نَبِيّهم إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قَالُوا أَنى يكون لَهُ الْملك علينا وَنحن أَحَق بِالْملكِ مِنْهُ} وَلَيْسَ من أحد السبطين وَلَا من سبط النُّبُوَّة وَلَا من سبط الْخلَافَة {قَالَ إِن الله اصطفاه عَلَيْكُم} الْآيَة فَأَبَوا أَن يسلمُوا لَهُ الرياسة حَتَّى قَالَ لَهُم (إِن آيَة ملكه أَن يأتيكم التابوت فِيهِ سكينَة من ربكُم) (الْبَقَرَة الْآيَة 248) وَكَانَ مُوسَى حِين ألْقى الألواح تَكَسَّرَتْ وَرفع مِنْهَا وَجمع مَا بَقِي فَجعله فِي التابوت وَكَانَت العمالقة قد سبت ذَلِك التابوت - والعمالقة فرقة من عَاد كَانُوا بأريحا - فَجَاءَت الْمَلَائِكَة بالتابوت تحمله بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وهم ينظرُونَ إِلَيْهِ حَتَّى وَضعته عِنْد طالوت فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَالُوا: نعم فَسَلمُوا لَهُ وملكوه وَكَانَت الْأَنْبِيَاء إِذا حَضَرُوا قتالاً قدمُوا التابوت بَين أَيْديهم
وَيَقُولُونَ: إِن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن وبعصا مُوسَى من الْجنَّة وَبَلغنِي أَن التابوت وعصا مُوسَى فِي بحيرة طبرية وأنهما يخرجَانِ قبل يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: خلف بعد مُوسَى فِي بني إِسْرَائِيل يُوشَع بن نون يُقيم فيهم التوارة وَأمر الله حَتَّى قَبضه الله ثمَّ خلف فيهم كالب بن يوقنا يُقيم فيهم التَّوْرَاة وَأمر الله حَتَّى قَبضه الله ثمَّ خلف فيهم حزقيل بن بورى وَهُوَ ابْن الْعَجُوز ثمَّ أَن الله قبض حزقيل وعظمت فِي بني إِسْرَائِيل الْأَحْدَاث ونسوا مَا كَانَ من عهد الله إِلَيْهِم حَتَّى نصبوا الْأَوْثَان وعبدوها من دون الله فَبعث إِلَيْهِم إلْيَاس بن نسي بن فنحَاص بن الْعيزَار بن هرون بن عمرَان نَبيا
وَإِنَّمَا كَانَت الْأَنْبِيَاء من بني إِسْرَائِيل بعد مُوسَى يبعثون إِلَيْهِم بتجديد مَا نسوا من التَّوْرَاة وَكَانَ إلْيَاس مَعَ ملك من بني إِسْرَائِيل يُقَال لَهُ أجان وَكَانَ يسمع مِنْهُ ويصدقه فَكَانَ إلْيَاس يُقيم لَهُ أمره وَكَانَ سَائِر بني إِسْرَائِيل قد اتَّخذُوا صنماً يعبدونه فَجعل إلْيَاس يَدعُوهُم إِلَى الله وَجعلُوا لَا يسمعُونَ مِنْهُ شَيْئا إِلَّا مَا كَانَ من ذَلِك الْملك والملوك مُتَفَرِّقَة بِالشَّام كل ملك لَهُ نَاحيَة مِنْهَا يأكلها فَقَالَ ذَلِك الْملك(1/750)
لإلياس: مَا أرى مَا تدعون إِلَيْهِ إِلَّا بَاطِلا أرى فلَان وَفُلَانًا - يعدد مُلُوك بني إِسْرَائِيل - قد عبدُوا الْأَوْثَان وهم يَأْكُلُون وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَعَّمُونَ مَا ينقص من دنياهم فَاسْتَرْجع إلْيَاس وَقَامَ شعره ثمَّ رفضه وَخرج عَنهُ فَفعل ذَلِك الْملك فعل أَصْحَابه وَعبد الْأَوْثَان
ثمَّ خلف من بعده فيهم اليسع فَكَانَ فيهم مَا شَاءَ الله أَن يكون ثمَّ قَبضه الله إِلَيْهِ وخلفت فيهم الخلوف وعظمت فيهم الْخَطَايَا وَعِنْدهم التابوت يتوارثونه كَابِرًا عَن كَابر فِيهِ السكينَة وبقة مِمَّا ترك آل مُوسَى وَآل هرون وَكَانَ لَا يلقاهم عَدو فيقدمون التابوت ويرجعون بِهِ مَعَهم إِلَّا هزم الله ذَلِك الْعَدو فَلَمَّا عظمت أحداثهم وَتركُوا عهد الله إِلَيْهِم نزل بهم عَدو فَخَرجُوا إِلَيْهِ وأخرجوا مَعَهم التابوت كَمَا كَانُوا يخرجونه ثمَّ زحفوا بِهِ فقوتلوا حَتَّى اسْتَلَبَ من أَيْديهم فمرج أمره عَلَيْهِم ووطئهم عدوهم حَتَّى أصَاب من أبنائهم وَنِسَائِهِمْ وَفِيهِمْ نَبِي يُقَال لَهُ شمويل وَهُوَ الَّذِي ذكره الله فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الْمَلأ من بني إِسْرَائِيل من بعد مُوسَى إِذْ قَالُوا لنَبِيّ لَهُم} الْآيَة
فكلموه وَقَالُوا {ابْعَثْ لنا ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله}
وَإِنَّمَا كَانَ قوام بني اسرائيل الِاجْتِمَاع على الْمُلُوك وَطَاعَة الْمُلُوك أنبياءهم وَكَانَ الْملك هُوَ يسير بالجموع وَالنَّبِيّ يقوم لَهُ بأَمْره ويأتيه بالْخبر من ربه فَإِذا فعلوا ذَلِك صلح أَمرهم فَإِذا عَتَتْ مُلُوكهمْ وَتركُوا أَمر أَنْبِيَائهمْ فسد أَمرهم فَكَانَت الْمُلُوك إِذا تابعتها الْجَمَاعَة على الضَّلَالَة تركُوا أَمر الرُّسُل ففريقاً يكذبُون فَلَا يقبلُونَ مِنْهُ شَيْئا وفريقاً يقتلُون فَلم يزل ذَلِك الْبلَاء بهم حَتَّى قَالُوا {ابْعَثْ لنا ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله} فَقَالَ لَهُم: إِنَّه لَيْسَ عنْدكُمْ وَفَاء وَلَا صدق وَلَا رَغْبَة فِي الْجِهَاد
فَقَالُوا: إِنَّا كُنَّا نهاب الْجِهَاد ونزهد فِيهِ إِنَّا كُنَّا ممنوعين فِي بِلَادنَا لَا يَطَؤُهَا أحد فَلَا يظْهر علينا عَدو فَأَما إِذا بلغ ذَلِك فَإِنَّهُ لَا بُد من الْجِهَاد فنطيع رَبنَا فِي جِهَاد عدونا ونمنع أَبْنَائِنَا وَنِسَاءَنَا وذرارينا
فَلَمَّا قَالُوا لَهُ ذَلِك سَأَلَ الله شمويل أَن يبْعَث لَهُم ملكا
فَقَالَ الله: انْظُر الْقرن الَّذِي فِيهِ الدّهن فِي بَيْتك فَإِذا دخل عَلَيْك رجل فنش الدّهن الَّذِي فِي الْقرن - فَهُوَ ملك بني إِسْرَائِيل - فادهن رَأسه مِنْهُ وَملكه عَلَيْهِم فَأَقَامَ ينْتَظر مَتى ذَلِك الرجل دَاخِلا عَلَيْهِ وَكَانَ طالوت رجلا دبَّاغاً يعْمل الْأدم وَكَانَ من سبط بنيامين بن يَعْقُوب وَكَانَ سبط بنيامين سبطاً لم يكن فيهم نبوة وَلَا ملك فَخرج(1/751)
طالوت فِي ابْتِغَاء دَابَّة لَهُ أضلته وَمَعَهُ غُلَام فمرا بِبَيْت النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ غُلَام طالوت لطالوت: لَو دخلت بِنَا على هَذَا النَّبِي فَسَأَلْنَاهُ عَن أَمر دابتنا فيرشدنا وَيَدْعُو لنا فِيهَا بِخَير
فَقَالَ طالوت: مَا بِمَا قلت من بَأْس فدخلا عَلَيْهِ فَبَيْنَمَا هما عِنْده يذكران لَهُ من شَأْن دابتهما ويسألانه أَن يَدْعُو لَهما فِيهَا إِذْ نش الدّهن الَّذِي فِي الْقرن فقالم النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخذه ثمَّ قَالَ لطالوت: قرب رَأسك فقربه فدهنه مِنْهُ ثمَّ قَالَ: أَنْت ملك بني إِسْرَائِيل الَّذِي أَمرنِي الله أَن أملكك عَلَيْهِم وَكَانَ اسْم طالوت بالسُّرْيَانيَّة شاول بن قيس بن أشال بن ضرار بن يحرب بن أفيح بن أنس بن يَامِين بن يَعْقُوب بن إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم فَجَلَسَ عِنْده وَقَالَ: النَّاس ملك طالوت
فَأَتَت عُظَمَاء بني إِسْرَائِيل نَبِيّهم فَقَالُوا لَهُ: مَا شَأْن طالوت تملك علينا وَلَيْسَ من بَيت النُّبُوَّة وَلَا المملكة قد عرفت أَن النُّبُوَّة وَالْملك فِي آل لاوي وَآل يهوذا فَقَالَ لَهُم {إِن الله اصطفاه عَلَيْكُم وزاده بسطة فِي الْعلم والجسم}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: قَالَت بَنو إِسْرَائِيل لشمويل: ابْعَثْ ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله قَالَ: قد كفاكم الله الْقِتَال
قَالُوا: إِنَّا نتخوف من حولنا فَيكون لنا ملك نفزع إِلَيْهِ فَأوحى الله إِلَى شمويل: أَن ابْعَثْ لَهُم طالوت ملكا وادهنه بدهن الْقُدس
وضلت حمر لأبي طالوت فَأرْسلهُ وَغُلَامًا لَهُ يطلبانها فجاؤوا إِلَى شمويل يسألونه عَنْهَا فَقَالَ: إِن الله قد بَعثك ملكا على بني إِسْرَائِيل
قَالَ: أَنا قَالَ: نعم
قَالَ: وَمَا علمت أَن سبطي ادنى أَسْبَاط بني إِسْرَائِيل قَالَ: بلَى
قَالَ: فَبِأَي آيَة قَالَ: بِآيَة أَن ترجع وَقد وجد أَبوك حمره فدهنه بدهن الْقُدس فَقَالَ لبني إِسْرَائِيل {إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قَالُوا أَنى يكون لَهُ الْملك} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {إِذْ قَالُوا لنَبِيّ لَهُم} قَالَ: شمؤل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هُوَ يُوشَع بن نون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَمْرو بن مرّة عَن أبي عُبَيْدَة {إِذْ قَالُوا لنَبِيّ لَهُم} قَالَ: الشُّمُول ابْن حنة بن العاقر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل يُقَاتلُون العمالقة وَكَانَ ملك العمالقة جالوت وَأَنَّهُمْ ظَهَرُوا على بني إِسْرَائِيل فَضربُوا عَلَيْهِم الْجِزْيَة وَأخذُوا توراتهم وَكَانَت بَنو إِسْرَائِيل يسْأَلُون الله أَن يبْعَث لَهُم نَبيا(1/752)
يُقَاتلُون مَعَه وَكَانَ سبط النُّبُوَّة قد هَلَكُوا فَلم يبْق مِنْهُم إِلَّا امْرَأَة حُبْلَى فَأَخَذُوهَا فحبسوها فِي بَيت رهبة أَن تَلد جَارِيَة فتبدله بِغُلَام لما ترى من رَغْبَة بني إِسْرَائِيل فِي وَلَدهَا فَجعلت تَدْعُو الله أَن يرزقها غُلَاما فَولدت غُلَاما فَسَمتْهُ شَمْعُون
فَكبر الْغُلَام فاسلمته يتَعَلَّم التَّوْرَاة فِي بَيت الْمُقَدّس وكفله شيخ من عُلَمَائهمْ وتبناه فَلَمَّا بلغ الْغُلَام أَن يَبْعَثهُ الله نَبيا أَتَاهُ جِبْرِيل والغلام نَائِم إِلَى جنب الشَّيْخ وَكَانَ لَا يأتمن عَلَيْهِ أحدا غَيره فَدَعَاهُ بلحن الشَّيْخ يَا شماؤل فَقَامَ الْغُلَام فَزعًا إِلَى الشَّيْخ فَقَالَ: يَا أبتاه دعوتني فكره الشَّيْخ أَن يَقُول لَا فَيفزع الْغُلَام فَقَالَ: يَا بني ارْجع فنم
فَرجع فَنَامَ ثمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَة فَأَتَاهُ الْغُلَام أَيْضا فَقَالَ: دعوتني فَقَالَ: ارْجع فنم فَإِن دعوتك الثَّالِثَة فَلَا تجبني
فَلَمَّا كَانَت الثَّالِثَة ظهر لَهُ جِبْرِيل فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى قَوْمك فَبَلغهُمْ رِسَالَة رَبك فَإِن الله قد بَعثك فيهم نَبيا فَلَمَّا أَتَاهُم كذبوه وَقَالُوا: استعجلت النُّبُوَّة وَلم يَأن لَك وَقَالُوا: إِن كنت صَادِقا فَابْعَثْ لنا ملكا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله آيَة نبوتك
فَقَالَ لَهُم شَمْعُون: عَسى أَن كتب عَلَيْكُم الْقِتَال أَن لَا تقاتلوا {قَالُوا وَمَا لنا أَلا نُقَاتِل فِي سَبِيل الله} الْآيَة
فَدَعَا الله فَأتي بعصا تكون على مِقْدَار طول الرجل الَّذِي يبْعَث فيهم ملكا
فَقَالَ: إِن صَاحبكُم يكون طوله طول هَذِه الْعَصَا
فقاسوا أنفسهم بهَا فَلم يَكُونُوا مثلهَا
وَكَانَ طالوت رجلا سقاء يسْقِي على حمَار لَهُ فضلّ حِمَاره فَانْطَلق يَطْلُبهُ فِي الطَّرِيق فَلَمَّا رَأَوْهُ دَعوه فقاسوه فَكَانَ مثلهَا
فَقَالَ لَهُ نَبِيّهم {إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} قَالَ الْقَوْم: مَا كنت قطّ أكذب مِنْك السَّاعَة وَنحن من سبط المملكة وَلَيْسَ هُوَ من سبط المملكة وَلم يُؤْت سَعَة من المَال فنتبعه لذَلِك
فَقَالَ النَّبِي {إِن الله اصطفاه عَلَيْكُم وزاده بسطة فِي الْعلم والجسم} قَالُوا: فَإِن كنت صَادِقا فأتنا بِآيَة ان هَذَا ملك
قَالَ {إِن آيَة ملكه أَن يأتيكم التابوت} الْبَقَرَة الْآيَة 248) الْآيَة
فَأصْبح التابوت وَمَا فِيهِ فِي دَار طالوت فآمنوا بنبوة شَمْعُون وسلموا بِملك طالوت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ طالوت سقاء يَبِيع المَاء(1/753)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قَالُوا أَنى يكون لَهُ الْملك علينا} قَالَ: لم يَقُولُوا ذَلِك إِلَّا أَنه كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل سبطان كَانَ فِي أَحدهمَا النُّبُوَّة وَفِي الآخر الْملك فَلَا يبْعَث نَبِي إِلَّا من كَانَ من سبط النُّبُوَّة وَلَا يملك على الأَرْض أحد إِلَّا من كَانَ من سبط الْملك وَأَنه ابتعث طالوت حِين ابتعثه وَلَيْسَ من أحد السبطين {قَالَ إِن الله اصطفاه} يَعْنِي اخْتَارَهُ عَلَيْكُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك فِي قَوْله {أَنى} يَعْنِي من أَيْن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس {وزاده بسطة} يَقُول: فَضِيلَة {فِي الْعلم والجسم} يَقُول: كَانَ عَظِيما جسيماً يفضل بني إِسْرَائِيل بعنقه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه فِي قَوْله {وزاده بسطة فِي الْعلم} قَالَ: الْعلم بِالْحَرْبِ
وَأخرج ابْن جرير عَن وهب فِي قَوْله {والجسم} قَالَ: كَانَ فَوق بني إِسْرَائِيل بمنكبيه فَصَاعِدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَالله يُؤْتِي ملكه من يَشَاء} قَالَ: سُلْطَانه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن وهب أَنه سُئِلَ أَنَبِي كَانَ طالوت قَالَ: لَا لم يَأْته وَحي
وَأخرج إِسْحَق بن بشر فِي الْمُبْتَدَأ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر وَمُقَاتِل عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس وَمن طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الْمَلأ} يَعْنِي ألم تخبر يَا مُحَمَّد عَن الْمَلأ {من بني إِسْرَائِيل من بعد مُوسَى إِذْ قَالُوا لنَبِيّ لَهُم} اشمويل {ابْعَثْ لنا ملكا نُقَاتِل} إِلَى قَوْله {وَقد أخرجنَا من دِيَارنَا وأبنائنا} يَعْنِي أخرجتنا العمالقة وَكَانَ رَأس العمالقة يَوْمئِذٍ جالوت فَسَأَلَ الله نَبِيّهم أَن يبْعَث لَهُم ملكا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {ألم تَرَ إِلَى الْمَلأ من بني إِسْرَائِيل من بعد مُوسَى}(1/754)
قَالَ: هم الَّذين قَالَ الله (ألم ترَ إِلَى الَّذين قيل لَهُم كفوا أَيْدِيكُم وَأقِيمُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة) (النِّسَاء الْآيَة 77)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَنحن أَحَق بِالْملكِ مِنْهُ} قَالَ: لِأَنَّهُ لم يكن من سبط النُّبُوَّة وَلَا من سبط الْخلَافَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: بعث الله لَهُم طالوت ملكا وَكَانَ من سبط لم تكن فِيهِ مملكة وَلَا نبوة وَكَانَ فِي بني إِسْرَائِيل سبطان سبط نبوة وسبط مملكة فَكَانَ سبط النُّبُوَّة سبط لاوي وَكَانَ سبط المملكة سبط يهوذا فَلَمَّا بعث طالوت من غير سبط النُّبُوَّة والمملكة أَنْكَرُوا ذَلِك وعجبوا مِنْهُ و {قَالُوا أَنى يكون لَهُ الْملك علينا} قَالُوا: كَيفَ يكون لَهُ الْملك وَلَيْسَ من سبط النُّبُوَّة وَلَا المملكة
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي عُبَيْدَة قَالَ: كَانَ فِي بني إِسْرَائِيل رجل لَهُ ضرتان وَكَانَت إِحْدَاهمَا تَلد وَالْأُخْرَى لَا تَلد فَاشْتَدَّ على الَّتِي لَا تَلد فتطهرت فَخرجت إِلَى الْمَسْجِد لتدعو الله فلقيها حكم على بني اسرائيل - وحكماؤهم الَّذين يدبرون أُمُورهم - فَقَالَ: أَيْن تذهبين قَالَت: حَاجَة لي إِلَى رَبِّي
قَالَ: اللَّهُمَّ اقْضِ لَهَا حَاجَتهَا فعلقت بِغُلَام وَهُوَ الشُّمُول فَلَمَّا ولدت جعلته محرراً وَكَانُوا يجْعَلُونَ الْمُحَرر إِذا بلغ السَّعْي فِي الْمَسْجِد يخْدم أَهله فَلَمَّا بلغ الشُّمُول السَّعْي دفع إِلَى أهل الْمَسْجِد يخْدم فَنُوديَ الشُّمُول لَيْلَة فَأتى الحكم فَقَالَ: دعوتني فَقَالَ: لَا فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الْأُخْرَى دعِي فَأتى الحكم فَقَالَ: دعوتني فَقَالَ: لَا وَكَانَ الحكم يعلم كَيفَ تكون النُّبُوَّة فَقَالَ: دعيت البارحة الأولى قَالَ: نعم
قَالَ: ودعيت البارحة قَالَ: نعم
قَالَ: فَإِن دعيت اللَّيْلَة فَقل لبيْك وَسَعْديك وَالْخَيْر بَين يَديك وَالْمهْدِي من هديت أَنا عَبدك بَين يَديك مرني بِمَا شِئْت
فَأُوحي إِلَيْهِ فَأتى الحكم فَقَالَ: دعيت اللَّيْلَة قَالَ: نعم وأوحي إِلَيّ
قَالَ: فَذكرت لَك بِشَيْء قَالَ: لَا عَلَيْك أَن لَا تَسْأَلنِي
قَالَ: مَا أَبيت أَن تُخبرنِي إِلَّا وَقد ذكرت لَك شَيْء من أَمْرِي فألح عَلَيْهِ وأبى أَن يَدعه حَتَّى أخبرهُ
فَقَالَ: قيل لي: إِنَّه قد حضرت هلكتك وارتشى ابْنك فِي حكمك فَكَانَ لَا يدبر أمرا إِلَّا انتكث وَلَا يبْعَث جَيْشًا إِلَّا هزم حَتَّى بعث جَيْشًا وَبعث مَعَهم بِالتَّوْرَاةِ(1/755)
يستفتح بهَا فهزموا وَأخذت التَّوْرَاة فَصَعدَ الْمِنْبَر وَهُوَ آسَف غَضْبَان فَوَقع فَانْكَسَرت رجله أَو فَخذه فَمَاتَ من ذَلِك فَعِنْدَ ذَلِك قَالُوا لنبيهم: ابْعَثْ لنا ملكا وَهُوَ الشُّمُول بن حنة العاقر(1/756)
وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (248)
قَوْله تَعَالَى: وَقَالَ لَهُم نَبِيّهم إِن آيَة ملكه أَن يأتيكم التابوت فِيهِ سكينَة من ربكُم وَبَقِيَّة مِمَّا ترك آل مُوسَى وَآل هَارُون تحمله الْمَلَائِكَة إِن فِي ذَلِك لآيَة لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين
أخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن أَبِيه قَالَ: أَمرنِي عُثْمَان بن عَفَّان أَن أكتب لَهُ مُصحفا فَقَالَ: إِنِّي جَاعل مَعَك رجلا لسناً فصيحاً فَمَا جتمعتما عَلَيْهِ فاكتباه وَمَا اختلفتما فِيهِ فارفعا إليّ
قَالَ زيد: فَقلت أَنا: التابوه
وَقَالَ أبان بن سعيد: التابوت
فرفعاه إِلَى عُثْمَان فَقَالَ: التابوت فَكتبت
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن عَمْرو بن دِينَار
أَن عُثْمَان بن عَفَّان أَمر فتيَان الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار أَن يكتبوا الْمَصَاحِف قَالَ: فَمَا اختلفتم فِيهِ فَاجْعَلُوهُ بِلِسَان قُرَيْش
فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: التابوت
وَقَالَ الْأَنْصَار: التابوه
فَقَالَ عُثْمَان: اكتبوه بلغَة الْمُهَاجِرين
التابوت
وَأخرج ابْن سعد وَالْبُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي مَعًا فِي الْمَصَاحِف وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن أنس بن مَالك
أَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قدم على عُثْمَان وَكَانَ يغازي أهل الشَّام فِي قرى أرمينية واذربيجان مَعَ أهل الْعرَاق فَرَأى حُذَيْفَة اخْتلَافهمْ فِي الْقُرْآن فَقَالَ لعُثْمَان: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أدْرك هَذِه الْأمة قبل أَن يَخْتَلِفُوا فِي الْكتاب كَمَا اخْتلف الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَأرْسل إِلَى حَفْصَة أَن ارسلي إِلَيّ بالصحف ننسخها فِي الْمَصَاحِف ثمَّ نردها إِلَيْك فَأرْسلت حَفْصَة إِلَى عُثْمَان بالصحف فَأرْسل عُثْمَان إِلَى زيد بن ثَابت وَسَعِيد بن الْعَاصِ وَعبد الرَّحْمَن بن الْحَرْث بن هِشَام وَعبد الله بن الزبير: أَن انسخوا الصُّحُف فِي(1/756)
الْمَصَاحِف وَقَالَ للرهط القرشيين الثَّلَاثَة: مَا اختلفتم أَنْتُم وَزيد بن ثَابت فاكتبوه بِلِسَان قُرَيْش فَإِنَّمَا نزل بلسانها
قَالَ الزُّهْرِيّ: فَاخْتَلَفُوا يَوْمئِذٍ فِي التابوت والتابوه
فَقَالَ النَّفر القرشيون: التابوت
وَقَالَ زيد: التابوه
فَرفع اخْتلَافهمْ إِلَى عُثْمَان فَقَالَ: اكتبوا التابوت فَإِنَّهُ بِلِسَان قُرَيْش أنزل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب بن مُنَبّه
أَنه سُئِلَ عَن تَابُوت مُوسَى مَا سعته قَالَ: نَحْو من ثَلَاثَة أَذْرع فِي ذراعين
أما قَوْله تَعَالَى: {فِيهِ سكينَة من ربكُم}
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السكينَة الرَّحْمَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السكينَة الطُّمَأْنِينَة
أخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: السكينَة دَابَّة قدر الهر لَهَا عينان لَهما شُعَاع وَكَانَ إِذا التقى الْجَمْعَانِ أخرجت يَديهَا وَنظرت إِلَيْهِم فيهزم الْجَيْش من الرعب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد فِيهِ من لَا يعرف من طَرِيق خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ السكينَة ريح خجوج
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ قَالَ: السكينَة ريح خجوج وَلها رأسان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن عَسَاكِر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق أبي الْأَحْوَص عَن عَليّ قَالَ: السكينَة لَهَا وَجه كوجه الإِنسان ثمَّ هِيَ بعد ريح هفافة
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَابْن جرير من طَرِيق سَلمَة بن كهيل عَن عَليّ فِي قَوْله {فِيهِ سكينَة من ربكُم} قَالَ: ريح هفافة لَهَا صُورَة وَلها وَجه كوجه الإِنسان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر عَن سعد بن مَسْعُود الصَّدَفِي أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي مجْلِس فَرفع نظره إِلَى السَّمَاء ثمَّ طأطأ نظره ثمَّ رَفعه فَسئلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: إِن هَؤُلَاءِ الْقَوْم الَّذين كَانُوا يذكرُونَ الله - يَعْنِي أهل مجْلِس أَمَامه - فَنزلت عَلَيْهِم السكينَة تحملهَا الْمَلَائِكَة كالقبة فَلَمَّا دنت مِنْهُم تكلم رجل مِنْهُم بباطل فَرفعت عَنْهُم
وَأخرج سُفْيَان بن عَيْنِيَّة وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي(1/757)
الدَّلَائِل عَن مُجَاهِد قَالَ: السكينَة من الله كَهَيئَةِ الرّيح لَهَا وَجه كوجه الهر وجناحان وذنب مثل ذَنْب الهر
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير من طَرِيق أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس {فِيهِ سكينَة من ربكُم} قَالَ: طست من ذهب من الْجنَّة كَانَ يغسل فِيهَا قُلُوب الْأَنْبِيَاء ألْقى مُوسَى فِيهَا الألواح
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه
أَنه سُئِلَ عَن السكينَة فَقَالَ: روح من الله تَتَكَلَّم إِذا اخْتلفُوا فِي شَيْء تكلم فَأخْبرهُم بِبَيَان مَا يُرِيدُونَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فِيهِ سكينَة} قَالَ: فِيهِ شَيْء تسكن إِلَيْهِ قُلُوبهم يَعْنِي مَا يعْرفُونَ من الْآيَات يسكنون إِلَيْهِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة {فِيهِ سكينَة} أَي وقار
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَبَقِيَّة مِمَّا ترك آل مُوسَى} قَالَ: عَصَاهُ ورضاض الألواح
وَأخرج وَكِيع وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن أبي صَالح قَالَ: كَانَ فِي التابوت عَصا مُوسَى وعصا هَارُون وَثيَاب مُوسَى وَثيَاب هَارُون ولوحان من التَّوْرَاة والمن وَكلمَة الْفرج لَا إِلَه إِلَّا الله الْحَلِيم الْكَرِيم وَسُبْحَان الله رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الْعَرْش الْعَظِيم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين
وَأخرج إِسْحَق بن بشر فِي الْمُبْتَدَأ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْبَقِيَّة رضاض الألواح وعصا مُوسَى وعمامة هَارُون وقباء هَارُون الَّذِي كَانَ فِيهِ عَلَامَات الأسباط وَكَانَ فِيهِ طست من ذهب فِيهِ صَاع من منّ الْجنَّة وَكَانَ يفْطر عَلَيْهِ يَعْقُوب
أما السكينَة فَكَانَت مثل رَأس هرة من زبرجدة خضراء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {تحمله الْمَلَائِكَة} قَالَ: أَقبلت بِهِ الْمَلَائِكَة تحمله حَتَّى وَضعته فِي بَيت طالوت فَأصْبح فِي دَاره
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {إِن فِي ذَلِك لآيَة} قَالَ: عَلامَة(1/758)
فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)
قَوْله تَعَالَى: فَلَمَّا فصل طالوت بالجنود قَالَ إِن الله مبتليكم بنهر فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني إِلَّا من اغترف غرفَة بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم فَلَمَّا جاوزه هُوَ وَالَّذين آمنُوا مَعَه قَالُوا لَا طَاقَة لنا الْيَوْم بجالوت وَجُنُوده قَالَ الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا الله كم من فِئَة قَليلَة غلبت فِئَة كَثِيرَة بِإِذن الله وَالله مَعَ الصابرين
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: خَرجُوا مَعَ طالوت وهم ثَمَانُون ألفا وَكَانَ جالوت من أعظم النَّاس وأشدهم بَأْسا فَخرج يسير بَين يَدي الْجند فَلَا تَجْتَمِع إِلَيْهِ أَصْحَابه حَتَّى يهْزم هُوَ من لَقِي فَلَمَّا خَرجُوا قَالَ لَهُم طالوت {إِن الله مبتليكم بنهر فَمن شرب مِنْهُ فَلَيْسَ مني وَمن لم يطعمهُ فَإِنَّهُ مني} فَشَرِبُوا مِنْهُ هَيْبَة من جالوت فَعبر مِنْهُم أَرْبَعَة آلَاف وَرجع سِتَّة وَسَبْعُونَ ألفا فَمن شرب مِنْهُ عَطش وَمن لم يشرب مِنْهُ إِلَّا غرفَة رُوِيَ {فَلَمَّا جاوزه هُوَ وَالَّذين آمنُوا مَعَه} فنظروا إِلَى جالوت رجعُوا أَيْضا و {قَالُوا لَا طَاقَة لنا الْيَوْم بجالوت وَجُنُوده} فَرجع عَنهُ ثَلَاثَة آلَاف وسِتمِائَة وَبضْعَة وَثَمَانُونَ وَجلسَ فِي ثلثمِائة وَبضْعَة عشر عدَّة أهل بدر
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أَن الله مبتليكم بنهر} يَقُول: بالعطش فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى النَّهر - وَهُوَ نهر الْأُرْدُن - كرع فِيهِ عَامَّة النَّاس فَشَرِبُوا فَم يزدْ من شرب إِلَّا عطشاً وأجزأ من اغترف غرفَة بِيَدِهِ وَانْقطع الظمأ عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فَلَمَّا فصل طالوت بالجنود} غازياً إِلَى جالوت قَالَ طالوت لبني إِسْرَائِيل {إِن الله مبتليكم بنهر} بَين فلسطين والأردن نهر عذب المَاء طيبه فَشرب كل إِنْسَان كَقدْر الَّذِي فِي قلبه فَمن اغترف غرفَة واطاعه رُوِيَ بِطَاعَتِهِ وَمن شرب فَأكْثر عصى فَلم يرو {جاوزه هُوَ وَالَّذين آمنُوا مَعَه} قَالَ الَّذين شربوا {قَالُوا لَا طَاقَة لنا الْيَوْم بجالوت وَجُنُوده قَالَ الَّذين يظنون} الَّذين اغترفوا(1/759)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {أَن الله مبتليكم بنهر} قَالَ: نهر فلسطين
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ الْكفَّار يشربون فَلَا يروون وَكَانَ الْمُسلمُونَ يَغْتَرِفُونَ غرفَة فيجزئهم ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: فِي تِلْكَ الغرفة مَا شربوا وَسقوا دوابهم
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَنه قَرَأَ {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} قَالَ: الْقَلِيل ثلثمِائة وَبضْعَة عشر عدَّة أهل بدر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن الْبَراء قَالَ: كُنَّا أَصْحَاب مُحَمَّد نتحدث أَن أَصْحَاب بدر على عدَّة أَصْحَاب طالوت الَّذين جاوزوا مَعَه النَّهر وَلم يُجَاوز مَعَه إِلَّا مُؤمن بضعَة عشر وثلثمائة
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لأَصْحَابه يَوْم بدر أَنْتُم بعدة أَصْحَاب طالوت يَوْم لَقِي وَكَانَ الصَّحَابَة يَوْم بدر ثلثمِائة وَبضْعَة عشر رجلا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى قَالَ: كَانَ عدَّة أَصْحَاب طالوت يَوْم جالوت ثلثمِائة وَبضْعَة عشر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عُبَيْدَة قَالَ: عدَّة الَّذين شهدُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَدْرًا كعدد الَّذين جاوزوا مَعَ طالوت النَّهر عدتهمْ ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر
وَأخرج إِسْحَق بن بشر فِي الْمُبْتَدَأ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا ثلثمِائة ألف وَثَلَاثَة آلَاف وثلثمائة وَثَلَاثَة عشر رجلا فَشَرِبُوا مِنْهُ كلهم إِلَّا ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر رجلا عدَّة أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر فردهم طالوت وَمضى فِي ثلثمائه وَثَلَاثَة عشر وَكَانَ اشمويل دفع إِلَى طالوت درعاً فَقَالَ لَهُ: من اسْتَوَى هَذَا الدرْع عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يقتل جالوت بِإِذن الله تَعَالَى ونادى مُنَادِي طالوت من قتل جالوت زَوجته ابْنَتي وَله نصف ملكي وَمَالِي
وَكَانَ الله سَبَب(1/760)
هَذَا الْأَمر على يَدي دَاوُد بن ايشا وَهُوَ من ولد خصرون بن فارض بن يهود بن يَعْقُوب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا الله} قَالَ: الَّذين يستيقنون
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {الَّذين يظنون أَنهم ملاقوا الله} قَالَ: الَّذين شروا أنفسهم لله ووطنوها على الْمَوْت
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: تلقى الْمُؤمنِينَ بَعضهم أفضل من بعض جدا وعزما وهم كلهم مُؤمنُونَ(1/761)
وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
قَوْله تَعَالَى: وَلما برزوا لجالوت وَجُنُوده قَالُوا رَبنَا أفرغ علينا صبرا وَثَبت أقدامنا وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين فهزموهم بِإِذن الله وَقتل دَاوُد جالوت وآتاه الله الْملك وَالْحكمَة وَعلمه مِمَّا يَشَاء وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض وَلَكِن الله ذُو فضل على الْعَالمين تِلْكَ آيَات الله نتلوها عَلَيْك بِالْحَقِّ وَإنَّك لمن الْمُرْسلين
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ طالوت أَمِيرا على الْجَيْش فَبعث أَبُو دَاوُد بِشَيْء إِلَى إخْوَته فَقَالَ دَاوُد لطالوت: مَاذَا لي واقتل جالوت فَقَالَ: لَك ثلث ملكي وأنكحك ابْنَتي فَأخذ مخلاة فَجعل فِيهَا ثَلَاث مروات ثمَّ سمى إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب ثمَّ أَدخل يَده فَقَالَ: بِسم الله إلهي وإله آبَائِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق وَيَعْقُوب فَخرج على إِبْرَاهِيم فَجعله فِي مرجمته فَرمى بهَا جالوت فخرق ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ بَيْضَة على رَأسه وَقتلت مِمَّا وَرَاءه ثَلَاثِينَ ألفا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: لما برز طالوت لجالوت قَالَ جالوت: ابرزوا لي من يقاتلني فَإِن قتلني فلكم(1/761)
ملكي وَإِن قتلته فلي ملككم فَأتي بِدَاوُد إِلَى طالوت فقاضاه إِن قَتله أَن ينكحه ابْنَته وَأَن يحكمه فِي مَاله فألبسه طالوت سِلَاحا فكره دَاوُد أَن يقاتله بسلاح وَقَالَ: إِن الله إِن لم ينصرني عَلَيْهِ لم يغن السِّلَاح شَيْئا فَخرج إِلَيْهِ بالمقلاع ومخلاة فِيهَا أَحْجَار ثمَّ برز لَهُ جالوت فَقَالَ أَنْت تُقَاتِلنِي قَالَ دَاوُد: نعم
قَالَ: وَيلك مَا خرجت إلاَّ كَمَا تخرج إِلَى الْكَلْب بالمقلاع وَالْحِجَارَة لأبددن لحمك ولأطعمنه الْيَوْم للطير وَالسِّبَاع
فَقَالَ لَهُ دَاوُد: بل أَنْت عدوّ الله شَرّ من الْكَلْب فَأخذ دَاوُد حجرا فَرَمَاهُ بالمقلاع فأصابت بَين عَيْنَيْهِ حَتَّى نفذت فِي دماغه فَصَرَخَ جالوت وَانْهَزَمَ من مَعَه واحتز رَأسه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: عبر يَوْمئِذٍ النَّهر مَعَ طالوت أَبُو دَاوُد فِيمَن عبر مَعَ ثَلَاثَة عشر ابْنا لَهُ وَكَانَ دَاوُد أَصْغَر بنيه وَأَنه أَتَاهُ ذَات يَوْم فَقَالَ: يَا أبتاه مَا أرمي بقذافتي شَيْئا إِلَّا صرعته قَالَ: أبشر فَإِن الله قد جعل رزقك فِي قذافتك ثمَّ أَتَاهُ يَوْمًا فَقَالَ: يَا أبتاه لقد دخلت بَين الْجبَال فَوجدت أسداً رابضاً فركبت عَلَيْهِ وَأخذت بأذنيه فَلم يهجني
فَقَالَ: أبشر يَا بني فَإِن هَذَا خير يعطيكه الله ثمَّ أَتَاهُ يَوْمًا آخر فَقَالَ: يَا أبتاه إِنِّي لأمشي بَين الْجبَال فأسبح فَمَا يبْقى جبل إِلَّا سبح معي
قَالَ: أبشر يَا بني فَإِن هَذَا خير أعطاكه الله وَكَانَ دَاوُد رَاعيا وَكَانَ أَبوهُ خَلفه يَأْتِي إِلَيْهِ وَإِلَى إخْوَته بِالطَّعَامِ فَأتى النَّبِي بقرن فِيهِ دهن وبثوب من حَدِيد فَبعث بِهِ إِلَى طالوت فَقَالَ: إِن صَاحبكُم الَّذِي يقتل جالوت يوضع هَذَا الْقرن على رَأسه فيغلي حِين يدهن مِنْهُ وَلَا يسيل على وَجهه يكون على رَأسه كَهَيئَةِ الاكليل وَيدخل فِي هَذَا الثَّوْب فيملؤه فَدَعَا طالوت بني إِسْرَائِيل فجربه فَلم يُوَافقهُ مِنْهُم أحد فَلَمَّا فرغوا قَالَ طالوت لأبي دَاوُد: هَل بَقِي لَك ولد لم يشهدنا قَالَ: نعم بَقِي ابْني دَاوُد وَهُوَ يأتينا بِطَعَامِنَا فَلَمَّا أَتَاهُ دَاوُد مر فِي الطَّرِيق بِثَلَاثَة أَحْجَار فكلمنه وقلن لَهُ: يَا دَاوُد تقتل بِنَا جالوت فأخذهن فجعلهن فِي مخلاته وَقد كَانَ طالوت قَالَ: من قتل جالوت زَوجته ابْنَتي وأجريت خَاتمه فِي ملكي فَلَمَّا جَاءَ دَاوُد وضعُوا الْقرن على رَأسه فغلى حَتَّى ادهن مِنْهُ وَلبس الثَّوْب فملأه وَكَانَ رجلا مسقاماً مصفاراً وَلم يلْبسهُ أحد إِلَّا تقلقل فِيهِ فَلَمَّا لبسه دَاوُد تضايق عَلَيْهِ الثَّوْب حَتَّى تنقص ثمَّ مَشى إِلَى جالوت
وَكَانَ جالوت من أجسم النَّاس وأشدهم فَلَمَّا نظر إِلَى دَاوُد قذف فِي قلبه الرعب(1/762)
مِنْهُ وَقَالَ لَهُ: يَا فَتى ارْجع فَإِنِّي أرحمك ان أَقْتلك
فَقَالَ دَاوُد: لَا بل أَنا أَقْتلك
وَأخرج الْحِجَارَة فوضعها فِي القذافة كلما رفع حجرا سَمَّاهُ فَقَالَ: هَذَا باسم أبي إِبْرَاهِيم وَالثَّانِي باسم أبي إِسْحَق وَالثَّالِث باسم أبي إِسْرَائِيل ثمَّ أدَار القذافة فَعَادَت الْأَحْجَار حجر وَاحِدًا ثمَّ أرْسلهُ فصك بِهِ بَين عَيْني جالوت فثقبت رَأسه فَقتله ثمَّ لم تزل تقتل كل إِنْسَان تصيبه تنفذ مِنْهُ حَتَّى لم يكن بحيالها أحد فهزموهم عِنْد ذَلِك وَقتل دَاوُد جالوت وَرجع طالوت فأنكح دَاوُد ابْنَته وأجرى خَاتمه فِي ملكه فَمَال النَّاس إِلَى دَاوُد وأحبوه
فَلَمَّا رأى ذَلِك طالوت وجد فِي نَفسه وحسده فَأَرَادَ قَتله فَعلم بِهِ دَاوُد فسجى لَهُ زق خمر فِي مضجعه فَدخل طالوت إِلَى مَنَام دَاوُد وَقد هرب دَاوُد فَضرب الزق ضَرْبَة فحرقه فسالت الْخمر مِنْهُ فَقَالَ: يرحم الله دَاوُد مَا كَانَ أَكثر شربه للخمر ثمَّ إِن دَاوُد أَتَاهُ من الْقَابِلَة فِي بَيته وَهُوَ نَائِم فَوضع سَهْمَيْنِ عَن رَأسه وَعند رجلَيْهِ وَعَن يَمِينه وَعَن شِمَاله سَهْمَيْنِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ طالوت بصر بِالسِّهَامِ فعرفها فَقَالَ: يرحم الله دَاوُد هُوَ خير مني ظَفرت بِهِ فَقتلته وظفر بِي فَكف عني
ثمَّ إِنَّه ركب يَوْمًا فَوَجَدَهُ يمشي فِي الْبَريَّة وطالوت على فرس فَقَالَ طالوت: الْيَوْم أقتل دَاوُد
وَكَانَ دَاوُد إِذا فزع لَا يدْرك
فركض على أَثَره طالوت فَفَزعَ دَاوُد فَاشْتَدَّ فَدخل غاراً وَأوحى الله إِلَى العنكبوت فَضربت عَلَيْهِ بَيْتا فَلَمَّا انْتهى طالوت إِلَى الْغَار نظر إِلَى بِنَاء العنكبوت فَقَالَ: لَو دخل هَهُنَا لخرق بَيت العنكبوت فَتَركه وَملك دَاوُد بعد مَا قتل طالوت وَجعله الله نَبيا وَذَلِكَ قَوْله {وآتاه الله الْملك وَالْحكمَة} قَالَ: الْحِكْمَة هِيَ النُّبُوَّة آتَاهُ نبوة شَمْعُون وَملك طالوت
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن إِسْحَق وَابْن عَسَاكِر عَن مَكْحُول قَالَا: زعم أهل الْكتاب أَن طالوت لما رأى انصراف بني إِسْرَائِيل عَنهُ إِلَى دَاوُد همَّ بِأَن يغتال دَاوُد فصرف الله ذَلِك عَنهُ وَعرف طالوت خطيئته وَالْتمس التنصل مِنْهَا وَالتَّوْبَة فَأتى إِلَى عَجُوز كَانَت تعلم الإِسم الَّذِي يدعى بِهِ فَقَالَ لَهَا: إِنِّي قد أَخْطَأت خَطِيئَة لن يُخْبِرنِي عَن كفارتها إِلَّا اليسع فَهَل أَنْت منطلقة معي إِلَى قَبره فداعية الله ليَبْعَثهُ حَتَّى أسأله قَالَت: نعم
فَانْطَلق بهَا إِلَى قَبره فصلت رَكْعَتَيْنِ ودعت فَخرج(1/763)
اليسع إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِن كَفَّارَة خطيئتك أَن تُجَاهِد بِنَفْسِك وَأهل بَيْتك حَتَّى لَا يبْقى مِنْكُم أحد ثمَّ رَجَعَ اليسع إِلَى مَوْضِعه وَفعل ذَلِك طالوت حَتَّى هلك وَهلك أهل بَيته فاجتمعت بَنو إِسْرَائِيل على دَاوُد فَأنْزل الله عَلَيْهِ وَعلمه صَنْعَة الْحَدِيد فألانه لَهُ وَأمر الْجبَال وَالطير أَن يسبحْنَ مَعَه إِذا سبح وَلم يُعْط أحدا من خلقه مثل صَوته وَكَانَ إِذا قَرَأَ الزبُور ترنو إِلَيْهِ الْوَحْش حَتَّى يُؤْخَذ بأعناقها وَإِنَّهَا لمصغية تستمع لَهُ وَمَا صنعت الشَّيَاطِين المزامير والبرابط وَالنوح إِلَّا على أَصْنَاف صَوته
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلَا دفع الله} الْآيَة
أخرج ابْن جرير وَابْن عدي بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الله ليدفع بِالْمُسلمِ الصَّالح عَن مائَة أهل بَيت من جِيرَانه الْبلَاء ثمَّ قَرَأَ ابْن عمر {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض}
وَأخرج ابْن جرير بِسَنَد ضَعِيف عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله ليصلح بصلاح الرجل الْمُسلم وَلَده وَولد وَلَده وَأهل دويرته ودويرات حوله وَلَا يزالون فِي حفظ الله مَا دَامَ فيهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن ابنعباس فِي قَوْله {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض} قَالَ: يدْفع الله بِمن يُصَلِّي عَمَّن لَا يُصَلِّي وبمن يحجّ عَمَّن لَا يحجّ وبمن يُزكي عَمَّن لَا يُزكي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} الْآيَة
يَقُول: وَلَوْلَا دفاع الله بِالْبرِّ عَن الْفَاجِر وَدفعه بِبَقِيَّة أَخْلَاق النَّاس بَعضهم عَن بعض لفسدت الأَرْض بِهَلَاك أَهلهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض} الْآيَة
قَالَ: يَبْتَلِي الله الْمُؤمن بالكافر ويعافي الْكَافِر بِالْمُؤمنِ
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {لفسدت الأَرْض} يَقُول: لهلك من فِي الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي مُسلم
سَمِعت عليا يَقُول: لَوْلَا بَقِيَّة من الْمُسلمين فِيكُم لهلكتم(1/764)
وَأخرج أَحْمد والحكيم التِّرْمِذِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عَليّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الابدال بِالشَّام وهم أَرْبَعُونَ رجلا كلما مَاتَ رجل أبدل الله مَكَانَهُ رجلا يسْقِي بهم الْغَيْث وينتصر بهم على الْأَعْدَاء وَيصرف عَن أهل الشَّام بهم الْعَذَاب
وَلَفظ ابْن عَسَاكِر: وَيصرف عَن أهل الأَرْض الْبلَاء وَالْغَرق
وَأخرج الْخلال فِي كتاب كرامات الْأَوْلِيَاء عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: إِن الله ليدفع عَن الْقرْيَة بسبعة مُؤمنين يكونُونَ فيهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد حسن عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لن تَخْلُو الأَرْض من أَرْبَعِينَ رجلا مثل خَلِيل الرَّحْمَن فيهم تسقون وبهم تنْصرُونَ مَا مَاتَ مِنْهُم أحد إِلَّا أبدل الله مَكَانَهُ آخر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عبَادَة بن الصَّامِت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الابدال فِي أمتِي ثَلَاثُونَ بهم تقوم الأَرْض وبهم تمطرون وبهم تنْصرُونَ
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد والخلال فِي كرامات الْأَوْلِيَاء بِسَنَد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا خلت الأَرْض من بعد نوح من سَبْعَة يدْفع الله بهم عَن أهل الأَرْض
وَأخرج الْخلال بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال أَرْبَعُونَ رجلا يحفظ الله بهم الأَرْض كلما مَاتَ رجل أبدل الله مَكَانَهُ آخر فهم فِي الأَرْض كلهَا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال أَرْبَعُونَ رجلا من أمتِي قُلُوبهم على قلب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يدْفع الله بهم عَن أهل الأَرْض يُقَال لَهُم الابدال إِنَّهُم لن يدركوها بِصَلَاة وَلَا بِصَوْم وَلَا بِصَدقَة
قَالُوا: يَا رَسُول الله فيمَ أدركوها قَالَ: بالسخاء والنصيحة للْمُسلمين
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لله عز وَجل فِي الْخلق ثلثمِائة قُلُوبهم على قلب آدم عَلَيْهِ السَّلَام وَللَّه فِي الْخلق أَرْبَعُونَ قُلُوبهم على قلب مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَللَّه فِي الْخلق سَبْعَة قُلُوبهم على قلب إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام وَللَّه فِي الْخلق خَمْسَة قُلُوبهم على قلب جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَللَّه فِي الْخلق ثَلَاثَة قُلُوبهم على قلب مِيكَائِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَللَّه فِي الْخلق وَاحِد قلبه على قلب إسْرَافيل عَلَيْهِ السَّلَام فَإِذا مَاتَ الْوَاحِد أبدل الله مَكَانَهُ من الثَّلَاثَة وَإِذا(1/765)
مَاتَ من الثَّلَاثَة أبدل الله مَكَانَهُ من الْخَمْسَة وَإِذا مَاتَ من الْخَمْسَة أبدل الله مَكَانَهُ من الشبعة وَإِذا مَاتَ من السَّبْعَة أبدل الله مَكَانَهُ من الْأَرْبَعين وَإِذا مَاتَ من الْأَرْبَعين أبدل الله مَكَانَهُ من الثلثمائة وَإِذا مَاتَ من الثلثمائة أبدل الله مَكَانَهُ من الْعَامَّة فبهم يحيي وَيُمِيت ويمطر وينبت وَيدْفَع الْبلَاء
قيل لعبد الله بن مَسْعُود: كَيفَ بهم يحيي وَيُمِيت قَالَ: لأَنهم يسْأَلُون الله إكثار الْأُمَم فيكثرون وَيدعونَ على الْجَبَابِرَة فيقصمون ويستسقون فيسقون ويسألون فينبت لَهُم الأَرْض وَيدعونَ فَيدْفَع بهم أَنْوَاع الْبلَاء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر عَن عَوْف بن مَالك قَالَ: لَا تسبوا أهل الشَّام فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول فيهم الابدال بهم تنْصرُونَ وبهم ترزقون
وَأخرج ابْن حبَان فِي تَارِيخه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لن تَخْلُو الأَرْض من ثَلَاثِينَ مثل إِبْرَاهِيم خَلِيل الله بهم تغاثون وبهم ترزقون وبهم تمطرون
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن قَتَادَة قَالَ: لن تَخْلُو الأَرْض من أَرْبَعِينَ بهم يُغاثُ النَّاس وبهم ينْصرُونَ وبهم يرْزقُونَ كلما مَاتَ مِنْهُم أحد أبدل الله مَكَانَهُ رجلا
قَالَ قَتَادَة: وَالله إِنِّي لأرجو أَن يكون الْحسن مِنْهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف وَابْن الْمُنْذر عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: لم يزل على وَجه الأَرْض فِي الدَّهْر سَبْعَة مُسلمُونَ فَصَاعِدا فلولا ذَلِك هَلَكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن شهر بن حَوْشَب قَالَ: لم تبْق الأَرْض إِلَّا وفيهَا أَرْبَعَة عشر يدْفع الله بهم عَن أهل الأَرْض وَيخرج بركتها إِلَّا زمن إِبْرَاهِيم فَإِنَّهُ كَانَ وَحده
وَأخرج أَحْمد بن حَنْبَل فِي الزّهْد والخلال فِي كرامات الْأَوْلِيَاء عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا خلت الأَرْض من بعد نوح من سَبْعَة يدْفع الله بهم عَن أهل الأَرْض
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن كَعْب قَالَ: لم يزل بعد نوح فِي الأَرْض أَرْبَعَة عشر يدْفع الله بهم الْعَذَاب
وَأخرج الْخلال فِي كرامات الْأَوْلِيَاء عَن زَاذَان قَالَ: مَا خلت الأَرْض بعد نوح من اثْنَي عشر فَصَاعِدا يدْفع الله بهم عَن أهل الأَرْض
وَأخرج الجندي فِي فَضَائِل مَكَّة عَن مُجَاهِد قَالَ: لم يزل على الأَرْض سَبْعَة مُسلمُونَ فَصَاعِدا وَلَوْلَا ذَلِك هَلَكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا(1/766)
وَأخرج الْأَزْرَقِيّ فِي تَارِيخ مَكَّة عَن زُهَيْر بن مُحَمَّد قَالَ: لم يزل على وَجه الأَرْض سَبْعَة مُسلمُونَ فَصَاعِدا وَلَوْلَا ذَلِك لأهلكت الأَرْض وَمن عَلَيْهَا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي الزَّاهِرِيَّة قَالَ: الابدال ثَلَاثُونَ رجلا بِالشَّام بهم تجارون وبهم ترزقون إِذا مَاتَ مِنْهُم رجل ابدل الله مَكَانَهُ
وَأخرج الْخلال فِي كرامات الْأَوْلِيَاء عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ قَالَ: مَا من قَرْيَة وَلَا بَلْدَة لَا يكون فِيهَا من يدْفع الله بِهِ عَنْهُم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب الْأَوْلِيَاء عَن أبي الزِّنَاد قَالَ: لما ذهبت النبوّة وَكَانُوا أوتاد الأَرْض أخلف الله مكانهم أَرْبَعِينَ رجلا من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُم الابدال لَا يَمُوت الرجل مِنْهُم حَتَّى ينشىء الله مَكَانَهُ آخر يخلفه وهم أوتاد الأَرْض قُلُوب ثَلَاثِينَ مِنْهُم على مثل يَقِين إِبْرَاهِيم لم يفضلوا النَّاس بِكَثْرَة الصَّلَاة وَلَا بِكَثْرَة الصّيام وَلَكِن بِصدق الْوَرع وَحسن النِّيَّة وسلامة الْقُلُوب والنصيحة لجَمِيع الْمُسلمين
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي قَائِمَة بِأَمْر الله لَا يضرهم من خذلهم أَو خالفهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله وهم ظاهرون على النَّاس
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن ثَوْبَان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى يَأْتِي أَمر الله وهم على ذَلِك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن الْمُغيرَة بن شُعْبَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا يزَال قوم من أمتِي ظَاهِرين على النَّاس حَتَّى يَأْتِيهم أَمر الله وهم ظاهرون
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي قَوَّامَة على أَمر الله عز وَجل لَا يَضرهَا من خالفها
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج مُسلم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر بن سَمُرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يزَال هَذَا الدّين قَائِما يُقَاتل عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/767)
قَالَ: لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي يُقَاتلُون على الْحق ظَاهِرين على من ناوأهم حَتَّى يُقَاتل آخِرهم الْمَسِيح الدَّجَّال
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن معاية بن قُرَّة عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تزَال طَائِفَة من أمتِي منصورين لَا يضرهم من خذلهم حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج ابْن جرير والحكيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي مُنَبّه الْخَولَانِيّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الله
وَفِي لفظ: لَا يزَال الله يغْرس فِي هَذَا الدّين غرساً يستعملهم فِي طَاعَته
وَأخرج مُسلم عَن عقبَة بن عَامر قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَا تزَال عِصَابَة من أمتِي يُقَاتلُون على أَمر الله قاهرين لعدوّهم لَا يضرهم من خالفهم حَتَّى تأتيهم السَّاعَة وهم على ذَلِك
وَأخرج مُسلم عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يزَال أهل الْمغرب ظَاهِرين على الْحق حَتَّى تقوم السَّاعَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله يبْعَث لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا دينهَا
وَأخرج الْحَاكِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ فِي رَأس الْمِائَة منَّ الله على هَذِه الْأمة بعمر بن عبد الْعَزِيز
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل والخطيب من طَرِيق أبي بكر الْمروزِي قَالَ: قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل: إِذا سُئِلت عَن مَسْأَلَة لَا أعرف فِيهَا خَبرا قلت فِيهَا بقول الشَّافِعِي لِأَنَّهُ ذكر فِي الْخَبَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يقيض فِي رَأس كل مائَة سنة من يعلم النَّاس السّنَن وينفي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَذِب فَنَظَرْنَا فِي رَأس الْمِائَة عمر بن عبد الْعَزِيز وَفِي رَأس الْمِائَتَيْنِ الشَّافِعِي
وَأخرج النّحاس عَن سُفْيَان بن عَيْنِيَّة قَالَ: بَلغنِي أَنه يخرج فِي كل مائَة سنة بعد موت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل من الْعلمَاء يُقَوي الله عز وَجل بِهِ الدّين وَأَن يحيى بن آدم عِنْدِي مِنْهُم
وَأخرج الْحَاكِم فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي عَن أبي الْوَلِيد حسان بن مُحَمَّد الْفَقِيه قَالَ: سَمِعت شَيخا من أهل الْعلم يَقُول لأبي الْعَبَّاس بن سُرَيج: أبشر أَيهَا القَاضِي فَإِن الله من الْمُؤمنِينَ بعمر عبد الْعَزِيز على رَأس الْمِائَة فأظهر كل سنة وأمات كل بِدعَة وَمن الله على رَأس الْمِائَتَيْنِ بالشافعي حَتَّى أظهر السّنة وأخْفى الْبِدْعَة وَمن الله على رَأس الثلمثائة بك حَتَّى قويت كل سنة وضعفت كل بِدعَة(1/768)
الله منَّ على الْمُؤمنِينَ بعمر بن عبد الْعَزِيز على رَأس الْمِائَة فأظهر كل سنة وأمات كل بِدعَة وَمن الله على رَأس الْمِائَتَيْنِ بالشافعي حَتَّى أظهر السّنة وأخفى الْبِدْعَة وَمن الله على رَأس الثلثمائة بك حَتَّى قويت كل سنة وضعفت كل بِدعَة
2(1/769)
آيَة 253(2/3)
تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (253)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فضلنَا بَعضهم على بعض} قَالَ: اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا وكلم الله مُوسَى تكليماً وَجعل عِيسَى كَمثل آدم خلقه من تُرَاب ثمَّ قَالَ لَهُ كن فَيكون وَهُوَ عبد الله وكلمته وروحه وَآتى دَاوُود زبوراً وَآتى سُلَيْمَان ملكا لَا يَنْبَغِي لأحد من بعده وَغفر لمُحَمد مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مِنْهُم من كلم الله وَرفع بَعضهم دَرَجَات} قَالَ: كلم الله مُوسَى وَأرْسل مُحَمَّدًا إِلَى النَّاس كَافَّة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَامر هُوَ الشّعبِيّ {وَرفع بَعضهم دَرَجَات} قَالَ: مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أتعجبون الْخلَّة لإِبراهيم وَالْكَلَام لمُوسَى والرؤية لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن الْمُنْذر عَن الرّبيع بن خَيْثَم قَالَ: لَا أفضل على نَبينَا أحدا وَلَا أفضل على إِبْرَاهِيم خَلِيل الرَّحْمَن أحدا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَلَو شَاءَ الله مَا اقتتل الَّذين من بعدهمْ من بعد مَا جَاءَتْهُم الْبَينَات} يَقُول: من بعد مُوسَى وَعِيسَى(2/3)
وَأخرج ابْن عَسَاكِر بسندٍ واهٍ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كنت عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعِنْده أَبُو بكر وَعمر وَعُثْمَان وَمُعَاوِيَة إِذْ أقبل عَليّ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمعاوية أَتُحِبُّ عليا قَالَ: نعم
قَالَ: إِنَّهَا سَتَكُون بَيْنكُم هنيهة
قَالَ: مُعَاوِيَة فَمَا بعد ذَلِك يَا رَسُول الله قَالَ: عَفْو الله ورضوانه
قَالَ رَضِينَا بِقَضَاء الله ورضوانه فَعِنْدَ ذَلِك نزلت هَذِه الْآيَة {وَلَو شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد}
آيَة 254(2/4)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (254)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من مَا رزقناكم} فِي الزَّكَاة والتطوّع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سُفْيَان قَالَ: يُقَال نسخت الزَّكَاة كل صَدَقَة فِي الْقُرْآن وَنسخ شهر رَمَضَان كل صَوْم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: قد علم الله أَن أُنَاسًا يتخالون فِي الدُّنْيَا ويشفع بَعضهم لبَعض فَأَما يَوْم الْقِيَامَة فَلَا خلة إِلَّا خلة الْمُتَّقِينَ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء بن دِينَار قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي قَالَ {والكافرون هم الظَّالِمُونَ} وَلم يقل: والظالمون هم الْكَافِرُونَ
وَالله أعلم
آيَة 255(2/4)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)
أخرج أَحْمد وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَابْن الضريس وَالْحَاكِم والهروي فِي فضائله عَن أبي بن كَعْب إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَهُ أَي آيَة فِي كتاب الله أعظم قَالَ:(2/4)
آيَة الْكُرْسِيّ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} قَالَ لِيَهنك الْعلم أَبَا الْمُنْذر وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن لَهَا لِسَانا وشفتين تقدس الْملك عِنْد سَاق الْعَرْش
وَأخرج النَّسَائِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ مَعًا فِي الدَّلَائِل عَن أبي كَعْب: أَنه كَانَ لَهُ جرن فِيهِ تمر فَكَانَ يتعاهده فَوَجَدَهُ ينقص فحرسه ذَات لَيْلَة فَإِذا هُوَ بِدَابَّة شبه الْغُلَام المحتلم قَالَ: فَسلمت فَرد السَّلَام فَقلت: مَا أَنْت جني أم أنسي قَالَ: جني
قلت: ناولني يدك
فناولني فَإِذا يَدَاهُ يدا كلب وشعره شعر كلب فَقلت: هَكَذَا خلق الْجِنّ قَالَ: لقد علمت الْجِنّ أَن مَا فيهم من هُوَ أَشد مني
قلت: مَا حملك على مَا صنعت قَالَ: بَلغنِي أَنَّك رجل تحب الصَّدَقَة فأحببنا أَن نصيب من طَعَامك
فَقَالَ لَهُ أبي: فَمَا الَّذِي يجيرنا مِنْكُم قَالَ: هَذِه الْآيَة آيَة الْكُرْسِيّ الَّتِي فِي سُورَة الْبَقَرَة من قَالَهَا حَتَّى يُمْسِي أُجِيرَ مِنَّا حَتَّى يصبح وَمن قَالَهَا حِين يصبح أجِير منا حَتَّى يُمْسِي
فَلَمَّا أصبح أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأخْبرهُ فَقَالَ: صدق الْخَبيث
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الْمعرفَة بِسَنَد رِجَاله ثِقَات عَن ابْن الْأَسْقَع الْبكْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جَاءَهُم فِي صفة الْمُهَاجِرين فَسَأَلَهُ إِنْسَان أَي آيَة فِي الْقُرْآن أعظم فَقَالَ النَّبِي {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} حَتَّى انْقَضتْ الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن الضريس والهروي فِي فضائله عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سَأَلَ رجلا من أَصْحَابه هَل تزوّجت قَالَ: لَا وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أَتزوّج بِهِ
قَالَ: أَو لَيْسَ مَعَك {قل هُوَ الله أحد} الاخلاص الْآيَة 1 قَالَ: بلَى
قَالَ: ربع الْقُرْآن أَلَيْسَ مَعَك {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} الْكَافِرُونَ الْآيَة 1 قَالَ: بلَى
قَالَ: ربع الْقُرْآن أَلَيْسَ مَعَك {إِذا زلزلت} الزلزال الْآيَة 1 قَالَ: بلَى
قَالَ: ربع الْقُرْآن أَلَيْسَ مَعَك {إِذا جَاءَ نصر الله} الْفَتْح الْآيَة 1 قَالَ: بلَى
قَالَ: ربع الْقُرْآن أَلَيْسَ مَعَك آيَة الْكُرْسِيّ قَالَ: بلَى
قَالَ: فَتزَوج(2/5)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة آيَة الْكُرْسِيّ حفظ إِلَى الصَّلَاة الْأُخْرَى وَلَا يحافظ عَلَيْهَا إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو شَهِيد وَأخرج الْخَطِيب الْبَغْدَادِيّ فِي تَارِيخه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَدْرُونَ أَي الْقُرْآن أعظم قَالُوا: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} إِلَى آخر الْآيَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد حسن عَن الْحسن بن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ فِي دبر الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة كَانَ فِي ذمَّة الله إِلَى الصَّلَاة الْأُخْرَى
وَأخرج أَبُو الْحسن مُحَمَّد بن أَحْمد بن شَمْعُون الْوَاعِظ فِي أَمَالِيهِ وَابْن النجار عَن عَائِشَة أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكا إِلَيْهِ أَن مَا فِي بَيته ممحوق من الْبركَة فَقَالَ: أَيْن أَنْت من آيَة الْكُرْسِيّ مَا تليت على طَعَام وَلَا على إدام إِلَّا أنمى الله بركَة ذَلِك الطَّعَام والإدام
وَأخرج الدِّرَامِي عَن أَيفع بن عبد الله الكلَاعِي قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله أَي آيَة فِي كتاب الله أعظم قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} قَالَ: فَأَي آيَة فِي كتاب الله تحب أَن تصيبك وَأمتك قَالَ: آخر سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّهَا من كنز الرَّحْمَة من تَحت عرش الله وَلم تتْرك خيرا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة إِلَّا اشْتَمَلت عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة أعطَاهُ الله قُلُوب الشَّاكِرِينَ وأعمال الصديقين وثواب النَّبِيين وَبسط عَلَيْهِ يَمِينه بِالرَّحْمَةِ وَلم يمنعهُ من دُخُول الْجنَّة إِلَّا أَن يَمُوت فيدخلها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان من طَرِيق مُحَمَّد بن الضَّوْء بن الصلصال بن الدلهمس عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ فِي دبر كل صَلَاة لم يكن بَينه وَبَين أَن يدْخل الْجنَّة إِلَّا أَن يَمُوت فَإِن مَاتَ دخل الْجنَّة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر وَابْن الضريس وَالطَّبَرَانِيّ والهروي فِي فضائله وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود أَن أعظم آيَة فِي كتاب الله {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}(2/6)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الضريس وَمُحَمّد بن نصر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا خلق الله من سَمَاء وَلَا أَرض وَلَا جنَّة وَلَا نَار أعظم من آيَة فِي سُورَة الْبَقَرَة {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: مَا من سَمَاء وَلَا أَرض وَلَا سهل وَلَا جبل أعظم من آيَة الْكُرْسِيّ
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله والدارمي وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي دَلَائِل النبوّة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: خرج رجل من الإِنس فَلَقِيَهُ رجل من الْجِنّ فَقَالَ: هَل لَك أَن تصارعني فَإِن صرعتني علمتك آيَة إِذا قرأتها حِين تدخل بَيْتك لم يدْخلهُ شَيْطَان فصارعه فصرعه الإِنسي
فَقَالَ: تقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ فَإِنَّهُ لَا يقْرؤهَا أحد إِذا دخل بَيته إِلَّا خرج الشَّيْطَان لَهُ خبج كخبج الْحمار
فَقيل لِابْنِ مَسْعُود: أهوَ عمر قَالَ: من عَسى أَن يكون إِلَّا عمر
الخبج: الضراط
وَأخرج الْمحَامِلِي فِي فَوَائده عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله عَلمنِي شَيْئا يَنْفَعنِي الله بِهِ
قَالَ اقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ فَإِنَّهُ يحفظك وذريتك ويحفظ دَارك حَتَّى الدويرات حول دَارك
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والشيرازي فِي الألقاب والهروي فِي فضائله عَن ابْن عمر
أَن عمر بن الْخطاب خرج ذَات يَوْم إِلَى النَّاس فَقَالَ: أَيّكُم يُخْبِرنِي بأعظم آيَة فِي الْقُرْآن وأعدلها وأخوفها وأرجاها فَسكت الْقَوْم
فَقَالَ ابْن مَسْعُود: على الْخَبِير سَقَطت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أعظم آيَة فِي الْقُرْآن {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} وَأَعْدل آيَة فِي الْقُرْآن {إِن الله يَأْمر بِالْعَدْلِ والإِحسان} النَّحْل الْآيَة 90 إِلَى آخرهَا وأخوف آيَة فِي الْقُرْآن {فَمن يعْمل مِثْقَال ذرة خيرا يره وَمن يعْمل مِثْقَال ذرة شرا يره} الزلزلة الْآيَتَانِ 7 _ 8 وأرجى آيَة فِي الْقُرْآن {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله} الزمر الْآيَة 53
وَأخرج ابْن مردوية عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِذا قَرَأَ آخر سُورَة(2/7)
الْبَقَرَة أَو آيَة الْكُرْسِيّ ضحك وَقَالَ: إنَّهُمَا من كنز الرَّحْمَن تَحت الْعَرْش وَإِذا قَرَأَ {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} النِّسَاء الْآيَة 123 اسْترْجع واستكان
وَأخرج ابْن الضريس وَمُحَمّد بن نصر والهروي فِي فضائله عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: مَا خلق الله من سَمَاء وَلَا أَرض وَلَا سهل وَلَا جبل أعظم من سُورَة الْبَقَرَة وَأعظم آيَة فِيهَا آيَة الْكُرْسِيّ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو يعلى وَابْن الْمُنْذر وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنه كَانَ إِذا دخل منزله قَرَأَ فِي زواياه آيَة الْكُرْسِيّ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: سيد آي الْقُرْآن {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَليّ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ فِي دبر كل صَلَاة لم يمنعهُ من دُخُول الْجنَّة إِلَّا الْمَوْت وَمن قَرَأَهَا حِين يَأْخُذ مضجعه أَمنه الله على دَاره وَدَار جَاره وَأهل دويرات حوله
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة والدارمي وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الضريس عَن عَليّ قَالَ: مَا أرى رجلا ولد فِي الإِسلام أَو أدْرك عقله الإِسلام يبيت أبدا حَتَّى يقْرَأ هَذِه الْآيَة {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} وَلَو تعلمُونَ مَا هِيَ إِنَّمَا أعطيها نَبِيكُم من كنز تَحت الْعَرْش وَلم يُعْطهَا أحد قبل نَبِيكُم وَمَا بت لَيْلَة قطّ حَتَّى اقرأها ثَلَاث مَرَّات أقرؤها فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعشَاء الْآخِرَة وَفِي وتري وَحين آخذ مضجعي من فِرَاشِي
وَأخرج أَبُو عبيد عَن عبد الله بن رَبَاح أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لأبي بن كَعْب: أَبَا الْمُنْذر أَي آيَة فِي الْقُرْآن أعظم قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أَبَا الْمُنْذر أَي آيَة فِي كتاب الله أعظم قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم قَالَ: أَبَا الْمُنْذر أَي آيَة فِي كتاب الله عز وَجل أعظم قَالَ: الله وَرَسُوله أعلم فَقَالَ: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} قَالَ: فَضرب صَدره وَقَالَ: لِيَهنك الْعلم أَبَا الْمُنْذر
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده عَن عَوْف بن مَالك قَالَ: جلس أَبُو ذَر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَيّمَا أنزل الله عَلَيْك أعظم قَالَ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} حَتَّى تختم(2/8)
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَمُحَمّد بن نصر الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا فِي الدَّلَائِل عَن معَاذ بن جبل قَالَ: ضم إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تمرالصدقة جعلته فِي غرفَة لي فَكنت أجد فِيهِ كل يَوْم نُقْصَانا فشكوت ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي: هُوَ عمل الشَّيْطَان فأرصده فرصدته لَيْلًا فَلَمَّا ذهب هوى من اللَّيْل أقبل على صُورَة الْفِيل فَلَمَّا انْتهى إِلَى الْبَاب دخل من خلل الْبَاب على غير صورته فَدَنَا من التَّمْر فَجعل يلتقمه فشددت على ثِيَابِي فتوسطته فَقلت: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله يَا عَدو الله وَثَبت إِلَى تمر الصَّدَقَة فَأَخَذته وَكَانُوا أَحَق بِهِ مِنْك لأرفعنك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيفضحك - فعاهدني أَن لَا يعود
فَغَدَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا فعل أسيرك فَقلت: عاهدني أَن لَا يعود
فَقَالَ: إِنَّه عَائِد فأرصده فرصدته اللَّيْلَة الثَّانِيَة فَصنعَ مثل ذَلِك وصنعت مثل ذَلِك فعاهدني أَن لَا يعود فخليت سَبيله ثمَّ غَدَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته
فَقَالَ: إِنَّه عَائِد فأرصده فَرَصَدْتُهُ اللَّيْلَة الثَّالِثَة فَصنعَ مثل ذَلِك وصنعت مثل ذَلِك فَقلت: يَا عَدو الله عاهدتني مرَّتَيْنِ وَهَذِه الثَّالِثَة
فَقَالَ: إِنِّي ذُو عِيَال وَمَا أَتَيْتُك إِلَّا من نَصِيبين وَلَو أصبت شَيْئا دونه مَا أَتَيْتُك وَلَقَد كُنَّا فِي مدينتكم هَذِه حَتَّى بعث صَاحبكُم فَلَمَّا نزلت عَلَيْهِ آيتان انفرتنا مِنْهَا فوقعنا بنصيبين وَلَا تقرآن فِي بَيت إِلَّا لم يلج فِيهِ الشَّيْطَان ثَلَاثًا فَإِن خليت سبيلي علمتكهما
قلت: نعم
قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ وَآخر سُورَة الْبَقَرَة {آمن الرَّسُول} الْبَقَرَة الْآيَة 285 إِلَى آخرهَا
فخليت سَبيله ثمَّ غَدَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَخْبَرته بِمَا قَالَ
فَقَالَ: صدق الْخَبيث وَهُوَ كذوب
قَالَ: فَكنت أقرؤهما بعد ذَلِك فَلَا أجد فِيهِ نُقْصَانا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} يُرِيد الَّذِي لَيْسَ مَعَه شريك فَكل معبود من دونه فَهُوَ خلق من خلق لَا يضرون وَلَا ينفعون وَلَا يملكُونَ رزقا وَلَا حَيَاة وَلَا نشوراً {الْحَيّ} يُرِيد الَّذِي لَا يَمُوت {القيوم} الَّذِي لَا يبْلى {لَا تَأْخُذهُ سنة} يُرِيد النعاس {وَلَا نوم} {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ} يُرِيد الْمَلَائِكَة مثل قَوْله {وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى} الْأَنْبِيَاء الْآيَة 28 {يعلم مَا بَين أَيْديهم}(2/9)
يُرِيد من السَّمَاء إِلَى الأَرْض {وَمَا خَلفهم} يُرِيد مَا فِي السَّمَوَات {وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} يُرِيد مِمَّا أطلعهم على علمه {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يُرِيد هُوَ أعظم من السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع {وَلَا يؤوده حفظهما} يُرِيد وَلَا يفوتهُ شَيْء مِمَّا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم} يُرِيد لَا أَعلَى مِنْهُ وَلَا أعظم وَلَا أعز وَلَا أجل وَلَا أكْرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي رحزة يزِيد بن عبيد السَّاعِي قَالَ: لما قفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَزْوَة تَبُوك أَتَاهُ وَفد من بني فَزَارَة فَقَالُوا: يَا رَسُول الله ادْع رَبك أَن يغيثنا وَاشْفَعْ لنا إِلَى رَبك وليشفع رَبك إِلَيْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَيلك هَذَا أَنا شفعت إِلَى رَبِّي فَمن ذَا الَّذِي يشفع رَبنَا إِلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَظِيم وسع كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض فَهِيَ تئط من عَظمته وجلاله كَمَا يئط الرجل الْحَدِيد
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مكايد الشَّيْطَان وَمُحَمّد بن نصر وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي أسيد السَّاعِدِيّ
أَنه قطع تمر حَائِطه فَجعله فِي غرفَة فَكَانَت الغول تخَالفه إِلَى مشْربَته فتسرق تمره وتفسده عَلَيْهِ فَشَكا ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: تِلْكَ الغول يَا أَبَا أسيد فاستمع عَلَيْهَا فَإِذا سَمِعت اقتحامها قل: بِسم الله أجيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَت الغول: يَا أَبَا أسيد اعفني أَن تكلفني أَن أذهب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأُعْطِيك موثقًا من الله أَن لَا أخالفك إِلَى بَيْتك وَلَا أسرق تمرك وأدلك على آيَة تقرؤها على بَيْتك فَلَا تخَالف إِلَى أهلك وتقرؤها على إنائك فَلَا يكْشف غطاؤه فَأَعْطَتْهُ الموثق الَّذِي رَضِي بِهِ مِنْهَا
فَقَالَت: الْآيَة الَّتِي أدلك عَلَيْهَا هِيَ آيَة الْكُرْسِيّ
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقص عَلَيْهِ الْقِصَّة فَقَالَ: صدقت وَهِي كذوب
وَأخرج النَّسَائِيّ وَالرُّويَانِيّ فِي مُسْنده وَابْن حبَان وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة لم يمنعهُ من دُخُول الْجنَّة إِلَّا أَن يَمُوت
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الدُّعَاء وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والهروي فِي فضائله وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي أُمَامَة يرفعهُ قَالَ: اسْم الله الْأَعْظَم الَّذِي إِذا دعِي بِهِ أجَاب فِي ثَلَاث سور: سُورَة الْبَقَرَة وَآل عمرَان وطه قَالَ أَبُو أُمَامَة: فالتمستها فَوجدت فِي الْبَقَرَة فِي آيَة الْكُرْسِيّ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} وَفِي آل(2/10)
عمرَان (الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم) (آل عمرَان الْآيَة 2) وَفِي طه (وعنت الْوُجُوه للحي القيوم) (طه الْآيَة 111)
وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
نازلاً على أبي أَيُّوب فِي غرفَة وَكَانَ طَعَامه فِي سلة فِي المخدع فَكَانَت تَجِيء من الكوّة كَهَيئَةِ السنور تَأْخُذ الطَّعَام من السلَّة فَشَكا ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: تِلْكَ الغول فَإِذا جَاءَت فَقل: عزم عَلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا تبرحي
فَجَاءَت فَقَالَ لَهَا أَبُو أَيُّوب:: عزم عَلَيْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لَا تبرحي
فَقَالَت: يَا أَبَا أَيُّوب دَعْنِي هَذِه الْمرة فوَاللَّه لَا أَعُود فَتَركهَا ثمَّ قَالَت: هَل لَك أَن أعلمك كَلِمَات إِذا قلتهن لَا يقرب بَيْتك شَيْطَان تِلْكَ اللَّيْلَة وَذَلِكَ الْيَوْم وَمن الْغَد قَالَ: نعم
قَالَت: اقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ
فَأتى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأخْبرهُ
فَقَالَ: صدقت وَهِي كذوب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي مَكَائِد الشَّيْطَان وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي أَيُّوب أَنه كَانَ فِي سهوة لَهُ فَكَانَت الغول تَجِيء فتأخذ فشكاها إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِذا رَأَيْتهَا فَقل: بِسم الله أجيبي رَسُول الله
فَجَاءَت فَقَالَ لَهَا
فَأَخذهَا فَقَالَت: إِنِّي لَا أَعُود
فأرسلها فجَاء إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ لَهُ: مَا فعل أسيرك قَالَ: أَخَذتهَا فَقَالَت: إِنِّي لَا أَعُود فأرسلتها
فَقَالَ: إِنَّهَا عَائِدَة
فَأَخذهَا مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا كل ذَلِك تَقول: لَا أَعُود وَيَجِيء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَيَقُول: مَا فعل أسيرك فَيَقُول: أَخَذتهَا فَتَقول: لَا أَعُود
فَقَالَ: إِنَّهَا عَائِدَة
فَأَخذهَا فَقَالَت: أَرْسلنِي وأعلمك شَيْئا تَقوله فَلَا يقربك شَيْء
آيَة الْكُرْسِيّ
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ فَقَالَ: صدقت وَهِي كذوب
وَأخرج أَحْمد وَابْن الضريس وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي ذَر قَالَ قلت يَا رَسُول الله: أَيّمَا أنزل عَلَيْك أعظم قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}
وَأخرج ابْن السّني عَن أبي قَتَادَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة عِنْد الكرب أغاثه الله(2/11)
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَرْفُوعا أوحى الله إِلَى مُوسَى بن عمرَان: أَن اقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة فَإِنَّهُ من يَقْرَأها فِي دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة أجعَل لَهُ قلب الشَّاكِرِينَ ولسان الذَّاكِرِينَ وثواب النَّبِيين وأعمال الصديقين وَلَا يواظب على ذَلِك إِلَّا نَبِي أَو صديق أَو عبد امتحنت قلبه بالإِيمان أَو أُرِيد قَتله فِي سَبِيل الله
قَالَ ابْن كثير: مُنكر جدا
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أَيّمَا أنزل عَلَيْك أعظم قَالَ: {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} آيَة الْكُرْسِيّ
وَأخرج ابْن السّني فِي عمل الْيَوْم وَاللَّيْلَة من طَرِيق عَليّ بن الْحُسَيْن عَن أَبِيه عَن أمه فَاطِمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما دنا ولادها أَمر أم سَلمَة وَزَيْنَب بنت جحش أَن يأتيا فَاطِمَة فَيقْرَأ عِنْدهَا آيَة الْكُرْسِيّ و {إِن ربكُم الله} الْأَعْرَاف الْآيَة 54 إِلَى آخر الْآيَة ويعوّذاها بالمعوّذتين
وَأخرج الديلمي عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: مَا أرى رجلا أدْرك عقله فِي الإِسلام يبيت حَتَّى يقْرَأ هَذِه الْآيَة {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} وَلَو تعلمُونَ مَا فِيهَا لما تَرَكْتُمُوهَا على حَال أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَعْطَيْت آيَة الْكُرْسِيّ من كنز تَحت الْعَرْش وَلم يؤتها نَبِي قبلي
قَالَ عَليّ: فَمَا بت لَيْلَة قطّ مُنْذُ سَمِعت هَذَا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَتَّى أقرأها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: كَانَ لي تمر فِي سهوة لي فَجعلت أرَاهُ ينقص مِنْهُ فَذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِنَّك ستجد فِيهِ غَدا هرة فَقل: أجيبي رَسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا كَانَ الْغَد وجدت فِيهِ هرة فَقلت: أجيبي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتحوّلت عجوزاً وَقَالَت: أذكرك الله لما تَرَكتنِي فَأَنِّي غير عَائِدَة
فتركتها فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا فعل الرجل فَأَخْبَرته بخبرها
فَقَالَ: كذبت وَهِي عَائِدَة
فَقل لَهَا: أجيبي رَسُول الله فتحوّلت عجوزاً
وَقَالَت: أذكرك الله يَا أَبَا أَيُّوب لما تَرَكتنِي هَذِه الْمرة فَإِنِّي غير عَائِدَة
فتركتها ثمَّ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ كَمَا قَالَ لي فعلت ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَقَالَت لي فِي الثَّالِثَة: أذكرك الله يَا أَبَا أَيُّوب حَتَّى أعلمك شَيْئا لَا يسمعهُ شَيْطَان فَيدْخل ذَلِك الْبَيْت فَقلت: مَا هُوَ فَقَالَت:(2/12)
آيَة الْكُرْسِيّ لَا يسْمعهَا شَيْطَان إِلَّا ذهب فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: صدقت وَإِن كَانَت كذوباً
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أَيُّوب قَالَ: أصبت جنية فَقَالَت لي: دَعْنِي وَلَك عَليّ أَن أعلمك شَيْئا إِذا قلته لم يَضرك منا أحد
قلت: مَا هُوَ قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} فَذكرت ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: صدقت وَهِي كذوب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أَيُّوب قَالَ كنت مؤذى فِي الْبَيْت فشكوت ذَلِك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَت روزنة فِي الْبَيْت لنا فَقَالَ: أرصده فَإِذا أَنْت عَايَنت شَيْئا فَقل: أجيبي يَدْعُوك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرصدت فَإِذا شَيْء قد تدلى من روزنة فَوَثَبت إِلَيْهِ وَقلت: اخْسَأْ يَدْعُوك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَخَذته فتضرع إِلَيّ وَقَالَ لي: لَا أَعُود
فأرسلته فَلَمَّا أَصبَحت غَدَوْت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: مَا فعل أسيرك فَأَخْبَرته بِالَّذِي كَانَ فَقَالَ: أما إِنَّه سيعود
فَفعلت ذَلِك ثَلَاث مَرَّات كل ذَلِك آخذه وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالَّذِي كَانَ فَلَمَّا كَانَت الثَّالِثَة أَخَذته قلت: مَا أَنْت بمفارقي حَتَّى آتِي بك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فناشدني وتضرع إليّ وَقَالَ: أعلمك شَيْئا إِذا قلته من ليلتك لم يقربك جَان وَلَا لص تقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ
فأرسلته ثمَّ أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: مَا فعل أسيرك قلت: يَا رَسُول الله ناشدني وتضرع إِلَيّ حَتَّى رَحمته وَعَلمنِي شَيْئا أقوله إِذا قلته لم يقربنِي جن وَلَا لص
قَالَ: صدق وَإِن كَانَ كذوباً
وَأخرج البُخَارِيّ وَابْن الضريس وَالنَّسَائِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَأَبُو نعيم فِي الدَّلَائِل عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ وكلني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِحِفْظ زَكَاة رَمَضَان فَأَتَانِي آتٍ فَجعل يحثو من الطَّعَام فَأَخَذته وَقلت: لأرفعنك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاج وَعلي عِيَال ولي حَاجَة شَدِيدَة فخليت عَنهُ فَأَصْبَحت فَقَالَ لي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا هُرَيْرَة مَا فعل أسيرك البارحة قلت: يَا رَسُول الله شكا حَاجَة شَدِيدَة وعيالاً فرحمته وخليت سَبيله
قَالَ: أما إِنَّه قد كَذبك وَسَيَعُودُ فَعرفت أَنه سيعود فرصدته فجَاء يحثو من الطَّعَام فَأَخَذته فَقلت: لأرفعنك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاج وَعلي عِيَال لَا أَعُود فرحمته وخليت سَبيله فَأَصْبَحت فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا فعل أسيرك قلت: يَا رَسُول الله شكا حَاجَة وعيالاً فرحمته وخليت سَبيله فَقَالَ: أما إِنَّه قد كَذبك وَسَيَعُودُ
فرصدته الثَّالِثَة فجَاء(2/13)
يحثو من الطَّعَام فَأَخَذته وَقلت: لأرفعنك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا آخر ثَلَاث مَرَّات تزْعم أَنَّك لَا تعود ثمَّ تعود
فَقَالَ: دَعْنِي أعلمك كَلِمَات ينفعك الله بهَا
قلت: مَا هِيَ قَالَ: إِذا أويت إِلَى فراشك فاقرأ آيَة الْكُرْسِيّ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} حَتَّى تختم الْآيَة فَإنَّك لَا يزَال عَلَيْك من الله حَافظ وَلَا يقربك شَيْطَان حَتَّى تصبح
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما إِنَّه صدقك وَهُوَ كذوب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن بُرَيْدَة قَالَ: كَانَ لي طَعَام فتبينت فِيهِ النُّقْصَان فَكَمَنْت فِي اللَّيْل فَإِذا غول قد سَقَطت عَلَيْهِ فقبضت عَلَيْهَا فَقلت: لَا أُفَارِقك حَتَّى أذهب بك إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَت: إِنِّي امْرَأَة كَثِيرَة الْعِيَال لَا أَعُود
فَجَاءَت الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فأخذتها فَقَالَت: ذَرْنِي حَتَّى أعلمك شَيْئا إِذا قلته لم يقرب متاعك أحد منا إِذا أويت إِلَى فراشك فاقرأ على نَفسك وَمَالك آيَة الْكُرْسِيّ
فَأخْبرت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ صدقت وَهِي كذوب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: سُورَة الْبَقَرَة فِيهَا آيَة سيدة آي الْقُرْآن لَا تقْرَأ فِي بَيت فِيهِ شَيْطَان إِلَّا خرج مِنْهُ آيَة الْكُرْسِيّ
وَأخرج الدِّرَامِي وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من قَرَأَ (حم الْمُؤمن) إِلَى (إِلَيْهِ الْمصير) وَآيَة الْكُرْسِيّ حِين يصبح حُفِظَ بهما حَتَّى يُمْسِي وَمن قرأهما حِين يُمْسِي حُفِظَ بهما حَتَّى يصبح
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن الضريس عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَعْطَيْت آيَة الْكُرْسِيّ من تَحت الْعَرْش
وأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مَكَائِد الشَّيْطَان والدينوري فِي المجالسة عَن الْحسن أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ: إِن عفريتاً من الْجِنّ يكيدك فَإِذا أويت إِلَى فراشك فاقرأ آيَة الْكُرْسِيّ
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي مَكَائِد الشَّيْطَان وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: خرج زيد بن ثَابت لَيْلًا إِلَى حَائِط لَهُ فَسمع فِيهِ جلبة فَقَالَ: مَا هَذَا قَالَ: رجل من الجان أصابتنا السّنة فَأَرَدْت أَن أُصِيب من ثمارهم فطيبوه لنا
قَالَ: نعم ثمَّ قَالَ زيد بن ثَابت: أَلا تخبرنا بِالَّذِي يعيذنا مِنْكُم قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ(2/14)
وَأخرج أَبُو عبيد عَن سَلمَة بن قيس وَكَانَ أول أَمِير كَانَ على إيلياء قَالَ: مَا أنزل الله فِي التَّوْرَاة وَلَا فِي الإِنجيل وَلَا فِي الزبُور أعظم من {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}
وَأخرج ابْن الضريس عَن الْحسن أَن رجلا مَاتَ أَخُوهُ فَرَآهُ فِي الْمَنَام فَقَالَ: أخي أَي الْأَعْمَال تَجِدُونَ أفضل قَالَ: الْقُرْآن
قَالَ: فَأَي الْقُرْآن قَالَ: آيَة الْكُرْسِيّ {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} ثمَّ قَالَ: ترجون لنا شَيْئا قَالَ: نعم
قَالَ: إِنَّكُم تَعْمَلُونَ وَلَا تعلمُونَ وَإِنَّا نعلم وَلَا نعمل
وَأخرج ابْن الضريس عَن قَتَادَة قَالَ: من قَرَأَ آيَة الْكُرْسِيّ إِذا أَوَى إِلَى فرَاشه وكل بِهِ ملكَيْنِ يحفظانه حَتَّى يصبح
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس
أَن بني إِسْرَائِيل قَالُوا: يَا مُوسَى هَل ينَام رَبك قَالَ: اتَّقوا لله
فناداه ربه: يَا مُوسَى سألوك هَل ينَام رَبك فَخذ زجاجتين فِي يَديك فَقُمْ اللَّيْل فَفعل مُوسَى فلمّا ذهب من اللَّيْل ثلث نعس فَوَقع لِرُكْبَتَيْهِ ثمَّ انْتَعش فضبطهما حَتَّى إِذا كَانَ آخر اللَّيْل نعس فَسَقَطت الزجاجتان فَانْكَسَرَتَا فَقَالَ: يَا مُوسَى لَو كنت أَنَام لسقطت السَّمَوَات وَالْأَرْض فهلكن كَمَا هَلَكت الزجاجتان فِي يَديك وَأنزل الله على نبيه آيَة الْكُرْسِيّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {الْحَيّ} قَالَ: حَيّ لَا يَمُوت {القيوم} قيم على كل شَيْء يكلؤه وَيَرْزقهُ ويحفظه
وَأخرج آدم ابْن أبي أياس وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {القيوم} قَالَ: الْقَائِم على كل شَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحسن قَالَ {القيوم} الَّذِي لَا زَوَال لَهُ
وأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة قَالَ {الْحَيّ} الَّذِي لَا يَمُوت و {القيوم} الْقَائِم الَّذِي لَا بديل لَهُ(2/15)
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {القيوم} قَالَ: الْقَائِم على كل شَيْء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَالْحسن قَالَ {القيوم} الَّذِي لَا زَوَال لَهُ
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن قَتَادَة قَالَ {الْحَيّ} الَّذِي لَا يَمُوت و {القيوم} الْقَائِم الَّذِي لَا بديل لَهُ
وَأخرج آدم بن أبي إِيَاس وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم} قَالَ: السّنة النعاس وَالنَّوْم هُوَ النّوم
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الْوَقْف والابتداء والطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {لَا تَأْخُذهُ سنة} قَالَ: السّنة الْوَسْنَان الَّذِي هُوَ نَائِم وَلَيْسَ بنائم
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت زُهَيْر بن أبي سلمى وَهُوَ يَقُول: وَلَا سنة طوال الدَّهْر تَأْخُذهُ وَلَا ينَام وَمَا فِي أمره فند وأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: السّنة النعاس وَالنَّوْم الاستثقال
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ قَالَ: السّنة ريح النّوم الَّذِي يَأْخُذ فِي الْوَجْه فينعس الإِنسان
وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطِيَّة {لَا تَأْخُذهُ سنة} قَالَ: لَا يفتر
وَأخرج عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده} قَالَ: من يتَكَلَّم عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {يعلم مَا بَين أَيْديهم} قَالَ: مَا مضى من الدُّنْيَا {وَمَا خَلفهم} من الْآخِرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {يعلم مَا بَين أَيْديهم} مَا قدمُوا من أَعْمَالهم {وَمَا خَلفهم} مَا أضاعوا من أَعْمَالهم
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه} يَقُول: لَا يعلمُونَ بِشَيْء من علمه {إِلَّا بِمَا شَاءَ} هُوَ أَن يعلمهُمْ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: كرسيه علمه أَلا ترى إِلَى قَوْله {وَلَا يؤوده حفظهما}
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن قَول الله {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ كرسيه مَوضِع قدمه وَالْعرش لَا يقدّرُ قدره(2/16)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ وَالْحَاكِم وَصَححهُ والخطيب وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْكُرْسِيّ مَوضِع الْقَدَمَيْنِ وَالْعرش لَا يقدر أحد قدره
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: الْكُرْسِيّ مَوضِع الْقَدَمَيْنِ وَله أطيط كأطيط الرحل
قلت: هَذَا على سَبِيل الِاسْتِعَارَة - تَعَالَى الله عَن التَّشْبِيه - ويُوضحهُ مَا أخرجه ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: كرسيه الَّذِي يوضع تَحت الْعَرْش الَّذِي تجْعَل الْمُلُوك عَلَيْهِ أَقْدَامهم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَو أَن السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع بسطن ثمَّ وصلن بَعضهنَّ إِلَى بعض مَا كن فِي سعته - يَعْنِي الْكُرْسِيّ - إِلَّا بِمَنْزِلَة الْحلقَة فِي الْمَفَازَة
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي ذَر أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الْكُرْسِيّ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَر مَا السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع عِنْد الْكُرْسِيّ إِلَّا كحلقة ملقاة بِأَرْض فلاة وَأَن فضل الْعَرْش على الْكُرْسِيّ كفضل الفلاة على تِلْكَ الْحلقَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي عَاصِم فِي السّنة والزار وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه والضياء الْمَقْدِسِي فِي المختارة عَن عمر أَن امْرَأَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَت: ادْع الله أَن يدخلني الْجنَّة فَعظم الرب تبَارك وَتَعَالَى وَقَالَ: إِن كرسيه وسع السَّمَوَات وَالْأَرْض وَإِن لَهُ أطيطا كأطيط الرحل الْجَدِيد إِذا ركب من ثقله مَا يفضل مِنْهُ أَربع أَصَابِع
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية بِسَنَد واه عَن عَليّ مَرْفُوعا الْكُرْسِيّ لُؤْلُؤ والقلم لُؤْلُؤ وَطول الْقَلَم سَبْعمِائة سنة وَطول الْكُرْسِيّ حَيْثُ لَا يُعلمهُ الْعَالمُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي مَالك قَالَ: الْكُرْسِيّ تَحت الْعَرْش
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: الْكُرْسِيّ بالعرش ملتصق وَالْمَاء كُله فِي جَوف الْكُرْسِيّ(2/17)
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن عِكْرِمَة قَالَ: الشَّمْس جُزْء من سبعين جُزْءا من نور الْكُرْسِيّ والكرسي جُزْء من سبعين جُزْءا من نور الْعَرْش
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ: مَا السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي الْكُرْسِيّ إِلَّا كحلقة بِأَرْض فلاة وَمَا مَوضِع كرسيه من الْعَرْش إِلَّا مثل حَلقَة فِي أَرض فلاة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: إِن السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي جَوف الْكُرْسِيّ والكرسي بَين يَدي الْعَرْش
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله مَا الْمقَام الْمَحْمُود قَالَ: ذَلِك يَوْم ينزل الله على كرسيه يئط مِنْهُ كَمَا يئط الرحل الْجَدِيد من تضايقه وَهُوَ كسعة مَا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ الْحسن يَقُول: الْكُرْسِيّ هُوَ الْعَرْش
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة الهمذاني عَن ابْن مَسْعُود وناس من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي قَوْله {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} الْآيَة
قَالَ: أما قَوْله {القيوم} فَهُوَ الْقَائِم وَأما السّنة فَهِيَ ريح النّوم الَّتِي تَأْخُذ فِي الْوَجْه فينعس الإِنسان وَأما {مَا بَين أَيْديهم} فالدنيا {وَمَا خَلفهم} الْآخِرَة وَأما {وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه} يَقُول: لَا يعلمُونَ شَيْئا من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ هُوَ يعلمهُمْ وَأما {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فَإِن السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي جَوف الْكُرْسِيّ والكرسي بَين يَدي الْعَرْش وَهُوَ مَوضِع قَدَمَيْهِ وَأما {لَا يؤده} فَلَا يثقل عَلَيْهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي مَالك فِي قَوْله {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} قَالَ: إِن الصَّخْرَة الَّتِي تَحت الأَرْض السَّابِعَة ومنتهى الْخلق على أرجائها عَلَيْهَا أَرْبَعَة من الْمَلَائِكَة لكل وَاحِد مِنْهُم أَرْبَعَة وُجُوه: وَجه إِنْسَان وَوجه أَسد وَوجه ثو وَوجه نسر فهم قيام عَلَيْهَا قد أحاطوا بالأرضين وَالسَّمَوَات ورؤوسهم تَحت الْكُرْسِيّ والكرسي تَحت الْعَرْش وَالله وَاضع كرسيه على الْعَرْش
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا إِشَارَة إِلَى كرسيين
أَحدهمَا تَحت الْعَرْش وَالْآخر مَوْضُوع على الْعَرْش(2/18)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا يؤوده حفظهما} يَقُول: لَا يثقل عَلَيْهِ
وَأخرج الطسي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {وَلَا يؤوده حفظهما} قَالَ: لَا يثقله
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: يعْطى المئين وَلَا يؤده حملهَا مَحْض الضرائب ماجد الْأَخْلَاق وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا يؤوده} قَالَ: لَا يكرثه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {الْعَظِيم} الَّذِي قد كمل فِي عَظمته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن ابْن عَبَّاس {الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} يُرِيد الَّذِي لَيْسَ مَعَه شريك فَكل معبود من دونه فَهُوَ خلق من خلقه لَا يضرون وَلَا ينفعون وَلَا يملكُونَ رزقا وَلَا حَيَاة وَلَا نشوراً {الْحَيّ} يُرِيد الَّذِي لَا يَمُوت {القيوم} الَّذِي لَا يبْلى {لَا تَأْخُذهُ سنة} يُرِيد النعاس {وَلَا نوم} {من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا بِإِذْنِهِ} يُرِيد الْمَلَائِكَة مثل قَوْله (وَلَا يشفعون إِلَّا لمن ارتضى)
{يعلم مَا بَين أَيْديهم} يُرِيد من السَّمَاء إِلَى الأَرْض {وَمَا خَلفهم} يُرِيد مَا فِي السَّمَوَات {وَلَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ} يُرِيد مِمَّا أطلعهم على علمه {وسع كرسيه السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يُرِيد هُوَ أعظم من السَّمَوَات السَّبع وَالْأَرضين السَّبع {وَلَا يؤوده حفظهما} يُرِيد لَا يفوتهُ شَيْء مِمَّا فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَهُوَ الْعلي الْعَظِيم} يُرِيد لَا أَعلَى مِنْهُ وَلَا أعز وَلَا أجل وَلَا أكْرم
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن أبي وجزة يزِيد بن عبيد السّلمِيّ قَالَ لما قفل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غَزْوَة تَبُوك أَتَاهُ وَفد من بني فَزَارَة فَقَالُوا: يَا رَسُول الله ادْع رَبك أَن يغيثنا وَاشْفَعْ لنا إِلَى رَبك وليشفع رَبك إِلَيْك
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَيلك هَذَا أَنا شفعت إِلَى رَبِّي فَمن ذَا الَّذِي يشفع رَبنَا إِلَيْهِ لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم وسع كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض فَهِيَ تئط من عَظمته وجلاله كَمَا يئط الرحل الْجَدِيد
آيَة 256(2/19)
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
أخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه وَابْن مَنْدَه فِي غرائب شُعْبَة وَابْن حبَان وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة من الْأَنْصَار تكون مقلاة لَا يكَاد يعِيش لَهَا ولد فتجعل على نَفسهَا إِن عَاشَ لَهَا ولد أَن تهوّده فَلَمَّا أجليت بَنو النَّضِير كَانَ فيهم من أَبنَاء الْأَنْصَار فَقَالُوا لَا نَدع أبناءنا
فَأنْزل الله {لَا إِكْرَاه فِي الدّين}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} قَالَ: نزلت فِي الْأَنْصَار خَاصَّة
قلت: خَاصَّة كَانَت الْمَرْأَة مِنْهُم إِذا كَانَت نزورة أَو مقلاة تنذر: لَئِن ولدت ولدا لتجعلنه فِي الْيَهُود تلتمس بذلك طول بَقَاءَهُ فجَاء الإِسلام وَفِيهِمْ مِنْهُم فَلَمَّا أجليت النَّضِير قَالَت الْأَنْصَار: يَا رَسُول الله أَبْنَاؤُنَا وإخواننا فيهم فَسكت عَنْهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَنزلت {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد خير أصحابكم فَإِن اختاروكم فهم مِنْكُم وَإِن اختاروهم فهم مِنْهُم فأجلوهم مَعَهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الشّعبِيّ قَالَ: كَانَت الْمَرْأَة من الْأَنْصَار تكون مقلاة لَا يعِيش لَهَا ولد فتنذر إِن عَاشَ وَلَدهَا أَن تَجْعَلهُ مَعَ أهل الْكتاب على دينهم فجَاء الإِسلام وَطَوَائِف من أَبنَاء الْأَنْصَار على دينهم فَقَالُوا: إِنَّمَا جعلناهم على دينهم وَنحن نرى أَن دينهم أفضل من ديننَا وَأَن الله جَاءَ بالإِسلام فلنكرهنهم فَنزلت {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} فَكَانَ فصل مَا بَينهم إجلاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بني النَّضِير فلحق بهم من لم يسلم وَبَقِي من أسلم
وَأخرج سعيد بن منمصور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانَ نَاس من الْأَنْصَار مسترضعين فِي بني قُرَيْظَة فثبتوا على دينهم فَلَمَّا جَاءَ الإِسلام أَرَادَ أهلوهم أَن يكرهوهم على الإِسلام فَنزلت {لَا إِكْرَاه فِي الدّين}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن مُجَاهِد قَالَ كَانَت النضيرأرضعت رجَالًا من الْأَوْس فَلَمَّا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإجلائهم قَالَ أبناؤهم من الْأَوْس: لَنَذْهَبَنَّ مَعَهم ولندينن دينهم فَمَنعهُمْ أهلوهم وأكرهوهم على الإِسلام ففيهم نزلت هَذِه الْآيَة {لَا إِكْرَاه فِي الدّين}(2/20)
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن
أَن نَاسا من الْأَنْصَار كَانُوا مسترضعين فِي بني النَّضِير فَلَمَّا أجلوا أَرَادَ أهلوهم أَن يلحقوهم بدينهم فَنزلت {لَا إِكْرَاه فِي الدّين}
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} قَالَ: نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار من بني سَالم بن عَوْف يُقَال لَهُ الْحصين كَانَ لَهُ ابْنَانِ نصرانيان وَكَانَ هُوَ رجلا مُسلما فَقَالَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أستكرههما فَإِنَّهُمَا قد أَبَيَا إِلَّا النَّصْرَانِيَّة فَأنْزل الله فِيهِ ذَلِك
وَأخرج عبد بن حميد عَن عبد الله بن عُبَيْدَة أَن رجلا من الْأَنْصَار من بني سَالم بن عَوْف كَانَ لَهُ ابْنَانِ تنصرا قبل أَن يبْعَث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقدما الْمَدِينَة فِي نفر من أهل دينهم يحملون الطَّعَام فرآهما أَبوهُمَا فانتزعهما وَقَالَ: وَالله لَا أدعهما حَتَّى يسلما فأبيا أَن يسلما فاختصموا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَيَدْخُلُ بَعْضِي النَّار وَأَنا أنظر فَأنْزل الله {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} الْآيَة
فخلى سبيلهما
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن السّديّ فِي قَوْله {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} قَالَ: نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ أَبُو الْحصين كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَقدم تجار من الشَّام إِلَى الْمَدِينَة يحملون الزَّيْت فَلَمَّا باعوا وَأَرَادُوا أَن يرجِعوا أَتَاهُم ابْنا أبي الْحصين فدعوهما إِلَى النَّصْرَانِيَّة فَتَنَصَّرَا فَرَجَعَا إِلَى الشَّام مَعَهم فَأتى أَبوهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِن ابْني تنصرا وخرجا فاطلبهما فَقَالَ {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} وَلم يُؤمر يَوْمئِذٍ بِقِتَال أهل الْكتاب وَقَالَ: أبعدهُمَا الله هما أول من كفر فَوجدَ أَبُو الْحصين فِي نَفسه على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين لم يبْعَث فِي طلبهما فَنزلت (فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم
) (النِّسَاء الْآيَة 65) الْآيَة
ثمَّ نسخ بعد ذَلِك {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} وَأمر بِقِتَال أهل الْكتاب فِي سُورَة بَرَاءَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {لَا إِكْرَاه فِي الدّين قد تبين الرشد من الغي} قَالَ: وَذَلِكَ لما دخل النَّاس فِي الإِسلام وَأعْطى أهل الْكتاب الْجِزْيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ:(2/21)
كَانَت الْعَرَب لَيْسَ لَهَا دين فاكرهوا على الدّين بِالسَّيْفِ قَالَ: وَلَا يكره الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى وَالْمَجُوس إِذا أعْطوا الْجِزْيَة
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن فِي قَوْله {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} قَالَ: لَا يكره أهل الْكتاب على الإِسلام
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن وسق الرُّومِي قَالَ: كنت مَمْلُوكا لعمر بن الْخطاب فَكَانَ يَقُول لي: أسلم فَإنَّك لَو أسلمت استعنت بك على أَمَانَة الْمُسلمين فَإِنِّي لَا أستعين على أمانتهم بِمن لَيْسَ مِنْهُم فأبيت عَلَيْهِ فَقَالَ لي: {لَا إِكْرَاه فِي الدّين}
وَأخرج النّحاس عَن أسلم
سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول لعجوز نَصْرَانِيَّة: أسلمي تسلمي فَأَبت فَقَالَ عمر: اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثمَّ تَلا {لَا إِكْرَاه فِي الدّين}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سُلَيْمَان بن مُوسَى فِي قَوْله {لَا إِكْرَاه فِي الدّين} قَالَ: نسختها (جَاهد الْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ) (التَّوْبَة الْآيَة 73)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن حميد الْأَعْرَج
أَنه كَانَ يقْرَأ {قد تبين الرشد} وَكَانَ يَقُول: قراءتي على قِرَاءَة مُجَاهِد
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عمر بن الْخطاب قَالَ {الطاغوت} الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن جَابر بن عبد الله
أَنه سُئِلَ عَن الطواغيت قَالَ: هم كهان تنزل عَلَيْهِم الشَّيَاطِين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ {الطاغوت} الكاهن
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ {الطاغوت} السَّاحر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ {الطاغوت} الشَّيْطَان فِي صُورَة الإِنسان يتحاكمون إِلَيْهِ وَهُوَ صَاحب أَمرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن أنس قَالَ {الطاغوت} مَا يعبد من دون الله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فقد استمسك بالعروة الوثقى} قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا الله(2/22)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أنس بن مَالك فِي قَوْله {فقد استمسك بالعروة الوثقى} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج سُفْيَان وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {بالعروة الوثقى} قَالَ: الإِيمان
وَلَفظ سُفْيَان قَالَ: كلمة الإِخلاص
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عبد الله بن سَلام قَالَ رَأَيْت رُؤْيا على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَأَيْت كَأَنِّي فِي رَوْضَة خضراء وَسطهَا عَمُود حَدِيد أَسْفَله فِي الأَرْض وَأَعلاهُ فِي السَّمَاء فِي أَعْلَاهُ عُرْوَة فَقيل لي: اصْعَدْ عَلَيْهِ فَصَعدت حَتَّى أخذت بالعروة فَقَالَ: استمسك بالعروة فَاسْتَيْقَظت وَهِي فِي يَدي فقصصتها على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالَ: أما الرَّوْضَة فروضة الإِسلام وَأما العمود فعمود الإِسلام وَأما العروة فَهِيَ العروة الوثقى أَنْت على الإِسلام حَتَّى تَمُوت
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقتدوا بالذين من بعدِي: أبي بكر وَعمر فَإِنَّهُمَا حَبل الله الْمَمْدُود فَمن استمسك بهما فقد تمسك بالعروة الوثقى الَّتِي لَا انفصام لَهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْقدر نظام التَّوْحِيد فَمن كفر بِالْقدرِ كَانَ كفره بِالْقدرِ نقصا للتوحيد فَإِذا وحد الله وآمن بِالْقدرِ فَهِيَ العروة الوثقى
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن معَاذ بن جبل
أَنه سُئِلَ عَن قَوْله {لَا انفصام لَهَا} قَالَ: لَا انْقِطَاع لَهَا دون دُخُول الْجنَّة
آيَة 257(2/23)
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)
أخرج ابْن الْمُنْذر وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الله ولي الَّذين آمنُوا يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} قَالَ: هم قوم كَانُوا كفرُوا بِعِيسَى فآمنوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالَّذين كفرُوا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النُّور إِلَى الظُّلُمَات} قَالَ: هم قوم آمنُوا بِعِيسَى فَلَمَّا بعث مُحَمَّد كفرُوا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد ومقسم
مثله(2/23)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {يخرجهم من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} يَقُول: من الضَّلَالَة إِلَى الْهدى
وَفِي قَوْله {يخرجونهم من النُّور إِلَى الظُّلُمَات} يَقُول: من الْهدى إِلَى الضَّلَالَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: الظُّلُمَات الْكفْر والنور الإِيمان
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ قَالَ: مَا كَانَ فِيهِ الظُّلُمَات والنور فَهُوَ الْكفْر والإِيمان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُوسَى بن عُبَيْدَة عَن أَيُّوب بن خَالِد قَالَ: يبْعَث أهل الْأَهْوَاء وتبعث الْفِتَن فَمن كَانَ هَوَاهُ الإِيمان كَانَت فتنته بَيْضَاء مضيئة وَمن كَانَ هَوَاهُ الْكفْر كَانَت فتنته سَوْدَاء مظْلمَة ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة
وَالله أعلم
آيَة 258(2/24)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)
أخرج الطَّيَالِسِيّ وَابْن أبي حَاتِم عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم فِي ربه هُوَ نمْرُود بن كنعان
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد وَقَتَادَة وَالربيع وَالسُّديّ
مثله
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن زيد بن أسلم أَن أول جَبَّار كَانَ فِي الأَرْض نمْرُود وَكَانَ النَّاس يخرجُون يمتارون من عِنْده الطَّعَام فَخرج إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام يمتار مَعَ من يمتار فَإِذا مر بِهِ نَاس قَالَ: من ربكُم قَالُوا لَهُ: أَنْت
حَتَّى مر بِهِ إِبْرَاهِيم فَقَالَ: من رَبك: قَالَ: الَّذِي يحيي وَيُمِيت
قَالَ: أَنا أحيي وأميت
قَالَ إِبْرَاهِيم: فَإِن الله يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب
فبهت الَّذِي كفر فَرده بِغَيْر طَعَام فَرجع إِبْرَاهِيم إِلَى أَهله فَمر على كثيب من رمل أعفر فَقَالَ: أَلا آخذ من هَذَا فَآتي بِهِ أَهلِي فتطيب أنفسهم حِين أَدخل عَلَيْهِم فَأخذ مِنْهُ فَأتى أَهله فَوضع مَتَاعه ثمَّ نَام(2/24)
فَقَامَتْ امْرَأَته إِلَى مَتَاعه ففتحته فَإِذا هُوَ بأجود طَعَام رَآهُ أحد فصنعت لَهُ مِنْهُ فقربته إِلَيْهِ وكَانَ عَهده بأَهْله أَنه لَيْسَ عِنْدهم طَعَام فَقَالَ: من أَيْن هَذَا قَالَت من الطَّعَام الَّذِي جِئْت بِهِ
فَعرف أَن الله رزقه فَحَمدَ الله
ثمَّ بعث الله إِلَى الْجَبَّار ملكا أَن آمن بِي وَأَنا أتركك على ملكك فَهَل رب غَيْرِي فَأبى فَجَاءَهُ الثَّانِيَة فَقَالَ لَهُ ذَلِك فَأبى عَلَيْهِ ثمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَة فَأبى عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْملك: فاجمع جموعك إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَجمع الْجَبَّار جموعه فَأمر الله الْملك فَفتح عَلَيْهِ بَابا من البعوض فطلعت الشَّمْس فَلم يروها من كثرتها فبعثها الله عَلَيْهِم فَأكلت شحومهم وشربت دِمَاءَهُمْ فَلم يبْق إِلَّا الْعِظَام وَالْملك كَمَا هُوَ لم يصبهُ من ذَلِك شَيْء فَبعث الله عَلَيْهِ بعوضة فَدخلت فِي منخره فَمَكثَ أَرْبَعمِائَة سنة يضْرب رَأسه بالمطارق وَارْحَمْ النَّاس بِهِ من جمع يَدَيْهِ ثمَّ ضرب بهما رَأسه وَكَانَ جباراً أَرْبَعمِائَة سنة فَعَذَّبَهُ الله أَرْبَعمِائَة سنة كملكه ثمَّ أَمَاتَهُ الله وَهُوَ الَّذِي كَانَ بَنَى صرحاً إِلَى السَّمَاء فَأتى الله بُنْيَانه من الْقَوَاعِد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ألم تَرَ إِلَى الَّذِي حَاج إِبْرَاهِيم} قَالَ: نمْرُود بن كنعان يَزْعمُونَ أَنه أول من ملك فِي الأَرْض أَتَى برجلَيْن قتل أَحدهمَا وَترك الآخر
فَقَالَ: أَنا أحيي وأميت
قَالَ: استحيي: أترك من شِئْت وأميت: أقتل من شِئْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كُنَّا نُحدث أَنه ملك يُقَال لَهُ نمْرُود بن كنعان وَهُوَ أول ملك تجبر فِي الأَرْض وَهُوَ صَاحب الصرح بِبَابِل ذكر لنا أَنه دَعَا برجلَيْن فَقتل أَحدهمَا واستحيا الآخر فَقَالَ: أَنا استحيي من شِئْت وأقتل من شِئْت
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {قَالَ أَنا أحيي وأميت} قَالَ: أقتل من شِئْت واستحيي من شِئْت أَدَعهُ حَيا فَلَا أَقتلهُ وَقَالَ: ملك الأَرْض مشرقها وَمَغْرِبهَا أَرْبَعَة نفر: مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ فالمؤمنان: سُلَيْمَان بن دَاوُود وَذُو القرنين والكافران: بخْتنصر ونمرود بن كنعان لم يملكهَا غَيرهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما خرج إِبْرَاهِيم من النَّار أدخلوه على الْملك وَلم يكن قبل ذَلِك دخل عَلَيْهِ فَكَلمهُ وَقَالَ لَهُ: من رَبك قَالَ: رَبِّي الَّذِي يحيي وَيُمِيت
قَالَ نمْرُود: أَنا أحيي وأميت أَنا أَدخل(2/25)
أَرْبَعَة نفر بَيْتا فَلَا يطْعمُون وَلَا يسقون حَتَّى إِذا هَلَكُوا من الْجُوع أطعمت اثْنَيْنِ وسقيتهما فعاشا وَتركت اثْنَيْنِ فماتا فَعرف إِبْرَاهِيم أَنه يفعل ذَلِك قَالَ لَهُ: فَإِن رَبِّي الَّذِي يَأْتِي بالشمس من الْمشرق فأت بهَا من الْمغرب فبهت الَّذِي كفر وَقَالَ: إِن هَذَا إِنْسَان مَجْنُون فأخرجوه أَلا ترَوْنَ أَنه من جُنُونه اجترأ على آلِهَتكُم فَكَسرهَا وَإِن النَّار لم تَأْكُله وخشي أَن يفتضح فِي قومه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن السّديّ {وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين} قَالَ: إِلَى الْإِيمَان
آيَة 259(2/26)
أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)
أخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة} قَالَ: خرج عُزَيْر نَبِي الله من مدينته وَهُوَ شَاب فَمر على قَرْيَة خربة وَهِي خاوية على عروشها فَقَالَ: أَنى يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه فَأول مَا خلق مِنْهُ عَيناهُ فَجعل ينظر إِلَى عِظَامه وينظم بَعْضهَا إِلَى بعض ثمَّ كُسِيت لَحْمًا ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح فَقيل لَهُ: كم لَبِثت قَالَ: لَبِثت يَوْمًا أَو بعض يَوْم
قَالَ: بل لَبِثت مائَة عَام فَأتى مدينته وَقد ترك جاراً لَهُ اسكافاً شَابًّا فجَاء وَهُوَ شيخ كَبِير
واخرج اسحق بن بشر والخطيب وَابْن عَسَاكِر عَن عبد الله بن سَلام: أَن عُزَيْرًا هُوَ العَبْد الَّذِي أَمَاتَهُ الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن عَسَاكِر عَن ابْن عَبَّاس: أَن عُزَيْر بن سروخا هُوَ الَّذِي فِيهِ قَالَ الله فِي كِتَابه {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة} الْآيَة(2/26)
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة وَقَتَادَة وَسليمَان بن بُرَيْدَة وَالضَّحَّاك وَالسُّديّ مثله
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس وَكَعب وَالْحسن ووهب يزِيد بَعضهم على بعض
أَن عُزَيْرًا كَانَ عبدا صَالحا حكيماً خرج ذَات يَوْم إِلَى ضَيْعَة لَهُ يتعاهدها فَلَمَّا انْصَرف انْتهى إِلَى خربة حِين قَامَت الظهيرة أَصَابَهُ الْحر فَدخل الخربة وَهُوَ على حمَار لَهُ فَنزل عَن حِمَاره وَمَعَهُ سلة فِيهَا تين وسلة فِيهَا عِنَب فَنزل فِي ظلّ تِلْكَ الخربة وَأخرج قَصْعَة مَعَه فاعتصر من الْعِنَب الَّذِي كَانَ مَعَه فِي الْقَصعَة ثمَّ أخرج خبْزًا يَابسا مَعَه فَأَلْقَاهُ فِي تِلْكَ الْقَصعَة فِي الْعصير ليبتل ليأكله ثمَّ اسْتلْقى على قَفاهُ وَأسْندَ رجلَيْهِ إِلَى الْحَائِط فَنظر سقف تِلْكَ الْبيُوت وَرَأى مِنْهَا مَا فِيهَا وَهِي قَائِمَة على عرشها وَقد باد أَهلهَا وَرَأى عظاماً بالية فَقَالَ: {أَنى يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا} فَلم يشك أَن الله يُحْيِيهَا وَلَكِن قَالَهَا تَعَجبا
فَبعث الله ملك الْمَوْت فَقبض روحه فأماته الله مائَة عَام فَلَمَّا أَتَت عَلَيْهِ مائَة عَام وَكَانَ فِيمَا بَين ذَلِك فِي بني إِسْرَائِيل أُمُور وأحداث فَبعث الله إِلَى عُزَيْر ملكا فخلق قلبه ليعقل بِهِ وَعَيْنَيْهِ لينْظر بهما فيعقل كَيفَ يحيي الله الْمَوْتَى ثمَّ ركب خلقه وَهُوَ ينظر ثمَّ كسا عِظَامه اللَّحْم وَالشعر وَالْجَلد ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح كل ذَلِك يرى وَيعْقل فَاسْتَوَى جَالِسا فَقَالَ لَهُ الْملك: كم لَبِثت قَالَ: لَبِثت يَوْمًا وَذَلِكَ أَنه كَانَ نَام فِي صدر النَّهَار عِنْد الظهيرة وَبعث فِي آخر النَّهَار وَالشَّمْس لم تغب
فَقَالَ: أَو بعض يَوْم وَلم يتم لي يَوْم
فَقَالَ لَهُ الْملك: بل لَبِثت مائَة عَام فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك يَعْنِي الطَّعَام الْخبز الْيَابِس وَشَرَابه العصيرالذي كَانَ اعتصر فِي الْقَصعَة فَإِذا هما على حَالهمَا لم يتَغَيَّر الْعصير وَالْخبْز الْيَابِس فَذَلِك قَوْله {لم يتسنَّه} يَعْنِي لم يتَغَيَّر وَكَذَلِكَ التِّين وَالْعِنَب غض لم يتَغَيَّر عَن حَاله فَكَأَنَّهُ أنكر فِي قلبه
فَقَالَ لَهُ الْملك: أنْكرت مَا قلت لَك أنظر إِلَى حِمَارك
فَنظر فَإِذا حِمَاره قد بليت عِظَامه وَصَارَت نخرة فَنَادَى الْملك عِظَام الْحمار فأجابت وَأَقْبَلت من كل نَاحيَة حَتَّى رَكبه الْملك وعزير ينظر إِلَيْهِ ثمَّ ألبسها الْعُرُوق والعصب ثمَّ كساها اللَّحْم ثمَّ أنبت عَلَيْهَا الْجلد وَالشعر ثمَّ نفخ فِيهِ الْملك فَقَامَ الحماررافعا رَأسه وَأُذُنَيْهِ إِلَى السَّمَاء(2/27)
ناهقاً فَذَلِك قَوْله {وَانْظُر إِلَى حِمَارك ولنجعلك آيَة للنَّاس وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها ثمَّ نكسوها لَحْمًا} يَعْنِي انْظُر إِلَى عِظَام حِمَارك كَيفَ يركب بَعْضهَا بَعْضًا فِي أوصالها حَتَّى إِذا صَارَت عظاماً مصوراً حمارا بِلَا لحم ثمَّ انْظُر كَيفَ نكسوها لَحْمًا {فَلَمَّا تبين لَهُ قَالَ أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} من إحْيَاء الْمَوْتَى وَغَيره
قَالَ فَركب حِمَاره حَتَّى أَتَى محلته فَأنكرهُ النَّاس وَأنكر النَّاس وَأنكر مَنَازِله فَانْطَلق على وهم مِنْهُ حَتَّى أَتَى منزله فَإِذا هُوَ بِعَجُوزٍ عمياء مقعدة قد أَتَى عَلَيْهَا مائَة وَعِشْرُونَ سنة كَانَت أمة لَهُم فَخرج عَنْهُم عُزَيْر وَهِي بنت عشْرين سنة كَانَت عَرفته وعقلته فَقَالَ لَهَا عُزَيْر: يَا هَذِه أَهَذا منزل عُزَيْر قَالَت: نعم وبكت وَقَالَت: مَا رَأَيْت أحدا من كَذَا وَكَذَا سنة يذكر عُزَيْرًا وَقد نَسيَه النَّاس
قَالَ: فَإِنِّي أَنا عُزَيْر
قَالَت: سُبْحَانَ الله فَإِن عُزَيْرًا قد فقدناه مُنْذُ مائَة سنة فَلم نسْمع لَهُ بِذكر
قَالَ: فَإِنِّي أَنا عُزَيْر كَانَ الله أماتني مائَة سنة ثمَّ بَعَثَنِي
قَالَت: فَإِن عُزَيْرًا كَانَ رجلا مستجاب الدعْوَة يَدْعُو للْمَرِيض وَلِصَاحِب الْبلَاء بالعافية والشفاء فَادع الله أَن يرد عَليّ بَصرِي حَتَّى أَرَاك فَإِن كنت عُزَيْرًا عرفتك
فَدَعَا ربه وَمسح يَده على عينيهما فصحتا وَأخذ بِيَدِهَا فَقَالَ: قومِي بِإِذن الله فَأطلق الله رجلهَا فَقَامَتْ صَحِيحَة كَأَنَّمَا نشطت من عقال فَنَظَرت فَقَالَت: أشهد أَنَّك عُزَيْر
فَانْطَلَقت إِلَى محلّة بني إِسْرَائِيل وهم فِي أَنْدِيَتهمْ ومجالسهم وَابْن لعزير شيخ ابْن مائَة سنة وثمان عشرَة سنة وَبَنُو بنيه شُيُوخ فِي الْمجْلس فنادتهم فَقَالَت: هَذَا عُزَيْر قد جَاءَكُم
فكذبوها فَقَالَت: أَنا فُلَانَة مولاتكم دَعَا لي ربه فَرد عَليّ بَصرِي وَأطلق رجْلي وَزعم أَن الله كَانَ أَمَاتَهُ مائَة سنة ثمَّ بَعثه فَنَهَضَ النَّاس فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ فنظروا إِلَيْهِ فَقَالَ ابْنه: كَانَت لأبي شامة سَوْدَاء بَين كَتفيهِ فكشف عَن كَتفيهِ فَإِذا هُوَ عُزَيْر فَقَالَت بَنو إِسْرَائِيل: فَإِنَّهُ لم يكن فِينَا أحد حفظ التَّوْرَاة فِيمَا حَدثنَا غير عُزَيْر وَقد حرق بخْتنصر التَّوْرَاة وَلم يبْق مِنْهَا شَيْء إِلَّا مَا حفظت الرِّجَال فاكتبها لنا
وَكَانَ أَبوهُ سروخا قد دفن التَّوْرَاة أَيَّام بخْتنصر فِي مَوضِع لم يعرفهُ أحد غير عُزَيْر فَانْطَلق بهم إِلَى ذَلِك الْموضع فحفره فاستخرج التَّوْرَاة وَكَانَ قد عفن الْوَرق ودرس الْكتاب فَجَلَسَ فِي ظلّ شَجَرَة وَبَنُو إِسْرَائِيل حوله فجدد لَهُم التَّوْرَاة فَنزل من السَّمَاء شهابان حَتَّى دخلا جَوْفه فَتذكر التَّوْرَاة فجددها لبني إِسْرَائِيل فَمن ثمَّ(2/28)
قَالَت الْيَهُود: عُزَيْر ابْن الله للَّذي كَانَ من أَمر الشهابين وتجديده للتوراة وقيامه بِأَمْر بني إِسْرَائِيل وَكَانَ جدد لَهُم التَّوْرَاة بِأَرْض السوَاد بدير حزقيل والقرية الَّتِي مَاتَ فِيهَا يُقَال لَهَا سابر أباد قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكَانَ كَمَا قَالَ الله {ولنجعلك آيَة للنَّاس} يَعْنِي لبني إِسْرَائِيل وَذَلِكَ أَنه كَانَ يجلس مَعَ بني بنيه وهم شُيُوخ وَهُوَ شَاب لِأَنَّهُ كَانَ مَاتَ وَهُوَ ابْن أَرْبَعِينَ سنة فَبَعثه الله شَابًّا كَهَيْئَته يَوْم مَاتَ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن عبيد بن عُمَيْر فِي قَوْله {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة} قَالَ: كَانَ نَبيا اسْمه أورميا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن ارميا لما خرب بَيت الْمُقَدّس وَحرق الْكتب وقف فِي نَاحيَة الْجَبَل فَقَالَ: {أَنى يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا} فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه وَقد عمرت على حَالهَا الأول فَجعل ينظر إِلَى الْعِظَام كَيفَ يلتئم بعضه إِلَى بعض ثمَّ نظر إِلَى الْعِظَام تُكْسَى عصباً وَلَحْمًا {فَلَمَّا تبين لَهُ قَالَ أعلم أَن الله على كل شَيْء قدير} فَقَالَ: أنظر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه وَكَانَ طَعَامه تيناً فِي مكتل وَقلة فِيهَا مَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {أَو كَالَّذي مر على قَرْيَة} قَالَ: الْقرْيَة بَيت الْمُقَدّس مر بهَا عُزَيْر بعد أَن خربها بخْتنصر
وَأخرج عَن قَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالربيع
مثله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُحَمَّد بن سُلَيْمَان السياري
سَمِعت رجلا من أهل الشَّام يَقُول: إِن الَّذِي أَمَاتَهُ الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه اسْمه حزقيل بن بوزا
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن الْحسن قَالَ: كَانَ أَمر عُزَيْر وَبُخْتنَصَّرَ فِي الفترة
وَأخرج إِسْحَق وَابْن عَسَاكِر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ: كَانَ أَمر عُزَيْر بَين عِيسَى وَمُحَمّد
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: كَانَت قصَّة عُزَيْر وَبُخْتنَصَّرَ بَين عِيسَى وَسليمَان
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {خاوية} قَالَ: خراب(2/29)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {خاوية} قَالَ: لَيْسَ فِيهَا أحد
وَأخرج عَن الضَّحَّاك {على عروشها} قَالَ: سقوفها
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {خاوية على عروشها} قَالَ: سَاقِطَة على سقفها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا} قَالَ: أَنى تعمرهذه بعد خرابها
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث عَن الْحسن فِي قَوْله {فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه} قَالَ: ذكر لنا أَنه أميت ضحوة وَبعث حِين سَقَطت الشَّمْس قبل أَن تغرب وَأَن أول مَا خلق الله مِنْهُ عَيناهُ فَجعل ينظر بهما إِلَى عظم كَيفَ يرجع إِلَى مَكَانَهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: لَبِثت يَوْمًا ثمَّ الْتفت فَرَأى بَقِيَّة الشَّمْس فَقَالَ: أَو بعض يَوْم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: كَانَ طَعَامه الَّذِي مَعَه سلة من تين وَشَرَابه زق من عصير
وَأخرج عَن مُجَاهِد قَالَ: طَعَامه سلة تين وَشَرَابه دن خمر
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عَسَاكِر من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لم يتسنه} قَالَ: لم يتَغَيَّر
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع ابْن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {لم يتسنه} قَالَ: لم تغيره السنون
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: طَابَ مِنْهُ الطّعْم وَالرِّيح مَعًا لن ترَاهُ يتَغَيَّر من أسن وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {لم يتسنه} قَالَ: لم ينتن
وَأخرج ابْن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَأَبُو عبيد فِي الْفَضَائِل وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن هانىء الْبَرْبَرِي مولى عُثْمَان قَالَ: لما كتب عُثْمَان الْمَصَاحِف شكوا فِي ثَلَاث آيَات فكتبوها فِي كتف شَاة وأرسلوني بهَا إِلَى أبي بن كَعْب وزيد بن ثَابت فَدخلت عَلَيْهِمَا فناولتها أبي بن كَعْب فقرأها فَوجدَ فِيهَا (لَا تَبْدِيل لِلْخلقِ ذَلِك الدّين الْقيم) فمحا بِيَدِهِ أحد اللامين وكتبهَا (لَا تَبْدِيل لخلق(2/30)
الله) (الرّوم الْآيَة 30)
وَوجد فِيهَا (انْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنن) فمحا النُّون وكتبهَا {لم يتسنه}
وَقَرَأَ فِيهَا (فأمهل الْكَافرين) فمحا الْألف وكتبهَا (فمهل) (الطارق الْآيَة 17)
ونظر فِيهَا زيد بن ثَابت ثمَّ انْطَلَقت بهَا إِلَى عُثْمَان فاثبتوها فِي الْمَصَاحِف كَذَلِك
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي عَن هانىء قَالَ: كنت الرَّسُول بَين عُثْمَان وَزيد بن ثَابت فَقَالَ زيد: سَله عَن قَوْله ((لم يتسنن)) أَو {لم يتسنه} فَقَالَ عُثْمَان: اجعلوا فِيهَا هَاء
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة فِي قَوْله {ولنجعلك آيَة للنَّاس} قَالَ: كَانَ يَوْم بعث ابْن مائَة وَأَرْبَعين شَابًّا وكَانَ وَلَده ابناء مائَة سنة وهم شُيُوخ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود
مثله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كَيفَ ننشزها} قَالَ: نخرجها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لم يتسنه} قَالَ: لم يفْسد بعد مائَة حول وَالطَّعَام وَالشرَاب يفْسد فِي أقل من ذَلِك {وَانْظُر إِلَى الْعِظَام كَيفَ ننشزها} يَقُول: نشخصها عضوا عضوا
وَأخرج الْحَاكِم وصَححهُ عَن زيد بن ثَابت
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَرَأَ {كَيفَ ننشزها} بالزاي
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور ومسدد فِي مُسْنده وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن زيد بن ثَابت أَنه قَرَأَ {كَيفَ ننشزها} بالزاي وَأَن زيد أعجم عَلَيْهَا فِي مصحفه
وَأخرج مُسَدّد عَن أبيّ بن كَعْب أَنه قَرَأَ {كَيفَ ننشزها} أعجم الزَّاي
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد من طرق عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ ((نشرها)) بالراء
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه قَرَأَ (ننشرها) بالراء
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن
مثله(2/31)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {كَيفَ ننشزها} قَالَ: نحركها
وَأخرج عَن ابْن زيد {كَيفَ ننشزها} قَالَ: نحييها
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ {فَلَمَّا تبين لَهُ قَالَ أعلم} قَالَ: إِنَّمَا قيل لَهُ ذَلِك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ {قَالَ أعلم} وَيَقُول: لم يكن بِأَفْضَل من إِبْرَاهِيم قَالَ الله (وَأعلم أَن الله)
وَأخرج ابْن جرير عَن هَارُون قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود قيل أعلم أَن الله على وَجه الْأَمر
وأخرج ابْن أبي دَاوُود فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله (قيل أعلم)
آيَة 260(2/32)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)
أخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن إِبْرَاهِيم مر بِرَجُل ميت زَعَمُوا أَنه حبشِي على سَاحل الْبَحْر فَرَأى دَوَاب الْبَحْر تخرج فتأكل مِنْهُ وسباع الأَرْض تَأتيه فتأكل مِنْهُ وَالطير تقع عَلَيْهِ فتأكل مِنْهُ
فَقَالَ إِبْرَاهِيم عِنْد ذَلِك: رب هَذِه دَوَاب الْبَحْر تَأْكُل من هَذَا وسباع الأَرْض وَالطير ثمَّ تميت هَذِه فتبلى ثمَّ تحييها فأرني كَيفَ تحيي الْمَوْتَى قَالَ: أولم تؤمن يَا إِبْرَاهِيم أَنِّي أحيي الْمَوْتَى قَالَ: بلَى يَا رب وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي
يَقُول: لأرى من آياتك وَأعلم أَنَّك قد أجبتني
فَقَالَ الله: خُذ أَرْبَعَة من الطير فَصنعَ مَا صنع وَالطير الَّذِي أَخذه: ورال وديك وَطَاوُس وَأخذ نِصْفَيْنِ مُخْتَلفين ثمَّ أَتَى أَرْبَعَة أجبل فَجعل على كل جبل نِصْفَيْنِ مُخْتَلفين وَهُوَ قَوْله {ثمَّ اجْعَل على كل جبل مِنْهُنَّ جُزْءا} ثمَّ تنحى ورؤوسهما تَحت قَدَمَيْهِ فَدَعَا باسم الله الْأَعْظَم فَرجع كل نصف إِلَى نصفه وكل(2/32)
ريش إِلَى طَائِره ثمَّ أَقبلت تطير بِغَيْر رُؤُوس إِلَى قدمه تُرِيدُ رؤوسها بأعناقها فَرفع قدمه فَوضع كل طَائِر مِنْهَا عُنُقه فِي رَأسه فَعَادَت كَمَا كَانَت {وَاعْلَم أَن الله عَزِيز} يَقُول: مقتدر على مَا يَشَاء {حَكِيم} يَقُول: مُحكم لما أَرَادَ
الرال فرخ النعام
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة
نَحوه
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: بَلغنِي أَن إِبْرَاهِيم بَينا هُوَ يسير على الطَّرِيق إِذا هُوَ بجيفة حمَار عَلَيْهَا السبَاع وَالطير قد تمزق لَحمهَا وَبَقِي عظامها فَوقف فَعجب ثمَّ قَالَ: رب قد علمت لتجمعنها من بطُون هَذِه السبَاع وَالطير رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى قَالَ: أولم تؤمن قَالَ: بلَى وَلَكِن لَيْسَ الْخَبَر كالمعاينة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن قَالَ: سَأَلَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام ربه أَن يرِيه كَيفَ يحيي الْمَوْتَى وَذَلِكَ مِمَّا لَقِي من قومه من الْأَذَى فَدَعَا بِهِ عِنْد ذَلِك مِمَّا لَقِي مِنْهُم من الْأَذَى فَقَالَ: رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ قَالَ: لما اتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا سَأَلَ ملك الْمَوْت أَن يَأْذَن لَهُ فيبشر إِبْرَاهِيم بذلك فَأذن لَهُ فَأتى إِبْرَاهِيم وَلبس فِي الْبَيْت فَدخل دَاره وَكَانَ إِبْرَاهِيم من أغير النَّاس إِذا خرج أغلق الْبَاب فَلَمَّا جَاءَ وجد فِي بَيته رجلا ثار إِلَيْهِ ليأخذه وَقَالَ لَهُ: من أذن لَك أَن تدخل دَاري قَالَ ملك الْمَوْت: أذن لي رب هَذِه الدَّار
قَالَ إِبْرَاهِيم: صدقت وَعرف أَنه ملك الْمَوْت
قَالَ: من أَنْت قَالَ: أَنا ملك الْمَوْت جئْتُك أُبَشِّرك بِأَن الله قد اتخذك خَلِيلًا
فَحَمدَ الله وَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت أَرِنِي كَيفَ تقبض أَرْوَاح الْكفَّار قَالَ: يَا إِبْرَاهِيم لَا تطِيق ذَلِك
قَالَ: بلَى
قَالَ: فاعرض فاعرض إِبْرَاهِيم ثمَّ نظر فَإِذا هُوَ بِرَجُل أسود ينَال رَأسه السَّمَاء يخرج من فِيهِ لَهب النَّار لَيْسَ من شَعْرَة فِي جسده إِلَّا فِي صُورَة رجل يخرج من فِيهِ ومسامعه لَهب النَّار فَغشيَ على إِبْرَاهِيم ثمَّ أَفَاق وَقد تحوّل ملك الْمَوْت فِي الصُّورَة الأولى
فَقَالَ: يَا ملك الْمَوْت لَو لم يلق الْكَافِر عِنْد مَوته من الْبلَاء والحزن إِلَّا صُورَتك لكفاه فأرني كَيفَ تقبض أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ قَالَ: فَأَعْرض فاعرض إِبْرَاهِيم ثمَّ الْتفت فَإِذا هُوَ بِرَجُل شَاب أحسن النَّاس وَجها وأطيبه ريحًا فِي ثِيَاب بَيَاض
قَالَ: يَا ملك الْمَوْت لَو لم ير الْمُؤمن عِنْد مَوته من قُرَّة الْعين والكرامة إِلَّا صُورَتك هَذِه لَكَانَ يَكْفِيهِ
فَانْطَلق ملك الْمَوْت وَقَامَ إِبْرَاهِيم يَدْعُو ربه(2/33)
يَقُول: رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى حَتَّى أعلم أَنِّي خَلِيلك
قَالَ: أولم تؤمن يَقُول: تصدق بِأَنِّي خَلِيلك
قَالَ: بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي بخلولتك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} قَالَ: بالخلة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} يَقُول: أعلم أَنَّك تُجِيبنِي إِذا دعوتك وتعطيني إِذا سَأَلتك
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مُجَاهِد وَإِبْرَاهِيم {لِيَطمَئِن قلبِي} قَالَ: لِأَزْدَادَ إِيمَانًا إِلَى إيماني
وَأخرج عبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحن أَحَق بِالشَّكِّ من إِبْرَاهِيم إِذْ قَالَ: {رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى قَالَ أَو لم تؤمن قَالَ بلَى وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي}
وَيرْحَم الله لوطاً لقد كَانَ يأوي إِلَى ركن شَدِيد وَلَو لَبِثت فِي السجْن مَا لبث يُوسُف لَأَجَبْت الدَّاعِي
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير عَن أَيُّوب فِي قَوْله {وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} قَالَ: قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا فِي الْقُرْآن آيَة أَرْجَى عِنْدِي مِنْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس
أَنه قَالَ لعبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ: أَي آيَة فِي الْقُرْآن ارجى عنْدك فَقَالَ: قَول الله (يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم لَا تقنطوا من رَحْمَة الله
) (الزمر الْآيَة 53) الْآيَة
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: لَكِن أَنا أَقُول: قَول الله لإِبراهيم {أولم تَكُ تَأْتيكُمْ رسلكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بلَى} فَرضِي من إِبْرَاهِيم بقوله بلَى فَهَذَا لما يعْتَرض فِي الصُّدُور ويوسوس بِهِ الشَّيْطَان
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق حَنش عَن ابْن عَبَّاس {فَخذ أَرْبَعَة من الطير} قَالَ: الغرنوق والطاوس والديك والحمامة
الغرنوق الكركي
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد قَالَ: الْأَرْبَعَة من الطير: الديك والطاووس والغراب وَالْحمام(2/34)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طرق عَن ابْن عَبَّاس {فصرهن} قَالَ: قطعهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس {فصرهن} قَالَ: هِيَ بالنبطية شققهن
وَأخرج ابْن جرير عَن عِكْرِمَة {فصرهن} قَالَ: بالنبطية قطعهن
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {فصرهن} قَالَ: هَذِه الْكَلِمَة بالحبشية يَقُول: قطعهن واخلط دماءهن وريشهن
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {فصرهن} قَالَ: أوثقهن ذبحهن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن وهب قَالَ: مَا من اللُّغَة شَيْء إِلَّا مِنْهَا فِي الْقُرْآن شَيْء قيل: وَمَا فِيهِ من الرومية قَالَ {فصرهن} يَقُول: قطعهن
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْبَعْث من طَرِيق أبي جَمْرَة عَن ابْن عَبَّاس {فصرهن إِلَيْك} قَالَ: قطع أجنحتهن ثمَّ اجعلهن أَربَاعًا ربعا هَهُنَا وربعاً هَهُنَا فِي أَربَاع الأَرْض {ثمَّ ادعهن يأتينك سعياً} قَالَ: هَذَا مثل كَذَلِك يحيي الله الْمَوْتَى مثل هَذَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: أَمر أَن يَأْخُذ أَرْبَعَة من الطير فيذبحهن ثمَّ يخلط بَين لحومهن وريشهن ودمائهن ثمَّ يجزئهن على أَرْبَعَة أجبل
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء {فصرهن إِلَيْك} اضممهن إِلَيْك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق طَاوُوس عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: وضعهن على سَبْعَة أجبل وَأخذ الرؤوس بِيَدِهِ فَجعل ينظر إِلَى القطرة تلقى القطرة والريشة تلقى الريشة حَتَّى صرن أَحيَاء لَيْسَ لَهُنَّ رُؤُوس فجئن إِلَى رؤوسهن فدخلن فِيهَا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {ثمَّ ادعهن} قَالَ: دعاهن باسم إِلَه إِبْرَاهِيم تعالين
وَأخرج ابْن أبي جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {يأتينك سعياً} قَالَ: شداً على أرجلهن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: أَخذ ديكا وطاووسا وغراباً وحماماً فَقطع رؤوسهن وقوائمهن وأجنحتهن ثمَّ أَتَى الْجَبَل فَوضع عَلَيْهِ لَحْمًا ودماً وريشاً(2/35)
ثمَّ فرقه على أَرْبَعَة أجبال ثمَّ نُودي: أيتها الْعِظَام المتمزقة واللحوم المتفرقة وَالْعُرُوق المتقطعة اجْتَمعْنَ يرد الله فيكُن أرواحكن
فَوَثَبَ الْعظم إِلَى الْعظم وطارت الريشة إِلَى الريشة وَجرى الدَّم إِلَى الدَّم حَتَّى رَجَعَ إِلَى كل طَائِر دَمه ولحمه وريشه ثمَّ أوحى الله إِلَى إِبْرَاهِيم: إِنَّك سَأَلتنِي كَيفَ أحيي الْمَوْتَى وَإِنِّي خلقت الأَرْض وَجعلت فِيهَا أَرْبَعَة أَرْوَاح: الشمَال وَالصبَا والجنوب وَالدبور حَتَّى إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة نفخ نافخ فِي الصُّور فيجتمع من فِي الأَرْض من الْقَتْلَى والموتى كَمَا اجْتمعت أَرْبَعَة أطيار من أَرْبَعَة جبال ثمَّ قَرَأَ (مَا خَلقكُم وَلَا بعثكم إِلَّا كَنَفس وَاحِدَة) (لُقْمَان الْآيَة 28)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن الْحسن فِي قَوْله {رب أَرِنِي كَيفَ تحيي الْمَوْتَى} قَالَ: إِن كَانَ إِبْرَاهِيم لموقنا أَن الله يحيي الْمَوْتَى وَلَكِن لَا يكون الْخَبَر كالعيان إِن الله أمره أَن يَأْخُذ أَرْبَعَة من الطير فيذبحهن وينتفهن ثمَّ قطعهن أَعْضَاء أَعْضَاء ثمَّ خلط بَينهُنَّ جَمِيعًا ثمَّ جزأهن أَرْبَعَة أَجزَاء ثمَّ جعل على كل جبل مِنْهُنَّ جُزْءا ثمَّ تنحى عَنْهُن فَجعل يعدو كل عُضْو إِلَى صَاحبه حَتَّى استوين كَمَا كن قبل أَن يذبحهن ثمَّ أتينه سعياً
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فصرهن إِلَيْك} قَالَ: يَقُول: انتف ريشهن ولحومهن ومزقهن تمزيقاً
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَطاء قَالَ: يَقُول: شققهن ثمَّ اخلطهن
آيَة 261(2/36)
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
أخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حَبَّة} الْآيَة
قَالَ: فَذَلِك سَبْعمِائة حسنه
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا لمن أنْفق فِي سَبِيل الله فَلهُ أجره سَبْعمِائة مرّة(2/36)
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَالله وَاسع عليم} قَالَ: وَاسع أَن يزِيد فِي سعتهعالم بِمن يزِيدهُ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ من بَايع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ الْهِجْرَة ورابط مَعَه فِي الْمَدِينَة وَلم يذهب وَجها إِلَّا باذنه كَانَت لَهُ الْحَسَنَة بسبعمائة ضعف وَمن بَايع على الإِسلام كَانَت الْحَسَنَة لَهُ عشر أَمْثَالهَا
وَأخرج ابْن ماجة عَن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب وَأبي الدَّرْدَاء وَأبي هُرَيْرَة وَأبي أَمَامه الْبَاهِلِيّ وَعبد الله بن عمر وَجَابِر بن عبد الله وَعمْرَان بن حُصَيْن كلهم يحدث عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: ح
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم عَن عمرَان بن حُصَيْن عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أرسل بِنَفَقَة فِي سَبِيل الله وَأقَام فِي بَيته فَلهُ بِكُل دِرْهَم سَبْعمِائة دِرْهَم وَمن غزا بِنَفسِهِ فِي سَبِيل الله وَأنْفق فِي وَجهه ذَلِك فَلهُ بِكُل دِرْهَم يَوْم الْقِيَامَة سَبْعمِائة ألف دِرْهَم ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {وَالله يُضَاعف لمن يَشَاء}
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّفَقَة فِي سَبِيل الله تضَاعف سَبْعمِائة ضعف
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَن رجلا تصدق بِنَاقَة مخطومة فِي سَبِيل الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَك بهَا يَوْم الْقِيَامَة سَبْعمِائة نَاقَة كلهَا مخطومة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن خريم بن فاتك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنْفق نَفَقَة فِي سَبِيل الله كتبت لَهُ بسبعمائة ضعف
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَعْمَال عِنْد الله سَبْعَة: عملان موجبان وعملان أمثالهما وَعمل بِعشْرَة أَمْثَاله وَعمل بسبعمائة وَعمل لَا يعلم ثَوَاب عَامله إِلَّا الله
فَأَما الموجبان فَمن لَقِي الله يعبده مخلصاً لَا يُشْرك بِهِ شَيْئا وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَمن لَقِي الله قد أشرك بِهِ وَجَبت لَهُ النَّار وَمن عمل سَيِّئَة جزي بِمِثْلِهَا وَمن هم بحسنة جزي بِمِثْلِهَا وَمن عمل حَسَنَة جزي عشرا وَمن أنْفق مَاله فِي سَبِيل الله ضعفت لَهُ نَفَقَته الدِّرْهَم بسبعمائة وَالدِّينَار بسبعمائة وَالصِّيَام لله لَا يعلم ثَوَاب عَامله إِلَّا الله عز وَجل(2/37)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: طُوبَى لمن أَكثر فِي الْجِهَاد فِي سَبِيل الله من ذكر الله فَإِن لَهُ بِكُل كلمة سبعين ألف حَسَنَة كل حَسَنَة مِنْهَا عشرَة أَضْعَاف مَعَ الَّذِي لَهُ عِنْد الله من الْمَزِيد
قيل: يَا رَسُول الله النَّفَقَة قَالَ: النَّفَقَة على قدر ذَلِك
قَالَ عبد الرَّحْمَن: فَقلت لِمعَاذ: إِنَّمَا النَّفَقَة بسبعمائة ضعف فَقَالَ معَاذ: قل فهمك إِنَّمَا ذَاك إِذا أنفقوها وهم مقيمون فِي أهلهم غير غزَاة فَإِذا غزوا وأنفقوا خبأ الله لَهُم من خَزَائِن رَحمته مَا يَنْقَطِع عَنهُ علم الْعباد وصفتهم فَأُولَئِك حزب الله وحزب الله هم الغالبون
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عدي بن حَاتِم أَنه سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ: خدمَة عبد فِي سَبِيل الله أَو ظلّ فسطاط أَو طروقة فَحل فِي سَبِيل الله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أفضل الصَّدقَات ظلّ فسطاط فِي سَبِيل الله أَو منحة خَادِم فِي سَبِيل الله أَو طروقة فَحل فِي سَبِيل الله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُود وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من جهز غازياً فِي سَبِيل الله فقد غزا وَمن خلف غازياً فِي أَهله بِخَير فقد غزا
وَأخرج ابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من جهز غازياً حَتَّى يسْتَقلّ كَانَ لَهُ مثل أجره حَتَّى يَمُوت أَو يرجع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن زيد بن ثَابت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من جهز غازياً فِي سَبِيل الله فَلهُ مثل أجره وَمن خلف غازياً فِي أَهله بِخَير وَأنْفق على أَهله كَانَ لَهُ مثل أجره
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث إِلَى بني لحيان ليخرج من كل رجلَيْنِ رجل ثمَّ قَالَ للقاعد: أَيّكُم خلف الْخَارِج فِي أَهله فَلهُ مثل أجره
وَأخرج أَحْمد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن سهل بن حنيف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أعَان مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله أَو غارماً فِي عسرته أَو مكَاتبا فِي رقبته أظلهُ الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله(2/38)
وَأخرج ابْن أبي حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أظل رَأس غاز أظلهُ الله يَوْم الْقِيَامَة وَمن جهز غازياً فِي سَبِيل الله فَلهُ مثل أجره وَمن بنى مَسْجِدا لله يذكر فِيهِ اسْم الله بنى الله لَهُ بَيْتا فِي الْجنَّة
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن صعصعه بن مُعَاوِيَة قَالَ: قلت لأبي ذَر حَدثنِي
قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من عبد مُسلم ينْفق من مَاله زَوْجَيْنِ فِي سَبِيل الله إِلَّا استقبلته حَجَبَةُ الْجنَّة كلهم يَدعُوهُ إِلَى مَا عِنْده
قلت: وَكَيف ذَاك قَالَ: إِن كَانَت رحالاً فرحلين وَإِن كَانَت إبِلا فبعيرين وَإِن كَانَت بقرًا فبقرتين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {مثل الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم فِي سَبِيل الله كَمثل حَبَّة} الْآيَة
قَالَ: نَفَقَة الْحَج وَالْجهَاد سَوَاء الدِّرْهَم سَبْعمِائة لِأَنَّهُ فِي سَبِيل الله
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّفَقَة فِي الْحَج كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله الدِّرْهَم بسبعمائة ضعف
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّفَقَة فِي الْحَج كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله الدِّرْهَم بسبعمائة
وَأخرج أَبُو دَاوُود وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالذكر تضَاعف على النَّفَقَة فِي سَبِيل الله بسبعمائة ضعف
الْآيَة 262(2/39)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: علم الله نَاسا يمنون بعطيتهم فكره ذَلِك وَقدم فِيهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: إِن أَقْوَامًا يبعثون الرجل مِنْهُم فِي سَبِيل الله أَو ينْفق على الرجل وَيُعْطِيه النَّفَقَة ثمَّ يمنه ويؤذيه وَمِنْه يَقُول: أنفقت فِي سَبِيل الله كَذَا وَكَذَا غير محتسبه عِنْد الله وأذى يُؤْذِي بِهِ الرجل الَّذِي أعطَاهُ وَيَقُول: ألم أعطك كَذَا وَكَذَا(2/39)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَأَلَ الْبَراء بن عَازِب فَقَالَ: يَا برَاء كَيفَ نَفَقَتك على أمك - وَكَانَ موسعاً على أَهله - فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا أحْسنهَا
قَالَ: فَإِن نَفَقَتك على أهلك وولدك وخادمك صَدَقَة فَلَا تتبع ذَلِك منا وَلَا أَذَى
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أنفقتم على اهليكم فِي غير إِسْرَاف وَلَا إقتار فَهُوَ فِي سَبِيل الله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ: مر على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل فَرَأى أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من جلده ونشاطه فَقَالُوا: يَا رَسُول الله لَو كَانَ هَذَا فِي سَبِيل الله
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن كَانَ خرج يسْعَى على وَلَده صغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيل الله وَإِن كَانَ خرج يسْعَى على أبوين شيخين كبيرين فَهُوَ فِي سَبِيل الله وَإِن كَانَ خرج يسْعَى على نَفسه يعفها فَهُوَ فِي سَبِيل الله وَإِن كَانَ خرج يسْعَى رِيَاء ومفاخرة فَهُوَ فِي سَبِيل الشَّيْطَان
وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن أَيُّوب قَالَ: أشرف على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل من رَأس تل فَقَالُوا: مَا أجلد هَذَا الرجل لَو كَانَ جلده فِي سَبِيل الله
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أوليس فِي سَبِيل الله إِلَّا من قتل ثمَّ قَالَ: من خرج فِي الأَرْض يطْلب حَلَالا يكف بِهِ وَالِديهِ فَهُوَ فِي سَبِيل الله وَمن خرج يطْلب حَلَالا يكف بِهِ أَهله فَهُوَ فِي سَبِيل الله وَمن خرج يطْلب حَلَالا يكف بِهِ نَفسه فَهُوَ فِي سَبِيل الله وَمن خرج يطْلب التكاثر فَهُوَ فِي سَبِيل الشَّيْطَان
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سعى على وَالِديهِ فَفِي سَبِيل الله وَمن سعى على عِيَاله فَفِي سَبِيل الله وَمن سعى على نَفسه ليعفها فَفِي سَبِيل الله وَمن سعى على التكاثر فَهُوَ فِي سَبِيل الشَّيْطَان
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أنْفق نَفَقَة فاضلة فِي سَبِيل الله فبسبعمائة وَمن أنْفق على نَفسه وَأَهله أَو عَاد مَرِيضا أَو أماط أَذَى عَن طَرِيق فالحسنة بِعشر أَمْثَالهَا وَالصَّوْم جنَّة مَا لم يخرقها وَمن ابتلاه الله ببلاء فِي جسده فَلهُ حَظه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي مَسْعُود البدري عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا أنْفق الرجل على أَهله نَفَقَة وَهُوَ يحتسبها كَانَت لَهُ صَدَقَة(2/40)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن سعد بن أبي وَقاص أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِنَّك لن تنْفق نَفَقَة تبتغي بهَا وَجه الله إِلَّا أجرت عَلَيْهَا حَتَّى مَا تجْعَل فِي امْرَأَتك
وَأخرج أَحْمد عَن الْمِقْدَام بن معد يكرب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أطعمت نَفسك فَهُوَ لَك صَدَقَة وَمَا أطعمت زَوجتك فَهُوَ لَك صَدَقَة وَمَا أطعمت خادمك فَهُوَ لَك صَدَقَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنْفق على نَفسه نَفَقَة ليستعف بهَا فَهِيَ صَدَقَة وَمن أنْفق على امْرَأَته وَولده وَأهل بَيته فَهِيَ صَدَقَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله مَا أنْفق الْمَرْء على نَفسه وَأَهله وَولده وَذي رَحمَه وقرابته فَهُوَ لَهُ صَدَقَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى عَن عَمْرو بن أُميَّة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا أعْطى الرجل أَهله فَهُوَ لَهُ صَدَقَة
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن الْعِرْبَاض بن سَارِيَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن الرجل إِذا سقى امْرَأَته من المَاء أجر
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن أم سَلمَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أنْفق على ابْنَتَيْن أَو أُخْتَيْنِ أَو ذواتي قرَابَة يحْتَسب النَّفَقَة عَلَيْهِمَا حَتَّى يغنيهما من فضل الله أَو يكفهما كَانَتَا لَهُ سترا من النَّار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَوْف بن مَالك
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا من مُسلم يكون لَهُ ثَلَاث بَنَات فينفق عَلَيْهِنَّ حَتَّى يبن أَو يمتن إِلَّا كن لَهُ حِجَابا من النَّار
فَقَالَت امْرَأَة: أَو بنتان فَقَالَ: أَو بنتان
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: دخلت عَليّ امْرَأَة وَمَعَهَا بنتان لَهَا تسْأَل فَلم تَجِد عِنْدِي شَيْئا سوى تَمْرَة وَاحِدَة فأعطيتها إِيَّاهَا فقسمتها بَين ابنتيها وَلم تَأْكُل مِنْهَا ثمَّ قَامَت وَخرجت فَدخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته فَقَالَ من ابْتُلِيَ من هَذِه الْبَنَات بِشَيْء فَأحْسن إلَيْهِنَّ كن لَهُ سترا من النَّار
وَأخرج مُسلم عَن عَائِشَة قَالَت: جائتني مسكينة تحمل ابْنَتَيْن لَهَا فأطعمتها ثَلَاث تمرات فأعطت كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تَمْرَة وَرفعت إِلَى فِيهَا تَمْرَة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة الَّتِي تُرِيدُ أَن تأكلها بَينهمَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنهَا فَذكرت الَّذِي(2/41)
صنعت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الله قد أوجب لَهَا بهَا الْجنَّة أَو أعْتقهَا بهَا من النَّار
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من عَال جاريتين حَتَّى تبلغا دخلت أَنا وَهُوَ فِي الْجنَّة كهاتين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن حبَان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَال ابْنَتَيْن أَو ثَلَاثًا أَو أُخْتَيْنِ أَو ثَلَاثًا حَتَّى يمتن أَو يَمُوت عَنْهُن كنت أَنا وَهُوَ فِي الْجنَّة كهاتين وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السبابَة وَالَّتِي تَلِيهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن ماجة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم لَهُ ابنتان فَيحسن إِلَيْهِمَا مَا صحبتاه أَو صحبهما إِلَّا أدخلتاه الْجنَّة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا من مُسلم لَهُ ابنتان فَيحسن إِلَيْهِمَا مَا صحبتاه أَو صحبهما إِلَّا أدخلتاه الْجنَّة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كفل يَتِيما لَهُ ذُو قرَابَة أَو لَا قرَابَة لَهُ فَأَنا وَهُوَ فِي الْجنَّة كهاتين وَضم أصبعيه
وَمن سعى على ثَلَاث بَنَات فَهُوَ فِي الْجنَّة وَكَانَ لَهُ كَأَجر مُجَاهِد فِي سَبِيل الله صَائِما قَائِما
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان عَن ابْن الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ ثَلَاث بَنَات أَو ثَلَاث أَخَوَات أَو بنتان أَو أختَان فَأحْسن صحبتهن وَاتَّقَى الله فِيهِنَّ
وَفِي لفظ: فأدبهن وَأحسن إلَيْهِنَّ وزوّجهن فَلهُ الْجنَّة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كن لَهُ ثَلَاث بَنَات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وَينْفق عَلَيْهِنَّ وَجَبت لَهُ الْجنَّة أَلْبَتَّة
قيل: يَا رَسُول الله فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ قَالَ: وَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ
قَالَ: فَرَأى بعض الْقَوْم أَن لَو قَالَ وَاحِدَة لقَالَ وَاحِدَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من كن لَهُ ثَلَاث بَنَات فَصَبر على لأوائهن وضرائهن وسرائهن أدخلهُ الله الْجنَّة برحمته إياهن
فَقَالَ رجل: وَاثْنَتَانِ يَا رَسُول الله قَالَ: وَاثْنَتَانِ
قَالَ رجل: يَا رَسُول الله وَوَاحِدَة قَالَ: وَوَاحِدَة(2/42)
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ ثَلَاث بَنَات فَصَبر عَلَيْهِنَّ فاطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن لَهُ حِجَابا من النَّار
الْآيَة 263(2/43)
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: بلغنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا من صَدَقَة أحب إِلَى الله من قَول ألم تسمع قَوْله {قَول مَعْرُوف ومغفرة خير من صَدَقَة يتبعهَا أَذَى}
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أفضل الصَّدَقَة أَن يتَعَلَّم الْمَرْء الْمُسلم علما ثمَّ يُعلمهُ أَخَاهُ الْمُسلم
وَأخرج المرهبي فِي فضل الْعلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا أهْدى الْمَرْء الْمُسلم لِأَخِيهِ هَدِيَّة أفضل من كلمة حِكْمَة يزِيدهُ الله بهَا هدى أَو يردهُ عَن ردى
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تصدق النَّاس بِصَدقَة مثل علم ينشر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم الْعَطِيَّة كلمة حق تسمعها ثمَّ تحملهَا إِلَى أَخ لَك مُسلم فتعلمها إِيَّاه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {قَول مَعْرُوف} الْآيَة
قَالَ: رد جميل
يَقُول: يَرْحَمك الله يرزقك الله وَلَا ينتهره وَلَا يغلظ لَهُ القَوْل
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: الْغَنِيّ الَّذِي كمل فِي غناهُ والحليم الَّذِي كمل فِي حلمه
آيَة 264(2/43)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)
أخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: من أنْفق نَفَقَة ثمَّ منَّ بهَا أَو آذَى الَّذِي أعطَاهُ النَّفَقَة حَبط أجره فَضرب الله مثله كَمثل صَفْوَان عَلَيْهِ تُرَاب فَأَصَابَهُ وابل فَلم يدع من التُّرَاب شَيْئا فَكَذَلِك يمحق الله أجر الَّذِي يُعْطي صدقته ثمَّ يمنّ بهَا كَمَا يمحق الْمَطَر ذَلِك التُّرَاب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ الله للْمُؤْمِنين لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى فَتبْطل كَمَا بطلت صَدَقَة الرِّيَاء وَكَذَلِكَ هَذَا الَّذِي ينْفق مَاله رئاء النَّاس ذهب الرِّيَاء بِنَفَقَتِهِ كَمَا ذهب هَذَا الْمَطَر بِتُرَاب هَذَا الصَّفَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن عبد الله بن أبي زَكَرِيَّا قَالَ: بَلغنِي أَن الرجل إِذا راءى بِشَيْء من عمله أحبط مَا كَانَ قبل ذَلِك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يدْخل الْجنَّة منان وَلَا عَاق وَلَا مدمن خمر وَلَا مُؤمن بِسحر وَلَا كَاهِن
وَأخرج الْبَزَّار وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ثَلَاثَة لَا ينظر الله إِلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة
الْعَاق لوَالِديهِ ومدمن الْخمر والمنان بِمَا أعْطى
وَثَلَاثَة لَا يدْخلُونَ الْجنَّة
الْعَاق لوَالِديهِ والديوث والرجلة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا يدْخل الْجنَّة منان
فشق ذَلِك عَليّ حَتَّى وجدت فِي كتاب الله فِي المنان {لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو بن حُرَيْث قَالَ: إِن الرجل يَغْزُو وَلَا يسرق وَلَا يَزْنِي وَلَا يغل لَا يرجع بالكفاف
قيل لَهُ: لماذا فَقَالَ: إِن الرجل ليخرج فَإِذا أَصَابَهُ من بلَاء الله الَّذِي قد حكم عَلَيْهِ لعن وَسَب إِمَامه وَلعن سَاعَة غزا وَقَالَ: لَا أَعُود لغزوة مَعَه أبدا
فَهَذَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ مثل النَّفَقَة فِي سَبِيل الله يتبعهَا منا وأذى فقد ضرب الله مثلهَا فِي الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدقَاتكُمْ بالمن والأذى} حَتَّى ختم الْآيَة(2/44)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {صَفْوَان} يَقُول: الْحجر
{فَتَركه صَلدًا} لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {كَمثل صَفْوَان} الصفاة
{فَتَركه صَلدًا} قَالَ: تَركهَا نقية لَيْسَ عَلَيْهَا شَيْء فَكَذَلِك الْمُنَافِق يَوْم الْقِيَامَة لَا يقدر على شَيْء مِمَّا كسب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن عِكْرِمَة قَالَ: الوابل الْمَطَر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: الوابل الْمَطَر الشَّديد وَهَذَا مثل ضربه الله لأعمال الْكفَّار يَوْم الْقِيَامَة يَقُول {لَا يقدرُونَ على شَيْء مِمَّا كسبوا} يَوْمئِذٍ كَمَا ترك هَذَا الْمَطَر هَذَا الْحجر لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء أنقى مَا كَانَ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {فَتَركه صَلدًا} قَالَ: يَابسا خاسئاً لَا ينْبت شَيْئا
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع ابْن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {صَفْوَان} قَالَ: الْحجر الأملس
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول أَوْس بن حجر: على ظهر صَفْوَان كَأَن متونه عللن بدهن يزلق المتنزلا قَالَ: فَأَخْبرنِي عَن قَوْله {صَلدًا} قَالَ: أملس
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول أبي طَالب: وَإِنِّي لقرم وَابْن قرم لهاشم لآباء صدق مجدهم معقل صلد
آيَة 265(2/45)
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)
أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لعمل الْمُؤمن
وَأخرج عَن مقَاتل بن حَيَّان فِي قَوْله {ابْتِغَاء مرضات الله} قَالَ: احتساباً
وَأخرج عَن الْحسن قَالَ: لَا يُرِيدُونَ سمعة وَلَا رِيَاء(2/45)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الشّعبِيّ {وتثبيتا من أنفسهم} قَالَ: تَصْدِيقًا ويقيناً
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي صَالح {وتثبيتاً من أنفسهم} قَالَ: يَقِينا من عِنْد أنفسهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {وتثبيتاً} قَالَ: يتثبتون أَيْن يضعون أَمْوَالهم
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الْحسن قَالَ: كَانَ الرجل إِذا هم بِصَدقَة تثبت فَإِن كَانَ لله أمضى وَإِن خالطه شَيْء من الرِّيَاء أمسك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة {وتثبيتا من أنفسهم} قَالَ: النِّيَّة
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرؤهَا {بِرَبْوَةٍ} بِكَسْر الرَّاء والربوة النشز من الأَرْض
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد قَالَ: الربوة الأَرْض المستوية المرتفعة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {جنَّة بِرَبْوَةٍ} قَالَ: الْمَكَان الْمُرْتَفع الَّذِي لَا تجْرِي فِيهِ الْأَنْهَار
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {أَصَابَهَا وابل} قَالَ: أصَاب الْجنَّة الْمَطَر
وَأخرج عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي قَالَ: الوابل الْجُود من الْمَطَر
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد {فآتت أكلهَا ضعفين} قَالَ: أضعفت فِي ثَمَرهَا
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {فآتت أكلهَا ضعفين} يَقُول: كَمَا ضعفت ثَمَر تِلْكَ الْجنَّة فَكَذَلِك تضَاعف لهَذَا الْمُنفق ضعفين
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {فطل} قَالَ: ندى
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {فطل} قَالَ: طش
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك قَالَ: الطل: الرذاذ من الْمَطَر يَعْنِي اللين مِنْهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله لعمل(2/46)
الْمُؤمن يَقُول: لَيْسَ لخيره خلف كَمَا لَيْسَ لخير هَذِه الْجنَّة خلف على أَي حَال كَانَ إِن أَصَابَهَا وابل وَإِن أَصَابَهَا طل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم فِي قَوْله {فَإِن لم يصبهَا وابل فطل} قَالَ: تِلْكَ أَرض مصر إِن أَصَابَهَا طل زكتْ وَإِن أَصَابَهَا وابل أضعفت
آيَة 266(2/47)
أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266)
أخرج ابْن الْمُبَارك فِي الزّهْد وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عمر يَوْمًا لأَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فيمَ ترَوْنَ هَذِه الْآيَة نزلت {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة} قَالُوا: الله أعلم فَغَضب عمر فَقَالَ: قُولُوا: نعلم أَو لَا نعلم
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: فِي نَفسِي مِنْهَا شَيْء يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ: عمر: يَا ابْن أخي قل وَلَا تحقر نَفسك
قَالَ ابْن عَبَّاس: ضربت مثلا لعمل
قَالَ عمر: أَي عمل قَالَ ابْن عَبَّاس: لعمل
قَالَ عمر: لرجل غَنِي يعْمل بِطَاعَة الله ثمَّ بعث الله لَهُ الشَّيْطَان فَعمل بِالْمَعَاصِي حَتَّى أغرق أَعماله
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: قَرَأت اللَّيْلَة آيَة أسهرتني {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة من نخيل وأعناب} فقرأها كلهَا فَقَالَ: مَا عَنى بهَا فَقَالَ بعض الْقَوْم: الله أعلم فَقَالَ: إِنِّي أعلم أَن الله أعلم وَلَكِن إِنَّمَا سَأَلت إِن كَانَ عِنْد أحد مِنْكُم علم وَسمع فِيهَا شَيْئا أَن يخبر بِمَا سمع فَسَكَتُوا
فرآني وَأَنا أهمس قَالَ: قل يَا ابْن أخي وَلَا تحقر نَفسك
قلت: عَنى بهَا الْعَمَل
قَالَ: وَمَا عَنى بهَا الْعَمَل قلت: شَيْء ألقِي فِي روعي فقلته
فتركني وَأَقْبل وَهُوَ يُفَسِّرهَا صدقت يَا ابْن أخي عَنَى بهَا الْعَمَل ابْن آدم أفقر مَا يكون إِلَى جنته إِذا كَبرت سنه وَكثر عِيَاله وَابْن آدم أفقر مَا يكون إِلَى عمله يَوْم الْقِيَامَة صدقت يَا ابْن أخي(2/47)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: ضرب الله مثلا حسنا - وكل أَمْثَاله حسن - قَالَ {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة من نخيل وأعناب تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار لَهُ فِيهَا من كل الثمرات} يَقُول: صنعه فِي شبيبته فَأَصَابَهُ الْكبر وَولده وَذريته ضعفاء عِنْد آخر عمره فَجَاءَهُ إعصار فِيهِ نَار فَاحْتَرَقَ بستانه فَلم يكن عِنْده قُوَّة أَن يغْرس مثله وَلم يكن عِنْد نَسْله خير يعودون بِهِ عَلَيْهِ فَكَذَلِك الْكَافِر يَوْم الْقِيَامَة إِذا رد إِلَى الله لَيْسَ لَهُ خير فيستعتب كَمَا لَيْسَ لهَذَا قوّة فيغرس مثل بستانه وَلَا يجره قدم لنَفسِهِ خيرا يعود عَلَيْهِ كَمَا لم يغن عَن هَذَا وَلَده وَحرم أجره عِنْد أفقر مَا كَانَ إِلَيْهِ كَمَا حرم هَذَا جنته عِنْد أفقر مَا كَانَ إِلَيْهَا عِنْد كبره وَضعف ذُريَّته
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل آخر لنفقة الرِّيَاء إِنَّه ينْفق مَاله يرائي بِهِ النَّاس فَيذْهب مَاله مِنْهُ وَهُوَ يرائي فَلَا يأجره الله فِيهِ فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة وَاحْتَاجَ إِلَى نَفَقَته وجدهَا قد أحرقها الرِّيَاء فَذَهَبت كَمَا أنْفق هَذَا الرجل على جنته حَتَّى إِذا بلغت وَكثر عِيَاله وَاحْتَاجَ إِلَى جنته جَاءَت ريح فِيهَا سموم فأحرقت جنته فَلم يجد مِنْهَا شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي الْآيَة قَالَ: هَذَا مثل المفرط فِي طَاعَة الله حَتَّى يَمُوت مثله بعد مَوته كَمثل هَذَا حِين احترقت جنته وَهُوَ كَبِير لَا يُغني عَنْهَا وَولده صغَار لَا يغنون عَنهُ شَيْئا كَذَلِك المفرط بعد الْمَوْت كل شَيْء عَلَيْهِ حسرة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن أبي مليكَة
أَن عمر تَلا هَذِه الْآيَة فَقَالَ: هَذَا مثل ضرب للإِنسان يعْمل عملا صَالحا حَتَّى إِذا كَانَ عِنْد آخر عمره أحْوج مَا يكون إِلَيْهِ عمل عمل السوء
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: ضربت مثلا للْعَمَل يبْدَأ فَيعْمل عملا صَالحا فَيكون مثلا للجنة ثمَّ يسيء فِي آخر عمره فيتمادى فِي الإِساءة حَتَّى يَمُوت على ذَلِك فَيكون الاعصار الَّذِي فِيهِ نَار الَّتِي أحرقت الْجنَّة مثلا لإِساءته الَّتِي مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: قَالَ عمر: آيَة من كتاب الله مَا وجدت أحدا يشفيني عَنْهَا قَوْله {أيود أحدكُم أَن تكون لَهُ جنَّة من نخيل وأعناب}(2/48)
حَتَّى فرغ من الْآيَة
قَالَ ابْن عَبَّاس: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنِّي أجد فِي نَفسِي مِنْهَا فَقَالَ لَهُ عمر: فَلم تحقر نَفسك فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا مثل ضربه الله فَقَالَ: أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يكون عمره يعْمل بِعَمَل أهل الْخَيْر وَأهل السَّعَادَة حَتَّى إِذا كَبرت سنه واقترب أَجله ورقَّ عظمه وَكَانَ أحْوج مَا يكون إِلَى أَن يخْتم عمله بِخَير عمل بِعَمَل أهل الشَّقَاء فأفسد عمله فأحرقه
قَالَ: فَوَقَعت على قلب عمر وأعجبته
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَحسنه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو اللَّهُمَّ اجْعَل أوسع رزقك عَليّ عِنْد كبر سني وَانْقِطَاع عمري
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَأَبُو يعلى وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طرق عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إعصار فِيهِ نَار} قَالَ: ريح فِيهَا سموم شَدِيدَة
وَأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس
إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {إعصار} قَالَ: الرّيح الشَّدِيدَة
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت قَول الشَّاعِر: فَلهُ فِي آثارهن خوار وحفيف كَأَنَّهُ إعصار وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {كَذَلِك يبين الله لكم الْآيَات لَعَلَّكُمْ تتفكرون} قَالَ: هَذَا مثل ضربه الله فاعقلوا عَن الله أَمْثَاله فَإِن الله يَقُول (وتِلْكَ الْأَمْثَال نَضْرِبهَا للنَّاس وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعَالمُونَ) (العنكبوت الْآيَة 43)
آيَة 267(2/49)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267)
وَأخرج ابْن جرير عَن عَليّ بن أبي طَالب فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} قَالَ: من الذَّهَب وَالْفِضَّة {وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض} قَالَ: يَعْنِي من الْحبّ وَالتَّمْر وكل شَيْء عَلَيْهِ زَكَاة(2/49)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} قَالَ: من التِّجَارَة {وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض} قَالَ: من الثِّمَار
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود من الْإِبِل صَدَقَة
وَفِي لفظ مُسلم: لَيْسَ فِي حب وَلَا تمر صَدَقَة حَتَّى يبلغ خَمْسَة أوسق
وَأخرج مُسلم وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر بن عبد الله عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ من الْوَرق صَدَقَة وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس ذود من الابل صَدَقَة وَلَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق من التَّمْر صَدَقَة
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون أَو كَانَ عثرياً الْعشْر وَمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر بن عبد الله أَنه سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: فِيمَا سقت الْأَنْهَار والعيون الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بالسانية نصف الْعشْر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا سقت السَّمَاء والعيون الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عَفَوْت لكم عَن صَدَقَة الْخَيل وَالرَّقِيق فهاتوا صَدَقَة الرقة من كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم وَلَيْسَ فِي تسعين وَمِائَة شَيْء فَإِذا بلغ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَة دَرَاهِم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وصححه عَن أبي ذَر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِي الإِبل صدقتها وَفِي الْبَقر صدقتها وَفِي الْغنم صدقتها وَفِي الْبَز صدقته قَالَهَا بالزاي وَأخرج أَبُو دَاوُد من طَرِيق خبيب بن سُلَيْمَان بن سَمُرَة عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمُرنَا أَن نخرج الصَّدَقَة من الَّذِي يعد للْبيع(2/50)
وَأخرج ابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر وَعَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْخُذ من كل عشْرين دِينَارا نصف دِينَار وَمن الْأَرْبَعين دِينَارا دِينَارا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَيْسَ فِي أقل من خمس ذود شَيْء وَلَا فِي أقل من أَرْبَعِينَ من الْغنم شَيْء وَلَا فِي أقل من ثَلَاثِينَ من الْبَقر شَيْء وَلَا فِي أقل من عشْرين مِثْقَالا من الذَّهَب شَيْء وَلَا فِي أقل من مِائَتي دِرْهَم شَيْء وَلَا فِي أقل من خَمْسَة أوسق شَيْء وَالْعشر فِي التَّمْر وَالزَّبِيب وَالْحِنْطَة وَالشعِير وَمَا سُقِيَ سيحاً فَفِيهِ الْعشْر وَمَا سقِِي بالغرب فَفِيهِ نصف الْعشْر
وَأخرج ابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه قَالَ: سُئِلَ عبد الله بن عمر عَن الْجَوْهَر وَالدَّار والفصوص والخرز وَعَن نَبَات الأَرْض البقل والقثاء وَالْخيَار
فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْحجر زَكَاة وَلَيْسَ الْبُقُول زَكَاة إِنَّمَا سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة فِي هَذِه الْخَمْسَة: فِي الْحِنْطَة وَالشعِير وَالتَّمْر وَالزَّبِيب والذرة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عمر بن الْخطاب قَالَ إِنَّمَا سنّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزَّكَاة فِي هَذِه الْأَرْبَعَة: الْحِنْطَة وَالشعِير وَالزَّبِيب وَالتَّمْر
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن معَاذ أَنه كتب إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَله عَن الخضراوات وَهِي الْبُقُول فَقَالَ: لَيْسَ فِيهَا شَيْء
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن جبل أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: فِيمَا سقت السَّمَاء والبعل والسيل الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بالنضح نصف الْعشْر وَإِنَّمَا يكون ذَلِك فِي التَّمْر وَالْحِنْطَة والحبوب فَأَما القثاء والبطيخ وَالرُّمَّان والقصب وَالْخضر فعفو عَفا عَنهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ فِي الخضراوات صَدَقَة وَلَا فِي الْعَرَايَا صَدَقَة وَلَا فِي أقل من خَمْسَة أوسق صدق وَلَا فِي العوامل صَدَقَة وَلَا فِي الْجَبْهَة صَدَقَة
قَالَ الصَّقْر بن حبيب: الْجَبْهَة: الْخَيل وَالْبِغَال وَالْعَبِيد
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِيمَا أنبتت الأَرْض من الْخضر زَكَاة(2/51)
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِي الخضراوات صَدَقَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن طَلْحَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ فِي الخضراوات صَدَقَة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن جحش أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ فِي الخضراوات صَدَقَة
وأخرج ابْن أبي شيبَة وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد عَفَوْت لَكِن عَن صَدَقَة أرقائكم وخيلكم وَلَكِن هاتوا صَدَقَة أوراقكم وحرثكم وماشيتكم
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن معَاذ بن جبل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعثه إِلَى الْيمن فَقَالَ: خُذ الْحبّ من الْحبّ وَالشَّاة من الْغنم وَالْبَعِير من الإِبل وَالْبَقَرَة من الْبَقر
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: العجماء جَبَّار والبئر جَبَّار والمعدن جَبَّار وَفِي الرِّكَاز الْخمس
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فِي ثَلَاثِينَ من الْبَقر تبيع أَو تبيعة وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ فِي الْبَقر العوامل صَدَقَة وَلَكِن فِي كل ثَلَاثَة تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مسن أَو مُسِنَّة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَسَل فِي كل عشرَة أزق زق
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ من الْعَسَل الْعشْر وَلَفظ أبي دَاوُد قَالَ جَاءَ هِلَال أحد بني متعان إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعشور نخل لَهُ وَكَانَ سَأَلَهُ أَن يحمي لَهُ وَاديا يُقَال لَهُ سلبة فحمى لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك الْوَادي فَلَمَّا ولى عمر بن الْخطاب كتب سُفْيَان بن وهب إِلَى عمر يسْأَله عَن ذَلِك فَكتب إِلَيْهِ عمر: إِن أدّى إِلَيْك مَا كَانَ يُؤَدِّي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عشور نخله فَاحم لَهُ سلبة وَإِلَّا فَإِنَّمَا هُوَ ذُبَاب غيث يَأْكُلهُ من شَاءَ(2/52)
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس
أَن أَبَا بكر رَضِي الله عَنهُ لما اسْتخْلف وَجه أنس بن مَالك إِلَى الْبَحْرين فَكتب لَهُ هَذَا الْكتاب: هَذِه فَرِيضَة الصَّدَقَة الَّتِي فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْمُسلمين الَّتِي أَمر الله بهَا رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمن سئلها من الْمُؤمنِينَ على وَجههَا فليعطها وَمن سُئِلَ فَوْقهَا فَلَا يُعْطِيهِ فِيمَا دون خمس وَعشْرين من الإِبل الْغنم فِي كل ذود شَاة فَإِذا بلغت خمْسا وَعشْرين فَفِيهَا ابْنة مَخَاض إِلَى أَن تبلغ خمْسا وَثَلَاثِينَ فَإِن لم يكن فِيهَا ابْنة مَخَاض فَابْن لبون ذكر فَإِذا بلغت سِتا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا ابْنة لبون إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَإِذا بلغت سِتا وَأَرْبَعين فَفِيهَا حقة طروقة الْفَحْل إِلَى سِتِّينَ فَإِذا بلغت إِحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَة إِلَى خمس وَسبعين فَإِذا بلغت سِتا وَسبعين فَفِيهَا ابنتا لبون إِلَى تسعين فَإِذا بلغت إِحْدَى وَتِسْعين فَفِيهَا حقتان طروقتا الْفَحْل إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ ابْنة لبون وَفِي كل خمس حقة فَإِذا تبَاين أَسْنَان الإِبل فِي فَرَائض الصَّدقَات فَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الْجَذعَة وَلَيْسَت عِنْده جَذَعَة وَعِنْده حقة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ وَأَن يَجْعَل مَعهَا شَاتين إِن استيسرتا لَهُ أَو عشْرين درهما وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة الحقة وَلَيْسَت عِنْده حقة وَعِنْده جَذَعَة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة بنت لبون وَلَيْسَت عِنْده إِلَّا حقة فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ وَيُعْطِيه الْمُصدق عشْرين درهما أَو شَاتين وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة بنت لبون وَلَيْسَت عِنْده إِلَّا ابْنة مَخَاض فَإِنَّهَا تقبل مِنْهُ وشاتين أَو عشْرين درهما وَمن بلغت عِنْده صَدَقَة بنت مَخَاض وَلَيْسَ عِنْده إِلَّا ابْن لبون ذكر فَإِنَّهُ يقبل مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَه شَيْء وَمن لم يكن عِنْده إِلَّا أَربع فَلَيْسَ فِيهَا شَيْء إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا وَفِي سَائِمَة الْغنم إِذا كَانَت أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاة إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِذا زَادَت على عشْرين وَمِائَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى أَن تبلغ مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت على الْمِائَتَيْنِ فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى أَن تبلغ ثلثمِائة فَإِذا زَادَت على ثلثمِائة فَفِي كل مائَة شَاة وَلَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة هرمة وَلَا ذَات عوار من الْغنم وَلَا تَيْس الْغنم إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق وَلَا يجمع بَين متفرق وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خشيَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ فَإِن لم تبلغ سَائِمَة الرجل أَرْبَعِينَ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْء إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا وَفِي الرقة ربع الْعشْر فَإِن لم يكن المَال إِلَّا تسعين وَمِائَة فَلَيْسَ فِيهِ شَيْء إِلَّا أَن يَشَاء رَبهَا(2/53)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكِم من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن أَبِيه قَالَ كتب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب الصَّدَقَة فَلم يُخرجهُ إِلَى عماله حَتَّى قبض فقرنه بِسَيْفِهِ فَعمل بِهِ أَبُو بكر ثمَّ عمر وَكَانَ فِيهِ: فِي خمس من الابل شَاة وَفِي عشر شَاتَان وَفِي خمس وَعشْرين بنت مَخَاض إِلَى خمس وَثَلَاثِينَ فَإِذا زَادَت فَفِيهَا بنت لبون إِلَى خمس وَأَرْبَعين فَإِذا زَادَت فَفِيهَا حقة إِلَى سِتِّينَ فَإِذا زَادَت فجذعة إِلَى خمس وَسبعين فَإِذا زَادَت بِنْتا لبون إِلَى تسعين فَإِذا زَادَت فحقتان إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِن كَانَت الإِبل أَكثر من ذَلِك فَفِي كل خمسين حقة وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون وَفِي الْغنم فِي الْأَرْبَعين شَاة إِلَى عشْرين وَمِائَة فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فشاتان إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت فَثَلَاث شِيَاه إِلَى ثلثمِائة فَإِن كَانَ الْغنم أَكثر من ذَلِك فَفِي كل مائَة شَاة وَلَيْسَ فِيهَا شَيْء حَتَّى تبلغ الْمِائَة وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع وَلَا يجمع بَين متفرق مَخَافَة الصَّدَقَة وَمَا كَانَ من خليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة هرمة وَلَا ذَات عيب
قَالَ الزُّهْرِيّ: فَإِذا جَاءَ الْمُصدق قسمت الشَّاء أَثلَاثًا
ثلث شرار وَثلث خِيَار وَثلث وسط فَيَأْخُذ الْمُصدق من الْوسط
وَأخرج الْحَاكِم عَن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كتب إِلَى أهل الْيمن بِكِتَاب فِيهِ الْفَرَائِض وَالسّنَن والديات وَبعث مَعَ عَمْرو بن حزم فقرىء على أهل الْيمن وَهَذِه نسختها: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم من مُحَمَّد النَّبِي إِلَى شُرَحْبِيل بن عبد كلال والحرث بن عبد كلال ويغنم بن عبد كلال قيل ذِي رعين ومعافر وهمدان أما بعد فقد رَجَعَ رَسُولكُم وأعطيتم من الْمَغَانِم خمس الله وَمَا كتب الله على الْمُؤمنِينَ من الْعشْر فِي الْعقار مَا سقت السَّمَاء أَو كَانَ سيحاً أَو بعلاً فَفِيهِ الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق وَمَا سقِِي بالرشاء والدالية فَفِيهِ نصف الْعشْر إِذا بلغ خَمْسَة أوسق وَفِي كل خمس من الابل سَائِمَة شَاة إِلَى أَن تبلغ أَرْبعا وَعشْرين فَإِذا زَادَت وَاحِدَة على أَربع وَعشْرين فَفِيهَا ابْنة مَخَاض فَإِن لم تُوجد ابْنة مَخَاض فَابْن لبون ذكر إِلَى أَن تبلغ خمْسا وَثَلَاثِينَ فَإِذا زَادَت على خَمْسَة وَثَلَاثِينَ وَاحِدَة فَفِيهَا ابْن لبون إِلَى أَن تبلغ خمْسا وَأَرْبَعين فَإِن زَادَت وَاحِدَة على خَمْسَة وَأَرْبَعين فَفِيهَا حقة طروقة الْفَحْل إِلَى أَن تبلغ سِتِّينَ فَإِن زَادَت وَاحِدَة فجذعة إِلَى أَن تبلغ خَمْسَة وَسبعين فَإِن زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا ابْنا لبون إِلَى أَن تبلغ تسعين فَإِن زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا حقتان طروقتا الْحمل إِلَى أَن تبلغ عشْرين وَمِائَة فَمَا(2/54)
زَاد على عشْرين وَمِائَة فَفِي كل أَرْبَعِينَ ابْنة لبون وَفِي كل خمسين حقة وَفِي كل ثَلَاثِينَ باقورة تبيع جذع أَو جَذَعَة وَفِي كل أَرْبَعِينَ باقورة بقرة وَفِي كل أَرْبَعِينَ شَاة سَائِمَة شَاة إِلَى أَن تبلغ عشْرين وَمِائَة فَإِن زَادَت على الْعشْرين وَمِائَة وَاحِدَة فَفِيهَا ثَلَاث شِيَاه إِلَى أَن تبلغ ثلثمِائة فَإِن زَادَت فَمَا زَاد فَفِي كل مائَة شَاة شَاة وَلَا يُؤْخَذ فِي الصَّدَقَة هرمة وَلَا عجفاء وَلَا ذَات عوار وَلَا تَيْس غنم إِلَّا أَن يَشَاء الْمُصدق وَلَا يجمع بَين متفرق وَلَا يفرق بَين مُجْتَمع خيفة الصَّدَقَة وَمَا أَخذ من الخليطين فَإِنَّهُمَا يتراجعان بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ وَفِي كل خمس أَوَاقٍ من الْوَرق خَمْسَة دَرَاهِم وَمَا زَاد فَفِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم وَلَيْسَ فِيمَا دون خمس أَوَاقٍ شَيْء وَفِي كل أَرْبَعِينَ دِينَارا دِينَار إِن الصَّدَقَة لَا تحل لمُحَمد وَلَا لآل بَيت مُحَمَّد إِنَّمَا هِيَ الزَّكَاة تزكّى بهَا أنفسهم ولفقراء الْمُؤمنِينَ وَفِي سَبِيل الله وَابْن السَّبِيل وَلَيْسَ فِي رَقِيق وَلَا مزرعة وَلَا عمالها شَيْء إِذا كَانَت تُؤدِّي صدقتها من الْعشْر وَإنَّهُ لَيْسَ فِي عبد مُسلم وَلَا فِي فرسه شَيْء
قَالَ: وَكَانَ فِي الْكتاب
إِن أكبر الْكَبَائِر عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة إشراك بِاللَّه وَقتل النَّفس المؤمنة بِغَيْر حق والفرار فِي سَبِيل الله يَوْم الزَّحْف وعقوق الْوَالِدين وَرمي المحصنة وَتعلم السحر وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم وَإِن الْعمرَة الْحَج الْأَصْغَر وَلَا يمس الْقُرْآن إِلَّا طَاهِر وَلَا طَلَاق قبل املاك وَلَا عتاق حَتَّى يبْتَاع وَلَا يصلين أحد مِنْكُم فِي ثوب وَاحِد وَشقه باد وَلَا يصلين أحد مِنْكُم عاقصاً شعره وَلَا فِي ثوب وَاحِد لَيْسَ على مَنْكِبَيْه مِنْهُ شَيْء
وكَانَ فِي الْكتاب: أَن من اعتبط مُؤمنا قتلا عَن بَيِّنَة فَإِنَّهُ قَود إِلَّا أَن يُرْضِي أَوْلِيَاء الْمَقْتُول وَأَن فِي النَّفس الدِّيَة مائَة من الإِبل وَفِي الْأنف الَّذِي أوعب جدعه الدِّيَة وَفِي اللِّسَان الدِّيَة وَفِي الشفتين الدِّيَة وَفِي البيضتين الدِّيَة وَفِي الذّكر الدِّيَة وَفِي الصلب الدِّيَة وَفِي الْعَينَيْنِ الدِّيَة وَفِي الرجل نصف الدِّيَة وَفِي المأمومة ثلث الدِّيَة وَفِي الْجَائِفَة ثلث الدِّيَة وَفِي المنقلة خمس عشرَة من الإِبل وَفِي كل أصْبع من الْأَصَابِع من الْيَد وَالرجل عشر وَفِي السن خمس من الإِبل وَفِي الْمُوَضّحَة خمس وَأَن الرجل بِالْمَرْأَةِ وعَلى أهل الذَّهَب ألف دِينَار
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن حبيب الْمَالِكِي قَالَ: قَالَ رجل لعمران بن حُصَيْن: يَا أَبَا نجيد إِنَّكُم لتحدثونا بِأَحَادِيث مَا نجد لَهَا أصلا فِي الْقُرْآن فَغَضب عمرَان وَقَالَ:(2/55)
أوجدتم فِي كل أَرْبَعِينَ درهما دِرْهَم وَمن كل كَذَا وَكَذَا شَاة شَاة وَمن كَذَا وَكَذَا بَعِيرًا كَذَا وَكَذَا
وجدْتُم هَذَا فِي الْقُرْآن قَالَ: لَا
قَالَ: فعمن أَخَذْتُم هَذَا أخذتموه عَنَّا وأخذناه عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر قَالَ فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير على كل حر أَو عبد ذكر أَو انثى من الْمُسلمين
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ فرض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر طهرة للصيام من اللَّغْو والرفث وطعمة للْمَسَاكِين فَمن أَدَّاهَا قبل الصَّلَاة فَهِيَ زَكَاة مَقْبُولَة وَمن أَدَّاهَا بعد الصَّلَاة فَهِيَ صَدَقَة من الصَّدقَات
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: كُنَّا نخرج إِذْ كَانَ فِينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَكَاة الْفطر عَن كل صَغِير وكبير حر أَو مَمْلُوك صَاعا من طَعَام أَو صَاعا من أقط أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من تمر أَو صَاعا من زبيب
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن ثَعْلَبَة بن صَغِير قَالَ قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَطِيبًا قبل الْفطر بيومين فَأمر بِصَدقَة الْفطر صَاع تمر أَو صَاع شعير على كل رَأس أَو صَاع بر أَو قَمح بَين اثْنَيْنِ صَغِير أَو كَبِير حر أَو عبد ذكر أَو أُنْثَى غَنِي أَو فَقير أما غنيكم فيزكيه الله وَأما فقيركم فَيرد الله عَلَيْهِ أَكثر مِمَّا أعطَاهُ
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن قيس بن سعد قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة الْفطر قبل أَن تنزل الزَّكَاة فَلَمَّا نزلت الزَّكَاة لم يَأْمُرنَا وَلم ينهنا وَنحن نفعله وأمرنا بِصَوْم عَاشُورَاء قبل أَن ينزل رَمَضَان فَلَمَّا نزل رَمَضَان لم يَأْمُرنَا بِهِ وَلم ينهنا عَنهُ وَنحن نفعله
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن ابْن عمر وَعَن عَليّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر على الصَّغِير وَالْكَبِير وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالْحر وَالْعَبْد مِمَّن تمونون
وَأخرج الشَّافِعِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرض زَكَاة الْفطر على الْحر وَالْعَبْد وَالذكر وَالْأُنْثَى مِمَّن تمونون
وَأخرج الْبَزَّار والدرقطني وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(2/56)
أَمر صَارِخًا بِبَطن مَكَّة يُنَادي إِن صَدَقَة الْفطر حق وَاجِب على كل مُسلم صَغِير أَو كَبِير ذكر أَو أُنْثَى حر أَو مَمْلُوك حَاضر أَو باد صَاع من شعير أَو تمر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حض على صَدَقَة رَمَضَان على كل إِنْسَان صَاعا من تمر أَو صَاعا من شعير أَو صَاعا من قَمح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ من طَرِيق هِشَام بن عُرْوَة عَن أَبِيه عَن أمه أَسمَاء أَنَّهَا حدثته: أَنهم كَانُوا يخرجُون زَكَاة الْفطر فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمدِّ الَّذِي يقتات بِهِ أهل الْبَيْت والصاع الَّذِي يقتاتون بِهِ يفعل ذَلِك أهل الْمَدِينَة كلهم
وَأخرج أَبُو حَفْص بن شاهين فِي فَضَائِل رَمَضَان عَن جرير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَوْم رَمَضَان مُعَلّق بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَلَا يرفع إِلَّا بِزَكَاة الْفطر قَالَ ابْن شاهين: حَدِيث غَرِيب جيد الاسناد
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ عَن زُرَيْق بن حَكِيم
أَن عمر بن عبد الْعَزِيز كتب إِلَيْهِ: أَن انْظُر من مر بك من الْمُسلمين فَخذ مِمَّا ظهر من أَمْوَالهم من التِّجَارَات من كل أَرْبَعِينَ دِينَارا دِينَار فَمَا نقص فبحسابه حَتَّى تبلغ عشْرين دِينَارا فان نقصت ثلث دِينَار فدعها وَلَا تَأْخُذ مِنْهَا شَيْئا
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن أبي عَمْرو بن جماس عَن أَبِيه قَالَ: كنت أبيع الادم والجعاب فَمر بِي عمر بن الْخطاب فَقَالَ لي: أدِ صَدَقَة مَالك
فَقلت: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هُوَ فِي الادم قَالَ: قوّمه ثمَّ أخرج صدقته
وَأخرج الْبَزَّار وَالدَّارَقُطْنِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب قَالَ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمُرنَا برقيق الرجل أَو الْمَرْأَة الَّذِي هُوَ تلاد لَهُ وهم عملة لَا يُرِيد بيعهم فَكَانَ يَأْمُرنَا أَن لَا نخرج عَنْهُم من الصَّدَقَة شَيْئا وَكَانَ يَأْمُرنَا أَن نخرج عَن الرَّقِيق الَّذِي هُوَ يعد للْبيع
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن بِلَال بن الْحَرْث أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَخذ من الْمَعَادِن الْقبلية الصَّدَقَة
وَأخرج الشَّافِعِي وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَنه سُئِلَ عَن العنبر فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَيْء دسره الْبَحْر فَإِن كَانَ فِيهِ شَيْء فَفِيهِ الْخمس(2/57)
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن شهَاب قَالَ: فِي الزَّيْتُون الْعشْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: فِي الزَّيْتُون الْعشْر
وَأخرج الدَّارَقُطْنِيّ عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَيل السَّائِمَة فِي كل فرس دِينَار
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ على الْمُسلم فِي عَبده وَلَا فرسه صَدَقَة إِلَّا زَكَاة الْفطر فِي الرَّقِيق
أما قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} الْآيَة
أخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن الْبَراء بن عَازِب فِي قَوْله {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} قَالَ: نزلت فِينَا معشر الْأَنْصَار كُنَّا أَصْحَاب نخل كَانَ الرجل يَأْتِي من نخله على قدر كثرته وقلته وَكَانَ الرجل يَأْتِي بالقنو والقنوين فيعلقه فِي الْمَسْجِد وَكَانَ أهل الصّفة لَيْسَ لَهُم طَعَام فَكَانَ أحدهم إِذا جَاع أَتَى القنو فَضَربهُ بعصاه فَيسْقط الْبُسْر وَالتَّمْر فيأكل وَكَانَ نَاس مِمَّن لَا يرغب فِي الْخَيْر يَأْتِي الرجل بالقنو فِيهِ الشيص والحفش وبالقنو قد انْكَسَرَ فيعلقه فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} قَالَ: لَو أَن أحدكُم اهدي إِلَيْهِ مثل مَا أعْطى لم يَأْخُذهُ إِلَّا عَن اغماض وحياء
قَالَ: فَكُنَّا بعد ذَلِك يَأْتِي أَحَدنَا بِصَالح مَا عِنْده
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن الرجل كَانَ يكون لَهُ الحائطان فَينْظر إِلَى أردئهما تَمرا فَيتَصَدَّق بِهِ ويخلط بِهِ الحشف فَنزلت الْآيَة فعاب الله ذَلِك عَلَيْهِم ونهاهم عَنهُ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك قَالَ: كَانَ أنَاس من الْمُنَافِقين حِين أَمر الله أَن تُؤَدّى الزَّكَاة يجيئون بِصَدَقَاتِهِمْ باردأ مَا عِنْدهم من الثَّمَرَة فَأنْزل الله {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون}
وَأخرج عبد بن حميد عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قَالَ لما أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصَدقَة الْفطر جَاءَ رجل بِتَمْر رَدِيء فَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي يخرص النّخل أَن لَا(2/58)
يُجِيزهُ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} الْآيَة
وَأخرج الْحَاكِم من طَرِيق جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جَابر قَالَ: أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِزَكَاة الْفطر بِصَاع من تمر فجَاء رجل بِتَمْر رَدِيء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن رَوَاحَة لَا تخرص هَذَا التَّمْر فَنزل هَذَا الْقُرْآن {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم وَمِمَّا أخرجنَا لكم من الأَرْض} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن سهل بن حنيف قَالَ أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ فجَاء رجل بكبائس من هَذَا السحل - يَعْنِي الشيص - فَوَضعه فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: من جَاءَ بِهَذَا - وَكَانَ كل من جَاءَ بِشَيْء نسب إِلَيْهِ - فَنزلت {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} الْآيَة
وَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن لونين من التَّمْر أَن يؤخذا فِي الصَّدَقَة الجعرور ولون الحبيق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يشْتَرونَ الطَّعَام الرخيص وَيَتَصَدَّقُونَ فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير عَن عُبَيْدَة السَّلمَانِي قَالَ: سَأَلت عَليّ بن أبي طَالب عَن قَول الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} الْآيَة
فَقَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة كَانَ الرجل يعمد إِلَى التَّمْر فيصرمه فيعزل الْجيد نَاحيَة فَإِذا جَاءَ صَاحب الصَّدَقَة أعطَاهُ من الرَّدِيء
فَقَالَ الله {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} يَقُول: وَلَا يَأْخُذ أحدكُم هَذَا الرَّدِيء حَتَّى يهضم لَهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء قَالَ: علق إِنْسَان حشفاً فِي الاقناء الَّتِي تعلق بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا هَذَا بئْسَمَا علق هَذَا
فَنزلت {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن يحيى بن حبَان الْمَازِني من الْأَنْصَار أَن رجلا من قومه أَتَى بِصَدَقَتِهِ يحملهَا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأصناف من التَّمْر مَعْرُوفَة من الجعرور واللينة والأيارخ والقضرة وآمعاء فارة وكل هَذَا لَا خير فِيهِ من تمر النخيل فَردهَا الله وَرَسُوله وَأنزل الله فِيهِ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} إِلَى قَوْله {حميد}(2/59)
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالْفِرْيَابِي عَن مُجَاهِد قَالَ: كَانُوا يتصدقون بالحشف وشرار التَّمْر فنهوا عَن ذَلِك وَأمرُوا أَن يتصدقوا بِطيب قَالَ: وَفِي ذَلِك نزلت {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون}
وَأخرج وَكِيع وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: كَانَ الرجل يتَصَدَّق برذالة مَا لَهُ فَنزلت {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون}
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَوْف بن مَالك قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ عَصا فَإِذا اقناء معلقَة فِي الْمَسْجِد قنو مِنْهَا حشف فطعن فِي ذَلِك القنو وَقَالَ: مَا يضر صَاحبه لَو تصدق بأطيب من هَذِه إِن صَاحب هَذِه ليَأْكُل الحشف يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} يَقُول: تصدقوا من أطيب أَمْوَالكُم وأنفسه {ولستم بآخذيه} قَالَ: لَو كَانَ لكم على أحد حق فجاءكم بِحَق دون حقكم لم تأخذوه بِحِسَاب الْجيد حَتَّى تنقصوه فَذَلِك قَوْله {إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} فَكيف ترْضونَ لي مَا لَا ترْضونَ لأنفسكم وحقي عَلَيْكُم من أطيب أَمْوَالكُم وأنفسه وَهُوَ قَوْله (لن تنالوا الْبر حَتَّى تنفقوا مِمَّا تحبون) (آل عمرَان الْآيَة 92)
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن مُغفل فِي قَوْله {وَلَا تيمموا الْخَبيث} قَالَ: كسب الْمُسلم لَا يكون خبيثاً وَلَكِن لَا تصدق بالحشف وَالدِّرْهَم الزيف وَمَا لَا خير فِيهِ
وَفِي قَوْله {إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} قَالَ: لَا تجوزوا فِيهِ
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْبَراء بن عَازِب {وَلَا تيمموا الْخَبيث} يَقُول: وَلَا تعمدوا للخبيث مِنْهُ تنفقون وَاعْلَمُوا أَن الله غَنِي عَن صَدقَاتكُمْ
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَلَا تيمموا الْخَبيث} قَالَ: لَا تعمدوا إِلَى شَرّ ثماركم وحروثكم فتعطوه فِي الصَّدَقَة وَلَو أعطيتم ذَلِك لم تقبلُوا
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت الْأَعْشَى وَهُوَ يَقُول:(2/60)
يممت رَاحِلَتي أَمَام مُحَمَّد أَرْجُو فواضله وَحسن نداه وقَالَ أَيْضا: تيممت قيسا وَكم دونه من الأَرْض من مهمه ذِي شرر وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: سَأَلت عُبَيْدَة عَن هَذِه الْآيَة {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} قَالَ: إِنَّمَا ذَلِك فِي الزَّكَاة فِي الشَّيْء الْوَاجِب فَأَما فِي التطوّع فَلَا بَأْس بِأَن يتَصَدَّق الرجل بالدرهم الزيف هُوَ خير من التمرة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} قَالَ كَانَ رجال يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم من التَّمْر فَكَانُوا يُعْطون الحشف فِي الزَّكَاة فَقَالَ: لَو كَانَ بَعضهم يطْلب بَعْضًا ثمَّ قَضَاهُ لم يَأْخُذهُ إِلَّا أَن يرى أَنه قد أغمض عَنهُ حَقه
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} قَالَ: لَا تأخذونه من غرمائكم وَلَا فِي بيوعكم إِلَّا بِزِيَادَة على الطّيب فِي الْكَيْل وَذَلِكَ فِيمَا كَانُوا يعلقون من التَّمْر بِالْمَدِينَةِ وَمن كل مَا أنفقتم فَلَا تنفقوا إِلَّا طيبا
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَلَا تيمموا الْخَبيث مِنْهُ تنفقون} قَالَ: الْحَشَفَة وَالْحِنْطَة المأكولة {ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ لَك على رجل حق فاعطاك دَرَاهِم فِيهَا زيوف فاخذتها أَلَيْسَ قد كنت غمضت من حَقك وَأخرج وَكِيع عَن الْحسن {ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} قَالَ: لَو وجدتموه يُبَاع فِي السُّوق مَا أخذتوه حَتَّى يهضم لكم من الثّمن
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} يَقُول: لَو كَانَ لَك على رجل حق لم ترض أَن تَأْخُذ مِنْهُ دون حَقك فَكيف ترْضى لله بأردإ مَالك تقرب بِهِ إِلَيْهِ وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {ولستم بآخذيه إِلَّا أَن تغمضوا فِيهِ} يَقُول: لَسْتُم بآخذي هَذَا الرَّدِيء بِسعْر الطّيب إِلَّا أَن يهضم لكم مِنْهُ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن مُعَاوِيَة الفاخري قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث من فعلهن فقد طعم طعم الإِيمان
من عبد الله وَحده وَأَنه لَا إِلَه إِلَّا الله(2/61)
وَأعْطى زَكَاة مَاله طيبَة بهَا نَفسه وافرة عَلَيْهِ كل عَام وَلم يُعْط الهرمة وَلَا الذربة وَلَا الْمَرِيضَة وَلَا الشَّرْط اللثيمة وَلَكِن من وسط أَمْوَالكُم فَإِن الله لم يسألكم خَيره وَلم يَأْمُركُمْ بشره
وَأخرج الشَّافِعِي عَن عمر بن الْخطاب
أَنه اسْتعْمل أَبَا سُفْيَان بن عبد الله على الطَّائِف فَقَالَ: قل لَهُم: لَا آخذ مِنْكُم الربى وَلَا الماخض وَلَا ذَات الدّرّ وَلَا الشَّاة الأكولة وَلَا فَحل الْغنم وَخذ العناق والجذعة والثنية فَذَلِك عدل بَين رَدِيء المَال وخياره
وَأخرج الشَّافِعِي عَن سعر أخي بني عدي قَالَ جَاءَنِي رجلَانِ فَقَالَا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعثنَا نصدق أَمْوَال النَّاس
قَالَ: فأخرجت لَهما شَاة ماخضاً أفضل مَا وجدت فرداها عَليّ وَقَالا: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَانَا أَن نَأْخُذ الشَّاة الحبلى
قَالَ: فاعطيتهما شَاة من وسط الْغنم فاخذاها
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أُبي بن كَعْب قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصدقا فمررت بِرَجُل فَجمع لي مَاله فَلم أجد عَلَيْهِ فِيهَا إِلَّا ابْنة مَخَاض فَقلت لَهُ: أدابة مَخَاض فَإِنَّهَا صدقتك فَقَالَ: ذَاك مَا لَا لبن فِيهِ وَلَا ظهر وَلَكِن هَذِه نَاقَة عَظِيمَة سَمِينَة فَخذهَا
فَقلت لَهُ: مَا أَنا بآخذ مَا لم أومر بِهِ وَهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْك قريب فَإِن أَحْبَبْت أَن تَأتيه فتعرض عَلَيْهِ ذَلِك قَالَ: إِنِّي فَاعل
فَخرج معي بالناقة حَتَّى قدمنَا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ
فَقَالَ إِن تطوّعت بِخَير آجرك الله فِيهِ وقبلناه مِنْك وَأمر بِقَبض النَّاقة مِنْهُ ودعا لَهُ بِالْبركَةِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: لدرهم طيب أحب إليَّ من مائَة ألف اقْرَأ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} من الْحَلَال
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن مُغفل {أَنْفقُوا من طَيّبَات مَا كسبتم} قَالَ: من الْحَلَال
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {وَلَا تيمموا الْخَبيث} قَالَ: الْحَرَام
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يكْسب عبد مَالا حَرَامًا فينفق مِنْهُ فيبارك لَهُ فِيهِ وَلَا يتَصَدَّق فَيقبل مِنْهُ وَلَا يتْركهُ خلف(2/62)
ظَهره إِلَّا كَانَ زَاده إِلَى النَّار
إِن الله لَا يمحو السيء بالسيء وَلَا يمحو السيء إِلَّا بالْحسنِ إِن الْخَبيث لَا يمحو الْخَبيث وَأخرج الْبَزَّار عَن ابْن مَسْعُود رَفعه قَالَ: إِن الْخَبيث لَا يكفر الْخَبيث وَلَكِن الطّيب يكفر الْخَبيث
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن عمر قَالَ: إِذا طَابَ المكسب زكتْ النَّفَقَة إِن الْخَبيث لَا يكفر الْخَبيث
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: إِن كسب المَال من سَبِيل الْحَلَال قَلِيل فَمن كسب مَالا من غير حلّه فَوَضعه فِي غير حَقه فآثر من ذَلِك أَن لَا يسلب الْيَتِيم ويكسو الأرملة وَمن كسب مَالا من غير حلّه فَوَضعه فِي غير حَقه فَذَلِك الدَّاء العضال وَمن كسب مَالا من حلّه فَوَضعه فِي حَقه فَذَلِك يغسل الذُّنُوب كَمَا يغسل المَاء التُّرَاب عَن الصَّفَا
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أدّيت الزَّكَاة فقد قضيت مَا عَلَيْك وَمن جمع مَالا من حرَام ثمَّ تصدق بِهِ لم يكن لَهُ فِيهِ أجر وَكَانَ إصره عَلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من كسب طيبا خبثه منع الزَّكَاة وَمن كسب خبيثاً لم تطيبه الزَّكَاة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا خرج الْحَاج حَاجا بِنَفَقَة طيبَة وَوضع رجله فِي الغرز فَنَادَى: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ناداه مُنَاد من السَّمَاء لبيْك وَسَعْديك زادك حَلَال وراحلتك حَلَال وحجك مبرور غير مأزور وَإِذا خرج بِالنَّفَقَةِ الخبيثة فَوضع رجله فِي الغرز فَنَادَى: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك ناداه مُنَاد من السَّمَاء لَا لبيْك وَلَا سعديك زادك حرَام ونفقتك حرَام وحجك مأزور غير مبرور
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أسلم مولى عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حج بِمَال حرَام فَقَالَ: لبيْك اللَّهُمَّ لبيْك
قَالَ الله لَهُ: لَا لبيْك وَلَا سعديك حجك مَرْدُود عَلَيْك
وَأخرج أَحْمد عَن أبي بردة بن نيار قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أفضل الْكسْب فَقَالَ: بيع مبرور وَعمل الرجل بِيَدِهِ(2/63)
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير قَالَ سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي كسب الرجل أطيب قَالَ: عمل الرجل بِيَدِهِ وكل بيع مبرور
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ الله: كلوا من طَيّبَات مَا كسبتم وَأَوْلَادكُمْ من أطيب كسبكم فهم وَأَمْوَالهمْ لكم
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه وَإِن وَلَده من كَسبه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَائِشَة قَالَت: إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه وَولده من كَسبه وَلَيْسَ للْوَلَد أَن يَأْخُذ من مَال وَالِده إِلَّا بِإِذْنِهِ وَالْوَالِد يَأْخُذ من مَال وَلَده مَا شَاءَ بِغَيْر أُذُنه
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَامر الْأَحول قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله مَا لنا من أَوْلَادنَا قَالَ: هم من أطيب كسبكم وَأَمْوَالهمْ لكم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن لي مَالا وَإِن لي عيالاً وَلأبي مَال وَله عِيَال وَإِن أبي يَأْخُذ مَالِي
قَالَ: أَنْت وَمَالك لأَبِيك
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: يَأْخُذ الرجل من مَال وَلَده إِلَّا الْفرج
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: الرجل فِي حل من مَال وَلَده
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: يَأْخُذ الْوَالِد من مَال وَلَده مَا شَاءَ والوالدة كَذَلِك وَلَا للْوَلَد أَن يَأْخُذ من مَال وَالِده إِلَّا مَا طابت بِهِ نَفسه
وَأخرج عبد بن حميد عَن إِبْرَاهِيم قَالَ: لَيْسَ للرجل من مَال ابْنه إِلَّا مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ من طَعَام أَو شراب أَو لِبَاس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: لَا يَأْخُذ الرجل من مَال وَلَده شَيْئا إِلَّا أَن يحْتَاج فيستنفق بِالْمَعْرُوفِ يعوله ابْنه كَمَا كَانَ الْأَب يعوله فاما إِذا كَانَ مُوسِرًا فَلَيْسَ لَهُ أَن يَأْخُذ من مَال ابْنه فيقي بِهِ مَاله أَو يَضَعهُ فِيمَا لَا يحل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد من طَرِيق قَتَادَة عَن الْحسن قَالَ: يَأْخُذ الرجل من مَال ابْنه مَا شَاءَ وَإِن كَانَت لَهُ جَارِيَة تسراها إِن شَاءَ
قَالَ قَتَادَة: فَلم يُعجبنِي مَا قَالَ فِي الْجَارِيَة(2/64)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: إِذا كَانَت أم الْيَتِيم محتاجة أنْفق عَلَيْهَا من مَاله يَدهَا مَعَ يَده
قيل لَهُ: فالموسرة قَالَ: لَا شَيْء لَهَا
وَالله أعلم
آيَة 268(2/65)
الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268)
أخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن للشَّيْطَان لمة بِابْن آدم وللملك لمة فَأَما لمة الشَّيْطَان فإيعاد بِالشَّرِّ وَتَكْذيب بِالْحَقِّ وَأما لمة الْملك فإيعاد بِالْخَيرِ وتصديق بِالْحَقِّ فَمن وجد ذَلِك فَليعلم أَنه من الله فليحمد الله وَمن وجد الْأُخْرَى فليتعوّذ بِاللَّه من الشَّيْطَان ثمَّ قَرَأَ {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: اثْنَتَانِ من الله وَاثْنَتَانِ من الشَّيْطَان {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء} يَقُول: لَا تنْفق مَالك وأمسكه عَلَيْك فَإنَّك تحْتَاج إِلَيْهِ {وَالله يَعدكُم مغْفرَة مِنْهُ} على هَذِه الْمعاصِي وفضلاً فِي الرزق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {وَالله يَعدكُم مغْفرَة مِنْهُ} لفحشائكم وفضلاً لفقركم
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن خَالِد الربعِي قَالَ: عجبت لثلاث آيَات ذكرهن الله فِي الْقُرْآن (ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم) (غَافِر الْآيَة 60) لَيْسَ بَينهمَا حرف وَكَانَت إِنَّمَا تكون لنَبِيّ فاباحها الله لهَذِهِ الْأمة وَالثَّانيَِة قف عِنْدهَا وَلَا تعجل (اذكروني أذكركم) فَلَو اسْتَقر يقينها فِي قَلْبك مَا جَفتْ شفتاك وَالثَّالِثَة {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر ويأمركم بالفحشاء وَالله يَعدكُم مغْفرَة مِنْهُ وفضلاً}
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِنَّمَا مثل ابْن آدم مثل الشَّيْء الْملقى بَين يَدي الله وَبَين الشَّيْطَان فَإِن كَانَ لله تبَارك وَتَعَالَى فِيهِ حَاجَة أجاره من الشَّيْطَان وَإِن لم يكن لله فِيهِ حَاجَة خلى بَينه وَبَين الشَّيْطَان(2/65)
آيَة 269(2/66)
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء} قَالَ: الْمعرفَة بِالْقُرْآنِ ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وَحَلَاله وَحَرَامه وَأَمْثَاله
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: الْقُرْآن يَعْنِي تَفْسِيره
قَالَ ابْن عَبَّاس: فَإِنَّهُ قد قَرَأَهُ الْبر والفاجر
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن عَبَّاس {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء} قَالَ: النُّبُوَّة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء} قَالَ: لَيست بِالنُّبُوَّةِ وَلكنه الْقُرْآن وَالْعلم وَالْفِقْه
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: الْفِقْه فِي الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الدَّرْدَاء {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: قِرَاءَة الْقُرْآن والفكرة فِيهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الْعَالِيَة {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: الْكتاب والفهم بِهِ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد {يُؤْتِي الْحِكْمَة} قَالَ: الْكتاب يُؤْتِي اصابته من يَشَاء
وَأخرج ابْن جرير عَن إِبْرَاهِيم {يُؤْتِي الْحِكْمَة} قَالَ: الْفَهم
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يُؤْتِي الْحِكْمَة} قَالَ: الإِصابة فِي القَوْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: الْفِقْه فِي الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {يُؤْتِي الْحِكْمَة} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: الخشية لِأَن خشيَة الله رَأس كل حِكْمَة وَقَرَأَ (إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء) (فاطر الْآيَة 28)(2/66)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن خَالِد بن ثَابت الربعِي قَالَ: وجدت فَاتِحَة زبور دَاوُد
أَن رَأس الْحِكْمَة خشيَة الرب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مطر الْوراق قَالَ: بلغنَا أَن الْحِكْمَة خشيَة الله وَالْعلم بِاللَّه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: الخشية حِكْمَة من خشِي الله فقد أصَاب أفضل الْحِكْمَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَالك بن أنس قَالَ: قَالَ زيد بن أسلم: إِن الْحِكْمَة الْعقل وانه ليَقَع فِي قلبِي ان الْحِكْمَة الْفِقْه فِي دين الله وَأمر يدْخلهُ الله الْقُلُوب من رَحمته وفضله وَمِمَّا يبين ذَلِك أَنَّك تَجِد الرجل عَاقِلا فِي أَمر الدُّنْيَا إِذا نظر فِيهَا وتجد آخر ضَعِيفا فِي أَمر دُنْيَاهُ عَالما بِأَمْر دينه بَصيرًا بِهِ يؤتيه الله إِيَّاه ويحرمه هَذَا فالحكمة الْفِقْه فِي دين الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول قَالَ: إِن الْقُرْآن جُزْء من اثْنَيْنِ وَسبعين جُزْءا من النبوّة وَهُوَ الْحِكْمَة الَّتِي قَالَ الله {وَمن يُؤْت الْحِكْمَة فقد أُوتِيَ خيرا كثيرا}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عُرْوَة بن الزبير قَالَ: كَانَ يُقَال: الرِّفْق رَأس الْحِكْمَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَرَأَ ثلث الْقُرْآن أعطي ثلث النُّبُوَّة وَمن قَرَأَ نصف الْقُرْآن أعطي نصف النبوّة وَمن قَرَأَ ثُلثَيْهِ أعطي ثُلثي النُّبُوَّة وَمن قَرَأَ الْقُرْآن كُله أعطي النبوّة وَيُقَال لَهُ يَوْم الْقِيَامَة: اقْرَأ وارق بِكُل آيَة دَرَجَة حَتَّى ينجز مَا مَعَه من الْقُرْآن
فَيُقَال لَهُ: اقبض
فَيقبض فَيُقَال لَهُ: هَل تَدْرِي مَا فِي يَديك فَإِذا فِي يَده الْيُمْنَى الْخلد وَفِي الْأُخْرَى النَّعيم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من قَرَأَ الْقُرْآن فقد استدرج النُّبُوَّة بَين جَنْبَيْهِ غير أَنه لَا يُوحى إِلَيْهِ وَمن قَرَأَ الْقُرْآن فَرَأى أَن أحدا أعطي أفضل مِمَّا أعْطى فقد عظم مَا صغر الله وَصغر مَا عظم الله وَلَيْسَ يَنْبَغِي لصَاحب الْقُرْآن أَن يجد مَعَ من وجد وَلَا يجهل مَعَ من جهل وَفِي جَوْفه كَلَام الله
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبيد الله بن أبي نهيك قَالَ: قَالَ سعد: تجار كسبة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ
قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: يَعْنِي يَسْتَغْنِي بِهِ(2/67)
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ
وَأخرج الْبَزَّار عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ منا من لم يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن امْرَأَة أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن زَوجي مِسْكين لَا يقدر على شَيْء
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزَوجهَا: أَتَقْرَأُ من الْقُرْآن شَيْئا قَالَ: اقْرَأ سُورَة كَذَا
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بخ بخ زَوجك غَنِي
فلزمت الْمَرْأَة زَوجهَا ثمَّ أَتَت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: يَا نَبِي الله قد بسط الله علينا رزقنا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي أُمَامَة أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله اشْتريت مقسم بني فلَان فربحت عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا
فَقَالَ: أَلا أنبئك بِمَا هوأكثر ربحا قَالَ: وَهل يُوجد قَالَ: رجل تعلم عشر آيَات
فَذهب الرجل فتعلم عشر آيَات فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود: أَنه كَانَ يقرىء الرجل الْآيَة ثمَّ يَقُول: تعلمهَا فَإِنَّهَا خير لَك مِمَّا بَين السَّمَاء وَالْأَرْض حَتَّى يَقُول ذَلِك فِي الْقُرْآن كُله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: لَو قيل لأحدكم: لَو غَدَوْت إِلَى الْقرْيَة كَانَ لَك أَربع قَلَائِص كَانَ يَقُول: قد أَن لي أَن أغدو فَلَو ان أحدكُم غَدا فتعلم آيَة من كتاب الله كَانَت لَهُ خيرا من أَربع وَأَرْبع حَتَّى عد شَيْئا كثيرا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا معشر التُّجَّار أَيعْجزُ أحدكُم إِذا رَجَعَ من سوقه أَن يقْرَأ عشر آيَات يكْتب الله لَهُ بِكُل آيَة حَسَنَة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْبَيْت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ الْقُرْآن يكثر خَيره وَالْبَيْت الَّذِي لَا يقْرَأ فِيهِ الْقُرْآن يقل خَيره
وَأخرج أَبُو نعيم فِي فضل الْعلم ورياضة المتعلمين وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الْقُرْآن غَنِي لَا فقر بعده وَلَا غنى دونه
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَيْهَقِيّ عَن رَجَاء الغنوي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعطَاهُ الله حفظ كِتَابه وَظن أَن أحدا أُوتِيَ أفضل مِمَّا أُوتِيَ فقد غمط أعظم النعم(2/68)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن سَمُرَة بن جُنْدُب أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كل مؤدب يجب أَن تؤتي أدبه وأدب الله الْقُرْآن فَلَا تهجروه
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن قَالَ: مَا أنزل الله من آيَة إِلَّا وَالله يحب أَن يعلم الْعباد فِيمَا أنزلت وماذا عَنى بهَا
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي قلَابَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أوّل مَا يرفع من الأَرْض الْعلم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله يرفع الْقُرْآن قَالَ: لَا وَلَكِن يَمُوت من يُعلمهُ
أَو قَالَ: من يعلم تَأْوِيله
وَيبقى قوم يتأولونه على أهوائهم
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن مَسْعُود قَالَ كُنَّا إِذا تعلمنا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشر آيَات من الْقُرْآن لم نتعلم العشرالتي نزلت بعْدهَا حَتَّى نعلم مَا فِيهِ
قيل لِشَرِيك: من الْعَمَل قَالَ: نعم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر والمرهبي فِي فضل الْعلم عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ: حَدثنَا من كَانَ يقرئنا من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم كَانُوا يَأْخُذُونَ من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشر آيَات فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعشْر الْأُخْرَى حَتَّى يعلمُوا مَا فِي هَذِه من الْعلم وَالْعَمَل قَالَ: فتعلمنا الْعلم وَالْعَمَل
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر قَالَ: لقد عِشْت بُرْهَة من دهري وَإِن أَحَدنَا يُؤْتى الإِيمان قبل الْقُرْآن وتنزل السُّورَة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنتعلم حلالها وحرامها وَمَا يَنْبَغِي أَن نقف عِنْده مِنْهَا كَمَا تعلمُونَ أَنْتُم الْقُرْآن ثمَّ لقد رَأَيْت رجَالًا يُؤْتى أحدهم الْقُرْآن قبل الإِيمان فَيقْرَأ مَا بَين فَاتِحَة الْكتاب إِلَى خاتمته مَا يدْرِي مَا آمره وَلَا زاجره وَمَا يَنْبَغِي أَن يقف عِنْده مِنْهُ وينثره نثر الدقل
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْكَلِمَة ضَالَّة الْمُؤمن فَحَيْثُ وجدهَا فَهُوَ أَحَق بهَا
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن مَكْحُول قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أخْلص لله أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَفَجَّرَتْ ينابيع الْحِكْمَة من قلبه على لِسَانه
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية مَوْصُولا من طَرِيق مَكْحُول عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن لُقْمَان قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني عَلَيْك بمجالسة الْعلمَاء واسمع كَلَام الْحُكَمَاء فَإِن الله يحيي الْقلب الْمَيِّت بِنور الْحِكْمَة كَمَا تحيا الأَرْض الْميتَة بوابل الْمَطَر(2/69)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رجل آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ على هَلَكته فِي الْحق وَرجل آتَاهُ الله الْحِكْمَة فَهُوَ يقْضِي بهَا وَيعلمهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن يزِيد بن الْأَخْنَس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تنافس إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَهُوَ يقوم بِهِ آنَاء اللَّيْل وَالنَّهَار وَيتبع مَا فِيهِ فَيَقُول رجل: لَو أَن الله أَعْطَانِي مَا أعْطى فلَانا فأقوم بِهِ كَمَا يقوم بِهِ وَرجل أعطَاهُ الله مَالا فَهُوَ ينْفق مِنْهُ وَيتَصَدَّق بِهِ فَيَقُول رجل: لَو ان الله أَعْطَانِي كَمَا أعْطى فلَانا فأتصدق بِهِ
قَالَ رجل: أرأيتك النجدة تكون فِي الرجل قَالَ: لَيست لَهما بِعدْل إِن الْكَلْب يهم من وَرَاء أَهله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه عَن مُعَاوِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين
وَأخرج أَبُو يعلى عَن مُعَاوِيَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يرد الله بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين وَمن لم يفقهه لم يبل لَهُ
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا فقهه فِي الدّين وألهمه رشده
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أفصل الْعِبَادَة الْفِقْه وَأفضل الدّين الْوَرع
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط والمرهبي فِي فضل الْعلم عَن حُذَيْفَة بن الْيَمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فضل الْعلم خير من فضل الْعِبَادَة وَخير دينكُمْ الْوَرع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عبد الله بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَلِيل الْعلم خير من كثير من الْعِبَادَة وَكفى بِالْمَرْءِ فقهاً إِذا عبد الله وَكفى بِالْمَرْءِ جهلا إِذا أعجب بِرَأْيهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا اكْتسب مكتسب مثل فضل علم يهدي صَاحبه إِلَى هدى أَو يردهُ عَن ردى وَمَا استقام دينه حَتَّى يَسْتَقِيم عقله
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا أَبَا ذَر لِأَن تَغْدُو فتعلم آيَة من كتاب الله خير لَك من أَن تصلي مائَة رَكْعَة وَلِأَن تَغْدُو فتعلم بَابا من الْعلم عمل بِهِ أَو لم يعْمل بِهِ خير من أَن تصلي ألف رَكْعَة(2/70)
وَأخرج المرهبي فِي قضل الْعلم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا عبد الله بِشَيْء أفضل من فقه فِي دين ولفقيه وَاحِد أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد وَلكُل شَيْء عماد وعماد هَذَا الدّين الْفِقْه
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة لِأَن أَجْلِس سَاعَة فاتفقه أحب إِلَيّ من أَن أحيي لَيْلَة إِلَى الصَّباح
وَأخرج التِّرْمِذِيّ والمرهبي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خصلتان لَا تجتمعان فِي مُنَافِق حسن سمت وَفقه فِي الدّين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فضل الْعلم أفضل من الْعِبَادَة وملاك الدّين الْوَرع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يسير الْفِقْه خير من كثير الْعِبَادَة وَخير اعمالكم أيسرها
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا عبد الله بِشَيْء أفضل من فقه فِي الدّين
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ثَعْلَبَة بن الحكم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله للْعُلَمَاء يَوْم الْقِيَامَة إِذا قعد على كرسيه لفصل عباده: إِنِّي لم أجعَل علمي وحلمي فِيكُم إِلَّا وَأَنا أُرِيد أَن أَغفر لكم على مَا كَانَ فِيكُم وَلَا أُبَالِي
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يبْعَث الله الْعباد يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يُمَيّز الْعلمَاء فَيَقُول: يَا معشر الْعلمَاء إِنِّي لم أَضَع فِيكُم علمي لأعذبكم اذْهَبُوا فقد غفرت لكم
الْآيَة 270(2/71)
وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270)
أخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَمَا أنفقتم من نَفَقَة أَو نذرتم من نذر فَإِن الله يُعلمهُ} قَالَ: يُحْصِيه
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبُخَارِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن عَوْف بن الْحَرْث بن الطُّفَيْل وَهُوَ ابْن أخي عَائِشَة لأمها
أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا حدثت: أَن عبد الله بن(2/71)
الزبير قَالَ فِي بيع أَو عَطاء أَعطَتْهُ عَائِشَة: وَالله لتنتهين عَائِشَة أَو لأحجرن عَلَيْهَا
فَقَالَت: أهوَ قَالَ هَذَا قَالُوا نعم
قَالَت عَائِشَة: فَهُوَ لله نذر أَن لَا أكلم ابْن الزبير كلمة أبدا
فاستشفع ابْن الزبير بالمهاجرين حِين طَالَتْ هجرتهَا اياه
فَقَالَت: وَالله لَا أشفع فِيهِ أحدا أبدا وَلَا أحنث نذري الَّذِي نذرت أبدا فَلَمَّا طَال على ابْن الزبير كلم الْمسور بن مخرمَة وَعبد الرَّحْمَن بن الْأسود بن عبد يَغُوث وهما من بني زهرَة فَقَالَ لَهما: أنشدكما الله أَلا أدخلتماني على عَائِشَة فَإِنَّهَا لَا يحل لَهَا أَن تنذر قطيعتي فَأقبل بِهِ الْمسور وَعبد الرَّحْمَن مشتملين عَلَيْهِ بأرديتهما حَتَّى استأذنا على عَائِشَة فَقَالَا: السَّلَام على النَّبِي وَرَحْمَة الله وبركاته أندخل فَقَالَت عَائِشَة: ادخُلُوا
قَالُوا: أكلنَا يَا أم الْمُؤمنِينَ قَالَت: نعم ادخُلُوا كلكُمْ
وَلَا تعلم عَائِشَة أَن مَعَهُمَا ابْن الزبير فَلَمَّا دخلُوا دخل ابْن الزبير فِي الْحجاب واعتنق عَائِشَة وطفق يناشدها ويبكي وطفق الْمسور وَعبد الرَّحْمَن يناشدان عَائِشَة إِلَّا كَلمته وَقبلت مِنْهُ ويقولان: قد علمت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَمَّا قد علمت من الْهِجْرَة وأَنه لَا يحل للرجل أَن يهجر أَخَاهُ فَوق ثَلَاث لَيَال فَلَمَّا أَكْثرُوا التَّذْكِير والتحريج طفقت تذكرهم وتبكي وَتقول: إِنِّي قد نذرت وَالنّذر شَدِيد فَلم يزَالُوا بهَا حَتَّى كلمت ابْن الزبير ثمَّ اعتقت بنذرها أَرْبَعِينَ رَقَبَة لله ثمَّ كَانَت تذكر بَعْدَمَا أعتقت أَرْبَعِينَ رَقَبَة فتبكي حَتَّى تبل دموعها خمارها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن حجيرة الْأَكْبَر
أَن رجلا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن لَا أكلم أخي فَقَالَ: إِن الشَّيْطَان ولد لَهُ ولد فَسَماهُ نذرا وَإِن من قطع مَا أَمر الله بِهِ أَن يُوصل فقد حلت عَلَيْهِ اللَّعْنَة
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يعصيه فَلَا يعصيه
وأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من نذر أَن يُطِيع الله فليطعه وَمن نذر أَن يعصيه فَلَا يعصيه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا نذر فِي مَعْصِيّة وكفارته كَفَّارَة يَمِين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عمرَان بن(2/72)
حُصَيْن قَالَ: أسرت امْرَأَة من الْأَنْصَار فاصيبت العضباء فَقَعَدت فِي عجزها ثمَّ زجرتها فَانْطَلَقت ونذرت إِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها فَلَمَّا قدمت الْمَدِينَة رَآهَا النَّاس فَقَالُوا: العضباء نَاقَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِنَّهَا نذرت إِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرُوا ذَلِك لَهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ الله
بئس مَا جزتها نذرت لله إِن نجاها الله عَلَيْهَا لتنحرنها لَا وَفَاء لنذر فِي مَعْصِيّة الله وَلَا فِيمَا لَا يملك العَبْد
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عقبَة بن عَامر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: كَفَّارَة النّذر إِذا لم يسم كَفَّارَة الْيَمين
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ثَابت بن الضَّحَّاك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ على العَبْد نذر فِيمَا لَا يملك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن النّذر وَقَالَ: إِنَّه لَا يَأْتِي بِخَير وَإِنَّمَا يسْتَخْرج بِهِ من الْبَخِيل
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تنذروا فَإِن النّذر لَا يُغني من الْقدر شَيْئا وَإِنَّمَا يسْتَخْرج من الْبَخِيل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يَأْتِي ابْن آدم النّذر بِشَيْء لم أكن قدرته وَلَكِن يلقيه النّذر إِلَى الْقدر قد قدرته فيستخرج الله بِهِ من الْبَخِيل فيؤتيني عَلَيْهِ مَا لم يكن يؤتيني عَلَيْهِ من قبل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى شَيخا يهادي بَين ابنيه فَقَالَ: مَا بَال هَذَا قَالُوا: نذر أَن يمشي إِلَى الْكَعْبَة
قَالَ: إِن الله عَن تَعْذِيب هَذَا نَفسه لَغَنِيّ وَأمره أَن يركب
وَأخرج مُسلم وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أدْرك شَيخا يمشي بَين ابنيه يتَوَكَّأ عَلَيْهِمَا
فَقَالَ: مَا شَأْن هَذَا قَالَ ابناه: يَا رَسُول الله كَانَ عَلَيْهِ نذر
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اركب أَيهَا الشَّيْخ فَإِن الله غَنِي عَنْك وَعَن نذرك
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: نذرت أُخْتِي أَن تمشي إِلَى بَيت الله حافية فأمرتني أَن استفتي لَهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاستفتيته فَقَالَ: لتمش ولتركب(2/73)
وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس أَن أُخْت عقبَة بن عَامر نذرت أَن تحج مَاشِيَة وانها لَا تطِيق ذَلِك فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لَغَنِيّ عَن مشي اختك فلتركب ولتهد بَدَنَة
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا رَسُول الله إِن اختي نذرت أَن تحج مَاشِيَة
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله لَا يصنع بشقاء اختك شَيْئا فلتحج راكبة وتكفر عَن يَمِينهَا
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عقبَة بن عَامر أَنه سَأَلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن اخت لَهُ نذرت أَن تحج حافية غير مختمرة
فَقَالَ: مروها فلتختمر ولتركب ولتصم ثَلَاثَة أَيَّام
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بَيْنَمَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب إِذا هُوَ بِرَجُل قَائِم فِي الشَّمْس فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا: هَذَا أَبُو إِسْرَائِيل نذر أَن يقوم وَلَا يقْعد لَا يستظل وَلَا يتَكَلَّم ويصوم
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مروه فَلْيَتَكَلَّمْ وليستظل وليقعد وليتم صَوْمه
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة عَن أبي عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من نذر نذرا لم يسمه فكفارته كَفَّارَة يَمِين وَمن نذر نذرا فِي مَعْصِيّة فكفارته كَفَّارَة يَمِين وَمن نذر نذرا لَا يطيقه فكفارته كَفَّارَة يَمِين وَمن نذر نذرا أطاقه فليوف بِهِ
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: النّذر نذران
فَمَا كَانَ من نذر فِي طَاعَة الله فَذَلِك لله وَفِيه الْوَفَاء وَمَا كَانَ من نذر فِي مَعْصِيّة الله فَذَلِك للشَّيْطَان وَلَا وَفَاء فِيهِ ويكفره مَا يكفر الْيَمين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا نذر فِي مَعْصِيّة وَلَا غضب وكفارته كَفَّارَة يَمِين
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ مَا خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خطْبَة الا أمرنَا بِالصَّدَقَةِ ونهانا عَن الْمثلَة
قَالَ: وان الْمثلَة أَن يخرم أَنفه وَأَن ينذر أَن يحجّ مَاشِيا فَمن نذر أَن يحجّ مَاشِيا فليهد هَديا وليركب
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس فَقَالَ: إِنِّي نذرت أَن أقوم على قعيقعان عُريَانا إِلَى اللَّيْل
فَقَالَ: أَرَادَ الشَّيْطَان أَن يُبْدِي عورتك وَأَن يضْحك النَّاس بك البس ثِيَابك وصلّ عِنْد الْحجر رَكْعَتَيْنِ(2/74)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: النذور أَرْبَعَة: فَمن نذر نذرا لم يسمه فكفارته كَفَّارَة يَمِين وَمن نذر فِي مَعْصِيّة فكفارته كَفَّارَة يَمِين وَمن نذر نذرا فِيمَا لَا يُطيق فكفارته كَفَّارَة يَمِين وَمن نذر نذرا فِيمَا يُطيق فليوف بنذره
وأما قَوْله تَعَالَى: {وَمَا للظالمين من أنصار} أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن شُرَيْح قَالَ: الظَّالِم ينْتَظر الْعقُوبَة والمظلوم ينْتَظر النَّصْر
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اتَّقوا الظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَاتَّقوا الشُّح فَإِن الشُّح أهلك من كَانَ قبلكُمْ حملهمْ على أَن سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ
وَأخرج البُخَارِيّ فِي الْأَدَب وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي هُرَيْرَة يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إيَّاكُمْ وَالظُّلم فَإِن الظُّلم هُوَ الظُّلُمَات يَوْم الْقِيَامَة وَإِيَّاكُم وَالْفُحْش فَإِن الله لَا يحب الْفَاحِش الْمُتَفَحِّش وَإِيَّاكُم وَالشح فَإِن الشُّح دَعَا من كَانَ قبلكُمْ فسفكوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمهمْ وَقَطعُوا أرحامهم
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إيَّاكُمْ والظُّلم فَإِن الظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَإِيَّاكُم وَالْفُحْش والتفحش وَإِيَّاكُم وَالشح فَإِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بالشح أَمرهم بالقطيعة فَقطعُوا وَأمرهمْ بالبخل فبخلوا وَأمرهمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الهرماس بن زِيَاد قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب على نَاقَته فَقَالَ: إيَّاكُمْ والخيانة فَإِنَّهَا بئست البطانة وَإِيَّاكُم وَالظُّلم فَإِنَّهُ ظلمات يَوْم الْقِيَامَة وَإِيَّاكُم وَالشح فَإِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ الشُّح حَتَّى سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَقَطعُوا أرحامهم
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ من حَدِيث عمر بن الْخطاب
مثله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تظلموا فتدعوا فَلَا يُسْتَجَاب لكم وتستسقوا فَلَا تسقوا وتستنصروا فَلَا تنصرُوا(2/75)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صنفان من أمتِي لن تنالهم شَفَاعَتِي: إِمَام ظلوم غشوم وكل غال مارق
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتَّقوا دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهَا تصعد إِلَى السَّمَاء كَأَنَّهَا شرارة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عقبَة بن عَامر الْجُهَنِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ثَلَاثَة تستجاب دعوتهم: الْوَالِد وَالْمُسَافر والمظلوم
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعْوَة الْمَظْلُوم مستجابة وَإِن كَانَ فَاجِرًا ففجوره على نَفسه
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ والأصبهاني عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دعوتان لَيْسَ بَينهمَا وَبَين الله حجاب
دَعْوَة الْمَظْلُوم ودعوة الْمَرْء لِأَخِيهِ بِظهْر الْغَيْب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن خُزَيْمَة بن ثَابت قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتَّقوا دَعْوَة الْمَظْلُوم فَإِنَّهَا تحمل على الْغَمَام يَقُول الله: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأنصرنك وَلَو بعد حِين
وَأخرج أَحْمد عَن أنس بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اتَّقوا دَعْوَة الْمَظْلُوم وَإِن كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دونهَا حجاب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَقُول الله: اشْتَدَّ غَضَبي على من ظلم من لَا يجد لَهُ ناصراً غَيْرِي
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ بن حبَان فِي كتاب التوبيخ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ الله تبَارك وَتَعَالَى: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأنتقمن من الظَّالِم فِي عاجله وآجله ولأنتقمن مِمَّن رأى مَظْلُوما فَقدر أَن ينصره فَلم يفعل
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: إِن الله لما خلق الْخلق فاستووا على أَقْدَامهم رفعوا رؤوسهم فَقَالُوا: يَا رب مَعَ من أَنْت قَالَ: أَنا مَعَ الْمَظْلُوم حَتَّى يُؤدى إِلَيْهِ حَقه
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن ابْن عَبَّاس أَن ملكا من الْمُلُوك خرج يسير فِي مَمْلَكَته وَهُوَ مستخف من النَّاس حَتَّى نزل على رجل لَهُ بقرة فراحت عَلَيْهِ تِلْكَ الْبَقَرَة فحلبت فَإِذا حلابها مِقْدَار حلاب ثَلَاثِينَ بقرة فَحدث الْملك نَفسه أَن يَأْخُذهَا فَلَمَّا كَانَ الْغَد غَدَتْ الْبَقَرَة إِلَى مرعاها ثمَّ راحت فحلبت فنقص لَبنهَا على النّصْف وَجَاء مِقْدَار حلاب خمس عشرَة بقرة فَدَعَا الْملك صَاحب(2/76)
منزله فَقَالَ: أَخْبرنِي عَن بقرتك أرعت الْيَوْم فِي غيرمرعاها بالْأَمْس وشربت من غير مشربها بالْأَمْس فَقَالَ: مَا رعت فِي غير مرعاها بالْأَمْس وَلَا شربت فِي غير مشربها بالْأَمْس
فَقَالَ: مَا بَال حلابها على النّصْف فَقَالَ: أرى الْملك هم بأخذها فنقص لَبنهَا فَإِن الْملك إِذا ظلم أَو هم بالظلم ذهبت الْبركَة
قَالَ: وَأَنت من أَيْن يعرفك الْملك قَالَ: هُوَ ذَاك كَمَا قلت لَك
قَالَ: فعاهد الْملك ربه فِي نَفسه أَن لَا يظلم وَلَا يَأْخُذهَا وَلَا يملكهَا وَلَا تكون فِي ملكه أبدا
قَالَ: فغدت فرعت ثمَّ راحت ثمَّ حلبت فَإِذا لَبنهَا قد عَاد على مِقْدَار ثَلَاثِينَ بقرة
فَقَالَ الْملك بَينه وَبَين نَفسه وَاعْتبر: أرى الْملك إِذا ظلم أَو هم بظُلْم ذهبت الْبركَة لَا جرم لأعدلن فلأكونن على أفضل الْعدْل
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ عَن سعيد بن عبد الْعَزِيز: من أحسن فليرج الثَّوَاب وَمن أَسَاءَ فَلَا يستنكر الْجَزَاء وَمن أَخذ عزا بِغَيْر حق أورثه الله ذلاً بِحَق وَمن جمع مَالا بظُلْم أورثه الله فقرا بِغَيْر ظلم
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ: إِن الله عز وَجل قَالَ: من اسْتغنى بأموال الْفُقَرَاء أفقرته وكل بَيت يبْنى بقوّة الضُّعَفَاء أجعَل عاقبته إِلَى خراب
آيَة 271(2/77)
إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ وَإِن تخفوها وتؤتوها الْفُقَرَاء فَهُوَ خير لكم} فَجعل الله صَدَقَة السِّرّ فِي التَّطَوُّع تفضل على علانيتها سبعين ضعفا وَجعل صَدَقَة الْفَرِيضَة علانيتها أفضل من سرها بِخَمْسَة وَعشْرين ضعفا وَكَذَلِكَ جَمِيع الْفَرَائِض والنوافل فِي الْأَشْيَاء كلهَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عمل السِّرّ أفضل من الْعَلَانِيَة أفضل لمن أَرَادَ الِاقْتِدَاء بِهِ(2/77)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: كل شَيْء فرض الله عَلَيْك فالعلانية فِيهِ أفضل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن تبدوا الصَّدقَات} الْآيَة
قَالَ: كَانَ هَذَا يعْمل بِهِ قبل أَن تنزل بَرَاءَة فَلَمَّا نزلت بَرَاءَة بفرائض الصَّدقَات وتفصيلها انْتَهَت الصَّدقَات إِلَيْهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: كل مَقْبُول إِذا كَانَت النِّيَّة صَادِقَة وَصدقَة السِّرّ أفضل
وَذكر لنا أَن الصَّدَقَة تطفىء الْخَطِيئَة كَمَا يطفىء المَاء النَّار
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} قَالَ: هَذَا مَنْسُوخ وَقَوله (وَفِي أَمْوَالهم حق للسَّائِل والمحروم) (الذاريات الْآيَة 19) قَالَ: مَنْسُوخ نسخ كل صَدَقَة فِي الْقُرْآن الْآيَة الَّتِي فِي التَّوْبَة (إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء) (التَّوْبَة الْآيَة 60) الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قلت يَا رَسُول الله أَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ: جهد مقل أَو سر إِلَى فَقير ثمَّ تَلا هَذِه الْآيَة {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} الْآيَة
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا أدلك عَن كنز من كنوز الْجنَّة قلت: بلَى يَا رَسُول الله
قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه فَإِنَّهَا كنز من كنوز الْجنَّة
قلت: فَالصَّلَاة يَا رَسُول الله قَالَ: خير مَوْضُوع فَمن شَاءَ أقل وَمن شَاءَ أَكثر
قلت: فالصوم يَا رَسُول الله قَالَ: قرض مجزىء
قلت: فالصدقة يَا رَسُول الله قَالَ: أَضْعَاف مضاعفة وَعند الله مزِيد
قلت: فأيها أفضل قَالَ: جهد من مقل وسر إِلَى فَقير
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أبي أُمَامَة
أَن أَبَا ذَر قَالَ: يَا رَسُول الله مَا الصَّدَقَة قَالَ: أَضْعَاف مضاعفة وَعند الله الْمَزِيد ثمَّ قَرَأَ (من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه لَهُ أضعافاً كَثِيرَة) (الْبَقَرَة الْآيَة 245) قيل: يَا رَسُول الله أَي الصَّدَقَة(2/78)
أفضل قَالَ: سر إِلَى فَقير أَو جهد من مقل ثمَّ قَرَأَ {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} الْآيَة
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أنس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لمَّا خلق الله الأَرْض جعلت تميد فخلق الْجبَال فألقاها عَلَيْهَا فاستقرت فتعجبت الْمَلَائِكَة من خلق الْجبَال فَقَالَت: يَا رب هَل من خلقك شَيْء أَشد من الْجبَال قَالَ: نعم الْحَدِيد
قَالَت: فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من الْحَدِيد قَالَ: نعم النَّار
قَالَت: فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من النَّار قَالَ: نعم المَاء
قَالَت: فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من المَاء قَالَ: نعم الرّيح
قَالَت: فَهَل من خلقك شَيْء أَشد من الرّيح قَالَ: نعم ابْن آدم يتَصَدَّق بِيَمِينِهِ فيخفيها من شِمَاله
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله
إِمَام عَادل وشاب نَشأ فِي عبَادَة الله عز وَجل وَرجل قلبه مُعَلّق بالمساجد ورجلان تحابا فِي الله اجْتمعَا على ذَلِك وتفرقا عَلَيْهِ وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وجمال فَقَالَ إِنِّي أَخَاف الله وَرجل تصدق بِصَدقَة فأخفاها حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه وَرجل ذكر الله خَالِيا فَفَاضَتْ عَيناهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مُعَاوِيَة بن حيدة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن صَدَقَة السِّرّ تطفىء غضب الرب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء وَصدقَة السِّرّ تطفىء غضب الرب وصلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أم سَلمَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء وَالصَّدَََقَة خفِيا تطفىء غضب الرب وصلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر وكل مَعْرُوف صَدَقَة وَأهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الْآخِرَة وَأهل الْمُنكر فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمُنكر فِي الْآخِرَة وَأول من يدْخل الْجنَّة أهل الْمَعْرُوف
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب قَضَاء الْحَوَائِج وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ صَدَقَة السِّرّ تطفىء غضب الرب وصلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر وَفعل الْمَعْرُوف يقي مصَارِع السوء(2/79)
وَأخرج أَحْمد فِي الزّهْد عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: كَانَ رجل فِي قوم صَالح عَلَيْهِ السَّلَام قد آذاهم فَقَالُوا: يَا نَبِي الله ادْع الله عَلَيْهِ
فَقَالَ: اذْهَبُوا فقد كفيتموه وَكَانَ يخرج كل يَوْم فيحتطب فَخرج يَوْمئِذٍ وَمَعَهُ رغيفان فَأكل أَحدهمَا وَتصدق بِالْآخرِ فاحتطب ثمَّ جَاءَ بحطبه سالما فجاؤوا إِلَى صَالح فَقَالُوا: قد جَاءَ بحطبه سالما لم يصبهُ شَيْء فَدَعَاهُ صَالح فَقَالَ: أَي شَيْء صنعت الْيَوْم فَقَالَ: خرجت وَمَعِي قرصان تَصَدَّقت بإحدهما وأكلت الآخر
فَقَالَ صَالح: حل حطبك
فَحله فَإِذا فِيهِ أسود مثل الْجذع عاض على جذل من الْحَطب فَقَالَ: بهَا دفع عَنهُ
يَعْنِي بِالصَّدَقَةِ
وَأخرج أَحْمد عَن سَالم بن أبي الْجَعْد قَالَ: خرجت امْرَأَة وَكَانَ مَعهَا صبي لَهَا فجَاء الذِّئْب فاختلسه مِنْهَا فَخرجت فِي أَثَره وَكَانَ مَعهَا رغيف فَعرض لَهَا سَائل فَأَعْطَتْهُ الرَّغِيف فجَاء الذِّئْب بصبيها فَرده عَلَيْهَا
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة يُحِبهُمْ الله وَثَلَاثَة يبغضهم الله فَأَما الَّذين يُحِبهُمْ الله فَرجل أَتَى قوما فَسَأَلَهُمْ بِاللَّه وَلم يسألهم بِقرَابَة فَتخلف رجل من أَعْقَابهم فَأعْطَاهُ سرا لَا يعلم بعطيته إِلَّا الله وَالَّذِي أعطَاهُ وَقوم سَارُوا ليلتهم حَتَّى إِذا كَانَ النّوم نزلُوا فوضعوا رؤوسهم فَقَامَ رجل يتملقني وَيَتْلُو آياتي وَرجل كَانَ فِي سَرِيَّة فلقي الْعَدو فهزموا فَأقبل بصدره حَتَّى يقتل أَو يفتح لَهُ
وَثَلَاثَة يبغضهم الله الشَّيْخ الزَّانِي وَالْفَقِير المختال والغني الظلوم
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قِرَاءَة الْقُرْآن فِي الصَّلَاة أفضل من قِرَاءَة الْقُرْآن فِي غير الصَّلَاة وَقِرَاءَة الْقُرْآن فِي غير الصَّلَاة أفضل من التَّسْبِيح وَالتَّكْبِير وَالتَّسْبِيح أفضل من الصَّدَقَة وَالصَّدَََقَة أفضل من الصَّوْم وَالصَّوْم جنَّة من النَّار
وَأخرج ابْن ماجة عَن جَابر بن عبد الله قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس تُوبُوا إِلَى الله قبل أَن تَمُوتُوا وَبَادرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة قبل أَن تشْغَلُوا وصلوا الَّذِي بَيْنكُم وَبَين ربكُم بِكَثْرَة ذكركُمْ لَهُ وَكَثْرَة الصَّدَقَة فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة تُرْزَقُوا وَتنصرُوا وَتجبرُوا
وَأخرج أَبُو يعلى عَن جَابر أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لكعب بن عجْرَة:(2/80)
يَا كَعْب بن عجْرَة الصَّلَاة قرْبَان وَالصِّيَام جنَّة وَالصَّدَََقَة تطفىء الْخَطِيئَة كَمَا يطفىء المَاء النَّار
يَا كَعْب بن عجْرَة النَّاس غاديان فبائع نَفسه فموبق رقبته ومبتاع نَفسه فِي عتق رقبته
وَأخرج ابْن حبَان عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا كَعْب بن عجْرَة إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة لحم وَدم نبتا على سحت النَّار أولى بِهِ يَا كَعْب بن عجْرَة النَّاس غاديان فغاد فِي فكاك نَفسه فمعتقها وغاد موبقها
يَا كَعْب بن عجْرَة الصَّلَاة قرْبَان
وَالصَّوْم جنَّة وَالصَّدَََقَة تطفىء الْخَطِيئَة كَمَا يذهب الجليد على الصَّفَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عقبَة بن عَامر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: كل امرىء فِي ظلّ صدقته حَتَّى يفصل بَين النَّاس
وَأخرج ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عمر قَالَ: ذكر لي أَن الْأَعْمَال تباهي فَتَقول الصَّدَقَة: أَنا أفضلكم
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يخرج رجل بِشَيْء من الصَّدَقَة حَتَّى يفك عَنْهَا لحيي سبعين شَيْطَانا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن عقبَة بن عَامر عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الصَّدَقَة لتطفىء على أَهلهَا حر الْقُبُور وَإِنَّمَا يستظل الْمُؤمن يَوْم الْقِيَامَة فِي ظلّ صدقته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باكروا بِالصَّدَقَةِ فَإِن الْبلَاء لَا يتخطى الصَّدَقَة
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدقوا فَإِن الصَّدَقَة فكاككم من النَّار
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم باكروا بِالصَّدَقَةِ فَإِن الْبلَاء لَا يتخطاها
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن مَيْمُونَة بنت سعد أَنَّهَا قَالَت: يَا رَسُول الله أَفْتِنَا عَن الصَّدَقَة قَالَ: إِنَّهَا فكاك من النَّار لمن احتسبها يَبْتَغِي بهَا وَجه الله
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن حبَان عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن(2/81)
الصَّدَقَة لتطفىء غضب الرب وتدفع ميتَة السوء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن رَافع بن خديج قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصَّدَقَة تسد سبعين بَابا من السوء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَمْرو بن عَوْف قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن صَدَقَة الْمُسلم تزيد فِي الْعُمر وتمنع ميتَة السوء وَيذْهب الله بهَا الْكبر وَالْفَخْر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر قَالَ: مَا خرجت صَدَقَة حَتَّى يفك عَنْهَا لحيا سبعين شَيْطَانا كلهم ينْهَى عَنْهَا
وَأخرج ابْن الْمُبَارك فِي الْبر والأصبهاني فِي التَّرْغِيب عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله ليدرأ بِالصَّدَقَةِ سبعين ميتَة من السوء
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله ليدْخل باللقمة الْخبز وقبضة التَّمْر وَمثله مِمَّا ينْتَفع بِهِ الْمِسْكِين ثَلَاثَة الْجنَّة رب الْبَيْت الْآمِر بِهِ وَالزَّوْجَة تصلحه: وَالْخَادِم الَّذِي يناول الْمِسْكِين
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْحَمد لله الَّذِي لم ينس خدمنا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن عدي بن حَاتِم قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا سيكلمه الله لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان فَينْظر أَيمن مِنْهُ فَلَا يرى إِلَّا مَا قدم وَينظر أشأم مِنْهُ فَلَا يرى إِلَّا مَا قدم وَينظر بَين يَدَيْهِ فَلَا يرى إِلَّا النَّار تِلْقَاء وَجهه فَاتَّقُوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليتق أحدكُم وَجهه من النَّار وَلَو بشق تَمْرَة
وَأخرج أَحْمد عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَائِشَة اشْترِي نَفسك من النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَإِنَّهَا تسد من الجائع مسدها من الشبعان
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَعْوَاد الْمِنْبَر يَقُول اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَإِنَّهَا تقيم العوج وتدفع ميتَة السوء وَتَقَع من الجائع موقعها من الشبعان
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تعبد عَابِد من بني إِسْرَائِيل فعبد الله فِي صومعته سِتِّينَ عَاما فأمطرت الأَرْض فأخضرت فَأَشْرَف الراهب من صومعته فَقَالَ: لَو نزلت فَذكرت الله فازددت خيرا فَنزل وَمَعَهُ رغيف(2/82)
أَو رغيفان فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الأَرْض لَقيته امْرَأَة فَلم يزل يكلمها وتكلمه حَتَّى غشيها ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ فَنزل الغدير يستحم فجَاء سَائل فأوما إِلَيْهِ أَن يَأْخُذ الرغيفين ثمَّ مَاتَ فوزنت عبَادَة سِتِّينَ سنة بِتِلْكَ الزنية فرجحت الزنية بحسناته ثمَّ وضع الرَّغِيف أَو الرغيفان مَعَ حَسَنَاته فرجحت حَسَنَاته فغفر لَهُ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود
أَن رَاهِبًا عبد الله فِي صومعة سِتِّينَ سنة فَجَاءَت امْرَأَة فَنزلت إِلَى جنبه فَنزل إِلَيْهَا فواقعها سِتّ لَيَال ثمَّ سقط فِي يَده فهرب فَأتى مَسْجِدا فأوى فِيهِ ثَلَاثًا لَا يطعم شَيْئا فَأتى برغيف فَكَسرهُ فَأعْطى رجلا عَن يَمِينه نصفه وَأعْطى آخر عَن يسَاره نصفه فَبعث الله إِلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقبض روحه فَوضعت السِّتُّونَ فِي كفة وَوضعت السِّتَّة فِي كفة فرجحت السِّتَّة ثمَّ وضع الرَّغِيف فرجح
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
نَحوه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُقَال لَهُ خصفة بن خصفة قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول هَل تَدْرُونَ مَا الشَّديد قُلْنَا: الرجل يصرع الرجل قَالَ: إِن الشَّديد كل الشَّديد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب تَدْرُونَ مَا الرقوب قُلْنَا: الرجل لَا يُولد لَهُ قَالَ: إِن الرقوب الرجل الَّذِي لَهُ الْوَلَد لم يقدم مِنْهُم شَيْئا ثمَّ قَالَ: تَدْرُونَ مَا الصعلوك قُلْنَا: الرجل لَا مَال لَهُ قَالَ: الصعلوك كل الصعلوك الَّذِي لَهُ المَال لم يقدم مِنْهُ شَيْئا
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن النُّعْمَان بن بشير أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ يَا عَائِشَة اشْترِي نَفسك من الله لَا أُغني عَنْك من الله شَيْئا وَلَو بشق تَمْرَة يَا عَائِشَة لَا يرجعن من عنْدك سَائل وَلَو بظلف محرق
وَأخرج مُسلم عَن أبي ذَر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: يصبح على كل سلامى من(2/83)
أحدكُم صَدَقَة فَكل تسبيحه صَدَقَة وكل تَحْمِيدَة صَدَقَة وكل تَهْلِيلَة صَدَقَة وكل تَكْبِيرَة صَدَقَة وَأمر بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَة وَنهي عَن الْمُنكر صَدَقَة ويجزىء من ذَلِك رَكْعَتَانِ يركعهما من الضُّحَى
وَأخرج الْبَزَّار وَأَبُو يعلى عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كل ميسم من الإِنسان صَدَقَة كل يَوْم
فَقَالَ بعض الْقَوْم: إِن هَذَا لشديد يَا رَسُول الله وَمن يُطيق هَذَا قَالَ: أَمر بِالْمَعْرُوفِ وَنهي عَن الْمُنكر صَدَقَة وإماطة الْأَذَى عَن الطَّرِيق صَدَقَة وَإِن حملك على الضَّعِيف صَدَقَة وَإِن كل خطْوَة يخطوها أحدكُم إِلَى الصَّلَاة صَدَقَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن ابْن آدم سِتُّونَ وثلثمائة مفصل عَن كل وَاحِد مِنْهَا فِي كل يَوْم صَدَقَة فالكلمة يتَكَلَّم بهَا الرجل صَدَقَة وَعون الرجل أَخَاهُ على الشَّيْء صَدَقَة والشربة من المَاء تَسْقِي صَدَقَة وإماطة الْأَذَى عَن الطَّرِيق صَدَقَة
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن تبسمك فِي وَجه أَخِيك يكْتب لَك بِهِ صَدَقَة وَإِن إفراغك من دلو أَخِيك يكْتب لَك بِهِ صَدَقَة وإماطتك الْأَذَى عَن الطَّرِيق يكْتب لَك بِهِ صَدَقَة وإرشادك للضال يكْتب لَك بِهِ صَدَقَة
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ دهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَاس من قيس مجتابي الثِّمَار متقلدي السيوف فساءه مَا رأى من حَالهم فصلى ثمَّ دخل بَيته ثمَّ خرج فصلى وَجلسَ فِي مَجْلِسه فَأمر بِالصَّدَقَةِ أَو حض عَلَيْهَا فَقَالَ: تصدق رجل من ديناره تصدق رجل من درهمه تصدق رجل من صَاع بره تصدق رجل من صَاع تمره
فجَاء رجل من الْأَنْصَار بصرة من ذهب فوضعها فِي يَده ثمَّ تتَابع النَّاس حَتَّى رأى كومين من ثِيَاب وَطَعَام فَرَأَيْت وَجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تهلل كَأَنَّهُ مذهبَة
وَأخرج الْبَزَّار عَن كثير بن عبد الله بن عَمْرو بن عَوْف عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حث يَوْمًا على الصَّدَقَة فَقَامَ علية بن زيد فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا عرضي وَإِنِّي أشهدك يَا رَسُول الله أَنِّي تَصَدَّقت بعرضي على من ظَلَمَنِي ثمَّ جلس
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنْت الْمُتَصَدّق بعرضك قد قبل الله مِنْك(2/84)
وَأخرج الْبَزَّار عَن علية بن زيد قَالَ حث رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّدَقَة فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُول الله حثثت على الصَّدَقَة وَمَا عِنْدِي إِلَّا عرضي فقد تَصَدَّقت بِهِ على من ظَلَمَنِي فَأَعْرض عني فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْم الثَّانِي قَالَ: أَيْن علية بن زيد أَو أَيْن الْمُتَصَدّق بعرضه فَإِن الله تَعَالَى قد قبل مِنْهُ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو نعيم فِي فضل الْعلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي ذَر أَنه قَالَ: يَا رَسُول الله من أَيْن نتصدق وَلَيْسَ لنا أَمْوَال قَالَ: أَن من أَبْوَاب الصَّدَقَة التَّكْبِير وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله واستغفر الله وتأمر بِالْمَعْرُوفِ وتنهى عَن الْمُنكر وتعزل الشوك عَن طَرِيق النَّاس والعظم وَالْحجر وتهدي الْأَعْمَى وَتسمع الْأَصَم والأبكم حَتَّى يفقه وتدل الْمُسْتَدلّ على حَاجَة لَهُ قد علمت مَكَانهَا وتسعى بِشدَّة ذراعيك مَعَ الضَّعِيف كل ذَلِك من أَبْوَاب الصَّدَقَة مِنْك على نَفسك وَلَك فِي جماعك زَوجتك أجر قَالَ أَبُو ذَر: كَيفَ يكون لي أجر فِي شهوتي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَرَأَيْت لَو كَانَ لَك ولد فَأدْرك فرجوت أجره فَمَاتَ أَكنت تحتسب بِهِ قلت: نعم
قَالَ: فَأَنت خلقته قلت: بل الله خلقه
قَالَ: فَأَنت هديته قلت: بل الله هداه
قَالَ: فَأَنت كنت ترزقه قلت: بل الله كَانَ يرزقه
قَالَ: فَكَذَلِك فضعه فِي حَلَاله وجنبه حرَامه فَإِن شَاءَ الله أَحْيَاهُ وَإِن شَاءَ أَمَاتَهُ وَلَك أجر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن حَارِثَة بن وهب الْخُزَاعِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تصدقوا فَإِنَّهُ يُوشك أَن يخرج الرجل بِصَدَقَتِهِ فَلَا يجد من يقبلهَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي سَلمَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا نقصت صَدَقَة من مَال قطّ فتصدقوا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت أهديت لنا شَاة مشوية فقسمتها كلهَا إِلَّا كتفها فَدخل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: كلهَا لكم إِلَّا كتفها
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والأصبهاني فِي التَّرْغِيب وَابْن عَسَاكِر عَن الشّعبِيّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} إِلَى آخر الْآيَة فِي أبي بكر وَعمر جَاءَ عمر بِنصْف مَاله يحملهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رُؤُوس النَّاس وَجَاء أَبُو بكر بِمَالِه أجمع يكَاد أَن يخفيه من نَفسه
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا تركت(2/85)
لأهْلك قَالَ: عدَّة الله وعدة رَسُوله
فَقَالَ عمر لأبي بكر: مَا سبقناك إِلَى بَاب خير قطّ إِلَّا سبقتنا إِلَيْهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه عَن عمر قَالَ: أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمًا أَن نتصدق فَوَافَقَ ذَلِك مَالا عِنْدِي فَقلت: الْيَوْم أسبق أَبَا بكر إِن سبقته يَوْمًا فَجئْت بِنصْف مَالِي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أبقيت لأهْلك قلت: مثله
وأتى أَبُو بكر يحمل مَا عِنْده فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا أبقيت لأهْلك قَالَ: أبقيت لَهُم الله وَرَسُوله
فَقلت: لَا أسابقك إِلَى شَيْء أبدا
وَأخرج ابْن جرير عَن يزِيد بن أبي حبيب قَالَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} فِي الصَّدَقَة على الْيَهُود وَالنَّصَارَى
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ (وتكفر عَنْكُم من سَيِّئَاتكُمْ) وَقَالَ: الصَّدَقَة هِيَ الَّتِي تكفر
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / خير لكم تكفر / بِغَيْر وَاو
آيَة 272(2/86)
لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)
أخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه والضياء فِي المختارة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانُوا يكْرهُونَ أَن يرضخوا لأنسابهم من الْمُشْركين فسألوا فَنزلت هَذِه الْآيَة {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} إِلَى قَوْله {وَأَنْتُم لَا تظْلمُونَ} فَرخص لَهُم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه والضياء عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَأْمُرنَا أَن لَا نتصدق إِلَّا على أهل الإِسلام حَتَّى نزلت هَذِه الْآيَة {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} إِلَى آخرهَا
فَأمر بِالصَّدَقَةِ بعْدهَا على كل من سَأَلَك من كل دين
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يتَصَدَّق على الْمُشْركين فَنزلت {وَمَا تنفقون إِلَّا ابْتِغَاء وَجه الله} فَتصدق عَلَيْهِم(2/86)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تَصَدَّقُوا إِلَّا على أهل دينكُمْ
فَأنْزل الله {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} إِلَى قَوْله {وَمَا تنفقوا من خير يوف إِلَيْكُم} فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: تصدقوا على أهل الْأَدْيَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن الْحَنَفِيَّة قَالَ: كره النَّاس أَن يتصدقوا على الْمُشْركين فَأنْزل الله {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} فَتصدق النَّاس عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: كَانَ أنَاس من الْأَنْصَار لَهُم أَنْسَاب وقرابة من قُرَيْظَة وَالنضير وَكَانُوا يَتَّقُونَ أَن يتصدقوا عَلَيْهِم ويريدونهم أَن يسلمُوا فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجَالًا من الصَّحَابَة قَالُوا: أنتصدق على من لَيْسَ من أهل ديننَا فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رجَالًا من الصَّحَابَة قَالُوا: أنتصدق على من لَيْسَ من أهل ديننَا فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم}
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: كَانَ الرجل من الْمُسلمين إِذا كَانَ بَينه وَبَين الرجل من الْمُشْركين قرَابَة وَهُوَ مُحْتَاج لَا يتَصَدَّق عَلَيْهِ يَقُول: لَيْسَ من أهل ديني
فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن جريج قَالَ: سَأَلَهُ رجل لَيْسَ على دينه فَأَرَادَ أَن يُعْطِيهِ ثمَّ قَالَ: لَيْسَ على ديني
فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم}
وَأخرج سُفْيَان وَابْن الْمُنْذر عَن عَمْرو الْهِلَالِي قَالَ: سُئِلَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنتصدق على فُقَرَاء أهل الْكتاب فَأنْزل الله {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} الْآيَة
ثمَّ دلوا على الَّذِي هُوَ خير وَأفضل فَقيل (للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا) (الْبَقَرَة الْآيَة 273) الْآيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: كَانُوا يُعْطون فُقَرَاء أهل الذِّمَّة صَدَقَاتهمْ فَلَمَّا كثر فُقَرَاء الْمُسلمين قَالُوا: لَا نتصدق إِلَّا على فُقَرَاء الْمُسلمين فَنزلت {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم} الْآيَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي الْآيَة قَالَ: أما {لَيْسَ عَلَيْك هدَاهُم}(2/87)
فيعني الْمُشْركين وَأما النَّفَقَة فَبين أَهلهَا فَقَالَ (للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله) (الْبَقَرَة الْآيَة 273)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي فِي قَوْله {وَمَا تنفقون إِلَّا ابْتِغَاء وَجه الله} قَالَ: إِذا أَعْطَيْت لوجه الله فَلَا عَلَيْك مَا كَانَ عمله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: نَفَقَة الْمُؤمن لنَفسِهِ وَلَا ينْفق الْمُؤمن إِذا أنْفق إِلَّا ابْتِغَاء وَجه الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {يوف إِلَيْكُم وَأَنْتُم لَا تظْلمُونَ} قَالَ: هُوَ مَرْدُود عَلَيْك فمالك وَلِهَذَا تؤذيه وتمن عَلَيْهِ إِنَّمَا نَفَقَتك لنَفسك وابتغاء وَجه الله وَالله يجْزِيك
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن أبي حبيب فِي قَوْله {وَمَا تنفقوا من خير يوف إِلَيْكُم} قَالَ: إِنَّمَا أنزلت هَذِه الْآيَة فِي النَّفَقَة على الْيَهُود وَالنَّصَارَى
آيَة 273(2/88)
لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)
أخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} قَالَ: هم أَصْحَاب الصّفة
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر أَن أَصْحَاب الصّفة كَانُوا نَاسا فُقَرَاء وَأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من كَانَ عِنْده طَعَام إثنين ليذْهب بثالث الحَدِيث
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحق إِلَى أهل الصّفة فأدعهم
قَالَ: وَأهل الصّفة أضياف الإِسلام لَا يلوون على أهل وَلَا(2/88)
مَال إِذا أَتَتْهُ صَدَقَة بعث بهَا إِلَيْهِم وَلم يتَنَاوَل مِنْهَا شَيْئا وَإِذا أَتَتْهُ هَدِيَّة أرسل إِلَيْهِم وَأصَاب مِنْهَا
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن فضَالة بن عبيد قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا صلى بِالنَّاسِ يخر رجال من قيامهم فِي صلَاتهم لما بهم من الْخَصَاصَة وهم أهل الصّفة حَتَّى يَقُول الْأَعْرَاب: إِن هَؤُلَاءِ مجانين
وَأخرج ابْن سعيد وَعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وَأَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كَانَ من أهل الصّفة سَبْعُونَ رجلا لَيْسَ لوَاحِد مِنْهُم رِدَاء
وَأخرج أَبُو نعيم عَن الْحسن قَالَ بنيت صفة لِضُعَفَاء الْمُسلمين فَجعل الْمُسلمُونَ يوغلون إِلَيْهَا مَا اسْتَطَاعُوا من خير وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِيهم فَيَقُول: السَّلَام عَلَيْكُم يَا أهل الصّفة
فَيَقُولُونَ: وَعَلَيْك السَّلَام يَا رَسُول الله
فَيَقُول: كَيفَ أَصْبَحْتُم فَيَقُولُونَ: بِخَير يَا رَسُول الله
فَيَقُول: أَنْتُم الْيَوْم خير أم يَوْم يغدى على أحدكُم بجفنه وَيرَاح عَلَيْهِ بِأُخْرَى وَيَغْدُو فِي حلَّة وَيروح فِي أُخْرَى فَقَالُوا: نَحن يَوْمئِذٍ خير يُعْطِينَا الله فنشكر
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بل أَنْتُم الْيَوْم خير
وَأخرج ابْن سعد عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ فِي قَوْله {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} قَالَ: هم أَصْحَاب الصّفة وَكَانُوا لَا منَازِل لَهُم بِالْمَدِينَةِ وَلَا عشائر فَحَث الله عَلَيْهِم النَّاس بِالصَّدَقَةِ
وَأخرج سُفْيَان وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} قَالَ: هم مهاجروا قُرَيْش بِالْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أمروا بِالصَّدَقَةِ عَلَيْهِم
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} قَالَ: هم فُقَرَاء الْمُهَاجِرين بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} قَالَ: حصروا أنفسهم فِي سَبِيل الله للغزو فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تِجَارَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} قَالَ: قوم أَصَابَتْهُم الْجِرَاحَات فِي سَبِيل الله فصاروا زمنى فَجعل لَهُم فِي أَمْوَال الْمُسلمين حَقًا(2/89)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن رَجَاء بن حَيْوَة فِي قَوْله {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضربا فِي الأَرْض} قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ تِجَارَة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد قَالَ: كَانَت الأَرْض كلهَا كفرا لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يخرج يَبْتَغِي من فضل الله إِذا خرج فِي كفر
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} قَالَ: حصرهم الْمُشْركُونَ فِي الْمَدِينَة {لَا يَسْتَطِيعُونَ ضربا فِي الأَرْض} يَعْنِي التِّجَارَة {يَحْسبهُم الْجَاهِل} بأمرهم
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء} قَالَ: دلّ الله الْمُؤمنِينَ عَلَيْهِم وَجعل نفقاتهم لَهُم وَأمرهمْ أَن يضعوا نفقاتهم فيهم وَرَضي عَنْهُم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {تعرفهم بِسِيمَاهُمْ} قَالَ: التخشع
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع {تعرفهم بِسِيمَاهُمْ} يَقُول: تعرف فِي وُجُوههم الْجهد من الْحَاجة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {تعرفهم بِسِيمَاهُمْ} قَالَ: رثاثة ثِيَابهمْ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن قاسط السكْسكِي قَالَ: كنت عِنْد عبد الله بن عمر إِذْ جَاءَهُ رجل يسْأَله فَدَعَا غُلَامه فسارَّهُ وَقَالَ للرجل: اذْهَبْ مَعَه
ثمَّ قَالَ لي: اتقول هَذَا فَقير فَقلت: وَالله مَا سَأَلَ إِلَّا من فقر
قَالَ: لَيْسَ بفقير من جمع الدِّرْهَم إِلَى الدِّرْهَم وَالتَّمْرَة إِلَى التمرة وَلَكِن من أنقى نَفسه وثيابه لَا يقدر على شَيْء {يَحْسبهُم الْجَاهِل أَغْنِيَاء من التعفف تعرفهم بِسِيمَاهُمْ لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافاً} فَذَلِك الْفَقِير
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي ترده التمرة وَالتَّمْرَتَانِ واللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ إِنَّمَا الْمِسْكِين الَّذِي يتعفف واقرأوا إِن شِئْتُم {لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافاً}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ الْمِسْكِين بالطوّاف عَلَيْكُم فتعطونه لقْمَة لقْمَة إِنَّمَا الْمِسْكِين الْمُتَعَفِّف الَّذِي لَا يسْأَل النَّاس إلحافاً(2/90)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ الْمِسْكِين بالطوّاف الَّذِي ترده اللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَة وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِن الْمِسْكِين الَّذِي لَا يجد مَا يُغْنِيه ويستحي أَن يسْأَل النَّاس وَلَا يفْطن لَهُ فَيتَصَدَّق عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِن الله يحب الْحَلِيم الْحَيِي الْغَنِيّ الْمُتَعَفِّف وَيبغض الْفَاحِش البذي السَّائِل الْمُلْحِف
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: من تغنى أغناه الله وَمن سَأَلَ النَّاس إلحافاً فَإِنَّمَا يستكثر من النَّار
وَأخرج مَالك وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن رجل من بني أَسد قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ وَله أُوقِيَّة أَو عدلها فقد سَأَلَ إلحافاً
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي قَوْله {إلحافاً} قَالَ: هُوَ الَّذِي يلح فِي الْمَسْأَلَة
وَأخرج ابْن سعد وَابْن أبي شيبَة عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع
أَنه كَانَ لَا يسْأَله أحد بِوَجْه الله إِلَّا أعطَاهُ وَكَانَ يكرهها وَيَقُول: هِيَ مَسْأَلَة الالحاف
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء: أَنه كره أَن يسْأَل بِوَجْه الله أَو بِالْقُرْآنِ شَيْء من أَمر الدُّنْيَا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: من سُئِلَ بِاللَّه فَأعْطى فَلهُ سَبْعُونَ أجرا
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تزَال الْمَسْأَلَة بأحدكم حَتَّى يلقى الله وَلَيْسَ فِي وَجهه مزعة لحم
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان عَن سَمُرَة بن جُنْدُب
أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الْمسَائِل كدوح يكدح بهَا الرجل وَجهه فَمن شَاءَ أبقى على وَجهه وَمن شَاءَ ترك إِلَّا أَن يسْأَل ذَا سُلْطَان أَو فِي أَمر لَا يجد مِنْهُ بدا
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن عمر: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الْمَسْأَلَة كدوح فِي وَجه صَاحبهَا يَوْم الْقِيَامَة فَمن شَاءَ استبقى على وَجهه
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ النَّاس فِي غير(2/91)
فاقة نزلت بِهِ أَو عِيَال لَا يطيقهم جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بِوَجْه لَيْسَ عَلَيْهِ لحم وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من فتح على نَفسه بَاب مَسْأَلَة من غير فاقة نزلت بِهِ أَو عِيَال لَا يطيقهم فتح الله عَلَيْهِ بَاب فاقة من حَيْثُ لَا يحْتَسب
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ قَالَ: مَا نقصت صَدَقَة من مَال وَمَا مد عبد يَده بِصَدقَة إِلَّا ألقيت فِي يَد الله قبل أَن تقع فِي يَد السَّائِل وَلَا فتح عبد بَاب مَسْأَلَة لَهُ عَنْهَا غنى إِلَّا فتح الله لَهُ بَاب فقر
وَأخرج أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن ماجة عَن أبي كَبْشَة الْأَنمَارِي أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: ثَلَاث أقسم عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثكُمْ حَدِيثا فاحفظوه: مَا نقص مَال عبد من صَدَقَة وَلَا ظلم عبد مظْلمَة صَبر عَلَيْهَا إِلَّا زَاده الله بهَا عزا وَلَا فتح عبد بَاب مَسْأَلَة إِلَّا فتح الله عَلَيْهِ بَاب فقر وَأُحَدِّثكُمْ حَدِيثا فاحفظوه: إِنَّمَا الدُّنْيَا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مَالا وعلماً فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ ربه ويصل فِيهِ رَحمَه وَيعلم لله فِيهِ حَقًا فَهَذَا بِأَفْضَل الْمنَازل وَعبد رزقه الله علما وَلم يرزقه مَالا فَهُوَ صَادِق النِّيَّة يَقُول: لَو أَن لي مَالا لعملت بِعَمَل فلَان فَهُوَ بنيته فأجرهما سَوَاء وَعبد رزقه الله مَالا وَلم يرزقه علما فَهُوَ يخبط فِي مَاله بِغَيْر علم وَلَا يَتَّقِي فِيهِ ربه وَلَا يصل فِيهِ رَحمَه وَلَا يعلم فِيهِ لله حقّاً فَهَذَا باخبث الْمنَازل وَعبد لم يرزقه الله مَالا وَلَا علما فَهُوَ يَقُول: لَو أَن لي مَالا لعملت فِيهِ بِعَمَل فلَان فَهُوَ بنيته فوزرهما سَوَاء
وَأخرج النَّسَائِيّ عَن عَائِذ بن عَمْرو أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَله فَأعْطَاهُ فَلَمَّا وضع رجله على أُسْكُفَّة الْبَاب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو تعلمُونَ مَا فِي الْمَسْأَلَة مَا مَشى أحد إِلَى أحد يسْأَله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَو يعلم صَاحب الْمَسْأَلَة مَا لَهُ فِيهَا لم يسْأَل
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَسْأَلَة الْغَنِيّ شين فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة وَمَسْأَلَة الْغَنِيّ نَار إِن أعْطى قَلِيلا فقليل وَإِن أعْطى كثيرا فكثير
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ عَن ثَوْبَان عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من سَأَلَ مَسْأَلَة وَهُوَ عَنْهَا غَنِي كَانَت شيناً فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر بن عبد الله أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من(2/92)
سَأَلَ وَهُوَ غَنِي عَن الْمَسْأَلَة يحْشر يَوْم الْقِيَامَة وَهِي خموش فِي وَجهه
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن عُرْوَة بن مُحَمَّد بن عَطِيَّة حَدثنِي أبي أَن أَبَاهُ أخبرهُ قَالَ: قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أنَاس من بني سعد بن بكر فَأتيت فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: مَا أعناك الله فَلَا تسْأَل النَّاس شَيْئا فَإِن الْيَد الْعليا هِيَ المنطية وَالْيَد السُّفْلى هِيَ المنطاة وَإِن مَال الله لمسؤول ومنطى
قَالَ: وكلمني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلغتنا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مَسْعُود بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أُتِي بِرَجُل يصلى عَلَيْهِ فَقَالَ: كم ترك فَقَالُوا: دينارين أَو ثَلَاثَة
قَالَ: ترك كيتين أَو ثَلَاث كيات
فَلَقِيت عبد الله بن الْقَاسِم مولى أبي بكر فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ: ذَاك رجل كَانَ يسْأَل النَّاس تكثراً
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن خُزَيْمَة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن حبشِي بن جُنَادَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الَّذِي يسْأَل من غير حَاجَة كَمثل الَّذِي يلتقط الْجَمْر
وَلَفظ ابْن أبي شيبَة: من سَأَلَ النَّاس ليثري بِهِ مَاله فَإِنَّهُ خموش فِي وَجهه ورضف من جَهَنَّم يَأْكُلهُ يَوْم الْقِيَامَة وَذَلِكَ فِي حجَّة الْوَدَاع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ النَّاس تكثراً فَإِنَّمَا يسْأَل جمراً فليستقل أَو ليستكثر
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ مَسْأَلَة عَن ظهر غنى استكثر بهَا من رضف جَهَنَّم
قَالُوا: وَمَا ظهر غنى قَالَ: عشَاء لَيْلَة
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن سهل بن الحنظلية قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ شَيْئا وَعِنْده مَا يُغْنِيه فَإِنَّمَا يستكثر من جمر جَهَنَّم
قَالُوا: يَا رَسُول الله وَمَا يُغْنِيه قَالَ: مَا يغديه أَو يعشيه
وَأخرج ابْن حبَان عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سَأَلَ النَّاس ليثري مَاله فَإِنَّمَا هِيَ رضف من النَّار يلهبه فَمن شَاءَ فليقلّ وَمن شَاءَ فليكثر
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن أبي ليلى قَالَ: جَاءَ سَائل فَسَأَلَ أَبَا ذَر فَأعْطَاهُ شَيْئا فَقيل لَهُ: تعطيه وَهُوَ مُوسر فَقَالَ: إِنَّه سَائل وللسائل حق وليتمنين يَوْم الْقِيَامَة أَنَّهَا كَانَت رضفة فِي يَده
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ: كُنَّا تِسْعَة(2/93)
أَو ثَمَانِيَة أَو سَبْعَة فَقَالَ: أَلا تُبَايِعُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُلْنَا: علام نُبَايِعك قَالَ: أَن تعبدوا الله وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا والصلوات الْخمس وتطيعوا وَلَا تسألوا النَّاس فَلَقَد رَأَيْت بعض أُولَئِكَ النَّفر يسْقط سَوط أحدهم فَلَا يسْأَل أحدا يناوله إِيَّاه
وَأخرج أَحْمد عَن أبي ذَر قَالَ دَعَاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: هَل لَك إِلَى الْبيعَة وَلَك الْجنَّة قلت: نعم
فَشرط عَليّ أَن لَا أسأَل النَّاس شَيْئا
قلت: نعم
قَالَ: وَلَا سَوْطك إِن سقط مِنْك حَتَّى تنزل فتأخذه
وَأخرج أَحْمد عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: رُبمَا سقط الخطام من يَد أبي بكر الصّديق فَيضْرب بِذِرَاع نَاقَته فينيخها فَيَأْخذهُ فَقَالُوا لَهُ: أَفلا أمرتنا فنناولكه فَقَالَ: إِن حَبِيبِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمرنِي أَن لَا أسأَل أحدا شَيْئا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من يُبَايع فَقَالَ ثَوْبَان: بَايعنَا يَا رَسُول الله
قَالَ: على أَن لَا تسألوا أحدا شَيْئا
فَقَالَ ثَوْبَان: فَمَا لَهُ يَا رَسُول الله قَالَ: الْجنَّة
فَبَايعهُ ثَوْبَان
قَالَ أَبُو أُمَامَة
فَلَقَد رَأَيْته بِمَكَّة فِي أجمع مَا يكون من الناكدة يسْقط سَوْطه وَهُوَ رَاكب فَرُبمَا وَقع على عاتق الرجل فَيَأْخذهُ الرجل فيناوله فَمَا يَأْخُذهُ مِنْهُ حَتَّى يكون هُوَ ينزل فَيَأْخذهُ
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من تكفل لي أَن لَا يسْأَل النَّاس شَيْئا وأتكفل لَهُ بِالْجنَّةِ فَقلت: أَنا
فَكَانَ لَا يسْأَل أحدا شَيْئا
وَلابْن ماجة فَكَانَ ثَوْبَان يَقع سَوْطه وَهُوَ رَاكب فَلَا يَقُول لأحد ناولنيه حَتَّى ينزل فَيَأْخذهُ
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن حَكِيم بن حزَام قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأَعْطَانِي ثمَّ سَأَلته فَأَعْطَانِي ثمَّ قَالَ: يَا حَكِيم هَذَا المَال خضرَة حلوة فَمن أَخذه بسخاوة نفس بورك لَهُ فِيهِ وَمن أَخذه باشراف نفس لم يُبَارك لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى
فَقلت: يَا رَسُول الله وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لَا أرزأ أحدا بعْدك شَيْئا حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بكر يَدْعُو حكيماً ليعطيه الْعَطاء فيأبى أَن يقبل مِنْهُ شَيْئا ثمَّ إِن عمر دَعَاهُ ليعطيه فَأبى أَن يقبله فَلم يرزأ حَكِيم أحدا من النَّاس بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
حَتَّى توفّي رَضِي الله عَنهُ
وَأخرج أَحْمد عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: ثَلَاث(2/94)
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ان كنت لحالفاً عَلَيْهِنَّ لَا ينقص مَال من صَدَقَة فتصدقوا وَلَا يعْفُو عبد عَن مظْلمَة إِلَّا زَاده الله بهَا عزا وَلَا يفتح عبد بَاب مَسْأَلَة إِلَّا فتح الله عَلَيْهِ بَاب فقر
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ عمر يَا رَسُول الله لقد سَمِعت فلَانا وَفُلَانًا يحسنان الثَّنَاء يذكران أَنَّك أعطيتهما دينارين فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَكِن فلَانا مَا هُوَ كَذَلِك لقد أَعْطيته مَا بَين عشرَة إِلَى مائَة فَمَا يَقُول ذَلِك أما وَالله إِن أحدكُم ليخرج بمسألته من عِنْدِي يتأبطها نَارا
قَالَ عمر: يَا رَسُول الله لم تعطيها إيَّاهُم قَالَ: فَمَا أصنع يأبون إِلَّا مَسْأَلَتي ويأبى الله لي الْبُخْل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن قبيصَة بن الْمخَارِق قَالَ تحملت حمالَة فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اسأله فِيهَا فَقَالَ: أقِم حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَة فنأمر لَك بهَا ثمَّ قَالَ: يَا قبيصَة إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل إِلَّا لأحد ثَلَاثَة: رجل تحمل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيبهَا ثمَّ يمسك وَرجل أَصَابَته جَائِحَة اجتاحت مَاله فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قواماً من عَيْش أَو قَالَ: سداداً من عَيْش وَرجل أَصَابَته فاقة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يَقُول ثَلَاثَة من ذَوي الحجا من قومه: لقد أَصَابَت فلَانا فاقة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيب قواماً من عَيْش أَو قَالَ: سداداً من عَيْش فَمَا سواهن من الْمَسْأَلَة يَا قبيصَة سحت يأكلها صَاحبهَا سحتاً
وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استغنوا عَن النَّاس وَلَو بشوص السِّوَاك
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله يحب الْغَنِيّ الْحَلِيم الْمُتَعَفِّف وَيبغض البذي الْفَاجِر السَّائِل الْملح
وَأخرج الْبَزَّار عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ: كَانَت لي عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عدَّة فَلَمَّا فتحت قُرَيْظَة جِئْت لينجز لي مَا وَعَدَني فَسَمعته يَقُول: من يسْتَغْن يغنه الله وَمن يقنع يقنعه الله
فَقلت فِي نَفسِي: لَا جرم لَا أسأله شَيْئا
وَأخرج مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر وَذكر الصَّدَقَة وَالتَّعَفُّف عَن الْمَسْأَلَة: الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى والعليا هِيَ المنفقة والسفلى هِيَ السائلة
وَأخرج ابْن سعد عَن عدي الجذامي قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول يَا أَيهَا(2/95)
النَّاس تعلمُوا فَإِنَّمَا الْأَيْدِي ثَلَاثَة
فيد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الْوُسْطَى وَيَد الْمُعْطى السُّفْلى فتغنوا وَلَو بحزم الْحَطب
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَيْدِي ثَلَاث: يَد الله هِيَ الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَد السَّائِل السُّفْلى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فاستعفف عَن السُّؤَال مَا اسْتَطَعْت
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن سهل بن سعد قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّد عش مَا شِئْت فَإنَّك ميت واعمل مَا شِئْت فَإنَّك مجزى بِهِ واحبب من شِئْت فَإنَّك مفارقه وَاعْلَم أَن شرف الْمُؤمن قيام اللَّيْل وعزه استغناؤه عَن النَّاس
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَيْسَ الْغنى عَن كَثْرَة الْعرض وَلَكِن الْغنى غنى النَّفس
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أَبَا ذَر أَتَرَى كَثْرَة المَال هُوَ الْغنى قلت: نعم يَا رَسُول الله
قَالَ: أفَتَرَى قلَّة المَال هُوَ الْفقر قلت: نعم يَا رَسُول الله
قَالَ: إِنَّمَا الْغنى غنى الْقلب والفقر فقر الْقلب
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قد أَفْلح من أسلم ورزق كفافاً وقنعه الله بِمَا آتَاهُ
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم وصححاه عَن فضَالة بن عبيد أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: طُوبَى لمن هدي للإِسلام وَكَانَ عيشه كفافاً وقنع
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إيَّاكُمْ والطمع فَإِنَّهُ الْفقر وَإِيَّاكُم وَمَا يعْتَذر مِنْهُ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن سعد بن أبي وَقاص قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله أوصني وأوجز
فَقَالَ: عَلَيْك بالأياس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس وَإِيَّاك والطمع فَإِنَّهُ فقر حَاضر وَإِيَّاك وَمَا يعْتَذر مِنْهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الزّهْد عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم القناعة كنز لَا يفنى
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أما فِي بَيْتك شَيْء قَالَ: بلَى حلْس(2/96)
نلبس بعضه ونبسط بعضه وَقَعْب نشرب فِيهِ من المَاء
قَالَ: ائْتِنِي بهما
فَأَتَاهُ بهما فَأَخذهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِيَدِهِ فَقَالَ: من يَشْتَرِي هذَيْن قَالَ رجل: أَنا آخذهما بدرهم
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من يزِيد على دِرْهَم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا قَالَ رجل: أَنا آخذهما بِدِرْهَمَيْنِ
فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاه وَأخذ الدرهمين فاعطاهما للْأَنْصَارِيِّ وَقَالَ: اشْتَرِ باحدهما فأنبذه إِلَى أهلك واشتر بِالْآخرِ قدومًا فائتني بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشد فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عوداً بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ: اذْهَبْ فاحتطب وبع فَلَا أرينك خَمْسَة عشر يَوْمًا فَفعل فَجَاءَهُ وَقد أصَاب عشرَة دَرَاهِم فَاشْترى بِبَعْضِهَا ثوبا وببعضها طَعَاما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَذَا خير لَك من أَن تَجِيء الْمَسْأَلَة نُكْتَة فِي وَجهك يَوْم الْقِيَامَة إِن المسالة لَا تصلح إِلَّا لثلاث: لذِي فقر مدقع أَو لذِي غرم مفظع أَو لذِي دم موجع
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَابْن ماجة عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإِن يَأْخُذ أحدكُم أحبله فَيَأْتِي بحزمة من حطب على ظَهره فيبيعها فيكف بهَا وَجهه خير لَهُ من أَن يسْأَل النَّاس أَعْطوهُ أَو منعُوهُ
وَأخرج مَالك وَابْن أبي شيبَة وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لإِن يحتطب أحدكُم حزمة على ظَهره خير لَهُ من أَن يسْأَل أحدا فيعطيه أَو يمنعهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله يحب الْمُؤمن المحترف
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من اسْتغنى أغناه الله وَمن استعفف أعفه الله وَمن استكفى كَفاهُ الله وَمن سَأَلَ وَله قيمَة أُوقِيَّة فقد ألحف
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تلحفوا فِي الْمَسْأَلَة فوَاللَّه مَا يسألني أحد مِنْكُم شَيْئا فَتخرج لَهُ مَسْأَلته مني شَيْئا وَأَنا لَهُ كَارِه فيبارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته
وَأخرج أَبُو يعلى عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تلحفوا فِي الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ من يسْتَخْرج منا بهَا شَيْئا لم يُبَارك لَهُ فِيهِ
وَأخرج ابْن حبَان عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرجل يأتيني فيسألني فاعطيه فَينْطَلق وَمَا يحمل فِي حضنه إِلَّا النَّار(2/97)
وَأخرج ابْن حبَان عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم ذَهَبا إِذْ أَتَاهُ رجل فَقَالَ: يَا رَسُول الله اعطني فَأعْطَاهُ ثمَّ قَالَ: زِدْنِي
فزاده ثَلَاث مَرَّات ثمَّ ولى مُدبرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يأتيني الرجل فيسألني فاعطيه ثمَّ يسألني فاعطيه ثمَّ يولي مُدبرا
وَقد جعل فِي ثَوْبه نَارا إِذا انْقَلب إِلَى أَهله
وَأخرج أَبُو يعلى وَابْن حبَان عَن عمر بن الْخطاب
أَنه دخل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يود رَسُول الله أَن فلَانا يشْكر يذكر انك أَعْطيته دينارين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
: لَكِن فلَانا قد أَعْطيته مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْمِائَة فَمَا شكره وَمَا يَقُول إِن أحدكُم ليخرج من عِنْدِي بحاجته متأبطها وَمَا هِيَ إِلَّا النَّار
قلت: يَا رَسُول الله لم تعطيهم قَالَ: يأبون إِلَّا أَن يَسْأَلُونِي ويأبى الله لي الْبُخْل
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار وَابْن حبَان عَن عَائِشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن هَذَا المَال خضرَة حلوة فَمن أعطيناه مِنْهَا شَيْئا بِطيب نفس منا وَحسن طعمة مِنْهُ من غير شَره نفس بورك لَهُ فِيهِ وَمن أعطيناه مِنْهَا شَيْئا بِغَيْر طيب نفس منا وَحسن طعمة مِنْهُ وشره نفس كَانَ غير مبارك لَهُ فِيهِ
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن عمر أَن عمر قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعطيني الْعَطاء فَأَقُول: أعْطه من هُوَ أفقر إِلَيْهِ مني
فَقَالَ: خُذْهُ إِذا جَاءَك من هَذَا المَال شَيْء وَأَنت غير مشرف وَلَا سَائل فَخذه فتموّله فَإِن شِئْت كُله وَإِن شِئْت تصدق بِهِ وَمَا لَا فَلَا تتبعه نَفسك
قَالَ سَالم بن عبد الله: فلأجل ذَلِك كَانَ عبد الله لَا يسْأَل أحدا شَيْئا وَلَا يرد شَيْئا أعْطِيه
وَأخرج مَالك عَن عَطاء بن يسَار أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرسل إِلَى عمر بن الْخطاب بعطاء فَرده عمر فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لم رَددته فَقَالَ: يَا رَسُول الله أَلَيْسَ أخبرتنا أَن خيرا لِأَحَدِنَا أَن لَا يَأْخُذ من أحد شَيْئا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا ذَلِك عَن الْمَسْأَلَة فَأَما مَا كَانَ غير مَسْأَلَة فَإِنَّمَا هُوَ رزق يرزقه الله
فَقَالَ عمر: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا أسأَل شَيْئا وَلَا يأتيني شَيْء من غير مَسْأَلَة إِلَّا أَخَذته
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق زيد بن أسلم عَن أَبِيه قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يَقُول: فَذكر نَحوه
وَأخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَائِشَة من أَعْطَاك شَيْئا بِغَيْر مَسْأَلَة فاقبليه فَإِنَّمَا هُوَ رزق عرضه الله إِلَيْك(2/98)
وَأخرج أَبُو يعلى عَن وَاصل بن الْخطاب قَالَ قلت: يَا رَسُول الله قد قلت: إِن خيرا لَك أَن لَا تسْأَل أحدا من النَّاس شَيْئا قَالَ: إِنَّمَا ذَاك أَن تسْأَل وَمَا أَتَاك من غير مَسْأَلَة فَإِنَّمَا هُوَ رزق رزقكه الله
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن خَالِد بن عدي الْجُهَنِيّ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من بلغه عَن أَخِيه مَعْرُوف من غير مَسْأَلَة وَلَا اشراف نفس فليقبله وَلَا يردهُ فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من آتَاهُ الله شَيْئا من هَذَا المَال من غير أَن يسْأَله فليقبله فَإِنَّمَا هُوَ رزق سَاقه الله إِلَيْهِ
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِذ بن عَمْرو عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من عرض لَهُ من هَذَا الرزق شَيْء من غير مَسْأَلَة وَلَا اسراف فليتوسع بِهِ فِي رزقه فَإِن كَانَ غَنِيا فليوجهه إِلَى من هُوَ أحْوج إِلَيْهِ مِنْهُ
وَأخرج ابْن شيبَة عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استغن عَن النَّاس وَلَو بقضمة سواك
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن حبشِي بن جُنَادَة السَّلُولي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول وَأَتَاهُ أَعْرَابِي فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِن الْمَسْأَلَة لَا تحل إِلَّا لفقر مدقع أَو غرم مفظع
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول إِن الله كره لكم ثَلَاثًا: قيل وَقَالَ واضاعة المَال وَكَثْرَة السُّؤَال فَإِذا شِئْت رَأَيْته فِي قيل وَقَالَ يَوْمه أجمع وَصدر ليلته حَتَّى يلقى جيفة على رَأسه لَا يَجْعَل الله لَهُ من نَهَاره وَلَا ليلته نَصِيبا وَإِذا شِئْت رَأَيْته ذَا مَال فِي شَهْوَته ولذاته وملاعبه ويعدله عَن حق الله فَذَلِك اضاعة المَال وَإِذا شِئْت رَأَيْته باسطاً ذِرَاعَيْهِ يسْأَل النَّاس فِي كفيه فَإِذا أعطي أفرط فِي مدحهم وان منع أفرط فِي ذمهم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الْمُعْطِي من سَعَة بِأَفْضَل من الْأَخْذ إِذا كَانَ مُحْتَاجا
وَأخرج ابْن حبَان فِي الضُّعَفَاء وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أنس قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا الَّذِي يُعْطي من سَعَة بأعظم أجرا من الَّذِي يقبل إِذا كَانَ مُحْتَاجا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة {وَمَا تنفقوا من خير فَإِن الله بِهِ عليم} قَالَ: مَحْفُوظ ذَلِك عِنْد الله عَالم بِهِ شَاكر لَهُ وَإنَّهُ لَا شَيْء أشكر من الله وَلَا أجزى لخير من الله(2/99)
آيَة 274(2/100)
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)
أخرج ابْن سعد فِي الطَّبَقَات وَأَبُو بكر أَحْمد بن أبي عَاصِم فِي الْجِهَاد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن عدي وَالطَّبَرَانِيّ وَالشَّيْخ فِي العظمة والواحدي عَن يزِيد بن عبد الله بن عريب الْمَكِّيّ عَن أَبِيه عَن جده عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أنزلت هَذِه الْآيَة {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} فِي أَصْحَاب الْخَيل
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي أَصْحَاب الْخَيل {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة} فِيمَن يربطها لَا خُيَلَاء ولضمار
وَأخرج ابْن جرير عَن أبي الدَّرْدَاء أَنه كَانَ ينظر إِلَى الْخَيل مربوطة بَين البراذين والهجن فَيَقُول: أهل هَذِه من {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والواحدي عَن أبي أُمَامَة والباهلي قَالَ: من ارْتبط فرسا فِي سَبِيل الله لم يرتبطه رِيَاء وَلَا سمعة كَانَ من {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم} الْآيَة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والواحدي من طَرِيق حَنش الصَّنْعَانِيّ أَنه سمع ابْن عَبَّاس يَقُول فِي هَذِه الْآيَة {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة} قَالَ: هم الَّذين يعلفون الْخَيل فِي سَبِيل الله
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي كَبْشَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْخَيل مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْر وَأَهْلهَا مُعَانُونَ عَلَيْهَا والمنفق عَلَيْهَا كالباسط يَده بِالصَّدَقَةِ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة} قَالَ: نزلت فِي عَليّ بن(2/100)
أبي طَالب كَانَت لَهُ أَرْبَعَة دَرَاهِم فأنفق بِاللَّيْلِ درهما وبالنهار درهما وسراً درهما وَعَلَانِيَة درهما
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مسعر عَن عون قَالَ: قَرَأَ رجل {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة} فَقَالَ: إِنَّمَا كَانَت أَرْبَعَة دَرَاهِم فأنفق درهما بِاللَّيْلِ ودرهماً بِالنَّهَارِ ودرهماً فِي السِّرّ ودرهماً فِي الْعَلَانِيَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن إِسْحَق قَالَ: لما قبض أَبُو بكر واستخلف عمر خطب النَّاس فَحَمدَ الله وَأثْنى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهله ثمَّ قَالَ: أَيهَا النَّاس إِن بعض الطمع فقر وَإِن بعض الْيَأْس غنى وَإِنَّكُمْ تجمعون مَا لَا تَأْكُلُونَ وتأملون مَا لَا تدركون وَاعْلَمُوا أَن بعض الشُّح شُعْبَة من النِّفَاق فانفقوا خيرا لأنفسكم فَأَيْنَ أَصْحَاب هَذِه الْآيَة {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: هَؤُلَاءِ قوم أَنْفقُوا فِي سَبِيل الله الَّذِي افْترض عَلَيْهِم فِي غير سرف وَلَا إملاق وَلَا تبذير وَلَا فَسَاد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن الْمسيب {الَّذين يُنْفقُونَ أَمْوَالهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار سرا وَعَلَانِيَة فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} كلهَا فِي عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَعُثْمَان بن عَفَّان فِي نفقتهما فِي جَيش الْعسرَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ هَذَا قبل أَن تفرض الزَّكَاة
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: كَانَ هَذَا يعْمل بِهِ قبل أَن تنزل بَرَاءَة فَلَمَّا نزلت بَرَاءَة بفرائض الصَّدقَات وتفصيلها انْتَهَت الصَّدقَات إِلَيْهَا
آيَة 275(2/101)
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)
أخرج أَبُو يعلى من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} قَالَ: يعْرفُونَ يَوْم الْقِيَامَة بذلك لَا يَسْتَطِيعُونَ الْقيام إِلَّا كَمَا يقوم المتخبط المنخنق {ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا} وكذبوا على الله {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} وَمن عَاد لأكل الرِّبَا {فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} وَفِي قَوْله (يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا) (الْبَقَرَة الْآيَة 278) الْآيَة
قَالَ: بلغنَا أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي بني عَمْرو بن عَوْف من ثَقِيف وَبني الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم كَانَ بَنو الْمُغيرَة يربون لثقيف فَلَمَّا أظهر الله رَسُوله على مَكَّة وَوضع يَوْمئِذٍ الرِّبَا كُله وَكَانَ أهل الطَّائِف قد صَالحُوا على أَن لَهُم رباهم وَمَا كَانَ عَلَيْهِم من رَبًّا فَهُوَ مَوْضُوع وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر صحيفتهم أَن لَهُم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْهِم مَا على الْمُسلمين أَن لَا يَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا يؤكلوه
فَأتى بَنو عَمْرو بن عُمَيْر ببني الْمُغيرَة إِلَى عتاب بن أسيد وَهُوَ على مَكَّة فَقَالَ بَنو الْمُغيرَة: مَا جعلنَا أَشْقَى النَّاس بالربا وَوضع عَن النَّاس غَيرنَا
فَقَالَ بَنو عَمْرو بن عُمَيْر: صولحنا على أَن لنا ربانا
فَكتب عتاب بن أسيد ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة (فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا بِحَرب) (الْبَقَرَة الْآيَة 279)
وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي ترغيبه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْتِي آكل الرِّبَا يَوْم الْقِيَامَة مختبلاً يجر شقيه ثمَّ قَرَأَ {لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس}
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: آكل الرِّبَا يبْعَث يَوْم الْقِيَامَة مَجْنُونا يخنق
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس {لَا يقومُونَ}
) الْآيَة
قَالَ: ذَلِك حِين يبْعَث من قَبره
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الرِّبَا وَعظم شَأْنه فَقَالَ: إِن الرجل يُصِيب درهما من الرِّبَا أعظم عِنْد الله فِي الْخَطِيئَة من سِتّ وَثَلَاثِينَ زنية يزنيها الرجل وَإِن أربى الرِّبَا عرض الرجل الْمُسلم(2/102)
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: الرِّبَا اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ حوبا أصغرها حوباً كمن أَتَى أمه فِي الإِسلام وَدِرْهَم فِي الرِّبَا أَشد من بضع وَثَلَاثِينَ زنية
قَالَ: وَيُؤذن للنَّاس يَوْم الْقِيَامَة الْبر والفاجر فِي الْقيام إِلَّا أكله الرِّبَا فانهم لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن سَلام قَالَ: الرِّبَا سَبْعُونَ حوباً أدناها فجرة مثل أَن يضطجع الرجل مَعَ أمه وأربى الرِّبَا إستطالة الْمَرْء فِي عرض أَخِيه الْمُسلم بِغَيْر حق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن كَعْب قَالَ: لإِن أزني ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ زنية أحب إليّ من أَن آكل درهما رَبًّا يعلم الله أَنِّي أَكلته رَبًّا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ دِرْهَم رَبًّا أَشد على الله من سِتَّة وَثَلَاثِينَ زنية
وَقَالَ: من نبت لَحْمه من السُّحت فَالنَّار أولى بِهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الرِّبَا ثَلَاثَة وَسَبْعُونَ بَابا أيسرها مثل أَن ينْكح الرجل أمه وَإِن أربى الرِّبَا عرض الرجل الْمُسلم
وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الرِّبَا سَبْعُونَ بَابا أدناها مثل مَا يَقع الرجل على أمه وأربى الرِّبَا إستطالة الْمَرْء فِي عرض أَخِيه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب ذمّ الْغَيْبَة وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ: خطب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذكر الرِّبَا وَعظم شَأْنه فَقَالَ: إِن الدِّرْهَم يُصِيبهُ الرجل من الرِّبَا أعظم عِنْد الله فِي الْخَطِيئَة من سِتّ وَثَلَاثِينَ زنية يزنيها الرجل وَإِن أربى الرِّبَا عرض الرجل الْمُسلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عَوْف بن مَالك قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إياك والذنُوب الَّتِي لَا تغْفر
الْغلُول فَمن غل شَيْئا أَتَى بِهِ يَوْم الْقِيَامَة وَأكل الرِّبَا فَمن أكل الرِّبَا بعث يَوْم الْقِيَامَة مَجْنُونا يتخبط ثمَّ قَرَأَ {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس}(2/103)
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي الْآيَة قَالَ: يبعثون يَوْم الْقِيَامَة وبهم خبل من الشَّيْطَان وَهِي فِي بعض الْقِرَاءَة لَا يقومُونَ يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة قَالَت لما نزلت الْآيَات من آخر سُورَة الْبَقَرَة فِي الرِّبَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَسْجِد فقرأهن على النَّاس ثمَّ حرم التِّجَارَة فِي الْخمر
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَارِيخه عَن عَائِشَة قَالَت: لما نزلت سُورَة الْبَقَرَة نزل فِيهَا تَحْرِيم الْخمر فَنهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: لما نزلت {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا لَا يقومُونَ إِلَّا كَمَا يقوم الَّذِي يتخبطه الشَّيْطَان من الْمس} قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من لم يتْرك المخابرة فليؤذن بِحَرب من الله وَرَسُوله
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن عمر أَنه قَالَ: من آخر مَا أنزل آيَة الرِّبَا وَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبض قبل أَن يُفَسِّرهَا لنا فدعوا الرِّبَا والريبة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب أَنه خطب فَقَالَ: إِن من آخر الْقُرْآن نزولاً آيَة الرِّبَا والريبة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب أَنه خطب فَقَالَ: إِن من آخر الْقُرْآن نزولاً آيَة الرِّبَا وَإنَّهُ قد مَاتَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يُبينهُ لنا فدعوا مَا يريبكم إِلَى مَا لَا يريبكم
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو عبيد وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آخر آيَة أنزلهَا الله على رَسُوله آيَة الرِّبَا
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ عمر بن الْخطاب: آخر مَا أنزل الله آيَة الرِّبَا
وَأخرج ابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي الرِّبَا الَّذِي نهى الله عَنهُ قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يكون للرجل على الرجل الدّين فَيَقُول: لَك كَذَا وَكَذَا وتؤخر عني فيؤخر عَنهُ
وَأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة
أَن رَبًّا أهل الْجَاهِلِيَّة يَبِيع الرجل البيع إِلَى أجل(2/104)
مُسَمّى فَإِذا حل الْأَجَل وَلم يكن عِنْد صَاحبه قَضَاء زَاده وَأخر عَنهُ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {الَّذين يَأْكُلُون الرِّبَا} يَعْنِي استحلالاً لأكله {لَا يقومُونَ} يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة ذَلِك يَعْنِي الَّذِي نزل بهم بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا كَانَ الرجل إِذا حل مَاله على صَاحبه يَقُول الْمَطْلُوب للطَّالِب: زِدْنِي فِي الْأَجَل وازيدك على مَالك فَإِذا فعل ذَلِك قيل لَهُم هَذَا رَبًّا
قَالُوا: سَوَاء علينا إِن زِدْنَا فِي أول البيع أَو عِنْد مَحل المَال فهما سَوَاء فاكذبهم الله فَقَالَ {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه} يَعْنِي الْبَيَان الَّذِي فِي الْقُرْآن فِي تَحْرِيم الرِّبَا {فَانْتهى} عَنهُ {فَلهُ مَا سلف} يَعْنِي فَلهُ مَا كَانَ أكل من الرِّبَا قبل التَّحْرِيم {وَأمره إِلَى الله} يَعْنِي بعد التَّحْرِيم وَبعد تَركه إِن شَاءَ عصمه مِنْهُ وَإِن شَاءَ لم يفعل {وَمن عَاد} يَعْنِي فِي الرِّبَا بعد التَّحْرِيم فاستحله لقَولهم إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا {فَأُولَئِك أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ} يَعْنِي لَا يموتون
وَأخرج أَحْمد وَالْبَزَّار عَن رَافع بن خديج قَالَ: قيل يَا رَسُول الله أَي الْكسْب أطيب قَالَ: عمل الرجل بِيَدِهِ وكل بيع مبرور
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد قَالَ: أَتَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَمْر فَقَالَ: مَا هَذَا من تمرنا
فَقَالَ الرجل: يَا رَسُول الله بعنا تمرنا صَاعَيْنِ بِصَاع من هَذَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَلِك الرِّبَا ردُّوهُ ثمَّ بيعوه تمرنا ثمَّ اشْتَروا لنا من هَذَا
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَابْن أبي حَاتِم عَن عَائِشَة
أَن امْرَأَة قَالَت لَهَا: إِنِّي بِعْت زيد بن أَرقم عبدا إِلَى الْعَطاء بثمانمائة فَاحْتَاجَ إِلَى ثمنه فاشتريته قبل مَحل الْأَجَل بستمائة فَقَالَت: بئْسَمَا شريت وبئسما اشْتريت أبلغي زيدا أَنه قد أبطل جهاده مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن لم يتب
قلت: أَفَرَأَيْت إِن تركت الْمِائَتَيْنِ وَأخذت الستمائة فَقَالَت: نعم {فَمن جَاءَهُ موعظة من ربه فَانْتهى فَلهُ مَا سلف}
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد أَنه سُئِلَ لم حرم الله الرِّبَا قَالَ: لِئَلَّا يتمانع النَّاس الْمَعْرُوف
آيَة 276 - 277(2/105)
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق ابْن جريج عَن ابْن عَبَّاس {يمحق الله الرِّبَا} قَالَ: ينقص الرِّبَا {ويربي الصَّدقَات} قَالَ: يزِيد فِيهَا
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الرِّبَا وَإِن كثر فان عاقبته تصير إِلَى قل
وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر قَالَ: سمعنَا أَنه لَا يَأْتِي على صَاحب الرِّبَا أَرْبَعُونَ سنة حَتَّى يمحق
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تصدق بِعدْل تَمْرَة من كسب طيب وَلَا يقبل الله إِلَّا طيبا فَإِن الله يقبلهَا بِيَمِينِهِ ثمَّ يُرَبِّيهَا لصَاحِبهَا كَمَا يُربي أحدكُم فلوه حَتَّى تكون مثل الْجَبَل
وَأخرج الشَّافِعِي وَأحمد وَابْن أبي شيبَة وَعبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن جرير وَابْن خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي الصِّفَات عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله يقبل الصَّدَقَة ويأخذها بِيَمِينِهِ فيربيها لأحدكم كَمَا يُربي أحدكُم مهره أَو فلوه حَتَّى أَن اللُّقْمَة لتصير مثل أحد وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله (ألم يعلمُوا أَن الله هُوَ يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَأْخُذ الصَّدقَات) (التَّوْبَة الْآيَة 104)
و {يمحق الله الرِّبَا ويربي الصَّدقَات}
وَأخرج الْبَزَّار وَابْن جرير وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ عَن عَائِشَة قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تبَارك وَتَعَالَى يقبل الصَّدَقَة وَلَا يقبل مِنْهَا إِلَّا الطّيب ويربيها لصَاحِبهَا كَمَا يُربي أحدكُم مهره أَو فَصِيله حَتَّى أَن اللُّقْمَة تصير مثل أحد وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله {يمحق الله الرِّبَا ويربي الصَّدقَات}
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الْمُؤمن يتَصَدَّق بالتمرة أَو بعدلها من الطّيب وَلَا يقبل الله إِلَّا الطّيب فَتَقَع فِي يَد الله فيربيها لَهُ كَمَا يُربي أحدكُم فَصِيله حَتَّى تكون مثل التل الْعَظِيم ثمَّ قَرَأَ {يمحق الله الرِّبَا ويربي الصَّدقَات}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: أما {يمحق الله الرِّبَا} فَإِن الرِّبَا يزِيد فِي الدُّنْيَا وَيكثر ويمحقه الله فِي الْآخِرَة وَلَا يبْقى مِنْهُ لأَهله شَيْء وَأما قَوْله {ويربي الصَّدقَات}(2/106)
فَإِن الله يَأْخُذهَا من الْمُتَصَدّق قبل أَن تصل إِلَى الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ فَمَا يزَال الله يُرَبِّيهَا حَتَّى يلقى صَاحبهَا ربه فيعطيها إِيَّاه وَتَكون الصَّدَقَة التمرة أَو نَحْوهَا فَمَا يزَال الله يُرَبِّيهَا حَتَّى تكون مثل الْجَبَل الْعَظِيم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن العَبْد ليتصدق بالكسرة تربو عِنْد الله حَتَّى تكون مثل أحد
الْآيَات 278 - 279(2/107)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)
أخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا} الْآيَة
قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب وَرجل من بني الْمُغيرَة كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّة يسلفان فِي الرِّبَا إِلَى نَاس من ثَقِيف من بني ضَمرَة وهم بَنو عَمْرو بن عُمَيْر فجَاء الإِسلام وَلَهُمَا أَمْوَال عَظِيمَة فِي الرِّبَا فَأنْزل الله {وذروا مَا بَقِي} من فضل كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة {من الرِّبَا}
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله} الْآيَة قَالَ: كَانَت ثَقِيف قد صالحت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَليّ أَن مَا لَهُم من رَبًّا على النَّاس وَمَا كَانَ للنَّاس عَلَيْهِم من رَبًّا فَهُوَ مَوْضُوع فَلَمَّا كَانَ الْفَتْح اسْتعْمل عتاب بن أسيد على مَكَّة وَكَانَت بَنو عَمْرو بن عَوْف يَأْخُذُونَ الرِّبَا من بني الْمُغيرَة وَكَانَت بَنو الْمُغيرَة يربون لَهُم فِي الْجَاهِلِيَّة فجَاء الإِسلام وَلَهُم عَلَيْهِم مَال كثير فَأَتَاهُم بَنو عَمْرو يطْلبُونَ رباهم فَأبى بَنو الْمُغيرَة أَن يعطوهم فِي الإِسلام وَرفعُوا ذَلِك إِلَى عتاب بن أسيد فَكتب عتاب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا} إِلَى قَوْله {وَلَا تظْلمُونَ} فَكتب بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عتاب وَقَالَ: إِن رَضوا وَإِلَّا فأذنهم بِحَرب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا}(2/107)
قَالَ: كَانَ رَبًّا يتعاملون بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّة فَلَمَّا أَسْلمُوا أمروا أَن يَأْخُذُوا رُؤُوس أَمْوَالهم
وَأخرج آدم وَعبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا} قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يكون للرجل على الرجل الدّين فَيَقُول: لَك كَذَا وَكَذَا وتؤخر عني فيؤخر عَنهُ
وَأخرج مَالك وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن زيد بن أسلم قَالَ: كَانَ الرِّبَا فِي الْجَاهِلِيَّة أَن يكون للرجل على الرجل الْحق إِلَى أجل فَإِذا حل الْحق قَالَ: اتقضي أم تربي فَإِن قَضَاهُ أَخذ وَإِلَّا زَاده فِي حَقه وزاده الآخر فِي الْأَجَل
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة بِسَنَد واه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا} قَالَ: نزلت فِي نفر من ثَقِيف مِنْهُم مَسْعُود وَرَبِيعَة وحبِيب وَعبد ياليل وهم بَنو عَمْرو بن عُمَيْر بن عَوْف الثَّقَفِيّ وَفِي بني الْمُغيرَة من قُرَيْش
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني عَمْرو بن عُمَيْر بن عَوْف الثَّقَفِيّ ومسعود بن عَمْرو بن عبد ياليل بن عَمْرو وَرَبِيعَة بن عَمْرو وحبِيب بن عُمَيْر وَكلهمْ اخوة وهم الطالبون والمطلوبون بَنو الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم وَكَانُوا يداينون بني الْمُغيرَة فِي الْجَاهِلِيَّة بالربا وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالح ثقيفاً فطلبوا رباهم إِلَى بني الْمُغيرَة وَكَانَ مَالا عَظِيما فَقَالَ بَنو الْمُغيرَة: وَالله لَا نعطي الرِّبَا فِي الإِسلام وَقد وَضعه الله وَرَسُوله عَن الْمُسلمين فعرفوا شَأْنهمْ معَاذ بن جبل وَيُقَال عتاب بن أسيد فَكتب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن بني ابْن عَمْرو وَعُمَيْر يطْلبُونَ رباهم عِنْد بني الْمُغيرَة فَأنْزل الله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤمنين} فَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى معَاذ بن جبل: أَن اعْرِض عَلَيْهِم هَذِه الْآيَة فَإِن فعلوا فَلهم رُؤُوس أَمْوَالهم وَإِن أَبَوا فأذنهم بِحَرب من الله وَرَسُوله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فأذنوا بِحَرب} قَالَ: من كَانَ مُقيما على الرِّبَا لَا ينْزع عَنهُ فَحق على امام الْمُسلمين أَن يستتيبه فَإِن نزع وَإِلَّا ضرب عُنُقه
وَفِي قَوْله {لَا تظْلمُونَ} فتربون {وَلَا تظْلمُونَ} فتنقصون
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: يُقَال يَوْم الْقِيَامَة لآكل الرِّبَا: خُذ سِلَاحك للحرب(2/108)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {فأذنوا بِحَرب} قَالَ: استيقنوا بِحَرب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فأذنوا بِحَرب} قَالَ: أوعدهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقَتْلِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن عَمْرو بن الْأَحْوَص أَنه شهد حجَّة الْوَدَاع مَعَ رَسُول الله
فَقَالَ: الا إِن كل رَبًّا فِي الْجَاهِلِيَّة مَوْضُوع لكم رُؤُوس أَمْوَالكُم لَا تظْلمُونَ وَلَا تظْلمُونَ وَأول رَبًّا مَوْضُوع رَبًّا الْعَبَّاس
وَأخرج ابْن مندة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت هَذِه الْآيَة فِي ربيعَة بن عَمْرو وَأَصْحَابه {وَإِن تبتم فلكم رُؤُوس أَمْوَالكُم} الْآيَة
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آكل الرِّبَا وموكله وشاهديه وكاتبه وَقَالَ: هم سَوَاء
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عَليّ قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عشرَة: آكل الرِّبَا وموكله وشاهديه وكاتبه والواشمة والمستوشمة ومانع الصَّدَقَة وَالْحَال والمحلل لَهُ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أم الدَّرْدَاء قَالَت: قَالَ مُوسَى بن عمرَان عَلَيْهِ السَّلَام: يَا رب من يسكن غَدا فِي حَظِيرَة الْقُدس ويستظل بِظِل عرشك يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظلك قَالَ: يَا مُوسَى أُولَئِكَ الَّذين لَا تنظر أَعينهم فِي الزِّنَا وَلَا يَبْتَغُونَ فِي أَمْوَالهم الرِّبَا وَلَا يَأْخُذُونَ على أحكامهم الرشا طُوبَى لَهُم وَحسن مآب
وَأخرج مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آكل الرِّبَا وموكله وشاهديه وكاتبه
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد عَن أبي جُحَيْفَة قَالَ لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الرِّبَا وموكله وَنهى عَن ثمن الْكَلْب وَكسب الْبَغي وَلعن المصوّرين
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ آكل الرِّبَا وموكله وشَاهده وكاتباه إِذا علمُوا والواشمة والمستوشمة لِلْحسنِ ولاوي الصَّدَقَة وَالْمُرْتَدّ أَعْرَابِيًا بعد الْهِجْرَة ملعونون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْقِيَامَة(2/109)
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أَربع حق على الله أَن لَا يدخلهم الْجنَّة وَلَا يذيقهم نعيمها
مدمن الْخمر وَأكل الرِّبَا وَأكل مَال الْيَتِيم بِغَيْر حق والْعَاق لوَالِديهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن سَلام عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لدرهم يُصِيبهُ الرجل من الرِّبَا أعظم عِنْد الله من ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ زنية يزنيها فِي الإِسلام
وَأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ عَن عبد الله بن حَنْظَلَة غسيل الْمَلَائِكَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دِرْهَم رَبًّا يَأْكُلهُ الرجل وَهُوَ يعلم أَشد من سِتّ وَثَلَاثِينَ زنية
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الرِّبَا اثْنَان وسَبْعُونَ بَابا أدناها مثل أَن يَأْتِي الرجل أمه وَأَن أربى الرِّبَا استطالة الرجل فِي عرض عرض الرجل
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن تشترى الثَّمَرَة حَتَّى تطعم وقَالَ: إِذا ظهر الزِّنَا والربا فِي قَرْيَة فقد أحلُّوا بِأَنْفسِهِم عَذَاب الله
وَأخرج أَبُو يعلى عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: مَا ظهر فِي قوم الزِّنَا والربا إِلَّا أحلُّوا بِأَنْفسِهِم عِقَاب الله
وَأخرج أَحْمد عَن عَمْرو بن الْعَاصِ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: مَا من قوم يظْهر فيهم الرِّبَا إِلَّا أخذُوا بِالسنةِ وَمَا من قوم يظْهر فيهم الرشا إِلَّا أخذُوا بِالرُّعْبِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن الْقَاسِم بن عبد الْوَاحِد الْوراق قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن أبي أوفى فِي السُّوق فَقَالَ: يَا معشر الصيارفة أَبْشِرُوا قَالُوا: بشرك الله بِالْجنَّةِ بِمَ تبشرنا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصيارفة: ابشروا بالنَّار
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان لَا يبْقى أحد إِلَّا أكل الرِّبَا فَمن لم يَأْكُلهُ أَصَابَهُ من غباره
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن مَالك بن أَوْس بن الْحدثَان قَالَ: صرفت من طَلْحَة بن عبيد الله وَرقا بِذَهَب فَقَالَ: انظرني حَتَّى يأتينا خازننا من الغابة فَسَمعَهَا عمر بن الْخطاب فَقَالَ: لَا وَالله لَا تُفَارِقهُ حَتَّى تستوفي مِنْهُ صرفك فَإِنِّي(2/110)
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الذَّهَب بالورق رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء الْبر بِالْبرِّ رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء وَالشعِير بِالشَّعِيرِ رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء وَالتَّمْر رَبًّا إِلَّا هَاء وهاء
وَأخرج عبد بن حميد وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الذَّهَب بِالذَّهَب مثل بِمثل يَد بيد وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ مثل بِمثل يَد بيد وَالتَّمْر بِالتَّمْرِ مثل بِمثل يَد بيد وَالْبر بِالْبرِّ مثل بِمثل يَد بيد وَالشعِير بِالشَّعِيرِ مثل بِمثل يَد بيد وَالْملح بالملح مثل بِمثل يَد بيد من زَاد أَو اسْتَزَادَ فقد أربى الْآخِذ والمعطى سَوَاء
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب إِلَّا مثلا بِمثل وَلَا تشفوا بَعْضهَا على بعض وَلَا تَبِيعُوا الْوَرق بالورق إِلَّا مثلا بِمثل وَلَا تشفوا بَعْضهَا على بعض وَلَا تَبِيعُوا غَائِبا بناجز
وَأخرج الشَّافِعِي وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الذَّهَب بِالذَّهَب وَلَا الْوَرق بالورق وَلَا الْبر بِالْبرِّ وَلَا الشّعير بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْر بِالتَّمْرِ وَلَا الْملح بالملح إِلَّا سَوَاء بِسَوَاء عينا بِعَين يدا بيد وَلَكِن بيعوا الذَّهَب بالورق وَالْوَرق بِالذَّهَب وَالْبر بِالشَّعِيرِ وَالشعِير بِالْبرِّ وَالتَّمْر بالملح وَالْملح بِالتَّمْرِ يدا بيد كَيفَ شِئْتُم من زَاد أَو ازْدَادَ فقد أربى
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان بن عَفَّان أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا تَبِيعُوا الدِّينَار بِالدِّينَارَيْنِ وَلَا الدِّرْهَم بِالدِّرْهَمَيْنِ
وَأخرج مَالك وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الدِّينَار بالدينار لَا فضل بَينهمَا وَالدِّرْهَم بالدرهم لَا فضل بَينهمَا
وَأخرج مُسلم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الدِّينَار بالدينار وَالدِّرْهَم بالدرهم وزن بِوَزْن لَا فضل بَينهمَا وَلَا يُبَاع عَاجل بآجل
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي الْمنْهَال قَالَ: سَأَلت الْبَراء بن عَازِب وَزيد بن أَرقم عَن الصّرْف فَقَالَا: كُنَّا تاجرين على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسألنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصّرْف فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهُ يدا بيد فَلَا بَأْس وَمَا كَانَ مِنْهُ نَسِيئَة فَلَا(2/111)
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن سعد بن وَقاص أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ عَن اشْتِرَاء الرطب بِالتَّمْرِ فَقَالَ: أينقص الرطب إِذا يبس قَالُوا: نعم فَنهى عَن ذَلِك
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي بكر الصّديق سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: الذَّهَب بِالذَّهَب وَالْفِضَّة بِالْفِضَّةِ مثلا بِمثل الزَّائِد والمستزيد فِي النَّار
وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي بكرَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن الصّرْف قبل مَوته بشهرين
آيَة 280(2/112)
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} قَالَ: نزلت فِي الرِّبَا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة} قَالَ: إِنَّمَا أَمر فِي الرِّبَا أَن ينظر الْمُعسر وَلَيْسَت النظرة فِي الْأَمَانَة وَلَكِن تُؤَدّى الْأَمَانَة إِلَى أَهلهَا
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق عَطاء عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} هَذَا فِي شَأْن الرِّبَا {وَأَن تصدقوا} بهَا للمعسر فتتركوها لَهُ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد والنحاس فِي ناسخه وَابْن جرير عَن ابْن سِيرِين أَن رجلَيْنِ اخْتَصمَا إِلَى شُرَيْح فِي حق فَقضى عَلَيْهِ شُرَيْح وَأمر بحبسه فَقَالَ رجل عِنْده: إِنَّه مُعسر وَالله تَعَالَى يَقُول {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} قَالَ: إِنَّمَا ذَلِك فِي الرِّبَا إِن الرِّبَا كَانَ فِي هَذَا الْحَيّ من الْأَنْصَار فَأنْزل الله {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} وَقَالَ (إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا) (النِّسَاء الْآيَة 58)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن كَانَ ذُو عسرة} يَعْنِي الْمَطْلُوب(2/112)
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة} بِرَأْس المَال إِلَى ميسرَة يَقُول: إِلَى غنى {وَأَن تصدقوا} برؤوس أَمْوَالكُم على الْفَقِير {فَهُوَ خير لكم} فَتصدق بِهِ الْعَبَّاس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي الْآيَة قَالَ: من كَانَ ذَا عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة وَكَذَلِكَ كل دين على الْمُسلم فَلَا يحل لمُسلم لَهُ دين على أَخِيه يعلم مِنْهُ عسرة أَن يسجنه وَلَا يَطْلُبهُ حَتَّى ييسره الله عَلَيْهِ {وَأَن تصدقوا} برؤوس أَمْوَالكُم يَعْنِي على الْمُعسر {خير لكم} من نظرة إِلَى ميسرَة فَاخْتَارَ الله الصَّدَقَة على النظارة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {وَأَن تصدقوا خير لكم} يَعْنِي من تصدق بدين لَهُ على معدم فَهُوَ أعظم لأجره وَمن لم يتَصَدَّق عَلَيْهِ لم يَأْثَم وَمن حبس مُعسرا فِي السجْن فَهُوَ آثم لقَوْله {فنظرة إِلَى ميسرَة} وَمن كَانَ عِنْده مَا يَسْتَطِيع أَن يُؤَدِّي عَن دينه فَلم يفعل كتب ظَالِما
وَأخرج أَحْمد وَعبد بن حميد فِي مُسْنده وَمُسلم وَابْن ماجة عَن أبي الْيُسْر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أنظر مُعسرا أَو وضع عَنهُ أظلهُ الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله
وَأخرج أَحْمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم عَن حُذَيْفَة أَن رجلا أَتَى بِهِ الله عز وَجل فَقَالَ: مَاذَا عملت فِي الدُّنْيَا فَقَالَ لَهُ الرجل: مَا عملت مِثْقَال ذرة من خير
فَقَالَ لَهُ ثَلَاثًا وَقَالَ فِي الثَّالِثَة إِنِّي كنت أَعْطَيْتنِي فضلا من المَال فِي الدُّنْيَا فَكنت أبايع النَّاس فَكنت أيسرعلى الْمُوسر وَأنْظر الْمُعسر
فَقَالَ تبَارك وَتَعَالَى أَنا أولى بذلك مِنْك تجاوزاً عَن عَبدِي فغفر لَهُ
وَأخرج أَحْمد عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ على رجل حق فَأَخَّرَهُ كَانَ لَهُ بِكُل يَوْم صَدَقَة
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب إصطناع الْمَعْرُوف عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَرَادَ أَن تستجاب دَعوته وَأَن تكشف كربته فليفرج عَن مُعسر
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنظر مُعسرا إِلَى ميسرته أنظرهُ الله بِذَنبِهِ إِلَى تَوْبَته(2/113)
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنظر مُعسرا كَانَ لَهُ بِكُل يَوْم مثله صَدَقَة قَالَ: ثمَّ سمعته يَقُول: من أنظر مُعسرا فَلهُ بِكُل يَوْم مثلَيْهِ صَدَقَة
فَقلت: يَا رَسُول الله إِنِّي سَمِعتك تَقول: فَلهُ بِكُل يَوْم مثله صَدَقَة
وَقلت الْآن: فَلهُ بِكُل يَوْم مثلَيْهِ صَدَقَة
فَقَالَ: إِنَّه مَا لم يحل الدّين فَلهُ بِكُل يَوْم مثله صَدَقَة وَإِذا حل الدّين فَانْظُرْهُ فَلهُ بِكُل يَوْم مثلَيْهِ صَدَقَة
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب والطستي فِي التَّرْغِيب وَابْن لال فِي مَكَارِم الْأَخْلَاق عَن أبي بكر الصّديق قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب أَن يسمع الله دَعوته ويفرج كربته فِي الْآخِرَة فَلْينْظر مُعسرا أَو ليَدع لَهُ وَمن سره أَن يظله الله من فَور جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة ويجعله فِي ظله فَلَا يكونن على الْمُؤمنِينَ غليظاً وَليكن بهم رحِيما
وَأخرج مُسلم عَن أبي قَتَادَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من سره أَن ينجيه الله من كرب يَوْم الْقِيَامَة فلينفس عَن مُعسر أَو يضع عَنهُ
وَأخرج أَحْمد والدرامي وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي قَتَادَة سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من نفس عَن غَرِيمه أَو محا عَنهُ كَانَ فِي ظلّ الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنظر مُعسرا أَو وضع لَهُ أظلهُ الله يَوْم الْقِيَامَة تَحت ظلّ عَرْشه يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله
وَأخرج عبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الْمسند عَن عُثْمَان بن عَفَّان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: أظل الله عبدا فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله من أنظر مُعسرا أَو ترك لغارم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن شَدَّاد بن أَوْس سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: من أنظر مُعسرا أَو تصدق عَلَيْهِ أظلهُ الله فِي ظله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي قَتَادَة وَجَابِر بن عبد الله
أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من سره أَن ينجيه الله من كرب يَوْم الْقِيَامَة وَأَن يظله تَحت عَرْشه فَلْينْظر مُعسرا
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: من أنظر مُعسرا أظلهُ الله فِي ظله يَوْم الْقِيَامَة(2/114)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن كَعْب بن عجْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنظر مُعسرا أَو يسر عَلَيْهِ أظلهُ الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن أبي الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أنظر مُعسرا أَو وضع عَنهُ أظلهُ الله فِي ظله يَوْم الْقِيَامَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أسعد بن زُرَارَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سره أَن يظله الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله فلييسر على مُعسر أَو ليضع عَنهُ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي الْيُسْر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن أوّل النَّاس يستظل فِي ظلّ الله يَوْم الْقِيَامَة لرجل أنظر مُعسرا حَتَّى يجد شَيْئا أَو تصدق عَلَيْهِ بِمَا يَطْلُبهُ يَقُول: مَا لي عَلَيْك صَدَقَة ابْتِغَاء وَجه الله ويخرق صَحِيفَته
وَأخرج أَحْمد وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب إصطناع الْمَعْرُوف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أنظر مُعسرا أَو وضع لَهُ وَقَاه الله من فيح جَهَنَّم
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من نفس عَن مُسلم كربَة من كرب الدُّنْيَا نفس الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة وَمن يسر على مُعسر فِي الدُّنْيَا يسر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن ستر على مُسلم فِي الدُّنْيَا ستر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالله فِي عون العَبْد مَا كَانَ العَبْد فِي عون أَخِيه
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن رجلا لم يعْمل خيرا قطّ وَكَانَ يداين النَّاس وَكَانَ يَقُول لفتاه: إِذا أتيت مُعسرا فَتَجَاوز عَنهُ لَعَلَّ الله يتَجَاوَز عَنَّا فلقي الله فَتَجَاوز عَنهُ
وَأخرج مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي مَسْعُود البدري قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حُوسِبَ رجل مِمَّن كَانَ قبلكُمْ فَلم يُوجد لَهُ من الْخَيْر شَيْء إِلَّا أَنه كَانَ يخالط النَّاس وَكَانَ مُوسِرًا وَكَانَ يَأْمر غلمانه أَن يتجاوزوا عَن الْمُعسر قَالَ الله: نَحن أَحَق بذلك تجاوزا عَنهُ
آيَة 281(2/115)
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آخر آيَة نزلت من الْقُرْآن على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن السّديّ وعطية الْعَوْفِيّ
مثله
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن أُبيّ صَالح وَسَعِيد بن جُبَير
مثله
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: آخر آيَة نزلت {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} نزلت بمنى وَكَانَ بَين نُزُولهَا وَبَين موت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحد وَثَمَانُونَ يَوْمًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: آخر مَا نزل من الْقُرْآن كُله {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} الْآيَة
عَاشَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد نزُول هَذِه الْآيَة تسع لَيَال ثمَّ مَاتَ يَوْم الإِثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {ثمَّ توفى كل نفس مَا كسبت} يَعْنِي مَا عملت من خير أَو شَرّ {وهم لَا يظْلمُونَ} يَعْنِي من أَعْمَالهم لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم
آيَة 282(2/116)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)
أخرج ابْن جرير بِسَنَد صَحِيح عَن سعيد بن الْمسيب: أَنه بلغه أَن أحدث الْقُرْآن بالعرش آيَة الدّين
وَأخرج أَبُو عبيد فِي فضائله عَن ابْن شهَاب قَالَ: آخر الْقُرْآن عهدا بالعرش آيَة الرِّبَا وَآيَة الدّين
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو يعلى وَابْن سعد وَأحمد وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو الشَّيْخ فِي العظمة وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت آيَة الدّين قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أوّل من جحد آدم إِن الله لما خلق آدم مسح ظَهره فَأخْرج مِنْهُ مَا هُوَ ذار إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَجعل يعرض ذُريَّته عَلَيْهِ فَرَأى فيهم رجلا يزهر قَالَ: أَي رب من هَذَا قَالَ: هَذَا ابْنك دَاوُد
قَالَ: أَي رب كم عمره قَالَ: سِتُّونَ عَاما قَالَ: رب زد فِي عمره
فَقَالَ: لَا إِلَّا أَن أزيده من عمرك
وَكَانَ عمر آدم ألف سنة فزاده أَرْبَعِينَ عَاما فَكتب عَلَيْهِ بذلك كتابا وَأشْهد عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة فَلَمَّا احْتضرَ آدم وأتته الْمَلَائِكَة لتقبضه قَالَ: إِنَّه قد بَقِي من عمري أَرْبَعُونَ عَاما
فَقيل لَهُ: إِنَّك قد وهبتها لابنك دَاوُد
قَالَ: مَا فعلت
فأبرز الله عَلَيْهِ الْكتاب وَأشْهد عَلَيْهِ الْمَلَائِكَة فكمل الله لآدَم ألف سنة وأكمل لداود مائَة عَام
وَأخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أشهد أَن السّلف الْمَضْمُون إِلَى أجل مُسَمّى أَن الله أَجله وَأذن فِيهِ ثمَّ قَرَأَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين إِلَى أجل مُسَمّى}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين} قَالَ: نزلت فِي السّلم فِي الْحِنْطَة فِي كيل مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم(2/117)
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وهم يسلفون فِي الثِّمَار السنتين وَالثَّلَاث فَقَالَ من أسلف فليسلف فِي كيل مَعْلُوم وَوزن مَعْلُوم إِلَى أجل مَعْلُوم
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لَا سلف إِلَى الْعَطاء وَلَا إِلَى الْحَصاد وَلَا إِلَى الأندر [الأندر هُوَ البيدر كَمَا فِي النِّهَايَة] وَلَا إِلَى الْعصير وَاضْرِبْ لَهُ أَََجَلًا
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: أَمر بِالشَّهَادَةِ عِنْد المداينة لكيلا يدْخل فِي ذَلِك جحود وَلَا نِسْيَان فَمن لم يشْهد على ذَلِك فقد عصى وَلَا يأب الشُّهَدَاء يَعْنِي من احْتِيجَ إِلَيْهِ من الْمُسلمين يشْهد على شَهَادَة أَو كَانَت عِنْده شَهَادَة فَلَا يحل لَهُ أَن يَأْبَى إِذا مَا دعِي ثمَّ قَالَ بعد هَذَا {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} والضرار أَن يَقُول الرجل للرجل وَهُوَ عَنهُ غَنِي: إِن الله قد أَمرك أَن لَا تأبى إِذا دعيت فيضاره بذلك وَهُوَ مكتف بِغَيْرِهِ فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ {وَإِن تَفعلُوا فَإِنَّهُ فسوق} يَعْنِي مَعْصِيّة
قَالَ: وَمن الْكَبَائِر كتمان الشَّهَادَة
قَالَ: لِأَن الله تَعَالَى يَقُول (وَمن يكتمها فَإِنَّهُ آثم قلبه) (الْبَقَرَة الْآيَة 283)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {كَاتب بِالْعَدْلِ} قَالَ: يعدل بَينهمَا فِي كِتَابه لَا يُزَاد على الْمَطْلُوب وَلَا ينقص من حق الطَّالِب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا يأب كَاتب} قَالَ: وَاجِب على الْكَاتِب أَن يكْتب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن السّديّ {وَلَا يأب كَاتب} قَالَ: إِن كَانَ فَارغًا
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل {وَلَا يأب كَاتب} قَالَ: ذَلِك أَن الْكتاب فِي ذَلِك الزَّمَان كَانُوا قَلِيلا
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة قَالَ {وَلَا يأب كَاتب} قَالَ: كَانَت الْكتاب يَوْمئِذٍ قَلِيلا
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {وَلَا يأب كَاتب} قَالَ: كَانَت عَزِيمَة فنسختها {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد}(2/118)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الضَّحَّاك {كَمَا علمه الله} قَالَ: كَمَا أمره الله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {كَمَا علمه الله} قَالَ: كَمَا علمه الْكِتَابَة وَترك غَيره {وليملل الَّذِي عَلَيْهِ الْحق} يَعْنِي الْمَطْلُوب
يَقُول: ليمل مَا عَلَيْهِ من الْحق على الْكَاتِب {وَلَا يبخس مِنْهُ شَيْئا} يَقُول: لَا ينقص من حق الطَّالِب شَيْئا {فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق} يَعْنِي الْمَطْلُوب {سَفِيها أَو ضَعِيفا} يَعْنِي عَاجِزا أَو أخرس أَو رجلا بِهِ حمق {أَو لَا يَسْتَطِيع} يَعْنِي لَا يحسن {أَن يمل هُوَ} قَالَ: أَن يمل مَا عَلَيْهِ {فليملل وليه} ولي الْحق حَقه {بِالْعَدْلِ} يَعْنِي الطَّالِب وَلَا يزْدَاد شَيْئا {واستشهدوا} يَعْنِي على حقكم {شهيدين من رجالكم} يَعْنِي الْمُسلمين الْأَحْرَار {فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء أَن تضل إِحْدَاهمَا} يَقُول: أَن تنسى إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ الشَّهَادَة {فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} يَعْنِي تذكرها الَّتِي حفظت شهادتها {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} قَالَ: الَّذِي مَعَه الشَّهَادَة {وَلَا تسأموا} يَقُول: لَا تملوا {أَن تكتبوه صَغِيرا أَو كَبِيرا} يَعْنِي أَن تكْتبُوا صَغِير الْحق وكبيره قَلِيله وَكَثِيره {إِلَى أَجله} لِأَن الْكتاب أحصى للأجل وَالْمَال {ذَلِكُم} يَعْنِي الْكتاب {أقسط عِنْد الله} يَعْنِي أعدل {وأقوم} يَعْنِي أصوب {للشَّهَادَة وَأدنى} يَقُول: وأجدر {وَأدنى أَلا ترتابوا} أَن لَا تَشكوا فِي الْحق وَالْأَجَل وَالشَّهَادَة إِذا كَانَ مَكْتُوبًا ثمَّ اسْتثْنى فَقَالَ {إِلَّا أَن تكون تِجَارَة حَاضِرَة} يَعْنِي يدا بيد {تديرونها بَيْنكُم} يَعْنِي لَيْسَ فِيهَا أجل {فَلَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح} يَعْنِي حرج {أَلا تكتبوها} يَعْنِي التِّجَارَة الْحَاضِرَة {وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} يَعْنِي اشْهَدُوا على حقكم إِذا كَانَ فِيهِ أجل أَو لم يكن فَاشْهَدُوا على حقكم على كل حَال {وَإِن تَفعلُوا} يَعْنِي أَن تضاروا الْكَاتِب أَو الشَّاهِد وَمَا نهيتم عَنهُ {فَإِنَّهُ فسوق بكم} ثمَّ خوفهم فَقَالَ {وَاتَّقوا الله} وَلَا تعصوه فِيهَا {وَالله بِكُل شَيْء عليم} يَعْنِي من أَعمالكُم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد {فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق سَفِيها} قَالَ: هُوَ الْجَاهِل بالإِملاء {أَو ضَعِيفا} قَالَ: هُوَ الأحمق
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ وَالضَّحَّاك فِي قَوْله {سَفِيها} قَالَا: هُوَ الصَّبِي الصَّغِير
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {فليملل وليه} قَالَ: صَاحب الدّين(2/119)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {فليملل وليه} قَالَ: ولي الْيَتِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {فليملل وليه} قَالَ: ولي السَّفِيه أَو الضَّعِيف
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عمر فِي قَوْله {واستشهدوا شهيدين} قَالَ: كَانَ إِذا بَاعَ بِالنَّقْدِ أشهد وَلم يكْتب قَالَ مُجَاهِد: وَإِذا بَاعَ بِالنَّسِيئَةِ كتب وَأشْهد
وَأخرج سُفْيَان وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} قَالَ: من الْأَحْرَار
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَنهُ دَاوُد بن أبي هِنْد قَالَ: سَأَلت مُجَاهدًا عَن الظِّهَار من الْأمة فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْء
قلت: أَلَيْسَ يَقُول الله (الَّذين يظاهرون من نِسَائِهِم) (المجادلة الْآيَة 3) أفلسن من النِّسَاء فَقَالَ: وَالله تَعَالَى يَقُول {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} أفتجوز شَهَادَة العبيد
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ أَنه سُئِلَ عَن شَهَادَة النِّسَاء فَقَالَ: تجوز فِيمَا ذكر الله من الدّين وَلَا تجوز فِي غير ذَلِك
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن مَكْحُول قَالَ: لَا تجوز شَهَادَة النِّسَاء إِلَّا فِي الدّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن يزِيد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي مَالك قَالَ: لَا تجوز شَهَادَة أَربع نسْوَة مَكَان رجلَيْنِ فِي الْحُقُوق وَلَا تجوز شَهَادَتهنَّ إِلَّا مَعَهُنَّ رجل وَلَا تجوز شَهَادَة رجل وَامْرَأَة لِأَن الله يَقُول {فَإِن لم يَكُونَا رجلَيْنِ فَرجل وَامْرَأَتَانِ}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن عمر قَالَ: لَا تجوز شَهَادَة النِّسَاء وحدهن إِلَّا على مَا لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا هن من عورات النِّسَاء وَمَا أشبه ذَلِك من حَملهنَّ وحيضهن
وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا رَأَيْت من ناقصات عقل وَدين أغلب لذِي لب مِنْكُن قَالَت امْرَأَة: يَا رَسُول الله مَا نُقْصَان الْعقل وَالدّين قَالَ: أما نُقْصَان عقلهَا فشهادة امْرَأتَيْنِ تعدل شَهَادَة رجل فَهَذَا نُقْصَان الْعقل وتمكث اللَّيَالِي وَلَا تصلي وتفطر رَمَضَان فَهَذَا نُقْصَان الدّين(2/120)
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع فِي قَوْله {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} قَالَ: عدُول
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: كتبت إِلَى ابْن عَبَّاس أسأله عَن الشَّهَادَة الصّبيان فَكتب إِلَيّ: إِن الله يَقُول {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} فليسوا مِمَّن نرضى لَا تجوز
وَأخرج الشَّافِعِي وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} قَالَ: عَدْلَانِ حران مسلمان
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه كَانَ يقْرؤهَا {فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} مثقلة
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد
أَنه كَانَ يقْرؤهَا {فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} مُخَفّفَة
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (أَن تضل إِحْدَاهمَا فتذكرها الْأُخْرَى)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} يَقُول: من احْتِيجَ إِلَيْهِ من الْمُسلمين قد شهد على شَهَادَة أَو كَانَت عِنْده شَهَادَة فَلَا يحل لَهُ أَن يَأْبَى إِذا مَا دعِي ثمَّ قَالَ بعد هَذَا {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} والأضرار أَن يَقُول الرجل للرجل وَهُوَ عَنهُ غَنِي: إِن الله قد أَمرك أَن لَا تأبى إِذا مَا دعيت فيضاره بذلك وَهُوَ مكتف بذلك فَنَهَاهُ الله وَقَالَ {وَإِن تَفعلُوا فَإِنَّهُ فسوق بكم} يَعْنِي بالفسوق الْمعْصِيَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} قَالَ: إِذا كَانَت عِنْدهم شَهَادَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ: كَانَ الرجل يطوف فِي الْقَوْم الْكثير يَدعُوهُم ليشهدوا فَلَا يتبعهُ أحد مِنْهُم فَأنْزل الله {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا}
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} قَالَ: كَانَ الرجل يطوف فِي الْحَيّ الْعَظِيم فِيهِ الْقَوْم فيدعوهم إِلَى الشَّهَادَة فَلَا يتبعهُ أحد مِنْهُم فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة
وَأخرج سُفْيَان وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَلَا يأب الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا}(2/121)
قَالَ: إِذا كَانَت عنْدك شَهَادَة فأقمها فَأَما إِذا دعيت لتشهد فَإِن شِئْت فَاذْهَبْ وَإِن شِئْت فَلَا تذْهب
وَأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن جُبَير {وَلَا يأب الشُّهَدَاء} قَالَ: وَهُوَ الَّذِي عِنْده الشَّهَادَة
وَأخرج ابْن جرير عَن الْحسن فِي الْآيَة قَالَ: جمعت أَمريْن
لَا تأب إِذا كَانَت عنْدك شَهَادَة أَن تشهد وَلَا تأب إِذا دعيت إِلَى شَهَادَة
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عَائِشَة فِي قَوْله {أقسط عِنْد الله} قَالَت: أعدل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن الْحسن فِي قَوْله {وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} قَالَ: نسختها (فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا) (الْبَقَرَة الْآيَة 283)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن جَابر بن زيد
أَنه اشْترى سَوْطًا فاشهد وَقَالَ: قَالَ الله {وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم}
وَأخرج النّحاس فِي ناسخه عَن إِبْرَاهِيم فِي الْآيَة قَالَ: أشهد إِذْ بِعْت وَإِذا اشْتريت وَلَو دستجة بقل
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {وَأشْهدُوا إِذا تبايعتم} قَالَ: أشهدوا وَلَو دستجة من بقل
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} قَالَ: يَأْتِي الرجل الرجلَيْن فيدعوهما إِلَى الْكتاب وَالشَّهَادَة فَيَقُولَانِ: إِنَّا على حَاجَة
فَيَقُول: إنَّكُمَا قد أمرتما أَن تجيبا فَلَيْسَ لَهُ أَن يضارهما
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد} يَقُول: إِنَّه يكون لِلْكَاتِبِ وَالشَّاهِد حَاجَة لَيْسَ مِنْهَا بُد فَيَقُول: خلوا سَبيله
وَأخرج سُفْيَان وَعبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن عِكْرِمَة قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب يقْرؤهَا (وَلَا يضارر كَاتب وَلَا شَهِيد) يَعْنِي بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرَأ (ولَا يضارر)(2/122)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد أَنه كَانَ يقْرَأ (وَلَا يضارر كَاتب وَلَا شَهِيد) وَأَنه كَانَ يَقُول فِي تَأْوِيلهَا: ينْطَلق الَّذِي لَهُ الْحق فيدعو كَاتبه وَشَاهده إِلَى أَن يشْهد وَلَعَلَّه يكون فِي شغل أَو حَاجَة
وَأخرج ابْن جرير عَن طَاوس {وَلَا يضار كَاتب} فَيكْتب مَا لم يمل عَلَيْهِ {وَلَا شَهِيد} فَيشْهد مَا لم يستشهد
وَأخرج ابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن {وَلَا يضار كَاتب} فيزيد شَيْئا أَو يحرف {وَلَا شَهِيد} لَا يكتم الشَّهَادَة وَلَا يشْهد إِلَّا بِحَق
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَلَا يأب كَاتب أَن يكْتب كَمَا علمه الله} كَانَ أحدهم يَجِيء إِلَى الْكَاتِب فَيَقُول: اكْتُبْ لي
فَيَقُول: إِنِّي مَشْغُول أَو لي حَاجَة فَانْطَلق إِلَى غَيْرِي فَيلْزمهُ وَيَقُول: إِنَّك قد أمرت أَن تكْتب لي فَلَا يَدعه ويضاره بذلك وَهُوَ يجد غَيره فَأنْزل الله {وَلَا يضار كَاتب وَلَا شَهِيد}
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {وَإِن تَفعلُوا فَإِنَّهُ فسوق بكم} وَيَقُول: إِن تَفعلُوا غير الَّذِي أَمركُم بِهِ {وَاتَّقوا الله ويعلمكم الله} قَالَ: هَذَا تَعْلِيم علمكموه فَخُذُوا بِهِ
وَأخرج أَبُو يَعْقُوب الْبَغْدَادِيّ فِي كتاب رِوَايَة الْكِبَار عَن الصغار عَن سُفْيَان قَالَ: من عمل بِمَا يعلم وفْق لما لَا يعلم
وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عمل بِمَا علم وَرثهُ الله علم مَا لم يعلم
وَأخرج التِّرْمِذِيّ عَن يزِيد بن سَلمَة الْجعْفِيّ أَنه قَالَ يَا رَسُول الله إِنِّي سَمِعت مِنْك حَدِيثا كثيرا أَخَاف أَن ينسيني أوّله آخِره فَحَدثني بِكَلِمَة تكون جماعاً قَالَ: اتَّقِ الله فِيمَا تعلم
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن جَابر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من معادن التَّقْوَى تعلمك إِلَى مَا علمت مَا لم تعلم وَالنَّقْص وَالتَّقْصِير فِيمَا علمت قلَّة الزِّيَادَة فِيهِ وَإِنَّمَا يزهد الرجل فِي علم مَا لم يعلم قلَّة الِانْتِفَاع بِمَا قد علم
وَأخرج الدِّرَامِي عَن عبد الله بن عمر
أَن عمر بن الْخطاب قَالَ لعبد الله بن سَلام: من أَرْبَاب الْعلم قَالَ: الَّذين يعْملُونَ بِمَا يعلمُونَ
قَالَ: فَمَا يَنْفِي الْعلم من صُدُور الرِّجَال قَالَ: الطمع(2/123)
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: تعلمُوا الصمت ثمَّ تعلمُوا الْحلم ثمَّ تعلمُوا الْعلم ثمَّ تعلمُوا الْعَمَل بِهِ ثمَّ انشروا
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب التَّقْوَى عَن زِيَاد بن جدير قَالَ: مَا فقه قوم لم يبلغُوا التقى
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا عَن الْحسن قَالَ: يَقُول الله عز وَجل إِذا علمت أَن الْغَالِب على عَبدِي التَّمَسُّك بطاعتي مننت عَلَيْهِ بالاشتغال بِي والانقطاع إليَّ
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعلم حَيَاة الإِسلام وعماد الإِيمان وَمن علم علما أنمى الله لَهُ أجره إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمن تعلم علما فَعمل بِهِ فَإِن حَقًا على الله أَن يُعلمهُ مَا لم يكن يعلم
وَأخرج هناد عَن الضَّحَّاك قَالَ: ثَلَاثَة لَا يسمع الله تَعَالَى لَهُم دُعَاء
رجل مَعَه امْرَأَة زناء كلما قضى شَهْوَته مِنْهَا قَالَ: رب اغْفِر لي
فَيَقُول الرب تبَارك وَتَعَالَى: تحول عَنْهَا وَأَنا أَغفر لَك وَإِلَّا فَلَا وَرجل بَاعَ بيعا إِلَى أجل مُسَمّى وَلم يشْهد وَلم يكْتب فكافره الرجل بِمَا لَهُ فَيَقُول: يَا رب كافرني فلَان بِمَالي
فَيَقُول الرب لَا آجرك وَلَا أجيبك إِنِّي أَمرتك بِالْكتاب وَالشُّهُود فعصيتني وَرجل يَأْكُل مَال قوم وَهُوَ ينظر إِلَيْهِم وَيَقُول: يَا رب اغْفِر لي مَا آكل من مَالهم فَيَقُول الرب تَعَالَى: رد الْهم مَالهم وَإِلَّا فَلَا
الْآيَة 283(2/124)
وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)
أخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف من طرق عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَرَأَ (وَلم تَجدوا كتابا) وَقَالَ: قد يُوجد الْكَاتِب وَلَا يُوجد الْقَلَم وَلَا الدواة وَلَا الصَّحِيفَة وَالْكتاب يجمع ذَلِك كُله قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَت قِرَاءَة أبيّ(2/124)
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي الْعَالِيَة أَنه كَانَ يقْرَأ (فَإِن لم تَجدوا كتابا) قَالَ: يُوجد الْكَاتِب وَلَا تُوجد الدواة وَلَا الصَّحِيفَة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن الضَّحَّاك
مثله
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عِكْرِمَة أَنه قَرَأَهَا (فَإِن لم تَجدوا كتابا)
وَأخرج أَبُو عبيد وَعبد بن حميد وَابْن الْأَنْبَارِي عَن مُجَاهِد أَنه قَرَأَهَا (فَإِن لم تَجدوا كتابا) قَالَ: مداداً
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرؤهَا (فَإِن لم تَجدوا كتابا) وَقَالَ: الْكتاب كثير لم يكن حَوَّاء من الْعَرَب إِلَّا كَانَ فيهم كَاتب وَلَكِن كَانُوا لَا يقدرُونَ على القرطاس والقلم والدواة
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن عَبَّاس أَنه كَانَ يقْرَأ (وَلم تَجدوا كتابا) بِضَم الْكَاف وَتَشْديد التَّاء
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن زيد بن ثَابت قَالَ: اقرأني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (فرهن مَقْبُوضَة) بِغَيْر ألف
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن حميد الْأَعْرَج وَإِبْرَاهِيم أَنَّهُمَا قرآ (فرهن مَقْبُوضَة)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن وَأبي الرَّجَاء أَنَّهُمَا قرآ {فرهان مَقْبُوضَة}
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم على سفر} الْآيَة
قَالَ: من كَانَ على سفر فَبَايع بيعا إِلَى أجل فَلم يجد كَاتبا فَرخص لَهُ فِي الرِّهَان المقبوضة وَلَيْسَ لَهُ أَن وجد كَاتبا أَن يرتهن
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا فرهان مَقْبُوضَة} قَالَ: لَا يكون الرِّهَان إِلَّا فِي السّفر
وَأخرج البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت اشْترى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَاما من يَهُودِيّ بنسيئة وَرَهنه درعاً لَهُ من حَدِيد
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم على سفر وَلم تَجدوا كَاتبا} يَعْنِي لم تقدروا على كِتَابَة الدّين فِي السّفر {فرهان مَقْبُوضَة} يَقُول: فليرتهن(2/125)
الَّذِي لَهُ الْحق من الْمَطْلُوب {فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا} يَقُول: فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحق أَمينا عِنْد صَاحب الْحق فَلم يرتهن لِثِقَتِهِ وَحسن ظَنّه {فليؤد الَّذِي اؤتمن أَمَانَته} يَقُول: ليؤد الْحق الَّذِي عَلَيْهِ إِلَى صَاحبه وخوّف الله الَّذِي عَلَيْهِ الْحق فَقَالَ {وليتق الله ربه وَلَا تكتموا الشَّهَادَة} يَعْنِي عِنْد الْحُكَّام يَقُول: من أشهد على حق فليقمها على وَجههَا كَيفَ كَانَت {وَمن يكتمها} يَعْنِي الشَّهَادَة وَلَا يشْهد بهَا إِذا دعِي لَهَا {فَإِنَّهُ آثم قلبه وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ عليم} يَعْنِي من كتمان الشَّهَادَة وإقامتها
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لَا يكون الرَّهْن إِلَّا مَقْبُوضا يقبضهُ الَّذِي لَهُ المَال ثمَّ قَرَأَ {فرهان مَقْبُوضَة}
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ الْكَبِير وَأَبُو دَاوُد والنحاس مَعًا فِي النَّاسِخ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِسَنَد جيد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ
أَنه قَرَأَ هَذِه الْآيَة {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين} حَتَّى إِذا بلغ {فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا} قَالَ: هَذِه نسخت مَا قبلهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ: لَا بَأْس إِذا أمنته أَن لَا تكْتب وَلَا تشهد لقَوْله {فَإِن أَمن بَعْضكُم بَعْضًا}
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع {وَلَا تكتموا الشَّهَادَة} قَالَ: لَا يحل لأحد أَن يكتم شَهَادَة هِيَ عِنْده وَإِن كَانَت على نَفسه أَو الْوَالِدين أَو الْأَقْرَبين
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {آثم قلبه} قَالَ: فَاجر قلبه
آيَة 284(2/126)
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} قَالَ: نزلت فِي الشَّهَادَة
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق مقسم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} الْآيَة
قَالَ: نزلت فِي كتمان الشَّهَادَة وإقامتها(2/126)
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ لما نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير} اشْتَدَّ ذَلِك على أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأتوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ جثوا على الركب فَقَالُوا: يَا رَسُول الله كلفنا من الْأَعْمَال مَا نطيق الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْجهَاد وَالصَّدَََقَة وَقد أنزل عَلَيْك هَذِه الْآيَة وَلَا نطيقها فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أتريدون أَن تَقولُوا كَمَا قَالَ أهل الْكِتَابَيْنِ من قبلكُمْ سمعنَا وعصينا بل قُولُوا (سمعنَا وأطعنا غفرانك رَبنَا وَإِلَيْك الْمصير) (الْبَقَرَة الْآيَة 285) فَلَمَّا اقترأها الْقَوْم وذلت بهَا ألسنتهم أنزل الله فِي أَثَرهَا (آمن الرَّسُول
) (الْبَقَرَة الْآيَة 285) الْآيَة
فَلَمَّا فعلوا ذَلِك نسخهَا الله فَأنْزل الله (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا) (الْبَقَرَة الْآيَة 286) إِلَى آخرهَا
وَأخرج أَحْمد وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} دخل فِي قُلُوبهم مِنْهُ شَيْء لم يدْخل من شَيْء فَقَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يُوجد خطأ) فَقَالَ: قُولُوا سمعنَا وأطعنا وَسلمنَا
فَألْقى الله الإِيمان فِي قُلُوبهم فَأنْزل الله (آمن الرَّسُول
) (الْبَقَرَة الْآيَة 285) الْآيَة (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا) (الْبَقَرَة الْآيَة 286) قَالَ: قد فعلت (رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصراً كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا) قَالَ: قد فعلت (رَبنَا وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ) قَالَ: قد فعلت (واعف عَنَّا واغفر لنا وارحمنا
) الْآيَة قَالَ: قد فعلت
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُجَاهِد قَالَ: دخلت على ابْن عَبَّاس فَقلت: كنت عِنْد ابْن عمر فَقَرَأَ هَذِه الْآيَة فَبكى
قَالَ: أَيَّة آيَة قلت {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} قَالَ ابْن عَبَّاس: إِن هَذِه الْآيَة حِين أنزلت غمت أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غماً شَدِيدا وغاظتهم غيظاً شَدِيدا وَقَالُوا: يَا رَسُول(2/127)
الله هلكنا إِن كُنَّا نؤاخذ بِمَا تكلمنا وَبِمَا نعمل فَأَما قُلُوبنَا فَلَيْسَتْ بِأَيْدِينَا فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا سمعنَا وأطعنا
قَالَ: فنسختها هَذِه الْآيَة (آمن الرَّسُول) (الْبَقَرَة الْآيَة 385) إِلَى (وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت) فتجوّز لَهُم عَن حَدِيث النَّفس وَأخذُوا بِالْأَعْمَالِ
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن سعيد بن مرْجَانَة
أَنه بَيْنَمَا هُوَ جَالس مَعَ عبد الله بن عمر تَلا هَذِه الْآيَة {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} الْآيَة
فَقَالَ: وَالله لَئِن آخذنا الله بِهَذَا لَنهْلكَنَّ ثمَّ بَكَى حَتَّى سمع نَشِيجه قَالَ ابْن مرْجَانَة: فَقُمْت حَتَّى أتيت ابْن عَبَّاس فَذكرت لَهُ مَا قَالَ ابْن عمر وَمَا فعل حِين تَلَاهَا
فَقَالَ ابْن عَبَّاس: يغْفر الله لأبي عبد الرَّحْمَن لعمري لقد وجد الْمُسلمُونَ مِنْهَا حِين أنزلت مثل مَا وجد عبد الله بن عمر فَأنْزل الله بعْدهَا (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا) (الْبَقَرَة الْآيَة 286) إِلَى آخر السُّورَة قَالَ ابْن عَبَّاس: فَكَانَت هَذِه الوسوسة مِمَّا لَا طَاقَة للْمُسلمين بهَا وَصَارَ الْأَمر إِلَى أَن قضى الله أَن للنَّفس مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت من القَوْل وَالْعَمَل
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير والنحاس فِي ناسخه وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن سَالم أَن أَبَاهُ قَرَأَ {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} فَدَمَعَتْ عَيناهُ فَبلغ صَنِيعه ابْن عَبَّاس فَقَالَ: يرحم الله أَبَا عبد الرَّحْمَن لقد صنع أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين أنزلت فنسختها الْآيَة الَّتِي بعْدهَا (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد فِي الزّهْد وَعبد بن حميد عَن نَافِع قَالَ: لقلما أَتَى ابْن عمر على هَذِه الْآيَة إِلَّا بَكَى {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} إِلَى آخر الْآيَة
وَيَقُول: إِن هَذَا لاحصاء شَدِيد
وَأخرج البُخَارِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن مَرْوَان الْأَصْغَر عَن رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَحْسبهُ ابْن عمر {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} قَالَ: نسختها الْآيَة الَّتِي بعْدهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَالتِّرْمِذِيّ عَن عَليّ قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} ) الْآيَة
أحزنتنا قُلْنَا: أيحدث أَحَدنَا(2/128)
نَفسه فيحاسب بِهِ لَا نَدْرِي مَا يغْفر مِنْهُ وَلَا مَا لَا يغْفر مِنْهُ فَنزلت هَذِه الْآيَة بعْدهَا فنسختها (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا سعها لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود فِي الْآيَة قَالَ: كَانَت المحاسبة قبل أَن تنزل (لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت) فَلَمَّا نزلت نسخت الْآيَة الَّتِي كَانَت قبلهَا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق قَتَادَة عَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ فِي الْآيَة قَالَ: نسختها (لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت)
وَأخرج سُفْيَان وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وأبوداود وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي مَا حدثت بِهِ أَنْفسهَا مَا لم تَتَكَلَّم وتعمل بِهِ
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ مَا بعث الله من نَبِي وَلَا أرسل من رَسُول أنزل عَلَيْهِم الْكتاب إِلَّا أنزل عَلَيْهِ هَذِه الْآيَة {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء وَالله على كل شَيْء قدير} فَكَانَت الْأُمَم تأبى على أنبيائها ورسلها وَيَقُولُونَ: نؤاخذ بِمَا نُحدث بِهِ أَنْفُسنَا وَلم تعمله جوارحنا فيكفرون ويضلون فَلَمَّا نزلت على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اشْتَدَّ على الْمُسلمين مَا اشْتَدَّ على الْأُمَم قبلهم فَقَالُوا: يَا رَسُول الله أنؤاخذ بِمَا نُحدث بِهِ أَنْفُسنَا وَلم تعمله جوارحنا قَالَ: نعم فَاسْمَعُوا وَأَطيعُوا واطلبوا إِلَى ربكُم فَذَلِك قَوْله (آمن الرَّسُول) (الْبَقَرَة الْآيَة 285) الْآيَة
فَوضع الله عَنْهُم حَدِيث النَّفس إِلَّا مَا عملت الْجَوَارِح لَهَا مَا كسبت من خير وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت من شَرّ (رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا) (الْبَقَرَة الْآيَة 286) قَالَ: فَوضع عَنْهُم الْخَطَأ وَالنِّسْيَان (رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصرا
) الْآيَة
قَالَ: فَلم يكلفوا مَا لم يطيقوا وَلم يحمل عَلَيْهِم الإِصر الَّذِي جعل على الْأُمَم قبلهم وَعَفا عَنْهُم وَغفر لَهُم ونصرهم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} فَذَلِك سرائرك وعلانيتك {يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} فَإِنَّهَا لم تنسخ وَلَكِن الله إِذا جمع الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة يَقُول: إِنِّي أخْبركُم بِمَا(2/129)
أخفيتم فِي أَنفسكُم مِمَّا لم تطلع عَلَيْهِ ملائكتي فَأَما الْمُؤْمِنُونَ فيخبرهم وَيغْفر لَهُم مَا حدثوا بِهِ أنفسهم وَهُوَ قَوْله (يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله) يَقُول: يُخْبِركُمْ وَأما أهل الشَّك والريب فيخبرهم بِمَا أخفوا من التَّكْذِيب وَهُوَ قَوْله (وَلَكِن يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ) (الْبَقَرَة الْآيَة 225)
وَأخرج عبد بن حميد وَأَبُو دَاوُد فِي ناسخه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم والنحاس عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} قَالَ: من الْيَقِين وَالشَّكّ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} فَذَلِك سر عَمَلك وعلانيته {يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} فَمَا من عبد مُؤمن يسر فِي نَفسه خيرا ليعْمَل بِهِ فَإِن عمل بِهِ كتبت لَهُ عشر حَسَنَات وَإِن هُوَ لم يقدر لَهُ أَن يعْمل كتب لَهُ بِهِ حَسَنَة من أجل أَنه مُؤمن وَالله رَضِي سر الْمُؤمنِينَ وعلانيتهم وان كَانَ سوءا حدث بِهِ نَفسه اطلع الله عَلَيْهِ أخبرهُ الله بِهِ يَوْم تبلى السرائر فَإِن هُوَ لم يعْمل بِهِ لم يؤاخذه الله بِهِ حَتَّى يعْمل بِهِ فَإِن هُوَ عمل بِهِ تجَاوز الله عَنهُ كَمَا قَالَ (أُولَئِكَ الَّذين نتقبل عَنْهُم أحسن مَا عمِلُوا ونتجاوز عَن سيئاتهم) (الْأَحْقَاف الْآيَة 16)
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي ناسخه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَأَن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} نسخت فَقَالَ (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا) (الْبَقَرَة الْآيَة 286)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} قَالَ: لما نزلت اشْتَدَّ ذَلِك على الْمُسلمين وشق عَلَيْهِم فنسخها الله فَأنْزل الله (لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا) (الْبَقَرَة الْآيَة 286)
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي مُسْند الشاميين عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ} ) الْآيَة أَتَى أَبُو بكر وَعمر ومعاذ بن جبل وَسعد بن زُرَارَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا: مَا نزل علينا آيَة أَشد من هَذِه
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالَ: إِن الله يَقُول(2/130)
يَوْم الْقِيَامَة: إِن كتابي لم يكتبوا من أَعمالكُم إِلَّا مَا ظهر مِنْهَا فَأَما مَا أسررتم فِي أَنفسكُم فَأَنا أحاسبكم بِهِ الْيَوْم فَأغْفِر لمن شِئْت وأعذب من شِئْت
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع بن أنس فِي الْآيَة قَالَ: هِيَ محكمَة لم ينسخها شَيْء يعرفهُ الله يَوْم الْقِيَامَة إِنَّك أخفيت فِي صدرك كَذَا وَكَذَا وَلَا يؤاخذه
وَأخرج الطَّيَالِسِيّ وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أُميَّة أَنَّهَا سَأَلت عَائِشَة عَن قَول الله تَعَالَى {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله} وَعَن قَوْله (من يعْمل سوءا يجز بِهِ) (النِّسَاء الْآيَة 123) فَقَالَت: مَا سَأَلَني عَنْهَا أحد مُنْذُ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: هَذِه معاتبة الله العَبْد فِيمَا يُصِيبهُ من الْحمى والنكبة حَتَّى البضاعة يَضَعهَا فِي يَد قَمِيصه فيفقدها فَيفزع لَهَا ثمَّ يجدهَا فِي ضبينه حَتَّى إِن العَبْد ليخرج من ذنُوبه كَمَا يخرج التبر الْأَحْمَر من الْكِير
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير من طَرِيق الضَّحَّاك عَن عَائِشَة فِي قَوْله {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم} الْآيَة
قَالَت: هُوَ الرجل يهم بالمعصية وَلَا يعملها فَيُرْسل عَلَيْهِ من الْغم والحزن بِقدر مَا كَانَ هم من الْمعْصِيَة فَتلك محاسبته
وَأخرج ابْن جرير عَن عَائِشَة قَالَت: كل عبد هم بِسوء ومعصية وَحدث بِهِ نَفسه حَاسبه الله بِهِ فِي الدُّنْيَا يخَاف ويحزن ويشتد همه لَا يَنَالهُ من ذَلِك شَيْء كَمَا هم بالسوء وَلم يعْمل مِنْهُ شَيْئا
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَاصِم أَنه قَرَأَ {فَيغْفر لمن يَشَاء ويعذب من يَشَاء} بِالرَّفْع فيهمَا
وَأخرج عَن الْأَعْمَش: انه قَرَأَ بجزمهما
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش
أَنه قَالَ: فِي قِرَاءَة ابْن مَسْعُود (يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله يغْفر لمن يَشَاء) بِغَيْر فَاء
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فَيغْفر لمن يَشَاء} الْآيَة
قَالَ: يغْفر لمن يَشَاء الْكَبِير من الذُّنُوب ويعذب من يَشَاء على الصَّغِير(2/131)
آيَة 285 - 286(2/132)
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)
أخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ لما نزلت (وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم) (الْبَقَرَة الْآيَة 284) الْآيَة
شقّ ذَلِك عَلَيْهِم قَالُوا: يَا رَسُول الله إِنَّا لنحدث أَنْفُسنَا بِشَيْء مَا يسرنَا أَن يطلع عَلَيْهِ أحد من الْخَلَائق وَإِن لنا كَذَا وَكَذَا
قَالَ: أوقد لَقِيتُم هَذَا ذَلِك صَرِيح الإِيمان فَأنْزل الله {آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه} الْآيَتَيْنِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب من طَرِيق يحيى بن أبي كثير عَن أنس قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه} قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحقّ لَهُ أَن يُؤمن
قَالَ: الذَّهَبِيّ مُنْقَطع بَين يحيى وَأنس
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة قَالَ: ذكر لنا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ وَحقّ لَهُ أَن يُؤمن
قلت هَذَا شَاهد لحَدِيث أنس
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن عَليّ بن أبي طَالب
أَنه قَرَأَ (آمن الرَّسُول بِمَا أنزل إِلَيْهِ من ربه وآمن الْمُؤْمِنُونَ)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عَبَّاس
أَنه كَانَ يقْرَأ (كل آمن بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتابه)(2/132)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: آمنا بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان لَا نفرق بَين أحد من رسله لَا نكفر بِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل وَلَا نفرق بَين أحد مِنْهُم وَلَا نكذب بِهِ {وَقَالُوا سمعنَا} لِلْقُرْآنِ الَّذِي جَاءَ من الله {وأطعنا} اقروا لله أَن يطيعوه فِي أمره وَنَهْيه
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن يحيى بن عُمَيْر
أَنه كَانَ يقْرَأ (لَا يفرق بَين أحد من رسله) يَقُول: كل آمن وكل لَا يفرق
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {غفرانك رَبنَا} قَالَ: قد غفرت لكم {وَإِلَيْك الْمصير} قَالَ: إِلَيْك الْمرجع والمآب يَوْم يقوم الْحساب
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن حَكِيم بن جَابر قَالَ: لما نزلت {آمن الرَّسُول} قَالَ جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله قد أحسن الثَّنَاء عَلَيْك وعَلى أمتك فسل تعطه
فَسَأَلَ {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} حَتَّى ختم السُّورَة بِمَسْأَلَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} قَالَ: هم الْمُؤْمِنُونَ وسع الله عَلَيْهِم أَمر دينهم فَقَالَ (وَمَا جعل عَلَيْكُم فِي الدّين من حرج) (الْحَج الْآيَة 78) وَقَالَ (يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر) (الْبَقَرَة الْآيَة 185) وَقَالَ (فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم) (التغابن الْآيَة 19)
وَأخرج البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن ماجة عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: كَانَت لي بواسير فَسَأَلت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن الصَّلَاة فَقَالَ صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعداً فَإِن لم تستطع فعلى جنب
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {لَهَا مَا كسبت وَعَلَيْهَا مَا اكْتسبت} قَالَ: من الْعَمَل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر من طَرِيق الزُّهْرِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: لما نزلت ضج الْمُؤْمِنُونَ مِنْهَا ضجة وَقَالُوا: يَا رَسُول الله: هَذَا نتوب من عمل الْيَد وَالرجل(2/133)
وَاللِّسَان كَيفَ نتوب من الوسوسة كَيفَ نمتنع مِنْهَا فجَاء جِبْرِيل بِهَذِهِ الْآيَة {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} إِنَّكُم لَا تَسْتَطِيعُونَ أَن تمتنعوا من الوسوسة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي قَوْله {إِلَّا وسعهَا} قَالَ: إِلَّا طاقتها
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن الضَّحَّاك {إِلَّا وسعهَا} قَالَ: إِلَّا مَا تطِيق
وَأخرج سُفْيَان وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تجَاوز عَن أمتِي مَا وسوست بِهِ صدورها مَا لم تعْمل أَو تكلم بِهِ
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق أبي بكر الْهُذلِيّ عَن شهر عَن أم الدَّرْدَاء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله تجَاوز لأمتي عَن ثَلَاث
عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان والاستكراه
قَالَ أَبُو بكر: فَذكرت ذَلِك لِلْحسنِ فَقَالَ: أجل اما تقْرَأ بذلك قُرْآنًا {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا}
وَأخرج ابْن ماجة وَابْن الْمُنْذر وَابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن ماجة عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ثَوْبَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تجَاوز لي عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وضع الله عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن عدي فِي الْكَامِل وَأَبُو نعيم فِي التَّارِيخ عَن أبي بكرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رفع الله عَن هَذِه الْأمة الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَالْأَمر يكْرهُونَ عَلَيْهِ
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد عَن الْحسن عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ تجوّز لهَذِهِ الْأمة الْخَطَأ وَالنِّسْيَان وَمَا اسْتكْرهُوا عَلَيْهِ(2/134)
وَأخرج عبد بن حميد عَن الشّعبِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله تجَاوز لأمتي عَن ثَلَاث: عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان والإِكراه
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تجَاوز الله لِابْنِ آدم عَمَّا أَخطَأ وَعَما نسي وَعَما أكره وَعَما غلب عَلَيْهِ
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ قَالَ: إِن هَذِه الْآيَة حِين نزلت {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} قَالَ لَهُ جِبْرِيل: إِن الله قد فعل ذَلِك يَا مُحَمَّد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {إصراً} قَالَ: عهدا
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {وَلَا تحمل علينا إصراً} قَالَ: عهدا
وَأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس
أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله {وَلَا تحمل علينا إصراً كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا} قَالَ: عهدا كَمَا حَملته على الْيَهُود فمسختهم قردة وَخَنَازِير
قَالَ: وَهل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم أما سَمِعت أَبَا طَالب وَهُوَ يَقُول: أَفِي كل عَام وَاحِد وصحيفة يشد بهَا أَمر وثيق وأيصره
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن جريج {وَلَا تحمل علينا إصراً} قَالَ: عهدا أَلا نطيقه وَلَا نستطيع الْقيام بِهِ {كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا} الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَلم يقومُوا بِهِ فأهلكتهم {وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} قَالَ: مسخ القردة والخنازير
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {رَبنَا وَلَا تحمل علينا إصراً كَمَا حَملته على الَّذين من قبلنَا} قَالَ: كم من تَشْدِيد كَانَ على من كَانَ قبلنَا {رَبنَا وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} قَالَ: كم من تَخْفيف وَيسر وعافية فِي هَذِه الْأمة
وَأخرج ابْن جرير عَن عَطاء بن أبي رَبَاح {وَلَا تحمل علينا إصراً} قَالَ: لَا تمسخنا قردة وَخَنَازِير
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {وَلَا تحمل علينا إصراً} يَقُول: التَّشْدِيد الَّذِي شدد بِهِ على من كَانَ من أهل الْكتاب(2/135)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة عَن عبد الرَّحْمَن بن حَسَنَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن بني إِسْرَائِيل كَانُوا إِذا أَصَابَهُم الْبَوْل قرضوه بِالْمَقَارِيضِ
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن أبي مُوسَى قَالَ: كَانَت بَنو إِسْرَائِيل إِذا أصَاب أحدهم الْبَوْل يتبعهُ بالمقراضين
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عَائِشَة قَالَت دخلت على امْرَأَة من الْيَهُود فَقَالَت: إِن عَذَاب الْقَبْر من الْبَوْل
قلت: كذبت
قَالَت: بلَى
قَالَت: إِنَّه ليقرض مِنْهُ الْجلد وَالثَّوْب فَأخْبرت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: صدقت
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد فِي الْآيَة قَالَ: لَا تحمل علينا ذَنبا لَيْسَ فِيهِ تَوْبَة وَلَا كَفَّارَة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الفضيل فِي قَوْله {وَلَا تحمل علينا إصراً} قَالَ: كَانَ الرجل من بني إِسْرَائِيل إِذا أذْنب قيل لَهُ: توبتك أَن تقتل نَفسك فَيقْتل نَفسه فَوضعت الاصار عَن هَذِه الْأمة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك {رَبنَا وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} قَالَ: لَا تحملنا من الْأَعْمَال مَا لَا نطيق
وَأخرج ابْن جرير عَن السّديّ {مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} من التَّغْلِيظ والأغلال الَّتِي كَانَت عَلَيْهِم من التَّحْرِيم
وَأخرج ابْن جرير عَن سَلام بن سَابُور {مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} قَالَ: الغلمة
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول {مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ} قَالَ: الغربة والغلمة والانعاظ
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن زيد {واعف عَنَّا} إِن قَصرنَا عَن شَيْء مِمَّا أمرتنا بِهِ {واغفر لنا} إِن انتهكنا شَيْئا مِمَّا نَهَيْتنَا عَنهُ {وارحمنا} يَقُول: لَا ننال الْعَمَل بِمَا أمرتنا بِهِ وَلَا ترك مَا نَهَيْتنَا عَنهُ إِلَّا بِرَحْمَتك
قَالَ: وَلم ينج أحد إِلَّا برحمته
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن الضَّحَّاك قَالَ: جَاءَ بهَا جِبْرِيل وَمَعَهُ من الْمَلَائِكَة مَا شَاءَ الله {آمن الرَّسُول} إِلَى قَوْله {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا} قَالَ: ذَلِك لَك وَهَكَذَا عقب كل كلمة
وَأخرج سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعبد بن حميد عَن الضَّحَّاك قَالَ أَقرَأ جِبْرِيل النَّبِي آخر سُورَة الْبَقَرَة فَلَمَّا حفظهَا قَالَ: اقرأها
فقرأها فَجعل كلما مر بِحرف قَالَ: ذَلِك لَك حَتَّى فرغ مِنْهَا(2/136)
وَأخرج عبد بن حميد عَن عَطاء قَالَ: لما نزلت هَذِه الْآيَات {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا إِن نَسِينَا أَو أَخْطَأنَا} فَكلما قَالَهَا جِبْرِيل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: آمين رب الْعَالمين
وَأخرج عبد بن حميد عَن أبي ذَر قَالَ: هِيَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي هَذِه الْآيَة قَالَ: كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَسَأَلَهَا نَبِي الله ربه فاعطاه اياها فَكَانَت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة
وَأخرج أَبُو عبيد عَن أبي ميسرَة أَن جِبْرِيل لقن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد خَاتِمَة الْبَقَرَة: آمين
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن معَاذ بن جبل
أَنه كَانَ إِذا فرغ من قِرَاءَة هَذِه السُّورَة {وَانْصُرْنَا على الْقَوْم الْكَافرين} قَالَ: آمين
وَأخرج أَبُو عبيد عَن جُبَير بن نغير
أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ خَاتِمَة الْبَقَرَة يَقُول: آمين آمين
وَأخرج ابْن السّني وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن حُذَيْفَة قَالَ صليت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ سُورَة الْبَقَرَة فَلَمَّا خَتمهَا قَالَ: اللَّهُمَّ رَبنَا وَلَك الْحَمد عشرا أَو سبع مَرَّات
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَأحمد والدرامي وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن الضريس وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من قَرَأَ الْآيَتَيْنِ من آخر سُورَة الْبَقَرَة فِي لَيْلَة كفتاه
وَأخرج أَبُو عبيد والدرامي وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن الضريس وَمُحَمّد بن نصر وَابْن حبَان وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن النُّعْمَان بن بشير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله كتب كتابا قبل أَن يخلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض بألفي عَام فَأنْزل مِنْهُ آيَتَيْنِ ختم بهما سُورَة الْبَقَرَة وَلَا يقرآن فِي دَار ثَلَاث لَيَال فيقربها شَيْطَان
وَأخرج أَحْمد وَأَبُو عبيد وَمُحَمّد بن نصر عَن عقبَة بن عَامر سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: اقرؤوا هَاتين الْآيَتَيْنِ من آخر سُورَة الْبَقَرَة فَإِن رَبِّي أعطانيهما من تَحت الْعَرْش
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عقبَة بن عَامر قَالَ: ترددوا فِي الْآيَتَيْنِ من آخر سُورَة الْبَقَرَة {آمن الرَّسُول} إِلَى خاتمتها فَإِن الله اصْطفى بهَا مُحَمَّدًا(2/137)
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب بِسَنَد صَحِيح عَن حُذَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: أَعْطَيْت هَذِه الْآيَات من آخر سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش لم يُعْطهَا نَبِي قبلي
وَأخرج اسحق بن رَاهَوَيْه وَأحمد وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعْطَيْت خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش لم يُعْطهنَّ نَبِي قبلي
وَأخرج مُسلم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما أسرِي برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى بِهِ إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهى فَأعْطِي ثَلَاثًا: أعطي الصَّلَوَات الْخمس وَأعْطِي خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة وَغفر لمن لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا من أمته الْمُقْحمَات
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ذَر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن الله ختم سُورَة الْبَقَرَة بآيتين أعطانيهما من كنزه الَّذِي تَحت الْعَرْش فتعلموهما وعلموهما نساءكم وأبناءكم فَإِنَّهُمَا صَلَاة وَقُرْآن وَدُعَاء
وَأخرج أَبُو عبيد وَابْن الضريس وجعفر الْفرْيَابِيّ فِي الذّكر عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَوَاخِر سُورَة الْبَقَرَة إنَّهُنَّ قُرْآن وإنهن دُعَاء وإنهن يدخلن الْجنَّة وإنهن يرضين الرَّحْمَن
وَأخرج الديلمي عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيتان هما قُرْآن وهما يشفيان وهما مِمَّا يحبهما الله الْآيَتَانِ من آخر الْبَقَرَة
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد جيد عَن شَدَّاد بن أَوْس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله كتب كتابا قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بألفي عَام فَأنْزل مِنْهُ آيَتَيْنِ ختم بهما سُورَة الْبَقَرَة لَا يقرآن فِي دَار ثَلَاث لَيَال فيقربها شَيْطَان
وَأخرج مُسَدّد عَن عمر قَالَ: مَا كنت أرى أحدا يعقل ينَام حَتَّى يقْرَأ الْآيَات الْأَوَاخِر من سُورَة الْبَقَرَة فَإِنَّهُنَّ من كنز تَحت الْعَرْش
وَأخرج الدَّارمِيّ وَمُحَمّد بن نصر وَابْن الضريس وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَليّ قَالَ: مَا كنت أرى أَن أحدا يعقل ينَام حَتَّى يقْرَأ هَؤُلَاءِ الْآيَات الثَّلَاث من آخر سُورَة الْبَقَرَة وإنهن لمن كنز تَحت الْعَرْش
وَأخرج الْفرْيَابِيّ وَأَبُو عبيد وَالطَّبَرَانِيّ وَمُحَمّد بن نصر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أنزلت هَذِه الْآيَات من آخر سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ فِي لَيْلَة آخر سُورَة الْبَقَرَة فقد أَكثر وأطاب(2/138)
وَأخرج الْخَطِيب فِي تَلْخِيص الْمُتَشَابه عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ الثَّلَاث الْأَوَاخِر من سُورَة الْبَقَرَة فقد أَكثر وأطاب
وَأخرج ابْن عدي عَن ابْن مَسْعُود الْأنْصَارِيّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: أنزل الله آيَتَيْنِ من كنوز الْجنَّة كتبهما الرَّحْمَن بِيَدِهِ قبل أَن يخلق الْخلق بألفي عَام من قرأهما بعد الْعشَاء الْآخِرَة أَجْزَأَتَاهُ عَن قيام اللَّيْل
وَأخرج ابْن الضريس عَن ابْن مَسْعُود البدري قَالَ: من قَرَأَ خَاتِمَة سُورَة الْبَقَرَة فِي لَيْلَة أَجْزَأت عَنهُ قيام لَيْلَة وَقَالَ: أعطي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَوَاتِيم سُورَة الْبَقَرَة من كنز تَحت الْعَرْش
وَأخرج أَبُو يعلى عَن ابْن عَبَّاس قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي رَكْعَتي الْفجْر فِي الرَّكْعَة الأولى {آمن الرَّسُول} حَتَّى خَتمهَا وَفِي الثَّانِيَة من آل عمرَان (قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء
) الْآيَة
وَأخرج أَبُو عبيد عَن كَعْب أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعطي أَربع آيَات لم يُعْطهنَّ مُوسَى وَإِن مُوسَى أعطي آيَة لم يُعْطهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: والآيات الَّتِي أعطيهن مُحَمَّد {لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} حَتَّى ختم الْبَقَرَة فَتلك ثَلَاث آيَات وَآيَة الْكُرْسِيّ حَتَّى تَنْقَضِي وَالْآيَة الَّتِي أعطيها مُوسَى اللَّهُمَّ لَا تولج الشَّيْطَان فِي قُلُوبنَا وخلصنا مِنْهُ من أجل أَن لَك الملكوت والأيد وَالسُّلْطَان وَالْملك وَالْحَمْد وَالْأَرْض وَالسَّمَاء والدهر الداهر أبدا أبدا آمين آمين
وَأخرج عبد بن حميد عَن الْحسن أَنه كَانَ إِذا قَرَأَ آخر الْبَقَرَة قَالَ: يَا لَك نعْمَة يَا لَك نعْمَة
وَأخرج ابْن جرير فِي تَهْذِيب الْآثَار عَن أَيُّوب
إِن أَبَا قلَابَة كتب إِلَيْهِ بِدُعَاء الكرب وَأمره أَن يُعلمهُ ابْنه
لَا إِلَه إِلَّا الله الْعَظِيم الْحَلِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب الْعَرْش الْعَظِيم لَا إِلَه إِلَّا الله رب السَّمَوَات السَّبع وَرب الأَرْض وَرب الْعَرْش الْكَرِيم سُبْحَانَكَ يَا رَحْمَن مَا شِئْت أَن يكون كَانَ وَمَا لم تشَاء لم يكن لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أعوذ بِالَّذِي يمسك السَّمَوَات السَّبع وَمن فِيهِنَّ أَن يقعن على الأَرْض من شَرّ مَا خلق وَمن شَرّ مَا برأَ وَأَعُوذ بِكَلِمَات الله التامات الَّتِي لَا يجاوزهن بر وَلَا فَاجر من شَرّ السامة والهامة وَمن الشَّرّ كُله فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ثمَّ يقْرَأ آيَة الْكُرْسِيّ وخواتيم سُورَة الْبَقَرَة(2/139)
مُقَدّمَة سُورَة آل عمرَان أخرج ابْن الضريس فِي فضائله والنحاس فِي ناسخه وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: نزلت سُورَة آل عمرَان بِالْمَدِينَةِ
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِسَنَد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من قَرَأَ السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا آل عمرَان يَوْم الْجُمُعَة صلى الله عَلَيْهِ وَمَلَائِكَته حَتَّى تغيب الشَّمْس
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: من قَرَأَ الْبَقَرَة وَآل عمرَان وَالنِّسَاء كتب عِنْد الله من الْحُكَمَاء
وَأخرج الدِّرَامِي وَمُحَمّد بن نصر وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: من قَرَأَ آل عمرَان فَهُوَ غَنِي وَالنِّسَاء محبرة يَعْنِي مزينة
وَأخرج الدِّرَامِي وَأَبُو عبيد فِي فضائله وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: نعم كنز الصعلوك سُورَة آل عمرَان يقوم بهَا الرجل من آخر اللَّيْل
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن أبي عطاف قَالَ: اسْم آل عمرَان فِي التَّوْرَاة طيبَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن ابْن عَبَّاس
أَن الشَّمْس انكسفت وَهُوَ أَمِير على الْبَصْرَة فصلى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فيهمَا بالبقرة وَآل عمرَان
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن عبد الْملك بن عُمَيْر قَالَ: قَرَأَ رجل الْبَقَرَة وَآل عمرَان
فَقَالَ كَعْب: قد قَرَأَ سورتين إِن فيهمَا للاسم الَّذِي إِذا دعى بِهِ اسْتَجَابَ(2/140)
سُورَة آل عمرَان
مَدَنِيَّة وآياتها مِائَتَان نزلت بعد الْأَنْفَال
آيَة 1 - 6(2/141)
الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)
أخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف عَن أبي بن كَعْب أَنه قَرَأَ {الْحَيّ القيوم}
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ {القيوم} الْقَائِم على كل شَيْء
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرؤهَا {الْحَيّ القيوم}
وَأخرج أَبُو عبيد وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَابْن أبي دَاوُد وَابْن الْأَنْبَارِي مَعًا فِي الْمَصَاحِف وَابْن الْمُنْذر وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عمر أَنه صلى الْعشَاء الْآخِرَة فَاسْتَفْتَحَ سُورَة آل عمرَان فَقَرَأَ {الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}
وَأخرج ابْن أبي دَاوُد عَن الْأَعْمَش قَالَ فِي قِرَاءَة عبد الله / الْحَيّ الْقيام /
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن عَلْقَمَة أَنه كَانَ يقْرَأ / الْحَيّ الْقيام /
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْأَنْبَارِي عَن أبي معمر قَالَ: سَمِعت عَلْقَمَة يقْرَأ / الْحَيّ الْقيم / وَكَانَ أَصْحَاب عبد الله يقرؤون / الْحَيّ الْقيام /
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن عَاصِم بن كُلَيْب عَن أَبِيه قَالَ: كَانَ عمر يُعجبهُ أَن يقْرَأ سُورَة آل عمرَان فِي الْجُمُعَة إِذا خطب
وَأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير قَالَ: قدم على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفد نَجْرَان سِتُّونَ رَاكِبًا فيهم أَرْبَعَة عشر رجلا من أَشْرَافهم فَكلم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
مِنْهُم أَبُو حَارِثَة بن عَلْقَمَة وَالْعَاقِب وَعبد الْمَسِيح والأيهم السَّيِّد وَهُوَ من النَّصْرَانِيَّة على دين الْملك مَعَ اخْتِلَاف من أَمرهم
يَقُولُونَ هُوَ الله وَيَقُولُونَ هُوَ ولد الله وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة كَذَلِك قَول النَّصْرَانِيَّة فهم يحتجون(2/141)
فِي قَوْلهم يَقُولُونَ هُوَ الله بِأَنَّهُ كَانَ يحيي الْمَوْتَى ويبرىء الاسقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كَهَيئَةِ الطير ثمَّ ينْفخ فِيهِ فَيكون طيراً وَذَلِكَ كُله بِإِذن الله ليجعله آيَة للنَّاس
ويحتجون فِي قَوْلهم بِأَنَّهُ ولد بِأَنَّهُم يَقُولُونَ: لم يكن لَهُ أَب يعلم وَقد تكلم فِي المهد شَيْئا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله
ويحتجون فِي قَوْلهم إِنَّه ثَالِث ثَلَاثَة بقول الله: فعلنَا وأمرنا وخلقنا وقضينا فَيَقُولُونَ: لَو كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إِلَّا فعلت وَأمرت وقضيت وخلقت وَلكنه هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَم
فَفِي كل ذَلِك من قَوْلهم نزل الْقُرْآن وَذكر الله لنَبيه فِيهِ قَوْلهم فَلَمَّا كَلمه الحبران قَالَ لَهما رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أسلما قَالَا: قد أسلمنَا قبلك
قَالَ: كذبتما منعكما من الإِسلام دعاؤكما لله ولدا وعبادتكما الصَّلِيب وأكلكما الْخِنْزِير قَالَا: فَمن أَبوهُ يَا مُحَمَّد فَصمت فَلم يجبهما شَيْئا فَأنْزل الله فِي ذَلِك من قَوْلهم وَاخْتِلَاف أَمرهم كُله صدر سُورَة آل عمرَان إِلَى بضع وَثَمَانِينَ آيَة مِنْهَا فَافْتتحَ السُّورَة بتنزيه نَفسه مِمَّا قَالُوهُ وتوحيده إيَّاهُم بالخلق وَالْأَمر لَا شريك لَهُ فِيهِ ورد عَلَيْهِم مَا ابتدعوا من الْكفْر وَجعلُوا مَعَه من الأنداد واحتجاجاً عَلَيْهِم بقَوْلهمْ فِي صَاحبهمْ ليعرفهم بذلك ضلالته فَقَالَ {الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم} أَي لَيْسَ مَعَه غَيره شريك فِي أمره الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَقد مَاتَ عِيسَى فِي قَوْلهم القيوم الْقَائِم على سُلْطَانه لَا يَزُول وَقد زَالَ عِيسَى
وَقَالَ ابْن إِسْحَق: حَدثنِي مُحَمَّد بن سهل بن أبي امامة قَالَ: لما قدم أهل نَجْرَان على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يسألونه عَن عِيسَى بن مَرْيَم
نزلت فيهم فَاتِحَة آل عمرَان إِلَى رَأس الثَّمَانِينَ مِنْهَا وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ: إِن النَّصَارَى أَتَوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فخاصموه فِي عِيسَى بن مَرْيَم وَقَالُوا لَهُ: من أَبوهُ وَقَالُوا على الله الْكَذِب والبهتان
فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ألستم تعلمُونَ أَنه لَا يكون ولد إِلَّا وَهُوَ يشبه أَبَاهُ قَالُوا: بلَى
قَالَ: ألستم تعلمُونَ أَن رَبنَا حَيّ لَا يَمُوت وَإِن عِيسَى يَأْتِي عَلَيْهِ الفناء قَالُوا: بلَى
قَالَ: ألستم تعلمُونَ أَن رَبنَا قيم على كل شَيْء يكلؤه ويحفظه وَيَرْزقهُ قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَهَل يملك عِيسَى من ذَلِك شَيْئا قَالُوا: لَا
قَالَ: أفلستم تعلمُونَ أَن الله لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَهَل يعلم عِيسَى من ذَلِك شَيْئا إِلَّا مَا علم قَالُوا: لَا(2/142)
قَالَ: فَإِن رَبنَا صور عِيسَى فِي الرَّحِم كَيفَ شَاءَ ألستم تعلمُونَ أَن رَبنَا لَا يَأْكُل الطَّعَام وَلَا يشرب الشَّرَاب وَلَا يحدث الْحَدث قَالُوا: بلَى
قَالَ: ألستم تعلمُونَ أَن عِيسَى حَملته أمه كَمَا تحمل الْمَرْأَة ثمَّ وَضعته كَمَا تضع الْمَرْأَة وَلَدهَا ثمَّ غُذّيَ كَمَا تُغذي الْمَرْأَة الصَّبِي ثمَّ كَانَ يَأْكُل الطَّعَام وَيشْرب الشَّرَاب وَيحدث الْحَدث قَالُوا: بلَى
قَالَ: فَكيف يكون هَذَا كَمَا زعمتم فعرفوا ثمَّ أَبَوا إِلَّا جحُودًا
فَأنْزل الله {الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم}
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَالطَّبَرَانِيّ عَن ابْن مَسْعُود أَنه كَانَ يقْرؤهَا / الْقيام /
وَأخرج ابْن جرير عَن عَلْقَمَة أَنه قَرَأَ {الْحَيّ القيوم}
وَأخرج الْفِرْيَانِيُّ وَعبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {نزل عَلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} قَالَ: لما قبله من كتاب أَو رَسُول
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن {مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} يَقُول: من الْبَينَات الَّتِي أنزلت على نوح وَإِبْرَاهِيم وَهود والأنبياء
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة فِي قَوْله {نزل عَلَيْك الْكتاب} قَالَ: الْقُرْآن {مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ} من الْكتب الَّتِي قد خلت قبله (وَأنزل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل من قبل هدى للنَّاس) هما كِتَابَانِ أنزلهما الله فيهمَا بَيَان من الله وعصمة لمن أَخذ بِهِ وَصدق بِهِ وَعمل بِمَا فِيهِ {وَأنزل الْفرْقَان} هُوَ الْقُرْآن فرق بِهِ بَين الْحق وَالْبَاطِل
فأحل فِيهِ حَلَاله وَحرم فِيهِ حرَامه وَشرع فِيهِ شرائعه وَحَدَّ فِيهِ حُدُوده وَفرض فِيهِ فَرَائِضه وبَيَّنَ فِيهِ بَيَانه وَأمر بِطَاعَتِهِ وَنهى عَن مَعْصِيَته
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير {وَأنزل الْفرْقَان} أَي الْفَصْل بَين الْحق وَالْبَاطِل فِيمَا اخْتلف فِيهِ الْأَحْزَاب من أَمر عِيسَى وَغَيره
وَفِي قَوْله {إِن الَّذين كفرُوا بآيَات الله لَهُم عَذَاب شَدِيد وَالله عَزِيز ذُو انتقام} أَي أَن الله منتقم مِمَّن كفر بآياته بعد علمه بهَا ومعرفته بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا
وَفِي قَوْله {أَن الله لَا يخفى عَلَيْهِ شَيْء فِي الأَرْض وَلَا فِي السَّمَاء} أَي قد علم مَا يُرِيدُونَ وَمَا يكيدون وَمَا يضاهون بقَوْلهمْ فِي عِيسَى
إِذْ جَعَلُوهُ رَبًّا وإلهاً وَعِنْدهم من علمه غير ذَلِك غرَّة بِاللَّه وَكفرا بِهِ {هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء} قد كَانَ عِيسَى مِمَّن صور فِي الْأَرْحَام لَا يدْفَعُونَ ذَلِك وَلَا ينكرونه كَمَا صور غَيره من بني آدم فَكيف يكون إِلَهًا وَقد كَانَ بذلك الْمنزل(2/143)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء} قَالَ: ذُكُورا وإناثاً
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس عَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة
فِي قَوْله {هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء} قَالَ: إِذا وَقعت النُّطْفَة فِي الْأَرْحَام طارت فِي الْجَسَد أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تكون علقَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثمَّ تكون مُضْغَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِذا بلغ أَن يخلق بعث الله ملكا يصوّرها فَيَأْتِي الْملك بِتُرَاب بَين اصبعيه فيخلط فِيهِ المضغة ثمَّ يعجنه بهَا ثمَّ يصوّره كَمَا يُؤمر ثمَّ يَقُول: أذكر أم أُنْثَى أشقي أم سعيد ومَا رزقه وَمَا عمره وَمَا أَثَره وَمَا مصائبه فَيَقُول الله وَيكْتب الْملك
فَإِذا مَاتَ ذَلِك الْجَسَد دفن حَيْثُ أَخذ ذَلِك التُّرَاب
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن قَتَادَة {هُوَ الَّذِي يصوركم فِي الْأَرْحَام كَيفَ يَشَاء} قَالَ: من ذكر وَأُنْثَى وأحمر وأبيض وأسود وتام وَغير تَامّ الْخلق
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة فِي قَوْله {الْعَزِيز الْحَكِيم} قَالَ: الْعَزِيز فِي نقمته إِذا انتقم الْحَكِيم فِي أمره
آيَة 7(2/144)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: {محكمات} ناسخه وَحَلَاله وَحَرَامه وحدوده وفرائضه وَمَا يُؤمن بِهِ و {متشابهات} منسوخه ومقدمه ومؤخره وَأَمْثَاله وأقسامه وَمَا يُؤمن بِهِ وَلَا يعْمل بِهِ
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {محكمات} النَّاسِخ الَّذِي يدان بِهِ وَيعْمل بِهِ
و {متشابهات} المنسوخات الَّتِي لَا يدان بِهن(2/144)
وَأخرج سعيد بن مَنْصُور وَابْن أبي حَاتِم وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَابْن مرْدَوَيْه عَن عبد الله بن قيس: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول فِي قَوْله {مِنْهُ آيَات محكمات} قَالَ: الثَّلَاث آيَات من آخر سُورَة الْأَنْعَام محكمات (قل تَعَالَوْا
) (الْأَنْعَام الْآيَات 151 - 153) والآيتان بعْدهَا
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {آيَات محكمات} قَالَ: من هَهُنَا (قل تَعَالَوْا
) (الْأَنْعَام الْآيَات 151 - 153) إِلَى آخر ثَلَاث آيَات
وَمن هَهُنَا (وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه
) (الْإِسْرَاء الْآيَات 23 - 25) إِلَى ثَلَاث آيَات بعْدهَا
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك وَعَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة بن مَسْعُود وناس من الصَّحَابَة {محكمات} الناسخات الَّتِي يعْمل بِهن {متشابهات} المنسوخات
وَأخرج عبد بن حميد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {محكمات} الْحَلَال وَالْحرَام
وَأخرج عبد بن حميد والفرياني عَن مُجَاهِد قَالَ المحكمات مَا فِيهِ الْحَلَال وَالْحرَام وَمَا سوى ذَلِك مِنْهُ متشابه يصدق بعضه بَعْضًا
مثل قَوْله (وَمَا يضل بِهِ إِلَّا الْفَاسِقين) (الْبَقَرَة الْآيَة 26) وَمثل قَوْله (كَذَلِك يَجْعَل الله الرجس على الَّذين لَا يُؤمنُونَ) (الْأَنْعَام الْآيَة 125) وَمثل قَوْله (وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (مُحَمَّد الْآيَة 17)
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع قَالَ المحكمات هِيَ الآمرة الزاجرة
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن إِسْحَق بن سُوَيْد
أَن يحيى بن يعمر وَأَبا فَاخِتَة
تراجعا هَذِه الْآيَة {هنَّ أم الْكتاب} فَقَالَ أَبُو فَاخِتَة: هن فواتح السُّور مِنْهَا يسْتَخْرج الْقُرْآن (الم ذَلِك الْكتاب) مِنْهَا استخرجت الْبَقَرَة و (الم الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم) مِنْهَا استخرجت آل عمرَان قَالَ يحيى: هن اللَّاتِي فِيهِنَّ الْفَرَائِض وَالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحُدُود وعماد الدّين
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير {هنَّ أم الْكتاب} قَالَ: أصل الْكتاب لِأَنَّهُنَّ مكتوبات فِي جَمِيع الْكتب(2/145)
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير قَالَ المحكمات حجَّة الرب وعصمة الْعباد وَدفع الْخُصُوم وَالْبَاطِل لَيْسَ لَهَا تصريف وَلَا تَحْرِيف عَمَّا وضعت عَلَيْهِ {وَأخر متشابهات} فِي الصدْق لَهُنَّ تصريف وتحريف وَتَأْويل ابتلى الله فِيهِنَّ الْعباد كَمَا ابْتَلَاهُم فِي الْحَلَال وَالْحرَام لَا يصرفن إِلَى الْبَاطِل وَلَا يحرفن عَن الْحق
وأخرج ابْن جرير عَن مَالك بن دِينَار قَالَ: سَأَلت الْحسن عَن قَوْله {أم الْكتاب} قَالَ: الْحَلَال وَالْحرَام قلت لَهُ ف (الْحَمد لله رب الْعَالمين) (الْفَاتِحَة الْآيَة 1) قَالَ: هَذِه أم الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مقَاتل بن حَيَّان قَالَ: إِنَّمَا قَالَ {هن أم الْكتاب} لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل دين إِلَّا يرضى بِهن {وَأخر متشابهات} يَعْنِي فِيمَا بلغنَا {الم} و (المص) و (المر) و (الر)
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن سعيد بن جُبَير قَالَ المتشابهات آيَات فِي الْقُرْآن يتشابهن على النَّاس إِذا قرأوهن
وَمن أجل ذَلِك يضل من ضل فَكل فرقة يقرؤون آيَة من الْقُرْآن يَزْعمُونَ أَنَّهَا لَهُم فَمِنْهَا يتبع الحرورية من الْمُتَشَابه قَول الله (ومن لم يحكم بِمَا أنزل الله فَأُولَئِك هم الْكَافِرُونَ) (الْمَائِدَة الْآيَة 44) ثمَّ يقرؤون مَعهَا (وَالَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ) (الْأَنْعَام الْآيَة 1) فَإِذا رَأَوْا الامام يحكم بِغَيْر الْحق قَالُوا: قد كفر فَمن عدل بربه وَمن عدل بربه فقد أشرك بربه
فَهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة مشركون
وَأخرج البُخَارِيّ فِي التَّارِيخ وَابْن جرير من طَرِيق ابْن إِسْحَق عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس عَن جَابر بن عبد الله بن ربَاب قَالَ مر أَبُو يَاسر بن أَخطب فجَاء رجل من يهود لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَة سُورَة الْبَقَرَة (الم ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ)
فَأتى أَخَاهُ حييّ بن أَخطب فِي رجال من الْيَهُود فَقَالَ أتعلمون وَالله لقد سَمِعت مُحَمَّدًا يَتْلُو فِيمَا أنزل عَلَيْهِ (الم ذَلِك الْكتاب) فَقَالَ: أَنْت سمعته قَالَ: نعم
فَمشى حَتَّى وافى أُولَئِكَ النَّفر إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَقَالُوا: الم تقل إِنَّك تتلو فِيمَا أنزل عَلَيْك (الم ذَلِك الْكتاب) فَقَالَ: بلَى فَقَالُوا: لقد بعث بذلك أَنْبيَاء مَا(2/146)
نعلمهُ بَين لنَبِيّ مِنْهُم مَا مُدَّة ملكه وَمَا أجل أمته غَيْرك
الْألف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ احدى وَسَبْعُونَ سنة
ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد هَل مَعَ هَذَا غَيره قَالَ: نعم
(المص) قَالَ: هَذِه أثقل وأطول الْألف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالْمِيم أَرْبَعُونَ وَالصَّاد تسعون فَهَذِهِ إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَة
هَل مَعَ هَذَا غَيره قَالَ: نعم
(الر) قَالَ: هَذِه أثقل وأطول الْألف وَاحِدَة وَاللَّام ثَلَاثُونَ وَالرَّاء مِائَتَان
هَذِه إِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَا سنة
هَل مَعَ هَذَا غَيره قَالَ: نعم
(المر) قَالَ: هَذِه أثقل وأطول
هَذِه إِحْدَى وَسَبْعُونَ ومائتان
ثمَّ قَالَ: لقد لبس علينا أَمرك حَتَّى مَا نَدْرِي أقليلاً أَعْطَيْت أم كثيرا
ثمَّ قَالَ: قومُوا عَنهُ
ثمَّ قَالَ أَبُو يَاسر لِأَخِيهِ وَمن مَعَه: مَا يدريكم لَعَلَّه قد جمع هَذَا كُله لمُحَمد
إِحْدَى وَسَبْعُونَ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَة وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ ومائتان وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ ومائتان فَذَلِك سَبْعمِائة وَأَرْبع سِنِين
فَقَالُوا: لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أَن هَذِه الْآيَات نزلت فيهم {هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات}
وَأخرج يُونُس بن بكير فِي الْمَغَازِي عَن ابْن إِسْحَق عَن مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد عَن عِكْرِمَة عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر بن ربَاب
أَن أَبَا يَاسر بن أَخطب مر بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَهُوَ يقْرَأ (فَاتِحَة الْكتاب والم ذَلِك الْكتاب) فَذكر الْقِصَّة
وَأخرجه ابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره من وَجه آخر عَن ابْن جريج معضلاً
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} يَعْنِي أهل الشَّك
فيحملون الْمُحكم على الْمُتَشَابه والمتشابه على الْمُحكم وَيلبسُونَ فَلبس الله عَلَيْهِم {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} قَالَ: تَأْوِيله يَوْم الْقِيَامَة لَا يعمله إِلَّا الله
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود {زيغ} قَالَ: شكّ
وَأخرج عَن ابْن جريج قَالَ {الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} المُنَافِقُونَ
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن مُجَاهِد فِي قَوْله {فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ}(2/147)
قَالَ: الْبَاب الَّذِي ضلوا مِنْهُ وهلكوا فِيهِ {وابتغاء تَأْوِيله} وَفِي قَوْله {ابْتِغَاء الْفِتْنَة} قَالَ: الشُّبُهَات
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَسَعِيد بن مَنْصُور وَعبد بن حميد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم والدرامي وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل من طرق عَن عَائِشَة قَالَت تَلا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
{هُوَ الَّذِي أنزل عَلَيْك الْكتاب مِنْهُ آيَات محكمات هن أم الْكتاب وَأخر متشابهات فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} إِلَى قَوْله {أولُوا الْأَلْبَاب} فَإِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يجادلون فِيهِ فهم الَّذين عَنى الله فاحذروهم
وَلَفظ البُخَارِيّ: فَإِذا رَأَيْت الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ فَأُولَئِك الَّذين سمى الله فاحذروهم
وَفِي لفظ لِابْنِ جرير: إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ سمى الله فاحذروهم
وَفِي لفظ لِابْنِ جرير: إِذا رَأَيْتُمْ الَّذين يتبعُون مَا تشابه مِنْهُ وَالَّذين يجادلون فِيهِ فهم الَّذين عَنى الله فَلَا تُجَالِسُوهُمْ
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأحمد وَعبد بن حميد وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي أُمَامَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي قَوْله {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ} قَالَ: هم الْخَوَارِج
وَفِي قَوْله (يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه) (آل عمرَان الْآيَة 106) قَالَ: هم الْخَوَارِج
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي مَالك الشعري
أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: لَا أَخَاف على أمتِي إِلَّا ثَلَاث خلال
أَن يكثر لَهُم المَال فيتحاسدوا فيقتتلوا وَأَن يفتح لَهُم الْكتاب فَيَأْخذهُ الْمُؤمن يَبْتَغِي تَأْوِيله {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذَّكَّرُ إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب} وَأَن يزْدَاد علمهمْ فيضيعوه وَلَا يبالوا بِهِ
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مِمَّا أَتَخَوَّف على أمتِي
أَن يكثر فيهم المَال حَتَّى يتنافسوا فِيهِ فيقتتلوا عَلَيْهِ وَإِن مِمَّا أَتَخَوَّف على أمتِي أَن يُفْتَحَ لَهُم الْقُرْآن حَتَّى يقرأه الْمُؤمن وَالْكَافِر وَالْمُنَافِق فَيحل حَلَاله الْمُؤمن(2/148)
أما قَوْله تَعَالَى: {وابتغاء تَأْوِيله} الْآيَة
أخرج أَبُو يعلى عَن حُذَيْفَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: إِن فِي أمتِي قوما يقرؤون الْقُرْآن ينثرونه نثر الدقل يتأوّلونه على غير تَأْوِيله
وَأخرج ابْن سعد وَابْن الضريس فِي فضائله وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خرج على قوم يتراجعون فِي الْقُرْآن وَهُوَ مغضب فَقَالَ: بِهَذَا ضلت الْأُمَم قبلكُمْ باختلافهم على أَنْبِيَائهمْ وَضرب الْكتاب بعضه بِبَعْض قَالَ: وَإِن الْقُرْآن لم ينزل ليكذب بعضه بَعْضًا وَلَكِن نزل أَن يصدق بعضه بَعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فاعملوا بِهِ وَمَا تشابه عَلَيْكُم فآمنوا بِهِ
وَأخرج أَحْمد من وَجه آخر عَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قوما يتدارأون فَقَالَ: إِنَّمَا هلك من كَانَ قبلكُمْ بِهَذَا ضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض وَإِنَّمَا نزل كتاب الله يصدق بعضه بَعْضًا فَلَا تكذبوا بعضه بِبَعْض فَمَا علمْتُم مِنْهُ فَقولُوا وَمَا جهلتم فَكِلُوه إِلَى عالِمِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَأَبُو نصر السجْزِي فِي الإِبانة عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ كَانَ الْكتاب الأول ينزل من بَاب وَاحِد على حرف وَاحِد وَنزل الْقُرْآن من سَبْعَة أَبْوَاب على سَبْعَة أحرف
زاجر وآمر وحلال وَحرَام ومحكم ومتشابه وأمثال فأحلوا حَلَاله وحرموا حرَامه وافعلوا بِمَا أمرْتُم بِهِ وانتهوا عَمَّا نُهيتم عَنهُ واعتبروا بأمثاله وَاعْمَلُوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وَقُولُوا {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا} وَأخرجه ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود
مَوْقُوفا
وأخرج الطَّبَرَانِيّ عَن عمر بن أبي سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ لعبد الله بن مَسْعُود إِن الْكتب كَانَت تنزل من السَّمَاء من بَاب وَاحِد وَأَن الْقُرْآن نزل من سَبْعَة أَبْوَاب على سَبْعَة أحرف حَلَال وَحرَام ومحكم ومتشابه وَضرب أَمْثَال وآمر وزاجر فأحل حَلَاله وَحرم حرَامه واعمل بمحكمه وقف عِنْد متشابهه وَاعْتبر أَمْثَاله
فَإِن كلا من عِنْد الله {وَمَا يذّكَّر إِلَّا أولُوا الْأَلْبَاب}
وَأخرج ابْن النجار فِي تَارِيخ بَغْدَاد بِسَنَد واهٍ عَن عَليّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ فِي خطبَته: أَيهَا النَّاس قد بَين الله لكم فِي مُحكم كِتَابه مَا أحل لكم وَمَا حرم عَلَيْكُم
فأحلوا حَلَاله وحرموا حرَامه وآمنوا بمتشابهه وَاعْمَلُوا بمحكمه واعتبروا بأمثاله(2/149)
وَأخرج ابْن الضريس وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: أنزل الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: حرَام وحلال ومحكم ومتشابه وأمثال
فأحل الْحَلَال وَحرم الْحَرَام وآمن بالمتشابه واعمل بالمحكم وَاعْتبر بالأمثال
وأخرج ابْن أبي دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن الْقُرْآن أنزل على نَبِيكُم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من سَبْعَة أَبْوَاب على سَبْعَة أحرف وَأَن الْكتاب قبلكُمْ كَانَ ينزل من بَاب وَاحِد على حرف وَاحِد
وَأخرج ابْن جرير وَنصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: نزل الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف
المراء فِي الْقُرْآن كفر
مَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فاعملوا بِهِ وَمَا جهلتم مِنْهُ فَردُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ
وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أعربوا الْقُرْآن وَاتبعُوا غَرَائِبه وغرائبه فَرَائِضه وحدوده
فَإِن الْقُرْآن نزل على خَمْسَة أوجه
حَلَال وَحرَام ومحكم ومتشابه وأمثال
فاعملوا بالحلال وَاجْتَنبُوا الْحَرَام وَاتبعُوا الْمُحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: إِن الْقُرْآن ذُو شجون وفنون وَظُهُور وبطون
لَا تَنْقَضِي عجائبه وَلَا تبلغ غَايَته
فَمن أوغل فِيهِ بِرِفْق نجا وَمن أوغل فِيهِ بعنف غوى
أَخْبَار وأمثال وَحرَام وحلال وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه وَظهر وبطن
فظهره التِّلَاوَة وبطنه التَّأْوِيل
فجالسوا بِهِ الْعلمَاء وجانبوا بِهِ السُّفَهَاء وَإِيَّاكُم وزلة الْعَالم
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع أَن النَّصَارَى قَالُوا لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
: أَلَسْت تزْعم أَن عِيسَى كلمة الله وروح مِنْهُ قَالَ: بلَى
قَالُوا: فحسبنا
فَأنْزل الله {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ فيتبعون مَا تشابه مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَة}
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَعبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن طَاوُوس قَالَ: كَانَ ابْن عَبَّاس يقْرؤهَا ومَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم آمنا بِهِ
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْمَصَاحِف عَن الْأَعْمَش قَالَ: فِي قِرَاءَة عبد الله وان حَقِيقَة تَأْوِيله عِنْد الله والرسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ(2/150)
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن أبي مليكَة قَالَ: قَرَأت على عَائِشَة هَؤُلَاءِ الْآيَات فَقَالَت: كَانَ رسوخهم فِي الْعلم أَن آمنُوا بمحكمه ومتشابهه {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} وَلم يعلمُوا تَأْوِيله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أبي الشعْثَاء وَأبي نهيك قَالَا: إِنَّكُم تصلونَ هَذِه الْآيَة وَهِي مَقْطُوعَة {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا} فَانْتهى علمهمْ إِلَى قَوْلهم الَّذِي قَالُوا
وَأخرج ابْن جرير عَن عُرْوَة قَالَ {الراسخون فِي الْعلم} لَا يعلمُونَ تَأْوِيله وَلَكنهُمْ يَقُولُونَ {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا}
وأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير عَن عمر بن عبد الْعَزِيز قَالَ: انْتهى علم الراسخين فِي الْعلم بِتَأْوِيل الْقُرْآن إِلَى أَن قَالُوا {آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا}
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف عَن أبي قَالَ: كتاب الله مَا استبان مِنْهُ فاعمل بِهِ وَمَا اشْتبهَ عَلَيْك فَآمن بِهِ وَكِلْهُ إِلَى عالمه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مَسْعُود قَالَ: إِن لِلْقُرْآنِ مناراً كمنار الطَّرِيق فَمَا عَرَفْتُمْ فَتمسكُوا بِهِ وَمَا اشْتبهَ عَلَيْكُم فذروه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن معَاذ قَالَ: الْقُرْآن منار كمنار الطَّرِيق وَلَا يخفى على أحد فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَلَا تسألوا عَنهُ أحدا وَمَا شَكَكْتُمْ فِيهِ فكلوه إِلَى عالمه
وَأخرج ابْن جرير من طَرِيق أَشهب عَن مَالك فِي قَوْله {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} قَالَ: ثمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ {والراسخون فِي الْعلم يَقُولُونَ آمنا بِهِ} وَلَيْسَ يعلمُونَ تَأْوِيله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ عَن أنس وَأبي أُمَامَة وواثلة بن الْأَسْقَع وَأبي الدَّرْدَاء أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُئِلَ عَن {والراسخون فِي الْعلم} فَقَالَ: من برت يَمِينه وَصدق لِسَانه واستقام قلبه وَمن عف بَطْنه وفرجه
فَذَلِك من الراسخين فِي الْعلم
وَأخرج ابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الله بن يزِيد الأودي
سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من {الراسخون فِي الْعلم} قَالَ: من صدق حَدِيثه وبر فِي يَمِينه وعف بَطْنه وفرجه
فَذَلِك {الراسخون فِي الْعلم}
وَأخرج ابْن الْمُنْذر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ:(2/151)
تَفْسِير الْقُرْآن على أَرْبَعَة وُجُوه: تَفْسِير يُعلمهُ الْعلمَاء وَتَفْسِير لَا يعْذر النَّاس بجهالته من حَلَال أَو حرَام وَتَفْسِير تعرفه الْعَرَب بلغتهَا وَتَفْسِير لَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله
من ادّعى علمه فَهُوَ كَاذِب
ن وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أُنْزِلَ الْقُرْآن على سَبْعَة أحرف: حَلَال وَحرَام لَا يعْذر أحد بالجهالة بِهِ وَتَفْسِير تفسره الْعَرَب وَتَفْسِير تفسره الْعلمَاء ومتشابه لَا يُعلمهُ إِلَّا الله
وَمن ادّعى علمه سوى الله فَهُوَ كَاذِب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن الْأَنْبَارِي من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: أَنا مِمَّن يعلم تَأْوِيله
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع والراسخون فِي الْعلم يعلمُونَ تَأْوِيله وَيَقُولُونَ آمنا بِهِ
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أَي حَاتِم من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {يَقُولُونَ آمنا بِهِ} نؤمن بالمحكم وندين بِهِ ونؤمن بالمتشابه وَلَا ندين بِهِ
وَهُوَ من عِنْد الله كُله
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {كل من عِنْد رَبنَا} يَعْنِي مَا نسخ مِنْهُ وَمَا لم ينْسَخ
وَأخرج الدِّرَامِي فِي مُسْنده وَنصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة عَن سُلَيْمَان بن يسَار
أَن رجلا يُقَال لَهُ صبيغ قدم الْمَدِينَة فَجعل يسْأَل عَن متشابه الْقُرْآن فَأرْسل إِلَيْهِ عمر وَقد أَعَدَّ لَهُ عراجين النّخل فَقَالَ: من أَنْت فَقَالَ: أَنا عبد الله صبيغ فَقَالَ: وَأَنا عبد الله عمر
فَأخذ عمر عرجوناً من تِلْكَ العراجين فَضَربهُ حَتَّى دمى رَأسه فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ حَسبك
قد ذهب الَّذِي كنت أجد فِي رَأْسِي
وَأخرج الدِّرَامِي عَن نَافِع
إِن صبيغاً الْعِرَاقِيّ جعل يسْأَل عَن أَشْيَاء من الْقُرْآن فِي أجناد الْمُسلمين حَتَّى قدم مصر فَبعث بِهِ عمر بن الْعَاصِ إِلَى عمر بن الْخطاب فَلَمَّا أَتَاهُ أرسل عمر إِلَى رطائب من جريد فَضَربهُ بهَا حَتَّى ترك ظَهره دبرة ثمَّ تَركه حَتَّى برىء ثمَّ عَاد لَهُ ثمَّ تَركه حَتَّى برىء فَدَعَا بِهِ ليعود لَهُ فَقَالَ صبيغ: إِن كنت تُرِيدُ قَتْلِي فاقتلني قتلا جميلاً وَإِن كنت تُرِيدُ أَن تداويني فقد - والله - برأت
فَأذن لَهُ إِلَى أرضه وَكتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن لَا يجالسه أحد من الْمُسلمين
وَأخرج ابْن عَسَاكِر فِي تَارِيخه عَن أنس
أَن عمر بن الْخطاب جلد صبيغاً الْكُوفِي فِي مَسْأَلَة عَن حرف من الْقُرْآن حَتَّى اطردت الدِّمَاء فِي ظَهره(2/152)
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي الْمَصَاحِف وَنصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة وَابْن عَسَاكِر عَن السَّائِب بن يزِيد
أَن رجلا قَالَ لعمر: إِنِّي مَرَرْت بِرَجُل يسْأَل عَن تَفْسِير مُشكل الْقُرْآن
فَقَالَ عمر: اللَّهُمَّ أمكني مِنْهُ
فَدخل الرجل يَوْمًا على عمر فَسَأَلَهُ فَقَامَ عمر فحسر عَن ذِرَاعَيْهِ وَجعل يجلده ثمَّ قَالَ: ألبسوه تباناً واحملوه على قتب وابلغوا بِهِ حيه ثمَّ ليقمْ خطيب فَلْيقل أَن صبيغاً طلب الْعلم فاخطأه فَلم يزل وضيعاً فِي قومه بعد أَن كَانَ سيداً فيهم
وَأخرج نصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة وَابْن عَسَاكِر عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ
إِن عمر كتب إِلَى أهل الْبَصْرَة أَن لَا يجالسوا صبيغاً قَالَ: فَلَو جَاءَ وَنحن مائَة لتفرقنا
وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ: كتب عمر بن الْخطاب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ أَن لَا يُجَالس صبيغاً وَأَن يحرم عطاءه ورزقه
وَأخرج نصر فِي الْحجَّة وَابْن عَسَاكِر عَن زرْعَة قَالَ: رَأَيْت صبيغ بن عسل بِالْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ بعير أجرب يَجِيء إِلَى الْحلقَة وَيجْلس وهم لَا يعرفونه فتناديهم الْحلقَة الْأُخْرَى: عَزمَة أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر فَيقومُونَ ويدعونه
وَأخرج نصر فِي الْحجَّة عَن أبي إِسْحَق
أَن عمر كتب إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
أما بعد
فَإِن الْأَصْبَغ تكلّف مَا يخفى وضيع مَا ولي فَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا فَلَا تبايعوه وَإِن مرض فَلَا تعودوه وَإِن مَاتَ فَلَا تشهدوه
وَأخرج الْهَرَوِيّ فِي ذمّ الْكَلَام عَن الإِمَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ: حكمي فِي أهل الْكَلَام حكم عمر فِي صبيغ أَن يضْربُوا بِالْجَرِيدِ ويحملوا على الإِبل وَيُطَاف بهم فِي العشائر والقبائل وينادى عَلَيْهِم: هَذَا جَزَاء من ترك الْكتاب وَالسّنة وَأَقْبل على علم الْكَلَام
وَأخرج الدِّرَامِي عَن عمر بن الْخطاب قَالَ: إِنَّه سَيَأْتِيكُمْ نَاس يجادلونكم بشبهات الْقُرْآن فخذوهم بالسنن فَإِن أَصْحَاب السّنَن أعلم بِكِتَاب الله
وَأخرج نصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خرج على أَصْحَابه وهم يتنازعون فِي الْقُرْآن
هَذَا ينْزع بِآيَة وَهَذَا ينْزع بِآيَة
فَكَأَنَّمَا فقىء فِي وَجهه حب الرُّمَّان فَقَالَ: أَلِهَذَا خلقْتُمْ أَو لهَذَا أمرْتُم أَن تضربوا كتاب الله بعضه بِبَعْض انْظُرُوا مَا أمرْتُم بِهِ فَاتَّبعُوهُ وَمَا نهيتم عَنهُ فَانْتَهوا(2/153)
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْجِدَال فِي الْقُرْآن كفر
وَأخرج نصر الْمَقْدِسِي فِي الْحجَّة عَن ابْن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَمن وَرَاء حجرته قوم يتجادلون فِي الْقُرْآن
فَخرج محمرة وجنتاه كَأَنَّمَا تقطران دَمًا فَقَالَ: يَا قوم لَا تجادلوا بِالْقُرْآنِ فَإِنَّمَا ضَلَّ من كَانَ قبلكُمْ بجدالهم إِن الْقُرْآن لم ينزل ليكذب بعضه بَعْضًا وَلَكِن نزل ليصدق بعضه بَعْضًا فَمَا كَانَ من محكمه فاعملوا بِهِ وَمَا كَانَ من متشابهه فآمنوا بِهِ
وَأخرج نصر فِي الْحجَّة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: كُنَّا عِنْد عمر بن الْخطاب إِذْ جَاءَهُ رجل يسْأَله عَن الْقُرْآن أمخلوق هُوَ أم غير مَخْلُوق فَقَامَ عمر فَأخذ بِمَجَامِع ثَوْبه حَتَّى قَادَهُ إِلَى عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ: يَا أَبَا الْحسن أما تسمع مَا يَقُول هَذَا قَالَ: وَمَا يَقُول قَالَ: جَاءَنِي يسألني عَن الْقُرْآن أمخلوق هُوَ أم غير مَخْلُوق
فَقَالَ عَليّ: هَذِه كلمة وسيكون لَهَا ثَمَرَة لَو وَليتُ من الْأَمر مَا وَلِيتَ ضربت عُنقَه
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {فَأَما الَّذين فِي قُلُوبهم زيغ} الْآيَة
قَالَ: طلب الْقَوْم التَّأْوِيل فأخطأوا التَّأْوِيل وَأَصَابُوا الْفِتْنَة وَاتبعُوا مَا تشابه مِنْهُ فهلكوا بَين ذَلِك
وَأخرج ابْن الْأَنْبَارِي فِي كتاب الأضداد عَن مُجَاهِد قَالَ: الراسخون فِي الْعلم يعلمُونَ تَأْوِيله وَيَقُولُونَ آمنا بِهِ
الْآيَة 8(2/154)
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن أم سَلمَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك
ثمَّ قَرَأَ {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا} الْآيَة
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أم سَلمَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يكثر فِي دُعَائِهِ أَن يَقُول: اللَّهُمَّ مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك
قلت: يَا رَسُول الله وَإِن الْقُلُوب لتتقلب قَالَ: نعم
مَا من(2/154)
خلق الله من بشر من بني آدم إِلَّا وَقَلبه بَين أصبعين من أَصَابِع الله فَإِن شَاءَ الله أَقَامَهُ وَإِن شَاءَ أزاغه
فنسأل الله رَبنَا أَن لَا يزِيغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هدَانَا الله ونسأله أَن يهب لنا من لَدنه رَحْمَة إِنَّه هُوَ الْوَهَّاب
قلت: يَا رَسُول الله أَلا تعلمني دَعْوَة أَدْعُو بهَا لنَفْسي
قَالَ: بلَى قولي اللَّهُمَّ رب النَّبِي مُحَمَّد اغْفِر لي ذَنبي وأذهب غيظ قلبِي وأجرني من مضلات الْفِتَن مَا أحييتني
وَأخرج ابْن أبي شيبَة وَأحمد وَابْن مرْدَوَيْه عَن عَائِشَة قَالَت: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كثيرا مَا يَدْعُو: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك
قلت: يَا رَسُول الله مَا أَكثر مَا تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء
فَقَالَ: لَيْسَ من قلب إِلَّا وَهُوَ بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن إِذا شَاءَ أَن يقيمه أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أَن يزيغه أزاغه أما تسمعين قَوْله تَعَالَى {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب} وَلَفظ ابْن أبي شيبَة إِذا شَاءَ أَن يقلبه إِلَى هدى قلبه وَإِذا شَاءَ أَن يقلبه إِلَى ضلال قلبه
وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَأحمد وَالْبُخَارِيّ فِي الْأَدَب الْمُفْرد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَابْن جرير عَن أنس قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر أَن يَقُول: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك
قَالُوا: يَا رَسُول الله آمنا بك وَبِمَا جِئْت بِهِ فَهَل تخَاف علينا قَالَ: نعم
قَالَ: إِن الْقُلُوب بَين أصبعين من أَصَابِع الله يقلبها
وَأخرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ عَن سيرة بن فاتك قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قلب ابْن آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرب فَإِذا شَاءَ أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أزاغه
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الإِخلاص وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي شعب الإِيمان عَن أبي عُبَيْدَة بن الْجراح أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: إِن قلب ابْن آدم مثل قلب العصفور يتقلب فِي الْيَوْم سبع مَرَّات
وَأخرج ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الإِخلاص عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ قَالَ: إِنَّمَا سمي الْقلب قلباً لتقلبه
وَإِنَّمَا مثل الْقلب مثل ريشة بفلاة من الأَرْض
وَأخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: إِن هَذَا الْقلب كريشة بفلاة من الأَرْض تقيمها الرّيح ظهرا لبطن
وَأخرج مَالك وَالشَّافِعِيّ وَابْن أبي شيبَة وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي(2/155)
عبد الله الصنَابحِي أَنه قدم الْمَدِينَة فِي خلَافَة أبي بكر الصّديق فصلى وَرَاء أبي بكر الْمغرب فَقَرَأَ أَبُو بكر فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوليين بِأم الْقُرْآن وَسورَة من قصار الْمفصل
ثمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَة الثَّالِثَة فَقَرَأَ بِأم الْقُرْآن وَهَذِه الْآيَة {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا بعد إِذْ هديتنا وهب لنا من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب}
وَأخرج ابْن جرير وَالطَّبَرَانِيّ فِي السّنة وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن جَابر قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكثر أَن يَقُول: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قُلُوبنَا على دينك
قُلْنَا: يَا رَسُول الله تخَاف علينا وَقد آمنا بك فَقَالَ: إِن قُلُوب بني آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يَقُول بِهِ هَكَذَا
وَلَفظ الطَّبَرَانِيّ: إِن قلب ابْن آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الله عز وَجل فَإِذا شَاءَ أَن يقيمه أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أَن يزيغه أزاغه
وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة وَابْن جرير وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن النوّاس بن سمْعَان سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول الْمِيزَان بيد الرَّحْمَن
يرفع أَقْوَامًا وَيَضَع آخَرين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وقلب ابْن آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن
إِذا شَاءَ أَقَامَهُ وَإِذا شَاءَ أزاغه وَكَانَ يَقُول: يَا مُقَلِّب الْقُلُوب ثَبت قلبِي على دينك
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن الْمِقْدَاد: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لقلب ابْن آدم أَشد انقلابا من الْقدر إِذا اجْتمع غلياناً
وَأخرج ابْن جرير عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير فِي قَوْله {رَبنَا لَا تزغ قُلُوبنَا} أَي لَا تمل قُلُوبنَا وَإِن ملنا بأجسادنا
وَأخرج ابْن سعد فِي طبقاته عَن أبي عطاف أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَقُول: أَي رب لَا أزنين أَي رب لَا أسرقن أَي رب لَا أكفرن
قيل لَهُ: أَو تخَاف قَالَ: آمَنت بمحرف الْقُلُوب ثَلَاثًا
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ فِي نَوَادِر الْأُصُول عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: كَانَ عبد الله ابْن رَوَاحَة إِذا لَقِيَنِي قَالَ: اجْلِسْ يَا عُوَيْمِر فلنؤمن سَاعَة فنجلس فَنَذْكُر الله على مَا يَشَاء
ثمَّ قَالَ: يَا عُوَيْمِر هَذِه مجَالِس الإِيمان إِن مثل الإِيمان وَمثلك كَمثل قَمِيصك بَينا أَنْت قد نَزَعته إِذْ لبسته وَبينا أَنْت قد لبسته إِذْ نَزَعته
يَا عُوَيْمِر للقلب أسْرع تقلباً من القِدر إِذا استجمعت غلياناً(2/156)
واخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ من طَرِيق عتبَة بن عبد الله بن خَالِد بن معدان عَن أَبِيه عَن جده قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا الإِيمان بِمَنْزِلَة الْقَمِيص مرّة تقمصه وَمرَّة تنزعه
وَأخرج الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ قَالَ: ليَأْتِيَن على الرجل أحايين وَمَا فِي جلده مَوضِع ابرة من النِّفَاق وليأتين عَلَيْهِ أحايين وَمَا فِي جلده مَوضِع ابرة من إِيمَان
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا اسْتَيْقَظَ من اللَّيْل قَالَ: لَا إِلَه إِلَّا أَنْت سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك لذنبي وَأَسْأَلك رحمتك اللَّهُمَّ زِدْنِي علما وَلَا تزغ قلبِي بعد إِذْ هديتني وهب لي من لَدُنْك رَحْمَة إِنَّك أَنْت الْوَهَّاب
وَأخرج مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن عَمْرو أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِن قُلُوب بني آدم كلهَا بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن كقلب وَاحِد يصرفهُ كَيفَ يَشَاء
ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: اللَّهُمَّ يَا مصرف الْقُلُوب صرف قُلُوبنَا إِلَى طَاعَتك
وَأخرج الطَّبَرَانِيّ فِي السّنة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا قلب ابْن آدم بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن عز وَجل
الْآيَتَانِ 9 - 10(2/157)
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)
أخرج ابْن النجار فِي تَارِيخه عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد الْخُلْدِيِّ قَالَ: رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: من قَرَأَ هَذِه الْآيَة على شَيْء ضَاعَ مِنْهُ رده الله عَلَيْهِ {رَبنَا إِنَّك جَامع النَّاس ليَوْم لَا ريب فِيهِ إِن الله لَا يخلف الميعاد} اللَّهُمَّ يَا جَامع النَّاس ليَوْم لَا ريب فِيهِ اجْمَعْ بيني وَبَين مَالِي إِنَّك على كل شَيْء قدير
الْآيَة 11(2/158)
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)
أخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كدأب آل فِرْعَوْن} قَالَ: كصنيع آل فِرْعَوْن
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَأَبُو الشَّيْخ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {كدأب آل فِرْعَوْن} قَالَ: كَفعل
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد
مثله
وَأخرج ابْن جرير عَن الرّبيع {كدأب آل فِرْعَوْن} يَقُول: كسنتهم
الْآيَتَانِ 12 - 13(2/158)
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)
أخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَالْبَيْهَقِيّ فِي الدَّلَائِل عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أصَاب من بدر وَرجع إِلَى الْمَدِينَة جمع الْيَهُود فِي سوق بني قينقاع وقَالَ: يَا معشر يهود أَسْلمُوا قبل أَن يُصِيبكُم الله بِمَا أصَاب قُريْشًا فَقَالُوا: يَا مُحَمَّد لَا يغرنك من نَفسك أَن قتلت نَفرا من قُرَيْش كَانُوا أَغْمَارًا ولَا يعْرفُونَ الْقِتَال إِنَّك والله لوما قَاتَلْتنَا لعرفت أَنا نَحن النَّاس وأَنَّك لم تلق مثلنَا
فَأنْزل الله {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون} إِلَى قَوْله {لأولي الْأَبْصَار}
وأخرج ابْن إِسْحَق وابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن عَاصِم بن عمر عَن قَتَادَة
مثله
أخرج ابْن جرير وابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة قَالَ: قَالَ فنحَاص الْيَهُودِيّ فِي يَوْم بدر: لَا يغرن مُحَمَّدًا أَن غلب قُريْشًا وقتلهم إِن قُريْشًا لَا تحسن الْقِتَال
فَنزلت هَذِه الْآيَة {قل للَّذين كفرُوا ستغلبون}
وأخرج ابْن جرير عَن قَتَادَة {قد كَانَ لكم آيَة} عِبْرَة وتفكر
وأخرج ابْن إِسْحَق وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا فِئَة تقَاتل فِي سَبِيل الله}(2/158)
أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ببدر {وَأُخْرَى كَافِرَة} فِئَة قُرَيْش الْكفَّار
وأخرج عبد الرَّزَّاق فِي المُصَنّف عَن عِكْرِمَة قَالَ: فِي أهل بدر نزلت (وإِذْ يَعدكُم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم) (الْأَنْفَال الْآيَة 7) وفيهم نزلت (سَيهْزمُ الْجمع
) (الْقَمَر الْآيَة 45) الْآيَة
وفيهم نزلت (حَتَّى إِذا أَخذنَا مترفيهم بِالْعَذَابِ) (الْمُؤْمِنُونَ الْآيَة 64) وفيهم نزلت (ليقطع طرفا من الَّذين كفرُوا) (آل عمرَان الْآيَة 127) وفيهم نزلت (لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء) (آل عمرَان الْآيَة 128) وَفِيهِمْ نزلت (ألم تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة الله كفرا) (إِبْرَاهِيم الْآيَة 28) وَفِيهِمْ نزلت (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِين خَرجُوا من دِيَارهمْ بطرا ورئاء) (الْأَنْعَام الْآيَة 47) وَفِيهِمْ نزلت {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين التقتا}
وأخرج ابْن جرير وابْن أبي حَاتِم عَن الرّبيع فِي قَوْله {قد كَانَ لكم آيَة} يَقُول: قد كَانَ لكم فِي هَؤُلَاءِ عِبْرَة ومتفكر
أَيّدهُم الله ونَصرهم على عدوهم وذَلِك يَوْم بدر كَانَ الْمُشْركُونَ تِسْعمائَة وخمسين رجلا وكَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثمِائَة وثَلَاثَة عشر رجلا
وأخرج ابْن جرير عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين} الْآيَة
قَالَ: هَذَا يَوْم بدر فَنَظَرْنَا إِلَى الْمُشْركين فرأيناهم يضعفون علينا ثمَّ نَظرنَا إِلَيْهِم فَمَا رأيناهم يزِيدُونَ علينا رجلا وَاحِدًا
وذَلِك قَول الله (وَإِذ يريكموهم إِذْ التقيتم فِي أعينكُم قَلِيلا ويقللكم فِي أَعينهم) (الْأَنْفَال الْآيَة 44)
وأخرج ابْن جرير وابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله {قد كَانَ لكم آيَة فِي فئتين} الْآيَة
قَالَ: أنزلت فِي التَّخْفِيف يَوْم يدر على الْمُؤمنِينَ كَانُوا يَوْمئِذٍ ثَلَاثمِائَة وثَلَاثَة عشر رجلا وكَانَ الْمُشْركُونَ مثليهم سِتَّة وعشْرين وسِتّمائَة فأيد الله الْمُؤمنِينَ فَكَانَ هَذَا فِي التَّخْفِيف على الْمُؤمنِينَ(2/159)
وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن ابْن عَبَّاس أَن أهل بدر كَانُوا ثَلَاثمِائَة وثَلَاثَة عشر الْمُهَاجِرُونَ مِنْهُم خَمْسَة وسَبْعُونَ وكَانَت هزيمَة بدر لسبع عشرَة من رَمَضَان لَيْلَة جُمُعَة
وأخرج الطستي فِي مسَائِله عَن ابْن عَبَّاس إِن نَافِع بن الْأَزْرَق سَأَلَهُ عَن قَوْله {يُؤَيّد بنصره من يَشَاء} قَالَ: يُقَوي بنصره من يَشَاء قَالَ: وهَل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت قَول حسان بن ثَابت رَضِي الله عَنهُ: بِرِجَال لستمو أمثالهم أيدوا جِبْرِيل نصرا فَنزل
الْآيَة - 14(2/160)
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
أخرج ابْن جرير وابْن أبي حَاتِم عَن أبي بكر بن حَفْص بن عمر بن سعد قَالَ: لما نزلت {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} إِلَى آخر الْآيَة
قَالَ عمر: الْآن يَا رب حِين زينتها لنا فَنزلت (قل أؤنبئكم
) (آل عمرَان الْآيَة 15) الْآيَة
كلهَا
وأخرجه ابْن الْمُنْذر بِلَفْظ حَتَّى انْتهى إِلَى قَوْله (قل أؤنبئكم بِخَير) (آل عمرَان الْآيَة 15) فَبكى وقَالَ: بعد مَاذَا
بعد مَا زينتها
وأخرج ابْن أبي شيبَة وعبد بن حميد وابْن أبي حَاتِم عَن سيار بن الحكم أَن عمر بن الْخطاب قَرَأَ {زيِّن للنَّاس} الْآيَة
ثمَّ قَالَ: الْآن يَا رب وقد زينتها فِي الْقُلُوب
وأخرج ابْن أبي شيبَة وعبد الله بن أَحْمد فِي زَوَائِد الزّهْد وابْن أبي حَاتِم عَن أسلم قَالَ: رَأَيْت عبد الله بن أَرقم جَاءَ إِلَى عمر بن الْخطاب بحلية آنِية وفضَّة فَقَالَ عمر: اللَّهُمَّ إِنَّك ذكرت هَذَا المَال
فَقلت {زين للنَّاس حب الشَّهَوَات} حَتَّى ختم الْآيَة وقلت {لَا تأسوا على مَا فاتكم وَلَا تفرحوا بِمَا آتَاكُم وَالله} ) (الْحَدِيد الْآيَة 53) وإِنَّا لَا نستطيع إِلَّا أَن نفرح بِمَا زينت لنا اللَّهُمَّ فاجعلنا ننفقه فِي حق وأعوذ بك من شَره(2/160)
وَأخرج عبد بن حميد وَابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن فِي قَوْله {زين للنَّاس} الْآيَة
قَالَ من زينها مَا أحد أَشد لَهَا ذماً من خَالِقهَا
وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن الْحسن رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَوْله {زين للنَّاس} الْآيَة
قَالَ: زين لَهُم الشَّيْطَان
قَوْله تَعَالَى: {من النِّسَاء}
أخرج النَّسَائِيّ وابْن أبي حَاتِم والْحَاكِم عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: حبب إليَّ من دنياكم النِّسَاء والطّيب وجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة
قَوْله تَعَالَى: {والقناطير المقنطرة}
أخرج أَحْمد وَابْن ماجة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
: القنطار اثْنَا عشر ألف أُوقِيَّة
وأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن أنس قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَن قَول الله {والقناطير المقنطرة} قَالَ: القنطار ألف أُوقِيَّة
وأخرج ابْن أبي حَاتِم وَابْن مرْدَوَيْه عَن أنس قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: القنطار ألف دِينَار
وأخرج ابْن جرير عَن أبي بن كَعْب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
: وَالْقِنْطَار ألف أُوقِيَّة ومِائَتَا أُوقِيَّة
وأخرج ابْن جرير عَن الْحسن قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: القنطار ألف ومِائَتَا دِينَار
وأخرج عبد بن حميد وابْن أبي حَاتِم وابْن مرْدَوَيْه عَن أبي الدَّرْدَاء قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من قَرَأَ فِي لَيْلَة مائَة آيَة لم يكْتب من الغافلين ومن قَرَأَ مِائَتي آيَة بعث من القانتين ومن قَرَأَ خَمْسمِائَة آيَة إِلَى ألف آيَة أصبح لَهُ قِنْطَار من الْأجر والقنطار مثل التل الْعَظِيم
وَأخرج عبد بن حميد وابْن جرير وابْن أبي حَاتِم والْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن معَاذ بن جبل قَالَ: القنطار ألف ومِائَتَا أُوقِيَّة
وَأخرج ابْن جرير عَن ابْن عمر قَالَ: القنطار ألف وَمِائَتَا أُوقِيَّة
وَأخرج عبد بن حميد وابْن جرير والْبَيْهَقِيّ عَن أبي هُرَيْرَة مثله(2/161)
وَأخرج ابْن جرير والْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القنطار اثْنَا عشر ألف دِرْهَم أَو ألف دِينَار
وأخرج ابْن جرير والْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: القنطار ألف وَمِائَتَا دِينَار من الْفضة وألف ومِائَتَا مِثْقَال
وأخرج عبد بن حميد وابْن أبي حَاتِم والْبَيْهَقِيّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: القنطار ملْء مسك الثور ذَهَبا
وأخرج ابْن جرير وابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه سُئِلَ مَا القنطار قَالَ: سَبْعُونَ ألفا
وأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد قَالَ: القنطار سَبْعُونَ ألف دِينَار
وأخرج عبد بن حميد عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ: القنطار ثَمَانُون ألفا
وأخرج عبد بن حميد عَن أبي صَالح قَالَ: القنطار مائَة رَطْل
وأخرج عبد بن حميد وابْن جرير عَن قَتَادَة قَالَ: كُنَّا نُحدث أَن القنطار مائَة رَطْل من الذَّهَب أَو ثَمَانُون ألفا من الْوَرق
وأخرج الطستي عَن ابْن عَبَّاس أَن نَافِع بن الْأَزْرَق قَالَ لَهُ: أَخْبرنِي عَن قَوْله عزَّ وجلَّ {والقناطير} قَالَ: أما قَوْلنَا أهل الْبَيْت فانا نقُول: القنطار عشرَة آلَاف مِثْقَال وأما بَنو حسل فَإِنَّهُم يَقُولُونَ: ملْء مسك ثَوْر ذَهَبا أَو فضَّة
قَالَ: فَهَل تعرف الْعَرَب ذَلِك قَالَ: نعم
أما سَمِعت عدي بن زيد وهُوَ يَقُول: وَكَانُوا مُلُوك الرّوم تجبى إِلَيْهِم قناطيرها من بَين قل وزَائِد وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي جَعْفَر قَالَ القنطار خَمْسَة عشر ألف مِثْقَال والمثقال أَرْبَعَة وعشرُون قيراطا
وأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك فِي قَوْله {والقناطير المقنطرة} يَعْنِي المَال الْكثير من الذَّهَب والْفضة
وأخرج عَن الرّبيع {والقناطير المقنطرة} المَال الْكثير بعضه على بعض
وأخرج عَن السّديّ {المقنطرة} يَعْنِي المضروبة حَتَّى صَارَت دَنَانِير أَو دَرَاهِم
قَوْله تَعَالَى: {وَالْخَيْل المسوّمة}
أخرج ابْن جرير من طَرِيق الْعَوْفِيّ عَن ابْن عَبَّاس {وَالْخَيْل المسوّمة} قَالَ: الراعية
وأخرجه ابْن الْمُنْذر من طَرِيق مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس(2/162)
وأخرج ابْن جرير من طَرِيق عَليّ عَن ابْن عَبَّاس {وَالْخَيْل المسومة} يَعْنِي معلمة
وأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس {وَالْخَيْل المسوّمة} يَعْنِي معلمة
وأخرج ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ {وَالْخَيْل المسومة} الراعية والمطهمة الحسان
ثمَّ قَرَأَ (شجر فِيهِ تسيمون)
وأخرج عبد بن حميد وابْن جرير عَن مُجَاهِد {وَالْخَيْل المسوّمة} قَالَ: المطهمة الحسان
وأخرج عبد بن حميد وابْن جرير عَن عِكْرِمَة قَالَ: تسويمها حسنها
وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن مَكْحُول {وَالْخَيْل المسومة} قَالَ: الْغرَّة والتحجيل
أما قَوْله تَعَالَى: {ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا}
أخرج مُسلم وابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَمْرو عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: الدُّنْيَا مَتَاع وخير متاعها الْمَرْأَة الصَّالِحَة
وأخرج ابْن جرير عَن السّديّ فِي قَوْله {وَالله عِنْده حسن المآب} قَالَ: حسن المنقلب
وهِيَ الْجنَّة
الْآيَتَانِ 15 - 16(2/163)
قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)
أخرج عبد بن حميد وابْن الْمُنْذر وابْن أبي حَاتِم عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ: ذكر لنا عمر بن الْخطاب كَانَ يَقُول: اللَّهُمَّ زينت لنا الدُّنْيَا وأنبأتنا أَن مَا بعْدهَا خير مِنْهَا فَاجْعَلْ حظنا فِي الَّذِي هُوَ خير وَأبقى(2/163)
الْآيَة 17(2/164)
الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)
أخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة فِي قَوْله {الصابرين} الْآيَة
قَالَ: (الصَّابِرُونَ) قوم صَبَرُوا على طَاعَة الله وصَبَرُوا عَن مَحَارمه (والصادقون) قوم صدقت نياتهم واستقامت قُلُوبهم وألسنتهم وصدقُوا فِي السِّرّ والْعَلَانِيَة (والقانتون) هم المطيعون (والمستغفرون بالأسحار) هم أهل الصَّلَاة
وأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد بن جُبَير فِي الْآيَة قَالَ {الصابرين} على مَا أَمر الله {الصَّادِقين} فِي إِيمَانهم {القانتين} يَعْنِي المطيعين {والمنفقين} يَعْنِي من أَمْوَالهم فِي حق الله {والمستغفرين بالأسحار} يَعْنِي الْمُصَلِّين
وأخرج ابْن أبي شيبَة وابْن أبي حَاتِم عَن زيد بن أسلم {والمستغفرين بالأسحار} قَالَ: هم الَّذين يشْهدُونَ صَلَاة الصُّبْح
وأخرج ابْن جرير وابْن الْمُنْذر وابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عمر أَنه كَانَ يحيي اللَّيْل صَلَاة ثمَّ يَقُول: يَا نَافِع أسحرنا فَيَقُول: لَا
فيعاود الصَّلَاة فَإِذا قَالَ: نعم
قعد يسْتَغْفر الله ويَدْعُو حَتَّى يصبح
وأخرج ابْن جرير وابْن مرْدَوَيْه عَن أنس بن مَالك قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نَسْتَغْفِر بالأسحار سبعين استغفارة
وأخرج ابْن جرير عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ: من صلى من اللَّيْل ثمَّ اسْتغْفر فِي آخر اللَّيْل سبعين مرّة كتب من المستغفرين
وأخرج ابْن أبي شيبَة وأَحْمد فِي الزّهْد عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ: بلغنَا أَن دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام سَأَلَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ: يَا جِبْرِيل أَي اللَّيْل أفضل قَالَ: يَا دَاوُد مَا أَدْرِي إِلَّا أَن الْعَرْش يَهْتَز فِي السحر
الْآيَات 18 - 19 - 20(2/164)
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)
أخرج ابْن السّني فِي عمل يَوْم ولَيْلَة وأَبُو مَنْصُور الشجامي فِي الْأَرْبَعين عَن عَليّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن فَاتِحَة الْكتاب وَآيَة الْكُرْسِيّ والآيتين من آل عمرَان {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة وأولو الْعلم قَائِما بِالْقِسْطِ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم إِن الدّين عِنْد الله الْإِسْلَام}
و (قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك تؤتي الْملك من تشَاء وتنْزع الْملك مِمَّن تشَاء وتعز من تشَاء وتذل من تشَاء) (آل عمرَان الْآيَة 26) إِلَى قَوْله (بِغَيْر حِسَاب) هن معلقات بالعرش مَا بَينهُنَّ وبَين الله حجاب يقلن: يَا رب تهبطنا إِلَى أَرْضك وَإِلَى من يعصيك
قَالَ الله: إِنِّي حَلَفت لَا يقرأكن أحد من عبَادي دبر كل صَلَاة - يَعْنِي الْمَكْتُوبَة - إِلَّا جعلت الْجنَّة مَأْوَاه على مَا كَانَ فِيهِ وَإِلَّا أسكنته حَظِيرَة الفردوس وَإِلَّا نظرت إِلَيْهِ كل يَوْم سبعين نظرة وَإِلَّا قضيت لَهُ كل يَوْم سبعين حَاجَة أدناها الْمَغْفِرَة وَإِلَّا أعذته من كل عدوّ ونصرته مِنْهُ
وأخرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ مَرْفُوعا لما نزلت (الْحَمد لله رب الْعَالمين) (الْفَاتِحَة الْآيَة 1) وَآيَة الْكُرْسِيّ و {شهد الله} و (قل اللَّهُمَّ مَالك الْملك) (آل عمرَان الْآيَة 26) إِلَى (بِغَيْر حِسَاب) تعلقن بالعرش وقُلْنَ: أنزلتنا على قوم يعْملُونَ بمعاصيك فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وارتفاع مَكَاني لَا يتلوكن عبد عِنْد دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة إِلَّا غفرت لَهُ مَا كَانَ فِيهِ وأسكنته جنَّة الفردوس ونظرت لَهُ كل يَوْم سبعين مرّة وقضيت لَهُ سبعين حَاجَة أدناها الْمَغْفِرَة
وأخرج أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ وابْن السّني فِي عمل يَوْم ولَيْلَة وابْن أبي حَاتِم عَن الزبير ابْن العوّام قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهُوَ بِعَرَفَة يقْرَأ هَذِه الْآيَة {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} إِلَى قَوْله {الْعَزِيز الْحَكِيم} فَقَالَ: وَأَنا على ذَلِك من الشَّاهِدين يَا رب
ولفظ الطَّبَرَانِيّ فَقَالَ: وَأَنا أشهد أَنَّك لَا إِلَه إِلَّا أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم(2/165)