هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَاكَ} يَقُول مَا أَتَاك يَا مُحَمَّد ثمَّ أَتَاك وَيُقَال قد أَتَاك {حَدِيثُ الغاشية} خبر قيام السَّاعَة وَيُقَال الغاشية هِيَ غاشية النَّار على أَهلهَا(1/509)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2)
{وُجُوهٌ} وُجُوه الْمُنَافِقين وَالْكفَّار {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {خَاشِعَةٌ} ذليلة بِالْعَذَابِ(1/509)
عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)
{عَامِلَةٌ} تجر فِي النَّار {نَّاصِبَةٌ} فِي تَعب وعناء وَيُقَال عاملة فِي الدُّنْيَا ناصبة فِي الْآخِرَة وهم الرهبان وَأَصْحَاب الصوامع وَيُقَال هم الْخَوَارِج(1/509)
تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)
{تصلى} تدخل {نَاراً حَامِيَةً} حارة قد انْتهى حرهَا(1/509)
تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (5)
{تسقى} فِي النَّار {مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ} حارة(1/509)
لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6)
{لَّيْسَ لَهُمْ} فِي تِلْكَ الدَّرك {طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ} وَهُوَ الشبرق نبت يكون بطرِيق مَكَّة إِذا كَانَ رطبا تَأْكُل مِنْهُ الْإِبِل وَإِذا يبس صَار كأظفار الْهِرَّة(1/509)
لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7)
{لاَّ يُسْمِنُ} من أكله {وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ} من أكله(1/509)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8)
{وُجُوهٌ} وُجُوه الْمُؤمنِينَ المخلصين {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {نَّاعِمَةٌ} حَسَنَة جميلَة(1/509)
لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9)
{لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ} يَقُول لثواب عَملهَا راضية(1/509)
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10)
{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} فِي دَرَجَة مُرْتَفعَة(1/509)
لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (11)
{لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا} فِي الْجنَّة {لاَغِيَةً} حلفا بَاطِلا وَلَا غير بَاطِل(1/509)
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (12)
{فِيهَا} فِي الْجنَّة {عَيْنٌ جَارِيَةٌ} تجْرِي عَلَيْهِم بِالْخَيرِ وَالْبركَة وَالرَّحْمَة(1/509)
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13)
{فِيهَا} فِي الْجنَّة {سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} فِي الْهَوَاء مالم يَجِيء إِلَيْهَا أَهلهَا وَيُقَال مُرْتَفعَة لأَهْلهَا(1/509)
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14)
{وَأَكْوَابٌ} كيزان بِلَا آذان وَلَا عرا وَلَا خراطيم مُدَوَّرَة الرؤوس {مَّوْضُوعَةٌ} فِي مَنَازِلهمْ(1/509)
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15)
{وَنَمَارِقُ} وسائد {مَصْفُوفَةٌ} قد صف بَعْضهَا إِلَى بعض وَيُقَال قد نضد بَعْضهَا إِلَى بعض(1/509)
وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)
{وَزَرَابِيُّ} وَهِي شبه الطنافس {مَبْثُوثَةٌ} مبسوطة لأَهْلهَا فَلَمَّا أخْبرهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك قَالَ كفار مَكَّة ائتنا بِآيَة بِأَن الله أرسلك إِلَيْنَا رَسُولا فَقَالَ الله تَعَالَى(1/509)
أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17)
{أَفَلاَ يَنظُرُونَ} كفار مَكَّة {إِلَى الْإِبِل كَيْفَ خُلِقَتْ} بقوتها وشدتها تقوم بحملها وَلَا يقوم غَيرهَا(1/509)
وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18)
{وَإِلَى السمآء كَيْفَ رُفِعَتْ} فَوق الْخلق لَا ينالها شَيْء(1/509)
وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19)
{وَإِلَى الْجبَال كَيْفَ نُصِبَتْ} على الأَرْض لَا يحركها شىء(1/509)
وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)
{وَإِلَى الأَرْض كَيْفَ سُطِحَتْ} بسطت على المَاء كل هَذَا آيَة لَهُم(1/509)
فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21)
{فَذَكِّرْ} عظ {إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ} مخوف بِالْقُرْآنِ وَيُقَال واعظ متعظ بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ(1/509)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (22)
{لَّسْتَ عَلَيْهِم} يَا مُحَمَّد {بِمُصَيْطِرٍ} بمسلط أَن تجبرهم على الْإِيمَان(1/509)
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23)
ثمَّ أمره بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ فَقَالَ {إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ} وَيُقَال إِلَّا من تولى بِنصب الْألف عَن الْإِيمَان وَكفر بِاللَّه(1/509)
فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)
{فَيُعَذِّبُهُ الله} فِي الْآخِرَة {الْعَذَاب الْأَكْبَر} يَعْنِي عَذَاب النَّار(1/509)
إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25)
{إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ} مرجعهم فِي الْآخِرَة(1/509)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} ثباتهم فِي الدُّنْيَا وثوابهم وعقابهم فى الْآخِرَة(1/509)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفجْر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وتسع وَثَلَاثُونَ وحروفها خَمْسمِائَة وَسَبْعَة وَتسْعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/510)
وَالْفَجْرِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْفَجْر} يَقُول أقسم الله بِالْفَجْرِ وَهُوَ صبح النَّهَار وَيُقَال هُوَ النَّهَار كُله وَيُقَال الْفجْر فجر السّنة(1/510)
وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)
{وَلَيالٍ عَشْرٍ} من أول ذِي الْحجَّة(1/510)
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)
{وَالشَّفْع} يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر {وَالْوتر} ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم النَّحْر وَيُقَال الشفع كل صَلَاة تصلى رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبَعَة من صَلَاة الْغَدَاة وَالظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء وَالْوتر وَهِي كل صَلَاة تصلى ثَلَاثَة وَهِي صَلَاة الْمغرب وَالْوتر وَيُقَال الشفع السَّمَاء وَالْأَرْض وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالْجنَّة وَالنَّار وَالْعرش والكرسي وَالشَّمْس وَالْقَمَر كل هَذَا شفع وَالْوتر مَا يكون فَردا وَيُقَال الشفع الذّكر وَالْأُنْثَى وَالْكَافِر وَالْمُؤمن والمخلص وَالْمُنَافِق والصالح والطالح وَالْوتر هُوَ الله(1/510)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4)
{وَاللَّيْل إِذَا يَسْرِ} يذهب وَهِي لَيْلَة الْمزْدَلِفَة وَيُقَال يذهب وَيَجِيء فِيهِ النَّاس أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء إِن رَبك يَا مُحَمَّد لبالمرصاد يَقُول على الطَّرِيق وَالطَّرِيق عَلَيْهِ(1/510)
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5)
{هَلْ فِي ذَلِك} يَقُول فِيمَا ذكرت {قَسَمٌ لِّذِى حِجْرٍ} لذِي عقل(1/510)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} صنع رَبك {بِعَادٍ} قوم هود كَيفَ أهلكهم الله تَعَالَى عِنْد التَّكْذِيب(1/510)
إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)
{إِرَمَ} ابْن إرم وإرم هُوَ سَام بن نوح وَكَانَ ابْن سَام شيم وَابْن شيم هام وَابْن هام عَاد {ذَاتِ الْعِمَاد} عماد السارية وَيُقَال ذَات الْقُوَّة(1/510)
الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)
{الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَاد} بِالْقُوَّةِ والطول وَيُقَال إرم هُوَ اسْم الْمَدِينَة الَّتِي بناها شَدِيد وَشَدَّاد ذَات الْعِمَاد عماد الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّتِي لم يخلق مثلهَا فِي الْبِلَاد بالْحسنِ وَالْجمال(1/510)
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9)
{وَثَمُودَ} يَقُول كَيفَ أهلك ثَمُود قوم صَالح {الَّذين جَابُواْ الصخر بالواد} نقبوا الصخر بوادي الْقرى(1/510)
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)
{وَفِرْعَوْنَ} وَكَيف أهلك فِرْعَوْن {ذِى الْأَوْتَاد} وَإِنَّمَا سمي ذِي الْأَوْتَاد لِأَنَّهُ جعل أَرْبَعَة أوتاد فَإِذا غضب على أحد مده بَين الْأَوْتَاد فيعذبه حَتَّى يَمُوت كَمَا عذب امْرَأَته آسِيَة بنت مُزَاحم(1/510)
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11)
{الَّذين طَغَوْاْ فِي الْبِلَاد} عصوا وَكَفرُوا فِي أَرض مصر وَيُقَال طغيانهم حملهمْ على ذَلِك(1/510)
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)
{فَأَكْثَرُواْ فِيهَا} فِي أَرض مصر {الْفساد} بِالْقَتْلِ وَعبادَة الْأَوْثَان(1/510)
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13)
{فَصَبَّ} فَأنْزل {عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} عذَابا شَدِيدا(1/510)
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)
{إِن رَبك} يَا مُحَمَّد {لبالمرصاد} يَقُول عَلَيْهِم ممرهم وممر سَائِر الْخلق وَيُقَال إِن مَلَائِكَة رَبك على الصِّرَاط يحبسون الْعباد فِي سبع مَوَاطِن ويسألونهم عَن سبع خِصَال(1/510)
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)
{فَأَمَّا الْإِنْسَان} وَهُوَ الْكَافِر أبي بن خلف وَيُقَال أُميَّة بن خلف {إِذَا مَا ابتلاه} إِذا اختبره {رَبُّهُ} بِالْمَالِ والغنى والعيش {فَأَكْرَمَهُ} كثر مَاله {وَنَعَّمَهُ} وسع عَلَيْهِ معيشته {فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} بِالْمَالِ والمعيشة(1/510)
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
{وَأَمَّآ إِذَا مَا ابتلاه} اختبره بالفقر {فَقَدَرَ عَلَيْهِ} فقتر عَلَيْهِ {رِزْقَهُ} معيشته {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} بالفقر وضيق الْمَعيشَة(1/510)
كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)
{كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِ لَيْسَ إكرامي بِالْمَالِ والغنى وإهانتي بالفقر وَقلة المَال وَلَكِن إكرامي بالمعرفة والتوفيق وإهانتي بالنكرة والخذلان {بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيم} لَا تعرفُون حق الْيَتِيم كَانَ فِي حجره يَتِيم لم يعرف حَقه وَلم يحسن إِلَيْهِ(1/510)
وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)
{وَلاَ تَحَاضُّونَ} وَلَا تحثون أَنفسكُم وَغَيرهَا {على طَعَامِ الْمِسْكِين} على صَدَقَة الْمَسَاكِين(1/510)
وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19)
{وَتَأْكُلُونَ التراث} الْمِيرَاث {أَكْلاً لَّمّاً} شَدِيدا(1/510)
وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)
{وَتُحِبُّونَ المَال حُبّاً جَمّاً}(1/510)
كثيرا(1/511)
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)
{كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِ {إِذَا دُكَّتِ الأَرْض دَكّاً دَكّاً} يَقُول إِذا زلزلت الأَرْض زَلْزَلَة بعد زلَّة(1/511)
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)
{وَجَآءَ رَبُّكَ} وَيَجِيء رَبك بِلَا كَيفَ {وَالْملك} وَيَجِيء الْمَلَائِكَة {صَفّاً صَفّاً} كصف أهل الدُّنْيَا فى الصَّلَاة(1/511)
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)
{وَجِيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} مَعَ سبعين ألف زِمَام مَعَ كل زِمَام سَبْعُونَ ألف ملك يَقُودُونَهَا إِلَى الْمَحْشَر ويكشف عَنْهَا {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَان} يتعظ الْكَافِر أبي بن خلف وَأُميَّة بن خلف {وأنى لَهُ الذكرى} من أَيْن لَهُ العظة وَقد فَاتَتْهُ العظة(1/511)
يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)
{يَقُول يَا لَيْتَني} يتَمَنَّى {قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} الْبَاقِيَة من حَياتِي الفانية يَقُول يَا لَيْتَني عملت فِي حَياتِي الفانية لحياتى الْبَاقِيَة(1/511)
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)
{فَيَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ} كعذابه {أحد}(1/511)
وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26)
{وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} كوثاقه وَله وَجه آخر إِن قَرَأت بِكَسْر الذَّال والثاء يَقُول لَا يعذب عَذَابه كعذاب الله أحد وَلَا يوثق وثَاقه كوثاق الله أحد أَي لَا يبلغ أحد فِي الْعَذَاب كَمَا يبلغ الله فى عَذَاب الْخلق(1/511)
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)
{يَا أيتها النَّفس المطمئنة} الآمنة من عَذَاب الله الصادقة بتوحيد الله الشاكرة بنعماء الله الصابرة ببلاء الله الراضية بِقَضَاء الله القانعة بعطاء الله(1/511)
ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)
{ارجعي إِلَى رَبِّكِ} إِلَى مَا أعد الله لَك فِي الْجنَّة وَيُقَال إِلَى سيدك يَعْنِي الْجَسَد {رَاضِيَةً} بِثَوَاب الله {مَّرْضِيَّةً} عَنْك بِالتَّوْحِيدِ(1/511)
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)
{فادخلي فِي عِبَادِي} فِي زمرة أوليائي(1/511)
وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)
{وادخلي جنتي} الَّتِى أعدت لَك
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْبَلَد وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها عشرُون وكلماتها اثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ وحروفها ثلثمِائة وَعِشْرُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/511)
لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {لاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِهَذَا الْبَلَد} مَكَّة(1/511)
وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)
{وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَد} يَقُول قد أحل الله لَك فى هَذَا الْبَلَد مَالا يحل لأحد قبلك وَلَا بعْدك وَيُقَال وَأَنت حل نَازل بِهَذَا الْبَلَد وَيُقَال وَأَنت فِي حل مِمَّا صنعت فِي هَذَا الْبَلَد(1/511)
وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3)
{وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} فالوالد آدم وَمَا ولد بنوه وَيُقَال الْوَالِد الَّذِي يلد من الرِّجَال وَالنِّسَاء وَمَا ولد الَّذِي لَا يلد من الرِّجَال وَالنِّسَاء أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء(1/511)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي كلدة بن أسيد {فِي كَبَدٍ} معتدل الْقَامَة وَيُقَال يكابد أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال فِي كبد فِي قُوَّة وَشدَّة(1/511)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5)
{أَيَحْسَبُ} أيظن الْكَافِر فِي قوته وشدته {أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} يَعْنِي على أَخذه وعقوبته أحد يَعْنِي الله(1/511)
يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6)
{يَقُول} يعْنى كلدة بن أسيد وَيُقَال الويد بن الْمُغيرَة {أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً} أنفقت مَالا كثيرا فى عَدَاوَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَنْفَعنِي ذَلِك شَيْئا(1/511)
أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7)
{أَيَحْسَبُ} أيظن الْكَافِر {أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ} لم ير الله صَنِيعه أنْفق أم لَا(1/511)
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8)
ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِ فَقَالَ {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ} ينظر بهما(1/511)
وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9)
{وَلِسَاناً} ينْطق بِهِ {وَشَفَتَيْنِ} يضم وَيرْفَع بهما(1/511)
وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)
{وَهَدَيْنَاهُ النجدين} بيَّنا لَهُ الطَّرِيقَيْنِ طَرِيق الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال طَرِيق الثديين(1/511)
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)
{فَلاَ اقتحم الْعقبَة} يَقُول هَل جَاوز تِلْكَ الْعقبَة الَّذِي يَدعِي الْقُوَّة وَهِي الصِّرَاط(1/511)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا الْعقبَة} هِيَ عقبَة ملساء بَين الْجنَّة وَالنَّار يُعجبهُ بذلك(1/511)
فَكُّ رَقَبَةٍ (13)
{فَكُّ رَقَبَةٍ} يَقُول اقتحامها فك رَقَبَة وَيُقَال لَا يتَجَاوَز تِلْكَ الْعقبَة إِلَّا من قد فك رَقَبَة أعتق نسمَة إِذا قَرَأت بِنصب الْكَاف وَالتَّاء(1/511)
أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14)
{أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} ذِي مجاعَة وَشدَّة(1/511)
يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)
{يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ} ذَا قربَة(1/511)
أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)
{أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ} لاصق بِالتُّرَابِ من الْجهد والمسكين الَّذِي لَا شَيْء لَهُ(1/511)
ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)
{ثُمَّ كَانَ} مَعَ ذَلِك {مِنَ الَّذين آمَنُواْ} فِيمَا بَينهم بَين رَبهم آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَتَوَاصَوْاْ} تحاثوا {بِالصبرِ} على أَدَاء فَرَائض الله والمرازي {وَتَوَاصَوْاْ} تحاثوا {بالمرحمة} بالترحم على الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين(1/511)
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)
{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {أَصْحَابُ الميمنة} أهل الْجنَّة الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم(1/511)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)
{وَالَّذين كفرُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن كلدة وَأَصْحَابه {هم أَصْحَاب المشأمة} أهل النَّار يُعْطون كِتَابهمْ بِشمَالِهِ(1/511)
عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)
{عَلَيْهِم نَار مؤصدة} مطبقة لُغَة طى(1/511)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الشَّمْس وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس عشرَة وكلماتها أَربع وَخَمْسُونَ كلمة وحروفها مِائَتَان وَسَبْعَة وَأَرْبَعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/512)
وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)
وَإِسْنَاده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالشَّمْس وَضُحَاهَا} أقسم الله بالشمس وضوئها(1/512)
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2)
{وَالْقَمَر إِذَا تَلاَهَا} تبعها يَقُول تبع الشَّمْس أول لَيْلَة رؤى الْهلَال(1/512)
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4)
{وَالنَّهَار إِذَا جَلاَّهَا وَاللَّيْل إِذَا يَغْشَاهَا} مقدم ومؤخر يَقُول وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا يغشى ضوء النَّهَار وَالنَّهَار إِذا جلاها جلى ظلمَة اللَّيْل(1/512)
وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5)
{والسمآء وَمَا بَنَاهَا} وَالَّذِي خلقهَا وَهُوَ الله أقسم بِنَفسِهِ(1/512)
وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6)
{وَالْأَرْض وَمَا طَحَاهَا} وَالَّذِي بسطها على المَاء(1/512)
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} وَالَّذِي سوى خلقهَا باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء(1/512)
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
{فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فعرفها وبيَّن لَهَا مَا تَأتي وَمَا تتقي أقسم الله بِنَفسِهِ وبهؤلاء الْأَشْيَاء(1/512)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)
{قَدْ أَفْلَحَ} قد فَازَ نفس {مَن زَكَّاهَا} من أصلحها الله وَعرفهَا ووفقها(1/512)
وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)
{وَقَدْ خَابَ} خسر نفس {مَن دَسَّاهَا} من أغواها الله وأضلها وخذلها(1/512)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا (11)
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح {بِطَغْوَاهَآ} يَقُول طغيانهم حملهمْ على ذَلِك(1/512)
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا (12)
{إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا} قَامَ أَشْقَى الْقَوْم قدار بن سالف ومصدع بن دهو فعقرا النَّاقة(1/512)
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا (13)
{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله} صَالح قبل أَن يعقروا النَّاقة {نَاقَةَ الله} ذَروا نَاقَة الله {وَسُقْيَاهَا} أَي وشربها(1/512)
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)
{فَكَذَّبُوهُ} صَالحا بالرسالة {فَعَقَرُوهَا} فعقروا النَّاقة {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ} أهلكهم رَبهم بذنبهم بِقَتْلِهِم النَّاقة وتكذيبهم صَالحا {فَسَوَّاهَا} فسواهم بِالْعَذَابِ الصَّغِير وَالْكَبِير(1/512)
وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)
{وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا} ثائرها وَيُقَال فَعَقَرُوهَا وَلَا يخَاف عقباها تبعتها مقدم ومؤخر
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا اللَّيْل وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها إِحْدَى وَعِشْرُونَ وكلماتها إِحْدَى وَسَبْعُونَ وحروفها ثلثمِائة وَعِشْرُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/512)
وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّيْل} يَقُول أقسم الله بِاللَّيْلِ {إِذَا يغشى} ضوء النَّهَار(1/512)
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2)
{وَالنَّهَار إِذَا تجلى} ظلمَة اللَّيْل(1/512)
وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)
{وَمَا خَلَقَ} وَالَّذِي خلق {الذّكر وَالْأُنْثَى}(1/512)
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)
{إِنَّ سعيكم} عَمَلكُمْ {لشتى} مُخْتَلف مكذب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ومصدق بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وعامل للجنة وعامل للنار وَلِهَذَا كَانَ الْقسم(1/512)
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5)
{فَأَما من أعْطى} تصدق بِمَا لَهُ سَبِيل الله وَاشْترى تِسْعَة نفر من الْمُؤمنِينَ كَانُوا فِي أَيدي الْكَافرين يعذبونهم على دينهم فاشتراهم مِنْهُم أعتقهم {وَاتَّقَى} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش(1/512)
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)
{وَصدق بِالْحُسْنَى} بعدة الله وَيُقَال بِالْجنَّةِ وَيُقَال بِلَا إِلَه إِلَّا الله(1/512)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)
{فسنيسره لليسرى} فسنهون عَلَيْهِ الطَّاعَة ونستوفقه بِالطَّاعَةِ مرّة بعد مرّة وَيُقَال الصَّدَقَة فِي سَبِيل الله مرّة بعد مرّة وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق(1/512)
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)
{وَأما من بخل} بِمَا لَهُ عَن سَبِيل الله وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَيُقَال أَبُو سُفْيَان بن حَرْب فَلم يكن مُؤمنا حِينَئِذٍ {وَاسْتغْنى} فِي نَفسه عَن الله(1/512)
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)
{وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} بعدة الله وَيُقَال بِالْجنَّةِ وَيُقَال بِلَا إِلَه إِلَّا الله(1/512)
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)
{فَسَنُيَسِّرُهُ للعسرى} فسنهون عَلَيْهِ الْمعْصِيَة مرّة بعد مرّة والإمساك عَن الصَّدَقَة فِي سَبِيل الله(1/513)
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)
{وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ} الَّذِي جمع فِي الدُّنْيَا {إِذَا تردى} إِذا مَاتَ وَيُقَال إِذا تردى فِي النَّار(1/513)
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)
{إِنَّ عَلَيْنَا للهدى} للْبَيَان بَيَان الْخَيْر وَالشَّر(1/513)
وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13)
{وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالْأولَى} ثَوَاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيُقَال لنا للآخرة وَالْأولَى الْآخِرَة بالثواب والكرامة وَالْأولَى بالمعرفة والتوفيق(1/513)
فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14)
{فَأَنذَرْتُكُمْ} خوفتكم يَا أهل مَكَّة بِالْقُرْآنِ {نَاراً تلظى} تغيظ وتتلهب(1/513)
لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)
{لاَ يَصْلاَهَآ} لَا يدخلهَا يَعْنِي النَّار {إِلاَّ الأشقى} إِلَّا الشقى فِي علم الله(1/513)
الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16)
{الَّذِي كَذَّبَ} بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال قصر عَن طَاعَة الله {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان وَيُقَال عَن التَّوْبَة(1/513)
وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17)
{وَسَيُجَنَّبُهَا} يباعد ويزحزح عَن النَّار {الأتقى} التقي(1/513)
الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18)
{الذى يُؤْتِي مَالَهُ} يُعْطي مَاله فِي سَبِيل الله وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق {يتزكى} يُرِيد بذلك وَجه الله(1/513)
وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)
{وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تجزى} وَلم يعْمل ذَلِك مجازاة لأحد(1/513)
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20)
{إِلاَّ ابتغآء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} إِلَّا طلب رضَا ربه الْأَعْلَى أَعلَى كل شَيْء(1/513)
وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)
{وَلَسَوْفَ يرضى} يعْطى من الثَّوَاب والكرامة حَتَّى يرضى وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق وَأَصْحَابه
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الضُّحَى وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها أَرْبَعُونَ وحروفها مائَة وَاثْنَانِ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/513)
وَالضُّحَى (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالضُّحَى} يَقُول أقسم الله بِالنَّهَارِ كُله(1/513)
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
{وَاللَّيْل إِذَا سجى} إِذا أظلم واسود(1/513)
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3)
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ} مَا تَركك رَبك مُنْذُ أوحى إِلَيْك {وَمَا قلى} مَا أبغضك مُنْذُ أحبك وَلِهَذَا كَانَ الْقسم وَهَذَا بعد مَا حبس الله عَنهُ الْوَحْي خمس عشرَة لَيْلَة لتَركه الِاسْتِثْنَاء فَقَالَ الْمُشْركُونَ ودعه ربه وقلاه(1/513)
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4)
{وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} يَقُول ثَوَاب الْآخِرَة خير لَك من ثَوَاب الدُّنْيَا(1/513)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ} فِي الْآخِرَة من الشَّفَاعَة {فترضى} حَتَّى ترْضى ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِ فَقَالَ(1/513)
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6)
{أَلَمْ يَجِدْكَ} يَا مُحَمَّد {يَتِيماً} بِلَا أَب وَلَا أم {فآوى} آواك إِلَى عمك أبي طَالب وَكفى مؤنتك فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم يَا جِبْرِيل فَقَالَ جِبْرِيل أَيْضا(1/513)
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)
{وَوَجَدَكَ} يَا مُحَمَّد {ضَآلاًّ} بَين قوم ضلال {فهدى} فهداك بِالنُّبُوَّةِ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم يَا جِبْرِيل فَقَالَ أَيْضا(1/513)
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)
{وَوَجَدَكَ} يَا مُحَمَّد {عَآئِلاً} فَقِيرا {فأغنى} فأغناك بِمَال خَدِيجَة وَيُقَال أرضاك بِمَا أَعْطَاك فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم يَا جِبْرِيل فَقَالَ أَيْضا(1/513)
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)
{فَأَمَّا الْيَتِيم فَلاَ تَقْهَرْ} فَلَا تظلمه وَلَا تحتقره(1/513)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10)
{وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ} فَلَا ترده خائباً وَلَا تزجره(1/513)
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {فَحَدِّثْ} النَّاس بذلك وَأخْبرهمْ وأعلمهم بذلك(1/513)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ألم نشرح وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وكلماتها سبع وَعِشْرُونَ وحروفها مائَة وَثَلَاثَة
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/514)
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} وَهَذَا مَعْطُوف على قَوْله ووجدك عائلاً فأغنى فَقَالَ ألم نشرح لَك يَا مُحَمَّد صدرك قَلْبك لِلْإِسْلَامِ يَقُول ألم نلين قَلْبك يَوْم الْمِيثَاق بالمعرفة والفهم والنصرة وَالْعقل وَالْيَقِين وَغير ذَلِك وَيُقَال ألم نوسع قَلْبك بِالنُّبُوَّةِ فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَقَالَ أَيْضا(1/514)
وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)
{وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ} حططنا عَنْك إثمك(1/514)
الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3)
{الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} أثقل ظهرك بِهِ يَعْنِي الْإِثْم وَيُقَال أثقل ظهرك بِالنُّبُوَّةِ فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَقَالَ أَيْضا(1/514)
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
{ورفعنا لَك ذكرك} صَوْتك بِالْأَذَانِ وَالدُّعَاء الشَّهَادَة أَن تذكر كَمَا أذكر فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نعم فَقَالَ الله تَعَالَى تَعْزِيَة لنَبيه بالفقر والشدة(1/514)
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5)
{فَإِنَّ مَعَ الْعسر يُسْراً} مَعَ الشدَّة الرخَاء(1/514)
إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)
{إِنَّ مَعَ الْعسر يُسْراً} مَعَ الشدَّة الرخَاء فَذكر عسراً بَين يسرين(1/514)
فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7)
{فَإِذَا فَرَغْتَ} من الْغَزْو وَالْجهَاد والقتال {فانصب} فِي الْعِبَادَة وَيُقَال إِذا فرغت من الصَّلَاة الْمَكْتُوبَة فانصب فِي الدُّعَاء(1/514)
وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
{وَإِلَى رَبِّكَ فارغب} وحوائجك إِلَى رَبك فارفع
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا التِّين وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وكلماتها أَربع وَثَلَاثُونَ وحروفها مائَة وَخَمْسُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/514)
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والتين وَالزَّيْتُون} يَقُول أقسم الله بِالتِّينِ تينكم هَذَا وَالزَّيْتُون زيتونكم هَذَا وَيُقَال هما مسجدان بِالشَّام وَيُقَال هما جبلان بِالشَّام وَيُقَال التِّين هُوَ الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ بَيت الْمُقَدّس وَالزَّيْتُون هُوَ الْجَبَل الَّذِي عَلَيْهِ دمشق(1/514)
وَطُورِ سِينِينَ (2)
{وَطُورِ سِينِينَ} وَأقسم بجبل ثبير وَهُوَ جبل بمدين الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وكل جبل هُوَ الطّور بِلِسَان النبط وسينين هُوَ الْجَبَل الْحسن الشّجر(1/514)
وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3)
{وَهَذَا الْبَلَد الْأمين} وَأقسم بِهَذَا الْبَلَد بلد مَكَّة الْأمين من أَن يهاج فِيهِ على من دخل فِيهِ(1/514)
لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} هُوَ الْكَافِر الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَيُقَال كلدة بن أسيد {فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} يَقُول فِي أعدل الْخلق وَلِهَذَا كَانَ الْقسم(1/514)
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ} فِي الْآخِرَة {أَسْفَلَ سَافِلِينَ} يَعْنِي النَّار وَيُقَال لقد خلقنَا الْإِنْسَان يَعْنِي ولد آدم فِي أحسن تَقْوِيم فِي أحسن صُورَة إِذا تَكَامل شبابه ثمَّ رددناه أَسْفَل سافلين إِلَى أرذل الْعُمر فَلَا يكْتب لَهُ بعد ذَلِك حَسَنَة إِلَّا مَا قد عمل فِي شبابه وقوته(1/514)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6)
{إِلَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مَنْقُوص وَلَا مكدر تجْرِي لَهُم الْحَسَنَات بعد الْهَرم وَالْمَوْت(1/514)
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7)
{فَمَا يكذبك} يَا وليد ابْن الْمُغيرَة وَيُقَال يَا كلدة بن أسيد وَيُقَال فَمن ذَا الَّذِي يكذبك يَا مُحَمَّد {بَعْدُ} بعد هَذَا الَّذِي ذكرت لَك من تَحْويل الْخلق يَعْنِي الشَّبَاب والهرم والبعث وَالْمَوْت وَيُقَال فَمن ذَا الَّذِي حملك على التَّكْذِيب يَا كلدة بن أسيد وَيَا وليد بن الْمُغيرَة {بِالدينِ} بِحِسَاب يَوْم الْقِيَامَة(1/514)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)
{أَلَيْسَ الله بِأَحْكَم الْحَاكِمين} بأعدل العادلين وبأفضل الفاضلين أَن يُحْيِيك بعد الْمَوْت يَا وليد
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا العلق وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع عشرَة وكلماتها اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ وحروفها مائَة وَاثْنَانِ وَعِشْرُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/514)
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {اقْرَأ} يَقُول اقْرَأ يَا مُحَمَّد الْقُرْآن وَهَذَا أول مَا نزل بِهِ جِبْرِيل {باسم رَبِّكَ} بِأَمْر رَبك {الَّذِي خَلَقَ} الْخَلَائق(1/514)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2)
{خَلَقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي ولد آدم {مِنْ عَلَقٍ} من دم عبيط فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَقرَأ يَا جِبْرِيل فَقَرَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيل أَربع آيَات من أول هَذِه السُّورَة فَقَالَ لَهُ(1/514)
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3)
{اقْرَأ} الْقُرْآن يَا مُحَمَّد(1/514)
{وَرَبُّكَ الأكرم} المتجاوز الْحَلِيم عَن جهل الْعباد(1/515)
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)
{الذى عَلَّمَ بالقلم} الْخط بالقلم(1/515)
عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
{عَلَّمَ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْخط بالقلم {مَا لَمْ يَعْلَمْ} قبل ذَلِك وَيُقَال علم الْإِنْسَان يَعْنِي آدم أَسمَاء كل شىء مالم يُعلمهُ قبل ذَلِك(1/515)
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {ليطْغى} ليبطر فيرتفع من منزلَة إِلَى منزلَة فِي الْمطعم وَالْمشْرَب والملبس والمركب(1/515)
أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
{أَن رَّآهُ اسْتغنى} إِذا رأى نَفسه مستغنياً عَن الله بِالْمَالِ(1/515)
إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8)
{إِنَّ إِلَى رَبِّكَ} يَا مُحَمَّد {الرجعى} مرجع الْخَلَائق فِي الْآخِرَة(1/515)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9)
ثمَّ نزل فِي شَأْن أبي جهل بن هِشَام حَيْثُ أَرَادَ أَن يطَأ عنق النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الصَّلَاة فَقَالَ {أَرَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {الَّذِي ينْهَى}(1/515)
عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)
{عبدا} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِذَا صلى} لله(1/515)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11)
{أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الْهدى} وَهُوَ على الْهدى يَعْنِي النُّبُوَّة وَالْإِسْلَام(1/515)
أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12)
{أَوْ أَمَرَ بالتقوى} وَأمر بِالتَّوْحِيدِ(1/515)
أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13)
{أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ} وَهُوَ كذب بِالتَّوْحِيدِ يَعْنِي أَبَا جهل {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان(1/515)
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)
{أَلَمْ يَعْلَم} أَبُو جهل {بِأَنَّ الله يرى} صَنِيعه بالنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/515)
كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ} لم يتب أَبُو جهل عَن أَذَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَنَسْفَعاً بالناصية} لنأخذن ناصيته وَهُوَ مقدم رَأسه(1/515)
نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16)
{نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} على الله {خَاطِئَةٍ} مُشركَة بِاللَّه(1/515)
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17)
{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} قومه وَأهل مَجْلِسه(1/515)
سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18)
{سَنَدْعُ الزَّبَانِيَة} يَعْنِي زَبَانِيَة النَّار(1/515)
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {لاَ تُطِعْهُ} يَعْنِي أَبَا جهل فِيمَا يَأْمُرك أَن لَا تصلي لِرَبِّك {واسجد} لِرَبِّك {واقترب} إِلَيْهِ بِالسُّجُود
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقدر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وكلماتها ثَلَاثُونَ وحروفها مائَة وَأحد وَعِشْرُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/515)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} يَقُول أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ جملَة وَاحِدَة على كتبة مَلَائِكَة سَمَاء الدُّنْيَا {فِي لَيْلَةِ الْقدر} فِي لَيْلَة الحكم وَالْقَضَاء وَيُقَال فِي لَيْلَة مباركة بالمغفرة وَالرَّحْمَة ثمَّ نزل بعد ذَلِك على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوما نجوما(1/515)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد تَعْظِيمًا لَهَا {مَا لَيْلَةُ الْقدر} مَا فضل لَيْلَة الْقدر(1/515)
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
ثمَّ بَين فَضلهَا فَقَالَ {لَيْلَةُ الْقدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يَقُول الْعَمَل فِيهَا خير من الْعَمَل فِي ألف شهر لَيْسَ فِيهَا لَيْلَة الْقدر(1/515)
تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4)
{تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَة وَالروح} جِبْرِيل مَعَهم {فِيهَا} فِي أول لَيْلَة الْقدر {بِإِذْنِ رَبِّهِم} بِأَمْر رَبهم {مِّن كُلِّ أَمْرٍ}(1/515)
سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)
{سَلاَمٌ} يَقُول يسلمُونَ على أهل الصَّوْم وَالصَّلَاة من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تِلْكَ اللَّيْلَة وَيُقَال من كل أَمر سَلام يَقُول من كل آفَة سَلامَة تِلْكَ اللَّيْلَة {هِيَ} يَقُول فَضلهَا وبركتها {حَتَّى مَطْلَعِ الْفجْر} يعْنى إِلَى الصُّبْح(1/515)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْبَيِّنَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وكلماتها خمس وَثَلَاثُونَ وحروفها مائَة وَتِسْعَة وَأَرْبَعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/516)
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَالْمُشْرِكين} مُشْركي الْعَرَب {مُنفَكِّينَ} مقيمين على الْجُحُود بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَة} بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ فِي كتاب الْيَهُود وَالنَّصَارَى(1/516)
رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2)
{رَسُول من الله} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلها وَجه آخر يَقُول لم يكن الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وَالْمُشْرِكين بِاللَّه قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل أبي بكر وَأَصْحَابه منفكين منتهين عَن الْكفْر والشرك حَتَّى تأتيهم الْبَيِّنَة يَعْنِي جَاءَهُم الْبَينَات رَسُول من الله يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَتْلُو صُحُفاً} يقْرَأ عَلَيْهِم كتبا {مُّطَهَّرَةً} من الشّرك(1/516)
فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
{فِيهَا} فى كتب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} دين وَطَرِيق مُسْتَقِيمَة عادلة لَا عوج فِيهَا(1/516)
وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)
{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} مَا اخْتلف الَّذين أعْطوا الْكتاب التَّوْرَاة يَعْنِي كَعْب بن الْأَشْرَف وَأَصْحَابه فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَة} بَيَان مَا فِي كتبهمْ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته(1/516)
وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)
{ومآ أمروا} فِي جملَة الْكتب {إِلَّا ليعبدوا الله} ليوحدوا الله {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} بِالتَّوْحِيدِ {حُنَفَآءَ} مُسلمين {وَيُقِيمُواْ الصَّلَاة} يتموا الصَّلَوَات الْخمس بعد التَّوْحِيد {وَيُؤْتُواْ الزَّكَاة} يُعْطوا زَكَاة أَمْوَالهم بعد ذَلِك ثمَّ ذكر التَّوْحِيد أَيْضا فَقَالَ {وَذَلِكَ} يَعْنِي التَّوْحِيد {دِينُ الْقيمَة} دين الْحق الْمُسْتَقيم لَا عوج فِيهِ وَالْهَاء هَهُنَا قافية السُّورَة وَيُقَال ذَلِك يَعْنِي التَّوْحِيد دين الْقيمَة دين الْمَلَائِكَة وَيُقَال دين الحنيفية وَيُقَال مِلَّة إِبْرَاهِيم(1/516)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَالْمُشْرِكين} بِاللَّه يَعْنِي مُشْركي أهل مَكَّة {فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ} مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمْ شَرُّ الْبَريَّة} شَرّ الخليقة(1/516)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن مثل عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وَأبي بكر وَأَصْحَابه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمْ خَيْرُ الْبَريَّة} خير الخليقة(1/516)
جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)
{جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} ثوابهم عِنْد رَبهم {جَنَّاتُ عَدْنٍ} مَقْصُورَة الرَّحْمَن مَعْدن النَّبِيين والمقربين {تَجْرِى من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أبدا رَضِي الله عَنْهُم} بإيمَانهمْ وبأعمالهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالثواب والكرامة {ذَلِك} الْجنان والرضوان {لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} لمن وحد ربه مثل أبي بكر الصّديق وَأَصْحَابه وَعبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الزلزلة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وكلماتها خمس وَثَلَاثُونَ كلمة وحروفها مائَة حرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/516)
إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْض زِلْزَالَهَا} يَقُول تزلزلت الأَرْض زَلْزَلَة واضطربت الأَرْض اضطرابة فانكسر مَا عَلَيْهَا من الشّجر وَالْجِبَال والبنيان(1/516)
وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)
{وَأَخْرَجَتِ الأَرْض أَثْقَالَهَا} أموالها وكنوزها(1/516)
وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3)
{وَقَالَ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {مَا لَهَا} تَعَجبا مِنْهَا مِمَّا يرى من الهول(1/516)
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
{يَوْمَئِذٍ} يَوْم تزلزلت الأَرْض {تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} تخبر الأَرْض بِمَا عمل عَلَيْهَا من الْخَيْر وَالشَّر(1/516)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5)
{بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} أذن لَهَا فِي الْكَلَام(1/516)
يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)
{يَوْمَئِذٍ} يَوْم تَتَكَلَّم الأَرْض {يَصْدُرُ} يرجع {النَّاس أَشْتَاتاً} فرقا فرقا فريق إِلَى الْجنَّة وهم الْمُؤْمِنُونَ وفريق إِلَى النَّار وهم الْكَافِرُونَ {لِّيُرَوْاْ} لكَي يرَوا {أَعْمَالَهُمْ} مَا عمِلُوا عَلَيْهَا من الْخَيْر وَالشَّر(1/517)
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
ثمَّ نزل فِي قوم كَانُوا يرَوْنَ أَنهم لَا يؤجرون على قَلِيل من الْخَيْر وَلَا يأثمون على قَلِيل من الشَّرّ فحثهم على الْقَلِيل من الْخَيْر وحذرهم على الْقَلِيل من الشَّرّ فَقَالَ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وزن نملة صَغِيرَة أَصْغَر مَا يكون من النَّمْل {خَيْراً يَرَهُ} فِي كِتَابه فيسره وَيُقَال الْمُؤمن يرى عمله فِي الْآخِرَة وَالْكَافِر يرى عمله فى الدُّنْيَا(1/517)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
{وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وزن نملة صَغِيرَة {شَرّاً يَرَهُ} يجده فِي كِتَابه فيسوء وَيُقَال يرى الْمُؤمن فِي الدُّنْيَا وَالْكَافِر فِي الْآخِرَة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا العاديات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها أَرْبَعُونَ وحروفها مائَة وَثَلَاثَة وَسِتُّونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/517)
وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعَادِيات ضَبْحًا} وَذَلِكَ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث سَرِيَّة إِلَى بني كنَانَة فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ خبرهم فَاغْتَمَّ بذلك النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبر الله نبيه عَن ذَلِك على وَجه الْقسم فَقَالَ العاديات ضَبْحًا يَقُول أقسم الله بخيول الْغُزَاة ضبحت أنفاسهن من الْعَدو(1/517)
فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)
{فالموريات قَدْحاً} يورين النَّار بحوافرهن قدحاً كالقادح لَا ينْتَفع بنارها كَمَا لَا ينْتَفع بِنَار أبي حباحب وَكَانَ أَبُو حباحب رجلا من الْعَرَب أبخل النَّاس مِمَّن يكون فِي العساكر لَا يُوقد نَارا أبدا للخبز وَلَا لغيره حَتَّى ينَام كل ذِي عين ثمَّ يوقدها فَإِذا أيقظ أحد أطفأها لكَي لَا ينْتَفع بهَا(1/517)
فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)
{فالمغيرات صُبْحاً} فأغرن عِنْد الصَّباح(1/517)
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)
{فأثرن بِهِ} هيجن بحوافرهن وَيُقَال بعدوهن {نفعا} غبارا تُرَابا(1/517)
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)
{فَوَسَطْنَ بِهِ} بعدوهن {جَمْعاً} جمع الْعَدو وَلها وَجه آخر وَالْعَادِيات يَقُول أقسم الله بخيول الْحجَّاج وإبلهم وَإِذا رجعن من عَرَفَة إِلَى مُزْدَلِفَة ضَبْحًا ضبحت أنفاسهن فالموريات قدحاً يورين النَّار بِالْمُزْدَلِفَةِ فهن الموريات وَيُقَال فالموريات قدحاً فالمنجيات عملا وَهُوَ الْحَج فالمغيرات صبحاً إِذا رجعن من الْمزْدَلِفَة إِلَى منى غدْوَة فهن الْمُغيرَات فأثرن بِهِ بِالْمَكَانِ نقعا تُرَابا فوسطن بِهِ بعدوهن جمعا أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء(1/517)
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)
{إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر وَهُوَ قرط بن عبد الله بن عَمْرو وَيُقَال أَبُو حباحب {لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} يَقُول بِنِعْمَة ربه لكفور بِلِسَان كِنْدَة وَيُقَال بربه عَاص بِلِسَان حَضرمَوْت وَيُقَال بخيل بِلِسَان بني مَالك بن كنَانَة وَيُقَال الكنود الَّذِي يمْنَع رفده ويجيع عَبده وَيَأْكُل وَحده وَلَا يُعْطي النائية فِي قومه(1/517)
وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)
{وَإِنَّهُ على ذَلِك لَشَهِيدٌ} وَالله على صنعه لحافظ(1/517)
وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي قرطاً {لِحُبِّ الْخَيْر لَشَدِيدٌ} يَقُول يحب المَال الْكثير حبا شَدِيدا(1/517)
أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)
{أَفَلاَ يَعْلَمُ} قرط وَيُقَال أَبُو حباحب {إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُور} أخرج مَا فِي الْقُبُور من الْأَمْوَات(1/517)
وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10)
{وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُور} بَين مَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر وَالْبخل والسخاوة(1/517)
إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)
{إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ} وبأعمالهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لخبير} لعالم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا القارعة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وكلماتها سِتّ وَثَلَاثُونَ كلمة وحروفها مائَة وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/517)
الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {القارعة مَا القارعة} يَقُول السَّاعَة مَا السَّاعَة يُعجبهُ بذلك وَإِنَّمَا سميت القارعة لِأَنَّهَا تقرع الْقُلُوب(1/517)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)
{وَمَآ أَدْرَاكَ}(1/517)
يَا مُحَمَّد {مَا القارعة} تَعْظِيمًا لَهَا(1/518)
يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4)
ثمَّ بنيها فَقَالَ {يَوْمَ يَكُونُ النَّاس} يجول النَّاس بَعضهم فِي بعض {كالفراش المبثوث} الْمَبْسُوط يجول بعضه فِي بعض والفراش هُوَ شَيْء يطير بَين السَّمَاء وَالْأَرْض مثل الْجَرَاد(1/518)
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)
{وَتَكُونُ} تصير {الْجبَال كالعهن المنفوش} كالصوف المندوف الملون(1/518)
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6)
{فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} حَسَنَاته فِي مِيزَانه وَهُوَ الْمُؤمن(1/518)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7)
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} فِي جنَّة مرضية قد رضيها لنَفسِهِ(1/518)
وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)
{وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} وَهُوَ الْكَافِر(1/518)
فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9)
{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} جعل أمه مَأْوَاه ومصيره الهاوية وَيُقَال يهوي فِي النَّار على هامته(1/518)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا هِيَهْ} تَعْظِيمًا لَهَا(1/518)
نَارٌ حَامِيَةٌ (11)
ثمَّ بَينهَا فَقَالَ {نَارٌ حَامِيَةٌ} حارة قد انْتهى حرهَا
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا التكاثر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وكلماتها ثَمَان وَعِشْرُونَ وحروفها مائَة وَعِشْرُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/518)
أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَلْهَاكُمُ التكاثر} يَقُول شغلكم التفاخر بالحسب وَالنّسب(1/518)
حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِر} وَذَلِكَ أَن بني سهم وَبني عبد منَاف تفاخروا أَيهمْ أَكثر عددا فكثرتهم بَنو عبد منَاف فَقَالَت بَنو سهم أهلكنا الْبَغي فِي الْجَاهِلِيَّة فعدوا أحياءنا وأحياءكم وأمواتنا وأمواتكم فَفَعَلُوا فكثرهم بَنو سهم فَنزلت فيهم أَلْهَاكُم التكاثر وشغلكم التفاخر فِي الْحسب وَالنّسب حَتَّى زرتم الْمَقَابِر حَتَّى ذكرْتُمْ الْأَمْوَات فِي الْعدَد وَيُقَال شغلكم التكاثر بِالْمَالِ وَالْولد حَتَّى تَمُوتُوا وتدفنوا فِي الْقُبُور(1/518)
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
{كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِم ووعيد لَهُم {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم فِي الْقُبُور(1/518)
ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)
{ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم عِنْد الْمَوْت(1/518)
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
{كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بكم يَوْم الْقِيَامَة {عِلْمَ الْيَقِين} علما يَقِينا مَا تفاخرتم فى الدُّنْيَا(1/518)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6)
{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيم} يَوْم الْقِيَامَة(1/518)
ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين} عينا يَقِينا لَسْتُم عَنْهَا بغائبين يَوْم الْقِيَامَة(1/518)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)
{ثمَّ لتسألن يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {عَنِ النَّعيم} عَن شكر النَّعيم مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تشربون وَمَا تلبسُونَ وَغير ذَلِك
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْعَصْر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وكلماتها أَربع عشرَة وحروفها ثَمَانِيَة وَسِتُّونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/518)
وَالْعَصْرِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالْعصر} أقسم الله بنواجذ الدَّهْر يَعْنِي شدائده وَيُقَال بِصَلَاة الْعَصْر(1/518)
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)
{إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر {لَفِى خُسْرٍ} لفي غبن وَفِي عُقُوبَة عَن ذهَاب أَهله ومنزله فِي الْجنَّة وَيُقَال فِي نُقْصَان عمله بعد الْهَرم وَالْمَوْت(1/518)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
{إِلَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقِّ} تحاثوا بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ {وَتَوَاصَوْاْ بِالصبرِ} تحاثوا بِالصبرِ على أَدَاء فَرَائض الله وَاجْتنَاب مَعَاصيه وَالصَّبْر على المرازي والمصيبات فانهم لَيْسُوا كَذَلِك(1/518)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْهمزَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وكلماتها أَربع وَثَمَانُونَ وحروفها مائَة وَأحد وَسِتُّونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/519)
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ويْلٌ} شدَّة عَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم وَيُقَال جب فِي النَّار {لِّكُلِّ هُمَزَةٍ} مغتاب للنَّاس من خَلفهم {لُّمَزَةٍ} طعان لعان فحاش فِي وُجُوههم نزلت هَذِه الْآيَة فى الأخاص بن شريق وَيُقَال فِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المخزومى وَكَانَ يغتاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من خَلفه ويطعن فِي وَجهه(1/519)
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2)
{الذى جَمَعَ مَالاً} فِي الدُّنْيَا {وَعَدَّدَهُ} عدد مَاله وَيُقَال عدد جماله(1/519)
يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3)
{يَحْسَبُ} يظنّ الْكَافِر {أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} يخلده فى الدُّنْيَا(1/519)
كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
{كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِ لَا يخلده {لَيُنبَذَنَّ} ليطرحن {فِي الحطمة}(1/519)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا الحطمة} تَعْظِيمًا لَهَا ثمَّ بَينهَا لَهُ فَقَالَ(1/519)
نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6)
{نَارُ الله الموقدة} المستعرة على الْكفَّار(1/519)
الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7)
{الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} تَأْكُل كل شَيْء حَتَّى تبلغ إِلَى الْقلب(1/519)
إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
{إِنَّهَا} يَعْنِي النَّار {عَلَيْهِم} على الْكفَّار {مُّؤْصَدَةٌ} مطبقة(1/519)
فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
{فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ} يَقُول طباقها ممدودة إِلَى الْعمد وَيُقَال قعرها بعيد
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفِيل وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وكلماتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وحروفها سِتَّة وَسَبْعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/519)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ} يَعْنِي ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} كَيفَ عذب رَبك وَأهْلك رَبك {بِأَصْحَابِ الْفِيل} قوم النَّجَاشِيّ الَّذين أَرَادوا خراب بَيت الله(1/519)
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)
{أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ} صنيعهم {فِي تَضْلِيلٍ} فِي أباطيل وتخسير(1/519)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3)
{وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ} سلط عَلَيْهِم {طَيْراً أَبَابِيلَ} متتابعة(1/519)
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4)
{تَرْمِيهِم} ترمي عَلَيْهِم {بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ} من سبخ وَحل مطبوخ مثل الْآجر وَيُقَال سجيل من سَمَاء الدُّنْيَا(1/519)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
{فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ} كورق الزَّرْع المدود إِذا أكله الدُّود(1/519)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا قُرَيْش وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وكلماتها سبع عشرَة وحروفها ثَلَاثَة وَسَبْعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/520)
لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ} يَقُول مر قُريْشًا ليألفوا على التَّوْحِيد وَيُقَال اذكر نعمتي على قُرَيْش ليألفوا على التَّوْحِيد(1/520)
إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2)
{إِيلاَفِهِمْ} كإيلافهم {رِحْلَةَ الشتآء والصيف} على رحْلَة الشتَاء إِلَى الْيمن والصيف إِلَى الشَّام وَيُقَال لَا يشق التَّوْحِيد على قُرَيْش كَمَا لَا يشق عَلَيْهِم رحْلَة الشتَاء والصيف(1/520)
فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3)
{فَلْيَعْبُدُواْ} فليوحد قُرَيْش {رَبَّ هَذَا الْبَيْت} رب هَذِه الْكَعْبَة(1/520)
الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
{الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ} أشبعهم من جوع سبع سِنِين وَيُقَال دفع عَنْهُم مُؤنَة الْجُوع وَمؤنَة الرحلتين الشتَاء والصيف وَكَانُوا يرتحلون فِي كل سنة رحلتين رحْلَة إِلَى الْيمن بالشتاء ورحلة إِلَى الشَّام بالصيف فَدفع عَنْهُم مُؤنَة ذَلِك {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} من خوف الْعَدو بِأَن يدْخل عَلَيْهِم وَيُقَال من خوف النَّجَاشِيّ وَأَصْحَابه الَّذين أَرَادوا خراب الْبَيْت وَهَذِه معطوفة على السُّورَة الأولى
ومن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الماعون وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وكلماتها خمس وَعِشْرُونَ وحروفها مائَة وَأحد عشر حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/520)
أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدينِ} وَيُقَال يكذب بِحِسَاب يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ عَاص بن وَائِل السَّهْمِي(1/520)
فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2)
{فَذَلِك الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيم} يَقُول يدْفع الْيَتِيم عَن حَقه وَيُقَال يمْنَع حَقه(1/520)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3)
{وَلاَ يَحُضُّ} لَا يحث وَلَا يحافظ {على طَعَامِ الْمِسْكِين} على صَدَقَة الْمَسَاكِين(1/520)
فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)
{فَوَيْلٌ} شدَّة عَذَاب فِي النَّار {لِّلْمُصَلِّينَ} لِلْمُنَافِقين ثمَّ بَينهم فَقَالَ(1/520)
الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
{الَّذين هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ} لاهون تاركون لَهَا(1/520)
الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)
{الَّذين هم يراؤون} بصلاتهم إِذا رَأَوْا النَّاس صلوا وَإِذا لم يرَوا لم يصلوا(1/520)
وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)
{وَيَمْنَعُونَ الماعون} الْمَعْرُوف وَيُقَال الزَّكَاة وَيُقَال العواري بَين النَّاس مثل الْقدر والأواني مِمَّا ينْتَفع بِهِ النَّاس وَغير ذَلِك
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْكَوْثَر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وكلماتها عشر وحروفها اثْنَان وَأَرْبَعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/520)
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر} يَقُول أعطيناك يَا مُحَمَّد الْخَيْر الْكثير وَالْقُرْآن مِنْهُ وَيُقَال الْكَوْثَر نهر فى الْجنَّة أعطَاهُ الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/520)
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ} شكرا لذَلِك {وانحر} اسْتقْبل بنحرك إِلَى الْقبْلَة وَيُقَال ضع يَمِينك على شمالك فِي الصَّلَاة وَيُقَال استوف الرُّكُوع وَالسُّجُود حَتَّى يَبْدُو نحرك وَيُقَال فصل لِرَبِّك صَلَاة يَوْم النَّحْر وانحر الْبدن(1/520)
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
{إِنَّ شَانِئَكَ} يَقُول مبغضك {هُوَ الأبتر} أَبتر عَن أَهله وَولده وَمَاله وَعَن كل خير لَا يذكر بعد مَوته بِخَير وَهُوَ الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي وَأَنت تذكر بِكُل خير كلما أذكر وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا إِن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الأبتر بعد مَا مَاتَ ابْنه عبد الله(1/520)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْكَافِرُونَ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وكلماتها سِتّ وَعِشْرُونَ وحروفها أَرْبَعَة وَسَبْعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/521)
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ} وَذَلِكَ أَن الْمُسْتَهْزِئِينَ هم الْعَاصِ بن وَائِل السَّهْمِي والوليد بن الْمُغيرَة وأصحابهما قَالُوا استسلم لِآلِهَتِنَا يَا مُحَمَّد حَتَّى نعْبد إلهك الَّذِي تعبد فَقَالَ الله قل يَا مُحَمَّد لهَؤُلَاء الْمُسْتَهْزِئِينَ يأيها الْكَافِرُونَ المستهزءون بِاللَّه وَالْقُرْآن(1/521)
لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)
{لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} من دون الله من الْأَوْثَان(1/521)
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)
{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ} تَعْبدُونَ {مَآ أَعْبُدُ} وَهَذَانِ فى الْمُسْتَقْبل(1/521)
وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)
{وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ} من دون الله(1/521)
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5)
{وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ} وَهَذَانِ فِي الماضى وَيُقَال لَا أعبد لَا أوحد مَا تَعْبدُونَ مَا توحدون من دون الله وَلَا أَنْتُم عَابِدُونَ موحدون مَا أعبد مَا أوحد وَلَا أَنا عَابِد موحد مَا عَبدْتُمْ مَا وحدتم من دون الله وَلَا أَنْتُم عَابِدُونَ موحدون مَا أعبد مَا أوحد(1/521)
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
{لَكُمْ دِينُكُمْ} عَلَيْكُم دينكُمْ الْكفْر والشرك بِاللَّه {وَلِيَ دِينِ} الْإِسْلَام وَالْإِيمَان بِاللَّه ثمَّ نسختها آيَة الْقِتَال وَقَاتلهمْ بعد ذَلِك
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النَّصْر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وكلماتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وحروفها سَبْعَة وَسَبْعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/521)
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله} يَقُول إِذا جَاءَ نصر الله على أعدائه قُرَيْش وَغَيرهم {وَالْفَتْح} فتح مَكَّة(1/521)
وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2)
{وَرَأَيْتَ النَّاس} أهل الْيمن وَغَيرهم {يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله} الْإِسْلَام {أَفْوَاجاً} جماعات الْقَبِيلَة بأسرها فَاعْلَم أَنَّك ميت(1/521)
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} فصل بِأَمْر رَبك شكرا لذَلِك {وَاسْتَغْفرهُ} من الذُّنُوب {إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا} متجاوزا رحِيما فنعى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى هَذِه السُّورَة بِالْمَوْتِ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا أَبُو لَهب وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وكلماتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وحروفها سَبْعَة وَسَبْعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/521)
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ} وَذَلِكَ أَنه لما قَالَ الله لنَبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأنذر عشيرتك الْأَقْرَبين فَقَالَ لَهُم بعد مَا دعاهم قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ لَهُ عَمه أَخُو أَبِيه من أمه واسْمه عبد الْعُزَّى كنيته أَبُو لَهب تَبًّا لَك يَا مُحَمَّد أَلِهَذَا دَعوتنَا فَأنْزل الله فِيهِ تبت يدا أبي لَهب يَقُول خسرت يدا أبي لَهب من كل خير {وَتَبَّ} خسر نَفسه عَن التَّوْحِيد(1/521)
مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)
{مَآ أغْنى عَنْهُ} فِي الْآخِرَة {مَالُهُ} كَثْرَة مَاله فِي الدُّنْيَا {وَمَا كَسَبَ} يَعْنِي كَثْرَة الْأَوْلَاد(1/521)
سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3)
{سيصلى} سيدخل فِي الْآخِرَة {نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ} تشعل تغيظ(1/521)
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)
{وَامْرَأَته} مَعَه أم جميلَة بنت حَرْب بن أُميَّة {حَمَّالَةَ الْحَطب} نقالة النميمة كَانَت تمشي بالنميمة بَين الْمُسلمين والكافرين وَيُقَال كَانَت تَأتي بالشوك فتطرحه فى طَرِيق النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَسْجِد وَطَرِيق الْمُسلمين(1/521)
فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)
{فِي جِيدِهَا} فِي عُنُقهَا فِي النَّار {حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} سلسلة من حَدِيد وَيُقَال فِي عُنُقهَا رسن من لِيف الَّذِي اختنقت بِهِ وَمَاتَتْ(1/521)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْإِخْلَاص وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وكلماتها خمس عشرَة كلمة وحروفها سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/522)
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} وَذَلِكَ أَن قُريْشًا قَالُوا يَا مُحَمَّد صف لنا رَبك من أَي شَيْء هُوَ من ذهب أم من فضَّة فَأنْزل الله فِي بَيَان صفته ونعته فَقَالَ قل يَا مُحَمَّد لقريش هُوَ الله أحد لَا شريك لَهُ وَلَا ولد لَهُ(1/522)
اللَّهُ الصَّمَدُ (2)
{الله الصَّمد} السَّيِّد الَّذِي قد انْتهى سؤدده وَاحْتَاجَ إِلَيْهِ الْخَلَائق وَيُقَال الصَّمد الَّذِي لَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَيُقَال الصَّمد الَّذِي لَيْسَ بأجوف وَيُقَال الصَّمد الصافي بِلَا عيب وَيُقَال الصَّمد الدَّائِم وَيُقَال الصَّمد الْبَاقِي وَيُقَال الصَّمد الْكَافِي وَيُقَال الصَّمد الَّذِي لَيْسَ لَهُ مدْخل وَلَا مخرج وَيُقَال الصَّمد الَّذِي(1/522)
لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)
{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} يَقُول لم يَرث وَلم يُورث وَيُقَال لم يلد لَيْسَ لَهُ ولد فيرث ملكه وَلم يُولد وَلَيْسَ لَهُ وَالِد فورث عَنهُ الْملك(1/522)
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)
{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} يَقُول لم يكن لَهُ كفوا أحد لَيْسَ لَهُ صد وَلَا ند وَلَا شبه وَلَا عدل وَلَا أحد يشاكله وَيُقَال لم يكن لَهُ كفوا أحد فيعاذه فى الْملك وَالسُّلْطَان
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الفلق وهى كلهَا مَكِّيَّة وَقيل مَدَنِيَّة آياتها خمس وكلماتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعَة وَسِتُّونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/522)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفلق} يَقُول قل يَا مُحَمَّد امْتنع وَيُقَال أستعيذ بِرَبّ الفلق بِرَبّ الْخلق وَيُقَال الفلق هُوَ الصُّبْح وَيُقَال جب فِي النَّار وَيُقَال هُوَ وَاد فِي النَّار(1/522)
مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)
{مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} من شَرّ كل ذِي شَرّ خلق(1/522)
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3)
{وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} من شَرّ اللَّيْل إِذا دخل وَأدبر(1/522)
وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)
{وَمِن شَرِّ النفاثات} المهيجات الآخذات الساحرات النافخات {فِي العقد}(1/522)
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)
{وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} لبيد بن الأعصم اليهودى إِذْ حسد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسحره وَأَخذه عَن عَائِشَة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النَّاس وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها سِتّ وكلماتها عشرُون وحروفها تِسْعَة وَسَبْعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/522)
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَعُوذُ} يَقُول قل يَا مُحَمَّد امْتنع وَيُقَال أستعيذ {بِرَبِّ النَّاس} بِسَيِّد الْجِنّ وَالْإِنْس(1/522)
مَلِكِ النَّاسِ (2)
{مَلِكِ النَّاس} مَالك الْجِنّ وَالْإِنْس(1/522)
إِلَهِ النَّاسِ (3)
{إِلَه النَّاس} خَالق الْجِنّ وَالْإِنْس(1/522)
مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4)
{مِن شَرِّ الوسواس} يَعْنِي الشَّيْطَان {الخناس}(1/522)
الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5)
{الذى} إِذا ذكر الله خنس نَفسه وسترها وَإِذا لم يذكر {يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاس} فِي صُدُور الْخلق(1/522)
مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
{مِنَ الْجنَّة وَالنَّاس} يَقُول يوسوس فِي صُدُور الْجِنّ كَمَا يوسوس فِي صُدُور النَّاس نزلت هَاتَانِ السورتان فِي شَأْن لبيد بن الأعصم اليهودى الذى سحر النَّبِي فَقَرَأَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سحره فَفرج الله عَنهُ فَكَأَنَّمَا نشط من عقال(1/522)