يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32)
{يَا نسَاء النَّبِي لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النسآء} لستن كَسَائِر النِّسَاء بالمعصية وَالطَّاعَة وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب {إِنِ اتقيتن} إِن أطعتن الله وَرَسُوله {فَلاَ تَخْضَعْنَ بالْقَوْل} فَلَا ترققن بالْقَوْل وتليين الْكَلَام مَعَ الْغَرِيب {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} شَهْوَة الزِّنَا {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} صَحِيحا بِلَا رِيبَة(1/353)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33)
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} استقررن فِي بيوتكن وَلَا تخرجن من الْبيُوت وَليكن عليكن الْوَقار {وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّة الأولى} وَلَا تتزين بزينة الْكفَّار فِي الثِّيَاب الرقَاق الملونة {وَأَقِمْنَ الصَّلَاة} أتممن الصَّلَوَات الْخمس {وَآتِينَ الزَّكَاة} أعطين زَكَاة أموالكن {وَأَطِعْنَ الله وَرَسُولَهُ} فِي الْمَعْرُوف {إِنَّمَا يُرِيدُ الله} بذلك {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس} الْإِثْم {أَهْلَ الْبَيْت} يَا أهل بَيت النُّبُوَّة {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} من الذُّنُوب(1/353)
وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)
{واذكرن} واحفظن {مَا يُتْلَى} مَا يقْرَأ عليكن {فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله} الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفاً} عَالما بِمَا فِي قلوبهن {خَبِيراً} بأعمالهن وَيُقَال لطيفا إِذْ أَمر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُطَلِّقهُنَّ خَبِيرا بصلاحهن ثمَّ نزلت فِي قَول أم سَلمَة زوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونسيبة بنت كَعْب الْأَنْصَارِيَّة لقولهما يَا رَسُول الله مَا نرى الله يذكر النِّسَاء فِي شَيْء من الْخَيْر إِنَّمَا ذكر الرِّجَال فَنزل(1/353)
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35)
{إِنَّ الْمُسلمين} الْمُوَحِّدين من الرِّجَال {وَالْمُسلمَات} الموحدات من النِّسَاء {وَالْمُؤمنِينَ} المقرين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المقرات من النِّسَاء {والقانتين} المطيعين من الرِّجَال {والقانتات} المطيعات من النِّسَاء {والصادقين} فِي إِيمَانهم من الرِّجَال {والصادقات} فِي إيمانهن من النِّسَاء {وَالصَّابِرِينَ} على مَا أَمر الله والمرازي من الرِّجَال(1/353)
{والصابرات} على مَا أَمر الله والمرازي من النِّسَاء {والخاشعين} المتواضعين من الرِّجَال {والخاشعات} المتواضعات من النِّسَاء {والمتصدقين} بِأَمْوَالِهِمْ من الرِّجَال {والمتصدقات} بأموالهن من النِّسَاء {والصائمين} من الرِّجَال {والصائمات} من النِّسَاء {والحافظين فُرُوجَهُمْ} عَن الْفُجُور من الرِّجَال {والحافظات} فروجهن من النِّسَاء {والذاكرين الله كَثِيراً} بِاللِّسَانِ وَالْقلب وَيُقَال بالصلوات الْخمس من الرِّجَال {وَالذَّاكِرَات} من النِّسَاء {أَعَدَّ الله لَهُم} للرِّجَال وَالنِّسَاء {مَّغْفِرَةً} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فى الْجنَّة(1/354)
وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ} زيد {وَلاَ مُؤْمِنَةٍ} زَيْنَب {إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً} تزويجاً بَينهمَا {أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخيرَة} الِاخْتِيَار {مِنْ أَمْرِهِمْ} خلاف مَا اخْتَار الله وَرَسُوله لَهما {وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ} فِيمَا أمره {فَقَدْ ضَلَّ ضلالا مُبينًا} فقد أَخطَأ خطأ بَينا عَن أَمر الله(1/354)
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)
{وَإِذْ تَقُولُ للَّذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ} بِالْإِسْلَامِ يَعْنِي زيدا {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بِالْعِتْقِ {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} وَلَا تطلقها {وَاتَّقِ الله} واخش الله وَلَا تخل سَبِيلهَا {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ} تسر فِي نَفسك حبها وتزويجها {مَا الله مُبْدِيهِ} مظهره فِي الْقُرْآن {وَتَخْشَى النَّاس} تَسْتَحي من النَّاس من ذَلِك {وَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} أَن تَسْتَحي مِنْهُ {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً} حَاجَة يَقُول إِذا خرجت من عدتهَا من زيد {زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤمنِينَ} بعْدك {حَرَجٌ} مأثم {فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ} فِي تَزْوِيج نسَاء من تبنوهم {إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً} حَاجَة إِذا خرجن من عدتهن بعد مَوْتهمْ أَو طلاقهن {وَكَانَ أَمْرُ الله} تَزْوِيج زَيْنَب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَفْعُولاً} كَائِنا وَيُقَال كَانَ أَمر الله قَضَاء الله مَفْعُولا كَائِنا(1/354)
مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38)
{مَّا كَانَ عَلَى النَّبِي مِنْ حَرَجٍ} من مأثم وضيق {فِيمَا فَرَضَ الله} فِيمَا رخص الله {لَهُ} من التَّزْوِيج {سُنَّةَ الله} هَكَذَا كَانَ قَضَاء الله {فِي الَّذين خَلَوْاْ} مضوا {من قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعْنِي دَاوُد فِي تَزْوِيج امْرَأَة أوريا وَيُقَال سُلَيْمَان فِي تَزْوِيج بلقيس {وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً} كَانَ قَضَاء الله قَضَاء كَائِنا(1/354)
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39)
{الَّذين} فِي تَزْوِيج الَّذين {يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله} يعْنى دَاوُد وَسليمَان وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَيَخْشَوْنَهُ} يخَافُونَ الله فِي تَبْلِيغ الرسَالَة {وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله وَكفى بِاللَّه حَسِيباً} شَهِيدا(1/354)
مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40)
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} يَعْنِي زيدا {وَلَكِن رَّسُولَ الله} وَلَكِن كَانَ مُحَمَّد رَسُول الله {وَخَاتَمَ النَّبِيين} ختم الله بِهِ النَّبِيين قبله فَلَا يكون نَبِي بعده {وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من قَوْلكُم وفعلكم {عليما}(1/354)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اذْكروا الله ذِكْراً كَثِيراً} بِاللِّسَانِ وَالْقلب عِنْد الْمعْصِيَة وَالطَّاعَة(1/354)
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)
{وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} صلوا لَهُ غدْوَة وعشياً(1/354)
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا (43)
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} يغْفر لكم {وَمَلاَئِكَتُهُ} يَسْتَغْفِرُونَ لكم {لِيُخْرِجَكُمْ مِّنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} وَقد أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} رَفِيقًا(1/355)
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا (44)
{تَحِيَّتُهُمْ} تَحِيَّة الْمُؤمنِينَ {يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ} يلقون الله {سَلاَمٌ} من الله وتسلم عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة عِنْد أَبْوَاب الْجنَّة {وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً} ثَوابًا حسنا فى الْجنَّة(1/355)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45)
{يَا أَيهَا النَّبِي} يعْنى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ(1/355)
وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)
{وَدَاعِياً إِلَى الله} إِلَى دين الله وطاعته {بِإِذْنِهِ} بأَمْره {وَسِرَاجاً مُّنِيراً} مضيئاً يقْتَدى بك فَلَمَّا نزل قَوْله {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} قَالَ الْمُؤْمِنُونَ هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله بالمغفرة فَمَا لنا عِنْد الله فَقَالَ الله(1/355)
وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47)
{وَبَشِّرِ} يَا مُحَمَّد {الْمُؤمنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً} ثَوابًا عَظِيما فِي الْجنَّة(1/355)
وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)
ثمَّ رَجَعَ إِلَى أول السُّورَة فَقَالَ {وَلاَ تُطِعِ} يَا مُحَمَّد {الْكَافرين} من أهل مَكَّة أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه {وَالْمُنَافِقِينَ} من أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {وَدَعْ أَذَاهُمْ} وَلَا تقتلهم يَا مُحَمَّد {وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} ثق بِاللَّه {وَكفى بِاللَّه وَكِيلاً} كَفِيلا فِيمَا وعد لَك من النُّصْرَة وَيُقَال حفيظا(1/355)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ} أَي إِذا تزوجتم {الْمُؤْمِنَات} وَلم تسموا مهورهن {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} تجامعوهن {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} بالشهور أَو الْحيض {فَمَتِّعُوهُنَّ} مُتْعَة الطَّلَاق درعاً وخماراً وَمِلْحَفَة أدنى شَيْء {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} طلقوهن طَلَاقا حسنا بِغَيْر أَذَى(1/355)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)
{يَا أَيهَا النَّبِي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ} أَعْطَيْت {أُجُورَهُنَّ} مهورهن {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} مَارِيَة الْقبْطِيَّة {مِمَّآ أَفَآءَ الله عَلَيْكَ} مِمَّا فتح الله عَلَيْك {وَبَنَاتِ عَمِّكَ} وَأحل لَك تَزْوِيج بَنَات عمك {وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} من بني عبد الْمطلب {وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ} من بني عبد منَاف بن زهرَة {اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {وَامْرَأَة مُّؤْمِنَةً} مصدقة بتوحيد الله وَهِي أم شريك بنت جَابر العامرية {إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا} مهرهَا {لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِي أَن يَسْتَنكِحَهَا} أَن يتَزَوَّج بهَا بِغَيْر مهرهَا {خَالِصَةً لَّكَ} خُصُوصِيَّة لَك ورخصة لَك {مِن دُونِ الْمُؤمنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} مَا أَحللنَا لَهُم وأوجبنا عَلَيْهِم على الْمُؤمنِينَ {فِي أَزْوَاجِهِمْ} الْأَرْبَع بِمهْر وَنِكَاح {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} بِغَيْر عدد {لِكَيْلاَ يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} مأثم وضيق فِي تَزْوِيج مَا أحل الله لَك {وَكَانَ الله غَفُوراً} لما كَانَ مِنْك {رَّحِيماً} فِيمَا رخص لَك(1/355)
تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51)
{تُرْجِي} تتْرك {مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ} من بَنَات عمك وَبَنَات خَالك وَلَا تتَزَوَّج بهَا {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ} تضم إِلَيْك {مَن تَشَآءُ} فتتزوج بهَا {وَمَنِ ابْتَغَيْت} اخْتَرْت بِالتَّزْوِيجِ {مِمَّنْ عَزَلْتَ} تركت {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} فَلَا حرج عَلَيْك وَيُقَال فِيهَا وَجه آخر تُرْجِي توقف من تشَاء مِنْهُنَّ من نِسَائِك وَلَا تأتيها تؤوى إِلَيْكَ تضم إِلَيْك مَن تَشَآءُ وتأتيها وَمَنِ ابتغت اخْتَرْت بالإتيان إِلَيْهَا مِمَّنْ عَزَلْتَ عَن الْإِتْيَان إِلَيْهَا فَلَا جنَاح فَلَا حرج عَلَيْك وَلَا مأثم عَلَيْك {ذَلِكَ} التَّوَسُّع والرخصة(1/355)
{أدنى} أَي أَحْرَى {أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} تطيب أَنْفسهنَّ إِن علِمْنَ أَن ذَلِك التَّوَسُّع من الله {وَلاَ يَحْزَنَّ} بمخافة الطَّلَاق {وَيَرْضَيْنَ بِمَآ آتَيْتَهُنَّ} أَعطيتهنَّ من قسْمَة الْبدن {كُلُّهُنَّ} مقدم ومؤخر {وَالله يَعْلَمُ مَا فِي قلُوبِكُمْ} من الرِّضَا والسخط {وَكَانَ الله عَلِيماً} بصلاحكم وصلاحهن {حَلِيماً} فِيمَا بيَّن لكم وَتجَاوز عَنْكُم(1/356)
لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا (52)
{لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء} تَزْوِيج النِّسَاء {مِن بَعْدُ} هَذِه الصّفة وَيُقَال من بعد نِسَائِك التسع وَكَانَت عِنْده تسع نسْوَة عَائِشَة بنت أبي بكر وَحَفْصَة بنت عمر بن الْخطاب وَزَيْنَب بنت جحش الأَسدِية وَأم سَلمَة بنت أبي أُميَّة المَخْزُومِي وَأم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان بن حَرْب وَصفِيَّة بنت حيى ابْن أَخطب ومَيْمُونَة بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَسَوْدَة بنت زَمعَة بن الْأسود وَجُوَيْرِية بنت الْحَارِث الْمُصْطَلِقِيَّة {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} مِمَّا بيّنت لَك من بَنَات عمك وخالك وَيُقَال وَلَا أَن تبدل بِهن من بَنَات عمك أَزْوَاجًا مِمَّا عنْدك من النِّسَاء يَقُول لَا يحل لَك أَن تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ وتتزوج بِأُخْرَى {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} حسن الْمَرْأَة فَلَيْسَ لَك أَن تتَزَوَّج بهَا {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْء} من أَعمالكُم {رقيبا} حفيظا(1/356)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِي} نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم كَانُوا يدْخلُونَ فِي بيُوت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غدْوَة وَعَشِيَّة فَيَجْلِسُونَ وينتظرون حِين الطَّعَام حَتَّى يَأْكُلُوا ثمَّ يتحدثون مَعَ نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاغتنم بذلك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وسلمواستحيا أَن يَأْمُرهُم بِالْخرُوجِ وينهاهم عَن الدُّخُول فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النَّبِي} بِغَيْر إِذن النَّبِي إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه نضجه وحينه {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} بِالدُّخُولِ {إِلَى طَعَام غير ناظرين إناه} نضجه وحينه {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ} أكلْتُم {فَانْتَشرُوا} فاخرجوا {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} وَلَا تجلسوا مستأنسين لحَدِيث مَعَ أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّ ذَلِكُمْ} الدُّخُول وَالْجُلُوس والْحَدِيث مَعَ أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كَانَ يُؤْذِي النَّبِي} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ} أَن يَأْمُركُمْ بِالْخرُوجِ وينهاكم عَن الدُّخُول {وَالله لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحق} من أَن يَأْمُركُمْ بِالْخرُوجِ وينهاكم عَن الدُّخُول {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} كلمتموهن يعْنى أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَتَاعاً} كلَاما لَا بُد لكم مِنْهُ {فَاسْأَلُوهُنَّ} فكلموهن {مِن وَرَآءِ حِجَابٍ} من خلف السّتْر {ذَلِكُم} الَّذِي ذكرت {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من الرِّيبَة {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ بِغَيْر إِذْنه والْحَدِيث مَعَ أَزوَاجه {وَلاَ أَن تنْكِحُوا} تتزوجوا {أَزْوَاجَهُ مِن بعده} من مَوته {أَبَداً} نزلت هَذِه الْآيَة فِي طَلْحَة بن عبيد الله أَرَادَ أَن يتَزَوَّج بعائشة بعد موت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّ ذَلِكُم} الَّذِي قُلْتُمْ وتمنيتم من تَزْوِيج أَزوَاجه بعد مَوته {كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} ذَنبا عِنْده عَظِيما فِي الْعقُوبَة(1/356)
إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54)
{إِن تُبْدُواْ شَيْئاً} تظهروا شَيْئا من ذَلِك {أَوْ تُخْفُوهُ} تسروه {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ} من الاسرار والإبداء {عَلِيماً} يُؤَاخِذكُم بِهِ(1/356)
لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)
{لَا جنَاح عَلَيْهِنَّ} على أَزوَاج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَزْوَاج الْمُؤمنِينَ {فِي آبَآئِهِنَّ} عَلَيْهِنَّ وَكَلَام آبائهن مَعَهُنَّ {وَلاَ أَبْنَآئِهِنَّ وَلاَ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلاَ أَبْنَآءِ أَخَوَاتِهِنَّ} من كلا الْوَجْهَيْنِ {وَلاَ نِسَآئِهِنَّ} نسَاء أهل دينهن وَلَا يحل لمسلمة أَن تتجرد عِنْد يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة أَو مَجُوسِيَّة {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} الْإِمَاء دون العبيد {واتقين الله} فِي دُخُول هَؤُلَاءِ عَلَيْهِنَّ وكلامكن مَعَهم {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {شَهِيداً}(1/356)
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)
{إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} بِالدُّعَاءِ {وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً} لأَمره(1/356)
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57)
{إِنَّ الَّذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ}(1/356)
بالفرية عَلَيْهِمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لَعَنَهُمُ الله} عذبهم الله {فِي الدُّنْيَا} بِالْقَتْلِ والإجلاء {وَالْآخِرَة} فِي النَّار {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً} يهانون بِهِ(1/357)
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
{وَالَّذين يُؤْذُونَ الْمُؤمنِينَ} يَعْنِي صَفْوَان {وَالْمُؤْمِنَات} يَعْنِي عَائِشَة بالفرية {بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} يَعْنِي مَا كَانَ مِنْهُم ذَلِك {فَقَدِ احتملوا} قَالُوا {بُهْتَاناً وَإِثْماً} كذبا {مُّبِيناً} بَينا وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي حق زناة الْمَدِينَة كَانُوا يُؤْذونَ بذلك الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات فنهاهم الله عَن ذَلِك فَانْتَهوا(1/357)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)
{يَا أَيهَا النَّبِي قُل لأَزْوَاجِكَ} لنسائك {وَبَنَاتِكَ} يَعْنِي بَنَات النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَنِسَآءِ الْمُؤمنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ} يرخين عَلَيْهِنَّ على نحورهن وجيوبهن {مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} من جلبابهن وَهِي المقنعة والرداء {ذَلِك} الَّذِي ذكرت من أَمر الجلباب {أدنى} أَحْرَى {أَن يُعْرَفْنَ} بالحرائر {فَلاَ يُؤْذَيْنَ} فَلَا يؤذونهن الزناة {وَكَانَ الله غَفُوراً} بِمَا كَانَ مِنْهُنَّ {رَّحِيماً} فِيمَا يكون مِنْهُنَّ(1/357)
لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)
{لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ} عبد الله بن أُبي وَأَصْحَابه عَن الْمُنكر والخيانة {وَالَّذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} شَهْوَة الزِّنَا وهم الزناة {والمرجفون فِي الْمَدِينَة} الطالبون عُيُوب الْمُؤمنِينَ فِي الْمَدِينَة وهم الْمُؤَلّفَة {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنسلطنك عَلَيْهِم {ثُمَّ لَا يجاورونك فِيهَا} لَا يساكنون مَعَك فى الْمَدِينَة {إِلاَّ قَلِيلاً} يَسِيرا(1/357)
مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)
{مَّلْعُونِينَ} مقتولين {أَيْنَمَا ثقفوا} وجدوا {أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تقتيلا}(1/357)
سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (62)
{سُنَّةَ الله} هَكَذَا كَانَ عَذَاب الله فِي الدُّنْيَا {فِي الَّذين خَلَوْاْ} مضوا {مِن قَبْلُ} من قبلهم من الْمُنَافِقين لما كابروا النَّبِيين وَالْمُؤمنِينَ أَمر الله أنبياءهم أَن يقتلوهم {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَبْدِيلاً} تغييراً فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة فيهم فَانْتَهوا عَن ذَلِك(1/357)
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)
{يَسْأَلُكَ النَّاس} أهل مَكَّة {عَنِ السَّاعَة} عَن قيام السَّاعَة {قُلْ} يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا عِلْمُهَا} علم قِيَامهَا {عِندَ الله وَمَا يُدْرِيكَ} وَلم تدر {لَعَلَّ السَّاعَة تَكُونُ قَرِيباً} سَرِيعا(1/357)
إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64)
{إِنَّ الله لَعَنَ} عذب {الْكَافرين} كفار مَكَّة يَوْم بدر {وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً} نَارا وقوداً(1/357)
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)
{خَالِدِينَ فِيهَآ} فِي النَّار {أَبَداً} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {لاَّ يَجِدُونَ وَلِيّاً} حَافِظًا يحفظهم من عَذَاب الله {وَلاَ نَصِيراً} مَانِعا يمنعهُم من عَذَاب الله(1/357)
يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66)
{يَوْمَ تُقَلَّبُ} تجر {وُجُوهُهُمْ فِي النَّار يَقُولُونَ} يعْنى القادة والسفلة {يَا ليتنا أَطَعْنَا الله} بِالْإِيمَان {وَأَطَعْنَا الرسولا} بالإجابة(1/357)
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67)
{وَقَالُواْ} يَعْنِي السفلة {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا} رؤساءنا {وَكُبَرَآءَنَا} أشرافنا وعظماءنا {فَأَضَلُّونَا السبيلا} فصرفونا الدّين(1/357)
رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68)
{رَبَّنَآ} يَقُولُونَ يَا رَبنَا {آتِهِمْ} أعطهم يَعْنِي الرؤساء {ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَاب} مِمَّا علينا {والعنهم لعنا كَبِيرا} عذبهم عذَابا كَبِيرا(1/357)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ} فِي إِيذَاء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كَالَّذِين آذَوْاْ مُوسَى} قَالُوا إِنَّه آدر {فَبرَّأَهُ الله مِمَّا قَالُواْ}(1/357)
{وَكَانَ عِندَ الله وَجِيهاً} لَهُ الْقدر والمنزلة(1/358)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله} أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم {وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} عدلا لَا إِلَه إِلَّا الله(1/358)
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} يقبل أَعمالكُم بِالتَّوْحِيدِ {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} بِالتَّوْحِيدِ {وَمَن يُطِعِ الله} فِيمَا أمره {وَرَسُولَهُ} فِيمَا أمره {فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} فقد فَازَ بِالْجنَّةِ وَنَجَا من النَّار نجاة وافرة(1/358)
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَة} الطَّاعَة وَالْعِبَادَة {عَلَى السَّمَاوَات} على أهل السَّمَوَات {وَالْأَرْض وَالْجِبَال} على وَجه الِاخْتِيَار والتخصيص {فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} بالثواب وَالْعِقَاب {وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} خفن مِنْهَا من حملهَا {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَان} آدم بالثواب وَالْعِقَاب {إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً} بحملها وَيُقَال بِأَكْلِهِ من الشَّجَرَة {جَهُولاً} بعاقبتها(1/358)
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)
فَلَمَّا نزلت بشرى الْمُؤمنِينَ بِالْفَضْلِ قَالَ المُنَافِقُونَ وَمَا لنا يَا رَسُول الله فَنزل {لِّيُعَذِّبَ الله الْمُنَافِقين} وَيُقَال قبل آدم الْأَمَانَة ليعذب الله الْمُنَافِقين لكَي يعذب الْمُنَافِقين من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْمُشْرِكين} من الرِّجَال {والمشركات} من النِّسَاء بتركهم الْأَمَانَة لأَنهم كَانُوا فِي صلب آدم حَيْثُ قبل آدم الْأَمَانَة {وَيَتُوبَ الله} لكَي يَتُوب الله {عَلَى الْمُؤمنِينَ} المخلصين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المخلصات من النِّسَاء بِمَا يكون مِنْهُم من تَقْصِير الْأَمَانَة {وَكَانَ الله غَفُورًا} لمن تَابَ مِنْهُم {رحِيما} بِالْمُؤْمِنِينَ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا سبأ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَخَمْسُونَ آيَة وكلمها ثَمَانمِائَة وَثَلَاثَة وَثَمَانُونَ كلمة وحروفها ألف وخمسائة وَاثنا عشر حرفا {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/358)
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله وَهُوَ أَن صنع إِلَى خلقه فحمدوه {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَلَهُ الْحَمد} الْمِنَّة {فِي الْآخِرَة} على أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَلا يعبد غَيره {الْخَبِير} الْعَلِيم بخلقه وبأعمالهم(1/358)
يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (2)
{يَعْلَمُ مَا يَلْجُ} مَا يدْخل {فِي الأَرْض} من الأمطار والمياه والأموات والكنوز {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} وَيعلم مَا يخرج من الأَرْض من النَّبَات وَمن الْمِيَاه والكنوز والموتى {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الأمطار والرزق وَغير ذَلِك {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَيعلم مَا يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة والحفظة بديوان الْعباد {وَهُوَ الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ {الغفور} لمن تَابَ(1/358)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (3)
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لاَ تَأْتِينَا السَّاعَة} قيام السَّاعَة {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {بلَى وَرَبِّي} أقسم بِنَفسِهِ {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} السَّاعَة قيام السَّاعَة {عَالِمِ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد يعلم ذَلِك {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ} لَا يغيب عَن الله {مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} وزن نملة وَهِي النملة الْحَمْرَاء الصَّغِيرَة {فِي السَّمَاوَات وَلاَ فِي الأَرْض} من أَعمال الْعباد(1/358)
{وَلاَ أَصْغَرُ} أخف {مِن ذَلِك وَلاَ أَكْبَرُ} أثقل من ذَلِك {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} مَكْتُوب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ محصي عَلَيْهِم(1/359)
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)
{ليجزي} لكى يجزى {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الْخيرَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {أُولَئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة(1/359)
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)
{وَالَّذين سَعَوْا} كذبُوا {فِي آيَاتِنَا} بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} عَذَاب وجيع(1/359)
وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)
{وَيَرَى} لكَي يرى {الَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحق} يَعْنِي الْقُرْآن {وَيهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيز} يدل إِلَى دين الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الحميد} لمن وَحده(1/359)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7)
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه للسفلة {هَلْ نَدُلُّكُمْ على رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ {إِذَا مُزِّقْتُمْ} فرقتم فِي الأَرْض {كُلَّ مُمَزَّقٍ} كل مفرق الْجلد والعظم هَذَا مُحَمَّد يزْعم {إِنَّكُم لفي خلق جَدِيد} يجددفينا الرّوح بعد الْمَوْت(1/359)
أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8)
{أفترى} أختلق مُحَمَّد {عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} جُنُون قَالَ الله تَعَالَى {بَلِ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فِي الْعَذَاب} فِي الْآخِرَة {والضلال} الْخَطَأ {الْبعيد} عَن الْحق وَالْهدى فِي الدُّنْيَا(1/359)
أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (9)
{أَفَلَمْ يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} فَوْقهم وتحتهم من السَّمَاء وَالْأَرْض {وَمَا خَلْفَهُمْ} فَوْقهم وتحتهم {مِّنَ السمآء وَالْأَرْض إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ} نغر {بِهِمُ الأَرْض} فِي الأَرْض {أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً} قطعا {مِّنَ السمآء} فنهلكهم {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا ذكرت لَهُم من السَّمَاء وَالْأَرْض (لآيَةً) لعبرة {لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} مقبل إِلَى الله وَإِلَى طَاعَته(1/359)
وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10)
{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {دَاوُد منا فضلا} ملكا ونبوة {يَا جبال} وَقُلْنَا يَا جبال {أَوِّبِي مَعَهُ} سبحي مَعَ دَاوُد {وَالطير} وسخرنا لَهُ الطير {وَأَلَنَّا} لينًا {لَهُ الْحَدِيد} يعْمل بِهِ مَا يَشَاء كَمَا يعْمل بالطين(1/359)
أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11)
{أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} الدروع الواسعات {وَقَدِّرْ فِي السرد} قدر المسمار فِي الْحلق لَا تدقق المسمار فيمور فِيهِ وَيخرج مِنْهُ وَلَا تغلظه فيخرمه {وَاعْمَلُوا صَالِحاً} خَالِصا {إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ} عَالم(1/359)
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12)
{وَلِسُلَيْمَانَ الرّيح} وسخرنا لِسُلَيْمَان الرّيح {غُدُوُّهَا شَهْرٌ} يسير عَلَيْهَا غدْوَة من بَيت الْمُقَدّس إِلَى إصطخر مسيرَة شهر {وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} يسير عَلَيْهَا رَاجعا من إصطخر إِلَى بَيت الْمُقَدّس مسيرَة شهر يَجِيء وَيذْهب فِي يَوْم {وَأَسَلْنَا لَهُ} أجرينا لَهُ {عَيْنَ الْقطر} الصفر الْمُذَاب يعْمل بِهِ مَا يَشَاء كَمَا يعْمل بالطين {وَمِنَ الْجِنّ} وسخرنا لَهُ من الْجِنّ {مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} بالسخرة من الْبُنيان وَغير ذَلِك {بِإِذْنِ رَبِّهِ} بِأَمْر ربه {وَمَن يَزِغْ} يمل ويعص {مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا} الَّذِي أمرنَا وَيُقَال عَن أَمر سُلَيْمَان {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير} الْوقُود فِي النَّار وَيُقَال كَانَ يَضْرِبهُمْ ملك بعمود من نَار(1/359)
يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)
{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ} يَعْنِي الْمَسَاجِد {وَتَمَاثِيلَ} صور الْمَلَائِكَة والنبيين والعباد لكَي ينظر إِلَيْهِم النَّاس فيعبدوا رَبهم على مثالهم {وجفان كالجواب}(1/359)
قطاع كالجواب كحياض الْإِبِل لَا تتحرك {وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} ثابتات عِظَام لَا ترفع يَأْكُل مِنْهَا ألف رجل {اعْمَلُوا آل دَاوُد} يَعْنِي سُلَيْمَان {شُكْراً} دَائِما بِمَا أَنْعَمت عَلَيْكُم يَقُول اعْمَلُوا عملا خيرا حَتَّى تُؤَدُّوا بذلك شكر مَا أَنْعَمت عَلَيْكُم {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكُور} من يُؤَدِّي شكر الشكُور(1/360)
فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ (14)
{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ} على سُلَيْمَان {الْمَوْت} كَانَ سُلَيْمَان مَيتا قَائِما فِي محرابه سنة {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ} موت سُلَيْمَان {إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ} الأرضة {تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} عَصَاهُ وَيُقَال عنزته {فَلَمَّا خَرَّ} وَقع سُلَيْمَان {تَبَيَّنَتِ الْجِنّ} تبين للإنس أَن الْجِنّ لَا يعلمُونَ {أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْب مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَاب المهين} الشَّديد من الْعَمَل بالسخرة وَكَانَ قبل ذَلِك يظنّ الْإِنْس أَن الْجِنّ يعلمُونَ الْغَيْب فَتبين لَهُم بعد ذَلِك أَنهم لَا يعلمُونَ(1/360)
لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} لأهل سبأ قَرْيَة فِي الْيمن {فِي مَسْكَنِهِمْ} فِي مَنَازِلهمْ {آيَةٌ} عَلامَة {جَنَّتَانِ} بستانان {عَن يَمِينٍ} يَمِين الطَّرِيق {وَشِمَالٍ} شمال الطَّرِيق وَكَانَ ثَلَاث عشرَة قَرْيَة نَحْو الْيَمين بعث الله إِلَيْهِم ثَلَاثَة عشر نَبيا فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء {كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ} من فضل ربكُم من الثِّمَار وَالنَّعِيم {واشكروا لَهُ} بِالتَّوْحِيدِ {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} هَذِه بَلْدَة طيبَة لَيست بسبخة {وَرَبٌّ غَفُورٌ} لمن آمن بِهِ وَتَابَ(1/360)
فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)
{فَأَعْرَضُواْ} عَن الْإِيمَان وَإجَابَة الرُّسُل وَلم يشكروا بذلك {فَأَرْسَلْنَا} سُلْطَانا {عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} سيل الْوَادي فَأهْلك مَا كَانَ لَهُم من الْبَسَاتِين والبيوت وَالنَّعِيم وَغير ذَلِك والعرم وَاد فِي الْيَمين يُقَال لَهُ وَادي الشّجر وَكَانَ فِيهِ مسناة يحبسون المَاء فِي الْوَادي بذلك وَكَانَ لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض فهدم الله تِلْكَ المسناة وأهلكهم بذلك المَاء {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ} اللَّتَيْنِ هلكتا {جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} ثَمَر خمط أَرَاك {وَأَثْلٍ} طرفاء {وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} من شجر قَلِيل الثَّمر كثير الشوك(1/360)
ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)
{ذَلِك جَزَيْنَاهُمْ} أَي الَّذِي أَصَابَهُم عُقُوبَة لَهُم عاقبناهم {بِمَا كفرُوا} بِاللَّه وبنعمته {وَهل نجازي} نعاقب {إِلاَّ الكفور} الْكَافِر بِاللَّه وبنعمته(1/360)
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18)
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} بَين أهل سبأ {وَبَيْنَ} أهل {الْقرى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} بِالْمَاءِ وَالشَّجر يَعْنِي الْأُرْدُن وفلسطين {قُرًى ظَاهِرَةً} مُتَّصِلَة مُعَاينَة {وَقَدَّرْنَا فِيهَا} يَعْنِي الْقرى {السّير} على قدر المقيل وَالْمَبِيت {سِيرُواْ فِيهَا} سافروا فِيهَا {لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ} من الْجُوع والعطش واللصوص فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء بعد ذَلِك اشكروا نعْمَة ربكُم لِئَلَّا يَأْخُذهَا مِنْكُم كَمَا أَخذ النِّعْمَة الأولى(1/360)
فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)
{فَقَالُواْ رَبَّنَا} يَا رَبنَا {بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} مسيرنا {وظلموا أَنفُسَهُمْ} بالْكفْر والشرك وَتركُوا شكر ذَلِك {فجعلناهم أَحَادِيث} لمن بعدهمْ {ومزقناهم} فرقناهم فِي الْبلدَانِ {كُلَّ مُمَزَّقٍ} مفرق وأهلكناهم كل مهلك {إِنَّ فِي ذَلِكَ} فِيمَا تقدم فعلنَا بهم {لآيَاتٍ} لعلامات وعبرات {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاعَة {شَكُورٍ} بنعم الله(1/360)
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)
{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} قَوْله أَي ظن بهم ظنا فَوَافَقَ ظَنّه قَوْله {فَاتَّبعُوهُ} فِي الْكفْر {إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤمنِينَ} جملَة الْمُؤمنِينَ وَيُقَال فَاتَّبعُوهُ بالمعصية إِلَّا فريقاً طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ وهم سَبْعُونَ ألفا الَّذين يدْخلُونَ الْجنَّة بِلَا حِسَاب وَلَا عَذَاب(1/360)
وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)
{وَمَا كَانَ الله} لإبليس {عَلَيْهِمْ} على بني آدم {مِّن سُلْطَانٍ} من مقدرَة ونفاذ أَمر {إِلاَّ لِنَعْلَمَ} إِلَّا بِقدر مَا نرى ونميز {مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَة} من علمت فِي الْقدَم أَن يُؤمن بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا} من قيام السَّاعَة {فِي شَكٍّ} ريب {وَرَبُّكَ} يَا مُحَمَّد {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {حَفُيظٌ} عليم(1/360)
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)
{قُلِ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة بني مليح {ادعوا الَّذين زَعَمْتُمْ} عَبدْتُمْ {مِّن دُونِ الله} حَتَّى يجيبوكم وَكَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ ويظنون أَنهم الْمَلَائِكَة قَالَ الله لَهُم {لاَ يَمْلِكُونَ} لَا يقدرُونَ أَن ينفعوكم {مِثُقَالَ ذَرَّةٍ} وزن ذرة {فِي السَّمَاوَات} مِمَّا فِي السَّمَوَات(1/360)
{وَلاَ فِي الأَرْض} وَلَا مِمَّا فِي الأَرْض {وَمَا لَهُمْ} للْمَلَائكَة {فِيهِمَا} فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {مِن شِرْكٍ} من شركَة مَعَ الله {وَمَا لَهُ} لله {مِنْهُمْ} من الْمَلَائِكَة {مِّن ظَهِيرٍ} من عون فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض(1/361)
وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)
{وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَة} وَلَا تشفع الْمَلَائِكَة {عِندَهُ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} بالشفاعة ثمَّ ذكر ضعف الْمَلَائِكَة حَيْثُ كلم الله جِبْرِيل بالوحى إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسمِعت الْمَلَائِكَة كَلَام الرب تبَارك وَتَعَالَى فَخَروا مغشياً عَلَيْهِم من هَيْبَة كَلَام الله فَكَانُوا كَذَلِك {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ} كشط وجلي {عَن قُلُوبِهِمْ} الْخَوْف حِين انحدر عَلَيْهِم جِبْرِيل فَرفعُوا رُءُوسهم {قَالُواْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة لجبريل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} يَا جِبْرِيل {قَالُواْ} يَعْنِي جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة {الْحق} الْقُرْآن {وَهُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء(1/361)
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاوَات} بالمطر {وَالْأَرْض} بالنبات فَإِن أجابوك وَقَالُوا الله وَإِلَّا {قُلِ الله} يرزقكم {وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لعلى هُدىً أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي رزق الله سَوَاء وَيُقَال وَإِنَّا معشر الْمُؤمنِينَ لعلى هدى أَو إيَّاكُمْ يَا أهل مَكَّة فِي ضلال مُبين فِي كفر وَخطأ بَين مقدم ومؤخر فِي الْكَلَام(1/361)
قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25)
{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا} أَذْنَبْنَا {وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} فِي كفركم ثمَّ نسخ بعد ذَلِك بِآيَة السَّيْف(1/361)
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26)
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يَوْم الْقِيَامَة {ثُمَّ يَفْتَحُ} يقْضِي {بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَهُوَ الفتاح} القَاضِي بلغَة عمان {الْعَلِيم} بالحكم(1/361)
قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرُونِيَ الَّذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ} أشركتم بِهِ {شُرَكَآءَ} آلِهَة مَاذَا خلقُوا ثمَّ قَالَ الله {كَلاَّ} حَقًا لم يخلقوا شَيْئا {بَلْ هُوَ الله} خلق ذَلِك {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره(1/361)
وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28)
{وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {إِلاَّ كَآفَّةً} جمَاعَة {لِّلنَّاسِ} الْإِنْس وَالْجِنّ {بَشِيراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون(1/361)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29)
{وَيَقُولُونَ} كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} يَا مُحَمَّد الَّذِي تعدنا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت(1/361)
قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30)
{قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ} مِيقَات يَوْم يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً} بعد الْأَجَل {وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ} قبل الْأَجَل سَاعَة(1/361)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل بن هِشَام وَأَصْحَابه {لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآن} الذى يقرأه علينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} قبله من التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب {وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذِ الظَّالِمُونَ} الْمُشْركُونَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {مَوْقُوفُونَ} محبوسون {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْل} يُجيب بَعضهم بَعْضًا وَيرد بَعضهم بَعْضًا ويلعن بَعضهم بَعْضًا {يَقُولُ الَّذين استضعفوا} قهروا وهم السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {لَوْلاَ أَنتُمْ لَكنا مُؤمنين} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/361)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32)
{قَالَ الَّذين استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {لِلَّذِينَ استضعفوا} قهروا وهم السفلة {أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ} صرفناكم {عَنِ الْهدى} عَن الْإِيمَان {بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ} مُحَمَّد بِهِ {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} مُشْرِكين قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْكُم(1/361)
وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33)
{وَقَالَ الَّذين استضعفوا} قهروا وهم السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا}(1/361)
تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة {بَلْ مَكْرُ اللَّيْل وَالنَّهَار} قَوْلكُم إيانا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار {إِذْ تَأْمُرُونَنَآ} إِذْ أمرتمونا {أَن نَّكْفُرَ بِاللَّه} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} أعدالاً وأشكالاً {وَأَسَرُّواْ} أخفوا {الندامة} القادة من السفلة وَيُقَال أظهر الندامة القادة والسفلة {لَمَّا} حِين {رَأَوُاْ الْعَذَاب وَجَعَلْنَا الأغلال فِي أَعْنَاق الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَقُول غلت أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم {هَلْ يُجْزَوْنَ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} إِلَّا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَيَقُولُونَ فِي كفرهم(1/362)
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34)
{وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} إِلَى أهل قَرْيَة {مِّن نَّذِيرٍ} رَسُول مخوف {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} جبابرتها وأغنياؤها {إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جاحدون(1/362)
وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)
{وَقَالُواْ} للرسل {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً} مِنْكُم {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} بديننا هَذَا مَعَ هَذِه الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد وَهَكَذَا قَالَ كفار مَكَّة لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/362)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36)
قَالَ الله {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق} يُوسع المَال {لِمَن يَشَآءُ} على من يَشَاء وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون بِهِ(1/362)
وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)
{وَمَآ أَمْوَالُكُمْ} كَثْرَة أَمْوَالكُم يَا أهل مَكَّة {وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ} كَثْرَة أَوْلَادكُم {بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} قربى بالدرجات {إِلاَّ مَنْ آمَنَ} بِاللَّه وَلَكِن إِيمَان من آمن بِاللَّه {وَعَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه يقربهُ إِلَى الله {فَأُولَئِك لَهُمْ جَزَآءُ الضعْف} فِي الْحَسَنَات {بِمَا عَمِلُواْ} فِي إِيمَانهم {وَهُمْ فِي الغرفات} فِي الدَّرَجَات {آمِنُونَ} من الْمَوْت والزوال(1/362)
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38)
{وَالَّذين يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا} يكذبُون بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مُعَاجِزِينَ} لَيْسُوا بفائتين من عذابنا {أُولَئِكَ فِي الْعَذَاب} فِي النَّار {مُحْضَرُونَ} معذبون(1/362)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء {من عباده} وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيقدر لَهُ} يقتر لَهُ وَهُوَ نظر مِنْهُ {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ} فِي سَبِيل الله {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ وَفِي الْآخِرَة بِالْحَسَنَاتِ {وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} أفضل الْمُخلفين والمعطين(1/362)
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40)
{وَيَوْم نحشرهم} يَعْنِي بني مليح وَالْمَلَائِكَة {جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ للْمَلَائكَة أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} بأمركم(1/362)
قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41)
{قَالُواْ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {سُبْحَانَكَ} نزهوا الله {أَنتَ وَلِيُّنَا} رَبنَا {مِن دُونِهِمْ} من دون أَن أمرناهم بعبادتنا {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الْجِنّ أَكْثَرُهُم بهم مُؤمنُونَ} مقرون يرَوْنَ أَنهم الْمَلَائِكَة(1/362)
فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42)
{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يَمْلِكُ} لَا يقدر {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَالْجِنّ لكم {نَّفْعاً} من الشَّفَاعَة {وَلاَ ضَرّاً} بِدفع الْعَذَاب {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا {ذُوقُواْ عَذَابَ النَّار الَّتِي كُنتُم بِهَا} فِي الدُّنْيَا {تُكَذِّبُونَ} أَنَّهَا لَا تكون(1/362)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43)
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ}(1/362)
تقْرَأ على كفار مَكَّة {آيَاتُنَا} آيَات الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} مبينات بالحلال وَالْحرَام {قَالُواْ مَا هَذَا} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ} يصرفكم {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ} من الْآلهَة {وَقَالُواْ مَا هَذَا} الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ إِفْكٌ} كذب {مُّفْتَرىً} مختلق من تِلْقَاء نَفسه {وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلْحَقِّ} لِلْقُرْآنِ {لَمَّا جَآءَهُمْ} حِين جَاءَهُم بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن هَذَا} مَا هَذَا {إِلَّا سحر مُبين} كذب بَين(1/363)
وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44)
{وَمَآ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم كفار مَكَّة {مِّنْ كُتُبٍ يدرسونها} يقرءُون فِيهَا مَا يَقُولُونَ {وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ} يَا مُحَمَّد {مِّن نَّذِيرٍ} من رَسُول مخوف لَهُم إِلَّا قَالُوا لَهُ مثل مَا يَقُولُونَ لَك(1/363)
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45)
{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ} من قبل قَوْمك قُرَيْش الرُّسُل {وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} يَقُول مَا بلغت قُرَيْش عشر من كَانَ قبلهم من الْكفَّار وَيُقَال مَا بلغت أَمْوَالهم وَلَا أَوْلَادهم وأعمارهم وقوتهم عشر مَا أعطينا من كَانَ قبلهم {فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} تغييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ حِين لم يُؤمنُوا(1/363)
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} بِكَلِمَة وَاحِدَة لَا إِلَه إِلَّا الله وَهَذَا كَقَوْل الرجل للرجل تعال حَتَّى أُكَلِّمك كلمة وَاحِدَة ثمَّ يكلمهُ بِأَكْثَرَ من ذَلِك {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى} اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ {وفرادى} وَاحِدًا وَاحِدًا {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ} هَل كَانَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ساحراً أَو كَاهِنًا أَو كَاذِبًا أَو مَجْنُونا ثمَّ قَالَ الله تَعَالَى {مَا بِصَاحِبِكُمْ} مَا بنبيكم (مِّن جِنَّةٍ) من جُنُون {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} يَوْم الْقِيَامَة إِن لم تؤمنوا(1/363)
قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ} من جعل وَمؤنَة {فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ} مَا ثوابي {إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {شَهِيدٍ} عَالم(1/363)
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} يبين الْحق وَيَأْمُر بِالْحَقِّ {عَلاَّمُ الغيوب} مَا غَابَ عَن الْعباد يعلم الله ذَلِك(1/363)
قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)
{قُلْ جَآءَ الْحق} ظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِل} مَا يخلق الشَّيْطَان والأصنام {وَمَا يُعِيدُ} يحيي بعد الْمَوْت(1/363)
قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (50)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِن ضَلَلْتُ} عَن الْحق وَالْهدى {فَإِنَّمَآ أَضِلُّ على نَفْسِي} يَقُول عُقُوبَة ذَلِك على نَفسِي {وَإِنِ اهتديت} إِلَى الْحق وَالْهدى {فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} اهتديت {إِنَّهُ سَمِيعٌ} لمن دَعَاهُ {قَرِيبٌ} بالإجابة لمن وَحده(1/363)
وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51)
{وَلَوْ ترى} يَا مُحَمَّد {إِذْ فَزِعُواْ} خسف بهم الأَرْض وماتوا وَهُوَ خسف الْبَيْدَاء بهم {فَلاَ فَوْتَ} فَلَا يفوت مِنْهُم وَاحِد {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} من تَحت أَقْدَامهم وَخسف بهم الأَرْض(1/363)
وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)
{وَقَالُوا} عِنْدَمَا خسف بهم الأَرْض {آمَنَّا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن قَالَ الله تَعَالَى {وأنى لَهُمُ التناوش} التَّوْبَة وَالرَّجْعَة {مِن مَّكَانِ بَعِيدٍ} بعد الْمَوْت(1/363)
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (53)
{وَقد كفرُوا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مِن قَبْلُ} من قبل مَا خسف بهم الأَرْض {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} يَقُولُونَ بِالظَّنِّ فِي الدُّنْيَا أَن لَا جنَّة وَلَا نَار {مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} بعد الْمَوْت وَيُقَال يقذفون بِالْغَيْبِ يسْأَلُون الرّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا بِالظَّنِّ من مَكَان بعيد بعد الْمَوْت(1/363)
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54)
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ} فرق بَينهم {وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} من الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم} بأشباههم وَأهل دينهم {مِّن قَبْلُ} من قبلهم من الْكفَّار {إِنَّهُمْ كَانُواْ فِي شَكٍّ مُّرِيبِ} ظَاهر الشَّك بفاطر السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالله أعلم بأسرار كِتَابه(1/363)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْمَلَائِكَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَسبع وَتسْعُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَمِائَة وَثَلَاثُونَ وَالله أعلم بأسرار كِتَابه
tit/2 {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم {/tit(1/364)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَمد لِلَّهِ} يَقُول الشُّكْر لله والْمنَّة لله {فَاطِرِ السَّمَاوَات} خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض جَاعِلِ الْمَلَائِكَة} خَالق الْمَلَائِكَة ومكرم الْمَلَائِكَة {رُسُلاً} بالرسالة يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت والرعد والحفظة إِلَى خلقه {أولي أَجْنِحَةٍ} ذَوي أَجْنِحَة يَعْنِي الْمَلَائِكَة {مثنى} من لَهُ جَنَاحَانِ يطير بهما {وَثُلاَثَ} من لَهُ ثَلَاث أَجْنِحَة {وَرُبَاعَ} من لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة {يَزِيدُ فِي الْخلق} فِي خلق الْمَلَائِكَة {مَا يَشَآءُ} وَيُقَال فِي هَذِه الأجنحة مَا يَشَاء وَيُقَال فِي نعْمَة حَسَنَة مَا يَشَاء وَيُقَال فِي صَوت حسن مَا يَشَاء {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان {قَدِيرٌ}(1/364)
مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
{مَّا يَفْتَحِ الله} مَا يُرْسل الله {لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ} من مطر ورزق وعافية {فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا} فَلَا مَانع لَهَا للرحمة {وَمَا يُمْسِكْ} وَمَا يمْنَع {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} لما يمسك غَيره {مِن بَعْدِهِ} من بعد إِمْسَاكه {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي إِمْسَاكه {الْحَكِيم} فِيمَا أرسل بِهِ(1/364)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)
{يَا أَيهَا النَّاس} يَا أهل مَكَّة {اذْكروا نِعْمَةَ الله} منَّة الله {عَلَيْكُمْ} بالمطر والرزق والعافية {هَلْ مِنْ خَالِقٍ} من إِلَه {غَيْرُ الله يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السمآء} الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ} الَّذِي يرزقكم {فَأنى تُؤْفَكُونَ} من أَيْن تكذبون أَن الْآلهَة ترزقكم(1/364)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (4)
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} قُرَيْش {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ} كذبهمْ قَومهمْ كَمَا كَذبك قَوْمك قُرَيْش {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة(1/364)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5)
(يأيها النَّاس) يَا أهل مَكَّة {إِنَّ وَعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ} كَائِن {فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ} عَن طَاعَة الله {الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا من الزهرة وَالنَّعِيم {وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّه} عَن دين الله {الْغرُور} الشَّيْطَان وَيُقَال أباطيل الدُّنْيَا إِن قَرَأت بِضَم الْغَيْن(1/364)
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)
{إِنَّ الشَّيْطَان لَكُمْ عَدُوٌّ} فِي الدّين وَالطَّاعَة {فاتخذوه عَدُوّاً} فحاربوه وَلَا تطيعوه فِي الدّين وَالطَّاعَة {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} أهل دينه وطاعته {لِيَكُونُواْ} ليجتمعوا {مِنْ أَصْحَابِ السعير} مَعَ أَصْحَاب السعير فِي السعير مَعَه(1/364)
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
{الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} غليظ {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم أَبُو بكر الصّديق وَأَصْحَابه {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فى الْجنَّة(1/364)
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)
{أَفَمَن زين لَهُ} حسن لَهُ {سوء عَمَلِهِ} قَبِيح عمله {فَرَآهُ حَسَناً} حَقًا وَهُوَ أَبُو جهل كمن أكرمناه بِالْإِيمَان وَالطَّاعَة يَعْنِي أَبَا بكر الصّديق وَأَصْحَابه {فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ} عَن دينه من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَيَهْدِي} لدينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه(1/364)
{فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ} فَلَا تهْلك نَفسك بالحزن {عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} ندامات على هلاكهم إِن لم يُؤمنُوا {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} فِي كفرهم من الْمَكْر والخيانة بِهَلَاك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَار الندوة(1/365)
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (9)
{وَالله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح فَتُثِيرُ} فتهيج وترفع {سَحَاباً فَسُقْنَاهُ} بالمطر {إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} إِلَى مَكَان لَا نَبَات فِيهِ {فَأَحْيَيْنَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} قحطها ويبوستها {كَذَلِك النشور} كَذَلِك تحيون وتخرجون من الْقُبُور(1/365)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّة} أَن يعلم أَن الْعِزَّة وَالْقُدْرَة والمنعة لمن هِيَ {فَلِلَّهِ الْعِزَّة} وَالْقُدْرَة والمنعة {جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلم الطّيب} لَا إِلَه إِلَّا الله {وَالْعَمَل الصَّالح يَرْفَعُهُ} يقبله بالكلم الطّيب {وَالَّذين يَمْكُرُونَ السَّيِّئَات} يشركُونَ بِاللَّه وَيُقَال يصنعون فى هَلَاك مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَار الندوة أَن يحبسوه سجناً أَو يخرجوه طرداً أَو يقتلوه جَمِيعًا {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أَشد مَا يكون {وَمَكْرُ أُولَئِكَ} صنع أُولَئِكَ {هُوَ يَبُورُ} يفْسد وَيهْلك وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الرِّبَا(1/365)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (11)
{وَالله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} نُطْفَة آبائكم {ثمَّ جعلكُمْ أَزْوَاجًا} أصناما {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} من حوامل {وَلاَ تَضَعُ} لتَمام أَو لغير تَمام {إِلاَّ بِعِلْمِهِ} بِعلم الله وبإذنه {وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ} مَا يُعْطي عمر معمر وَلَا يمد فِي عمره {وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ} مَكْتُوب فِي كتاب {مُبين} فِي كتاب مُبين فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين بِغَيْر كِتَابَة(1/365)
وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
{وَمَا يَسْتَوِي البحران} العذب والمالح {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} حُلْو {سَآئِغٌ} شهي {شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} مر مالح زعاق لَا يُسْتَطَاع شربه {وَمن كل} من كل الْبَحْرين العذب المالح {تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً} سمكًا طرياً {وَتَسْتَخْرِجُونَ} من المالح خَاصَّة {حِلْيَةً} زِينَة اللُّؤْلُؤ والجوهر {تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفلك} السفن {فِيهِ} فِي الْبَحْر {مَوَاخِرَ} مقبلة ومدبرة تَجِيء وَتذهب برِيح وَاحِدَة {لِتَبْتَغُواْ} لتطلبوا {مِن فَضْلِهِ} من رزقه {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته(1/365)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13)
{يُولِجُ اللَّيْل فِي النَّهَار} يدْخل اللَّيْل فِي النَّهَار فَيكون النَّهَار أطول من اللَّيْل بست سَاعَات {وَيُولِجُ النَّهَار} يدْخل النَّهَار {فِي اللَّيْل} فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار بست سَاعَات {وَسَخَّرَ الشَّمْس وَالْقَمَر} ذلل ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر لبني آدم {كُلٌّ} الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار {يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم فِي منَازِل مَعْرُوفَة {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} يفعل ذَلِك لَا الْآلهَة {لَهُ الْملك} الخزائن {وَالَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ} لَا يقدرُونَ أَن يَفْعَلُوا من ذَلِك قدر قطمير وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ النواة مَعَ القمع(1/365)
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)
{إِن تَدْعُوهُمْ} يَعْنِي الْآلهَة {لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ} لأَنهم صم بكم لَا يسمعُونَ {وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} من بغضهم إيَّاكُمْ {وَيَوْمَ الْقِيَامَة يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} تتبرأ الْآلهَة من شرككم وعبادتكم إيَّاهُم {وَلاَ يُنَبِّئُكَ} يُخْبِرك بهم وبأعمالهم(1/365)
{مثل خَبِير} وَهُوَ الله(1/366)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
{يَا أَيهَا النَّاس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله} إِلَى مغفرته وَرَحمته ورزقه وعاقبته فِي الدُّنْيَا وَإِلَى جنته فِي الْآخِرَة {وَالله هُوَ الْغَنِيّ} عَمَّا عنْدكُمْ من الْأَمْوَال {الحميد} الْمَحْمُود فِي أَفعاله(1/366)
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يهلككم ويمتكم يَا أهل مَكَّة {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} خيرا مِنْكُم وأطوع لله(1/366)
وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)
{وَمَا ذَلِك} الإهلاك والإتيان {عَلَى الله بِعَزِيزٍ} بشديد(1/366)
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى مَا عَلَيْهَا من الذُّنُوب بِطيبَة النَّفس وَلَكِن يحمل عَلَيْهَا بالكره وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} من الذُّنُوب {إِلَى حِمْلِهَا} من الذُّنُوب {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ} من الذُّنُوب {شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قربى} ذَا قرَابَة مِنْهُ فِي الرَّحِم أَبَاهُ وَأمه وَابْنه وَابْنَته {إِنَّمَا تُنذِرُ} ينفع إنذارك يَا مُحَمَّد {الَّذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} يعْملُونَ لرَبهم وَإِن كَانَ الله غَائِبا عَنْهُم وَالله لَا يغيب عَنهُ شَيْء {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَمَن تزكّى} وحد وَأصْلح وَتصدق بِمَالِه فِي سَبِيل الله {فَإِنَّمَا يتزكى} يوحد وَيصْلح وَيتَصَدَّق {لِنَفْسِهِ} يكون لَهُ ثَوَاب ذَلِك {وَإِلَى الله الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة(1/366)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19)
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير} الْكَافِر وَالْمُؤمن(1/366)
وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20)
{وَلاَ الظُّلُمَات وَلاَ النُّور} يَعْنِي الْكفْر وَالْإِيمَان(1/366)
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)
{وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} يَعْنِي الْجنَّة وَالنَّار(1/366)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22)
{وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الْأَمْوَات} يَعْنِي الْمُؤمنِينَ والكافرين فِي الطَّاعَة والكرامة {إِنَّ الله يُسْمِعُ} يفهم {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ} بمفهم {مَّن فِي الْقُبُور} من كَأَنَّهُ ميت فِي الْقُبُور(1/366)
إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)
{إِنْ أَنتَ} مَا أَنْت يَا مُحَمَّد {إِلاَّ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف بِالْقُرْآنِ(1/366)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ {بَشِيراً} بِالْجنَّةِ لمن آمن بِاللَّه {وَنَذِيراً} من النَّار لمن كفر بِهِ {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ} مَا من أمة {إِلاَّ خَلاَ} مضى {فِيهَا نَذِيرٌ} رَسُول مخوف(1/366)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (25)
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ} قُرَيْش يَا مُحَمَّد {فَقَدْ كَذَّبَ الَّذين من قبلهم} من قبل قَوْمك قُرَيْش رسلهم {جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وبالزبر} بِخَبَر كتب الْأَوَّلين {وبالكتاب الْمُنِير} الْمُبين بالحلال وَالْحرَام(1/366)
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (26)
{ثُمَّ أَخَذْتُ} عَاقَبت {الَّذين كَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ تغييري عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ حِين لم يُؤمنُوا(1/366)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تعلم {أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَأَخْرَجْنَا بِهِ} بالمطر {ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} أجناسها الحلو والحامض وَغير ذَلِك {وَمِنَ الْجبَال جُدَدٌ} طرق {بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا} كألوان الثِّمَار {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} جبال سود شَدِيدَة السوَاد(1/366)
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)
{وَمِنَ النَّاس} كَذَلِك مُخْتَلف ألوانه {والدوآب} كَذَلِك مُخْتَلف ألوانه {والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} أجناسه مقدم ومؤخر {كَذَلِك إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعلمَاء} يَقُول إِنَّمَا الْعلمَاء يَخْشونَ الله من عباده(1/366)
{إِنَّ الله عَزِيزٌ} فِي ملكه وسلطانه {غَفُورٌ} لمن آمن بِهِ(1/367)
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29)
{إِن الَّذين يَتلون} يقرءُون {كِتَابَ الله} الْقُرْآن أَبُو بكر وَأَصْحَابه {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَأَنفَقُواْ} تصدقوا {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من الْأَمْوَال {سِرّاً} فِيمَا بَينهم وَبَين الله {وَعَلاَنِيَةً} فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس {يَرْجُونَ تِجَارَةً} يَعْنِي الْجنَّة {لَّن تَبُورَ} لن تهْلك وَلنْ تفْسد(1/367)
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)
{لِيُوَفِّيَهُمْ} الله {أُجُورَهُمْ} ثوابهم فِي الْجنَّة {وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ} بفضله من وَاحِدَة إِلَى عشرَة {إِنَّهُ غَفُورٌ} لذنوبهم الْعَظِيمَة {شَكُورٌ} لأعمالهم الْيَسِيرَة يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل(1/367)
وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31)
{وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أنزلنَا جِبْرَائِيل عَلَيْك بِهِ {مِنَ الْكتاب} يَعْنِي الْقُرْآن {هُوَ الْحق} الصدْق {مُصدقا} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {لما بَين يَدَيْهِ} من الْكتاب {إِنَّ الله بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ} بِمن يُؤمن وَمن لَا يُؤمن {بَصِيرٌ} بأعمالهم(1/367)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32)
{ثُمَّ} من بعد مَا أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَوْرَثْنَا الْكتاب} أكرمنا بِحِفْظ الْقُرْآن وكتابته وقراءته {الَّذين اصْطَفَيْنَا} اخترنا {مِنْ عِبَادِنَا} من بَين عبادنَا بِالْإِيمَان وهم أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بالكبائر لَا ينجو إِلَّا بالشفاعة أَو بالمغفرة أَو بإنجاز الْوَعْد {وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} وَهُوَ من اسْتَوَت حَسَنَاته وسيئاته يُحَاسب حسابا يَسِيرا ثمَّ ينجو {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ} بَالغ {بالخيرات} فِي الدُّنْيَا ومقرب إِلَى جنَّة عدن فِي الْآخِرَة {بِإِذُنِ الله} بِتَوْفِيق الله وكرامته {ذَلِك} الاصطفاء والمسابقة {هُوَ الْفضل الْكَبِير} الْمَنّ الْعَظِيم من الله عَلَيْهِم(1/367)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33)
ثمَّ بَين مستقرهم فَقَالَ {جَنَّاتُ عَدْنٍ} مَقْصُورَة للرحمة دَاره والجنان حوله {يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا} يلبسُونَ فِي الْجنَّة {مِنْ أَسَاوِرَ} أساور {مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} هَذَا حلية النِّسَاء وَحلية الرِّجَال من الذَّهَب {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {حَرِيرٌ}(1/367)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34)
{وَقَالُواْ} أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر والْمنَّة لله {الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحزن} حزن الْمَوْت والزوال وأهوال يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال حزن مخاطرة الدُّنْيَا {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ} للذنوب الْعَظِيمَة {شَكُورٌ} للأعمال الْيَسِيرَة(1/367)
الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)
{الَّذِي أَحَلَّنَا} أنزلنَا {دَارَ المقامة} يَعْنِي الْجنَّة {من فَضله} بفضله لاظعن فِيهَا {لاَ يَمَسُّنَا} لَا يصيبنا {فِيهَا} فِي الْجنَّة {نَصَبٌ} تَعب وعناء {وَلاَ يَمَسُّنَا} لَا يصيبنا {فِيهَا} فِي الْجنَّة {لُغُوبٌ} إعياء(1/367)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)
{وَالَّذين كفرُوا} كذبُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {لاَ يقْضى عَلَيْهِمْ} لَا يكون عَلَيْهِم قَضَاء الْمَوْت {فَيَمُوتُواْ} فيستريحوا {وَلاَ يُخَفَّفُ} لَا يهون وَلَا يرفه وَلَا يرفع {عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا} طرفَة عين {كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي} فِي الْآخِرَة {كُلَّ كَفُورٍ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته(1/367)
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)
{وَهُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {يَصْطَرِخُونَ فِيهَا} يستغيثون فِيهَا فِي النَّار وَيدعونَ ويتضرعون وَيَقُولُونَ {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَخْرِجْنَا} من النَّار ردنا إِلَى الدُّنْيَا نؤمن بك {نَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِي الْإِيمَان {غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} فِي الشّرك فَيَقُول الله لَهُم {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ} نمهلكم يَا معشر الْكفَّار فِي الدُّنْيَا {مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ} بِقدر مَا يتعظ فِيهِ {مَن تَذَكَّرَ} من أَرَادَ أَن يتعظ ويؤمن {وَجَآءَكُمُ النذير} مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ وخوفكم من هَذَا الْيَوْم فَلم تؤمنوا بِهِ {فَذُوقُواْ} عَذَاب النَّار {فَمَا لِلظَّالِمِينَ} الْكَافرين {مِن نصير} مَانع عَن عَذَاب الله(1/367)
إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)
{إِنَّ الله عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض علم الله لوردوا إِلَى الدُّنْيَا لعادوا لما مَا نهوا عَنهُ {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر(1/367)
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)
{هُوَ الَّذِي جعلكُمْ} يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {خَلاَئِفَ فِي الأَرْض} سكان الأَرْض بعد هَلَاك الْأُمَم الْمَاضِيَة {فَمَن كَفَرَ} بِاللَّه {فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} عُقُوبَة كفره {وَلاَ يَزِيدُ الْكَافرين كُفْرُهُمْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {عِندَ رَبِّهِمْ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ مَقْتاً} بغضاً {وَلاَ يَزِيدُ الْكَافرين كُفْرُهُمْ} فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ خَسَاراً} غبناً فِي الْآخِرَة(1/368)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ} آلِهَتكُم {الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْض} مِمَّا فِي الأَرْض {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} مَعَ الله {فِي السَّمَاوَات} فِي خلق السَّمَوَات {أَمْ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم يَعْنِي كفار مَكَّة {كِتَاباً فَهُمْ على بَيِّنَةٍ مِّنْهُ} على بَيَان من الْكتاب أَن لَا يعذبوا {بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ} مَا يَقُول الْمُشْركُونَ يَعْنِي فِي الدُّنْيَا {بَعْضُهُم بَعْضاً} يَعْنِي الرؤساء للسفلة {إِلاَّ غُرُوراً} بَاطِلا فِي الْآخِرَة(1/368)
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)
{إِنَّ الله يُمْسِكُ} يمْنَع {السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولاَ} لكَي لَا تَزُولَا عَن مكانهما بمقالة الْيَهُود وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا عُزَيْر ابْن الله والمسيح ابْن الله {وَلَئِن زَالَتَآ} وَلَو زالتا عَن أمكنهما {إِنْ أَمْسَكَهُمَا} مَا أمسكهما {مِنْ أَحَدٍ} أحد {مِّن بَعْدِهِ} بعد إِمْسَاكه غَيره {إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً} عَن مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى {غَفُوراً} لمن تَابَ مِنْهُم(1/368)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)
{وَأَقْسَمُواْ بِاللَّه} يَعْنِي كفار مَكَّة قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} جهد يمينهم بِاللَّه {لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {لَّيَكُونُنَّ أهْدى} أسْرع إِجَابَة وأصوب دينا {مِنْ إِحْدَى الْأُمَم} من الْيَهُود وَالنَّصَارَى {فَلَمَّا جَاءَهُم نَذِير} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً} تباعداً مِنْهُ(1/368)
اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)
{استكبارا فِي الأَرْض} للاعراض عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {ومكر السيء} فِي هَلَاك مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام {وَلاَ يَحِيقُ} لَا يجب وَلَا يُحِيط {الْمَكْر السيء} القَوْل الْقَبِيح وَالْعَمَل الْقَبِيح {إِلاَّ بِأَهْلِهِ} إِلَّا على أَهله {فَهَلْ يَنظُرُونَ} فَهَل ينتظرون قَوْمك إِن كَذبُوك {إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ} عَذَاب الْأَوَّلين قبلهم عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَبْدِيلاً} تغييراً {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله {تَحْوِيلاً} إِلَى غَيره(1/368)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)
{أولم يَسِيرُوا} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} يتفكروا ويعتبروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ وَالْمَال {وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ} ليفوته {مِن شَيْءٍ} أحد {فِي السَّمَاوَات وَلاَ فِي الأَرْض} من الْخلق {إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً} بخلقه {قَدِيراً} عَلَيْهِم(1/368)
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله النَّاس} الْجِنّ وَالْإِنْس {بِمَا كَسَبُواْ} بجملة ذنوبهم {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا} على وَجه الأَرْض {مِن دَآبَّةٍ} من الْجِنّ وَالْإِنْس خَاصَّة أحدا {وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ} يؤجلهم {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ} وَقت هلاكهم {فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصيرًا} بِمن يهْلك وبمن ينجو(1/368)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا يس وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها سَبْعمِائة وتسع وَعِشْرُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف حرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/369)
يس (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الْبَارِي جلّ ذكره {يس} يَقُول يَا إِنْسَان بلغَة السريانية(1/369)
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)
{وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَمِنَ الْمُرْسلين} وَيُقَال قسم أقسم بِالْيَاءِ وَالسِّين وَالْقُرْآن الْحَكِيم وَأقسم بِالْقُرْآنِ الْمُحكم بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي إِنَّك يَا مُحَمَّد لمن الْمُرْسلين وَلِهَذَا كَانَ الْقسم(1/369)
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4)
{على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} ثَابت على دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام(1/369)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5)
{تَنزِيلَ الْعَزِيز} يَقُول الْقُرْآن تكليم الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الرَّحِيم} لمن آمن بِهِ(1/369)
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6)
{لِتُنذِرَ} لتخوف بِالْقُرْآنِ {قَوْماً} يَعْنِي قُريْشًا {مَّآ أُنذِرَ} كَمَا أنذر {آبَآؤُهُمْ} وَيُقَال لم ينذر آبَاءَهُم قبلك رَسُول {فَهُمْ غَافِلُونَ} عَن أَمر الْآخِرَة جاحدون بهَا(1/369)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7)
{لَقَدْ حَقَّ القَوْل} لقد وَجب القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب {على أَكْثَرِهِمْ} على أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه {فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} فِي علم الله وَلَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا فَلم يُؤمنُوا وَقتلُوا يَوْم بدر على الْكفْر(1/369)
إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8)
{إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ} فِي أَيْمَانهم {أَغْلاَلاً} من حَدِيد {فَهِىَ} مغلولة مَرْدُودَة {إِلَى الأذقان} إِلَى اللحى {فَهُم مُّقْمَحُونَ} مغلولون وَيُقَال جَمعنَا أَيْمَانهم إِلَى الأذقان حِين أَرَادوا أَن يَرْجُمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فهم مقمحون مغلولون من كل خير محرومون(1/369)
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة {سَدّاً} غطاء {ومِنْ خَلْفِهِمْ} من أَمر الدُّنْيَا {سَدّاً} غطاء {فَأغْشَيْنَاهُمْ} أغشينا أبصار قُلُوبهم {فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} الْحق وَالْهدى وَيُقَال وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً سترا حَيْثُ أَرَادوا أَن يَرْجُمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلم يبصروا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن خَلفهم سداً سترا حَتَّى لَا يبصروا أَصْحَابه فأغشيناهم أغشينا أَبْصَارهم فهم لَا يبصرون النبى فيؤذوه(1/369)
وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10)
{وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ} على بني مَخْزُوم أبي جهل وَأَصْحَابه {أَأَنذَرْتَهُمْ} خوفتهم بِالْقُرْآنِ {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ} لم تخوفهم {لَا يُؤمنُونَ} لَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا وَقتلُوا يَوْم بدر على الْكفْر وَنزل من قَوْله إِنَّا جعلنَا فِي اعناقهم أغلالاً إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن أبي جهل والوليد وأصحابهما(1/369)
إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11)
{إِنَّمَا تُنذِرُ} يَقُول ينفع إنذارك يَا مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ {مَنِ اتبع الذّكر} يَعْنِي الْقُرْآن وَعمل بِهِ مثل أبي بكر وَأَصْحَابه {وَخشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} عمل للرحمن وَإِن كَانَ لَا يرَاهُ {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} لذنوبه فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} ثَوَاب وَحسن فِي الْجنَّة(1/369)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} للبعث {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} نَحْفَظ عَلَيْهِم مَا أسلفوا من الْخَيْر وَالشَّر {وَآثَارَهُمْ} مَا تركُوا من سنة صَالِحَة فَعمل بهَا بعد مَوْتهمْ أَو سنة سَيِّئَة فَعمل بهَا بعد مَوْتهمْ {وَكُلَّ شيْءٍ} من أَعْمَالهم {أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} كتبناه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ(1/369)
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)
{وَاضْرِبْ لَهُمْ} بَين لأهل مَكَّة {مَّثَلاً} مثل {أَصْحَابَ الْقرْيَة} صفة أهل أنطاكية كَيفَ أهلكناهم {إِذْ جَآءَهَا المُرْسَلُونَ} يَعْنِي جَاءَ إِلَيْهِم رَسُول عِيسَى شَمْعُون الصفار فَلم يُؤمنُوا بِهِ وكذبوه(1/369)
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (14)
{إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ} فَأَرْسَلنَا إِلَيْهِم {اثْنَيْنِ} رسولين سمْعَان وثومان {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} فقويناهما بشمعون حَيْثُ صدقهما على تَبْلِيغ رسالتهما {فَقَالُوا إِنَّآ إِلَيْكُم مرسلون}(1/369)
قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)
{قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ} من كتاب وَلَا رَسُول {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم(1/369)
{إِلاَّ تَكْذِبُونَ} على الله(1/370)
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)
{قَالُواْ} يَعْنِي الرُّسُل {رَبُّنَا يَعْلَمُ} يشْهد {إِنَّآ إِلَيْكُم لمرسلون}(1/370)
وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (17)
{وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله {الْمُبين} بلغَة تعلمونها(1/370)
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
{قَالُوا} للرسل {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} عَن مَقَالَتَكُمْ {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} لنقتلنكم {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ} يصيبنكم {مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع وَهُوَ الْقَتْل(1/370)
قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19)
{قَالُواْ} يَعْنِي الرُّسُل {طَائِرُكُم} شدتكم وشؤمكم {مَّعَكُمْ} من الله بفعلكم {أئن ذكرْتُمْ} أتشاءمتم بِأَن ذكرناكم وخوفناكم بِاللَّه {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} مشركون بِاللَّه(1/370)
وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)
{وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة} من وسط الْمَدِينَة {رَجُلٌ} وَهُوَ حبيب النجار {يسْعَى} يسْرع فِي المشى حَيْثُ سمع بالرسل {قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين} بِالْإِيمَان بِاللَّه(1/370)
اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)
{اتبعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً} جعلا وَلَا مَالا على الْإِيمَان بِاللَّه {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} وهم مرشدون إِلَى التَّوْحِيد قَالُوا لَهُ تبرأت منا وَمن ديننَا وَدخلت فِي دين عدونا فَقَالَ لَهُم(1/370)
وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
{وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} خلقني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت(1/370)
أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23)
{أَأَتَّخِذُ} أعبد {مِن دُونِهِ} من دون الله بأمركم {آلِهَةً} أصناماً {إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ} إِن يُصِبْنِي الرَّحْمَن بِشدَّة عَذَاب {لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} لَيْسَ لَهُم شَفَاعَة من عَذَاب الله {وَلاَ يُنقِذُونَ} لَا يجيرون من عَذَاب الله يَعْنِي إِن الْآلهَة(1/370)
إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)
{إِنِّي إِذاً} عبدت دون الله شَيْئا {لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين(1/370)
إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)
ثمَّ قَالَ لَهُم {إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون} فأطيعون بِالْإِيمَان وَيُقَال قَالَ هَذَا للرسل إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون فَاشْهَدُوا لي أَنِّي عبد الله فَأَخَذُوهُ وقتلوه وصلبوه ووطئوه بأرجلهم حَتَّى خرجت قصبه من دبره(1/370)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26)
{قِيلَ ادخل الْجنَّة} فَوَجَبَ لَهُ الْجنَّة وَقيل لروحه ادخل الْجنَّة {قَالَ} روحه بعد مَا دخل الْجنَّة {يَا لَيْت قَوْمِي يَعْلَمُونَ} يَدْرُونَ ويصدقون(1/370)
بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} بِالَّذِي غفر لي رَبِّي بِهِ يَعْنِي التَّوْحِيد {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكرمين} فِي الْجنَّة بالثواب بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله(1/370)
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ (28)
{وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ} بهلاكهم (مِن بَعْدِهِ) من بعد مَا قَتَلُوهُ {مِن جُندٍ مِّنَ السمآء} بملائكة من السَّمَاء {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة وَيُقَال مَا أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل من بعد قَتله(1/370)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29)
{إِن كَانَتْ} مَا كَانَت {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} من جِبْرِيل أَخذ جِبْرِيل بِعضَادَتَيْ الْبَاب فصاح فيهم صَيْحَة وَاحِدَة {فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} ميتون لَا يتحركون(1/370)
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (30)
{يَا حسرة} أَي حسرة وندامة تكون {عَلَى الْعباد} يَوْم الْقِيَامَة بِمَا لم يُؤمنُوا {مَا يَأْتِيهِمْ} لم يَأْتهمْ {مِّن رَّسُولٍ} رَسُول {إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} يهزءون ويسخرون بِهِ وَأخذُوا هَؤُلَاءِ الرُّسُل وقتلوهم ودسوهم فى بِئْر(1/370)
أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)
{أَلَمْ يَرَوْاْ} ألم يخبر كفار مَكَّة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُون} من الْأُمَم الخالية {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} إِلَى يَوْم الْقِيَامَة(1/370)
وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)
{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا} مَا كل إِلَّا {جَمِيعٌ} يَقُول الْقُرُون كلهم جَمِيع {لَّدَيْنَا} عندنَا {مُحْضَرُونَ} لِلْحسابِ وَالْمِيم هَهُنَا صلَة(1/370)
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)
{وَآيَةٌ لَّهُمُ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {الأَرْض الْميتَة} بالنبات {أَحْيَيْنَاهَا} بالمطر {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا} أنبتنا فِيهَا {حَبّاً} الْحُبُوب كلهَا {فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}(1/370)
وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34)
{وَجَعَلْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {جَنَّاتٍ} بساتين {مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ} يَعْنِي الكروم {وَفَجَّرْنَا} شققنا {فِيهَا} فِي الأَرْض {مِنَ الْعُيُون} الْأَنْهَار(1/371)
لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)
{لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} من ثَمَر النّخل {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} مَا أنبتته أَيْديهم وَيُقَال مَا غرست أَيْديهم {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} من فعل بهم ذَلِك فيؤمنوا بِهِ(1/371)
سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)
{سُبْحَانَ} نزه نَفسه {الَّذِي خَلَق الْأزْوَاج} الْأَصْنَاف {كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْض} الحلو والحامض وَغير ذَلِك {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} أصنافاً ذكرا وَأُنْثَى {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} فِي الْبر وَالْبَحْر أصنافاً(1/371)
وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)
{وَآيَةٌ لَّهُمُ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {اللَّيْل} المظلم {نَسْلَخُ مِنْهُ} نَذْهَب عَنهُ {النَّهَار فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} فِي اللَّيْل(1/371)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)
{وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} منازلها وَيُقَال تجْرِي لَيْلًا وَنَهَارًا لَا مُسْتَقر لَهَا {ذَلِك تَقْدِيرُ الْعَزِيز} تَدْبِير الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْعَلِيم} بخلقه وتدبيرهم(1/371)
وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)
{وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} جعلنَا لَهُ منَازِل كمنازل الشَّمْس يزِيد وَينْقص {حَتَّى عَادَ} يصير {كالعرجون الْقَدِيم} كالعذق المقوس الْيَابِس إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول(1/371)
لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)
{لاَ الشَّمْس يَنبَغِي لَهَآ} يصلح لَهَا {أَن تدْرِكَ الْقَمَر} أَن تطلع فِي سُلْطَان الْقَمَر فَيذْهب ضوؤه {وَلاَ اللَّيْل سَابِقُ النَّهَار} وَلَا اللَّيْل يطلع فى سُلْطَان النَّهَار فَيذْهب ضوؤه {وَكُلٌّ} الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم {فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فِي دوران يدورون وَفِي مجراة يجرونَ(1/371)
وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
{وَآيَةٌ لَّهُمْ} عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة {أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ} فِي أصلاب آبَائِهِم حِين حمل الْآبَاء والذرية {فِي الْفلك} فِي سفينة نوح {المشحون} الموقرة وَيُقَال المجهزة المملوءة الَّتِي فرغ من جهازها الَّتِي لم يبْق لَهَا إِلَّا رَفعهَا(1/371)
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ} من مثل سفينة نوح {مَا يَرْكَبُونَ} من الزواريق وَالْإِبِل(1/371)
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43)
{وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} فِي الْبَحْر {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} فَلَا مغيث لَهُم من الْغَرق {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} يجارون من الْغَرق(1/371)
إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)
{إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا} نعْمَة منا تنجيهم من الْغَرق {وَمَتَاعاً} أَََجَلًا {إِلَى حِينٍ} إِلَى وَقت مَوْتهمْ وهلاكهم(1/371)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)
{وَإِذا قيل لَهُم} لأهل مَكَّة قَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {اتَّقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} من أَمر الْآخِرَة فآمنوا بهَا وَاعْمَلُوا لَهَا {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أَمر الدُّنْيَا فَلَا تغتروا بهَا وبزهوها {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فِي الْآخِرَة فَلَا تعذبوا(1/371)
وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46)
{وَمَا تَأْتِيهِم} كفار مَكَّة {مِّنْ آيَةٍ} من عَلامَة {مِّنْ آيَاتِ} عَلَامَات {رَبِّهِمْ} مثل انْشِقَاق الْقَمَر وكسوف الشَّمْس وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا} بهَا {مُعْرِضِينَ} مكذبين(1/371)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)
{وَإِذا قيل لَهُم} لأهل مَكَّة قَالَ لَهُم فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ {أَنفِقُواْ} تصدقوا على الْفُقَرَاء {مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} أَعْطَاكُم الله {قَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلَّذِينَ آمنُوا} لفقراء الْمُؤمنِينَ {أَنُطْعِمُ} أنتصدق {مَن لَّوْ يَشَآءُ الله} على من لَو يَشَاء الله {أَطْعَمَهُ} رزقه {إِنْ أَنتُمْ} مَا أَنْتُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ وَيُقَال قَالَ لَهُم الْمُؤْمِنُونَ إِن أَنْتُم مَا أَنْتُم {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي خطأ بَين وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي زنادقة قُرَيْش(1/371)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)
{وَيَقُولُونَ} كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت(1/371)
مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)
{مَا يَنظُرُونَ} مَا ينْتَظر قَوْمك بِالْعَذَابِ إِذْ كَذبُوك {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} وَهِي النفخة الأولى(1/371)
{تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} يتنازعون فِي السُّوق(1/372)
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50)
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} وَصِيَّة وَيُقَال كلَاما {وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} من السُّوق وَيُقَال وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ يحيرون الْجَواب(1/372)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)
{وَنُفِخَ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْبَعْث {فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث} من الْقُبُور {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسلونَ} يخرجُون(1/372)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)
{قَالُواْ} بعد مَا خَرجُوا من الْقُبُور يَعْنِي الْكفَّار {يَا ويلنا مَن بَعَثَنَا} من نبهنا {مِن مَّرْقَدِنَا} من منامنا فَيَقُول بَعضهم لبَعض {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن} فِي الدُّنْيَا وَيُقَال تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْحفظَة هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن على أَلْسِنَة الرُّسُل فِي الدُّنْيَا {وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت(1/372)
إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53)
{إِن كَانَتْ} مَا كَانَت {إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} نفخة وَاحِدَة وَهِي نفخة الْبَعْث {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا} عندنَا {مُحْضَرُونَ} لِلْحسابِ(1/372)
فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)
{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً} لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد {وَلاَ تُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا(1/372)
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجنَّة} أهل الْجنَّة {الْيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فِي شُغُلٍ} عَمَّا فِيهِ أهل النَّار {فَاكِهُونَ} معجبون بافتضاضهم الْأَبْكَار وَيُقَال ناعمون إِن قَرَأت بِالْألف(1/372)
هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} حلائلهم {فِي ظِلاَلٍ} فِي ظلّ الشّجر {عَلَى الأرآئك} على السرر فِي الحجال {متكئون} جالسون(1/372)
لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)
{لَهُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {فَاكِهَةٌ} ألوان الْفَوَاكِه {وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} مَا يسْأَلُون ويشتهون(1/372)
سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)
{سَلاَمٌ قَوْلاً} يسلمُونَ عَلَيْهِم سَلاما {مِّن رَّبٍّ رَحِيم}(1/372)
وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)
{وامتازوا الْيَوْم} يَقُول الله لَهُم تفَرقُوا الْيَوْم {أَيُّهَا المجرمون} الْمُشْركُونَ فميزهم الله من الْمُؤمنِينَ وَيَقُول لَهُم(1/372)
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)
{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} ألم أقدم إِلَيْكُم فِي الْكتاب مَعَ الرَّسُول {يَا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيْطَان} لَا تطيعوا الشَّيْطَان {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة(1/372)
وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
{وَأَنِ اعبدوني} وحدوني {هَذَا} التَّوْحِيد الَّذِي أَمرتكُم {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين حق مُسْتَقِيم(1/372)
وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)
{وَلَقَدْ أَضَلَّ} الشَّيْطَان {مِنْكُمْ} يَا بني آدم {جِبِلاًّ} خلقا {كَثِيراً} قبلكُمْ {أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} تعلمُونَ مَا صنع بهم فَلَا تقتدوا بهم(1/372)
هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63)
{هَذِه جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا(1/372)
اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
{اصلوها} ادخلوها {الْيَوْم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} تجحدون بهَا وبالكتاب وَالرسل(1/372)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)
{الْيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ} نمْنَع ألسنتهم عَن الْكَلَام بعد مَا أَنْكَرُوا {وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ} بِمَا بطشوا بهَا {وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} بِمَا مَشوا بهَا وَتشهد جوارحهم {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يعْملُونَ من الشَّرّ(1/372)
وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)
{وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} لفقأنا أعين ضلالتهم {فاستبقوا الصِّرَاط} فَأَبْصرُوا الطَّرِيق {فَأنى يُبْصِرُونَ} من أَيْن يبصرون وَلم تفقأ عين ضلالتهم(1/372)
وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)
{وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ} قردة وَخَنَازِير {على مَكَانَتِهِمْ}(1/372)
فِي مَنَازِلهمْ فِي دِيَارهمْ {فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً} ذَهَابًا وَلَا مجيئاً {وَلاَ يَرْجِعُونَ} فِي دِيَارهمْ إِلَى الْحَال الأول(1/373)
وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)
{وَمَن نّعَمِّرْهُ} نمهله فِي الْعُمر {نُنَكِّسْهُ} نحططه {فِي الْخلق} فِي الْخلق الأول حَتَّى صَار كَأَنَّهُ طِفْل لَا لحي لَهُ وَلَا أَسْنَان وَلَا قُوَّة يَبُول ويتغوط كالطفل {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أَفلا يصدقون بذلك(1/373)
وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)
{وَمَا علمناه الشّعْر} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَمَا يَنبَغِي لَهُ} مَا يصلح لَهُ الشّعْر {إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} مُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى(1/373)
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)
{لينذر} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {مَن كَانَ حَيّاً} من كَانَ لَهُ عقل {وَيَحِقَّ القَوْل} يجب القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب {عَلَى الْكَافرين} كفار مَكَّة فَلَا يُؤمنُونَ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/373)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71)
{أولم يرَوا} أولم يخبروا {أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم} لأهل مَكَّة {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ} مِمَّا خلقنَا لَهُم بقدرتنا بكن فَكَانَ {أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} ضابطون مالكون عَلَيْهَا(1/373)
وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} سخرناها لَهُم {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} مِنْهَا مَا يركبون {وَمِنْهَا يَأْكُلُون} من لحومها يَأْكُلُون(1/373)
وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (73)
{وَلَهُمْ} يَعْنِي لأهل مَكَّة {فِيهَا} فِي الْأَنْعَام {مَنَافِعُ} فِي حملهَا وكسبها {وَمَشَارِبُ} من أَلْبَانهَا {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} من فعل بهم ذَلِك فيؤمنوا بِهِ(1/373)
وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74)
{وَاتَّخذُوا} عبدُوا كفار مَكَّة {مِن دُونِ الله آلِهَةً} أصناماً {لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ من عَذَاب الله(1/373)
لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75)
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} لَا يَسْتَطِيع الْآلهَة منع عَذَاب الله عَنْهُم {وَهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {لَهُمْ} بِالْبَاطِلِ الْأَصْنَام {جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} كالعبيد قيام بَين أَيْديهم(1/373)
فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76)
{فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} تكذيبهم يَا مُحَمَّد {إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من الْمَكْر والخيانة {وَمَا يعلنون} من الْعَدَاوَة(1/373)
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)
{أَو لم ير الْإِنْسَان} أولم يعلم أبي بن خلف {أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ} مُنْتِنَة ضَعِيفَة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ} رجل جدل بِالْبَاطِلِ {مٌّبِينٌ} ظَاهر الْجِدَال(1/373)
وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} وصف لنا مثلا بالعظام {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} ترك ذكر خلقه الأول {قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيمٌ} تُرَاب بالية(1/373)
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)
{قُلْ} لَهُ يَا مُحَمَّد {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَآ} خلقهَا {أَوَّلَ مَرَّةٍ} من النُّطْفَة {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ} بِخلق كل شَيْء {عَلِيمٌ}(1/373)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)
{الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشّجر الْأَخْضَر نَاراً} غير الْعَذَاب {فَإِذَآ أَنتُم} يَا أهل مَكَّة {مِنْهُ توقدون} تقدحون مِنْهُ النَّار(1/373)
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)
{أَو لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ} يحيي {مِثْلَهُم بلَى} قَادر على ذَلِك {وَهُوَ الخلاق} الْبَاعِث {الْعَلِيم}(1/373)
إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)
{إِنَّمَآ أَمْرُهُ} فِي الْبَعْث {إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً} إِذا أَرَادَ أَن يكون الْبَعْث فَيكون الْبَعْث {أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} قيام السَّاعَة(1/373)
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)
{فَسُبْحَانَ} نزه نَفسه {الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} خَزَائِن كل شَيْء وَخلق كل شَيْء {وَإِلَيْهِ ترجعون} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم(1/373)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الصافات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَسِتُّونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وَتِسْعَة وَعِشْرُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/374)
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالصَّافَّات صَفَّا} أقسم الله بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين فِي السَّمَاء صُفُوفا كَصُفُوف الْمُؤمنِينَ فِي الصَّلَاة(1/374)
فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2)
{فالزاجرات زَجْراً} أقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يزجرون السَّحَاب ويؤلفونه(1/374)
فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3)
{فالتاليات ذِكْراً} أقسم بِالْمَلَائِكَةِ قرأة الْكتاب وَيُقَال أقسم بقرأة الْقُرْآن(1/374)
إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ (4)
{إِنَّ إِلَهكُم لَوَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك وَلِهَذَا كَانَ الْقسم إِن إِلَهكُم يَا أهل مَكَّة لوَاحِد بِلَا ولد وَلَا شريك(1/374)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ (5)
{رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَالق السَّمَوَات الأَرْض {وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخَلَائق والعجائب {وَرَبُّ الْمَشَارِق} مَشَارِق الشتَاء والصيف(1/374)
إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)
{إِنَّا زَيَّنَّا السمآء الدُّنْيَا} الأولى {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِب} يَقُول زينت بالكواكب(1/374)
وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)
{وَحِفْظاً} يَقُول حفظت بالنجوم {مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} متمرد شَدِيد(1/374)
لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8)
{لاَّ يَسَّمَّعُونَ} لكَي لَا يسمعوا {إِلَى الملإ الْأَعْلَى} إِلَى كَلَام الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْحفظَة فِيمَا يكون بَينهم {وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ} يرْمونَ من كل نَاحيَة يصعدون إِلَيْهَا(1/374)
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9)
{دُحُوراً} يدحرون عَن السَّمَاء واستماع كَلَام الْمَلَائِكَة {وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ} دَائِم بالنجوم وَيُقَال فِي النَّار(1/374)
إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)
{إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطفَة} إِلَّا من اختلس خلسة واستمع استماعاً إِلَى كَلَام الْمَلَائِكَة {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} يلْحقهُ نجم مضيء يحرقه(1/374)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ (11)
{فاستفتهم} سل أهل مَكَّة {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً} بعثاً {أَم مَّنْ خَلَقْنَآ} قبلهم من الْمَلَائِكَة وَسَائِر الْخلق {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ} من آدم وآدَم من طين {لاَّزِبٍ} لاصق(1/374)
بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)
{بَلْ عَجِبْتَ} يَا مُحَمَّد من تكذيبهم إياك {وَيَسْخَرُونَ} بك وبكتابك(1/374)
وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)
{وَإِذَا ذُكِّرُواْ} وعظوا بِالْقُرْآنِ {لاَ يَذْكُرُونَ} لَا يتعظون(1/374)
وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)
{وَإِذَا رَأَوْاْ} أهل مَكَّة {آيَةً} عَلامَة مثل انْشِقَاق الْقَمَر وكسوف الشَّمْس {يستسخرون} يهزءون بهَا(1/374)
وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15)
{وَقَالُوا إِن هَذَا} مَا هَذَا الذى أَتَانَا بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا سحر مُبين} كذب بَين(1/374)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)
{أئذا متْنا وَكُنَّا} صرنا {تُرَابا وعظاما} بالية {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون بعد الْمَوْت قل لَهُم يَا مُحَمَّد نعم(1/374)
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17)
قَالُوا {أَوَ آبَآؤُنَا الْأَولونَ} الأقدمون مثلنَا(1/374)
قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (18)
{قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ} وهم {دَاخِرُونَ} صاغرون ذليلون(1/374)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19)
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} نفخة وَاحِدَة وَهِي نفخة الْبَعْث {فَإِذَا هُمْ} قيام من الْقُبُور {يَنظُرُونَ} مَاذَا يؤمرون بِهِ(1/374)
وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)
{وَقَالُوا} إِذا قَامُوا من الْقُبُور {يَا ويلنا هَذَا يَوْمُ الدّين} يَوْم الْحساب فَتَقول لَهُم الْمَلَائِكَة(1/374)
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21)
{هَذَا يَوْمُ الْفَصْل} يَوْم الْقَضَاء بَيْنكُم وَبَين الْمُؤمنِينَ {الَّذِي كُنتُمْ بِهِ} فِي الدُّنْيَا {تُكَذِّبُونَ} أَنه لَا يكون فَيَقُول الله للْمَلَائكَة(1/374)
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22)
{احشروا الَّذين ظَلَمُواْ}(1/374)
أشركوا {وَأَزْوَاجَهُمْ} قرناءهم وضرباءهم من الْجِنّ وَالْإِنْس وَالشَّيَاطِين {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ}(1/375)
مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)
{مِن دُونِ الله} من الْأَصْنَام {فاهدوهم} فاذهبوا بهم {إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيم} إِلَى وسط النَّار يَقُول الله للْمَلَائكَة(1/375)
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)
{وقفوهم} احبسوهم على النَّار {إِنَّهُم مسؤولون} عَن هَذَا القَوْل(1/375)
مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)
{مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} لَا تمْنَعُونَ من عَذَاب الله وَلَا يمْنَع بَعْضكُم بَعْضًا وَيُقَال إِنَّهُم مسؤلون عَن تَركهم لَا إِلَه إِلَّا الله(1/375)
بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)
{بَلْ هُمُ الْيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {مُسْتَسْلِمُونَ} استسلم العابد والمعبود لله وَعَلمُوا أَن الْحق لله(1/375)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} الْإِنْس على الشَّيَاطِين والسفلة على القادة {يَتَسَآءَلُونَ} يتلاومون ويتخاصمون(1/375)
قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28)
{قَالُوا} يَعْنِي الْإِنْس للشياطين {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمين} تغووننا عَن الدّين(1/375)
قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29)
{قَالُواْ} يَعْنِي الشَّيَاطِين للإنس {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤمنين} بِاللَّه(1/375)
وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30)
{وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ} من عذر وَحجَّة نأخذكم بهَا {بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ} كَافِرين بِاللَّه(1/375)
فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31)
{فَحَقَّ عَلَيْنَا} فَوَجَبَ علينا {قَوْلُ رَبِّنَآ} بالسخط وَالْعَذَاب {إِنَّا لَذَآئِقُونَ} الْعَذَاب فِي النَّار(1/375)
فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32)
{فَأَغْوَيْنَاكُمْ} أضللناكم عَن الدّين {إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} ضَالِّينَ عَن الدّين(1/375)
فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33)
{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ} العابد والمعبود(1/375)
إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34)
{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَفْعَلُ بالمجرمين} الْمُشْركين(1/375)
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)
{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ} فِي الدُّنْيَا قُولُوا {لاَ إِلَه إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ} يتعاظمون عَن ذَلِك(1/375)
وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36)
{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا} عبَادَة آلِهَتنَا {لِشَاعِرٍ مَجْنُون} يختلق يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/375)
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)
{بل جَاءَ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْحَقِّ} بِالْقُرْآنِ والتوحيد {وَصَدَّقَ الْمُرْسلين} وبتصديق الْمُرْسلين قبله(1/375)
إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38)
{إِنَّكُم} يَا أهل مَكَّة {لذائقوا الْعَذَاب الْأَلِيم} الوجيع فِي النَّار(1/375)
وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39)
{وَمَا تُجْزَوْنَ} فِي الْآخِرَة {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فِي الدُّنْيَا فِي الْكفْر والشرك(1/375)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40)
{إِلَّا عباد الله المخلصين} المعصومين من الْكفْر والشرك وَيُقَال المخلصين بِالْعبَادَة والتوحيد إِن قَرَأت بخفض اللَّام(1/375)
أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41)
{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} طَعَام مَعْرُوف على قدر غدْوَة وَعَشِيَّة فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ ثمَّ بكرَة وَلَا عَشِيَّة(1/375)
فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42)
{فَوَاكِهُ} لَهُم ألوان الْفَوَاكِه {وَهُم مُّكْرَمُونَ} بالتحف(1/375)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43)
{فِي جَنَّاتِ النَّعيم} لَا يفنى نعيمها(1/375)
عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44)
{على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} متواجهين فِي الزِّيَارَة(1/375)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45)
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {بِكَأْسٍ} بِخَمْر {مِّن مَّعِينٍ} من خمرة طَاهِرَة(1/375)
بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46)
{بَيْضَآءَ لَذَّةٍ} شَهْوَة {لِّلشَّارِبِينَ}(1/375)
لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47)
{لاَ فِيهَا} لَيْسَ فِي شربهَا {غَوْلٌ} وجع الْبَطن وَذَهَاب الْعقل وَلَا أَذَى وَلَا إِثْم {وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} ينفدون وَيُقَال وَلَا هم مِنْهَا يسكرون وَلَا تتصدع رؤوسهم(1/375)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48)
{وَعِندَهُمْ} فِي الْجنَّة {قَاصِرَاتُ الطّرف} جوَار غاضات الْعين عَن غير أَزوَاجهنَّ قانعات بأزواجهن لَا يبغين بهم بَدَلا {عِينٌ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه(1/375)
كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)
{كأنهن} فى الصفاء {بيض مَكْنُون} قدكن من الْحر وَالْبرد(1/375)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} يتحدثون(1/375)
قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)
{قَالَ قَائِل مِنْهُم} من أهل الْجنَّة وَهُوَ يهودا الْمُؤمن {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} صَاحب يُقَال لَهُ أَبُو قطروس وَهُوَ أَخُوهُ(1/376)
يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (53)
{يَقُول أئنك لمن المصدقين أئذا متْنا وَكُنَّا} صرنا {تُرَابا وعظاما} بالية {أئنا لَمَدِينُونَ} مملوكون ومحاسبون إنكاراً مِنْهُ للبعث(1/376)
قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54)
{قَالَ} لإخوته فِي الْجنَّة {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} فى النَّار لَعَلَّكُمْ ترَوْنَ حَاله(1/376)
فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
{فَاطلع} هُوَ بِنَفسِهِ {فَرَآهُ} فَرَأى أَخَاهُ الْكَافِر {فِي سَوَآءِ الْجَحِيم} فِي وسط النَّار(1/376)
قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56)
{قَالَ تالله} وَالله {إِن كِدتَّ} قد هَمَمْت وَأَرَدْت {لَتُرْدِينِ} لتغوين عَن الدّين وتهلكني لَو أطعتك(1/376)
وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57)
{وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي} منَّة رَبِّي بِالْإِيمَان وعصمته عَن الْكفْر {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} من الْمُعَذَّبين مَعَك فِي النَّار ثمَّ سمع منادياً يُنَادي يَا أهل الْجنَّة ذبح الْمَوْت فَلَا موت فَيَقُول لإخوته(1/376)
أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58)
{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} بعد مَا ذبح الْمَوْت(1/376)
إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59)
{إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} بعد موتتنا فِي الدُّنْيَا فَيَقُول لَهُم نعم فَسمع منادياً يُنَادي يَا أهل النَّار أَن قد أطبقت النَّار فَلَا دُخُول فِيهَا وَلَا خُرُوج مِنْهَا فَيَقُول لإخوته {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} فِي النَّار بعد مَا أطبقت النَّار فَيَقُولُونَ لَهُ نعم(1/376)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فزنا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجونا من النَّار وَمَا فِيهَا وَهِي قصَّة الْأَخَوَيْنِ الَّذين ذكرهمَا الله فِي سُورَة الْكَهْف أَحدهمَا مُؤمن وَهُوَ يهوذا وَالْآخر كَافِر وَهُوَ أَبُو قطروس(1/376)
لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61)
ثمَّ يَقُول الله لَهُ {لِمِثْلِ هَذَا} الخلود وَالنَّعِيم {فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} فليبادر المبادرون فِي الْعَمَل الصَّالح وَيُقَال فليباذل المباذلون بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل الله وَيُقَال فليجتهد المجتهدون بِالْعلمِ وَالْعِبَادَة(1/376)
أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)
{أذلك} الَّذِي ذكرت لأهل الْجنَّة من الطَّعَام وَالشرَاب {خَيْرٌ نُّزُلاً} طَعَاما وَشَرَابًا وثواباً للْمُؤْمِنين {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} لأبي جهل وَأَصْحَابه(1/376)
إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63)
{إِنَّا جَعَلْنَاهَا} ذَكرنَاهَا {فِتْنَةً} بلية {لِّلظَّالِمِينَ} لأبي جهل وَأَصْحَابه حَيْثُ قَالُوا الزقوم هُوَ التَّمْر والزبد(1/376)
إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64)
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ} تنْبت فِي {أَصْلِ الْجَحِيم} فى وسط النَّار(1/376)
طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65)
{طلعها} ثَمَرهَا {كَأَنَّهُ رُؤُوس الشَّيَاطِين} رُءُوس الْحَيَّات أَمْثَال الشَّيَاطِين يكون نَحْو الْيمن(1/376)
فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)
{فَإِنَّهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة وَسَائِر الْكفَّار {لآكِلُونَ مِنْهَا} من الزقوم {فَمَالِئُونَ مِنْهَا} من الزقوم {الْبُطُون}(1/376)
ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67)
{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا} من الزقوم {لَشَوْباً} لخلطاً {مِنْ حَمِيمٍ} من مَاء حَار قد انْتهى حره(1/376)
ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ} منقلبهم {لإِلَى الْجَحِيم} إِلَى وسط النَّار(1/376)
إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69)
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ} وجدوا {آبَآءَهُمْ} فِي الدُّنْيَا {ضَآلِّينَ} عَن الْحق وَالْهدى(1/376)
فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70)
{فَهُمْ على آثَارِهِمْ} على دينهم {يُهْرَعُونَ} يسرعون ويمشون ويعملون بعملهم(1/376)
وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71)
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {أَكْثَرُ الْأَوَّلين} من الْأُمَم الْمَاضِيَة(1/376)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ} إِلَيْهِم {مُّنذِرِينَ} رسلًا مخوفين لَهُم فَلم يُؤمنُوا بهم فأهلكناهم(1/376)
فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)
{فَانْظُر} يَا مُحَمَّد {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الْمُنْذرين} لمن أنذرتهم الرُّسُل فَلم يُؤمنُوا كَيفَ أهلكناهم ثمَّ اسْتثْنى(1/376)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)
{إِلَّا عباد الله المخلصين} المعصومين من الْكفْر والشرك وَيُقَال المخلصين بِالْعبَادَة والتوحيد إِن قَرَأت بخفض اللَّام فَإِنَّهُم لم يكذبوهم وَلم نهلكهم(1/376)
وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)
{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} دَعَانَا نوح على قومه {رب لَا تذر على الأَرْض من الْكَافرين ديارًا} إِلَى آخر الْآيَة {فَلَنِعْمَ المجيبون} بِهَلَاك قومه(1/376)
وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76)
{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وَمن آمن بِهِ {مِنَ الكرب الْعَظِيم} يَعْنِي الْغَرق(1/376)
وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ البَاقِينَ} إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَة بَنِينَ سَام وَحَام وَيَافث فَأَما سَام فَهُوَ أَبُو الْعَرَب وَمن جزائرهم وَأما حام فَهُوَ أَبُو الْحَبَش والبربر والسند وَأما يافث فَهُوَ أَبُو سَائِر النَّاس(1/376)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} على نوح ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} فِي البَاقِينَ بعد(1/376)
سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)
{سَلاَمٌ على نُوحٍ} سَلامَة وسعادة منا على نوح {فِي الْعَالمين} من بَين الْعَالمين فِي زَمَانه(1/376)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)
{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل بالثناء الْحسن والنجاة(1/376)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمنِينَ} المصدقين(1/377)
ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (82)
{ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} البَاقِينَ بعده(1/377)
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)
{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ} من شيعَة نوح وَيُقَال من شيعَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لإِبْرَاهِيمَ} يَقُول إِبْرَاهِيم كَانَ على دين نوح ومنهاجه وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ على دين إِبْرَاهِيم ومنهاجه(1/377)
إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)
{إِذْ جَآءَ رَبَّهُ} يَقُول أقبل إِبْرَاهِيم إِلَى طَاعَة ربه {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} خَالص من كل عيب(1/377)
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85)
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ} آزر {وَقَوْمِهِ} عَبدة الْأَوْثَان {مَاذَا تَعْبُدُونَ} من دون الله قَالُوا نعْبد أصناماً قَالَ لَهُم إِبْرَاهِيم(1/377)
أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)
{أَئِفْكاً آلِهَةً} بِالْكَذِبِ آلِهَة {دُونَ الله تُرِيدُونَ} تَعْبدُونَ(1/377)
فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)
{فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالمين} مَاذَا يفعل بكم إِذا عَبدْتُمْ غَيره(1/377)
فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88)
{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُوم} إِلَى النُّجُوم وَيُقَال فتفكر فكرة فِي نَفسه(1/377)
فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} مَرِيض مطعون لكَي يَتْرُكُوهُ(1/377)
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)
{فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} فأعرضوا عَنهُ ذَاهِبين إِلَى عيدهم وتركوه(1/377)
فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)
{فَرَاغَ} فَأقبل إِبْرَاهِيم {إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ} لَهُم {أَلا تَأْكُلُونَ} مِمَّا عَلَيْكُم من الْعَسَل فَلم يُجِيبُوهُ فَقَالَ لَهُم(1/377)
مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92)
{مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} لَا تجيبون(1/377)
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ} فَأقبل عَلَيْهِم {ضَرْباً بِالْيَمِينِ} بالفأس وَيُقَال بر يَمِينه(1/377)
فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)
{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ} من عيدهم {يَزِفُّونَ} يسرعون ويمشون(1/377)
قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)
{قَالَ} لَهُم إِبْرَاهِيم {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} بِأَيْدِيكُمْ من العيدان وَالْحِجَارَة(1/377)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)
{وَالله خَلَقَكُمْ} وتتركون عبَادَة الله الَّذِي خَلقكُم {وَمَا تَعْمَلُونَ} خلق نحتكم ومنحوتكم(1/377)
قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97)
{قَالُواْ ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً} أتونا {فَأَلْقُوهُ} فاطرحوه {فِي الْجَحِيم} فِي النَّار(1/377)
فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)
{فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} حرقاً بالنَّار {فَجَعَلْنَاهُمُ الأسفلين} من الأسفلين فِي النَّار وَيُقَال من الأخسرين بالعقوبة(1/377)
وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)
{وَقَالَ} إِبْرَاهِيم للوط {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} مقبل إِلَى طَاعَة رَبِّي {سَيَهْدِينِ} سيرشدني وينجيني مِنْهُم ربى(1/377)
رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)
ثمَّ قَالَ {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحين} ولدا من الْمُرْسلين(1/377)
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101)
{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ} بِولد {حَلِيمٍ} عليم فِي صغره حَلِيم فِي كبره(1/377)
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْي} الْعَمَل لله بِالطَّاعَةِ وَيُقَال المشىء مَعَه إِلَى الْجَبَل {قَالَ} إِبْرَاهِيم لِابْنِهِ إِسْمَعِيل وَيُقَال إِسْحَاق {يَا بني إِنِّي أرى فِي الْمَنَام} أمرت فِي الْمَنَام {أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُر مَاذَا ترى} تُشِير وتأمر {قَالَ يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمَرُ} من الذّبْح {ستجدني إِن شَآءَ الله مِنَ الصابرين} على الذّبْح(1/377)
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
{فَلَمَّا أَسْلَمَا} اتفقَا وسلما لأمر الله {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} كَبه لوجهه وَيُقَال لجنبه(1/377)
وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)
{وناديناه أَن يَا إِبْرَاهِيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيآ} قد وفيت مَا أمرت فِي الْمَنَام {إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل(1/377)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبلَاء الْمُبين} الاختبار الْبَين(1/377)
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} بكبش سمين(1/377)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} على إِبْرَاهِيم ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} فِي البَاقِينَ بعده(1/377)
سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109)
{سَلاَمٌ} منا سَعَادَة وسلامة {على إِبْرَاهِيمَ}(1/377)
كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110)
{كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالثناء الْحسن والنجاة(1/378)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)
{إِنَّهُ} يَعْنِي إِبْرَاهِيم {مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمنِينَ} المصدقين فى إِيمَانهم(1/378)
وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)
{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين(1/378)
وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
{وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ} بالثناء الْحسن والذرية الطّيبَة {وعَلى إِسْحَاق وَمن ذريتهما} ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَإِسْحَق {مُحْسِنٌ} موحد {وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ} بالْكفْر {مُبِينٌ} ظَاهر الْكفْر(1/378)
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (114)
{وَلَقَدْ مَنَنَّا على مُوسَى وَهَارُونَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام(1/378)
وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115)
{وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا} من آمن بهما {مِنَ الكرب الْعَظِيم} من الْغَرق(1/378)
وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ (116)
{ونصرناهم} على فِرْعَوْن وَقَومه {فَكَانُوا هم الغالبين} القاهرين بِالْحجَّةِ(1/378)
وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (117)
{وَآتَيْنَاهُمَا} أعطيناهما {الْكتاب} وَهُوَ التَّوْرَاة {المستبين} الْمُبين بالحلال وَالْحرَام(1/378)
وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)
{وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم} ثبتناهما على الدّين الْحق الْمُسْتَقيم(1/378)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ (119)
{وَتَركنَا عَلَيْهِمَا} على مُوسَى وهرون ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} البَاقِينَ بعدهمَا(1/378)
سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120)
{سَلاَمٌ} منا سَعَادَة وسلامة {على مُوسَى وَهَارُونَ}(1/378)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121)
{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالثناء الْحسن(1/378)
إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)
{إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمنِينَ} المصدقين(1/378)
وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123)
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسلين} إِلَى قومه(1/378)
إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (124)
{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} عبَادَة غير الله(1/378)
أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (125)
{أَتَدْعُونَ بَعْلاً} أتعبدون رَبًّا من دون الله وَيُقَال ثوراً وَيُقَال كَانَ لَهُم صنم طوله ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَله أَرْبَعَة أوجه يُقَال لَهُ بعل {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} تتركون عبَادَة أعظم الْخَالِقِينَ فَلَا تعبدونه(1/378)
اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126)
{الله رَبَّكُمْ} هُوَ خالقكم {وَرَبَّ آبَآئِكُمُ} خَالق آبائكم {الْأَوَّلين} قبلكُمْ(1/378)
فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127)
{فَكَذَّبُوهُ} بالرسالة {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} لمعذبون فِي النَّار(1/378)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128)
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} فِي الْعِبَادَة والتوحيد فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك(1/378)
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129)
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ} على الياس ثَنَاء حسنا {فِي الآخرين} فِي البَاقِينَ بعده(1/378)
سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130)
{سَلاَمٌ} منا سَعَادَة وسلامة {على إِلْ يَاسِينَ} على آل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قَرَأت عَن إلياسين تَقول سَلام منا سَعَادَة وسلامة على إلياسين وَهُوَ إِدْرِيس النَّبِي(1/378)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131)
{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل وَالثنَاء الْحسن(1/378)
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤمنِينَ} المصدقين(1/378)
وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133)
{وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسلين} إِلَى قومه(1/378)
إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134)
{إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} وابنتيه زاعوراً وريثا {أَجْمَعِينَ}(1/378)
إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ (135)
{إِلاَّ عَجُوزاً فِي الغابرين} إِلَّا امْرَأَته المنافقة تخلفت مَعَ المتخلفين بِالْهَلَاكِ(1/378)
ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136)
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين} أهلكنا من بَقِي بعد لوط وابنتيه(1/378)
وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137)
{وَإِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} على قرى لوط وسذوم وعمورا وصبورا ودادوما {مصبحين} بِالنَّهَارِ(1/378)
وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)
{وبالليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أَفلا تصدقُونَ مَا فعل بهم فَلَا تقتدوا بهم(1/378)
وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139)
{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسلين} إِلَى قومه(1/378)
إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
{إِذْ أَبَقَ} خرج من عِنْد قومه وَيُقَال فر من قومه {إِلَى الْفلك المشحون} إِلَى السَّفِينَة الموقرة المجهزة(1/378)
فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)
{فَسَاهَمَ} فقارع فِي السَّفِينَة(1/378)
{فَكَانَ مِنَ المدحضين} من المقروعين ذاهبي الْحجَّة فَألْقى نَفسه فِي المَاء(1/379)
فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142)
{فالتقمه الْحُوت} السَّمَكَة {وَهُوَ مُلِيمٌ} يلوم نَفسه بِمَا فر من قومه(1/379)
فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143)
{فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} من الْمُصَلِّين من قبل ذَلِك(1/379)
لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)
{لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} مكث فِي بطن السَّمَكَة {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور(1/379)
فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145)
{فَنَبَذْنَاهُ} طرحناه {بالعرآء} الصَّحرَاء على وَجه الأَرْض {وَهُوَ سَقِيمٌ} مَرِيض صَار بدنه كبدن الطِّفْل(1/379)
وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)
{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} من قرع وكل شَيْء لَا يقوم على سَاق فَهُوَ اليقطين(1/379)
وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)
{وأرسلناه إِلَى مائَة أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} بل يزِيدُونَ عشْرين ألفا(1/379)
فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)
{فَآمَنُواْ} بِهِ {فَمَتَّعْنَاهُمْ} فأجلناهم {إِلَى حِينٍ} إِلَى وَقت الْمَوْت بِلَا عَذَاب(1/379)
فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)
{فاستفتهم} سل أهل مَكَّة بني مليح {أَلِرَبِّكَ الْبَنَات} الْإِنَاث {وَلَهُمُ البنون} الذُّكُور قَالُوا نعم فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَتَرْضَوْنَ لله مَالا ترْضونَ لأنفسكم(1/379)
أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ (150)
{أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَة إِنَاثاً} كَمَا تَقولُونَ {وَهُمْ شاهدون} حاضرون(1/379)
أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151)
{أَلاَ إِنَّهُم} بل إِنَّهُم {مِّنْ إِفْكِهِمْ} من تكذيبهم {ليقولون}(1/379)
وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152)
{وَلَدَ الله} حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فِي مقالتهم(1/379)
أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153)
{أَصْطَفَى الْبَنَات} اخْتَار الْإِنَاث {على الْبَنِينَ} على الذُّكُور(1/379)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154)
{مَا لكم كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بئْسَمَا تقضون لأنفسكم ترْضونَ لله مَا لَا ترْضونَ لأنفسكم(1/379)
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (155)
{أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أَفلا تتعظون بِمَا يَقُولُونَ(1/379)
أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ (156)
{أَمْ لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {سُلْطَانٌ مُّبِينٌ} كتاب بَين فِيهِ أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله(1/379)
فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (157)
{فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله(1/379)
وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158)
{وَجَعَلُواْ} كفار مَكَّة بَنو مليح {بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجنَّة نَسَباً} بَين الله وَبَين الْمَلَائِكَة نسبا حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله وَيُقَال نزلت فِي الزَّنَادِقَة حَيْثُ قَالُوا إِبْلِيس لَعنه الله مَعَ الله شريك الله خَالق الْخَيْر وإبليس خَالق الشَّرّ {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجنَّة} الْمَلَائِكَة {إِنَّهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة بني مليح {لَمُحْضَرُونَ} معذبون فِي النَّار(1/379)
سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)
{سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {عَمَّا يَصِفُونَ} عَمَّا يَقُولُونَ من الْكَذِب(1/379)
إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (160)
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} فِي الْعِبَادَة والتوحيد فَإِنَّهُم لَا يكذبُون على الله وَيُقَال إِنَّهُم لمحضرون لمعذبون إِلَّا عباد الله المخلصين المعصومين من الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش(1/379)
فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ (161)
{فَإِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {وَمَا تَعْبُدُونَ} من دون الله(1/379)
مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162)
{مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ} على عِبَادَته {بِفَاتِنِينَ} بمضلين(1/379)
إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)
{إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيم} دَاخل النَّار مَعكُمْ وَهُوَ إِبْلِيس وَيُقَال إِلَّا من قدرت عَلَيْهِ أَنه دَاخل النَّار مَعكُمْ(1/379)
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
{وَمَا مِنَّآ} قَالَ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا منا {إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} مَعْرُوف فِي السَّمَاء(1/379)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165)
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون} فِي الصَّلَاة(1/379)
وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166)
{وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} المصلون(1/379)
وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167)
{وَإِن كَانُواْ} وَقد كَانَ أهل مَكَّة {لَيَقُولُونَ} قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم(1/379)
لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168)
{لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ الْأَوَّلين} رَسُولا مثل رسل الْأَوَّلين كَمَا كَانَ للأولين(1/379)
لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (169)
{لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين} الْمُوَحِّدين(1/379)
فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (170)
{فَكَفرُوا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن حِين جَاءَهُم {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بهم عِنْد الْمَوْت وَفِي الْقَبْر وَيَوْم الْقِيَامَة(1/379)
وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ} وَجَبت {كَلِمَتُنَا} بالنصرة والدولة {لِعِبَادِنَا الْمُرْسلين}(1/379)
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172)
{إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} بِالْحجَّةِ والعذر(1/380)
وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)
{وَإِنَّ جُندَنَا} الرُّسُل وَالْمُؤمنِينَ {لَهُمُ الغالبون} بِالْحجَّةِ وَالْعدَد إِلَى يَوْم الْقِيَامَة(1/380)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174)
{فَتَوَلَّ} فَأَعْرض يَا مُحَمَّد {عَنْهُمْ} عَن كفار مَكَّة {حَتَّى حِينٍ} إِلَى وَقت هلاكهم يَوْم بدر(1/380)
وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175)
{وَأَبْصِرْهُمْ} أعلمهم عَذَاب الله {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} يعلمُونَ مَاذَا يفعل بهم(1/380)
أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176)
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} أفبمثل عذابنا يستعجلون قبل أَجله(1/380)
فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)
{فَإِذا نزل بِسَاحَتِهِمْ} بقربهم {فَسَآءَ صَبَاحُ الْمُنْذرين} فبئس الصَّباح لمن أنذرتهم الرُّسُل فَلم يُؤمنُوا(1/380)
وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178)
{وَتَوَلَّ} أعرض {عَنْهُمْ} يَا مُحَمَّد {حَتَّى حِينٍ} إِلَى وَقت هلاكهم يَوْم بدر(1/380)
وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)
{وَأَبْصِرْ} اعْلَم {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} يعلمُونَ مَاذَا يفعل بهم(1/380)
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180)
{سُبْحَانَ رَبِّكَ} نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {رَبِّ الْعِزَّة} المنعة وَالْقُدْرَة {عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُونَ من الْكَذِب(1/380)
وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181)
{وَسَلاَمٌ} منا سَلامَة {على الْمُرْسلين} بتبليغهم الرسَالَة(1/380)
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)
{وَالْحَمْد لِلَّهِ} الشُّكْر والوحدانية لله بنجاة الرُّسُل وهلاك قَومهمْ {رَبِّ الْعَالمين} سيد الْإِنْس وَالْجِنّ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ص وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَثَمَانُونَ آيَة وكلماتها سَبْعمِائة وَاثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ كلمة وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَسِتَّة وَسِتُّونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/380)
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ص} يَقُول ص وَالْقُرْآن أَي كرروا الْقُرْآن حَتَّى تعلمُوا الْإِيمَان من الْكفْر وَالسّنة من الْبِدْعَة وَالْحق من الْبَاطِل والصدق من الْكَذِب والحلال من الْحَرَام وَالْخَيْر من الشَّرّ وَيُقَال ص صد عَن الْهدى أَي صرف أهل مَكَّة عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال أَبُو جهل وَيُقَال ص صَادِق فِي قَوْله وَيُقَال ص اسْم من أَسمَاء الله صَادِق وَيُقَال قسم أقسم بِهِ {وَالْقُرْآن} أقسم بِالْقُرْآنِ {ذِي الذّكر} ذِي الشّرف وَالْبَيَان شرف من آمن بِهِ وَبَيَان الْأَوَّلين والآخرين(1/380)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ (2)
{بَلِ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {فِي عِزَّةٍ} حمية وتكبر {وَشِقَاقٍ} خلاف وعداوة وَلِهَذَا كَانَ الْمقسم عَلَيْهِ(1/380)
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ (3)
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم} من قبل قُرَيْش {مِّن قَرْنٍ} من الْأُمَم الخالية {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} فنادتهم الْمَلَائِكَة عِنْد هلاكهم ولات حِين مناص أَي لَيْسَ بِحِين حَملَة وَلَا فرار قفوا فوقفوا حَتَّى أهلكهم الله وَقد كَانُوا قبل ذَلِك إِذا قَاتلُوا عدوا نَادَى بَعضهم بَعْضًا مناص مناص يعنون حَملَة وَاحِدَة فنجا من نجا وَهلك من هلك وَإِذا غلب الْعَدو عَلَيْهِم كَانُوا يبدرون بَعضهم بَعْضًا وينادون بَعضهم بَعْضًا مناص مناص بِنصب الصَّاد أَي فِرَارًا فِرَارًا فيفرون من الْقِتَال وَهَذِه عَلامَة كَانَت بَينهم فِي القتالإذا أَرَادوا أَن يحملوا على الْعَدو أَو يَفروا من الْعَدو فَلَمَّا أَرَادَ الله هلاكهم نادتهم الْمَلَائِكَة ولات حِين مناص أَي لَيْسَ بِحِين حَملَة وَلَا فرار(1/380)
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (4)
{وعجبوا} قُرَيْش {أَن جَآءَهُم} بِأَن جَاءَهُم {مٌّنذِرٌ} رَسُول مخوف {مِّنْهُمْ} من نسبهم {وَقَالَ الْكَافِرُونَ} كفار مَكَّة {هَذَا} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {سَاحِرٌ} يفرق بَين الِاثْنَيْنِ {كَذَّابٌ} يكذب على الله(1/380)
أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)
{أَجَعَلَ الْآلهَة إِلَهًا وَاحِداً} أيسعنا وَيَكْفِينَا إِلَه وَاحِد فى حوائجنا كَمَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِن هَذَا} الذى يَقُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَشَيْءٌ عُجَابٌ} عَجِيب(1/380)
وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (6)
{وَانْطَلق الْمَلأ} الرؤساء {مِنْهُمْ} من قُرَيْش عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة وَأبي بن خلف الجُمَحِي وَأَبُو جهل بن هِشَام {أَنِ امشوا} قَالَ لَهُم أَبُو جهل أَن امضوا إِلَى آلِهَتكُم {وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ} اثبتوا على عبَادَة آلِهَتكُم {إِن هَذَا لشَيْء} يعنون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يُرَادُ} أَن يهْلك وَيُقَال إِن هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد(1/380)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لشَيْء يُرَاد يكون بِأَهْل الأَرْض(1/381)
مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (7)
{مَا سمعنَا بِهَذَا} الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فِى الْملَّة الْآخِرَة} فِي الْملَّة الْيَهُودِيَّة والنصرانية يعنون لم نسْمع من الْيَهُود وَلَا النَّصَارَى أَن الْإِلَه وَاحِد {إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا اخْتِلَاق} اختلقه مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تِلْقَاء نَفسه(1/381)
أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (8)
{أأنزل عَلَيْهِ الذّكر مِن بَيْنِنَا} أخص بِالنُّبُوَّةِ وَالْكتاب من بَيْننَا {بْل هُمْ} كفار مَكَّة {فَي شكّ من ذكري} من كتابى ونبوة نَبِي {بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ} لم يَذُوقُوا عَذَابي فَمن ذَلِك يكذبُون عَليّ(1/381)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9)
{أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيز الْوَهَّاب} يَقُول أبأيديهم النُّبُوَّة والكتب فيعطون من شَاءُوا وَهُوَ الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن الْوَهَّاب وهب النُّبُوَّة وَالْكتاب لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/381)
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (10)
{أَمْ لَهُم} ألهم {مٌّلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مقدرَة على السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَمَا بَيَنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {فَلْيَرْتَقُواْ} فليصعدوا {فِى الْأَسْبَاب} فِي أَبْوَاب السَّمَوَات إِن كَانَت لَهُم مقدرَة ذَلِك فلينظروا ءأنزل عَلَيْهِ النُّبُوَّة وَالْكتاب أم لَا(1/381)
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11)
{جند} هم جند {مَا هُنَالك} عِنْد مَا أَرَادوا قتل النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم بدر {مَهْزُومٌ} مقتول مغلوب فَقتلُوا يَوْم بدر {مِّن الْأَحْزَاب} من الْكفَّار كفار مَكَّة(1/381)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12)
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {وَعَادٌ} قوم هود هوداً {وفِرْعَوْنُ} مُوسَى {ذُو الْأَوْتَاد} صَاحب الْملك الثَّابِت وَيُقَال صَاحب الْعَذَاب بالأوتاد وَإِنَّمَا سمي ذَا أوتاد لِأَنَّهُ كَانَ إِذا غضب على أحد وَكره بأَرْبعَة أوتاد(1/381)
وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13)
{وَثَمُودُ} قوم صَالح صَالحا {وَقَوْمُ لُوطٍ} لوطاً {وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ} الغيضة وهم قوم شُعَيْب كذبُوا شعيباً {أُولَئِكَ الْأَحْزَاب} الْكفَّار(1/381)
إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14)
{إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُل} يَقُول كل هَؤُلَاءِ كذبُوا الرُّسُل كَمَا كَذبك قُرَيْش {فَحَقَّ عِقَاب} فَوَجَبت عَلَيْهِم عقوبتى(1/381)
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15)
{وَمَا ينظر هَؤُلَاءِ} قَوْمك إِن كَذبُوك {إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً} لَا تثني وَهِي نفخة الْبَعْث {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} من نظرة وَلَا رَجْعَة(1/381)
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16)
{وَقَالُواْ} يَعْنِي كفار مَكَّة حِين ذكر الله فِي كِتَابه فَأَما من أُوتِيَ كِتَابه بِيَمِينِهِ وَأما من أُوتِيَ كِتَابه بِشمَالِهِ {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} يعنون كتَابنَا أَي صحيفَة أَعمالنَا {قَبْلَ يَوْمِ الْحساب} حَتَّى نعلم مَا فِيهَا(1/381)
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)
{اصبر} يَا مُحَمَّد {على مَا يَقُولُونَ} من التَّكْذِيب {وَاذْكُر عَبدنَا دَاوُد} يَقُول اذكر لَهُم خبر عَبدنَا دَاوُد {ذَا الأيد} ذَا الْقُوَّة وَالْعِبَادَة {إِنَّهُ أَوَّابٌ} مُطِيع لله مقبل إِلَى طَاعَة الله(1/381)
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18)
{إِنَّا سَخَّرْنَا} ذللنا {الْجبَال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} مَعَه {بالْعَشي وَالْإِشْرَاق} غدْوَة وَعَشِيَّة(1/381)
وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19)
{وَالطير} وسخرنا لَهُ الطير {مَحْشُورَةً} مَجْمُوعَة {كُلٌّ لَّهُ} الطير وَالْجِبَال {أَوَّابٌ} مُطِيع لله(1/381)
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20)
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} بالحرس وَكَانَ يحرس كل لَيْلَة محرابه ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ ألف رجل {وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {الْحِكْمَة} النُّبُوَّة {وَفَصْلَ الْخطاب} الْقَضَاء كَانَ لَا يتعتع فِي الْكَلَام عِنْد الْقَضَاء يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِين الْبَيِّنَة على الطَّالِب وَالْيَمِين على الْمَطْلُوب(1/381)
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)
{وَهَلْ أَتَاكَ} مَا أَتَاك ثمَّ أَتَاك يَا مُحَمَّد {نَبَأُ الْخصم} خبر الْخصم خصم دَاوُد {إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَاب} نزلُوا عَلَيْهِ من فَوق الْمِحْرَاب(1/381)
إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22)
{إِذْ دخلُوا على دَاوُد فَفَزِعَ مِنْهُمْ} دَاوُد {قَالُواْ} يَعْنِي الْملكَيْنِ اللَّذين دخلا عَلَيْهِ يَا دَاوُد {لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ} نَحن خصمان {بغى} تطاول وظلم {بَعْضُنَا على بَعْضٍ فاحكم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَلاَ تُشْطِطْ} لَا تمل وَلَا تجر {واهدنآ إِلَى سَوَآءِ الصِّرَاط} دلنا إِلَى الصَّوَاب(1/381)
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23)
{إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} امْرَأَة {وَلِي نَعْجَةٌ} امْرَأَة {وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أعطنيها {وَعَزَّنِي فِي الْخطاب} غلبني فِي الْكَلَام وَهَذَا مثل ضرباه لداود لكَي يفهم مَا فعل بأوريا(1/381)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
{قَالَ} دَاوُد {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} بِأخذ نعجتك {إِلَى نِعَاجِهِ} مَعَ كَثْرَة نعاجه {وَإِنَّ كثيرا من الخلطاء} من الشُّرَكَاء والإخوان {ليبغي} ليظلم {بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ إِلاَّ الَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات}(1/381)
فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} مَالا يظْلمُونَ فَخَرَجَا من حَيْثُ دخلا {وَظن دَاوُد} علم وأيقن بعد لَك {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} ابتليناه بالذنب الَّذِي كَانَ مِنْهُ {فَاسْتَغْفر رَبَّهُ} من الذَّنب {وَخَرَّ رَاكِعاً} سَاجِدا {وَأَنَابَ} أقبل إِلَى الله بِالتَّوْبَةِ والندامة(1/382)
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (25)
{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} الذَّنب {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} قربى فِي الدَّرَجَات {وَحُسْنَ مَآبٍ} مرجع فى الْآخِرَة(1/382)
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26)
{يَا دَاوُد إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْض} نَبيا ملكا على بني إِسْرَائِيل {فاحكم بَيْنَ النَّاس بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهوى} كَمَا اتبعت فِي بتشايع امْرَأَة أوريا وَكَانَت بنت عَم دَاوُد {فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ الله} عَن طَاعَة الله {إِنَّ الَّذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله} عَن طَاعَة الله {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحساب} بِمَا تركُوا الْعَمَل ليَوْم الْحساب(1/382)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27)
{وَمَا خَلَقْنَا السمآء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {بَاطِلاً} عَبَثا جزَافا بِلَا أَمر وَلَا نهي {ذَلِك ظَنُّ الَّذين كَفَرُواْ} إِنْكَار الَّذين كفرُوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {فَوَيْلٌ} فشدة الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {مِنَ النَّار} فِي النَّار(1/382)
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28)
{أم نجْعَل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب وَحَمْزَة ابْن عبد الْمطلب وَعبيدَة بن الْحَارِث {كالمفسدين} كالمشركين {فِي الأَرْض} وَهُوَ عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة والوليد بن عتبَة {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش عليا وصاحباه {كالفجار} كالكفار وَعتبَة وَشَيْبَة والوليد وهم الَّذين بارزوا يَوْم بدر عليا وَحَمْزَة وَعبيدَة فَقتل عَليّ الْوَلِيد بن عتبَة وَقتل حَمْزَة عتبَة بن ربيعَة وَقتل عُبَيْدَة شيبَة(1/382)
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)
{كِتَابٌ} هَذَا كتاب {أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ} أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ إِلَيْك {مُبَارَكٌ} فِيهِ الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة لمن آمن بِهِ {ليدبروا آيَاتِهِ} لكَي يتفكروا فِي آيَاته {وليتذكر} لكى يتعظ {أولُوا الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس(1/382)
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30)
{وَوَهَبْنَا لداود سُلَيْمَانَ نِعْمَ العَبْد إِنَّهُ أَوَّابٌ} مقبل إِلَى الله وَإِلَى طَاعَته(1/382)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31)
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بالْعَشي} بعد الظّهْر {الصافنات} الْخَيل العراب الخوالص {الْجِيَاد} السراع وَيُقَال الصافنات هُوَ الْفرس إِذا قَامَ بِثَلَاث قَوَائِم وَرفع إِحْدَى يَدَيْهِ حَتَّى يكون على طرف الْحَافِر(1/382)
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْر} اخْتَرْت المَال {عَن ذِكْرِ رَبِّي} على طَاعَة رَبِّي {حَتَّى تَوَارَتْ} الشَّمْس {بالحجاب} بجبل قَاف(1/382)
رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
{رُدُّوهَا عَلَيَّ} مَا عرض عَليّ فردوها {فَطَفِقَ} عمد {مَسْحاً بِالسوقِ} ضرب سوقهن {والأعناق} وأعناقهن وَيُقَال فَطَفِقَ مسحاً بِالسوقِ والأعناق حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب حَتَّى غَابَتْ الشَّمْس وَذَهَبت مِنْهُ صَلَاة الْعَصْر فَمن أجل ذَلِك فعل مَا فعل(1/382)
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
{وَلَقَدْ فَتَنَّا} ابتلينا {سُلَيْمَانَ} بذهاب ملكه أَرْبَعِينَ يَوْمًا بِقدر مَا عبد الصَّنَم فِي بَيته مَكَان كل يَوْم يَوْمًا {وَأَلْقَيْنَا} أجلسنا {على كُرْسِيِّهِ جَسَداً} شَيْطَانا {ثُمَّ أَنَابَ} ثمَّ رَجَعَ إِلَى ملكه وَإِلَى طَاعَة ربه وَتَابَ من ذَنبه(1/382)
قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35)
{قَالَ رَبِّ اغْفِر لِي} ذَنبي {وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي} لَا يصلح {لأَحَدٍ مِّن بعدِي} وَيُقَال لَا يسلب فِيمَا بَقِي كَمَا سلب الْمرة الأولى {إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب} بِالْملكِ والنبوة لمن شِئْت(1/382)
فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36)
{فَسَخَّرْنَا لَهُ الرّيح} بعد ذَلِك {تَجْرِي بِأَمْرِهِ} بِأَمْر الله وَيُقَال بِأَمْر سُلَيْمَان {رُخَآءً} لينَة {حَيْثُ أَصَابَ} أَرَادَ(1/382)
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37)
{وَالشَّيَاطِين} وسخرنا لَهُ الشَّيَاطِين {كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ} فِي قَعْر الْبَحْر(1/382)
وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)
{وَآخَرِينَ} من غَيرهم {مُقَرَّنِينَ} مصفدين مسلسلين {فِي الأصفاد} فِي أغلال الْحَدِيد وهم المردة من الشَّيَاطِين الَّذين لَا يَبْعَثهُم إِلَى عمل إِلَّا انقلبوا(1/383)
هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)
{هَذَا عَطَآؤُنَا} ملكنا يَا سُلَيْمَان ملكناك على الشَّيَاطِين {فَامْنُنْ} على من شِئْت من المتمردين وخل سبيلهم من الغل {أَوْ أَمْسِكْ} احْبِسْ فِي الغل {بِغَيْرِ حِسَابٍ} من غير أَن تحاسب وتأثم بذلك(1/383)
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40)
{وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى} قربى فِي الدَّرَجَات {وَحُسْنَ مَآبٍ} مرجع فِي الْآخِرَة(1/383)
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41)
{وَاذْكُر عَبْدَنَآ} اذكر لكفار مَكَّة خبر عَبدنَا {أَيُّوب إِذْ نَادَى ربه} دَعَا ربه {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَان} أصابني من تسليطك الشَّيْطَان عَليّ {بِنُصْبٍ} تَعب وعناء {وَعَذَابٍ} بلَاء وَمرض فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل يَا أَيُّوب(1/383)
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)
{اركض} اضْرِب {بِرِجْلِكَ} على الأَرْض فَضرب فَخرج مِنْهَا عين فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل {هَذَا مُغْتَسَلٌ} اغْتسل مِنْهُ فاغتسل مِنْهُ فالتأم مابه ثمَّ قَالَ لَهُ اضْرِب ضَرْبَة أُخْرَى فَضرب فَخرج مِنْهَا عين أُخْرَى فَقَالَ لَهُ جِبْرِيل {بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أَي وَهَذَا شراب بَارِد عذب اشرب مِنْهُ فَشرب فالتأم مَا فِي جَوْفه(1/383)
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} الَّذين أهلكناهم {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} فِي الْآخِرَة وَيُقَال فِي الدُّنْيَا {رَحْمَةً مِّنَّا} نعْمَة منا عَلَيْهِ {وذكرى} عظة {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس(1/383)
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)
{وَخُذْ بِيَدِكَ} يَا أَيُّوب {ضِغْثاً} قَبْضَة من سنبل فِيهَا مائَة سنبلة {فَاضْرب بِّهِ} امْرَأَتك رَحْمَة بنت يُوسُف الصّديق {وَلاَ تَحْنَثْ} لَا تأثم فِي يَمِينك وَكَانَ قبل ذَلِك حلف بِاللَّه لَئِن شفَاه الله ليجلدنها مائَة جلدَة فِي سَبَب كَلَام تَكَلَّمت بِهِ لم يرض الله بِهِ {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً} على الْبلَاء {نِّعْمَ العَبْد إِنَّهُ أَوَّابٌ} مُطِيع لله مقبل إِلَى طَاعَة الله(1/383)
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)
{وَاذْكُر عِبَادَنَآ إِبْرَاهِيمَ} خَلِيل الرَّحْمَن {وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي} الْقُوَّة فِي الْعِبَادَة لله {والأبصار} فى الدّين(1/383)
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46)
{إِنَّآ أَخْلَصْنَاهُمْ} اختصصناهم {بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار} يَقُول بخالصة ذكر الله وَذكر الْآخِرَة(1/383)
وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)
{وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الأخيار} المختارين فِي الدُّنْيَا بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام الأخيار عِنْد الله يَوْم الْقِيَامَة(1/383)
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)
{وَاذْكُر إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسع} ابْن عَم إلْيَاس {وَذَا الكفل} الَّذِي كفل وَضمن أَشْيَاء لقوم فوفاها وَيُقَال تكفل لله بِشَيْء فوفاه وَيُقَال كفل مائَة نَبِي فَكَانَ يُطعمهُمْ حَتَّى نجاهم الله من الْقَتْل وَكَانَ رجلا صَالحا وَلم يكن نَبيا {وَكُلٌّ} كل هَؤُلَاءِ {مِّنَ الأخيار} عِنْد الله(1/383)
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49)
{هَذَا ذِكْرٌ} ذكر الصَّالِحين وَيُقَال فِي هَذَا الْقُرْآن خبر الْأَوَّلين والآخرين {وَإِن لِلْمُتقين} الكفروالشرك وَالْفَوَاحِش {لَحُسْنَ مَآبٍ} مرجع فِي الْآخِرَة(1/383)
جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50)
ثمَّ بَين مستقرهم فِي الْآخِرَة فَقَالَ {جَنَّاتِ عَدْنٍ} مَعْدن الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ {مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَاب} يَوْم الْقِيَامَة(1/383)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51)
{مُتَّكِئِينَ فِيهَا} جالسين على السرر فِي الحجال ناعمين فِي الْجنَّة {يَدْعُونَ فِيهَا} يسْأَلُون فِي الْجنَّة {بِفَاكِهَةٍ} بألوان الْفَاكِهَة {كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} وألوان الشَّرَاب(1/383)
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52)
{وَعِندَهُمْ} فِي الْجنَّة جوَار {قَاصِرَاتُ الطّرف} غاضات الْعين قانعات بأزواجهن {أَتْرَابٌ} مستويات فِي السن والميلاد(1/383)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)
يَقُول الله لَهُم {هَذَا مَا تُوعَدُونَ} إِذْ أَنْتُم فِي الدُّنْيَا {لِيَوْمِ الْحساب} يَوْم الْقِيَامَة(1/383)
إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ (54)
{إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا} طعامنا ونعيمنا لَهُم {مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} من فنَاء وَلَا انْقِطَاع(1/383)
هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55)
{هَذَا} للْمُؤْمِنين {وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ} للْكَافِرِينَ أبي جهل وَأَصْحَابه {لَشَرَّ مَآبٍ} مرجع فِي الْآخِرَة(1/383)
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (56)
{جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا يَوْم الْقِيَامَة {فَبِئْسَ المهاد} الْفراش والقرار لَهُم النَّار(1/383)
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57)
{هَذَا} للْكَافِرِينَ {فَلْيَذُوقُوهُ} عَذَاب جَهَنَّم {حَمِيمٌ} مَاء حَار قد انْتهى حره {وَغَسَّاقٌ} زمهرير يحرقهم كَمَا تحرقهم النَّار(1/383)
وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (58)
{وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ} من نَحْو الْحَمِيم والغساق {أَزوَاج} ألوان الْعَذَاب فيدخلهم الله النارالأول فَالْأول فَكلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا الَّتِي دخلت قبلهَا فَيَقُول الله لأوّل أمة دخلت النَّار(1/383)
هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ (59)
{هَذَا فَوْجٌ} جمَاعَة {مُّقْتَحِمٌ} دَاخل {مَّعَكُمْ} النَّار فَيَقُول أول الْأمة لآخر الْأمة {لاَ مَرْحَباً بِهِمْ} لَا وسع الله عَلَيْهِم {إِنَّهُمْ صَالُواْ النَّار} داخلوا النَّار {قَالُواْ} آخر الْأمة(1/384)
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ (60)
{بل أَنْتُم لَا مرْحَبًا بكم} لَا وسع الله عَلَيْكُم {أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ} شرعتموه {لَنَا} هَذَا الدّين فاقتدينا بكم {فَبِئْسَ الْقَرار} الْمنزل لنا وَلكم(1/384)
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ (61)
{قَالُواْ} الأول وَالْآخر {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {مَن قَدَّمَ لَنَا} من شرع لنا {هَذَا} الدّين يعنون إِبْلِيس وَسَائِر الرؤساء {فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّار} مِمَّا علينا(1/384)
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (62)
{وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نرى} فِي النَّار {رِجَالاً} يعنون فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ {كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ الأشرار} من السفلة والفقراء(1/384)
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (63)
{أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً} سخرناهم فِي الدُّنْيَا {أَمْ زَاغَتْ} مَالَتْ {عَنْهُمُ الْأَبْصَار} أبصارنا فَلَا نراهم(1/384)
إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ (64)
{إِنَّ ذَلِكَ} الَّذِي ذكرت من خبر أهل النَّار {لَحَقٌّ} صدق {تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّار} كَلَام أهل النَّار بِالْخُصُومَةِ بَعضهم مَعَ بعض(1/384)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (65)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ} رَسُول مخوف {وَمَا مِنْ إِلَه إِلاَّ الله الْوَاحِد} بِلَا ولد وَلَا شريك {القهار} الْغَالِب على خلقه(1/384)
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (66)
{رَبُّ السَّمَاوَات} خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {الْعَزِيز} هُوَ الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْغفار} لمن تَابَ وآمن بِهِ(1/384)
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ (67)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد {هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {نَبَأٌ} خبر {عَظِيمٌ} كريم شرِيف فِيهِ خبر الْأَوَّلين والآخرين(1/384)
أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ (68)
{أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ} مكذبون بِهِ تاركون لَهُ(1/384)
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69)
{مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الْأَعْلَى} يَعْنِي الْمَلَائِكَة لَو لم أكن رَسُولا {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} إِذْ يَتَكَلَّمُونَ حِين قَالُوا أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا الْآيَة(1/384)
إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)
{إِن يُوحى} مَا يُوحى {إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها ثمَّ بَين خُصُومَة الْمَلَائِكَة فَقَالَ اذكر يَا مُحَمَّد لَهُم(1/384)
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ (71)
{إِذْ قَالَ} قد قَالَ {رَبُّكَ للْمَلَائكَة إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ} يَعْنِي آدم(1/384)
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)
{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} جمعت خلقه {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} جعلت الرّوح فِيهِ {فَقَعُواْ لَهُ} فَخَروا لَهُ {ساجدين}(1/384)
فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73)
{فَسَجَدَ الْمَلَائِكَة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} لآدَم(1/384)
إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (74)
{إِلاَّ إِبْلِيسَ استكبر} تعظم عَن السُّجُود لآدَم {وَكَانَ مِنَ الْكَافرين} صَار من الْكَافرين بإبائه عَن أَمر الله(1/384)
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75)
{قَالَ} الله لَهُ {يَا إِبْلِيس} يَا خَبِيث {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} صورت بيَدي {أَسْتَكْبَرْتَ} عَن السُّجُود لآدَم {أَمْ كُنتَ مِنَ العالين} من الْمُخَالفين لأمرى(1/384)
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (76)
{قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} فَالنَّار تَأْكُل الطين فَلذَلِك لم أَسجد لَهُ(1/384)
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (77)
{قَالَ} الله لَهُ {فَاخْرُج مِنْهَا} من صُورَة الْمَلَائِكَة وَيُقَال من الأَرْض {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} مَلْعُون مطرود من رحمتى وكرامتى(1/384)
وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (78)
{وَإِن عَلَيْك لَعْنَتِي} عَذَابي وسخطي وَيُقَال أجلاه الله إِلَى جزائر الْبَحْر وَلَا يدْخل فِيهَا إِلَّا كَهَيئَةِ السَّارِق وَعَلِيهِ أطمار يروع فِيهَا {إِلَى يَوْمِ الدّين} يَوْم الْحساب(1/384)
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79)
{قَالَ} إِبْلِيس {رَبِّ} يَا رب {فأنظرني} فأجلني(1/384)
{إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} من الْقُبُور أَرَادَ الْخَبيث أَن لَا يَذُوق الْمَوْت(1/385)
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (80)
{قَالَ} الله {فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين} المؤجلين(1/385)
إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81)
{إِلَى يَوْمِ الْوَقْت الْمَعْلُوم} إِلَى النفخة الأولى(1/385)
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82)
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ} فبنعمتك وقدرتك {لأُغْوِيَنَّهُمْ} لأضلنهم عَن دينك وطاعتك {أَجْمَعِينَ}(1/385)
إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)
{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ} من بني آدم {المخلصين} المعصومين منى(1/385)
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ (84)
{قَالَ} الله لَهُ {فَالْحق} يَقُول أَنا الْحق {وَالْحق} يَقُول وبالحق {أَقُولُ}(1/385)
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (85)
{لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ} وَمن ذريتك {وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ} من بني آدم {أَجْمَعِينَ} جَمِيع من أطاعك بِالدينِ(1/385)
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {مِنْ أَجْرٍ} من جعل ورزق {وَمَآ أَنَآ مِنَ المتكلفين} من المختلقين من تِلْقَاء نَفسِي(1/385)
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)
{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {لِّلْعَالَمِينَ} للجن وَالْإِنْس(1/385)
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88)
{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ} خبر الْقُرْآن وَمَا فِيهِ من الْوَعْد والوعيد {بَعْدَ حِينِ} بعد الْإِيمَان وَيُقَال بعد الْمَوْت فَمنهمْ من علم بعد الْإِيمَان وهم الْمُؤْمِنُونَ وَمِنْهُم من علم بعد الْمَوْت وهم الْكفَّار أَن مَا قَالَ الله فِي الْقُرْآن هُوَ الْحق
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الزمر وهى كلهَا مَكِّيَّة غير قَوْله {قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرفُوا على أنفسهم} إِلَى آخر الْآيَة فانها مَدَنِيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ آيَة وكلماتها ألف وَمِائَة وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ وحروفها أَرْبَعَة آلَاف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/385)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {تَنزِيلُ الْكتاب} يَقُول هَذَا الْكتاب تكليم {من الله الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره(1/385)
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)
{إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْكتاب {بِالْحَقِّ} لَا بِالْبَاطِلِ {فاعبد الله مُخْلِصاً لَّهُ الدّين} مخلصاً لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد(1/385)
أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)
{أَلاَ لِلَّهِ} على النَّاس {الدّين الْخَالِص} الدّين بالإخلاص لَا يخالطه شَيْء {وَالَّذين اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِهِ} من دون الله كفار مَكَّة {أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا اللات والعزى وَمَنَاة قَالُوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى} قربى فِي الْمنزلَة والشفاعة {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} وَبَين الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة {فِيمَا هُمْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {مَنْ هُوَ كَاذِبٌ} على الله {كَفَّارٌ} كَافِر بِاللَّه وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبَنُو مليح وَالْمَجُوس ومشركو الْعَرَب(1/385)
لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)
{لَّوْ أَرَادَ الله أَن يَتَّخِذَ وَلَداً} من الْمَلَائِكَة والآدميين كَمَا قَالَت الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَبَنُو مليح {لاصطفى} لاختار {مِمَّا يَخْلُقُ} عِنْده فِي الْجنَّة {مَا يَشَآءُ} وَيُقَال من الْمَلَائِكَة {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن ذَلِك {هُوَ الله الْوَاحِد} بِلَا ولد وَلَا شريك {القهار} الْغَالِب على خلقه(1/385)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)
{خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} لَا بِالْبَاطِلِ {يُكَوِّرُ اللَّيْل عَلَى النَّهَار} يَدُور اللَّيْل على النَّهَار فَيكون أطول من اللَّيْل {وَيُكَوِّرُ النَّهَار عَلَى اللَّيْل} يَدُور النَّهَار على اللَّيْل فَيكون اللَّيْل أطول من النَّهَار {وَسَخَّرَ} ذلل {الشَّمْس وَالْقَمَر} ضوء الشَّمْس وَالْقَمَر لبني آدم(1/385)
{كُلٌّ} من الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار {يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {أَلا هُوَ الْعَزِيز} الَّذِي فعل ذَلِك الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْغفار} لمن تَابَ من الشّرك وآمن بِهِ(1/386)
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)
{خَلقكُم من نفس وَاحِدَة} من نفس آدم وَحدهَا {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا} من نفس آدم {زَوْجَهَا} حَوَّاء خلقهَا من ضلع من أضلاعه الْقصرى {وَأَنزَلَ} خلق {لَكُمْ مِّنَ الْأَنْعَام} من الْبَهَائِم {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أَصْنَاف ذكر وَأُنْثَى من الضَّأْن اثْنَيْنِ ذكرا وَأُنْثَى وَمِنَ الْمعز اثْنَيْنِ ذكرا وَأُنْثَى وَمن الْإِبِل اثْنَيْنِ ذكرا وَأُنْثَى وَمن الْبَقر اثْنَيْنِ ذكرا وَأُنْثَى {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خلق} حَالا من بعد حَال نُطْفَة وعلقة ومضغة وعظاماً {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ} ظلمَة الْبَطن وظلمة الرَّحِم وظلمة المشيمة {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} يفعل ذَلِك {لَهُ الْملك} الدَّائِم لَا يَزُول ملكه {لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ} لَا خَالق وَلَا مُصَور إِلَّا هُوَ {فَأنى تُصْرَفُونَ} بِالْكَذِبِ يَقُول من أَيْن تكذبون على الله فتجعلون لَهُ شَرِيكا(1/386)
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)
{إِن تكفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَا أهل مَكَّة {فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنكُمْ} عَن إيمَانكُمْ {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} وَلَا يقبل مِنْهُم الْكفْر بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن لِأَنَّهُ لَيْسَ دينه {وَأَن تُشْرِكُوا} تؤمنوا {يَرْضَهُ لَكُمْ} يقبله مِنْكُم لِأَنَّهُ دينه {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى مَا عَلَيْهَا من الذُّنُوب وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى كل مَأْخُوذ بِذَنبِهِ وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ} بعد الْمَوْت {فَيُنَبِّئُكُمْ} يُخْبِركُمْ يَوْم الْقِيَامَة {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر(1/386)
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)
{وَإِذَا مَسَّ} أصَاب {الْإِنْسَان} الْكَافِر أَبَا جهل وَأَصْحَابه {ضُرٌّ} شدَّة وبلاء {دَعَا رَبَّهُ} بِرَفْع الشدَّة وَالْبَلَاء عَنهُ {مُنِيباً إِلَيْهِ} مُقبلا إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ} بدله {نِعْمَةً مِّنْهُ نسي مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} من قبل النِّعْمَة {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً} أشكالاً وأعدالاً {لِّيُضِلَّ} بذلك النَّاس {عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وطاعته {قُلْ} لأبي جهل {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ} عش فِي كفرك {قَلِيلاً} يَسِيرا فِي الدُّنْيَا {إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار} من أهل النَّار(1/386)
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
{أم من هُوَ قَانِت} مُطِيع لله وَهُوَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {آنَآءَ اللَّيْل} سَاعَات اللَّيْل {سَاجِداً وَقَآئِماً} فِي الصَّلَاة {يَحْذَرُ الْآخِرَة} يخَاف عَذَاب الْآخِرَة {ويرجو رَحْمَةَ رَبِّهِ} جنَّة ربه كَأبي جهل وَأَصْحَابه {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هَلْ يَسْتَوِي} فِي الثَّوَاب وَالطَّاعَة {الَّذين يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله وَأمره وَنَهْيه وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه {وَالَّذين لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله وَأمره وَنَهْيه وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ} يتعظ بأمثال الْقُرْآن {أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس(1/386)
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)
{قل} لَهُم يَا مُحَمَّد {يَا عبَادي الَّذين آمَنُواْ} أَبُو بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق وَعُثْمَان ذُو النورين وَعلي المرتضى وأصحابهم {اتَّقوا رَبَّكُمْ} أطِيعُوا ربكُم فِي الصَّغِير من الْأُمُور وَالْكَبِير {لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} وحدوا {فِي هَذِه الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} لَهُم جنَّة يَوْم الْقِيَامَة {وَأَرْضُ الله} أَرض الْمَدِينَة {وَاسِعَةٌ} آمِنَة من الْعَدو فاخرجوا إِلَيْهَا وَهَذَا قبل الْهِجْرَة {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ} على المرازي {أَجْرَهُمْ} ثوابهم {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بِلَا كيل وَلَا هنداز وَلَا منَّة(1/386)
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة حَيْثُ قَالُوا لَهُ ارْجع إِلَى دين آبَائِنَا {إِنِّي أُمِرْتُ} فِي الْقُرْآن {أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصاً لَّهُ الدّين} مخلصاً لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد(1/386)
وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)
{وَأُمِرْتُ} فِي الْقُرْآن {لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسلمين} أول من يكون على الْإِسْلَام(1/386)
قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنِّي أَخَافُ} أعلم {إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} رجعت إِلَى دينكُمْ {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد لوناً بعد لون(1/387)
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)
{قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ} بِالْعبَادَة والتوحيد {ديني}(1/387)
فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)
{فاعبدوا مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ} من دون الله وَهَذَا وَعِيد وتوبيخ لَهُم من قبل أَن يُؤمر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقِتَالِ {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ الخاسرين} المغبونين {الَّذين خسروا أَنفُسَهُمْ} غبنوا أنفسهم بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَأَهْلِيهِمْ} خدمهم ومنازلهم فِي الْجنَّة {يَوْمَ الْقِيَامَة أَلاَ ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين} الْغبن الْبَين بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة(1/387)
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)
{لَهُمْ} لكفار مَكَّة {مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّار} علالي من النَّار {وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} فرَاش من النَّار وَهُوَ علالي من تَحْتهم {ذَلِك} الظلل {يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ} فِي الْقُرْآن {يَا عِبَادِ} يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {فاتقون} فأطيعوني فِيمَا أَمرتكُم(1/387)
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17)
{وَالَّذين اجتنبوا الطاغوت أَن يَعْبُدُوهَا} تركُوا عبَادَة الطاغوت وَهُوَ الشَّيْطَان والصنم {وأنابوا إِلَى الله} أَقبلُوا إِلَى الله بِالتَّوْبَةِ وَالْإِيمَان وَسَائِر الطَّاعَات {لَهُمُ الْبُشْرَى} بِالْجنَّةِ عِنْد الْمَوْت وبشرى بكرامة الله على بَاب الْجنَّة {فَبَشِّرْ عِبَادِ}(1/387)
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)
{الَّذين يَسْتَمِعُونَ القَوْل} الحَدِيث {فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} أحكمه وأبينه يعْملُونَ بِهِ ويريدونه {أُولَئِكَ الَّذين هَدَاهُمُ الله} للصدق وَالصَّوَاب وَيُقَال لمحاسن الْأُمُور {وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الْأَلْبَاب} ذَوُو الْعُقُول من النَّاس وهم أَبُو بكر وَأَصْحَابه وَمن اتبعهم بِالسنةِ وَالْجَمَاعَة(1/387)
أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19)
{أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ} وَجب عَلَيْهِ {كَلِمَةُ الْعَذَاب} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {أَفَأَنتَ تُنقِذُ} تنجي {مَن فِي النَّار} من قدرت عَلَيْهِ النَّار(1/387)
لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20)
{لَكِن الَّذين اتَّقوا} وحدوا {رَبَّهُمْ} يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {لَهُمْ غُرَفٌ} علالي {مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ} علالي أخر {مَّبْنِيَّةٌ} مشيدة مَرْفُوعَة فِي الْهَوَاء {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله الميعاد} للْمُؤْمِنين(1/387)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْض} فَجعل مِنْهُ الْعُيُون والأنهار فِي الأَرْض {ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ} ينْبت بالمطر {زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ} حبوبه {ثُمَّ يَهِيجُ} يتَغَيَّر {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} بعد خضرته {ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً} يَابسا كَذَلِك الدُّنْيَا تفنى وَلَا تبقى {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت من فنَاء الدُّنْيَا {لذكرى} لعظة {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس(1/387)
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22)
{أَفَمَن شَرَحَ الله صَدْرَهُ} وسع الله ولين الله قلبه {لِلإِسْلاَمِ} بِنور الْإِسْلَام {فَهُوَ على نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} على كَرَامَة وَبَيَان من ربه وَهُوَ عمار بن يَاسر كمن شرح الله صَدره للكفر وَهُوَ أَبُو جهل {فَوَيْلٌ} شدَّة عَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم {لِّلْقَاسِيَةِ} لليابسة {قُلُوبُهُمْ} لَا تلين قُلُوبهم {مِّن ذِكْرِ الله} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين(1/387)
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)
{الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحَدِيث} أحسن الْكَلَام يَعْنِي الْقُرْآن {كِتَاباً مُّتَشَابِهاً} تشبه آيَات الْوَعْد وَالرَّحْمَة والنصرة وَالْمَغْفِرَة وَالْعَفو بَعْضهَا بَعْضًا وتشبه آيَات الْوَعيد وَالْعَذَاب والزجر والتخويف بَعْضهَا بَعْضًا {مَّثَانِيَ} مثنى مثنى آيَة الرَّحْمَة وَالْعَذَاب والوعد والوعيد وَالْأَمر وَالنَّهْي والناسخ والمنسوخ وَغير ذَلِك وَيُقَال مُكَرر {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ} تهيج من آيَات الْعَذَاب والوعيد {جُلُودُ الَّذين يَخْشَوْنَ} يخَافُونَ(1/387)
{رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ} بِآيَة الرَّحْمَة {وَقُلُوبُهُمْ} رَاجِعَة {إِلَى ذِكْرِ الله ذَلِك} يَعْنِي الْقُرْآن {هُدَى الله} بَيَان الله {يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ} إِلَى دينه {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} مرشد لدينِهِ(1/388)
أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24)
{أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سوء الْعَذَاب} شدَّة الْعَذَاب {يَوْمَ الْقِيَامَة} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه تجمع يَده إِلَى عُنُقه بغل من حَدِيد فَمن ذَلِك يَتَّقِي الْعَذَاب بِوَجْهِهِ {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ} للْكَافِرِينَ أبي جهل وَأَصْحَابه تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة {ذُوقُواْ} عَذَاب {مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} تَقولُونَ وتعملون فى الدُّنْيَا من المعاصى(1/388)
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25)
{كَذَّبَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد قوم هود وَصَالح وَشُعَيْب وَغَيرهم {فَأَتَاهُمُ الْعَذَاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} لَا يعلمُونَ بنزوله(1/388)
فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26)
{فَأَذَاقَهُمُ الله الخزي فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} عَذَاب الدُّنْيَا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أَكْبَرُ} أعظم مِمَّا كَانَ لَهُم فِي الدُّنْيَا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} وَلَكِن لم يَكُونُوا يعلمُونَ(1/388)
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27)
{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ} بَينا للنَّاس {فِي هَذَا الْقُرْآن مِن كُلِّ مَثَلٍ} وَجه {لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكى يتعظوا(1/388)
قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)
{قُرْآناً عَرَبِيّاً} على مجْرى اللُّغَة الْعَرَبيَّة {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} غير مُخَالف للتوراة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الْأَحْكَام وَالْحُدُود وَيُقَال غير ذِي عوج غير مَخْلُوق وَهُوَ قَول السّديّ {لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لكَي يتقوا بِالْقُرْآنِ عَمَّا نَهَاهُم الله(1/388)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29)
{ضَرَبَ الله مَثَلاً} بَين الله شبه رجل {رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ} سَادَات {مُتَشَاكِسُونَ} متخالفون يَأْمر هَذَا بِشَيْء وَينْهى ذَلِك عَنهُ وَهَذَا مثل الْكَافِر يعبد آلِهَة شَتَّى {وَرَجُلاً سَلَماً} خَالِصا {لِّرَجُلٍ} وَهَذَا مثل الْمُؤمن يعبد ربه وَحده وَأسلم دينه وَعَمله لله {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} فِي الْمثل الْمُؤمن وَالْكَافِر {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والوحدانية لله {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أَمْثَال الْقُرْآن(1/388)
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30)
{إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {مَيِّتٌ} سَتَمُوتُ {وَإِنَّهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَّيِّتُونَ} سيموتون(1/388)
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} تتكلمون بِالْحجَّةِ يعْنى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورؤساء الْكفَّار(1/388)
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32)
{فَمَنْ أَظْلَمُ} فِي كفره {مِمَّن كَذَبَ علَى الله} بِالْقُرْآنِ فَجعل لَهُ ولدا وشريكاً وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {وَكَذَّبَ بِالصّدقِ} بِالْقُرْآنِ والتوحيد {إِذْ جَآءَهُ} مُحَمَّد بِهِ {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} منزل ومقام {لِّلْكَافِرِينَ} لأبي جهل وَأَصْحَابه(1/388)
وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)
{وَالَّذِي جَآءَ بِالصّدقِ} بِالْقُرْآنِ والتوحيد وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَصدق بِهِ} أبوبكر وَأَصْحَابه {أُولَئِكَ هُمُ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش(1/388)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (34)
{لَهُم مَا يشاؤون} مَا يشتهون {عِندَ رَبِّهِمْ} فِي الْجنَّة {ذَلِك} الْكَرَامَة {جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ} الْمُوَحِّدين(1/388)
لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (35)
{لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُواْ} أقبح أَعْمَالهم {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ} ثوابهم {بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُواْ يعْملُونَ} باحسانهم(1/388)
أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36)
{أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} يعْنى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال خَالِد بن الْوَلِيد مِمَّا يُرِيدُونَ بِهِ وَيُخَوِّفُونَكَ يَا مُحَمَّد {بالذين مِن دُونِهِ} من دون الله يَعْنِي اللات والعزى وَمَنَاة يَقُولُونَ لَك لَا تشتمها وَلَا تعبها فتخبلك {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} مرشد إِلَى دينه وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه(1/388)
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ (37)
{وَمَن يَهْدِ الله} لدينِهِ {فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ} عَن دينه وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه هُوَ أَبُو الْقَاسِم عَلَيْهِ السَّلَام {أَلَيْسَ الله بِعَزِيزٍ} فِي ملكه وسلطانه {ذِي انتقام} ذِي نقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ(1/389)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة {الله} خلقهما {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} اللات والعزى وَمَنَاة {إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ} بِشدَّة وبلاء {هَلْ هُنَّ} اللات والعزى وَمَنَاة {كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ} رافعات بلاءه وشدته عني {أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} بعافية {هَل هن} اللات والعزى وَمَنَاة {مُمْسِكَاتُ} مانعات {رَحْمَتِهِ} عني حَتَّى تأمروني بعبادتها {قُلْ} يَا مُحَمَّد {حَسْبِيَ الله} ثقتي بِاللَّه {عَلَيْهِ يتوكل المتوكلون} يعْنى بِهِ يَثِق الواثقون وَيُقَال على الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله(1/389)
قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39)
{قل} يَا مُحَمَّد لكفار مَكَّة {يَا قوم اعْمَلُوا على مَكَانَتِكُمْ} على دينكُمْ وَفِي مَنَازِلكُمْ بهلاكي {إِنِّي عَامِلٌ} بِهَلَاكِكُمْ {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم من الله {تَعْلَمُونَ}(1/389)
مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40)
{مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ} يذله ويهلكه {وَيَحِلُّ عَلَيْهِ} يجب عَلَيْهِ {عَذَابٌ مُّقِيمٌ} دَائِم(1/389)
إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41)
{إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ} يَقُول بتبيان الْحق وَالْبَاطِل للنَّاس {فَمَنِ اهْتَدَى} بِالْقُرْآنِ وآمن بِهِ {فَلِنَفْسِهِ} الثَّوَاب {وَمَن ضَلَّ} كفر بِالْقُرْآنِ {فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} يجب على نَفسه عُقُوبَة ذَلِك {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم} على كفار مَكَّة {بِوَكِيلٍ} كَفِيل تُؤْخَذ بهم(1/389)
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
{الله يَتَوَفَّى الْأَنْفس} يقبض أَرْوَاح الْأَنْفس {حِينَ مِوْتِهَا} حِين منامها {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ} أَيْضا {فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} الَّتِي لم تمت فِي منامها {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي إِمْسَاكه وإرساله {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِيهَا(1/389)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ (43)
{أَمِ اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِ الله} كفار مَكَّة {شُفَعَآءَ} آلِهَة لكَي يشفعوا لَهُم {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَوَلَوْ كَانُواْ لاَ يَمْلِكُونَ شَيْئاً} يَقُول هم لَا يقدرُونَ على شَيْء من الشَّفَاعَة {وَلاَ يَعْقِلُونَ} الشَّفَاعَة فَكيف يشفعون(1/389)
قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)
{قُل لِلَّهِ الشَّفَاعَة جَمِيعاً} بيد الله الشَّفَاعَة جَمِيعًا فِي الْآخِرَة {لَّهُ مُلْكُ} خَزَائِن {السَّمَاوَات} الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم(1/389)
وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (45)
{وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ} إِذا قيل لَهُم قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله {اشمأزت} نفرت {قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {وَإِذَا ذُكِرَ الَّذين مِن دُونِهِ} من دون الله اللات والعزى وَمَنَاة {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} بِذكر آلِهَتهم(1/389)
قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)
{قُلِ اللَّهُمَّ} قل يَا الله أم بِنَا أَي اقصد بِنَا إِلَى الْخَيْر {فَاطِرَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} يَا خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض {عَالِمَ الْغَيْب} يَا عَالم الْغَيْب مَا غَابَ عَن الْعباد {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد {أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادك} تقضى بَين عِبَادك يَوْم الْقِيَامَة(1/389)
{فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون(1/390)
وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47)
{وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا {مَا فِي الأَرْض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ} ضعفه مَعَه {لاَفْتَدَوْاْ بِهِ} لفادوا بِهِ أنفسهم {من سوء الْعَذَاب} من شدَّة الْعَذَاب {يَوْمَ الْقِيَامَة وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ} يظنون(1/390)
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48)
{وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم {سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أقبحِ أَعْمَالهم {وَحَاقَ بِهِم} نزل بهم عَذَاب {مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} يهزءون بالأنبياء والكتب وَيُقَال عَذَاب مَا كَانُوا يستهزءون بِهِ(1/390)
فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49)
{فَإِذَا مَسَّ} أصَاب {الْإِنْسَان} الْكَافِر {ضُرٌّ} شدَّة {دَعَانَا} لكشف الشدَّة {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ} بدلناه {نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ} أَعْطَيْت هَذَا المَال الَّذِي أَعْطَيْت {على عِلْمٍ} صَلَاح وَخير علمه الله مني {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} بلية ومكر منالهم {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك(1/390)
قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50)
{قَدْ قَالَهَا} يَعْنِي هَذِه الْمقَالة {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد مثل قَارون وَغَيره {فَمَآ أغْنى عَنْهُمْ} مَا نفع لَهُم من عَذَاب الله {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون ويعبدون من دون الله وَلَا مَا كَانُوا يجمعُونَ من المَال(1/390)
فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51)
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} عَذَاب مَا قَالُوا وَعمِلُوا وجمعوا فِي الدُّنْيَا من المَال {وَالَّذين ظلمُوا} أشركوا {من هَؤُلَاءِ} من كفار مَكَّة {سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ} أَي عقوبات مَا عمِلُوا مثل مَا أصَاب الَّذين من قبلهم {وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} بفائتين من عَذَاب الله(1/390)
أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
{أَوَلَمْ يعلمُوا} كفار مَكَّة {أَنَّ الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء وَهُوَ مكر مِنْهُ {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء وَهُوَ نظر مِنْهُ {إِنَّ فِي ذَلِك} فِي الْبسط والتقتير {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لقوم يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/390)
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53)
{قل يَا عبَادي الَّذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ} بالْكفْر والشرك وَالزِّنَا وَالْقَتْل {لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ الله} لَا تيأسوا من مغْفرَة الله {إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوب جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغفور} لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِاللَّه {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/390)
وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54)
{وأنيبوا إِلَى رَبِّكُمْ} أَقبلُوا إِلَى ربكُم بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر {وَأَسْلِمُواْ لَهُ} آمنُوا بِاللَّه واطيعوا الله {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَاب ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ} لَا تمْنَعُونَ من عَذَاب الله
نزلت هَذِه الْآيَة فِي وَحشِي وَأَصْحَابه(1/390)
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)
ثمَّ قَالَ {وَاتبعُوا أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ} يَعْنِي الْقُرْآن أحلُّوا حَلَاله وحرموا حرَامه وَاعْمَلُوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَاب بَغْتَةً} فَجْأَة {وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} لَا تعلمُونَ نُزُوله(1/390)
أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)
{أَن تَقول نفس} لكى لَا تَقول نفس {يَا حسرتى} يَا ندامتا {على مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ الله} تركت من طَاعَة الله {وَإِن كُنتُ لَمِنَ الساخرين} وَقد كنت من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْكتاب وَالرَّسُول(1/390)
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57)
{أَوْ تَقُولَ} ولكي لَا تَقول {لَوْ أَنَّ الله هَدَانِي} بَين لي الْإِيمَان {لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} من الْمُوَحِّدين(1/390)
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58)
{أَوْ تَقُولَ} ولكي لَا تَقول {حِينَ تَرَى الْعَذَاب لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} رَجْعَة إِلَى دَار الدُّنْيَا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} من الْمُوَحِّدين فَيَقُول الله لَهُم(1/391)
بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59)
{بلَى قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي} كتابي ورسولي {فَكَذَّبْتَ بِهَا} بِالْكتاب وَالرَّسُول {واستكبرت} عَن الْإِيمَان {وَكُنتَ مِنَ الْكَافرين} مَعَ الْكَافرين على دينهم(1/391)
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60)
{وَيَوْمَ الْقِيَامَة تَرَى الَّذين كَذَبُواْ عَلَى الله} فِي عُزَيْر وَعِيسَى وَالْمَلَائِكَة حِين قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله وعزير وَعِيسَى ولدا لله {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} وأعينهم مزرقة {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} منزل للْكَافِرِينَ(1/391)
وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61)
{وَيُنَجِّي الله الَّذين اتَّقوا} آمنُوا وأطاعوا رَبهم {بمفازتهم} بإيمَانهمْ وإحسانهم {لَا يمسهم السوء} لَا يصيبهم الشدَّة وَالْعَذَاب {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} إِذا حزن غَيرهم(1/391)
اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)
{الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} على قوت كل شَيْء كَفِيل وَيُقَال على كل شَيْء من أَعْمَالهم شَهِيد وَكيل(1/391)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (63)
{لَّهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {وَالَّذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ هُمُ الخاسرون} فِي الْآخِرَة المغبونون بالعقوبة(1/391)
قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة حِين قَالُوا لَهُ ارْجع إِلَى دين آبَائِك {أَفَغَيْرَ} دين {الله تأمروني أَعْبُدُ أَيُّهَا الجاهلون} الْكَافِرُونَ(1/391)
وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65)
{وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ} فِي الْقُرْآن {وَإِلَى الَّذين من قبلك} من الرُّسُل {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فِي الشّرك {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين} من المغبونين بالعقوبة(1/391)
بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)
{بَلِ الله فاعبد} وحد {وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ} بِمَا أنعم الله عَلَيْك من النُّبُوَّة وَالْكتاب وَالْإِسْلَام(1/391)
وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
{وَمَا قَدَرُواْ الله حَقَّ قَدْرِهِ} مَا عظموا الله حق عَظمته حِين قَالُوا يَد الله مغلولة وَحين قَالُوا إِن الله فَقير مُحْتَاج يطْلب منا الْقَرْض وَهَذِه مقَالَة مَالك بن الصَّيف الْيَهُودِيّ خذله الله {وَالْأَرْض جَمِيعاً قَبْضَتُهُ} فِي قَبضته {يَوْمَ الْقِيَامَة وَالسَّمَاوَات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} بقدرته يَوْم الْقِيَامَة وكلتا يَدي الله يَمِين {سُبْحَانَهُ} نزه نَفسه عَن مقَالَة الْيَهُود {وَتَعَالَى} تَبرأ وارتفع {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان(1/391)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68)
{وَنُفِخَ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْمَوْت {فَصَعِقَ} فَمَاتَ {مَن فِي السَّمَاوَات وَمَن فِي الأَرْض إِلاَّ مَن شَآءَ الله} من فِي الْجنَّة وَالنَّار وَيُقَال جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت فَإِنَّهُم لَا يموتون فِي النفخة الأولى وَلَكِن يموتون بعد ذَلِك {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} وَهِي نفخة الْبَعْث وَبَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة تمطر السَّمَاء بعْدهَا كنطف الرِّجَال {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} من الْقُبُور {يَنظُرُونَ} مَا يُقَال لَهُم(1/391)
وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
{وَأَشْرَقَتِ الأَرْض} أَضَاءَت الأَرْض {بِنُورِ رَبِّهَا} بضوء نور رَبهَا وَيُقَال بِعدْل رَبهَا {وَوُضِعَ الْكتاب} فِي الْأَيْمَان وَالشَّمَائِل وَهُوَ ديوَان الْحفظَة {وَجِيءَ بالنبيين} الَّذين لَيْسُوا بمرسلين {والشهدآء} يَعْنِي الْمُرْسلين وَيُقَال وجىء بالنبيين وَالْمُرْسلِينَ وَالشُّهَدَاء شُهَدَاء الْمُرْسلين على قَومهمْ {وَقُضِيَ بَيْنَهُم} وَبَين النَّبِيين {بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم(1/391)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70)
{وَوُفِّيَتْ} وفرت {كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {مَّا عَمِلَتْ} من خير أَو شَرّ {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر(1/391)
وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71)
{وَسِيقَ الَّذين كفرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} أمماً الأول فَالْأول {حَتَّى إِذا جاؤوها} يَعْنِي النَّار {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} طرقها لَهُم وَلم تكن قبل ذَلِك مَفْتُوحَة {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَآ} يَعْنِي الزَّبَانِيَة {أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يَا معشر الْكفَّار {رسل مِنْكُم} آدميون مثلكُمْ {يَتلون} يقرؤن {عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَيُنذِرُونَكُمْ} يخوفونكم {لِقَآءَ} عَذَاب {يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ بلَى} قد أتونا بالرسالة {وَلَكِن حَقَّتْ} وَجَبت {كَلِمَةُ الْعَذَاب عَلَى الْكَافرين} قبل ذَلِك(1/392)
قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)
{قِيلَ} يَقُول لَهُم الزَّبَانِيَة {ادخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} دائمين فِي النَّار {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} منزل المتعظمين عَن الْإِيمَان بِالْكتاب وَالرَّسُول(1/392)
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)
{وَسِيقَ الَّذين اتَّقوا} أطاعوا {رَبَّهُمْ إِلَى الْجنَّة زمرا} فوجا فوجا {حَتَّى إِذا جاؤوها} أَي الْجنَّة {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} وَقد كَانَت مَفْتُوحَة قبل ذَلِك {وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا} خزان الْجنان على بَاب الْجنان {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ} يسلمُونَ عَلَيْكُم بالتحية وَالسَّلَام {طِبْتُمْ} فزتم ونجوتم وَيُقَال طهرتم وصلحتم {فادخلوها} يَعْنِي الْجنَّة {خَالِدِينَ} دائمين مقيمين مقيمين فِيهَا لَا تموتون وَلَا تخرجُونَ مِنْهَا(1/392)
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74)
{وَقَالُواْ} بعد ذَلِك حِين علمُوا كَرَامَة الله {الْحَمد لِلَّهِ} الْمِنَّة لله {الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} أنجزنا وعده {وَأَوْرَثَنَا الأَرْض} أنزلنَا أَرض الْجنَّة {نَتَبَوَّأُ} ننزل {مِنَ الْجنَّة حَيْثُ نَشَآءُ} نشتهي {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين} ثَوَاب العاملين لله فِي الدُّنْيَا(1/392)
وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)
{وَتَرَى الْمَلَائِكَة حَآفِّينَ} محدقين {مِنْ حَوْلِ الْعَرْش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} بِأَمْر رَبهم {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} بَين النَّبِيين والأمم {بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {وَقِيلَ} لَهُم بعد الْفَرَاغ من الْحساب قُولُوا {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والْمنَّة لِلَّهِ {رَبِّ الْعَالمين} سيد الْجِنّ وَالْإِنْس على مَا فرق بَيْننَا وَبَين أَعْدَائِنَا وَهُوَ منزل حم وَهُوَ الْعَزِيز الْعَلِيم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْمُؤمن وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَا وَثَمَانُونَ آيَة وكلماتها ألف وَمِائَة وتسع وَتسْعُونَ وحروفها أَرْبَعَة آلَاف وتسمعائة وَسِتُّونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/392)
حم (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {حم} يَقُول قضى أَو بَين مَا هُوَ كَائِن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال قسم أقسم بِهِ(1/392)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2)
{تَنزِيلُ الْكتاب} إِن هَذَا الْقُرْآن تَنْزِيل {مِنَ الله الْعَزِيز الْعَلِيم} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ الْعَلِيم بِمن آمن بِهِ وَعَن لَا يُؤمن بِهِ(1/392)
غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{غَافِرِ الذَّنب} لمن قَالَ لَا إِلَه إلاَّ الله {وَقَابِلِ التوب} لمن تَابَ من الشّرك {شَدِيدِ الْعقَاب} لمن مَاتَ على الشّرك {ذِي الطول} ذِي الْمَنّ وَالْفضل والغنى يَعْنِي ذَا الْمَنّ وَالْفضل على من آمن بِهِ وَذَا الْغنى على من لَا يُؤمن بِهِ {لاَ إِلَه} يفعل ذَلِك {إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمصير} مصير من آمن بِهِ ومصير من لم يُؤمن بِهِ(1/392)
مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4)
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ الله} مَا يكذب بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِلاَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه أهل مَكَّة {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَاد} فَلَا تغتر يَا مُحَمَّد بذهابهم ومجيئهم فى الْأَسْفَار بِالتِّجَارَة فَإِنَّهُم لَيْسُوا على شَيْء(1/393)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5)
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {والأحزاب} الْكفَّار {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد قوم نوح كذبُوا الرُّسُل كَمَا كَذبك قَوْمك {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أَرَادَ كل قوم قتل رسولهم {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ} خاصموا الرُّسُل بالشرك {لِيُدْحِضُواْ بِهِ الْحق} ليبطلوا بالشرك الْحق مَا جَاءَت بِهِ الرُّسُل {فَأَخَذْتُهُمْ} عاقبتهم عِنْد التَّكْذِيب {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عقوبتي عَلَيْهِم عِنْد التَّكْذِيب(1/393)
وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {حَقَّتْ} وَجَبت {كَلِمَةُ رَبِّكَ} بِالْعَذَابِ {عَلَى الَّذين كفرُوا} بالرسل {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار فِي الْآخِرَة(1/393)
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7)
{الَّذين يَحْمِلُونَ الْعَرْش} عرش الرَّحْمَن وَهُوَ السرير وهم عشرَة أَجزَاء من الْمَلَائِكَة الحملة {وَمَنْ حَوْلَهُ} من الْمَلَائِكَة {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} بِأَمْر رَبهم {وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} وهم يُؤمنُونَ بِاللَّه {وَيَسْتَغْفِرُونَ} يدعونَ {للَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيَقُولُونَ {رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً} مَلَأت كل شَيْء نعْمَة {وَعِلْماً} عَالم أَنْت بِكُل شَيْء {فَاغْفِر لِلَّذِينَ تَابُواْ} من الشّرك {وَاتبعُوا سَبِيلَكَ} دينك الْإِسْلَام {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيم} ادْفَعْ عَنْهُم عَذَاب النَّار(1/393)
رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)
{رَبَّنَا} يَا رَبنَا {وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ} مَعْدن الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ {الَّتِي وَعَدْتَّهُمْ} فِي الْكتاب {وَمَن صَلَحَ} من وحد أَيْضا {مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز} فِي ملكك وسلطانك {الْحَكِيم} فِي أَمرك وقضائك(1/393)
وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
{وَقِهِمُ السَّيِّئَات} ادْفَعْ عَنْهُم عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {وَمَن تَقِ السَّيِّئَات} وَمن دفعت عَنهُ الْعَذَاب {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {فَقَدْ رَحِمْتَهُ} غفرت لَهُ وعصمته وعظمته {وَذَلِكَ} الغفران وَالدَّفْع {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار(1/393)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)
{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه وبالكتب وَالرسل إِذا دخلُوا النَّار يَقُول كل وَاحِد مِنْهُم مَقَتك يَا نَفسِي {يُنَادَوْنَ} فيناديهم الْمَلَائِكَة {لَمَقْتُ الله} فِي الدُّنْيَا {أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} الْيَوْم فِي النَّار {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَان فَتَكْفُرُونَ} فتجحدون(1/393)
قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11)
{قَالُواْ} يَعْنِي الْكفَّار فِي النَّار {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ} مرَّتَيْنِ مرّة بِقَبض أَرْوَاحنَا وَمرَّة بعد مَا سَأَلنَا مُنكر وَنَكِير فِي الْقُبُور {وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} مرَّتَيْنِ مرّة قبل أَن سَأَلنَا مُنكر وَنَكِير فِي الْقُبُور وَمرَّة للبعث {فاعترفنا} فأقررنا {بِذُنُوبِنَا} بشركنا وجحودنا من ذَلِك {فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ} رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا {مِّن سَبِيلٍ} من حِيلَة فنؤمن بك يَقُول الله لَهُم(1/393)
ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)
{ذَلِكُم} الْعَذَاب فِي النَّار والمقت {بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ} إِذا قيل لكم قُولُوا لَا إِلَه إلاَّ الله {كَفَرْتُمْ} جحدتم {وَإِن يُشْرَكْ بِهِ} الْأَوْثَان {تُؤْمِنُواْ} تقروا {فَالْحكم لِلَّهِ} فالقضاء بَين الْعباد لله حكم بالنَّار لمن كفر بِهِ {الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْكَبِير} أكبر كل شَيْء(1/393)
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13)
{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ} يَا أهل مَكَّة {آيَاتِهِ} عَلَامَات وحدانيته وَقدرته وعجائبه من خراب مسَاكِن الَّذين ظلمُوا {وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً}(1/393)
مَطَرا {وَمَا يَتَذَكَّرُ} مَا يتعظ بِالْقُرْآنِ {إِلاَّ مَن يُنِيبُ} إِلَّا من يقبل إِلَى الله(1/394)
فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)
{فَادعوا الله} فاعبدوا الله {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} لله بِالْعبَادَة والتوحيد {وَلَوْ كَرِهَ} وَإِن كره {الْكَافِرُونَ} أهل مَكَّة(1/394)
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15)
{رَفِيعُ الدَّرَجَات} خَالق السَّمَوَات رَفعهَا فَوق كل شَيْء {ذُو الْعَرْش} السرير {يُلْقِي الرّوح مِنْ أَمْرِهِ} ينزل جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {على مَن يَشَآءُ} على من يحب {مِنْ عِبَادِهِ} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لينذر} ليخوف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {يَوْمَ التلاق} يَوْم يلتقي أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض وَيُقَال يَوْم يلقى الْخَالِق الْمَخْلُوق(1/394)
يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16)
{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} خارجون من الْقُبُور {لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ} وَلَا من أَعْمَالهم شَيْء فَيَقُول الله بعد نفخة الْمَوْت {لِّمَنِ الْملك الْيَوْم} فَلَيْسَ يجِيبه أحد فَيرد على نَفسه فَيَقُول {لِلَّهِ الْوَاحِد} بِلَا ولد وَلَا شريك {القهار} لخلقه بِالْمَوْتِ الْغَالِب عَلَيْهِم(1/394)
الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)
{الْيَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تجزى كُلُّ نَفْسٍ} برة أَو فاجرة {بِمَا كَسَبَتْ} من الْخَيْر وَالشَّر {لاَ ظُلْمَ الْيَوْم} على أحد أَي لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم {إِنَّ الله سَرِيعُ الْحساب} إِذا حاسب وَيُقَال شَدِيد الْعقَاب إِذا عاقب(1/394)
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18)
{وَأَنذِرْهُمْ} خوفهم يَا مُحَمَّد {يَوْمَ الأزفة} من أهوال يَوْم الأزفة وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة يزف بَعضهم إِلَى بعض ويسرع {إِذِ الْقُلُوب لَدَى الْحَنَاجِر} عِنْد الْحَنَاجِر {كَاظِمِينَ} مغمومين محزونين يتَرَدَّد الغيظ فِي أَجْوَافهم {مَا لِلظَّالِمِينَ} الْمُشْركين {مِنْ حَمِيمٍ} من قريب يَنْفَعهُمْ {وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ} فيهم بالشفاعة(1/394)
يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19)
{يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الْأَعْين} النظرة بعد النظرة الثَّانِيَة من الْخِيَانَة {وَمَا تُخْفِي الصُّدُور} مَا تضمر الْقُلُوب عِنْد النظرة الثَّانِيَة يعلم الله ذَلِك(1/394)
وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)
{وَالله يَقْضِي بِالْحَقِّ} يحكم بالشفاعة لمن يَشَاء يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال يَأْمر بِالْعَدْلِ {وَالَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله من الْأَوْثَان {لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لَا يحكمون بِشَيْء من الشَّفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُم مقدرَة على ذَلِك وَيُقَال لَا يقضون بِشَيْء لَا يأمرون بِخَير فِي الدُّنْيَا لأَنهم صم بكم {إِنَّ الله هُوَ السَّمِيع} لمقالتهم {الْبَصِير} بهم وبأعمالهم(1/394)
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21)
{أولم يَسِيرُوا} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} فيتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَآثَاراً فِي الأَرْض} أَشد لَهَا طلبا وَأبْعد ذَهَابًا فِي طلبَهَا {فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ} فعاقبهم الله بِذُنُوبِهِمْ بتكذيبهم الرُّسُل {وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ الله} من عَذَاب الله {مِن وَاقٍ} من مَانع(1/394)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)
{ذَلِك} الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا {بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَكَفَرُواْ} بالرسل وَبِمَا جَاءُوا بِهِ {فَأَخَذَهُمُ الله} بالعقوبة {إِنَّهُ قَوِيٌّ} بِأَخْذِهِ {شَدِيدُ الْعقَاب} لمن عاقبه(1/394)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} التسع {وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} حجَّة مبينَة(1/394)
إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24)
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وَزِير فِرْعَوْن {وَقَارُونَ} ابْن عَم مُوسَى {فَقَالُواْ} لمُوسَى هَذَا {سَاحِرٌ} يفرق بَين الِاثْنَيْنِ {كَذَّابٌ} يكذب على الله(1/394)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)
{فَلَمَّا جَآءَهُمْ} مُوسَى {بِالْحَقِّ} بِالْكتاب {مِنْ عِندِنَا قَالُواْ اقْتُلُوا أَبْنَآءَ الَّذين آمَنُواْ مَعَهُ}(1/394)
أَي أعيدوا عَلَيْهِم الْقَتْل {واستحيوا نِسَآءَهُمْ} استخدموا نِسَاءَهُمْ وَلَا تقتلوهن {وَمَا كَيْدُ الْكَافرين} مَا صنع فِرْعَوْن وَقَومه {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} فِي خطأ(1/395)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ (26)
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذروني أَقْتُلْ} أَي اتركوني أقتل {مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} الَّذِي يزْعم أَنه أرْسلهُ إِلَيّ {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْض الْفساد} يقتل أبناءكم ويستخدم نساءكم كَمَا قتلتم واستخدمتم وَيُقَال أَو أَن يظهروا فِي الأَرْض الْفساد بترك دينكُمْ وَدين آبائكم ويدخلكم فِي دينه إِن قَرَأت بِنصب الْيَاء وَالْهَاء(1/395)
وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ (27)
{وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ} اعتصمت {بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} متعظم عَن الْإِيمَان {لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحساب} بِيَوْم الْقِيَامَة(1/395)
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (28)
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ} وَهُوَ حزقيل {مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} وَهُوَ ابْن عَم فِرْعَوْن {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} من فِرْعَوْن وَقَومه مائَة سنة وَيُقَال وَقَالَ رجل مُؤمن وَهُوَ حزقيل يكتم إيمَانه من آل فِرْعَوْن وَقَومه مقدم ومؤخر {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله} أَرْسلنِي إِلَيْكُم {وَقَدْ جَآءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي وعلامات النُّبُوَّة {مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً} فِيمَا يَقُول {فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} عُقُوبَة كذبه {وَإِن يَكُ صَادِقاً} فِيمَا يَقُول وَقد كذبتموه {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} من الْعَذَاب فِي الدُّنْيَا {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {مَنْ هُوَ مُسْرِف} مُشْرك {كَذَّاب} كَاذِب على الله(1/395)
يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ (29)
{يَا قوم لَكُمُ الْملك الْيَوْم ظَاهِرِينَ} غَالِبين {فِي الأَرْض} أَرض مصر {فَمَن يَنصُرُنَا} يمنعنا {مِن بَأْسِ الله} من عَذَاب الله {إِن جَآءَنَا} حِين جَاءَنَا {قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ} مَا آمركُم {إِلاَّ مَآ أرى} لنَفْسي حَقًا أَن تعبدوني {وَمَآ أَهْدِيكُمْ} أدعوكم {إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} طَرِيق الْحق وَالْهدى(1/395)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (30)
{وَقَالَ الَّذِي آمن} يعْنى حزقيل {يَا قوم إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَاب} مثل عَذَاب الْكفَّار قبلكُمْ(1/395)
مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ (31)
{مِثْلَ دَأْبِ} مثل عَذَاب {قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ} قوم هود {وَثَمُودَ} قوم صَالح {وَالَّذين مِن بَعْدِهِمْ} من الْكفَّار {وَمَا الله يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ} أَن يكون مِنْهُ ظلم على الْعباد وَأَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم(1/395)
وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (32)
{وَيَا قوم إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم الْعَذَاب {يَوْمَ التناد} يَوْم يُنَادي بَعْضكُم بَعْضًا ويناديكم أَصْحَاب الْأَعْرَاف وَيُقَال يَوْم الْفِرَار إِن قَرَأت مثقلة الدَّال(1/395)
يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33)
{يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ} هاربين من عَذَاب الله {مَا لَكُمْ مِّنَ الله} من عَذَاب الله {مِنْ عَاصِمٍ} من مَانع {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} من مرشد غير الله(1/395)
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (34)
{وَلَقَدْ جَآءَكُمْ يُوسُفُ} قَالَ لَهُم حزقيل هَذَا {مِن قَبْلُ} من قبل مُوسَى {بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي وتعبير الرُّؤْيَا وشق الْقَمِيص {فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُمْ بِهِ} يُوسُف {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} مَاتَ(1/395)
{قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ} من بعد مَوته {رَسُولاً كَذَلِك يُضِلُّ الله} عَن دينه {مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} مُشْرك {مُّرْتَابٌ} فِي شركه(1/396)
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (35)
{الَّذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله} يكذبُون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} حجَّة {أَتَاهُمْ} من الله وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه المستهزئون {كَبُرَ مَقْتاً} عظم بغضاً {عِندَ الله} يَوْم الْقِيَامَة {وَعِندَ الَّذين آمَنُواْ} فِي الدُّنْيَا {كَذَلِك} هَكَذَا {يَطْبَعُ الله} يخْتم الله {على كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ} عَن الْإِيمَان {جَبَّارٍ} عَن قبُول الْحق وَالْهدى(1/396)
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36)
(وَقَالَ فِرْعَوْن) لوزيره {يَا هامان ابْن لِي صَرْحاً} قصراً {لعَلي أَبْلُغُ الْأَسْبَاب} أصعد الْأَبْوَاب(1/396)
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ (37)
{أَسْبَابَ السَّمَاوَات} أَبْوَاب السَّمَوَات {فَأَطَّلِعَ} فَأنْظر {إِلَى إِلَه مُوسَى} الَّذِي يزْعم أَنه فِي السَّمَاء أرْسلهُ إليَّ {وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً} مَا فِي السَّمَاء من إِلَه فَلم يبن واشتغل بمُوسَى {وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {زين لفرعون سوء عَمَلِهِ} قبح عمله {وَصُدَّ عَنِ السَّبِيل} صرف فِرْعَوْن عَن الْحق وَالْهدى {وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ} صنع فِرْعَوْن {إِلاَّ فِي تَبَابٍ} فِي خسار(1/396)
وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38)
{وَقَالَ الَّذِي آمن} يعْنى حزقيل {يَا قوم اتبعون} فِي ديني {أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرشاد} أدعكم إِلَى الْحق وَالْهدى(1/396)
يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)
{يَا قوم إِنَّمَا هَذِه الْحَيَاة الدُّنْيَا مَتَاعٌ} كمتاع الْبَيْت لَا يبْقى {وَإِنَّ الْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {هِيَ دَارُ الْقَرار} الْمقَام الدَّائِم لَا تَحْويل مِنْهَا(1/396)
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)
{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً} فِي الشّرك {فَلاَ يجزى إِلاَّ مِثْلَهَا} النَّار {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا {من ذكر أَو أُنْثَى} من رجال أَو نسَاء {وَهُوَ مُؤْمِنٌ} وَمَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص بإيمانه {فَأُولَئِك يَدْخُلُونَ الْجنَّة يُرْزَقُونَ} يطْعمُون {فِيهَا} فِي الْجنَّة {بِغَيْرِ حِسَابٍ} بِلَا قُوَّة وَلَا هنداز وَلَا منَّة(1/396)
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)
{وَيَا قوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجَاة} إِلَى التَّوْحِيد وَهَذَا قَول حزقيل أَيْضا {وتدعونني إِلَى النَّار} إِلَى عمل أهل النَّار الشّرك بِاللَّه(1/396)
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42)
{تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّه وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أَنه شَرِيكه ولي بِهِ علم أَنه لَيْسَ لَهُ شريك {وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيز} إِلَى تَوْحِيد الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْغفار} لمن آمن بِهِ(1/396)
لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)
{لاَ جَرَمَ} حَقًا {أَنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} مقدرَة {فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الْآخِرَة وَأَنَّ مَرَدَّنَآ} مرجعنا {إِلَى الله} بعد الْمَوْت {وَأَنَّ المسرفين} الْمُشْركين {هُمْ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار(1/396)
فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44)
{فَسَتَذْكُرُونَ} فستعلمون يَوْم الْقِيَامَة {مَآ أَقُولُ لَكُمْ} فِي الدُّنْيَا من الْعَذَاب {وَأُفَوِّضُ} أكل {أَمْرِي إِلَى الله} وأثق بِهِ {إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد} لمن آمن بِهِ وبمن لَا يُؤمن بِهِ(1/396)
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)
{فَوقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُواْ} فَدفع الله عَنهُ مَا أَرَادوا بِهِ من الْقَتْل {وَحَاقَ} نزل وَدَار {بآل فِرْعَوْن} بفرعون وَقَومه {سوء الْعَذَاب} شدَّة الْعَذَاب وَهُوَ الْغَرق(1/397)
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)
{النَّار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} يَقُول يعرض أَرْوَاح آل فِرْعَوْن على النَّار {غُدُوّاً وَعَشِيّاً} غدْوَة وَعَشِيَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله لملائكته {أدخلُوا آلَ فِرْعَوْنَ} قومه {أَشَدَّ الْعَذَاب} أَسْفَل النَّار(1/397)
وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (47)
{وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ} يتخاصمون {فِي النَّار} القادة والسفلة {فَيَقُولُ الضُّعَفَاء} السفلة {لِلَّذِينَ استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان يَعْنِي القادة {إِنَّا كُنَّا لَكُمْ} فِي الدُّنْيَا {تَبَعاً} مُطيعًا على دينكُمْ {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ} حاملون {عَنَّا نَصِيباً} بَعْضًا {مِّنَ النَّار} مِمَّا علينا(1/397)
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (48)
{قَالَ الَّذين استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وهم القادة للسفلة {إِنَّا كُلٌّ} العابد والمعبود والقادة والسفلة {فِيهَآ} فِي النَّار {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعباد} بَين العابد والمعبود والقادة والسفلة بالنَّار وَيُقَال بَين الْمُؤمنِينَ والكافرين بِالْجنَّةِ وَالنَّار(1/397)
وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)
{وَقَالَ الَّذين فِي النَّار} إِذا اشتدت عَلَيْهِم النَّار وَقل صبرهم وَأَيِسُوا من دُعَائِهِمْ {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} للزبانية {ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ} يرفع {عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَاب} بِقدر يَوْم من أَيَّام الدُّنْيَا(1/397)
قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (50)
{قَالُوا} يَعْنِي الزَّبَانِيَة للْكفَّار {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات وتبليغ الرسَالَة من الله {قَالُواْ بلَى} قد أتونا بالرسالة {قَالُواْ} يَعْنِي الزَّبَانِيَة لَهُم استهزاء بهم {فَادعوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافرين} فِي النَّار {إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} فِي بَاطِل وَيُقَال وَمَا عبَادَة الْكَافرين فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي خطأ(1/397)
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذين آمَنُواْ} بالرسل {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} بالنصرة وَالْغَلَبَة على أعدائهم {وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَقُومُ الأشهاد} الْمَلَائِكَة ينصرونهم بالعذر وَالْحجّة والأشهاد الرُّسُل وَيُقَال هم الْحفظَة يشْهدُونَ عَلَيْهِم بِمَا عمِلُوا(1/397)
يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)
{يَوْمَ لاَ يَنفَعُ الظَّالِمين} الْكَافرين {مَعْذِرَتُهُمْ} اعتذارهم من الْكفْر {وَلَهُمُ اللَّعْنَة} السخط وَالْعَذَاب {وَلَهُمْ سوء الدَّار} النَّار(1/397)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ (53)
{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْهدى} يَعْنِي التَّوْرَاة وآتينا دَاوُد الزبُور وَعِيسَى ابْن مَرْيَم الْإِنْجِيل {وَأَوْرَثْنَا بني إِسْرَائِيلَ الْكتاب} أنزلنَا على بني إِسْرَائِيل من بعدهمْ الْكتاب كتاب دَاوُد وَعِيسَى(1/397)
هُدًى وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (54)
{هُدىً} من الضَّلَالَة {وذكرى} عظة {لأُوْلِي الْأَلْبَاب} لِذَوي الْعُقُول من النَّاس(1/397)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)
{فاصبر} يَا مُحَمَّد على أَذَى الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين {إِنَّ وَعْدَ الله} لَك بالنصرة على هلاكهم {حَقٌّ} كَائِن {واستغفر لِذَنبِكَ} لتقصير شكر مَا أنعم الله عَلَيْك وعَلى أَصْحَابك {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} وصل بِأَمْر رَبك {بالْعَشي وَالْإِبْكَار} غدْوَة وَعَشِيَّة(1/397)
إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (56)
{إِنَّ الَّذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله} يكذبُون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم الْيَهُود وَكَانُوا أَيْضا يجادلون مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِصفة الدَّجَّال وعظمته وَرُجُوع الْملك إِلَيْهِم عِنْد خُرُوج الدَّجَّال {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} حجَّة {أَتَاهُمْ} من الله على مَا زَعَمُوا {إِن فِي صُدُورِهِمْ} مَا فِي قُلُوبهم {إِلاَّ كِبْرٌ} عَن الْحق {مَّا هُم بِبَالِغِيهِ} ببالغي مَا فِي صُدُورهمْ من الْكبر وَمَا يُرِيدُونَ من رُجُوع الْملك إِلَيْهِم عِنْد خُرُوج الدَّجَّال {فاستعذ بِاللَّه} يَا مُحَمَّد من فتْنَة الدَّجَّال {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالة الْيَهُود {الْبَصِير} بهم وبأعمالهم وبفتنة الدَّجَّال وبخروجه(1/397)
لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)
{لَخَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَكْبَرُ} أعظم(1/397)
{مِنْ خَلْقِ النَّاس} من خلق الدَّجَّال {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} يَعْنِي الْيَهُود {لاَ يَعْلَمُونَ} فتْنَة الدَّجَّال(1/398)
وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58)
{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى} يَعْنِي الْكَافِر {والبصير} يَعْنِي الْمُؤمن بالثواب والكرامة {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَلَا الْمُسِيء} الْمُشرك بِاللَّه {قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} مَا تتعظون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير من أَمْثَال الْقُرْآن(1/398)
إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)
{إِن السَّاعَة} قيام السَّاعَة {لآيَة} لكائنة {لاَّ رَيْبَ فِيهَا} لَا شكّ فِي قِيَامهَا {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يُؤْمِنُونَ} بِقِيَام السَّاعَة(1/398)
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)
{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي} وحدوني {أَسْتَجِبْ لَكُمْ} أَغفر لكم وَيُقَال ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم أسمع مِنْكُم وَأَقْبل إِلَيْكُم {إِنَّ الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ} يتعاظمون {عَنْ عِبَادَتِي} عَن توحيدي وطاعتي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخرين} صاغرين(1/398)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)
{الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {اللَّيْل لِتَسْكُنُواْ فِيهِ} لتستقروا فِي اللَّيْل {وَالنَّهَار مُبْصِراً} مطلباً مضيئاً {إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ} لذُو منٍّ {عَلَى النَّاس} أهل مَكَّة {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَشْكُرُونَ} بذلك وَلَا يُؤمنُونَ بِاللَّه(1/398)
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62)
{ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} الَّذِي يفعل ذَلِك هُوَ ربكُم فاشكروه {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} بَائِن مِنْهُ {لاَّ إِلَه} لَا خَالق {إِلاَّ هُوَ فَأنى تُؤْفَكُونَ} من أَيْن تكذبون على الله(1/398)
كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63)
{كَذَلِكَ} هَكَذَا {يُؤْفَكُ} يكذب على الله {الَّذين كَانُوا بآيَات الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يَجْحَدُونَ} يكفرون(1/398)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)
{الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {الأَرْض قَرَاراً} منزلا للأحياء والأموات {والسمآء بِنَآءً} سقفاً مَرْفُوعا {وَصَوَّرَكُمْ} فِي الْأَرْحَام {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} من صور الدَّوَابّ وَيُقَال أحكم صوركُمْ {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} جعل أرزاقكم أطيب وألين من رزق الدَّوَابّ وَيُقَال رزقكم من الْحَلَال {ذَلِكُم الله رَبُّكُمْ} الَّذِي فعل ذَلِك هُوَ ربكُم فاشكروه {فَتَبَارَكَ الله} ذُو بركَة {رَبُّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض(1/398)
هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65)
{هُوَ الْحَيّ} الَّذِي لَا يَمُوت {لاَ إِلَه} يفعل ذَلِك {إِلاَّ هُوَ فَادعوهُ} فوحدوه {مُخْلِصِينَ لَهُ الدّين} مُخلصين لَهُ بِالْعبَادَة والتوحيد {الْحَمد لِلَّهِ} الشُّكْر لله والربوبية لله {رَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض(1/398)
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66)
{قُلْ} لأهل مَكَّة يَا مُحَمَّد حِين قَالُوا لَهُ ارْجع إِلَى دين آبَائِك {إِنِّي نُهِيتُ} فِي الْقُرْآن {أَنْ أَعْبُدَ الَّذين تَدْعُونَ} تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {لَمَّا جَآءَنِيَ الْبَينَات} حِين جَاءَنِي الْبَيَان {مِن رَّبِّي} بِأَن الله وَاحِد لَا شريك لَهُ {وَأُمِرْتُ} فِي الْقُرْآن {أَنْ أُسْلِمَ} أَن استقيم على الْإِسْلَام {لِرَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض(1/398)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67)
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ} من آدم وآدَم من تُرَاب {ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ} ثمَّ خَلقكُم من نُطْفَة آبائكم {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} من دم عبيط {ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ} من بطُون أُمَّهَاتكُم {طِفْلاً} صغَارًا {ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ} مَا بَين ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً} بعد الأشد {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} تقبض روحه(1/398)
{مِن قَبْلُ} من قبل الْبلُوغ والشيخوخة {ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى} مَعْلُوما مُنْتَهى آجالكم {وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت(1/399)
هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68)
{هُوَ الَّذِي يحيي} الْبَعْث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {فَإِذَا قضى أَمْراً} فَإِذا أَرَادَ أَن يخلق ولدا بِلَا أَب مثل عِيسَى {فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ} ولدا بِلَا أَب وَيُقَال فَإِذا قضى أمرا فَإِذا أَرَادَ أَن تكون الْقِيَامَة فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ للقيامة كن فَتكون بَين الْكَاف وَالنُّون قبل أَن تتصل الْكَاف مَعَ النُّون فَيكون(1/399)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر يَا مُحَمَّد فِي الْقُرْآن {إِلَى الَّذين} عَن الَّذين {يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ الله} يكذبُون بِالْقُرْآنِ {أَنى يُصْرَفُونَ} بِالْكَذِبِ فَكيف يكذبُون على الله(1/399)
الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70)
{الَّذين كَذَّبُواْ بِالْكتاب} بِالْقُرْآنِ {وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا} من الْكتب {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {يَعْلَمُونَ} يَوْم الْقِيَامَة مَاذَا يفعل بهم(1/399)
إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71)
{إِذِ الأغلال فِي أَعْنَاقِهِمْ} أغلال الْحَدِيد فِي أَيْمَانهم {والسلاسل} فِي أَعْنَاقهم مَعَ الشَّيَاطِين {يُسْحَبُونَ}(1/399)
فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)
{فِي الْحَمِيم} يجرونَ فِي النَّار {ثُمَّ فِي النَّار يُسْجَرُونَ} يوقدون(1/399)
ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73)
{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ} تَقول الزَّبَانِيَة {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ} تَعْبدُونَ(1/399)
مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74)
{مِن دُونِ الله} وتقولون إِنَّهُم شُرَكَاء الله {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} اشتغلوا عَنَّا بِأَنْفسِهِم ثمَّ جَحَدُوا ذَلِك وَقَالُوا {بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ} نعْبد {مِن قَبْلُ} من قبل هَذَا {شَيْئاً} من دون الله {كَذَلِك} هَكَذَا {يُضِلُّ الله الْكَافرين} عَن الْحجَّة(1/399)
ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75)
{ذَلِكُم} الْعَذَاب فِي النَّار {بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ} تبطرون {فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق {وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ} تتكبرون فِي الشّرك(1/399)
ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76)
{ادخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ} مقيمين {فِيهَا} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} منزل الْكَافرين النَّار(1/399)
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77)
{فاصبر} يَا مُحَمَّد على أَذَى الْكفَّار {إِنَّ وَعْدَ الله} بالنصرة لَك على هلاكهم {حَقٌّ} كَائِن {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} من الْعَذَاب يَوْم بدر {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} قبل أَن نريك {فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت إِن رَأَيْت عَذَابهمْ أَو لم تَرَ(1/399)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ} إِلَى قَومهمْ {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ} من الرُّسُل من سميناهم لَك لتعلمهم {وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} لم نسمهم لَك لَا تعلمهمْ {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ} بعلامة {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بِأَمْر الله وَذَلِكَ حِين طلبُوا من النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم آيَة {فَإِذَا جَآءَ أَمْرُ الله} وَقت عَذَاب الله فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة {قُضِيَ بِالْحَقِّ} عذبُوا بِالْحَقِّ وَيُقَال قضى يَوْم الْقِيَامَة بِالْعَدْلِ بَين الرُّسُل والأمم {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} غبن عِنْد ذَلِك {المبطلون} الْكَافِرُونَ(1/399)
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79)
{الله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ} خلق لكم {الْأَنْعَام لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} من لحومها تَأْكُلُونَ(1/399)
وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80)
{وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} من أَلْبَانهَا وأصوافها {وَلِتَبْلُغُواْ} لكَي تَطْلُبُوا {عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} فِي قُلُوبكُمْ {وَعَلَيْهَا} على ظُهُورهَا فِي الْبر {وَعَلَى الْفلك} على السفن فِي الْبَحْر {تُحْمَلُونَ} تسافرون(1/399)
وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81)
{وَيُرِيكُمْ} يَا أهل مَكَّة {آيَاتِهِ} عجائبه الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَالْجِبَال والسحاب والبحار وَغير ذَلِك وكل هَذَا من آيَات الله {فَأَيَّ آيَاتِ الله} أَي فَبِأَي آيَات الله {تُنكِرُونَ} تجحدون أَنَّهَا لَيست من الله(1/400)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فَيَنظُرُواْ} ويتفكروا {كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} كَيفَ أهلكناهم عِنْد تكذيبهم الرُّسُل {كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ} من أهل مَكَّة فِي الْعدَد {وَأَشَدَّ قُوَّةً} بِالْبدنِ {وَآثَاراً فِي الأَرْض} أَشد لَهَا طلبا وَأبْعد ذَهَابًا {فَمَآ أغْنى عَنْهُم} من عَذَاب الله {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون فِي دينهم(1/400)
فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83)
{فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {فَرِحُواْ} عجبوا {بِمَا عِنْدهم من الْعلم} الَّذين وَالْعَمَل وَكَانَ ذَلِك مِنْهُم ظنا بِغَيْر يَقِين {وَحَاقَ} نزل وَدَار {بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} عُقُوبَة استهزائهم بالرسل(1/400)
فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84)
{فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} عذابنا لهلاكهم {قَالُوا آمَنَّا بِاللَّه وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ} بِاللَّه {مُشْرِكِينَ} وَهَذَا بِاللِّسَانِ دون الْقلب عِنْد مُعَاينَة الْعَذَاب(1/400)
فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)
{فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} عذابنا لهلاكهم فالإيمان عِنْد المعاينة لَا ينفع وَقبل ذَلِك ينفع وَكَذَلِكَ التَّوْبَة {سُنَّةَ الله} هَكَذَا سيرة الله {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} مَضَت {فِي} على {عِبَادِهِ} بِالْعَذَابِ عِنْد التَّكْذِيب وَيرد الْإِيمَان وَالتَّوْبَة عِنْد المعاينة {وَخَسِرَ هُنَالِكَ} غبن بالعقوبة عِنْد المعاينة {الْكَافِرُونَ} بِاللَّه
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا السَّجْدَة وهى كلهَا مَكِّيَّة
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/400)
حم (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَهُوَ قسم أقسم بِهِ(1/400)
تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)
{تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَن الرَّحِيم كِتَابٌ} يَقُول هَذَا كتاب تَنْزِيل من الرَّحْمَن الرَّحِيم على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فُصِّلَتْ} بيّنت {آيَاتُهُ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام {قُرْآناً عَرَبِيّاً} على مجْرى لُغَة الْعَرَب نزل الله جِبْرِيل بِهِ على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لقوم يعلمُونَ} يصدقون بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن وَالْقُرْآن(1/400)
بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4)
{بَشِيراً} بِالْجنَّةِ {وَنَذِيراً} من النَّار يبشر بِالْجنَّةِ من آمن بِالْقُرْآنِ ويخوف من النَّار من كفر بِالْقُرْآنِ {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ} كفار مَكَّة عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ} لَا يصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَلَا يطيعون الله(1/400)
وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)
{وَقَالُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} فِي أغطية {مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ} من الْقُرْآن والتوحيد {وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ} صمم لَا نسْمع قَوْلك لنا {وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حجاب} ستر غطوا رُءُوسهم بالثياب ثمَّ قَالُوا يَا مُحَمَّد بَيْننَا وَبَيْنك حجاب ستر لَا نسْمع كلامك استهزاء مِنْهُم بك {فاعمل} فِي دينك لإلهك بهلاكنا {إِنَّنَا عَامِلُونَ} لِآلِهَتِنَا فِي ديننَا بهلاكك(1/400)
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ} آدَمِيّ {مِّثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ} أرسل إِلَى جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ أبلغكم {أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ} بِلَا ولد وَلَا شريك {فاستقيموا إِلَيْهِ} فاقبلوا إِلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ من الشّرك {واستغفروه} وحدوه(1/400)
{وَوَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم {لِّلْمُشْرِكِينَ} لأبي جهل وَأَصْحَابه(1/401)
الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)
{الَّذين لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاة} لَا يقرونَ بِلَا إِلَه إِلَّا الله {وَهُمْ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار {هُمْ كَافِرُونَ} جاحدون(1/401)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8)
{إِن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ أَجْرٌ} ثَوَاب {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مَنْقُوص وَيُقَال غير مُنْقَطع عَنْهُم وَيُقَال لَا يمنون بذلك وَيُقَال يكْتب ثَوَاب أَعْمَالهم بعد الْهَرم أَو الْمَوْت إِلَى يَوْم الْقِيَامَة غير مَنْقُوص(1/401)
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد {أَئِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْض فِي يَوْمَيْنِ} طول كل يَوْم ألف سنة مِمَّا تَعدونَ يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الِاثْنَيْنِ {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً} أعدالاً من الْأَصْنَام {ذَلِك} الَّذِي خلقهما {رَبُّ الْعَالمين} رب كل شَيْء ذِي روح(1/401)
وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)
{وَجَعَلَ فِيهَا} خلق فِيهَا {رَوَاسِيَ} الْجبَال الثوابت {مِن فَوْقِهَا} أوتاداً لَهَا {وَبَارَكَ فِيهَا} فِي الأَرْض بِالْمَاءِ وَالشَّجر والنبات وَالثِّمَار {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} معايشها فَفِي كل أَرض معيشة لَيست فِي غَيرهَا {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} يَقُول خلق الله الْأَرْوَاح قبل الأجساد بأَرْبعَة آلَاف سنة من سنى الدُّنْيَا وَقدر فِيهَا أرزاق الأجساد قبل أرواحها بأَرْبعَة آلَاف سنة من سني الدُّنْيَا {سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ} سَوَاء لمن سَأَلَ وَلمن لم يسْأَل يَعْنِي الرزق وَيُقَال بَيَانا للسائلين كَيفَ خلقهَا هَكَذَا خلقهَا(1/401)
ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)
{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السمآء} ثمَّ عمد إِلَى خلق السَّمَاء {وَهِيَ دُخَانٌ} بخار المَاء {فَقَالَ لَهَا} للسماء {وَلِلأَرْضِ} بعد مَا فرغ مِنْهُمَا (ائتيا) أعطيا مَا فيكما من المَاء والنبات {طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا} أعطينا {طَآئِعِينَ} لله كارهين بجفاء الْخلق(1/401)
فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)
{فَقَضَاهُنَّ} خَلقهنَّ {سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} بَعْضهَا فَوق بعض {فِي يَوْمَيْنِ} طول كل يَوْم ألف سنة {وَأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا} خلق لكل سَمَاء أَهلا وَأمر لَهَا أمرهَا {وَزَيَّنَّا السمآء الدُّنْيَا} الأولى {بِمَصَابِيحَ} بالنجوم {وَحِفْظاً} وحفظناها بالنجوم من الشَّيَاطِين فبعض النُّجُوم زِينَة السَّمَاء لَا يَتَحَرَّك وَبَعضهَا يهتدى بِهِ فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر وَبَعضهَا رجوم للشياطين {ذَلِكَ تَقْدِيرُ} تَدْبِير {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْعَلِيم} بتدبيره وبمن آمن بِهِ وبمن لَا يُؤمن بِهِ(1/401)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} كفار مَكَّة عَن الْإِيمَان وَهُوَ عتبَة وَأَصْحَابه {فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ} خوفتكم بِالْقُرْآنِ {صَاعِقَةً} عذَابا {مِّثْلَ صَاعِقَةِ} مثل عَذَاب {عَادٍ وَثَمُودَ}(1/401)
إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)
{إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} من قبل عَاد وَثَمُود إِلَى قَومهمْ {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من بعدهمْ أَيْضا جَاءَت الرُّسُل إِلَى قَومهمْ وَقَالُوا لقومهم {أَلاَّ تعبدوا} أَن لَا توحدوا {إِلَّا الله قَالُوا} كل يَوْم لرسولهم {لَوْ شَآءَ رَبُّنَا} أَن ينزل إِلَيْنَا رَسُولا {لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً} من الْمَلَائِكَة الَّذين عِنْده {فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} جاحدون مَا أَنْتُم إِلَّا بشر مثلنَا(1/401)
فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15)
{فَأَمَّا عَادٌ} قوم هود {فاستكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان {فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق كَانَ لَهُم {وَقَالُواْ} لهود {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّة} بِالْبدنِ والمنعة فيهلكنا {أولم يرَوا} أولم يعلمُوا {أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} مَنْعَة يقدر على إهلاكهم {وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا هود {يَجْحَدُونَ} يكفرون(1/401)
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)
{فَأَرْسَلْنَا} سلّطنا {عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً} بَارِدًا شَدِيدا {فِي أَيَّام نحسات} مشئومات عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ وَيُقَال شَدِيدَة {لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي} الشَّديد {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَة أخزى}(1/401)
أَشد مِمَّا كَانَ لَهُم فِي الدُّنْيَا {وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} لَا يمْنَعُونَ من عَذَاب الله(1/402)
وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)
{وَأَمَّا ثَمُودُ} قوم صَالح {فَهَدَيْنَاهُمْ} بعثنَا إِلَيْهِم صَالحا وَبينا لَهُم الْكفْر وَالْإِيمَان وَالْحق وَالْبَاطِل {فاستحبوا الْعَمى عَلَى الْهدى} فَاخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان {فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَاب} الصَّيْحَة بِالْعَذَابِ {الْهون} الشَّديد {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يَقُولُونَ ويعملون فِي كفرهم وبعقرهم النَّاقة(1/402)
وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18)
{وَنَجَّيْنَا الَّذين آمَنُواْ} بِصَالح {وَكَانُواْ يتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وعقر النَّاقة(1/402)
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19)
{وَيَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُحْشَرُ أَعْدَآءُ الله إِلَى النَّار} صَفْوَان بن أُميَّة وختناه ربيعَة بن عَمْرو وحبِيب بن عَمْرو وَسَائِر الْكفَّار {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس الأول على الآخر(1/402)
حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20)
{حَتَّى إِذا مَا جاؤوها} أَي النَّار {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} بِمَا سمعُوا بهَا {وَأَبْصَارُهُمْ} بِمَا أبصروا بهَا {وَجُلُودُهُم} أعضاؤهم {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بهَا فِي كفرهم(1/402)
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21)
{وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ} لأعضائهم وَيُقَال لفروجهم {لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا} وَكُنَّا نحابس عَنْكُم بالجدال {قَالُوا أَنطَقَنَا الله} بالْكلَام {الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} من الدَّوَابّ الْيَوْم {وَهُوَ خَلَقَكُمْ} أنطقكم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت(1/402)
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22)
{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ} تقدرون أَن تمنعوا أعضاءكم {أَن يَشْهَدَ} من أَن يشْهد {عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ} فِي الْآخِرَة {وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ} وَيُقَال وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ تقدرون فِي الدُّنْيَا أَن تستروا اكْتِسَاب الْأَعْضَاء عَن الْأَعْضَاء أَن يشْهد لكَي لَا يشْهد عَلَيْكُم وَيُقَال وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أتستيقنون أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ فِي الْآخِرَة وَلَا أبصاركم وَلَا جلودكم {وَلَكِن ظَنَنتُمْ} وقلتم {أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي السِّرّ(1/402)
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)
{وذلكم ظَنُّكُمُ} قَوْلكُم بِالظَّنِّ {الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ} وقلتم على ربكُم بِالْكَذِبِ {أَرْدَاكُمْ} أهلككم {فَأَصْبَحْتُمْ} صرتم {مِّنَ الخاسرين} من المغبونين بالعقوبة(1/402)
فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)
{فَإِن يَصْبِرُواْ} فِي النَّار أَو لَا يصبروا {فَالنَّار مَثْوًى لَّهُمْ} منزل لَهُم لِصَفْوَان بن أُميَّة وَأَصْحَابه {وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ} يسْأَلُوا الرّجْعَة إِلَى الدُّنْيَا {فَمَا هُم مِّنَ المعتبين} الراجعين إِلَى الدُّنْيَا(1/402)
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25)
{وقيضنا لَهُم} وَجَعَلنَا لَهُم {قرناء} أعوانا وشركاء من الشَّيَاطِين {فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} من أَمر الْآخِرَة أَن لَا جنَّة وَلَا نَار وَلَا بعث وَلَا حِسَاب {وَمَا خَلْفَهُمْ} من خَلفهم من أَمر الدُّنْيَا أَن لَا تنفقوا وَلَا تعطوا وَأَن الدُّنْيَا بَاقِيَة لَا تفنى {وَحَقَّ} وَجب {عَلَيْهِمُ القَوْل} بِالْعَذَابِ {فِي أُمَمٍ} مَعَ أُمَم {قَدْ خَلَتْ} قد مَضَت {مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنّ وَالْإِنْس} من كفار الْجِنّ وَالْإِنْس {إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ} مغبونين بالعقوبة(1/402)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لاَ تَسْمَعُواْ لهَذَا الْقُرْآن} الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والغوا} الغطوا {فِيهِ} وَهُوَ الشغب {لَعَلَّكُمْ تغلبون} لكى تغلبُوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيسكت(1/402)
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27)
{فَلَنُذِيقَنَّ الَّذين كَفَرُواْ} أَبَا جهل وَأَصْحَابه {عَذَاباً شَدِيداً} فِي الدُّنْيَا يَوْم بدر {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بأقبح مَا كَانُوا يعْملُونَ فى الدُّنْيَا(1/402)
ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28)
{ذَلِك} لَهُم فِي الدُّنْيَا {جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله} وَجَزَاء أَعدَاء الله فِي الْآخِرَة {النَّار لَهُمْ فِيهَا} فِي النَّار {دَارُ الْخلد} قد خلدوا فِيهَا {جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {يَجْحَدُونَ} يكفرون(1/403)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)
{وَقَال الَّذين كَفَرُواْ} فِي النَّار {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {أَرِنَا الَّذين أَضَلاَّنَا} عَن الْحق وَالْهدى {مِنَ الْجِنّ وَالْإِنْس} من الْجِنّ إِبْلِيس وَالْإِنْس قابيل الَّذِي قتل أَخَاهُ هابيل وَيُقَال من الْجِنّ إِبْلِيس وَالشَّيَاطِين وَمن الْإِنْس رؤساؤهم {نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا} بِالْعَذَابِ {لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين} من الأضلين بِالْعَذَابِ(1/403)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)
{إِنَّ الَّذين قَالُواْ رَبُّنَا الله} وحدوا الله {ثُمَّ استقاموا} على الْإِيمَان وَلم يكفروا وَيُقَال على أَدَاء الْفَرَائِض وَلم يروغوا روغان الثَّعْلَب {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَة} عِنْد قبض أَرْوَاحهم {أَلاَّ تَخَافُواْ} على مَا أمامكم من الْعَذَاب {وَلاَ تَحْزَنُواْ} على مَا خَلفْتُمْ من خلفكم {وَأَبْشِرُواْ بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا(1/403)
نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)
{نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا} توليناكم فِي الدُّنْيَا {وَفِي الْآخِرَة} ونتولاكم فِي الْآخِرَة وهم الْحفظَة {وَلكم فِيهَا} فى الْجنَّة {مَا تشْتَهي} مَا تتمنى {أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {مَا توعدون} تسْأَلُون(1/403)
نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)
{نُزُلاً} ثَوابًا وَطَعَامًا وَشَرَابًا لكم {مِّنْ غَفُورٍ} لمن تَابَ {رَحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/403)
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً} أحكم قولا وَيُقَال أحسن دَعْوَة {مِّمَّن دَعَآ إِلَى الله} بِالتَّوْحِيدِ وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَعَمِلَ صَالِحاً} أدّى الْفَرَائِض وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي المؤذنين يَقُول وَمن أحسن قولا دَعْوَة مِمَّن دَعَا إِلَى الله بِالْأَذَانِ وَعمل صَالحا صلى رَكْعَتَيْنِ بعد الْأَذَان غير أَذَان صَلَاة الْمغرب {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسلمين} انتحل الْإِسْلَام وَقَالَ إِنِّي مُؤمن حَقًا وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه(1/403)
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
{وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَة} الدعْوَة إِلَى التَّوْحِيد من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ السَّيئَة} الدعْوَة إِلَى الشّرك من أبي جهل وَيُقَال وَلَا يَسْتَوِي الْحَسَنَة شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَلَا السَّيئَة الشّرك بِاللَّه {ادْفَعْ} يَا مُحَمَّد الشّرك من أبي جهل أَن يفتنك {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال ادْفَعْ السَّيئَة من أبي جهل عَن نَفسك بِالَّتِي هِيَ أحسن بالْكلَام الْحسن وَالسَّلَام واللطف {فَإِذَا} فعلت ذَلِك صَار {الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ} فِي الدّين وَهُوَ أَبُو جهل {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ} فِي الدّين {حَمِيمٌ} قريب فِي النّسَب(1/403)
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)
{وَمَا يُلَقَّاهَا} مَا يعْطى الْجنَّة فِي الْآخِرَة {إِلاَّ الَّذين صَبَرُواْ} على المرازي وأذى الْأَعْدَاء فِي الدُّنْيَا {وَمَا يُلَقَّاهَآ} وَمَا يوفق لدفع السَّيئَة بِالْحَسَنَة {إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} ثَوَاب وافر فى الْجنَّة مثل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه(1/403)
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (36)
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَان نَزْغٌ} أَن يصيبك من الشَّيْطَان وَسْوَسَة بالجفاء عِنْد جفَاء أبي جهل {فاستعذ بِاللَّه} من الشَّيْطَان الرَّجِيم {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالة أبي جهل {الْعَلِيم} بعقوبته وَيُقَال السَّمِيع باستعاذتك الْعَلِيم بوسوسة الشَّيْطَان(1/403)
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (37)
{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر} كل هَذَا من آيَات الله {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ} لَا تعبدوا الشَّمْس {وَلاَ لِلْقَمَرِ} وَلَا الْقَمَر {واسجدوا لِلَّهِ} واعبدوا الله {الَّذِي خَلَقَهُنَّ} يَعْنِي خلق الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار {إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ عبَادَة الله فَلَا تعبدوا الشَّمْس وَالْقَمَر وَلَكِن اعبدوا الله الَّذِي خلقهما وَيُقَال إِن كُنْتُم تُرِيدُونَ بِعبَادة الشَّمْس وَالْقَمَر عبَادَة الله فَلَا تعبدوهما فَإِن عبَادَة الله فِي ترك عبادتهما(1/403)
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38)
{فَإِنِ استكبروا} تعظموا عَن الْإِيمَان وَالْعِبَادَة لله {فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {يُسَبِّحُونَ لَهُ} يصلونَ لله {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ} لَا يملون من عبَادَة الله وَلَا يفترون(1/403)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
{وَمِنْ آيَاتِهِ} وَمن عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {أَنَّكَ تَرَى الأَرْض خَاشِعَةً}(1/403)
ذليلة منكسرة ميتَة {فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء} الْمَطَر {اهتزت} استبشرت بالمطر وَيُقَال تحركت بالنبات {وَرَبَتْ} كثر نباتها وَيُقَال انتفخت بنباتها {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا} بعد مَوتهَا {لمحيي الْمَوْتَى} للبعث {إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ} من الإماتة والإحياء {قَدِيرٌ}(1/404)
إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)
{إِنَّ الَّذين يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا} يجحدون بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال يكذبُون بِآيَاتِنَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن إِن قَرَأت بِضَم الْيَاء {لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ} لَا يخفى علينا من أَعْمَالهم شَيْء {أَفَمَن يلقى فِي النَّار} وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً} من الْعَذَاب {يَوْم الْقِيَامَة} وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {اعْمَلُوا} يَا أهل مَكَّة {مَا شِئْتُمْ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يجزيكم بأعمالكم(1/404)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)
{إِنَّ الَّذين كَفَرُواْ بِالذكر} بِالْقُرْآنِ {لَمَّا جَآءَهُمْ} حِين جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه لَهُم فِي الْآخِرَة نَار جَهَنَّم {وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} كريم شرِيف(1/404)
لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)
{لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِل} لم يُخَالِفهُ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} من قبله {وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} وَلَا يكون من بعده كتاب فيخالفه وَيُقَال لَا تكذبه التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور وَسَائِر الْكتب من قبله وَلَا يكون من بعده كتاب فيكذبه وَيُقَال لم يَأْتِ إِبْلِيس إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قبل إتْيَان جِبْرِيل فَزَاد فِي الْقُرْآن وَلَا من بعد ذهَاب جِبْرِيل فنقص من الْقُرْآن وَيُقَال لَا يُخَالف الْقُرْآن بعضه بَعْضًا وَلَكِن يُوَافق بعضه بَعْضًا {تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ} تكليم من حَكِيم فِي أمره وقضائه {حَمِيدٍ} مَحْمُود فِي فعاله(1/404)
مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43)
{مَّا يُقَالُ لَكَ} يَا مُحَمَّد من الشتم والتكذيب {إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ} من الشتم والتكذيب من قبلك وَيُقَال مَا يُقَال لَك مَا أَمر لَك من تَبْلِيغ الرسَالَة إِلَّا مَا قد قيل أَمر للرسل {مِن قَبْلِكَ} بتبليغ الرسَالَة {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَذُو مَغْفِرَةٍ} لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِاللَّه {وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} لمن مَاتَ على الْكفْر(1/404)
وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً} لَو نزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ على غير مجْرى لُغَة الْعَرَب {لَّقَالُواْ} كفار مَكَّة {لَوْلاَ فُصِّلَتْ} هلا بيّنت وعربت {آيَاته} بِالْعَرَبِيَّةِ {أأعجمي وَعَرَبِيٌّ} قُرْآن أعجمي وَرجل عَرَبِيّ كَيفَ هَذَا {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} أبي بكر وَأَصْحَابه {هُدىً} من الضَّلَالَة {وَشِفَآءٌ} بَيَان لما فِي الصُّدُور من الْعَمى {وَالَّذين لَا يُؤمنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ} صمم {وَهُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {عَلَيْهِمْ عَمًى} حجَّة {أُولَئِكَ} أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه {يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} كَأَنَّهُمْ ينادون إِلَى التَّوْحِيد من السَّمَاء(1/404)
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (45)
{وَلَقَد آتَيْنَا} أعطينا {مُوسَى الْكتاب} يَعْنِي التَّوْرَاة {فَاخْتلف فِيهِ} فِي كتاب مُوسَى فَمنهمْ مُصدق بِهِ وَمِنْهُم مكذب بِهِ {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن هَذِه الْأمة {لقضي بَينهم} لفزع من هَلَاك الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين يَقُول عذبُوا عِنْد التَّكْذِيب كَمَا عذب الَّذين من قبلهم عِنْد التَّكْذِيب {وَإِنَّهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} من الْقُرْآن {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك وَيُقَال من كتاب مُوسَى(1/404)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)
{مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {فَلِنَفْسِهِ} ثَوَاب ذَلِك {وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا} من أشرك بِاللَّه فعلَيْهَا على نَفسه عُقُوبَة ذَلِك {وَمَا رَبُّكَ} يَا مُحَمَّد {بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أَن يَأْخُذهُمْ بِلَا جرم(1/404)
إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47)
{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَة} علم قيام السَّاعَة لَا يعلم قِيَامهَا أحد غير الله {وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا} من كفراها {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى} الْحَوَامِل {وَلاَ تَضَعُ} حملهَا {إِلاَّ بِعِلْمِهِ} بِإِذْنِهِ لَا يُعلمهُ غَيره {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ} فِي النَّار فَيَقُول الله {أَيْنَ شُرَكَآئِي} الَّذين كُنْتُم تَعْبدُونَ وتقولون أَنهم شركائي {قَالُوا آذَنَّاكَ} أعلمناك وَقُلْنَا لَك قبل هَذَا(1/404)
{مَا منا من شَهِيد} يشْهد على نَفسه أَنه عبد دُونك أحدا(1/405)
وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48)
{وَضَلَّ عَنْهُم} اشْتغل عَنْهُم {مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن قَبْلُ} فِي الدُّنْيَا {وَظَنُّواْ} علمُوا وأيقنوا {مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} من ملْجأ وَلَا مغيث وَلَا نجاة من النَّار(1/405)
لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
{لاَّ يَسْأَمُ الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر لَا يمل وَلَا يفتر {مِن دُعَآءِ الْخَيْر} المَال وَالْولد وَالصِّحَّة {وَإِن مَّسَّهُ الشَّرّ} إِن أَصَابَته الشدَّة والفقر {فيؤوس قَنُوطٌ} فَيصير آيس شَيْء وأقنطه من رَحْمَة الله(1/405)
وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)
{وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ} أصبناه {رَحْمَةً مِّنَّا} نعْمَة منا بِالْمَالِ وَالْولد {مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} شدَّة أَصَابَته {لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي} بِخَير علم الله فِي {وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {قَآئِمَةً} كائنة كَمَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنكاراً مِنْهُ للبعث {وَلَئِن رُّجِّعْتُ إِلَى رَبِّي} كَمَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِنَّ لِي عِندَهُ} فِي الْآخِرَة {للحسنى} الْجنَّة وَهُوَ عتبَة بن أبي ربيعَة وَأَصْحَابه {فَلَنُنَبِّئَنَّ} فلنخبرن {الَّذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ} فِي كفرهم {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} شَدِيد لونا بعد لون فِي النَّار(1/405)
وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51)
{وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر بِالْمَالِ وَالْولد {أَعْرَضَ} عَن شكر ذَلِك {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} تبَاعد عَن الْإِيمَان {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ} أَصَابَهُ الْفقر {فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} طَوِيل بِالْمَالِ وَيُقَال كثير الْوَلَد وَهُوَ عتبَة(1/405)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} يَقُول هَذَا الْقُرْآن من الله {ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ إِنَّه لَيْسَ من عِنْد الله مَاذَا يفعل بكم ربكُم {مَنْ أَضَلُّ} عَن الْحق وَالْهدى {مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ} فِي خلاف {بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال فِي معاداة شَدِيدَة مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَبُو جهل(1/405)
سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)
{سَنُرِيهِمْ} يَا مُحَمَّد أهل مَكَّة {آيَاتِنَا} عَلَامَات عجائبنا ووحدانيتنا وقدرتنا {فِي الْآفَاق} فِي أَطْرَاف الأَرْض من خراب مسَاكِن الَّذين من قبلهم مثل عَاد وَثَمُود وَالَّذين من بعدهمْ {وَفِي أَنفُسِهِمْ} ونريهم فِي أنفسهم من الْأَمْرَاض والأوجاع والمصائب وَغير ذَلِك {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحق} أَن مَا يَقُول لَهُم النَّبِي هُوَ الْحق {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ} أَو لم يَكفهمْ مَا بَين لَهُم رَبك من أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة من غير أَن يُرِيهم {أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {شَهِيدٌ}(1/405)
أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)
{أَلاَ إِنَّهُمْ} أهل مَكَّة {فِي مِرْيَةٍ} فِي شكّ وارتياب {مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ} من الْبَعْث بعد الْمَوْت {أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم وعقوبتهم {مُحِيط} عَالم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا حم عسق وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا سبع آيَات {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} {وَالَّذين يحاجون فِي الله من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} إِلَى آخر الْآيَة وَخمْس آيَات نزلت فى أَبى بكر الصّديق وَأَصْحَابه من قَوْله {وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم} إِلَى قَوْله {إِن ذَلِك لمن عزم الْأُمُور} فانهن مدنيات
آياتها خَمْسُونَ آيَة وكلماتها ثَمَانمِائَة وَسِتَّة وَثَمَانُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَخَمْسمِائة وَثَمَانِية وَثَمَانُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/405)
حم (1) عسق (2)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم عسق} قَالَ هِيَ ثَنَاء أثنى بهَا على نَفسه يَقُول الْحَاء حلمه وَالْمِيم ملكه وَالْعين علمه وَالسِّين سناؤه وَالْقَاف قدرته على خلقه وَيُقَال الْحَاء كل حَرْب يكون وَالْمِيم تَحْويل كل ملك يكون وَالْعين كل وعد يكون وَالسِّين سنُون كَسِنِي يُوسُف وَالْقَاف كل قذف يكون وَيُقَال قسم أقسم بهَا أَن لَا يعذب فِي النَّار أبدا من قَالَ لَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا لرَبه وَلَقي بهَا ربه(1/405)
كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
{كَذَلِكَ يوحي إلَيْكَ وَإِلَى الَّذين مِن قَبْلِكَ} من الرُّسُل يَقُول كَمَا أَوْحَينَا إِلَيْك حم عسق كَذَلِك أَوْحَينَا إِلَى الَّذين من قبلك من الرُّسُل {الله الْعَزِيز}(1/405)
بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره وَيُقَال الْعَزِيز فِي ملكه وسلطانه الْحَكِيم فِي أمره وقضائه(1/406)
لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق كلهم عبيده وإماؤه {وَهُوَ الْعلي} أَعلَى كل شَيْء {الْعَظِيم} أعظم كل شَيْء(1/406)
تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)
{تَكَادُ السَّمَاوَات يَتَفَطَّرْنَ} يتشققن {مِن فَوْقِهِنَّ} بَعْضهَا فَوق بعض من هَيْبَة الرَّحْمَن وَيُقَال من مقَالَة الْيَهُود {وَالْمَلَائِكَة} فِي السَّمَاء {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} يصلونَ بِأَمْر رَبهم {وَيَسْتَغْفِرُونَ} يدعونَ بالمغفرة {لِمَن فِي الأَرْض} من الْمُؤمنِينَ المخلصين {أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور} لمن تَابَ {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/406)
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)
{وَالَّذين اتَّخذُوا} عبدا {من دونه} من دون الله {أوليآء} أَرْبَابًا من الْأَصْنَام {الله حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ} شَهِيد عَلَيْهِم وعَلى أَعْمَالهم {وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ} بكفيل تُؤْخَذ بهم ثمَّ أمره بعد ذَلِك بقتالهم(1/406)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7)
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} أنزلنَا إِلَيْك جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {قُرْآناً عَرَبِيّاً} بقرآن على مجْرى لُغَة الْعَرَب {لِّتُنذِرَ} لتخوف بِالْقُرْآنِ {أُمَّ الْقرى} أهل مَكَّة {وَمَنْ حَوْلَهَا} من الْبلدَانِ {وَتُنذِرَ} تخوف {يَوْمَ الْجمع} من أهوال يَوْم الْجمع يجْتَمع فِيهِ أهل السَّمَاء وَأهل الأَرْض {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {فَرِيقٌ} مِنْهُم من أهل الْجمع {فِي الْجنَّة} وهم الْمُؤْمِنُونَ {وَفَرِيقٌ} طَائِفَة مِنْهُم {فِي السعير} فِي نَار الْوقُود وهم الْكَافِرُونَ(1/406)
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)
{وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} لجمع الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْإِسْلَام {وَلَكِن يُدْخِلُ} يكرم {مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ} بِدِينِهِ الْإِسْلَام {والظالمون} الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكُونَ {مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ} قريب يَنْفَعهُمْ {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع يمنعهُم من عَذَاب الله(1/406)
أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)
{أَمِ اتَّخذُوا مِن دُونِهِ} عبدُوا من دون الله {أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا {فَالله هُوَ الْوَلِيّ} بهم جَمِيعًا {وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى} للبعث {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْإِحْيَاء والإماتة {قَدِيرٌ}(1/406)
وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)
{وَمَا اختلفتم فِيهِ} فِي الدّين {مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} فَاطْلُبُوا حكمه من كتاب الله {ذَلِكُم الله رَبِّي} أَمركُم بذلك {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} اتكلت {وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} أقبل(1/406)
فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
{فَاطِرُ السَّمَاوَات} أَي هُوَ خَالق السَّمَوَات {وَالْأَرْض جَعَلَ لَكُم} خلق لكم {مِّنْ أَنفُسِكُمْ} آدَمِيًّا مثلكُمْ {أَزْوَاجاً} أصنافاً ذكرا وَأُنْثَى {وَمِنَ الْأَنْعَام أَزْوَاجًا} أصنافاذكرا وَأثْنى {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} يخلقكم فِي الرَّحِم وَيُقَال يكثركم بِالتَّزْوِيجِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فِي الصّفة وَالْعلم وَالْقُدْرَة وَالتَّدْبِير {وَهُوَ السَّمِيع} لمقالتكم {الْبَصِير} بأعمالكم(1/406)
لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12)
{لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَات} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ} يُوسع المَال على من يَشَاء {وَيَقْدِرُ} يقتر على من يَشَاء {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْبسط والتقتير {عليم}(1/406)
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
{شَرَعَ لَكُم} اخْتَار لكم يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِّنَ الدّين} دين الْإِسْلَام {مَا وصّى بِهِ نُوحاً} الَّذِي أَوْحَينَا بِهِ إِلَى نوح وَأمر أَن يَدْعُو الْخلق إِلَيْهِ ويستقيم عَلَيْهِ {وَالَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ} وَفِي الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْقُرْآن أمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَى الْإِسْلَام وتستقيم عَلَيْهِ(1/406)
{وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ} وَالَّذِي اخترنا بِالْإِسْلَامِ إِبْرَاهِيم وأمرناه أَن يَدْعُو الْخلق إِلَيْهِ ويستقيم عَلَيْهِ {ومُوسَى وَعِيسَى} كَذَلِك {أَنْ أَقِيمُواْ الدّين} أَمر الله جملَة الْأَنْبِيَاء أَن أقِيمُوا الدّين أَن اتَّفقُوا فِي الدّين {وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ} لَا تختلفوا فِي الدّين {كَبُرَ} عظم {عَلَى الْمُشْركين} أبي جهل وَأَصْحَابه {مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} من التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {الله يجتبي إِلَيْهِ} لدينِهِ {مَن يَشَآءُ} وَهُوَ من ولد فِي الْإِسْلَام وَيَمُوت على ذَلِك {وَيهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} يرشد إِلَى دينه من يقبل إِلَيْهِ من أهل الْكفْر(1/407)
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (14)
{وَمَا تفَرقُوا} وَمَا اخْتلف الْيَهُود وَالنَّصَارَى فِي مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعلم} بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ من صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسداً مِنْهُم كفرُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ} وَجَبت {مِن رَّبِّكَ} بِتَأْخِير عَذَاب هَذِه الْأمة {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى وَقت مَعْلُوم {لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ} لفرغ من هَلَاك الْيَهُود وَالنَّصَارَى {وَإِنَّ الَّذين أُورِثُواْ الْكتاب} أعْطوا التَّوْرَاة {مِن بَعْدِهِمْ} من بعد الرُّسُل وَيُقَال من بعد الْأَوَّلين {لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ} من التَّوْرَاة وَيُقَال الْقُرْآن {مُرِيبٍ} ظَاهر الشَّك(1/407)
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
{فَلذَلِك فَادع} إِلَى تَوْحِيد رَبك وَكتاب رَبك {واستقم} على التَّوْحِيد {كَمَآ أُمِرْتَ} فِي الْقُرْآن {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ} قبلتهم وَدينهمْ قبْلَة الْيَهُود وَدين الْيَهُود {وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ الله} على الْأَنْبِيَاء {مِن كِتَابٍ} من كتاب الله {وَأُمِرْتُ} فِي الْقُرْآن {لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} بِالتَّوْحِيدِ {الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ} يقْضِي بَيْننَا وَبَيْنكُم يَوْم الْقِيَامَة {لَنَآ أَعْمَالُنَا} لنا عبَادَة الله وَدين الْإِسْلَام {وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} عَلَيْكُم أَعمالكُم عبَادَة الْأَصْنَام وَدين الشَّيْطَان {لاَ حُجَّةَ} لَا خُصُومَة {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ} فِي الدّين {الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا} وَبَيْنكُم يَوْم الْقِيَامَة {وَإِلَيْهِ الْمصير} مصير الْمُؤمنِينَ والكافرين ثمَّ أَمر الله بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ(1/407)
وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16)
{وَالَّذين يُحَآجُّونَ فِي الله} يُخَاصِمُونَ فِي دين الله يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {مِن بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} فِي الْكتاب وَيُقَال هم الْمُشْركُونَ من بعد مَا اسْتُجِيبَ لَهُ يَوْم الْمِيثَاق {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} خصومتهم بَاطِلَة {عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} سخط {وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أَشد مَا يكون(1/407)
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17)
{الله الَّذِي أَنزَلَ الْكتاب} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {بِالْحَقِّ} لبَيَان الْحق وَالْبَاطِل {وَالْمِيزَان} بَين فِيهِ الْعدْل {وَمَا يُدْرِيكَ} يَا مُحَمَّد وَلم تدر {لَعَلَّ السَّاعَة قَرِيبٌ} قيام السَّاعَة يكون قَرِيبا(1/407)
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18)
{يَسْتَعْجِلُ بِهَا} بِقِيَام السَّاعَة {الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا} بِقِيَام السَّاعَة وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَقيام السَّاعَة وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه {مُشْفِقُونَ مِنْهَا} خائفون من قيام السَّاعَة وأهوالها وشدائدها {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا} يَعْنِي قيام السَّاعَة {الْحق} الْكَائِن {أَلاَ إِنَّ الَّذين يُمَارُونَ} يجادلون ويشكون {فَي السَّاعَة} فِي قيام السَّاعَة {لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى(1/407)
اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19)
{الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} الْبر والفاجر وَيُقَال لطف علمه بعباده الْبر والفاجر {يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ} يُوسع على من يَشَاء بِالْمَالِ {وَهُوَ الْقوي} بأرزاق الْعباد {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ(1/407)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)
{مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَة} ثَوَاب الْآخِرَة بِعَمَلِهِ لله {نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} فِي ثَوَابه وَيُقَال فِي قوته ونشاطه وحسنته فِي الْعَمَل {وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا}(1/407)
ثَوَاب الدُّنْيَا بِعَمَلِهِ الَّذِي افْترض الله عَلَيْهِ {نُؤْتِهِ} نعطه {مِنْهَا} من الدُّنْيَا وندفع عَنهُ مِنْهَا {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَة} فِي الْجنَّة {مِن نَّصِيبٍ} من ثَوَاب لِأَنَّهُ عمل لغير الله(1/408)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)
{أَمْ لَهُمْ} ألهم لكفار مَكَّة {شُرَكَاءُ} آلِهَة {شَرَعُواْ لَهُمْ} اخْتَارُوا لَهُم {مِّنَ الدّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله} مالم يَأْمر الله بِهِ بالكافرين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الْفَصْل} الْحق بِتَأْخِير الْعَذَاب عَن هَذِه الْأمة {لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} لفرغ من هلاكهم {وَإِنَّ الظَّالِمين} الْكَافرين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع(1/408)
تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)
{تَرَى الظَّالِمين} الْكَافرين يَوْم الْقِيَامَة {مُشْفِقِينَ} خَائِفين {مِمَّا كَسَبُواْ} مِمَّا قَالُوا وَعمِلُوا فِي الْكفْر {وَهُوَ وَاقِعٌ} نَازل {بِهِمْ} مَا يحذرون {وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه {فِي رَوْضَاتِ الجنات} فى رياض الْجنَّة {لَهُم مَا يشاؤون} مَا يتمنون ويشتهون {عِندَ رَبِّهِمْ} فِي الْجنَّة {ذَلِك} الْجنَّة (هُوَ الْفضل الْكَبِير) الْمَنّ الْعَظِيم(1/408)
ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23)
{ذَلِك} الْفضل {الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ} فِي الدُّنْيَا الَّذين آمَنُواْ بِمُحَمد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد لأصحابك وَيُقَال لأهل مَكَّة {لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} على التَّوْحِيد وَالْقُرْآن {أَجْراً} جعلا {إِلاَّ الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} إِلَّا أَن تودوا قَرَابَتي من بعدِي وَيُقَال إلاَّ أَن تتقربوا إِلَى الله بِالتَّوْحِيدِ فِي قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَفِي قَول الْفراء تتقربوا إِلَى الله بِالتَّوْبَةِ {وَمَن يَقْتَرِفْ} يكْتَسب {حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً} تسعا {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {شَكُورٌ} يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل(1/408)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)
{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ {افترى} اختلق مُحَمَّد {عَلَى الله كَذِباً} فَاغْتَمَّ بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ الله عز وَجل {فَإِن يَشَإِ الله يَخْتِمْ} يرْبط {على قَلْبِكَ} وَيُقَال يحفظ قَلْبك {وَيَمْحُ الله الْبَاطِل} يهْلك الله الشّرك وَأَهله {وَيُحِقُّ الْحق بِكَلِمَاتِهِ} يظْهر دينه الْإِسْلَام بتحقيقه {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر(1/408)
وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)
{وَهُوَ الَّذِي يقبل التَّوْبَة عَن عباده وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَات وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر(1/408)
وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26)
{وَيَسْتَجِيبُ الَّذين آمَنُواْ} يغْفر للَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ} بكرامته الثَّوَاب والكرامة فِي الْجنَّة وَيُقَال رُؤْيَة الله {والكافرون} أَبُو جهل وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}(1/408)
وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)
{وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق} وسع الله المَال {لِعِبَادِهِ} على عباده {لَبَغَوْاْ} لطغوا وتطاولوا {فِي الأَرْض وَلَكِن يُنَزِّلُ} يُوسع {بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ} على من يَشَاء {إِنَّهُ بِعِبَادِهِ} بصلاح عباده {خَبِيرٌ بَصِيرٌ} بأعمالهم(1/408)
وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْث} يَعْنِي الْمَطَر {مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ} أَي أيسوا من الْمَطَر {وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} ينزل رَحمته يَعْنِي الْمَطَر {وَهُوَ الْوَلِيّ} بالمطر عَاما بعام {الحميد} الْمَحْمُود فِي فعاله(1/408)
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {خَلْقُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَثَّ} نشر {فِيهِمَا} مَا خلق فِي الأَرْض {مِن دَآبَّةٍ} كلهَا آيَة لكم {وَهُوَ على جَمْعِهِمْ} على إحيائهم {إِذَا يَشَاء قدير}(1/409)
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)
{وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ} مَا تصابون فِي أَنفسكُم {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فِيمَا جنت أَيْدِيكُم يُصِيبكُم {وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} من الذُّنُوب فَلَا يجزيكم بِهِ(1/409)
وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31)
{وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْض} بفائتين من عَذَاب الله {وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {مِن وَلِيٍّ} قريب ينفعكم {وَلاَ نَصِيرٍ} مَانع يمنعكم من عَذَاب الله(1/409)
وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32)
{وَمِنْ آيَاتِهِ} من عَلَامَات وحدانيته وَقدرته {الْجوَار} يَعْنِي السفن {فِي الْبَحْر كالأعلام} كالجبال(1/409)
إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)
{إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرّيح} الَّتِي تجْرِي بهَا السفن {فَيَظْلَلْنَ} فيصرن {رَوَاكِدَ} ثوابت {على ظَهْرِهِ} على ظهر المَاء {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت من السفن {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّكُلِّ صَبَّارٍ} على الطَّاقَة {شَكُورٍ} بنعم الله(1/409)
أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34)
{أَوْ يُوبِقْهُنَّ} يهلكهن يَعْنِي السفن فِي الْبَحْر {بِمَا كَسَبُوا} بِمَعْصِيَة أهلهن {وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ} لَا يجازيهم بِهِ(1/409)
وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35)
{وَيَعْلَمَ} لكَي يعلم {الَّذين يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا} يكذبُون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} من مغيث وَلَا نجاة من عَذَاب الله(1/409)
فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36)
{فَمَآ أُوتِيتُمْ} أعطيتم {مِّن شَيْءٍ} من المَال والزهرة {فَمَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} لَا يبْقى {وَمَا عِندَ الله} من الثَّوَاب {خَيْرٌ} مِمَّا عنْدكُمْ فِي الدُّنْيَا {وَأبقى} أدوم من مَتَاع الدُّنْيَا فَإِنَّهَا فانية ثمَّ بَين لمن هُوَ فَقَالَ {للَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} لَا على المَال(1/409)
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
{وَالَّذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْم} يَعْنِي الشّرك {وَالْفَوَاحِش} يَعْنِي الزِّنَا والمعاصي {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ} بالجفاء {يَغْفِرُونَ} يتجاوزون وَلَا يكافئون بِهِ(1/409)
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)
{وَالَّذين اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ} أجابوا لرَبهم بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَة {وَأَقَامُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} إِذا أَرَادوا أمرا وحاجة تشاوروا فِيمَا بَينهم ثمَّ عمِلُوا بِهِ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} أعطيناهم من المَال {يُنفِقُونَ} يتصدقون(1/409)
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)
{وَالَّذين إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغي} الْمظْلمَة {هُمْ يَنتَصِرُونَ} ينتصفون بِالْقصاصِ لَا بالمكابرة(1/409)
وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
{وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} جَزَاء جِرَاحَة جِرَاحَة مثلهَا {فَمَنْ عَفَا} عَن مظلمته {وَأَصْلَحَ} ترك الْقصاص وَلَا يكافىء بِهِ {فَأَجْرُهُ عَلَى الله} فثوابه على الله {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمين} المبتدئين بالظلم(1/409)
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)
{وَلَمَنِ انتصر} انتصف بِالْقصاصِ {بَعْدَ ظُلْمِهِ} مظلمته {فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ} من مأثم بِالْقصاصِ(1/409)
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42)
{إِنَّمَا السَّبِيل} المأثم {عَلَى الَّذين يَظْلِمُونَ النَّاس} بِالِابْتِدَاءِ بِغَيْر قصاص {وَيَبْغُونَ} يتطاولون(1/409)
{فِي الأَرْض بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق يكون لَهُم {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع(1/410)
وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)
{وَلَمَن صَبَرَ} على مظلمته {وَغَفَرَ} تجَاوز وَلم يقْتَصّ وَلم يكافىء بِهِ {إِنَّ ذَلِكَ} الصَّبْر والتجاوز {لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور} من خير الْأُمُور وَيُقَال من حزم الْأُمُور وَنزل من قَوْله وَالَّذين يجتنبون كَبَائِر الْإِثْم وَالْفَوَاحِش إِلَى قَوْله لمن عزم الْأُمُور فِي شَأْن أبي بكر الصّديق وَصَاحبه عَمْرو بن غزيَّة الْأنْصَارِيّ فِي كَلَام وتنازع كَانَ بَينهمَا فشتم الْأنْصَارِيّ أَبَا بكر الصّديق فَأنْزل الله فيهمَا هَؤُلَاءِ الْآيَات(1/410)
وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)
{من يضلل} عَن دينه {فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ} من مرشد {مِّن بَعْدِهِ} غير الله {وَتَرَى الظَّالِمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه يَوْم الْقِيَامَة {لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَاب} حِين رَأَوْا الْعَذَاب {يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ} هَل إِلَى رُجُوع إِلَى الدُّنْيَا من حِيلَة(1/410)
وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)
{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا} على النَّار {خَاشِعِينَ مِنَ الذل} ذليلين من الْحزن {يَنظُرُونَ} إِلَيْك {مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} مسارقة الْأَعْين {وَقَالَ الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ الخاسرين} المغبونين {الَّذين خسروا} الَّذين غبنوا {أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ} خدمهم فِي الْجنَّة {يَوْمَ الْقِيَامَة أَلاَ إِنَّ الظَّالِمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} دَائِم(1/410)
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46)
{وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ} أقرباء {يَنصُرُونَهُم} يمنعونهم {مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {وَمَن يُضْلِلِ الله} عَن دينه مثل أبي جهل {فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ} من دين وَلَا حجَّة(1/410)
اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
{اسْتجِيبُوا لِرَبِّكُمْ} بِالتَّوْحِيدِ {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَّ مَرَدَّ لَهُ} لَا مَانع لَهُ {مِنَ الله} من عَذَاب الله {مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ} من نجاة {يَوْمَئِذٍ} من عَذَاب الله {وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ} من معِين(1/410)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48)
{فَإِنْ أَعْرَضُواْ} عَن الْإِيمَان {فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} تحفظهم {إِنْ عَلَيْكَ} مَا عَلَيْك {إِلاَّ الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله ثمَّ أمره بِالْقِتَالِ بعد ذَلِك {وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الْإِنْسَان} أصبْنَا الْكَافِر {مِنَّا رَحْمَةً} نعْمَة {فَرِحَ بِهَا} أعجب بهَا غير شَاكر لَهَا {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} شدَّة وفقر وبلية {بِمَا قَدَّمَتْ} عملت {أَيْدِيهِمْ} فِي الشّرك {فَإِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي أَبَا جهل {كَفُورٌ} كَافِر بِاللَّه وبنعمته(1/410)
لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات وَالْأَرْض الْمَطَر والنبات {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} كَمَا يَشَاء {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً} مثل لوط لم يكن لَهُ ولد ذكر {وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُور} مثل إِبْرَاهِيم لم يكن لَهُ أُنْثَى(1/410)
أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
{أَوْ يُزَوِّجُهُمْ} يخلطهم {ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً} مثل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ الذّكر وَالْأُنْثَى {وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عقيما} بِلَا ولد مثل يحيى ابْن زَكَرِيَّا {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} فِيمَا وهب من الذُّكُور وَالْإِنَاث(1/410)
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)
{وَمَا كَانَ} مَا جَازَ {لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله} مُوَاجهَة بِغَيْر ستر {إِلاَّ وَحْياً} فِي الْمَنَام {أَو من وَرَاء حجاب} ستركما كلم مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} جِبْرِيل كَمَا أرسل إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ} بأَمْره {مَا يَشَآءُ} الَّذِي شَاءَ من الْأَمر والنهى(1/410)
{إِنَّهُ عَلِيٌّ} أَعلَى من كل شَيْء {حَكِيمٌ} فِي أمره وقضائه(1/411)
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52)
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا {أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا} يَعْنِي جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكتاب} مَا الْقُرْآن قبل نزُول جِبْرِيل عَلَيْك وَمَا كنت تحسن قِرَاءَة الْقُرْآن قبل الْقُرْآن {وَلاَ الْإِيمَان} وَلَا الدعْوَة إِلَى التَّوْحِيد {وَلَكِن جَعَلْنَاهُ} قُلْنَاهُ يَعْنِي الْقُرْآن {نُوراً} بَيَانا لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام وَالْحق وَالْبَاطِل {نَّهْدِي بِهِ} بِالْقُرْآنِ {مَن نَّشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لتهدي} لتدعو {إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} دين مُسْتَقِيم حق(1/411)
صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53)
{صِرَاطِ الله} دين الله {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فى الْآخِرَة تصير إِلَى الْحَكِيم الْملك
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الزخرف وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَثَمَانُونَ آيَة وكلماتها ثَمَانمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة حرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/411)
حم (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أى بَين(1/411)
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
{وَالْكتاب الْمُبين} يَقُول وَأقسم بِالْكتاب الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالنَّهْي وَالْأَمر أَن قد قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين قَالَ حَكِيم:
(أَلا يَا لقومى كل مَا حم وَاقع ... وَذَا الطير يسري والنجوم الطوالع) وَيُقَال قسم أقسم بِهِ بِالْحَاء وَالْمِيم وَالْكتاب الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي(1/411)
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)
{إِنَّا جَعَلْنَاهُ} قُلْنَاهُ ووضعناه {قُرْآناً عَرَبِيّاً} على مجْرى لُغَة الْعَرَب وَلِهَذَا كَانَ الْقسم {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تعلمُوا مَا فِي الْقُرْآن من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي(1/411)
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (4)
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {فِي أُمِّ الْكتاب} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب {لَدَيْنَا} عندنَا {لَعَلِيٌّ} كريم شرِيف مُرْتَفع {حَكِيمٌ} مُحكم بالحلال وَالْحرَام(1/411)
أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ (5)
{أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذّكر} أفنرفع عَنْكُم الْوَحْي وَالرَّسُول يَا أهل مَكَّة {صَفْحاً} أَو نترككم هملاً بِلَا أَمر وَلَا نهي {أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ} بِأَن كُنْتُم قوما مُشْرِكين لَا تؤمنون فِي علم الله(1/411)
وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (6)
{وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ} قبلك يَا مُحَمَّد {فِي الْأَوَّلين} فِي الْأُمَم الْمَاضِيَة قد علمنَا أَنهم لَا يُؤمنُونَ فَلم نتركهم بِلَا كتاب وَلَا رَسُول(1/411)
وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (7)
{وَمَا يَأْتِيهِم} أَي الْأَوَّلين {مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ} بالنبى {يستهزؤون} يهزءون بالنبى(1/411)
فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ (8)
{فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم} من أهل مَكَّة {بَطْشاً} قُوَّة ومنعة {وَمضى مَثَلُ الْأَوَّلين} سنة الْأَوَّلين بِالْعَذَابِ عِنْد تكذيبهم الرُّسُل(1/411)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ} كفار مَكَّة {مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض لَيَقُولُنَّ} كفار مَكَّة {خَلَقَهُنَّ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْعَلِيم} بتدبيره وبخلقه فَقَالَ الله نعم خلق(1/411)
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (10)
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض مَهْداً} فراشا {وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً} طرقاً {لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} لكَي تهتدوا بالطرق(1/411)
وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (11)
{وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {بِقَدَرٍ} مَعْلُوم بِعلم الْخزَّان {فَأَنشَرْنَا بِهِ} أحيينا بالمطر {بَلْدَةً مَّيْتاً} مَكَانا لَا نَبَات فِيهِ {كَذَلِك} هَكَذَا {تُخْرَجُونَ} تحيون وتخرجون من الْقُبُور كَمَا أحيينا الأَرْض بالمطر(1/411)
وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12)
{وَالَّذِي خَلَقَ الْأزْوَاج} الْأَصْنَاف {كُلَّهَا} الذّكر وَالْأُنْثَى {وَجَعَلَ لَكُمْ} وَخلق لكم {مِّنَ الْفلك} يَعْنِي السفن فِي الْبَحْر {والأنعام} يَعْنِي الْإِبِل {مَا تَرْكَبُونَ} الَّذِي تَرْكَبُونَ عَلَيْهِ(1/412)
لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13)
{لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ} ظُهُور الْأَنْعَام يَعْنِي الْإِبِل {ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ} بتسخيرها {إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ} على ظُهُورهَا وسخرها لكم {وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} الْإِبِل {وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} مُطِيعِينَ مالكين(1/412)
وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ (14)
{وَإِنَّآ إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} رَاجِعُون بعد الْمَوْت(1/412)
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15)
{وَجَعَلُواْ} وصفوا {لَهُ مِنْ عِبَادِهِ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {جُزْءًا} ولدا قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله وهم بَنو مليح {إِنَّ الْإِنْسَان} يَعْنِي بني مليح {لَكَفُورٌ} كَافِر بِاللَّه {مُّبِينٌ} ظَاهر الْكفْر(1/412)
أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)
{أَمِ اتخذ} اخْتَار {مِمَّا يَخْلُقُ} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم} اختاركم يَا بني مليح {بالبنين} بالذكور(1/412)
وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم} أحد بني مليح {بِمَا ضَرَبَ} بِمَا وصف {للرحمن مَثَلاً} إِنَاثًا {ظَلَّ} صَار {وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} مغموم مكروب يتَرَدَّد الغيظ فى جَوْفه أفترضون لله مَالا ترْضونَ لأنفسكم(1/412)
أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)
{أَو من يُنَشَّأُ} يغذى ويربى {فِي الْحِلْية} حلية الذَّهَب وَالْفِضَّة {وَهُوَ فِي الْخِصَام} فِي الْكَلَام {غَيْرُ مُبِينٍ} غير ثَابت الْحجَّة وَمن النِّسَاء فمثلهن كَيفَ يَنْبَغِي أَن يكن بَنَات الله(1/412)
وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19)
{وَجَعَلُواْ الْمَلَائِكَة الَّذين هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَن إِنَاثاً} بَنَات الله {أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} حِين خلقُوا أَنهم إناث فيعلمون بذلك أَنهم إناث قَالُوا لَا يَا مُحَمَّد وَلَكِن سمعنَا من آبَائِنَا يَقُولُونَ ذَلِك فَقَالَ الله يَا مُحَمَّد {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} بِالْكَذِبِ على الله بمقالتهم أَن الْمَلَائِكَة بَنَات الله {وَيُسْأَلُونَ} عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة أَي قيل لَهُم حِين جعلُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله أشهدتم قَالُوا لَا قَالَ فَمَا يدريكم أَنَّهُنَّ إناث وأنهن بَنَات الله قَالُوا سمعنَا هَذَا من آبَائِنَا قَالَ الله ستكتب شَهَادَتهم يَعْنِي مَا تكلمُوا بِهِ ويسئلون عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة(1/412)
وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20)
{وَقَالُواْ} بَنو مليح {لَوْ شَآءَ الرَّحْمَن} لَو نَهَانَا الرَّحْمَن وصرفنا {مَا عَبَدْنَاهُمْ} استهزاء وَلَكِن أمرنَا بعبادتهم وَلم ينهنا عَن عِبَادَتهم {مَّا لَهُم بذلك} بِمَا يَقُولُونَ {من علم} من حجَّة وَلَا بَيَان {إِنْ هُمْ} مَا هم {إِلاَّ يَخْرُصُونَ} يكذبُون على الله لِأَن الله نَهَاهُم عَن ذَلِك(1/412)
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)
{أَمْ آتَيْنَاهُمْ} أعطيناهم {كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {فَهُم بِهِ} بِالْكتاب {مُسْتَمْسِكُونَ} آخذون مِنْهُ وَيَقُولُونَ إِن الْمَلَائِكَة بَنَات الله قَالُوا لَا يَا مُحَمَّد وَلَكِن وجدنَا آبَاءَنَا على هَذَا الدّين فَقَالَ الله(1/412)
بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22)
{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ} على هَذَا الدّين {وَإِنَّا على آثَارِهِم} على دينهم وأعمالهم {مُّهْتَدُونَ} مقتدون(1/412)
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)
{وَكَذَلِكَ} هَكَذَا أَي كَمَا قَالَ قَوْمك {مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ} إِلَى أهل قَرْيَة {مِّن نَّذِيرٍ} من نَبِي مخوف {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ} جبابرتها {إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ} على هَذَا الدّين {وَإِنَّا على آثَارِهِم} على دينهم وأعمالهم {مقتدون} مستنون(1/412)
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24)
{قَالَ} أَعنِي قل لَهُم يَا مُحَمَّد {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ} قد جِئتُكُمْ {بأهدى} بأصوب دينا {مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ} أَلا تقبلون ذَلِك {قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ} من الْكتاب {كَافِرُونَ} جاحدون(1/412)
فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)
{فانتقمنا مِنْهُمْ} بِالْعَذَابِ عَن تكذيبهم الرُّسُل والكتب {فَانْظُر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين}(1/412)
آخر أَمر المكذبين بالكتب وَالرسل(1/413)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26)
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ} آزر {وَقَوْمِهِ} حِين جَاءَ إِلَيْهِم {إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}(1/413)
إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27)
{إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي} إِلَّا معبودي الَّذِي خلقني {فَإِنَّهُ سيهدين} سيحفظنى على دينه طَاعَته(1/413)
وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)
{وَجَعَلَهَا} يَعْنِي لَا إِلَه إِلَّا الله {كَلِمَةً بَاقِيَة} ثَابِتَة {فِي عقبه} فى نَسْله نسل إِبْرَاهِيم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عَن كفرهم بِلَا إِلَه إِلَّا الله(1/413)
بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29)
{بل متعت} أجلت {هَؤُلَاءِ} أهل مَكَّة {وَآبَآءَهُمْ} قبلهم {حَتَّى جَآءَهُمُ الْحق} يَعْنِي الْكتاب {وَرَسُولٌ مُّبِينٌ} يبين لَهُم لهَؤُلَاء بلغَة يعلمونها(1/413)
وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)
{وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحق} الْكتاب وَالرَّسُول {قَالُواْ هَذَا} يعنون الْكتاب {سِحْرٌ} كذب {وَإِنَّا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {كَافِرُونَ} جاحدون(1/413)
وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
{وَقَالُواْ} يَعْنِي كفار مَكَّة الْوَلِيد وَأَصْحَابه {لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ} يَقُول على رجل عَظِيم كالوليد بن الْمُغيرَة وَأبي مَسْعُود الثَّقَفِيّ من القريتين من مَكَّة والطائف(1/413)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)
{أهم يقسمون رَحْمَة رَبِّكَ} يَعْنِي نبوة رَبك وَكتاب رَبك فيقسمون لمن شَاءُوا {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ} بِالْمَالِ وَالْولد {فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} فَضَائِل بِالْمَالِ أَو الْوَلَد {لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سخريا} أى مسخرا خدما وعبيدا {وَرَحْمَة رَبِّكَ} النُّبُوَّة وَالْكتاب وَيُقَال الْجنَّة للْمُؤْمِنين {خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} مِمَّا يجمع الْكفَّار فِي الدُّنْيَا من المَال والزهرة(1/413)
وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)
{وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ النَّاس أُمَّةً وَاحِدَةً} على مِلَّة وَاحِدَة مِلَّة الْكفْر {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً} سَمَاء بُيُوتهم {مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ} دَرَجَات {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} يرتقون من فضَّة(1/413)
وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34)
{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً} من فضَّة {وَسُرُراً} من فضَّة {عَلَيْهَا يتكؤون} ينامون(1/413)
وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)
{وَزُخْرُفاً} ذَهَبا وكل شَيْء لَهُم من أواني مَنَازِلهمْ من الذَّهَب وَالْفِضَّة {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا} يَقُول وَمَا كل ذَلِك إلاَّ {مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَالْمِيم صلَة وَيُقَال كل ذَلِك مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلما صلَة {وَالْآخِرَة} يَعْنِي الْجنَّة {عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش خير من مَتَاع الدُّنْيَا(1/413)
وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36)
{وَمَن يَعْشُ} يعرض وَيُقَال يمل إِن قَرَأت بالخفض وَيُقَال يعم إِن قَرَأت بِالنّصب {عَن ذِكْرِ الرَّحْمَن} عَن تَوْحِيد الرَّحْمَن وَكتابه {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} نجْعَل لَهُ قريناً من الشَّيْطَان {فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} فِي الدُّنْيَا وَفِي النَّار(1/413)
وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)
{وَإِنَّهُمْ} يَعْنِي الشَّيَاطِين {لَيَصُدُّونَهُمْ} ليصرفونهم {عَنِ السَّبِيل} عَن سَبِيل الْحق وَالْهدى {وَيَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} بِالْحَقِّ وَالْهدى(1/413)
حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (38)
{حَتَّى إِذَا جَآءَنَا} يَعْنِي ابْن آدم وقرينه الشَّيْطَان فِي سلسلة وَاحِدَة {قَالَ} لقرينه الشَّيْطَان {يَا لَيْت بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ المشرقين} مشرق الشتَاء والصيف {فَبِئْسَ القرين} الصاحب والرفيق الشَّيْطَان(1/413)
وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
{وَلَن يَنفَعَكُمُ} يَقُول الله وَلَن يَنفَعَكُمُ {الْيَوْم} هَذَا الْكَلَام {إِذ ظَّلَمْتُمْ} كَفرْتُمْ فِي الدُّنْيَا {أَنَّكُمْ فِي الْعَذَاب مُشْتَرِكُونَ}(1/413)
الشَّيَاطِين وَبَنُو آدم(1/414)
أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (40)
{أَفَأَنتَ تُسْمِعُ} الْحق وَالْهدى يَا مُحَمَّد {الصم} من يتصامم وَهُوَ الْكَافِر {أَوْ تَهْدِي الْعمي} حَتَّى يبصر الْحق وَالْهدى وَهُوَ الْكَافِر {وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين لَا تقدر أَن ترشده إِلَى الْهدى(1/414)
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)
{فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} نميتك {فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ} بِالْعَذَابِ(1/414)
أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)
{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ} يَوْم بدر {فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ} على عَذَابهمْ قادرون قبل موتك وَبعد موتك(1/414)
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
{فَاسْتَمْسك} اعْمَلْ {بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} يَعْنِي الْقُرْآن {إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} على دين قَائِم يرضاه(1/414)
وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَذِكْرٌ لَّكَ} شرف لَك {وَلِقَوْمِكَ} قُرَيْش لِأَنَّهُ بلغتهم {وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} عَن شكر هَذَا الشّرف(1/414)
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)
{واسأل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّد {مِن رُّسُلِنَآ} مثل عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيم وَهَذَا فِي اللَّيْلَة الَّتِي أسرِي بِهِ إِلَى السَّمَاء وَصلى بسبعين نَبيا مثل إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى فَأمر الله نبيه أَن سلهم يَا مُحَمَّد {أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَن آلِهَةً يُعْبَدُونَ} يَقُول سلهم هَل جعلنَا آلِهَة يعْبدُونَ من دون الرَّحْمَن مقدم ومؤخر وَيُقَال سلهم هَل أمرنَا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ وفيهَا وَجه آخر يَقُول سل الَّذِي أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل من قبلك يَعْنِي أهل الْكتاب أجعلنا من دون الرَّحْمَن آلِهَة يعْبدُونَ يَقُول سل هَل جَاءَت الرُّسُل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ فَلم يسألهم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ كَانَ موقناً بذلك(1/414)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (46)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَآ} بِالْيَدِ والعصا {إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} قومه القبط {فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعَالمين} إِلَيْكُم(1/414)
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ (47)
{فَلَمَّا جَآءَهُم} مُوسَى {بِآيَاتِنَآ} بِالْيَدِ والعصا {إِذَا هم مِنْهَا} من الْآيَات {يَضْحَكُونَ} يتعجبون ويسخرون فَلَا يُؤمنُونَ بهَا(1/414)
وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48)
{وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ} من عَلامَة {إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} أعظم من الَّتِي كَانَت قبلهَا فَلم يُؤمنُوا بهَا {وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ} بالطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم وَالنَّقْص والسنين {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لكَي يرجِعوا عَن كفرهم(1/414)
وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49)
{وَقَالُوا يَا أَيهَا السَّاحر} الْعَالم يوقرونه بذلك وَكَانَ السَّاحر فيهم عَظِيما {ادْع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ} سل لنا رَبك بِمَا عهد الله لَك وَكَانَ عهد الله لمُوسَى إِن آمنُوا كشفنا عَنْهُم الْعَذَاب فَمن ذَلِك قَالُوا بِمَا عهد الله عنْدك {إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ} مُؤمنُونَ بك وَبِمَا جِئْت بِهِ(1/414)
فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)
{فَلَمَّا كَشَفْنَا} دفعنَا {عَنْهُمُ الْعَذَاب إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ} ينقضون عهودهم وَلَا يُؤمنُونَ(1/414)
وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51)
{ونادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ} خطب فِرْعَوْن فِي قومه القبط {قَالَ يَا قوم أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ} أَرْبَعِينَ فرسخاً فِي أَرْبَعِينَ فرسخا {وَهَذِه الْأَنْهَار تجْرِي من تحتي} من حَولي وَيُقَال عَنى بهَا الأفراس تجْرِي من تحتي {أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}(1/414)
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52)
{أَمْ أَنَآ خَيْرٌ} إِنِّي خير {مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} ضَعِيف فِي بدنه {وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} يبين حجَّته(1/414)
فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)
{فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ} هلا ألبس عَلَيْهِ أقبية {مِّن ذَهَبٍ} كَمَا لكم {أَوْ جَآءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَة مُقْتَرِنِينَ} معاونين مُصدقين لَهُ بالرسالة(1/414)
فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)
{فاستخف} فاستنزل {قَوْمَهُ} القبط {فَأَطَاعُوهُ} فِي قَوْله {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} كَافِرين(1/414)
فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55)
{فَلَمَّآ آسَفُونَا} أغضبوا نَبينَا مُوسَى ومالوا إِلَى غضبنا(1/414)
{انتقمنا مِنْهُمْ} بِالْعَذَابِ {فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} فِي الْبَحْر(1/415)
فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56)
{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً} ذَهَابًا بِالْعَذَابِ {وَمَثَلاً} عِبْرَة {لِّلآخِرِينَ} لمن بَقِي بعدهمْ(1/415)
وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)
{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْن مَرْيَمَ مَثَلاً} شبهوه بآلهتهم {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ} من قَول عبد الله بن الزِّبَعْرَى وَأَصْحَابه {يَصِدُّونَ} يَضْحَكُونَ(1/415)
وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58)
{وَقَالُوا} يَعْنِي عبد الله بن الزِّبَعْرَى {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ} يَا مُحَمَّد {أَمْ هُوَ} يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم إِن جَازَ لَهُ فِي النَّار مَعَ النَّصَارَى يجوز لنا فِي النَّار مَعَ آلِهَتنَا {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ} مَا ذكرُوا لَك عِيسَى ابْن مَرْيَم {إِلاَّ جَدَلاَ} إِلَّا للجدال وَالْخُصُومَة {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} جدلون بِالْبَاطِلِ(1/415)
إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59)
{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي عِيسَى ابْن مَرْيَم {إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} بالرسالة وَلَيْسَ هُوَ كآلهتهم {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً} عِبْرَة {لبني إِسْرَائِيلَ} ولدا بِلَا أَب(1/415)
وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60)
{وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ} بمكانكم وَيُقَال خلقنَا مِنْكُم {مَلَائِكَة فِي الأَرْض يَخْلُفُونَ} خلفاء مِنْكُم بدلكم وَيُقَال يَمْشُونَ فِي الأَرْض بدلكم(1/415)
وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61)
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي نزُول عِيسَى ابْن مَرْيَم {لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ} لبَيَان قيام السَّاعَة وَيُقَال عَلامَة لقِيَام السَّاعَة إِن قَرَأت بِنصب الْعين وَاللَّام {فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا} فَلَا تشكن بهَا بِقِيَام السَّاعَة {واتبعون} بِالتَّوْحِيدِ {هَذَا} التَّوْحِيد {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام(1/415)
وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62)
{وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ} لَا يصرفنكم {الشَّيْطَان} عَن دين الْإِسْلَام وَالْإِقْرَار بِقِيَام السَّاعَة {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظَاهر الْعَدَاوَة(1/415)
وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63)
{وَلَمَّا جَآءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب {قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بالحكمة} بِالْأَمر وَالنَّهْي والنبوة {وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} تخالفون فِي الدّين {فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله فِيمَا أَمركُم {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا وصيتي وَقَوْلِي(1/415)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64)
{إِنَّ الله هُوَ رَبِّي} خالقي {وَرَبُّكُمْ} خالقكم {فاعبدوه} فوحدوه {هَذَا} التَّوْحِيد {صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} دين قَائِم يرضاه(1/415)
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)
{فَاخْتلف الْأَحْزَاب} النَّصَارَى {مِن بَيْنِهِمْ} فِيمَا بَينهم فِي عِيسَى فَقَالَ بَعضهم هُوَ ابْن الله وهم النسطورية وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وهم الماريعقوبية وَقَالَ بَعضهم هُوَ شَرِيكه وهم الملكانية وَقَالَ بَعضهم هُوَ ثَالِث ثَلَاثَة وهم المرقوسية {فويل} شدَّة الْعَذَاب {لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ} تحزبوا فِي عِيسَى {مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} وجيع(1/415)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66)
{هَلْ يَنظُرُونَ} مَا ينتظرون إِذْ لَا يتوبون عَن مقالتهم {إِلاَّ السَّاعَة} إِلَّا قيام السَّاعَة {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} لَا يعلمُونَ بنزول الْعَذَاب بهم(1/415)
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)
{الأخلاء} فِي الْمعْصِيَة {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة مثل عقبَة بن أبي معيط وَأبي بن خلف {بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش مثل أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي وأصحابهم فانهم لَيْسُوا كَذَلِك فَيَقُول الله(1/415)
يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68)
{يَا عباد لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْم} حِين يخَاف غَيْركُمْ {وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ} حِين يحزن غَيْركُمْ(1/415)
الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)
{الَّذين آمنُوا بِآيَاتِنَا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ} مُخلصين بِالْعبَادَة والتوحيد(1/415)
ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70)
{ادخُلُوا الْجنَّة أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} حلائلكم {تُحْبَرُونَ} تكرمون بالتحف وتنعمون فِي الْجنَّة(1/415)
يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {بِصِحَافٍ} بقصاع {مِّن ذهب} فِيهَا ألوان الطَّعَام {وأكواب} كيزان بِلَا آذان وَلَا عرى مُدَوَّرَة الرُّءُوس فِيهَا شرابهم {وَفِيهَا} فِي الْجنَّة {مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفس} تتمنى الْأَنْفس(1/415)
{وَتَلَذُّ الْأَعْين} تعجب الْأَعْين بِالنّظرِ إِلَيْهِ {وَأَنتُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {خَالِدُونَ} دائمون لَا تموتون وَلَا تخرجُونَ مِنْهَا(1/416)
وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72)
{وَتِلْكَ الْجنَّة} هَذِه الْجنَّة {الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا} أنزلتموها جعلت لكم مِيرَاثا {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فى الدُّنْيَا(1/416)
لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)
{لَكُمْ فِيهَا} فِي الْجنَّة {فَاكِهَةٌ} ألوان الْفَاكِهَة {كَثِيرَةٌ مِّنْهَا} من ألوان الْفَاكِهَة {تَأْكُلُونَ}(1/416)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74)
{إِنَّ الْمُجْرمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا(1/416)
لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)
{لاَ يُفَتَّرُ} لَا يرفع {عَنْهُمْ} الْعَذَاب وَلَا يقطع {وَهُمْ فِيهِ} فِي الْعَذَاب {مُبْلِسُونَ} آيسون من الرّفْع وَمن كل خير(1/416)
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76)
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بهلاكهم وعذابهم {وَلَكِن كَانُواْ هُمُ الظَّالِمين} بالْكفْر والشرك(1/416)
وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)
{وَنَادَوْا يَا مَالك} فَلَمَّا قل صبرهم نادوا يَا مَالك خَازِن النَّار {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} الْمَوْت فَيُجِيبهُمْ مَالك بعد أَرْبَعِينَ سنة {قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ} دائمون فِي الْعَذَاب وَلَا تخرجُونَ(1/416)
لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (78)
{لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ} يَقُول جَاءَ جِبْرِيل إِلَى نَبِيكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {وَلَكِن أَكْثَرَكُم} كلكُمْ {للحق} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {كَارِهُونَ} جاحدون(1/416)
أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
{أَمْ أبرموا أَمْراً} أحكموا أمرا فِي شَأْن مُحَمَّد {فَإِنَّا مُبْرِمُونَ} محكمون أمرا بهلاكهم(1/416)
أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (80)
{أَمْ يَحْسَبُونَ} أيظنون يَعْنِي صَفْوَان بن أُميَّة وصاحبيه {أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ} فِيمَا بَينهم {وَنَجْوَاهُم} خلوتهم حول الْكَعْبَة {بلَى} نسْمع {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ} عِنْدهم {يَكْتُبُونَ} سرهم ونجواهم وهم الْحفظَة(1/416)
قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد للنضر بن الْحَارِث وعلقمة {إِن كَانَ} مَا كَانَ {للرحمن وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ العابدين} أول المقرين بِأَن لَيْسَ لله ولد وَلَا شريك(1/416)
سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82)
{سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض رَبِّ الْعَرْش عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُونَ من الْوَلَد وَالشَّرِيك(1/416)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (83)
{فَذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد {يَخُوضُواْ} فِي الْبَاطِل {ويلعبوا} يهزءوا بِالْقُرْآنِ {حَتَّى يُلاَقُواْ} يعاينوا {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} فِيهِ الْمَوْت وَالْعَذَاب(1/416)
وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)
{وَهُوَ الَّذِي فِي السمآء إِلَه} هُوَ إِلَه كل شَيْء فِي السَّمَاء {وَفِي الأَرْض إِلَه} إِلَه كل شَيْء فِي الأَرْض {وَهُوَ الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه {الْعَلِيم} بخلقه وتدبيره(1/416)
وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85)
{وَتَبَارَكَ} تَعَالَى وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق {وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَة} علم قيام السَّاعَة {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فِي الْآخِرَة(1/416)
وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)
{وَلاَ يَمْلِكُ الَّذين يَدْعُونَ} يعْبدُونَ {مِن دُونِهِ} من دون الله {الشَّفَاعَة} يَقُول لَا تقدر الْمَلَائِكَة أَن يشفعوا لأحد {إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ} بِلَا إِلَه إِلَّا الله مخلصاً بهَا {وهم يعلمُونَ} حق من قبل أنفسهم نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني مليح حَيْثُ قَالُوا الْمَلَائِكَة بَنَات الله(1/416)
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم} يَعْنِي بني مليح {مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} خلقنَا {فَأنى يُؤْفَكُونَ} فَمن أَيْن يكذبُون على الله بعد الْإِقْرَار(1/416)
وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)
{وقيله} قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَا رب إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لاَّ يُؤْمِنُونَ} بك وَبِالْقُرْآنِ فافعل بهم مَا شِئْت(1/416)
فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)
{فاصفح عَنْهُمْ} قيل لَهُ أعرض عَنْهُم {وَقُلْ سَلاَمٌ} سداد من القَوْل {فَسَوْفَ} وَهَذَا وَعِيد لَهُم {يَعْلَمُونَ} مَاذَا يفعل بهم يَوْم بدر وَيَوْم أحد وَيَوْم الْأَحْزَاب ثمَّ أمره بِالْقِتَالِ بعد ذَلِك فَسَوف يعلمُونَ مَاذَا ينزل بهم من الْجُوع وَالدُّخَان(1/416)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الدُّخان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَخَمْسُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وست وَأَرْبَعُونَ كلمة وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَأحد وَثَلَاثُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/417)
حم (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أى بَين(1/417)
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)
{وَالْكتاب الْمُبين} وَأقسم بِالْكتاب الْمُبين لقد قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَيُقَال قسم أقسم بِالْحَاء وَالْمِيم وَالْقُرْآن الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى(1/417)
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)
{إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ} أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وَلِهَذَا كَانَ الْقسم أنزل الله جِبْرِيل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حَتَّى أمْلى الْقُرْآن على الكتبة وهم أهل سَمَاء الدُّنْيَا {فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} فِيهَا الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة وَالْبركَة وَهِي لَيْلَة الْقدر ثمَّ أنزل الله جِبْرِيل بعد ذَلِك على مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام بِآيَة وَسورَة وَكَانَ بَين أَوله وَآخره عشرُون سنة {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} إِنَّا كُنَّا مخوفين بِالْقُرْآنِ(1/417)
فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)
{فِيهَا} فِي لَيْلَة الْقدر {يُفْرَقُ} يبين {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} كَائِن من سنة إِلَى سنة(1/417)
أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)
{أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ} بَيَانا منا نبين لجبريل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت مَا هم موكلون عَلَيْهِ من سنة إِلَى سنة {إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} الرُّسُل بالكتب(1/417)
رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)
{رَحْمَةً} نعْمَة {مِّن رَّبِّكَ} على عباده إرْسَاله الرُّسُل بالكتب {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع} لمقالة قُرَيْش حَيْثُ قَالُوا رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب {الْعَلِيم} بهم وبعقوبتهم(1/417)
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)
{رب} خَالق {السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا} من الْخلق هُوَ الله {إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ} مُصدقين بذلك(1/417)
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)
{لاَ إِلَه} لَا خَالق {إِلاَّ هُوَ} الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض {يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الْأَوَّلين} خالقكم وخالق آبائكم الأقدمين(1/417)
بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)
{بَلْ هُمْ} يَعْنِي كفار مَكَّة {فِي شَكٍّ} من قيام السَّاعَة {يَلْعَبُونَ} يهزءون بِقِيَام السَّاعَة(1/417)
فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)
{فَارْتَقِبْ} فانتظر عَذَابهمْ يَا مُحَمَّد {يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} بَين السَّمَاء وَالْأَرْض(1/417)
يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)
{يَغْشَى النَّاس} ذَلِك الدُّخان {هَذَا} الدُّخان {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع وَهُوَ الْجُوع(1/417)
رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)
{رَّبَّنَا اكشف} قَالُوا رَبنَا اكشف {عَنَّا الْعَذَاب} يَعْنِي الْجُوع {إِنَّا مْؤْمِنُونَ} بك وبكتابك وَرَسُولك(1/417)
أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)
{أَنى لَهُمُ الذكرى} من أَيْن لَهُم العظة وَالتَّوْبَة إِذا كشفنا عَنْهُم الْعَذَاب وَيُقَال إِذا أهلكناهم يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْقِيَامَة {وَقَدْ جَاءَهُم رَسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مُّبِينٌ} يبين لَهُم لُغَة يعلمونها(1/417)
ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)
{ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بِهِ {وَقَالُوا معلم} يعنون مُحَمَّد يُعلمهُ جبر ويسار {مَّجْنُونٌ} مخنوق يختنق(1/417)
إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)
{إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَاب} يَعْنِي الْجُوع {قَلِيلاً} يَسِيرا إِلَى يَوْم بدر {إِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {عَآئِدُونَ} رَاجِعُون إِلَى الْمعْصِيَة فَلَمَّا رفع عَنْهُم الْعَذَاب عَادوا إِلَى الْمعْصِيَة فأهلكهم الله يَوْم بدر لقَوْله(1/417)
يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)
{يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الْكُبْرَى} نعاقبهم الْعقُوبَة الْعُظْمَى يَوْم بدر بِالسَّيْفِ {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} مِنْهُم بِالْعَذَابِ(1/417)
وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)
{وَلَقَدْ فَتَنَّا} ابتلينا {قَبْلَهُمْ} قبل قُرَيْش {قَوْمَ فِرْعَوْنَ} فِرْعَوْن وَقَومه بِالْعَذَابِ {وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ} على ربه يَعْنِي مُوسَى(1/417)
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)
{أَنْ أَدّوا إِلَيَّ} ادفعوا إِلَيّ وَأَرْسلُوا معي {عِبَادَ الله} بني إِسْرَائِيل {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ} من الله {أَمِينٌ} على الرسَالَة(1/417)
وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)
{وَأَن لاَّ تَعْلُواْ} لَا تتكبروا وَلَا تفتروا {عَلَى الله إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِحجَّة بَيِّنَة وَعذر بَين(1/417)
وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)
{وَإِنِّي عُذْتُ} اعتصمت {بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ}(1/417)
من أَن تقتلون(1/418)
وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)
{وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي} إِن لم تصدقوني بالرسالة {فاعتزلون} فَاتْرُكُونِي لَا لي وَلَا عَليّ(1/418)
فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)
{فَدَعَا ربه أَن هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} مشركون اجترموا الْهَلَاك على أنفسهم(1/418)
فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)
{فَأَسْرِ بِعِبَادِي} قَالَ الله لمُوسَى سر بعبادي بني إِسْرَائِيل {لَيْلاً} من أول اللَّيْل {إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} فِي الْبَحْر(1/418)
وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)
{واترك الْبَحْر رَهْواً} طرقاً وَاسِعَة بِقدر مَا عبر مُوسَى وَقَومه {إِنَّهُمْ} يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه {جُندٌ مُّغْرَقُونَ} فِي الْبَحْر(1/418)
كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25)
{كَمْ تَرَكُواْ} خلفوا {مِن جَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء ظَاهر فِي الْبَسَاتِين(1/418)
وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)
{وَزُرُوعٍ} حروث {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} منَازِل حَسَنَة(1/418)
وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)
{وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ} معجبين(1/418)
كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28)
{كَذَلِك} فعلنَا بهم {وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} جعلت مِيرَاثا لبني إِسْرَائِيل من بعدهمْ(1/418)
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ} على فِرْعَوْن وَقَومه {السمآء} بَاب السَّمَاء {وَالْأَرْض} وَلَا مصلاء على الأَرْض لِأَن الْمُؤمن إِذا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ بَاب السَّمَاء الَّذِي يصعد مِنْهُ عمله وَينزل مِنْهُ رزقه وَمُصَلَّاهُ فِي الأَرْض الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَلم يبك على فِرْعَوْن وَقَومه لِأَنَّهُ لم يكن لَهُم بَاب فِي السَّمَاء لرفع عَمَلهم وَلَا مصلى فِي الأَرْض {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} مؤجلين من الْغَرق(1/418)
وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30)
{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَاب المهين} الْأَلِيم الشَّديد(1/418)
مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)
{مِن فِرْعَوْنَ} وَقَومه من ذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء وَغير ذَلِك {إِنَّهُ كَانَ عَالِياً} مُخَالفا عاتياً {مِّنَ المسرفين} فِي الشّرك(1/418)
وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)
{وَلَقَدِ اخترناهم} اخترنا بني إِسْرَائِيل {على عِلْمٍ} كَمَا علمنَا {عَلَى الْعَالمين} عالمي زمانهم بالمن والسلوى وَالْكتاب وَالرَّسُول والنجاة من فِرْعَوْن وَقَومه والنجاة من الْغَرق(1/418)
وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)
{وَآتَيْنَاهُم} أعطيناهم {مِّنَ الْآيَات} من العلامات {مَا فِيهِ بلَاء مُبين} نعْمَة عَظِيمَة وَيُقَال اختبار بَين وَهُوَ الَّذِي نجاهم من فِرْعَوْن وَمن الْغَرق وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى فِي التيه وَغير ذَلِك(1/418)
إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34)
{إِنَّ هَؤُلَاءِ} قَوْمك يَا مُحَمَّد {لَيَقُولُونَ}(1/418)
إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)
{إِنْ هِيَ} مَا هِيَ أَي حياتنا {إِلاَّ مَوْتَتُنَا} بعد موتتنا {الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمحيون بعد الْمَوْت(1/418)
فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)
{فَأتوا بِآبَائِنَا} فأحى يَا مُحَمَّد آبَائِنَا الَّذين مَاتُوا حَتَّى نسألهم أَحَق تَقول أم بَاطِل {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت قَالَ الله تَعَالَى(1/418)
أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)
{أَهُمْ خَيْرٌ} أقومك خير {أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} حمير واسْمه أسعد بن ملكيكوب وكنيته أَبُو كرب سمي تبعا لِكَثْرَة تبعه {وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قوم تبع {أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ} مُشْرِكين أَفلا يخَاف قَوْمك من هلاكهم وعذابهم(1/418)
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)
{وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بينهمآ} من الْخلق {لاَعِبِينَ} لاهين(1/418)
مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)
{مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ} للحق لَا للباطل {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون(1/418)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْل} يَوْم الْقَضَاء بَين الْخَلَائق {مِيقَاتُهُمْ} ميعادهم {أَجْمَعِينَ}(1/418)
يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41)
{يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً} ولي حميم يَعْنِي قرَابَة عَن قرَابَة شَيْئا وَكَافِر عَن كَافِر وَقَرِيب عَن قريب شَيْئا من الشَّفَاعَة وَلَا من عَذَاب الله {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم من الْعَذَاب(1/418)
إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)
{إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} من الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك وَلَكِن يشفع بَعضهم لبَعض {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيز} بالنقمة من الْكَافرين {الرَّحِيم} بِالْمُؤْمِنِينَ(1/418)
إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)
{إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم} طَعَام الْفَاجِر فِي النَّار أبي جهل وَأَصْحَابه(1/418)
كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)
{كَالْمهْلِ} سَوْدَاء كدردي الزَّيْت وَيُقَال حارة كالفضة المذابة {يَغْلِي فِي الْبُطُون}(1/419)
كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)
{كَغَلْيِ الْحَمِيم} المَاء الْحَار(1/419)
خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)
{خُذُوهُ} يَقُول الله للزبانية خُذُوا أَبَا جهل {فاعتلوه} فتلتلوه وَيُقَال فسوقوه واذهبوا بِهِ {إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيم} إِلَى وسط النَّار(1/419)
ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)
{ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ} على رَأسه {مِنْ عَذَابِ الْحَمِيم} من مَاء حَار بعد مَا يضْرب رَأسه بمقامع الْحَدِيد(1/419)
ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)
{ذُقْ} يَا أَبَا جهل {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز} فِي قَوْمك {الْكَرِيم} عَلَيْهِم وَيُقَال إِنَّك أَنْت الْعَزِيز المتعزز فِي قَوْمك الْكَرِيم المتكرم عَلَيْهِم(1/419)
إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)
{إِنَّ هَذَا} يَعْنِي الْعَذَاب {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} تشكون فِي الدُّنْيَا أَنه لَا يكون(1/419)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)
{إِن الْمُتَّقِينَ} من الْكفْر والشرك وللفواحش يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه {فِي مَقَامٍ} مَكَان {أَمِينٍ} من الْمَوْت والزوال وَالْعَذَاب(1/419)
فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)
{فِي جَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَاللَّبن وَالْعَسَل(1/419)
يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)
{يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ} مَا لطف من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٍ} وَمَا ثخن من الديباج {مُّتَقَابِلِينَ} فِي الزِّيَارَة(1/419)
كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)
{كَذَلِك} هَكَذَا مقَام الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة {وَزَوَّجْنَاهُم} قررناهم فِي الْجنَّة {بِحُورٍ} بجوار بيض {عِينٍ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه(1/419)
يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (55)
{يَدْعُونَ فِيهَا} يسْأَلُون فِي الْجنَّة وَيُقَال يتعاطون فِي الْجنَّة {بِكلِّ فَاكِهَةٍ} بألوان كل فَاكِهَة {آمِنِينَ} من الْمَوْت والزوال وَالْعَذَاب(1/419)
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)
{لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {الْمَوْت إِلاَّ الموتة الأولى} بعد مَوْتهمْ فِي الدُّنْيَا {وَوَقَاهُمْ} رفع عَنْهُم رَبهم {عَذَابَ الْجَحِيم} عَذَاب النَّار(1/419)
فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)
{فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ} منا من رَبك وَيُقَال عَطاء من رَبك {ذَلِك} الْمَنّ {هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار(1/419)
فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ} يَقُول هونا عَلَيْك قِرَاءَة الْقُرْآن {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لكَي يتعظوا بِالْقُرْآنِ(1/419)
فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)
{فَارْتَقِبْ} فانتظر هلاكهم يَوْم بدر {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} منتظرون هلاكهم فأهلكهم الله يَوْم بدر
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الجاثية وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها سِتّمائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وسِتمِائَة حرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/419)
حم (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَيُقَال قسم أقسم بِهِ(1/419)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{تَنْزِيل الْكتاب} إِن هَذَا الْكتاب تكليم {من الله الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} أَمر أَن لَا يعبد غَيره وَيُقَال الْعَزِيز فِي ملكه وسلطانه الْحَكِيم فِي أمره وقضائه(1/419)
إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)
{إِنَّ فِي السَّمَاوَات} مَا فِي السَّمَوَات من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب وَغير ذَلِك {وَالْأَرْض} وَمَا فِي الأَرْض من الشّجر وَالْجِبَال والبحار وَغير ذَلِك {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّلْمُؤْمِنِينَ} المصدقين فى إِيمَانهم(1/419)
وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)
{وَفِي خَلْقِكُمْ} فِي تَحْويل أحوالكم حَالا بعد حَال آيَة وعبرة لكم {وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ} وَفِيمَا خلق من ذَوي الْأَرْوَاح {آيَاتٌ} عَلَامَات وَعبر {لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يصدقون(1/419)
وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)
{وَاخْتِلَاف اللَّيْل وَالنَّهَار} فِي تقليب اللَّيْل وَالنَّهَار وزيادتهما ونقصانهما وذهابهما ومجيئهما آيَة وعبرة لكم {وَمَآ أَنَزَلَ الله} فِيمَا أنزل الله {مِنَ السمآء مَّن رِّزْقٍ}(1/419)
من مطر {فَأَحْيَا بِهِ} بالمطر {الأَرْض بَعْدَ مَوْتِهَا} قحطها ويبوستها عَلَامَات وعبراً لكم {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاح} وَفِي تقليب الرِّيَاح يَمِينا وَشمَالًا قبولاً ودبورا عذَابا وَرَحْمَة {آيَاتٌ} عَلَامَات وَعبر {لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يصدقون أَنَّهَا من الله(1/420)
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)
{تَلْكَ} هَذِه {آيَاتُ الله نَتْلُوهَا عَلَيْكَ} نزل عَلَيْك جِبْرِيل بهَا {بِالْحَقِّ} لتبيان الْحق وَالْبَاطِل {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} كَلَام {بَعْدَ الله} بعد كَلَام الله {وَآيَاتِهِ} كِتَابه وَيُقَال عجائبه {يُؤْمِنُونَ} إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا الْقُرْآن(1/420)
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)
{وَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب وَيُقَال ويل وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم {لِّكُلِّ أَفَّاكٍ} كَذَّاب {أَثِيمٍ} فَاجر وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث(1/420)
يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)
{يَسْمَعُ آيَاتِ الله} قِرَاءَة آيَات الله {تتلى عَلَيْهِ} تقْرَأ عَلَيْهِ بِالْأَمر والنهى {ثُمَّ يُصِرُّ} يُقيم على كفره {مُسْتَكْبِراً} متعظماً عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} لم يعها {فَبَشِّرْهُ} يَا مُحَمَّد {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع فَقتل يَوْم بدر صبرا(1/420)
وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)
{وَإِذَا عَلِمَ} سمع {مِنْ آيَاتِنَا} القرآنِ {شَيْئاً اتخذها هُزُواً} سخرية {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} شَدِيد وَهُوَ النَّضر(1/420)
مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)
{مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ} من قدامهم بعد الْمَوْت جَهَنَّم {وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً} مَا جمعُوا من المَال وَلَا مَا عمِلُوا من السَّيِّئَات شَيْئا من عَذَاب الله {وَلاَ مَا اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ} أَرْبَابًا {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} أعظم مَا يكون وكل هَذَا الْعَذَاب للنضر(1/420)
هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)
{هَذَا} يَعْنِي الْقُرْآن {هُدىً} من الضَّلَالَة {وَالَّذين كفرُوا بآيَات رَبهم} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ النَّضر وَأَصْحَابه {لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ} وجيع(1/420)
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)
{الله الَّذِي سَخَّرَ} ذلل {لَكُمُ الْبَحْر لِتَجْرِيَ الْفلك} السفن {فِيهِ بِأَمْرِهِ} بِإِذْنِهِ {وَلِتَبْتَغُواْ} لتطلبوا {مِن فَضْلِهِ} من رزق {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لكَي تشكروا نعْمَته(1/420)
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)
{وَسَخَّرَ لَكُمْ} ذلل لكم {مَّا فِي السَّمَاوَات} من الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم والسحاب {وَمَا فِي الأَرْض} من الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار {جَمِيعاً مِّنْهُ} من الله {إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت {لآيَاتٍ} لعلامات وعبراً {لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِيمَا خلق الله(1/420)
قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
{قُل} يَا مُحَمَّد {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} عمر وَأَصْحَابه {يَغْفِرُواْ} يتجاوزوا {لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ} لَا يخَافُونَ {أَيَّامَ الله} عَذَاب الله يَعْنِي أهل مَكَّة {لِيَجْزِيَ قَوْماً} يَعْنِي عمر وَأَصْحَابه {بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يعْملُونَ من الْخيرَات وَهَذَا الْعَفو قبل الْهِجْرَة ثمَّ أمروا بِالْقِتَالِ(1/420)
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً} خَالِصا فِي الْإِيمَان {فَلِنَفْسِهِ} ثَوَاب ذَلِك {وَمَنْ أَسَآءَ} أشرك بِاللَّه {فَعَلَيْهَا} فعلى نَفسه عُقُوبَة ذَلِك {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم(1/420)
وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16)
{وَلَقَدْ آتَيْنَا} أعطينا {بني إِسْرَائِيلَ الْكتاب وَالْحكم} الْعلم والفهم {والنبوة} وَكَانَ فيهم الْأَنْبِيَاء والكتب {وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات} من الْمَنّ والسلوى وَيُقَال من الْغَنَائِم {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالمين} عالمي زمانهم بِالْكتاب وَالرَّسُول(1/420)
وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)
{وَآتَيْنَاهُم} أعطيناهم {بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمر} واضحات من أَمر الدّين(1/420)
{فَمَا اخْتلفُوا} فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَالْإِسْلَام {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعلم} بَيَان مَا فِي كِتَابهمْ {بَغْياً بَيْنَهُمْ} حسدا مِنْهُم كفرُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِن رَبك} يَا مُحَمَّد {يقْضِي بَينهم} بَين الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُؤمنِينَ {يَوْمَ الْقِيَامَة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ} فِي الدّين {يَخْتَلِفُونَ} يخالفون فِي الدُّنْيَا(1/421)
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ} اخترناك {على شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمر} على سنة ومنهاج من أَمْرِي وطاعتي {فاتبعها} اسْتَقِم عَلَيْهَا واعمل بهَا وَيُقَال أكرمناك بِالْإِسْلَامِ وأمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَيْهِ {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ الَّذين} دين الَّذين {لاَ يَعْلَمُونَ} تَوْحِيد الله يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين(1/421)
إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)
{إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً} إِن اتبعت أهواءهم {وَإِنَّ الظَّالِمين} الْكَافرين {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} على دين بعض {وَالله وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش(1/421)
هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)
{هَذَا} الْقُرْآن {بَصَائِرُ} بَيَان {لِلنَّاسِ وَهُدىً} من الضَّلَالَة {وَرَحْمَةٌ} من الْعَذَاب {لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/421)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
{أَمْ حَسِبَ} أيظن {الَّذين اجترحوا السَّيِّئَات} أشركوا بِاللَّه يَعْنِي عتبَة وَشَيْبَة والوليد بن عتبَة الَّذين بارزوا يَوْم بدر عليا وَحَمْزَة وَعبيدَة بن الْحَارِث وَقَالُوا إِن كَانَ لَهُم مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْآخِرَة حَقًا وثواباً لنفضلن عَلَيْهِم فِي الْآخِرَة كَمَا فضلنَا عَلَيْهِم فِي الدُّنْيَا فَقَالَ الله أيظنون {أَن نَّجْعَلَهُمْ} نجْعَل الْكفَّار فِي الْآخِرَة بالثواب {كَالَّذِين آمَنُواْ} عَليّ وصاحبيه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {سَوَآءً} لَيْسُوا بِسَوَاء {مَّحْيَاهُمْ} محيا الْمُؤمنِينَ على الْإِيمَان {وَمَمَاتُهُمْ} على الْإِيمَان ومحيا الْكَافرين على الْكفْر ومماتهم على الْكفْر وَيُقَال محيا الْمُؤمنِينَ وممات الْمُؤمنِينَ سَوَاء بِسَوَاء على الْإِيمَان وَالطَّاعَة ومرضاة الله ومحيا الْكَافرين ومماتهم سَوَاء بِسَوَاء على الْكفْر وَالْمَعْصِيَة وَغَضب الله {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} بئس مَا يقضون لأَنْفُسِهِمْ(1/421)
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)
{وَخَلَقَ الله السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} للحق {ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ} برة فاجرة {بِمَا كَسَبَتْ} من خير أَو شَرّ {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم(1/421)
أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)
{أَفَرَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} من عبد الْآلهَة بهوى نَفسه كلما هويت نَفسه شَيْئا عَبده وَهُوَ النَّضر وَيُقَال هُوَ أَبُو جهل وَيُقَال هُوَ الْحَارِث ابْن قيس {وَأَضَلَّهُ الله} عَن الْإِيمَان {على عِلْمٍ} كَمَا علم الله أَنه من أهل الضَّلَالَة {وَخَتَمَ على سَمْعِهِ} لكَي لَا يسمع الْحق {وَقَلْبِهِ} لكَي لَا يفهم الْحق {وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً} غطاء لكَي لَا يبصر الْحق {فَمَن يَهْدِيهِ} فَمن يرشده إِلَى دين الله {مِن بَعْدِ الله} من بعد أَن أضلّهُ الله {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} تتعظون بِالْقُرْآنِ أَن الله وَاحِد لَا شريك لَهُ(1/421)
وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)
{وَقَالُواْ} كفار مَكَّة {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} فِي الدُّنْيَا {نَمُوتُ وَنَحْيَا} يعنون تَمُوت الْآبَاء وتحيا الْأَبْنَاء {وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدَّهْر} يعنون طول اللَّيَالِي وَالْأَيَّام والشهور والساعات {وَمَا لَهُم بذلك} بِمَا يَقُولُونَ {من علم} من حجَّة وَلَا بَيَان {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} مَا يَقُولُونَ إِلَّا بِالظَّنِّ(1/421)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} على أبي جهل وَأَصْحَابه {آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} بِالْأَمر وَالنَّهْي {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ} عذرهمْ وجوابهم لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا} أحى يَا مُحَمَّد آبَاءَنَا حَتَّى نسألهم عَن قَوْلك أَحَق هُوَ أم بَاطِل {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت(1/421)
قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)
{قُلِ} يَا مُحَمَّد لأبي جهل وَأَصْحَابه {الله يُحْيِيكُمْ} فِي الْقَبْر {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} فِي الْقَبْر {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة} وَيُقَال قل الله يميتكم مقدم ومؤخر ثمَّ يجمعكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة {لاَ رَيْبَ فِيهِ} لَا شكّ فِيهِ {وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاس} أهل مَكَّة {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون(1/421)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَات} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات(1/421)
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَة} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ} يغبن {المبطلون} الْمُشْركُونَ بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة(1/422)
وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)
{وَترى كُلَّ أُمَّةٍ} كل أهل دين {جَاثِيَةً} جَامِعَة {كُلُّ أمَّةٍ} كل أهل دين {تدعى إِلَى كتابها} إِلَى قِرَاءَة كتابها كتاب الْحَسَنَات والسيئات فَمنهمْ من يعْطى كِتَابه بِيَمِينِهِ وَمِنْهُم من يعْطى كِتَابه بِشمَالِهِ {الْيَوْم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا(1/422)
هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)
{هَذَا كِتَابُنَا} يَعْنِي ديوَان الْحفظَة {يَنطِقُ عَلَيْكُم} يشْهد عَلَيْكُم {بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ} نكتب {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا(1/422)
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30)
{فَأَما الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} فِي جنته {ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْمُبين} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا وهم الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم(1/422)
وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)
{وَأَمَّا الَّذين كفرُوا} يُقَال لَهُم {أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى} تقْرَأ {عَلَيْكُمْ} فِي الدُّنْيَا بِالْأَمر وَالنَّهْي {فاستكبرتم} فتعظمتم عَن الْإِيمَان بهَا {وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} مُشْرِكين(1/422)
وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)
{وَإِذَا قِيلَ} لَهُم فِي الدُّنْيَا {إِنَّ وعْدَ الله} الْبَعْث بعد الْمَوْت {حَقٌّ والساعة} قيام السَّاعَة {لاَ رَيْبَ} لَا شكّ {فِيهَا} كائنة {قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَة} مَا قيام السَّاعَة {إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} أَن نقُول مَا نقُول إِلَّا بِالظَّنِّ {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} بِقِيَام السَّاعَة(1/422)
وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33)
{وَبَدَا لَهُمْ} ظهر لَهُم {سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} قبح أَعْمَالهم {وَحَاقَ بِهِم} نزل بهم {مَّا كَانُوا بِهِ يستهزؤون} عُقُوبَة استهزائهم بالرسل والكتب(1/422)
وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)
{وَقِيلَ} لَهُم {الْيَوْم نَنسَاكُمْ} نترككم فِي النَّار {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} كَمَا تركْتُم الْإِقْرَار بيومكم هَذَا {وَمَأْوَاكُمُ} مستقركم {النَّار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ} من مانعين من عَذَاب الله(1/422)
ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)
{ذَلِكُم} الْعَذَاب {بِأَنَّكُمُ اتخذتم آيَاتِ الله} كتاب الله وَرَسُوله {هُزُواً} سخرية {وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا عَن طَاعَة الله {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا} من النَّار {وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ} يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا وهم الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بشمالهم(1/422)
فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)
{فَللَّه الْحَمد} الشُّكْر والْمنَّة {رب السَّمَاوَات وَرَبِّ الأَرْض} خَالق السَّمَوَات وخالق الأَرْض {رَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض(1/422)
وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)
{وَلَهُ الكبريآء} العظمة وَالسُّلْطَان {فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض} على أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه(1/422)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَحْقَاف وهى مَكِّيَّة إِلَّا قَوْله {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل} ألخ الْآيَة وَثَلَاث آيَات فى أَبى بكر وَابْنه عبد الرَّحْمَن من قَوْله {وَوَصينَا الْإِنْسَان بِوَالِديهِ} إِلَى قَوْله فَيَقُول {مَا هَذَا إِلَّا أساطير الْأَوَّلين} فانهن مدنيات آياتها اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها سِتّمائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وسِتمِائَة حرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/423)
حم (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {حم} يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَيُقَال قسم أقسم بِهِ(1/423)
تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)
{تَنْزِيل الْكتاب} إِن هَذَا الْكتاب تكليم {من الله الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره(1/423)
مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)
{مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَآ} من الْخلق والعجائب {إِلاَّ بِالْحَقِّ} للحق {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} لوقت مَعْلُوم يَنْتَهِي إِلَيْهِ {وَالَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {عَمَّآ أُنذِرُواْ} خوفوا {مُعْرِضُونَ} مكذبون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/423)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)
{قل} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {أَرَأَيْتُم مآ تَدْعُونَ} مَا تَعْبدُونَ {مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {أَرُونِي} أخبروني {مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْض} مِمَّا فِي الأَرْض {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَات} عون فِي خلق السَّمَوَات {ائْتُونِي بِكِتَابٍ من قبل هَذَا} من قبل هَذَا الْقُرْآن فِيهِ تَقولُونَ {أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ} أَو رِوَايَة من الْعلمَاء وَيُقَال بَقِيَّة من علم الْأَنْبِيَاء {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} فِيمَا تَقولُونَ(1/423)
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)
{وَمن أضلّ} عَن الْحق وَالْهدى {مِمَّن يَدْعُو} يعبد {مِن دُونِ الله} وَهُوَ الْكَافِر {مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ} من لَا يجِيبه إِن دَعَاهُ {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة وَهُمْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {عَن دُعَآئِهِمْ} عَن دُعَاء من يعبدهم {غَافِلُونَ} جاهلون(1/423)
وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)
{وَإِذَا حُشِرَ النَّاس} يَوْم الْقِيَامَة {كَانُواْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {لَهُمْ} لمن يَعْبُدهَا {أَعْدَآءً وَكَانُواْ} يَعْنِي الْأَصْنَام {بِعِبَادَتِهِمْ} بِعبَادة من يعبدهم {كَافِرِينَ} جاحدين(1/423)
وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)
{وَإِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِمْ} على كفار أهل مَكَّة {آيَاتُنَا} الْقُرْآن {بَيِّنَاتٍ} واضحات بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لِلْحَقِّ} لِلْقُرْآنِ {لما جَاءَهُم} حِين جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِهِ {هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} كذب بَين(1/423)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)
{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ {افتراه} اختلق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنِ افتريته} اختلقت الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسِي كَمَا تَقولُونَ {فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي} فَلَا تقدرون لي {مِنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} تخوضون فِي الْقُرْآن من الْكَذِب {كفى بِهِ} كفي بِاللَّه {شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} بِأَنِّي رَسُول وَهَذَا الْقُرْآن كَلَامه {وَهُوَ الغفور} لمن تَابَ مِنْكُم {الرَّحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/423)
قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ الرُّسُل} لست بِأول مُرْسل من الْآدَمِيّين قد كَانَ قبلي رسل {وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} من الشدَّة والرخاء والعافية وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فى شَأْنه أَصْحَابه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالُوا لَهُ مَتى يكون خروجنا من مَكَّة ونجاتنا من الْكفَّار فَقَالَ لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أَدْرِي مَا يفعل بِي وَلَا بكم أأخرج وتخرجون إِلَى الْهِجْرَة أم لَا {إِنْ أَتَّبِعُ} مَا أعمل {إِلاَّ مَا يُوحى إِلَيَّ} إِلَّا بِمَا أمرت فِي الْقُرْآن {وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} رَسُول مخوف بلغَة تعلمونها(1/423)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد للْيَهُود {أَرَأَيْتُمْ} يَا معشر الْيَهُود {إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله} يَقُول هَذَا الْقُرْآن من عِنْد الله {وَكَفَرْتُمْ بِهِ} بِالْقُرْآنِ يَا معشر الْيَهُود {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بني إِسْرَائِيل}(1/423)
بنيامين {على مِثْلِهِ} على مثل شَهَادَة عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {فَآمَنَ} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَاسْتَكْبَرْتُمْ} تعظمتم أَنْتُم يَا معشر الْيَهُود عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين} لَا يرشد إِلَى دين الْيَهُود من لم يكن أَهلا لذَلِك(1/424)
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)
{وَقَالَ الَّذين كَفَرُواْ} أَسد وغَطَفَان وحَنْظَلَة {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} لجهينة وَمُزَيْنَة وَأسلم {لَوْ كَانَ خَيْراً} لَو كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خيرا وَحقا {مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ} جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة وَأسلم {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ} لم يُؤمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَسد وغَطَفَان {فسيقولون هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} هَذَا الْقُرْآن كذب قد تقادم(1/424)
وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)
{وَمِن قَبْلِهِ} من قبل الْقُرْآن {كِتَابُ مُوسَى} التَّوْرَاة {إِمَاماً} يقْتَدى بِهِ {وَرَحْمَةً} من الْعَذَاب لمن آمن بِهِ فَلم يُؤمنُوا وَلم يقتدوا بِهِ {وَهَذَا كِتَابٌ} هَذَا الْقُرْآن كتاب {مُّصَدِّقٌ} مُوَافق للتوراة بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {لِّسَاناً عَرَبِيّاً} على مجْرى لُغَة الْعَرَب {لتنذر} لتخوف {الَّذين ظَلَمُواْ} أشركوا {وبشرى لِلْمُحْسِنِينَ} للْمُؤْمِنين بِالْجنَّةِ(1/424)
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)
{إِنَّ الَّذين قَالُواْ رَبُّنَا الله} وحدوا الله {ثُمَّ استقاموا} على أَدَاء فَرَائض الله وَاجْتنَاب مَعَاصيه وَلم يروغوا روغان الثعالب {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم} فِيمَا يستقبلهم من الْعَذَاب {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} على مَا خلفوا من خَلفهم وَيُقَال فَلَا خوف عَلَيْهِم حِين يخَاف أهل النَّار وَلَا هم يَحْزَنُونَ إِذا حزن غَيرهم(1/424)
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)
{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجنَّة خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ فِي الدُّنْيَا(1/424)
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَان} أمرنَا عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر فِي الْقُرْآن {بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} برا بهما وَهُوَ أَبُو بكر ابْن أبي قُحَافَة وَزَوجته {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ} فِي بَطنهَا {كُرْهاً} مشقة {وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} مشقة {وَحَمْلُهُ} فِي بطن أمه {وَفِصَالُهُ} فطامه عَن اللَّبن {ثَلاَثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} انْتهى ثَمَان عشرَة سنة إِلَى ثَلَاثِينَ سنة {وَبَلَغَ} انْتهى {أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ} أَبُو بكر {رَبِّ أوزعني} ألهمني {أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} بِالتَّوْحِيدِ {وعَلى وَالِدَيَّ} بِالتَّوْحِيدِ وَقد كَانَ آمن أَبَوَاهُ قبل هَذَا {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً} خَالِصا {ترضاه} تقبله {وَأصْلح لي فِي ذريتي} وَأكْرم ذريتي بِالتَّوْبَةِ وَالْإِسْلَام وَلم يكن مُسلما ابْنه عبد الرَّحْمَن قبل هَذَا ثمَّ أسلم بعد ذَلِك {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ} إِنِّي أَقبلت إِلَيْك بِالتَّوْبَةِ {وَإِنِّي مِنَ الْمُسلمين} مَعَ الْمُسلمين على دينهم(1/424)
أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)
{أُولَئِكَ الَّذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ} بإحسانهم {وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ} وَلَا نعاقبهم بهَا {فِي أَصْحَابِ الْجنَّة} مَعَ أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {وَعْدَ الصدْق} الْجنَّة {الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} فى الدُّنْيَا(1/424)
وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)
{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ} وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر قَالَ لِأَبِيهِ وَأمه قبل أَن يسلم {أُفٍّ لَّكُمَآ} قذراً لَكمَا {أتعدانني} أتحدثانني {أَنْ أُخْرَجَ} من الْقَبْر للبعث {وَقَدْ خَلَتِ} مَضَت {الْقُرُون مِن قَبْلِي} وَلم أرهم بعثوا وَكَانَ لَهُ جدان من أجداده مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّة جدعَان وَعُثْمَان ابْنا عَمْرو عناهما {وَهُمَا} يَعْنِي أَبَوَيْهِ {يستغيثان الله} يدعوان الله {وَيْلَكَ} ضيق الله عَلَيْك دنياك {آمن} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ وَعْدَ الله} بِالْبَعْثِ {حَقٌّ} كَائِن بعد الْمَوْت {فَيَقُول} عبد الرَّحْمَن {مَا هَذَا} الَّذِي يَقُول مُحَمَّد {إِلاَّ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} إِلَّا كذب الْأَوَّلين(1/424)
أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)
{أُولَئِكَ} أجداد عبد الرَّحْمَن جدعَان وَعُثْمَان {الَّذين حَقَّ عَلَيْهِمُ القَوْل} هم الَّذين وَجب عَلَيْهِم القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب {فِي أُمَمٍ} مَعَ أُمَم {قَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنّ وَالْإِنْس}(1/424)
كفار الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار {إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ} مغبونين لَا يبعثون إِلَى الدُّنْيَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَأسلم عبد الرَّحْمَن وَحسن إِسْلَامه(1/425)
وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)
{وَلِكُلٍّ} أَي لكل وَاحِد من الْمُؤمنِينَ والكافرين {دَرَجَاتٌ} للْمُؤْمِنين فِي الْجنَّة ودركات للْكَافِرِينَ فِي النَّار {مِّمَّا عَمِلُواْ} بِمَا عمِلُوا فِي الدُّنْيَا {وَلِيُوَفِّيَهُمْ} يوفرهم {أَعْمَالَهُمْ} جَزَاء أَعْمَالهم {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم(1/425)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذين كَفَرُواْ عَلَى النَّار} قبل دُخُول النَّار فَيُقَال لَهُم {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ} أكلْتُم ثَوَاب حسناتكم {فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ} استنفعتم {بِهَا} بِثَوَاب حسناتكم فِي الدُّنْيَا {فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهون} الشَّديد {بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْض} عَن الْإِيمَان {بِغَيْرِ الْحق} بِلَا حق كَانَ لكم {وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} تكفرون وتعصون فِي الأَرْض فِي الدُّنْيَا(1/425)
وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)
{وَاذْكُر} لكفار مَكَّة يَا مُحَمَّد {أَخَا عَادٍ} بني عَاد هوداً {إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ} خوفهم {بالأحقاف} يَقُول بحقوف النَّار أَي سنة النَّار حقباً بعد حقب وَيُقَال بجبل نَحْو الْيمن وَيُقَال نَحْو الشَّام وَيُقَال بجبل الرمل وَيُقَال كَانَ مَكَانا بِالْيمن قَامَ عَلَيْهِ وأنذر قومه {وَقَدْ خَلَتِ النّذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} وَقد كَانَت الرُّسُل من قبل هود {وَمِنْ خَلْفِهِ} من بعده {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله} قَالَ لَهُم هود لَا توحدوا إِلَّا الله {إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أعلم أَن يكون عَلَيْكُم {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد إِن لم تؤمنوا(1/425)
قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)
{قَالُوا أَجِئْتَنَا} يَا هود {لِتَأْفِكَنَا} لتصرفنا {عَنْ آلِهَتِنَا} عَن عبَادَة آلِهَتنَا {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ} من الْعَذَاب {إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقين} بنزول الْعَذَاب علينا إِن لم نؤمن(1/425)
قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)
{قَالَ} لَهُم هود {إِنَّمَا الْعلم} بنزول الْعَذَاب {عِندَ الله وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ} من التَّوْحِيد {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ} أَمر الله وعذابه(1/425)
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً} سحاباً {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ} أَوديَة ريحهم ومطرهم {قَالُواْ هَذَا عَارِضٌ} سَحَاب {مُّمْطِرُنَا} سيمطر حروثنا قَالَ لَهُم هود {بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ} من الْعَذَاب {رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع(1/425)
تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)
{تُدَمِّرُ} تهْلك {كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} بِإِذن رَبهَا {فَأْصْبَحُواْ} فصاروا بعد الْهَلَاك {لاَ يرى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ} مَنَازِلهمْ {كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْقَوْم الْمُجْرمين} الْمُشْركين(1/425)
وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)
{وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ} أعطيناهم من المَال وَالْقُوَّة والأعمال {فِيمَا إِن مكناكم فِيهِ} مالم نمكن لكم وَلم نعطكم يَا أهل مَكَّة {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً} يسمعُونَ بهَا {وَأَبْصَاراً} يبصرون بهَا {وَأَفْئِدَةً} قلوباً يعْقلُونَ بهَا {فَمَآ أغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ} قُلُوبهم {مِّن شَيْءٍ} شَيْئا من عَذَاب الله {إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ الله} يكفرون بهود وبكتاب الله {وَحَاقَ بِهِم} نزل بهم {مَّا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} يهزءون من الْعَذَاب(1/425)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ الْقرى} يَا أهل مَكَّة {وَصَرَّفْنَا الْآيَات} بَينا الْآيَات بِالْأَمر والنهى والهلاك لمن أهلكناهم {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عَن كفرهم فيتوبوا(1/426)
فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)
{فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ} فَهَلا نَصرهم {الَّذين اتَّخذُوا} عبدُوا {مِن دُونِ الله قُرْبَاناً آلِهَةَ} قرباناً تقرباً إِلَى الله مقدم ومؤخر {بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ} بَطل عَنْهُم مَا كَانُوا يعْبدُونَ {وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ} كذبهمْ {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يكذبُون على الله(1/426)
وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
{وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً} وجهنا إِلَيْك جمَاعَة {مِّنَ الْجِنّ} وهم تِسْعَة رَهْط {يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن} إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن {فَلَمَّا حَضَرُوهُ} أَي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِبَطن نخل {قَالُوا} قَالَ بَعضهم لبَعض {أَنْصتُوا} حَتَّى تسمعوا كَلَام النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَلَمَّا قضى} فَلَمَّا فرغ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قِرَاءَته وَصلَاته آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} رجعُوا إِلَى قَومهمْ مُؤمنين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن مخوفين لقومهم(1/426)
قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)
{قَالُوا يَا قَومنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً} قِرَاءَة كتاب يعنون الْقُرْآن {أنزل} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته لما بَين يَدَيْهِ من التَّوْرَاة وَكَانُوا قد آمنُوا بمُوسَى {يهدي} يرشد {إِلَى الْحق وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} إِلَى دين حق قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام(1/426)
يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)
{يَا قَومنَا أجِيبُوا دَاعِي الله} مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالتَّوْحِيدِ {وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} يغْفر لكم ربكُم ذنوبكم فِي الْجَاهِلِيَّة {وَيُجِرْكُمْ} ينجكم {مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع(1/426)
وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)
{وَمن لَا يجب دَاعِي الله} مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ} فَلَيْسَ بفائت من عَذَاب الله {فِي الأَرْض وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ} من دون الله {أَوْلِيَآءُ} أقرباء ينفعونه {أُولَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين(1/426)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} يعلمُوا كفار مَكَّة {أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَمْ يَعْيَ} يعجز {بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} للبعث {بلَى إِنَّه على كل شَيْء قدير} من الْحَيَاة وَالْمَوْت {قَدِيرٌ}(1/426)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34)
{وَيَوْم يعرض الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {على النَّار} قبل أَن يدخلُوا النَّار فَيُقَال لَهُم {أَلَيْسَ هَذَا} الْعَذَاب {بِالْحَقِّ} بِالْعَدْلِ {قَالُواْ بلَى وَرَبِّنَا} إِنَّه الْحق {قَالَ} الله لَهُم {فَذُوقُواْ الْعَذَاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} تجحدون فى الدُّنْيَا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/426)
فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)
{فاصبر} يَا مُحَمَّد على أَذَى الْكفَّار {كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ الْعَزْم} ذَوُو الْيَقِين والحزم {مِنَ الرُّسُل} مثل نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى وَيُقَال ذَوُو الشدَّة وَالصَّبْر مثل نوح وَأَيوب وزَكَرِيا وَيحيى {وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} بِالْهَلَاكِ {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من الْعَذَاب مقدم ومؤخر {لَمْ يَلْبَثُوا} لم يمكثوا فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ سَاعَةً} قدر سَاعَة {مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ} بلغه وَأجل فَإِذا جَاءَ وَقت الْعَذَاب والهلاك {فَهَلْ يُهْلَكُ} بِالْعَذَابِ {إِلاَّ الْقَوْم الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ وهم الَّذين كفرُوا وصدوا عَن سَبِيل الله(1/426)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهى كلهَا مَكِّيَّة نزلت فى الْقِتَال
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/427)
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته وهم المطعمون يَوْم بدر عتبَة وَشَيْبَة ابْنا ربيعَة ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج وَأَبُو البحترى بن هِشَام وَأَبُو جهل بن هِشَام وأصحابهم {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر(1/427)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)
{وَالَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه وَمُحَمّد وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} بِمَا نزل الله بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَهُوَ الْحق مِن رَّبِّهِمْ} يَعْنِي الْقُرْآن {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم بِالْجِهَادِ {وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} حَالهم وشأنهم ونياتهم وعملهم فِي الدُّنْيَا وَيُقَال أظهر أَمرهم فِي الْإِسْلَام(1/427)
ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)
{ذَلِك} ثمَّ بَين الشَّيْء الَّذِي أحبط أَعمال الْكَافرين وَأصْلح أَعمال الْمُؤمنِينَ فَقَالَ ذَلِك الْإِبْطَال {بِأَن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اتبعُوا الْبَاطِل} يَعْنِي الشّرك بِاللَّه {وَأَنَّ الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اتبعُوا الْحق مِن رَّبِّهِمْ} يَعْنِي الْقُرْآن {كَذَلِك} هَكَذَا {يَضْرِبُ الله} يبين الله {لِلنَّاسِ} لأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَمْثَالَهُمْ} أَمْثَال من كَانَ قبلهم كَيفَ أهلكهم الله عِنْد تَكْذِيب الرُّسُل
ثمَّ حرض الْمُؤمنِينَ على الْقِتَال(1/427)
فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذين كَفَرُواْ} يَوْم بدر {فَضَرْبَ الرّقاب} فاضربوا أَعْنَاقهم {حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ} قهرتموهم وأسرتموهم {فَشُدُّواْ الوثاق} فاستوثقوا الْأَسير {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} يَقُول تمن على الْأَسير فترسله بِغَيْر فدَاء {وَإِمَّا فِدَآءً} وَإِمَّا أَن يفادي المأسور نَفسه {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْب} الْكفَّار {أَوْزَارَهَا} أسلحتها وَيُقَال حَتَّى يتْرك الْكفَّار {ذَلِك} الْعقُوبَة لمن كفر بِاللَّه {وَلَوْ يَشَآءُ الله لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ} لانتقم مِنْهُم من كفار مَكَّة بِالْمَلَائِكَةِ غَيْركُمْ وَيُقَال من غير قتالكم {وَلَكِن ليبلو بَعْضَكُم بِبَعْضٍ} ليختبر الْمُؤمنِينَ بالكافرين والقريب بالقريب {وَالَّذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله يَوْم بدر وهم أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} فَلَنْ يبطل حسناتهم فِي الْجِهَاد(1/427)
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)
{سَيَهْدِيهِمْ} يوفقهم للأعمال الصَّالِحَة {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} حَالهم وشأنهم ونياتهم وَيُقَال سيهديهم سينجيهم فِي الْآخِرَة وَيصْلح بالهم يقبل أَعْمَالهم يَوْم الْقِيَامَة(1/427)
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
{وَيُدْخِلُهُمُ الْجنَّة عَرَّفَهَا لَهُمْ} بَينهَا لَهُم يَهْتَدُونَ إِلَيْهَا كَمَا يَهْتَدُونَ فِي الدُّنْيَا إِلَى مَنَازِلهمْ(1/427)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ} إِن تنصرُوا نَبِي الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدو ينصركم الله بالغلبة على الْعَدو {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} فِي الْحَرْب لكَي لَا تَزُول(1/427)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)
{وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المطعمون يَوْم بدر {فَتَعْساً لَّهُمْ} فنكساً لَهُم وبعداً لَهُم {وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} أبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر(1/427)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)
{ذَلِك} الْإِبْطَال {بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ} جَحَدُوا {مَآ أَنزَلَ الله} بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} فَأبْطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر(1/427)
أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)
{أَفَلَمْ يَسِيرُواْ} يسافروا كفار مَكَّة {فِي الأَرْض فينظروا} يتفكروا(1/427)
{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} جَزَاء {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} أهلكهم الله {وَلِلْكَافِرِينَ} لكفار مَكَّة {أَمْثَالُهَا} أشباهها من الْعَذَاب(1/428)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)
{ذَلِك} النُّصْرَة للْمُؤْمِنين {بِأَنَّ الله مَوْلَى} نَاصِر {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَأَنَّ الْكَافرين} كفار مَكَّة {لاَ مولى لَهُمْ} لَا نَاصِر لَهُم(1/428)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)
{إِن الله يدْخل الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَالَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَبُو سُفْيَان وَأَصْحَابه {يَتَمَتَّعُونَ} يعيشون فِي الدُّنْيَا {وَيَأْكُلُونَ} بِشَهْوَة أنفسهم بِلَا همة مَا فِي غَد {كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَام وَالنَّار مَثْوىً لَّهُمْ} منزل لَهُم فِي الْآخِرَة(1/428)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)
{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً} بِالْبدنِ والمنعة {مِّن قَرْيَتِكَ} مَكَّة {الَّتِي أَخْرَجَتْكَ} أخرجك أَهلهَا إِلَى الْمَدِينَة {أَهْلَكْنَاهُمْ} عِنْد التَّكْذِيب {فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ} لم يكن لَهُم مَانع من عَذَاب الله(1/428)
أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)
{أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ} على بَيَان وَدين {من ربه} وَهُوَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {كمن زين لَهُ سوء عَمَلِهِ} قبح عمله وَهُوَ أَبُو جهل {وَاتبعُوا أَهْوَاءَهُمْ} بِعبَادة الْأَوْثَان(1/428)
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)
{مَّثَلُ الْجنَّة} صفة الْجنَّة {الَّتِي وُعِدَ المتقون} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ} آجن رِيحه وطعمه {وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} إِلَى الحموضة وزهومة زبده لم يخرج من بطُون اللقَاح {وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ} شَهْوَة للشاربين لم تعصر بالأقدام {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} بِلَا شمع لم يخرج من بطُون النَّحْل {وَلَهُمْ} وَلأَهل الْجنَّة {فِيهَا} فِي الْجنَّة {مِن كُلِّ الثمرات} من ألوان الثمرات {وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّار} لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يخرج مِنْهَا وَهُوَ أَبُو جهل {وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً} حاراً {فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ} مباعرهم {وَمِنْهُمْ} من الْمُنَافِقين(1/428)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)
{مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} إِلَى خطبتك يَوْم الْجُمُعَة {حَتَّى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ} تفَرقُوا من عنْدك {قَالُواْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {لِلَّذِينَ أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم يَعْنِي عبد الله بن مَسْعُود {مَاذَا قَالَ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آنِفاً} السَّاعَة على الْمِنْبَر استهزاء بِمَا قَالَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ هم {الَّذين طَبَعَ الله} ختم الله {على قُلُوبِهِمْ} فهم لَا يعْقلُونَ الْحق وَالْهدى {وَاتبعُوا أَهْوَآءَهُمْ} بِكفْر السِّرّ والنفاق والخيانة والعداوة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/428)
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
{وَالَّذين اهتدوا} بِالْإِيمَان {زَادَهُمْ} بخطبتك {هُدىً} بَصِيرَة فِي أَمر الدّين وَتَصْدِيقًا فِي النيات {وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} ألهمهم تقواهم يَقُول أكْرمهم بترك الْمعاصِي وَاجْتنَاب الْمَحَارِم وَيُقَال وَالَّذين اهتدوا بالناسخ زادهم هدى بالمنسوخ وآتاهم الله تبَارك وَتَعَالَى تقواهم أكْرمهم الله بِاسْتِعْمَال النَّاسِخ وَترك الْمَنْسُوخ(1/428)
فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)
{فَهَلْ يَنظُرُونَ} إِذا كَذبُوك كفار مَكَّة {إِلاَّ السَّاعَة} قيام السَّاعَة {أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} فَجْأَة {فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا} معالمها انْشِقَاق الْقَمَر وَخُرُوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ من أعلامها أَي معالمها(1/428)
{فَأنى لَهُمْ} فَمن أَيْن لَهُم {إِذَا جَآءَتْهُمْ} قيام السَّاعَة {ذِكْرَاهُمْ} التَّوْبَة(1/429)
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
{فَاعْلَم} يَا مُحَمَّد {أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلاَّ الله} لَا ضار وَلَا نَافِع وَلَا مَانع وَلَا معطي وَلَا معز وَلَا مذل إِلَّا الله وَيُقَال فَاعْلَم أَنه لَيْسَ شَيْء فَضله كفضل لَا إِلَه إِلَّا الله {واستغفر لِذَنبِكَ} يَا مُحَمَّد من ضرب الْيَهُودِيّ زيد بن السمين {وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات} ولذنوب الْمُؤمنِينَ وَالْمُؤْمِنَات {وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} ذهابكم ومجيئكم وَأَعْمَالكُمْ فِي الدُّنْيَا {وَمَثْوَاكُمْ} مصيركم ومنزلكم فِي الْآخِرَة(1/429)
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)
{وَيَقُول الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المخلصون {لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَتْ سُورَةٌ} جِبْرِيل بِسُورَة تمنوا ذَلِك من اشتياقهم إِلَى ذكر الله وطاعته {فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ} جِبْرِيل بِسُورَة {مُّحْكَمَةٌ} مبينَة بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي {وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَال} أَمر فِيهَا بِالْقِتَالِ {رَأَيْتَ الَّذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} نَحْوك عِنْد ذكرك الْقِتَال {نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْت} كمن هُوَ فِي غشيان الْمَوْت من كَرَاهِيَة قِتَالهمْ مَعَ الْعَدو {فَأولى لَهُمْ} وَعِيد لَهُم من عَذَاب الله(1/429)
طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)
{طَاعَةٌ} يَقُول هَذَا من الْمُؤمنِينَ طَاعَة لله وَلِرَسُولِهِ {وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} كَلَام حسن وَيُقَال طَاعَة الْمُنَافِقين لله وَلِرَسُولِهِ وَقَول مَعْرُوف كَلَام حسن لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير لَهُم من الْمعْصِيَة والمخالفة والكراهية وَيُقَال أطِيعُوا طَاعَة الله وَقُولُوا قولا مَعْرُوفا لمُحَمد {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمر} جد الْأَمر وَظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ {فَلَوْ صَدَقُواْ الله} يَعْنِي الْمُنَافِقين بإيمَانهمْ وجهادهم {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} من الْمعْصِيَة(1/429)
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ} فلعلكم يَا معشر الْمُنَافِقين تتمنون إِن توليتم أَمر هَذِه الْأمة بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن تُفْسِدُواْ فِي الأَرْض} بِالْقَتْلِ والمعاصي وَالْفساد {وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ} بِإِظْهَار الْكفْر(1/429)
أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)
{أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ {الَّذين لَعَنَهُمُ الله} هم الَّذين طردهم الله من كل خير {فَأَصَمَّهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى {وأعمى أَبْصَارَهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى(1/429)
أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن} أَفلا يتفكرون بِالْقُرْآنِ مَا نزل فيهم {أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} أم على قُلُوب الْمُنَافِقين أقفالاً لَا يعْقلُونَ مَا نزل فيهم(1/429)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
{إِنَّ الَّذين ارْتَدُّوا على أَدْبَارِهِمْ} رجعُوا إِلَى دين آبَائِهِم وهم الْيَهُود {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى} التَّوْحِيد وَالْقُرْآن وَصفَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي الْقُرْآن {الشَّيْطَان سَوَّلَ لَهُمْ} زين لَهُم الرُّجُوع إِلَى دينهم {وأملى لَهُمْ} الله أمهلهم إِذْ لم يُهْلِكهُمْ(1/429)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
{ذَلِك} الارتداد {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ} يَعْنِي الْيَهُود {لِلَّذِينَ كَرِهُواْ} وهم المُنَافِقُونَ جَحَدُوا فِي السِّرّ {مَا نزل الله} بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {سَنُطِيعُكُمْ} سنعينكم يَا معشر الْمُنَافِقين {فِي بَعْضِ الْأَمر} أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَا إِلَه إِلَّا الله إِن كَانَ لَهُ ظُهُور علينا {وَالله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} إسرار الْيَهُود مَعَ الْمُنَافِقين(1/429)
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)
{فَكَيْفَ} يصنعون {إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَة} قبضتهم الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْيَهُود {يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ} بمقامع من حَدِيد {وأدبارهم} ظُهُورهمْ(1/429)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)
{ذَلِك} الضَّرْب والعقوبة {بِأَنَّهُمُ اتبعُوا مَآ أَسْخَطَ الله} من الْيَهُودِيَّة {وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ} جَحَدُوا توحيده {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} فَأبْطل حسناتهم فِي الْيَهُودِيَّة وَيُقَال نزل من قَوْله {إِنَّ الَّذين ارْتَدُّوا على أدبارهم} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين الَّذين رجعُوا من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة مرتدين عَن دينهم وَيُقَال نزل فِي شَأْن الحكم بن أبي الْعَاصِ الْمُنَافِق وَأَصْحَابه الَّذين شاوروا فِيمَا بَينهم يَوْم الْجُمُعَة فى أَمر الْخلَافَة بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن ولينا أَمر هَذِه الْأمة نَفْعل كَذَا وَكَذَا كَانُوا يشاورون فِي هَذَا وَالنَّبِيّ يخْطب وَلَا يَسْتَمِعُون إِلَى خطبَته حَتَّى قَالُوا بعد ذَلِك لعبد الله بن مَسْعُود مَاذَا قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْآن على الْمِنْبَر استهزاء مِنْهُم(1/429)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)
{أَمْ حَسِبَ} أيظن {الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ} أَن لن يظْهر الله عداوتهم وبغضهم لله(1/429)
وَلِرَسُولِهِ وَيُقَال نفاقهم للْمُؤْمِنين وعداوتهم وبغضهم(1/430)
وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)
{وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ} يَا مُحَمَّد بالعلامة القبيحة {فَلَعَرَفْتَهُم} فلتعرفنهم {بِسِيمَاهُمْ} بعلامتهم القبيحة بعد ذَلِك {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ} وَلَكِن تعرفنهم يَا مُحَمَّد {فِي لَحْنِ القَوْل} فِي محاورة الْكَلَام وَهِي معذرة الْمُنَافِقين {وَالله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} أسراركم وعداوتكم وبغضكم لله وَلِرَسُولِهِ(1/430)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} وَالله لنختبرنكم بِالْقِتَالِ {حَتَّى نَعْلَمَ} حَتَّى نميز {الْمُجَاهدين} فِي سَبِيل الله {مِنكُمْ} يَا معشر الْمُنَافِقين {وَالصَّابِرِينَ} ونميز الصابرين فِي الْحَرْب مِنْكُم {ونبلو أَخْبَارَكُمْ} نظهر أسراركم وبغضكم وعداوتكم ومخالفتكم لله وَلِرَسُولِهِ وَيُقَال نفاقكم(1/430)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)
{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته {وَشَآقُّواْ الرَّسُول} خالفوا الرَّسُول فِي الدّين {مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهدى} التَّوْحِيد {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً} لن ينقصوا الله بمخالفتهم وعداوتهم وكفرهم وصدهم عَن سَبِيل الله شَيْئا {وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} يبطل حسناتهم ونفقاتهم يَوْم بدر وهم المطعمون يَوْم بدر(1/430)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بالعلانية {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي السِّرّ {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} حسناتكم بالنفاق والبغض والعداوة وَمُخَالفَة الرَّسُول وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فى المخلصين يَقُول يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن أَطِيعُواْ اللَّهَ فِيمَا أَمركُم من الْفَرَائِض وَالصَّدَََقَة وَأَطِيعُواْ الرَّسُول فِيمَا أَمركُم من السّنة والغزو وَالْجهَاد وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بالرياء والسمعة(1/430)
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)
{إِن الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهم المطعمون يَوْم بدر {وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته {ثُمَّ مَاتُواْ} أَو قتلوا {وَهُمْ كُفَّارٌ} بِاللَّه وبرسوله {فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} لأَنهم كفار بِاللَّه وبرسوله(1/430)
فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)
{فَلاَ تَهِنُواْ} فَلَا تضعفوا يَا معشر الْمُؤمنِينَ بِالْقِتَالِ مَعَ الْعَدو {وَتَدعُوا إِلَى السّلم} إِلَى الصُّلْح وَيُقَال إِلَى الْإِسْلَام قبل الْقِتَال {وَأَنتُمُ الأعلون} الغالبون وَآخر الْأَمر لكم {وَالله مَعَكُمْ} معينكم بالنصر على عَدوكُمْ {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} وَلنْ ينقص أَعمالكُم فِي الْجِهَاد(1/430)
إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)
{إِنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {لَعِبٌ} بَاطِل {وَلَهْوٌ} فَرح لَا يبْقى {وَإِن تُؤْمِنُواْ} تستقيموا على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {وَتَتَّقُواْ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {يُؤْتِكُمْ} يعطكم {أُجُورَكُمْ} ثَوَاب أَعمالكُم {وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم} كلهَا فى الصَّدَقَة(1/430)
إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)
{إِن يسألكموها} كلهَا فِي الصَّدَقَة {فَيُحْفِكُمْ} يجهدكم {تَبْخَلُواْ} بِالصَّدَقَةِ فِي طَاعَة الله {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} يظْهر بخلكم(1/430)
هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)
{هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ} أَنْتُم يَا هَؤُلَاءِ {تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ} بِالصَّدَقَةِ عَن طَاعَة الله {وَمَن يَبْخَلْ} بِالصَّدَقَةِ عَن طَاعَة الله {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ} بالثواب والكرامة {عَن نَّفْسِهِ وَالله الْغَنِيّ} هُوَ الْغَنِيّ عَن أَمْوَالكُم وصدقاتكم {وَأَنتُمُ الفقرآء} إِلَى رَحْمَة الله وجنته ومغفرته {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} عَن طَاعَة الله وَطَاعَة رَسُوله وَعَما أَمركُم من الصَّدَقَة {يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ} يهلككم وَيَأْتِ بِآخَرين خير مِنْكُم وأطوع {ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} بالمعصية وَالطَّاعَة وَلَكِن يَكُونُوا خيرا لَهُ مِنْكُم وأطوع لله وَيُقَال نزل من قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين أَسد وغَطَفَان فبدل الله بهم جُهَيْنَة وَمُزَيْنَة خيرا مِنْهُم وأطوع لله وَذَلِكَ إِنَّا فتحنا لَك(1/430)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْفَتْح وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ آيَة وكلمها خَمْسمِائَة وَسِتُّونَ كلمة وحروفها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/431)
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} بِغَيْر قتال وَصلح الْحُدَيْبِيَة مِنْهُ غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ وَيُقَال إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا يَقُول قضينا لَك قَضَاء بَينا يَقُول أكرمناك بِالْإِسْلَامِ والنبوة وأمرناك أَن تَدْعُو الْخلق إِلَيْهِمَا(1/431)
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2)
{لِّيَغْفِرَ لَكَ الله} لكَي يغْفر الله لَك {مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ} مَا سلف من ذنوبك قبل الْوَحْي {وَمَا تَأَخَّرَ} وَمَا يكون بعد الْوَحْي إِلَى الْمَوْت {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ} منته {عَلَيْكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام وَالْمَغْفِرَة {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} يثبتك على طَرِيق قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام(1/431)
وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3)
{وَيَنصُرَكَ الله} على عَدوك {نَصْراً عَزِيزاً} منيعاً بِلَا ذل(1/431)
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4)
{هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السكينَة} الطُّمَأْنِينَة {فِي قُلُوبِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين يَوْم الْحُدَيْبِيَة {ليزدادوا إِيمَاناً} يَقِينا وَتَصْدِيقًا وعلماً {مَّعَ إِيمَانِهِمْ} بِاللَّه وَرَسُوله وَهُوَ تَكْرِير الْإِيمَان مَعَ إِيمَانهم بِاللَّه وَرَسُوله {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَات} الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} الْمُؤْمِنُونَ يُسَلط على من يَشَاء من أعدائه {وَكَانَ الله عَلِيماً} بِمَا صنع بك من الْفَتْح وَالْمَغْفِرَة وَالْهدى والنصرة وإنزال السكينَة فِي قُلُوب الْمُؤمنِينَ {حَكِيماً} فِيمَا صنع بك(1/431)
لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5)
فَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ المخلصون حِين سمعُوا بكرامة الله لنَبيه هَنِيئًا لَك يَا رَسُول الله بِمَا أَعْطَاك الله من الْفَتْح وَالْمَغْفِرَة والكرامة فَمَا لنا عِنْد الله فَأنْزل الله {لِّيُدْخِلَ الْمُؤمنِينَ} المخلصين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المخلصات من النِّسَاء {جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَكَانَ ذَلِك} الَّذِي ذكرت للْمُؤْمِنين {عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً} نجاة وافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا فجَاء عبد الله ابْن أَبى بن سلول حِين سمع بكرامة الله للْمُؤْمِنين فَقَالَ يَا رَسُول الله وَالله مَا نَحن إِلَّا كَهَيْئَتِهِمْ فَمَا لنا عِنْد الله فَأنْزل فيهم(1/431)
وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6)
{وَيُعَذِّبَ} ليعذب {الْمُنَافِقين} من الرِّجَال بإيمَانهمْ {والمنافقات} من النِّسَاء {وَالْمُشْرِكين} بِاللَّه من الرِّجَال بإيمَانهمْ {والمشركات} من النِّسَاء أَيْضا ثمَّ ذكر أَيْضا الْمُنَافِقين فَقَالَ {الظآنين بِاللَّه ظَنَّ السوء} أَن لَا ينصر الله نبيه {عَلَيْهِمْ} على الْمُنَافِقين {دَآئِرَةُ السوء} منقلبة السوء وعاقبة السوء {وَغَضِبَ الله} سخط الله {عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ} طردهم من كل خير {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {وَسَآءَتْ مَصِيراً} بئس الْمصير صَارُوا إِلَيْهِ فِي الْآخِرَة(1/431)
وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7)
{وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَات} الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} الْمُؤْمِنُونَ ينصر بهم من يَشَاء {وَكَانَ الله عَزِيزاً} بنقمة الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ {حَكِيماً} بكرامة الْمُؤمنِينَ المخلصين بإيمَانهمْ وَيُقَال عَزِيزًا فِي ملكه وسلطانه حكيماً فِي أمره وقضائه وَفِيمَا نصر نبيه على أعدائه(1/431)
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ} يَا مُحَمَّد {شَاهِداً} على أمتك بالبلاغ {وَمُبَشِّراً} بِالْجنَّةِ للْمُؤْمِنين {وَنَذِيراً} من النَّار للْكَافِرِينَ(1/431)
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9)
{لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّه} لكَي تؤمنوا بِاللَّه {وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وتعزروه} تنصروه(1/431)
بِالسَّيْفِ على عدوه {وَتُوَقِّرُوهُ} تعظموه {وَتُسَبِّحُوهُ} تصلوا لله {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} غدْوَة وَعَشِيَّة(1/432)
إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (10)
ثمَّ ذكر بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة تَحت الشَّجَرَة وَهِي شَجَرَة السمرَة بِالْحُدَيْبِية وَكَانُوا نَحْو ألف وَخَمْسمِائة رجل بَايعُوا نَبِي الله على النصح والنصرة وَأَن لَا يَفروا فَقَالَ {إِنَّ الَّذين يُبَايِعُونَكَ} يَوْم الْحُدَيْبِيَة {إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} كَأَنَّهُمْ يبايعون الله {يَدُ الله} بالثواب والنصرة {فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} بِالصّدقِ وَالْوَفَاء والتمام {فَمَن نَّكَثَ} نقض بيعَته {فَإِنَّمَا يَنكُثُ} ينْقض {على نَفْسِهِ} عُقُوبَة ذَلِك {وَمَنْ أوفى} وفى {بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ الله} بعهده بِاللَّه بِالصّدقِ وَالْوَفَاء {فَسَيُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {أَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فِي الْجنَّة فَلم ينقص مِنْهُم أحد لأَنهم كَانُوا كلهم مُخلصين وماتوا على بيعَة الرضْوَان غير رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ جد بن قيس وَكَانَ منافقاً اخْتَبَأَ يومئذٍ تَحت إبط بعيره وَلم يدْخل فِي بيعتهم فأماته الله على نفَاقه(1/432)
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11)
{سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلفُونَ} من غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {مِنَ الْأَعْرَاب} من بني غفار وَأسلم وَأَشْجَع وديل وَقوم من مزينة وجهينة {شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} عَن الْخُرُوج مَعَك إِلَى الْحُدَيْبِيَة خفنا عَلَيْهِم الضَّيْعَة فَمن ذَلِك تخلفنا عَنْك {فَاسْتَغْفر لَنَا} يَا رَسُول الله بتخلفنا عَنْك إِلَى غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ} يسْأَلُون بألسنتهم الْمَغْفِرَة {مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} حَاجَة لذَلِك استغفرت لَهُم أم لم تستغفر لَهُم {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ الله} فَمن يقدر لكم من عَذَاب الله {شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً} قتلا وهزيمة {أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً} نصرا وغنيمة وعافية {بَلْ كَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} بتخلفكم عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {خَبِيرا}(1/432)
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)
{بَلْ ظَنَنْتُمْ} يَا معشر الْمُنَافِقين {أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُول} أَن لَا يرجع من الْحُدَيْبِيَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {والمؤمنون إِلَى أَهْلِيهِمْ} إِلَى الْمَدِينَة {أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِك} اسْتَقر ذَلِك الظَّن {فِي قُلُوبِكُمْ} فَمن ذَلِك تخلفتم {وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السوء} أَن لَا ينصر الله نبيه {وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً} هلكى فَاسِدَة الْقُلُوب قاسية الْقُلُوب(1/432)
وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)
{وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّه وَرَسُولِهِ} يَقُول وَمن لم يصدق بإيمانه بِاللَّه وَرَسُوله {فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة {سَعِيراً} نَارا وقوداً(1/432)
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14)
{وَللَّه مُلْكُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} من الْمُؤمنِينَ على الذَّنب الْعَظِيم وَهُوَ فضل مِنْهُ {وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} على الذَّنب الصَّغِير وَهُوَ عدل مِنْهُ وَيُقَال يغْفر لمن يَشَاء يكرم من يَشَاء بِالْإِيمَان وَالتَّوْبَة فيغفره ويعذب من يَشَاء يُمِيت من يَشَاء على الْكفْر والنفاق فيعذبه وَيُقَال يغْفر لمن يَشَاء من كَانَ أَهلا لذَلِك ويعذب من يشآء من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَكَانَ الله غَفُوراً} لمن تَابَ من الصَّغَائِر والكبائر {رَّحِيماً} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/432)
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)
{سَيَقُولُ الْمُخَلفُونَ} عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة يَعْنِي بني غفار وَأسلم وَأَشْجَع وقوماً من مزينة وجهينة {إِذَا انطلقتم إِلَى مَغَانِمَ} مَغَانِم خَيْبَر {لِتَأْخُذُوهَا} لتغتنموها {ذَرُونَا} اتركونا {نَتَّبِعْكُمْ} إِلَى خَيْبَر {يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ} يُغيرُوا {كَلاَمَ الله} لنَبيه حِين قَالَ لَهُ لَا تَأذن لَهُم بِالْخرُوجِ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى بعد تخلفهم عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {قُل} لَهُم لبني عَامر وديل وَأَشْجَع وَقوم من مزينة وجهينة {لَّن تَتَّبِعُونَا} إِلَى غَزْوَة خَيْبَر إِلَّا مطوعين لَيْسَ لكم من الْغَنِيمَة شَيْء {كذلكم} كَمَا قُلْنَا لكم {قَالَ الله مِن قَبْلُ} هَذَا هُوَ مَا ذكرنَا فِي سُورَة التَّوْبَة {فَقل لن تخْرجُوا معي أبدا} إِلَى آخر الْآيَة أَي لَا تَأذن لَهُم بِالْخرُوجِ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى فَقَالُوا للْمُؤْمِنين لم يَأْمُركُمْ الله بذلك وَلَكِن تحسدوننا على الْغَنِيمَة فَأنْزل الله فِي قَوْلهم {فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا} على الْغَنِيمَة {بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ} أَمر الله {إِلاَّ قَلِيلاً} لَا قَلِيلا وَلَا كثيرا(1/432)
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16)
{قُل} يَا مُحَمَّد {لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَاب}(1/432)
ديل وَأَشْجَع وَقوم من مزينة وجهينة {سَتُدْعَوْنَ} بعد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلَى قَوْمٍ} إِلَى قتال قوم {أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} ذَوي قتال شَدِيد أهل الْيَمَامَة بني حنيفَة قوم مُسَيْلمَة الْكذَّاب {تُقَاتِلُونَهُمْ} على الدّين {أَوْ يُسْلِمُونَ} حَتَّى يسلمُوا {فَإِن تُطِيعُواْ} تجيبوا وتوافقوا على الْقِتَال وتخلصوا بِالتَّوْحِيدِ {يُؤْتِكُمُ الله أَجْراً} يعظكم الله ثَوابًا {حَسَناً} فِي الْجنَّة {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} عَن التَّوْحِيد وَالتَّوْبَة وَالْإِخْلَاص والإجابة إِلَى قتال مُسَيْلمَة الْكذَّاب {كَمَا تَوَلَّيْتُم} عَن غَزْوَة الْحُدَيْبِيَة {مِّن قَبْلُ} من قبل هَذَا {يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً(1/433)
لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)
ثمَّ جَاءَ أهل الزمانة إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا يَا رَسُول الله قد أوعد الله بِعَذَاب أَلِيم لمن يتَخَلَّف عَن الْغَزْوَة فَكيف لنا وَنحن لَا نقدر على الْخُرُوج إِلَى الْغَزْو فَأنْزل الله فيهم {لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَلاَ عَلَى الْأَعْرَج حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَلاَ عَلَى الْمَرِيض حَرَجٌ} مأثم أَن لَا يخرج إِلَى الْغَزْو {وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة والإجابة والموافاة إِلَى قتال الْعَدو {يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي} تطرد {من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَمَن يَتَوَلَّ} عَن طَاعَة الله وَرَسُوله والإجابة {يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً(1/433)
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)
ثمَّ ذكر رضوانه على من بَايع من أهل بيعَة الرضْوَان فَقَالَ {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَة} يَوْم الْحُدَيْبِيَة شَجَرَة السمرَة وَكَانُوا نَحْو ألف وَخَمْسمِائة رجل بَايعُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْفَتْح والنصرة وَأَن لَا يَفروا من الْمَوْت {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الصدْق وَالْوَفَاء {فَأنزَلَ} الله تَعَالَى {السكينَة} الطُّمَأْنِينَة {عَلَيْهِمْ} وأذهب عَنْهُم الحمية {وَأَثَابَهُمْ} أَي أَعْطَاهُم بعد ذَلِك {فَتْحاً قَرِيباً} يَعْنِي فتح خَيْبَر سَرِيعا على أثر ذَلِك(1/433)
وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)
{ومغانم كَثِيرَة يأخذونها} يغنمونها يَعْنِي غنيمَة خَيْبَر {وَكَان الله عَزِيزاً} بنقمة أعدائه {حكيما} بالنصرة وَالْفَتْح وَالْغنيمَة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه(1/433)
وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)
{وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} تغتنمونها وَهِي غنيمَة فَارس لم تكن فستكون (فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِه) يَعْنِي غنيمَة خَيْبَر {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاس عَنْكُمْ} بِالْقِتَالِ يَعْنِي أسداً وغَطَفَان وَكَانُوا حلفاء لأهل خَيْبَر {وَلِتَكُونَ آيَةً} عِبْرَة وعلامة {لِّلْمُؤْمِنِينَ} يَعْنِي فتح خَيْبَر لِأَن الْمُؤمنِينَ كَانُوا ثَمَانِيَة آلَاف وَأهل خَيْبَر كَانُوا سبعين ألفا {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} يثبتكم على دين قَائِم يرضاه(1/433)
وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)
{وَأُخْرَى} غنيمَة أُخْرَى {لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} بعد {قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} قد علم الله أَنَّهَا سَتَكُون وَهِي غنيمَة فَارس {وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من الْفَتْح والنصرة وَالْغنيمَة {قَدِيرًا}(1/433)
وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (22)
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذين كفَرُواْ} أسداً وغَطَفَان مَعَ أهل خَيْبَر {لَوَلَّوُاْ الأدبار} منهزمين {ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً} عَن قتلكم {وَلاَ نَصِيراً} مَانِعا مَا يُرَاد بهم من الْقَتْل والهزيمة(1/433)
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (23)
{سُنَّةَ الله} هَكَذَا سيرة الله {الَّتِي قَدْ خَلَتْ} مَضَت {مِن قَبْلُ} فِي الْأُمَم الخالية بِالْقَتْلِ وَالْعَذَاب حِين خَرجُوا على الْأَنْبِيَاء {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله} لعذاب الله بِالْقَتْلِ {تَبْدِيلاً} تحويلا(1/433)
وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24)
{وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ} أَيدي أهل مَكَّة {عَنكُمْ} عَن قتالكم {وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم} عَن قِتَالهمْ {بِبَطْنِ مَكَّةَ} فِي وسط مَكَّة غير أَن كَانَ بَينهم رمي بِالْحِجَارَةِ {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم} حَيْثُ هَزَمَهُمْ أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ حَتَّى دخلُوا مَكَّة {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ} من رمي الْحِجَارَة وَغَيره {بَصِيراً}(1/433)
هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)
{هم الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي اهل مَكَّة {وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِد الْحَرَام} وصرفوكم عَن الْمَسْجِد الْحَرَام عَام الْحُدَيْبِيَة {وَالْهَدْي مَعْكُوفاً} مَحْبُوسًا {أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}(1/433)
منحره يَقُول لم يتْركُوا أَن تبلغوه منحره {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ} الْوَلِيد وَسَلَمَة بن هِشَام وَعَيَّاش بن ربيعَة وَأَبُو جندل بن سُهَيْل بن عَمْرو {وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ} بِمَكَّة {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تطؤوهم} أَن تَقْتُلُوهُمْ {فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ} من قَتلهمْ {مَّعَرَّةٌ} دِيَة وإثم لَوْلَا ذَلِك لسلطكم عَلَيْهِم بِالْقَتْلِ {بِغَيْرِ عِلْمٍ} من غير أَن تعلمُوا أَنهم مُؤمنُونَ {لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ} لكَي يكرم الله بِدِينِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك مِنْهُم {لَوْ تَزَيَّلُواْ} لَو خرج هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ من بَين أظهرهم فَتَفَرَّقُوا من عِنْدهم {لَعَذَّبْنَا الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيمًا} بسيوفكم(1/434)
إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (26)
{إِذْ جَعَلَ} أَخذ {الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {فِي قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّة} بمنعهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه عَن الْبَيْت {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ} طمأنينته {على رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمنِينَ} وأذهب عَنْهُم الحمية {وَأَلْزَمَهُمْ} ألهمهم {كَلِمَةَ التَّقْوَى} لَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله {وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا} بِلَا إِلَه إِلَّا الله مُحَمَّد رَسُول الله فِي علم الله {وَأَهْلَهَا} وَكَانُوا أَهلهَا فِي الدُّنْيَا {وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من الْكَرَامَة للْمُؤْمِنين {عليما}(1/434)
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27)
{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ} حقق الله لرَسُوله {الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ} بِالصّدقِ حَيْثُ قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِد الْحَرَام إِن شَآءَ الله آمِنين} من الْعَدو {مُحَلِّقِينَ رؤوسكم وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ} من الْعَدو فوفى الله على مَا قَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} فَعلم الله أَن يكون إِلَى السّنة الْقَابِلَة وَلم تعلمُوا أَنْتُم ذَلِك {فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِك} من قبل ذَلِك {فَتْحاً قَرِيباً} سَرِيعا يَعْنِي فتح خَيْبَر(1/434)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28)
{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْهدى} بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ {وَدِينِ الْحق} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله {لِيُظْهِرَهُ} ليعليه {عَلَى الدّين كُلِّهِ} على الْأَدْيَان كلهَا فَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يبْقى إِلَّا مُسلم أَو مسالم {وَكفى بِاللَّه شَهِيداً} بِأَن لَا إِلَه إِلَّا الله(1/434)
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)
{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} من غير شَهَادَة سُهَيْل بن عَمْرو {وَالَّذين مَعَهُ} يَعْنِي أَبَا بكر أول من آمن بِهِ وَقَامَ مَعَه يَدْعُو الْكفَّار إِلَى دين الله {أَشِدَّآءُ عَلَى الْكفَّار} بالغلظة وَهُوَ عمر كَانَ شَدِيدا على أَعدَاء الله قَوِيا فِي دين الله ناصراً لرَسُول الله {رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ} متوادون فِيمَا بَينهم بارون وَهُوَ عُثْمَان بن عَفَّان كَانَ باراً على الْمُسلمين بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهِم رحِيما بهم {تَرَاهُمْ رُكَّعاً} فِي الصَّلَاة {سُجَّداً} فِيهَا وَهُوَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه كَانَ كثير الرُّكُوع وَالسُّجُود {يَبْتَغُونَ} يطْلبُونَ {فَضْلاً} ثَوابًا {مِّنَ الله وَرِضْوَاناً} مرضاة رَبهم بِالْجِهَادِ وهم طَلْحَة وَالزُّبَيْر كَانَا غليظين على أَعدَاء الله شديدين عَلَيْهِم {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} عَلامَة السهر فِي وُجُوههم {مِّنْ أَثَرِ السُّجُود} من كَثْرَة السُّجُود بِاللَّيْلِ وهم سلمَان وبلال وصهيب وأصحابهم {ذَلِك مَثَلُهُمْ} هَكَذَا صفتهمْ {فِي التَّوْرَاة وَمَثَلُهُمْ} صفتهمْ {فِي الْإِنْجِيل كزرع} وَهُوَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَخْرَجَ} أَي الله {شَطْأَهُ} فِرَاخه وَهُوَ أَبُو بكر أول من آمن بِهِ وَخرج مَعَه على أَعدَاء الله {فَآزَرَهُ} فأعانه وَهُوَ عمر أعَان النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِسَيْفِهِ على أَعدَاء الله {فاستغلظ} فتقوى بِمَال عُثْمَان على الْغَزْو وَالْجهَاد فِي سَبِيل الله {فَاسْتَوَى على سُوقِهِ} فَقَامَ على إِظْهَار أمره فِي قُرَيْش بعلي بن أبي طَالب {يُعْجِبُ الزراع} أعجب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بطلحة وَالزُّبَيْر {لِيَغِيظَ بِهِمُ} بطلحة وَالزُّبَيْر {الْكفَّار} وَيُقَال نزلت من قَوْله وَالَّذين مَعَهُ إِلَى هَهُنَا فِي مِدْحَة أهل بيعَة الرضْوَان وَجُمْلَة أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المخلصين المطيعين لله {وَعَدَ الله الَّذين آمَنُواْ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {مِنْهُم مَّغْفِرَةً} أَي لَهُم مغْفرَة لذنوبهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَأَجْراً عَظِيماً} ثَوابًا وافراً فى الْجنَّة(1/434)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الحجرات وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَمَان عشرَة آيَة وكلماتها ثلثمِائة وَثَلَاث وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/435)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله} لَا تتقدموا بقول وَلَا بِفعل حَتَّى إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يَأْمُركُمْ وينهاكم وَيُقَال لَا بقتل وَلَا بذبيحة يَوْم النَّحْر بَين يَدي الله {وَرَسُولِهِ} دون أَمر الله وَأمر رَسُوله وَيُقَال لَا تخالفوا الله وَلَا تخالفوا الرَّسُول وَيُقَال لَا تخالفوا كتاب الله وَلَا تخالفوا سنة رَسُول الله {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تَفعلُوا وَتَقولُوا دون أَمر الله وَأمر رَسُوله وَأَن تخالفوا كتاب الله وَسنة رَسُوله {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتكم (عَلِيمٌ) بأعمالكم نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَلَاثَة نفر من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قتلوا رجلَيْنِ من بني سليم فِي صلح رَسُول الله بِغَيْر أَمر الله وَأمر رَسُوله فنهاهم الله عز وَجل وَقَالَ لَا تقدمُوا بَين يَدي الله دون أَمر الله وَأمر رَسُوله إِن الله سميع لمقالة الرجلَيْن عليم بِمَا اقترفا وَكَانَ قَوْلهم لَو كَانَ هَكَذَا لَكَانَ كَذَا فنهاهم الله عَن ذَلِك(1/435)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} نزلت فِي ثَابت بن قيس بن شماس يرفع صَوته عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين قدم وَفد بني تَمِيم فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي ثَابتا {لاَ تَرفعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوت النَّبِي} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تشدوا كلامكم عِنْد كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالْقَوْل} لَا تَدعُوهُ باسمه {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} كدعاء بَعْضكُم لبَعض باسمه وَلَكِن عظموه ووقروه وشرفوه وَقُولُوا لَهُ يَا نَبِي الله وَيَا رَسُول الله وَيَا أَبَا الْقَاسِم {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} لكيلا تبطل حسناتكم بترككم الْأَدَب وَحُرْمَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنْتُم لَا تشعرون لَا تعلمُونَ بحبطها(1/435)
إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)
{إِنَّ الَّذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ} نزلت أَيْضا فِي ثَابت بن قيس بن شماس بعد مَا نَهَاهُ الله عَن رفع الصَّوْت {عِندَ رَسُولِ الله} صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فمدحه بعد ذَلِك بخفض صَوته عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إِن الَّذين يَغُضُّونَ يكفون ويخفضون أَصْوَاتهم عِنْد رَسُول الله {أُولَئِكَ الَّذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ} صفى الله وطهر الله قُلُوبهم {للتقوى} من الْمعْصِيَة وَيُقَال أخْلص الله قُلُوبهم للتوحيد {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} ثَوَاب وافر فِي الْجنَّة(1/435)
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)
{إَنَّ الَّذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات} نزلت هَذِه الْآيَة فِي قوم من بني عنبر حى من خُزَاعَة بعث النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم سَرِيَّة وَأمر عَلَيْهِم عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ فَسَار إِلَيْهِم فَلَمَّا بَلغهُمْ أَنه خرج إِلَيْهِم فروا وَتركُوا عِيَالهمْ وَأَمْوَالهمْ فسبى دراريهم وَجَاء بهم إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجَاءُوا ليفادوا ذَرَارِيهمْ فَدَخَلُوا الْمَدِينَة عِنْد القيلولة فَنَادوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا مُحَمَّد اخْرُج إِلَيْنَا وَكَانَ نَائِما فذمهم الله بذلك فَقَالَ إِن الَّذين يُنَادُونَك يدعونك من وَرَاء الحجرات من خلف حجرات نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَكْثَرُهُمْ} كلهم {لاَ يَعْقِلُونَ} لَا يفهمون أَمر الله وتوحيده وَلَا حُرْمَة رَسُول الله(1/435)
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{وَلَوْ أَنَّهُمْ} بني عنبر(1/435)
{صَبَرُواْ حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} إِلَى الصَّلَاة {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} لأعتق ذَرَارِيهمْ ونساءهم كلهم ففدى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نصفهم وَأعْتق نصفهم {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْهُم {رَحِيم} حِين لم يعجلهم بالعقوبة(1/436)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى الْوَلِيد بن عقبَة ابْن أَبى معيط بَعثه النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بني المصطلق ليجيء بِصَدَقَاتِهِمْ فَرجع من الطَّرِيق وَجَاء بِخَبَر قَبِيح وَقَالَ انهم أَرَادوا قَتْلَى فَأَرَادَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَن يغزوهم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن إِن جَاءَكُم فَاسق مُنَافِق الْوَلِيد بن عقبَة بِنَبَأٍ بِخَبَر عَن بني المصطلق {فَتَبَيَّنُوا} قفوا حَتَّى يتَبَيَّن لكم مَا جَاءَ بِهِ أصدق هُوَ أم كذب {أَن تُصِيبُواْ} لكَي لَا تقتلُوا {قَوْمَاً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ} فتصيروا {على مَا فَعَلْتُمْ} بِقَتْلِهِم {نَادِمِينَ}(1/436)
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)
{وَاعْلَمُوا} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَنَّ فِيكُمْ} مَعكُمْ {رَسُولَ الله لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمر} فِيمَا تأمرونه {لَعَنِتُّمْ} لأثمتم {وَلَكِن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَان} الْإِقْرَار بِاللَّه وبالرسول {وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} حسنه إِلَى قُلُوبكُمْ {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ} بغض إِلَيْكُم {الْكفْر} الْجُحُود بِاللَّه وَالرَّسُول {والفسوق} النِّفَاق {والعصيان} جملَة الْمعاصِي {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمُ الراشدون} المهتدون(1/436)
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)
{فَضْلاً مِّنَ الله} منّا من الله عَلَيْهِم {وَنِعْمَةً} رَحْمَة {وَالله عَلِيمٌ} بكرامة الْمُؤمنِينَ {حَكِيمٌ} فِيمَا جعل فِي قُلُوبهم حب الْإِيمَان وبغض الْكفْر والفسوق والعصيان(1/436)
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)
{وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا} نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي ابْن سلول الْمُنَافِق وَأَصْحَابه وَعبد الله بن رَوَاحَة المخلص وَأَصْحَابه فِي كَلَام كَانَ بَينهمَا فتنازعا واقتتل بَعضهم بَعْضًا فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِالصُّلْحِ فَقَالَ وَإِن طَائِفَتَانِ فرقتان من الْمُؤمنِينَ اقْتَتَلُوا قَاتل بَعضهم بَعْضًا {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} بِكِتَاب الله {فَإِن بَغَتْ} استطالت وظلمت {إِحْدَاهُمَا} قوم عبد الله بن أبي ابْن سلول {على الْأُخْرَى} على قوم عبد الله بن رَوَاحَة الْأنْصَارِيّ وَلم يرجع إِلَى الصُّلْح بِالْقُرْآنِ {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي} تستطيل وتظلم {حَتَّى تفيء} ترجع {إِلَى أَمْرِ الله} إِلَى الصُّلْح بِكِتَاب الله (فَإِن فَآءَتْ) رجعت إِلَى الصُّلْح بِكِتَاب الله {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وأقسطوا} اعدلوا بَينهمَا {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين بِكِتَاب الله العاملين بِهِ(1/436)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فِي الدّين {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} بِكِتَاب الله {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم من الصُّلْح {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكَي ترحموا فَلَا تعذبوا(1/436)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى ثَابت ابْن قيس بن شماس حَيْثُ ذكر رجلا من الْأَنْصَار بِسوء ذكر أما كَانَت لَهُ يعير بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي ثَابتا لَا يسخر قوم من قوم على قوم {عَسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُم} عِنْد الله أفضل نَصِيبا {وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ} نزلت هَذِه الْآيَة فى امْرَأتَيْنِ من نسَاء النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سخرتا بِأم سَلمَة زوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فنهاهم الله عَن ذَلِك فَقَالَ وَلَا نسَاء من نسَاء {عَسى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ} عِنْد الله وَأفضل نَصِيبا {وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ} لَا تعيبوا أَنفسكُم يَعْنِي إخْوَانكُمْ من الْمُؤمنِينَ وَلَا تطعنوا بَعْضكُم بَعْضًا بالغيبة {وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالْأَلْقَابِ} لَا تطعنوا بَعْضكُم بَعْضًا باللقب وَاسم الْجَاهِلِيَّة {بِئْسَ الِاسْم الفسوق} بئس التَّسْمِيَة لأخيك يَا يَهُودِيّ وَيَا نَصْرَانِيّ وَيَا مَجُوسِيّ {بَعْدَ الْإِيمَان} بعد مَا آمن وَترك ذَلِك {وَمَن لَّمْ يَتُبْ} من تَسْمِيَة أَخِيه يَا يَهُودِيّ وَيَا نَصْرَانِيّ وَيَا مَجُوسِيّ والتلقب والتنابز بعد الْإِيمَان {فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ بالعقوبة نزلت هَذِه الْآيَة(1/436)
فِي أبي بردة بن مَالك الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن حَدْرَد الْأَسْلَمِيّ إِذْ تنَازعا فِي ذَلِك فَنَهَاهُمَا الله عَن ذَلِك(1/437)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظَّن} نزلت هَذِه الْآيَة فى رجلَيْنِ من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اغتابا صاحبا لَهما وَهُوَ سلمَان وظنا بأسامة خَادِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ظن السوء وتجسسا هَل عِنْده مَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأسامة أَن أعطهما فنهاهم الله عَن ذَلِك الظَّن والتجسس والغيبة فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن اجتنبوا كثيرا من الظَّن مِمَّا تظنون بأخيكم من مدخله ومخرجه {إِنَّ بَعْضَ الظَّن} ظن السوء وتخفونه {إِثْمٌ} مَعْصِيّة وَهُوَ مَا ظن رجلَانِ بأسامة بن زيد {وَلاَ تَجَسَّسُواْ} وَلَا تبحثوا عَن عيب أخيكم وَلَا تَطْلُبُوا مَا ستر الله عَلَيْهِ وَهُوَ مَا تجسس الرّجلَانِ {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً} وَهُوَ مَا اغتاب الرّجلَانِ بِهِ سلمَان {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} حَرَامًا بِغَيْر الضَّرُورَة {فكرهتموه} تحرموا أكل الْميتَة بِغَيْر الضَّرُورَة وَكَذَلِكَ الْغَيْبَة فحرموها {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تَغْتَابُوا أحدا {إِنَّ الله تَوَّابٌ} متجاوز لمن تَابَ من الْغَيْبَة {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/437)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
{يَا أَيهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُم} نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَابت بن قيس بن شماس حَيْثُ قَالَ لرجل أَنْت ابْن فُلَانَة وَيُقَال نزلت فِي بِلَال مُؤذن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَنَفر من قُرَيْش سُهَيْل بن عَمْرو والْحَارث بن هِشَام وَأبي سُفْيَان بن حَرْب قَالُوا لِبلَال عَام فتح مَكَّة حَيْثُ سمعُوا أَذَان بِلَال مَا وجد الله وَرَسُوله رَسُولا غير هَذَا الْغُرَاب فَقَالَ الله يأيها النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ {مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى} من آدم وحواء {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً} يَعْنِي الأفخاذ {وَقَبَآئِلَ} يعْنى رُءُوس الْقَبَائِل وَيُقَال شعوباً موَالِي وقبائل عربا {لتعارفوا} لكَي تعرفوا إِذا سئلتم مِمَّن أَنْتُم فتقولوا من قُرَيْش من كِنْدَة من تَمِيم من بجيلة {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ} فِي الْآخِرَة {عَندَ الله} يَوْم الْقِيَامَة {أَتْقَاكُمْ} فِي الدُّنْيَا هُوَ بِلَال {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بحسبكم ونسبكم {خَبِيرٌ} بأعمالكم وبإكرامكم عِنْد الله(1/437)
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{قَالَتِ الْأَعْرَاب آمَنَّا} نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني أَسد أَصَابَتْهُم سنة شَدِيدَة فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَام متوافرين بِأَهَالِيِهِمْ وذراريهم وَجَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ ليصيبوا من فَضله فغلوا أسعار الْمَدِينَة وأفسدوا طرقها بالعذرات وَكَانُوا منافقين يَقُولُونَ أطعمنَا وَأَكْرمنَا يَا رَسُول الله فَإنَّا مخلصون مصدقون فِي إيمَاننَا وَكَانُوا منافقين فِي دينهم كاذبين فِي قَوْلهم فَذكر الله مقالتهم فَقَالَ قَالَت الْأَعْرَاب بَنو أَسد آمنا صدقنا فِي إيمَاننَا بِاللَّه وَرَسُوله {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لَّمْ تُؤْمِنُواْ} لم تصدقوا فِي إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} أَي استسلمنا من السَّيْف والسبي {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَان} لم يدْخل حب الْإِيمَان وتصديق الْإِيمَان {فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} فِي السِّرّ كَمَا أطعتموهما فِي الْعَلَانِيَة وتتوبوا من الْكفْر والسر والنفاق {لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ} لَا ينقصكم من ثَوَاب حسناتكم {شَيْئاً إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ مِنْكُم {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/437)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)
ثمَّ بَين نعت الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم فَقَالَ {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ} المصدقون فِي إِيمَانهم {الَّذين آمَنُواْ بِاللَّه} صدقُوا فِي إِيمَانهم بِاللَّه {وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} لم يشكوا فِي إِيمَانهم {وَجَاهدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله} فِي طَاعَة الله {أُولَئِكَ هُمُ الصادقون} المصدقون فِي إِيمَانهم وجهادهم(1/437)
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لبني أَسد {أَتُعَلِّمُونَ الله} أتخبرون الله {بِدِينِكُمْ} الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ أمصدقون بِهِ أم مكذبون {وَالله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} مَا فِي قُلُوب أهل السَّمَوَات وَمَا فِي قُلُوب أهل الأَرْض {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} من سر أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض(1/437)
يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)
{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} يَا مُحَمَّد بَنو أَسد {أَنْ أَسْلَمُواْ} وَهُوَ قَوْلهم أطعمنَا وَأَكْرمنَا يَا رَسُول الله فقد أسلمنَا متوافرين {قُل} لَهُم يَا مُحَمَّد {لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُم} بإسلامكم {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} بل لله الْمِنَّة عَلَيْكُم {أَنْ هَداكُمْ} أَن دعَاكُمْ {لِلإِيمَانِ} لتصديق الْإِيمَان {إِنُ كُنتُمْ صَادِقِينَ} بِأَنا(1/437)
مصدقون وَلَكِن أَنْتُم كاذبون لَسْتُم بمصدقين فِي إيمَانكُمْ(1/438)
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} غيب مَا يكون فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض {وَالله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي نفاقكم يَا معشر الْمُنَافِقين وبعقوبتكم إِن لم تتوبوا
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ق وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَتسْعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَتسْعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/438)
ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ق} يَقُول هُوَ جبل أَخْضَر محدق بالدنيا وخضرة السَّمَاء مِنْهُ أقسم الله بِهِ {وَالْقُرْآن الْمجِيد} وَأقسم بِالْقُرْآنِ الْكَرِيم الشريف(1/438)
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)
{بَلْ عجبوا} قُرَيْش وَلِهَذَا كَانَ الْقسم قد عجبوا حِين قَالَ الله لَهُم تبعثون بعد الْمَوْت وَقَالَ بل عجبوا حِين قَالَ الله لَهُم تبعثون بعد الْمَوْت وَقَالَ بل عجبوا قُرَيْش مِنْهُم أبي وَأُميَّة ابْنا خلف ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج {أَن جآءهم} بِأَن جَاءَهُم {مُنْذر} رَسُول مخوف {مِّنْهُمْ} من نسبهم {فَقَالَ الْكَافِرُونَ} كفار مَكَّة أبي وَأُميَّة ومنبه وَنبيه {هَذَا} الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نبعث بعد الْمَوْت {شَيْءٌ عَجِيبٌ} إِذْ يَقُول(1/438)
أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)
{أئذا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً} صرنا تُرَابا رميماً نبعث {ذَلِك} الذى يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {رَجْعُ} رد {بَعِيدٌ} طَوِيل لَا يكون إنكاراً مِنْهُم للبعث قَالَ الله(1/438)
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (4)
{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْض مِنْهُمْ} مَا تَأْكُل الأَرْض من لحومهم بعد مَوْتهمْ وَمَا تتْرك {وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} من الشَّيْطَان وَهُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ فِيهِ مَكْتُوب مَوْتهمْ ومكثهم فِي الْقَبْر ومبعثهم يَوْم الْقِيَامَة(1/438)
بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)
{بل كذبُوا} قُرَيْش {بِالْحَقِّ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لما جَاءَهُم} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين جَاءَهُم وَهَذَا جَوَاب الْقسم أَن قد جَاءَهُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ} ضلال وَيُقَال ملتبس وَيُقَال فى قَول مُخْتَلف بَعضهم مكذب وَبَعْضهمْ مُصدق(1/438)
أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
{أَفَلَمْ ينْظرُوا} كفار مَكَّة {إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ} فَوق رُءُوسهم {كَيْفَ بَنَيْنَاهَا} خلقناها بِلَا عمد {وَزَيَّنَّاهَا} بالنجوم يَعْنِي سَمَاء الدُّنْيَا {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} من شقوق وصدوع وعيوب وخلل(1/438)
وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
{وَالْأَرْض مددناها} فبسطناها على المَاء {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت أوتاداً لَهَا لكَي لَا تميد بهم {وَأَنبَتْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} من كل لون حسن فِي المنظر(1/438)
تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)
{تَبْصِرَةً} لكَي تبصروا {وذكرى} عظة لكَي تتعظوا بِهِ وَيُقَال تبصرة عِبْرَة وتفكراً وذكرى عظة {لكل عبد منيب} مقبل إِلَى الله إِلَى طَاعَته(1/438)
وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السمآء مَآءً} مَطَرا {مُّبَارَكاً} بالنبات وَالْمَنْفَعَة فِيهِ حَيَاة كل شَيْء {فَأَنبَتْنَا بِهِ} بالمطر {جَنَّاتٍ} بساتين {وَحَبَّ الحصيد} الْحُبُوب كلهَا الَّتِى تحصد(1/438)
وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10)
{وَالنَّخْل بَاسِقَاتٍ} طوَالًا غلاظاً {لَّهَا طَلْعٌ} كفرى وثمر {نَّضِيدٌ} منضود مُجْتَمع(1/438)
رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)
{رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ} طَعَاما لِلْخلقِ يَعْنِي الْحُبُوب {وَأَحْيَيْنَا بِهِ} بالمطر {بَلْدَةً مَّيْتاً} مَكَانا لَا نَبَات فِيهِ {كَذَلِك الْخُرُوج} هَكَذَا يحيون وَيخرجُونَ من الْقُبُور يَوْم الْقِيَامَة بالمطر(1/438)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12)
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {وَأَصْحَابُ الرس} والرس بِئْر دون الْيَمَامَة وهم قوم شُعَيْب كذبُوا شعيباً {وَثَمُودُ} قوم صَالح صَالحا(1/438)
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (13)
{وَعَادٌ} قوم هود هوداً {وَفِرْعَوْنُ} كذب فِرْعَوْن وَقَومه مُوسَى ( {وَإِخْوَانُ لُوطٍ} ) قوم لوط لوطاً(1/439)
وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)
{وَأَصْحَابُ الأيكة} الغيضة من الشّجر وهم قوم شُعَيْب كذبُوا شعيباً {وَقَوْمُ تُّبَّعٍ} تبعا وَتبع كَانَ ملك حمير وَكَانَ اسْمه أسعد بن ملكيكرب وكنيته أَبُو كرب وَسمي تبعا لِكَثْرَة تبعه وَكَانَ رجلا مُسلما {كُلٌّ} كل هَؤُلَاءِ {كَذَّبَ الرُّسُل} كَمَا كَذبك قَوْمك قُرَيْش {فَحَقَّ وَعِيدِ} فَوَجَبت عَلَيْهِم عقوبتي وعذابي عِنْد تكذيبهم الرُّسُل(1/439)
أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)
{أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} أفأعيانا خلقهمْ الأول حِين خلقناهم حَتَّى يعيينا خلقهمْ الآخر حِين نخلقهم للبعث بعد الْمَوْت {بَلْ هُمْ} يَعْنِي قُريْشًا {فِي لَبْسٍ} فِي شكّ {مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} بعد الْمَوْت(1/439)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي ولد آدم وَيُقَال هُوَ أَبُو جهل {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ} مَا تحدث بِهِ {نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} أعلم بِهِ وأقدر عَلَيْهِ {مِنْ حَبْلِ الوريد} وَهُوَ الْعرق الَّذِي بَين العلباء والحلقوم وَلَيْسَ فِي الْإِنْسَان أقرب إِلَيْهِ مِنْهُ وَالْحَبل والوريد وَاحِد(1/439)
إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)
{إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان} إِذْ يكْتب الْملكَانِ الكائنان {عَنِ الْيَمين} عَن يَمِين بني آدم {وَعَنِ الشمَال} شمال بني آدم {قَعِيدٌ} قعُود هَذَا على نابه وَهَذَا على نابه(1/439)
مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)
{مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ} مَا يتَكَلَّم العَبْد بِكَلَام حسن أَو سىء {إِلاَّ لَدَيْهِ} عَلَيْهِ {رَقِيبٌ} حَافظ {عَتِيدٌ} حَاضر لَا يزايله يكْتب لَهُ أَو عَلَيْهِ(1/439)
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)
{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ} نزعات الْمَوْت {بِالْحَقِّ} بالشقاء والسعادة {ذَلِك} يَا ابْن آدم {مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} تَفِر وَتكره(1/439)
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20)
{وَنُفِخَ فِي الصُّور} وَهِي نفخة الْبَعْث {ذَلِك يَوْمُ الْوَعيد} وَعِيد الْأَوَّلين والآخرين أَن يجتمعوا فِيهِ(1/439)
وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)
{وَجَآءَتْ} يَوْم الْقِيَامَة {كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ} يَسُوقهَا إِلَى رَبهَا وَهُوَ الْملك الَّذِي يكْتب عَلَيْهَا السَّيِّئَات {وَشَهِيدٌ} يشْهد عَلَيْهَا عِنْد رَبهَا وَهُوَ الْملك الَّذِي يكْتب لَهَا الْحَسَنَات وَيُقَال الشَّهِيد عمله(1/439)
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)
{لَّقَدْ كُنتَ} يَا ابْن آدم {فِي غَفْلَةٍ} فِي جَهَالَة وعمى {مِّنْ هَذَا} الْيَوْم {فَكَشَفْنَا} فرفعنا {عَنكَ غِطَآءَكَ} عَمَلك مَا كَانَ محجوباً عَنْك فِي دَار الدُّنْيَا {فَبَصَرُكَ الْيَوْم حَدِيدٌ} حاد وَيُقَال فعملك الْيَوْم نَافِذ فِي الْبَعْث(1/439)
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)
{وَقَالَ قَرِينُهُ} كَاتبه الَّذِي يكْتب حَسَنَاته وَيُقَال الَّذِي يكْتب سيئاته {هَذَا مَا لَدَيَّ} هَذَا الَّذِي وكلتني عَلَيْهِ {عَتِيدٌ} حَاضر فَيَقُول الله لَهُ(1/439)
أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24)
{أَلْقِيَا} يَعْنِي ألق {فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ} كَافِر بِاللَّه وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي {عَنِيدٍ} معرض عَن الْإِيمَان(1/439)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25)
{مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ} لِلْإِسْلَامِ بنيه وَبني بنيه وَبني أَخِيه وَذَوِيهِ وَلحمَته وقرابته {مُعْتَدٍ} غشوم ظلوم {مُّرِيبٍ} ظَاهر الشَّك مفتر على الله(1/439)
الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} الَّذِي قَالَ لله ولد وَشريك {فَأَلْقِيَاهُ} فَيَقُول الله للْملك كَاتبه ألقه {فِي الْعَذَاب الشَّديد} الغليظ(1/439)
قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)
{قَالَ قرِينُهُ} كَاتبه الَّذِي يكْتب عَلَيْهِ سيئاته {رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ} مَا أعجلته بِالْكِتَابَةِ وَمَا كتبت عَلَيْهِ مالم يقل وَمَا لم يفعل وَهَذَا بعد مَا يَقُول الْكَافِر يَا رب كتب على هَذَا الْملك مَا لم أقل وَمَا لم أفعل وعجلني بِالْكِتَابَةِ حَتَّى نسيت وَقَالَ قرينه يَعْنِي شَيْطَانه يعْتَذر بِهِ إِلَى ربه رَبنَا يَا رَبنَا مَا أطغيته مَا أضللته {وَلَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ} فِي خطأ {بَعِيدٍ} عَن الْحق وَالْهدى(1/439)
قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)
{قَالَ} الله لَهُم {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ} عِنْدِي {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد} قد أعلمتكم فِي الْكتاب مَعَ الرَّسُول من هَذَا الْيَوْم(1/439)
مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29)
{مَا يُبَدَّلُ القَوْل لَدَيَّ} مَا يُغير القَوْل عِنْدِي بِالْكَذِبِ وَيُقَال مَا يُغير الْيَوْم قضائي على عبَادي وَيُقَال لَا يثنى القَوْل عِنْدِي {وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} أَن آخذهم بِلَا جرم مِنْهُم(1/439)
يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأت} كَمَا وعدتك {وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ} فتستزيد وَيُقَال وَتقول قد امْتَلَأت وَهل من مزِيد فَلَيْسَ فِي مَكَان رجل وَاحِد(1/439)
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31)
{وَأُزْلِفَتِ} قربت {الْجنَّة لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {غَيْرَ بَعِيدٍ} مِنْهُم(1/439)
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32)
{هَذَا} الثَّوَاب والكرامة(1/439)
{مَا تُوعَدُونَ} فِي الدُّنْيَا {لِكُلِّ أَوَّابٍ} مقبل إِلَى الله وَإِلَى طَاعَته {حَفِيظٍ} لأمر الله فِي الخلوات وَيُقَال على الصَّلَوَات(1/440)
مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
{مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ} من عمل للرحمن وَإِن لم يره {وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} مخلص بِالْعبَادَة والتوحيد يَقُول الله لَهُم(1/440)
ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34)
{ادخلوها} يَعْنِي الْجنَّة (بِسَلاَمٍ) بسلامة من عَذَاب الله {ذَلِك يَوْمُ الخلود} خُلُود أهل الْجنَّة فى الْجنَّة(1/440)
لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
{لَهُم مَا يشاؤون} مَا يتمنون {فِيهَا} فِي الْجنَّة {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} يَعْنِي النّظر إِلَى وَجه الرب وَلَهُم عندنَا كل يَوْم وَسَاعَة من الْكَرَامَة وَالثَّوَاب الزِّيَادَة(1/440)
وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك {مِّن قَرْنٍ} من الْقُرُون الْمَاضِيَة {هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم} من قَوْمك {بَطْشاً} قُوَّة {فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلَاد} فطافوا وتقلبوا فِي الْأَسْفَار بتجاراتهم {هَلْ مِن مَّحِيصٍ} هَل كَانَ لَهُم ملْجأ ومفر من عذابنا وَيُقَال هَل بَقِي أحد مِنْهُم(1/440)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)
{إِنَّ فِي ذَلِك} فِي مَا صنع بهم {لذكرى} لعظة لقَوْمك {لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} عقل حَيّ {أَوْ أَلْقَى السّمع} أَو اسْتمع إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن {وَهُوَ شَهِيدٌ} قلبه حَاضر غير غَائِب(1/440)
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة من هَذِه الْأَيَّام أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} مَا أَصَابَنَا من إعياء كَمَا قَالَت الْيَهُود حَيْثُ قَالُوا لما فرغ الله مِنْهَا وضع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى واستراح يَوْم السبت كذب أَعدَاء الله على الله(1/440)
فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39)
{فاصبر} يَا مُحَمَّد {على مَا يَقُولُونَ} على مقَالَة الْيَهُود من الْكَذِب وَيُقَال اصبر على مَا يَقُولُونَ يَعْنِي على مقَالَة الْمُسْتَهْزِئِينَ وهم خَمْسَة رَهْط قد ذكرتهم فِي مَوضِع آخر {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس} وَهِي صَلَاة الْغَدَاة {وَقَبْلَ الْغُرُوب} وَهِي صَلَاة الظّهْر وَالْعصر(1/440)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (40)
{وَمِنَ اللَّيْل فَسَبِّحْهُ} فصل لَهُ صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء أَو التَّهَجُّد {وَأَدْبَارَ السُّجُود} وَهِي رَكْعَتَانِ بعد الْمغرب(1/440)
وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41)
{واستمع} يَا مُحَمَّد حَتَّى تسمع صفة {يَوْمَ يُنَادِ المناد} وَيُقَال اعْمَلْ يَا مُحَمَّد ليَوْم يُنَادي الْمُنَادِي وَيُقَال انْتظر يَا مُحَمَّد يَوْم يُنَادي الْمُنَادِي فِي الصُّور {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} إِلَى السَّمَاء من صَخْرَة بَيت الْمُقَدّس وَهِي أقرب مَكَان إِلَى السَّمَاء من الأَرْض بِاثْنَيْ عشر ميلًا وَيُقَال من مَكَان قريب يسمعُونَ من تَحت أَقْدَامهم(1/440)
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42)
{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَة بِالْحَقِّ} بِالْخرُوجِ من الْقُبُور {ذَلِك يَوْمُ الْخُرُوج} من الْقُبُور وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة(1/440)
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي} للبعث {وَنُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَإِلَيْنَا الْمصير} بعد الْمَوْت(1/440)
يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (44)
{يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْض} تتصدع الأَرْض {عَنْهُمْ سِرَاعاً} وخروجهم من الْقُبُور سَرِيعا {ذَلِك حَشْرٌ} فِي سوق {عَلَيْنَا يَسِيرٌ} هَين(1/440)
نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)
{نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} الْبَعْث وَيُقَال فِي الدُّنْيَا {وَمَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} بمسلط أَن تجبرهم على الْإِيمَان ثمَّ أمره بعد ذَلِك بقتالهم {فَذَكِّرْ} عظ {بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} وَمن لَا يخَاف وَعِيد فَإِنَّمَا يقبل عظتك من يخَاف عَذَابي فِي الْآخِرَة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الذاريات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتُّونَ وكلماتها ثلثمِائة وَسِتُّونَ وحروفها ألف ومائتان وَسَبْعَة وَثَمَانُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/440)
وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والذاريات} أقسم بالرياح ذَوَات الهبوب {ذَرْواً} مَا ذرت بِهِ الرّيح فِي منَازِل الْقَوْم(1/440)
فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)
{فَالْحَامِلَات} وَأقسم بالسحاب تحمل المَاء {وِقْراً} ثقيلاً بالمطر(1/440)
فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (3)
{فَالْجَارِيَات} وَأقسم بالسفن {يُسْراً} سيراً هيناً بتيسير(1/440)
فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (4)
{فَالْمُقَسِّمَات} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت {أَمْراً} يقسمون بَين الْعباد أقسم بهؤلاء الْأَشْيَاء(1/440)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5)
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ} من الْبَعْث {لَصَادِقٌ} لكائن(1/440)
وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6)
{وَإِنَّ الدّين} الْحساب وَالْقَضَاء وَالْقصاص فِيهِ {لَوَاقِعٌ} لكائن نَازل(1/440)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)
{والسمآء ذَاتِ الحبك} وَهَذَا قسم آخر أقسم بالسماء ذَات الحبك ذَات الْحسن وَالْجمال والاستواء والطرق وَيُقَال ذَات النُّجُوم وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَيُقَال ذَات الحبك كحبك المَاء إِذا ضَربته الرّيح أَو كحبك الرمل إِذا نسفته الرّيح أَو كحبك الشّعْر الْجَعْد أَو كحبك درع الْحَدِيد وَيُقَال هِيَ السَّمَاء السَّابِعَة أقسم الله بهَا(1/441)
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8)
{إِنَّكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ} مُصدق بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن مكذب بهما(1/441)
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9)
{يؤفك عَنهُ} يصرف عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مَنْ أُفِكَ} من قد صرف عَن الْحق وَالْهدى وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي وَأَبُو جهل بن هِشَام وَأبي بن خلف وَأُميَّة بن خلف ومنبه وَنبيه ابْنا الْحجَّاج صرفُوا النَّاس عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن بِالْكَذِبِ والزور فلعنهم الله فَقَالَ(1/441)
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10)
{قُتِلَ الخراصون} لعن الكذابون بَنو مَخْزُوم الْوَلِيد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه(1/441)
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)
{الَّذين هُمْ فِي غَمْرَةٍ} فِي جَهَالَة وعمى من أَمر الْآخِرَة {سَاهُونَ} لاهون عَن الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/441)
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (12)
{يَسْأَلُونَ} يَا مُحَمَّد بَنو مَخْزُوم {أَيَّانَ يَوْمُ الدّين} مَتى يَوْم الْقِيَامَة الَّذِي نعذب فِيهِ(1/441)
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13)
قَالَ الله {يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {هُمْ عَلَى النَّار يُفْتَنُونَ} يحرقون وَيُقَال ينضحون وَيُقَال فِي النَّار يُعَذبُونَ وَيُقَال على النَّار يجرونَ تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة(1/441)
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)
{ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ} حرقكم وعذابكم ونضجكم {هَذَا} الْعَذَاب {الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} فِي الدُّنْيَا(1/441)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15)
ثمَّ بَين مُسْتَقر الْمُؤمنِينَ أبي بكر وَأَصْحَابه فَقَالَ {إِن الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك الْفَوَاحِش {فِي جَنَّاتٍ} بساتين {وَعُيُونٍ} مَاء طَاهِر(1/441)
آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16)
{آخِذِينَ} قابلين راضين {مَآ آتَاهُمْ} مَا أَعْطَاهُم رَبهم فِي الْجنَّة وَيُقَال عاملين بِمَا أَمرهم {رَبُّهُمْ} فِي الدُّنْيَا {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِك} الثَّوَاب والكرامة {مُحْسِنِينَ} فِي الدُّنْيَا بالْقَوْل وَالْفِعْل(1/441)
كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)
{كَانُواْ قَلِيلاً مِّن اللَّيْل مَا يَهْجَعُونَ} يَقُول قَلما ينامون من اللَّيْل(1/441)
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)
{وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يصلونَ(1/441)
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)
{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} ويرون فِي أَمْوَالهم حَقًا مَعْلُوما {لَّلسَّآئِلِ} الَّذِي يسْأَل {والمحروم} الَّذِي لَا يسْأَل وَلَا يعْطى وَلَا يفْطن بِهِ وَيُقَال المحروم الَّذِي قد حرم أجره وغنيمته وَيُقَال المحروم هُوَ المحترف المقتر عَلَيْهِ معيشته وَالَّذِي لَا يلقى قوت يَوْمه(1/441)
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20)
{وَفِي الأَرْض آيَاتٌ} عَلَامَات وعبرات مثل الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار {للموقنين} المصدقين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/441)
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21)
{وَفِي أَنفُسِكُمْ} أَيْضا عَلَامَات من الأوجاع والأمراض والبلايا حَتَّى يَأْكُل الرجل من مَكَان وَاحِد وَيخرج من مكانين {أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} أَفلا تعقلون فتتفكروا فِيمَا خلق الله(1/441)
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22)
{وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ} وَمن السَّمَاء يَأْتِي رزقكم يَعْنِي الْمَطَر {وَمَا تُوعَدُونَ} يَعْنِي الْجنَّة وَيُقَال وَفِي السَّمَاء رزقكم على رب السَّمَاء رزقكم وَمَا توعدون من الثَّوَاب وَالْعِقَاب(1/441)
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23)
{فَوَرَبِّ السمآء وَالْأَرْض} أقسم بِنَفسِهِ {إِنَّهُ} إِن الَّذِي قصصت لكم من أَمر الرزق {لَحَقٌّ} لصدق كَائِن {مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} تَقولُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله(1/441)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24)
{هَلْ أَتَاكَ} يَا مُحَمَّد {حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} خبر أضياف إِبْرَاهِيم {الْمُكرمين} أكْرمهم بالعجل(1/441)
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25)
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ} على إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام جِبْرِيل وملكان مَعَه وَيُقَال جِبْرِيل وَاثنا عشر ملكا كَانُوا مَعَه {فَقَالُواْ سَلاَماً} سلمُوا على إِبْرَاهِيم {قَالَ سَلاَمٌ} رد عَلَيْهِم إِبْرَاهِيم السَّلَام أَنْتُم {قَوْمٌ مُّنكَرُونَ} لم يعرفهُمْ وَلم يعرف سلامهم فِي تِلْكَ الأَرْض فِي ذَلِك الزَّمَان(1/441)
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26)
{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ} فَرجع إِبْرَاهِيم إِلَى أَهله {فَجَآءَ} إِلَى أضيافه {بِعِجْلٍ سَمِينٍ} صَغِير مشوي(1/441)
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27)
{فَقَرَّبَهُ} يَعْنِي الْعجل المشوي {إِلَيْهِمْ} إِلَى أضيافه فَلم يمدوا أَيْديهم إِلَى الطَّعَام {قَالَ} إِبْرَاهِيم {أَلاَ تَأْكُلُونَ} من الطَّعَام(1/441)
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (28)
{فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} فأضمر إِبْرَاهِيم فِي نَفسه خيفة حَيْثُ لم يَأْكُلُوا من طَعَامه فَظن أَنهم لصوص وَكَانَ فِي زَمَانه إِذا(1/441)
أكل الرجل من طَعَام صَاحبه أَمنه فَلَمَّا علمُوا خوف إِبْرَاهِيم {قَالُواْ لاَ تَخَفْ} منا يَا إِبْرَاهِيم إِنَّا رسل رَبك {وَبَشَّرُوهُ} من الله {بِغُلَام} بِولد {عليم} فى صغيره حَلِيم عَظِيم فى كبره وَهُوَ إِسْحَق(1/442)
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29)
{فَأَقْبَلت امْرَأَته} أخذت امْرَأَته سارة {صَرَّةٍ} فِي صَيْحَة وولولة {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} فَجمعت أَطْرَاف أصابعها وَضربت على وَجههَا وجبهتها {وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أعجوز عقيم تَلد كَيفَ هَذَا(1/442)
قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30)
{قَالُواْ} قَالَ جِبْرِيل وَمن مَعَه {كَذَلِك} كَمَا قُلْنَا لَك يَا سارة {قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيم} يحكم بِالْوَلَدِ من الْعَقِيم وَغير الْعَقِيم {الْعَلِيم} يعلم بِمَا يكون مِنْكُمَا(1/442)
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (31)
{قَالَ} إِبْرَاهِيم {فَمَا خَطْبُكُمْ} فَمَا شَأْنكُمْ وَمَا بالكم وبماذا جئْتُمْ {أَيُّهَا المُرْسَلُونَ}(1/442)
قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32)
{قَالُوا إنآ أرسلنآ إِلَى قوم مجرمين} مُشْرِكين اجترموا الْهَلَاك على أنفسهم بعملهم الْخَبيث يعنون قوم لوط(1/442)
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33)
{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ} مطبوخ كالآجر(1/442)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (34)
{مسومة} مخططة بِالسَّوَادِ الْحمرَة {عِندَ رَبِّكَ} من عِنْد رَبك تَأتي تِلْكَ الْحِجَارَة {لِلْمُسْرِفِينَ} على الْمُشْركين(1/442)
فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)
{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا} فِي قريات لوط {من الْمُؤمنِينَ} من الوحدين(1/442)
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا} فِي قريات لوط {غَيْرَ بَيْتٍ} غير أهل بَيت {مِّنَ الْمُسلمين} من المقربين وَهُوَ لوط وابنتاه زاعورا وريثا(1/442)
وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (37)
{وَتَرَكْنَا فِيهَآ} يَعْنِي وَتَركنَا فِي قريات لوط {آيَةً} عَلامَة وعبرة {لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَاب الْأَلِيم} فِي الْآخِرَة فَلَا يقتدون بفعلهم(1/442)
وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
{وَفِي مُوسَى} أَيْضا عِبْرَة {إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِحجَّة بَيِّنَة الْيَد والعصا(1/442)
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39)
{فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ} فَأَعْرض فِرْعَوْن عَن الْإِيمَان بِالْآيَةِ وبموسى بركنه بجُنُوده {وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} يختنق(1/442)
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)
{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ} جموعه {فَنَبَذْنَاهُمْ} فأغرقناهم {فِي اليم} فِي الْبَحْر {وَهُوَ مُلِيمٌ} مَذْمُوم عِنْد الله يلوم نَفسه(1/442)
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41)
{وَفِي عَادٍ} فِي قوم هود أَيْضا عِبْرَة {إِذْ أَرْسَلْنَا} سلطنا {عَلَيْهِمُ الرّيح الْعَقِيم} الشَّدِيدَة الَّتِي لَا فرج لَهُم فِيهَا وَهِي الرّيح الدبور(1/442)
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)
{مَا تَذَرُ} مَا تتْرك {مِن شَيْءٍ} مِنْهُم وَلَهُم {أَتَتْ عَلَيْهِ} مرت عَلَيْهِ الرّيح {إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم} كالتراب(1/442)
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43)
{وَفِي ثَمُودَ} أَي فِي قوم صَالح أَيْضا عِبْرَة {إِذْ قِيلَ لَهُمْ} قَالَ لَهُم صَالح بعد عقرهم النَّاقة {تَمَتَّعُواْ} عيشوا {حَتَّى حِينٍ} إِلَى حِين الْعَذَاب(1/442)
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (44)
{فَعَتَوْاْ} فَأَبَوا {عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} عَن قبُول أَمر رَبهم {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} الصَّيْحَة بِالْعَذَابِ {وَهُمْ يَنظُرُونَ} إِلَى الْعَذَاب نازلاً عَلَيْهِم(1/442)
فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (45)
{فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ} لم يقدروا أَن يقومُوا من عَذَاب الله {وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} ممتنعين بأبدانهم من الْعَذَاب(1/442)
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46)
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أهلكناهم {مِّن قَبْلُ} من قبل قوم صَالح {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ} كَافِرين(1/442)
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)
{وَالسَّمَاء بنيناها} خلقناها {بأيد} بِقُوَّة {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لَهَا مَا نشَاء وَيُقَال إِنَّا لموسعون بالرزق(1/442)
وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)
{وَالْأَرْض فَرَشْنَاهَا} على المَاء {فَنِعْمَ الماهدون} الفارشون(1/442)
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49)
{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} لونين فِي الأَرْض {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} لكَي تتعظوا فيمَ خلق الله(1/442)
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50)
{فَفرُّوا إِلَى الله} فَفرُّوا من الله إِلَى الله وَيُقَال من مَعْصِيّة الله إِلَى طَاعَة الله وَيُقَال من طَاعَة الشَّيْطَان إِلَى طَاعَة الرَّحْمَن {إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ} من الله {نَذِيرٌ مُّبِينٌ} رَسُول مخوف مُبين بلغَة تعلمونها(1/442)
وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51)
{وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ} لَا تَقولُوا لله ولد وَلَا شريك {إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ} من الله {نَذِيرٌ مُّبِينٌ} مخوف بلغَة تعلمونها(1/442)
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)
{كَذَلِك} كَمَا قَالَ لَك قَوْمك سَاحر(1/442)
أَو مَجْنُون {مَآ أَتَى الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك {مِّن رَّسُولٍ} دعاهم إِلَى الله {إِلاَّ قَالُواْ} لذَلِك الرَّسُول {سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}(1/443)
أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53)
{أَتَوَاصَوْاْ بِهِ} أتوافق كل قوم على أَن قَالُوا لرسولهم سَاحر أَو مَجْنُون {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} كافرون(1/443)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54)
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فَأَعْرض عَنْهُم يَا مُحَمَّد {فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ} بمذموم عندنَا قد أعذرت وأبلغت ثمَّ أَمر بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ(1/443)
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
{وَذَكِّرْ} عظ بِالْقُرْآنِ {فَإِنَّ الذكرى} العظة بِالْقُرْآنِ {تَنفَعُ الْمُؤمنِينَ} تزيد الْمُؤمنِينَ صلاحاً(1/443)
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
{وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} ليطيعون وَهَذَا أَمر خَاص لأهل طَاعَته وَيُقَال لَو خلقهمْ لِلْعِبَادَةِ مَا عصوا رَبهم طرفَة عين وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب مَا خلقتهمْ إِلَّا أَن آمُرهُم وأكلفهم وَيُقَال وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون إِلَّا أَمرتهم أَن يوحدونى ويعبدونى(1/443)
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
{مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ} لم أكلفهم أَن يرزقو أنفسهم {وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} وَلم أكلفهم أَن يعينوني على أَرْزَاقهم(1/443)
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)
{إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاق} لِعِبَادِهِ {ذُو الْقُوَّة} على أعدائه {المتين} الشَّديد الْعقُوبَة لَهُم(1/443)
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59)
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} كفار مَكَّة {ذَنُوباً} عذَابا بعضه على أثر بعض {مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} مثل عَذَاب الَّذين كَانُوا من قبلهم {فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} بِالْعَذَابِ والهلاك(1/443)
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)
{فويل} شدَّة عَذَاب {للَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {مِن يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} يخوفون فِيهِ من الْعَذَاب الَّذِي بَين فِي سُورَة الطّور
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الطّور وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وَأَرْبَعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وثنتا عشرَة كلمة وحروفها ألف وَخَمْسمِائة
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/443)
وَالطُّورِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَالطور} يَقُول أقسم الله بجبل زبير وكل جبل فَهُوَ طور بِلِسَان السريانية والقبط وَلَكِن عَنى الله بِهِ الْجَبَل الَّذِي كلم الله عَلَيْهِ مُوسَى وَهُوَ جبل مَدين واسْمه زبير أقسم الله بِهِ(1/443)
وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)
{وَكِتَابٍ مُّسْطُورٍ} وَأقسم باللوح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب فِيهِ أَعمال بني آدم(1/443)
فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
{فِي رَقٍّ} يَعْنِي أديماً {مَّنْشُورٍ} مَكْتُوب فِي صحف مَفْتُوحَة يَقْرَأها بَنو آدم يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ ديوَان الْحفظَة(1/443)
وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
{وَالْبَيْت الْمَعْمُور} وَأقسم بِالْبَيْتِ الْمَعْمُور بِالْمَلَائِكَةِ وَهُوَ فِي السَّمَاء السَّادِسَة بحيال الْكَعْبَة مَا بَينه وَبَين الْكَعْبَة إِلَى تخوم الْأَرْضين السَّابِعَة حرم يدْخل فِيهِ كل يَوْم سَبْعُونَ ألف ملك لَا يعودون إِلَيْهِ أبدا وَهُوَ الْبَيْت الَّذِي بناه آدم وَرفع إِلَى السَّمَاء السَّادِسَة من الطوفان وَهُوَ يُسمى الضراح وَهُوَ مُقَابل الْكَعْبَة(1/443)
وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
{والسقف الْمَرْفُوع} وَأقسم بالسماء المرفوعة فَوق كل شىء(1/443)
وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
{وَالْبَحْر الْمَسْجُور} وَأقسم بالبحر الممتلىء وَهُوَ بَحر فَوق السَّمَاء السَّابِعَة تَحت عرش الرَّحْمَن يُسمى الْحَيَوَان يحيي الله بِهِ الْخَلَائق يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال وَالْبَحْر الْمَسْجُور هُوَ بَحر حَار يصير نَارا وَيفتح فِي جَهَنَّم يَوْم الْقِيَامَة أقسم الله بِهَذِهِ الْأَشْيَاء(1/443)
إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ} يَوْم الْقِيَامَة {لَوَاقِعٌ} لكائن نَازل على قُرَيْش(1/443)
مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)
{مَاله} للعذاب {مِن دَافِعٍ} من مَانع(1/443)
يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)
{يَوْمَ تَمُورُ السمآء} تَدور السَّمَاء {مَوْراً} بِأَهْلِهَا دوراناً كدوران الرحا وتموج الْخَلَائق بَعضهم فِي بعض من الهول(1/443)
وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10)
{وَتَسِيرُ الْجبَال} على وَجه الأَرْض {سَيْراً} كسير السَّحَاب فِي الْهَوَاء(1/443)
فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)
{فَوَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب {يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه(1/443)
الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)
{الَّذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} فِي بَاطِل يَخُوضُونَ(1/443)
يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)
{يَوْمَ يُدَعُّونَ} يدْفَعُونَ {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} دفعا تدفعهم الْمَلَائِكَة وتجرهم على وُجُوههم إِلَى جَهَنَّم وَتقول لَهُم الزَّبَانِيَة(1/443)
هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)
{هَذِه النَّار الَّتِي كُنتُم بِهَا} فِي الدُّنْيَا {تُكَذِّبُونَ} أَنَّهَا لَا تكون(1/443)
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)
{أَفَسِحْرٌ هَذَا} هَذَا الْيَوْم(1/443)
وَهَذَا الْعَذَاب لأنكم قُلْتُمْ فِي الدُّنْيَا للأنبياء هم سحرة {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} لَا تعقلون يَقُول الله(1/444)
اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)
{اصلوها} ادخلوها يَعْنِي النَّار {فَاصْبِرُوا} على عَذَابهَا {أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} على عَذَابهَا {سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ} الْجزع وَالصَّبْر {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا(1/444)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)
ثمَّ بَين مُسْتَقر الْمُؤمنِينَ أبي بكر وَأَصْحَابه فَقَالَ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِي جَنَّاتٍ} فِي بساتين {وَنَعِيمٍ} دَائِم(1/444)
فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)
{فَاكِهِينَ} معجبين {بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} بِمَا أَعْطَاهُم رَبهم فِي الْجنَّة {وَوَقَاهُمْ} دفع عَنْهُم {رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيم} عَذَاب النَّار فَيَقُول الله لَهُم(1/444)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)
{كُلُواْ} من ثمار الْجنَّة {وَاشْرَبُوا} من أنهارها {هَنِيئَاً} بِلَا دَاء وَلَا إِثْم وَلَا موت {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فِي الدُّنْيَا(1/444)
مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)
{مُتَّكِئِينَ} جالسين {على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} قد صف بَعْضهَا إِلَى بعض {وَزَوَّجْنَاهُم} قرناهم فِي الْجنَّة {بِحُورٍ} بجوار بيض {عِينٍ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه(1/444)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)
{وَالَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَصَدقُوا بإيمَانهمْ {وَاتَّبَعتهمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} بِإِيمَان الذُّرِّيَّة فِي الدُّنْيَا {أَلْحَقْنَا بِهِمْ} بِالْآبَاءِ {ذُرِّيَّتَهُمْ} فِي الْآخِرَة فِي دَرَجَة آبَائِهِم وَيُقَال وَالَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يدخلهم الْجنَّة وأتبعتهم ذُرِّيتهمْ الصغار فِي درجاتهم بِإِيمَان الذُّرِّيَّة يَوْم الْمِيثَاق ألحقنا بهم بِالْآبَاءِ يَقُول ألحقنا بدرجات الْآبَاء ذُرِّيتهمْ المدركين إِذا كَانَت دَرَجَة آبَائِهِم أرفع {وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} يَقُول لم ننقص من دَرَجَة الْآبَاء وثوابهم لأجل إِلْحَاق الذُّرِّيَّة بهم {كل امْرِئ بِمَا كَسَبَ} من الذُّنُوب {رَهَينٌ} مُرْتَهن فيفعل الله بهم مَا يَشَاء(1/444)
وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)
{وَأَمْدَدْنَاهُم} أعطيناهم يَعْنِي أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {بِفَاكِهَةٍ} بألوان الْفَاكِهَة {وَلَحْمٍ} أَي لحم طير {مِّمَّا يَشْتَهُونَ} يتمنون(1/444)
يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا} يتعاطون فِي الْجنَّة {كَأْساً} خمرًا {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا} لَا وجع للبطن من شربهَا {وَلاَ تَأْثِيمٌ} لَا إِثْم عَلَيْهِم فِي شربهَا وَيُقَال لَا لَغْو فِيهَا لَا بَاطِل فِيهَا وَلَا حلف فِي الْجنَّة وَلَا تأثيم لَا يشْتم وَلَا يكذب بَعضهم بَعْضًا(1/444)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {غِلْمَانٌ} وصفاء {لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ} فِي الصفاء {لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} قد كن من الْحر وَالْبرد والقر(1/444)
وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (25)
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} فِي الزِّيَارَة {يَتَسَآءَلُونَ} يتحدثون من أَمر الدُّنْيَا(1/444)
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26)
{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ} قبل دُخُول الْجنَّة {فِي أَهْلِنَا} مَعَ أهلنا فِي الدُّنْيَا {مُشْفِقِينَ} خَائِفين من عَذَاب الله(1/444)
فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27)
{فَمَنَّ الله عَلَيْنَا} بالمغفرة وَالرَّحْمَة وَدخُول الْجنَّة {وَوَقَانَا} دفع عَنَّا {عَذَابَ السمُوم} عَذَاب النَّار(1/444)
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ} من قبل الْمَغْفِرَة وَالرَّحْمَة {نَدْعُوهُ} نعبده ونوحده {إِنَّهُ هُوَ الْبر} الصَّادِق فِي قَوْله فِيمَا وعد لنا {الرَّحِيم} بعباده الْمُؤمنِينَ إِذْ رحمنا(1/444)
فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)
{فَذَكِّرْ} فعظ يَا مُحَمَّد {فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {بِكَاهِنٍ} تخبر بِمَا فِي الْغَد {وَلاَ مَجْنُونٍ} لَا تختنق(1/444)
أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30)
{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ كفار مَكَّة أَبُو جهل والوليد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {شَاعِرٌ} يتقوله من تِلْقَاء نَفسه {نَّتَرَبَّصُ بِهِ} نَنْتَظِر بِهِ {رَيْبَ الْمنون} أوجاع الْمَوْت(1/444)
قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31)
{قل} يَا مُحَمَّد لأبى جهل والوليد بن الْمُغيرَة وَأَصْحَابه {تَرَبَّصُواْ} انتظروا موتِي {فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين} من المنتظرين بكم الْعَذَاب فعذبوا يَوْم بدر(1/444)
أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)
{أم تَأْمُرهُمْ} أتأمرهم {أحلامهم} أى عُقُولهمْ {بِهَذَا} التَّكْذِيب والشتم والأذى بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذِه طعنة لَهُم من الله {أَمْ هُمْ} بل هم {قَوْمٌ طَاغُونَ} كافرون عالون فِي مَعْصِيّة الله(1/444)
أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)
{أَمْ يَقُولُونَ} بل يَقُولُونَ كفار مَكَّة {تَقَوَّلَهُ} تخلق وَكذب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي علم الله(1/444)
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)
{فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} فليجيئوا بقرآن مثل قُرْآن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من تِلْقَاء أنفسهم {إِن كَانُواْ صَادِقِينَ} أَن مُحَمَّدًا تَقوله من تِلْقَاء(1/444)
نَفسه(1/445)
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)
{أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} من غير أَب وَيُقَال من غير رب {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} غير المخلوقين(1/445)
أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)
{أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} بل الله خلقهما {بل لَا يوقنون} بل لَا يصدقون بمحمدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/445)
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (37)
{أَمْ عِندَهُمْ} أعندهم {خَزَآئِنُ رَبِّكَ} مَفَاتِيح خَزَائِن رَبك بالمطر والرزق والنبات والنبوة {أَمْ هُمُ المصيطرون} المسلطون على ذَلِك(1/445)
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38)
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} يصعدون فِيهِ إِلَى السَّمَاء {فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} بِحجَّة بَيِّنَة على مَا يَقُولُونَ(1/445)
أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39)
{أَمْ لَهُ الْبَنَات} ترْضونَ لَهُ وَأَنْتُم تكرهونهن {وَلَكُمُ البنون} تختارونهم(1/445)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40)
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ} يَا مُحَمَّد {أَجْراً} جعلا على الْإِيمَان {فهم من مغرم} من الْغرم {مثقلون} بالإجابة(1/445)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41)
{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْب} بِأَنَّهُم لَا يبعثون {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أَي أم مَعَهم كتاب يَكْتُبُونَ مَا يشاءون من اللَّوْح الْمَحْفُوظ فهم يَكْتُبُونَ مِنْهُ مَا يَقُولُونَ ويعملون(1/445)
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42)
{أَمْ يُرِيدُونَ} بل يُرِيدُونَ {كَيْداً} قَتلك يَا مُحَمَّد {فَالَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه الَّذين أَرَادوا قتل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {هُمُ المكيدون} المقتولون يَوْم بدر(1/445)
أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43)
{أَمْ لَهُمْ إِلَه غَيْرُ الله} يمنعهُم من عَذَاب الله {سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان(1/445)
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)
{وَإِن يَرَوْاْ} كفار مَكَّة {كِسْفاً} قطعا {مِّنَ السمآء سَاقِطاً} نازلاً {يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} هَذَا سَحَاب مركوم بعضه على بعض من تكذيبهم(1/445)
فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45)
{فَذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد {حَتَّى يُلاَقُواْ} يعاينوا {يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} يموتون(1/445)
يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46)
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ} عَن أبي جهل وَأَصْحَابه {كَيْدُهُمْ} لَا يَنْفَعهُمْ صنيعهم من عَذَاب الله {شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمْنَعُونَ عَمَّا يُرَاد بهم(1/445)
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47)
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أشركوا كفار مَكَّة {عَذَاباً} فِي الْقَبْر {دُونَ ذَلِك} دون عَذَاب جَهَنَّم {وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ} كلهم {لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون(1/445)
وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48)
{واصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} على تَبْلِيغ رِسَالَة رَبك وَيُقَال ارْض بِقَضَاء رَبك فِيمَا يصيبك فِي طَاعَة الله {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} بمنظر منا {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك {حِينَ تَقُومُ} من فراشك صَلَاة الْفجْر(1/445)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)
{وَمِنَ اللَّيْل} وَإِلَى اللَّيْل وَبعد دُخُول اللَّيْل {فَسَبِّحْهُ} فصل لَهُ صَلَاة الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء {وَإِدْبَارَ النُّجُوم} رَكْعَتَيْنِ بعد الْفجْر وإدبار النَّجْم إِذا هوى
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النَّجْم وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا الْآيَة الَّتِى نزلت فى عُثْمَان وَعبد الله ابْن سعد بن أَبى سرح فانها مَدَنِيَّة آياتها سِتُّونَ وكلماتها ثلثمِائة وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَخَمْسَة أحرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/445)
وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {والنجم إِذَا هوى} يَقُول أقسم الله بِالْقُرْآنِ إِذا نزل بِهِ جِبْرِيل على مُحَمَّد نجوماً آيَة وآيتين وَثَلَاثًا وأربعاً وَكَانَ من أَوله إِلَى آخِره عشرُون سنة فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة سمع عتبَة بن أبي لَهب أَن مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقسم بنجوم الْقُرْآن فَقَالَ أبلغوا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنِّي كَافِر بنجوم الْقُرْآن فَلَمَّا بلغُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ اللَّهُمَّ سلط عَلَيْهِ سبعا من سباعك فَسلط الله عَلَيْهِ أسداً قَرِيبا من حران فَأخْرجهُ من بَين أَصْحَابه غير بعيد ومزقه من رَأسه إِلَى قدمه وَلم يذقه لنجاسته وَلَكِن تَركه كَمَا كَانَ لدَعْوَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أقسم الله بالنجوم إِذا غَابَتْ(1/445)
مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)
{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} وَلِهَذَا كَانَ الْقسم مَا كذب نَبِيكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا قَالَ لكم {وَمَا غوى} لم يخطىء وَلم يضل فِي قَوْله(1/445)
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهوى} لم يتَكَلَّم بِالْقُرْآنِ بهوى نَفسه(1/445)
إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)
{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن(1/445)
{إِلاَّ وَحْيٌ} من الله {يُوحى} إِلَيْهِ جِبْرِيل حَتَّى جَاءَ إِلَيْهِ وقرأه عَلَيْهِ(1/446)
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)
{عَلَّمَهُ} أَي أعلمهُ جِبْرِيل {شَدِيدُ القوى} وَهُوَ شَدِيد الْقُوَّة بِالْبدنِ(1/446)
ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)
{ذُو مِرَّةٍ} ذُو شدَّة وَيُقَال ذُو قُوَّة وَكَانَت قوته حَيْثُ أَدخل يَده تَحت قريات لوط فقلعها من المَاء الْأسود ورفعها إِلَى السَّمَاء وقلبها فَأَقْبَلت تهوي من السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَكَانَت شدته حَيْثُ أَخذ بِعضَادَتَيْ بَاب أنطاكية فصاح فِيهَا صَيْحَة فَمَاتَ من فِيهَا من الْخَلَائق وَيُقَال كَانَت شدته حَيْثُ نفح إِبْلِيس نفحة بريشة من جنَاحه على عقبَة من أعقاب بَيت الْمُقَدّس فمضربه على أقْصَى حجر بِالْهِنْدِ {فَاسْتَوَى} جِبْرِيل فِي صورته الَّتِي خلقه الله عَلَيْهَا وَيُقَال فَاسْتَوَى فِي صُورَة خلق حسن(1/446)
وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7)
{وَهُوَ بالأفق الْأَعْلَى} بمطلع الشَّمْس وَيُقَال فِي السَّمَاء السَّابِعَة(1/446)
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)
{ثمَّ دنا} جِبْرِيل إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال مُحَمَّد إِلَى ربه {فَتَدَلَّى} فتقرب(1/446)
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)
{فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} من قسي الْعَرَب {أَوْ أدنى} بل أدنى بِنصْف قَوس(1/446)
فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)
{فَأوحى إِلَى عَبْدِهِ} جِبْرِيل {مَآ أوحى} إِلَى عَبده مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال فَأوحى جِبْرِيل إِلَى عَبده مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام مَا أوحى الَّذِي أوحى وَيُقَال فَأوحى إِلَى عَبده مُحَمَّد الَّذِي أوحى(1/446)
مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)
{مَا كذب الْفُؤَاد} فؤاد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مَا أرى} الذى رأى بِهِ بِقَلْبِه وَيُقَال رأى ربه بفؤاده وَيُقَال ببصره وَهَذَا جَوَاب الْقسم(1/446)
أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)
فَلَمَّا أخْبرهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كذبوه فَنزل {أَفَتُمَارُونَهُ} أفتكذبونه {على مَا يرى} على مَا قدر أَي مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام وَإِن قَرَأت بِالْألف يَقُول أفتجادلونه على مَا قد رأى(1/446)
وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)
{وَلَقَد رَآهُ} يَعْنِي رأى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل وَيُقَال ربه بفؤاده وَيُقَال ببصره {نَزْلَةً أُخْرَى} مرّة أُخْرَى غير الَّتِي أخْبركُم بهَا(1/446)
عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14)
{عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى} الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا كل ملك مقرب وَنَبِي مُرْسل وَيُقَال يَنْتَهِي إِلَيْهَا علم كل ملك مقرب وَنَبِي مُرْسل وعالم راسخ(1/446)
عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)
{عِندَهَا} عِنْد السِّدْرَة {جَنَّةُ المأوى} تأوي إِلَيْهَا أَرْوَاح الشُّهَدَاء(1/446)
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
{إِذْ يغشى السِّدْرَة} يَعْلُو السِّدْرَة {مَا يغشى} مَا يَعْلُو فرَاش من ذهب وَيُقَال نور وَيُقَال مَلَائِكَة(1/446)
مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17)
{مَا زَاغَ الْبَصَر} مَا مَال الْبَصَر بصر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينا وَلَا شمالاً بِمَا رأى {وَمَا طَغى} مَا تجَاوز عَمَّا رأى جِبْرِيل لَهُ سِتّمائَة جنَاح(1/446)
لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
{لقد رأى} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} من عجائب ربه الْكُبْرَى أَي الْعُظْمَى(1/446)
أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)
{أَفَرَأَيْتُمُ} أفتظنون يَا أهل مَكَّة أَن {اللات والعزى} الْأُخْرَى(1/446)
وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)
{وَمَنَاةَ الثَّالِثَة الْأُخْرَى} تنفعكم فِي الْآخِرَة بل لَا تنفعكم وَيُقَال أفتظنون أَن عبادتكم اللات والعزى الْأُخْرَى وَمَنَاة الثَّالِثَة فِي الدُّنْيَا تنفعكم فى الْآخِرَة لَا تنفعكم أما اللات فَكَانَت صنماً بِالطَّائِف لثقيف يعبدونها وَأما الْعُزَّى فَكَانَت شَجَرَة بِبَطن نَخْلَة لغطفان يعبدونها وَمَا مَنَاة الثَّلَاثَة فَكَانَت صنماً بِمَكَّة لهذيل وخزاعة يعبدونها من دون الله(1/446)
أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)
{أَلَكُمُ الذّكر} يَا أهل مَكَّة ترضونه لأنفسكم {وَلَهُ الْأُنْثَى} وَأَنْتُم تكرهونها وَلَا ترضونها لأنفسكم(1/446)
تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22)
{تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى} جائرة(1/446)
إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)
{إِنْ هِيَ} مَا هِيَ اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة {إِلاَّ أَسْمَآءٌ} أصنام {سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم} الْآلهَة وَيُقَال صنعتموها أَنْتُم وآباؤكم لأنفسكم {مَّآ أَنَزَلَ الله بِهَا} بعبادتكم لَهَا وتسميتكم لَهَا {مِن سُلْطَانٍ} من كتاب فِيهِ حجتكم {إِن يَتَّبِعُونَ} مَا يعْبدُونَ اللات والعزى وَمَنَاة الثَّالِثَة وَمَا يسمونها الْآلهَة {إِلاَّ الظَّن} إِلَّا بِالظَّنِّ بِغَيْر يَقِين {وَمَا تَهْوَى الْأَنْفس} وبهوى الْأَنْفس {وَلَقَدْ جَآءَهُم} يَعْنِي أهل مَكَّة {مِّن رَّبِّهِمُ الْهدى} الْبَيَان فِي الْقُرْآن بِأَن لَيْسَ لله ولد وَلَا شريك(1/446)
أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24)
{أَمْ لِلإِنسَانِ} لأهل مَكَّة {مَا تمنى} مَا يشتهون أَن الْمَلَائِكَة والأصنام يشفعون لَهُم(1/446)
فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (25)
{فَلِلَّهِ الْآخِرَة} بِإِعْطَاء الثَّوَاب والكرامة والشفاعة وَالْأولَى بِإِعْطَاء الْمعرفَة والتوفيق(1/446)
وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)
{وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَات} مِمَّن زعمتم أَنهم بَنَات الله {لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً} لَا يشفعون لأحد {إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله} يَأْمر الله بالشفاعة {لِمَن يَشَآءُ} لمن كَانَ أَهلا لذَلِك من الْمُؤمنِينَ {ويرضى} عَنْهُم بِالتَّوْحِيدِ(1/446)
إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (27)
{إِنَّ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت يَعْنِي كفار مَكَّة(1/446)
{لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَة تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى} يجعلونهم بَنَات الله(1/447)
وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (28)
{وَمَا لَهُم بِهِ} بِمَا يَقُولُونَ {مِنْ عِلْمٍ} من حجَّة وَلَا بَيَان {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّن} مَا يَقُولُونَ إِلَّا الظَّن يَعْنِي بِغَيْر يَقِين يفترون {وَإِنَّ الظَّن} وَإِن عبَادَة الظَّن وَقَول الظَّن {لاَ يُغْنِي مِنَ الْحق} من عَذَاب الله {شَيْئاً}(1/447)
فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29)
{فَأَعْرِضْ} وَجهك يَا مُحَمَّد {عَن مَّن تولى} أعرض {عَن ذِكْرِنَا} عَن توحيدنا وَكِتَابنَا {وَلَمْ يُرِدْ} بِعَمَلِهِ {إِلاَّ الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه(1/447)
ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى (30)
{ذَلِك مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعلم} هَذَا غَايَة علمهمْ وعقلهم ورأيهم إِذْ قَالُوا إِن الْمَلَائِكَة والأصنام بَنَات الله وَإِن الْآخِرَة لَا تكون {إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد {هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه {وَهُوَ أعلم بِمن اهْتَدَى} لدينِهِ يعْنى أَبَا بكر(1/447)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31)
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق كلهم عبيد الله {ليجزي الَّذين أساؤوا} أشركوا {بِمَا عَمِلُواْ} فِي شركهم {وَيِجْزِيَ الَّذين أَحْسَنُواْ} وحدوا {بِالْحُسْنَى} بِالتَّوْحِيدِ الْجنَّة(1/447)
الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى (32)
ثمَّ بَين عَمَلهم فِي الدُّنْيَا فَقَالَ {الَّذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْم} يَعْنِي الشّرك بِاللَّه والعظائم من الذُّنُوب {وَالْفَوَاحِش} الزِّنَا والمعاصي {إِلاَّ اللمم} إِلَّا النّظر والغمزة واللمزة يلوم بهَا نَفسه وَيَتُوب عَنْهَا وَيُقَال إِلَّا التَّزْوِيج {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة} لمن تَابَ من الْكَبَائِر والصغائر {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ} مِنْكُم من أَنفسكُم {إِذْ أَنشَأَكُمْ} خَلقكُم {مِّنَ الأَرْض} من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض {وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ} صغَار {فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} قد علم الله فِي هَذِه الْأَحْوَال مَا يكون مِنْكُم {فَلاَ تزكوا أَنفُسَكُمْ} فَلَا تبرئوا أَنفسكُم من الذُّنُوب {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى} من الْمعْصِيَة وَأصْلح(1/447)
أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (33)
{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تولى} أعرض عَن نَفَقَته وصدقته على فُقَرَاء أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/447)
وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى (34)
{وَأعْطى قَلِيلاً} يَسِيرا فِي الله {وأكدى} قطع نَفَقَته وصدقته فِي سَبِيل الله(1/447)
أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (35)
{أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْب} اللَّوْح الْمَحْفُوظ {فَهُوَ يرى} صَنِيعه فِيهِ إِنَّه كَمَا صنع نزلت هَذِه الْآيَة فِي عُثْمَان بن عَفَّان وَكَانَ كثير النَّفَقَة وَالصَّدَََقَة على أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَقِيَهُ عبد الله بن سعد بن أبي سرح فَقَالَ لَهُ أَرَاك تنْفق على هَؤُلَاءِ مَالا كثيرا فَأَخَاف أَن تبقى بِلَا شَيْء فَقَالَ لَهُ عُثْمَان لي خَطَايَا وذنوب كَثِيرَة أُرِيد تكفيرها ورضا الرب فَقَالَ لَهُ عبد الله أَعْطِنِي زِمَام نَاقَتك وأحمل عَنْك مَا يكون عَلَيْك من الذُّنُوب والخطايا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَأعْطَاهُ زِمَام نَاقَته وَاقْتصر عَن نَفَقَته وصدقته فَنزلت فِيهِ هَذِه الْآيَة(1/447)
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36)
{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ} يخبر فِي الْقُرْآن {بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى}(1/447)
وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37)
{وَإِبْرَاهِيمَ} فِي التَّوْرَاة وصحف إِبْرَاهِيم يَقُول {الَّذِي وفى} يَعْنِي إِبْرَاهِيم الَّذِي بلغ رسالات ربه وَعمل بِمَا أَمر بِهِ وَيُقَال وَفِي رُؤْيَاهُ(1/447)
أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38)
{أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} يَقُول لَا تحمل حاملة حمل أُخْرَى مَا عَلَيْهَا من الذَّنب وَيُقَال لَا تعذب نفس بذنب نفس أُخْرَى(1/447)
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)
{وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ} يَوْم الْقِيَامَة {إِلاَّ مَا سعى} إِلَّا مَا عمل من الْخَيْر وَالشَّر فى الدُّنْيَا(1/447)
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)
{وَأَنَّ سَعْيَهُ} عمله {سَوْفَ يرى} فِي ديوانه وميزانه(1/447)
ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)
{ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزآء الأوفى} الأوفر بالْحسنِ حسنا وبالسيىء سَيِّئًا(1/447)
وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)
{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهى} مرجع الْخَلَائق بعد الْمَوْت ومصيرهم فِي الْآخِرَة(1/447)
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ} أهل الْجنَّة بِمَا يسرهم من الْكَرَامَة {وأبكى} أهل النَّار بِمَا يحزنهم من الهوان(1/447)
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)
{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ} فِي الدُّنْيَا {وَأَحْيَا} للبعث وَيُقَال أمات الْآبَاء وَأَحْيَا الْأَبْنَاء(1/447)
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45)
{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ} الصِّنْفَيْنِ {الذّكر وَالْأُنْثَى}(1/447)
مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)
{مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى} تهراق فِي رحم الْمرْآة وَيُقَال تخلق(1/447)
وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)
{وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الْأُخْرَى} الْخلق الآخر بِالْبَعْثِ(1/447)
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48)
{وَأَنَّهُ هُوَ أغْنى} نَفسه عَن خلقه {وأقنى} أفقر خلقه إِلَى نَفسه وَيُقَال إِنَّه هُوَ أغْنى أرْضى خلقه وأقنى أقنع وَيُقَال(1/447)
إِنَّه أغْنى بِالْمَالِ وأقنى أرْضى بِمَا أعْطى وَيُقَال إِنَّه أغْنى بِالذَّهَب وَالْفِضَّة وأقنى أقنع بِالْإِبِلِ وَالْبَقر وَالْغنم(1/448)
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)
{وَأَنه هُوَ رب الشعرى} الْكَوْكَب الْفَتى يتبع الجوزاء كَانَ يعبده خُزَاعَة(1/448)
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50)
{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى} قوم هود(1/448)
وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51)
{وَثَمُودَ} قوم صَالح {فَمَآ أبقى} فَلم يتْرك مِنْهُم أحدا(1/448)
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)
{وَقَوْمَ نُوحٍ} وَأهْلك قوم نوح {مِّن قَبْلُ} من قبل قوم صَالح {إِنَّهُمْ} يَعْنِي قوم نوح {كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ} أَشد فِي كفرهم {وأطغى} أَشد فِي طغيانهم ومعصيتهم(1/448)
وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
{والمؤتفكة أَهْوى} وَأهْلك قريات لوط سدوم وصادوم وعمورا وصوائم والمؤتفكات المنخنفات وائتفكها خسفها أَهْوى هوت من السَّمَاء إِلَى الأَرْض(1/448)
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)
{فَغَشَّاهَا مَا غشى} يَعْنِي الْحِجَارَة(1/448)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ} فَبِأَي نعماء رَبك أَيهَا الْإِنْسَان غير مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {تتمارى} تتجاحد أَنَّهَا لَيست من الله(1/448)
هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)
{هَذَا نَذِير} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُول مخوف {مِّنَ النّذر الأولى} كالرسل الأولى الَّذين أرسلناهم إِلَى قَومهمْ وَيُقَال هَذَا نَذِير من النّذر رَسُول من الرُّسُل الأولى الَّذين هم مكتوبون فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ أَن أرسلهم إِلَى قَومهمْ(1/448)
أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57)
{أَزِفَتِ الآزفة} دنا قيام السَّاعَة(1/448)
لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)
{لَيْسَ لَهَا} لقيامها {مِن دُونِ الله} غير الله {كَاشِفَةٌ} مُبين يبين قِيَامهَا ووقتها(1/448)
أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)
{أَفَمِنْ هَذَا الحَدِيث} يَقُول أَمن هَذَا الْقُرْآن الذى يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا أهل مَكَّة {تَعْجَبُونَ} تسخرون وَيُقَال تكذبون(1/448)
وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60)
{وَتَضْحَكُونَ} تهزءون وَيُقَال تسخرون {وَلاَ تَبْكُونَ} مِمَّا فِيهِ من الزّجر والوعيد والتخويف(1/448)
وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61)
{وَأَنْتُم سامدون} لَا هون عَنهُ لَا تؤمنون بِهِ(1/448)
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)
{فاسجدوا لله} فاخضعوا لله وبالتوحيد وَالتَّوْبَة {واعبدوا} وحدوا الله لله فقد اقْتَرَبت السَّاعَة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقَمَر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَخَمْسُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَاثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَثَلَاثَة أحرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/448)
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {اقْتَرَبت السَّاعَة} يَقُول دنا قيام السَّاعَة بِخُرُوج مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونزول الدُّخان {وَانْشَقَّ الْقَمَر} نِصْفَيْنِ وَهُوَ من عَلَامَات الْقِيَامَة(1/448)
وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
{وَإِن يَرَوْاْ آيَةً} مثل انْشِقَاق الْقَمَر {يُعْرِضُواْ} يكذبوا بِالْآيَةِ {وَيَقُولُواْ} الْآيَة {سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} قوي شَدِيد مَصْنُوع سيذهب(1/448)
وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)
{وَكَذَّبُواْ} بِالْآيَةِ وَقيام السَّاعَة {وَاتبعُوا أَهْوَآءَهُمْ} بتكذيب الْآيَة وَقيام السَّاعَة وبعبادة الْأَوْثَان {وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ} وَلكُل قَول من الله أَو من رَسُوله فِي الْوَعْد والوعيد والبشرى بِالْجنَّةِ وَالنَّار أَو بِالرَّحْمَةِ أَو بِالْعَذَابِ فعل وَحَقِيقَة سنة مَا يكون فِي الدُّنْيَا فسيظهر وَمِنْه مَا يكون فِي الْآخِرَة فيتبين وَيُقَال وَلكُل فعل وَقَول من الْعباد حَقِيقَة وحقيقتهم فِي الْقلب(1/448)
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)
{وَلَقَدْ جَآءَهُم} أهل مَكَّة فِي الْقُرْآن {مِّنَ الأنبآء} من أَخْبَار الْأُمَم الْمَاضِيَة كَيفَ هَلَكُوا عِنْد التَّكْذِيب {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} نهي وازدجار(1/448)
حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)
{حِكْمَةٌ} الْقُرْآن {بَالِغَةٌ} حِكْمَة من الله أبلغهم عَن الله {فَمَا تُغْنِ النّذر} يَعْنِي الرُّسُل عَن قوم لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه فِي علم الله(1/448)
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أعرض عَنْهُم يَا مُحَمَّد ثمَّ أَمرهم بِالْقِتَالِ {يَوْمَ يَدْعُ الداع} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ} مُنكر عَظِيم شَدِيد أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة وَأهل النَّار إِلَى النَّار(1/448)
خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)
{خُشَّعاً} ذليلة {أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} من الْقُبُور فِي النفخة الْأُخْرَى {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} يَقُول يجول بَعضهم فِي بعض مثل الْجَرَاد(1/448)
مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8)
{مُّهْطِعِينَ} مُسْرِعين مقصدين ناظرين {إِلَى الداع} مَاذَا يَأْمُرهُم {يَقُولُ الْكَافِرُونَ} يَوْم الْقِيَامَة {هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} شَدِيد شدد ذَلِك الْيَوْم(1/448)
عَلَيْهِم(1/449)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9)
{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {قَوْمُ نُوحٍ} نوحًا {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا} نوحًا {وَقَالُواْ مَجْنُونٌ} يختنق {وازدجر} زجروه عَن مقَالَته وصاحوا بِهِ وَقَالُوا أَنْت مستطير الْفُؤَاد ذَاهِب الْعقل(1/449)
فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10)
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ} مقهور {فانتصر} فأعني بِالْعَذَابِ(1/449)
فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11)
{فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء} طرق السَّمَاء أَرْبَعِينَ يَوْمًا {بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} مطر منصب من السَّمَاء على الأَرْض(1/449)
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12)
{وَفَجَّرْنَا} شققنا {الأَرْض عُيُوناً} بِالْمَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا {فَالْتَقَى المآء} مَاء السَّمَاء وَمَاء الأَرْض {على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} على مِقْدَار قَدرنَا مَاء السَّمَاء وَمَاء الأَرْض وَيُقَال على قَضَاء قد قضى بِهَلَاك قوم نوح(1/449)
وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)
{وَحَمَلْنَاهُ} يَعْنِي نوحًا وَمن آمن بِهِ {على ذَاتِ أَلْوَاحٍ} عوارض {وَدُسُرٍ} مسامير وَشرط وكل شَيْء يشد بِهِ السَّفِينَة فَهُوَ دسر(1/449)
تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)
{تَجْرِي} تسير السَّفِينَة {بِأَعْيُنِنَا} بمنظر منا {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} يَقُول جَزَاء قوم نوح بِمَا كفرُوا بِهِ(1/449)
وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15)
{وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً} عَلامَة للنَّاس يَعْنِي سفينة نوح بعد نوح وَيُقَال مثل سفينة نوح {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} فَهَل من متعظ يتعظ بِمَا صنع بِقوم نوح فَيتْرك الْمعْصِيَة(1/449)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} فَانْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عَذَابي عَلَيْهِم وَكَيف كَانَ حَال منذري لمن أَنْذرهُمْ نوح فَلم يُؤمنُوا(1/449)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن} هونا الْقُرْآن {لِلذِّكْرِ} للْحِفْظ وَالْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة وَيُقَال هونا قِرَاءَة الْقُرْآن {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} فَهَل من طَالب علم فيعان عَلَيْهِ(1/449)
كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18)
{كَذَّبَتْ عَادٌ} قوم هود هوداً {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عَذَابي عَلَيْهِم وَنذر كَيفَ كَانَ حَال منذري لمن أَنْذرهُمْ الرَّسُول هود فَلم يُؤمنُوا(1/449)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَا} سلطنا {عَلَيْهِمْ} على قوم هود {رِيحاً صَرْصَراً} بَارِدًا شَدِيدا وَهُوَ ريح الدبور {فِي يَوْم نحس مُسْتَمر} مشئوم عَلَيْهِم مُسْتَمر ذَاهِب على الصَّغِير وَالْكَبِير(1/449)
تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20)
{تَنزِعُ النَّاس} تقلع قوم هود من أماكنهم {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} كَأَنَّهُمْ أوراك نخل وَيُقَال أسافل نخل {مُّنقَعِرٍ} منقلع من أُصُولهَا(1/449)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي} انْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عَذَابي عَلَيْهِم {وَنُذُرِ} فَكيف كَانَ حَال منذري لمن أَنْذرهُمْ هود فَلم يُؤمنُوا(1/449)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن} هونا الْقُرْآن {لِلذِّكْرِ} للْحِفْظ وَالْقِرَاءَة {فَهَل من مدكر} من متعظ يتعظ بِمَا صنع بِقوم هود فَيتْرك الْمعْصِيَة(1/449)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح {بِالنذرِ} صَالحا وَجُمْلَة الرُّسُل(1/449)
فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (24)
{فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا} آدَمِيًّا مثلنَا {وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ} فِي دينه وَأمره {إِنَّآ إِذاً} إِن فعلنَا {لَّفِي ضَلاَلٍ} فِي خطأ بَين {وَسُعُرٍ} تَعب وعناء(1/449)
أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25)
{أؤلقي الذِّكْرُ} أخص بِالنُّبُوَّةِ {عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا} وَنحن أشرف مِنْهُ {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ} يكذب على الله {أَشِرٌ} بطر مرح يعنون صَالحا فَقَالَ لَهُم صَالح(1/449)
سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)
{سَيَعْلَمُونَ غَداً} يَوْم الْقِيَامَة {مَّنِ الْكذَّاب} على الله {الأشر} البطر المرح فَقَالَ الله لصالح(1/449)
إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27)
{إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقة} مخرجو النَّاقة من الصَّخْرَة {فِتْنَةً لَّهُمْ} بلية لقَوْمك {فارتقبهم} فانتظرهم إِلَى خُرُوج النَّاقة {واصطبر} اصبر على أذاهم وعَلى قَتلهمْ النَّاقة(1/449)
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28)
{وَنَبِّئْهُمْ} أخْبرهُم {أَنَّ المآء} مَاء الْبِئْر {قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وَبَين النَّاقة يَوْم لَهَا وَيَوْم لَهُم {كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ} كل شَارِب لحضور صَاحبه فَأخْبرهُم صَالح فرضوا بذلك ومكثوا على ذَلِك زَمَانا فغلب عَلَيْهِم الشَّقَاء(1/449)
فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)
{فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ} نَادَى مصدع وقدار بن سالف بعد مَا رَمَاهَا مصدع بن دهر بِسَهْم {فتعاطى} فَتَنَاول قدار بِسَهْم آخر {فَعَقَرَ} فَقتلُوا النَّاقة وقسموا لَحمهَا(1/449)
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30)
{فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ} فَانْظُر يَا مُحَمَّد كَيفَ كَانَ عَذَابي عَلَيْهِم وَكَيف كَانَ حَال منذري لمن أَنْذرهُمْ صَالح فَلم يُؤمنُوا(1/449)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً} أَي صَيْحَة جِبْرِيل بِالْعَذَابِ بعد ثَلَاثَة أَيَّام من قتل النَّاقة {فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر} فصاروا كالشيء الَّذِي داسته الْغنم فِي الحظيرة(1/449)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)
{وَلَقَد يَسَّرْنَا الْقُرْآن} هونا الْقُرْآن {لِلذِّكْرِ} للعظة وَالْحِفْظ وَالْقِرَاءَة {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} فَهَل من متعظ فيتعظ بِمَا صنع بِقوم صَالح فَيتْرك الْمعْصِيَة وَيُقَال فَهَل من طَالب علم فيعان عَلَيْهِ(1/449)
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33)
{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنذرِ}(1/449)
لوطاً وَجُمْلَة الرُّسُل(1/450)
إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَا} أنزلنَا {عَلَيْهِمْ حَاصِباً} حِجَارَة {إِلاَّ آلَ لُوطٍ} إِلَّا على لوط وابنتيه زاعورا وريثا {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} عِنْد السحر(1/450)
نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35)
{نِّعْمَةً} رَحْمَة {مِّنْ عِندِنَا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي مَن شَكَرَ} من وحد وشكر نعْمَة الله بالنجاة(1/450)
وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36)
{وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ} خوفهم لوط {بَطْشَتَنَا} عذابنا {فَتَمَارَوْاْ بِالنذرِ} فتجاحدوا بالرسل أَي كذبُوا لوطاً بِمَا قَالَ لَهُم(1/450)
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37)
{وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ} أَرَادوا أضيافه جِبْرِيل وَمن مَعَه من الْمَلَائِكَة بعملهم الْخَبيث {فَطَمَسْنَآ} ففقأنا {أَعْيُنَهُمْ} أعمى جِبْرِيل أَعينهم {فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} فَقلت لَهُم ذوقوا عَذَابي وَنذر منذري(1/450)
وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38)
{وَلَقَدْ صَبَّحَهُم} أَخذهم {بُكْرَةً} وَهِي طُلُوع الْفجْر {عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ} دَائِم مَوْصُول بِعَذَاب الْآخِرَة(1/450)
فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39)
{فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ} فَقلت لَهُم ذوقوا عَذَابي وَنذر منذري من أَنْذرهُمْ لوط فَلم يُؤمنُوا(1/450)
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40)
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآن} هونا الْقُرْآن {لِلذِّكْرِ} للْحِفْظ وَالْقِرَاءَة وَالْكِتَابَة {فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ} متعظ يتعظ بِمَا صنع بِقوم لوط فَيتْرك الْمعْصِيَة(1/450)
وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (41)
{وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ النّذر} إِلَى فِرْعَوْن وَقَومه مُوسَى وَهَارُون(1/450)
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42)
{كذبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا} التسع {فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عِزِيزٍ} منيع قوي بالعقوبة {مُّقْتَدِرٍ} قَادر بِالْعَذَابِ(1/450)
أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ (43)
{أَكُفَّارُكُمْ} يَا مُحَمَّد وَيُقَال يَا أهل مَكَّة {خَيْرٌ مِّنْ أولئكم} من الَّذين قَصَصنَا عَلَيْكُم {أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر} نجاة فِي الْكتب من الْعَذَاب(1/450)
أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (44)
{أَمْ يَقُولُونَ} كفار مَكَّة {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} مُمْتَنع من الْعَذَاب(1/450)
سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45)
{سَيُهْزَمُ الْجمع} جمع الْكفَّار يَوْم بدر {وَيُوَلُّونَ الدبر} منهزمين يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه فَمنهمْ من قتل يَوْم بدر وَمِنْهُم من هزم(1/450)
بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)
{بَلِ السَّاعَة} بل قيام السَّاعَة {مَوْعِدُهُمْ} بِالْعَذَابِ {والساعة} بِالْعَذَابِ {أدهى} أعظم {وَأَمَرُّ} أَشد من عَذَاب يَوْم بدر(1/450)
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ (47)
{إِنَّ الْمُجْرمين} الْمُشْركين أَبَا جهل وَأَصْحَابه {فِي ضَلاَلٍ} فِي خطأ بَين فِي الدُّنْيَا {وَسُعُرٍ} تَعب وعناء فِي النَّار(1/450)
يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (48)
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يُسْحَبُونَ} يجرونَ {فِي النَّار} تجرهم الزَّبَانِيَة {على وُجُوهِهِمْ} إِلَى النَّار فَتَقول لَهُم الزَّبَانِيَة {ذوقوا مس سقر} عَابَ سقر(1/450)
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ} من أَعمالكُم {خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} فجحدتم ذَلِك نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الْقدر(1/450)
وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)
{وَمَآ أَمْرُنَآ} بِقِيَام السَّاعَة {إِلاَّ وَاحِدَةٌ} كلمة وَاحِدَة لَا تثنى {كَلَمْحٍ بالبصر} فِي السرعة كطرف الْبَصَر وَيُقَال إِنَّا كل شَيْء خلقناه بِقدر يَقُول خلقنَا لكل شَيْء شكله وَمَا يُوَافقهُ من الثِّيَاب وَالْمَتَاع(1/450)
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51)
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ} أهل دينكُمْ وأشباهكم يَا أهل مَكَّة {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} متعظ يتعظ بِمَا صنع بهم فَيتْرك الْمعْصِيَة(1/450)
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (52)
{وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ} فِي الشّرك بِاللَّه من الْمعْصِيَة والجفاء بالأنبياء {فِي الزبر} فِي الْكتب مَكْتُوب وَيُقَال فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ نزلت هَذِه الْآيَة فِي أهل الْقدر أَيْضا(1/450)
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (53)
{وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ} من الْخَيْر وَالشَّر {مُّسْتَطَرٌ} مكتتب فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ نزلت هَذِه الْآيَة أَيْضا فِي أهل الْقدر وجحدوا ذَلِك(1/450)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54)
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِي جَنَّاتٍ} بساتين {وَنَهَرٍ} أَنهَار كَثِيرَة وَيُقَال فِي رياض وسعة(1/450)
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)
{فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ} فِي أَرض كَرِيمَة أَرض الْجنَّة {عِندَ مَلِيكٍ} ملك عَلَيْهِم {مُّقْتَدِرِ} قَادر بالثواب وَالْعِقَاب على عباده
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الرَّحْمَن وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَسَبْعُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَإِحْدَى وَخَمْسُونَ وحروفها ألف وسِتمِائَة وَسِتَّة وَثَلَاثُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/450)
الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما نزلت هَذِه الْآيَة قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن قَالَ كفار مَكَّة أَبُو جهل والوليد وَعتبَة وَشَيْبَة وأصحابهم مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي يكون بِالْيَمَامَةِ فَمن الرَّحْمَن يَا مُحَمَّد فَأنْزل الله {الرَّحْمَن عَلَّمَ الْقُرْآن} جِبْرِيل وَجِبْرِيل مُحَمَّدًا وَمُحَمّد أمته مَعْنَاهُ بعث الله(1/450)
جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ إِلَى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومحمداً إِلَى أمته(1/451)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3)
{خَلَقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم من أَدِيم الأَرْض(1/451)
عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)
{عَلَّمَهُ الْبَيَان} ألهمه الله بَيَان كل شَيْء وَأَسْمَاء كل دَابَّة تكون على وَجه الأَرْض(1/451)
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5)
{الشَّمْس وَالْقَمَر بِحُسْبَانٍ} منازلهما بِالْحِسَابِ وَيُقَال معلقان بَين السَّمَاء وَالْأَرْض وَيُقَال عَلَيْهِمَا حِسَاب وَلَهُمَا آجال كآجال النَّاس(1/451)
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
{والنجم وَالشَّجر يَسْجُدَانِ} للرحمن والنجم مَا أنجمت الأَرْض وَهُوَ كل نبت لَا يقوم على السَّاق وَالشَّجر مَا يقوم على السَّاق(1/451)
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7)
{والسمآء رَفَعَهَا} فَوق كل شَيْء لَا ينالها شَيْء {وَوَضَعَ الْمِيزَان} فِي الأَرْض بَين الْعدْل بالميزان(1/451)
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8)
{أَلاَّ تَطْغَوْاْ} أَلا تَجُورُوا وَلَا تميلوا {فِي الْمِيزَان}(1/451)
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)
{وَأَقِيمُواْ الْوَزْن بِالْقِسْطِ} لِسَان الْمِيزَان بِالْعَدْلِ وَيُقَال لِسَان أَنفسكُم بِالصّدقِ {وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَان} لَا تنقصوا الْمِيزَان فتذهبوا بِحُقُوق النَّاس(1/451)
وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (10)
{وَالْأَرْض وَضَعَهَا} بسطها على المَاء {لِلأَنَامِ} لِلْخلقِ كُله الْأَحْيَاء والأموات مِنْهُم(1/451)
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (11)
{فِيهَا} فِي الأَرْض {فَاكِهَةٌ} ألوان الْفَاكِهَة {وَالنَّخْل} ألوان النّخل {ذَاتُ الأكمام} ذَات الغلف والكفرى مَا لم تَنْشَق فَهِيَ كم(1/451)
وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (12)
{وَالْحب} الْحُبُوب كلهَا {ذُو العصف} ذُو الْوَرق {وَالريحَان} السنبلة وَالثَّمَر(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13)
{فَبِأَيِّ آلَاء} فَبِأَي نعماء {رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} أَيهَا الْجِنّ وَالْإِنْس غير مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تتجاحدان أَنَّهَا لَيست من الله وَهَكَذَا كل مَا فى هَذِه السُّورَة من قَول فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(1/451)
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14)
{خَلَقَ الْإِنْسَان} يَعْنِي آدم {مِن صَلْصَالٍ} من طين صال قد أنتن يتصلصل {كالفخار} كَالَّذي يتَّخذ مِنْهُ الفخار(1/451)
وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)
{وَخَلَقَ الجآن} أَبَا الْجِنّ وَالشَّيَاطِين {مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ} لَا دُخان لَهَا(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (16)
{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} فباي نعماء رَبكُمَا تتجاحدان(1/451)
رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (17)
{رب المشرقين} مشرق الشتَاء مشرق الصَّيف {وَرَبُّ المغربين} مغرب الشتَاء ومغرب الصَّيف وهما مشرقان ومغربان مشرق الشتَاء ومشرق الصَّيف لَهما مائَة وَثَمَانُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين كَذَلِك للقمر وَيُقَال الْمشرق الشتَاء والصيف مائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين تطلع الشَّمْس فِي سنة يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد وَكَذَلِكَ تغرب يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (18) مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مَرَجَ الْبَحْرين} أرسل الْبَحْرين العذب والمالح {يَلْتَقِيَانِ} لَا يختلطان(1/451)
بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)
{بَيْنَهُمَا} بَين العذب والمالح {بَرْزَخٌ} حاجز من الله {لاَّ يَبْغِيَانِ} لَا يختلطان وَلَا يُغير كل وَاحِد مِنْهُمَا طعم صَاحبه(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21) يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تِكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا} من المالح خَاصَّة {الُّلؤْلُؤُ} مَا كبر {وَالمَرْجَانُ} مَا صغر مِنْهُ(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (23) وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24)
{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ وَله الْجوَار الْمُنْشَآت} السفن الْمُنْشَآت الْمَخْلُوقَات المرفوعات {فِي الْبَحْر كالأعلام} كالجبال إِذا رفع شراعهن(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (25) كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا} على وَجه الأَرْض {فَانٍ} يَمُوت وَيُقَال كل من عَلَيْهَا فان يفنى وَيُقَال كل من عمل لغير الله يفنى(1/451)
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)
{وَيبقى وَجْهُ رَبِّكَ} حَيّ لَا يَمُوت وَيُقَال مَا ابْتغى بِهِ وَجه رَبك من الْأَعْمَال الصَّالِحَة {ذُو الْجلَال} ذُو العظمة وَالسُّلْطَان {وَالْإِكْرَام} التجاوز وَالْإِحْسَان(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَات} من الْمَلَائِكَة {وَالْأَرْض} من الْمُؤمنِينَ فَأهل الأَرْض يسألونه الْمَغْفِرَة والتوفيق والعصمة والكرامة والرزق {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} مِنْهُ شَأْن شَأْنه أَن يحيي وَيُمِيت ويعز ويذل ويولد مولوداً ويفك أَسِيرًا وشأنه أَكثر من أَن يُحْصى(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30) سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ سَنَفْرُغُ لَكُمْ} سنحفظ عَلَيْكُم أَعمالكُم فِي الدُّنْيَا ونحاسبكم بهَا يَوْم الْقِيَامَة {أَيهَا الثَّقَلَان} الْجِنّ وَالْإِنْس(1/451)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (32) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33)
{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} وَيَقُول لكم {يَا معشر الْجِنّ وَالْإِنْس إِنِ اسْتَطَعْتُم} قدرتم {أَن تَنفُذُواْ} تخْرجُوا {مِنْ أَقْطَارِ} أَطْرَاف {السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وصفوف الْمَلَائِكَة {فانفذوا} فاخرجوا وفروا {لاَ تَنفُذُونَ}(1/451)
لَا تقدروا أَن تخْرجُوا {إِلاَّ بِسُلْطَانٍ} بِعُذْر وَحجَّة(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا} إِذا خَرجْتُمْ من الْقُبُور أَيهَا الْجِنّ وَالْإِنْس {شُوَاظٌ} لَهب {مِّن نَّارٍ} لَا دُخان لَهَا {وَنُحَاسٌ} دُخان يسوقانكما إِلَى الْمَحْشَر {فَلاَ تَنتَصِرَانِ} فَلَا تمتنعان من السُّوق(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (36) فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَإِذَا انشقت السمآء} بنزول الْمَلَائِكَة وهيبة الرب {فَكَانَتْ وَرْدَةً} فَصَارَت ملونة {كالدهان} كألوان الدّهن وَيُقَال وردة كألوان الْورْد وَيُقَال كالأديم المغربي أَي حمرَة مَعَ السوَاد(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فَيَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة بعد الْفَرَاغ من الْحساب {لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ} عَن عمله {إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ} الْمُؤمن يعرف ببياض وَجهه أغر محجل وَيُقَال لَا يسئل عَن ذَنْب الْإِنْس وَالْجِنّ وَعَن ذَنْب الْجِنّ وَالْإِنْس(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ} الْمُشْركُونَ بسواد وُجُوههم وزرقة أَعينهم {فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام} فَيجمع النواصي بالأقدام فيطرحون فِي النَّار(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} وَيَقُولُونَ لَهُم الزَّبَانِيَة {هَذِه جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون} الْمُشْركُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا لَا تكون(1/452)
يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (44)
{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا} بَين النَّار {وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} مَاء حَار قد انْتهى حره(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45) وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَلِمَنْ خَافَ} عِنْد الْمعْصِيَة {مَقَامَ رَبِّهِ} بَين يَدي ربه مقَامه فَانْتهى عَن الْمعْصِيَة فَلهُ {جَنَّتَانِ} بستانان فِي بساتين جنَّة عدن وجنة الفردوس(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} أَغْصَان وألوان(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا} فِي الْبَسَاتِين {عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} على أهل الْجنَّة بِالْخَيرِ وَالرَّحْمَة والكرامة وَالْبركَة وَالزِّيَادَة من الله(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا} فِي الْبَسَاتِين {مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ} من ألوان كل فَاكِهَة {زَوْجَانِ} لونان فِي المنظر والمطعم(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ} جالسين ناعمين {عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا} ظواهرها {مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} مَا ثخن من الديباج وبطائنها من سندس مَا لطف من الديباج {وَجَنَى الجنتين دَانٍ} اجتناء الْبَسَاتِين دَان قريب يَنَالهُ الْقَاعِد والقائم(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55) فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (56)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ} فِي الْجنان كلهَا {قَاصِرَاتُ الطّرف} جوَار غاضات الطّرف قانعات بأزواجهن لَا ينظرن إِلَى غير أَزوَاجهنَّ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} لم يجامعهن وَيُقَال لم يطمثهن لم يجنبهن {إِنسٌ} للإنس إنس {قَبْلَهُمْ} قبل أَزوَاجهنَّ {وَلاَ جَآنٌّ} وَلَا للجن جن قبل أَزوَاجهنَّ(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (57) كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ كَأَنَّهُنَّ} فِي الصفاء {الْيَاقُوت} كالياقوت {والمرجان} كالمرجان فِي الْبيَاض(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (59) هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ هَلْ جَزَآءُ الْإِحْسَان إِلاَّ الْإِحْسَان} يَقُول هَل جَزَاء من أنعمنا عَلَيْهِ بِالتَّوْحِيدِ إِلَّا الْجنَّة(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (61) وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ وَمِن دُونِهِمَا} من دون الْبَسَاتِين الْأَوَّلين {جَنَّتَانِ} أخريان فالأوليان أفضل مِنْهُمَا وَهَاتَانِ دونهمَا جنَّة النَّعيم وجنة المأوى(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (63) مُدْهَامَّتَانِ (64)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُدْهَآمَّتَانِ} خضراوان يضْرب لونهما إِلَى السوَاد لِكَثْرَة ريهما(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65) فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (66)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا} فِي الجنتين {عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} فوارتان وَيُقَال ممتلئتان بِالْخَيرِ وَالْبركَة وَالرَّحْمَة والكرامة وَالزِّيَادَة من الله(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (67) فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِمَا} فِي الجنتين {فَاكِهَةٌ} ألوان الْفَاكِهَة {وَنَخْلٌ} ألوان النّخل {وَرُمَّانٌ} ألوان الرُّمَّان فِي الطّعْم والمنظر(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69) فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ فِيهِنَّ} فِي الْجنان الْأَرْبَع وَيُقَال فِي الْجنان كلهَا {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} جوَار خير لِأَزْوَاجِهِنَّ حسان الْوُجُوه وَيُقَال حسان الْأَعْين(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ حُورٌ} بيض {مَّقْصُورَاتٌ} محبوسات على أَزوَاجهنَّ {فِي الْخيام} فِي خيام الدّرّ المجوف(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ (74)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ} لم يجامعهن وَيُقَال لم يجنبهن {إِنسٌ قَبْلَهُمْ} للإنس إنس قبل أَزوَاجهنَّ {وَلاَ جَآنٌّ} وَلَا للجن جن قبل أَزوَاجهنَّ(1/452)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (75) مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)
{فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ}(1/452)
جالسين ناعمين {على رَفْرَفٍ} مجَالِس وَيُقَال رياض {خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ} طنافس مخملة ملونة {حِسَانٍ} وَيُقَال زرابي حسان ملونة(1/453)
فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (77) تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
{فَبِأَي آلَاء رَبكُمَا تُكَذِّبَانِ} فباي نعماء رَبكُمَا أَيهَا الْجِنّ وَالْإِنْس غير مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تُكَذِّبَانِ تتجاحدان أَنَّهَا لَيست من الله {تَبَارَكَ اسْم رَبِّكَ} ذُو بركَة وَرَحْمَة وَيُقَال تَعَالَى وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {ذِي الْجلَال} ذِي العظمة وَالسُّلْطَان {وَالْإِكْرَام} والتجاوز وَالْإِحْسَان إِذا قَامَت الْقِيَامَة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْوَاقِعَة وهى كلهَا مَكِّيَّة غير قَوْله {أفبهذا الحَدِيث أَنْتُم مدهنون وتجعلون رزقكم أَنكُمْ تكذبون} وَقَوله {ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين} فَهَؤُلَاءِ الْآيَات نزلت على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى سَفَره إِلَى الْمَدِينَة آياتها تسع وَتسْعُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وثمان وَسَبْعُونَ وحروفها ألف وَتِسْعمِائَة وَثَلَاثَة أحرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/453)
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَة} يَقُول إِذا قَامَت الْقِيَامَة(1/453)
لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2)
{لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا} لقيامها {كَاذِبَةٌ} راد وَلَا خلف وَلَا مثنوية(1/453)
خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)
{خافضة} تخْفض قوما بأعمالهم فتدخلهم النَّار {رَّافِعَةٌ} ترفع قوما بأعمالهم فتدخلهم الْجنَّة وَيُقَال إِنَّمَا سميت الْوَاقِعَة لشدَّة صَوتهَا يسمع الْقَرِيب والبعيد(1/453)
إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4)
{إِذَا رُجَّتِ الأَرْض رَجّاً} إِذا زلزلت الأَرْض زَلْزَلَة حَتَّى يطمس كل بُنيان وجبل عَلَيْهَا فَيَعُود فِيهَا(1/453)
وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا (5)
{وَبُسَّتِ الْجبَال بَسّاً} سيرت الْجبَال عَن وَجه الأَرْض كسير السَّحَاب وَيُقَال قلعت قلعاً وَيُقَال جثت جثا وَيُقَال فتت فتاً كَمَا يبس السويق أَو علف الْبَعِير(1/453)
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (6)
{فَكَانَتْ} صَارَت {هَبَآءً} غباراً كالغبار الَّذِي يسطع من حوافر الدَّوَابّ أَو كشعاع الشَّمْس يدْخل فِي كوَّة تكون فِي الْبَيْت أَو خرق يكون فِي الْبَاب {مُّنبَثّاً} يحور بعضه فِي بعض(1/453)
وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)
{وَكُنتُمْ} صرتم يَوْم الْقِيَامَة {أَزْوَاجاً} أصنافاً {ثَلاَثَةً}(1/453)
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8)
{فَأَصْحَابُ الميمنة} وهم أهل الْجنَّة الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بيمينهم وهم الَّذين قَالَ الله لَهُم هَؤُلَاءِ فِي الْجنَّة وَلَا أُبَالِي {مَآ أَصْحَابُ الميمنة} يعجب نبيه بذلك يَقُول وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل الْجنَّة من النَّعيم وَالسُّرُور والكرامة(1/453)
وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)
{وَأَصْحَابُ المشأمة} وهم أهل النَّار الَّذين يُعْطون كِتَابهمْ بشمالهم وهم الَّذين قَالَ الله لَهُم هَؤُلَاءِ فِي النَّار وَلَا أُبَالِي {مَآ أَصْحَابُ المشأمة} يعجب نبيه بذلك وَيَقُول وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل النَّار فِي النَّار من الهوان والعقوبة وَالْعَذَاب(1/453)
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
{وَالسَّابِقُونَ} فِي الدُّنْيَا إِلَى الْإِيمَان وَالْهجْرَة وَالْجهَاد وَالتَّكْبِيرَة الأولى والخيرات كلهَا هم {السَّابِقُونَ} فِي الْآخِرَة إِلَى الْجنَّة(1/453)
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11)
{أُولَئِكَ المقربون} إِلَى الله(1/453)
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12)
{فِي جَنَّاتِ النَّعيم} نعيمها دَائِم(1/453)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)
{ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلين} جمَاعَة من أَوَائِل الْأُمَم كلهَا قبل أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/453)
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)
{وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين} من أَوَاخِر الْأُمَم كلهَا وهى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيَقُول كلتاهما أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة اغتم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بذلك حَتَّى نزل قَوْله تَعَالَى ثلة من الْأَوَّلين وثلة من الآخرين(1/453)
عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15)
{على سُرُرٍ} جالسين على سرر {مَّوْضُونَةٍ} مَوْصُولَة بقضبان الذَّهَب وَالْفِضَّة منسوجة بالدر والياقوت(1/453)
مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)
{مُّتَّكِئِينَ} ناعمين {عَلَيْهَا} على السرر {مُتَقَابِلِينَ} فِي الزِّيَارَة(1/453)
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)
{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {وِلْدَانٌ} وصفاء وَيُقَال هم أَوْلَاد الْكفَّار جعلُوا خدماً لأهل الْجنَّة {مُّخَلَّدُونَ} خلدوا لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا وَيُقَال يحلونَ فِي الْجنَّة يطوف عَلَيْهِم(1/453)
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)
{بِأَكْوَابٍ} بكيزان لَا آذان لَهَا وَلَا عراً {وأباريق} مَالهَا آذان وعراً وخراطيم {وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ} خمر طَاهِر تجرى(1/453)
لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)
{لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} يَقُول لَا يصدع رؤوسهم من شربهَا وَيُقَال لَا يصدع الْخمر رؤوسهم كخمر الدُّنْيَا وَيُقَال لَا يمْنَعُونَ عَنْهَا {وَلاَ يُنزِفُونَ} لَا يسكرون بشربها وَيُقَال لَا تسكرهم الْخمر وَيُقَال لَا ينْفد شرابهم إِن قَرَأت بخفض الزاى(1/454)
وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)
{وَفَاكِهَةٍ} وألوان الْفَاكِهَة {مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} مِمَّا يشتهون(1/454)
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)
{وَلَحْمِ طَيْرٍ} وألوان لحم طير {مِّمَّا يَشْتَهُونَ} مِمَّا يتمنون(1/454)
وَحُورٌ عِينٌ (22)
{وَحُورٌ} وَيَطوف عَلَيْهِم جوَار بيض {عِينٌ} عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه(1/454)
كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)
{كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤ الْمكنون} قد كن من الْحر وَالْبرد(1/454)
جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)
{جَزَآءً} هُوَ ثَوَاب لأهل الْجنَّة {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} وَيَقُولُونَ من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا(1/454)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)
{لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {لَغْواً} بَاطِلا وَلَا حلفا كَاذِبًا {وَلاَ تَأْثِيماً} لَا شتماً وَيُقَال لَا إِثْم عَلَيْهِم فِيهِ(1/454)
إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
{إِلَّا قَلِيلا} قولا {سَلاَماً سَلاَماً} يحيي بَعضهم بَعْضًا بِالسَّلَامِ والتحية من الله(1/454)
وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)
{وَأَصْحَابُ الْيَمين} أهل الْجنَّة {مَآ أَصْحَابُ الْيَمين} مَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل الْجنَّة من النعم وَالسُّرُور(1/454)
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)
{فِي سِدْرٍ} فِي ظلال سمر ثمَّ بَين ذَلِك فَقَالَ {مَّخْضُودٍ} موقر بِلَا شوك(1/454)
وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29)
{وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ} موز مُجْتَمع وَيُقَال دَائِم لَا يَنْقَطِع(1/454)
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30)
{وَظِلٍّ} ظلّ الشّجر وَيُقَال ظلّ الْعَرْش {مَّمْدُودٍ} دَائِم عَلَيْهِ بِلَا شمس(1/454)
وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31)
{وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ} مصبوب من سَاق الْعَرْش(1/454)
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32)
{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ} ألوان الْفَاكِهَة الْكَثِيرَة(1/454)
لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)
{لاَّ مَقْطُوعَةٍ} لَا تَنْقَطِع عَنْهُم فِي حِين وتجيء فِي حِين {وَلاَ مَمْنُوعَةٍ} عَنْهُم إِذا نظرُوا إِلَيْهَا(1/454)
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34)
{وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ} فِي الْهَوَاء لأَهْلهَا(1/454)
إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
{إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ} خلقنَا نسَاء أهل الدُّنْيَا {إِنشَآءً} خلقا بعد الْعَجز والعمش وَالْمَرَض وَالْمَوْت(1/454)
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36)
{فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} عذارى(1/454)
عُرُبًا أَتْرَابًا (37)
{عُرُباً} شكلات غنجات عاشقات مُتَحَببَات إِلَى أَزوَاجهنَّ {أَتْرَاباً} مستويات فِي السن والميلاد على مِقْدَار ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ سنة(1/454)
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)
{لأَصْحَاب الْيَمين} لأهل الْجنَّة وَكلهمْ أهل الْجنَّة(1/454)
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39)
{ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلين} جمَاعَة من أَوَائِل الْأُمَم كلهَا قبل أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/454)
وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)
{وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين} جمَاعَة من أَوَاخِر الْأُمَم كلهَا وهى أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال كلتا الثلتين من أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/454)
وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41)
{وَأَصْحَابُ الشمَال} أهل النَّار {مَآ أَصْحَابُ الشمَال} مَا يدْريك يَا مُحَمَّد مَا لأهل النَّار من الهوان وَالْعَذَاب(1/454)
فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42)
{فِي سَمُومٍ} فِي لَهب النَّار وَيُقَال لفيح النَّار وَيُقَال فِي ريح بَارِدَة وَيُقَال حارة {وَحَمِيمٍ} مَاء حَار(1/454)
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43)
{وَظِلٍّ} عَلَيْهِم {مِّن يَحْمُومٍ} من دُخان جَهَنَّم أسود(1/454)
لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44)
{لاَّ بَارِدٍ} مقيلهم {وَلاَ كَرِيمٍ} حسن وَيُقَال لَا بَارِد شرابهم وَلَا كريم عَذَاب(1/454)
إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45)
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} فِي الدُّنْيَا {مُتْرَفِينَ} مسرفين وَيُقَال متنعمين وَيُقَال متحيرين(1/454)
وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)
{وَكَانُواْ يُصِرُّونَ} فِي الدُّنْيَا يُقِيمُونَ ويمكثون {عَلَى الْحِنْث الْعَظِيم} على الذَّنب الْعَظِيم يَعْنِي الشّرك بِاللَّه وَيُقَال الْيَمين الْغمُوس(1/454)
وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47)
{وَكَانُواْ يِقُولُونَ} إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا} صرنا {تُرَاباً} رميماً {وَعِظَاماً} بالية {أئنا لَمَبْعُوثُونَ} لمحيون فَقَالَ لَهُم الْأَنْبِيَاء نعم فَقَالُوا للأنبياء(1/454)
أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48)
{أَوَ آبَآؤُنَا الْأَولونَ} قبلنَا(1/454)
قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {إِنَّ الْأَوَّلين والآخرين}(1/454)
لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50)
{لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ} ميعاد {يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} مَعْرُوف يجْتَمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة(1/454)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51)
{ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون} عَن الْإِيمَان وَالْهدى {المكذبون} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه(1/454)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52)
{لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ} من شجر الزقوم(1/454)
فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53)
{فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُون} من شجر الزقوم الْبُطُون وَهِي شَجَرَة نابتة فِي أصل الْجَحِيم(1/454)
فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54)
{فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ} على الزقوم {مِنَ الْحَمِيم} المَاء الْحَار(1/454)
فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55)
{فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهيم} شرب الْإِبِل الظماء إِذا أَخذهَا الدَّاء الهيام لَا تكَاد أَن تروي وَيُقَال كشرب الْإِبِل العطاش إِذا أكلت الحمض وَيُقَال الهيم هِيَ الأَرْض السهلة(1/454)
هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)
{هَذَا نُزُلُهُمْ} طعامهم وشرابهم {يَوْمَ الدّين} يَوْم الْحساب(1/454)
نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57)
{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} يَا أهل مَكَّة {فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ} فَهَلا تصدقُونَ بالرسول(1/454)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58)
{أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ} مَا تهريقون فِي أَرْحَام النِّسَاء(1/454)
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59)
{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {تَخْلُقُونَهُ} نسماً فِي الْأَرْحَام ذكرا أَو أُنْثَى شقياً أَو سعيداً {أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ} بل نَحن الْخَالِقُونَ لَا أَنْتُم(1/454)
نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60)
{نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْت} سوينا بَيْنكُم بِالْمَوْتِ تموتون كلكُمْ وَيُقَال قسمنا بَيْنكُم الْآجَال إِلَى الْمَوْت فمنكم(1/454)
من يعِيش مائَة سنة أَو ثَمَانِينَ سنة أَو خمسين سنة أَو أقل أَو أَكثر من ذَلِك {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} بعاجزين(1/455)
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61)
{على أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ} نهلككم ونأتي بغيركم خيرا مِنْكُم وأطوع لله {وَنُنشِئَكُمْ} نخلقكم يَوْم الْقِيَامَة {فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ} فِي صُورَة لَا تعرفُون سود الْوُجُوه زرق الْأَعْين وَيُقَال فِي صُورَة القردة والخنازير وَيُقَال نجْعَل أرواحكم فِيمَا لَا تعلمُونَ فِيمَا لَا تصدقُونَ وَهِي النَّار(1/455)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62)
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ} يَا أهل مَكَّة {النشأة الأولى} الْخلق الأول فِي بطُون الْأُمَّهَات وَيُقَال خلق آدم {فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ} فَهَلا تتعظون بالخلق الأول فتؤمنوا بالخلق الآخر(1/455)
أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63)
{أَفَرَأَيْتُم مَا تَحْرُثُونَ} تبذرون من الْحُبُوب(1/455)
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)
{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {تَزْرَعُونَهُ} تنبتونه {أَمْ نَحْنُ الزارعون} المنبتون(1/455)
لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)
{لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ} يَعْنِي الزَّرْع {حُطَاماً} يَابسا بعد خضرته {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} فصرتم تعْجبُونَ من يبوسته وهلاكه وتقولون(1/455)
إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66)
{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ} معذبون بِهَلَاك زروعنا(1/455)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67)
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} حرمنا مَنْفَعَة زروعنا وَيُقَال محاربون(1/455)
أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68)
{أَفَرَأَيْتُمُ المآء} العذب {الَّذِي تَشْرَبُونَ} وتسقون دوابكم وجناتكم(1/455)
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69)
{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {أَنزَلْتُمُوهُ} المَاء العذب {مِنَ المزن} من السَّحَاب عَلَيْكُم {أَمْ نَحْنُ المنزلون} بل نَحن المنزلون عَلَيْكُم لَا أَنْتُم(1/455)
لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)
{لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ} يَعْنِي المَاء العذب {أُجَاجاً} مراماً لحاً زعاقاً {فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ} فَلَا تشكرون عذوبته فتؤمنوا بِهِ(1/455)
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71)
{أَفَرَأَيْتُمُ النَّار الَّتِي تُورُونَ} تقدحون عَن كل عود غير الْعنَّاب وَهُوَ الشّجر الْأَحْمَر(1/455)
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72)
{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {أَنشَأْتُمْ} خلقْتُمْ {شَجَرَتَهَآ} شَجَرَة النَّار {أَمْ نَحْنُ المنشئون} الْخَالِقُونَ(1/455)
نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)
{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا} هَذِه النَّار {تَذْكِرَةً} عظة النَّار الْآخِرَة {وَمَتَاعاً} مَنْفَعَة لِّلْمُقْوِينَ الْمُسَافِرين فِي الأَرْض القواء وَهِي القفر الَّذين فني زادهم(1/455)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74)
{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيم} فصل باسم رَبك الْعَظِيم وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم(1/455)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75)
{فَلاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِمَوَاقِعِ النُّجُوم} بنزول الْقُرْآن على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نجوماً نجوماً وَلم ينزله جملَة وَاحِدَة(1/455)
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} لَو تصدقُونَ وَيُقَال فَلَا أقسم يَقُول أقسم بمواقع النُّجُوم بمساقط النُّجُوم عِنْد الْغَدَاة وَإنَّهُ وَالَّذِي ذكرت لقسم عَظِيم لَو تعلمُونَ لَو تصدقُونَ(1/455)
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77)
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} شرِيف حسن(1/455)
فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78)
{فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ} فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوب وَلِهَذَا كَانَ الْقسم(1/455)
لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)
{لاَّ يَمَسُّهُ} يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {إِلاَّ الْمُطهرُونَ} من الْأَحْدَاث والذنُوب فهم الْمَلَائِكَة وَيُقَال لَا يعْمل بِالْقُرْآنِ إِلَّا الموفقون(1/455)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80)
{تَنزِيلٌ} تكليم {مِّن رَّبِّ الْعَالمين} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/455)
أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81)
{أفبهذا الحَدِيث} أَي الْقُرْآن الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {مُّدْهِنُونَ} مكذبون أَنه لَيْسَ كَمَا قَالَ من الْجنَّة وَالنَّار والبعث والحساب(1/455)
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)
{وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} تَقولُونَ للمطر الَّذِي سقيتم {أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} تَقولُونَ سقينا بالنوء الْفُلَانِيّ(1/455)
فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83)
{فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ} الرّوح {الْحُلْقُوم} يَعْنِي نفس الْجَسَد إِلَى الْحُلْقُوم(1/455)
وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)
{وَأَنتُمْ} يَا أهل مَكَّة {حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} مَتى تخرج نَفسه(1/455)
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85)
{وَنحن أقرب إِلَيْهِ} ملك الْمَوْت وأعوانه أقرب إِلَى الْمَيِّت {مِنكُمْ} من أَهله {وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ} ملك الْمَوْت وأعوانه(1/455)
فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86)
{فَلَوْلاَ} فَهَلا {إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} غير ملومين وَغير مجازين ومحاسبين(1/455)
تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87)
{تَرْجِعُونَهَآ} روح الْجَسَد إِلَى الْجَسَد {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أَنكُمْ غير مدينين(1/455)
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88)
{فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المقربين} إِلَى جنَّة عدن(1/455)
فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89)
{فَرَوْحٌ} فراحة لَهُم فِي الْقَبْر وَيُقَال رَحْمَة إِن قَرَأت بِضَم الرَّاء {وَرَيْحَانٌ} إِذا خَرجُوا من الْقُبُور وَيُقَال رزق {وجنة نَعِيمٍ} يَوْم الْقِيَامَة لَا يفنى نعيمها(1/455)
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90)
{وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين} من أهل الْجنَّة فكلهم اصحاب الْيَمين(1/455)
فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91)
{فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمين} فسلام لَك وَأمن لَك من أهل الْجنَّة قد سلم الله أَمرهم ونجاهم وَيُقَال يسلم عَلَيْك أهل الْجنَّة(1/455)
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92)
{وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب {الضآلين} عَن الْإِيمَان(1/455)
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93)
{فَنُزُلٌ} فطعامهم من زقوم وشرابهم(1/455)
مِّنْ حَمِيمٍ مَاء حَار(1/456)
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)
{وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} دُخُولهمْ فِي النَّار(1/456)
إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)
{إِنَّ هَذَا} الَّذِي وَصفنَا لَهُم {لَهُوَ حَقُّ الْيَقِين} حَقًا يَقِينا كَائِنا(1/456)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)
{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ الْعَظِيم} فصل بِأَمْر رَبك الْعَظِيم وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم أعظم من كل شىء
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَدِيد وهى كلهَا مَكِّيَّة أَو مَدَنِيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها خَمْسمِائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وَأَرْبَعمِائَة وست وَسَبْعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/456)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره {سبح لله} يَقُول صل لله وَيُقَال ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من الْخلق {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره(1/456)
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)
{لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {يُحْيِي} للبعث {وَيُمِيتُ} فِي الدُّنْيَا {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْإِحْيَاء والإماتة {قدير}(1/456)
هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)
{هُوَ الأول} قبل كل شَيْء {وَالْآخر} بعد كل شَيْء {وَالظَّاهِر} على كل شَيْء {وَالْبَاطِن} بِكُل شَيْء {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} مَعْنَاهُ هُوَ الأول الْحَيّ الْقَدِيم الأزلي كَانَ قبل كل حَيّ أَحْيَاهُ الله وَالْآخر هُوَ الْحَيّ الباق الدَّائِم يكون بعد كل حَيّ أَمَاتَهُ وَالظَّاهِر الْغَالِب على كل شَيْء وَالْبَاطِن هُوَ الْعَالم بِكُل شَيْء وَيُقَال هُوَ الأول هُوَ الْقَدِيم بِلَا إقدام أحد وَالْآخر هُوَ الْبَاقِي بِلَا إبْقَاء أحد وَالظَّاهِر هُوَ الْغَالِب بِلَا إغلاب أحد وَالْبَاطِن هُوَ الْعَالم بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِن بِلَا إِعْلَام أحد وَيُقَال هُوَ الأول قبل كل أول بِلَا غَايَة الأولية وَالْآخر بعد كل آخر بِلَا غَايَة الآخرية وَيُقَال هُوَ الأول مؤول كل أول وَالْآخر مُؤخر كل آخر كَانَ قبل كل شَيْء خلقه وَيكون بعد كل شَيْء أفناه وَهُوَ الْحَيّ الْبَاقِي الدَّائِم بِلَا موت وَلَا فنَاء وَلَا زَوَال وَهُوَ بِكُل شَيْء من الأول وَالْآخر وَالظَّاهِر عليم(1/456)
هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)
{هُوَ الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّامٍ} من أَيَّام أول الدُّنْيَا طول كل يَوْم ألف سنة أول يَوْم مِنْهَا يَوْم الْأَحَد وَآخر يَوْم مِنْهَا يَوْم الْجُمُعَة {ثُمَّ اسْتَوَى} اسْتَقر وَيُقَال امْتَلَأَ {عَلَى الْعَرْش} وَكَانَ الله قبل أَن خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض على الْعَرْش بِلَا كَيفَ {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْض} مَا يدْخل فِي الأَرْض من الأمطار والكنوز والأموات {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} من الأَرْض من الْأَمْوَات والنبات والمياه والكنوز {وَمَا يَنزِلُ مِنَ السمآء} من الرزق والمطر وَالْمَلَائِكَة والمصائب {وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} وَمَا يصعد إِلَيْهَا من الْمَلَائِكَة والحفظة والأعمال {وَهُوَ مَعَكُمْ} عَالم بكم {أَيْنَ مَا كُنتُمْ} فِي بر أَو بَحر {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}(1/456)
لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5)
{لَهُ ملك السَّمَاوَات وَالْأَرْض} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {وَإِلَى الله تُرْجَعُ الْأُمُور} عواقب الْأُمُور فِي الْآخِرَة(1/456)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6)
{يُولِجُ} يدْخل وَيزِيد {اللَّيْل فِي النَّهَار وَيُولِجُ} يدْخل وَيزِيد {النَّهَار فِي اللَّيْل وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر(1/456)
آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7)
{آمِنُواْ بِاللَّه} يَا أهل مَكَّة {وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} مالكين عَلَيْهِ فِي سَبِيل الله {فَالَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ} يَا أهل مَكَّة {وأنفقوا} مَالهم فِي سَبِيل الله {لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فِي الْجنَّة بِالْإِيمَان وَالنَّفقَة(1/456)
وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)
{وَمَا لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {لاَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّه} لَا توحدون بِاللَّه {وَالرَّسُول} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَدْعُوكُمْ} إِلَى التَّوْحِيد {لِتُؤْمِنُواْ بِرَبِّكُمْ} لكَي توحدوا(1/456)
بربكم {وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ} إقراركم بِالتَّوْحِيدِ {إِن كُنتُم} إِذْ كُنْتُم {مُّؤْمِنِينَ} يَوْم الْمِيثَاق(1/457)
هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9)
{هُوَ الَّذِي ينزل على عَبده} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام {ليخرجكم} بِالْقُرْآنِ ودعوة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {من الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان وَيُقَال قد أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَإِنَّ الله بِكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {لرؤوف رَّحِيمٌ} حِين أخرجكم من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان(1/457)
وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)
{وَمَا لَكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَلاَّ تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مِيرَاث أهل السَّمَوَات وَأهل الأَرْض يَمُوت أَهلهَا وَيبقى هُوَ وَيرجع الْأَمر كُله إِلَيْهِ {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم} يَا معشر الْمُؤمنِينَ عِنْد الله فى الْفضل وَالطَّاعَة وَالثَّوَاب {مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْح} فتح مَكَّة {وَقَاتل} الْعَدو مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {أَعْظَمُ دَرَجَةً} فَضِيلَة ومنزلة عِنْد الله بِالطَّاعَةِ وَالثَّوَاب وَهُوَ أَبُو بكر الصّديق {مِّنَ الَّذين أَنفَقُواْ مِن بَعْدُ} من بعد فتح مَكَّة {وَقَاتَلُواْ} الْعَدو فِي سَبِيل الله مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وكلا} كلا لفريقين من أنْفق وَقَاتل من قبل الْفَتْح وَبعد الْفَتْح {وَعَدَ الله الْحسنى} الْجنَّة بِالْإِيمَان {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} بِمَا تنفقون {خَبِيرٌ}(1/457)
مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11)
{مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله} فِي الصَّدَقَة {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قلبه {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} يقبله ويضاعف لَهُ فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ من الْأَضْعَاف {وَلَهُ} عِنْده {أَجْرٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة نزلت هَذِه الْآيَة فِي أبي الدحداح(1/457)
يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تَرَى} يَا مُحَمَّد {الْمُؤمنِينَ} المصدقين {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات بِالْإِيمَان {يسْعَى نُورُهُم} يضيء نورهم {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} على الصِّرَاط {وَبِأَيْمَانِهِم} وشمائلهم {بُشْرَاكُمُ الْيَوْم} تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة على الصِّرَاط لكم الْيَوْم {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا {ذَلِك هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا(1/457)
يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13)
{يَوْم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة بعد مَا طفىء نور الْمُنَافِقين على الصِّرَاط {يَقُولُ المُنَافِقُونَ} من الرِّجَال {والمنافقات} من النِّسَاء {لِلَّذِينَ آمَنُواْ} للْمُؤْمِنين المخلصين على الصِّرَاط {انظرونا} ارقبونا وانتظرونا يَا معشر الْمُؤمنِينَ {نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} نستضيء بنوركم ونجوز بِهِ على الصِّرَاط مَعكُمْ {قِيلَ} يَقُول لَهُم الْمُؤْمِنُونَ وَيُقَال يَقُول لَهُم الْمَلَائِكَة وَيُقَال يَقُول الله لَهُم {ارْجعُوا وَرَآءَكُمْ} خلفكم إِلَى الدُّنْيَا وَيُقَال إِلَى الْموقف حَيْثُ أعطينا النُّور {فالتمسوا} فَاطْلُبُوا {نُوراً} وَهَذَا استهزاء من الله على الْمُنَافِقين وَيُقَال من الْمُؤمنِينَ على الْمُنَافِقين فيرجعون فِي طلب النُّور {فَضُرِبَ بَيْنَهُم} يَقُول بني بَينهم وَبَين الْمُؤمنِينَ {بِسُورٍ} بحائط {لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَة} الْجنَّة {وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَاب} من نَحوه النَّار(1/457)
يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (14)
{يُنَادُونَهُمْ} من وَرَاء السُّور {أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ} على دينكُمْ يَا معشر الْمُؤمنِينَ {قَالُواْ بلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ} أهلكتم أَنفسكُم بِكفْر السِّرّ والنفاق {وَتَرَبَّصْتُمْ} تركْتُم التَّوْبَة من الْكفْر والنفاق وَيُقَال انتظرتم موت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِظْهَار الْكفْر {وارتبتم} شَكَكْتُمْ بِاللَّه وبالكتاب وَالرَّسُول {وَغرَّتْكُمُ الْأَمَانِي} الأباطيل وَالتَّمَنِّي {حَتَّى جَآءَ أَمْرُ الله} وعد الله بِالْمَوْتِ على غير التَّوْبَة من الْكفْر والنفاق {وَغَرَّكُم بِاللَّه} عَن طَاعَة الله {الْغرُور} يَعْنِي الشَّيْطَان وَيُقَال أباطيل الدُّنْيَا إِن قَرَأت بِضَم الْغَيْن(1/457)
فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)
{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ} لَا يقبل مِنْكُم يَا معشر الْمُنَافِقين {فِدْيَةٌ} فدَاء {وَلَا من الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَلم يُؤمنُوا {مَأْوَاكُمُ النَّار} مصيركم النَّار {هِيَ مولاكم}(1/457)
أولى بكم النَّار {وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ النَّار قرناؤهم الشَّيَاطِين وجيرانهم الْكفَّار وطعامهم الزقوم وشرابهم الْحَمِيم ولباسهم مقطعات النيرَان وزوارهم الْحَيَّات والعقارب(1/458)
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
ثمَّ ذكر قُلُوبهم إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ {أَلَمْ يَأْنِ} ألم يحن وَقت {لِلَّذِينَ آمنُوا} بالعلانية {أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ} أَن تلين وتذل وتخلص قُلُوبهم {لِذِكْرِ الله} وعد الله ووعيده وَيُقَال لتوحيد الله {وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحق} من الْأَمر وَالنَّهْي والحلال وَالْحرَام فِي الْقُرْآن {وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ {من قبل} من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن فهم أهل التَّوْرَاة {فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمد} الْأَجَل {فَقَسَتْ} غشيت ويبست وجفت {قُلُوبُهُمْ} عَن الْإِيمَان وهم الَّذين خالفوا دين مُوسَى {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} من أهل التَّوْرَاة {فَاسِقُونَ} كافرون لَا يُؤمنُونَ بِاللَّه فِي علم الله(1/458)
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17)
{اعلموا أَنَّ الله يُحْيِي الأَرْض} بالمطر {بَعْدَ مَوْتِهَا} بعد قحطها ويبوستها كَذَلِك يحيي الله بالمطر الْمَوْتَى {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَات} إحْيَاء الْمَوْتَى {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لكَي تصدقوا بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت(1/458)
إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18)
{إِنَّ المصدقين} من الرِّجَال {والمصدقات} من النِّسَاء بِالْإِيمَان وَيُقَال المصدقين من الرِّجَال والمتصدقات من النِّسَاء {وَأَقْرَضُواْ الله} فِي الصَّدقَات {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قُلُوبهم {يُضَاعَفُ لَهُمْ} يقبل مِنْهُم ويضاعف لَهُم فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ الله من الْأَضْعَاف {وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} ثَوَاب حسن فِي الْجنَّة(1/458)
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)
{وَالَّذين آمَنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} من جَمِيع الْأُمَم {أُولَئِكَ هُمُ الصديقون} فِي إِيمَانهم {والشهدآء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ} ثوابهم {وَنُورُهُمْ} على الصِّرَاط وَيُقَال وَالشُّهَدَاء مفصول من الْكَلَام الأول وهم الْأَنْبِيَاء الَّذين يشْهدُونَ على قَومهمْ بالتبليغ وَيُقَال هم الشُّهَدَاء للأنبياء على قَومهمْ وَيُقَال هم الشُّهَدَاء الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله لَهُم أجرهم ثوابهم ثَوَاب النَّبِيين بتبليغ الرسَالَة ونورهم على الصِّرَاط يَمْشُونَ بِهِ {وَالَّذين كفرُوا وكذبوا بآياتنآ} بِالْكتاب وَالرَّسُول {أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجَحِيم} أهل النَّار(1/458)
اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)
{اعلموا أَنَّمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا} مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا {لَعِبٌ} فَرح {وَلَهْوٌ} بَاطِل {وَزِينَةٌ} منظر {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ} فِي الْحسب وَالنّسب {وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَال وَالْأَوْلَاد} يذهب وَلَا يبْقى {كَمَثَلِ غَيْثٍ} مطر {أَعْجَبَ الْكفَّار} الزراع {نَبَاتُهُ} نَبَات الْمَطَر {ثُمَّ يَهِيجُ} يتَغَيَّر بعد خضرته {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} بعد خضرته {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} يَابسا بعد صفرته كَذَلِك الدُّنْيَا لَا تبقى كَمَا لَا يبْقى هَذَا النَّبَات {وَفِي الْآخِرَة عَذَابٌ شَدِيدٌ} لمن ترك طَاعَة الله وَمنع حق الله {وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ الله وَرِضْوَانٌ} فِي الْآخِرَة لمن أطَاع الله وَأدّى حق الله من مَاله {وَمَا الْحَيَاة الدنيآ} مَا فِي بَقَائِهَا وفنائها {إِلاَّ مَتَاعُ الْغرُور} كمتاع الْبَيْت من الْقدر والقصعة والسكرجة ثمَّ قَالَ لجَمِيع الْخلق(1/458)
سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)
{سابقوا} بِالتَّوْبَةِ من ذنوبكم {إِلَى مَغْفِرَةٍ} إِلَى تجَاوز {مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} وَإِلَى جنَّة بِالْعَمَلِ الصَّالح {عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء وَالْأَرْض} لَو وصلت بَعْضهَا إِلَى بعض {أُعِدَّتْ} خلقت وهيئت {لِلَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّه وَرُسُلِهِ} من جَمِيع الْأُمَم {ذَلِكَ} الْمَغْفِرَة والرضوان وَالْجنَّة {فَضْلُ الله} من الله {يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} بِالْجنَّةِ(1/458)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْض} من الْقَحْط والجدوبة وَغَلَاء السّعر وتتابع الْجُوع {وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ} من الْأَمْرَاض والأوجاع والبلايا وَمَوْت الْأَهْل وَالْولد وَذَهَاب المَال {إِلاَّ فِي كِتَابٍ} يَقُول مَكْتُوب عَلَيْكُم فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} أَن نخلقها تِلْكَ الْأَنْفس وَالْأَرْض {إِنَّ ذَلِك} حفظ ذَلِك {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين من غير كتاب وَلَكِن كتب(1/458)
لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)
{لكَي لَا تأسوا}(1/458)
لَا تحزنوا {على مَا فَاتَكُمْ} من الرزق والعافية فتقولوا لم يكْتب لنا {وَلاَ تَفْرَحُواْ} لَا تبطروا {بِمَآ آتَاكُمْ} بِمَا أَعْطَاكُم فتقولوا هُوَ أَعْطَانَا {وَالله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} فِي مشيته {فَخُورٍ} بنعم الله وَيُقَال مختال فِي الْكفْر فخور فِي الشّرك وهم الْيَهُود(1/459)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)
{الَّذين يَبْخلُونَ} يكتمون صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {وَيَأْمُرُونَ النَّاس بالبخل} فِي التَّوْرَاة بكتمان صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته {وَمَن يَتَوَلَّ} عَن الْإِيمَان {فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ} عَن الْإِيمَان {الحميد} لمن وحدوه وَيُقَال الْمَحْمُود فِي فعاله يشْكر الْيَسِير وَيجْزِي الجزيل(1/459)
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكتاب} وأنزلنا عَلَيْهِم جِبْرِيل بِالْكتاب {وَالْمِيزَان} بَينا فِيهِ الْعدْل {لِيَقُومَ} ليَأْخُذ {النَّاس بِالْقِسْطِ} بِالْعَدْلِ {وَأَنزْلْنَا الْحَدِيد} خلقنَا الْحَدِيد {فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} قُوَّة شَدِيدَة لَا تلينه إِلَّا النَّار وَيُقَال فِيهِ بَأْس شَدِيد الْحَرْب والقتال {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} لأمتعتهم مثل السكاكين والفأس والمبرد وَغير ذَلِك {وَلِيَعْلَمَ الله} لكَي يرى الله {مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ} بِهَذِهِ الأسلحة {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بنصرة أوليائه {عَزِيزٌ} بنقمة أعدائه(1/459)
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً} إِلَى قومه بعد آدم بثمانمائة سنة فَلبث فِي قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَلم يُؤمنُوا فأهلكهم الله بالطوفان {وَإِبْرَاهِيمَ} وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيم إِلَى قومه بعد نوح بِأَلف ومائتي عَام واثنتين وَأَرْبَعين سنة {وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا} فِي نسلهما نسل نوح وَإِبْرَاهِيم {النُّبُوَّة وَالْكتاب} وَكَانَ فيهم الْأَنْبِيَاء وَفِيهِمْ الْكتاب {فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ} مُؤمن بِالْكتاب وَالرَّسُول {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} كافرون بِالْكتاب وَالرَّسُول(1/459)
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (27)
{ثُمَّ قَفَّيْنَا على آثَارِهِم} أتبعنا وأردفنا بعد نوح وَإِبْرَاهِيم فِي ذريتهما {بِرُسُلِنَا} بَعضهم على أثر بعض {وَقَفَّيْنَا على آثَارهم} اتَّبعنَا وأردفنا بعد هَؤُلَاءِ الرُّسُل غير مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِعِيسَى ابْن مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ} أعطيناه {الْإِنْجِيل وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذين اتَّبعُوهُ} اتبعُوا دين عِيسَى {رَأْفَةً} رقة وتعطفاً يعْطف بَعضهم على بعض {وَرَحْمَةً} يرحم بَعضهم بَعْضًا {وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها} أعدُّوا لَهَا الصوامع والديور ليترهبوا فِيهَا وينجوا من فتْنَة بولس الْيَهُودِيّ {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} مَا فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية {إِلاَّ ابتغآء رِضْوَانِ الله} إِلَّا طلب رضَا الله وَيُقَال ابتدعوها إِلَّا ابْتِغَاء رضوَان الله مَا كتبناها عَلَيْهِم مَا فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية وَلَو فَرضنَا عَلَيْهِم الرهبانية {فَمَا رَعَوْهَا} فَمَا حفظوا الرهبانية {حَقَّ رِعَايَتِهَا} حق حفظهَا {فَآتَيْنَا} فأعطينا {الَّذين آمَنُواْ مِنْهُمْ} من الرهبان {أَجْرَهُمْ} ثوابهم مرَّتَيْنِ بِالْإِيمَان وَالْعِبَادَة وهم الَّذين لم يخالفوا دين عِيسَى بن مَرْيَم وَبَقِي مِنْهُم أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ رجلا فِي أهل الْيمن جَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وآمنوا بِهِ ودخلوا فِي دينه {وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ} من الرهبان {فَاسِقُونَ} كافرون وهم الَّذين خالفوا دين عِيسَى(1/459)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ اتَّقوا الله} اخشوا الله {وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ} اثبتوا على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله {يُؤْتِكُمْ} يعطكم {كِفْلَيْنِ} ضعفين {مِن رَّحْمَتِهِ} من ثَوَابه وكرامته {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} بَين النَّاس وعَلى الصِّرَاط {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} ذنوبكم فِي الْجَاهِلِيَّة {وَالله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/459)
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29)
{لِّئَلاَّ يَعْلَمَ} لكَي يعلم {أَهْلُ الْكتاب} عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه {أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّن فَضْلِ الله} من ثَوَاب الله {وَأَنَّ الْفضل} الثَّوَاب والكرامة {بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} ذُو الْمَنّ {الْعَظِيم} على الْمُؤمنِينَ بالثواب والكرامة نزلت من قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن سَلام حَيْثُ افتخر على أبي بن كَعْب وَأَصْحَابه بِأَن لنا أَجْرَيْنِ وَلكم أجر وَاحِد(1/459)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المجادلة وهى كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله {مَا يكون من نجوى ثَلَاثَة إِلَّا هُوَ رابعهم} فانها مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وكلماتها أَرْبَعمِائَة وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ وحروفها ألف وَتِسْعمِائَة وَاثْنَانِ وَتسْعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/460)
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قَدْ سَمِعَ الله} يَقُول قد سمع الله قبل أَن أخْبرك يَا مُحَمَّد {قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} تخاصمك وتكلمك {فِي زَوْجِهَا} فِي شَأْن زَوجهَا {وتشتكي إِلَى الله} تتضرع إِلَى الله تَعَالَى لتبيان أمرهَا {وَالله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ} محاورتكما ومراجعتكما {إِنَّ الله سَمِيعٌ} لمقالتها {بَصِيرٌ} بأمرها وَذَلِكَ أَن خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن مَالك ابْن الدخشم الْأَنْصَارِيَّة كَانَت تَحت أَوْس بن الصَّامِت الْأنْصَارِيّ وَكَانَ بِهِ لمَم أَي مس من الْجِنّ فَأَرَادَ أَن يَأْتِيهَا على حَال لَا تُؤْتى عَلَيْهَا النِّسَاء فَأَبت عَلَيْهِ فَغَضب وَقَالَ إِن خرجت من الْبَيْت قبل أَن أفعل بك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي(1/460)
الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (2)
{الَّذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ} وَهُوَ أَن يَقُول الرجل لامْرَأَته أَنْت عليَّ كَظهر أُمِّي {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} كأمهاتهم {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} مَا أمهاتهم فِي الْحُرْمَة {إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ} أَو أرضعنهم {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً} قبيحاً {مِّنَ القَوْل} فِي الظِّهَار {وَزُوراً} كذبا {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ} متجاوز إِذْ لم يُعَاقِبهُ بِتَحْرِيم مَا أحل الله لَهُ {غَفُورٌ} بعد تَوْبَته وندامته(1/460)
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
ثمَّ بَين كَفَّارَة الظِّهَار فَقَالَ {وَالَّذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} يحرمُونَ على أنفسهم مناكحة نِسَائِهِم {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} يرجعُونَ إِلَى تَحْلِيل مَا حرمُوا على أنفسهم من المناكحة {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فَعَلَيهِ تَحْرِير رَقَبَة {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} يجامعا {ذَلِكُم} التَّحْرِير {تُوعَظُونَ بِهِ} تؤمرون بِهِ لكفارة الظِّهَار {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} فِي الظِّهَار من الْكَفَّارَة وَغَيرهَا {خَبِيرٌ}(1/460)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)
{فَمَن لَّمْ يَجِدْ} التَّحْرِير {فَصِيَامُ} فصوم {شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} متصلين {مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} يجامعا {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ} الصّيام من ضعفه {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} لكل مِسْكين نصف صَاع من حِنْطَة أَو صَاع من شعير أَو تمر {ذَلِك} الَّذِي بيّنت من كَفَّارَة الظِّهَار {لِتُؤْمِنُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} لكَي تقروا بفرائض الله وَسنة رَسُوله {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه فِي الظِّهَار {وَلِلْكَافِرِينَ} بحدود الله {عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم نزل من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا فِي خَوْلَة بنت ثَعْلَبَة بن مَالك الْأَنْصَارِيَّة وَزوجهَا أَوْس بن الصَّامِت أخي عبَادَة بن الصَّامِت غضب عَلَيْهَا فِي بعض شَيْء من أمرهَا فَلم تفعل فَجَعلهَا على نَفسه كَظهر أمه فندم على ذَلِك فَبين الله لَهُ كَفَّارَة الظِّهَار وَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعتق رَقَبَة فَقَالَ المَال قَلِيل والرقبة غَالِيَة فَقَالَ صم شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَقَالَ لَا أَسْتَطِيع وَإِنِّي إِن لم آكل فِي الْيَوْم مرّة ومرتين كل بَصرِي وَخفت أَن أَمُوت فَقَالَ لَهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَقَالَ لَا أجد فَأمر النبى من التَّمْر وَأمره أَن يَدْفَعهُ للْمَسَاكِين فَقَالَ لَا أعلم أحدا بَين لابتي الْمَدِينَة أحْوج إِلَيْهِ مني فَأمره بِأَكْلِهِ وَأطْعم سِتِّينَ مِسْكينا فَرجع إِلَى تَحْلِيل مَا حرم على نَفسه أَعَانَهُ على ذَلِك النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرجل آخر(1/460)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (5)
{إِنَّ الَّذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ} يخالفون الله وَرَسُوله فِي الدّين ويعادونه {كُبِتُواْ} عذبُوا وأخزوا يَوْم الخَنْدَق بِالْقَتْلِ والهزيمة وهم أهل مَكَّة {كَمَا كُبِتَ} عذب وأخزى {الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} يَعْنِي الَّذين قَاتلُوا الْأَنْبِيَاء قبل أهل مَكَّة {وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} جِبْرِيل بآيَات مبينات بِالْأَمر والنهى(1/460)
والحلال وَالْحرَام {وَلِلْكَافِرِينَ} بآيَات الله {عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ وَيُقَال عَذَاب شَدِيد(1/461)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (6)
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً} جَمِيع أهل الْأَدْيَان {فَيُنَبِّئُهُمْ} ويخبرهم {بِمَا عمِلُوا} فِي الدُّنْيَا (أَحْصَاهُ الله) حفظ الله عَلَيْهِم أَعْمَالهم {وَنَسُوهُ} تركُوا طَاعَة الله الَّتِي أَمرهم الله بهَا {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {شَهِيدٌ}(1/461)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تخبر فِي الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {مَا يَكُونُ مِن نجوى} تناجى {ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} إِلَّا الله عَالم بهم وبأعمالهم وبمناجاتهم {وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ} إِلَّا الله عَالم بهم وبمناجاتهم {وَلاَ أدنى مِن ذَلِك} وَلَا أقل من ذَلِك {وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} عَالم بهم وبمناجاتهم {أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم} يُخْبِرهُمْ {بِمَا عَمِلُواْ} فِي الدُّنْيَا {يَوْمَ الْقِيَامَة إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم ومناجاتهم {عَلِيمٌ} نزلت هَذِه الْآيَة فِي صَفْوَان بن أُميَّة وَخَتنه وقصتهم مَذْكُورَة فِي سُورَة حم السَّجْدَة(1/461)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (8)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين نُهُواْ عَنِ النَّجْوَى} دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} من النَّجْوَى دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {وَيَتَنَاجَوْنَ} فِيمَا بَينهم {بالإثم} بِالْكَذِبِ {والعدوان} وَالظُّلم {ومعصية الرَّسُول} بمخالفة الرَّسُول بعد مَا نَهَاهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وهم المُنَافِقُونَ كَانُوا يتناجون فِيمَا بَينهم مَعَ الْيَهُود فِي خبر سَرَايَا الْمُؤمنِينَ لكَي يحزن بذلك الْمُؤْمِنُونَ {وَإِذا جاؤوك} يَعْنِي الْيَهُود {حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله} سلمُوا عَلَيْك سَلاما لم يُسلمهُ الله عَلَيْك وَلم يَأْمُرك بِهِ وَكَانُوا يجيئون إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَيَقُولُونَ} السام عَلَيْك فَيرد عَلَيْهِم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْكُم السام وَكَانَ السام بلغتهم الْمَوْت وَيَقُولُونَ {فِي أَنفُسِهِمْ} فِيمَا بَينهم {لَوْلاَ} هلا {يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ} لنَبيه لَو كَانَ نَبيا كَمَا يزْعم لَكَانَ دعاؤه مستجاباً علينا حَيْثُ نقُول السام عَلَيْك فَيرد علينا عَلَيْكُم السام فَأنْزل الله فيهم {حَسْبُهُمْ} مصيرهم مصير الْيَهُود فِي الْآخِرَة {جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا {فَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ النَّار(1/461)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (9)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِذَا تَنَاجَيْتُمْ} فِيمَا بَيْنكُم {فَلاَ تَتَنَاجَوْاْ بالإثم} بِالْكَذِبِ {والعدوان} بالظلم {ومعصية الرَّسُول} بِخِلَاف أَمر الرَّسُول كمناجاة الْمُنَافِقين مَعَ الْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {وَتَنَاجَوْاْ بِالْبرِّ} بأَدَاء فَرَائض الله وإحسان بَعْضكُم إِلَى بعض {وَالتَّقوى} ترك الْمعاصِي والجفاء {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِي أَن تتناجوا دون الْمُؤمنِينَ المخلصين {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فِي الْآخِرَة(1/461)
إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)
{إِنَّمَا النَّجْوَى} نجوى الْمُنَافِقين مَعَ الْيَهُود دون الْمُؤمنِينَ {مِنَ الشَّيْطَان} من طَاعَة الشَّيْطَان وبأمر الشَّيْطَان {ليحزن الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ} بضار الْمُؤمنِينَ مُنَاجَاة الْمُنَافِقين {شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ الله} بِإِرَادَة الله {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله لَا على غَيره(1/461)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (11)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ} إِذا قَالَ لكم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {تَفَسَّحُواْ} توسعوا {فِي الْمجَالِس فافسحوا} وَسعوا {يَفْسَحِ الله} يُوسع الله {لَكُمْ} فِي الْآخِرَة فِي الْجنَّة نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن ثَابت بن قيس بن شماس وقصته فِي سُورَة الحجرات وَيُقَال نزلت فِي نفر من أهل بدر مِنْهُم ثَابت بن قيس ابْن شماس جَاءُوا إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ النَّبِي جَالِسا فِي صفة صَفِيَّة يَوْم الْجُمُعَة فَلم يَجدوا مَكَانا يَجْلِسُونَ فِيهِ فَقَامُوا على رَأس الْمجْلس فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن لم يكن من أهل بدر يَا فلَان قُم وَيَا فلَان قُم من مَكَانك ليجلس فِيهِ من كَانَ من أهل بدر وَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكرم أهل بدر فَعرف النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَرَاهِيَة لمن أَقَامَهُ من الْمجْلس فَأنْزل الله فيهم هَذِه الْآيَة {وَإِذَا قِيلَ انشزوا} ارتفعوا فى الصَّلَاة وَالْجهَاد وَالذكر(1/461)
{فَانشُزُواْ} فَارْتَفعُوا {يَرْفَعِ الله الَّذين آمَنُواْ مِنكُمْ} فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة فِي الدَّرَجَات {وَالَّذين أُوتُواْ الْعلم} أعْطوا الْعلم مَعَ الْإِيمَان {دَرَجَاتٍ} فَضَائِل فِي الْجنَّة فَوق دَرَجَات الَّذين أُوتُوا الْإِيمَان بِغَيْر علم إِذْ الْمُؤمن الْعَالم أفضل من الْمُؤمن الَّذِي لَيْسَ بعالم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِير}(1/462)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِذَا نَاجَيْتُمُ} إِذا كلمتم {الرَّسُول فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} نزلت هَذِه الْآيَة فى أهل الميسرة مِنْهُم من كَانُوا يكثرون الْمُنَاجَاة مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دون الْفُقَرَاء حَتَّى تأذى بذلك النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والفقراء فنهاهم الله عَن ذَلِك وَأمرهمْ بِالصَّدَقَةِ قبل أَن يتناجوا مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِكُل كلمة أَن يتصدقوا بدرهم على الْفُقَرَاء فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن إِذا نَاجَيْتُم إِذا كلمتم الرَّسُول مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقدموا بَين يَدي نَجوَاكُمْ صَدَقَة قبل أَن تكلمُوا نَبِيكُم تصدقوا بِكُل كلمة درهما {ذَلِك} الصَّدَقَة {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْإِمْسَاك {وَأَطْهَرُ} لقلوبكم من الذُّنُوب وَيُقَال لقلوب الْفُقَرَاء من الخشونة {فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ} الصَّدَقَة يَا أهل الْفقر فتكلموا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا شِئْتُم بِغَيْر التَّصَدُّق {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز لذنوبكم {رَّحِيمٌ} لمن تَابَ مِنْكُم فَانْتَهوا عَن الْمُنَاجَاة لقبل الصَّدَقَة فَلَامَهُمْ الله بذلك فَقَالَ(1/462)
أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)
{أَأَشْفَقْتُم} أبخلتم يَا أهل الميسرة {أَن تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} أَن تصدقوا قبل أَن تكلمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْفُقَرَاء {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ} إِن لم تعطوا الصَّدَقَة {وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ} تجَاوز الله عَنْكُم أَمر الصَّدَقَة {فأقيموا الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس {وَآتوا الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {وَأَطِيعُواْ الله} فِيمَا أَمركُم {وَرَسُولَهُ} فِيمَا يَأْمُركُمْ {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر فَلم يتَصَدَّق مِنْهُم أحد غير عَليّ بن أبي طَالب تصدق بِدِينَار بَاعه بِعشْرَة دَرَاهِم بِعشر كَلِمَات سَأَلَهُنَّ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/462)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
ثمَّ نزل فِي شَأْن عبد الله بن أَبى وَأَصْحَابه بولايتهم مَعَ الْيَهُود فَقَالَ {أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين تَوَلَّوْاْ} فِي العون والنصرة {قَوْماً} يَعْنِي الْيَهُود {غَضِبَ الله عَلَيْهِم} سخط الله عَلَيْهِم {مَّا هُم} يَعْنِي الْمُنَافِقين {مِّنكُمْ} فِي السِّرّ فَيجب لَهُم مَا يجب لكم {وَلاَ مِنْهُمْ} يَعْنِي الْيَهُود فِي الْعَلَانِيَة فَيجب عَلَيْهِم مَا يجب على الْيَهُود {وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِب} بِالْكَذِبِ بِأَنا مُؤمنُونَ مصدقون بإيماننا {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أَنهم كاذبون فِي حلفهم(1/462)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)
{أعد الله لَهُم} لِلْمُنَافِقين عبد الله ابْن أبي وَأَصْحَابه {عَذَاباً شَدِيداً} فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئْسَمَا كَانُوا يصنعون فِي نفاقهم(1/462)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)
{اتَّخذُوا أَيْمَانَهُمْ} حلفهم بِاللَّه الكاذبة {جُنَّةً} من الْقَتْل {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} صرفُوا النَّاس عَن دين الله وطاعته فِي السِّرّ {فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} يهانون بِهِ فِي الْآخِرَة(1/462)
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17)
{لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ} كَثْرَة أَمْوَالهم أَمْوَال الْمُنَافِقين وَالْيَهُود {وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} كَثْرَة أَوْلَادهم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً أُولَئِكَ} المُنَافِقُونَ وَالْيَهُود {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} دائمون فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا(1/462)
يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18)
{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً} يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {فَيَحْلِفُونَ لَهُ} بَين يَدي الله مَا كُنَّا كَافِرين وَلَا منافقين {كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ} فِي الدُّنْيَا {وَيَحْسَبُونَ} يظنون {أَنَّهُمْ على شَيْءٍ} من الدّين {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ} عِنْد الله فِي حلفهم(1/462)
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19)
{استحوذ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَان} غلب عَلَيْهِم الشَّيْطَان فَأَمرهمْ بِطَاعَتِهِ فأطاعوه {فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ الله} حَتَّى تركُوا ذكر الله طَاعَة الله فِي السِّرّ {أُولَئِكَ} يَعْنِي الْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {حِزْبُ الشَّيْطَانِ} جند الشَّيْطَان {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ} جند الشَّيْطَان {هُمُ الخَاسِرُونَ} المغبونون بذهاب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة(1/462)
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20)
{إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ} يخالفون {الله وَرَسُولَهُ}(1/462)
فِي الدّين {أُولَئِكَ فِي الأذلين} مَعَ الأسفلين فِي النَّار يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود(1/463)
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)
{كَتَبَ الله} قضى الله {لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على فَارس وَالروم وَالْيَهُود وَالْمُنَافِقِينَ {إِنَّ الله قَوِيٌّ} بنصرة أنبيائه {عَزِيزٌ} بنقمة أعدائه نزلت هَذِه الْآيَة فِي عبد الله بن أبي بن سلول حَيْثُ قَالَ للْمُؤْمِنين المخلصين أتظنون أَن يكون لكم فتح فَارس وَالروم(1/463)
لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)
ثمَّ نزلت فِي حَاطِب بن أبي بلتعة رجل من أهل الْيمن الَّذِي كتب كتابا إِلَى أهل مَكَّة بسر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ {لاَّ تَجِدُ} يَا مُحَمَّد {قَوْماً} يَعْنِي حَاطِبًا {يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {يُوَآدُّونَ} يناصحون ويوافقون فِي الدّين {مَنْ حَآدَّ الله} من خَالف الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين يَعْنِي أهل مَكَّة {وَلَوْ كَانُوا آبَآءَهُمْ} فِي النّسَب {أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ} فِي النّسَب {أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أَو قَومهمْ أَو قرابتهم {أُولَئِكَ} يَعْنِي حَاطِبًا وَأَصْحَابه {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ} جعل فى قُلُوبهم تَصْدِيق {الْأَيْمَان} وَحب الْإِيمَان {وَأَيَّدَهُمْ} أعانهم {بِرُوحٍ مِّنْهُ} برحمة مِنْهُ وَيُقَال أعانهم بعون مِنْهُ {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون {رَضِيَ الله عَنْهُمْ} بإيمَانهمْ وأعمالهم وتوبتهم {وَرَضُواْ عَنْهُ} بالثواب والكرامة من الله {أُولَئِكَ} يَعْنِي حَاطِبًا وَأَصْحَابه {حِزْبُ الله} جند الله {أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله} جند الله {هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب وهم الَّذين أدركوا ووجدوا مَا طلبُوا ونجوا من شَرّ مَا مِنْهُ هربوا وَكَانَ حَاطِب بن أبي بلتعة بَدْرِيًّا وقصته فى سُورَة الممتحنة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَشْر وهى كلهَا مَكِّيَّة أَو مَدَنِيَّة آياتها أَربع وَعِشْرُونَ وكلماتها سَبْعمِائة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسَبْعمائة وَاثنا عشر حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/463)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سبح لله} يَقُول صلى الله وَيَقُول ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق {وَهُوَ الْعَزِيز} فِي ملكه وسلطانه {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره(1/463)
هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2)
{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} يَعْنِي بني النَّضِير {مِن دِيَارِهِمْ} من مَنَازِلهمْ وحصونهم {لأَوَّلِ الْحَشْر} لأَنهم أول من حشر وَأخرج من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام إِلَى أريحاء وَأَذْرعَات بعد مَا نقضوا عهودهم مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد وقْعَة أحد {مَا ظَنَنتُمْ} مَا رجوتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن يَخْرُجُواْ} يَعْنِي بني النَّضِير من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام {وظنوا} يَعْنِي بني النَّضِير {أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم} أَن حصونهم تمنعهم {مِّنَ الله} من عَذَاب الله {فَأَتَاهُمُ الله} عذبهم الله وأخزاهم وأذلهم بقتل كَعْب بن الْأَشْرَف {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ} لم يَظُنُّوا أَو لم يخَافُوا أَن ينزل بهم مَا نزل بهم من قتل كَعْب بن الْأَشْرَف {وَقَذَفَ} جعل {فِي قُلُوبِهِمُ الرعب} الْخَوْف من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه وَكَانُوا لَا يخَافُونَ قبل ذَلِك {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ} يهدمون بعض بُيُوتهم {بِأَيْدِيهِمْ} ويرمون بهَا إِلَى الْمُؤمنِينَ {وَأَيْدِي الْمُؤمنِينَ} ويتركون بعض بُيُوتهم على الْمُؤمنِينَ حَتَّى هدموا ورموا بهَا إِلَيْهِم {فاعتبروا يَا أولي الْأَبْصَار} فِي الدّين وَيُقَال بالبصر بِمَا فعل الله بهم من الاجلاء(1/463)
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)
{وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله} قضى الله {عَلَيْهِمُ} على بني النَّضِير {الْجلاء} الْخُرُوج من الْمَدِينَة إِلَى الشَّام {لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا}(1/463)
بِالْقَتْلِ {وَلَهُمْ فِي الْآخِرَة عَذَابُ النَّار} أَشد من الْقَتْل(1/464)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4)
{ذَلِك} الْجلاء وَالْعَذَاب {بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله} خالفوا الله {وَرَسُولَهُ} فِي الدّين {وَمَن يُشَآقِّ الله} يُخَالف الله فِي الدّين ويعاده {فَإِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة(1/464)
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)
وَأمر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه بِقطع نخيلهم بعد مَا حَاصَرَهُمْ غير الْعَجْوَة فَإِنَّهُ لم يَأْمُرهُم بقطعها فَلَامَهُمْ بذلك بَنو النَّضِير فَقَالَ الله {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ} غير الْعَجْوَة {أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا} فَلم تقطعوها يَعْنِي الْعَجْوَة {فَبِإِذْنِ الله} فبأمر الله الْقطع وَالتّرْك {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقين} لكَي يذل الْكَافرين يَعْنِي يهود بني النَّضِير بِمَا قطعْتُمْ من نخيلهم(1/464)
وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6)
{وَمَآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ} مَا فتح الله لرَسُوله {مِنْهُمْ} من بني النَّضِير فَهُوَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة دونكم {فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ} فَمَا أجريتم إِلَيْهِ {مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} إبل وَلَكِن مشيتم إِلَيْهِ مشياً لِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبا إِلَى الْمَدِينَة {وَلَكِن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {على مَن يَشَآءُ} يَعْنِي بني النَّضِير {وَالله على كُلِّ شَيْءٍ} من النُّصْرَة وَالْغنيمَة {قَدِيرٌ}(1/464)
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
{مَّآ أَفَآءَ الله على رَسُولِهِ} مَا فتح الله لرَسُوله {مِنْ أَهْلِ الْقرى} قرى عرينة وَقُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر {فَلِلَّهِ} خَاصَّة دونكم {وَلِلرَّسُولِ} وَأمر الرَّسُول فِيهَا جَائِز فَجعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فدك وخيبر وَقفا لله على الْمَسَاكِين فَكَانَ فِي يَده فِي حَيَاته وَكَانَ فِي يَد أَبى بكر بعد موت النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ كَانَ فِي يَد عمر وَعُثْمَان وَعلي بن أبي طَالب على مَا كَانَ فِي يَد النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَكَذَا الْيَوْم وَقسم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غنيمَة قُرَيْظَة وَالنضير على فُقَرَاء الْمُهَاجِرين أَعْطَاهُم على قدر احتياجهم وعيالهم {وَلِذِي الْقُرْبَى} وَأعْطى بعضه لفقراء بني عبد الْمطلب {واليتامى} وَأعْطى بعضه لِلْيَتَامَى غير يتامى بني عبد الْمطلب {وَالْمَسَاكِين} وَأعْطى بعضه للْمَسَاكِين غير مَسَاكِين بني عبد الْمطلب {وَابْن السَّبِيل} الضَّيْف النَّازِل ومار الطَّرِيق {كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً} قسْمَة {بَيْنَ الأغنيآء مِنكُمْ} بَين الأقوياء مِنْكُم {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُول} من الْغَنِيمَة {فَخُذُوهُ} فاقبلوه وَيُقَال مَا أَمركُم الرسولفاعملوا بِهِ {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهوا وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم {إِنَّ الله شَدِيدُ الْعقَاب} إِذا عاقب وَذَلِكَ لأَنهم قَالُوا للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خُذ نصيبك من الْغَنِيمَة وَدعنَا وَإِيَّاهَا فَقَالَ الله لَهُم هَذِه الْغَنَائِم يَعْنِي سَبْعَة من الْحِيطَان من بني النَّضِير(1/464)
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8)
{لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ} لأَنهم {الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ} مَكَّة {وَأَمْوَالِهِمْ} أخرجهم أهل مَكَّة وَكَانُوا نَحْو مائَة رجل {يَبْتَغُونَ فَضْلاً} يطْلبُونَ ثَوابًا {مِّنَ الله وَرِضْوَاناً} مرضاة رَبهم بِالْجِهَادِ {وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ} بِالْجِهَادِ {أُولَئِكَ هُمُ الصادقون} المصدقون بإيمَانهمْ وجهادهم(1/464)
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)
فَقَالَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للْأَنْصَار هَذِه الْغَنَائِم والحيطان للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرين خَاصَّة دونكم إِن شِئْتُم قسمتم أَمْوَالكُم ودياركم للمهاجرين وَأقسم لكم من الْغَنَائِم وَإِن شِئْتُم لكم أَمْوَالكُم ودياركم وَأقسم الْغَنِيمَة بَين فُقَرَاء الْمُهَاجِرين فَقَالُوا يَا رَسُول الله نقسمهم أَمْوَالنَا ومنازلنا وَنُؤْثِرهُمْ على أَنْفُسنَا بِالْغَنِيمَةِ فَأثْنى الله عَلَيْهِم فَقَالَ {وَالَّذين تبوؤوا الدَّار} وطنوا دَار الْهِجْرَة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {وَالْإِيمَان مِن قَبْلِهِمْ} وَكَانُوا مُؤمنين من قبل مَجِيء الْمُهَاجِرين إِلَيْهِم {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِم} إِلَى الْمَدِينَة من أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ} فِي قُلُوبهم {حَاجَةً} حسداً وَيُقَال حزازة {مِّمَّآ أُوتُواْ} مِمَّا أعْطوا من الْغَنَائِم دونهم {وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ} بِأَمْوَالِهِمْ ومنازلهم {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} فقر وحاجة {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} من دفع عَنهُ بخل نَفسه {فَأُولَئِك هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب(1/464)
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)
{وَالَّذين جاؤوا مِن بَعْدِهِمْ} من بعد الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِر لَنَا} ذنوبنا {وَلإِخْوَانِنَا الَّذين سَبَقُونَا بِالْإِيمَان}(1/464)
وَالْهجْرَة {وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا} بغضا وحسداً {لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} من الْمُهَاجِرين {رَبَّنَآ إِنَّكَ رؤوف رَّحِيمٌ} خَافُوا على أنفسهم أَن يَقع فِي قُلُوبهم الْحَسَد لقبل مَا أعْطى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُهَاجِرين الْأَوَّلين دونهم فدعوا بِهَذِهِ الدَّعْوَات(1/465)
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)
{أَلَمْ تَرَ} ألم تنظر يَا مُحَمَّد {إِلَى الَّذين نَافَقُواْ} فِي دينهم وهم قوم من الْأَوْس تكلمُوا بِالْإِيمَان عَلَانيَة وأسروا النِّفَاق {يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ} فِي السِّرّ {الَّذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكتاب} يَعْنِي بني قُرَيْظَة قَالُوا لَهُم بعد مَا حَاصَرَهُمْ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثبتوا فِي حصونكم على دينكُمْ {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} من الْمَدِينَة كَمَا أخرج بَنو النَّضِير {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً} لَا نعين عَلَيْكُم أحدا من أهل الْمَدِينَة {وَإِن قوتلتم} وَإِن قاتلكم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {لَنَنصُرَنَّكُمْ} عَلَيْهِم {وَالله يَشْهَدُ} يعلم {إِنَّهُمْ} يَعْنِي الْمُنَافِقين {لَكَاذِبُونَ} فِي مقالتهم(1/465)
لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (12)
{لَئِنْ أُخْرِجُواْ} من الْمَدِينَة يَعْنِي بني قُرَيْظَة {لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} المُنَافِقُونَ {وَلَئِن قُوتِلُواْ} قَاتلهم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَا ينصرونهم} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلَئِن نصروهم} على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَيُوَلُّنَّ الأدبار} منهزمين {ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} لَا يمْنَعُونَ مِمَّا نزل بهم(1/465)
لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)
ثمَّ قَالَ للْمُؤْمِنين {لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ الله} يَقُول خوف الْمُنَافِقين وَالْيَهُود من سيف مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه أَشد من خوفهم من الله {ذَلِك} الْخَوْف {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أَمر الله وتوحيد الله(1/465)
لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)
{لَا يقاتلونكم} يعْنى بنى قُرَيْظَة وَالنضير {جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} فِي مَدَائِن وقصور حَصِينَة {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ} أَو بَيْنكُم وَبينهمْ حَائِط {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} يَقُول قِتَالهمْ فِيمَا بَينهم شَدِيد إِذا قَاتلُوا قَومهمْ لَا مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {تَحْسَبُهُمْ} يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْمُنَافِقين وَالْيَهُود من بني قُرَيْظَة وَالنضير {جَمِيعاً} على أَمر وَاحِد {وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} مُخْتَلفَة {ذَلِك} الْخلاف والخيانة {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} أَمر الله وتوحيده(1/465)
كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15)
{كَمَثَلِ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} يَقُول مثل بني قُرَيْظَة فِي نقض الْعَهْد والعقوبة كَمثل الَّذين من قبلهم من قبل بنى قُرَيْظَة {قَرِيباً} بِسنتَيْنِ {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} عُقُوبَة أَمرهم بِنَقْض الْعَهْد وهم بَنو النَّضِير {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة(1/465)
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)
{كَمَثَلِ الشَّيْطَان} يَقُول مثل الْمُنَافِقين مَعَ بني قُرَيْظَة حَيْثُ خذلوهم كَمثل الشَّيْطَان مَعَ الراهب {إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ} الراهب برصيصا {اكفر} بِاللَّه {فَلَمَّا كفر} بِاللَّه خذله {قَالَ إِنِّي بَرِيء مِّنكَ} وَمن دينك {إِنِّي أَخَافُ الله رَبَّ الْعَالمين}(1/465)
فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17)
{فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ} عَاقِبَة الشَّيْطَان والراهب {أَنَّهُمَا فِي النَّار خَالِدِينَ فِيهَا} مقيمين فِي النَّار {وَذَلِكَ} الخلود فِي النَّار {جَزَآءُ الظَّالِمين} عُقُوبَة الْكَافرين(1/465)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {اتَّقوا الله} خَشوا الله {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ} كل نفس برة أَو فاجرة {مَا قدمت لغد} مَا عملت ليَوْم الْقِيَامَة فَإِنَّمَا تَجِد يَوْم الْقِيَامَة مَا عملت فِي الدُّنْيَا إِن كَانَ خيرا فَخير وَإِن كَانَ شرا فشر {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا تَعْمَلُونَ {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر(1/465)
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)
{وَلاَ تَكُونُواْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ فِي الْمعْصِيَة {كَالَّذِين نَسُواْ الله} تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ وهم المُنَافِقُونَ وَيُقَال تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة وهم الْيَهُود {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} فخذلهم الله حَتَّى تركُوا طَاعَة الله {أُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} الْكَافِرُونَ بِاللَّه فى السِّرّ بعنى الْمُنَافِقين وَإِن فسرت على الْيَهُود يُقَال هم الْكَافِرُونَ بِاللَّه فى السِّرّ وَالْعَلَانِيَة(1/465)
لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
{لَا يَسْتَوِي} فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب {أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {وَأَصْحَابُ الْجنَّة} أهل الْجنَّة {أَصْحَابُ الْجنَّة هُمُ الفآئزون} فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار(1/465)
لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)
{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآن} الَّذِي يَقْرَؤُهُ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {على جَبَلٍ} أَصمّ رَأسه فِي السَّمَاء وعرقه فِي الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى {لَّرَأَيْتَهُ}(1/465)
ذَلِك الْجَبَل بقوته {خَاشِعاً} خاضعاً مستكيناً مِمَّا فِي الْقُرْآن من الْوَعْد والوعيد {مُّتَصَدِّعاً} متكسراً متفشخاً متشققاً {مِّنْ خَشْيَةِ الله} من خوف الله {وَتِلْكَ} هَذِه {الْأَمْثَال نَضْرِبُهَا} نبينها {لِلنَّاسِ} فِي الْقُرْآن {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} لكَي يتفكروا فِي أَمْثَال الْقُرْآن(1/466)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22)
{هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ {هُوَ الرَّحْمَن} العاطف على الْعباد الْبر والفاجر بالرزق لَهُم {الرَّحِيم} خَاصَّة على الْمُؤمنِينَ بالمغفرة وَدخُول الْجنَّة(1/466)
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
{هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ الْملك} الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول ملكه {القدوس} الطَّاهِر بِلَا ولد وَلَا شريك {السَّلَام} سلم خلقه من زِيَادَة عَذَابه على مَا يجب عَلَيْهِم بفعلهم {الْمُؤمن} يَقُول أَمن خلقه من ظلم نَفسه وَيُقَال السَّلَام سلم أولياءه من عَذَابه الْمُؤمن يَقُول هُوَ آمن على أَعمال الْعباد وآمن على مقدوره أى مَقْدُور الله فِي خلقه {الْمُهَيْمِن} الشَّهِيد {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن {الْجَبَّار} الْغَالِب على عباده {المتكبر} على أعدائه يُقَال المتبرىء عَمَّا تخيلوه {سُبْحَانَ الله} نزه نَفسه {عَمَّا يُشْرِكُونَ} بِهِ من الْأَوْثَان(1/466)
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)
{هُوَ الله الْخَالِق} للنطف فِي أصلاب الْآبَاء {البارئ} المحول من حَال إِلَى حَال {المصور} مَا فِي الْأَرْحَام ذكرا أَو أُنْثَى شقياً أَو سعيدا وَيُقَال البارىء الْجَاعِل الرّوح فِي النَّسمَة {لَهُ الأسمآء الْحسنى} الصِّفَات العلى الْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر وَغير ذَلِك فَادعوهُ بهَا {يُسَبِّحُ لَهُ} يُصَلِّي لَهُ وَيُقَال يذكرهُ {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من كل شَيْء حَيّ {وَهُوَ الْعَزِيز} المنيع بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الممتحنة وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاثَة عشر وكلماتها ثلثمِائة وثمان وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَخَمْسمِائة وَعشرَة أحرف
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/466)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي حَاطِبًا {لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي} فِي الدّين {وَعَدُوَّكُمْ} فِي الْقَتْل يَعْنِي كفار مَكَّة {أَوْلِيَآءَ} فِي العون والنصرة {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} توجهون إِلَيْهِم الْكتاب بالعون والنصرة {وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُمْ} يَعْنِي حَاطِبًا {مِّنَ الْحق} من الْكتاب وَالرَّسُول {يُخْرِجُونَ الرَّسُول} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة {وَإِيَّاكُمْ} وَإِيَّاك يَا حَاطِب {أَن تُؤْمِنُواْ} لقبل إيمَانكُمْ {بِاللَّه رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {خَرَجْتُمْ جِهَاداً} إِن كنت يَا حَاطِب خرجت من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة للْجِهَاد {فِي سَبِيلِي} فِي طَاعَتي {وابتغآء مَرْضَاتِي} طلب رضائي {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة} لَا تسروا إِلَيْهِم الْكتاب بالعون والنصرة {وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ} يَعْنِي بِمَا أخفيت يَا حَاطِب من الْكتاب وَيُقَال من التَّصْدِيق {وَمَآ أَعْلَنتُمْ} يَقُول وَمَا أعلنت يَا حَاطِب من الْعذر وَيُقَال من التَّوْحِيد {وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ مثل مَا فعل حَاطِب {فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيل} فقد ترك قصد طَرِيق الْهدى(1/466)
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (2)
{إِن يَثْقَفُوكُمْ} إِن يغلب عَلَيْكُم أهل مَكَّة {يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً} يتَبَيَّن لكم أَنهم أَعدَاء لكم فِي الْقَتْل {ويبسطوا إِلَيْكُمْ} يمدوا إِلَيْكُم {أَيْديهم} بِالضَّرْبِ {وألسنتهم بالسوء} بالشتم والطعن {وَوَدُّواْ} تمنوا كفار مَكَّة {لَوْ تَكْفُرُونَ} أَن تكفرُوا بِاللَّه بعد إيمَانكُمْ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وهجرتكم إِلَى رَسُول الله(1/466)
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)
{لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ} بِمَكَّة إِن كَفرْتُمْ بِاللَّه {وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة} من عَذَاب الله {يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} يفرق بَيْنكُم وَبَين الْمُؤمنِينَ يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال يقْضِي بَيْنكُم على هَذَا {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}(1/466)
قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ} قد كَانَت لَك(1/466)
يَا حَاطِب {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} اقْتِدَاء صَالح {فِي إِبْرَاهِيمَ} فِي قَول إِبْرَاهِيم {وَالَّذين مَعَهُ} وَفِي قَول الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ {إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ} لقرابتهم الْكفَّار {إِنَّا بُرَآء مِّنْكُمْ} من قرابتكم ودينكم {وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الْأَوْثَان {كَفَرْنَا بِكُمْ} تبرأنا مِنْكُم وَمن دينكُمْ {وَبَدَا} ظهر {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَة} بِالْقَتْلِ وَالضَّرْب {والبغضآء} فِي الْقلب {أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُواْ بِاللَّه وَحْدَهُ} حَتَّى تقروا بوحدانية الله {إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ} غير قَول إِبْرَاهِيم {لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} لِأَنَّهُ كَانَ عَن موعدة وعدها إِيَّاه فَلَمَّا مَاتَ على الْكفْر تَبرأ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ {وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله} من عَذَاب الله {مِن شَيْءٍ} ثمَّ علمهمْ كَيفَ يَقُولُونَ فَقَالَ قُولُوا {رَّبَّنَا} يَا رَبنَا {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا} وثقنا {وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا} أَقبلنَا إِلَى طَاعَتك {وَإِلَيْكَ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة(1/467)
رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)
{رَبَّنَا} قُولُوا يَا رَبنَا {لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً} بلية {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة يَقُولُونَ لَا تسلطهم علينا فيظنوا أَنهم على الْحق وَنحن على الْبَاطِل فتزيدهم بذلك جَرَاءَة علينا {واغفر لَنَا} ذنوبنا {رَبَّنَآ} يَا رَبنَا {إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بك {الْحَكِيم} بالنصرة لمن آمن بك(1/467)
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (6)
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ} لقد كَانَ لَك يَا حَاطِب {فِيهِمْ} فِي قَول إِبْرَاهِيم وَفِي قَول الَّذين مَعَه من الْمُؤمنِينَ {أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} اقْتِدَاء صَالح {لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله} يخَاف الله {وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت فَهَلا قلت يَا حَاطِب مثل مَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَمن آمن بِهِ {وَمَن يَتَوَلَّ} يعرض عَمَّا أمره الله {فَإِنَّ الله هُوَ الْغَنِيّ} عَنهُ وَعَن خلقه {الحميد} لمن وَحده وَيُقَال الحميد يشْكر الْيَسِير من أَعْمَالهم وَيجْزِي الجزيل من ثَوَابه(1/467)
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (7)
{عَسَى الله} عَسى من الله وَاجِب {أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذين عَادَيْتُم} خالفتم فِي الدّين {مِّنْهُم} من أهل مَكَّة {مَّوَدَّةً} صلَة وتزويجا فَتزَوج النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام فتح مَكَّة أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان فَهَذَا كَانَ صلَة بَينهم وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالله قَدِيرٌ} بِظُهُور نبيه على كفار قُرَيْش {وَالله غَفُورٌ} متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم من الْكفْر وآمن بِاللَّه {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ مِنْهُم على الْإِيمَان وَالتَّوْبَة(1/467)
لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
{لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذين} عَن صلَة ونصرة الَّذين {لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ} مَكَّة وَلم يعينوا أحدا على إخراجكم من مَكَّة {أَن تَبَرُّوهُمْ} أَن تصلوهم وتنصروهم {وتقسطوا إِلَيْهِمْ} تعدلوا بَينهم بوفاء الْعَهْد {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} العادلين بوفاء الْعَهْد وهم خُزَاعَة قوم هِلَال ابْن عُوَيْمِر وَخُزَيْمَة وَبَنُو مُدْلِج صَالحُوا النَّبِي قبل عَام الْحُدَيْبِيَة على أَلا يقاتلوه وَلَا يخرجوه من مَكَّة وَلَا يعينوا أحدا على إِخْرَاجه فَلذَلِك لم ينْه الله عَن صلتهم(1/467)
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذين} عَن صلَة الَّذين {قَاتَلُوكُمْ فِي الدّين} وهم أهل مَكَّة {وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ} من مَكَّة {وَظَاهَرُواْ} عاونوا {على إِخْرَاجِكُمْ} من مَكَّة {أَن تَوَلَّوْهُمْ} أَن تصلوهم {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ} فِي العون والنصرة {فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ} الضارون لأَنْفُسِهِمْ(1/467)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ الْمُؤْمِنَات} المقرات بِاللَّه {مُهَاجِرَاتٍ} من مَكَّة إِلَى الْحُدَيْبِيَة أَو إِلَى الْمَدِينَة {فامتحنوهن} فاسئلوهن واستحلفوهن لماذا جئتن {الله أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} بمستقر قلوبهن على الْإِيمَان {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} بالامتحان {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ} لَا تردوهن {إِلَى الْكفَّار} إِلَى أَزوَاجهنَّ الْكفَّار {لاَ هُنَّ} يَعْنِي الْمُؤْمِنَات {حِلٌّ لَّهُمْ} لِأَزْوَاجِهِنَّ الْكفَّار {وَلاَ هُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {يَحِلُّونَ لَهُنَّ} للمؤمنات يَقُول لَا تحل مُؤمنَة لكَافِر وَلَا كَافِرَة لمُؤْمِن {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} أعْطوا أَزوَاجهنَّ مَا أَنْفقُوا عَلَيْهِنَّ من الْمهْر نزلت هَذِه الْآيَة فِي سبيعة بنت الْحَرْث الأسْلَمِيَّة جَاءَت إِلَى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة مسلمة وَجَاء زَوجهَا مُسَافر فِي طلبَهَا فَأعْطى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزَوجهَا مهرهَا وَكَانَ قد صَالح النبى(1/467)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أهل مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة قبل هَذِه الْآيَة على أَن من دخل منا فِي دينكُمْ فَهُوَ لكم وَمن دخل فى ديننَا فَهُوَ رد إِلَيْكُم وَأَيّمَا امْرَأَة دخلت منا فى دينكُمْ فهى لكم وتؤدون مهرهَا إِلَى زَوجهَا وَأَيّمَا امْرَأَة مِنْكُم دخلت فِي ديننَا فيؤدى مهرهَا إِلَى زَوجهَا فَلذَلِك أعْطى النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهر سبيعة لزَوجهَا مُسَافر {وَلاَ جُنَاحَ} لَا حرج {عَلَيْكُمْ} يَا معشر الْمُؤمنِينَ {أَن تَنكِحُوهُنَّ} أَن تتزوجوهن يَعْنِي اللَّاتِي دخلن فِي دينكُمْ من الْكفَّار {إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ} أعطيتموهن {أُجُورَهُنَّ} مهورهن يَقُول أَيّمَا امْرَأَة أسلمت وَزوجهَا كَافِر فقد انْقَطع مَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا من عصمَة وَلَا عدَّة عَلَيْهَا من زَوجهَا الْكَافِر وَجَاز لَهَا أَن تتَزَوَّج إِذا استبرأت {وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر} لَا تَأْخُذُوا بِعقد الكوافر يَقُول أَيّمَا امْرَأَة كفرت بِاللَّه فقد انْقَطع مَا بَينهَا وَبَين زَوجهَا الْمُؤمن من الْعِصْمَة وَلَا تَعْتَدوا بهَا من أزواجكم {واسألوا مَآ أَنفَقْتُمْ} يَقُول اطْلُبُوا من أهل مَكَّة مَا أنفقتم على أزواجكم إِن دخلن دينهم {وليسألوا} ليطلبوا مِنْكُم {مَا أَنْفقُوا} على أَزوَاجهم من الْمهْر إِن دخلن فِي دينكُمْ وعَلى هَذَا صَالحهمْ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يؤدوا بَعضهم إِلَى بعض مُهُور نِسَائِهِم إِن أسلمن أَو كفرن {ذَلِكُم حُكْمُ الله} فَرِيضَة الله {يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} وَبَين أهل مَكَّة {وَالله عَلِيمٌ} بصلاحكم {حَكِيمٌ} فِيمَا حكم بَيْنكُم وَهَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة بِالْإِجْمَاع إِلَى(1/468)
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)
{وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ} يَقُول إِن رجعت وَاحِدَة من أزواجكم {إِلَى الْكفَّار} لَيْسَ بَيْنكُم وَبينهمْ الْعَهْد والميثاق {فَعَاقَبْتُمْ} فغنمتم من الْعَدو {فَآتُواْ} فأعطوا {الَّذين ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ} رجعت أَزوَاجهم إِلَى الْكفَّار {مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ} عَلَيْهِنَّ من الْمهْر وَالْغنيمَة قبل الْخمس {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله فِيمَا أَمركُم {الَّذِي أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} مصدقون وَجَمِيع من ارْتَدَّت من نسَاء الْمُؤمنِينَ سِتّ نسْوَة مِنْهُنَّ امْرَأَتَانِ من نسَاء عمر بن الْخطاب أم سَلمَة وَأم كُلْثُوم بنت جَرْوَل وَأم الحكم بنت أبي سُفْيَان كَانَت تَحت عباد بن شَدَّاد الفِهري وَفَاطِمَة بنت أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة وَبرْوَع بنت عقبَة كَانَت تَحت شماس بن عُثْمَان من بنى مَخْزُوم وَعَبدَة بنت عبد الْعُزَّى ابْن نَضْلَة وَزوجهَا عَمْرو بن عبدود وَهِنْد بنت أَبى جهل ابْن هِشَام كَانَت تَحت هَاشم بن الْعَاصِ بن وَائِل السهمى فَأَعْطَاهُمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مهر نِسَائِهِم من الْغَنِيمَة(1/468)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12)
{يَا أَيهَا النَّبِي} يَعْنِي مُحَمَّدًا {إِذَا جَآءَكَ الْمُؤْمِنَات} نسَاء أهل مَكَّة بعد فتح مَكَّة {يُبَايِعْنَكَ} يشارطنك {على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئاً} من الْأَصْنَام وَلَا يستحللن ذَلِك {وَلاَ يَسْرِقْنَ} وَلَا يستحللن {وَلاَ يَزْنِينَ} وَلَا يستحللن الزِّنَا {وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ} وَلَا يدْفن بناتهن أَحيَاء وَلَا يستحللن ذَلِك {وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ} وَلَا يجئن بِولد من الزِّنَا {يَفْتَرِينَهُ} على الزَّوْج ويضعنه {بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} لتقول لزَوجهَا هُوَ مِنْك وَأَنا وَلدته {وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} فِي جَمِيع مَا تأمرهن وتنهاهن من ترك النوح وجز الشّعْر وتمزيق الثِّيَاب وخمش الْوُجُوه وشق الْجُيُوب وَحلق الرُّءُوس وَأَن لَا يخلون مَعَ غَرِيب وَأَن لَا يسافرن سفر ثَلَاثَة ايام أَو أقل من ذَلِك مَعَ غير ذِي محرم مِنْهُنَّ {فَبَايِعْهُنَّ} على هَذَا فشارطهن على هَذَا {واستغفر لَهُنَّ الله} فِيمَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة {إِنَّ الله غَفُورٌ} متجاوز بعد فتح مَكَّة بِمَا كَانَ مِنْهُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّة {رَّحِيمٌ} بِمَا يكون مِنْهُنَّ فِي الْإِسْلَام(1/468)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} يَعْنِي عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لَا تَتَوَلَّوْا} فى العون والنصرة وإفشاء سر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ} سخط الله عَلَيْهِم مرَّتَيْنِ وهم الْيَهُود حِين قَالُوا يَد الله مغلولة وَمرَّة أُخْرَى بتكذيبهم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الْآخِرَة} من نعيم الْجنَّة {كَمَا يَئِسَ الْكفَّار} كفار مَكَّة {مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور} من رُجُوع أهل الْمَقَابِر وَيُقَال من سُؤال مُنكر وَنَكِير وَيُقَال لَا تَتَوَلَّوْا قوما غضب الله عَلَيْهِم وَلَكِن كونُوا مِمَّن سبح الله وَصلى(1/468)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الصَّفّ وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها أَربع عشرَة وكلماتها مِائَتَان وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعمائَة وَسِتَّة وَعِشْرُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/469)
سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سَبَّحَ لِلَّهِ} يَقُول صلى لله وَيُقَال ذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره(1/469)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} لم تتكلمون بِمَا لَا تَعْمَلُونَ بِهِ وَذَلِكَ أَنهم قَالُوا لَو نعلم يَا رَسُول الله أَي عمل أحب إِلَى الله لفعلناه فدلهم الله على ذَلِك وَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا هَل أدلكم على تِجَارَة تنجيكم فِي الْآخِرَة من عَذَاب أَلِيم وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبكُمْ فَمَكَثُوا بعد ذَلِك مَا شَاءَ الله وَلم يبين لَهُم مَا هِيَ فَقَالُوا ليتنا نعلم مَا هِيَ لنبذل فِيهَا أَمْوَالنَا وأنفسنا وأهلينا فَبين الله تَعَالَى لَهُم فَقَالَ تؤمنون بِاللَّه وَرَسُوله تستقيمون على إيمَانكُمْ بِاللَّه وَرَسُوله وتجاهدون فِي سَبِيل الله فِي طَاعَة الله بأموالكم وَأَنْفُسكُمْ الْآيَة فابتلوا بذلك يَوْم أحد فَفرُّوا من النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَامَهُمْ على ذَلِك فَقَالَ يأيها الَّذين آمنُوا لم تَقولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ لم تَعدونَ مَالا توفون وتتكلمون بِمَا لَا تَعْمَلُونَ(1/469)
كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)
{كَبُرَ مَقْتاً} عظم بغضاً {عِندَ الله أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ} أَن تعدوا بِمَا لَا توفون وتتكلموا بِمَا لَا تَعْمَلُونَ(1/469)
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)
ثمَّ حرضهم على الْجِهَاد فِي سَبيله فَقَالَ {إِنَّ الله يُحِبُّ الَّذين يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ} فِي طَاعَته {صَفّاً} فِي الْقِتَال {كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} ملتزق قد رص بعضه إِلَى بعض(1/469)
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5)
{وَ} اذكر يَا مُحَمَّد {إِذْ قَالَ} قد قَالَ {مُوسَى لِقَوْمِهِ} الْمُنَافِقين {يَا قوم لِمَ تُؤْذُونَنِي} بِمَا تَقولُونَ عَليّ وَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّه آدر وَقد بَين قصَّته فِي سُورَة الْأَحْزَاب {وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغوا} مالوا عَن الْحق وَالْهدى {أزاغ الله} أمال الله {قُلُوبَهُمْ} عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال فَلَمَّا زاغوا كذبُوا مُوسَى أزاغ الله صرف الله قُلُوبهم عَن التَّوْحِيد وَيُقَال فَلَمَّا زاغوا مالوا عَن الْحق وَالْهدى أزاغ الله قُلُوبهم زَاد الله زيغ قُلُوبهم {وَالله لاَ يهدي} لَا يرشد إِلَّا دينه {الْقَوْم الْفَاسِقين} الْكَافرين من كَانَ فِي علم الله أَنه لَا يُؤمن(1/469)
وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)
{وَإِذ قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَم يَا بني إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً} مُوَافقا بِالتَّوْحِيدِ وَبَعض الشَّرَائِع {لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة} لما قبلي من التَّوْرَاة {وَمُبَشِّراً} وجئتكم مبشراً أبشركم {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمه أَحْمَدُ} يُسمى أَحْمد الَّذِي لَا يذم وَمُحَمّد الذى يحمد {فَلَمَّا جَاءَهُم} عِيسَى وَيُقَال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعجائب الَّتِي أَرَاهُم {قَالُواْ هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} بَين السحر وَالْكذب(1/469)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)
{وَمَنْ أَظْلَمُ} فِي كفره {مِمَّنِ افترى} اختلق {عَلَى الله الْكَذِب} فَجعل لَهُ ولدا وصاحبة {وَهُوَ يدعى إِلَى الْإِسْلَام} إِلَى التَّوْحِيد وهم الْيَهُود دعاهم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى التَّوْحِيد {وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين} لَا يرشد إِلَى دينه الْيَهُود من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت يَهُودِيّا(1/469)
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8)
{يُرِيدُونَ} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى {لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} ليبطلوا دين الله وَيُقَال كتاب الله(1/469)
الْقُرْآن {بِأَفْوَاهِهِمْ} بألسنتهم وكذبهم {وَالله مُتِمُّ نُورِهِ} مظهر نور كِتَابه وَدينه {وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وَإِن كره الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومشركو الْعَرَب أَن يكون ذَلِك(1/470)
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)
{هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله} مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بِالْهدى} بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال بِالْقُرْآنِ {وَدِينِ الْحق} شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّين كُلِّهِ} على الْأَدْيَان كلهَا فَلَا تقوم السَّاعَة حَتَّى لَا يبْقى أحد إِلَّا دخل فِي الْإِسْلَام أَو أدّى إِلَيْهِم الْجِزْيَة {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْركُونَ} وَإِن كره الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومشركو الْعَرَب أَن يكون ذَلِك(1/470)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10)
{يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ} وَقد بَينهم فِي أول السُّورَة {هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع فِي الْآخِرَة باللظى(1/470)
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11)
{تُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَرَسُولِهِ} تصدقُونَ بإيمانكم بِاللَّه وَرَسُوله إِن فسرت على الْمُنَافِقين {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ} بِنَفَقَة أَمْوَالكُم وَخُرُوج أَنفسكُم {ذَلِكُم} الْجِهَاد {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْأَمْوَال {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تصدقُونَ بِثَوَاب الله(1/470)
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)
{يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} بِالْجِهَادِ وَالنَّفقَة فِي سَبِيل الله {وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً} حَلَالا لكم وَيُقَال طَاهِرَة وَيُقَال حَسَنَة جميلَة وَيُقَال طيبَة قد طيبها الله بالمسك وَالريحَان {فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ} فِي دَار الرَّحْمَن {ذَلِك} الَّذِي ذكرت {الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار(1/470)
وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)
{وَأُخْرَى} وتجارة أُخْرَى {تُحِبُّونَهَا} تتمنون وتشتهون أَن تكون لكم {نصر من الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كفار قُرَيْش {وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} عَاجل فتح مَكَّة {وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ} المخلصين بِالْجنَّةِ إِن كَانُوا كَذَلِك(1/470)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {كونُوا أنصار الله} لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على عدوه وَيُقَال أعوان الله على أعدائه {كَمَا قَالَ عِيسَى ابْن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ} لأصفيائه {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى الله} من أعواني مَعَ الله على أعدائه {قَالَ الحواريون} أصفياؤه {نَحْنُ أنصار الله} أعوانك مَعَ الله على أعدائه وَكَانُوا اثْنَي عشر رجلا أول من آمنُوا بِهِ ونصروه على أعدائه وَكَانُوا قصارين {فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ} جمَاعَة {مِّن بني إِسْرَائِيلَ} بِعِيسَى ابْن مَرْيَم {وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ} جمَاعَة بِعِيسَى ابْن مَرْيَم وهم الَّذين أضلهم بولس وَالَّذين لم يُؤمنُوا بِهِ {فَأَيَّدْنَا} أعنا وقوينا {الَّذين آمَنُواْ} بِعِيسَى ابْن مَرْيَم وهم الَّذين لم يخالفوا دين عِيسَى {على عَدُوِّهِمْ} الَّذين خالفوا دين عِيسَى {فَأَصْبَحُواْ} فصاروا {ظَاهِرِينَ} غَالِبين بِالْحجَّةِ على أعدائهم لصلاتهم لله وَيُقَال لأَنهم مِمَّن يسبح
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْجُمُعَة وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها مائَة وَثَمَانُونَ وحروفها سَبْعمِائة وَثَمَانِية وَأَرْبَعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/470)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} يَقُول يُصَلِّي لله وَيُقَال يذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {الْملك} الدَّائِم الَّذِي لَا يَزُول ملكه {القدوس} الطَّاهِر بِلَا ولد وَلَا شريك {الْعَزِيز} الْغَالِب فِي ملكه بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره(1/470)
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيين} فِي الْعَرَب {رَسُولا مِنْهُم} من نسبهم يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَتْلُو} يقْرَأ {عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {وَيُزَكِّيهِمْ} يطهرهم بِالتَّوْحِيدِ من الشّرك وَيُقَال بِالزَّكَاةِ وَالتَّوْبَة من الذُّنُوب أَي يَدعُوهُم إِلَى ذَلِك {وَيُعلمهُم الْكتاب}(1/470)
يَعْنِي الْقُرْآن {وَالْحكمَة} الْحَلَال وَالْحرَام وَيُقَال الْعلم ومواعظ الْقُرْآن {وَإِن كَانُواْ} وَقد كَانُوا يَعْنِي الْعَرَب {مِن قَبْلُ} من قبل مَجِيء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم بِالْقُرْآنِ {لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين(1/471)
وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)
{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} وَفِي الآخرين مِنْهُم من الْعَرَب وَيُقَال من الموَالِي {لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ} بالعرب الأول يَقُول لم يَكُونُوا بعد فسيكونون يَقُول بعث الله مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَسُولا إِلَى الْأَوَّلين والآخرين من الْعَرَب والموالي {وَهُوَ الْعَزِيز} المنيع بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ وبكتابه وبرسوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه أَمر أَن لَا يعبد غَيره(1/471)
ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)
{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من النُّبُوَّة وَالْكتاب والتوحيد {فَضْلُ الله} من الله {يُؤْتِيهِ} يُعْطِيهِ وَيكرم بِهِ {مَن يَشَآءُ} من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَالله ذُو الْفضل} الْمَنّ {الْعَظِيم} بِالْإِسْلَامِ والنبوة على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال بِالْإِسْلَامِ على الْمُؤمنِينَ وَيُقَال بالرسول وَالْكتاب على خلقه(1/471)
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5)
{مَثَلُ الَّذين} صفة الَّذين {حُمِّلُواْ التَّوْرَاة} أمروا أَن يعملوا بِمَا فِي التَّوْرَاة أَي أمروا أَن يظهروا صفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} لم يعملوا بِمَا أمروا فِيهَا أَي لم يظهروا مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته فِي التَّوْرَاة {كَمَثَلِ الْحمار} كشبه الْحمار {يَحْمِلُ أَسْفَاراً} كتبا لَا ينْتَفع بِحمْلِهِ كَذَلِك الْيَهُود لَا يَنْتَفِعُونَ بِالتَّوْرَاةِ كَمَا لَا ينْتَفع الْحمار بِمَا عَلَيْهِ من الْكتب {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْم} صفة الْقَوْم {الَّذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي الْيَهُود {وَالله لاَ يَهْدِي} لَا يرشد إِلَى دينه {الْقَوْم الظَّالِمين} الْيَهُود من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت على الْيَهُودِيَّة(1/471)
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (6)
{قل} يَا مُحَمَّد {يَا أَيهَا الَّذين هادوا} مالوا عَن الْإِسْلَام وتهودوا وهم بَنو يهوذا {إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ} أحباء لله {مِن دُونِ النَّاس} من دون مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه {فتمنوا الْمَوْت} فاسألوا الْمَوْت {إِن كُنْتُم صَادِقِينَ} أَنكُمْ أَوْلِيَاء لله من دون النَّاس(1/471)
وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7)
فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قُولُوا اللَّهُمَّ أمتنَا فوَاللَّه لَيْسَ مِنْكُم أحد يَقُول ذَلِك إِلَّا غص بريقه وَيَمُوت فكرهوا ذَلِك وَلم يسْأَلُوا الْمَوْت فَقَالَ الله {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً} لَا يسْأَلُون الْمَوْت يَعْنِي الْيَهُود أبدا {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ} بِمَا عملت أَيْديهم فِي الْيَهُودِيَّة {وَالله عَلِيمٌ بالظالمين} باليهود على أَنهم لَا يسْأَلُون الْمَوْت(1/471)
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّ الْمَوْت الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ} تكرهونه {فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ} نَازل بكم لَا محَالة {ثُمَّ تُرَدُّونَ} فِي الْآخِرَة {إِلَى عَالِمُ الْغَيْب} مَا غَابَ عَن الْعباد وَمَا يكون {وَالشَّهَادَة} مَا علمه الْعباد وَمَا كَانَ {فينبئكم} يُخْبِركُمْ {بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر(1/471)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ} إِذا دعيتم إِلَى الصَّلَاة بِالْأَذَانِ {مِن يَوْمِ الْجُمُعَة فَاسْعَوْا} فامضوا {إِلَى ذِكْرِ الله} إِلَى خطْبَة الإِمَام وَالصَّلَاة مَعَه {وَذَرُواْ البيع} اتْرُكُوا البيع بعد الْأَذَان {ذَلِكُم} الِاسْتِمَاع إِلَى خطْبَة الإِمَام وَالصَّلَاة {خَيْرٌ لَّكُمْ} من الْكسْب وَالتِّجَارَة {إِن كُنتُمْ} إِذْ كُنْتُم {تَعْلَمُونَ} تصدقُونَ بِثَوَاب الله(1/471)
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)
ثمَّ رخص لَهُم بعد مَا حرم عَلَيْهِم بقوله وذروا البيع فَقَالَ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة} إِذا فرغ الإِمَام من صَلَاة الْجُمُعَة {فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} فاخرجوا من الْمَسْجِد إِن شِئْتُم {وابتغوا مِن فَضْلِ الله} اطْلُبُوا من رزق الله إِن شِئْتُم فَهَذِهِ رخصَة بعد النَّهْي وَلها وَجه آخر يَقُول فَإِذا قضيت الصَّلَاة إِذا فرغ الإِمَام من صَلَاة الْجُمُعَة فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض فَتَفَرَّقُوا فِي الْمَسْجِد وابتغوا من فضل الله اطْلُبُوا مَا هُوَ أفضل لكم يَعْنِي على السِّرّ والتوحيد والزهد والتوكل {واذْكُرُوا الله} بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان {كَثِيراً} على كل حَال {لَعَلَّكُمْ تفلحون} لكَي تنجوا من السخط وَالْعَذَاب(1/471)
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)
{وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} دحْيَة بن خَليفَة الْكَلْبِيّ {أَوْ لَهْواً} أَو سمعُوا صَوت الطبل(1/471)
{انْفَضُّوا} تفَرقُوا وَخَرجُوا من الْمَسْجِد {إِلَيْهَا} غير ثَمَانِيَة رَهْط وَيُقَال غير اثْنَي عشر رجلا وَامْرَأَتَيْنِ لم يخرجُوا إِلَيْهَا {وَتَرَكُوكَ قَآئِماً} على الْمِنْبَر تخْطب {قُلْ} يَا مُحَمَّد لَهُم {مَا عِندَ الله} من الثَّوَاب {خَيْرٌ} لكم {مِّنَ اللَّهْو} من صَوت الطبل {وَمِنَ التِّجَارَة} تِجَارَة دحْيَة الْكَلْبِيّ يَقُول لَو ثبتمْ مَعَ نَبِيكُم حَتَّى صليتم الصَّلَاة ودعوتم ثمَّ خَرجْتُمْ لَكَانَ خيرا لكم بالثواب والكرامة عِنْد الله من الْخُرُوج {وَالله خَيْرُ الرازقين} أفضل المعطين أَي قل هَذِه الْمقَالة إِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المُنَافِقُونَ وهى كلهَا مَدَنِيَّة غير قَوْله {لَئِن رَجعْنَا} إِلَى آخر الْآيَة فانها نزلت عَلَيْهِ فى طرق بني المصطلق آياتها إِحْدَى عشرَة وكلماتها مائَة وَثَمَانُونَ وحروفها سَبْعمِائة وَسِتَّة وَسَبْعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/472)
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَآءَكَ المُنَافِقُونَ} يَقُول إِذا جَاءَك مُنَافِقُو أهل الْمَدِينَة عبد الله بن أبي ومعتب بن قُشَيْر وجد بن قيس وَكَانُوا بني عَم {قَالُواْ نَشْهَدُ} نحلف بِاللَّه {إِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لَرَسُولُ الله} نعلم ذَلِك وضميرنا على ذَلِك {وَالله يَعْلَمُ} يشْهد {إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} من غير شَهَادَة الْمُنَافِقين {وَالله يَشْهَدُ} يعلم {إِنَّ الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فِي حلفهم لَا يعلمُونَ ذَلِك وَضمير قُلُوبهم على غير ذَلِك(1/472)
اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)
{اتَّخذُوا أَيْمَانَهُمْ} حلفهم بِاللَّه {جُنَّةً} من الْقَتْل {فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} فصرفوا النَّاس عَن دين الله وطاعته فِي السِّرّ {إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} بئس مَا كَانُوا يصنعون فِي كفرهم ونفاقهم من الْمَكْر والخيانة وَصد النَّاس(1/472)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)
{ذَلِك} الَّذِي ذكرت من أَمر الْمُنَافِقين {بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ} بالعلانية {ثُمَّ كَفَرُوا} وثبتوا على الْكفْر فِي السِّرّ {فَطُبِعَ} فختم {على قُلُوبِهِمْ} عُقُوبَة لكفرهم ونفاقهم {فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} الْحق وَالْهدى(1/472)
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد عبد الله بن أبي وصاحبيه {تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} صور أجسامهم وَحسن منظرهم {وَإِن يَقُولُواْ} إِنَّا لنعلم أَنَّك لرَسُول الله {تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} تصدق قَوْلهم وتظن أَنهم صَادِقُونَ وَلَيْسوا بصادقين {كَأَنَّهُمْ} يَعْنِي كَأَن أجسامهم {خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ} إِلَى الْحَائِط يَقُول لَيْسَ فِي قُلُوبهم نور وَلَا خير كَمَا أَن الْخشب الْيَابِس لَيْسَ فِيهِ روح وَلَا رُطُوبَة {يَحْسَبُونَ كل صَيْحَة} كل صَوت فى الْمَدِينَة {عَلَيْهِمْ} من الْجُبْن {هُمُ الْعَدو فَاحْذَرْهُمْ} وَلَا تَأْمَنهُمْ {قَاتَلَهُمُ الله} لعنهم الله {أَنَّى يُؤْفَكُونَ} كَيفَ يكذبُون وَيُقَال كَيفَ يصرفون بِالْكَذِبِ(1/472)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5)
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} قَالَ لَهُم عَشَائِرهمْ بعد مَا افتضحوا {تَعَالَوْاْ} إِلَى رَسُول الله وتوبوا من الْكفْر والنفاق {يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لووا رؤوسهم} عكفوا وعطفوا وغطوا رؤوسهم {وَرَأَيْتَهُمْ} يَا مُحَمَّد {يَصُدُّونَ} يصرفون عَن الاسْتِغْفَار وَالتَّوْبَة والإتيان إِلَيْك {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} متعظمون عَن التَّوْبَة وَالِاسْتِغْفَار(1/472)
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)
{سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ} على الْمُنَافِقين {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ على مَا أَقَامُوا على ذَلِك {إِنَّ الله لاَ يَهْدِي} لَا يغْفر {الْقَوْم الْفَاسِقين} الْمُنَافِقين من كَانَ فِي علم الله أَنه يَمُوت على النِّفَاق(1/472)
هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7)
{هُمُ الَّذين يَقُولُونَ} قَالَ هَذَا عبد الله بن أبي خَاصَّة لأَصْحَابه فِي غَزْوَة تَبُوك {لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله} من ذَوي الْحَاجة والفقر {حَتَّى يَنفَضُّواْ} يتفرقوا من عِنْده ويلحقوا بعشائرهم(1/472)
{وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض} مَفَاتِيح خَزَائِن السَّمَوَات بالرزق الْمَطَر وَالْأَرْض النَّبَات {وَلَكِن الْمُنَافِقين} عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {لاَ يَفْقَهُونَ} أَن الله يرزقهم(1/473)
يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)
{يَقُولُونَ} قَالَ هَذَا أَيْضا عبد الله بن أبي خَاصَّة لأَصْحَابه فِي غَزْوَة تَبُوك {لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَة} من غزوتنا هَذِه {لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَز} الْقوي يعنون عبد الله بن أبي {مِنْهَا} من الْمَدِينَة {الْأَذَل} الذَّلِيل الضَّعِيف مِنْهُم يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَلِلَّهِ الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المنعة وَالْقُدْرَة على الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه {وَلَكِن الْمُنَافِقين لاَ يَعْلَمُونَ} ذَلِك وَلَا يصدقون وَفِيه قصَّة زيد بن أَرقم(1/473)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لاَ تُلْهِكُمْ} لَا تشغلكم {أَمْوَالُكُمْ} بِمَكَّة {وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ} بِمَكَّة {عَن ذِكْرِ الله} عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِك} من يَله بِالْمَالِ وَالْولد عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {فَأُولَئِك هُمُ الخاسرون} المغبونون بالعقوبة(1/473)
وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10)
{وَأَنفِقُواْ} تصدقوا فِي سَبِيل الله {مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ} أعطيناكم من الْأَمْوَال وَيُقَال أَدّوا زَكَاتكُمْ {مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْت} سُلْطَان الْمَوْت {فَيَقُول رب لَوْلَا أخرتني} هلا أجلتني {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} مثل أجل الدُّنْيَا {فَأَصَّدَّقَ} من مَالِي وأزكي من مَالِي {وأكن من الصَّالِحين} أحج بِهِ وأكن من الحاجين(1/473)
وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11)
{وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ} {وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال نزل من قَوْله يأيها الَّذين آمنُوا إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن الْمُنَافِقين وَأما قَوْله فَأَصدق إِن فسرت على الْمُنَافِقين يَقُول فَأَصدق إيماني وأكن من الصَّالِحين يَقُول أفعل بِمَالي كَفعل الْمُؤمنِينَ والمصدقين بإيمَانهمْ
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا التغابن مَكِّيَّة ومدنية آياتها ثَمَانِيَة عشرَة وكلماتها مِائَتَان وَإِحْدَى وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسَبْعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/473)
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحُ لِلَّهِ} يَقُول يُصَلِّي لله وَيُقَال يذكر الله {مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَمَا فِي الأَرْض} من الْخلق وكل شَيْء حَيّ {لَهُ الْملك} الدَّائِم لَا يَزُول ملكه {وَلَهُ الْحَمد} الشُّكْر والْمنَّة على أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيُقَال على أهل الدُّنْيَا وَالْآخِرَة {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من أَمر الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وتزيين أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض {قَدِيرٌ}(1/473)
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2)
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ} من آدم وآدَم من تُرَاب {فَمِنكُمْ كَافِرٌ} بالعلانية {وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} بالعلانية وَيُقَال فمنكم كَافِر يُؤمن وَهُوَ تحضيض مِنْهُ على الْإِيمَان ومنكم مُؤمن يكفر وَهُوَ تحذير مِنْهُ عَن الْكفْر وَيُقَال مِنْكُم كَافِر السريرة كَافِر الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْكَافِر ومنكم مُؤمن السريرة مُؤمن الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْمُؤمن المخلص بإيمانه ومنكم كَافِر السريرة مُؤمن الْعَلَانِيَة وَهُوَ الْمُنَافِق بإيمانه {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {بَصِيرٌ}(1/473)
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)
{خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ} لتبيان الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال للزوال والفناء {وَصَوَّرَكُمْ} فِي الْأَرْحَام {فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} من صور الدَّوَابّ وَيُقَال أحكم صوركُمْ باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء {وَإِلَيْهِ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة(1/473)
يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4)
{يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَات} من الْخلق {وَالْأَرْض} من الْخلق {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ} مَا تخفون من الْعَمَل {وَمَا تُعْلِنُونَ} وَمَا تظْهرُونَ من الْعَمَل {وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر(1/473)
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5)
{أَلَمْ يَأْتِكُمْ} يَا أهل مَكَّة فِي الْكتاب {نَبَأُ} خبر {الَّذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ} من قبلكُمْ من الْأُمَم الْمَاضِيَة كَيفَ فعل بهم {فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} عُقُوبَة أَمرهم فِي الدُّنْيَا بِالْعَذَابِ والهلاك {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع فِي الْآخِرَة(1/473)
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6)
{ذَلِك} الْعَذَاب {بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ} بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات {فَقَالُوا أَبَشَرٌ} آدَمِيّ مثلنَا {يَهْدُونَنَا} يدعوننا إِلَى التَّوْحِيد(1/473)
{فَكَفَرُواْ} بالكتب وَالرسل والآيات {وَتَوَلَّواْ} أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بالكتب وَالرسل والآيات {وَاسْتغْنى الله} عَن إِيمَانهم {وَالله غَنِيٌّ} عَن إِيمَانهم {حَمِيدٌ} مَحْمُود فِي فعاله وَيُقَال حميد لمن وَحده(1/474)
زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7)
{زَعَمَ الَّذين كفرُوا} كفار مَكَّة {أَن لَّن يُبْعَثُواْ} من بعد الْمَوْت {قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {بلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} بعد الْمَوْت {ثُمَّ لتنبؤن} للتخبرن {بِمَا عَمِلْتُمْ} فِي الدُّنْيَا من الْخَيْر وَالشَّر {وَذَلِكَ} الْبَعْث {عَلَى الله يَسِيرٌ} هَين(1/474)
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)
{فَآمِنُواْ} يَا أهل مَكَّة {بِاللَّه وَرَسُولِهِ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت {والنور} الْكتاب {الَّذِي أَنزَلْنَا} جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ} من الْخَيْر وَالشَّر {خَبِيرٌ}(1/474)
يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
{يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجمع} يَوْم يجْتَمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ {ذَلِك يَوْمُ التغابن} يغبن الْكَافِر بِنَفسِهِ وَأَهله وخدمه ومنازله فِي الْجنَّة ويرثه الْمُؤمن وَيُقَال يغبن الْمُؤمن الْكَافِر بأَهْله ومنازله ويغبن فِيهِ الْكَافِر بِنَفسِهِ فِي الْجنَّة ويرثه الْمُؤمن دون الْكَافِر ويغبن الْمَظْلُوم الظَّالِم بِأخذ حَسَنَاته وَوضع سيئاته على ظالمه {وَمن يُؤمن بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَيَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} يغْفر ذنُوبه بِالتَّوْحِيدِ {وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً ذَلِك الْفَوْز الْعَظِيم} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار(1/474)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (10)
{وَالَّذين كَفَرُواْ} بِاللَّه كفار مَكَّة {وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّار} أهل النَّار {خَالِدِينَ فيهآ} مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {وَبِئْسَ الْمصير} الْمرجع فِي الْآخِرَة الَّذِي صَارُوا إِلَيْهِ النَّار(1/474)
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)
{مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ} فِي بدنكم وأهلكم وَأَمْوَالكُمْ {إِلاَّ بِإِذْنِ الله} وقضائه {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّه} يرى الْمُصِيبَة من الله {يَهْدِ قَلْبَهُ} للرضا وَالصَّبْر وَيُقَال إِذا أعْطى شكر وَإِذا ابتلى صَبر وَإِذا ظلم غفر وَإِذا أَصَابَته مُصِيبَة اسْترْجع يهد قلبه للاسترجاع {وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ} يُصِيبكُم من الْمُصِيبَة وَغَيرهَا {عَلِيمٌ وَأَطِيعُواْ الله} فِي الْفَرَائِض(1/474)
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (12)
{وَأَطِيعُواْ الرَّسُول} فِي السّنَن وَيُقَال أطِيعُوا الله فِي التَّوْحِيد وَأَطيعُوا الرَّسُول بالإجابة {فَإِن تَولَّيْتُمْ} عَن طاعتهما {فَإِنَّمَا على رَسُولنَا} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْبَلَاغ} التَّبْلِيغ عَن الله لرسالته {الْمُبين} يبين لكم بلغَة تعلمونها(1/474)
اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (13)
{الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} لَا ولد لَهُ وَلَا شريك لَهُ {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله لَا على غَيره(1/474)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ} الَّذين بِمَكَّة {عدوا لكم} أَن صدوكم عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {فاحذروهم} أَن تقعدوا عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَإِن تَعْفُواْ} عَن صدهم إيَّاكُمْ {وَتَصْفَحُواْ} تعرضوا فَلَا تعاقبوهم {وَتَغْفِرُواْ} تجاوزوا ذنوبهم بعد مَا هَاجرُوا من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة {فَإِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَّحِيمٌ} لمن مَاتَ على التَّوْبَة(1/474)
إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)
{إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ} الَّذين بِمَكَّة {فِتْنَةٌ} بلية لكم إِذْ منعوكم عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد {وَالله عِنْدَهُ أَجْرٌ} ثَوَاب {عَظِيمٌ} لمن هَاجر وجاهد فِي سَبِيل الله وَلم يَله بِمَالِه وَولده عَن الْهِجْرَة وَالْجهَاد(1/474)
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
{فَاتَّقُوا الله} فأطيعوا الله {مَا اسْتَطَعْتُم} بِالَّذِي أطقتم {واسمعوا} مَا تؤمرون {وَأَطِيعُواْ} مَا أَمركُم الله وَرَسُوله {وَأَنْفِقُواْ} تصدقوا بأموالكم فِي سَبِيل الله {خَيْراً لأَنفُسِكُمْ} يَقُول الصَّدَقَة خير لكم من إِِمْسَاكهَا {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} من دفع عَنهُ بخل نَفسه وَيُقَال من أدّى زَكَاة مَاله {فَأُولَئِك هُمُ المفلحون} الناجون من السخط وَالْعَذَاب(1/474)
إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (17)
{إِن تُقْرِضُواْ الله} فِي الصَّدَقَة {قَرْضاً حَسَناً} محتسباً صَادِقا من قُلُوبكُمْ {يُضَاعِفْهُ لَكُمْ}(1/474)
يقبله ويضاعفه لكم فِي الْحَسَنَات مَا بَين سبع إِلَى سبعين إِلَى سَبْعمِائة إِلَى ألفي ألف إِلَى مَا شَاءَ الله من الْأَضْعَاف {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} بِالصَّدَقَةِ {وَالله شَكُورٌ} لصدقاتكم حِين قبلهَا وأضعفها وَيُقَال شكور يشْكر الْيَسِير من صَدقَاتكُمْ وَيجْزِي الجزيل من ثَوَابه {حَلِيمٌ} لَا يعجل بالعقوبة على من يمن بِصَدَقَتِهِ أَو يمْنَع(1/475)
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)
{عَالِمُ الْغَيْب} مَا فِي قُلُوب المتصدقين من الْمَنّ أَو الخشية {وَالشَّهَادَة} عَالم بِصَدَقَاتِهِمْ {الْعَزِيز} بالنقمة لمن يمن بِصَدَقَتِهِ أَو لَا يُعْطي الصَّدَقَة {الْحَكِيم} فِي أمره وقضائه وَيُقَال الْحَكِيم فِي قبُول الصَّدقَات وأضعافها وَيُقَال الْحَكِيم حَيْثُ حكم بِطَلَاق السّنة للنبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأمته
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الطَّلَاق وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها إِحْدَى عشر آيَة وكلماتها مِائَتَان وَسبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَمِائَة وَسَبْعُونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/475)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي} وَأمته {إِذَا طَلَّقْتُمُ النسآء} يَقُول قل لقَوْمك إِذا أردتم أَن تطلقوا النِّسَاء {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} عِنْد طهورهن طواهر من غير جماع {وَأَحْصُواْ الْعدة} احْفَظُوا طهرهن من ثَلَاث حيض وَالْغسْل مِنْهَا بِانْقِضَاء الْعدة {وَاتَّقوا الله} اخشوا الله {رَبَّكُمْ} وَلَا تطلقوهن غير طواهر بِغَيْر السّنة {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ} الَّتِي طلقن فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة {وَلاَ يَخْرُجْنَ} حَتَّى تَنْقَضِي الْعدة {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} إِلَّا أَن يجئن بِمَعْصِيَة بَيِّنَة وَهِي أَن تخرج فِي الْعدة بِغَيْر إِذن زَوجهَا فإخراجهن فِي الْعدة مَعْصِيّة وخروجهن فِي عدتهن مَعْصِيّة وَيُقَال إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة بِالزِّنَا مبينَة بأَرْبعَة شُهُود فَتخرج فترجم {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه فِي النِّسَاء للطَّلَاق من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله} يتَجَاوَز أَحْكَام الله وفرائضه مَا أَمر بِهِ من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ضرّ نَفسه {لاَ تَدْرِى} لَا تعلم يَعْنِي بِهِ الزَّوْج {لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِك} بعد التطليقة الْوَاحِدَة وَقبل الْخُرُوج من الْعدة {أَمْراً} حبا ومراجعة(1/475)
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} فَإِذا انْقَضتْ عدتهن من ثَلَاث قبل أَن يغتسلن من الْحَيْضَة الثَّالِثَة {فَأَمْسِكُوهُنَّ} فراجعوهن {بِمَعْرُوفٍ} بِإِحْسَان قبل الِاغْتِسَال وَأَن يحسن صحبتهَا ومعاشرتها {أَوْ فَارِقُوهُنَّ} أَو اتركوهن {بِمَعْرُوفٍ} بِإِحْسَان لَا تطولوا عَلَيْهِنَّ الْعدة وتؤدوا حَقّهَا {وَأَشْهِدُواْ} على الطَّلَاق والمراجعة {ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُم} رجلَيْنِ حُرَّيْنِ مُسلمين عَدْلَيْنِ مرضين {وَأَقِيمُواْ الشَّهَادَة لِلَّهِ} وَقومُوا بِالشَّهَادَةِ لله عِنْد الْحُكَّام (ذَلِكُم) الَّذِي ذكرت من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى وَإِقَامَة الشَّهَادَة وَغَيرهَا {يُوعَظُ بِهِ} يُؤمر بِهِ {مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر} بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت وَيُقَال نزلت من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا فى شَأْن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين طلق حَفْصَة وَفِي سِتَّة نفر من أَصْحَابه ابْن عمر وَأَصْحَابه طلقوا نِسَاءَهُمْ غير طواهر فنهاهم الله عَن ذَلِك لِأَنَّهُ لغير السّنة وعلمهم طَلَاق السّنة إِذا طلقوا نِسَاءَهُمْ كَيفَ يطلقون {وَمَن يَتَّقِ الله} عِنْد الْمعْصِيَة فيصبر {يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً} من الشدَّة وَيُقَال من الْمعْصِيَة إِلَى الطَّاعَة وَيُقَال من النَّار إِلَى الْجنَّة(1/475)
وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)
{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ} لَا يأمل نزلت هَذِه الْآيَة فِي عَوْف بن مَالك الْأَشْجَعِيّ الَّذِي اسر الْعَدو ابْنا لَهُ فجَاء بعد ذَلِك مَعَ إبل كَثِيرَة {وَمَن يَتَوَكَّلْ على الله} وَمن يَثِق بِاللَّه فِي الرزق {فَهُوَ حَسْبُهُ} كافيه {إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ} مَاض أمره وقضاؤه فِي الشدَّة والرخاء وَيُقَال نَافِذ أمره وتدبيره(1/475)
{قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ} من الشدَّة والرخاء {قَدْراً} أَََجَلًا يَنْتَهِي(1/476)
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4)
فَلَمَّا بَين الله عدَّة النِّسَاء اللَّاتِي يحضن قَامَ معَاذ فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله مَا عدَّة النِّسَاء اللَّاتِي يئسن من الْمَحِيض فَنزل {واللائي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيض} من الْكبر {مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ارتبتم} شَكَكْتُمْ فِي عدتهن {فَعِدَّتُهُنَّ} فِي الطَّلَاق {ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ} فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله فِي اللائي لم يحضن للصغر مَا عدتهن فَنزل {واللائي لَمْ يَحِضْنَ} من الصغر فعدتهن أَيْضا ثَلَاثَة أشهر فَقَامَ رجل آخر فَقَالَ أَرَأَيْت يَا رَسُول الله مَا عدَّة الْحَوَامِل فَنزل {وَأُوْلاَتُ الْأَحْمَال} يَعْنِي الحبالى {أَجَلُهُنَّ} عدتهن {أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولدهن {وَمَن يَتَّقِ الله} فِيمَا أمره {يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} يهون عَلَيْهِ أمره وَيُقَال يرزقه عبَادَة حَسَنَة فِي سريرة حَسَنَة(1/476)
ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)
{ذَلِك أَمْرُ الله} هَذِه أَحْكَام الله وفرائضه {أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ} بَينه لكم فِي الْقُرْآن {وَمَن يَتَّقِ الله} فِيمَا أمره {يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ} يغْفر لَهُ ذنُوبه {وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} ثَوابًا فى الْجنَّة(1/476)
أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)
ثمَّ رَجَعَ إِلَى المطلقات فَقَالَ {أَسْكِنُوهُنَّ} أنزلوهن يَعْنِي المطلقات يَقُول للأزواج {مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم} من أَيْن سكنتم {مِّن وُجْدِكُمْ} من سعتكم على قدر ذَلِك من النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ} يَعْنِي المطلقات فِي النَّفَقَة وَالسُّكْنَى {لِتُضَيِّقُواْ عَلَيْهِنَّ} بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فتظلموهن بذلك {وَإِن كُنَّ} المطلقات {أُوْلاَتِ حَمْلٍ} حبالى {فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ} يَعْنِي الزَّوْج {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} ولدهن {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} الْأُمَّهَات ولدا لكم {فَآتُوهُنَّ} أعطوهن يَعْنِي الْأُمَّهَات {أُجُورَهُنَّ} يَعْنِي النَّفَقَة على الرَّضَاع {وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ} وأنفقوا يَعْنِي الزَّوْج وَالْمَرْأَة فِيمَا بَيْنكُم {بِمَعْرُوفٍ} على أَمر مَعْرُوف من النَّفَقَة على الرَّضَاع بِغَيْر إِسْرَاف وتقتير {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ} فِي النَّفَقَة وأبت الْأُم {فَسَتُرْضِعُ لَهُ} للْوَلَد {أُخْرَى} فتطلب لَهُ أُخْرَى غير الْأُم(1/476)
لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
{لِيُنفِقْ} الْأَب {ذُو سَعَةٍ} ذُو غنى {مِّن سَعَتِهِ} على قدر غناهُ {وَمَن قُدِرَ} قتر {عَلَيْهِ رِزْقُهُ} معيشته {فَلْيُنفِقْ} على الْمُرْضع {مِمَّآ آتَاهُ الله} على قدر مَا أعطَاهُ الله من المَال {لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً} من النَّفَقَة على الرَّضَاع {إِلاَّ مَآ آتَاهَا} إِلَّا على قدر مَا أعطَاهُ من المَال {سَيَجْعَلُ الله بَعْدَ عُسْرٍ} فِي النَّفَقَة {يُسْراً} بعد الْفقر غنى فالمعسر ينْتَظر الرزق من الله(1/476)
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا (8)
{وكأين من قَرْيَة} وَكم من أهل قَرْيَة {عَتَتْ} عَصَتْ وأبت {عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا} عَن قبُول أَمر رَبهَا وَطَاعَة رَبهَا {وَرُسُلِهِ} عَن إِجَابَة الرُّسُل وَعَما جَاءَت بِهِ الرُّسُل {فَحَاسَبْنَاهَا} فِي الْآخِرَة {حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا} فِي الدُّنْيَا {عَذَاباً نُّكْراً} شَدِيدا مقدم ومؤخر(1/476)
فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا (9)
{فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا} عُقُوبَة أمرهَا فِي الدُّنْيَا بِالْهَلَاكِ {وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا} فِي الْآخِرَة {خُسْراً} إِلَى خسران(1/476)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (10)
{أَعَدَّ الله لَهُمْ} فِي الْآخِرَة {عَذَاباً شَدِيداً} غليظاً لوناً بعد لون {فَاتَّقُوا الله} فاخشوا الله {يَا أولي الْأَلْبَاب} يَا ذَوي الْعُقُول من النَّاس {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً}(1/476)
رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا (11)
{رَّسُولاً} ذكرا مَعَ الرَّسُول {يَتْلُو عَلَيْكُمْ} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آيَاتِ الله} الْقُرْآن {مُبَيِّنَاتٍ} واضحات بَيِّنَات بِالْأَمر وَالنَّهْي {لِّيُخْرِجَ الَّذين آمَنُواْ} قد أخرج الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} الطَّاعَات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {مِنَ الظُّلُمَات إِلَى النُّور} من الْكفْر إِلَى الْإِيمَان {وَمن يُؤمن بِاللَّه} وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَيَعْمَلْ صَالِحاً} خَالِصا فِيمَا بَينه وَبَين ربه {يُدْخِلْهُ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا وغرفها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {خَالِدين فِيهَا} مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون فِيهَا وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً} قد أعد الله لَهُ ثَوابًا فِي الْجنَّة(1/476)
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)
{الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة {وَمِنَ الأَرْض مِثْلَهُنَّ} سبعا وَلكنهَا منبسطة {يَتَنَزَّلُ الْأَمر بَيْنَهُنَّ} يَقُول تتنزل الْمَلَائِكَة بِالْوَحْي والتنزيل والمصيبة من السَّمَوَات من عِنْد الله {لِتَعْلَمُوا} لكَي تعلمُوا وتقروا {أَنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ} من أهل السَّمَوَات وَالْأَرضين {قَدِيرٌ وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمَاً} أَي قد أحَاط علمه بِكُل شىء(1/476)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا التَّحْرِيم وهى كلهَا مَدَنِيَّة آياتها ثَلَاث عشرَة وكلماتها مِائَتَان وتسع وَأَرْبَعُونَ وحروفها ألف وَسِتُّونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/477)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ} نِكَاحه يعْنى نِكَاح مَارِيَة الْقبْطِيَّة أم إِبْرَاهِيم ابْن مُحَمَّد رَسُول الله حرمهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على نَفسه {تبتغي مرضات أَزْوَاجِكَ} تطلب رِضَاء أَزوَاجك عَائِشَة وَحَفْصَة بِتَحْرِيم مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَالله غَفُورٌ} لَك {رَّحِيمٌ} بِتِلْكَ الْيَمين(1/477)
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2)
{قَدْ فَرَضَ الله} قد بيَّن الله {لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانكُم} كَفَّارَة أَيْمَانكُم فَكفر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمِينه وَضمّهَا إِلَى نَفسه {وَالله مَوْلاَكُمْ} حافظكم وناصرك {وَهُوَ الْعَلِيم} بتحريمك مَارِيَة الْقبْطِيَّة {الْحَكِيم} فِيمَا حكم من الْكَفَّارَة(1/477)
وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3)
{وَإِذَ أَسَرَّ النَّبِي إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} يَعْنِي حَفْصَة {حَدِيثاً} كلَاما أخْبرهَا فِي السِّرّ {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} فَلَمَّا أخْبرت حَفْصَة بسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَائِشَة {وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ} أطلع الله نبيه على مَا أخْبرت حَفْصَة عَائِشَة {عَرَّفَ بَعْضَهُ} بيَّن النَّبِي لحفصة بعض مَا قَالَت لعَائِشَة من خلَافَة أبي بكر وَعمر وَيُقَال من خلوته مَعَ مَارِيَة الْقبْطِيَّة {وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} سكت عَن بعض تَحْرِيمه مَارِيَة الْقبْطِيَّة على نَفسه وَعَما أخْبرهَا من خلَافَة أبي بكر وَعمر من بعده وَلم يعلمهَا بذلك {فَلَمَّا نبأها بِهِ} أخبر النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَفْصَة بِمَا قَالَت لعَائِشَة {قَالَتْ} حَفْصَة {مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا} أخْبرك بِهَذَا أَنِّي قلت لعَائِشَة {قَالَ} النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {نَبَّأَنِيَ} أَخْبرنِي {الْعَلِيم} بِمَا قلت لعَائِشَة {الْخَبِير} بِمَا قلت لَك(1/477)
إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4)
{إِن تَتُوبَآ إِلَى الله} توبا إِلَى الله يَا عَائِشَة وَيَا حَفْصَة من إيذائكما رَسُول الله ومعصيتكما لَهُ {فَقَدْ صَغَتْ} مَالَتْ {قُلُوبُكُمَا} عَن الْحق {وَإِن تَظَاهَرَا} تعاونا {عَلَيْهِ} على إيذائه ومعصيته {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ} حافظه وناصره ومعينه عَلَيْكُمَا {وَجِبْرِيلُ} معينه عَلَيْكُمَا {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} جملَة الْمُؤمنِينَ المخلصين أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا مثل أَبى بكر وَعمر وَعُثْمَان وعَلى رضى الله عَنْهُم وَمن دونهم {وَالْمَلَائِكَة بَعْدَ ذَلِك} مَعَ هَؤُلَاءِ {ظَهِيرٌ} أعوان لَهُ عَلَيْكُمَا(1/477)
عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا (5)
{عَسى رَبُّهُ} وَعَسَى من الله وَاجِب {إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ} يُزَوجهُ {أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ} فِي الطَّاعَة {مُسْلِمَاتٍ} مقرات بالألسن {مُّؤْمِنَاتٍ} مصدقات بالألسن والقلوب بإيمانهن {قَانِتَاتٍ} مطيعات لله ولأزواجهن {تَائِبَاتٍ} من الذُّنُوب {عَابِدَاتٍ} موحدات الله {سَائِحَاتٍ} صائمات {ثَيِّبَاتٍ} أيمات مثل آسِيَة بنت مُزَاحم امْرَأَة فِرْعَوْن {وَأَبْكَاراً} مَرْيَم بنت عمرَان أم عِيسَى(1/477)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {قوا أَنفُسَكُمْ} ادفعوا عَن أَنفسكُم وقومكم {وَأَهْلِيكُمْ} وَأَوْلَادكُمْ ونسائكم {نَاراً} يَقُول أدبوهم وعلموهم الْخَيْر تقوهم بذلك نَارا {وَقُودُهَا} حطبها {النَّاس وَالْحِجَارَة} حِجَارَة الكبريت وَهِي أَشد الْأَشْيَاء حرا {عَلَيْهَا} على النَّار {مَلَائِكَة} يَعْنِي الزَّبَانِيَة {غِلاَظٌ} عُظَمَاء {شِدَادٌ} أقوياء {لاَّ يَعْصُونَ الله مَآ أَمَرَهُمْ} فِيمَا أَمرهم من عَذَاب أهل النَّار {ويفعلون} يعْنى الزَّبَانِيَة {مَا يؤمرون}(1/477)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7)
{يَا أَيهَا الَّذين كفرُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {لاَ تَعْتَذِرُواْ الْيَوْم} فَإِنَّهُ لَا يقبل معذرتكم {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون فى الدُّنْيَا(1/477)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)
{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {تُوبُوا إِلَى الله} من الذُّنُوب {تَوْبَةً نصُوحًا} خَالِصا صَادِقا من قُلُوبكُمْ وَهُوَ النَّدَم بِالْقَلْبِ وَالِاسْتِغْفَار بِاللِّسَانِ والإقلاع بِالْبدنِ وَالضَّمِير على أَن لَا يعود إِلَيْهِ أبدا {عَسى ربكُم} عَسى من الله وَاجِب {أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أَن يغْفر لكم ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ {وَيُدْخِلَكُمْ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتٍ} بساتين {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار(1/477)
الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {يَوْمَ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {لاَ يُخْزِى الله النَّبِي} كَمَا يخزي الْكفَّار يَقُول لَا يعذب الله النَّبِي {وَالَّذين آمَنُواْ مَعَهُ} وَلَا يعذب الَّذين آمنُوا بِهِ مثل أبي بكر وَأَصْحَابه {نُورُهُمْ يسْعَى} يضيء {بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} على الصِّرَاط {وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ} بعد مَا ذهب نور الْمُنَافِقين {رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا} على الصِّرَاط {نُورَنَا واغفر لَنَآ} ذنوبنا {إِنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ} من إتْمَام النُّور والغفران {قدير}(1/478)
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
{يَا أَيهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكفَّار} كفار مَكَّة بِالسَّيْفِ حَتَّى يسلمُوا {وَالْمُنَافِقِينَ} منافقي أهل الْمَدِينَة بِاللِّسَانِ بالزجر والوعيد {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} وَاشْدُدْ على كلا الْفَرِيقَيْنِ بالْقَوْل وَالْفِعْل {وَمَأْوَاهُمْ} مصير الْمُنَافِقين وَالْكفَّار {جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ جَهَنَّم(1/478)
ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10)
ثمَّ خوف عَائِشَة وَحَفْصَة لإيذائهما النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِامْرَأَة نوح وَامْرَأَة لوط فَقَالَ {ضَرَبَ الله} بيَّن الله {مَثَلاً} صفة {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} بالمرأتين الكافرتين {امْرَأَة نوح} وَاهِلَة {وَامْرَأَة لُوطٍ} واعلة {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} مرسلين {فَخَانَتَاهُمَا} فخالفتاهما فِي الدّين وأظهرتا الْإِيمَان بِاللِّسَانِ وأسرتا النِّفَاق بِالْقَلْبِ وَلم تخونا بِالْفُجُورِ لِأَنَّهُ لم تفجر امْرَأَة نَبِي قطّ {فَلم يغنيا عَنْهُمَا} لم ينفعهما {مِنَ الله} من عَذَاب الله {شَيْئاً} صَلَاح زوجيهما مَعَ كفرهما {وَقِيلَ ادخلا النَّار} فِي الْآخِرَة {مَعَ الداخلين} فِي النَّار ثمَّ حثهما على التَّوْبَة وَالْإِحْسَان بِامْرَأَة فِرْعَوْن آسِيَة بنت مُزَاحم وَمَرْيَم بنت عمرَان فَقَالَ(1/478)
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)
{وَضَرَبَ الله مَثَلاً} بَين الله صفة {لِّلَّذِينَ آمنُوا} بامرأتين مسلمتين {امْرَأَة فِرْعَوْنَ} آسِيَة بنت مُزَاحم {إِذْ قَالَتْ} فِي عَذَاب فِرْعَوْن لَهَا {رَبِّ ابْن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجنَّة} لكَي يهون عليَّ عَذَاب فِرْعَوْن {وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ} من دين فِرْعَوْن {وَعَمَلِهِ} عَذَابه {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْم الظَّالِمين} الْكَافرين فَلم يَضرهَا كفر زَوجهَا مَعَ إيمَانهَا وإخلاصها(1/478)
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)
{وَمَرْيَم ابْنة عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} حفظت فرجهَا يَعْنِي جيب درعها من الْفَوَاحِش {فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا} فَنفخ جِبْرِيل فِي جيب قميصها بأمرنا فَحملت بِعِيسَى {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبَّهَا} بِمَا قَالَ لَهَا جِبْرِيل {إنمآ أَنا رَسُول رَبك لأهب لَك غُلَاما زكياً} {وَكُتُبِهِ} وبكتبه التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَسَائِر الْكتب وَيُقَال بِكَلِمَات رَبهَا بِعِيسَى ابْن مَرْيَم أَن يكون بِكَلِمَة من الله كن فَصَارَ مخلوقاً وبكتابه الْإِنْجِيل {وَكَانَتْ مِنَ القانتين} من المطيعين لله فى الشدَّة والرخاء وَيُقَال وَكَانَت من القانتين الذى تَعَالَى وتعاظم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْملك وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ وكلماتها ثَلَاثمِائَة وَخمْس وَثَلَاثُونَ وحروفها ألف وثلاثمائة وَثَلَاثَة عشر
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/478)
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {تَبَارَكَ} يَقُول ذُو بركَة وَيُقَال تَعَالَى وتعظم وتقدس وارتفع وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك {الَّذِي بِيَدِهِ الْملك} ملك الْعِزّ والذل وخزائن كل شَيْء {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ} من الْعِزّ والذل {قدير}(1/478)
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْت} شبه كَبْش أَمْلَح لَا يمر على شَيْء وَلَا يشم رِيحه شَيْء وَلَا يطَأ على شَيْء حَيّ إِلَّا مَاتَ {والحياة} وَخلق الْحَيَاة شبه فرس بلقاء أُنْثَى لَا تمر على شَيْء وَلَا يشم رِيحهَا شَيْء وَلَا تطَأ على شَيْء وَلَا يطْرَح من أَثَرهَا على شَيْء إِلَّا يحيى وَهِي دَابَّة دون الْبَغْل وَفَوق الْحمار خطوها مد الْبَصَر ويركبها الْأَنْبِيَاء وَيُقَال خلق الْمَوْت يَعْنِي النُّطْفَة والحياة يَعْنِي النَّسمَة وَيُقَال خلق الْحَيَاة وَالْمَوْت مقدم ومؤخر {لِيَبْلُوَكُمْ} ليختبركم بَين الْحَيَاة وَالْمَوْت {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أخْلص عملا {وَهُوَ الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الغفور} لمن تَابَ وآمن بِهِ(1/478)
الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)
{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} مطبقة بَعْضهَا على بعض مثل الْقبَّة ملتزقة أطرافها {مَّا ترى} يَا مُحَمَّد {فِي خَلْقِ الرَّحْمَن} فِي خلق السَّمَوَات {مِن تَفَاوُتِ} من اعوجاج {فَارْجِع الْبَصَر} رد الْبَصَر بِالنّظرِ إِلَى السَّمَاء(1/478)
{هَلْ ترى مِن فُطُورٍ} من شقوق وصدوع وعيوب وخلل(1/479)
ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)
{ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ} رد الْبَصَر إِلَى السَّمَاء وتفكر بِالنّظرِ إِلَى السَّمَاء {كَرَّتَيْنِ} مرَّتَيْنِ {يَنْقَلِبْ} برجع {إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً} صاغراً ذليلاً قبل أَن ترى شَيْئا {وَهُوَ حَسِيرٌ} عي كليل مُنْقَطع(1/479)
وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)
{وَلَقَد زينا السَّمَاء الدُّنْيَا} الأولى {بِمَصَابِيحَ} بالنجوم {وَجَعَلْنَاهَا} يَعْنِي النُّجُوم {رُجُوماً} رمياً {للشياطين} يرجمون بهَا فبعضهم يخبل وَبَعْضهمْ يفتل وَبَعْضهمْ يحرق {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ} للشياطين فِي الْآخِرَة {عَذَابَ السعير} الْوقُود(1/479)
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6)
{وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمصير} صَارُوا إِلَيْهِ جَهَنَّم(1/479)
إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7)
{إِذَآ أُلْقُواْ فِيهَا} طرحوا فِي جَهَنَّم أمة من الْأُمَم مِمَّن يدْخلُونَهَا يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس ومشركي الْعَرَب {سَمِعُواْ لَهَا} لِجَهَنَّم {شَهِيقاً} صَوتا كصوت الْحمار {وَهِيَ تَفُورُ} تغلي(1/479)
تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8)
{تَكَادُ تَمَيَّزُ} تتفرق {مِنَ الغَيْظِ} على الْكفَّار {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا} طرح فِي جَهَنَّم {فَوْجٌ} جمَاعَة من الْكفَّار يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَسَائِر الْكفَّار {سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ} يَعْنِي خَزَنَة النَّار {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف(1/479)
قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9)
{قَالُواْ بلَى قَدْ جَآءَنَا نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {فَكَذَّبْنَا} الرُّسُل {وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شَيْءٍ} من كتاب وَلَا بعث إِلَيْنَا رَسُولا {إِنْ أَنتُمْ} وَقُلْنَا للرسل مَا أَنْتُم {إِلاَّ فِي ضلال كَبِير} فِي خطأ عَظِيم الشّرك بِاللَّه وَيُقَال تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة إِن أَنْتُم مَا أَنْتُم فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي ضلال كَبِير فِي خطأ عَظِيم الشّرك بِاللَّه(1/479)
وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10)
{وَقَالُواْ} للخزنة {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ} نستمع إِلَى الْحق وَالْهدى {أَوْ نَعْقِلُ} أَو نرغب فِي الْحق فِي الدُّنْيَا {مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السعير} مَعَ أهل الْوقُود فِي النَّار الْيَوْم(1/479)
فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)
{فَاعْتَرفُوا بذنبهم} فأقروا بشركهم {فسحقا} فَبعد من رَحْمَة الله ونكساً {لأَصْحَابِ السعير} لأهل الْوقُود فِي النَّار الْيَوْم(1/479)
إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12)
{إِنَّ الَّذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم} يعْملُونَ لرَبهم {بِالْغَيْبِ} وَإِن لم يروه {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} لذنوبهم فِي الدُّنْيَا {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} ثَوَاب عَظِيم فِي الْجنَّة(1/479)
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13)
{وأسروا قَوْلكُم} فى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمكر والخيانة {أَوِ اجهروا بِهِ} أَو أعْلنُوا بِهِ بِالْحَرْبِ والقتال {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} بِمَا فِي الْقُلُوب من الْخَيْر وَالشَّر(1/479)
أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14)
{أَلاَ يَعْلَمُ} السِّرّ {مَنْ خَلَقَ} السِّرّ {وَهُوَ اللَّطِيف} لطف علمه بِمَا فِي الْقُلُوب {الْخَبِير} بِمَا فِيهَا من الْخَيْر وَالشَّر وَيُقَال علمه نَافِذ بِكُل شَيْء من الْخَيْر وَالشَّر الْخَبِير بهما(1/479)
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض ذَلُولاً} مذللاً لينها بالجبال {فامشوا فِي مناكبها} امضوا وهزوا فِي نَوَاحِيهَا وأطرافها وَيُقَال طرقها وَيُقَال فِي جبالها وآكامها وفجاجها {وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ} تَأْكُلُونَ من رزقه {وَإِلَيْهِ النشور} الْمرجع فِي الْآخِرَة(1/479)
أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16)
{أأمنتم} يَا أهل مَكَّة إِذْ عصيتموه {مَّن فِي السمآء} عَذَاب من فِي السَّمَاء على الْعَرْش {أَن يخسف بكم الأَرْض} أَن يغور بِكُمُ الأَرْض {فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} تَدور بكم إِلَى الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى كَمَا خسف بقارون(1/479)
أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)
{أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي السمآء} عَذَاب من فِي السَّمَاء على الْعَرْش إِذْ عصيتموه {أَن يُرْسل عَلَيْكُم حاصبا} حِجَارَة كَمَا أرسل على قوم لوط {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} كَيفَ تغييري عَلَيْكُم بِالْعَذَابِ(1/479)
وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18)
{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذين مِن قَبْلِهِمْ} من قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد {فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ} انْظُر كَيفَ كَانَ تغييرى عَلَيْهِم بِالْعَذَابِ(1/479)
أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19)
{أَو لم يَرَوْا} كفار مَكَّة {إِلَى الطير فَوْقَهُمْ} فَوق رؤوسهم {صافات} مفتوحات الأجنحة {ويقبضن} ويضممن {مَا يُمْسِكُهُنَّ} بعد الْبسط {إِلاَّ الرَّحْمَن إِنَّهُ بِكُل شَيْء} من الْبسط وَالْقَبْض {بَصِير}(1/479)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20)
{أم من هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} مَنْعَة لكم {يَنصُرُكُم} يمنعكم {مِّن دُونِ الرَّحْمَن} من عَذَاب الرَّحْمَن {إِنِ الْكَافِرُونَ} مَا الْكَافِرُونَ {إِلاَّ فِي غرور} فى أباطيل الدُّنْيَا وغرورها(1/479)
أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21)
{أم من هَذَا الَّذِي} هُوَ {يَرْزُقُكُمْ} من السَّمَاء بالمطر وَالْأَرْض بالنبات {إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} فَمن ذَا الَّذِي يرزقكم {بَل لَّجُّواْ} تَمَادَوْا {فِي عُتُوٍّ} فِي إباء عَن الْحق {وَنُفُورٍ} تبَاعد عَن الْإِيمَان(1/479)
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22)
{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ}(1/479)
ناكساً على ضلالته وكفره وَهُوَ أَبُو جهل بن هِشَام {أهْدى} أصوب دينا {أم من يَمْشِي سَوِيّاً} عادلاً {عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الاسلام يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/480)
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23)
{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ} خَلقكُم {وَجَعَلَ لَكُمُ السّمع} لكَي تسمعوا بِهِ الْحق وَالْهدى {والأبصار} لكَي تبصروا بِهِ الْحق وَالْهدى {والأفئدة} يَعْنِي الْقُلُوب لكَي تعقلوا بهَا الْحق وَالْهدى {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} يَقُول شكركم فِيمَا صنع إِلَيْكُم قَلِيل وَيُقَال مَا تشكرون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير(1/480)
قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ} خَلقكُم {فِي الأَرْض} من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فِي الْآخِرَة فيجزيكم بأعمالكم(1/480)
وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)
{وَيَقُولُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {مَتى هَذَا الْوَعْد} الَّذِي تعدنا {إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} إِن كنت من الصَّادِقين أَن يكون ذَلِك(1/480)
قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنَّمَا الْعلم} علم قيام السَّاعَة ونزول الْعَذَاب {عِنْدَ الله وَإِنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} للغة تعلمونها(1/480)
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (27)
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} يَعْنِي الْعَذَاب فِي النَّار {زُلْفَةً} قَرِيبا وَيُقَال مُعَاينَة {سِيئَتْ} سَاءَ الْعَذَاب {وُجُوهُ الَّذين كَفَرُواْ} وَيُقَال أحرقت وُجُوه الَّذين كفرُوا {وَقِيلَ} لَهُم {هَذَا} الْعَذَاب {الَّذِي كُنتُم بِهِ} فِي الدُّنْيَا {تَدَّعُونَ} تسْأَلُون وتقولون إِنَّه لَا يكون(1/480)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28)
{قل أَرَأَيْتُم} يَا أهل مَكَّة {إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله} بِالْعَذَابِ {وَمَن مَّعِيَ} من الْمُؤمنِينَ {أَوْ رَحِمَنَا} من الْعَذَاب يَقُول غفر لنا فَلم يعذبنا وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمنَا ويهلكنا {فَمَن يُجِيرُ الْكَافرين مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع(1/480)
قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (29)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد {هُوَ الرَّحْمَن} ينجينا ويرحمنا {آمَنَّا بِهِ} صدقنا بِهِ {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} وثقنا {فَسَتَعْلَمُونَ} عِنْد نزُول الْعَذَاب {مَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} فِي كفر بَين(1/480)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (30)
{قل} لَهُم يَا مُحَمَّد {أَرَأَيْتُمْ} مَا تَقولُونَ يَا أهل مَكَّة {إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ} صَار ماؤكم مَاء زَمْزَم {غَوْراً} غائراً فِي الأَرْض لَا تناله الدلاء {فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ} ظَاهر تناله الدلاء وَيُقَال فَمن يأتيكم بِمَاء معِين سوى خَالق النُّون والقلم
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا ن وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَة وكلماتها ثَلَاثمِائَة وحروفها ألف ومائتان وَسِتَّة وَخَمْسُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/480)
ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {ن} يَقُول أقسم الله بالنُّون وَهِي السَّمَكَة الَّتِي تحمل الْأَرْضين على ظهرهَا وَهِي فِي المَاء وتحتها الثور وَتَحْت الثور الصَّخْرَة وَتَحْت الصَّخْرَة الثرى وَلَا يعلم مَا تَحت الثرى إِلَّا الله وَاسم السَّمَكَة ليواش وَيُقَال لويهاء وَاسم الثور بهموت وَقَالَ بَعضهم تلهوت وَيُقَال ليوتا وَذَلِكَ الْحُوت فِي بَحر يُقَال لَهُ عضواص وَهُوَ كالثور الصَّغِير فِي الْبَحْر الْعَظِيم وَذَلِكَ الْبَحْر فِي صَخْرَة جوفاء وَفِي تِلْكَ الصَّخْرَة أَرْبَعَة آلَاف خرق مِنْهَا خرق يخرج الْمِيَاه إِلَى الأَرْض وَيُقَال هُوَ اسْم من أَسمَاء الرب وَهُوَ نون الرَّحْمَن وَيُقَال النُّون هُوَ الدواة {والقلم} أقسم الله بالقلم وَهُوَ قلم من نور طوله مَا بَين السَّمَاء إِلَى الأَرْض وَهُوَ الَّذِي كتب بِهِ الذّكر الْحَكِيم يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَيُقَال الْقَلَم هُوَ ملك من الْمَلَائِكَة أقسم الله بِهِ {وَمَا يَسْطُرُونَ} وَأقسم الله بِمَا تكْتب الْمَلَائِكَة من أَعمال بني آدم(1/480)
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2)
{مَآ أَنتَ} يَا مُحَمَّد {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {بِمَجْنُونٍ} يختنق وَلِهَذَا كَانَ الْقسم(1/480)
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)
{وَإِنَّ لَكَ} يَا مُحَمَّد {لأَجْراً} ثَوابًا فِي الْجنَّة بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام {غَيْرَ مَمْنُونٍ} غير مَنْقُوص وَلَا مكدر وَلَا يمن عَلَيْك بذلك(1/480)
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
{وَإِنَّكَ} يَا مُحَمَّد {لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} على دين كريم شرِيف على الله وَيُقَال على منَّة عَظِيمَة وَهِي الْأَخْلَاق الْحَسَنَة الَّتِي أكْرمه الله بهَا إِن قَرَأت بِضَم الْخَاء وَاللَّام(1/480)
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (5)
{فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ} فسترى وَتعلم ويرون ويعلمون عِنْد نزُول الْعَذَاب بهم(1/480)
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6)
{بِأَيِّكُمُ الْمفْتُون} الْمَجْنُون(1/480)
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (7)
{إِنَّ رَبَّكَ} يَا مُحَمَّد(1/480)
{هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ} عَن دينه وَهُوَ أَبُو جهل وَأَصْحَابه {وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين} لدينِهِ وَهُوَ أَبُو بكر وَأَصْحَابه(1/481)
فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8)
{فَلاَ تُطِعِ} يَا مُحَمَّد {المكذبين} بِاللَّه وَالْكتاب وَالرَّسُول يَعْنِي رُؤَسَاء أهل مَكَّة(1/481)
وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9)
{وَدُّواْ} تمنوا {لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} تلين لَهُم فيلينون لَك وَيُقَال تطابقهم فيطابقونك وتصانعهم فيصانعونك(1/481)
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10)
{وَلاَ تُطِعْ} يَا مُحَمَّد {كُلَّ حَلاَّفٍ} كَذَّاب على الله {مَّهِينٍ} ضَعِيف فِي دين الله هُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المخزومى(1/481)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)
{هَمَّازٍ} طعان لعان مغتاب للنَّاس مُقْبِلين ومدبرين {مَّشَّآءِ بِنَمِيمٍ} يمشي بالنميمة بَين النَّاس ليفسد بَينهم(1/481)
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{مناع للخير} للاسلام بَينه وَبَين نبيه وَبَين أَخِيه وقرابته {مُعْتَدٍ} يَا مُحَمَّد للحق غشوم ظلوم عَلَيْهِم {أَثِيمٍ} فَاجر(1/481)
عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13)
{عُتُلٍّ} شَدِيد الْخُصُومَة بِالْبَاطِلِ وَالْكذب وَيُقَال عتل أكول وشروب صَحِيح الْجِسْم رحيب الْبَطن {بَعْدَ ذَلِك} مَعَ ذَلِك {زَنِيمٍ} ملصق بالقوم لَيْسَ مِنْهُم وَيُقَال مَعْرُوف فِي الْكفْر والشرك والفجور والفسوق وَالشَّر وَيُقَال لَهُ زنمة كزنمة العنز(1/481)
أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14)
{أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} يَقُول لَا تطعه وَإِن كَانَ ذَا مَال وبنين وَكَانَ مَاله نَحْو تِسْعَة آلَاف مِثْقَال من فضَّة وبنوة عشرَة(1/481)
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)
{إِذَا تتلى عَلَيْهِ} يقْرَأ عَلَيْهِ {آيَاتُنَا} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} أَحَادِيث الْأَوَّلين فِي دهرهم وكذبهم(1/481)
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16)
{سَنَسِمُهُ عَلَى الخرطوم} سنضربه على الْوَجْه وَيُقَال على الْأنف وَيُقَال سيسود وَجهه(1/481)
إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)
{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} اختبرنا أهل مَكَّة بِالْقَتْلِ والسبي والهزيمة يَوْم بدر بتركهم الاسْتِغْفَار وبالجوع والقحط سبع سِنِين لدَعْوَة النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِم بعد يَوْم بدر {كَمَا بَلَوْنَآ} اختبرنا بِالْجُوعِ وَحرق الْبَسَاتِين {أَصْحَابَ الْجنَّة} أهل الْبَسَاتِين بني ضروان {إِذْ أَقْسَمُواْ} حلفوا بِاللَّه {لَيَصْرِمُنَّهَا} ليجدنها {مُصْبِحِينَ} عِنْد طُلُوع الْفجْر(1/481)
وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18)
{وَلاَ يَسْتَثْنُونَ} لم يَقُولُوا إِن شَاءَ الله(1/481)
فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)
{فَطَافَ عَلَيْهَا} على الْجنَّة {طَآئِفٌ} عَذَاب {مِّن رَّبِّكَ} بِاللَّيْلِ {وَهُمْ نَآئِمُونَ}(1/481)
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)
{فَأَصْبَحَتْ} فَصَارَت الْجنَّة محترقة {كالصريم} كالليل المظلم(1/481)
فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21)
{فَتَنَادَوْاْ} فَنَادَى بَعضهم بَعْضًا {مُصْبِحِينَ} عِنْد طُلُوع الْفجْر(1/481)
أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22)
{أَنِ اغدوا على حَرْثِكُمْ} يَعْنِي الْبَسَاتِين {إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ} جاذين قبل علم الْمَسَاكِين(1/481)
فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)
{فَانْطَلقُوا} إِلَى الْبَسَاتِين {وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ} يتسارون فِيمَا بَينهم كلَاما خفِيا(1/481)
أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24)
{أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا} يَعْنِي الْجنَّة {الْيَوْم عَلَيْكُمْ مِسْكين}(1/481)
وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)
{وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ} على حقد وَيُقَال إِلَى بستانهم {قَادِرِينَ} على غَلَّتهَا(1/481)
فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26)
{فَلَمَّا رَأَوْهَا} يَعْنِي الْبَسَاتِين محترقة {قَالُوا إِنَّا لَضَآلُّونَ} الطَّرِيق ظنُّوا أَنهم ضلوا الطَّرِيق ثمَّ قَالُوا(1/481)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)
{بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} حرمنا مَنْفَعَة الْبُسْتَان لسوء نياتنا(1/481)
قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28)
{قَالَ أَوْسَطُهُمْ} فِي السن وَيُقَال أعدلهم فِي القَوْل وَيُقَال أفضلهم فِي الْعقل والرأي {أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ} هلا تستثنون وَقد قَالَ لَهُم ذَلِك عِنْدَمَا أَقْسمُوا(1/481)
قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)
{قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ} نَسْتَغْفِر رَبنَا {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} ضارين لأنفسنا بمعصيتنا وَتَركنَا الِاسْتِثْنَاء ومنعنا الْمَسَاكِين(1/481)
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)
{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ} يلوم بَعضهم بَعْضًا يَقُول وَاحِد مِنْهُم أَنْت فعلت هَذَا يَا فلَان بِنَا وَيَقُول الآخر أَنْت فعلت هَذَا بِنَا(1/481)
قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31)
{قَالُوا} بِالْجُمْلَةِ {يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ} عاصين بمنعنا الْمَسَاكِين(1/481)
عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)
{عَسى رَبُّنَآ} وَعَسَى من الله وَاجِب {أَن يُبْدِلَنَا} أَن يعوضنا رَبنَا فِي الْآخِرَة {خَيْراً مِّنْهَآ} من هَذِه الْجنَّة {إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} رغبتنا إِلَى الله(1/481)
كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)
{كَذَلِك الْعَذَاب} فِي الدُّنْيَا لمن منع حق الله من مَاله كَمَا كَانَ لَهُم حرق الْبُسْتَان والجوع بعد ذَلِك وَيُقَال كَذَلِك الْعَذَاب هَكَذَا عَذَاب الدُّنْيَا كَمَا كَانَ لأهل مَكَّة بِالْقَتْلِ والجوع {وَلَعَذَابُ الْآخِرَة} لمن لَا يَتُوب {أَكْبَرُ} من عَذَاب الله فِي الدُّنْيَا {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} أهل مَكَّة وَلَكِن لَا يعلمُونَ ذَلِك وَلَا يصدقون بِهِ(1/481)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34)
{إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {عِنْدَ رَبِّهِمْ} فِي الْآخِرَة {جَنَّاتِ النَّعيم} نعيمها دَائِم لَا يفنى وَيُقَال قَالَ عتبَة بن ربيعَة لَئِن كَانَ مَا يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأَصْحَابه من الْجنَّة وَالنَّعِيم حَقًا لنَحْنُ أفضل مِنْهُم فِي الْآخِرَة كَمَا نَحن أفضل مِنْهُم(1/481)
فِي الدُّنْيَا فَنزل(1/482)
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35)
{أَفَنَجْعَلُ الْمُسلمين} ثَوَاب الْمُسلمين فِي الْجنَّة {كالمجرمين} كثواب الْمُشْركين وهم أهل النَّار وَيُقَال أفنجعل ثَوَاب الْمُشْركين فِي الْآخِرَة كثواب الْمُسلمين(1/482)
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)
{مَا لَكُمْ} يَا أهل مَكَّة {كَيْفَ تَحْكُمُونَ} بئس مَا تقضون لأنفسكم(1/482)
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37)
{أم لكم كتاب فِيهِ تدرسون} تقرءون(1/482)
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38)
{إِنَّ لَكُمْ فِيهِ} فِي الْكتاب {لَمَا تَخَيَّرُونَ} تشتهون فِي الْآخِرَة من الْجنَّة(1/482)
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39)
{أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ} عهود {عَلَيْنَا} بالأيمان {بَالِغَةٌ} وَثِيقَة {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ} تقضون لأنفسكم فِي الْآخِرَة من الْجنَّة(1/482)
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)
{سَلْهُمْ} يَا مُحَمَّد {أَيُّهُم بذلك} بِمَا يَقُولُونَ {زعيم} كَفِيل(1/482)
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ} آلِهَة {فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ} بآلهتهم {إِن كَانُواْ صَادِقِينَ} أَن لَهُم مَا قَالُوا وَمَا يَقُولُونَ(1/482)
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42)
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} عَن أَمر كَانُوا فِي عمى مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَيُقَال عَن أَمر شَدِيد فظيع وَيُقَال عَن عَلامَة بَينهم وَبَين رَبهم {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُود} بعد مَا قَالُوا وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين وَلَا منافقين {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ} السُّجُود وَبقيت صلابهم كالصياصي مثل حصون الْحَدِيد(1/482)
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)
{خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ} ذليلة أَبْصَارهم لَا يرَوْنَ خيرا {تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} تعلوهم كآبة وكسوف وَهُوَ السوَاد على الْوُجُوه {وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ} فِي الدُّنْيَا {إِلَى السُّجُود} إِلَى الخضوع لله بِالتَّوْحِيدِ فَلم يخضعوا لله بِالتَّوْحِيدِ {وَهُمْ سَالِمُونَ} أصحاء معافون(1/482)
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44)
{فَذَرْنِي} يَا مُحَمَّد {وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الحَدِيث} بِهَذَا الْكتاب {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ} سنأخذهم يَعْنِي الْمُسْتَهْزِئِينَ بِالْقُرْآنِ {مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} لَا يَشْعُرُونَ فأهلكهم الله فِي يَوْم وَلَيْلَة وَكَانُوا خَمْسَة نفر(1/482)
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)
{وَأُمْلِي لَهُمْ} أمهلهم {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} عَذَابي شَدِيد(1/482)
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46)
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ} تسْأَل أهل مَكَّة {أَجْراً} جعلا وَرِزْقًا على الْإِيمَان {فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ} من الْغرم {مُّثْقَلُونَ} بالإجابة(1/482)
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47)
{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْب} اللَّوْح الْمَحْفُوظ {فَهُمْ يَكْتُبُونَ} مِنْهُ مَا يخاصمونك بِهِ(1/482)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48)
{فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} على تَبْلِيغ رِسَالَة رَبك وَيُقَال ارْض بِقَضَاء رَبك {وَلاَ تَكُن} ضجوراً ضيق الْقلب فِي أَمر الله {كَصَاحِبِ الْحُوت} كضجر يُونُس بن مَتى {إِذْ نَادَى} دَعَا ربه فِي بطن الْحُوت {وَهُوَ مَكْظُومٌ} مجهود مغموم(1/482)
لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49)
{لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّه} رَحْمَة من ربه {لَنُبِذَ} لطرح {بالعرآء} على الصَّحرَاء {وَهُوَ مَذْمُومٌ} ملوم مذنب(1/482)
فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)
{فاجتباه رَبُّهُ} فاصطفاه ربه بِالتَّوْبَةِ {فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحين} من الْمُرْسلين(1/482)
وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)
{وَإِن يَكَادُ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {لَيُزْلِقُونَكَ} ليصرعونك {بِأَبْصَارِهِمْ} وَيُقَال يعينونك بأعينهم {لَمَّا سَمِعُواْ الذّكر} قراءتك الْقُرْآن {وَيَقُولُونَ} يَعْنِي كفار مَكَّة {إِنَّهُ} يعنون مُحَمَّدًا {لَمَجْنُونٌ} يختنق(1/482)
وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (52)
{وَمَا هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة {للْعَالمين} للجن وَالْإِنْس
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الحاقة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خَمْسُونَ آيَة وكلماتها مِائَتَان وست وَخَمْسُونَ وحروفها ألف وَأَرْبَعمِائَة وَثَمَانُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/482)
الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {الحاقة مَا الحآقة} يَقُول السَّاعَة مَا السَّاعَة يُعجبهُ بذلك(1/482)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا الحاقة} وَإِنَّمَا سميت الحاقة لحقائق الْأُمُور تحق لِلْمُؤمنِ بإيمانه الْجنَّة وتحق للْكَافِرِ بِكُفْرِهِ النَّار(1/482)
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4)
{كَذَّبَتْ ثَمُودُ} قوم صَالح {وَعَادٌ} قوم هود {بالقارعة} بِقِيَام السَّاعَة وَإِنَّمَا سميت القارعة لِأَنَّهَا تقرع قُلُوبهم(1/482)
فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية} بطغيانهم وشركهم أهلكوا وَيُقَال طغيانهم حملهمْ على التَّكْذِيب حَتَّى أهلكوا(1/482)
وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)
{وَأَمَا عَادٌ} قوم هود {فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ}(1/482)
بَارِد {عَاتِيَةٍ} شَدِيدَة عَتَتْ عَصَتْ وأبت على خزانها(1/483)
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7)
{سَخَّرَهَا} سلطها {عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً} دَائِما مُتَتَابِعًا لَا يفتر عَنْهُم {فَتَرَى الْقَوْم} قوم هود {فِيهَا} فِي الْأَيَّام وَيُقَال فِي الرّيح {صرعى} هلكى مطروحين {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ} أوراك نخل {خَاوِيَةٍ} سَاقِطَة(1/483)
فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8)
{فَهَلْ ترى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ} يَقُول لم يبْق مِنْهُم أحد إِلَّا أهلكته الرّيح(1/483)
وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9)
{وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ} من مَعَه من جُنُوده إِلَى الْبَحْر فَغَرقُوا فِي الْبَحْر وَيُقَال وَجَاء فِرْعَوْن تكلم فِرْعَوْن بِكَلِمَة الشّرك وَمن قبله وَمن كَانَ من قبل فِرْعَوْن من الْأُمَم الْمَاضِيَة {والمؤتفكات} المنخسفات أَيْضا قريات لوط وائتفكها خسفها {بِالْخَاطِئَةِ} تكلمُوا بِكَلِمَة الشّرك(1/483)
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10)
{فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ} مُوسَى {فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً} فعاقبهم عُقُوبَة شَدِيدَة(1/483)
إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11)
{إِنَّا لما طَغى المآء} ارْتَفع المَاء فِي زمَان نوح {حَمَلْنَاكُمْ} يَا أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَائِر الْخلق فِي أصلاب آبائكم {فِي الْجَارِيَة} فِي سفينة نوح(1/483)
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12)
{لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ} يَعْنِي سفينة نوح وَيُقَال هَذِه الْقِصَّة لكم {تذكرة} عظة تتعظون بهَا {وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} يحفظها قلب حَافظ وَيُقَال تسمع هَذَا الْأَمر أذن سامعة فتنتفع بِمَا سَمِعت(1/483)
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّور نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ} لَا تثنى وَهِي نفخة الْبَعْث(1/483)
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14)
{وَحُمِلَتِ الأَرْض وَالْجِبَال} يُقَال مَا على الأَرْض من الْبُنيان وَالْجِبَال {فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} فكسرتا كسرة وَاحِدَة(1/483)
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15)
{فَيَوْمَئِذٍ} يَوْم حملت الأَرْض وَالْجِبَال {وَقَعَتِ الْوَاقِعَة} قَامَت الْقِيَامَة(1/483)
وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16)
{وانشقت السمآء} لهيبة الرَّحْمَن ونزول الْمَلَائِكَة {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} منشقة ضَعِيفَة(1/483)
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17)
{وَالْملك} يَعْنِي الْمَلَائِكَة {على أَرْجَآئِهَآ} حروفها وجوانبها ونواحيها وأطرافها {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} سَرِير رَبك {فَوْقَهُمْ} على أَعْنَاقهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {ثَمَانِيَةٌ} يَقُول ثَمَانِيَة رَهْط من الْمَلَائِكَة لكل ملك أَرْبَعَة وُجُوه وَجه إِنْسَان وَوجه نسر وَوجه أَسد وَوجه ثَوْر وَيُقَال ثَمَانِيَة صُفُوف وَيُقَال ثَمَانِيَة أَجزَاء من الكروبيين وهم أهل السَّمَاء السَّابِعَة(1/483)
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18)
{يَوْمَئِذٍ} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {تُعْرَضُونَ} على الله ثَلَاث عرضات عرض لِلْحسابِ والمعاذير وَعرض للخصومات وَالْقصاص وَعرض لتطاير الْكتب وَالْقِرَاءَة {لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} لَا يتْرك مِنْكُم أحد وَيُقَال لَا تخفى على الله مِنْكُم خافية أحد وَيُقَال لَا يخفى على الله من أَعمالكُم شىء(1/483)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19)
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ} أعطي {كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} وَهُوَ أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد زوج أم سَلمَة وَكَانَ مُسلما {فَيَقُولُ} لأَصْحَابه {هَآؤُمُ} تَعَالَوْا {اقرؤوا كِتَابيَهْ} انْظُرُوا مَا فِي كتابي من الثَّوَاب والكرامة(1/483)
إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20)
{إِنِّي ظَنَنتُ} علمت وأيقنت {أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} معاين حسابى(1/483)
فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21)
{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} فِي عَيْش قد رضيه لنَفسِهِ أَي مرضية(1/483)
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22)
{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ} مُرْتَفعَة(1/483)
قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23)
{قُطُوفُهَا} ثَمَرهَا واجتناؤها {دَانِيَةٌ} قريبَة يَنَالهُ الْقَاعِد والقائم(1/483)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)
{كُلُواْ} يَقُول الله لَهُم كلوا من الثِّمَار {وَاشْرَبُوا} من الْأَنْهَار {هَنِيئَاً} بِلَا دَاء وَلَا موت {بِمَآ أَسْلَفْتُمْ} بِمَا قدمتم من الْعَمَل الصَّالح وَيُقَال من الصَّوْم وَالصَّلَاة {فِي الْأَيَّام الخالية} الْمَاضِيَة يَعْنِي أَيَّام الدُّنْيَا(1/483)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25)
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ} أعطي {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} وَهُوَ الْأسود بن عبد الْأسد أَخُو أبي سَلمَة وَكَانَ كَافِرًا {فَيَقُول يَا لَيْتَني لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} لم أعْط كتابي هَذَا(1/483)
وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26)
{وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} لم أعلم حسابي(1/483)
يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27)
{يَا ليتها كَانَتِ القاضية} يتَمَنَّى الْمَوْت يَقُول يَا لَيْتَني بقيت على موتِي الأول(1/483)
مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28)
{مَآ أغْنى عَنِّي} من عَذَاب الله {مَالِيَهْ} مالى الذى جمعت فى الدُّنْيَا(1/483)
هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29)
{هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} بَطل عني حجتي وعذري(1/483)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30)
فَيَقُول الله للْمَلَائكَة {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ}(1/483)
ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31)
{ثُمَّ الْجَحِيم صَلُّوهُ}(1/483)
أدخلوه(1/484)
ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32)
{ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا} طولهَا وباعها {سَبْعُونَ ذِرَاعاً} بِذِرَاع الْملك وَيُقَال باعاً {فَاسْلُكُوهُ} فأدخلوه فِي دبره وأخرجوه من فَمه والووا مَا فضل على عُنُقه(1/484)
إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)
{إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّه الْعَظِيم} إِذْ كَانَ فِي الدُّنْيَا(1/484)
وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34)
{وَلاَ يَحُضُّ} لَا يحث {على طَعَامِ الْمِسْكِين} على صَدَقَة الْمِسْكِين(1/484)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35)
{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْم هَا هُنَا حَمِيمٌ} قريب يَنْفَعهُ(1/484)
وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36)
{وَلاَ طَعَامٌ} فِي النَّار {إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ} من عصارة أهل النَّار وَهِي مَا يسيل من بطونهم وجلودهم من الْقَيْح وَالدَّم والصديد(1/484)
لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)
{لاَّ يَأْكُلُهُ} يَعْنِي الغسلين {إِلاَّ الخاطئون} الْمُشْركُونَ(1/484)
فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38)
{فَلاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِمَا تُبْصِرُونَ} من شىء(1/484)
وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39)
{وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ} من شَيْء يَا أهل مَكَّة وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا لَا تبصرون يَعْنِي الْجنَّة وَالنَّار وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي الشَّمْس وَالْقَمَر وَمَا لَا تبصرون الْعَرْش والكرسي وَيُقَال بِمَا تبصرون يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا لَا تبصرون يَعْنِي جِبْرِيل أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء(1/484)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40)
{إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يَقُول الْقُرْآن قَول الله نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول كريم يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/484)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41)
{وَمَا هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {بِقَوْلِ شَاعِرٍ} ينشئه {قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} يَقُول مَا تؤمنون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير(1/484)
وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42)
{وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ} يخبر بِمَا فِي الْغَد {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} مَا تتعظون بِقَلِيل وَلَا بِكَثِير(1/484)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)
{تَنْزِيل} يَقُول الْقُرْآن تَنْزِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {مِّن رَّبِّ الْعَالمين}(1/484)
وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44)
{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} وَلَو اختلق علينا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {بعض الْأَقَاوِيل} من الْكَذِب فَقَالَ علينا مالم نَقله(1/484)
لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45)
{لأخذنا} لانتقمنا {مِنْهُ بِالْيَمِينِ} بِالْحَقِّ وَالْحجّة وَيُقَال أخذناه بِالْقُوَّةِ(1/484)
ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)
{ثمَّ لقطعنا مِنْهُ} من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الوتين} عرق قلبه وَهُوَ نِيَاط قلبه(1/484)
فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)
{فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} يَقُول فَلَيْسَ مِنْكُم أحد يحجزنا عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/484)
وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48)
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَتَذْكِرَةٌ} عظة {لِّلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش(1/484)
وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49)
{وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ} بِالْقُرْآنِ ومصدقين بِهِ(1/484)
وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50)
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَحَسْرَةٌ} ندامة {عَلَى الْكَافرين} يَوْم الْقِيَامَة(1/484)
وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)
{وَإِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَحَقُّ الْيَقِين} حَقًا يَقِينا إِنَّه كَلَامي نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول كريم وَيُقَال إِنَّه الَّذِي ذكرت من الْحَسْرَة والندامة على الْكَافرين لحق الْيَقِين يَقُول حَقًا يَقِينا أَن تكون عَلَيْهِم الْحَسْرَة والندامة يَوْم الْقِيَامَة(1/484)
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)
{فَسَبِّحْ باسم رَبِّكَ} فصل بِأَمْر رَبك {الْعَظِيم} وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك الْعَظِيم أعظم من كل شَيْء
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا المعارج وَهِي كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَربع وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مِائَتَان وست عشر وحروفها ثَمَانمِائَة وَأحد وَسِتُّونَ {بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/484)
سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سَأَلَ سَآئِلٌ} يَقُول دَعَا دَاع وَهُوَ النَّضر بن الْحَارِث {بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} نَازل(1/484)
لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)
{لِّلْكَافِرِينَ} على الْكَافرين وَهُوَ من الْكَافرين {لَيْسَ لَهُ} للعذاب {دَافِعٌ} مَانع فَقتل يَوْم بدر صبرا(1/484)
مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)
{من الله} يَأْتِي هَذَا الْعَذَاب على الْكَافرين {ذِي المعارج} خَالق السَّمَوَات(1/484)
تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)
{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَة وَالروح} يَعْنِي جِبْرِيل {إِلَيْهِ} إِلَى الله {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ} مِقْدَار الصعُود على غير الْمَلَائِكَة(1/484)
{خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} وَيُقَال من الله يَأْتِي هَذَا الْعَذَاب على الْكَافرين فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة وَيُقَال لَو ولي محاسبة الْخَلَائق إِلَى أحد غير الله لم يفرغ مِنْهُ خمسين ألف سنة(1/485)
فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)
{فاصبر} على أذاهم يَا مُحَمَّد {صَبْراً جَمِيلاً} بِلَا جزع وَلَا فحش وَيُقَال فاعتزل عَنْهُم اعتزالاً جميلاً بِلَا جزع وَلَا فحش فَأمر بعد ذَلِك بِالْقِتَالِ(1/485)
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)
{إِنَّهُمْ} كَانُوا يَعْنِي كفار مَكَّة {يَرَوْنَهُ} يَعْنِي الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة {بَعِيداً} غير كَائِن(1/485)
وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)
{وَنَرَاهُ قَرِيباً} كَائِنا لِأَن كل آتٍ كَائِن قريب(1/485)
يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8)
ثمَّ بيَّن عَذَابهمْ مَتى يكون فَقَالَ {يَوْمَ تَكُونُ السمآء} تصير السَّمَاء {كَالْمهْلِ} كدردي الزَّيْت وَيُقَال كالفضة المذابة(1/485)
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9)
{وَتَكُونُ} تصير {الْجبَال كالعهن} كالصوف المندوف(1/485)
وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)
{وَلاَ يسْأَل حَمِيمٌ حَمِيماً} قرَابَة عَن قرَابَة(1/485)
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11)
{يُبَصَّرُونَهُمْ} يرونهم وَلَا يعرفونهم اشتغالاً بِأَنْفسِهِم {يَوَدُّ} يتَمَنَّى {المجرم} يَعْنِي الْمُشرك أَبَا جهل وَأَصْحَابه وَيُقَال النَّضر وَأَصْحَابه {لَوْ يَفْتَدِي} يفادي نَفسه {مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {بِبَنِيهِ} أَوْلَاده(1/485)
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)
{وَصَاحِبَتِهِ} زَوجته {وَأَخِيهِ} من أَبِيه وَأمه(1/485)
وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13)
{وَفَصِيلَتِهِ} وبقرابته وعشيرته {الَّتِي تُؤْوِيهِ} ينتمي إِلَيْهَا(1/485)
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14)
{وَمَن فِي الأَرْض جَمِيعاً} وبمن فِي الأَرْض جَمِيعًا {ثُمَّ يُنجِيهِ} أَي الله من الْعَذَاب(1/485)
كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15)
{كَلاَّ} حَقًا وَهُوَ رد عَلَيْهِ لَا ينجيه الله من الْعَذَاب {إِنَّهَا لظى} يَعْنِي اسْما من أَسمَاء النَّار(1/485)
نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16)
{نَزَّاعَةً للشوى} قلاعة لأعضاء الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ وَسَائِر الْأَعْضَاء وَيُقَال حراقة للبدن(1/485)
تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17)
{تدعوا} إِلَى نَفسهَا إِلَيّ أَيهَا الْكَافِر وإلي أَيهَا الْمُنَافِق {مَنْ أَدْبَرَ} عَن التَّوْحِيد {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان وَلم يتب من الْكفْر(1/485)
وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)
{وَجَمَعَ} المَال فِي الدُّنْيَا {فأوعى} جعله فِي الْوِعَاء فَمنع حق الله مِنْهُ(1/485)
إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19)
{إِن الْإِنْسَان} يعْنى الْكَافِر {خلق هلوعا} ضجور بَخِيلًا حَرِيصًا ممسكاً(1/485)
إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20)
{إِذَا مَسَّهُ الشَّرّ} الْفقر والشدة {جَزُوعاً} جازعاً لَا يصبر(1/485)
وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21)
{وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْر} المَال وَالسعَة {مَنُوعاً} منع حق الله مِنْهُ وَلَا يشْكر(1/485)
إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)
{إِلاَّ الْمُصَلِّين} أهل الصَّلَوَات الْخمس فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك(1/485)
الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
ثمَّ بيَّن نعتهم فَقَالَ {الَّذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ} الْمَكْتُوبَة {دَآئِمُونَ} يديمون عَلَيْهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار فَلَا يدعونها(1/485)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)
{وَالَّذين فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ} يرَوْنَ فِي أَمْوَالهم حَقًا مَعْلُوما غير الزَّكَاة(1/485)
لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)
{لِّلسَّآئِلِ} الَّذِي يسْأَل مَالك {والمحروم} الَّذِي حرم أجره وغنيمته وَيُقَال هُوَ المحترف الَّذِي لَا تفي حرفته بمعيشته وقوته وَيُقَال هُوَ الْفَقِير الَّذِي لَا يسْأَل وَلَا يعْطى وَلَا يفْطن بِهِ(1/485)
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)
{وَالَّذين يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدّين} بِيَوْم الْحساب بِمَا فِيهِ(1/485)
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27)
{وَالَّذين هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} خائفون(1/485)
إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} لم يَأْتهمْ الْأمان من رَبهم(1/485)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29)
{وَالَّذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} يعفون عَن الْحَرَام(1/485)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30)
{إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ} الْأَرْبَع(1/485)
فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} من الولائد بِغَيْر عدد {فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وَلَا آثمين بذلك لَا يلامون بذلك الْحَلَال {فَمَنِ ابْتغى وَرَآءَ ذَلِك} طلب سوى مَا ذكرت من الْأزْوَاج والولائد {فَأُولَئِك هُمُ العادون} المعتدون من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام(1/485)
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32)
{وَالَّذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ} لما ائتمنوا عَلَيْهِ من أَمر الدّين وَغَيره {وَعَهْدِهِمْ} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم أَو فِيمَا بَينهم وَبَين النَّاس وَيُقَال بحلفهم بِاللَّه {رَاعُونَ} حافظون لَهُ بِالْوَفَاءِ والتمام إِلَى أَجله(1/485)
وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)
{وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ} عِنْد الْحُكَّام إِذا دعوا وَلَا يكتمونها(1/485)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)
{وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ} على أَوْقَات صلَاتهم الْخمس يُحَافِظُونَ(1/485)
أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (35)
{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {فِي جَنَّاتٍ} بساتين {مُّكْرَمُونَ} بالثواب والتحف والهدايا(1/485)
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36)
{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة الْمُسْتَهْزِئِينَ وَغَيرهم {قِبَلَكَ} حولك {مُهْطِعِينَ} ناظرين إِلَيْك لَا يدنون إِلَيْك مُتَفَرّقين(1/485)
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
{عَنِ الْيَمين وَعَنِ الشمَال عِزِينَ} حلقا حلقا(1/486)
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)
{أيطمع كل امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلاَّ} وَهُوَ رد عَلَيْهِم لَا يدخلهم وَيُقَال كلا حَقًا {إِنَّا خَلَقْنَاهُم} يَعْنِي كفار مَكَّة {مِّمَّا يَعْلَمُونَ} يعْنى النُّطْفَة(1/486)
فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)
{فَلاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بِرَبِّ الْمَشَارِق} مَشَارِق الشتَاء والصيف {والمغارب} مغارب الشتَاء والصيف وهما مشرقان ومغربان لمشرق الشتَاء والصيف مائَة وَثَمَانُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين وَيُقَال لمشرق الشتَاء والصيف مائَة وَسَبْعَة وَسَبْعُونَ منزلا وَكَذَلِكَ للمغربين تطلع الشَّمْس فِي سنة يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد وَكَذَلِكَ تغرب فِي يَوْمَيْنِ فِي منزل وَاحِد {إِنَّا لَقَادِرُونَ} وَلِهَذَا كَانَ الْقسم(1/486)
عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41)
{على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ} يَقُول نهلكهم ونأتي بغيرهم خيرا مِنْهُم وأطوع لله مِنْهُم {وَمَا نَحن بمسبوقين} بعاجزين على أَن نبدل خيرا مِنْهُم(1/486)
فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42)
{فَذَرْهُمْ} اتركهم يَا مُحَمَّد يَعْنِي الْمُسْتَهْزِئِينَ وَغَيرهم {يخوضوا} فى الْبَاطِل {ويلعبوا} يهزءوا فِي كفرهم {حَتَّى يُلاَقُواْ} يعاينوا {يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} فِيهِ الْعَذَاب(1/486)
يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)
ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} من الْقُبُور {سِرَاعاً} يَقُول خُرُوجهمْ من الْقُبُور سَرِيعا إِلَى الصَّوْت {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ} أَي راية وَغَايَة وَعلم {يُوفِضُونَ} يمضون وينطلقون(1/486)
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (44)
{خَاشِعَةً} ذليلة {أَبْصَارُهُمْ} لَا يرَوْنَ خيرا {تَرْهَقُهُمْ} تعلوهم وتغشاهم {ذِلَّةٌ} كآبة وكسوف وَهُوَ السوَاد على الْوُجُوه {ذَلِك الْيَوْم الَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ} فِيهِ الْعَذَاب وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة كوعد نوح وإنذاره
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا نوح وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سبع وَعِشْرُونَ وكلماتها مِائَتَيْنِ وَأَرْبع وَعِشْرُونَ وحروفها تِسْعمائَة وتسع وَعِشْرُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/486)
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّآ أَرْسَلْنَا} بعثنَا {نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ} خوف {قَوْمَكَ} من السخط وَالْعَذَاب {مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وجيع وَهُوَ الْغَرق فَلَمَّا جَاءَهُم(1/486)
قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2)
{قَالَ يَا قوم إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ} رَسُول مخوف {مُّبِينٌ} بلغَة تعلمونها(1/486)
أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)
{أَنِ اعبدوا الله} وحدوا الله {واتقوه} اخشوه وتوبوا من الْكفْر والشرك {وَأَطِيعُونِ} اتبعُوا امري وديني ووصيتي واقبلوا نصيحتي(1/486)
يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)
{يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} يغْفر ذنوبكم بِالتَّوْبَةِ والتوحيد {وَيُؤَخِّرْكُمْ} يؤجلكم بِلَا عَذَاب {إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} إِلَى الْمَوْت {إِنَّ أَجَلَ الله} عَذَاب الله {إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ} لَا يُؤَجل {لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} تصدقُونَ بِمَا أَقُول لكم فَلَمَّا أيس مِنْهُم بعد مَا دعاهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَلم يُؤمنُوا وَلم يقبلُوا نصيحته(1/486)
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي} إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {لَيْلاً وَنَهَاراً} فِي اللَّيْل وَالنَّهَار(1/486)
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)
{فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي} إيَّاهُم إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {إِلاَّ فِرَاراً} تباعداً عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة(1/486)
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)
{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ} إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {لِتَغْفِرَ لَهُمْ} بِالتَّوْبَةِ والتوحيد {جعلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} لكَي لَا يسمعوا كَلَامي ودعوتي {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} غطوا رُءُوسهم بثيابهم لكَي لَا يسمعوا صوتي وَلَا يروني(1/486)
{وَأَصَرُّواْ} أَقَامُوا وَسَكنُوا على الْكفْر وَعبادَة الْأَوْثَان وَيُقَال صاحوا جَمِيعًا أَن لَا نؤمن بك يَا نوح {واستكبروا} عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة {استكبارا} تجبرا(1/487)
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)
{ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ} إِلَى التَّوْبَة والتوحيد {جِهَاراً} عَلَانيَة بِغَيْر سر(1/487)
ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)
{ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ} أظهرت لَهُم دَعْوَتِي وأوضحت لَهُم {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} دعوتهم فِي السِّرّ خُفْيَة(1/487)
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)
{فَقُلْتُ} لَهُم {اسْتَغْفرُوا رَبَّكُمْ} وحدوا ربكُم بِالتَّوْبَةِ من الْكفْر والشرك {إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً} لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِهِ(1/487)
يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11)
{يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً} مطر دَائِما دريراً كلما تحتاجون إِلَيْهِ فَكَانَ قد حبس الله عَنْهُم الْمَطَر أَرْبَعِينَ سنة(1/487)
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12)
{ويمددكم بأموال وبنين} يعطكم أَمْوَالًا إبِلا وبقراً وَغنما وبنين الذُّكُور وَالْإِنَاث وَقد كَانَ الله قطع نسل دوابهم وَنِسَائِهِمْ أَرْبَعِينَ سنة {وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ} بساتين {وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} تجْرِي لمنافعكم وَقد كَانَ الله أهلك جناتهم وأيبس أنهارهم قبل ذَلِك بِأَرْبَعِينَ سنة(1/487)
مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13)
{مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} لَا تخافون لله عَظمَة وسلطانا وَيُقَال مالكم لَا تعظمون الله حق عَظمته فتوحدونه(1/487)
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14)
{وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} أصنافاً حَالا بعد حَال النُّطْفَة والعلقة والمضغة وَالْعِظَام(1/487)
أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15)
{أَلَمْ تَرَوْاْ} ألم تخبروا يَا كفار مَكَّة {كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً} بَعْضهَا فَوق بعض مثل الْقبَّة ملتزقة أطرافها(1/487)
وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
{وَجَعَلَ الْقَمَر فِيهِنَّ} مَعَهُنَّ {نُوراً} مضيئاً {وَجَعَلَ الشَّمْس سِرَاجاً} ضِيَاء لبني آدم(1/487)
وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17)
{وَالله أَنبَتَكُمْ مِّنَ الأَرْض نَبَاتاً} خَلقكُم من آدم وآدَم من تُرَاب وَالتُّرَاب من الأَرْض(1/487)
ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18)
{ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا} يقبركم فِي الأَرْض {وَيُخْرِجُكُمْ} من الْقُبُور يَوْم الْقِيَامَة {إِخْرَاجاً}(1/487)
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19)
{وَالله جَعَلَ لَكُمُ الأَرْض بِسَاطاً} فراشا ومناماً(1/487)
لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)
{لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا} لِتَأْخُذُوا فِيهَا {سُبُلاً فِجَاجاً} طرقاً وَاسِعَة(1/487)
قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21)
{قَالَ نُوحٌ رَّبِّ} يَا رب {إِنَّهُمْ عَصَوْنِي} فِيمَا أَمرتهم من التَّوْبَة والتوحيد {وَاتبعُوا} أطاعوا {مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ} كَثْرَة مَاله {وَوَلَدُهُ} كَثْرَة أَوْلَاده {إِلاَّ خَسَاراً} غبناً فِي الْآخِرَة وهم الرؤساء(1/487)
وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)
{وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً} وَقَالُوا قولا عَظِيما من الْفِرْيَة(1/487)
وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)
{وَقَالُواْ} يَعْنِي الرؤساء للسفلة {لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} عبَادَة آلِهَتكُم {وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً} عبَادَة الود {وَلَا سواعا} وَلَا عبَادَة السواع {وَلاَ يَغُوثَ} وَلَا عبَادَة اليغوث {وَيَعُوقَ} وَلَا عبَادَة اليعوق {وَنَسْراً} وَلَا عبَادَة النسْر وكل هَؤُلَاءِ آلِهَتهم الَّتِي كَانُوا يعبدونها(1/487)
وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)
{وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً} يَقُول قد أَضَلُّوا بِهن كثيرا من النَّاس وَيُقَال ضل بِهن كثير من النَّاس {وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمين} الْكَافرين الْمُشْركين بِعبَادة الْأَوْثَان {إِلاَّ ضَلاَلاً} خساراً وضلالة وهلاكاً(1/487)
مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25)
{مِمَّا خطيئاتهم} يَقُول بخطيئاتهم {أُغْرِقُواْ} بالطوفان فِي الدُّنْيَا {فَأُدْخِلُواْ} فِي الْآخِرَة {نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ الله} من عَذَاب الله {أَنصَاراً} أعواناً يمْنَعُونَ عَذَاب الله عَنْهُم(1/487)
وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26)
{وَقَالَ نُوحٌ} بعد مَا قَالَ لَهُ ربه أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن {رَّبِّ} يَا رب {لاَ تَذَرْ} لاتترك {عَلَى الأَرْض مِنَ الْكَافرين دَيَّاراً} أحدا(1/487)
إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27)
{إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ} تتركهم {يُضِلُّواْ عِبَادَكَ} عَن دينك من آمن بك وَمن أَرَادَ أَن يُؤمن بك {وَلاَ يلدوا} لَا يلد مِنْهُم {إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً} إِلَّا من يكون فَاجِرًا كَافِرًا بعد الْإِدْرَاك وَيُقَال إِلَّا من قدرت عَلَيْهِ الْكفْر والفجور بعد الْبلُوغ وَيُقَال لم يكن فيهم صبي لِأَن الله قد حبس عَنْهُم الْوَلَد أَرْبَعِينَ سنة فَلم يكن فيهم غير مدرك وَلم يُولد فيهم أَرْبَعِينَ سنة وَكلهمْ كَانُوا مدركين فجارا كفَّارًا(1/487)
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)
{رَّبِّ} يَا رب {اغْفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ} لآبائي الْمُؤمنِينَ {وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ} ديني وَيُقَال مَسْجِدي وَيُقَال سفينى(1/487)
{مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ} المصدقين من الرِّجَال {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات من النِّسَاء بِالْإِيمَان الَّذين يكونُونَ من بعدِي {وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمين} الْكَافرين الْمُشْركين {إِلاَّ تَبَاراً} خساراً وهلاكاً كخسار من أُوحِي إِلَى نَبِيّهم فَلم يُؤمنُوا بِهِ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْجِنّ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَمَان وَعِشْرُونَ وكلماتها مِائَتَان وَخمْس وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وَسَبْعُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/488)
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ} يَقُول قل لَهُم لكفار مَكَّة يَا مُحَمَّد أُوحِي إِلَيّ أنزل إِلَيّ جِبْرِيل فَأَخْبرنِي {أَنَّهُ اسْتمع نَفَرٌ} تِسْعَة نفر {من الْجِنّ} من جن نَصِيبين بِالْيمن {فَقَالُوا} بَعْدَمَا آمنُوا وَرَجَعُوا إِلَى قَومهمْ يَا قَومنَا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً} تِلَاوَة قُرْآن عَجِيب كريم شرِيف يشبه كتاب مُوسَى وَكَانُوا أهل توراة(1/488)
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)
{يهدي إِلَى الرشد} إِلَى الْحق وَالْهدى وَالصَّوَاب لَا إِلَه إِلَّا الله {فَآمَنَّا بِهِ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً} يعنون إِبْلِيس(1/488)
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)
{وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} ملك رَبنَا وَيُقَال ارْتَفع عَظمَة رَبنَا وسلطان رَبنَا وغنى رَبنَا وَصفَة رَبنَا {مَا اتخذ} من أَن يتَّخذ {صَاحِبَةً} زَوْجَة {وَلاَ وَلَداً} كَمَا يَجعله الْكفَّار(1/488)
وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)
{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا} جاهلنا يعنون إِبْلِيس {عَلَى الله شَطَطاً} كذبا وزوراً(1/488)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5)
{وَأَنَّا ظَنَنَّآ} حَسبنَا {أَن لَّن تَقُولَ الْإِنْس وَالْجِنّ عَلَى الله كَذِباً} أَن مَا يَقُول الْإِنْس وَالْجِنّ على الله لَيْسَ بكذب واستبان لنا أَنه كذب وكل هَذَا من أول السُّورَة إِلَى هَهُنَا حِكَايَة من الله عَن كَلَام الْجِنّ ثمَّ قَالَ(1/488)
وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6)
{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنْس يَعُوذُونَ} يتعوذون {بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنّ فَزَادُوهُمْ} بذلك {رَهَقاً} عَظمَة وتكبرا وفتنة وَفَسَادًا وَذَلِكَ أَنهم إِذا سافروا سفرا أَو اصطادوا صيدا من صيدهم أَو نزلُوا وادياُ خَافُوا مِنْهُم فَقَالُوا نَعُوذ بِسَيِّد هَذَا الْوَادي من سُفَهَاء قومه فيأمنون بذلك مِنْهُم فيزيد رُؤَسَاء الْجِنّ بذلك عَظمَة وتكبراً على سفلتهم وَالْجِنّ هم ثَلَاثَة أَجزَاء جُزْء فِي الْهَوَاء وجزء ينزلون ويصعدون حَيْثُمَا يشاءون وجزء مثل الْكلاب والحيات(1/488)
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7)
{وَأَنَّهُمْ} يَعْنِي كفار الْجِنّ قبل أَن آمنُوا {ظَنُّواْ} حسبوا {كَمَا ظَنَنتُمْ} حسبتم يَا أهل مَكَّة {أَن لَّن يَبْعَثَ الله أَحَداً} بعد الْمَوْت وَيُقَال أَن لن يبْعَث الله أحدا رَسُولا(1/488)
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)
ثمَّ رَجَعَ إِلَى كَلَام الْجِنّ فَقَالَ {وَأَنَّا لَمَسْنَا السمآء} انتهينا إِلَى السَّمَاء قبل أَن آمنا {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً} من الْمَلَائِكَة {شَدِيداً} كثيرا {وَشُهُباً} نجماً مضيئاً يدحرهم عَن الِاسْتِمَاع(1/488)
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا} من السَّمَاء {مَقَاعِدَ للسمع} للاستماع قبل أَن يبْعَث مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمن يستمع الْآن} بعد مَا بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يَجِدْ لَهُ شِهَاباً} نجماً مضيئاً {رَّصَداً} من الْمَلَائِكَة يدحرونهم عَن الِاسْتِمَاع(1/488)
وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)
{وَأَنا لَا نَدْرِي} لَا نعلم {أشر أُرِيد بِمَن فِي الأَرْض} حِين منعنَا عَن الِاسْتِمَاع {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} هدى وصواباً وَخيرا وَيُقَال وَأَنا لَا نَدْرِي لَا نعلم أشر أُرِيد بِمن فى الأَرْض حِين بعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذْ لم يُؤمنُوا بِهِ فيهلكهم الله أم أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً هدى وصواباً وَخيرا إِذا آمنُوا بِهِ(1/488)
وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11)
{وَأَنَّا مِنَّا الصالحون} الموحدون هم الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَمِنَّا دُونَ ذَلِك}(1/488)
كافرون وهم كفرة الْجِنّ {كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} أهواء مُخْتَلفَة الْيَهُودِيَّة والنصرانية قبل أَن آمنا بِاللَّه(1/489)
وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا (12)
{وَأَنَّا ظَنَنَّآ} علمنَا وأيقنا {أَن لَّن نُّعْجِزَ الله فِي الأَرْض} أَن لن نفوت من الله فِي الأَرْض حَيْثُمَا كُنَّا يدركنا {وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً} أَن لَا نفوت مِنْهُ بالهرب(1/489)
وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا (13)
{وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهدى} تِلَاوَة الْقُرْآن من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {آمنا بِهِ} بِالْقُرْآنِ وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً} ذهَاب عمله كُله {وَلاَ رَهَقاً} نُقْصَان عمله(1/489)
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (14)
{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسلمُونَ} المخلصون بِالتَّوْحِيدِ وهم الَّذين آمنُوا بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَمنا القاسطون} العاصون المائلون عَن الْحق وَالْهدى وهم كفرة الْجِنّ {فَمَنْ أَسْلَمَ} أخْلص بِالتَّوْحِيدِ {فَأُولَئِك تَحَرَّوْاْ رَشَداً} نووا صَوَابا وَخيرا(1/489)
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (15)
{وَأَمَّا القاسطون} الْكَافِرُونَ {فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً} شَجرا(1/489)
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)
{وَأَن لَو استقاموا عَلَى الطَّرِيقَة} طَريقَة الْكفْر وَيُقَال طَريقَة الْإِسْلَام {لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً} لأعطيناهم مَالا كثيرا وعيشاً رغداً وَاسِعًا(1/489)
لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17)
{لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} لنختبرهم فِيهِ حَتَّى يرجِعوا إِلَى مَا قدرت عَلَيْهِم {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ} عَن تَوْحِيد ربه وَكتاب ربه الْقُرْآن وَهُوَ الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المخزومى {نسلكه} يكلفه {عَذَاباً صَعَداً} الصعُود على جبل أملس من صَخْرَة وَيُقَال من نُحَاس فِي النَّار(1/489)
وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18)
{وَأَنَّ الْمَسَاجِد لِلَّهِ} بنيت لذكر الله {فَلاَ تَدْعُواْ} فَلَا تعبدوا {مَعَ الله أَحَداً} فِي الْمَسَاجِد وَيُقَال الْمَسَاجِد مَسَاجِد الرجل الْجَبْهَة وَالرُّكْبَتَانِ وَالْيَدَانِ وَالرجلَانِ(1/489)
وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19)
{وَأَنه لما قَامَ عبد الله} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن نخل {يَدْعُوهُ} يعبد ربه بِالصَّلَاةِ {كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} كَاد الْجِنّ أَن يركبُوا عَلَيْهِ جَمِيعًا لحبهم الْقُرْآن ومحمدا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين سمعُوا قِرَاءَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَطن نخل(1/489)
قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20)
{قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُو} أعبد {رَبِّي} وأدعو الْخلق إِلَيْهِ {وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً}(1/489)
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21)
{قُلْ} يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة {إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً} دفع الضّر والخذلان وَالْعَذَاب {وَلَا رشدا} ولآجر النَّفْع وَالْهدى(1/489)
قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)
{قل} لَهُم يَا مُحَمَّد {إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ الله} من عَذَاب الله {أَحَدٌ} إِن عصيته {وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ} من عَذَاب الله {مُلْتَحَداً} ملْجأ وسرباً فِي الأَرْض(1/489)
إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23)
{إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله وَرِسَالاَتِهِ} يَقُول لَا ينجيني إِلَّا التَّبْلِيغ عَن الله ورسالاته {وَمَن يَعْصِ الله} فِي التَّوْحِيد {وَرَسُولَهُ} فِي التَّبْلِيغ {فَإِنَّ لَهُ} فِي الْآخِرَة {نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فيهآ} مقيمين فِي النَّار لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا {أَبَداً}(1/489)
حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)
{حَتَّى} يَقُول انظرهم يَا مُحَمَّد حَتَّى {إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ} من الْعَذَاب {فَسَيَعْلَمُونَ} وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم {مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً} مَانِعا {وَأَقَلُّ عَدَداً} أعواناً(1/489)
قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25)
{قُلْ} لَهُم يَا مُحَمَّد حِين تعجلوا بِالْعَذَابِ {إِنْ أَدْرِي} مَا أَدْرِي {أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ} من الْعَذَاب {أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً} أَََجَلًا(1/489)
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)
{عَالِمُ الْغَيْب} بنزول الْعَذَاب يعلم ذَلِك {فَلاَ يُظْهِرُ} فَلَا يطلع {على غَيْبِهِ أَحَداً}(1/489)
إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27)
{إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ} إِلَّا من اخْتَار من الرُّسُل فَإِنَّهُ يطلعه على بعض الْغَيْب {فَإِنَّهُ يَسْلُكُ} يَجْعَل {مِن بَيْنِ يَدَيْهِ} من بَين يَدي الرَّسُول {وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} حرساً من الْمَلَائِكَة يَحْفَظُونَهُ من الْجِنّ وَالشَّيَاطِين وَالْإِنْس لكى لَا يستمعوا قِرَاءَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام(1/489)
لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28)
{ليعلم} مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {أَن قَدْ أَبْلَغُواْ} عَن الله يَعْنِي الرُّسُل {رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ} هَكَذَا تحفظهم الْمَلَائِكَة كَمَا حفظك وَيُقَال ليعلم الرُّسُل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيره أَن قد أبلغوا يَعْنِي الْمَلَائِكَة رسالات رَبهم عَن الله وَيُقَال ليعلم لكَي يعلم الْجِنّ وَالْإِنْس أَن أبلغوا يَعْنِي الرُّسُل رسالات رَبهم قبل أَن علمنَا {وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ} بِمَا عِنْدهم من الْمَلَائِكَة {وأحصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً} أَحْصَاهُ وَيُقَال عَالم بعددهم كَمَا علم بِحَال المزمل بثيابه(1/489)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المزمل وهى مَكِّيَّة غير قَوْله {وذرني والمكذبين أولي النِّعْمَة ومهلهم قَلِيلا} فانها مَدَنِيَّة آياتها تسع عشرَة كلماتها مِائَتَان وَخمْس وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وثمان وَثَلَاثُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/490)
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا المزمل} المتزمل يعْنى بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تزمل بثيابه ليلبسها للصَّلَاة(1/490)
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2)
{قُمِ اللَّيْل} بِالصَّلَاةِ ثمَّ قَالَ {إِلاَّ قَلِيلاً}(1/490)
نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3)
ثمَّ بيَّن فَقَالَ {نِّصْفَهُ} أَي قُم نصف اللَّيْل للصَّلَاة {أَوِ انقص مِنْهُ} من النّصْف {قَلِيلاً} إِلَى الثُّلُث(1/490)
أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
{أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} على النّصْف إِلَى الثُّلثَيْنِ فخيره فِي قيام اللَّيْل ثمَّ قَالَ {وَرَتِّلِ الْقُرْآن تَرْتِيلاً} اقْرَأ الْقُرْآن على رسلك وهينتك وتؤدة ووقار تقْرَأ آيَة وآيتين وَثَلَاثًا ثمَّ كَذَلِك حَتَّى تقطع(1/490)
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5)
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ} سننزل عَلَيْك جِبْرِيل {قَوْلاً ثَقِيلاً} بِكَلَام شَدِيد بِالْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والحلال وَالْحرَام وَيُقَال عَظِيما وَيُقَال ثقيلاً على من خَالفه وَيُقَال ثقيلاً بِصَلَاة اللَّيْل(1/490)
إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)
{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْل} قيام اللَّيْل بِالصَّلَاةِ {هِيَ أَشَدُّ وَطْأً} نشاطاً للرجل إِذا كَانَ محتسباً للصَّلَاة وَيُقَال أرق وأرفق للقلب {وَأَقْوَمُ قِيلاً} أبين قِرَاءَة لِلْقُرْآنِ وَأثبت(1/490)
إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7)
{إِنَّ لَكَ} يَا مُحَمَّد {فِي النَّهَار سَبْحَاً طَوِيلاً} فراغاً طَويلا لقَضَاء حوائجك(1/490)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)
{وَاذْكُر اسْم رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك وَيُقَال اذكر تَوْحِيد رَبك {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} أخْلص لله إخلاصاً فِي صَلَاتك ودعائك وعبادتك(1/490)
رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (9)
{رَّبُّ الْمشرق وَالْمغْرب} هُوَ الله {لاَ إِلَه إِلاَّ هُوَ فاتخذه وَكِيلاً} فاعبده رَبًّا وَيُقَال فاتخذه كَفِيلا فِيمَا وَعدك من النُّصْرَة والدولة وَالثَّوَاب(1/490)
وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10)
{واصبر} يَا مُحَمَّد {على مَا يَقُولُونَ} من الشتم والتكذيب {واهجرهم هَجْراً جَمِيلاً} اعتزلهم اعتزالاً جميلاً بِلَا جزع وَلَا فحش(1/490)
وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)
{وَذَرْنِي والمكذبين} بِالْقُرْآنِ وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم وهم المطعمون يَوْم بدر {أُوْلِي النِّعْمَة} ذَوي المَال لَهُم والغنى {وَمَهِّلْهُمْ} أَجلهم {قَلِيلاً} إِلَى يَوْم بدر(1/490)
إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا (12)
{إِنَّ لَدَيْنَآ} عندنَا لَهُم فِي الْآخِرَة {أَنكَالاً} قيوداً تقيد بهَا أَرجُلهم وأغلالاً تغل بهَا أَيْمَانهم إِلَى أَعْنَاقهم وسلاسل تُوضَع فِي أَعْنَاقهم {وَجَحِيماً} نَارا يدْخلُونَهَا(1/490)
وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13)
{وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ} يسْتَمْسك فِي حلقهم وَهُوَ الزقوم {وَعَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم(1/490)
يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14)
ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْض} تزلزل الأَرْض {وَالْجِبَال} وتزلزل الْجبَال {وَكَانَتِ} وَصَارَت {الْجبَال كَثِيباً} تُرَابا {مَّهِيلاً} وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي إِذا رفعت أَسْفَله سقط عَلَيْك أَعْلَاهُ مثل الرمل(1/490)
إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15)
{إِنَّآ أَرْسَلْنَآ} بعثنَا {إِلَيْكُمْ رَسُولاً} يَعْنِي مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {شَاهِداً عَلَيْكُمْ} بالبلاغ {كَمَآ أَرْسَلْنَآ} بعثنَا {إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} يَعْنِي مُوسَى(1/490)
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا (16)
{فعصى فِرْعَوْنُ الرَّسُول} يَعْنِي مُوسَى لم يجبهُ {فأخذناه أخذا وبيلا} فعاقبناه عُقُوبَة شَدِيدَة وَهِي الْغَرق(1/490)
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ} الْكفْر والشرك وتؤمنون بِاللَّه يَا أهل مَكَّة {إِن كَفَرْتُمْ} إِذا كَفرْتُمْ فِي الدُّنْيَا {يَوْماً} يَوْم الْقِيَامَة {يَجْعَلُ} ذَلِك الْيَوْم {الْولدَان شِيباً} شُمْطًا إِذا سمعُوا حَيْثُ يَقُول الله لآدَم يَا آدم ابْعَثْ بعثاً من ذريتك إِلَى النَّار قَالَ آدم يَا رب من كم قَالَ الله تَعَالَى من كل ألف تِسْعمائَة وَتِسْعَة وَتسْعُونَ إِلَى النَّار وَوَاحِد إِلَى الْجنَّة(1/490)
السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا (18)
{السمآء مُنفَطِرٌ} منشق {بِهِ} بذلك الزَّمَان الَّذِي يَجْعَل الْولدَان شيباً وَيُقَال بنزول أَمر الرب وَالْمَلَائِكَة {كَانَ وَعْدُهُ} فِي الْبَعْث {مَفْعُولاً} كَائِنا(1/490)
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (19)
{إِنَّ هَذِه} السُّورَة {تَذْكِرَةٌ} عظة وَبَيَان لكم {فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} ) طَرِيقا يَأْتِي بِهِ إِلَى ربه وَيُقَال فَمن شَاءَ وحد وَاتخذ بذلك إِلَى ربه سَبِيلا مرجعا(1/490)
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)
{إِن رَبك}(1/490)
يَا مُحَمَّد {يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى} أقل {مِن ثُلُثَيِ اللَّيْل} إِلَى النّصْف {وَنِصْفَهُ} وَتقوم نصف اللَّيْل {وَثُلُثَهُ} وَتقوم ثلث اللَّيْل وَيُقَال وَنصفه أقل من نصف اللَّيْل وَثلثه إِذا قَرَأت بالخفض {وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الَّذين مَعَكَ} وَجَمَاعَة من الْمُؤمنِينَ مَعَك فِي الصَّلَاة {وَالله يُقَدِّرُ اللَّيْل وَالنَّهَار} يعلم سَاعَات اللَّيْل وَالنَّهَار {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ} أَن لن تحفظُوا سَاعَات اللَّيْل وَيُقَال مَا أمرْتُم فِي اللَّيْل من الصَّلَاة {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} فَتَجَاوز عَنْكُم صَلَاة اللَّيْل {فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ} عَلَيْكُم {مِنَ الْقُرْآن} فِي الصَّلَاة مائَة آيَة فَصَاعِدا وَيُقَال مَا شِئْتُم من الْقُرْآن {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى} جرحى لَا تَسْتَطِيعُونَ الصَّلَاة بِاللَّيْلِ {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ} يسافرون {فِي الأَرْض} بِالتِّجَارَة وَغَيرهَا {يَبْتَغُونَ} يطْلبُونَ {مِن فَضْلِ الله} من رزق الله وَغَيره يشق عَلَيْهِم صَلَاة اللَّيْل {وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ} يجاهدون {فِي سَبِيلِ الله} فِي طَاعَة الله يشق عَلَيْهِم صَلَاة اللَّيْل {فاقرؤوا مَا تَيَسَّرَ} عَلَيْكُم {مِنْهُ} من الْقُرْآن فِي الصَّلَاة {وَأَقِيمُواْ الصَّلَاة} أَتموا الصَّلَوَات الْخمس بوضوئها وركوعها وسجودها وَمَا يجب فِيهَا من مواقيتها {وَآتُواْ الزَّكَاة} أعْطوا زَكَاة أَمْوَالكُم {وَأَقْرِضُواُ الله} فِي الصَّدَقَة وَيُقَال فِي الْعَمَل الصَّالح {قَرْضاً حسنا} محتسبا صَادِقا من قُلُوبكُمْ {وَمَا تُقَدِّمُواْ} تسلفوا {لأَنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ} من صَدَقَة أَو عمل صَالح {تَجِدُوهُ} تَجدوا ثَوَابه {عِندَ الله} فِي الْجنَّة مَحْفُوظًا لكم لَا سرق وَلَا غرق وَلَا حرق وَلَا يَأْكُلهُ السوس {هُوَ خَيْراً} مِمَّا بَقِي عنْدكُمْ فِي الدُّنْيَا {وَأَعْظَمَ أَجْراً} ثَوابًا مِمَّا عنْدكُمْ {وَاسْتَغْفرُوا الله} من الذُّنُوب {إِنَّ الله غَفُورٌ} لمن تَابَ {رَحِيم} لمن مَاتَ على التَّوْبَة لرحمة المدثر بثيابه
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المدثر وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَخَمْسُونَ وكلماتها مِائَتَان وَخمْس وَخَمْسُونَ وحروفها ألف وَعشرَة
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/491)
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا فى قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا المدثر} يَعْنِي بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تدثر بثيابه ونام(1/491)
قُمْ فَأَنْذِرْ (2)
{قُمْ فَأَنذِرْ} فخوف النَّاس وادعهم إِلَى التَّوْحِيد(1/491)
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3)
{وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} فَعظم عَمَّا يَقُوله عَبدة الْأَوْثَان(1/491)
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قَلْبك من الْغدر والخيانة والضجر أَي كن طَاهِر الْقلب وَيُقَال ثِيَابك فطهر فقصر وَيُقَال وثيابك فطهر من الدنس(1/491)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
{وَالرجز فاهجر} المآثم فاترك وَلَا تقربنه(1/491)
وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
{وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} لَا تعط شَيْئا قَلِيلا فتعطى أفضل من ذَلِك وَأكْثر مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَيُقَال وَلَا تمنن بعملك على الله تستكثر(1/491)
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)
{وَلِرَبِّكَ} على طَاعَة رَبك وَعبادَة رَبك {فاصبر}(1/491)
فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8)
{فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور} فَإِذا نفخ فِي الصُّور وَهِي نفخة الْبَعْث(1/491)
فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9)
{فَذَلِك يَوْمَئِذٍ} يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة {يَوْمٌ عَسِيرٌ} شَدِيد(1/491)
عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10)
{عَلَى الْكَافرين} هوله وعذابه {غَيْرُ يَسِيرٍ} غير هَين عَلَيْهِم(1/491)
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)
{ذَرْنِي} يَا مُحَمَّد {وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} بِلَا مَال وَلَا ولد وَلَا زوج وَهَذَا وَعِيد من الله للوليد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي(1/491)
وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12)
{وَجَعَلْتُ لَهُ} بعد ذَلِك {مَالاً مَّمْدُوداً} كثيرا من كل نوع لم يزل فِي الزِّيَادَة فَكَانَ مَاله نَحْو تِسْعَة أُلَّاف مِثْقَال فضَّة(1/491)
وَبَنِينَ شُهُودًا (13)
{وَبَنِينَ شُهُوداً} حضوراً لَا يغيبون عَنهُ وَكَانَ بنوه عشرَة(1/492)
وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا (14)
{وَمَهَّدتُّ لَهُ} المَال بعضه على بعض {تَمْهِيداً} مثل الْفرش بَعْضهَا على بعض(1/492)
ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
{ثُمَّ يَطْمَعُ} الْوَلِيد {أَنْ أَزِيدَ} فِي مَاله وَهُوَ يعصيني وَيكفر بِي(1/492)
كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا (16)
{كَلاَّ} حَقًا لَا أزيده فَلم يزل بعد ذَلِك فِي نُقْصَان مَاله {إِنَّهُ} يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً} لكتابنا ورسولنا عنيداً معرضًا مُكَذبا بهما(1/492)
سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا (17)
{سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} سأكلفه الصعُود على جبل أملس فِي النَّار من الصَّخْرَة كلما وضع يَده ذاب ثمَّ عَاد كَمَا كَانَ وَيُقَال من نُحَاس يجذب من أَمَامه وَيضْرب من خَلفه(1/492)
إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18)
{إِنَّهُ} يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {فَكَّرَ} يَعْنِي تفكر فى نَفسه فى أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {وَقَدَّرَ} أَوله قَالَ حَتَّى إِنَّه سَاحر(1/492)
فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19)
{فَقُتِلَ} لعن {كَيْفَ قَدَّرَ} قَوْله فِي أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/492)
ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20)
{ثُمَّ قُتِلَ} ثمَّ لعن {كَيْفَ قَدَّرَ} قَوْله فى أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/492)
ثُمَّ نَظَرَ (21)
{ثُمَّ نَظَرَ} فِي قَوْله حَتَّى قَالَ إِنَّه سَاحر وَيُقَال نظر إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالُوا لَهُ هَلُمَّ إِلَى الْخَيْر يَا ابْن الْمُغيرَة(1/492)
ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22)
{ثُمَّ عَبَسَ} كلح وَجهه {وَبَسَرَ} قبض جَبينه(1/492)
ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23)
{ثمَّ أدبر} عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَهله {واستكبر} تعظم عَن الْإِيمَان أَن يُجِيبهُمْ(1/492)
فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24)
{فَقَالَ إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ} يأثره وَيَرْوِيه عَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي يكون بِالْيَمَامَةِ وَيُقَال عَنى بِهِ جبرا ويسارا(1/492)
إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25)
{إِنْ هَذَا} مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {إِلاَّ قَوْلُ الْبشر} قَول جبر ويسار(1/492)
سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)
{سَأُصْلِيهِ} سأدخله فِي الْآخِرَة يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {سَقَرَ} وَهُوَ الْبَاب الرَّابِع من النَّار(1/492)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا سَقَرُ}(1/492)
لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ (28)
{لاَ تُبْقِي} لَهُم لَحْمًا إِلَّا أَكلته {وَلاَ تَذَرُ} إِذا أعيدوا خلقا جَدِيدا أكلتهم أَيْضا(1/492)
لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29)
{لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ} شواهة لأبدانهم وَيُقَال مسودة لوجوههم(1/492)
عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30)
{عَلَيْهَا} على النَّار {تِسْعَةَ عَشَرَ} ملكا خزان النَّار(1/492)
وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ (31)
{وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّار} مَا سلطنا على أهل النَّار {إِلاَّ مَلاَئِكَةً} يَعْنِي الزَّبَانِيَة {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ} مَا ذكرنَا قلتهم قلَّة خزان {إِلاَّ فِتْنَةً} بلية {لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ} كفار مَكَّة يَعْنِي أَبَا الأشد بن أسيد بن كلدة حَيْثُ قَالَ أَنا أكفيكم سَبْعَة عشر تِسْعَة على ظَهْري وَثَمَانِية على صَدْرِي فاكفوا أَنْتُم على اثْنَيْنِ {لِيَسْتَيْقِنَ} لكَي يستيقن {الَّذين أُوتُواْ الْكتاب} أعْطوا الْكتاب التَّوْرَاة يعْنى أَبَا عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه لِأَن فِي كِتَابهمْ كَذَلِك عدَّة خزان النَّار {وَيَزْدَادَ الَّذين آمنُوا إِيمَاناً} يَقِينا إِذا علمُوا أَن مَا فِي كتَابنَا مثل مَا فِي التَّوْرَاة {وَلاَ يَرْتَابَ الَّذين} لَا يشك الَّذين {أُوتُوا الْكتاب} عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه إِذا لم يكن خلاف مَا فى كِتَابهمْ التَّوْرَاة {والمؤمنون} أَيْضا إِذْ لم يكن خلاف مَا فِي التَّوْرَاة {وَلِيَقُولَ} لكَي يَقُول {الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شكّ ونفاق {والكافرون} يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَيُقَال كفار مَكَّة {مَاذَآ أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً} بِهَذَا الْمثل إِذْ ذكر قلَّة الْمَلَائِكَة {كَذَلِك} هَكَذَا {يضل الله من يَشَاء} بهذ الْمثل من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ} بِهَذَا الْمثل من كَانَ أَهلا لذَلِك {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ} من الْمَلَائِكَة {إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ} يَعْنِي سقر {إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ} عظة لِلْخلقِ أنذرتهم(1/492)
كَلَّا وَالْقَمَرِ (32)
{كَلاَّ وَالْقَمَر} أقسم بالقمر(1/492)
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ (33)
{وَاللَّيْل إِذْ أَدْبَرَ} ذهب(1/492)
وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ (34)
{وَالصُّبْح إِذَآ أَسْفَرَ} أقبل وَيُقَال استضاء(1/492)
إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35)
{إِنَّهَا} يَعْنِي سقر {لإِحْدَى الْكبر} بَاب من أَبْوَاب النَّار مِنْهَا جَهَنَّم وسقر ولظى والحطمة والسعير والجحيم والهاوية(1/492)
نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)
{نذيرا للبشر} أنذرتهم وَيُقَال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَذِير للبشر يرجع إِلَى أول السُّورَة إِلَى قَوْله قُم فَأَنْذر نَذِير للبشر مقدم ومؤخر(1/492)
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37)
{لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ} إِلَى خير فَيُؤمن {أَوْ يَتَأَخَّرَ} عَن شَرّ فَيتْرك وَيُقَال أَو يتَأَخَّر عَن خير فيكفر وَهَذَا وَعِيد لَهُم(1/492)
كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)
{كُلُّ نَفْسٍ} كَافِرَة {بِمَا كَسَبَتْ} فِي الْكفْر {رَهِينَةٌ} مرتهنة فِي النَّار أبدا(1/492)
إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)
{إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمين} أهل الْجنَّة فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك وَلَكنهُمْ(1/492)
فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40)
{فِي جَنَّاتٍ} فِي بساتين {يَتَسَآءَلُونَ}(1/492)
عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)
{عَنِ الْمُجْرمين} يسْأَلُون أهل النَّار وَيَقُولُونَ يَا فلَان(1/492)
مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)
{مَا سَلَكَكُمْ} مَا الَّذِي أدخلكم {فِي سَقَرَ}(1/492)
قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)
{قَالُواْ} يَعْنِي أهل النَّار {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين} من أهل الصَّلَوَات الْخمس الْمُسلمين(1/493)
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)
{وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين} لم نحث على صَدَقَة الْمَسَاكِين وَلم نك من أهل الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة(1/493)
وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)
{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين} مَعَ أهل الْبَاطِل(1/493)
وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)
{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدّين} بِيَوْم الْحساب أَن لَا يكون(1/493)
حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)
{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين} الْمَوْت(1/493)
فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)
{فَمَا تَنفَعُهُمْ} يَقُول الله لَا تنالهم {شَفَاعَةُ الشافعين} يَعْنِي شَفَاعَة الْمَلَائِكَة والأنبياء وَالصَّالِحِينَ(1/493)
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49)
{فَمَا لَهُمْ} لأهل مَكَّة {عَنِ التَّذْكِرَة} عَن الْقُرْآن {مُعْرِضِينَ} مكذبين بِهِ(1/493)
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50)
{كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ} مَذْعُورَة وَيُقَال ذاعرة إِن قَرَأت بخفض الْفَاء(1/493)
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)
{فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} من أَسد وَيُقَال من الرُّمَاة وَيُقَال من عصبَة الرِّجَال(1/493)
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52)
{بل يُرِيد كل امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتى} يعْطى {صُحُفاً مُّنَشَّرَةً} كتابا فِيهِ جرمه وتوبته حَيْثُ قَالُوا ائتنا بِكِتَاب فِيهِ جرمنا وتوبتنا حَتَّى نؤمن بك(1/493)
كَلَّا بَلْ لَا يَخَافُونَ الْآخِرَةَ (53)
{كَلاَّ} حَقًا لَا يعْطى ذَلِك {بَل لاَّ يَخَافُونَ الْآخِرَة} عَذَاب الْآخِرَة(1/493)
كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {تَذْكِرَةٌ} عظة من الله(1/493)
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55)
{فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} فَمن شَاءَ الله أَن يتعظ بِالْقُرْآنِ اتعظ(1/493)
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
{وَمَا يَذْكُرُونَ} مَا يتعظون {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى} أهل أَن يتقى فَلَا يعْصى {وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة} أهل أَن يغْفر لمن اتَّقى وَتَابَ أهل الْمَغْفِرَة إِذا قَامَت الْقِيَامَة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقِيَامَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَثَلَاثُونَ وكلماتها تسع وَتسْعُونَ وحروفها سِتّمائَة وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/493)
لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَة} يَقُول أقسم بِيَوْم الْقِيَامَة أَنَّهَا كائنة(1/493)
وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2)
{وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفسِ اللوامة} وَأقسم بِكُل نفس برة أَو فاجرة أَنَّهَا تلوم نَفسهَا يَوْم الْقِيَامَة أما المحسنة فَتَقول يَا لَيْتَني ازددت إحساناً وَأما السَّيئَة فَتَقول يَا لَيْتَني نزعت من الذُّنُوب وَذَلِكَ عِنْد مُعَاينَة الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَيُقَال هِيَ النَّفس النادمة وَيُقَال هِيَ النَّفس للائمة النادمة الَّتِي تتوب من الذُّنُوب ولامت نَفسهَا على ذَلِك وَيُقَال هِيَ النَّفس الْكَافِرَة والفاجرة(1/493)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3)
{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَان} أيظن الْكَافِر عدي بن ربيعَة إنكاراً مِنْهُ للبعث {أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ} أَن لن فَقدر أَن نجمع عِظَامه بعد بلائها وتبديلها وتفريقها(1/493)
بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)
{بلَى قَادِرِينَ} يَقُول أَنا قَادر على ذَلِك {على أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} نجمع أَصَابِعه فَيكون كَفه كخف الْبَعِير أَو كحافر الدَّوَابّ يَقُول إِنَّا قادرون على أَن نجْعَل كَفه كخف الْبَعِير فَكيف لَا نقدر على أَن نجمع عِظَامه(1/493)
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5)
{بل يُرِيد الْإِنْسَان} الْكَافِر عدى ابْن ربيعَة {لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} ليقدم شَره وَيُؤَخر تَوْبَته وَيُقَال ليعْمَل بِالْفِسْقِ والفجور فِيمَا يستقبله(1/493)
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6)
{يَسْأَلُ} عدي بن ربيعَة إنكاراً مِنْهُ للبعث {أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَة} مَتى يكون يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ الله(1/493)
فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7)
{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر} أعجب الْبَصَر وَيُقَال شخص الْبَصَر(1/493)
وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8)
{وَخَسَفَ الْقَمَر} ذهب ضوء الْقَمَر(1/493)
وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
{وَجُمِعَ الشَّمْس وَالْقَمَر} كالثورين المقرونين العقيرين الأسودين فَيَرْمِي بهما فِي حجاب النُّور(1/493)
يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10)
{يَقُول الْإِنْسَان} الْكَافِر عدى ابْن ربيعَة وَأَصْحَابه {يَوْمَئِذٍ} إِذا رَأَوْا النَّار {أَيْنَ المفر} من النَّار والمهرب والملجأ(1/493)
كَلَّا لَا وَزَرَ (11)
{كَلاَّ} حَقًا {لاَ وَزَرَ} لَا جبل يواريه من النَّار وَهِي بلغَة حمير يسمون الْجَبَل وزرا وَيُقَال لاوزر وَلَا شجر وَلَا ستر وَلَا حرز وَلَا حصن وَلَا ملْجأ وَلَا منجى لَهُم من الله(1/493)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
{إِلَى رَبك}(1/493)
{يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {المستقر} مُسْتَقر الْخَلَائق والمرجع(1/494)
يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)
{يُنَبَّأُ الْإِنْسَان} يخبر الْإِنْسَان عدي بن ربيعَة وَغَيره {يَوْمَئِذِ} يَوْم الْقِيَامَة {بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} بِمَا قدم من خير أَو شَرّ وَأخر بِمَا ترك من سنة صَالِحَة أَو سنة سَيِّئَة وَيُقَال بِمَا قدم من الطَّاعَة وَأخر من الْمعْصِيَة(1/494)
بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)
{بَلِ الْإِنْسَان} عدي بن ربيعَة وَغَيره {على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} يَقُول من نَفسه شَاهد(1/494)
وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
{وَلَوْ ألْقى مَعَاذِيرَهُ} وَلَو تكلم بالعذر مَا فعلت ذَلِك وَمَا قلت وَيُقَال هِيَ بَصِيرَة بعيوب غَيرهَا جاهلة غافلة عَن عُيُوب نَفسهَا(1/494)
لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)
{لاَ تُحَرِّكْ بِهِ} بِقِرَاءَة الْقُرْآن يَا مُحَمَّد {لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} بِقِرَاءَة الْقُرْآن قبل أَن يفرغ جِبْرِيل من قِرَاءَته عَلَيْك وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ بِشَيْء من الْقُرْآن لم يفرغ جِبْرِيل من آخِره حَتَّى يتَكَلَّم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأوله مَخَافَة أَن ينساه فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك(1/494)
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)
{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} جمع حفظه فِي قَلْبك {وَقُرْآنَهُ} وَحفظ قِرَاءَة جِبْرِيل عَلَيْك وَيُقَال تأليفه بالحلال وَالْحرَام(1/494)
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)
{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} قَرَأَهُ جِبْرِيل عَلَيْك {فَاتبع قُرْآنَهُ} فاقرأ أَنْت يَا مُحَمَّد خَلفه وَيُقَال إِذا ألفناه بالحلال وَالْحرَام فَاتبع تأليفه(1/494)
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى(1/494)
كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)
{كَلاَّ} حَقًا {بَلْ تُحِبُّونَ العاجلة} الْعَمَل للدنيا(1/494)
وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (21)
{وَتَذَرُونَ الْآخِرَة} تتركون الْعَمَل لثواب الْآخِرَة(1/494)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22)
{وُجُوهٌ} وُجُوه الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {نَّاضِرَةٌ} حَسَنَة جميلَة ناعمة(1/494)
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)
{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ينظرُونَ إِلَى وَجه رَبهم لَا يحجبون عَنهُ(1/494)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24)
{وَوُجُوهٌ} وُجُوه الْكَافرين وَالْمُنَافِقِينَ {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {بَاسِرَةٌ} كالحة يحجبون عَن رُؤْيَة رَبهم لَا ينظرُونَ إِلَيْهِ(1/494)
تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)
{تَظُنُّ} تعلم تِلْكَ الْوُجُوه {أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} شدَّة ومنكرة من الْعَذَاب(1/494)
كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26)
{كَلاَّ} حَقًا {إِذَا بَلَغَتِ التراقي} إِذا بلغت نفس الْجَسَد إِلَى التراقي(1/494)
وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27)
{وَقِيلَ} قَالَ من بِحَضْرَتِهِ من أَهله وَغَيرهم {مَنْ رَاقٍ} هَل من طَبِيب فيداويه وَيُقَال قَالَ الْمَلَائِكَة بَعضهم لبَعض من راق بِرُوحِهِ إِلَى الله(1/494)
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28)
{وَظَنَّ} علم الْمَيِّت حِينَئِذٍ {أَنَّهُ الْفِرَاق} أَن لَهُ الْفِرَاق من الدُّنْيَا(1/494)
وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29)
{والتفت السَّاق بالساق} الشدَّة بالشدة شدَّة آخر يَوْم من الدُّنْيَا وَشدَّة أول يَوْم من الْآخِرَة وَيُقَال والتفت السَّاق بالساق أَي يلتوي سَاقه بالساق(1/494)
إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)
{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {المساق} الْمرجع مرجع الْخَلَائق(1/494)
فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31)
{فَلاَ صَدَّقَ} يَعْنِي أَبَا جهل بتوحيد الله {وَلاَ صلى} وَلَا أسلم أَي لم يكن مُسلما من أهل الصَّلَاة(1/494)
وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)
{وَلَكِن كَذَّبَ} بتوحيد الله {وَتَوَلَّى} عَن الْإِيمَان(1/494)
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33)
{ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ} فِي الدُّنْيَا {يتمطى} بتبختر ويتبطر فَاسْتَقْبلهُ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخذه فهزه هزة أَو هزتين أَو مرّة أَو مرَّتَيْنِ(1/494)
أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34)
وَقَالَ {أولى لَكَ فَأولى} وعيداً لَك يَا أَبَا جهل وعيداً لَك(1/494)
ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35)
{ثُمَّ أولى لَكَ فَأولى} احذر أَبَا جهل فَنزل الْقُرْآن كَذَلِك(1/494)
أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)
{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَان} الْكَافِر يَعْنِي أَبَا جهل {أَن يُتْرَكَ سُدًى} مهملاً بِلَا أَمر وَلَا نهي وَلَا عظة(1/494)
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)
{أَلَمْ يَكُ} أَبُو جهل {نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ} مني الرجل {يمنى} يهراق فِي رحم الْمَرْأَة وَيُقَال يخلق(1/494)
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38)
{ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} ثمَّ صَار دَمًا عبيطاً {فَخَلَقَ} نسمَة {فسوى} خلقه باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء وَجعل فِيهِ الرّوح(1/494)
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)
{فَجَعَلَ مِنْهُ} بعد ذَلِك {الزَّوْجَيْنِ الذّكر وَالْأُنْثَى} وَكَانَ لَهُ ابْن عِكْرِمَة بن أبي جهل وَابْنَة جويرة بنت أبي جهل(1/494)
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)
{أَلَيْسَ ذَلِك} أَي فعل ذَلِك {بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} للبعث بلَى قَادر رَبنَا على ذَلِك أَن يحيي الْمَوْتَى كَمَا خلق آدم من التُّرَاب(1/494)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانسان وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها مِائَتَان وَأَرْبَعُونَ كلمة وحروفها ألف وَأَرْبع وَخَمْسُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/495)
هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان} يَقُول أَتَى على آدم {حِينٌ مِّنَ الدَّهْر} أَرْبَعُونَ سنة مخلوقاً مصوراً {لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} يذكر وَلَا يدرى مَا هُوَ وَمَا اسْمه وَمَا يُرَاد بِهِ إِلَّا الله(1/495)
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2)
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَان} يَعْنِي ولد آدم {مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} من نُطْفَة آدم وحواء وَيُقَال أمشاج يَعْنِي الألوان مختلطاً مَاء الرجل أَبيض غليظ وَمَاء الْمَرْأَة أصفر رَقِيق فَالْوَلَد يكون مِنْهُمَا {نَّبْتَلِيهِ} نختبره بالشدة والرخاء وَيُقَال نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} فَجعلنَا لَهُ السّمع لكَي يسمع بِهِ الْحق وَالْهدى وَالْبَصَر لكَي يبصر بِهِ الْحق وَالْهدى وَيُقَال نبتليه نختبره بِالْخَيرِ وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان مقدم ومؤخر(1/495)
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل} بَينا لَهُ طَرِيق الْإِيمَان وَالْكفْر وَالْخَيْر وَالشَّر {إِمَّا شَاكِراً} مُؤمنا {وَإِمَّا كَفُوراً} كَافِرًا وَيُقَال إِنَّا هديناه السَّبِيل إِمَّا شاكرا وَإِمَّا كفورا(1/495)
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4)
{إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ} أبي جهل وَأَصْحَابه {سَلاَسِلَ وَأَغْلاَلاً} فِي النَّار {وَسَعِيراً} نَارا وقوداً(1/495)
إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5)
{إِنَّ الْأَبْرَار} المصدقين فِي إِيمَانهم المطيعين لله {يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ} يشربون فِي الْجنَّة من خمر {كَانَ مِزَاجُهَا} خلطها {كَافُوراً}(1/495)
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا} مِنْهَا {عِبَادُ الله} أَوْلِيَاء الله {يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} يمزجونها تمزيجاً وَيُقَال يفجرون عين الكافور حَيْثُمَا يشاءون فِي الْجنَّة إِلَى مَنَازِلهمْ وقصورهم(1/495)
يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (7)
ثمَّ وصف نعتهم إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا فَقَالَ الله {يُوفُونَ بِالنذرِ} بالعهد وَالْحلف بِاللَّه وَيُقَال يتمون الْفَرَائِض {وَيَخَافُونَ يَوْماً} عَذَاب يَوْم {كَانَ شَرُّهُ} عَذَابه {مُسْتَطِيراً} فاشياً(1/495)
وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَام على حُبِّهِ} على قلته وشهوته {مِسْكِيناً وَيَتِيماً} من الْمُسلمين {وَأَسِيراً} من الْمُسلمين فِي أَيدي الْمُشْركين وَيُقَال أهل السجْن(1/495)
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم وَلم يتكلموا بِهِ وَلَكِن أخبر الله عَن صدق قُلُوبهم فَقَالَ إِنَّمَا نطعمكم لوجه الله لثواب الله وكرامته {لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً} مُكَافَأَة تجازوننا بِهِ {وَلاَ شُكُوراً} محمدة تحمدوننا بِهِ(1/495)
إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10)
{إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا} من عَذَاب رَبنَا {يَوْماً عَبُوساً} كلوحاً {قَمْطَرِيراً} شَدِيدا يَقُول شَدِيد عَذَاب ذَلِك الْيَوْم وهوله وَيُقَال هُوَ تعبس الْوَجْه(1/495)
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11)
{فَوَقَاهُمُ الله} دفع عَنْهُم {شَرَّ ذَلِك الْيَوْم} عَذَاب ذَلِك الْيَوْم {وَلَقَّاهُمْ} أَعْطَاهُم {نَضْرَةً} حسن الْوُجُوه والبهاء {وَسُرُوراً} فَرحا فِي الْقلب(1/495)
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12)
{وَجَزَاهُمْ} أَعْطَاهُم {بِمَا صَبَرُواْ} فِي الدُّنْيَا على الْفقر والمرازي {جَنَّةً وَحَرِيراً}(1/495)
مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13)
{مُّتَّكِئِينَ فِيهَا} جالسين ناعمين فِي الْجنَّة {على الأرائك} على السرر فِي الحجال فَلَا تكون أريكة إِلَّا إِذا اجْتمعَا فَإِذا تفَرقا فَلَيْسَ بأريكة {لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً} يَقُول لَا يصيبهم حر الشَّمْس وَلَا برد الزَّمْهَرِير(1/495)
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14)
{وَدَانِيَةً} قريبَة {عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا} ظلال الشّجر {وَذُلِّلَتْ} سخرت وَقربت {قُطُوفُهَا} ثَمَرهَا {تَذْلِيلاً} تسخيراً(1/495)
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15)
{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ} كيزان بِلَا آذان وَلَا عرا {كَانَتْ قواريرا}(1/495)
قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا (16)
{قَوَارِير مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا} على أكف الغلمان {تَقْدِيراً} وَيُقَال قدرُوا الشَّرَاب فِيهَا تَقْديرا لَا يفضل وَلَا يعجز(1/495)
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا (17)
{وَيُسْقَوْنَ فِيهَا} فِي الْجنَّة {كَأْساً} خمرًا {كَانَ مِزَاجُهَا} خلطها {زَنجَبِيلاً}(1/495)
عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا (18)
{عَيْناً فِيهَا} فِي الْجنَّة {تسمى} تِلْكَ الْعين {سَلْسَبِيلاً} وَيُقَال سل الله إِلَيْهَا سَبِيلا(1/495)
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا (19)
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ} فِي الْخدمَة {وِلْدَانٌ} وصفاء {مُّخَلَّدُونَ} فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون وَيُقَال محلون {إِذَا رَأَيْتَهُمْ} لَو رَأَيْتهمْ يَا مُحَمَّد {حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً} فِي الصفاء وَيُقَال كثيرا قد نثر عَلَيْهِم(1/496)
وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)
{وَإِذَا رَأَيْتَ} يَا مُحَمَّد {ثَمَّ} فِي الْجنَّة {رَأَيْتَ} لأَهْلهَا {نَعِيماً} دَائِما {وَمُلْكاً كَبِيراً} لَا يدْخل عَلَيْهِم أحد إِلَّا بِالسَّلَامِ والاستئذان(1/496)
عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21)
{عَالِيَهُمْ} على أكتافهم إِن قَرَأت بِالْألف {ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} مَا لطف من الديباج {وَإِسْتَبْرَقٌ} مَا ثخن من الديباج {وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ} ألبسوا أقبية من فضَّة {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} من الدنس وَيُقَال يطهرهم من الغل والغش والعداوة(1/496)
إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)
{إِنَّ هَذَا} الَّذِي وصفت من الطَّعَام وَالشرَاب واللباس {كَانَ لَكُمْ جَزَآءً} ثَوابًا من الله {وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً} عَمَلكُمْ مَقْبُولًا فِي الزِّيَادَة(1/496)
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (23)
{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآن} جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ {تَنزِيلاً} مُتَفَرقًا آيَة وآيتين وَسورَة(1/496)
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24)
{فاصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} على قَضَاء رَبك وَيُقَال على تَبْلِيغ رِسَالَة رَبك {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ} من كفار قُرَيْش {آثِماً} فَاجِرًا كذابا يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {أَو كفورا} كَافِر بِاللَّه وَهُوَ عتبَة بن ربيعَة(1/496)
وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25)
{وَاذْكُر اسْم رَبِّكَ} صل بِأَمْر رَبك {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} غدْوَة وعشياً يَعْنِي صَلَاة الْفجْر وَالظّهْر وَالْعصر(1/496)
وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)
{وَمِنَ اللَّيْل فاسجد لَهُ} فصل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء {وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً} صل لَهُ فِي اللَّيْل وَهُوَ التَّطَوُّع وَيُقَال كَانَ خَاصَّة عَلَيْهِ دون أَصْحَابه صَلَاة اللَّيْل(1/496)
إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا (27)
{إِنَّ هَؤُلَاءِ} أهل مَكَّة {يُحِبُّونَ العاجلة} الْعَمَل للدنيا {وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ} يتركون الْعَمَل لما أمامهم {يَوْمًا ثقيلا} شَدِيدا هُوَ لَهُ وعذابه(1/496)
نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا (28)
{نَّحْنُ خَلَقْنَاهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ} قوينا خلقهمْ {وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَآ أَمْثَالَهُمْ} يَعْنِي أهلكناهم {تبديلا} إهلاكا يَقُول لوشئنا لأهلكنا هَؤُلَاءِ الْكَفَرَة الفجرة وبدلنا خيرا مِنْهُم وأطوع لله(1/496)
إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا (29)
{إِنَّ هَذِه} السُّورَة {تَذْكِرَةٌ} عظة من الله {فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ} فَمن شَاءَ وحد وَاتخذ بذلك إِلَى ربه {سَبِيلا} مرجعا(1/496)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30)
{وَمَا تشاؤون} من الْخَيْر وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} لكم أَن تشاءوا ذَلِك {إِن الله كَانَ عليما} بِمَا تشاءون من الْخَيْر وَالشَّر {حَكِيماً} حكم أَن لَا تشاءوا من الْخَيْر وَالشَّر إِلَّا مَا يَشَاء(1/496)
يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)
{يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ} يكرم من يَشَاء بدين الْإِسْلَام من كَانَ أَهلا لذَلِك {والظالمين} الْكَافرين الْمُشْركين {أَعَدَّ لَهُمْ} عذَابا قَرِيبا فِي الْآخِرَة {عَذَاباً أَلِيماً} وجيعاً يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم(1/496)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المرسلات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خَمْسُونَ وكلماتها مائَة وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ وحروفها ثَمَانمِائَة وَسِتَّة عشر حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/497)
وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والمرسلات عُرْفاً} يَقُول أقسم الله بِالْمَلَائِكَةِ كثيرا كعرف الْفرس وَيُقَال هم الْمَلَائِكَة الَّذين أرْسلُوا بِالْمَعْرُوفِ يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل(1/497)
فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2)
{فالعاصفات عَصْفاً} وَأقسم بالرياح العواصف الشَّدِيدَة والعصف مَا ذرت من منَازِل الْقَوْم(1/497)
وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3)
{والناشرات نَشْراً} بالمطر يَعْنِي وَأقسم بالمطر وَيُقَال بالسحاب الناشرات بالمطر وَيُقَال هم الْمَلَائِكَة الَّذين ينشرون الْكتاب(1/497)
فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (4)
{فالفارقات فَرْقاً} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يفرقون بَين الْحق وَالْبَاطِل وَيُقَال هِيَ آيَات الْقُرْآن الَّتِي تفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل والحلال وَالْحرَام وَيُقَال هَؤُلَاءِ الثَّلَاث هن الرِّيَاح(1/497)
فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5)
{فالملقيات ذِكْراً} وَأقسم بالمنزلات وَحيا(1/497)
عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6)
{عُذْراً} لله من جوره وظلمه {أَوْ نُذْراً} لخلقه من عَذَابه وَيُقَال عذرا حَلَالا أَو نذرا حَرَامًا وَيُقَال عذرا أمرا أَو نذرا نهيا وَيُقَال عذرا وَعدا أَو نذرا وعيداً أقسم بِهَذِهِ الْأَشْيَاء(1/497)
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ (7)
{إِن مَا تُوعَدُونَ} من الثَّوَاب وَالْعِقَاب فِي الْآخِرَة {لَوَاقِعٌ} لكائن نَازل بكم(1/497)
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)
ثمَّ بيَّن مَتى يكون فَقَالَ {فَإِذَا النُّجُوم طُمِسَتْ} ذهب ضوؤها(1/497)
وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9)
{وَإِذَا السمآء فُرِجَتْ} انشقت(1/497)
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ (10)
{وَإِذَا الْجبَال نُسِفَتْ} قلعت من أماكنها(1/497)
وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (11)
{وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ} جمعت(1/497)
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12)
{لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ} هَذِه الْأَشْيَاء يَقُول لأي يَوْم أجلهَا صَاحبهَا ثمَّ بَين فَقَالَ عز وَجل(1/497)
لِيَوْمِ الْفَصْلِ (13)
{لِيَوْمِ الْفَصْل} من الْخَلَائق(1/497)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الْفَصْلِ (14)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا يَوْمُ الْفَصْل} مَا أعلمك بِيَوْم الْفَصْل(1/497)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (15)
{ويل} وَاد فِي جَهَنَّم من قيح وَدم وَيُقَال جب فِي النَّار وَيُقَال ويل شدَّة عَذَاب {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِّلْمُكَذِّبِينَ} بِاللَّه وَالْكتاب وَالرَّسُول والبعث بعد الْمَوْت(1/497)
أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (16)
{أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلين} بِالْعَذَابِ وَالْمَوْت(1/497)
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17)
{ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} ثمَّ نلحق بالأولين الآخرين البَاقِينَ بعدهمْ بِالْمَوْتِ وَالْعَذَاب(1/497)
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (18)
{كَذَلِك نَفْعَلُ بالمجرمين} بالمشركين من قَوْمك(1/497)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (19)
{وَيْلٌ} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يو م الْقِيَامَة {لِّلْمُكَذِّبِينَ} من قَوْمك بِالْإِيمَان والبعث(1/497)
أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20)
{أَلَمْ نَخْلُقكُّم} يَا معشر المكذبين {مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ} من نُطْفَة ضَعِيفَة(1/497)
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (21)
{فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} فِي مَكَان حريز رحم الْمَرْأَة(1/497)
إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (22)
{إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} إِلَى وَقت خُرُوجه تِسْعَة أشهر أَو أقل أَو أَكثر(1/497)
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23)
{فَقَدَرْنَا} خلقه وَيُقَال ملكنا على خلقه وَيُقَال فصورنا خلقه فِي رحم الْمَرْأَة {فَنِعْمَ القادرون} فَنعم مَا قَدرنَا وصورنا خلقه(1/497)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24)
{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث(1/497)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25)
ثمَّ ذكر منته على عباده فَقَالَ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْض كِفَاتاً} تكفتهم(1/497)
أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)
{أَحْيَآءً} على ظهرهَا {وَأَمْواتاً} فِي بَطنهَا وَيُقَال أوعية للأحياء والأموات(1/497)
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27)
{وَجَعَلْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {رَوَاسِيَ} جبالاً ثوابت فِي مَكَانهَا أوتاداً لَهَا {شَامِخَاتٍ} طوَالًا {وَأَسْقَيْنَاكُم} يَا معشر المكذبين {مَّآءً فُرَاتاً} عذباً حلواً وَيُقَال لينًا(1/497)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28)
{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث(1/497)
انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29)
{انْطَلقُوا} يَا معشر المكذبين {إِلَى مَا كُنتُم بِهِ} فِي الدُّنْيَا {تكذبون} أَنه لَا يكون وَهُوَ عَذَاب النَّار تَقول لَهُم الزَّبَانِيَة بعد الْفَرَاغ من الْحساب(1/497)
انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)
{انْطَلقُوا} يَا معشر المكذبين {إِلَى ظِلٍّ} من دُخان النَّار {ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ} فرق(1/497)
لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31)
{لاَّ ظَلِيلٍ} لَا كنين من حر النَّار {وَلاَ يُغْنِي مِنَ اللهب} من لَهب النَّار(1/497)
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32)
{إِنَّهَا} يعْنى النَّار {تَرْمِي بِشَرَرٍ} تقذف بالشرر {كالقصر} كأسافل الشّجر الْعِظَام(1/497)
كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33)
{كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} سود(1/497)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34)
{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث(1/497)
هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35)
{هَذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ} فِي بعض المواطن وينطقون فِي بعض المواطن(1/497)
وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36)
{وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ} بالْكلَام {فَيَعْتَذِرُونَ}(1/498)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (37)
{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث(1/498)
هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ (38)
{هَذَا يَوْمُ الْفَصْل} بَين الْخَلَائق {جَمَعْنَاكُمْ} يَا معشر المكذبين {والأولين} قبلكُمْ والآخرين بعدكم(1/498)
فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ (39)
{فَإِن كَانَ لَكمُ} يَا معشر المكذبين {كَيْدٌ} مقدرَة أَن تصنعوا بِي شَيْئا {فَكِيدُونِ} فَاصْنَعُوا بِي وَيُقَال فَإِن كَانَ لكم كيد حِيلَة فكيدوني فاحتالوا بِي(1/498)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (40)
{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث(1/498)
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ (41)
ثمَّ بيَّن مُسْتَقر الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {فِي ظِلاَلٍ} ظلال الشَّجَرَة {وَعُيُونٍ} مَاء ظَاهر جَار(1/498)
وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (42)
{وَفَوَاكِهَ} وألوان الْفَوَاكِه {مِمَّا يَشْتَهُونَ} يتمنون(1/498)
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)
{كُلُواْ} فَيَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى لَهُم كلوا من الثِّمَار {وَاشْرَبُوا} من الْأَنْهَار {هَنِيئًا} سائغاً بِلَا دَاء وَلَا موت {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} وتقولون من الْخيرَات فِي الدُّنْيَا(1/498)
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (44)
{إِنَّا كَذَلِك} هَكَذَا {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} بالْقَوْل وَالْفِعْل(1/498)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (45)
{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث(1/498)
كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46)
{كُلُواْ} يَا معشر المكذبين {وَتَمَتَّعُواْ} عيشوا {قَلِيلاً} يَسِيرا فِي الدُّنْيَا {إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ} مشركون مصيركم النَّار فِي الْآخِرَة وَهَذَا وَعِيد من الله لَهُم(1/498)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47)
{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِالْإِيمَان والبعث(1/498)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)
{وَإذَا قِيلَ لَهُمُ} للمكذبين إِذا كَانُوا فِي الدُّنْيَا {ارْكَعُوا} اخضعوا لله بِالتَّوْحِيدِ {لاَ يَرْكَعُونَ} لَا يخضعون لله بِالتَّوْحِيدِ وَيُقَال هَذَا فِي الْآخِرَة حِين يَقُول الله تبَارك وَتَعَالَى لَهُم اسجدوا إِن كُنْتُم مُصدقين بِمَا تَقولُونَ وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين فَلم يقدروا على السُّجُود وَبقيت أصلابهم كالصياصي وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَقِيف حَيْثُ قَالُوا لَا نحني ظُهُورنَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود(1/498)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49)
{ويل} شدَّة عَذَاب {يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {للمكذبين} بِاللَّه وَالرَّسُول وَالْكتاب والبعث(1/498)
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)
{فَبِأَيِّ حَدِيثٍ} كتاب {بَعْدَهُ} بعد كتاب الله {يُؤمنُونَ} إِن لم يُؤمنُوا بِهَذَا النبأ
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النبأ وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاثُونَ وحروفها سِتّمائَة وَتسْعُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/498)
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} يَقُول عماذا يتحدثون يَعْنِي قُريْشًا(1/498)
عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2)
{عَنِ النبإ الْعَظِيم} عَن خبر الْقُرْآن الْعَظِيم الْكَرِيم الشريف(1/498)
الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (3)
{الَّذِي هم فِيهِ مُخْتَلفُونَ} مكذبون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ومصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَذَلِكَ إِذا نزل جِبْرِيل على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بشىء من الْقُرْآن فقرأه عَلَيْهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فيتحدثون فِيمَا بَينهم عَن ذَلِك فَمنهمْ من صدق بِهِ وَمِنْهُم من كذب بِهِ(1/498)
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4)
{كَلاَّ} وَهُوَ رد على المكذبين {سَيَعْلَمُونَ} سَوف يعلمُونَ عِنْد نزُول الْمَوْت مَاذَا يفعل بهم(1/498)
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (5)
{ثُمَّ كَلاَّ} حَقًا {سَيَعْلَمُونَ} سَوف يعلمُونَ فِي الْقَبْر مَاذَا يفعل بهم وَهَذَا وَعِيد من الله للمكذبين بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/498)
أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6)
ثمَّ ذكر منته عَلَيْهِم فَقَالَ {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْض مِهَاداً} فراشا ومناماً(1/498)
وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
{وَالْجِبَال أَوْتَاداً} لَهَا لكَي لَا تميد بهم(1/498)
وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)
{وخلقناكم أَزْوَاجًا} ذكرا وَأُنْثَى(1/498)
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)
{وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً} استراحة لأبدانكم وَيُقَال حسنا جميلاً(1/498)
وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10)
{وَجَعَلْنَا اللَّيْل لِبَاساً} مسكنا وَيُقَال ملبساً(1/498)
وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)
{وَجَعَلْنَا النَّهَار مَعَاشاً} مطلباً(1/498)
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12)
{وبنينا} خلقنَا {فَوْقكُم} فَوق رءوسكم {سَبْعاً} سبع سموات {شِدَاداً} غلاظاً(1/498)
وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13)
{وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} شمساً مضيئة لبني آدم(1/498)
وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14)
{وَأَنزَلْنَا مِنَ المعصرات} بالرياح من السَّحَاب(1/498)
{مَآءً ثَجَّاجاً} مَطَرا كثيرا مُتَتَابِعًا(1/499)
لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15)
{لِّنُخْرِجَ بِهِ} لننبت بِهِ {حَبّاً وَنَبَاتاً} بالمطر الْحُبُوب كلهَا ونباتاً وَسَائِر النَّبَات(1/499)
وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)
{وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} بساتين ملتفة وَيُقَال ألواناً(1/499)
إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا (17)
{إِنَّ يَوْم الْفَصْل كَانَ ميقاتا} ميعادا للأولين والآخرين أَن يجتمعوا فِيهِ(1/499)
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18)
{يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور} نفخة الْبَعْث {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} فوجاً فوجاً جمَاعَة جمَاعَة(1/499)
وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19)
{وَفُتِحَتِ السمآء} أَبْوَاب السَّمَاء {فَكَانَتْ أَبْوَاباً} فَصَارَت طرقا(1/499)
وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا (20)
{وَسُيِّرَتِ الْجبَال} عَن وَجه الأَرْض {فَكَانَتْ سَرَاباً} فَكَانَت كالسراب(1/499)
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21)
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} محبساً أَو مسجناً(1/499)
لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)
{لِّلطَّاغِينَ} للْكَافِرِينَ {مَآباً} مرجعاً(1/499)
لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا (23)
{لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً} مقيمين فِي جَهَنَّم أحقاباً حقباً بعد حقب والحقب الْوَاحِد ثَمَانُون سنة وَالسّنة ثلثمِائة وَسِتُّونَ يَوْمًا وَالْيَوْم الْوَاحِد ألف سنة مِمَّا تعد أهل الدُّنْيَا وَيُقَال لَا يعلم عدد تِلْكَ الأحقاب إِلَّا الله فَلَا يَنْقَطِع عَنْهُم(1/499)
لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (24)
{لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا} فِي النَّار {بَرْداً} مَاء بَارِدًا وَيُقَال نوماً {وَلاَ شَرَاباً} بَارِدًا(1/499)
إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (25)
{إِلاَّ حَمِيماً} مَاء حاراً قد انْتهى حره {وَغَسَّاقاً} زمهريراً وَيُقَال مَاء منتناً(1/499)
جَزَاءً وِفَاقًا (26)
{جَزَآءً وِفَاقاً} مُوَافقَة أَعْمَالهم(1/499)
إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (27)
{إِنَّهُمْ كَانُواْ} فِي الدُّنْيَا {لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً} لَا يخَافُونَ عذَابا فِي الْآخِرَة وَلَا يُؤمنُونَ بِهِ(1/499)
وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (28)
{وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} بكتابنا ورسولنا {كِذَّاباً} تَكْذِيبًا(1/499)
وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (29)
{وَكُلَّ شَيْءٍ} من أَعمال بني آدم {أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً} كتبناه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ(1/499)
فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا (30)
{فَذُوقُواْ} الْعَذَاب فِي النَّار {فَلَن نَّزِيدَكُمْ} فِي النَّار {إِلاَّ عَذَاباً} لوناً بعد لون(1/499)
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا (31)
ثمَّ بيَّن كَرَامَة الْمُؤمنِينَ فَقَالَ {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ} الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش {مَفَازاً} نجاة من النَّار وقربى إِلَى الله(1/499)
حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا (32)
{حَدَآئِقَ} وَهِي مَا أحيط عَلَيْهَا من الشّجر وَالنَّخْل {وَأَعْنَاباً} كروماً(1/499)
وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا (33)
{وَكَوَاعِبَ} جواري مفلكات الثديين {أَتْرَاباً} مستويات فِي السن والميلاد على ثَلَاث وَثَلَاثِينَ سنة(1/499)
وَكَأْسًا دِهَاقًا (34)
{وَكَأْساً دِهَاقاً} ملأى متتابعة(1/499)
لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا (35)
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} أهل الْجنَّة فِي الْجنَّة {لَغْواً} حلفا وباطلاً {وَلاَ كِذَّاباً} لَا يكذب بَعضهم على بعض(1/499)
جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36)
{جَزَآءً} ثَوابًا {مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً} أَعْطَاهُم فِي الْجنَّة {حِسَاباً} بِوَاحِد عشرَة وَيُقَال مُوَافقَة أَعْمَالهم(1/499)
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37)
{رَّبِّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا} من الْخلق والعجائب {الرَّحْمَن} والرَّحْمَن {لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ} عِنْده يَعْنِي الْمَلَائِكَة وَغَيرهم {خِطَاباً} كلَاما فِي الشَّفَاعَة حَتَّى يَأْذَن الله لَهُم(1/499)
يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)
{يَوْمَ يَقُومُ الرّوح} يَعْنِي جِبْرِيل وَيُقَال هُوَ خلق لَا يعلم عَظمته إِلَّا الله وَقَالَ ابْن مَسْعُود الرّوح ملك أعظم من كل شَيْء غير الْعَرْش يسبح الله فِي كل يَوْم اثْنَي عشر ألف تَسْبِيحَة فيخلق الله من كل تَسْبِيحَة ملكا يسْتَغْفر للْمُؤْمِنين إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فَيَجِيء يَوْم الْقِيَامَة وَهُوَ صف وَاحِد وَيُقَال هم خلق من الْمَلَائِكَة لَهُم أرجل وأيد مثل بني آدم {وَالْمَلَائِكَة} وَيَوْم يقوم الْمَلَائِكَة {صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ} بالشفاعة يَعْنِي الْمَلَائِكَة {إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن} فِي الشَّفَاعَة {وَقَالَ صَوَاباً} حَقًا لَا إِلَه إِلَّا الله(1/499)
ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا (39)
{ذَلِك الْيَوْم الْحق} الْكَائِن يكون فِيهِ مَا وصفت {فَمَن شَآءَ اتخذ إِلَى رَبِّهِ} وَحده وَاتخذ بذلك التَّوْحِيد إِلَى ربه {مَآباً} مرجعاً(1/499)
إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
{إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ} خوفناكم يَا أهل مَكَّة {عَذَاباً قَرِيباً} كَائِنا {يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْء} يبصر الْمُؤمن وَيُقَال الْكَافِر {مَا قَدَّمَتْ} مَا عملت {يَدَاهُ} من خير أَو شَرّ {وَيَقُول الْكَافِر يَا لَيْتَني كُنتُ تُرَاباً} مَعَ الْبَهَائِم من الهول والشدة وَالْعَذَاب يتَمَنَّى الْكَافِر أَن يكون تُرَابا مَعَ الْبَهَائِم وَذَلِكَ يَوْم ترجف الراجفة(1/499)
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا النازعات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها خمس وَأَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاث وَسَبْعُونَ وحروفها تِسْعمائَة وَثَلَاثَة وَخَمْسُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/500)
وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والنازعات} يَقُول أقسم الله بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينزعون نفوس الْكَافرين {غَرْقاً} غرقت نَفسه فِي صَدره وَهِي أَرْوَاح الْكَافرين(1/500)
وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا (2)
{والناشطات} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينشطون نفوس الْكَافرين بالكرب وَالْغَم {نَشْطاً} كنشط السفود كثير الشّعب من الصُّوف وَيُقَال هِيَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تنشط بِالْخرُوجِ إِلَى الْجنَّة(1/500)
وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا (3)
{والسابحات سَبْحاً} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين ينزعون نفوس الصَّالِحين يسلونها سلا رَقِيقا رويدا ثمَّ يتركونها حَتَّى تستريح وَيُقَال أراوح الْمُؤمنِينَ(1/500)
فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا (4)
{فالسابقات سَبْقاً} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يسبقون بأرواح الْمُؤمنِينَ إِلَى الْجنَّة وأرواح الْكَافرين إِلَى النَّار وَيُقَال هِيَ أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ تسبق إِلَى الْجنَّة(1/500)
فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا (5)
{فالمدبرات أَمْراً} وَأقسم بِالْمَلَائِكَةِ الَّذين يدبرون أُمُور الْعباد يَعْنِي جِبْرِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت وَيُقَال والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً كل هَؤُلَاءِ النُّجُوم فالمدبرات أمرا هم الْمَلَائِكَة وَيُقَال والنازعات غرقاً هِيَ قسي الْغُزَاة والناشطات نشطاً هِيَ أوهاق الْغُزَاة والسابحات سبحاهى سفن غزَاة الْبَحْر والسابقات سبقاً هِيَ خُيُول الْغُزَاة فالمدبرات أمرا هم قواد الْغُزَاة وَيُقَال والسابحات سبحاً هِيَ الشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء أَن النفختين لكائنتان بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة(1/500)
يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6)
ثمَّ بيَّنهما فَقَالَ {يَوْمَ تَرْجُفُ الراجفة} وَهِي النفخة الأولى يتزلزل كل شَيْء(1/500)
تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (7)
{تَتْبَعُهَا الرادفة} وَهِي النفخة الْأَخِيرَة(1/500)
قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ (8)
{قُلُوب يَوْمئِذٍ} يَوْم الْقيام {واجفة} خائفة(1/500)
أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ (9)
{أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} ذليلة(1/500)
يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10)
{يَقُولُونَ} كفار مَكَّة النَّضر بن الْحَارِث وَأَصْحَابه {أئنا لَمَرْدُودُونَ فِي الحافرة} إِلَى الدُّنْيَا وَيُقَال من الْقُبُور(1/500)
أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11)
{أئذا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً} ناخرة بالية وَيُقَال ميتَة إِن قَرَأت بِالْألف كَيفَ يبعثنا فَقَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلَى يبعثكم(1/500)
قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12)
{قَالُواْ تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ} رَجْعَة خائبة لَا تكون فَقَالَ الله(1/500)
فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} نفخة وَاحِدَة لَا تثنى وَهِي نفخة الْبَعْث(1/500)
فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)
{فَإِذَا هُم بالساهرة} على وَجه الأَرْض وَيُقَال بِأَرْض الْمَحْشَر(1/500)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)
{هَلْ أَتَاكَ} يَا مُحَمَّد استفهاماً مِنْهُ يَعْنِي قد أَتَاك وَيُقَال مَا أَتَاك ثمَّ أَتَاك {حَدِيثُ مُوسَى} خبر مُوسَى(1/500)
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)
{إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ} دَعَاهُ ربه {بالواد الْمُقَدّس} المطهر {طُوًى} اسْم الْوَادي وَإِنَّمَا سمي طوى لِكَثْرَة مَا مشت عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاء وَيُقَال قد طوي وَيُقَال طأ يَا مُوسَى هَذَا الْوَادي بقدميك لخيره وبركته(1/500)
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)
{اذْهَبْ} يَا مُوسَى {إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} علا وتكبر وَكفر بِاللَّه(1/500)
فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18)
{فَقُلْ هَل لَّكَ} يَا فِرْعَوْن {إِلَى أَن تزكّى} تصلح وتسلم فتوحد بِاللَّه(1/500)
وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)
{وَأَهْدِيَكَ} وأدعوك {إِلَى رَبِّكَ فتخشى} مِنْهُ فتسلم(1/500)
فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20)
{فَأَرَاهُ} مُوسَى {الْآيَة الْكُبْرَى} الْعَلامَة الْعُظْمَى الْيَد والعصا(1/500)
فَكَذَّبَ وَعَصَى (21)
{فَكَذَّبَ} وَقَالَ لَيْسَ هَذَا من الله {وَعصى} لم يقبل(1/500)
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22)
{ثُمَّ أَدْبَرَ} أعرض عَن الْإِيمَان وَيُقَال عَن مُوسَى {يسْعَى} يعْمل فِي أَمر مُوسَى وَيُقَال أسْرع إِلَى أَهله(1/500)
فَحَشَرَ فَنَادَى (23)
{فَحَشَرَ} قومه بِالشّرطِ {فَنَادَى} فخطبهم(1/500)
فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
{فَقَالَ} لَهُم {أَنَاْ رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أَنا ربكُم وَرب أصنامكم الْأَعْلَى فَلَا تتركوا عبادتها(1/500)
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)
{فَأَخَذَهُ الله} فعاقبة الله {نَكَالَ الْآخِرَة وَالْأولَى} عُقُوبَة الدُّنْيَا بِالْغَرَقِ وعقوبة الْآخِرَة بالنَّار وَيُقَال عاقبه الله بكلمته الأولى وَالْأُخْرَى وكلمته الأولى قَوْله مَا علمت لكم من إِلَه غَيْرِي وكلمته الْأُخْرَى قَوْله أَنا ربكُم الْأَعْلَى وَكَانَ بَينهمَا أَرْبَعُونَ سنة(1/500)
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26)
{إِنَّ فِي ذَلِك} فِيمَا فعلنَا بهم بفرعون وَقَومه {لَعِبْرَةً} لعظة {لِّمَن يخْشَى} لمن يخَاف مَا صنع بهم(1/500)
أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)
{أأنتم} يَا أهل مَكَّة {أَشَدُّ خَلْقاً} بعثاً وَأحكم صَنْعَة {أَمِ السمآء بَنَاهَا}(1/500)
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28)
{رَفَعَ سَمْكَهَا} سقفها {فَسَوَّاهَا} على الأَرْض(1/500)
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)
{وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا} أظلم لَيْلهَا {وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} أبرز نَهَارهَا وشمسها(1/500)
وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)
{وَالْأَرْض بَعْدَ ذَلِك دَحَاهَا} مَعَ ذَلِك بسطها على المَاء وَيُقَال بعد ذَلِك بسطها على المَاء بألفي سنة(1/500)
أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31)
{أَخْرَجَ مِنْهَا} من الأَرْض {مَآءَهَا} الْجَارِي والغائر {ومرعاها} كلأها(1/500)
وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32)
{وَالْجِبَال أَرْسَاهَا} أوتدها(1/500)
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)
{مَتَاعاً لَّكُمْ} مَنْفَعَة لكم {وَلأَنْعَامِكُمْ} المَاء والكلأ(1/500)
فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)
{فَإِذَا جَآءَتِ الطآمة الْكُبْرَى} وَهِي قيام السَّاعَة طمت وعلت على كل شَيْء فَلَيْسَ فَوْقهَا شىء(1/500)
يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35)
{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَان} يتعظ وَيعلم الْكَافِر النَّضر وَأَصْحَابه {مَا سعى} الَّذِي عمل فِي كفره(1/501)
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيم} أظهرت الْجَحِيم {لِمَن يرى} لمن يجب لَهُ دُخُولهَا(1/501)
فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)
{فَأَمَّا مَن طَغى} علا وتكبر وَكفر بِاللَّه هُوَ النَّضر بن الْحَارِث بن عَلْقَمَة(1/501)
وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38)
{وَآثَرَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} اخْتَار الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَالْكفْر على الْإِيمَان(1/501)
فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)
{فَإِنَّ الْجَحِيم هِيَ المأوى} مأوى من كَانَ هَكَذَا(1/501)
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)
{وَأَمَّا مَنْ خَافَ} عِنْد الْمعْصِيَة {مَقَامَ رَبِّهِ} مقَامه بَين يَدي ربه فَانْتهى عَن الْمعْصِيَة {وَنَهَى النَّفس عَنِ الْهوى} عَن الْحَرَام الَّذِي يشتهيه وَهُوَ مُصعب بن عُمَيْر(1/501)
فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)
{فَإِنَّ الْجنَّة هِيَ المأوى} مأوى من كَانَ هَكَذَا(1/501)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42)
{يَسْأَلُونَك} يَا مُحَمَّد كفار مَكَّة {عَنِ السَّاعَة} عَن قيام السَّاعَة {أَيَّانَ مُرْسَاهَا} مَتى قِيَامهَا إِنْكَار مِنْهُم لَهَا(1/501)
فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا (43)
{فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا} مَا أَنْت وَذَاكَ أَن تذكرها لَهُم(1/501)
إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (44)
{إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَآ} مُنْتَهى علم قِيَامهَا(1/501)
إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا (45)
{إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ} رَسُول مخوف بِالْقُرْآنِ {مَن يَخْشَاهَا} من يخَاف قِيَامهَا(1/501)
كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (46)
{كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا} يَعْنِي السَّاعَة {لَمْ يَلْبَثُوا} فِي الْقُبُور فِي الدُّنْيَا {إِلاَّ عَشِيَّةً} قدر عَشِيَّة {أَوْ ضُحَاهَا} أَو قدر غدْوَة من أول النَّهَار
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَعْمَى وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها أَرْبَعُونَ وكلماتها مائَة وَثَلَاث وَثَلَاثُونَ وحروفها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/501)
عَبَسَ وَتَوَلَّى (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {عبس} يَقُول كلح مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجهه {وَتَوَلَّى} أعرض بِوَجْهِهِ(1/501)
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)
{أَن جَآءَهُ الْأَعْمَى} إِذْ جَاءَهُ عبد الله ابْن أم مَكْتُوم وَهُوَ عبد الله بن شُرَيْح وَأم مَكْتُوم كَانَت أم أَبِيه وَذَلِكَ أَن النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ جَالِسا مَعَ ثَلَاثَة نفر من أَشْرَاف قُرَيْش مِنْهُم الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب عَمه وَأُميَّة بن خلف الجمحى وَصَفوَان ابْن أُميَّة وَكَانُوا كفَّارًا فَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَعِظهُمْ ويدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فجَاء ابْن أم مَكْتُوم فَقَالَ يَا رَسُول الله عَلمنِي مِمَّا علمك الله فَأَعْرض النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ عَنهُ اشتغالاً بهؤلاء النَّفر فَنزل فِيهِ عبس كلح مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِوَجْهِهِ وَتَوَلَّى أعرض بِوَجْهِهِ عَن عبد الله أَن جَاءَهُ الْأَعْمَى ابْن أم مَكْتُوم(1/501)
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)
{وَمَا يُدْرِيكَ} يَا مُحَمَّد {لَعَلَّهُ} أَي الْأَعْمَى {يزكّى} يصلح بِالْقُرْآنِ(1/501)
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4)
{أَوْ يَذَّكَّرُ} يتعظ بِالْقُرْآنِ {فَتَنفَعَهُ الذكرى} أَي العظة بِالْقُرْآنِ وَيُقَال وَمَا يدْريك يَا مُحَمَّد لَعَلَّه يزكّى أَن لَا يصلح أَو يذكر أَو لَا يتعظ فتنفعه الذكرى أَو لَا تَنْفَعهُ أَي العظة(1/501)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5)
{أَمَّا مَنِ اسْتغنى} عَن الله فِي نَفسه وهم هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة(1/501)
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6)
{فَأَنتَ لَهُ تصدى} تقبل عَلَيْهِ بِوَجْهِك(1/501)
وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7)
{وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكّى} أَلا يوحد هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة(1/501)
وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8)
{وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسْعَى} يسْرع فِي الْخَيْر(1/501)
وَهُوَ يَخْشَى (9)
{وَهُوَ يخْشَى} من الله وَهُوَ مُسلم وَكَانَ قد أسلم قبل ذَلِك ابْن أم مَكْتُوم(1/501)
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)
{فَأَنتَ عَنْهُ} يَا مُحَمَّد {تلهى} تعرض مشتغلاً بهؤلاء الثَّلَاثَة(1/501)
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11)
{كَلاَّ} لَا تفعل هَكَذَا يَقُول لَا تقبل على الَّذِي اسْتغنى عَن الله فِي نَفسه وَتعرض عَمَّن يخْشَى الله فَكَانَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكرم ابْن أم مَكْتُوم بعد ذَلِك وَيحسن إِلَيْهِ كلا حَقًا {إِنَّهَا} يَعْنِي هَذِه السُّورَة {تَذْكِرَةٌ} عظة من الله للغني وَالْفَقِير(1/501)
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12)
{فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} فَمن شَاءَ الله لَهُ أَن يتعظ اتعظ(1/501)
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13)
{فَي صُحُفٍ} يَقُول الْقُرْآن مَكْتُوب فِي كتب من أَدَم {مُّكَرَّمَةٍ} كَرِيمَة على الله(1/501)
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14)
{مَّرْفُوعَةٍ} مُرْتَفعَة فِي السَّمَاء {مُّطَهَّرَةٍ} من الأدناس والشرك(1/501)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15)
{بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} كتبة(1/501)
كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)
{كِرَامٍ} هم كرام على الله مُسلمُونَ {بَرَرَةٍ} صَدَقَة وهم الْحفظَة أهل السَّمَاء الدُّنْيَا(1/501)
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17)
{قُتِلَ الْإِنْسَان} لعن الْكَافِر عتبَة بن أبي لَهب {مَآ أَكْفَرَهُ} مَا الَّذِي أكفره بِاللَّه وبنجوم الْقُرْآن يَعْنِي وبالنجم إِذا هوى وَيُقَال مَا أَشد كفره(1/501)
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18)
{مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ}(1/501)
يَقُول فليتفكر فِي نَفسه من أَي شَيْء خلقه نسمَة(1/502)
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19)
ثمَّ بيَّن لَهُ فَقَالَ {مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ} نسمَة {فَقَدَّرَهُ} قدر خلقه باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء(1/502)
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20)
{ثُمَّ السَّبِيل يَسَّرَهُ} طَرِيق الْخَيْر وَالشَّر بَينه وَيُقَال سَبِيل الرَّحِم يسره بِالْخرُوجِ(1/502)
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21)
{ثُمَّ أَمَاتَهُ} بعد ذَلِك {فَأَقْبَرَهُ} فَأمر بِهِ فقبر(1/502)
ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)
{ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ} بَعثه من الْقَبْر(1/502)
كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {لَمَّا} لم {يَقْضِ} وَالْألف هَهُنَا صلَة لم يزدْ {مَآ أَمَرَهُ} الَّذِي أمره الله من التَّوْحِيد وَغَيره(1/502)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24)
{فَلْيَنظُرِ الْإِنْسَان} فليتفكر الْكَافِر عتبَة بن أبي لَهب {إِلَى طَعَامِهِ} فِي رزقه الَّذِي يَأْكُلهُ كَيفَ يحول من حَال إِلَى حَال حَتَّى يَأْكُلهُ(1/502)
أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)
ثمَّ بيَّن لَهُ تحويله فَقَالَ {أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً} يَعْنِي الْمَطَر على الأَرْض صبا(1/502)
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26)
{ثُمَّ شَقَقْنَا} صدعنا {الأَرْض شَقّاً} صدعاً بالنبات(1/502)
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27)
{فَأَنبَتْنَا فِيهَا} فِي الأَرْض {حَبّاً} الْحُبُوب كلهَا(1/502)
وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28)
{وَعِنَباً} يَعْنِي الكروم {وَقَضْباً} قتاً وَيُقَال هُوَ الرّطبَة(1/502)
وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29)
{وَزَيْتُوناً} شَجَرَة الزَّيْتُون {وَنَخْلاً} يَعْنِي النخيل(1/502)
وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30)
{وَحَدَآئِقَ} مَا أحيط عَلَيْهَا من الشّجر والنخيل {غُلْباً} غلاظا طوَالًا(1/502)
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
{وَفَاكِهَةً} وألوان الْفَاكِهَة {وَأَبّاً} يَعْنِي الْكلأ وَيُقَال وَهُوَ التِّبْن(1/502)
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)
{مَّتَاعاً لَّكُمْ} مَنْفَعَة الْحُبُوب وَغَيرهَا {وَلأَنْعَامِكُمْ} الْكلأ(1/502)
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33)
{فَإِذَا جَآءَتِ الصآخة} وَهُوَ قيام السَّاعَة صَاح وخضع وانقاد وَأجَاب لَهَا كل شَيْء وتذل الْخَلَائق ويعلمون أَنَّهَا كائنة(1/502)
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
ثمَّ بيَّن مَتى تكون فَقَالَ {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْء} الْمُؤمن {مِنْ أَخِيهِ} الْكَافِر(1/502)
وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35)
{وَأُمِّهِ} ويفر من أمه {وَأَبِيهِ} ويفر من أَبِيه(1/502)
وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)
{وَصَاحِبَتِهِ} ويفر من زَوجته {وَبَنِيهِ} ويفر من بنيه وَيُقَال يفر هابيل من قابيل وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أمه آمِنَة وَإِبْرَاهِيم من أَبِيه ولوطاً من زَوجته واعلة ونوح من ابْنه كنعان(1/502)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)
{لكل امْرِئ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {شَأْنٌ يُغْنِيهِ} عمل يشْغلهُ عَن غَيره(1/502)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38)
{وُجُوهٌ} وُجُوه الْمُؤمنِينَ المصدقين فِي إِيمَانهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {مُّسْفِرَةٌ} مشرقة بِرِضا الله عَنْهَا(1/502)
ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39)
{ضَاحِكَةٌ} معجبة بكرامة الله لَهَا {مُّسْتَبْشِرَةٌ} مسرورة بِثَوَاب الله(1/502)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40)
{وَوُجُوهٌ} وُجُوه الْمُنَافِقين وَالْكفَّار {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} غُبَار(1/502)
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41)
{تَرْهَقُهَا} تعلوها وتغشاها {قَتَرَةٌ} كآبة وكسوف(1/502)
أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)
{أُولَئِكَ} أهل هَذِه الصّفة {هُمُ الْكَفَرَة} بِاللَّه {الفجرة} الكذبة على الله
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا إِذا الشَّمْس كورت وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وَأَرْبع وحروفها خَمْسمِائَة وَثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/502)
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ} يَقُول تكور كَمَا تكور الْعِمَامَة ويرمى بهَا فِي حجاب النُّور وَيُقَال دهورت وَيُقَال ذهب ضوؤها(1/502)
وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)
{وَإِذَا النُّجُوم انكدرت} تساقطت على وَجه الأَرْض(1/502)
وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3)
{وَإِذَا الْجبَال سُيِّرَتْ} ذهبت عَن وَجه الأَرْض(1/502)
وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4)
{وَإِذَا العشار} النوق الْحَوَامِل {عُطِّلَتْ} عطلها أَرْبَابهَا اشتغالا بِأَنْفسِهِم(1/502)
وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)
{وَإِذَا الوحوش حُشِرَتْ} الْبَهَائِم للْقصَاص وَيُقَال حشرها مَوتهَا(1/502)
وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6)
{وَإِذَا الْبحار سُجِّرَتْ} فتحت بَعْضهَا فِي بعض المالح فِي العذب فَصَارَت بحراً وَاحِدًا وَيُقَال صيرت نَارا(1/502)
وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)
{وَإِذَا النُّفُوس زُوِّجَتْ} قرنت بالأزواج وَيُقَال قرنت بقرينها الْمُؤمن بحور الْعين وَالْكَافِر بالشيطان والصالح بالصالح والفاجر بالفاجر(1/502)
وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8)
{وَإِذا الموؤودة} المقتولة المدفونة {سُئِلَتْ} أَي سَأَلت أَبَاهَا(1/502)
بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)
{بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} بِأَيّ ذَنْب قتلتني وَيُقَال وَإِذا الوائد يَعْنِي الْقَاتِل سُئِلَ بِأَيّ ذَنْب قتلتها(1/503)
وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10)
{وَإِذَا الصُّحُف} ديوَان الْحَسَنَات والسيئات {نُشِرَتْ} لِلْحسابِ وَيُقَال تطايرت فِي الأكف(1/503)
وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11)
{وَإِذَا السمآء كُشِطَتْ} نزعت من أماكنها وطويت(1/503)
وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12)
{وَإِذَا الْجَحِيم سُعِّرَتْ} أوقدت للْكَافِرِينَ(1/503)
وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)
{وَإِذَا الْجنَّة أُزْلِفَتْ} قربت لِلْمُتقين(1/503)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14)
{عَلِمَتْ نَفْسٌ} علمت كل نفس برة أَو فاجرة عِنْد ذَلِك {مَّآ أَحْضَرَتْ} مَا قدمت من خير أَو شَرّ(1/503)
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15)
(فَلاَ أُقْسِمُ) يَقُول أقسم {بالخنس} وَهِي النُّجُوم الَّتِي يخنسن بِالنَّهَارِ ويظهرن بِاللَّيْلِ(1/503)
الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)
{الْجوَار الكنس} ويجرين بِاللَّيْلِ إِلَى المجرة يكنسن بِالنَّهَارِ ثمَّ يرجعن إِلَى أماكنهن ويغبن وكنوسهن غيبوبتهن وسقوطهن رجوعهن إِلَى أماكنهن وَهِي هَذِه الأنجم الْخَمْسَة زهرَة وزحل ومريخ ومشتري وَعُطَارِد(1/503)
وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17)
{وَاللَّيْل إِذَا عَسْعَسَ} إِذا أدبر وَذهب(1/503)
وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)
{وَالصُّبْح إِذَا تَنَفَّسَ} إِذا أقبل واستضاء أقسم الله بِهَذِهِ الْأَشْيَاء(1/503)
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)
{إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} يَقُول الله نزل بِهِ جِبْرِيل على رَسُول كريم على الله يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم(1/503)
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)
{ذِي قُوَّةٍ} على أعدائه يَعْنِي بِهِ جِبْرِيل {عِندَ ذِي الْعَرْش مَكِينٍ} عِنْد الله لَهُ الْقدر والمنزلة(1/503)
مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)
{مُّطَاعٍ} يَعْنِي جِبْرِيل مُطَاع {ثَمَّ} فِي السَّمَاء يطيعه الْمَلَائِكَة {أَمِينٍ} على الرسَالَة إِلَى أنبيائه(1/503)
وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)
{وَمَا صَاحِبُكُمْ} نَبِيكُم مُحَمَّد يَا معشر قُرَيْش {بِمَجْنُونٍ} يختنق كَمَا تَقولُونَ(1/503)
وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
{وَلَقَد رَآهُ} رأى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جِبْرِيل {بالأفق الْمُبين} بمطلع الشَّمْس الْمُرْتَفع(1/503)
وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24)
{وَمَا هُوَ} يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {عَلَى الْغَيْب} على الْوَحْي {بِضَنِينٍ} بمتهم وَيُقَال ببخيل إِن قَرَأت بالضاد(1/503)
وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)
{وَمَا هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن {بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ} متمرد لعين واسْمه المرمي(1/503)
فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)
{فَأيْنَ تَذْهَبُونَ} من عَذَاب الله يَا معشر الْكفَّار وَأمره وَنَهْيه وَيُقَال فاين تذهبون من أَيْن تكذبون وَيُقَال فَأَيْنَ تميلون عَن الْقُرْآن فَلَا تؤمنون بِهِ(1/503)
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27)
{إِنْ هُوَ} مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن {إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة من الله {لِّلْعَالَمِينَ} الْجِنّ وَالْإِنْس(1/503)
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28)
{لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} على مَا أمره الله من التَّوْحِيد وَغَيره(1/503)
وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)
{وَمَا تشاؤون} من الاسْتقَامَة والتوحيد {إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} لكم ذَلِك {رَبُّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانفطار وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع عشرَة وكلماتها ثَمَانُون كلمة وحروفها مائَة وَسَبْعَة
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/503)
إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا السمآء انفطرت} انشقت بنزول الرب بِلَا كَيفَ وَالْمَلَائِكَة وَمَا يَشَاء من أمره(1/503)
وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)
{وَإِذَا الْكَوَاكِب انتثرت} تساقطت على وَجه الأَرْض(1/503)
وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)
{وَإِذَا الْبحار فُجِّرَتْ} فتحت بَعْضهَا فِي بعض عذبها فِي مالحها ومالحها فِي عذبها فَصَارَت بحرا وَاحِدًا(1/503)
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)
{وَإِذَا الْقُبُور بُعْثِرَتْ} بحثت وَأخرج مَا فِيهَا من الْأَمْوَات(1/503)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)
{عَلِمَتْ نَفْسٌ} كل نفس عِنْد ذَلِك {مَّا قَدَّمَتْ} من خير أَو شَرّ {وَأَخَّرَتْ} مَا أثرت من سنة صَالِحَة أَو سنة سَيِّئَة وَيُقَال مَا قدمت أَي أدَّت من طَاعَة وَمَا أخرت أى ضيعت(1/503)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)
{يَا أَيهَا الْإِنْسَان} يَعْنِي الْكَافِر كلدة بن أسيد {مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ} حِين كفرت بِرَبِّك {الْكَرِيم} المتجاوز(1/503)
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7)
{الَّذِي خَلَقَكَ} نسمَة من نُطْفَة {فَسَوَّاكَ} فِي بطن أمك {فَعَدَلَكَ} فجعلك معتدل الْقَامَة(1/503)
فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)
{فِي أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ} إِن شَاءَ شبهك فِي صُورَة الْأَعْمَام أَو صُورَة الأخوال وَإِن شَاءَ حسنا وَإِن شَاءَ دميماً وَإِن شَاءَ صورك فِي صُورَة القردة والخنازير وَأَشْبَاه ذَلِك(1/504)
كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)
{كَلاَّ} حَقًا {بَلْ تُكَذِّبُونَ} يَا معشر قُرَيْش {بِالدينِ} بِالْحِسَابِ وَالْقَضَاء(1/504)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} من الْمَلَائِكَة يحفظونكم ويحفظون أَعمالكُم(1/504)
كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)
{كِرَاماً} هم كرام على الله مُسلمُونَ {كَاتِبِينَ} يَكْتُبُونَ أَعمالكُم(1/504)
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)
{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} وَمَا تَقولُونَ من الْخَيْر وَالشَّر ويكتبون ذَلِك كُله(1/504)
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)
{إِنَّ الْأَبْرَار} الصَّادِقين فِي إِيمَانهم أَبَا بكر وَأَصْحَابه {لَفِي نَعِيمٍ} فِي جنَّة دَائِم نعيمها(1/504)
وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)
{وَإِنَّ الْفجار} الْكفَّار كلدة وَأَصْحَابه {لَفِي جَحِيمٍ} فى نَار(1/504)
يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15)
{يَصْلَوْنَهَا} يدْخلُونَهَا {يَوْمَ الدّين} يَوْم الْحساب وَالْقَضَاء فِيهِ بَين الْخَلَائق(1/504)
وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)
{وَمَا هُمَ} يَعْنِي الْكفَّار {عَنْهَا} عَن النَّار {بِغَآئِبِينَ} إِذا دخلُوا فِيهَا(1/504)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (17)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا يَوْمُ الدّين} مَا يَوْم الْحساب(1/504)
ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18)
{ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا يَوْمُ الدّين} مَا يَوْم الْحساب يُعجبهُ بذلك تَعْظِيمًا لَهُ(1/504)
يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)
ثمَّ بيَّن لَهُ فَقَالَ {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ} لَا تقدر {نَفْسٌ} مُؤمنَة {لِنَفْسٍ} كَافِرَة {شَيْئاً} من النجَاة والشفاعة {وَالْأَمر} الحكم وَالْقَضَاء بَين الْعِبَادَة {يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} بيد الله لَا يملكهُ يَوْمئِذٍ غَيره وَلَا ينازعه أحد
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا المطففين بَين مَكَّة وَالْمَدينَة نزلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى مهاجرته إِلَى الْمَدِينَة فاستتمت بِالْمَدِينَةِ آياتها سِتّ وَثَلَاثُونَ وكلماتها مائَة وتسع وَسِتُّونَ وحروفها سَبْعمِائة وَثَلَاثُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/504)
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب {لِّلْمُطَفِّفِينَ} بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن وهم أهل الْمَدِينَة كَانُوا مسيئين بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن قبل مجىء مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم فَنزلت على النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مسيره بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَة هَذِه السُّورَة ويل شدَّة الْعَذَاب لِلْمُطَفِّفِينَ المسيئين بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن(1/504)
الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2)
ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ {الَّذين إِذَا اكتالوا عَلَى النَّاس} إِذا اشْتَروا من النَّاس وكالوا لأَنْفُسِهِمْ أَو وزنوا لأَنْفُسِهِمْ {يَسْتَوْفُونَ} يتمون الْكَيْل وَالْوَزْن جدا(1/504)
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)
{وَإِذَا كَالُوهُمْ} كالوا لغَيرهم {أَوْ وَّزَنُوهُمْ} أَو وزنوا لغَيرهم {يُخْسِرُونَ} ينقصُونَ فِي الْكَيْل وَالْوَزْن ويسيئون جدا وَيُقَال ويل شدَّة الْعَذَاب يَوْمئِذٍ لِلْمُطَفِّفِينَ من الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَغير ذَلِك من الْعِبَادَات(1/504)
أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4)
{أَلا يَظُنُّ} أَلا يعلم ويستيقن {أُولَئِكَ} المطففون بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن {أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ} محيون(1/504)
لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5)
{لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} شَدِيد هوله وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة(1/504)
يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)
{يَوْمَ يَقُومُ النَّاس} من الْقُبُور {لِرَبِّ الْعَالمين} رب كل ذِي روح دب على وَجه الأَرْض وَمن أهل السَّمَاء فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه السُّورَة تَابُوا وَرَجَعُوا إِلَى وَفَاء الْكَيْل وَالْوَزْن(1/504)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّ كِتَابَ الْفجار} أَعمال الْكفَّار {لَفِي سِجِّينٍ}(1/504)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8)
{وَمَا أَدْرَاك} يَا مُحَمَّد {مَا سِجِّين} مافى السجين تَعْظِيمًا لَهَا(1/504)
كِتَابٌ مَرْقُومٌ (9)
{كِتَابٌ مَّرْقُومٌ} يَقُول أَعمال بني آدم مَكْتُوب فِي صَخْرَة خضراء تَحت الأَرْض السَّابِعَة السُّفْلى وهى سِجِّين(1/504)
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (10)
{وَيْلٌ} شدَّة الْعَذَاب {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لِّلْمُكَذِّبِينَ} بالايمان والبعث(1/504)
الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (11)
{الَّذين يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدّين} بِيَوْم الْحساب وَالْقَضَاء فِيهِ(1/504)
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)
{وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ} بِيَوْم الدّين {إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ} عَن الْحق غشوم ظلوم {أَثِيمٍ} فَاجر مثل الْوَلِيد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي(1/504)
إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13)
{إِذَا تتلى} تقْرَأ {عَلَيْهِ} على الْوَلِيد بن الْمُغيرَة {آيَاتُنَا} الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي {قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلين} هَذِه أَحَادِيث الْأَوَّلين فِي دهرهم وكذبهم(1/504)
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {بَلْ رَانَ} بل طبع الله {على قُلُوبِهِمْ} على قُلُوب المكذبين بِيَوْم الدّين وَيُقَال الذَّنب على الذَّنب حَتَّى يسود الْقلب وَهُوَ رين الْقلب {مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} بِمَا كَانُوا يَقُولُونَ ويعملون فِي الشّرك(1/504)
كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّهُمْ} يَعْنِي المكذبين بِيَوْم الدّين(1/504)
{عَن رَّبِّهِمْ} عَن النّظر إِلَى رَبهم {يَوْمَئِذٍ} يَوْم الْقِيَامَة {لَّمَحْجُوبُونَ} لممنوعون والمؤمنون لَا يحجبون عَن النّظر إِلَى رَبهم(1/505)
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16)
{ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الْجَحِيم} لداخلو النَّار(1/505)
ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)
{ثُمَّ يُقَالُ} يَقُول لَهُم الزَّبَانِيَة إِذا دخلُوا فِيهَا {هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ} هَذَا الْعَذَاب هُوَ الَّذِي كُنْتُم بِهِ فِي الدُّنْيَا {تكذبون} أَنه لَا يكون(1/505)
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)
{كَلاَّ} حَقًا يَا مُحَمَّد {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَار} أَعمال الصَّادِقين فِي إِيمَانهم {لَفِي عِلِّيِّينَ}(1/505)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا عِلِّيُّونَ} مَا فِي عليين(1/505)
كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20)
{كتاب مرقوم} يَقُول أَعمال الأبرارمكتوبة فِي لوح من زبرجدة خضراء فَوق السَّمَاء السَّابِعَة تَحت عرش الرَّحْمَن وَهُوَ عليون(1/505)
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21)
{يَشْهَدُهُ المقربون} مقربو أهل كل سَمَاء أَعمال الْأَبْرَار(1/505)
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)
{إِنَّ الْأَبْرَار} الصَّادِقين فِي إِيمَانهم وهم الَّذين لَا يُؤْذونَ الذَّر {لَفِي نَعِيمٍ} فِي جنَّة دَائِم نعيمها(1/505)
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23)
{عَلَى الأرآئك} على السرر فِي الحجال {يَنظُرُونَ} إِلَى أهل النَّار(1/505)
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24)
{تَعْرِفُ} يَا مُحَمَّد {فِي وُجُوهِهِمْ} وُجُوه أهل الْجنَّة {نَضْرَةَ النَّعيم} حسن النَّعيم(1/505)
يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25)
{يُسْقَوْنَ} فِي الْجنَّة {مِن رَّحِيقٍ} من خمر {مختوم} ممزوج(1/505)
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)
{خِتَامُهُ} عاقبته {مِسْكٌ وَفِي ذَلِك} فِيمَا ذكرت فِي الْجنَّة {فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافسُونَ} فليعمل الْعَامِلُونَ وليجتهد المجتهدون وليبادر المبادرون وليباذل المباذلون(1/505)
وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27)
{وَمِزَاجُهُ} خلطه {مِن تَسْنِيمٍ}(1/505)
عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)
{عَيْناً} يصب عَلَيْهِم من جنَّة عدن {يَشْرَبُ بِهَا} مِنْهَا من عين التسنيم {المقربون} إِلَى جنَّة عدن صرفا بِلَا خلط(1/505)
إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29)
{إِنَّ الَّذين أَجْرَمُواْ} أشركوا أَبُو جهل وَأَصْحَابه {كَانُواْ مِنَ الَّذين آمَنُواْ} على الَّذين آمنُوا على وَأَصْحَابه {يَضْحَكُونَ} يهزءون ويسخرون(1/505)
وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30)
{وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ} بالكفار يأْتونَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {يتغامزون} يطعنون(1/505)
وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31)
{وَإِذَا انقلبوا} وَإِذا رَجَعَ الْكفَّار {إِلَى أَهْلِهِمْ انقلبوا} رجعُوا {فَكِهِينَ} معجبين بشركهم واستهزائهم على الْمُؤمنِينَ(1/505)
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)
{وَإِذا رَأَوْهُمْ} رَأَوْا أَصْحَاب النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قَالُوا} يَعْنِي الْكفَّار {إِنَّ هَؤُلَاءِ} أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {لَضَالُّونَ} عَن الْهدى(1/505)
وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (33)
{وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ} مَا سلطوا على الْمُؤمنِينَ {حافظين} لَهُم ولأعمالهم(1/505)
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34)
{فاليوم} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة {الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَهُوَ عَليّ وَأَصْحَابه {مِنَ الْكفَّار} على الْكفَّار {يَضْحَكُونَ}(1/505)
عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35)
{عَلَى الأرآئك} على السرر فِي الحجال {يَنظُرُونَ} إِلَى أهل النَّار يسْحَبُونَ فِي النَّار(1/505)
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)
{هَلْ ثُوِّبَ الْكفَّار} هَل جوزي الْكفَّار فِي الْآخِرَة {مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} إِلَّا بِمَا كَانُوا يعْملُونَ وَيَقُولُونَ فى الدُّنْيَا
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الانشقاق وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها ثَلَاث وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وتسع وحروفها سَبْعمِائة وَثَلَاثُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/505)
إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا السمآء انشقت} يَقُول انشقت بالغمام والغمام مثل السَّحَاب الْأَبْيَض لنزول الرب بِلَا كَيفَ وَالْمَلَائِكَة وَمَا يَشَاء من أمره(1/505)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2)
{وَأَذِنَتْ} سَمِعت وأطاعت {لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} حق لَهَا أَن تفعل(1/505)
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3)
{وَإِذَا الأَرْض مُدَّتْ} مد الْأَدِيم العكاظي وَبسطت وَيُقَال نزعت من أماكنها وسويت(1/505)
وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ (4)
{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا} من الْأَمْوَات والكنوز {وَتَخَلَّتْ} عَن ذَلِك فَصَارَت خَالِيَة من ذَلِك(1/506)
وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (5)
{وَأَذِنَتْ} سَمِعت وأطاعت {لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} وَحقّ لَهَا ذَلِك(1/506)
يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6)
{يَا أَيهَا الْإِنْسَان} وَهُوَ الْكَافِر أَبُو الْأسود بن كلدة بن أسيد بن خلف {إِنَّكَ كَادِحٌ} يَقُول عَامل عملا فِي كفرك فترجع بذلك {إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً} فِي الْآخِرَة وَيُقَال ساع سعياً {فَمُلاَقِيهِ} عَمَلك من خير أَو شَرّ(1/506)
فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7)
{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ} أعطي {كِتَابَهُ} كتاب حَسَنَاته {بِيَمِينِهِ} وَهُوَ أَبُو سَلمَة بن عبد الْأسد(1/506)
فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8)
{فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} هيناً وَهُوَ الْعرض(1/506)
وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9)
{وَيَنقَلِبُ} يرجع فِي الْآخِرَة {إِلَى أَهْلِهِ} الَّذِي أعد الله لَهُ فِي الْجنَّة {مَسْرُوراً} بهم(1/506)
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)
{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ} أعطي كتاب سيئاته {وَرَآءَ ظَهْرِهِ} خلف ظَهره بِشمَالِهِ وَهُوَ الْأسود بن عبد الْأسد أَخُو أبي سَلمَة(1/506)
فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)
{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} يَقُول واويلاه واثبوراه(1/506)
وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)
{وَيصلى سَعِيراً} يدْخل نَارا وقوداً(1/506)
إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)
{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} بهم(1/506)
إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)
{إِنَّهُ ظَنَّ} حسب {أَن لَّن يَحُورَ} يَعْنِي أَن لن يرجع إِلَى ربه فِي الْآخِرَة وَهُوَ بِلِسَان الْحَبَشَة يحور يرجع(1/506)
بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)
{بلَى} ليحورن إِلَى ربه فِي الْآخِرَة {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ} من يَوْم خلقه {بَصِيراً} عَالما بِأَن يَبْعَثهُ بعد الْمَوْت(1/506)
فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16)
{فَلاَ أُقْسِمُ} يَقُول أقسم {بالشفق} وَهُوَ حمرَة الْمغرب بعد غرُوب الشَّمْس(1/506)
وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17)
{وَاللَّيْل وَمَا وَسَقَ} وَأقسم بِاللَّيْلِ وَمَا وسق جمع وَرجع إِلَى وَطنه إِذا جن اللَّيْل(1/506)
وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18)
{وَالْقَمَر إِذَا اتسق} وَأقسم بالقمر إِذا اجْتمع وتكامل ثَلَاث لَيَال لَيْلَة ثَلَاث عشرَة وَلَيْلَة أَربع عشرَة وَلَيْلَة خمس عشرَة(1/506)
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19)
{لَتَرْكَبُنَّ} لتحولن جملَة الْخلق {طَبَقاً عَن طَبقٍ} حَالا بعد حَال من حِين خلقهمْ إِلَى أَن يموتوا وَمن حِين مَوْتهمْ إِلَى أَن يدخلُوا الْجنَّة أَو النَّار يحولهم الله من حَال إِلَى حَال وَيُقَال لتركبن يَا مُحَمَّد لتصعدن طبقًا عَن طبق يَقُول من سَمَاء إِلَى سَمَاء لَيْلَة الْمِعْرَاج إِن قَرَأت بِنصب الْبَاء وَيُقَال ليركبن هَذَا المكذب طبقًا عَن طبق حَالا بعد حَال من حِين يَمُوت إِلَى أَن يدْخل النَّار إِن قَرَأت بِالْيَاءِ ونصبت الْيَاء(1/506)
فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20)
{فَمَا لَهُمْ} لكفار مَكَّة وَيُقَال لبني عبد ياليل الثَّقَفِيّ وَكَانُوا ثَلَاثَة مَسْعُود وحبِيب وَرَبِيعَة فَاسْلَمْ مِنْهُم حبيب وَرَبِيعَة بعد ذَلِك {لاَ يُؤْمِنُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/506)
وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21)
{وَإِذا قرئَ عَلَيْهِم} وَإِذا قَرَأَ عَلَيْهِم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {الْقُرْآن} بِالْأَمر وَالنَّهْي {لاَ يَسْجُدُونَ} لَا يخضعون لله بِالتَّوْحِيدِ(1/506)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22)
{بَلِ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة وَمن لم يُؤمن من بني عبد ياليل {يُكَذِّبُونَ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/506)
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)
{وَالله أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ} بِمَا يَقُولُونَ ويعملون وَيُقَال بِمَا يسمعُونَ ويضمرون فِي قُلُوبهم(1/506)
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)
{فَبَشِّرْهُمْ} يَا مُحَمَّد لمن لَا يُؤمن بِهِ {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} وجيع يخلص وَجَعه إِلَى قُلُوبهم يَوْم بدر فى الْآخِرَة ثمَّ اسْتثْنى الَّذين آمنُوا فَقَالَ(1/506)
إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (25)
{إِلَّا الَّذين آمنُوا} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} والطاعات فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُمْ أَجْرٌ} ثَوَاب فِي الْجنَّة {غَيْرُ مَمْنُونٍ} غير مَنْقُوص وَلَا مكدر وَيُقَال لَا يمنون بذلك وَيُقَال لَا ينقص من حسناتهم بعد الْهَرم وَالْمَوْت
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا البروج وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ وكلماتها مائَة وتسع كَلِمَات وحروفها أَرْبَعمِائَة وَثَمَانِية وَثَلَاثُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/506)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والسمآء ذَاتِ البروج} يَقُول أقسم الله بالسماء ذَات البروج وَيُقَال ذَات الْقُصُور اثْنَا عشر قصراً بَين السَّمَاء وَالْأَرْض يعلم الله ذَلِك(1/506)
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2)
{وَالْيَوْم الْمَوْعُود} وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة(1/506)
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3)
{وَشَاهِدٍ} وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة {وَمَشْهُودٍ} وَهُوَ يَوْم عَرَفَة وَيُقَال يَوْم النَّحْر وَيُقَال شَاهد بَنو آدم ومشهود هُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَيُقَال شَاهد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومشهود أمته أقسم الله بهؤلاء الْأَشْيَاء إِن بَطش رَبك عَذَاب رَبك لشديد لمن لَا يُؤمن بِهِ(1/506)
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5)
{قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُود النَّار ذَاتِ الْوقُود} بالنفط والزفت والحطب وَيُقَال لعنُوا وَيُقَال هم قوم من الْمُؤمنِينَ قَتلهمْ الْكفَّار بالنَّار ذَات الْوقُود بالنفط والزفت والحطب(1/507)
إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6)
{إِذْ هُمْ} يَعْنِي الْكفَّار {عَلَيْهَا} على الخَنْدَق وَيُقَال على الكراسي {قُعُودٌ} جُلُوس حِين أحرقهم الله بالنَّار(1/507)
وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7)
{وَهُمْ على مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} حُضُور وَيُقَال كَانُوا يشْهدُونَ على الْمُؤمنِينَ أَن هَؤُلَاءِ قوم ضلال(1/507)
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)
{وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ} من الْمُؤمنِينَ وَلَا طعنوا عَلَيْهِم {إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِاللَّه} إِلَّا لقبل إِيمَانهم بِاللَّه {الْعَزِيز} بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ {الحميد} لمن آمن بِهِ(1/507)
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9)
{الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات} خَزَائِن السَّمَوَات الْمَطَر {وَالْأَرْض} النَّبَات {وَالله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} من أَعْمَالهم {شَهِيد}(1/507)
إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)
{إِنَّ الَّذين فَتَنُواْ} أحرقوا وعذبوا {الْمُؤمنِينَ} بالنَّار يَعْنِي المصدقين من الرِّجَال بِالْإِيمَان {وَالْمُؤْمِنَات} المصدقات من النِّسَاء بِالْإِيمَان {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ} من كفرهم وشركهم {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَة {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيق} الشَّديد فِي النَّار وَيُقَال فِي الدُّنْيَا حَيْثُ أحرقهم الله بالنَّار وَكَانَ هَؤُلَاءِ قوما من نَجْرَان وَيُقَال من أهل الْموصل أخذُوا قوما من الْمُؤمنِينَ فعذبوهم وقتلوهم بالنَّار لكَي يرجِعوا إِلَى دينهم وَكَانَ ملكهم يُسمى يُوسُف وَيُقَال ذَا النواس(1/507)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11)
ثمَّ ذكر الْمُؤمنِينَ الَّذين لم يرجِعوا عَن الْإِيمَان لقبل عَذَابهمْ فَقَالَ {إِنَّ الَّذين آمَنُواْ} بِاللَّه {وَعَمِلُواْ الصَّالِحَات} فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم {لَهُم جنَّات} بساتين {تجْرِي من تحتهَا} من تَحت شَجَرهَا ومساكنها {الْأَنْهَار} أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن {ذَلِك الْفَوْز الْكَبِير} النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار(1/507)
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12)
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ} أَخذ رَبك لمن لَا يُؤمن بِهِ {لشديد}(1/507)
إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13)
{إِنَّه هُوَ يبدئ} الْخلق من النُّطْفَة {وَيُعِيدُ} بعد الْمَوْت خلقا جَدِيدا(1/507)
وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14)
{وَهُوَ الغفور} المتجاوز لمن تَابَ من الْكفْر وآمن بِاللَّه {الْوَدُود} المتودد لأوليائه وَيُقَال الْمُحب لأهل طَاعَته وَيُقَال المتحبب إِلَى أهل طَاعَته(1/507)
ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15)
{ذُو الْعَرْش} ذُو السرير {الْمجِيد} الْحسن الْجيد وَيُقَال الْكَرِيم إِن قَرَأت بِضَم الدَّال فَهُوَ الله(1/507)
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)
{فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} كَمَا يُرِيد يحيي وَيُمِيت(1/507)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17)
{هَلُ أَتَاكَ} يَا مُحَمَّد استفهم نبيه بذلك وَلم يَأْته قبل ذَلِك فَأَتَاهُ بعد ذَلِك {حَدِيثُ الْجنُود} يَقُول خبر جموع(1/507)
فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18)
{فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} وَالَّذين من قبلهم وَمن بعدهمْ كَيفَ فعلنَا بهم عِنْد التَّكْذِيب(1/507)
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19)
{بَلِ الَّذين كَفَرُواْ} كفار مَكَّة {فِي تَكْذِيبٍ} بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن(1/507)
وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20)
{وَالله مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ} يَقُول عَالم بهم وبأعمالهم(1/507)
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21)
{بَلْ هُوَ} يَعْنِي الْقُرْآن الَّذِي يقْرَأ عَلَيْكُم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم {قُرْآنٌ مَّجِيدٌ} كريم شرِيف(1/507)
فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)
{فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ} يَقُول مَكْتُوب فِي لوح مَحْفُوظ من الشَّيَاطِين
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الطارق وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ عشرَة وكلماتها إِحْدَى وَسِتُّونَ وحروفها مِائَتَان وتسع وَثَلَاثُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/507)
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {والسمآء والطارق} يَقُول أقسم الله بالسماء والطارق(1/507)
وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2)
{وَمَآ أَدْرَاكَ} يَا مُحَمَّد {مَا الطارق} يُعجبهُ بذلك(1/507)
النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)
ثمَّ بيَّن فَقَالَ {النَّجْم الثاقب} المضيء النَّافِذ وَهُوَ زحل يطْرق بِاللَّيْلِ ويخنس بِالنَّهَارِ(1/507)
إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)
{إِن كُلُّ نَفْسٍ} وَلِهَذَا كَانَ الْقسم يَقُول كل نفس برة أَو فاجرة {لَّمَّا عَلَيْهَا} يعْنى لعليها الْمِيم وَالْألف هَهُنَا صلَة وَيُقَال إِن كل نفس مَا كل نفس لما عَلَيْهَا إِلَّا عَلَيْهَا إِن قَرَأت الْمِيم بالشد {حَافِظٌ} يحفظ قَوْلهَا وعملها حَتَّى يَدْفَعهَا إِلَى الْمَقَابِر(1/508)
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)
{فَلْيَنظُرِ الْإِنْسَان} أَبُو طَالب {مِمَّ خُلِقَ} نَفسه(1/508)
خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)
ثمَّ بيَّن فَقَالَ {خُلِقَ} نَفسه {مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} مدفوق ومهراق فِي رحم الْمَرْأَة(1/508)
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
{يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب} صلب الرجل {والترآئب} ترائب الْمَرْأَة(1/508)
إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)
{إِنَّهُ} يَعْنِي الله {على رَجْعِهِ} على رد ذَلِك المَاء إِلَى الإحليل {لَقَادِرٌ} وَيُقَال على إِعَادَته بعد الْمَوْت وإحيائه لقادر(1/508)
يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)
{يَوْمَ تبلى السرآئر} تظهر السرائر وَهُوَ على كل شَيْء وكل إِلَى الرجل لَا يُعلمهُ غَيره(1/508)
فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)
{فَمَا لَهُ} لأبي طَالب {مِن قُوَّةٍ} من مَنْعَة بِنَفسِهِ {وَلاَ نَاصِرٍ} لَا مَانع لَهُ من عَذَاب الله(1/508)
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)
{والسمآء ذَاتِ الرجع} وَأقسم بالسماء ذَات الْمَطَر بعد الْمَطَر والسحاب بعد السَّحَاب عَاما بعد عَام(1/508)
وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)
{وَالْأَرْض ذَاتِ الصدع} بالنبات والزروع وَيُقَال ذَات الْأَوْتَاد(1/508)
إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)
{إِنَّهُ} يَعْنِي الْقُرْآن وَلِهَذَا كَانَ الْقسم {لَقَوْلٌ فَصْلٌ} بَيَان حق وَيُقَال حكم من الله(1/508)
وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)
{وَمَا هوَ بِالْهَزْلِ} بِالْبَاطِلِ(1/508)
إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)
{إِنَّهُمْ} يَعْنِي أهل مَكَّة {يَكِيدُونَ كَيْداً} يصنعون صنعا فِي كفرهم وَهُوَ صدهم النَّاس عَن مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن وَيُقَال يُرِيدُونَ قَتلك وهلاكك فِي دَار الندوة يَا مُحَمَّد(1/508)
وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)
{وَأَكِيدُ كَيْداً} وَأُرِيد قَتلهمْ يَا مُحَمَّد يَوْم بدر(1/508)
فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
{فَمَهِّلِ الْكَافرين} فأجل الْكَافرين {أَمْهِلْهُمْ} أَجلهم {رُوَيْداً} قَلِيلا إِلَى يَوْم بدر
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْأَعْلَى وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع عشرَة كلماتها اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ كلمة وحروفها مِائَتَان وَأَرْبَعَة وَثَمَانُونَ
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/508)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {سَبِّحِ اسْم رَبِّكَ الْأَعْلَى} يَقُول صل يَا مُحَمَّد بِأَمْر رَبك الْأَعْلَى أَعلَى كل شَيْء وَيُقَال اذكر يَا مُحَمَّد تَوْحِيد رَبك وَيُقَال قل يَا مُحَمَّد سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي السُّجُود(1/508)
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2)
{الَّذِي خلق} كل ذى روح {فسوى} حَلقَة باليدين وَالرّجلَيْنِ والعينين والأذنين وَسَائِر الْأَعْضَاء(1/508)
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3)
{وَالَّذِي قَدَّرَ} جعل كل ذكر وَأُنْثَى {فهدى} فَعرف وألهم كَيفَ يأتى الذّكر وَالْأُنْثَى وَيُقَال قدر خلقه حسنا أَو دميماُ أَو طَويلا أَو قَصِيرا وَيُقَال قدر السَّعَادَة والشقاوة لخلقه فهدى فبيَّن الْكفْر وَالْإِيمَان وَالْخَيْر والشرك(1/508)
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4)
{وَالَّذِي أَخْرَجَ} أنبت بالمطر {المرعى} الْكلأ الْأَخْضَر(1/508)
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5)
{فَجَعَلَهُ} بعد خضرته {غُثَآءً} يَابسا {أحوى} أسود إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول(1/508)
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)
{سَنُقْرِئُكَ} سنعلمك يَا مُحَمَّد الْقُرْآن وَيُقَال سيقرأ عَلَيْك جِبْرِيل الْقُرْآن {فَلاَ تنسى}(1/508)
إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7)
{إِلاَّ مَا شَآءَ الله} وَقد شَاءَ الله لَا تنسى فَلم ينس النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد ذَلِك شَيْئا من الْقُرْآن {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْر} الْعَلَانِيَة من القَوْل وَالْفِعْل {وَمَا يخفى} مَا أُخْفِي من السِّرّ مِمَّا لم تحدث بِهِ نَفسك بعد(1/508)
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (8)
{وَنُيَسِّرُكَ لليسرى} سنهون عَلَيْك تَبْلِيغ الرسَالَة وَسَائِر الطَّاعَات(1/508)
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9)
{فَذَكِّرْ} عظ بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ {إِن نَّفَعَتِ الذكرى} يَقُول لَا تَنْفَع العظة بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ إِلَّا من يخْشَى من الله وَهُوَ الْمُؤمن(1/508)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10)
{سَيَذَّكَّرُ} سيتعظ بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ {مَن يخْشَى} الله وَهُوَ الْمُسلم(1/508)
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11)
{وَيَتَجَنَّبُهَا} يتباعد ويتزحزح عَن العظة بِالْقُرْآنِ وَبِاللَّهِ {الأشقى} الشقي فِي علم الله(1/508)
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12)
{الذى يَصْلَى النَّار} يدْخل النَّار فِي الْآخِرَة {الْكُبْرَى} الْعُظْمَى وَلَيْسَ شَيْء من الْعَذَاب أكبر من النَّار(1/508)
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13)
{ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا} فِي النَّار فيستريح {وَلَا يحيى} حَيَاة تَنْفَعهُ(1/508)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14)
{قَدْ أَفْلَحَ} قد فَازَ وَنَجَا {مَن تزكّى} من اتعظ بِالْقُرْآنِ ووحد الله(1/508)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15)
{وَذَكَرَ اسْم} أَمر {رَبِّهِ} بالصلوات الْخمس وَغَيرهَا {فصلى} الصَّلَوَات الْخمس فِي الْجَمَاعَة وَلها وَجه آخر قد أَفْلح وفاز وَنَجَا من تزكّى من تصدق بِصَدقَة الْفطر قبل خُرُوجه إِلَى الْمصلى وَذكر اسْم ربه هلله وَكبره فِي الذّهاب والمجيء فصلى صَلَاة الْعِيد مَعَ الإِمَام(1/508)
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16)
{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا} تختارون الْعَمَل للدنيا وثواب الدُّنْيَا على ثَوَاب الْآخِرَة(1/509)
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17)
{وَالْآخِرَة} عمل الْآخِرَة وثواب الْآخِرَة {خَيْرٌ} أفضل من ثَوَاب الدُّنْيَا وَعمل الدُّنْيَا {وَأبقى} أدوم(1/509)
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18)
{إِنَّ هَذَا} من قَوْله قد أَفْلح إِلَى هَهُنَا {لَفِي الصُّحُف الأولى} فِي كتب الْأَوَّلين {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ ومُوسَى} كتاب مُوسَى التَّوْرَاة وَكتاب إِبْرَاهِيم يعلم الله بذلك
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الغاشية وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَعِشْرُونَ وكلماتها اثْنَتَانِ وَتسْعُونَ وحروفها ثلثمِائة وَأحد وَثَمَانُونَ حرفا
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}(1/509)