أَفْضَلُ مِنَ الآخَرِ: ذِكْرُ اللَّهِ بِاللِّسَانِ حَسَنٌ، وَأَفْضَلُ مِنْهُ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَمَا نَهَاكَ عَنْهُ، وَالصَّبْرُ صَبْرَانِ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الآخَرِ: الصَّبْرُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ وَأَفْضَلُ مِنْهُ الصَّبْرُ عَمَّا نَهَاكَ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ سَعِيدًا يَذْكُرُ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ: بِكِتَابِ اللَّهِ، قَالَ: نَهَى اللَّهُ عَنْ مُجَادَلَتِهِمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِقِتَالِهِمْ فَلا مُجَادَلَةَ أَشَدُّ مِنَ السَّيْفِ، فَقَالَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ
وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَمَرَ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] قَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ قَاتَلَكَ وَلَمْ يُعْطِكَ الْجِزْيَةَ، يَعْنِي: إِذْ أَمَرَ بِجِهَادِهِمْ.
وَإِنَّمَا أَمَرَ بِجِهَادِهِمْ بِالْمَدِينَةِ وَهَذِهِ الآيَةُ مَكِّيَّةٌ.(2/633)
وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46] وَقَالُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَلَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلا شَرِيكٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَنْ أَقَامَ عَلَى الشِّرْكِ مِنْهُمْ وَلَمْ يُؤْمِنْ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: عَنْ أَبِيهِ: {إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [العنكبوت: 46] وَقَالُوا إِنَّ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ أَوْ لَهُ نِدٌّ، أَوْ لَهُ شَرِيكٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: مَنْ آمَنَ.
قَالَ: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَقُلْ مِنْ هَذَا شَيْئًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَيْ: لَمْ يَقُلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهٌ أَوْ لَهُ نِدٌّ أَوْ لَهُ شَرِيكٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [العنكبوت: 47] يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.
{وَمِنْ هَؤُلاءِ} [العنكبوت: 47] ، يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
{مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} [العنكبوت: 47] ، يَعْنِي: الْقُرْآنِ.
{وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ} [العنكبوت: 47] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو} [العنكبوت: 48] ، أَيْ: تَقْرَأُ.(2/634)
{مِنْ قَبْلِهِ} مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ.
{مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] لَوْ كُنْتَ تَقْرَأُ وَتَكْتُبُ.
وَالْمُبْطِلُونَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَفِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ: {الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت: 48] يَقُولُ: الْمُكَذِّبُونَ، وَهُمُ الْيَهُودُ.
{بَلْ هُوَ} [العنكبوت: 49] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] ، يَعْنِي: النَّبِيِّ وَالْمُؤْمِنِينَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أُعْطِيَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ الْحِفْظَ، وَكَانَ مَنْ قَبْلَنَا لا يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ إِلا نَظَرًا، فَإِذَا أَطْبَقُوهُ لَمْ يَحْفَظْ مَا فِيهِ إِلا النَّبِيُّونَ.
وَقَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنْ كَعْبٍ فِي صِفَةِ هَذِهِ الأُمَّةِ قَالَ: حُلَمَاءُ، عُلَمَاءُ، كَأَنَّهُمْ مِنَ الْفِقْهِ أَنْبِيَاءُ.
قَالَ: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت: 49] الْمُشْرِكُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا لَوْلا} [العنكبوت: 50] هَلا.
{أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} [العنكبوت: 50] كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِالآيَاتِ كَقَوْلِهِمْ: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5] وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} [العنكبوت: 50] إِذَا أَرَادَ أَنْ يُنْزِلَ آيَةً أَنْزَلَهَا كَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [الأنعام: 37] .
وَقَالَ اللَّهُ: {قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [العنكبوت: 50] .(2/635)
ثُمَّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: 51] أَيْ تَتْلُوهُ وَتَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ لا تَقْرَأُ وَلا تَكْتُبُ، فَكَفَاكَ ذَلِكَ لَوْ عَقَلُوا.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 51] ثُمَّ قَالَ: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا} [العنكبوت: 52] ، أَيْ: رَسُولُهُ، وَأَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّكُمْ عَلَى الْكُفْرِ.
قَالَ: {يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} [العنكبوت: 52] بِإِبْلِيسَ.
{وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: 52] فِي الآخِرَةِ، خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَغْنَمُوهَا، فَصَارُوا فِي النَّارِ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ} [العنكبوت: 52] ، يَعْنِي بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ: الشِّرْكَ {وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [العنكبوت: 52] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: 53] وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُخَوِّفُهُمْ بِالْعَذَابِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا، فَكَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيبًا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَوْلا أَجَلٌ مُسَمًّى} [العنكبوت: 53] ،
يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى: {لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} [العنكبوت: 53] .
أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخَّرَ عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالاسْتِئْصَالِ، الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ، إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ.
قَالَ: {وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [العنكبوت: 53]
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلانِ قَدْ نَشَرَا ثَوْبَهُمَا يَتَبَايَعَانِ بِهِ فَمَا يَطْوِيَانِهِ(2/636)
حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَلِيطُ حَوْضَهُ لِيَسْقِيَ مَاشِيَتَهُ، فَمَا يَسْقِيهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ قَدْ رَفَعَ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَمَا تَصِلُ إِلَى
فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 54] كَقَوْلِهِ: {أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] سُورُهَا.
قَالَ: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت: 55] وَهَذَا عَذَابُ جَهَنَّمَ.
كَقَوْلِهِ: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف: 41] ، أَيْ: يَغْشَاهُمْ.
كَقَوْلِهِ: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر: 16] .
قَالَ: {وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 55] فِي الدُّنْيَا، أَيْ: ثَوَابَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] قَالَ: ذَا عُمِلَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي، فَاخْرُجُوا مِنْهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَهَاجِرُوا وَجَاهِدُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ} [العنكبوت: 56] ، يَعْنِي: أَرْضَ الْمَدِينَةِ.(2/637)
{فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56] فِيهَا.
أَمَرَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ بِالْهِجْرَةِ، وَأَنْ يُجَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يُهَاجِرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يُجَاهِدُوا إِذَا أُمِرُوا بِالْجِهَادِ.
وَقَوْلُهُ: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56] ، أَيْ: فِي تِلْكَ الأَرْضِ الَّتِي آمُرُكُمْ أَنْ تُهَاجِرُوا إِلَيْهَا، يَعْنِي: الْمَدِينَةَ، نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت: 57] كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون: 15] وَكَقَوْلِهِ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30] .
قَالَ: {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 57] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} [العنكبوت: 58] لَنُسْكِنَنَّهُمْ {مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا} [العنكبوت: 58] لا يَمُوتُونَ وَلا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
{نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [العنكبوت: 58] نِعْمَ ثَوَابُ الْعَامِلِينَ فِي الدُّنْيَا، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ هِلالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ عَرَابَةَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَشْهَدُ بِاللَّهِ» ، قَالَ: وَكَانَ إِذَا حَلَفَ يَقُولُ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَمُوتُ رَجُلٌ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يُسَدِّدُ إِلا سُلِكَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ مَعَ أَنَّ رَبِّي قَدْ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ مِنْ
أُمَّتِي الْجَنَةَ سَبْعِينَ أَلْفًا لا حِسَابَ عَلَيْهِم وَلا عَذَابَ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَدْخُلُوهَا حَتَّى تُبَوَّءُوا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذُرِّيَّاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ» .
قَالَ: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [العنكبوت: 59](2/638)
قَوْلُهُ: {وَكَأَيِّنْ} [العنكبوت: 60] ، يَعْنِي: وَكَمْ.
{مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} [العنكبوت: 60] تَأْكُلُ بِأَفْوَاهِهَا وَلا تَحْمِلُ شَيْئًا لِغَدٍ.
تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: يَعْنِي: الْبَهَائِمَ وَالطَّيْرَ وَالْوُحُوشَ وَالسِّبَاعَ.
{اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60] لا أَسْمَعُ مِنْهُ وَلا أَعْلَمُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [العنكبوت: 61] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [العنكبوت: 61] تَجْرِيَانِ.
{لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61] فَكَيْفَ يُصْرَفُونَ بَعْدَ إِقْرَارِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [العنكبوت: 62] يُوَسِّعُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ.
{وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت: 62] ، أَيْ: وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِ نَظَرًا لَهُ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُؤْمِنَ.
{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [العنكبوت: 62] كَقَوْلِهِ: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
- يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ ذُبَابٍ مَا أَعْطَى مِنْهَا كَافِرًا شَيْئًا» .
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، وَالْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنَّ الدُّنْيَا، فِي حَدِيثِ الْمُبَارَكِ، سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» .(2/639)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} [العنكبوت: 61] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [العنكبوت: 63] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ.
{فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا} [العنكبوت: 63] فَأَخْرَجَ بِهِ النَّبَاتَ مِنْ بَعْدِ أَنْ كَانَتْ تِلْكَ الأَرْضُ مَيِّتَةً، أَيْ: يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
قَالَ: {لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 63] فَيُؤْمِنُونَ.
أَيْ أَنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ ثُمَّ عَبَدُوا الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} [العنكبوت: 64] ، أَيْ: أَنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا أَهْلُ لَهْوٍ وَلَعِبٍ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ هُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا الَّذِينَ لا يُرِيدُونَ غَيْرَهَا، لا يُقِرُّونَ بِالآخِرَةِ.
{وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ} [العنكبوت: 64] ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
{لَهِيَ الْحَيَوَانُ} [العنكبوت: 64] ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لا مَوْتٌ فِيهَا، أَيْ: يَبْقَى فِيهَا أَهْلُهَا لا يَمُوتُونَ.
قَالَ: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 64] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لَعَلِمُوا أَنَّ الآخِرَةَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [العنكبوت: 65] إِذَا خَافُوا الْغَرَقَ.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ {65} لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [العنكبوت: 65-66] ، يَعْنِي: لِئَلا يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ , تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] قَالَ: {وَلِيَتَمَتَّعُوا} [العنكبوت: 66] فِي الدُّنْيَا.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 66] إِذَا صَارُوا إِلَى النَّارِ، وَهَذَا وَعِيدٌ.
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ(2/640)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا} [العنكبوت: 67] ، أَيْ: بَلَى قَدْ رَأَوْا ذَلِكَ.
{وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67] ، يَعْنِي: أَهْلَ الْحَرَمِ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَالْعَرَبُ حَوْلَهُمْ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَالَ: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 67] ، أَيْ: أَفَبِإِبْلِيسَ {يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 67] يُصَدِّقُونَ، يَعْبُدُونَهُ بِمَا وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَهِيَ عِبَادَتُهُ، قَالَ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ {60} وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ {61} } [يس: 60-61] .
قَالَ: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67] وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
بَلَى قَدْ فَعَلُوا، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67] ، يَعْنِي: مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الْهُدَى.
قَالَ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [العنكبوت: 68] فَعَبَدَ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ.
{أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ} [العنكبوت: 68] بِالْقُرْآنِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بِالْحَقِّ} [العنكبوت: 68] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ.
قَالَ: {لَمَّا جَاءَهُ} [العنكبوت: 68] ، أَيْ: لا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى} [العنكبوت: 68] مَنْزِلٌ.
{لِلْكَافِرِينَ} وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: بَلَى فِيهَا مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت: 69] ، يَعْنِي: عَمِلُوا لَنَا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(2/641)
{لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69] ، يَعْنِي: سُبُلَ الْهُدَى، الطَّرِيقَ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَالَ: نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْجِهَادِ ثُمَّ أُمِرَ بِالْجِهَادِ بَعْدُ بِالْمَدِينَةِ.
قَالَ: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69] ، أَيِ: الْمُؤْمِنِينَ.(2/642)
سُورَةُ الرُّومِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الرُّومِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم} قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
وَقَوْلُهُ: {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: 2] غَلَبَتْهُمْ فَارِسُ.
{فِي أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم: 3] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: أَرْضَ الأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ.
وَقَالَ يَحْيَى: {أَدْنَى الأَرْضِ} [الروم: 3] أَرْضِ الرُّومِ بِأَذْرِعَاتٍ مِنَ الشَّامِ، بِهَا كَانَتِ الْوَقْعَةُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ شَمِتُوا أَنْ غَلَبَ إِخْوَانُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ لأَنَّ الرُّومَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَكَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تَظْهَرَ الْمَجُوسُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} [الروم: 3] ، يَعْنِي: الرُّومَ مِنْ بَعْدِ مَا غَلَبَتْهُمْ فَارِسُ.(2/643)
{سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 3] فَارِسَ.
{فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ} [الروم: 4] أَنْ تُهْزَمَ الرُّومُ.
{وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] مَا هُزِمَتْ.
{وَيَوْمَئِذٍ} يَوْمَ تَغْلِبُ الرُّومُ فَارِسَ.
{يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} } [الروم: 4-5] قَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُشْرِكِينَ: لِمَ تَشْمَتُونَ، فَوَاللَّهِ لَتَظْهَرَنَّ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ، فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: أَنَا أُبَايِعُكَ أَلا تَظْهَرَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ إِلَى ثَلاثِ سِنِينَ، فَتَبَايَعَا عَلَى خِطَارٍ: سَبْعٍ مِنَ الإِبِلِ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: اذْهَبْ فَبَايِعْهُمْ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ، مُدَّ فِي الأَجَلِ، وَزِدْ فِي الْخِطَارِ، وَلَمْ يَكُنْ حُرِّمَ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ، وَإِنَّمَا حُرِّمَ الْقِمَارُ، وَهُوَ الْمَيْسِرُ، وَالْخَمْرُ بَعْدَ غَزْوَةِ الأَحْزَابِ، فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: اجْعَلُوا الْوَقْتَ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ وَأَزِيدُكُمْ فِي الْخِطَارِ، فَفَعَلُوا فَزَادُوا فِي الْخِطَارِ ثَلاثًا فَصَارَتْ عَشْرًا مِنَ الإِبِلِ، وَفِي السِّنِينَ أَرْبَعًا، فَكَانَتِ السُّنُونُ سَبْعًا، وَوُضِعَ الْخِطَارُ عَلَى يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا مَضَتْ ثَلاثُ
سِنِينَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدْ مَضَى الْوَقْتُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: هَذَا قَوْلُ رَبِّنَا وَتَبْلِيغُ رَسُولِنَا، وَالْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلاثِ إِلَى التِّسْعِ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْعَشْرَ، وَالْمَوْعُودُ كَائِنٌ، فَلَمَّا كَانَ تَمَامُ سَبْعِ سِنِينَ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَكَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ إِذَا غَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ أَظْهَرَهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، وَالْمُؤْمِنُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَوْمِ بَدْرٍ، وَفَرِحَ
الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ وَبِأَنْ صَدَقَ اللَّهُ قَوْلَهُمْ وَصَدَقَ رَسُولُهُمْ.(2/644)
قَالَ: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {6} } [الروم: 4-6] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لا يَعْلَمُونَ.
- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ كِسْرَى فَلا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا مَاتَ قَيْصَرُ فَلا قَيْصَرَ بَعْدَهُ» .
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: مَلِكَ الرُّومِ بِالشَّامِ.
- وَحَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنْ عُتْبَةَ بْنِ نَافِعٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُقَاتِلُونَ فَارِسَ فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَتُقَاتِلُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، ثُمَّ تُقَاتِلُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَتُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ» .
قَالَ: فَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ نَافِعٍ يَحْلِفُ بِاللَّهِ لا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بَلَغَ مُلْكُ الْعَرَبِ أَرْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَبَدًا» .
قَالَ: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم: 7] ، يَعْنِي: مَا بَدَا لَهُمْ مِنْ مَعَاشِهِمْ وَحَرْثِهِمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: يَعْلَمُونَ حِينَ زَرْعِهِمْ، وَحِينَ حَصَادِهِمْ وَحِينَ نِتَاجِهِمْ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَحِينَ تِجَارَاتِهِمْ.
- وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ(2/645)
بِالأَسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: زَعَمَ جَسْطَانُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُكْسَفُ بِالْقَمَرِ اللَّيْلَةَ، أَوْ أَنَّ الْقَمَرَ يَنْكَسِفُ اللَّيْلَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَذَبُوا، هَذَا هُمْ عَلِمُوا مَا فِي الأَرْضِ فَمَا عِلْمُهُمْ بِمَا فِي السَّمَاءِ؟ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: إِنَّمَا الْغَيْبُ خَمْسَةٌ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: 34] وَمَا سِوَى ذَلِكَ يَعْلَمُهُ قَوْمٌ وَيَجْهَلُهُ آخَرُونَ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَضَلَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَاحِلَتَهُ فَذَهَبَ فِي طَلَبِهَا، فَلَقِيَ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْشَدَهُ إِيَّاهَا، فَقَالَ: أَلَسْتَ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، أَفَلا تَأْتِيهِ، فَيُخْبِرُكَ بِمَكَانِ رَاحِلَتِكَ؟ فَمَضَى الرَّجُلُ قَلِيلا، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رَاحِلَتَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «فَمَا قُلْتَ لَهُ؟» قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ لِرَجُلٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ مُكَذِّبٍ؟ قَالَ: " أَفَلا قُلْتَ لَهُ: إِنَّ الْغَيْبَ لا يَعْلَمُهُ إِلا اللَّهُ، وَإِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ قَطُّ إِلا بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ عَن الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ لا يُقِرُّونَ بِهَا، هُمْ مِنْهَا فِي غَفْلَةٍ كَقَوْلِهِ: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] أَبْصَرَ حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُ الْبَصَرُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ} [الروم: 8] إِلا لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، أَيْ: لَوْ تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَعَلِمُوا أَنَّ الَّذِي خَلَقَهُمَا يَبْعَثُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: {وَأَجَلٍ مُسَمًّى} [الروم: 8] ، يَعْنِي: الْقِيَامَةَ، خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى(2/646)
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لِلْقِيَامَةِ لِيَجْزِيَ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَالْقِيَامَةُ اسْمٌ جَامِعٌ يَجْمَعُ النَّفْخَتَيْنِ جَمِيعًا الأُولَى وَالآخِرَةَ، وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ.
قَالَ: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} [الروم: 8] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ.
{بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ} [الروم: 8] قَالَ: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [الروم: 9] ، يَعْنِي: بَطْشًا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَأَثَارُوا الأَرْضَ} [الروم: 9] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: حَرَثُوهَا.
{وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا} [الروم: 9] هَؤُلاءِ.
{وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} [الروم: 9] ، يَعْنِي: كُفَّارَ الأُمَمِ الْخَالِيَةِ الَّذِينَ كَذَّبُوا فِي الدُّنْيَا، يَقُولُ: لَمْ يَظْلِمْهُمْ فَيُعَذِّبْهُمْ عَلَى غَيْرِ ذَنْبٍ.
{وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40] ، يَعْنِي: يُضَرُّونَ بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ قَالَ: {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40] ، أَيْ: يَضُرُّونَ، أَيْ: قَدْ صَارُوا فِي الأَرْضِ وَرَأَوْا آثَارَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُخَوِّفُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَالَ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ} [الروم: 10] ، أَيْ: جَزَاءَ الَّذِينَ.
{أَسَاءُوا} [الروم: 10] أَشْرَكُوا.
{السُّوأَى} [الروم: 10] ، يَعْنِي: جَهَنَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
{أَنْ كَذَّبُوا} [الروم: 10] ، يَعْنِي: بِأَنْ كَذَّبُوا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ} [الروم: 10] وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: {السُّوأَى} [الروم: 10] الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.(2/647)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا} [الروم: 10] ، يَعْنِي: أَشْرَكُوا بِاللَّهِ {السُّوأَى} [الروم: 10] ، يَعْنِي: الْعَذَابَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 11] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الروم: 11] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 12] يَيْأَسُ الْمُجْرِمُونَ مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ} [الروم: 13] الَّذِينَ عَبَدُوهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
{شُفَعَاءُ} [الروم: 13] حَتَّى لا يُعَذَّبُوا.
{وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ} [الروم: 13] ، يَعْنِي: مَا عَبَدُوا بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُمْ.
{كَافِرِينَ} [الروم: 13] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} [الروم: 14] فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
قَالَ: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ} [الروم: 15] كَقَوْلِهِ: {فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} [الشورى: 22] وَالرَّوْضَةُ الْخَضِرَةُ.
{يُحْبَرُونَ} [الروم: 15] يُكْرَمُونَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَفْرَحُونَ.
قَالَ: {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [الروم: 16] ، يَعْنِي: مُدْخَلُونَ.(2/648)
قَوْلُهُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ {17} وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ {18} } [الروم: 17-18] قَالَ السُّدِّيُّ: تُنْشَرُونَ وَتَنْبَسِطُونَ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مُسَمَّيَاتٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] فَهَذِهِ صَلاةُ الْمَغْرِبِ، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] فَهَذِهِ صَلاةُ الْفَجْرِ {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا} [الروم: 18] هَذِهِ صَلاةُ الْعَصْرِ {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 18] هَذِهِ صَلاةُ الظُّهْرِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] فَهَذِهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ كُلَّهَا فِي هَذِهِ الآيَةِ يَقُولُ: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ.
قَالَ يَحْيَى: كُلُّ صَلاةٍ ذُكِرَتْ فِي الْمَكِّيِّ مِنَ الْقُرْآنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ فَهِيَ رَكْعَتَانِ غُدْوَةً وَرَكْعَتَانِ عَشِيَّةً، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَإِنَّمَا افْتُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِسَنَةٍ لَيْلَةَ أُسْرِيَ(2/649)
بِهِ، فَمَا كَانَ مِنْ ذِكْرِ الصَّلاةِ بَعْدَ ذَلِكَ، يَعْنِي: فَهِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
وَهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَمَا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَفُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [الروم: 19] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: يُخْرِجُ النُّطَفَ وَهِيَ مَيِّتَةٌ مِنَ الْحَيِّ، وَيُخْرِجُ الْحَيَّ، النَّاسَ الأَحْيَاءَ مِنَ الْمَيِّتِ مِنَ النُّطَفِ.
هِيَ النُّطْفَةُ الْحَيَّةُ تَخْرُجُ مِنَ النُّطْفَةِ الْمَيِّتَةِ، الْخَلْقُ الْحَيُّ، وَيُخْرِجُ مِنَ الْخَلْقِ الْحَيِّ النُّطْفَةُ الْمَيِّتَةُ، وَيَخْرُجُ مِنَ الْحَبَّةِ الْيَابِسَةِ الْحَيَّ، وَيُخْرِجُ مِنَ النَّبَاتِ الْحَيِّ الْحَبَّةَ الْيَابِسَةَ، هَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يُخْرِجُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَيُخْرِجُ الْكَافِرَ مِنَ الْمُؤْمِنِ.
قَالَ: {وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 19] يُحْيِيهَا بِالنَّبَاتِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَيِّتَةً، أَيْ: يَابِسَةً لا نَبَاتَ فِيهَا.
قَالَ: {وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الروم: 19] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ، يُرْسِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَطَرًا مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ كَمَا تَنْبُتُ الأَرْضُ الثَّرَى.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 20] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: وَمِنْ عَلامَاتِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ وَاحِدٌ.
{أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الروم: 20] ، يَعْنِي: الْخَلْقَ الأَوَّلَ خَلْقَ آدَمَ.(2/650)
{ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] فِي الأَرْضِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20] تَنْبَسِطُونَ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 21] ، يَعْنِي: وَمِنْ عَلامَاتِ الرَّبِّ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَاعْرِفُوا تَوْحِيدَهُ فِي صُنْعِهِ.
{أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [الروم: 21] قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: أَزْوَاجَكُمُ الْمَرْأَةُ هِيَ مِنَ الرَّجُلِ.
{لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21] لِتَسْتَأْنِسُوا إِلَيْهَا.
{وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] ، يَعْنِي بِالْمَوَدَّةِ: الْحُبِّ، وَالرَّحْمَةِ لِلْوَلَدِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَوَدَّةً} [الروم: 21] ، يَعْنِي: مَحَبَّةً، وَهُوَ الْحُبُّ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21] فَيُؤْمِنُوا، وَإِنَّمَا يَتَفَكَّرُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 22] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] قَالَ بَعْضُهُمْ: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] النَّغَمَةَ، {وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] لا تَرَى اثْنَيْنِ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: يُشْبِهُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ إِلا مِنْ قِبَلِ الأَبِّ الأَكْبَرِ آدَمَ.(2/651)
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] لِلْعَرَبِ كَلامٌ، وَلِفَارِسَ كَلامٌ وَلِلرُّومِ كَلامٌ، وَلِسَائِرِهِمْ مِنَ النَّاسِ كَلامٌ.
قَالَ: {وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم: 22] أَبْيَضَ وَأَحْمَرَ وَأَسْوَدَ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 23] قَالَ: هِيَ مِثْلُ الأُولَى: {مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 23] مِنْ رِزْقِهِ كَقَوْلِهِ: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ} [القصص: 73] فِي الليل {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 46] بالنهار.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم: 23] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، سَمِعُوا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} [الروم: 24] هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الروم: 24] ، {خَوْفًا} [الروم: 24] لِلْمُسَافِرِ، يَخَافُ أَذَاهُ وَمَعَرَّتَهُ، {وَطَمَعًا} [الروم: 24] لِلْمُقِيمِ، يَطْمَعُ فِي رِزْقِ اللَّهِ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: خَوْفًا مِنَ الْبَرْدِ يَخَافُ أَنْ يَهْلِكَ الزَّرْعُ، وَطَمَعًا فِي الْمَطَرِ.
قَالَ: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 24] يُحْيِيهَا بِالنَّبَاتِ بَعْدَ إِذْ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَقَلُوا عَنِ اللَّهِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ.(2/652)
قَالَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} ، يَعْنِي: وَمِنْ عَلامَاتِ الرَّبِّ أَنَّهُ وَاحِدٌ فَاعْرِفُوا تَوْحِيدَهُ بِصُنْعِهِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم: 25] ، يَعْنِي: بِغَيْرِ عَمَدٍ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: كَقَوْلِهِ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] لِئَلا تَزُولا، قَالَ: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 25] ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الآخِرَةَ، وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً إِذَا أَنْتُمْ مِنَ الأَرْضِ تَخْرُجُونَ، كَقَوْلِهِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ} [يس: 51] ، أَيْ: مِنَ الْقُبُورِ {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51] ، أَيْ: يَخْرُجُونَ، وَهُوَ نَفْخَةُ صَاحِبِ الصُّورِ فِي الصُّورِ، وَهُوَ
قَوْلُهُ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ {13} فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ {14} } [النازعات: 13-14] إِذَا هُمْ عَلَى الأَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} [ق: 41] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26] يَقُولُ: مُقِرُّونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: كُلٌّ لَهُ قَائِمٌ بِالشَّهَادَةِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26] ، يَعْنِي: كُلٌّ لَهُ مُطِيعُونَ فِي الآخِرَةِ، وَلا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنَ الْكُفَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] بَعْدَ الْمَوْتِ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] ، يَعْنِي: وَهُوَ أَسْرَعُ عَلَيْهِ، بَدَأَ الْخَلْقَ خَلْقًا(2/653)
بَعْدَ خَلْقٍ، ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً.
حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: اللَّهُ {يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] قَالَ: خَلْقًا بَعْدَ خَلْقٍ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] قَالَ: أَسْرَعُ عَلَيْهِ، وَأَظُنُّهُ قَالَ: يَجْمَعُهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الروم: 27] عَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلا شِبْهٌ.
قَالَ: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم: 27] ، {الْعَزِيزُ} فِي نِقْمَتِهِ، {الْحَكِيمُ} فِي أَمْرِهِ، يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَنْ جَعَلُوا لِلَّهِ الأَنْدَادَ فَعَبَدُوهُمْ دُونَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [الروم: 28] ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمَثَلَ فَقَالَ: {هَلْ لَكُمْ} [الروم: 28] ، يَعْنِي: أَلَكُمْ.
{مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [الروم: 28] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: عَبِيدَكُمْ.
{مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ} [الروم: 28] وَهُمْ.
{فِيهِ سَوَاءٌ} [الروم: 28] ، يَعْنِي: شَرْعًا سَوَاءً، أَيْ: هَلْ يُشَارِكُ أَحَدُكُمْ مَمْلُوكَهُ فِي زَوْجَتِهِ وَمَالِهِ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ.
{تَخَافُونَهُمْ} [الروم: 28] تَخَافُونَ لائِمَتَهُمْ.
{كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: 28] كَخِيفَةِ بَعْضِكُمْ بَعْضِا، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَكَذَا، فَأَنَا أَحَقُّ أَلا يُشْرَكَ بِعِبَادَتِي غَيْرِي، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ دُونِي غَيْرِي تُشْرِكُونَهُ فِي إِلَهِيَّتِي وَرُبُوبِيَّتِي، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: 71] .(2/654)
قَالَ: {كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ} [الروم: 28] نُبَيِّنُ الآيَاتِ.
{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الروم: 29] أَتَاهُمْ مِنَ اللَّهِ بِعَبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} [الروم: 29] ، أَيْ: لا أَحَدَ يَهْدِيهِ.
{وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الروم: 29] قَوْلُهُ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [الروم: 30] ، أَيْ: وِجْهَتَكَ.
{لِلدِّينِ حَنِيفًا} [الروم: 30] مُخْلِصًا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُسْلِمًا.
قَوْلُهُ: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ، يَعْنِي: خَلَقَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْقَلَمُ، فَقَالَ: اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ، قَالَ: فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ، ثُمَّ مَسَحَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ظَهْرِ آدَمَ، فَأَخْرَجَ مِنْهُ كُلَّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا، فَأَخْرَجَهُمْ مِثْلَ الذَّرِّ فَقَالَ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] ثُمَّ أَعَادَهُمْ فِي صُلْبِ آدَمَ،(2/655)
ثُمَّ يُكْتَبُ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَبْدُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ، فَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ شَقِيًّا عُمِّرَ حَتَّى
يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ، فَيَنْقُضُ الْمِيثَاقَ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِ فِي صُلْبِ آدَمَ بِالشِّرْكِ فَيَكُونُ شَقِيًّا، وَمَنْ كَانَ فِي الْكِتَابِ الأَوَّلِ سَعِيدًا عُمِّرَ حَتَّى يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ فَيُؤْمِنُ فَيَصِيرُ سَعِيدًا، وَمَنْ مَاتَ صَغِيرًا مِنْ أَوْلادِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ فَهُمْ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] .
- قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: تُوُفِّيَ بُنَيُّ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَنَخَ فِي بَيْتِهِ، أَيْ: قَعَدَ فِي بَيْتِهِ، أَيْ: قَعَدَ، فَافْتَقَدَهُ النَّبِيُّ فَسَأَلَ عَنْهُ قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُوُفِّيَ بُنَيُّهُ فَدَنَخَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ لَقِيَ سَعْدٌ الرَّجُلَ فَقَالَ: أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَرَكَ الْيَوْمَ، فَأَتَى الرَّجُلُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ بُنَيِّي، فَقَعَدْتُ فِي بَيْتِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: أَمَا
تَرْضَى أَنْ تُكْفَى مَئُونَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَلا تَأْتِي عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إِلا وَجَدْتَهُ بِإِزَائِهِ يَنْتَظِرُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِيهِ الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ.
قَالَ يَحْيَى: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَوْلادِ الْمُشْرِكِينَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ الْقَلَمُ، فَلَيْسَ يَكُونُوا مِنْ آبَائِهِمْ فِي النَّارِ لأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْمِيثَاقِ الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ فِي صُلْبِ آدَمَ، وَلَمْ يَنْقُضُوا الْمِيثَاقَ، فَهُمْ خَدَمٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ.
- حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ لَهُمْ(2/656)
حَسَنَاتٌ، فَيُجْزَوْنَ بِهَا، فَيَكُونُوا مِنْ مُلُوكِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ سَيِّئَاتٌ، فَيُعَاقَبُوا بِهَا، فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَهُمْ خَدَمٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ.
- قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، وَهَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مرَايَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ: أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ خَدَمٌ لأَهْلِ الْجَنَّةِ
قَالَ الْخَلِيلُ: قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ قَالَ: وَمَا تُنْكِرُونَ؟ قَوْمٌ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ بِهِمْ، يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ.
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ سُئِلَ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَوُا عَامِلِينَ.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: لَوْ بَلَغُوا.
- وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنْهُ لِسَانُهُ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَالَّذِي يَمُوتُ صَغِيرًا؟ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ".
- وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: «النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ، وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْمَوْءُودَةُ فِي الْجَنَّةِ» .(2/657)
وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَرْبَعَةٌ يُرَجُّونَ الْعُذْرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ مَاتَ قَبْلَ الإِسْلامِ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ وَهُوَ هَرِمٌ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَمَنْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَالَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، فَكُلُّ هَؤُلاءِ يُرَجُّونَ الْعُذْرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَيُرْسِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَيْهِمْ رَسُولا، فَيُوقِدُ نَارًا فَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقَعُوا فِيهَا فَمِنْ بَيْنِ وَاقِعٍ وَمِنْ بَيْنِ هَارِبٍ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ وَاقَعَهَا نَجَا مِنَ النَّارِ، وَمَنْ لَمْ يَقَعْهَا دَخَلَ النَّارَ.
قَالَ يَحْيَى: نَرَى أَنَّ الَّذِي يَنْجُو مِنَ النَّارِ: مَنْ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لا يَسْمَعُ الصَّوْتَ، وَالَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ، وَالاثْنَانِ الآخَرَانِ لَيْسَ لَهُمَا عُذْرٌ: الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الإِسْلامِ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ الإِسْلامُ وَهُوَ هَرِمٌ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ {69} فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ {70} } [الصافات: 69-70] .
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: ثَلاثَةٌ يَحْتَجُّونَ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ مَاتَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَرَجُلٌ أَدْرَكَ الإِسْلامَ هَرِمًا، وَمَعْتُوهٌ أَصَمُّ أَبْكَمُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] لِدِينِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي} [الحجر: 42] ، أَيِ: الْمُؤْمِنِينَ {لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] وَكَقَوْلِهِ: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الكهف: 17] لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُضِلَّهُ، وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [النحل: 99] .
قَالَ: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 30] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ.(2/658)
قَالَ: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 31] مُقْبِلِينَ إِلَيْهِ بِالإِخْلاصِ، مُخْلِصِينَ لَهُ، وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ} [الروم: 30] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ {حَنِيفًا} [الروم: 30] .
قَالَ: {وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الروم: 31] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ {31} مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 31-32] فِرَقًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَحْزَابًا، يَعْنِي: أَهْلَ الْكِتَابِ.
{كُلُّ حِزْبٍ} [الروم: 32] كُلُّ قَوْمٍ.
{بِمَا لَدَيْهِمْ} [الروم: 32] بِمَا عِنْدَهُمْ، أَيْ: بِمَا هُمْ عَلَيْهِ.
{فَرِحُونَ} [الروم: 32] يَقُولُ: رَاضُونَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ} [الروم: 33] قَالَ السُّدِّيُّ: وَالضُّرُّ هَاهُنَا قَحْطُ الْمَطَرِ.
{دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ} [الروم: 33] مُخْلِصِينَ فِي الدُّعَاءِ.
{ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} [الروم: 33] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ يَحْيَى: {إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً} [الروم: 33] كَشَفَ عَنْهُمْ ذَلِكَ.
{إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ} [الروم: 33] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ {33} لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [الروم: 33-34] ، يَعْنِي: لِئَلا يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: فَكَفَرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ مِنَ النِّعَمِ حَيْثُ أَشْرَكُوا.
ثُمَّ قَالَ: {فَتَمَتَّعُوا} [الروم: 34] إِلَى مَوْتِكُمْ.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] وَهَذَا وَعِيدٌ وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا عَلَى الْيَاءِ فَيَتَمَتَّعُوا.(2/659)
يُخْبِرُ عَنْهُمْ {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الروم: 34] وَعِيدًا لَهُمْ.
قَالَ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} [الروم: 35] ، أَيْ: حُجَّةً.
{فَهُوَ يَتَكَلَّمُ} [الروم: 35] ، أَيْ: فَذَلِكَ السُّلْطَانُ يَتَكَلَّمُ، وَهِيَ الْحُجَّةُ.
{بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [الروم: 35] وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ، أَيْ: لَمْ تَنْزِلْ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ بِذَلِكَ، أَيْ: لَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا} [الروم: 35] ، أَيْ: حُجَّةً فِي كِتَابٍ بِأَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا فَإِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً} [الروم: 36] ، يَعْنِي: عَافِيَةً وَسَعَةً.
{فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الروم: 36] شِدَّةٌ وَعُقُوبَةٌ {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} [الروم: 36] قَالَ السُّدِّيُّ: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الروم: 36] ، يَعْنِي: الْقَحْطَ وَالْمَطَرَ.
قَالَ: {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [الروم: 36] يَقُولُ: بِذُنُوبِهِمْ.
{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] يَيْأَسُونَ مِنْ أَنْ يُصِيبَهُمْ رَخَاءٌ بَعْدَ تِلْكَ الشِّدَّةِ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ} [الروم: 37] يُوَسِّعُ عَلَيْهِ {وَيَقْدِرُ} [الزمر: 52] ، أَيْ: وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم: 37] ، أَيْ: إِنَّ فِي مَا يَبْسُطُ اللَّهُ مِنَ الرِّزْقِ وَيُقَتِّرُ {لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم: 37] .(2/660)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم: 38] .
قَالَ الْحَسَنُ: بَعْضُ هَذِهِ الآيَةِ تَطَوُّعٌ وَبَعْضُهَا فَرِيضَةٌ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الروم: 38] فَهُوَ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ صِلَةِ الْقَرَابَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم: 38] ، يَعْنِي: الزَّكَاةَ.
قَالَ يَحْيَى: حَدَّثُونَا إِنَّ الزَّكَاةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ وَلَكِنْ لَمْ تَكُنْ شَيْئًا مَعْلُومًا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: أُمِرْتَ أَنْ تَصِلَ الْقَرَابَةَ، وَتُطْعِمَ الْمِسْكِينَ، وَتُحْسِنَ إِلَى ابْنِ السَّبِيلِ هُوَ الضَّيْفُ.
قَالَ: {ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الروم: 38] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ} [الروم: 39] .
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الرَّوَّادِ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: تِلْكَ الْهَدِيَّةُ تُهْدِيهَا لِيُهْدَى لَكَ خَيْرٌ مِنْهَا لَيْسَ لَكَ فِيهَا أَجْرٌ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا وِزْرٌ، وَنَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] .
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا: لِتُرْبُوا وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: لِيُرْبُوا، أَيْ: لِيُرْبُوا ذَلِكَ الرِّبَا الَّذِي يُرْبُونَ، وَالرِّبَا الزِّيَادَةُ، أَيْ: يُهْدُونَ إِلَى النَّاسِ لِيُهْدُوا إِلَيْكُمْ أَكْثَرَ مِنْهُ.
- وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «الْهَدِيَّةُ رِزْقُ اللَّهِ فَمَنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ شَيْءٌ، فَلْيَقْبَلْهُ وَلْيُعْطِ خَيْرًا مِنْهُ» .(2/661)
- وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَرُدَّنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى أَخِيهِ الْهَدِيَّةَ وَلْيُهْدِ لَهُ كَمَا أُهْدِيَ لَهُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: 39] يُرِيدُ: تُرِيدُونَ بِهِ اللَّهَ: وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39] ، يَعْنِي: الَّذِينَ يُضَاعِفُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمُ الْحِسَابَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الروم: 40] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ} [الروم: 40] اسْتِفْهَامٌ مِنْهُ، يَعْنِي: مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ.
{مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الروم: 40] يَخْلُقُ، أَوْ يَرْزُقُ، أَوْ يُمِيتُ، أَوْ يُحْيِي.
{سُبْحَانَهُ} يُنَزِّهُ نَفْسَهُ.
{وَتَعَالَى} [الروم: 40] ارْتَفَعَ.
{عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] ، يَعْنِي: قَحْطَ الْمَطَرِ وَقِلَّةَ النَّبَاتِ.
{فِي الْبَرِّ} [الروم: 41] ، يَعْنِي: فِي الْبَادِيَةِ، {وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] ، يَعْنِي بِهِ الْعُمْرَانَ وَالرِّيفَ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] الْفَسَادُ، الْهَلاكُ، يَعْنِي: مَنْ أُهْلِكَ مِنَ الأُمَمِ السَّابِقَةِ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ كَقَوْلِهِ: {وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} [الفرقان: 39] ، أَيْ: أَفْسَدْنَا فَسَادًا {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] ، يَعْنِي: لَعَلَّ(2/662)
مَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ شِرْكِهِمْ إِلَى الإِيمَانِ وَيَتَّعِظُونَ بِهِمْ وَقَوْلُهُ: {فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] .
حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذُنُوبِهِمْ فِي بَرِّ الأَرْضِ وَبَحْرِهَا بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ.
{لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] قَالَ: يَرْجِعُ مَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ وَيَتَّعِظُونَ بِهِمْ.
قَالَ يَحْيَى، كَقَوْلِهِ: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} [العنكبوت: 40] ، يَعْنِي: قَوْمَ لُوطٍ الَّذِينَ كَانُوا خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَهْلَ السَّفَرِ مِنْهُمْ {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} [العنكبوت: 40] ثَمُودُ {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ} [العنكبوت: 40] قَوْمُ لُوطٍ، أَصَابَ مَدِينَتَهُمُ الْخَسْفُ، وَقَارُونُ {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40] قَوْمُ نُوحٍ، وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ} [الروم: 41] قَتْلُ ابْنِ آدَمَ أَخَاهُ {وَالْبَحْرِ} [الروم: 41] أَخْذُ الْمَلِكِ السُّفُنَ غَصْبًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ} [الروم: 42] كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
وَقَوْلُهُ: {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42] ، أَيْ: فَأَهْلَكَهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ} [الروم: 43] ، أَيْ: وِجْهَتَكَ.
{لِلدِّينِ الْقَيِّمِ} [الروم: 43] وَهُوَ الإِسْلامُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: التَّوْحِيدِ وَهُوَ وَاحِدٌ.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} [الروم: 43] ، يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43] ، يَعْنِي: يَتَفَرَّقُونَ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [الروم: 44] يُثَابُ عَلَيْهِ النَّارَ.(2/663)
{وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم: 44] يُوَطِّئُونَ فِي الدُّنْيَا الْقَرَارَ فِي الآخِرَةِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: يُسَوُّونَ الْمَضْجَعَ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَتِ الْمَطِيَّةُ الدُّنْيَا فَارْتَحِلُوا تُبْلِغْكُمُ الآخِرَةَ» .
وَحَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ» .
قَالَ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 45] فَبِفَضْلِهِ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ.
قَالَ: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} [الروم: 45] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] بِالْمَطَرِ، تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ.
{وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الروم: 46] وَهُوَ الْمَطَرُ.
{وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ} [الروم: 46] السُّفُنُ.
{بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الروم: 46] قَالَ مُجَاهِدٌ: طَلَبُ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ، وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] وَمَا ذُكِرَ مِنَ الْمَطَرِ وَالسَّفَرِ وَطَلَبِ الْفَضْلِ.
قَالَ: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم: 46] ، أَيْ: لِكَيْ تَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [الروم: 47](2/664)
أَيْ فَكَذَّبُوا.
{فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} [الروم: 47] أَشْرَكُوا.
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] إِجَابَةَ دُعَاءِ الأَنْبِيَاءِ عَلَى قَوْمِهِمْ بِالْهَلاكِ حِينَ كَذَّبُوهُمْ، فَأُمِرُوا بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ اسْتُجِيبَ لَهُمْ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} [الروم: 48] ، يَعْنِي: قِطَعًا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.
{فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [الروم: 48] قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَطَرُ.
{يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [الروم: 48] مِنْ خِلالِ السَّحَابِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِهِ، أَيْ: مِنْ خَلَلِ السِّحَابِ.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الروم: 48] بِهِ قَالَ: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [الروم: 49] الْمَطَرُ.
{مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} [الروم: 49] لَيَائِسِينَ مِنَ الْمَطَرِ كَقَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا} [الشورى: 28] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} [الروم: 49] الْمَطَرُ.
{مِنْ قَبْلِهِ} [الروم: 49] وَهُوَ كَلامٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ مُثَنًّى مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [النمل: 3] وَكَقَوْلِهِ: {وَهُمْ عَن الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7] .
قَالَ: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الروم: 50] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ.(2/665)
{كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50] ، يَعْنِي: النَّبَاتَ الَّذِي أَنْبَتَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِذَلِكَ الْمَطَرِ.
قَالَ: {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50] ، أَيْ: فَالَّذِي أَنْبَتَ هَذَا النَّبَاتَ، يُرِيدُ الْمَطَرَ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} [الروم: 51] فَأَهْلَكْنَا بِهِ ذَلِكَ الزَّرْعَ.
{فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} [الروم: 51] وَذَلِكَ الزَّرْعُ مُصْفَرًّا.
{لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ} [الروم: 51] مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ الْمَطَرِ.
{يَكْفُرُونَ} [الروم: 51] قَوْلُهُ: {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [الروم: 52] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ.
{وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الروم: 52] يَقُولُ: إِنَّ الصُّمَّ لا يَسْمَعُونَ الدُّعَاءَ {إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الروم: 52] وَهَذَا مَثَلُ الْكُفَّارِ إِذَا تَوَلَّوْا عَنِ الْهُدَى لَمْ يَسْمَعُوهُ سَمْعَ قَبُولٍ.
قَالَ: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ} [الروم: 53] عَنِ الْهُدَى {بِهَادِي الْعُمْيِ} [الروم: 53] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ.
الْعُمْيَ عَنِ الْهُدَى.
{عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ} [الروم: 53] إِنْ يَقْبَلْ مِنْكَ.
{إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 53] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} [الروم: 54] ، يَعْنِي: ضَعْفَ نُطْفَةِ الرَّجُلِ.(2/666)
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [الروم: 54] ، يَعْنِي: شَبَابَهُ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: شَبَابُهُ، وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
{ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 55] يَحْلِفُ الْمُشْرِكُونَ {مَا لَبِثُوا} [الروم: 55] فِي الدُّنْيَا وَفِي قُبُورِهِمْ.
{غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} [الروم: 55] يَصُدُّونَ فِي الدُّنْيَا عَنِ الإِيمَانِ بِالْبَعْثِ.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم: 56] وَهَذَا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلامِ.
قَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، يَقُولُ: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَالإِيمَانِ: لَقَدْ لَبِثْتُمْ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ، لُبْثَهُمُ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا وَفِي قُبُورِهِمْ إِلَى أَنْ بُعِثُوا.
قَالَ: {فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الروم: 56] فِي الدُّنْيَا أَنَّ الْبَعْثَ حَقٌّ.
قَالَ: {فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الروم: 57] ، يَعْنِي: أَشْرَكُوا.
{مَعْذِرَتُهُمْ} [الروم: 57] وَإِنِ اعْتَذَرُوا.
{وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [الروم: 57] لا يُرَدُّونَ إِلَى الدُّنْيَا لِيُعْتَبُوا، أَيْ: لِيُؤْمِنُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا لِيُؤْمِنُوا فَلا يُرَدُّونَ إِلَى الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم: 58] ، أَيْ: لِيَذَّكَّرُوا.(2/667)
{وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ} [الروم: 58] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ.
قَالَ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 59] ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِشِرْكِهِمْ.
قَالَ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] الَّذِي وَعَدَكَ أَنَّهُ سَيَنْصُرُكَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَيُظْهِرُ دِينَكَ.
{وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ} [الروم: 60] ، أَيْ: وَلا يَسْتَفِزَّنَّكَ.
{الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} [الروم: 60] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، لا تُتَابِعِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى مَا يَدْعُونَكَ إِلَيْهِ مِنْ تَرْكِ دِينِكَ.(2/668)
سُورَةُ لُقْمَانَ
تَفْسِيرُ سُورَةِ لُقْمَانَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم} قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تِلْكَ آيَاتُ} هَذِهِ آيَاتُ.
{الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} ، أَيِ: الْمُحْكَمِ أُحْكِمَتْ بِالْحَلالِ، وَالْحَرَامِ، وَالأَحْكَامِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُدًى} يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ.
{وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 3] لِلْمُؤْمِنِينَ.
{الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [لقمان: 4] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} الْمَفْرُوضَةَ.
{وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ {4} أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [لقمان: 4-5] عَلَى بَيَانٍ مِنْ رَبِّهِمْ.
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [لقمان: 5] وَهُمُ السُّعَدَاءُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ.(2/669)
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 175] اخْتَارُوا الضَّلالَةَ عَلَى الْهُدَى فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: اسْتَحَبُّوا الضَّلالَةَ عَلَى الْهُدَى.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] ، يَعْنِي: يَخْتَارُ بَاطِلَ الْحَدِيثِ عَلَى الْقُرْآنِ.
خَالِدٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ قَالَ: {لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] الْغِنَاءَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَالاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَهْوُ الْحَدِيثِ، الْغِنَاءُ وَنَحْوُهُ.
قَوْلُهُ: {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: 6] ، يَعْنِي: عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 6] أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
قَالَ: {وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا} [لقمان: 6] يَتَّخِذُ آيَاتِ اللَّهِ، الْقُرْآنَ هُزُوًا.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ رَجُلا رَاوِيَةً لأَحَادِيثِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَشْعَارِهِمْ.
قَالَ: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] مِنَ الْهَوَانِ، يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ.(2/670)
قَوْلُهُ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا} [لقمان: 7] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، جَاحِدًا لآيَاتِ اللَّهِ.
{كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا} [لقمان: 7] ، أَيْ: قَدْ سَمِعَهَا وَقَامَتْ عَلَيْهِ بِهَا الْحُجَّةُ.
{كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} [لقمان: 7] وَالْوَقْرُ الصَّمَمُ، سَمِعَهَا بِأُذُنَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا قَلْبُهُ.
قَالَ: {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان: 7] مُوجِعٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ {8} خَالِدِينَ فِيهَا} [لقمان: 8-9] لا يَمُوتُونَ وَلا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
{وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا} [لقمان: 9] أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} فِي مُلْكِهِ وَفِي نِقْمَتِهِ.
{الْحَكِيمُ} فِي أَمْرِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [لقمان: 10] وَفِيهَا تَقْدِيمٌ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ قَالَ: خَلَقَ السَّمَوَاتِ تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عَمَدٍ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَهَا عَمَدٌ، وَلَكِنْ لا تَرَوْنَهَا.
يَقُولُ: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [لقمان: 10] ، أَيْ: لَهَا عَمَدٌ وَلَكِنْ لا تَرَوْنَهَا.
قَالَ: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [لقمان: 10] ، يَعْنِي: الْجِبَالَ أَثْبَتَ بِهَا الأَرْضَ.
{أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} ، أَيْ: لِئَلا تُحَرَّكَ بِكُمْ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الأَرْضَ جَعَلَتْ تَمِيعُ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ مَلائِكَةُ اللَّهِ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَذِهِ لا يَقَرُّ لَكَ عَلَى ظَهْرِهَا خَلْقٌ، فَأَصْبَحَ قَدْ وَقَطَهَا بِالْجِبَالِ، فَلَمَّا رَأَتْ مَلائِكةُ اللَّهِ مَا قَدْ أُرْسِيَتْ بِهِ الأَرْضُ، عَجِبُوا فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا، هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ(2/671)
أَشَدُّ مِنَ الْجِبَالِ؟ قَالَ: نَعَمِ الْحَدِيدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْحَدِيدِ؟ قَالَ: نَعَمِ
النَّارُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا، هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: نَعَمِ الْمَاءُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الْمَاءِ؟ قَالَ: نَعَمِ، الرِّيحُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا هَلْ خَلَقْتَ خَلْقًا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ؟ قَالَ: نَعَمِ ابْنُ آدَمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَثَّ فِيهَا} [لقمان: 10] خَلَقَ فِيهَا، فِي الأَرْضِ.
{مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [لقمان: 10] قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} [لقمان: 10] أَيْ: مِنْ كُلِّ لَوْنٍ.
{كَرِيمٍ} ، أَيْ: حَسَنٍ.
ثُمَّ قَالَ: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي} [لقمان: 11] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: 11] ، يَعْنِي: الأَوْثَانَ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ فَقَالَ: {بَلِ الظَّالِمُونَ} [لقمان: 11] الْمُشْرِكِينَ.
{فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} بَيِّنٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان: 12] ، يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: الْفِقْهُ، وَالْعَقْلُ، وَالإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ فِي غَيْرِ نُبُوَّةٍ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنْ خَالِدٍ الرَّبَعِيِّ قَالَ: كَانَ لُقْمَانُ رَجُلا حَبَشِيًّا نَجَّارًا، فَأَمَرَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَذْبَحَ لَهُ شَاةً، فَذَبَحَ لَهُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ: ائْتِنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ، فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيهَا شَيْءٌ أَطْيَبَ مِنْ هَاتَيْنِ؟ قَالَ: لا، فَسَكَتَ عَنْهُ مَا سَكَتَ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَذَبَحَ لَهُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ: أَلْقِ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ، فَأَلْقَى اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ لَهُ: أَمَرْتُكَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِأَطْيَبِهَا مُضْغَتَيْنِ،(2/672)
فَأَتَيْتَنِي بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَأَمَرْتُكَ أَنْ تُلْقِيَ أَخْبَثَهَا مُضْغَتَيْنِ، فَأَلْقَيْتَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا وَلا شَيْءَ أَخْبَثُ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا.
قَوْلُهُ: {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} [لقمان: 12] النِّعْمَةَ.
قَالَ: {وَمَنْ يَشْكُرْ} [لقمان: 12] النِّعْمَةَ.
{فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان: 12] وَهُوَ الْمُؤْمِنُ.
قَالَ: {وَمَنْ كَفَرَ} [لقمان: 12] ، يَعْنِي: مَنْ كَفَرَ النِّعْمَةَ.
{فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ} [لقمان: 12] عَنْ خَلْقِهِ.
{حَمِيدٌ} [لقمان: 12] اسْتُحْمِدَ إِلَى خَلْقِهِ، اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] يَظْلِمُ الْمُشْرِكُ بِهِ نَفْسَهُ وَيَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُنْقِصُ بِهِ نَفْسَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] لَذَنْبٌ عَظِيمٌ.
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] لَذَنْبٌ عَظِيمٌ.
- الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الظُّلْمُ ثَلاثَةٌ: فَظُلْمٌ لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَظُلْمٌ يَغْفِرُهُ اللَّهُ، وَظُلْمٌ لا يَدَعُهُ اللَّهُ، فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَالإِشْرَاكُ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي(2/673)
يَغْفِرُهُ اللَّهُ فَذُنُوبُ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لا يَدَعُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، لا يَدَعُهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِصَّ بَعْضُهُمْ
مِنْ بَعْضٍ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان: 14] ، يَعْنِي: بِرًّا بِوَالِدَيْهِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان: 14] ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْوَلَدُ وَهَنُ الْوَالِدَةِ وَضَعْفُهَا.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ: وَهَنُ الْوَلَدِ عَلَى وَهَنِ الْوَلَدِ.
وَالْوَهَنُ الضَّعْفُ.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: جَهْدٌ عَلَى جَهْدٍ.
قَالَ: {وَفِصَالُهُ} [لقمان: 14] ، أَيْ: وَفِطَامُهُ.
{فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14]
- قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا رَضَاعَ بَعْدَ الْفِطَامِ» .
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا لا يَرَيَانِ الرَّضَاعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ شَيْئًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14] الْبَعْثُ.
- حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رِضَى الرَّبِّ مَعَ رِضَى الْوَالِدِ، وَسَخَطُ(2/674)
الرَّبِّ مَعَ سَخَطِ الْوَالِدِ» .
- وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مُرْضِيًا لأَبَوَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ، وَمَنْ أَصْبَحَ مُسْخِطًا لأَبَوَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ النَّارِ وَمَنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَوَاحِدٌ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ
ظَلَمَاهُ» .
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فَوْقَ كُلِّ بِرٍّ بِرًّا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُهَرِيقُ دَمَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ فَوْقَ كُلِّ فُجُورٍ فُجُورًا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعُقُّ وَالِدَيْهِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} [لقمان: 15] ، يَعْنِي: أَرَادَاكَ.
{عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [لقمان: 15] ، أَيْ: أَنَّكَ لا تَعْلَمُ أَنَّ لِي شَرِيكًا، يَعْنِي: الْمُؤْمِنَ.
قَالَ: {فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15] ، أَيْ: طَرِيقَ {مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} [لقمان: 15] مَنْ أَقْبَلَ إِلَيَّ بِقَلْبِهِ مُخْلِصًا، يَعْنِي: النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} [لقمان: 15] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [لقمان: 15] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا بُنَيَّ} [لقمان: 16] رَجَعَ إِلَى كَلامِ لُقْمَانَ، يَعْنِي: الْكَلامَ الأَوَّلَ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان: 13] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [لقمان: 16] ، أَيْ: وَزْنَ حَبَّةٍ(2/675)
مِنْ خَرْدَلٍ.
{فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} [لقمان: 16] بَلَغَنَا أَنَّهَا الصَّخْرَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْحُوتُ، الَّتِي عَلَيْهَا قَرَارُ الأَرَضِينَ.
قَالَ: {أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: 16] ، أَيِ: احْذَرْ، فَإِنَّهُ سَيُحْصِي عَلَيْكَ عَمَلَكَ، وَيَعْلَمُهُ كَمَا عَلِمَ هَذِهِ الْحَبَّةَ مِنَ الْخَرْدَلِ، لُقْمَانُ يَقُولُهُ لابْنِهِ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} قَالَ: {لَطِيفٌ} بِاسْتِخْرَاجِهَا {خَبِيرٌ} بِمَكَانِهَا.
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} [لقمان: 17] ، يَعْنِي: بِالتَّوْحِيدِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَانْهَ عَن الْمُنْكَرِ} [لقمان: 17] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ بِاللَّهِ.
قَالَ: وَبَلَغَنَا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: مَنْ أَمَرَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ، وَنَهَى عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَقَدْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.
قَالَ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {17} } [لقمان: 17-17] الْعَزْمُ أَنْ تَصْرِمَ.
{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان: 18] قَالَ مُجَاهِدٌ: الصُّدُودُ وَالإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ عَنِ النَّاسِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ قَالَ: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان: 18] بِالْعَظَمَةِ.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} [لقمان: 18] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مُتَكَبِّرٌ.
{فَخُورٍ} [لقمان: 18] يَعُدُّ مَا أُعْطِيَ زَهْوًا، لا يَشْكُرُ اللَّهَ.
- وَحَدَّثَنِي فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ(2/676)
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ» .
قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الرَّجُلَ مِنَّا لَيَكُونُ نَقِيَّ الثَّوْبِ جَدِيدَ الشِّرَاكِ، فَيُعْجِبُهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ بِالْكِبْرِ، وَلَكِنِ الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ بِالْحَقِّ وَتَغْمَصَ النَّاسَ» .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا لِلَّهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ.
- أَبُو الْجَارُودِ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ حَنَشِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَنَعَ شَيْئًا فَخْرًا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَسْوَدَ» ، قَالَ قُلْنَا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلَكِنَّا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ مِنَّا لَيُعْجِبُهُ حُسْنُ ثَوْبِهِ وَحُسْنُ مَرْكَبِهِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْظُرُ فِي شَعْرِهِ وَنَعْلِهِ، قَالَ: قَدْ شَكَوْنَا الَّذِي تَشْكُونَ إِلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ
السَّلامُ فَقَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَخْرِ وَلَكِنَّ الْفَخْرَ إِبْطَالُ الْحَقِّ، وَغَمْصُ النَّاسِ، وَالاسْتِطَالَةُ عَلَيْهِمْ» .
- وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكِبْرُ رِدَاءُ اللَّهِ فَمَنْ نَازَعَ اللَّهَ رِدَاءَهُ قَصَمَهُ» .
قَوْلُهُ: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} [لقمان: 19] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا} [الإسراء: 37] قَالَ: {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ} [لقمان: 19] ، يَعْنِي: أَقْبَحَ الأَصْوَاتِ.
{لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] وَإِنَّمَا كَانَت صوت الْحَمِير وَلَمْ يَكُنْ(2/677)
لأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ لأَنَّهُ عَنَى صَوْتَهَا الَّذِي هُوَ صَوْتُهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [لقمان: 20] قَالَ: مِنْ شَمْسِهَا، وَقَمَرِهَا، وَنُجُومِهَا، وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ، وَمَا فِيهَا مِنْ جِبَالِ الْبَرَدِ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرِهَا، وَجِبَالِهَا، وَأَنْهَارِهَا، وَبِحَارِهَا وَبَهَائِمِهَا.
قَالَ: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20] ، أَيْ: فِي بَاطِنِ أَمْرِكُمْ وَظَاهِرِهِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا مُنَوَّنَةً: نِعْمَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً الظَّاهِرَةُ: الإِسْلامُ وَالْقُرْآنُ، وَالْبَاطِنُ مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعُيُوبِ وَالذُّنُوبِ.
قَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ} [لقمان: 20] فَيَعْبُدُ الأَوْثَانَ دُونَهُ.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان: 20] مِنَ اللَّهِ.
{وَلا هُدًى} أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ.
{وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [لقمان: 20] مُضِيءٍ، أَيْ: بَيِّنٌ بِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ أَخِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [لقمان: 21] يَعْنُونَ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21] يَعْنِي أَيَتَّبِعُونَ مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ؟ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.(2/678)
{أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21] ، أَيْ: قَدْ فَعَلُوا.
وَدُعَاؤُهُ إِيَّاهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ دُعَاؤُهُ إِيَّاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ بِالْوَسْوَسَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ} [لقمان: 22] ، أَيْ: وِجْهَتَهُ فِي الدِّينِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُخْلِصُ دِينَهُ.
{وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22] لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ: {وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [لقمان: 22] مَصِيرُهَا فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ} [لقمان: 23] كَقَوْلِهِ: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النمل: 70] .
{إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [لقمان: 23] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [لقمان: 23] مَا يُسِرُّونَ فِي صُدُورِهِمْ.
قَالَ: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا} [لقمان: 24] فِي الدُّنْيَا إِلَى مَوْتِهِمْ.
{ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان: 24] ، يَعْنِي: جَهَنَّمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [لقمان: 25] أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [لقمان: 26] ، {الْغَنِيُّ} عَنْ خَلْقِهِ {الْحَمِيدُ} [لقمان: 26] الْمُسْتَحْمِدُ إِلَى خَلْقِهِ، اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] يَقُولُ: لَوْ أَنَّهَا أَقْلامٌ.
{وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا بِالنَّصْبِ: وَالْبَحْرَ(2/679)
يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ، أَيْ: وَلَوْ أَنَّ الْبَحْرَ، تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ يَقُولُ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} [لقمان: 27] لِيُكْتَبَ بِهَا عِلْمُ اللَّهِ، عِلْمُهُ بِمَا خَلَقَ {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] يَسْتَمِدُّ مِنْهُ الأَقْلامَ لِيَكْتُبَ بِهَا عِلْمَ ذَلِكَ.
{مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] ، يَعْنِي: لانْكَسَرَتِ الأَقْلامُ، وَنَفِدَ مَاءُ الْبَحْرِ، وَلَمَاتَ الْكُتَّابُ وَمَا نَفَدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ، عِلْمُهُ بِمَا خَلَقَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان: 27] ، يَعْنِي: عِلْمَ اللَّهِ وَعَجَائِبَهُ.
- قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي خِدَاشٌ، عَنْ عَوَافٍ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ تَحْتَ بَحْرِكُمْ هَذَا بَحْرًا مِنْ نَارٍ، وَتَحْتَهُ بَحْرٌ مِنْ مَاءٍ، وَتَحْتَهُ بَحْرٌ مِنْ نَارٍ، وَتَحْتَهُ بَحْرٌ مِنْ مَاءٍ، وَتَحْتَهُ بَحْرٌ مِنْ نَارٍ حَتَّى عَدَّ سَبْعَةَ أَبْحُرٍ مِنْ مَاءٍ، وَسَبْعَةَ أَبْحُرٍ مِنْ نَارٍ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوَهُ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [لقمان: 27] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، خَلَقَنَا اللَّهُ أَطْوَارًا، نُطَفًا، ثُمَّ عَلَقًا، ثُمَّ مُضَغًا، ثُمَّ عِظَامًا، ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ أَنْشَأَنَا خَلْقًا آخَرَ كَمَا تَزْعُمُ، وَتَزْعُمُ أَنَّا نُبْعَثُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28] ، أَيْ: إِنَّمَا
يَقُولُ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ.(2/680)
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [لقمان: 28] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ} [لقمان: 29] يُدْخِلُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ.
{وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [لقمان: 29] وَيُدْخِلُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ، وَهُوَ أَخْذٌ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ.
قَالَ: {وَسَخَّرَ} لَكُمْ.
{الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} يَجْرِيَانِ.
قَالَ: {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [لقمان: 29] لا يَقْصُرُ دُونَهُ وَلا يَزِيدُ عَلَيْهِ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُكَوَّرُ فِيهِ فَيَذْهَبُ ضَوْءُهُ.
وقَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [لقمان: 29] قَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [لقمان: 30] وَالْحَقُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
{وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} [لقمان: 30] ، يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ.
{وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان: 30] لا أَعْلَى مِنْهُ، {الْكَبِيرُ} [لقمان: 30] وَلا أَكْبَرَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ} [لقمان: 31] أَنْعَمَ بِهَا عَلَى خَلْقِهِ.
{لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ} [لقمان: 31] ، يَعْنِي: جَرْيَ السُّفُنِ مِنْ آيَاتِهِ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [لقمان: 31] وَهُوَ الْمُؤْمِنُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} [لقمان: 32] كَالْجِبَالِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} [هود: 42] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} [الأعراف: 171] .(2/681)
قَالَ: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [لقمان: 32] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان: 32] وَهُوَ الْمُؤْمِنُ، وَإِمَّا الْكَافِرُ فَعَادَ فِي كُفْرِهِ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} [لقمان: 32] فِي الْقَوْلِ وَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان: 32] غَدَّارٍ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
كَفُورٍ أَخْلَصَ لِلَّهِ فِي الْبَحْرِ لِلْمَخَافَةِ مِنَ الْغَرَقِ، ثُمَّ غَدَرَ فَأَشْرَكَ كَقَوْلِهِ: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا} [لقمان: 33] ، يَعْنِي: الْعِقَابَ فِيهِ.
{لا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ} [لقمان: 33] لا يَفْدِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
{وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا} [لقمان: 33] لا يَفْدِيهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الروم: 60] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ، وَالْحِسَابَ، وَالْجَنَّةَ، وَالنَّارَ.
{فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْغَرُورُ وَالْغُرُورُ، فَمَنْ قَرَأَهَا الْغَرُورَ، فَيَقُولُ: الشَّيْطَانُ، وَمَنْ قَرَأَهَا الْغُرُورَ يَقُولُ: غُرُورُ الدُّنْيَا، كَقَوْلِهِ: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] عِلْمَ مَجِيئِهَا.
{وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ.
{وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ} [لقمان: 34] مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَكَيْفَ صَوَّرَهُ.
{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34](2/682)
عَلِيمٌ بِخَلْقِهِ خَبِيرٌ بِأَعْمَالِهِمْ.
- حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللَّهُ: {عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34] ".
- أَبُو سَهْلٍ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَقْبِضَ عَبْدًا بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ بِهَا حَاجَةً، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَالَتْ لَهُ الأَرْضُ: هَذَا مَا اسْتَوْدَعْتَنِي.(2/683)
سُورَةُ السَّجْدَةِ
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
- تَفْسِيرُ سُورَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم} قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ} [السجدة: 2] حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: يَعْنِي: لا شَكَّ فِيهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، أَيْ: لا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَوْلُهُ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَى الْقُرْآنَ، أَيْ: قَدْ قَالُوهُ، وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
قَالَ: {بَلْ هُوَ} ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
{لِتُنْذِرَ} لِكَيْ تُنْذِرَ.(2/684)
{قَوْمًا} وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} ، يَعْنِي: قُرَيْشًا تُنْذِرُهُمُ الْعَذَابَ {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} لِكَيْ يَهْتَدُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [السجدة: 4] الْيَوْمُ مِنْهَا أَلْفُ سَنَةٍ.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} [السجدة: 4] يُؤَمِّنُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ إِذَا أَرَادَ عَذَابَكُمْ.
{وَلا شَفِيعٍ} يَشْفَعُ لَكُمْ عِنْدَهُ حَتَّى لا يُعَذِّبَكُمْ.
قَالَ: {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ} ، يَعْنِي: يُنْزِلُ الْوَحْيَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} قَالَ: يُنْزِلُهُ مَعَ جِبْرِيلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ.
{ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} يَصْعَدُ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ.
{فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة: 5] يَقُولُ: يَنْزِلُ وَيَصْعَدُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ.
قَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا.
قَالَ يَحْيَى: إِنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، فَيَنْزِلُ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةً وَيَصْعَدُ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ فِي يَوْمٍ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَرُبَّمَا سَأَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنِ الأَمْرِ يَحْضُرُهُ، فَيَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي(2/685)
أَسْرَعِ مِنَ الطَّرْفِ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: «مَا أَشَاءُ أَنْ أَرَى جِبْرِيلَ فِي بَعْضِ الأُفُقِ يُزْجِي أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا رَأَيْتُهُ» .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: مِقْدَارَ نُزُولِ جِبْرِيلَ وَصُعُودِهِ إِلَى السَّمَاءِ أَلْفُ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ لِغَيْرِ جِبْرِيلَ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ثُمَّ أَخْبَرَ بِقُدْرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} ، يَعْنِي: نَفْسَهُ، وَالْغَيْبُ السِّرُّ، وَالشَّهَادَةُ الْعَلانِيَةُ وَ {الْعَزِيزُ} فِي نِقْمَتِهِ، {الرَّحِيمُ} بِخَلْقِهِ.
- حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، فَأَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فَبِهَا تَتَرَاحَمُ الْخَلِيقَةُ حَتَّى تَرْحَمَ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَتَهَا وَالْوَالِدَةُ وَلَدَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَاءَ بِتِلْكَ التِّسْعَةِ وَتِسْعِينَ رَحْمَةً، وَنَزَعَ تِلْكَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِ
الْخَلِيقَةِ، فَأَكْمَلَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ، ثُمَّ نَصَبَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، فَالْخَائِبُ مَنْ خَابَ مِنْ تِلْكَ الْمِائَةِ رَحْمَةٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7] ، يَعْنِي: آدَمَ، خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آدَمَ مِنْ طِينٍ قَبَضَهُ مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ بَيْضَاءَ، وَحَمْرَاءَ، وَسَوْدَاءَ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ، فَمِنْهُمُ(2/686)
الأَبْيَضُ وَالأَحْمَرُ، وَالأَسْوَدُ، وَالسَّهْلُ، وَالْحَزَنُ، وَالْخَبِيثُ، وَالطَّيِّبُ.
قَالَ: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} نَسْلَ آدَمَ بَعْدُ.
{مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] ، يَعْنِي: النُّطْفَةَ، تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَغَيْرِهِمَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة: 8] ضَعِيفٍ، يَعْنِي: نُطْفَةَ الرَّجُلِ.
قَالَ: {ثُمَّ سَوَّاهُ} [السجدة: 9] ، يَعْنِي: سَوَّى خَلْقَهُ كَيْفَ شَاءَ.
{وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 9] قَالَ: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} [السجدة: 9] أَقَلُّكُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ} [السجدة: 10] ، أَيْ: إِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا.
{أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة: 10] عَلَى الاسْتِفْهَامِ مِنْهُمْ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى إِنْكَارٍ، أَيْ: أَنَّا لا نُبْعَثُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} [السجدة: 10] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] ، يَعْنِي: يَقْبِضُ أَرْوَاحَكُمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ قَالَ: {مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة: 11] جُعِلَتْ لِمَلَكِ الْمَوْتِ الأَرْضُ مِثْلَ الطَّسْتِ يَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: جُوِّنَتْ لَهُ الأَرْضُ فَجُعِلَتْ مِثْلَ(2/687)
الطَّسْتِ يَنَالُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ يَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ شَيْءٍ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
قَالَ: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12] الْمُشْرِكُونَ.
{نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12] خَزَايَا نَادِمِينَ.
{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة: 12] يَقُولُونَ: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة: 12] سَمِعُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ السَّمْعُ، وَأَبْصَرُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْبَصَرُ.
{فَارْجِعْنَا} [السجدة: 12] إِلَى الدُّنْيَا.
{نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12] بِالَّذِي أَتَانَا بِهِ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ حَقٌّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا} [السجدة: 13] لأَعْطَيْنَا.
{كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] كَقَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرعد: 31] هُدَاهَا، وَكَقَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] قَالَ: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] سَبَقَ الْقَوْلُ مِنِّي.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: وَجَبَتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ مِنِّي.
{لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ مِنْ كِلا الْفَرِيقَيْنِ.
وَكَقَوْلِهِ لإِبْلِيسَ: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 18]
- وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: يَا رَبِّ مَا لِي يَدْخُلُنِي(2/688)
الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ؟ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: يَا رَبِّ، مَا لِي يَدْخُلُنِي ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ؟ فَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَقَالَ لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أُصِيبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ
اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا، وَيُنْشِئُ لَهَا مَا يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، وَأَمَّا النَّارُ فَيَقْذِفُ فِيهَا {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] وَيَقْذِفُ فِيهَا {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] وَيَقْذِفُ فِيهَا {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق: 30] حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهَا قَدَمَهُ فَحِينَئِذٍ تَمْتَلِئُ وَتَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَدْ، قَدْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ، قَدْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَطْ، قَطْ، قَطْ، قَطْ، قَطْ، قَطْ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَذُوقُوا} [السجدة: 14] ، أَيْ: عَذَابَ جَهَنَّمَ.
{بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [السجدة: 14] بِمَا تَرَكْتُمُ الإِيمَانَ بِلِقَاءِ يَوْمِكُمْ هَذَا.
{إِنَّا نَسِينَاكُمْ} [السجدة: 14] إِنَّا تَرَكْنَاكُمْ فِي النَّارِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، تَرَكُوا مِنَ الْخَيْرِ مَا لَمْ يَتْرُكُوا مِنَ الشَّرِّ.
قَالَ: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ} [السجدة: 14] الدَّائِمَ، الَّذِي لا يَنْقَطِعُ.
{بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 14] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} [السجدة: 15] فِي سُجُودِهِمْ.
{وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] ، يَعْنِي: لا يَتَكَبَّرُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ.(2/689)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] لِذِكْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يَعْنِي: الصَّلاةَ.
- الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانُوا يَتَنَاوَمُونَ إِذَا أَمْسَوْا مِنْ قَبْلِ أَنْ تُفْتَرَضَ صَلاةُ الْعِشَاءِ، فَلَمَّا فُرِضَتْ جَعَلُوا لا يَنَامُونَ حَتَّى يُصَلُّوا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَنَزَلَتْ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] حَتَّى أَتَمَّ الآيَةَ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَابِدَةً، فَقَالَتْ: إِنَّمَا لِي مِنَ اللَّيْلِ هَذِهِ النَّوْمَةُ، مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعِشَاءِ، وَإِنِّي أُوكِلُ مِنْ أَهْلِي مَنْ يُوقِظُنِي عِنْدَ الأَذَانِ بِالْعِشَاءِ، فَقَالَ أَنَسٌ: وَكِّلِي مِنْ أَهْلِكِ مَنْ لا يَدَعُكِ تَنَامِينَ حَتَّى تُصَلِّيهَا فَإِنَّ فِيهَا أُنْزِلَتْ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] وَكَانَ الْقَوْمُ قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ يَنَامُونَ،
فَلَمَّا فُرِضَتْ عَلَيْهِمُ اجْتَنَبُوا مَضَاجِعَهُمْ حَتَّى يُصَلُّوهَا.
- الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثِ بَعْدَهَا.
وَسَمِعْتُ سَعِيدًا يَذْكُرُ عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَن الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] قَالَ: هُوَ قِيَامُ اللَّيْلِ.
- قَالَ: وَسَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ يَذْكُرُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ بِأَشْيَاءَ، فَقَالَ فِي آخِرِ ذَلِكَ: وَالْقِيَامُ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] .
- وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَيْنَ(2/690)
الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَهُمَا.
قَالَ: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة: 16] خَوْفًا مِنْ عَذَابِهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {وَطَمَعًا} [السجدة: 16] فِي رَحْمَتِهِ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ.
حَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ.
- وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: " أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ، قَالَ اللَّهُ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17]
- وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ، قَالَ اللَّهُ: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] وَزَادَ فِيهِ خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ: وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَوْضِعُ سَوْطِهِ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَن النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ
فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ سورة آل عمران آية 185.(2/691)
- أَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ أَبِي طَلالٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيُعْطَى عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَا يَكَادُ فُؤَادُهُ يَطِيرُ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْعَثُ إِلَيْهِ مَلَكًا فَيَشُدُّ فُؤَادَهُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا} [السجدة: 18] ، يَعْنِي: كَمَنْ كَانَ مُشْرِكًا.
{لا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
قَالَ: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى} [السجدة: 19] يَعْنِي أَنَّهُ يَأْوِي إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَجَنَّةُ الْمَأْوَى اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ.
قَالَ: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا} [السجدة: 20] ، يَعْنِي: أَشْرَكُوا.
{فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20] أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا فِي أَسْفَلِهَا رَفَعَتْهُمْ بِلَهَبِهَا، حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي أَعْلاهَا رَجَوْا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا، فَضُرِبُوا بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ، فَهَوَوْا إِلَى أَسْفَلِهَا.
{وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20] ، يَعْنِي: الْعَذَابَ الَّذِي كُنْتُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى} [السجدة: 21] سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الْعَذَابُ الأَدْنَى بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عَذَابُ الدُّنْيَا وَعَذَابُ الْقَبْرِ دُونَ(2/692)
الْعَذَابِ الأَكْبَرِ جَهَنَّمَ، وَالأَكْبَرُ الأَشَدُّ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي بِالْعَذَابِ الأَدْنَى: الْعَذَابَ الأَقْرَبَ، وَهُوَ الْجُوعُ فِي الدُّنْيَا.
{دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} [السجدة: 21] ، يَعْنِي: النَّار فِي الَآخِرَةِ، كَقَوْلِهِ فِي وَالنَّجْمِ: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: 9] ، يَعْنِي: أَقْرَبَ.
{لَعَلَّهُمْ} لَعَلَّ مَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ.
{يَرْجِعُونَ} عَنِ الشِّرْكِ إِلَى الإِيمَانِ، فَعَذَّبَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى مَنْ شَاءَ الإِيمَانَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22] لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا.
{إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة: 22] وَالْمُجْرِمِينَ هَاهُنَا الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [السجدة: 23] ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ.
{فَلا تَكُنْ} يَا مُحَمَّدُ.
{فِي مِرْيَةٍ} فِي شَكٍّ.
{مِنْ لِقَائِهِ} تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ، يَعْنِي: لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، فَلَقِيَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23] مِنْ أَنْ تَلْقَى مِنْ قَوْمِكَ مِنَ الأَذَى مَا لَقِيَ مُوسَى مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الأَذَى.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} [السجدة: 23] مِنْ لِقَاءِ مُوسَى وَكُتُبِهِ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [السجدة: 23](2/693)
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: وَجَعَلْنَا مُوسَى هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [السجدة: 23] ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} [السجدة: 24] أَنْبِيَاءَ يُهْتَدَى بِهِمْ.
{يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة: 24] ، يَعْنِي: يَدْعُونَ بِأَمْرِنَا.
{لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24] ، يَعْنِي: بِمَا صَبَرُوا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: وَمَنْ قَرَأَهَا: لَمَّا صَبَرُوا مُثَقَّلَةً فَإِنَّهُ، يَعْنِي: حِينَ صَبَرُوا.
{وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [السجدة: 25] يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة: 25] يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ وَيُدْخِلُ الْمُشْرِكِينَ النَّارَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَوَلَمْ نهْدِ لَهُمْ، أَيْ: أَوَلَمْ نُبَيِّنْ لَهُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، بِالْيَاءِ: {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} [السجدة: 26] ، أَيْ: أَوَ لَمْ يُبَيِّنِ اللَّهُ لَهُمْ.
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ} [السجدة: 26] ، يَعْنِي: مَا قَصَّ مِمَّا أَهْلَكَ بِهِ الأُمَمَ السَّالِفَةَ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ.(2/694)
قَالَ: {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} [السجدة: 26] ، يَعْنِي: يَمُرُّونَ فِيهَا كَقَوْلِهِ: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] نَهَارًا وَلَيْلا، يَعْنِي: فِي مَسَاكِنِهِمُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، مِنْهَا مَا يُرَى وَمِنْهَا مَا لا يُرَى، كَقَوْلِهِ: {مِنْهَا قَائِمٌ} [هود: 100] تَرَاهُ {وَحَصِيدٌ} [هود: 100] لا تَرَاهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَقُولُ: قَدْ مَرَّ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى قُرَاهـ ...
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} ، أَيْ: لِلْمُؤْمِنِينَ.
{أَفَلا يَسْمَعُونَ} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ} [السجدة: 27] ، يَعْنِي: الْمَطَرَ، تُسَاقُ السِّحَابُ الَّتِي فِيهَا الْمَاءُ.
كَقَوْلِهِ: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [الأعراف: 57] قَالَ: {إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ} [السجدة: 27] الْيَابِسَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
{فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ} [السجدة: 27] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
أَيْ فَالَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَقُولُونَ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} [السجدة: 28] مَتَى هَذَا الْقَضَاءُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وَالْفَتْحُ، الْقَضَاءُ بِعَذَابِهِمْ، قَالُوا ذَلِكَ اسْتِهْزَاءً وَتَكْذِيبًا بِأَنَّهُ لا يَكُونُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي: يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ إِنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(2/695)
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا هُوَ يُحَذِّرُ قَوْمَهُ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الآخِرَةِ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ} [السجدة: 29] ، يَعْنِي: يَوْمَ الْقَضَاءِ.
{لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} [السجدة: 29] لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَرَى الْعَذَابَ إِلا آمَنَ , وَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة: 29] فَمَا يُؤَخَّرُونَ بِالْعَذَابِ إِذَا جَاءَ الْوَقْتُ.
قَالَ: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ} [السجدة: 30] بِهِمُ الْعَذَابَ.
{إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} [السجدة: 30] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ سَعِيدًا يَذْكُرُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ، فَنَسَخَهَا الْقِتَالُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ فِي قَوْلِهِ: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] .(2/696)
سُورَةُ الأَحْزَابِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَحْزَابِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [الأحزاب: 1] فِي الشِّرْكِ بِاللَّهِ.
{وَالْمُنَافِقِينَ} وَلا تُطِعِ الْمُنَافِقِينَ حَتَّى تَكُونَ وَلِيجَةً فِي دِينِ اللَّهِ، وَالْوَلِيجَةُ أَنْ يُدْخِلَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا يُقَارِبُ بِهِ الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا {1} وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا {2} } [الأحزاب: 1-2] ، يَعْنِي: الْعَامَّةَ.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [الأحزاب: 3] مُتَوَكِّلا عَلَيْهِ، وَقَالَ أَيْضًا: {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] وَنِعْمَ الْمُتَوَكَّلُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَنَّ رَجُلا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي فِهْرٍ قَالَ: إِنَّ فِي جَوْفِي لَقَلْبَيْنِ أَعْقِلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِنْ عَقْلِ مُحَمَّدٍ، وَكَذَبَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ رَجُلا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ جَمِيلٌ كَانَ حَافِظًا لِمَا(2/697)
سَمِعَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مَا يَحْفَظُ جَمِيلٌ مَا يَحْفَظُ بِقَلْبٍ وَاحِدٍ، إِنَّ لَهُ لَقَلْبَيْنِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزاب: 4] إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ مِثْلَ أُمِّهِ فِي التَّحْرِيمِ، فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا، وَلَكِنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {3} فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ
لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 3-4] وَكَانَ الظِّهَارُ عِنْدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ طَلاقًا فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ الْكَفَّارَةَ.
قَالَ: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} [الأحزاب: 4] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا، قَالَ: هَذَا فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، تَبَنَّاهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَكُونُ ذَلِيلا، فَيَأْتِي الرَّجُلُ ذَا الْقُوَّةِ وَالشَّرَفِ، فَيَقُولُ: أَنَا ابْنُكَ، فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَإِذَا قَبِلَهُ وَاتَّخَذَهُ ابْنًا أَصْبَحَ أَعَزَّ أَهْلِهَا، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْهُمْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّاهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى مَا كَانَ
يَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُلْحِقُوهُمْ بِآبَائِهِمْ فَقَالَ: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} [الأحزاب: 4] ، يَعْنِي: ادِّعَاءَهُمْ هَؤُلاءِ وَقَوْلَ الرَّجُلِ لامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
قَالَ: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4] يَهْدِي إِلَى الْهُدَى، وَقَوْلُهُ الْحَقُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّهُ أَمَرَ هَؤُلاءِ الْمُدَّعِينَ أَنْ يُلْحِقُوا هَؤُلاءِ الْمُدَّعِينَ بِآبَائِهِمْ.
قَالَ: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: 5] أَعْدَلُ عِنْدَ اللَّهِ.
{فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزاب: 5] ، يَعْنِي: الْمَوْلَى الَّذِي(2/698)
يُعْتَقُ ...
السُّدِّيُّ.
قَالَ يَحْيَى: قُولُوا وَلِيُّنَا فُلانٌ، وَأَخُونَا فُلانٌ.
{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [الأحزاب: 5] إِثْمٌ.
{فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] إِنْ أَخْطَأَ الرَّجُلُ بَعْدَ النَّهْيِ فَنَسَبَهُ إِلَى الَّذِي تَبَنَّاهُ نَاسِيًا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِثْمٌ.
{وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5] أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى غَيْرِ آبَائِهِمُ الَّذِينَ أَلْحَقَهُمُ اللَّهُ بِهِمْ مُتَعَمِّدِينَ لِذَلِكَ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5] قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ هَذَا وَغَيْرِهِ {بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] بَعْدَ النَّهْيِ فِي هَذَا وَغَيْرِهِ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5]
- نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعَتْ أُذُنَايَ وَوَعَى قَلْبِي مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» ، قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هُوَ أَبُوهُمْ.
{وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] فِي التَّحْرِيمِ مِثْلُ أُمَّهَاتِهِمْ.(2/699)
- سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهَا: يَا أُمَّهْ، فَقَالَتْ: لَسْتُ لَكِ بِأُمٍّ إِنَّمَا أَنَا أُمُّ رِجَالِكُمْ.
قَالَ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ نَزَلَ قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ فِي { [الأنفال:] وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [سورة الأنفال: 72] ، فَتَوَارَثَ الْمُسْلِمُونَ بِالْهِجْرَةِ، فَكَانَ لا يَرِثُ الأَعْرَابِيُّ الْمُسْلِمَ مِنْ قَرِيبِهِ الْمُهَاجِرِ الْمُسْلِمِ شَيْئًا، فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الآيَةُ، فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ بِالْمِلَلِ.
فَقَالَ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] فَخَلَطَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فَصَارَتِ الْمَوَارِيثُ بِالْمِلَلِ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الْبُنَانِيُّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: لا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا.
- مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» .
- نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، وَسَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلا الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» .
وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ: وَلا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَيْئًا.
وَحَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ مَاتَ فَتَرَكَ طَالِبًا، وَجَعْفَرًا وَعَقِيلا، وَعَلِيًّا، فَوَرِثَهُ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ وَلَمْ يَرِثْهُ عَلِيٌّ وَلا جَعْفَرٌ.(2/700)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ} [الأحزاب: 6] قَالَ: إِلَى قَرَابَتِكُمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: {إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ} [الأحزاب: 6] مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ وَصِيَّةٌ وَلا مِيرَاثَ لَهُمْ، يَعْنِي بِالْمَعْرُوفِ: الْوَصِيَّةَ، أَجَازَ لَهُمُ الْوَصِيَّةَ وَلا مِيرَاثَ لَهُمْ.
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} [الأحزاب: 6] فَقَالَ: {كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الأحزاب: 6] يَقُولُ: مَكْتُوبًا أَلا يَرِثَ كَافِرٌ مُسْلِمًا.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: «لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» .
- حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصِلَهَا، قَالَ: صِلِيهَا.
وَقَالَ عُثْمَانُ، عَنْ قَتَادَةَ: {إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ} [الأحزاب: 6] مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 6] قَالَ: الَّذِينَ وَالَى بَيْنَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ تَمَسُّكًا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ} [الأحزاب: 7] قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي ظَهْرِ آدَمَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ يُبَلِّغُوا الرِّسَالَةَ.(2/701)
قَالَ: {وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [الأحزاب: 7] بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: وَأَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف: 45] سَلْ جِبْرِيلَ فَإِنَّهُ هُوَ كَانَ يَأْتِيهِمْ بِالرِّسَالَةِ: هَلْ أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الآيَةِ فِي آلِ عِمْرَانَ مِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ} [آل عمران: 81] قَالَ: أَخَذَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ أَنْ يَعْلَمُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ، مَا خَلا مُحَمَّدًا مِنَ النَّبِيِّينَ فَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَدِّقَ بِالأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، فَفَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَكَرَ يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ} [الأحزاب: 7] ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ» .
- عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَتَى كُتِبَتْ نُبُوَّتُكَ؟ قَالَ: بَيْنَ الطِّينِ، وَبَيْنَ الرُّوحِ مِنْ خَلْقِ آدَمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيَسْأَلَ} ، أَيْ: لِيَسْأَلَ اللَّهُ.
{الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي: النَّبِيِّينَ كَقَوْلِهِ: {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 6] .
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة: 109](2/702)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] قَالَ: الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ، هُمُ الرُّسُلُ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْمُبَلِّغِينَ الْمُؤَدِّينَ مِنَ الرُّسُلِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ} [الأحزاب: 8] ، يَعْنِي: النَّبِيِّينَ {عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] أَنَّهُمْ بَلَّغُوا الرِّسَالَةَ إِلَى قَوْمِهِمْ مِنَ اللَّهِ.
قَالَ: {وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} [الأحزاب: 8] مُوجِعًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} [الأحزاب: 9] يَعْنِي أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ، وَهُمُ الأَحْزَابُ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: يَوْمَ الأَحْزَابِ تَحَازَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، جَاءَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ وَطُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الأَسَدِيُّ مِنْ فَوْقِ الْوَادِي، وَجَاءَ أَبُو الأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي، وَنَصَبَ أَبُو سُفْيَانَ قِبَلَ الْخَنْدَقِ الَّذِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} [الأحزاب: 9] قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ الصَّبَا تَكُبُّهُمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَتَقْطَعُ فَسَاطِيطَهُمْ حَتَّى أَظْعَنَتْهُمْ، وَهَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» .(2/703)
قَالَ: {وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] الْمَلائِكَةَ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.
قَالَ: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 10] جَاءُوا مِنْ وَجْهَيْنِ مِنْ أَسْفَلِ الْمَدِينَةِ وَمِنْ أَعْلاهَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
أَبُو سُفْيَانَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: جَاءُوا مِنْ أَعْلَى الْوَادِي وَمِنْ أَسْفَلِهِ، جَاءَ مِنْ أَعْلاهُ عُيَيْنَةُ ابْنُ حِصْنٍ، وَمِنْ أَسْفَلِهِ أَبُو الأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ، وَنَصَبَ أَبُو سُفْيَانُ إِلَى الْخَنْدَقِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِذْ جَاءُوكُمْ} [الأحزاب: 10] ، يَعْنِي: الأَحْزَابَ، أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ.
{مِنْ فَوْقِكُمْ} [الأحزاب: 10] ، يَعْنِي: مِنْ فَوْقِ الْوَادِي، يَعْنِي: مِنْ أَعْلاهُ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَمِنْ حَيْثُ يَجِيءُ الصُّبْحُ، يَعْنِي: مَالِكَ بْنَ عَوْفٍ مِنْ بَنِي نَضْرٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ وَمَعَهُمَا أَلْفٌ مِنْ غَطَفَانَ، وَمَعَ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ الثَّقَفِيِّينَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، وَحُيَيِّ بْنَ أَخْطَبَ الْيَهُودِيَّ فِي يَهُودٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ.
ثُمَّ قَالَ: {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 10] ، يَعْنِي: مِنْ أَسْفَلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَمِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَعَهُ يَزِيدُ بْنُ جَحْشٍ عَلَى فِرْقَتَيْنِ، جَاءُوا مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ، وَجَاءَ أَبُو الأَعْوَرِ السُّلَمِيُّ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ مِنْ قِبَلِ الْخَنْدَقِ وَالَّذِينَ مَعَهُ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب: 10] مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ.
{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10] ، يَعْنِي: التُّهْمَةَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ ظَنُّوا(2/704)
أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيُقْتَلُ، وَأَنَّهُمْ سَيَهْلِكُونَ.
قَالَ اللَّهُ: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} مُحِّصُوا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11] كَانَ اللَّهُ أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] قَالَ اللَّهُ: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] .
فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَصَابَنَا هَذَا بَعْدُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22] وَأَنْزَلَ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرًا {9} إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} [الأحزاب: 9-11] محصوا {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} [الأحزاب: 11] حُرِّكُوا بِالْخَوْفِ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، وَأَصَابَتْهُمُ الشِّدَّةُ.
قَالَ: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 12] وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَالْمَرَضُ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ النِّفَاقُ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الشِّرْكُ، وَصَفَهُمْ بِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَالنِّفَاقُ أَنَّهُمْ نَافَقُوا بِقُلُوبِهِمْ عَنْ مَا أَظْهَرُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَالْمَرَضُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ.
{مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب: 12] فِي مَا يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُهُ.
{إِلا غُرُورًا} [الأحزاب: 12] وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [البقرة: 214] إِلَى قَوْلِهِ: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] فَوَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْصُرَهُمْ كَمَا نَصَرَ مَنْ قَبْلَهُمْ بَعْدَ أَنْ يُزَلْزَلُوا وَهِيَ الشِّدَّةُ، وَأَنْ يُحَرَّكُوا بِالْخَوْفِ كَمَا قَالَ النَّبِيُّونَ حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى(2/705)
نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: 214] قَالَ اللَّهُ {أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: وَعَدَنَا اللَّهُ النَّصْرَ فَلا نَرَانَا نُنْصَرُ، وَنَرَانَا نُقْتَلُ وَنُهْزَمُ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَا وَعَدَهُمُ اللَّهُ أَلا يُقْتَلَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَأَلا يُهْزَمُوا فِي بَعْضِ الأَحَايِينِ، وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] ، وَإِنَّمَا وَعَدَهُمُ النَّصْرَ فِي الْعَاقِبَةِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب: 13] يَقُولُهُ الْمُنَافِقُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، اتُرُكُوا دِينَ مُحَمَّدٍ وَارْجِعُوا إِلَى دِينِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ الأَحْزَابَ جَبُنُوا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لا وَاللَّهِ مَا لَكُمْ مُقَامٌ مَعَ هَؤُلاءِ فَارْجِعُوا إِلَى قَوْمِكُمْ، يَعْنُونَ الْمُشْرِكِينَ فَاسْتَأْمَنُوهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ} [الأحزاب: 13] ، يَعْنِي: لا مُكْثَ لَكُمْ مَعَ الأَحْزَابِ، لا تَقُومُونَ لَهُمْ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: 13] قَالَ مُجَاهِدٌ: يُخْشَى عَلَيْهَا السَّرَقُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: خَالِيَةٌ نَخَافُ عَلَيْهَا السَّرَقَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: ضَائِعَةٌ وَهُوَ وَاحِدٌ، يَقُولُونَ: إِذَا خَلَّيْنَاهُمْ ضَاعَتْ.
قَالَ اللَّهُ: {وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ} [الأحزاب: 13] يَقُولُ: {إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا {13} وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 13-14] لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ.
{مِنْ أَقْطَارِهَا} [الأحزاب: 14] مِنْ نَوَاحِيهَا، يَعْنِي: الْمَدِينَةَ.(2/706)
{ثُمَّ سُئِلُوا} [الأحزاب: 14] طُلِبَتْ مِنْهُمْ.
{الْفِتْنَةَ} [الأحزاب: 14] الشِّرْكَ.
{لآتَوْهَا} [الأحزاب: 14] لَجَاءُوهَا، رَجَعَ إِلَى الْفِتْنَةِ وَهِيَ الشِّرْكُ عَلَى تَفْسِيرِ مَنْ قَرَأَهَا خَفِيفَةً وَمَنْ قَرَأَهَا مُثَقَّلَةً: {لآتَوْهَا} لأَعْطَوْهَا، يَعْنِي: الْفِتْنَةَ وَهِيَ الشِّرْكُ، لأَعْطَوْهُمْ إِيَّاهَا.
{وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا} [الأحزاب: 14] قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} [الأحزاب: 15] مُنْهَزِمِينَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ بَايَعْتُمُوهُ؟ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ.
قَالَ: {وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولا} [الأحزاب: 15] لا يَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ الَّذِي لَمْ يُوفُوا بِهِ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ.
قَالَ: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ} [الأحزاب: 16] ، يَعْنِي: الْهَرَبَ.
{إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 16] ، يَعْنِي: إِنْ هَرَبْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ.
{أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا} [الأحزاب: 16] فِي الدُّنْيَا.
{إِلا قَلِيلا} إِلَى آجَالِكُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ} [الأحزاب: 17] يَمْنَعُكُمْ مِنَ اللَّهِ.
{إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا} [الأحزاب: 17] عَذَابًا.(2/707)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: الْقَتْلَ وَالْهَزِيمَةَ.
{أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً} [الأحزاب: 17] تَوْبَةً، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ، كَقَوْلِهِ: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ} [الأحزاب: 24] يَمُوتُونَ عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُعَذِّبُهُمْ {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: 24] فَيَرْجِعُونَ عَنْ نِفَاقِهِمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: النَّصْرَ وَالْفَتْحَ.
قَالَ: {وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا {17} قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ} [الأحزاب: 17-18] يُعَوِّقُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا يَأْمُرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْفِرَارِ.
{وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ} [الأحزاب: 18] ، أي: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18] يأمر بعضهم بعضا بالفرار.
{وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ} [الأحزاب: 18] الْقِتَالَ.
{إِلا قَلِيلا} بِغَيْرِ حِسْبَةٍ وَلا إِخْلاصٍ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِلا قَلِيلا} ، يَعْنِي: رِيَاءً وَسُمْعَةً.
وَقَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا} [النساء: 142] قَالَ: إِنَّمَا قُلْ إِنَّهُ كَانَ لِغَيْرِ اللَّهِ.
قَالَ: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 19] لا يَتْرُكُونَ عَلَيْكُمْ مِنْ حُقُوقِهِمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا.
قَالَ: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ} [الأحزاب: 19] رَجَعَ الْكَلامُ إِلَى أَوَّلِ الْقِتَالِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ، قَالَ: {فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ} [الأحزاب: 19] ، يَعْنِي: الْقِتَالَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} [الأحزاب: 19] خَوْفًا مِنَ الْقِتَالِ.
{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ} [الأحزاب: 19] ، يَعْنِي: الْقِتَالَ، يَعْنِي: إِذَا ذَهَبَ الْقِتَالُ.
{سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19] فَحُشُوا عَلَيْكُمُ، السَّلْقُ: الصِّيَاحُ.
{أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ} [الأحزاب: 19] عَلَى الْغَنِيمَةِ.(2/708)
قَالَ اللَّهُ: {أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا} [الأحزاب: 19] كَقَوْلِهِ: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة: 41] .
قَالَ: {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ} [الأحزاب: 19] أَبْطَلَ اللَّهُ حَسَنَاتِهِمْ لأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ فِيهَا حِسْبَةٌ.
{وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 19] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَشِحَّةٌ عَلَى الْخَيْرِ {عَلَى الْقِتَالِ، لا يُقَاتِلُونَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَسَّهُمُ الْحَصْرُ وَالْبَلاءُ فِي الْخَنْدَقِ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ لِيُصِيبَ طَعَامًا أَوْ إِدَامًا، فَوَجَدَ أَخَاهُ يَتَغَدَّى تَمْرًا، فَدَعَاهُ، فَقَالَ أَخُوهُ الْمُؤْمِنُ: قَدْ بَخِلْتَ عَلَيَّ وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِكَ فَلا حَاجَةَ لِي فِي طَعَامِكَ.
قَالَ:} يَحْسَبُونَ { [الأحزاب: 20] يَحْسَبُ الْمُنَافِقُونَ.
} الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا { [الأحزاب: 20] يَوَدُّ الْمُنَافِقُونَ.
} لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ { [الأحزاب: 20] ، يَعْنِي: فِي الْبَادِيَةِ مَعَ الأَعْرَابِ، يَوَدُّونَ مِنَ الْخَوْفِ لَوْ أَنَّهُمْ فِي الْبَدْوِ.
} يَسْأَلُونَ عَن أَنْبَائِكُمْ { [الأحزاب: 20] وَهُوَ كَلامٌ مَوْصُولٌ، وَلَيْسَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ إِلا الْخَوْفُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، لأَنَّهُمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَظْهَرُوا أَنَّهُمْ عَلَى الإِسْلامِ وَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَظْهَرَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مَضَرَّةٌ.
قَالَ:} وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا { [الأحزاب: 20] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا { [الأحزاب: 21] وَهَذَا الذِّكْرُ تَطَوُّعٌ، لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ.
قَالَ:} وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ { [الأحزاب: 22](2/709)
يَعْنُونَ الآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضُوعِ.
} وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ { [الأحزاب: 22] قَالَ اللَّهُ:} وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا { [الأحزاب: 22] وَتَصْدِيقًا.
} وَتَسْلِيمًا { [الأحزاب: 22] لأَمْرِ اللَّهِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الأَحْزَابَ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخَنْدَقِ أَنْ يُحْفَرَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ أَتَاكَ مِنْ خَبَرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ وَفُرِغَ مِنْهُ أَتَاهُمُ الأَحْزَابُ، فَلَمَّا رَآهُمُ الْمُؤْمِنُونَ} قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ { [الأحزاب: 22] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ { [الأحزاب: 23] حَيْثُ بَايَعُوهُ عَلَى أَنْ لا يَفِرُّوا، وَصَدَقُوا فِي لِقَائِهِمُ الْعَدُوَّ، وَذَلِكَ يَوْمَ أُحُدٍ.
} فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ { [الأحزاب: 23] وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ:} فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ { [الأحزاب: 23] عَهْدَهُ فَقُتِلَ أَوْ عَاشَ.
} وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ { [الأحزاب: 23] يَوْمًا فِيهِ قِتَالٌ فَيَقْضِي نَحْبَهُ، عَهْدَهُ، فَيُقْتَلَ أَوْ يَصْدُقَ فِي لِقَائِهِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ:} فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ { [الأحزاب: 23] أَجَلَهُ، يَعْنِي: مَنْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ: حَمْزَةَ وَأَصْحَابَهُ.
} وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ { [الأحزاب: 23] أَجَلَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ:} فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ { [الأحزاب: 23] ، يَعْنِي: أَتَمَّ أَجَلَهُ.
قَالَ:} وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا { [الأحزاب: 23] كَمَا بَدَّلَ الْمُنَافِقُونَ.
قَالَ:} لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ { [الأحزاب: 24] ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(2/710)
قَالَ:} بِصِدْقِهِمْ { [الأحزاب: 24] يَجْزِيهِمُ الْجَنَّةَ.
} وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ { [الأحزاب: 24] فَيَمُوتُوا عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُعَذِّبُهُمْ.
} أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ { [الأحزاب: 24] فَيَرْجِعُوا مِنْ نِفَاقِهِمْ.
} إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا { [الأحزاب: 24] قَالَ:} وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا {لَمْ يَنَالُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، وَظَفَرُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ لَوْ ظَفِرُوا عِنْدَهُمْ خَيْرٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ يَنَالُوا خَيْرًا، يَعْنِي: لَمْ يُصِيبُوا ظَفَرًا وَلا غَنِيمَةً.
} وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ { [الأحزاب: 25] بِالرِّيحِ وَالْجُنُودِ الَّتِي أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
} وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا { [الأحزاب: 25] قَالَ:} وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ { [الأحزاب: 26] عَاوَنُوهُمْ.
} مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ {قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ.
} مِنْ صَيَاصِيهِمْ { [الأحزاب: 26] مِنْ حُصُونِهِمْ.
} وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا {26} وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [الأحزاب: 26-27] لَمَّا حَصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ سَعْدًا لَمْ يَحْكُمْ فِيهِمْ وَلَكِنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى سَعْدٍ فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَقَالَ: «أَشِرْ عَلَيَّ فِيهِمْ» ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكَ فِيهِمْ بِأَمْرٍ، أَنْتَ(2/711)
فَاعِلٌ مَا أَمَرَكَ بِهِ فَقَالَ: «أَشِرْ عَلَيَّ فِيهِمْ» فَقَالَ: لَوْ وُلِّيتُ أَمْرَهُمْ
لَقَتَلْتُ مُقَاتِلَتَهُمْ وَلَسَبَيْتُ ذَرَارِيَّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ، وَلَقَسَمْتُ أَمْوَالَهُمْ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ أَشَرْتَ عَلَيَّ فِيهِمْ بِالَّذِي أَمَرَنِي اللَّهُ بِهِ» .
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْقَرَظِيِّ.
قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ عُرِضَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَمَنْ كَانَ احْتَلَمَ أَوْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ تَنْبُتْ عَانَتُهُ تُرِكَ.
قَالَ: فَنَظَرُوا إِلَيَّ فَلْم تَكُنْ نَبَتَتْ عَانَتِي، فَتُرِكْتُ.
- قَالَ يَحْيَى: وَأَمَّا النَّضِيرُ، فَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَصَرَ وَقَطَعَ نَخْلَهُمْ فَرَأَوْا أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ بِعَيْشِهِمْ صَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُجْلِيَهُمْ إِلَى الشَّامِ.
- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَقَ نَخْلَ بَنِي النَّضْرِ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ وَتَرَكَ الْعَجْوَةَ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا الشَّاعِرُ:
وَهَانَ عَلَى سُرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرٌ
قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: مَا دُونَ الْعَجْوَةِ مِنَ النَّخْلِ فَهِيَ لِينَةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27] ، أَيْ: وَأَوْرَثَكُمْ أَيْضًا: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب: 27] وَهِيَ خَيْبَرُ.
- أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ(2/712)
يَوْمَ فَتَحْنَا خَيْبَرَ، إِنَّ سَاقِي لَتُصِيبُ سَاقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَخِذِي فَخِذَهُ فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَيْهَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذِرِينَ، فَأَخْذَناهَا عَنْوَةً.
- وَحَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ صَبَّحْنَا خَيْبَرَ، فَقَرَأَ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ رَكِبَ، فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَيْهَا قَالَتِ الْيَهُودُ: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ وَالْخَمِيسُ قَالَ: وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ، فَأَخَذْنَاهَا عَنْوَةً.
قَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 27] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا {28} وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا {29} } [الأحزاب: 28-29] الْجَنَّةَ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي مَنْدِلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَاهُ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاقًا.
- عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: خَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهِ، فَلَمْ يَكُ ذَلِكَ طَلاقًا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِقَتَادَةَ، فَقَالَ: إِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَمْ يُخَيِّرْهُنَّ الطَّلاقَ، وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَجْعَلُ الْخِيَارَ إِذَا اخْتَارَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا إِذَا خَيَّرَها الرَّجُلُ تَطْلِيقَةً بَائِنَةً.
قَالَ يَحْيَى: أَحْسَبُهُ قَالَ ذَلِكَ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ فِي قَوْلِهِ: {أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 28] .(2/713)
وَقَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ هَذَا الْمَوْضِعِ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: 49] ، يَعْنِي: تُجَامِعُوهُنَّ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] فَإِذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَطْلِيقَةً فَإِنَّهَا تَبِينُ بِهَا، وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا، وَهُوَ خَاطِبٌ، إِنْ تَزَوَّجَهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ.
وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] وَهَذَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَحِيضُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لا تَحِيضُ وَلَيْسَتْ بِحَامِلٍ فَمَا لَمْ تَنْقَضِ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلا مَا لَمْ تَضَعْ حَمْلَهَا، فَإِنْ كَانَ فِي بَطْنِهَا اثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ فَمَا لَمْ تَضَعِ الآخَرَ فَهُوَ يُرَاجِعُهَا قَبْلَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ، فَإِنِ
انْقَضَتِ الْعِدَّةُ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ.
قَالَ: {أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] فَالتَّسْرِيحُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ: إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَثَلاثٌ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولانِ: وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنِ اخْتَارَتْهُ فَلا شَيْءَ لَهَا كَأَنَّهُمَا يَقُولانِ: إِنَّمَا يَكُونُ فِي طَلاقِ السُّنَّةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ، وَلا يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلاثًا جَمِيعًا فَإِنَّمَا خَيَّرَهَا عَلَى وَجْهِ مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَأَمَّا إِذَا قَالَ: أَمْرُكِ
بِيَدِكِ فَفِي قَوْلِهِمَا: إِذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلاثًا فَهِيَ وَاحِدَةٌ عَلَى هَذَا الْكَلامِ الأَوَّلِ، وَكَانَ عَلِيٌّ وَرِجَالٌ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ، يَقُولُونَ: الْقَوْلُ مَا قَالَتْ، غَيْرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: إِلا أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا مِلْكَتُهَا فِي وَاحِدَةٍ، فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ قَضَاؤُهَا فِي وَاحِدَةٍ، وَبِهِ يَأْخُذُ يَحْيَى، ذَكَرَهُ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الأحزاب: 30](2/714)
يَعْنِي الزِّنَا: تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 30] ، {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} [الأحزاب: 31] ، أَيْ: وَمَنْ يُطِعْ مِنْكُنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِيمَا حَدَّثَنِي قُبَاثُ ابْنُ رُزَيْنٍ اللَّخْمِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلافٌ.
قَالَ: {وَتَعْمَلْ صَالِحًا} [الأحزاب: 31] ، يَعْنِي: الَّتِي تَقْنُتُ مِنْهُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ.
{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 31] قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلا سَأَلَ الْحَسَنَ قَالَ: أَيْنَ يُضَاعَفُ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ؟ قَالَ: حَيْثُ تُؤْتَى أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ.
قَالَ يَحْيَى: تُؤْتَى أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ، يَعْنِي: فِي الآخِرَةِ.
قَالَ: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا} [الأحزاب: 31] ، أَيْ: وَأَعْدَدْنَا لَهَا.
{رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} [الأحزاب: 32] ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلامَ، فَقَالَ: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32] قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْكَلامُ الَّذِي فِيهِ مَا يَهْوَى الْمُرِيبُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فَلا تَكَلَّمْنَ بِالرَّفَثِ، قَالَ وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُودَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنَافِقُونَ.
قَالَ: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَرَضُ هَاهُنَا الزِّنَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: النِّفَاقُ.(2/715)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: فُجُورٌ.
قَالَ: {وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب: 32] ...........
{وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32] .
تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: هُوَ الْكَلامُ الَّذِي فِيهِ مَا يَهْوَى الْمُرِيبُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فَلا تَكَلَّمْنَ بِالرَّفَثِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: قِرْنَ، {وَقَرْنَ} [الأحزاب: 33] فَمَنْ قَرَأَهَا: {وَقَرْنَ} [الأحزاب: 33] فَمِنْ قِبَلِ الْقَرَارِ، وَمَنْ قَرَأَهَا: وَقِرْنَ فَمِنْ قِبَلِ الْوَقَارِ.
قَالَ: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] قَبْلَكُمْ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، لَيْسَ يَعْنِي: أَنَّهَا كَانَتْ جَاهِلِيَّةً قَبْلَهَا كَقَوْلِهِ: {عَادًا الأُولَى} [النجم: 50] ، أَيْ: قَبْلَكُمْ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْجَاهِلِيَّةُ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ قَبْلَ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدَّثَنِي الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهَا: تَكُونُ جَاهِلِيَّةً أُخْرَى.
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُعْبَدَ ذُو الْخَلَصَةِ، فَإِنَّهُ كَانَ سَيِّدَ الأَوْثَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
- وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تُنْفَخُ النَّفْخَةُ الأُولَى، وَمَا يُعْبَدُ اللَّهُ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ.
قَالَ: {وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ} [الأحزاب: 33] الْمَفْرُوضَةَ، الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا.
{وَآتِينَ الزَّكَاةَ} [الأحزاب: 33] الْمَفْرُوضَةَ.(2/716)
{وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33] فِي مَا أَمَرَكُنَّ بِهِ.
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} [الأحزاب: 33] الشَّيْطَانَ الَّذِي يَدْعُو إِلَى الْمَعَاصِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الرِّجْسُ، يَعْنِي: الإِثْمَ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الآيَاتِ.
{وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] مِنَ الذُّنُوبِ، فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ، وَقَالَ: كُلُّ رِجْسٍ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّمَا هُوَ إِثْمٌ، وَالرِّجْزُ كُلُّهُ الْعَذَابُ، وَالرِّجْزُ مَرْفُوعَةٌ: الأَوْثَانُ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ عَلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ صَلاةَ الْفَجْرِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَيَقُولُ: الصَّلاةَ الصَّلاةَ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .
- وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ، قَالَ: رَابَطَتِ الْمَدِينَةُ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيَوْمٍ وَاحِدٍ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ جَاءَ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ، فَقَالَ: الصَّلاةَ، ثَلاثًا: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ.
قَالَ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} [الأحزاب: 34] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] وَهُوَ وَاحِدٌ.(2/717)
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {35} فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {36} } [الذاريات: 35-36] وَالإِسْلامُ هُوَ اسْمُ الدِّينِ.
قَالَ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] وَالإِيمَانُ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلَ.
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ تَسْلَمْ» ، قَالَ: وَمَا الإِسْلامُ، قَالَ: «أَنْ يُسْلِمَ قَلْبُكَ لِلَّهِ وَأَنْ يَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِكَ وَيَدِكَ» ، قَالَ: وَأَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ، قَالَ: «الإِيمَانُ» ، قَالَ: وَمَا الإِيمَانُ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتُ» قَالَ: فَأَيُّ الإِيمَانِ أَفْضَلُ، قَالَ:
«الْهِجْرَةُ» ، قَالَ: وَمَا الْهِجْرَةُ، قَالَ: «أَنْ تَهْجُرَ السُّوءَ» ، قَالَ: فَأَيُّ الْهِجْرَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ» ، قَالَ: وَمَا الْجِهَادُ، قَالَ: «أَنْ تُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا لَقِيتَهُمْ ثُمَّ لا تَغُلَّ وَلا تَجْبُنْ» .
- خِدَاشٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ فِي مَلإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتَّى سَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مِرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَزَادَ فِيهِ أَيْضًا، وَرَدَّ الْمَلأُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَلا تُخْبِرُنِي مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ، وَالْمِيزَانِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَقَدْ آمَنْتُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبَ
أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ: صَدَقْتَ.(2/718)
ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلا تُخْبِرُنِي مَا الإِسْلامُ؟ قَالَ: «الإِسْلامُ أَنْ تُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ» ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَقَدْ أَسْلَمْتُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَلا تُخْبِرُنِي مَا الإِحْسَانُ؟ فَقَالَ: «الإِحْسَانُ أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِلا تَكُونُ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ، قَالَ: فَإِذَا فَعَلْتُ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنْتُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ
الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ، مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِ خَمْسٍ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] حَتَّى أَتَمَّ الآيَةَ، وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ بِشَيْءٍ يَكُونُ قَبْلَهَا حِينَ تَلِدُ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَيَتَطَاوَلُ أَهْلُ الشَّاءِ فِي الْبُنْيَانِ، وَيَصِيرُ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ عَلَى رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ "، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ، فَأَتْبَعَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرْفَهُ طَوِيلا ثُمَّ رَدَّ طَرْفَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ، أَوْ جَاءَكُمْ يَتَعَاهَدُ دِينَكُمْ.
قَالَ: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب: 35] وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: الْمُطِيعِينَ لِلَّهِ وَالْمُطِيعَاتِ.
قَالَ: {وَقُومُوا لِلَّهِ} [البقرة: 238] ، أَيْ: فِي صَلاتِكُمْ {قَانِتِينَ} [البقرة: 238] مُطِيعِينَ.
{وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب: 35] عَلَى مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَعَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
{وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} [الأحزاب: 35] وَهُوَ الْخَوْفُ الثَّابِتُ فِي الْقَلْبِ.
{وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} [الأحزاب: 35] ، يَعْنِي: الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ.(2/719)
{وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب: 35] قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَهُوَ مِنَ الصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ.
{وَالْحَافِظينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظاتِ} [الأحزاب: 35] مِمَّا لا يَحِلُّ لَهُنَّ.
{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] ، يَعْنِي: بِاللِّسَانِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: وَلَيْسَ فِي هَذَا الذِّكْرِ وَقْتٌ.
{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً} [الأحزاب: 35] لِذُنُوبِهِمْ.
{وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35] الْجَنَّةَ.
- حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِلنِّسَاءِ لا يُذْكَرْنَ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزَوِّجَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، فَأَبَتْ وَقَالَتْ: أُزَوِّجُ نَفْسِي رَجُلا كَانَ عَبْدًا بِالأَمْسِ، وَكَانَتْ ذَاتَ شَرَفٍ، فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ، ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً بَعْدُ فِي
جَمِيعِ(2/720)
الدِّينِ، لَيْسَ لأَحَدٍ خِيَارٌ عَلَى قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُكْمِهِ.
حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: نَزَلَتْ فِي كَرَاهِيَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ نِكَاحَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ حِينَ أَمَرَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا} [الأحزاب: 36] ، يَعْنِي: فَعَلَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا، يَعْنِي: شَيْئًا مِنْ أَمْرِ تَزْوِيجِ زَيْنَبَ.
{أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] قَالَ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] بَيِّنًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] ، يَعْنِي: أَخْطَأَ خَطَأً طَوِيلا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] ، يَعْنِي: زَيْدًا.
{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 37] قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] مُظْهِرُهُ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37] كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا زَيْدٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِطَلاقِهَا، فَيَتَزَوَّجُهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى زَيْنَبَ زَائِرًا، فَأَبْصَرَهَا قَائِمَةً فَأَعْجَبَتْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبْحَانَ(2/721)
اللَّهِ مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، فَرَأَى زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ هَوِيَهَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي طَلاقِهَا، فَإِنَّ فِيهَا كِبْرًا وَإِنَّهَا تُؤْذِينِي بِلِسَانِهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّقِ اللَّهَ وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ
زَوْجَكَ، فَأَمْسَكَهَا زَيْدٌ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَنْزَلَ اللَّهُ نِكَاحَهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّمَاءِ فَقَالَ: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] إِلَى قَوْلِهِ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37] فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ زَيْدًا فَقَالَ: ائْتِ زَيْنَبَ فَأَخْبِرْهَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَنِيهَا، فَانْطَلَقَ زَيْدٌ
فَاسْتَفْتَحَ الْبَابَ، فَقِيلَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: زَيْدٌ، قَالَتْ: وَمَا حَاجَةُ زَيْدٍ إِلَيَّ وَقَدْ طَلَّقَنِي؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَنِي، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفُتِحَ لَهُ الْبَابُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا وَهِيَ تَبْكِي، فَقَالَ زَيْدٌ: لا يَبْكِ اللَّهُ عَيْنَكِ، قَدْ كُنْتِ نِعْمَتَ الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ: الزَّوْجَةِ، إِنْ كُنْتِ لَتَبَرِّينَ قَسَمِي وَتُطِيعِينَ أَمْرِي، وَتَتَّبِعِينَ مَسَرَّتِي، فَقَدْ أَبْدَلَكِ اللَّهُ
خَيْرًا مِنِّي، قَالَتْ: مَنْ لا أَبَا لَكَ؟ فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَّتْ سَاجِدَةً.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَخْشَى النَّاسَ} [الأحزاب: 37] عَيْبَ النَّاسِ أَنْ يَعِيبُوا مَا صَنَعْتَ.
{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} [الأحزاب: 37] وَالْوَطَرُ الْحَاجَةُ.
{زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب: 37] فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُحَمَّدُ زَعَمْتَ أَنَّ حَلِيلَةَ الابْنِ لا تَحِلُّ لِلأَبِ، وَقَدْ تَزَوَّجْتَ حَلِيلَةَ ابْنِكَ زَيْدٍ، فَقَالَ اللَّهُ: {لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} [الأحزاب: 37] ، أَيْ: أَنَّ زَيْدًا كَانَ دَعِيًّا، وَلَمْ يَكُنْ بِابْنِ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَدٍ مِنْ
رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] .(2/722)
قَالَ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا {37} مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 37-38] فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي زَيْنَبَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِذْ زَوَّجَهَا اللَّهُ إِيَّاهُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَطَوَّعَ عَلَيْهَا، فَأَعْطَاهَا الصَّدَاقَ.
قَالَ: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب: 38] ، أَيْ: أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الأَنْبِيَاءِ حَرَجٌ فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ، وَقَدْ أُحْلِلَتْ لِدَاوُدَ مِائَةُ امْرَأَةٍ، وَلِسُلَيْمَانَ ثَلاثُ مِائَةِ امْرَأَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سَرِيَّةٍ.
قَالَ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] قَالَ: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39] حَفِيظًا لأَعْمَالِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَكُنْ بِأَبِي زَيْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ زَيْدٌ دَعِيًّا لَهُ.
قَالَ: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40]
- الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لا تَقُولُوا: لا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ، وَقُولُوا: خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَإِنَّهُ يَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا وَإِمَامًا مُقْسِطًا، فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا.
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَلا نَبِيَّ بَعْدِي وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ» .
- وَحَدَّثَنِي قُرَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ الْمُزَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:(2/723)
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أُدْخِلَ يَدِي فَأَمَسَّ الْخَاتَمَ فَأَذِنَ لِي.
فَأَدْخَلْتُ يَدِي فِي جُرُبَّانِ قَمِيصِهِ، وَإِنَّهُ لَيَدْعُو لِي فَمَا مَنَعَهُ وَأَنَا أَلْمَسُهُ أَنْ دَعَا لِي، قَالَ: فَوَجَدْتُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ مِثْلَ السِّلْعَةِ.
قَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] يَعْنِي بِاللِّسَانِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا ذِكْرٌ لَيْسَ فِيهِ وَقْتٌ وَهُوَ تَطَوُّعٌ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، أَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ، فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ.
فَقَالَ أَبُو بَحْرِيَّةَ: قَدْ قَالَ ذَاكَ أَخُوكُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ قَطُّ عَمَلا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِ اللَّهِ.
- خِدَاشٌ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ لا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلا وَجْهَهُ إِلا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً} [الأحزاب: 42] لِصَلاةِ الْغَدَاةِ.
{وَأَصِيلا} [الأحزاب: 42] صَلاةَ الظُّهْرِ وَصَلاةَ الْعَصْرِ.
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: هَذَا فِي الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ.(2/724)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: صَلاةُ اللَّهِ الرَّحْمَةُ، وَصَلاةُ الْمَلائِكَةِ الاسْتِغْفَارُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 43] ، يَعْنِي: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، هُوَ الَّذِي يَغْفِرُ لَكُمْ إِذَا أَطَعْتُمُوهُ، قَالَ: {وَمَلائِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] ، يَعْنِي: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ، يَغْفِرُ لَكُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ لَكُمُ الْمَلائِكَةُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَتْ لِمُوسَى: سَلْ لَنَا رَبَّكَ هَلْ يُصَلِّي لَعَلَّنَا نُصَلِّي بِصَلاةِ رَبِّنَا، فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، أَنِّي أَنَّمَا أَرْسَلْتُكَ إِلَيْهِمْ لِتُبْلِغَهُمْ عَنِّي وَتُبْلِغَنِي عَنْهُمْ، قَالَ: يَقُولُونَ يَا رَبِّ مَا قَدْ سَمِعْتَ، يَقُولُونَ: سَلْ لَنَا رَبَّكَ هَلْ يُصَلِّي لَعَلَّنَا نُصَلِّي بِصَلاةِ رَبِّنَا، قَالَ: فَأَخْبِرْهُمْ عَنِّي أَنِّي أُصَلِّي، وَأَنَّ
صَلاتِي عَلَيْهِمْ: لِتَسْبِقَ رَحْمَتِي غَضَبِي وَلَوْلا ذَلِكَ لَهَلَكُوا.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43] ، يَعْنِي: مِنَ الشِّرْكِ إِلَى الإِيمَانِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 43] مِنَ الضَّلالَةِ إِلَى الْهُدَى.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَعْصِمُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الضَّلالَةِ، وَقَالَ هُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانِي مِنْ كَذَا وَكَذَا لأَمْرٍ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ، صَرَفَهُ اللَّهُ عَنْهُ.
قَالَ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب: 44] تُحَيِّيهِمُ الْمَلائِكَةُ عَنِ اللَّهِ بِالسَّلامِ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
{وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا} [الأحزاب: 44] ثَوَابًا.
{كَرِيمًا} [الأحزاب: 31] الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا} [الأحزاب: 45] عَلَى أُمَّتِكَ،(2/725)
تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ فِي الآخِرَةِ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَهُمْ.
{وَمُبَشِّرًا} [الأحزاب: 45] فِي الدُّنْيَا بِالْجَنَّةِ.
{وَنَذِيرًا} [الأحزاب: 45] مِنَ النَّارِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ.
قَالَ: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: 46] بِالْقُرْآنِ، الْوَحْيِ الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِهِ.
{وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 46] مُضِيئًا.
- مَنْدِلُ بْنُ عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ أَصْحَابِي مَثَلُ الْمِلْحِ لا يَصْلُحُ الطَّعَامُ إِلا بِهِ، وَمَثَلُ النُّجُومِ يُهْتَدَى بِهَا فَبِأَيِّ قَوْلِ أَصْحَابِي أَخَذْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» .
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلانِيِّ قَالَ: إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِي الأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ يَهْتَدِي بِهَا النَّاسُ مَا بَدَتْ فَإِذَا خَفِيَتْ تَحَيَّرُوا.
قَالَ: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا} [الأحزاب: 47] ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ: {وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب: 48] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.
قَالَ: {وَدَعْ أَذَاهُمْ} [الأحزاب: 48] قَالَ مُجَاهِدٌ: اعْرِضْ عَنْ أَذَاهُمْ إِيَّاكَ، أَيِ: اصْبِرْ عَلَيْهِ.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} [الأحزاب: 3] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ(2/726)
قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] قَالَ يَحْيَى: إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا وَاحِدَةً فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِتِلْكَ الْوَاحِدَةِ وَهِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا، يَخْطُبُهَا مَعَ الْخُطَّابِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ مِنْهُ
وَلا مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تُزَوَّجَ إِنْ شَاءَتْ مِنْ يَوْمِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا فِيهِ لأَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا فَتَعْتَدَّ مِنْ مِائَةٍ مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ حُبْلَى، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا بَابًا أَوْ أَرْخَى عَلَيْهَا سِتْرًا، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ كَامِلا وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ إِلا أَنْ يُفَرِّقَ الطَّلاقُ، فَيَقُولُ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهَا
تَبِينُ بِالأُولَى وَلَيْسَ مَا طَلَّقَ بَعْدَهَا بِشَيْءٍ، وَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا كَانَتْ عِنْدَهُ عَلَى تَطْلِيقَتَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب: 49] فَهُوَ مَنْسُوخٌ إِذَا كَانَ قَدْ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا إِلا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَيَكُونُ لَهَا الْمُتْعَةُ وَلا صَدَاقَ لَهَا، فَإِنْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْل أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَإِنَّ لَهَا نِصْفَ الصَّدَاقِ وَلا مُتْعَةَ لَهَا، نَسَخَتْهَا الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {لا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ {236} وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 236-237] وَلا مَتَاعَ لَهَا إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: جُعِلَتْ لَهَا الْمُتْعَةُ فِي هَذِهِ الآيَةِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] جُعِلَ لَهَا النِّصْفُ وَلا مَتَاعَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَبِهِ يَأْخُذُ يَحْيَى.(2/727)
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ لَهَا الْمَتَاعُ.
وَقَدْ حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَهَا الْمَتَاعُ، وَلَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ.
وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا} [الأحزاب: 49] إِلَى أَهْلِهِنَّ.
لا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي بَيْتٍ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا حُرْمَةٌ، وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِامْرَأَتِهِ تَوَارَثَا وَلَهَا الصَّدَاقُ كَامِلا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهَا النِّصْفُ إِذَا طَلَّقَهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] صَدَاقَهُنَّ.
{وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ} [الأحزاب: 50] ، أَيْ: وَأَحْلَلْنَا لَكَ أَيْضًا بَنَاتِ عَمِّكَ.
{وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} [الأحزاب: 50] إِلَى قَوْلِهِ: {لا يَحِلُّ لَكَ(2/728)
النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] هَؤُلاءِ اللَّاتِي ذَكَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِ، وَمِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَمِنْ بَنَاتِ عَمَّاتِهِ، وَبَنَاتِ خَالِهِ، وَبَنَاتِ خَالاتَهِ.
{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الأحزاب: 50] قَالَ يَحْيَى فِيمَا حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} [الأحزاب: 50] صَدَاقَهُنَّ {وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ} [الأحزاب: 50] حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] هَؤُلاءِ: الْعَمَّةُ،
وَالْخَالَةُ وَنَحْوُهُنَّ، وَكَانَ يَقُولُ: يَتَزَوَّجُ مِنْ بَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَبَنَاتِ خَالاتَهِ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَهُ.
- عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا خَيَّرَ نِسَاءَهُ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ، وَقَالَ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] ، يَعْنِي: أَزْوَاجَهُ التِّسْعَ {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب: 52] قَالَ: قَصَرَهُ اللَّهُ عَلَى أَزْوَاجِهِ اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ، فَأَخْبَرْتُ بِهِ عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ فَقَالَ: لَوْ شَاءَ لَتَزَوَّجَ عَلَيْهِنَّ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرِيرًا يَخْطُبَ عَلَيْهِ جَمِيلَةَ بِنْتَ فُلانٍ بَعْدَ التِّسْعِ.
وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] لا نَصْرَانِيَّاتٍ، وَلا يَهُودِيَّاتٍ، وَلا كَوَافِرَ، وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنَ الأَزْوَاجِ الْمُسْلِمَاتِ غَيْرَهُنَّ {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب: 52] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: 50] يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] مَقْرَأُ الْعَامَّةِ عَلَى {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ} [الأحزاب: 50] يَقُولُونَ: كَانَتِ امْرَأَةً وَاحِدَةً وَأَنْ مَفْتُوحَةٌ لِمَا قَدْ كَانَ، وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} [الأحزاب: 50] يَقُولُونَ: فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى تِلْكَ الْوُجُوهِ مِنْ قَوْلِ
أُبَيٍّ وَقَوْلِ الْحَسَنِ، وَقَوْلِ مُجَاهِدٍ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50] لا تَكُونُ(2/729)
الْهِبَةُ بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ.
- وَحَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمْ تَحِلَّ الْهِبَةُ لأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وُهِبَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَقَالَ: الْهِبَةُ لا تَكُونُ إِلا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ سَمَّى سَوْطًا كَانَ صَدَاقًا.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَطَوَّعَ عَلَى تِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ فَأَعْطَاهَا الصَّدَاقَ.
نَزَلَ أَمْرُ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ: {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب: 38] وَهِيَ بَعْدَهَا فِي التَّأْلِيفِ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 52] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّج أَسْمَاءَ بِنْتَ النُّعْمَانِ الْكِنْدِيَّةَ، وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ الْبَشَرِ، فَقَالَ نِسَاءُ نَبِيِّ اللَّهِ: لَئِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَرَائِبَ مَا لَهُ فِينَا حَاجَةٌ، فَحَبَسَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
أَزْوَاجِهِ اللَّائِي عِنْدَهُ، وَأَحَلَّ لَهُ مِنْ بَنَاتِ الْعَمِّ، وَالْعَمَّةِ، وَالْخَالِ، وَالْخَالَةِ مَا شَاءَ.
قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا مُوَافِقٌ لِتَفْسِيرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50] يَعْنِي مَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(2/730)
{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50]
- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] ، يَعْنِي: الأَرْبَعَ، يَقُولُ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا إِنْ شَاءَ {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب: 50] وَيَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ كَمْ شَاءَ.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: 50] أَنْ لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ، وَصَدَاقٍ مَعْلُومٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] قَالَ: فَرِيضَةً.
قَالَ يَحْيَى: فَإِنْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا أَوْ وَهَبَهَا لَهُ الْوَلِيُّ فَرَضِيَتْ، أَوْ كَانَتْ بِكْرًا فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهَا، فَلَهَا مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنَ الصَّدَاقِ، فَإِنِ اخْتَلَفُوا فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا، وَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 50] رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 50] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} [الأحزاب: 51] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] يَذْكُرُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْأَةَ لِلتَّزَوُّجِ ثُمَّ يُرْجِيهَا، أَيْ: يَتْرُكُهَا فَلا يَتَزَوَّجُهَا.
قَالَ: {وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] تَتَزَوَّجُ مَنْ تَشَاءُ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ امْرَأَةً لِيَتَزَوَّجَ لَمْ يَكُنْ لأَحَدٍ أَنْ يُعَرِّضَ بِذِكْرِهَا حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ يَتْرُكَهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ} [الأحزاب: 51] يَقُولُ: لَيْسَتْ عَلَيْكَ لَهُنَّ قِسْمَةٌ، وَمَنِ(2/731)
ابْتَغَيْتَ مِنْ نِسَائِكَ لِلْحَاجَةِ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَمْ تُرِدْ مِنْهَا الْحَاجَةَ.
{فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} [الأحزاب: 51] إِذَا عَلِمْنَ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ.
{وَلا يَحْزَنَّ} [الأحزاب: 51] عَلَى أَنْ تَخُصَّ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ دُونَ الأُخْرَى.
{وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} [الأحزاب: 51] مِنَ الْحَاجَةِ الَّتِي تَخُصُّ مِنْهُنَّ لِحَاجَتِكَ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] تعزل {وَتُئْوِي} [الأحزاب: 51] تُمْسِكُ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] ، يَعْنِي: مِنَ اللَّائِي أَحَلَّ لَهُ، إِنْ شَاءَ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنْهُنَّ {وَتُئْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51] يَتَزَوَّجُ مِنْهُنَّ مَنْ شَاءَ {وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} [الأحزاب: 51] ، يَعْنِي: نِسَاءَهُ اللَّائِي عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ، يَعْنِي: التِّسْعَ، {وَلا يَحْزَنَّ} [الأحزاب: 51] إِذَا عَرَفْنَ إِلا تَنْكِحَ عَلَيْهِنَّ.
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا {51} لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 51-52] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا.
{وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} [الأحزاب: 52] حُسْنُ نِسَاءِ غَيْرِ أَزْوَاجِهِ وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِمَّا سَمَّى فِي قَوْلِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْكَلْبِيِّ، عَلَى وَجْهِ مَا قَالُوا.
وَفِي قَوْلِ الْحَسَنِ: غَيْرُ نِسَائِهِ خَاصَّةً، هَذَا فِي أَزْوَاجِهِ اللَّائِي عِنْدَهُ خَاصَّةً، لا يَتَزَوَّجُ مَكَانَهُنَّ وَلا يُطَلِّقُهُنَّ.
قَالَ: {إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} [الأحزاب: 52] يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ مَا يَشَاءُ.
{وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52] حَفِيظًا.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ حَفِيظًا لأَعْمَالِكُمْ.(2/732)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب: 53] ، يَعْنِي: فَتَفَرَّقُوا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} [الأحزاب: 53] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: بَعْدَ أَنْ تَأْكُلُوا.
{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]
- حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ أَوْلَمَ عَلَيْهَا مَا لَمْ يُولِمْ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ، قَالَ أَنَسٌ: كُنْتُ أَدْعُو النَّاسَ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ، فَيَأْكُلُونَ حَتَّى يَشْبَعُوا، فَجَاءَ رَجُلانِ، فَقَعَدَا مَعَ زَيْنَبَ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ يَنْتَظِرَانِ، أَظُنُّهُ، يَعْنِي: الطَّعَامَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى حُجْرَةِ
عَائِشَةَ، فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، كَيْفَ وَجَدْتَ أَهْلَكَ؟ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِمْ؟ قَالَ: فَاسْتَقْرَى نِسَاءَهُ كُلَّهُنَّ فَقُلْنَ بِمَقَالَتِهَا، ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَ الرَّجُلَيْنِ فِي الْبَيْتِ، فَاسْتَحْيَى، فَرَجَعَ، وَأَنْزَل اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا، وَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْخَى السِّتْرَ.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ عَلَيْكُمُ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ يَحْتَجِبْنَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب: 53] صَنْعَتَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُتَحَيِّنِينَ حِينَهُ.(2/733)
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53] يُخْبِرُكُمْ أَنَّ هَذَا يُؤْذِي النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53] ، يَعْنِي: مِنَ الرِّيبَةِ وَالدَّنَسِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ.
قَالَ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53] قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: لَوْ قَدْ مَاتَ مُحَمَّدٌ تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
وَقَالَ: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ} [الأحزاب: 54] ، يَعْنِي: مَا قَالُوا: لَوْ قَدْ مَاتَ مُحَمَّدٌ تَزَوَّجْنَا نِسَاءَهُ.
{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 54] ثُمَّ اسْتَثْنَى مَنْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَابِ فَقَالَ: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] الْمُسْلِمَاتِ.
{وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [الأحزاب: 55] وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي ذُكِرَ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي الْحِجَابِ.
- الْمُعَلَّى، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَوْلُهُ: {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَقَالَ: هُوَ الْجِلْبَابُ، رَخَّصَ لَهُنَّ فِي وَضْعِهِ عِنْدَ هَؤُلاءِ.(2/734)
- حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ عِيَاضٍ الْمَدَنِيُّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَالَ: كُنْتُ أُسَايِرُ أُمَّ سَلَمَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إِذْ قَالَتْ لِي: يَا نَبْهَانُ، كَمْ بَقِيَ لِي عَلَيْكَ مِنْ كِتَابَتِكَ؟ قُلْتُ: أَلْفَانِ، قَالَتْ: قَطُّ؟ قُلْتُ: قَطُّ، قَالَتْ: أَهُمَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتِ: ادْفَعْهُمَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنِّي قَدْ أَعَنْتُهُ بِهِمَا فِي نِكَاحِهِ، ثُمَّ أَرْخَتِ الْحِجَابَ دُونِي، فَبَكَيْتُ فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَدْفَعُهُمَا
إِلَيْهِ أَبَدًا، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ وَاللَّهِ لَنْ تَرَانِي أَبَدًا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَيُّمَا مُكَاتَبِ إِحْدَاكُنَّ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَاضْرِبْنَ دُونَهُ الْحِجَابَ.
- بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَافَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مَعَ مُكَاتَبٍ لَهَا فَقَالَتْ: يَا فُلانُ عِنْدَكَ مَا تُؤَدِّي لِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَزِيَادَةٌ، فَاحْتَجَبَتْ مِنْهُ، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ مَعَ الْمُكَاتَبِ مَا يُؤَدِّي فَاحْتَجِبْنَ مِنْهُ» .
قَالَ: {وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} [الأحزاب: 55] شَاهِدًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَشَاهِدًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] ، يَعْنِي: أَنَّ(2/735)
اللَّهَ يَغْفِرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَسْتَغْفِرُ لَهُ الْمَلائِكَةُ، هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] ، يَعْنِي: اسْتَغْفِرُوا لَهُ.
{وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]
- حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ صَاحِبِ الرُّمَّانِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: جَاءَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ لِي: أَلا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً؟ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَفْنَا السَّلامَ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: " قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ،
اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ".
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، وَالنَّضْرُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ قَالَ: دَفَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا أَدْرِي مَتَى رَأَيْتُكَ أَطْيَبَ نَفْسًا، وَلا أَشْرَقَ وَجْهًا، وَلا أَحْسَنَ بِشْرًا مِنْكَ الآنَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَمَا يَمْنَعُنِي يَا أَبَا طَلْحَةَ، وَإِنَّمَا صَدَرَ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِي الآنَ، فَبَشَّرَنِي
بِمَا أُعْطِيَتْ أُمَّتِي، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا أَوْ رَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ الَّذِي صَلَّى بِهِ عَلَيَّ ".
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادٌ الْكَلْبِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلا بِالنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى(2/736)
مُحَمَّدٍ، قَالَ الْمَلَكُ: وَأَنْتَ فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ.
- وَحَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» .
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلالٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَكْثِرُوا الصَّلاةَ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلائِكَةُ، وَإِنَّ أَحَدًا لا يُصَلِّي عَلَيَّ إِلا بَلَغَتْنِي صَلاتُهُ حَيْثُ كَانَ» ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَبْلُغُكَ صَلاتُنَا إِذَا تَضَمَّنَتْكَ الأَرْضُ؟ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى
الأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ» .
- أَشْعَثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ عَلَيَّ فَقَدْ خَطِئَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [الأحزاب: 57] هَؤُلاءِ الْمُنَافِقُونَ كَانُوا يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ وَيَسْتَخِفُّونَ بِحَقِّهِ، وَيَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِ، وَيَكْذِبُونَ عَلَيْهِ وَيَبْهَتُونَهُ.
قَالَ: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [الأحزاب: 58] بِغَيْرِ مَا جَنَوْا، هُمُ الْمُنَافِقُونَ.
{فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا} [الأحزاب: 58] كَذِبًا.
{وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58] بَيِّنًا.
- حَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ(2/737)
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا، فَنَادَى بِصَوْتٍ أَسْمَعَ الْعَوَاتِقَ فِي الْخُدُورِ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُسْلِمْ بِقَلْبِهِ، أَلا لا تُؤْذُوا الْمُؤْمِنِينَ وَلا تَغْتَابُوهُمْ، وَلا تَتَبَعَّوُا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ فَضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» .
وَحَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّهُ مَنِ اسْتَحْمَدَ إِلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا بِشَيْءٍ لَمْ يَسْتَحْمِدْ فِيهِ إِلَى اللَّهِ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَلا إِنَّ فُلانًا اسْتَحْمَدَ إِلَى النَّاسِ فِي الدُّنْيَا بِشَيْءٍ لَمْ يَسْتَحْمِدْ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، وَمَنْ ذَمَّهُ النَّاسُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُسْتَذَمَّ فِيهِ إِلَى اللَّهِ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَلا إِنَّ فُلانًا ذَمَّهُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا بِشَيْءٍ لَمْ يُسْتَذَمَّ فِيهِ إِلَى اللَّهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59] وَالْجِلْبَابُ الرِّدَاءُ تُقَنَّعُ بِهِ، وَتُغَطِّي بِهِ شِقَّ وَجْهِهَا الأَيْمَنَ، تُغَطِّي عَيْنَهَا الْيُمْنَى وَأَنْفَهَا.
{ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} [الأحزاب: 59] أَنَّهُنَّ حَرَائِرُ، مُسْلِمَاتٌ عَفَائِفُ.
{فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] ، أَيْ: فَلا يُعْرَضُ لَهُنَّ بِالأَذَى، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ لِلنِّسَاءِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانُوا يَلْتَمِسُونَ الإِمَاءَ، وَلَمْ تَكُنْ تُعْرَفُ الْحُرَّةُ مِنَ الأَمَةِ بِاللَّيْلِ فَلَقِيَ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَذًى شَدِيدًا، فَذَكَرْنَ ذَلِكَ لأَزْوَاجِهِنَّ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.(2/738)
وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ أَكْثَرَ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُودَ يَوْمَئِذٍ الْمُنَافِقُونَ.
- وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى أَمَةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ فَعَلاهَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: اكْشِفِي رَأْسَكِ وَلا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ.
- وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَنَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنَّ جَوَارِي عُمَرَ يَخْدِمْنَنَا كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ بَادِيَةً أَخْدَامهُنَّ.
قَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 50] ثُمَّ قَالَ: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب: 60] ، يَعْنِي: الزُّنَاةُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: فُجُورٌ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ هَذِهِ وَالأُولَى.
قَالَ: {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} [الأحزاب: 60] ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ يَرْجُفُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَقُولُونَ: يَهْلِكُ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ أَذَى نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: عَمَّا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ حَتَّى يُظْهِرُوهُ شِرْكًا.
{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} [الأحزاب: 60] لَنُسَلِّطَنَّكَ عَلَيْهِمْ.
{ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} [الأحزاب: 60] فِي الْمَدِينَةِ.
{إِلا قَلِيلا {60} مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا {61} سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ} [الأحزاب: 60-62] ، أَيْ: مَنْ أَظْهَرَ الشِّرْكَ قُتِلَ، وَهَذَا إِذَا أُمِرَ النَّبِيُّونَ بِالْجِهَادِ.(2/739)
قَالَ: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الأحزاب: 62] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَن السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا} [الأحزاب: 63] عِلْمُ مَجِيئِهَا.
{عِنْدَ اللَّهِ} لا يَعْلَمُ مَتَى مَجِيئُهَا إِلا اللَّهُ.
{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63] ، أَيْ: أَنَّهَا قَرِيبٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا {64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الأحزاب: 64-65] لا يَمُوتُونَ وَلا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
وَ {لا يَجِدُونَ وَلِيًّا} [الأحزاب: 65] يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
{وَلا نَصِيرًا} [الأحزاب: 17] يَنْصُرُهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [الأحزاب: 66] يُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ تَجُرُّهُمُ الْمَلائِكَةُ.
{يَقُولُونَ} فِي النَّارِ.
{يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب: 66] وَإِنَّمَا صَارَتِ: الرَّسُولا، وَالسَّبِيلا لأَنَّهَا مُخَاطَبَةٌ وَهَذَا جَائِزٌ فِي كَلامِ الْعَرَبِ إِذَا كَانَتْ مُخَاطَبَةً.
{وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا} [الأحزاب: 67] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ سَادَاتِنَا وَالسَّادَةُ جَمَاعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَالسَّادَاتُ جَمَاعَةُ الْجَمَاعَةِ.
{وَكُبَرَاءَنَا} [الأحزاب: 67] فِي الضَّلالَةِ.
{فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا {67} رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا {68} } [الأحزاب: 67-68] وَقَدْ تُقْرَأُ: كَثِيرًا، وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ يُذْكَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ كَلامِ أَهْلِ(2/740)
النَّارِ فَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ لَهُمُ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] وَقَدْ فَسَّرْنَا مَتَى يَقُولُ ذَلِكَ لَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69]
- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ مُوسَى أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ، فَدَخَلَ الْمَاءَ يَوْمًا وَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَقُولُ: إِنَّ مُوسَى آدَرُ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ يَتَنَاوَلَ ثَوْبَهُ تَدَهْدَهَتِ الصَّخْرَةُ، فَتَبِعَهَا وَهُوَ يَقُولُ: ثُوبِي، ثُوبِي، فَمَرَّ بِمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ {فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب: 69] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [الأحزاب: 70] ، يَعْنِي: وَحِّدُوا اللَّهَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] عدلا، وَهُوَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: 71] لا يَقْبَلُ الْعَمَلُ إِلا مِمَّنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا مِنْ قَلْبِهِ.
خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ عَمَلَ عَبْدٍ حَتَّى يَرْضَى قَوْلَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71] وَهِيَ النَّجَاةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأحزاب: 72](2/741)
حَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، قَالَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ، وَحَدَّثَنِي بِهِ إِسْرَائِيلُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: عَرَضَ عَلَيْهِنَّ الثَّوَابَ، وَالْعِقَابَ، وَالطَّاعَةَ، وَالْمَعْصِيَةَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: عَرَضَ الْعِبَادَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ، وَالأَرْضِ، وَالْجِبَالِ أَيَأْخُذْنَهَا بِمَا فِيهَا؟ قُلْنَ: وَمَا فِيهَا؟ قِيلَ: إِنْ أَحْسَنْتُنَّ جُوزِيتُنَّ، وَإِنْ أَسَأْتُنَّ عُوقِبْتُنَّ.
{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا} [الأحزاب: 72] وَعَرَضَها عَلَى الإِنْسَانِ، وَالإِنْسَانُ آدَمُ فَقَبِلَهَا.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: الأَمَانَةُ الَّتِي حَمَلَهَا الإِنْسَانُ: الصَّلاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ وَالْمُبَارَكُ وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: ثَلاثٌ مَنْ حَفِظَهُنَّ فَهُوَ عَبْدِي حَقًّا، وَمَنْ ضَيَّعَهُنَّ فَهُو عَدُوِّي حَقًّا، ائْتَمَنَ اللَّهُ ابْنَ آدَمَ عَلَى ثَلاثٍ عَلَى الصَّلاةِ، وَلَوْ شَاءَ قَالَ قَدْ صَلَّيْتُ، وَعَلَى الصَّوْمِ وَلَوْ شَاءَ قَالَ قَدْ صُمْتُ، وَعَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَلَوْ شَاءَ قَالَ قَدِ اغْتَسَلْتُ "، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}
[الطارق: 9] .
قَالَ: {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا} [الأحزاب: 72] لِنَفْسِهِ.
{جَهُولا} [الأحزاب: 72] بِرَبِّهِ وَهَذَا الْمُشْرِكُ.(2/742)
قَالَ: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الأحزاب: 73]
حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأحزاب: 72] إِلَى قَوْلِهِ: {وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا} [الأحزاب: 72] .
{لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الأحزاب: 73] فَقَالَ: هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَاهَا، هُمَا اللَّذَانِ خَانَاهَا، الْمُنَافِقُ وَالْمُشْرِكُ، قَالَ: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا} [الأحزاب: 73] لِمَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ.
{رَحِيمًا} لِلْمُؤْمِنِينَ، فَبِرَحْمَتِهِ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ.(2/743)
سُورَةُ سَبَإٍ
تَفْسِيرُ سُورَةِ سَبَإٍ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} حَمِدَ نَفْسَهُ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ.
{الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ} [سبأ: 1] فِي أَمْرِهِ، أَحْكَمَ كُلَّ شَيْءٍ.
{الْخَبِيرُ} بِخَلْقِهِ.
{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} [سبأ: 2] مِنَ الْمَطَرِ.
{وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [سبأ: 2] مِنَ النَّبَاتِ.
{وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} [سبأ: 2] مِنَ الْمَطَرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
{وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ: 2] ، أَيْ: وَمَا يَصْعَدُ، مَا تَصْعَدُ بِهِ الْمَلائِكَةُ.
{وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ: 2] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ} [سبأ: 3] الْقِيَامَةُ.
{قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: 3] مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ: {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [سبأ: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ: 2] ...
{عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: 3] وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْجَرِّ: {عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: 3] يَقُولُ: {بَلَى وَرَبِّي}(2/744)
[سبأ: 3] ...
{عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: 3] وَفِيهَا تَقْدِيمٌ.
وَالْغَيْبُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، مَا لَمْ يَكُنْ.
قَالَ: {لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: 3] السَّاعَةُ.
{لا يَعْزُبُ عَنْهُ} [سبأ: 3] لا يَغِيبُ عَنْهُ.
{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وَزْنَ ذَرَّةٍ، لا يَغِيبُ عَنْهُ عِلْمُ ذَلِكَ، أَيْ: لِيَعْلَمَ ابْنُ آدَمَ أَنَّ عَمَلَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لا يَغِيبُ عَنِ اللَّهِ مِنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ.
{وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ} [سبأ: 3] قَالَ: {إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [سبأ: 3] وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ، فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ.
قَالَ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [سبأ: 4] يَجْزِيهِمُ الْجَنَّةَ.
{أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [سبأ: 4] لِذُنُوبِهِمْ.
{وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سبأ: 4] الْجَنَّةُ.
قَالَ: {وَالَّذِينَ سَعَوْا} [سبأ: 5] عَمِلُوا.
{فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} [سبأ: 38] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ سَبَقُونَا حَتَّى لا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنَبْعَثَهُمْ وَنُعَذِّبَهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} [العنكبوت: 39] .
تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {مُعَاجِزِينَ} [سبأ: 5] يُثَبِّطُونَ النَّاسَ عَنِ الإِيمَانِ بِآيَاتِنَا وَلا يُؤْمِنُونَ بِهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {سَعَوْا} عَمِلُوا {فِي آيَاتِنَا} فِي الْقُرْآنِ {مُعَاجِزِينَ} مُبْطِئِينَ، يَعْنِي: يُثَبِّطُونَ النَّاسَ، عَنِ الإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ.(2/745)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ} [سبأ: 5] وَالرِّجْزُ، الْعَذَابُ.
{أَلِيمٌ} مُوجِعٌ، لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ عَذَابٍ مُوجِعٍ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [سبأ: 6] ، يَعْنِي: وَيَعْلَمُ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ.
{الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [سبأ: 6] الْقُرْآنُ.
{هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6] يَعْلَمُونَ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ.
{وَيَهْدِي} [سبأ: 6] وَيَعْلَمُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ يَهْدِي.
{إِلَى صِرَاطِ} [سبأ: 6] إِلَى طَرِيقِ.
{الْعَزِيزِ} الَّذِي ذَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ.
{الْحَمِيدِ} الْمُسْتَحْمِدِ إِلَى خَلْقِهِ، الَّذِي اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهُ، وَالطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} قَالَهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{هَلْ نَدُلُّكُمْ} أَلا نَدُلُّكُمْ.
{عَلَى رَجُلٍ} يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{يُنَبِّئُكُمْ} [سبأ: 7] يُخْبِرُكُمْ.
{إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [سبأ: 7] إِذَا مِتُّمْ وَتَفَرَّقَتْ عِظَامُكُمْ وَكَانَتْ رُفَاتًا إِنَّكُمْ لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا، إِنْكَارٌ لِلْبَعْثِ.
{أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] ، أَيْ: جُنُونٌ.(2/746)
قَالَ: {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ} [سبأ: 8] فِي الآخِرَةِ.
{وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} [سبأ: 8] فِي الدُّنْيَا {الْبَعِيدِ} [سبأ: 8] الَّذِي لا يُصِيبُونَ بِهِ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا وَلا الآخِرَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْبَعِيدُ مِنَ الْهُدَى.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} [سبأ: 8] ، يَعْنِي: الشَّقَاءَ الطَّوِيلَ.
قَالَ: {أَفَلَمْ يَرَوْا} [سبأ: 9] يَنْظُرُوا.
{إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [سبأ: 9] ، يَعْنِي: {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [سبأ: 9] أَمَامَهُمْ، {وَمَا خَلْفَهُمْ} [سبأ: 9] وَرَاءَهُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: حَيْثُمَا قَامَ الإِنْسَانُ فَإِنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ مِثْلَ مَا خَلْفَهُ مِنْهَا.
قَالَ: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [سبأ: 9] وَالْكِسْفُ الْقِطْعَةُ، وَالْكِسْفُ مُذَكَّرٌ، وَالْقِطْعَةُ مُؤَنَّثَةٌ، وَالْمَعْنَى عَلَى الْقِطْعَةِ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} لَعِبْرَةً.
{لِكُلِّ عَبْد مُنِيبٍ} [سبأ: 9] وَهُوَ الْمُقْبِلُ إِلَى اللَّهِ بِالإِخْلاصِ لَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد مِنَّا فَضْلا} [سبأ: 10] النُّبُوَّةَ.
{يَا جِبَالُ} [سبأ: 10] قُلْنَا يَا جِبَالُ.
{أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: سَبِّحِي مَعَهُ.
{وَالطَّيْرَ} [سبأ: 10] وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} [الأنبياء: 79] .
قَالَ: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10] أَلانَهُ اللَّهُ لَهُ فَكَانَ يَعْمَلُهُ بِلا نَارٍ وَلا مِطْرَقَةٍ، بِأَصَابِعِهِ الثَّلاثِ كَهَيْئَةِ الطِّينِ بِيَدِهِ.(2/747)
قَالَ: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ: 11] وَهِيَ الدُّرُوعُ.
{وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ: 11] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: لا تُصَغِّرِ الْمِسْمَارَ، وَتُعَظِّمِ الْحَلَقَةَ فَيَسْلُسُ , وَلا تُعَظِّمْهُ وَتُصَغِّرِ الْحَلَقَةَ، فَتَنْقَسِمَ الْحَلَقَةُ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنَا أَنَّ لُقْمَانَ حَضَرَ دَاوُدَ عِنْدَ أَوَّلِ دِرْعٍ عَمِلَهَا، فَجَعَلَ يَتَفَكَّرُ فِيمَا يُرِيدُ بِهَا، وَلا يَدْرِي مَا يُرِيدُ بِهَا، فَلَمْ يَسْأَلْهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهَا دَاوُدُ قَامَ فَلَبِسَهَا فَقَالَ لُقْمَانُ: الصَّمْتُ حِكْمَةٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ.
قَالَ: {وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {11} وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} [سبأ: 11-12] ، أَيْ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ.
{غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ: 12] أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَتْ تَحْمِلُ سُلَيْمَانَ الرِّيحُ مِنْ إِصْطَخَرَ إِلَى كَابُلَ، وَمِنَ الشَّامِ إِلَى إِصْطَخَرَ.
وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ يَغْدُو مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقِيلُ إِصْطَخَرَ، فَيَرُوحُ مِنْهَا فَتَكُونُ رَوْحَتُهُ إِلَى كَابُلَ.
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ سُلَيْمَانُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ جَاءَتِ الرِّيحُ فَوَضَعَ سَرِيرَ مَمْلَكَتِهِ عَلَيْهَا، وَوُضِعَتِ الْكَرَاسِيُّ وَالْمَجَالِسُ عَلَى الرِّيحِ، وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَجَلَسَ وُجُوهُ أَصْحَابِهِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الدِّينِ عِنْدَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَالْجِنُّ يَوْمَئِذٍ ظَاهِرَةٌ لِلإِنْسِ، رِجَالٌ أَمْثَالُ الإِنْسِ إِلا إِنَّهُمْ أُدْمٌ، يَحُجُّونَ جَمِيعًا وَيُصَلُّونَ جَمِيعًا، وَيَعْتَمِرُونَ جَمِيعًا، وَالطَّيْرُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ وَرُءُوسِهِمْ،
وَالشَّيَاطِينُ حَرَسُهُ لا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:(2/748)
{وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] فَهُمْ يُدْفَعُونَ أَلا يَتَقَدَّمَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَزَعَةٌ يَرِدُ أُولاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
{وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ} [سبأ: 12] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الصُّفْرُ سَالَتْ لَهُ مِثْلَ الْمَاءِ.
قَالَ: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ: 12] لَهُ تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ.
{بِإِذْنِ رَبِّهِ} [سبأ: 12] بِالسُّخْرَةِ الَّتِي سَخَّرَهَا اللَّهُ لَهُ.
قَالَ: {وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَن أَمْرِنَا} [سبأ: 12] عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ عِبَادَتِهِ.
{نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12] فِي الآخِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَتَسَخَّرُ مِنْهُمْ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ، وَلا يُصَفَّدُ فِي الأَصْفَادِ، أَيْ: وَلا يُسَلْسَلُ فِي السَّلاسِلِ مِنْهُمْ إِلا الْكَافِرُ فَإِذَا تَابُوا فَآمَنُوا حَلَّهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَصْفَادِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12] جُعِلَ مَعَهُ مَلَكٌ بِيَدِهِ سَوْطٌ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، فَإِذَا خَالَفَ سُلَيْمَانَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ضَرَبَهُ الْمَلَكُ بِذَلِكَ السَّوْطِ.
قَالَ: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ} [سبأ: 13] وَالْمَحَارِيبُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: الْمَسَاجِدُ، وَفِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ: دُونَ الْقُصُورِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: الْمَسَاجِدُ وَالْقُصُورُ.
{وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] الصُّوَرَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، قَالَ: وَلَمْ تَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُحَرَّمَةً، وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَنَّهَا تَمَاثِيلُ مِنْ نُحَاسٍ.
قَالَ: {وَجِفَانٍ} [سبأ: 13] وَصِحَافٍ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
{كَالْجَوَابِ} [سبأ: 13](2/749)
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَالْحِيَاضِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
قَالَ: {وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] عِظَامٍ، تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13] ، يَعْنِي: ثَابِتَاتٍ فِي الأَرْضِ، عِظَامٍ تَنْقُرُ مِنَ الْجِبَالِ بِأَثَافِيِّهَا لا تُحَوَّلُ عَنْ أَمَاكِنِهَا.
حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ: أَمَرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالُوا لَهُ: زَوْبَعَةُ الشَّيْطَانُ لَهُ عَيْنٌ فِي جَزِيرَةٍ مِنَ الْبَحْرِ يَرِدُهَا كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا، فَأَتَوْهَا فَنَزَحُوهَا ثُمَّ صَبُّوا فِيهَا خَمْرًا، فَجَاءَ لِوِرْدِهِ، فَلَمَّا أَبْصَرَ الْخَمْرَ قَالَ فِي كَلامٍ لَهُ: مَا عَلِمْتُ أَنَّكِ إِذَا شَرِبَكِ صَاحِبُكِ لَمَمًا تُظْهَرِينَ عَلَيْهِ عَدُوَّهُ، فِي أَسَاجِيعَ لَهُ، لا أَذُوقُكِ الْيَوْمَ، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ لِظَمَإٍ آخَرَ، فَلَمَّا
رَآهَا قَالَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يَشْرَبْ، حَتَّى جَاءَ لِظَمَئِهِ لإِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، فَقَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّكِ لِتُذْهِبِينَ الْهَمَّ فِي سَجْعٍ لَهُ، فَشَرِبَ مِنْهَا، فَسَكِرَ فَجَاءُوا إِلَيْهِ فَأَرَوْهُ خَاتَمَ السُّخْرَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ إِلَى سُلَيْمَانَ،(2/750)
فَأَمَرَهُمْ بِالْبِنَاءِ، فَقَالَ زَوْبَعَةُ: دُلُّونِي عَلَى بَيْضِ الْهُدْهُدِ، فَدُلَّ عَلَى عُشِّهِ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ جُمْجُمَةً، يَعْنِي: زُجَاجَةً فَجَاءَ الْهُدْهُدُ فَجَعَلَ لا يَصِلُ إِلَيْهِ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ
بِالْمَاسِ الَّذِي يُثْقَبُ بِهِ الْيَاقُوتُ، فَوَضَعَهُ عَلَيْهَا فَقَطَّ الزُّجَاجَةَ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ، فَأَزْعَجُوهُ فَجَاءَ بِالْمَاسِ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَجَعَلُوا يَسْتَعْرِضُونَ الْجِبَالَ كَأَنَّمَا يَخُطُّونَ، أَيْ: فِي نَوَاحِيهَا، فِي نَوَاحِي الْجَبَلِ فِي طِينٍ.
قَالَ: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُد شُكْرًا} [سبأ: 13] قَالَ بَعْضُهُمْ: تَوْحِيدًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا نَزَلَتْ لَمْ يَزَلْ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ قَائِمًا يُصَلِّي.
قَالَ: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] ، أَيْ: أَقَلُّ النَّاسِ الْمُؤْمِنُ.
قَالَ: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} [سبأ: 14] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: فَلَمَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ.
قَالَ: {مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ} [سبأ: 14] وَهِيَ الأَرَضَةُ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
{تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} [سبأ: 14] وَالْمِنْسَأَةُ الْعَصَا، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
ذَكَرَهُ عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، وَالْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، وَهِيَ بِالْحَبَشَةِ.
مَكَثَ حَوْلا وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى عَصَاهُ، لا يَرَى الْجِنُّ وَالإِنْسُ إِلا أَنَّهُ حَيٌّ عَلَى حَالِهِ الأَوَّلِ، لِتَعْظُمَ الآيَةُ بِمَنْزِلَةِ مَا أَذْهَبَ اللَّهُ مِنْ عَمَلِهِمْ تِلْكَ الأَرْبَعِينَ اللَّيْلَةَ الَّتِي غَابَ عَنْهَا سُلَيْمَانُ عَنْ مُلْكِهِ حَيْثُ خَلَفَهُ ذَلِكَ الشَّيْطَانُ فِي مُلْكِهِ، وَكَانَ مَوْتُهُ فَجْأَةً وَهُوَ مُتَوَكِّئٌ عَلَى عَصَاهُ حَوْلا لا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَاتَ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَانَتْ(2/751)
تَزْعُمُ لِلإِنْسِ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، فَكَانُوا يَعْمَلُونَ لَهُ حَوْلا لا
يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَاتَ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا خَرَّ} [سبأ: 14] سَقَطَ لَمَّا أَكَلَتِ الأَرَضَةُ الْعَصَا خَرَّ سُلَيْمَانُ فَقَالَ: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ} [سبأ: 14] لِلإِنْسِ.
{أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14] فِي تِلْكَ السُّخْرَةِ، فِي تِلْكَ الأَعْمَالِ فِي السَّلاسِلِ تُبَيِّنُ لِلإِنْسِ أَنَّ الْجِنَّ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ} [سبأ: 15] كَانُوا بِالْيَمَنِ، وَهِيَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ أَرْضٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَقَدْ تَبَيَّنَ لأَهْلِ سَبَإٍ كَقَوْلِهِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] ، أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ.
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَعْلَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَإٍ أَرْضٌ، أَمِ امْرَأَةٌ، أَمْ رَجُلٌ؟ فَقَالَ: " بَلْ هُوَ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً، فَبِالْيَمَنِ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَبِالشَّامِ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ: فَمَذْحِجٌ، وَحِمْيَرُ، وَكِنْدَةُ، وَأَنْمَارٌ، وَالأَزْدُ وَالأَشْعَرِيُّونَ، وَأَمَّا الشَّامِيُّونَ: فَلَخْمٌ، وَجُذَامٌ، وَعَامِلَةُ، وَغَسَّانُ ".
قَالَ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} [سبأ: 15] ثُمَّ أَخْبَرَ بِتِلْكَ الآيَةِ فَقَالَ: {جَنَّتَانِ} [سبأ: 15] وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فِيهَا تَقْدِيمٌ: لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسَاكِنِهِمْ جَنَّتَانِ فَوَصَفَهُمَا ثُمَّ قَالَ: {آيَةٌ} .(2/752)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} [سبأ: 15] جَنَّةٌ عَنْ يَمِينٍ وَجَنَّةٌ عَنْ شِمَالٍ.
{كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ} [سبأ: 15] ، أَيْ: هَذِهِ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ.
{وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15] لِمَنْ آمَنَ.
{فَأَعْرَضُوا} [سبأ: 16] عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ: 16]
حَدَّثَنِي شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ قَالَ: وَالْعَرِمُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ: الْمُسَنَّاةُ.
قَالَ يَحْيَى: هَذَا الَّذِي يُسَمُّونَهُ الْجِسْرَ يُحْبَسُ بِهِ الْمَاءُ، وَكَانَ سَدًّا قَدْ جُعِلَ فِي مَوْضِعِ الْوَادِي تَجْتَمِعُ فِيهِ الْمِيَاهُ.
وَذَكَرُوا أَنَّهُ إِنَّمَا نَقَبَهُ دَابَّةٌ يُقَالُ لَهُ الْخَلْدُ، لَيْسَ لَهُ عَيْنَانِ، لَهُ نَابَانِ يَحْفُرُ بِهِمَا الأَرْضَ.
وَفِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ أَنَّ ذَلِكَ السَّيْلَ الَّذِي أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَرِمِ كَانَ مَاءً أَحْمَرَ أَتَى اللَّهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ هُوَ شَقَّ السَّدَّ وَهَدَمَهُ، وَحَفَرَ بَطْنَ الْوَادِي عَنِ الْجَنَّتَيْنِ، فَارْتَفَعَتَا وَغَارَ عَنْهُمَا الْمَاءُ فَيَبِسَتَا.
وَفِي تَفْسِيرِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُمْ وَادٍ(2/753)
يَمْتَلِئُ كُلَّ عَامٍ لِسَقْيِ جَنَّاتِهِمْ فَلَمَّا أَعْرَضُوا أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْجُرَذُ، فَحَفَرَ السَّدَّ فَسَالَ الْمَاءُ، فَغَرَقَتْ جَنَّاتُهُمْ وَأَرَاضِيهِمْ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ} [سبأ: 16] وَالأَكْلُ الثَّمَرَةُ.
{ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} [سبأ: 16] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وَالَخَمْطُ هُوَ الأَرَاكُ، وَأُكُلُهُ الْبَرِيرُ.
قَالَ: {وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ {16} } [سبأ: 16] قَالَ: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي} [سبأ: 17] ، أَيْ: يُعَاقَبُ.
{إِلا الْكَفُورَ} [سبأ: 17] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ لَمَّا أَعْرَضُوا عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، ابْتَلاهُمُ اللَّهُ فَغَيَّرَ مَا بِهِمْ ثُمَّ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى} [سبأ: 18] رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ حُسْنِ عَيْشِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُهْلِكَهُمْ، فَقَالَ: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ} [سبأ: 18] ، أَيْ: وَكُنَّا {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [سبأ: 18] ، يَعْنِي: أَرْضَ الشَّامِ.
{قُرًى ظَاهِرَةً} [سبأ: 18] ، أَيْ: مُتَّصِلَةً يَنْظُرُ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ.
{وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} [سبأ: 18] يُصْبِحُونَ فِي مَنْزِلٍ وَقَرْيَةٍ وَمَاءٍ، وَيُمْسُونَ فِي(2/754)
مَنْزِلٍ وَقَرْيَةٍ وَمَاءٍ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} [سبأ: 18] الْمَقِيلَ وَالْمَبِيتَ {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنْينَ} [سبأ: 18] وَكَانُوا يَسِيرُونَ مَسِيرَةَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فِي أَمَانٍ لا يُحَرِّكُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَوْ لَقِيَ الرَّجُلُ قَاتِلَ أَبِيهِ لَمْ يُحَرِّكْهُ.
أَبُو سَهْلٍ، عَنْ أَبِي هِلالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَمْشِي وَمِكْتَلُهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَهِيَ تَغْزِلُ بِيَدَيْهَا، وَإِنَّ مِكْتَلَهَا لَيَمْتَلِئُ مِنَ الثِّمَارِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَجْنِيَهُ قَالَ: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ: 19] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: إِنَّهُمْ مَلُّوا النِّعْمَةَ كَمَا مَلَّتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: إِنَّهُمْ قَالُوا لِرُسُلِهِمْ حِينَ ابْتُلُوا حِينَ كَذَّبُوهُمْ: قَدْ كُنَّا نَأْتِي عَلَيْكُمْ وَأَرْضُنَا عَامِرَةٌ، خَيْرُ أَرْضٍ، فَكَيْفَ الْيَوْمَ وَأَرْضُنَا خَرَابٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: رَبُّنَا بَاعَدَ، وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: بَعَّدَ وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: بَعُدَ قَالَ اللَّهُ: {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [سبأ: 19] بِشِرْكِهِمْ.
{فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [سبأ: 19] لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
{وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ: 19] بَدَّدْنَا عِظَامَهُمْ وَأَوْصَالَهُمْ فَأَكَلَهُمُ التُّرَابُ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ} ، أَيْ: فِي إِهْلاكِ الْقَرْيَةِ، وَمَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا.(2/755)
{لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ} [سبأ: 19] عَلَى أَمْرِ اللَّهِ.
{شَكُورٍ} لِنِعْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ: 20] ، يَعْنِي: جَمِيعَ الْمُشْرِكِينَ.
{فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: 20] وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُطِيفُ بِجَسَدِ آدَمَ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ لا يَتَمَالَكُ، ثُمَّ وَسْوَسَ بَعْدُ إِلَى آدَمَ، فَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ فِي نَفْسِهِ: إِنَّ نَسْلَ هَذَا سَيَكُونُ مِثْلَهُ فِي الضَّعْفِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 62] وَقَالَ: {فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 82] قَالَ: {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17] وَأَشْبَاهَ
ذَلِكَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: خُلِقْتُ مِنْ نَارٍ، وَخُلِقَ آدَمُ مِنْ طِينٍ، وَالنَّارُ تَأْكُلُ الطِّينَ، فَلِذَلِكَ ظَنَّ أَنَّهُ سَيُضِلُّ عَامَّتَهُمْ.
وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسَ ظَنُّهُ، أَيْ: وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ ظَنُّ إِبْلِيسَ فِيهَا تَقْدِيمٌ، ثُمَّ قَالَ: ظَنَّ ظَنَّهُ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بِعِلْمٍ، يَقُولُ: فَصَدَقَ ظَنُّهُ فِيهِمْ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ: وَلَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسَ ظنُّهُ.
وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقْرَأُهَا: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ: 20] يَقُولُ: صَدَّقَ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فِيهِمْ حَيْثُ جَاءَ أَمْرُهُمْ عَلَى مَا ظَنَّ.(2/756)
قَالَ: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [سبأ: 21] كَقَوْلِهِ: {فَإِنَّكُمْ} [الصافات: 161] ، أي: يَا بني إبليس {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ {161} مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ {162} } [الصافات: 161-162] لَسْتُمْ بِمُضِلِّي أَحَدٍ {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] .
قَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ.
قَالَ: {إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ} [سبأ: 21] وَهَذَا عِلْمُ الْفِعَالِ.
{مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا} [سبأ: 21] مِنَ الآخِرَةِ.
{فِي شَكٍّ} [سبأ: 21] وَإِنَّمَا جَحَدَ الْمُشْرِكُونَ الآخِرَةَ ظَنًّا مِنْهُمْ، وَذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى الشَّكِّ.
قَالَ: {وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [سبأ: 21] حَتَّى يُجَازِيَهُمْ فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [سبأ: 22] يَعْنِي أَوْثَانَهُمْ، زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ آلِهَةٌ.
{لا يَمْلِكُونَ} [سبأ: 22] لا تَمْلِكُ تِلْكَ الآلِهَةُ.
{مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [سبأ: 22] وَزْنَ ذَرَّةٍ.
{فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا} [سبأ: 22] فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ.
{مِنْ شِرْكٍ} [سبأ: 22] مَا خَلَقُوا شَيْئًا مِمَّا فِيهِمَا، وَمَا خَلَقَهُمَا وَمَا فِيهِمَا إِلا اللَّهُ.
{وَمَا لَهُ مِنْهُمْ} [سبأ: 22] ، أَيْ: وَمَا لِلَّهِ مِنْهُمْ مِنْ أَوْثَانِهِمْ.
{مِنْ ظَهِيرٍ} [سبأ: 22] مِنْ عَوِينٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ} [سبأ: 23] عِنْدَ اللَّهِ.
{إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23] لا يَشْفَعُ الشَّافِعُونَ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، تَشْفَعُ(2/757)
الْمَلائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالْمُؤْمِنُونَ، لَيْسَ، يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَشْفَعُونَ لِلْمُشْرِكِينَ، فَلا يُشَفَّعُونَ.
وَحَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَهْلُ الْكَبَائِرِ لا شَفَاعَةَ لَهُمْ، قَالَ: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] .
وَقَالَ: {وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] وَقُلُوبُهُمْ مُخْلِصَةٌ بِشَهَادَةِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ، وَقَالَ: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] ، أَيْ: أَنَّ الشَّافِعِينَ لا يَشْفَعُونَ لَهُمْ، إِنَّمَا يَشْفَعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ} [سبأ: 23] لا أَعْلَى مِنْهُ.
{الْكَبِيرُ} لا أَكْبَرَ مِنْهُ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] إِنَّ أَهْلَ السَّمَوَاتِ لَمْ يَسْمَعُوا الْوَحْيَ فِيمَا بَيْنَ عِيسَى إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ جِبْرِيلَ بِالْوَحْيِ إِلَى مُحَمَّدٍ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ صَوْتَ الْوَحْيِ مِثْلَ جَرِّ السَّلاسِلِ عَلَى الصُّخُورِ أَوِ الصَّفَا، فَصَعِقَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ
مَخَافَةَ أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْوَحْيِ، وَانْحَدَرَ جِبْرِيلُ جَعَلَ كُلَّمَا مَرَّ بِأَهْلِ سَمَاءٍ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، فَسَأَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَسَأَلَ أَهْلُ كُلِّ سَمَاءٍ الَّذِي فَوْقَهُمْ إِذَا جُلِّيَ عَنْ قُلُوبِهِمْ: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23] فَيَقُولُونَ: {الْحَقَّ} ، أَيْ: هُوَ الْحَقُّ {وَهُوَ الْعَلِيُّ} [سبأ: 23] ، أَيْ: لا أَعْلَى مِنْهُ {الْكَبِيرُ} [سبأ: 23] لا أَكْبَرَ مِنْهُ.(2/758)
حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا حَتَّى إِذَا فُزِعَ عَن قُلُوبِهِمْ.
حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِثْلَهُ.
مُحَمَّدُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ قَالَ: يَسْمَعُونَ مِثْلَ جَرِّ السَّلاسِلِ عَلَى الصُّخُورِ أَوِ الصَّفَا.
وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي الضَّيْفِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ أَقْرَبَ الْمَلائِكَةِ إِلَى اللَّهِ إِسْرَافِيلُ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَنْ يُوحِيَهُ جَاءَ اللَّوْحُ حَتَّى يُصَفِّقَ جَبْهَتَهُ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَنْظُرُ فَإِذَا الأَمْرُ مَكْتُوبٌ، فَيُنَادِي جِبْرِيلَ فَيُلَبِّيهِ فَيَقُولُ: أُمِرْتَ بِكَذَا، أُمِرْتَ بِكَذَا، فَلا يَهْبِطُ جِبْرِيلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ إلا فَزِعَ أَهْلُهَا مَخَافَةَ السَّاعَةِ حَتَّى يَقُولَ جِبْرِيلُ: الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ، فَيَهْبِطُ
عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَيُوحِي إِلَيْهِ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، وَيَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا: حَتَّى إِذَا فُزِعَ عَن قُلُوبِهِمْ إِذَا تَجَلَّى عَنْ قُلُوبِهِمْ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ(2/759)
عَنْ قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23] كُشِفَ عَنْهُمُ الْغِطَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} [سبأ: 23] قَالَ: حَتَّى إِذَا رَأَوُا الْحَقَّ لَمْ يَنْفَعْهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [سبأ: 24] يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ.
ثُمَّ قَالَ: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ} [سبأ: 24] ، أَيْ: أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ نَحْنُ وَأَنْتُمْ {لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ {لَعَلَى هُدًى} [سبأ: 24] أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ، أَيْ: فَنَحْنُ عَلَى الْهُدَى، وَأَنْتُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: إِنَّ أَحَدَنَا لَصَادِقٌ، يَعْنِي: نَفْسَهُ، وَكَقَوْلِهِ: إِنَّ أَحَدَنَا لَكَاذِبٌ، يَعْنِي: صَاحِبَهُ، وَكَانَ هَذَا بِمَكَّةَ وَأَمْرُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ ضَعِيفٌ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25] كَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود: 35] .
وَكَقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: 41] {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} [سبأ: 26] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} [سبأ: 26] ، يَعْنِي: ثُمَّ يَقْضِي بَيْنَنَا رَبُّنَا الْحَقَّ.
{وَهُوَ الْفَتَّاحُ} [سبأ: 26] ، يَعْنِي: الْقَاضِي.
{الْعَلِيمُ} وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ} [سبأ: 27] جَعَلْتُمُوهُمْ شُرَكَاءَهُ فَعَبَدْتُمُوهُمْ، يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ مَا نَفَعُوكُمْ وَأَجَابُوكُمْ بِهِ.(2/760)
كَلا لَسْتُمْ بِالَّذِينَ تَأْتُونَ بِمَا نَفَعُوكُمْ وَأَجَابُوكُمْ بِهِ إِذْ كُنْتُمْ تَدْعُونَهُمْ، أَيْ: لَمْ يَنْفَعُوكُمْ وَلَمْ يُجِيبُوكُمْ وَلا يَنْفَعُونَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلامَ فَقَالَ: {بَلْ هُوَ اللَّهُ} [سبأ: 27] الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ وَلا يَنْفَعُ إِلا هُوَ.
{الْعَزِيزُ} الَّذِي ذَلَّتْ لَهُ الْخَلائِقُ.
{الْحَكِيمُ} الَّذِي أَحْكَمَ كُلَّ شَيْءٍ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ {الْحَكِيمُ} فِي أَمْرِهِ , وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] إِلَى جَمَاعَةِ الْخَلْقِ، الْجِنِّ وَالإِنْسِ {بَشِيرًا} [سبأ: 28] بِالْجَنَّةِ.
{وَنَذِيرًا} مِنَ النَّارِ.
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ وَمُجَازَوْنَ.
قَالَ: {وَيَقُولُونَ} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سبأ: 29] قَالَ اللَّهُ: {قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ: 30] .
كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي تُعَذِّبُنَا بِهِ؟ وَذَلِكَ مِنْهُمُ اسْتِهْزَاءٌ وَتَكْذِيبٌ، فَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ} [سبأ: 31] لَنْ نُصَدِّقَ.
{بِهَذَا الْقُرْءَانِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ: 31] يَعْنُونَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ.
إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصَدِّقُوا بِالْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَبِالإِنْجِيلِ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلا يَعْمَلُ بِمَا فِيهَا إِلا مَا وَافَقَ الْقُرْآنَ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ عَمِلَ بِهِ، فَإِذَا نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ مَا(2/761)
يَنْسَخُهُ تَرَكَهُ، وَقَدْ نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ مِمَّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَلَمْ يُنْسَخْ فِي الْقُرْآنِ , مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، فَنَحْنُ نَعْمَلُ بِهَا لأَنَّهَا لَمْ تُنْسَخْ، فَجَحَدَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ الْقُرْآنَ
وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ فِي قَوْلِهِ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْءَانِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} [سبأ: 31] .
وَقَالَ الْحَسَنُ: قَدْ كَانَ كِتَابُ مُوسَى حُجَّةً عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، قَالَ: {قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص: 48] مُوسَى وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِمَا السَّلامُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مُوسَى وَهَارُونُ: {وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48] قَالَ اللَّهُ: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [القصص: 49] .
قَالَ: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ} [سبأ: 31] الْمُشْرِكُونَ.
{مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [سبأ: 31] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [سبأ: 31] وَهُمُ السَّفِلَةُ.
{لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [سبأ: 33] وَهُمُ الرُّؤَسَاءُ وَالْقَادَةُ فِي الشِّرْكِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [سبأ: 31] ، يَعْنِي: الأَتْبَاعَ مِنَ الْكُفَّارِ، {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [سبأ: 33] ، يَعْنِي: الْكُبَرَاءَ وَالْقَادَةَ فِي الْكُفْرِ.
{لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ {31} قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [سبأ: 31-32] ، يَعْنِي: الْكُبَرَاءَ وَالْقَادَةَ فِي الْكُفْرِ.
{لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} ، يَعْنِي: الأَتْبَاعَ.
{أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ} [سبأ: 32] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{عَنِ الْهُدَى} [سبأ: 32] ، يَعْنِي: عَنِ الإِيمَانِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ} [سبأ: 32] مُشْرِكِينَ.(2/762)
{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [سبأ: 33] أَبُو حَفْصٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: قَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا: بَنُو آدَمَ، لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا: الشَّيَاطِينُ.
{وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] ، أَيْ: بَلْ مَكْرُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، أَيْ: كَذِبُكُمْ وَكُفْرُكُمْ.
{إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ} [سبأ: 33] فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ: 33] بَلْ قَوْلُكُمْ لَنَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
{إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا} [سبأ: 33] ، يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ عَدَلُوهَا بِاللَّهِ فَعَبَدُوهَا دُونَهُ.
قَالَ: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ} [سبأ: 33] فِي أَنْفُسِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلا} [سبأ: 33] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ، أَيْ: أَنَّهُمْ لا يُجْزَوْنَ إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ: 34] مِنْ نَبِيٍّ يُنْذِرُهُمْ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الآخِرَةِ.
{إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا} [سبأ: 34] جَبَابِرَتُهَا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ، وَالْمُتْرَفُونَ أَهْلُ السَّعَةِ وَالنِّعْمَةِ.
{إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [سبأ: 34] فَاتَّبَعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ السَّفِلَةُ، فَجَحَدُوا كُلُّهُمْ.
قَالَ: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} [سبأ: 35] قَالُوا ذَلِكَ لِلأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ يُعَيِّرُونَهُمْ بِالْفَقْرِ وَبِقِلَّةِ الْمَالِ.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ: 35] قَالَ اللَّهُ: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [سبأ: 36] ، أَيْ: وَيُقَتِّرُ عَلَيْهِ(2/763)
الرِّزْقَ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَذَلِكَ نَظَرٌ مِنَ اللَّهِ لَهُ.
قَالَ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 36] ، يَعْنِي: جَمَاعَةُ الْمُشْرِكِينَ لا يَعْلَمُونَ.
قَالَ: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ} [سبأ: 37] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
{بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ: 37] وَالزُّلْفَى الْقَرَابَةُ.
لِقَوْلِهِمْ لِلأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا مِنْكُمْ.
- يَحْيَى، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلا إِلَى أَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قَوْلِكُمْ وَإِلَى أَعْمَالِكُمْ» .
قَالَ: {إِلا} اسْتَثْنَى.
{مَنْ آمَنَ} ، أَيْ: لَيْسَ الْقُرْبَةُ عِنْدَنَا إِلا لِمَنْ آمَنَ.
{وَعَمِلَ صَالِحًا} فَإِنَّ ذَلِكَ يُقَرِّبُ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ} [سبأ: 37] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: تَضْعِيفُ الْحَسَنَاتِ، كَقَوْلِهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] ثُمَّ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261] ثُمَّ صَارَتْ بَعْدُ فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كُلِّهَا، الْوَاحِدُ سَبْعُ مِائَةٍ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَوْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ(2/764)
الْحَسَنِ أَوْ كِلاهُمَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لأَنْ أَعْلَمَ أَنَّهُ تُقُبِّلَتْ مِنِّي تَسْبِيحَةٌ وَاحِدَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا.
- عُثْمَانُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ مُخَارِقِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي، يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَقُلْتُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ رَكَعَ رَكْعَةً أَوْ سَجَدَ سَجْدَةً دَخَلَ الْجَنَّةَ وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً» .
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَمَاطَ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ كَتَبَ لَهُ حَسَنَةً دَخَلَ الْجَنَّةَ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً دَخَلَ الْجَنَّةَ.
{وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ} [سبأ: 37] ، يَعْنِي: غُرَفِ الْجَنَّةِ.
{آمِنُونَ} مِنَ النَّارِ، وَمِنَ الْمَوْتِ، وَمِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَمِنَ الأَحْزَانِ وَمِنَ الأَسْقَامِ.
قَالَ: {وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ} [سبأ: 38] يَعْلَمُونَ.
{فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} [سبأ: 38] تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: {مُعَاجِزِينَ} [سبأ: 38] يُبَطِّئُونَ النَّاسَ عَنْ آيَاتِنَا، أَيْ: عَنِ الإِيمَانِ بِهَا وَيَجْحَدُونَ بِهَا.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَسْبِقُونَا حَتَّى لا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنُعَذِّبَهُمْ، قَالَ: {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [سبأ: 38] مُدْخَلُونَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: مُحْضَرُونَ فِي الْعَذَابِ، وَهُوَ وَاحِدٌ.(2/765)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [سبأ: 39] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَالَ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [سبأ: 39] ، أَيْ: فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39] لَيْسَ، يَعْنِي: أَنَّهُ إِذَا أَنْفَقَ شَيْئًا أَخْلَفَ لَهُ مِثْلَهُ وَلَكِنْ يَقُولُ الْخُلْفُ كُلُّهُ مِنَ اللَّهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَنْفَقَ أَوْ أَقَلَّ، لَيْسَ يُخْلِفُ النَّفَقَةَ وَيَرْزُقُ الْعِبَادَ إِلا اللَّهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] ، يَعْنِي: فِي الآخِرَةِ، أَيْ: أَنْ يَخْلُفُوا خَيْرًا فِي الآخِرَةِ وَيُعَوِّضُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ.
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ يَحْيَى: أَرَاهُ ابْنَ سَعْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: إِذَا كَانَ فِي يَدَيْ أَحَدِكُمْ مَا يُقِيمُهُ، فَلْيَقْتَصِدْ وَلا يَتَأَوَّلْ هَذِهِ الآيَةَ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لا يُنْفِقْ أَحَدُكُمْ كُلَّ مَا فِي يَدَيْهِ، يَتَأَوَّلُ هَذِهِ الآيَةَ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] .
سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمُلائِيِّ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلا تَقْتِيرٍ.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ لَمَّا تِيبَ عَلَيْهِ جَاءَ بِمَالِهِ كُلِّهِ إِلَى النَّبِيِّ صَدَقَةً فَقَالَ لَهُ رَسُولُ(2/766)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ الشَّطْرَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} [سبأ: 40] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ وَمَا عَبَدُوا.
{ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40] يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْمَلائِكَةِ وَمَنْ عَبَدَهَا فَيَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40] عَلَى الاسْتِفْهَامِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ.
قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: سُبْحَانَكَ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ.
{أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} [سبأ: 41] ، أَيْ: أَنَّا لَمْ نَكُنْ نُوَالِيهِمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ إِيَّانَا.
{بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ: 41] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: الشَّيَاطِينَ.
قَالَ يَحْيَى: أَيِ: الشَّيَاطِينُ مِنَ الْجِنِّ هِيَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَتِنَا وَلَمْ نَدْعُهُمْ إِلَى عِبَادَتِنَا، فَهُمْ بِطَاعَتِهِمُ الشَّيَاطِينَ عَابِدُونَ لَهُمْ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] وَكَقَوْلِهِ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 117] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: 40] ، يَعْنِي: يُطِيعُونَ فِي الشِّرْكِ {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ: 41] ، يَعْنِي: يُطِيعُونَ الشَّيَاطِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ إِيَّانَا.
قَالَ: {أَكْثَرُهُمْ} ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{بِهِمْ} بِالشَّيَاطِينِ.
{مُؤْمِنُونَ} مُصَدِّقُونَ بِمَا وُسْوِسَ إِلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ مَنْ عَبَدُوا فَعَبَدُوهُمْ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَكْثَرُهُمْ} جَمَاعَتُهُمْ.(2/767)
قَالَ اللَّهُ: {فَالْيَوْمَ} ، يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} [سبأ: 42] الشَّيَاطِينُ وَالْكُفَّارُ.
{وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} [سبأ: 42] أَشْرَكُوا.
{ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [سبأ: 42] وَهُمْ جَمِيعًا قُرَنَاءُ فِي النَّارِ: الشَّيَاطِينُ وَمَنْ أَضَلُّوا، يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَبْرَأُ بَعْضُهُمْ مِنَ الْبَعْضِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} [سبأ: 43] الْقُرْآنُ.
{قَالُوا مَا هَذَا} [سبأ: 43] يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا} [سبأ: 43] ، أَيِ: الْقُرْآنُ.
{إِلا إِفْكٌ} [سبأ: 43] كَذِبٌ.
{مُفْتَرًى} [سبأ: 43] افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ.
قَالَ اللَّهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ} [سبأ: 43] لِلْقُرْآنِ.
{لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} [سبأ: 43] قَالَ: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} [سبأ: 44] يَقْرَءُونَهَا بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
{وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} [سبأ: 44] كَقَوْلِهِ: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [القصص: 46] مِنْ أَنْفُسِهِمْ، يَعْنِي: قُرَيْشًا.
قَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِمْ حُجَّةً.
قَالَ: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [سبأ: 45] مِنْ قَبْلِ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي: مِنْ أَهْلِكَ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ.
قَالَ: {وَمَا بَلَغُوا} [سبأ: 45] ، أَيْ: وَمَا بَلَغَ هَؤُلاءِ.
{مِعْشَارَ} [سبأ: 45] ، أَيْ: عُشْرَ.
{مَا آتَيْنَاهُمْ} [سبأ: 45] مِنَ الدُّنْيَا، يَعْنِي: الأُمَمَ السَّالِفَةَ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} [التوبة: 69] .(2/768)
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} [سبأ: 45] قَالَ: مَا عَمِلُوا بِعُشْرِ مَا أُمِرُوا بِهِ.
قَالَ: {فَكَذَّبُوا رُسُلِي} [سبأ: 45] فَأَهْلَكْتُهُمْ.
{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [سبأ: 45] ، أَيْ: عِقَابِي، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: كَانَ شَدِيدًا، يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مِثْلُ مَا نَزَلَ بِهِمْ.
قَالَ: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} [سبأ: 46] بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ: 46] قَالَ: أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ وَاحِدًا وَاحِدًا، وَاثْنَيْنِ اثْنَيْنِ، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا، مَا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُنُونٍ.
{إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ لَكُمْ} [سبأ: 46] مِنَ الْعَذَابِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {مَثْنَى وَفُرَادَى} [سبأ: 46] وَاحِدٌ وَاثْنَانِ.
قَالَ: {بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] جَهَنَّمَ أَرْسَلَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَذِيرًا {بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ: 46] ، يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ.
- حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ فَمَا فَضْلُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى» وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ: الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ.(2/769)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ} [سبأ: 47] عَلَيْهِ، أَيْ: عَلَى الْقُرْآنِ.
{مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47] كَقَوْلِهِ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: قُلْ مَا، يَعْنِي: الَّذِي سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ.
{إِنْ أَجْرِيَ} [سبأ: 47] إِنْ جَزَائِي، إِنْ ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [سبأ: 47] شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَشَاهِدُ كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [سبأ: 48] يُنَزِّلُ الْوَحْيَ.
{عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [سبأ: 48] غَيْبَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، غَيْبَ السَّمَاءِ مَا يَنْزِلُ مِنْهَا مِنَ الْمَطَرِ وَغَيْرِهِ، وَغَيْبَ الأَرْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنَ النَّبَاتِ وَغَيْرِهِ.
{قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الْبَاطِلُ إِبْلِيسُ قَالَ: أَيْ: وَمَا يَخْلُقُ إِبْلِيسُ أَحَدًا وَلا يَبْعَثُهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: 50] ، أَيْ: فَأَنْتُمُ الضَّالُّونَ وَأَنَا عَلَى الْهُدَى، وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [سبأ: 24] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا} [سبأ: 51] تَفْسِيرُ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: {إِذْ فَزِعُوا} [سبأ: 51] ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى الَّتِي يُهْلِكُ اللَّهُ بِهَا كُفَّارَ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
{فَلا فَوْتَ} [سبأ: 51] لا يَفُوتُ أَحَدٌ مِنْهُمْ دُونَ أَنْ يَهْلِكَ بِالْعَذَابِ.(2/770)
{وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [سبأ: 51] النَّفْخَةَ الآخِرَةَ.
قَالَ الْحَسَنُ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَقْرَبُ مِنْ أَنْ كَانُوا فِي بَطْنِ الأَرْضِ فَإِذَا هُمْ عَلَى ظَهْرِهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [سبأ: 51] مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ.
{وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ} [سبأ: 52] بِالْقُرْآنِ.
قَالَ اللَّهُ: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} [سبأ: 52] وَكَيْفَ لَهُمْ تَنَاوُلُ التَّوْبَةِ.
{مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ {52} وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} [سبأ: 52-53] ، أَيْ: كَيْفَ لَهُمُ التَّوْبَةُ وَلَيْسَ بِالْحِينِ الَّذِي تُقْبَلُ مِنْهُمْ فِيهِ التَّوْبَةُ قَدْ فَاتَهُمْ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] عَذَابَنَا.
- حَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 52] فَقَالَ: يَسْأَلُونَ الرَّدَّ وَلَيْسَ بِحِينِ الرَّدِّ.
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِذَا فَزِعُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الآخِرَةَ {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} [سبأ: 51] .
قَالَ: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 53] كَذَّبُوا بِالْبَعْثِ وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي عِنْدَهُمْ بَعِيدٌ لأَنَّهُمْ لا يُقِرُّونَ بِهِ.
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54] وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ {51} وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ {52} } [سبأ: 51-52] مِنَ الآخِرَةِ فِي الدُّنْيَا، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: التَّنَاوُشُ التَّنَاوُلُ.(2/771)
وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ} [سبأ: 52] ، أَيْ: أَنَّى لَهُمُ الإِيمَانُ.
وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 52] وَأَنَّى لَهُمُ الرَّدُّ عَلَى الدُّنْيَا وَلَيْسَ بِحِينِ الرَّدِّ.
قَالَ: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 53] الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ، وَكَذَّبُوا بِالْبَعْثِ، وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: قَوْلُهُمْ سَاحِرٌ، وَكَاهِنٌ، وَهُوَ شَاعِرٌ.
قَالَ: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54] الإِيمَانَ فَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ مَالٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ زَهْرَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ: 54] رُجُوعَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا.
قَالَ: {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ: 54] أَشْيَاعُهُمْ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ وَدِينِهِمُ الشِّرْكُ لَمَّا كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ جَاءَهُمُ الْعَذَابُ، فَآمَنُوا عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ} [غافر: 84] قَالَ اللَّهُ: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 85] عَذَابَنَا {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ} [غافر: 85] مَضَتْ {فِي عِبَادِهِ} [غافر: 85]
الْمُشْرِكِينَ، إِنَّهُمْ إِذَا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابِ الاسْتِئْصَالِ وَلا يُقْبَلُ مِنْهُمُ الإِيمَانُ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَآخِرُ عَذَابِ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَى النَّفْخَة الأُولَى بِالاسْتِئْصَالِ، بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} [سبأ: 54] ، يَعْنِي: أَهْلَ مِلَّتِهِمْ.
قَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا} قَبْلَ أَنْ يَجِيئَهُمُ الْعَذَابُ.(2/772)
{فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سبأ: 54] مِنَ الرِّيبَةِ وَذَلِكَ أَنَّ جُحُودَهُمْ بِالْقِيَامَةِ، وَبِأَنَّ الْعَذَابَ لا يَأْتِيهِمْ إِنَّمَا ظَنٌّ مِنْهُمْ، فَهُوَ مِنْهُمْ شَكٌّ لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ عِلْمٌ.(2/773)
سُورَةُ فَاطِرٍ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمَلائِكَةِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} حَمِدَ نَفْسَهُ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ.
{فَاطِرِ} خَالِقِ.
{السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا} [فاطر: 1] جَعَلَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لِرِسَالَتِهِ، أَيْ: إِلَى الأَنْبِيَاءِ، كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] .
قَالَ: {أُولِي أَجْنِحَةٍ} [فاطر: 1] قَالَ: ذَوِي أَجْنِحَةٍ.
{مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1]
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مِنْهُمْ مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلاثَةُ أَجْنِحَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي الضَّيْفِ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ أَقْرَبَ الْمَلائِكَةِ إِلَى اللَّهِ إِسْرَافِيلُ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ، جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ، وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ، وَقَدْ تَسَرْوَلَ بِالثَّالِثِ، وَالرَّابِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ،(2/774)
فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَنْ يُوحِيَهُ جَاءَ اللَّوْحُ حَتَّى يُصَفِّقَ جَبْهَةَ إِسْرَافِيلَ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَنْظُرُ فَإِذَا الأَمْرُ مَكْتُوبٌ، فَيُنَادِي جِبْرِيلَ فَيُلَبِّيهِ فَيَقُولُ: أُمِرْتُ بِكَذَا،
أُمِرْتُ بِكَذَا، فَلا يَهْبِطُ جِبْرِيلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ إِلا فَزِعَ أَهْلُهَا مَخَافَةَ السَّاعَةِ حَتَّى يَقُولَ جِبْرِيلُ: الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ، فَيَهْبِطُ عَلَى النَّبِيِّ فَيُوحِي إِلَيْهِ.
- وَأَخْبَرَنِي عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ لِلَّهِ نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ يَغْتَمِسُ فِيهِ جِبْرِيلُ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَنْتَفِضُ، قَالَ: فَمَا مِنْ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ رِيشِهِ إِلا خَلَقَ اللَّهُ مِنْهَا مَلَكًا ".
- وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ سَائِلا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَلْقِ الْمَلائِكَةِ فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خُلِقَتْ؟ فَقَالَ: " خُلِقَتْ مِنْ نُورِ الْحُجُبِ السَّبْعِينَ الَّتِي تَلِي الرَّبَّ، كُلُّ حِجَابٍ مِنْهَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ، فَمِنْهَا خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ، فَلَيْسَ مَلَكٌ إِلا هُوَ يَدْخُلُ فِي نَهْرِ الْحَيَاةِ، فَيَغْتَسِلُ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ مَلَكًا مِنَ
الْمَلائِكَةِ، فَلا يُحْصِي أَحَدٌ مَا يَكُونُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} [المدثر: 31] .
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: يَدْخُلُ جِبْرِيلُ نَهْرَ النُّورِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً فَيَغْتَمِسُ فِيهِ ثُمَّ يَخْرُجُ، فَيَنْتَفِضُ فَيَسْقُطُ مِنْهُ سَبْعُونَ أَلْفِ قَطْرَةٍ تَعُودُ كُلُّ قَطْرَةٍ مَلَكًا يُسَبِّحُ اللَّهَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي عَنْ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ فِي السَّمَاءِ مَلَكًا قَدْ عَظَّمَهُ اللَّهُ وَشَرَّفَهُ، فِيهِ ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ عَيْنًا، بَعْضُهَا مِثْلُ الشَّمْسِ وَبَعْضُهَا مِثْلُ الْقَمَرِ، وَبَعْضُهَا مِثْلُ الزَّهْرَةِ يُسَبِّحُ لَهُ مُنْذُ خُلِقَ، كُلُّ(2/775)
تَسْبِيحَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فِيهِ مَلَكٌ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى دِيكًا، بَرَاثِنُهُ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى، وَعُنُقُهُ مَثْنِيَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، إِذَا بَقِيَ الثُّلُثُ الآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ خَفَقَ بِجَنَاحَيْهِ ثُمَّ قَالَ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلائِكَةِ وَالرُّوحِ، فَتَسْمَعُهُ الدِّيَكَةُ فَتَصْرُخُ لِصُرَاخِهِ أَوْ قَالَ: لِصَوْتِهِ.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى قَرْنِهِ الْعَرْشُ، وَبَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ خَفَقَانُ الطَّيْرِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ سَنَةٍ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ ".
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ زُرَوْفِيلَ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحَدِّثُ أَنَّ مَلَكًا نِصْفُهُ نُورٌ أَوْ قَالَ: نَارٌ وَنِصْفُهُ ثَلْجٌ يَقُولُ: يَا مُؤَلِّفَ بَيْنَ النُّورِ أَوْ قَالَ: النَّارِ وَالثَّلْجِ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ.
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمَلائِكَةَ وَالْجِنَّ وَالإِنْسَ، فَجَزَأَهُ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ الْمَلائِكَةُ وَجُزْءٌ وَاحِدٌ الْجِنُّ وَالإِنْسُ، وَجَزَأَ الْمَلائِكَةَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ الْكُرُوبِيُّونَ الَّذِينَ {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] وَجُزْءٌ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لِرِسَالَتِهِ وَلِخَزَائِنِهِ وَمَا يَشَاءُ مِنْ أَمْرِهِ، وَجَزَأَ الْجِنَّ
وَالإِنْسَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ الْجِنُّ، وَالإِنْسُ جُزْءٌ وَاحِدٌ، فَلا يُولَدُ مِنَ الإِنْسِ مَوْلُودٌ إِلا وُلِدَ مِنَ الْجِنِّ تِسْعَةٌ، وَجَزَأَ الإِنْسَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ: تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمْ يَأْجُوجُ(2/776)
وَمَأْجُوجُ، وَسَائِرُهُمْ سَائِرُ بَنِي آدَمَ.
{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فاطر: 1] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَزِيدُ فِي أَجْنِحَتِهَا مَا يَشَاءُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ} [فاطر: 2] مَا يُقْسِمُ اللَّهُ لِلنَّاسِ.
{مِنْ رَحْمَةٍ} [فاطر: 2] مِنَ الْخَيْرِ وَالرِّزْقِ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: مَا يُرْسِلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رِزْقٍ فَلا مُمْسِكَ لَهُ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: مَا يُقْسِمُ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ، مَا يُنْزِلُ مِنَ الْوَحْيِ.
{فَلا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2] لا أَحَدَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمْسِكَ مَا يُقْسِمُ مِنْ رَحْمَةٍ.
{وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2] مَنْ بَعَّدَ اللَّهُ لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُقْسِمَهُ {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [فاطر: 3] إِنَّهُ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 3] مَا يُنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْمَطَرِ وَمَا يُنْبِتُ فِي الأَرْضِ مِنَ النَّبَاتِ.
{لا إِلَهَ إِلا هُوَ} يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ يَحْتَجُّ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ: لا خَالِقَ وَلا رَازِقَ غَيْرُهُ، يَقُولُ: أَنْتُمْ تُقِرُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ، وَأَنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ الآلِهَةَ.
{فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3] فَكَيْفَ تَصْرِفُونَ عُقُولَكُمْ فَتَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ.
قَالَ: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] يُعَزِّيهِ بِذَلِكَ وَيَأْمُرُهُ بِالصَّبْرِ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ أَصَابَهُ مِنَ الْجَهْدِ فِي اللَّهِ الَّذِي أَصَابَنِي» .(2/777)
قَالَ: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [فاطر: 4] إِلَيْهِ مَصِيرُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [فاطر: 5] مَا وَعَدَ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
{فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5] الشَّيْطَانُ.
قَالَ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر: 6] يَدْعُوكُمْ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
{فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} [فاطر: 6] أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَضَلَّ.
{لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] فَأَطَاعُوهُ وَالسَّعِيرُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْبَابُ الرَّابِعُ.
قَالَ: {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 7] جَهَنَّمُ.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [فاطر: 7] لِذُنُوبِهِمْ.
{وَأَجْرٌ} [فاطر: 7] ، أَيْ: ثَوَابٌ.
{كَبِيرٌ} وَهِيَ الْجَنَّةُ.
قَالَ: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8] كَمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا، أَيْ: لا يَسْتَوِيَانِ، وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ.
قَالَ: {فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ} [فاطر: 8] عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
{حَسَرَاتٍ} لا تَحَسَّرْ عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يُؤْمِنُوا كَقَوْلِهِ: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} .
{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ} [فاطر: 9] فَسُقْنَا الْمَاءَ فِي السَّحَابِ.
{إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: 9] لَيْسَ فِيهِ نَبَاتٌ، إِلَى أَرْضٍ مَيِّتَةٍ لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.(2/778)
لَمَّا قَالَ: {إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ} [فاطر: 9] جَاءَتْ «مَيِّتٍ» لأَنَّ الْبَلَدَ مُذَكَّرٌ وَالْمَعْنَى عَلَى الأَرْضِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ.
{فَأَحْيَيْنَا بِهِ} [فاطر: 9] بِالْمَاءِ.
{الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [فاطر: 9] بَعْدَ إِذْ كَانَتْ يَابِسَةً لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ فَأَحْيَيْنَا بِهِ، بِالْمَاءِ , الأَرْضَ فَأَنْبَتَتْ مِنْ أَلْوَانِ النَّبَاتِ وَأُحْيِيَ بِهِ نَبَاتُهَا أَيْضًا.
قَالَ: {كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9] ، يَعْنِي: هَكَذَا يَحْيَوْنَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَحْيَا الأَرْضُ بِالْمَاءِ فَتُنْبِتُ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ كَذَلِكَ الْبَعْثُ.
- سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أبي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ، فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَمَا تَنْبُتُ الأَرْضُ مِنَ الثَّرَى، ثُمَّ يَقُومُ مَلَكٌ بِالصُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ فَيَذْهَبُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ حَتَّى يَدْخُلَ فِيهِ، ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُجِيبُونَ بِإِجَابَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ سِرَاعًا إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ أَنَّ الْحِسَابَ يَكُونُ عِنْدَ الصَّخْرَةِ الَّتِي بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ} [فاطر: 10] ، يَعْنِي: الْمَنْعَةَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} [فاطر: 10] أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلْيَتَعَزَّزْ بِطَاعَةِ اللَّهِ.(2/779)
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ عَبَدُوا الأَوْثَانَ لِتُعِزَّهُمْ كَقَوْلِهِ: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81] فَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ، فَلْيَعْبُدِ اللَّهَ حَتَّى يُعِزَّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] التَّوْحِيدُ.
{وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] التَّوْحِيدُ , لا يَرْتَفِعُ الْعَمَلُ إِلا بِالتَّوْحِيدِ كَقَوْلِهِ: {وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلَ قَوْمٍ حَتَّى يَرْضَى قَوْلَهُ» .
الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] قَالَ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: 10] ، يَعْنِي: الْكَلامَ الْحَسَنَ، يَعْنِي: شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] ، يَعْنِي: وَبِهِ يُقْبَلُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَإِلا رُدَّ الْقَوْلُ عَلَى الْعَمَلِ.
قَالَ: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ} [فاطر: 10] يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ، الشِّرْكَ.
{لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [فاطر: 10] جَهَنَّمُ.
{وَمَكْرُ أُولَئِكَ} [فاطر: 10] ، أَيْ: وَعَمَلُ أُولَئِكَ.
{هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10] هُوَ يَفْسَدُ عِنْدَ اللَّهِ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ الشِّرْكَ وَلا مَا يَعْمَلُ الْمُشْرِكُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلا يَقْبَلُ الْعَمَلَ إِلا مِنَ الْمُؤْمِنِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [فاطر: 11] ، يَعْنِي: خَلْقَ آدَمَ.
{ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [فاطر: 11] نَسْلِ آدَمَ.
{ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا} [فاطر: 11] ذَكَرًا وَأُنْثَى، وَالْوَاحِدُ زَوْجٌ، قَالَ: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [النجم: 45] .(2/780)
قَالَ: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر: 11] ، يَعْنِي: هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِشَدِيدٍ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] قَالَ: عُمْرُ الْعَبْدِ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابٍ، فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ مُنْتَهَى عُمْرِهِ، ثُمَّ يُكْتَبُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ: ذَهَبَ يَوْمُ كَذَا وَكَذَا، وَمَضَى يَوْمُ كَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهِ.
وَحَدَّثَنِي أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ} [فاطر: 11] مِنْ عُمْرٍ آخَرَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: أَنْ يَكُونَ عُمْرُهُ دُونَ عُمْرِ الآخَرِ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمِّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ، أَيْ: مِنْ أَجَلِهِ.
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ} [فاطر: 11] حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَالْعُمُرُ عِنْدَهُ هَاهُنَا أَنْ يَبْلُغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ.
{وَلا يُنْقَصُ} [فاطر: 11] آخَرُ مِنْ عُمُرِ الْمُعَمَّرِ فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ عُمُرَ ذَلِكَ الْمُعَمَّرِ الَّذِي بَلَغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ.
{إِلا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ الْعُمُرُ هَاهُنَا سِتُّونَ سَنَةً.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر: 11] عُمُرُ هَذَا الَّذِي عُمِّرَ وَمَوْتُ هَذَا الَّذِي لَمْ يُعَمَّرْ مَا عُمِّرَ الآخَرُ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [فاطر: 11] ، يَعْنِي: هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِشَدِيدٍ(2/781)
عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [فاطر: 12] حُلْوٌ.
{سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] مُرٌّ.
{وَمِنْ كُلٍّ} [فاطر: 12] مِنَ الْعَذْبِ وَالْمَالِحِ.
{تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: 12] ، يَعْنِي: الْحِيتَانَ.
{وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] اللُّؤْلُؤَ.
{وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ} [فاطر: 12] مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَمْخَرُ تَشُقُّ الْمَاءَ.
{لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر: 12] طَلَبِ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [فاطر: 12] وَلِكَيْ تَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [فاطر: 13] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هُوَ أَخْذُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ.
{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى} [فاطر: 13] لا يَعْدُوهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَهُوَ مَطَالِعُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِلَى غَايَةٍ لا يُجَاوِزَانِهِ فِي شِتَاءٍ وَلا صَيْفٍ.
{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} [فاطر: 13] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ.
{مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} [فاطر: 13] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْقِطْمِيرُ: الْقِشْرَةُ الَّتِي تَكُونُ عَلَى(2/782)
النَّوَاةِ، يَعْنِي: السَّحَاةَ الْبَيْضَاءَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْقِطْمِيرُ، لُفَافَةُ النَّوَاةِ كَسَحَاةِ الْبَصَلَةِ.
قَالَ: {إِنْ تَدْعُوهُمْ} [فاطر: 14] ، يَعْنِي: تُنَادُوهُمْ.
{لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ} [فاطر: 14] نِدَاءَكُمْ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: 14] بِعِبَادَتِكُمْ إِيَّاهُمْ.
{وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14] وَهُوَ اللَّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ} [فاطر: 15] عَنْكُمْ.
{الْحَمِيدُ} [فاطر: 15] الْمُسْتَحْمِدُ إِلَى خَلْقِهِ، اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهُ.
{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} [فاطر: 16] يُهْلِكْكُمْ بِعَذَابِ الاسْتِئْصَالِ.
{وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [فاطر: 16] هُوَ أَطْوَعُ لَهُ مِنْكُمْ كَقَوْلِهِ: {إِنَّا لَقَادِرُونَ {40} عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ} [المعارج: 40-41] قَالَ: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر: 17] أَنَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِكُمْ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِشَدِيدٍ، أَيْ: لا يَشُقُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] لا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ آخَرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: لا تَحْمِلُ حَامِلَةٌ ذَنْبَ نَفْسٍ أُخْرَى، وَهُوَ نَحْوُهُ.
قَالَ: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} [فاطر: 18] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مُثْقَلَةٌ، أَيْ: مِنَ الذُّنُوبِ.(2/783)
{إِلَى حِمْلِهَا} [فاطر: 18] لِيَحْمِلَ عَنْهَا.
{لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر: 18] لا يَحْمِلُ قَرِيبٌ عَنْ قَرِيبِهِ شَيْئًا مِنْ ذُنُوبِهِ.
{إِنَّمَا تُنْذِرُ} [فاطر: 18] إِنَّمَا يُقْبَلُ نِذَارَتُكَ.
{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} [فاطر: 18] فِي السِّرِّ حَيْثُ لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ.
{وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [فاطر: 18] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَمَنْ تَزَكَّى} [فاطر: 18] ، أَيْ: عَمِلَ صَالِحًا.
{فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18] يَجِدُ ثَوَابَهُ.
{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فاطر: 18] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ لِقَوْلِهِ: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [فاطر: 12] ...
{وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [فاطر: 12] .
{وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر: 19] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: بَصَرَ الْقَلْبِ بِالإِيمَانِ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ.
{وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ {20} وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ {21} وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ} [فاطر: 20-22] هَذَا كُلُّهُ مَثَلٌ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، كَمَا لا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ الْعَذْبِ وَالْمَالِحِ، وَكَمَا لا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ، وَكَمَا لا تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ فَكَذَلِكَ لا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَالأَمْوَاتُ هُمُ الْكُفَّارُ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَمْوَاتِ.
{وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ} [فاطر: 22] ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ.
{وَلا الأَمْوَاتُ} [فاطر: 22] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ قَالَ: بِمَنْزِلَةِ الأَمْوَاتِ.
قَالَ: {وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر: 21] ، أي: وَلا يَسْتَوِي الظِّلُّ، ظِلُّ الْجَنَّةِ، وَلا(2/784)
الْحَرُورُ النَّارُ كَمَا لا يَسْتَوِي الظِّلُّ فِي الدُّنْيَا وَالشَّمْسُ.
قَالَ: {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ} [فاطر: 22] المؤمنون الأحياء فِي الدِّينِ كَقَوْلِهِ: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: 122] بِالإِيمَانِ.
{وَلا الأَمْوَاتُ} [فاطر: 22] فِي الدِّينِ، الْكُفَّارُ.
{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ} [فاطر: 22] يَهْدِيهِ لِلإِيمَانِ.
{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] ، أَيْ: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ الْكُفَّارَ، هُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَمْوَاتِ لا يَسْمَعُونَ مِنْكَ الْهُدَى سَمْعَ قَبُولٍ، كَمَا أَنَّ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ لا يَسْمَعُونَ.
قَالَ: {إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ} [فاطر: 23] تُنْذِرُ النَّاسَ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} [فاطر: 24] بِالْقُرْآنِ.
{بَشِيرًا} بِالْجَنَّةِ.
{وَنَذِيرًا} مِنَ النَّارِ.
{وَإِنَّ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] ، يَعْنِي: الأُمَمُ الْخَالِيَةُ كُلُّهَا قَدْ خَلَتْ فِيهِمُ النُّذُرُ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: أَيْ: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ مِمَّنْ أَهْلَكْنَا إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ، يَعْنِي: يُحَذِّرُ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ أَنْ كَذَّبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كَذَّبَتِ الأُمَمُ رُسُلَهَا.
قَالَ: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ} [فاطر: 25] وَالزُّبُرُ الْكُتُبُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَالْبَيِّنَاتُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ مَا جَاءَتْ بِهِ الأَنْبِيَاءُ.
{وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [فاطر: 25] الْبَيِّنِ، وَالْكِتَابِ الَّذِي كَانَ يَجِيءُ بِهِ النَّبِيُّ مِنْهُمْ إِلَى قَوْمِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بِالْبَيِّنَاتِ} ، يَعْنِي: الآيَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَجِيءُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ إِلَى قَوْمِهِمْ قَالَ: {وَبِالزُّبُرِ} ، يَعْنِي: وَحَدِيثِ الْكِتَابِ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ الْمَوَاعِظِ.
وَالْكِتَابُ الْمُنِيرُ، يَعْنِي: الْمُضِيءُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.(2/785)
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْبَيِّنَاتُ: الْحَلالُ وَالْحَرَامُ.
قَالَ: {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [فاطر: 26] ، يَعْنِي: إِهْلاكَهُمْ إِيَّاهُمْ بِالْعَذَابِ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ.
{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [فاطر: 26] عِقَابِي، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: كَانَ شَدِيدًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} [فاطر: 27] وَطَعْمُهَا فِي الإِضْمَارِ.
قَالَ: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ} [فاطر: 27] ، أَيْ: طَرَائِقَ.
{بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] وَالْغَرِيبُ الشَّدِيدُ السَّوَادِ.
قَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} [فاطر: 28] ، أَيْ: كَمَا اخْتَلَفَتْ أَلْوَانُ مَا ذُكِرَ مِنَ الثِّمَارِ وَالْجِبَالِ، ثُمَّ انْقَطَعَ الْكَلامُ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
- وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَيْسَ الْعِلْمُ رِوَايَةَ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ الْعِلْمَ الْخَشْيَةُ.
قَالَ يَحْيَى: نَرَاهُ أَنَّهُ، يَعْنِي: أَنَّهُ مَنْ خَشِيَ اللَّهَ فَهُوَ عَالِمٌ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر: 28] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [فاطر: 29] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً} [فاطر: 29] السِّرُّ التَّطَوُّعُ، وَالْعَلانِيَةُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، يُسْتَحَبُّ أَنْ تُعْطَى الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلانِيَةً وَالتَّطَوُّعُ سِرًّا.(2/786)
وَيُقَالُ: صَدَقَةُ السِّرِّ تَطَوُّعًا أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ الْعَلانِيَةِ.
- الْمُعَلَّى، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ مُرَّةَ الْهَمَذَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ فَضْلَ صَلاةِ اللَّيْلِ عَلَى صَلاةِ النَّهَارِ كَفَضْلِ صَدَقَةِ السِّرِّ عَلَى الْعَلانِيَةِ.
قَالَ: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر: 29] لَنْ تَفْسَدَ، وَهِيَ تِجَارَةُ الْجَنَّةِ، يَعْمَلُونَ لِلْجَنَّةِ.
قَالَ: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} [فاطر: 30] ثَوَابَهُمْ فِي الْجَنَّةِ.
{وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [فاطر: 30] يُضَاعِفُ لَهُمُ الثَّوَابَ.
قَالَ الْحَسَنُ: تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَاتُ، يُثَابُونَ عَلَيْهَا فِي الْجَنَّةِ.
{إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 30] قَالَ: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [فاطر: 31] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} [فاطر: 31] التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ.
{إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} [فاطر: 31] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا} [فاطر: 32] اخْتَرْنَا.
{مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {32} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 32-33]
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْءَمَةِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ فَقَالَ: «أَمَّا السَّابِقُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَالْمُقْتَصِدُ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَأَمَّا الظَّالِمُ فَيُحْبَسُ فِي طُولِ الْمَحْبَسِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ» .
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، وَإِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَزِيدَ الْعَبْدِيِّ، وَحَدَّثَنِيهِ النَّضْرُ بْنُ بِلالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ رَجُلا بَلَغَهُ، قَالَ(2/787)
الْخَلِيلُ: لا أَدْرِي، يَعْنِي: نَفْسَهُ وَقَدْ كَانَ كَبِيرًا أَوْ، يَعْنِي: غَيْرَهُ، أَنَّ رَجُلا بَلَغَهُ أَنَّهُ مَنْ أَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ لَمْ يُشْخِصْهُ وَلَمْ يُعْمِلْهُ إِلا الصَّلاةُ فِيهِ، فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، قَالَ:
فَأَتَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى فِيهِ مَا قَضَى اللَّهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ غُرْبَتِي، وَآنِسْ وَحْشَتِي، وَصِلْ وِحْدَتِي، وَسُقْ إِلَيَّ جَلِيسًا صَالِحًا تَنْفَعُنِي بِهِ، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ شَيْخٌ مَوْسُومٌ فِيهِ الْخَيْرُ مِنْ بَعْضِ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّارِيَةِ الَّتِي أَنَا عِنْدَهَا، فَصَلَّى مَا قَضَى اللَّهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ أَنْتَ وَمَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ
غَرِيبٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ أَتَى هَذَا الْمَسْجِدَ لَمْ يُعْمِلْهُ وَلَمْ يُشْخِصْهُ إِلا الصَّلاةُ فِيهِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، قَالَ: فَإِنَّ الأَمْرَ عَلَى مَا بَلَغَكَ، قُلْتُ: مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَرَفَعْتُ يَدِي أَحْمَدُ اللَّهَ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَذُعَرَةُ أَنَا؟ قُلْتُ: لَسْتَ بِذُعْرَةٍ وَلَكِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ قُلْتُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ غُرْبَتِي، وَآنِسْ وَحْشَتِي، وَصِلْ وِحْدَتِي، وَسُقْ عَلَيَّ جَلِيسًا صَالِحًا
تَنْفَعُنِي بِهِ، فَقَدْ سَمِعْتُ بِالاسْمِ، وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ الْوَجْهَ، قَالَ: فَأَنَا أَحَقُّ بِالْحَمْدِ مِنْكَ إِذْ أَشْرَكَنِي اللَّهُ فِي دُعَائِكَ وَجَعَلَنِي ذَلِكَ الْجَلِيسَ، لا جَرَمَ لأُحَدِّثَنَّكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أُحَدِّثْهُ أَحَدًا قَبْلَكَ وَلا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا بَعْدَكَ.
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {32} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 32-33] حَتَّى أَتَمَّ الآيَةَ، قَالَ: فَيَجِيءُ هَذَا السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلا حِسَابٍ، وَيَجِيءُ هَذَا الْمُقْتَصِدُ فَيُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ،
وَيَجِيءُ هَذَا الظَّالِمُ(2/788)
لِنَفْسِهِ فَيُوقَفُ، وَيُعَيَّرُ، وَيُخْزَى، وَيُعْرَفُ ذُنُوبُهُ ثُمَّ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] غَفَرَ الذَّنْبَ الْكَبِيرَ وَشَكَرَ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: 32] ، يَعْنِي: أَصْحَابَ الْكَبَائِرِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ مِنْ غَيْرِ شِرْكٍ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَهْلُ الْكَبَائِرِ لا شَفَاعَةَ لَهُمْ، أَيْ: لا يَشْفَعُونَ لأَحَدٍ.
وَحَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ الرَّحَّالِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ أَنَّهُ تَلا هَذِهِ الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا} [فاطر: 33] فَقَالَ: دَخَلُوهَا كُلُّهُمْ.
إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ أَنَّ حَبْرًا مِنَ الأَحْبَارِ أَتَى كَعْبًا فَقَالَ: يَا كَعْبُ، تَرَكْتَ دِينَ مُوسَى وَاتَّبَعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: لا، أَنَا عَلَى دِينِ مُوسَى وَاتَّبَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: وَلِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ يُقَسَّمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاثَةَ أَثْلاثٍ: فَثُلُثٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَثُلُثٌ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَثُلُثٌ يَقُولُ اللَّهُ لِمَلائِكَتِهِ: قَلِّبُوا عِبَادِي
فَانْظُرُوا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَيُقَلِّبُونَهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَرَى ذُنُوبًا كَثِيرَةً وَخَطَايَا عَظِيمَةً، فَيَقُولُ: قَلِّبُوا عِبَادِي فَانْظُرُوا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، فَيُقَلِّبُونَهُمْ إِلَى ثَلاثِ مِرَارٍ فَيَقُولُ فِي الرَّابِعَةِ: قَلِّبُوا أَلْسِنَتَهُمْ فَانْظُرُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فَيُقَلِّبُونَ أَلْسِنَتَهُمْ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا نَرَاهُمْ كَانُوا يُخْلِصُونَ لَكَ لا يُشْرِكُونَ بِكَ شَيْئًا فَيَقُولُ: عِبَادِي أَخْلَصُوا لِي وَلَمْ يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، اشْهَدُوا يَا مَلائِكَتِي أَنِّي قَدْ
غَفَرْتُ لِعِبَادِي بِمَا أَخْلَصُوا لِي وَلَمْ يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا، فَقَالَ(2/789)
الْحَبْرُ لِكَعْبٍ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَأَخْبِرْنِي مَا كِسْوَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ فَقَالَ كَعْبٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ أَخْبَرْتُكَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ، لَتُؤْمِنَنَّ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: رِدَاؤُهُ الْكِبْرُ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: وَقَمِيصُهُ الرَّحْمَةُ سَبَقَتْ، وَإِزَارُهُ الْعِزَّةُ اتَّزَرَ بِهَا أَوْ قَالَ: اسْتَتَرَ بِهَا، قَالَ: صَدَقْتَ فَآمَنَ.
- وَحَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صَهْبَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقَالَتْ: نَعَمْ يَا بُنَيَّ، كُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، السَّابِقُ مَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ، وَالْمُقْتَصِدُ مَنِ اتَّبَعَ أَثَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ مِثْلِي وَمِثْلُكَ وَمَنِ اتَّبَعَنَا، فَأَلْحَقَتْ نَفْسَهَا بِنَا مِنْ أَجْلِ
الْحَدَثِ الَّذِي أَصَابَهَا.
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: سَابِقُنَا سَابِقٌ، وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ، وَظَالِمُنَا مَغْفُورٌ لَهُ.
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: السَّابِقُونَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُقْتَصِدُ رَجُلٌ سَأَلَ عَنْ أَثَارِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعَهُمْ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ مُنَافِقٌ قُطِعَ بِهِ دُونَهُمْ، قَالَ يَحْيَى نَرَاهُ، يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقَ أَقَرَّ بِهِ الْمُؤْمِنُ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الآيَةِ.
وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ أَنَّهُ قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ {فَمِنْهُمْ(2/790)
ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} [فاطر: 32] فَقَالَ: سَقَطَ هَذَا.
قَالَ يَحْيَى: فَلا أَدْرِي أَيَعْنِي مَا قَالَ الْحَسَنُ أَنَّهُ الْمُنَافِقُ أَمْ، يَعْنِي بِهِ: الْجَاحِدَ.
وَأَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: هُوَ الْجَاحِدُ وَالْمُنَافِقُ.
وَقَالَ: هِيَ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ، السَّابِقُونَ هُمُ السَّابِقُونَ، يَعْنِي: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 10] قَالَ: مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، فَوَصْفُ صِفَتِهِمْ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ، وَالْمُقْتَصِدُ أَصْحَابُ الْيَمِينِ، وَهُوَ الَمْنِزْلُ الآخَرُ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ} [الواقعة: 27] فَوَصَفَ صِفَتَهُمْ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ.
قَالَ يَحْيَى: تَفْسِيرُ النَّاسِ أَنَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ هُمُ الَّذِينَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَهُوَ الْمُقْتَصِدُ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَنْزِلِ الآخَرِ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ حَيْثُ يَقُولُ: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن: 62] فَوَصَفَهُمَا وَمَنْزِلُ السَّابِقِينَ الْمَنْزِلُ الآخَرُ فِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46] فَوَصَفَهُمَا، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عُثْمَانُ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} [فاطر: 33] قَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.
قَوْلُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [فاطر: 33] لَيْسَ مِنْ أَهْلِ(2/791)
الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلا فِي يَدَيْهِ ثَلاثَةُ أَسْوِرَةٍ: سِوَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَسِوَارٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَسِوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ، قَالَ هَاهُنَا: {مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [فاطر: 33] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 21] .
وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَدَا سِوَارُهُ لَغَلَبَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ» .
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [فاطر: 33] .
- حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: دَارُ الْمُؤْمِنِ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ، فِيهَا أَرْبَعُونَ بَيْتًا، فِي وَسَطِهَا شَجَرَةٌ تُنْبِتُ الْحُلَلَ، وَيَأْخُذُ بِأُصْبُعِهِ أَوْ قَالَ بِأُصْبُعَيْهِ سَبْعِينَ حُلَّةً مُنَطَّقَةً بِاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ.
وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ قَالَ: إِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَيُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِينَ حُلَّةً كَمَا يَبْدُو الشَّرَابُ الأَحْمَرُ فِي الزُّجَاجَةِ الْبَيْضَاءِ.
- قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي حَدِيثِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمُ الصِّنْفُ الثَّالِثُ الَّذِي يُوقَفُ وَيُخْزَى، وَيُعَيَّرُ، ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ.(2/792)
وَأَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانُوا فِي الدُّنْيَا وَهُمْ مَحْزُونُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26] .
وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 34] غَفَرَ الذَّنْبَ الْكَبِيرَ وَشَكَرَ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ.
قَالَ يَحْيَى بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلاءِ أَصْحَابُ الْكَبَائِرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِي أَحَلَّنَا} [فاطر: 35] يَعْنِي أَنْزَلَنَا.
{دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا} [فاطر: 35] قَالَ السُّدِّيُّ: لا يُصِيبُنَا.
{فِيهَا نَصَبٌ} [فاطر: 35] تَعَبٌ.
{وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 35] إِعْيَاءٌ.
- وَحَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ نُفَيْعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَاحَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيهَا؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَهْ، مَهْ، أَوَ هَلْ فِيهَا لُغُوبٌ؟ كُلُّ أَمْرِهِمْ رَاحَةٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ: {لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر: 35] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا} [فاطر: 36] .
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: لا يَنْزِلُ بِهِمُ الْمَوْتُ فَيَمُوتُوا.
قَالَ: {وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} [النبأ: 30] .(2/793)
أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَقُولُ: مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النَّارِ آيَةٌ هِيَ أَشَدُّ مِنْ هَذِهِ.
قَالَ: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36] حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36] كُلَّ كَفِورٍ بِرَبِّهِ.
قَالَ: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر: 37] ، أَيْ: أَخْرِجْنَا فَارْدُدْنَا إِلَى الدُّنْيَا نَعْمَلْ صَالِحًا.
قَالَ اللَّهُ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: 37] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي الآيَةُ وَفِيهَا ابْنُ ثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكُلُّ شَيْءٍ ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ كَلامِ أَهْلِ النَّارِ فَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ لَهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] .
{فَذُوقُوا} [فاطر: 37] ، أَيِ: الْعَذَابَ.
{فَمَا لِلظَّالِمِينَ} [فاطر: 37] الْمُشْرِكِينَ.
{مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر: 37] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [فاطر: 38] غَيْبُ السَّمَوَاتِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْمَطَرِ وَمَا فِيهَا، وَغَيْبُ الأَرْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ نَبَاتٍ وَمَا فِيهَا.
{إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فاطر: 38] كَقَوْلِهِ: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ(2/794)
الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 10] كَقَوْلِهِ: {وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [التغابن: 4] وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْضِ} [فاطر: 39] خَلَفًا بَعْدَ خَلَفٍ.
{فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [فاطر: 39] يُثَابُ عَلَيْهِ النَّارَ.
{وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلا خَسَارًا} [فاطر: 39] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ} [فاطر: 40] ، يَعْنِي: فِي الأَرْضِ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ} [فاطر: 40] فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لَمْ يَخْلُقُوا فِيهَا مَعَ اللَّهِ شَيْئًا.
{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا} [فاطر: 40] فِي مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.
{فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْهُ} [فاطر: 40] ، أَيْ: لَمْ يَفْعَلْ كَقَوْلِهِ: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ} [الزخرف: 21] بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ {فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} [الزخرف: 21] .
قَالَ: {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ} [فاطر: 40] الْمُشْرِكُونَ.
{بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا} [فاطر: 40] ، يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَالْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ دَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} [فاطر: 41] ، يَعْنِي:(2/795)
لِئَلا تَزُولا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41] وَهَذِهِ صِفَةٌ.
يَقُولُ: إِنْ زَالَتَا وَلَنْ تَزُولا.
قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَيْهِ فَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَيْهِ أَثَرَ السَّفَرِ فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ؟ قَالَ: مِنَ الشَّامِ، قَالَ: فَمَنْ لَقِيتَ؟ قَالَ: لَقِيتُ فُلانًا وَفُلانًا، قَالَ: وَلَقِيتُ كَعْبَ الأَحْبَارِ، قَالَ: فَمَا حَدَّثَكَ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَّ السَّمَوَاتِ تَدُورُ عَلَى مَنْكِبَيْ مَلَكٍ، قَالَ: لَيْتَكَ افْتَدَيْتَ مَنْ لَقِيَكَ إِيَّاهُ بِرَاحِلَتِكَ وَرَحْلِكَ، كَذَبَ كَعْبٌ، إِنَّ اللَّهَ
يَقُولُ: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [فاطر: 41] وَقَوْلُهُ: {غَفُورًا} لِمَنْ آمَنَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ} [فاطر: 42] كَقَوْلِهِ: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ {167} لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ {168} لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ {169} } [الصافات: 167-169] قَالَ اللَّهُ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} [فاطر: 42] مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{مَا زَادَهُمْ} [فاطر: 42] ذَلِكَ.
{إِلا نُفُورًا} [فاطر: 42] عَنِ الإِيمَانِ.
{اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ} [فاطر: 43] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ.
{وَمَكْرَ السَّيِّئِ} [فاطر: 43] الشِّرْكِ وَمَا يَمْكُرُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَبِدِينِهِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنفال: 30] .
قَالَ: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] وَهَذَا وَعِيدٌ لَهُمْ.(2/796)
قَالَ: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأَوَّلِينَ} [فاطر: 43] سُنَّةَ اللَّهِ فِي الأَوَّلِينَ كَقَوْلِهِ: {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ} [غافر: 85] الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا كَذَّبُوا رَسُولَهُمْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ فَيُؤْمِنُونَ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، فَلا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ.
قَالَ: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [فاطر: 43] لا تَبْدَالُ بِهَا غَيْرُهَا.
{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا} [فاطر: 43] لا تُحَوَّلُ وَآخِرُ عَذَابِ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى بِالاسْتِئْصَالِ، بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ، وَقَدْ عُذِّبَ أَوَائِلُ مُشْرِكِي هَذِهِ الأُمَّةِ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ} [غافر: 21] ، أَيْ: بَلَى قَدْ سَارُوا، فَلَوْ تَفَكَّرُوا فِيمَا أَهْلَكَ اللَّهُ بِهِ الأُمَمَ فَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ وَكَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [مُحَمَّد: 10] ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
{وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ} [فاطر: 44] لِيَسْبِقَهُ.
{مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [فاطر: 44] حَتَّى لا يَقْدِرَ عَلَيْهِ.
{إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: 44] قَادِرًا.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا} [فاطر: 45] بِمَا عَمِلُوا.
{مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] لَحَبَسَ عَنْهُمُ الْقَطْرَ فَهَلَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ.
{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} [فاطر: 45] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.(2/797)
{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} السَّاعَةِ بِهَا يَكُونُ هَلاكُ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [فاطر: 45] السَّاعَةُ.
{فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا} [فاطر: 45] .(2/798)
سُورَةُ يس
تَفْسِيرُ سُورَةِ يس وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بسم اللَّه الرحمن الرحيم قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يس} [يس: 1]
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَا إِنْسَانُ، وَالسِّينُ حَرْفٌ مِنَ اسْمِ الإِنْسَانِ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا إِنْسَانُ.
{وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ} [يس: 2] الْمُحْكَمِ.
{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3} عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {4} } [يس: 3-4] أَقْسَمَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ {وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ {2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {3} عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {4} } [يس: 2-4] عَلَى دِينٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَالصِّرَاطُ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ إِلَى الْجَنَّةِ.
{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [يس: 5] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، هُوَ تَنْزِيلُ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ، نَزَلَ مَعَ جِبْرِيلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا} [يس: 6] ، يَعْنِي: قُرَيْشًا.
{مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس: 6] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ بَعْضُهُمْ: لِتُنْذِرَ قَوْمًا لَمْ يُنْذَرْ آبَاؤُهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِالَّذِي أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ.
قَالَ يَحْيَى مَنْ قَالَ: لَمْ يُنْذَرْ(2/799)
آبَاؤُهُمْ، يَعْنِي: مِثْلَ قَوْلِهِ: {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [القصص: 46] ، يَعْنِي: قُرَيْشًا، وَمَنْ قَالَ: مِثْلَ الَّذِي أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَيَأْخُذُهَا مِنْ هَذِهِ الآيَةِ: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] ، يَعْنِي: مَنْ كَانُوا قَبْلَ قُرَيْشٍ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا} [يس: 6] ، يَعْنِي: لِتُحَذِّرَ قَوْمًا مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوَعِيدِ {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس: 6] كَمَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ، يَعْنِي: كَمَا حُذِّرَ آبَاؤُهُمْ.
قَالَ: {فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 6] عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَفْلَةٍ مِنَ الْبَعْثِ.
{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ} [يس: 7] لَقَدْ سَبَقَ الْقَوْلُ.
{عَلَى أَكْثَرِهِمْ} [يس: 7] ، يَعْنِي: مَنْ لا يُؤْمِنُ.
قَالَ: {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ {7} إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ {8} } [يس: 7-8] فَهُمْ فِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْهُدَى بِمَنْزِلَةِ الَّذِي فِي عُنُقِهِ الْغُلُّ فَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْسُطَ يَدَهُ، لا يَقْبَلُونَ الْهُدَى.
وَالتَّقَمُّحُ فِيمَا
- حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس: 8] يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ.(2/800)
وَالأَذْقَانُ فِيمَا ذَكَرَهُ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، الْوُجُوهُ، أَيْ: قَدْ غُلَّتْ يَدُهُ، فَهِيَ عِنْدَ وَجْهِهِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الْمُقَمَّحُ الطَّامِحُ بِبَصَرِهِ، الَّذِي لا يُبْصِرُ مَوْطِئَ قَدَمِهِ، أَيْ: حَيْثُ يَطَأُ، أَيْ: لا يُبْصِرُ الْهُدَى.
عُثْمَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ} [يس: 8] مَغْلُولَةٌ، عَنِ الْخَيْرِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: رَافِعُوا رُءُوسِهِمْ، وَأَيْدِيهِمْ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [يس: 9] نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [يس: 9] قَالَ: مَا صَنَعَ اللَّهُ فَهُوَ سَدٌّ، وَمَا صَنَعَ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ سَدٌّ.
وَقَدْ قَالُوا: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: 5] فَلا نُبْصِرُ مَا تَقُولُ.
قَالَ: {فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] الْهُدَى، وَهَذَا كُلُّهُ كَقَوْلِهِ: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] وَقَوْلِهِ: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ} [الجاثية: 23] فَلا يَسْمَعُ الْهُدَى، وَعَلَى قَلْبِهِ فَلا يَقْبَلُ الْهُدَى، {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] فَلا يُبْصِرُ الْهُدَى {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: 23] ، أَيْ: لا أَحَدَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} [يس: 9] ما كان عليه آباؤهم من أمر الجاهلية {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [يس: 9] مِنْ خَلْفِ آبَائِهِمْ {سَدًّا} [يس: 9] يَعْنِيهِمْ، وَهُوَ تَكْذِيبُهُمْ بِالْبَعْثِ.(2/801)
{فَأَغْشَيْنَاهُمْ} [يس: 9] ، يَعْنِي: ظُلْمَةَ الْكُفْرِ.
{فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس: 9] الْهُدَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يس: 10] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: إِنْ أَنْذَرْتَ الْكُفَّارَ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ فَهُوَ عَلَيْهِمْ سَوَاءٌ، يَعْنِي: الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ.
{إِنَّمَا تُنْذِرُ} [يس: 11] إِنَّمَا يَقْبَلُ نِذَارَتَكَ فَيَنْتَذِرُ كَقَوْلِهِ فَيَتَّعِظُ.
{مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} [يس: 11] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} [فاطر: 18] .
قَالَ: {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [يس: 11] فِي السِّرِّ، قَلْبُهُ مُخْلِصٌ بِالإِيمَانِ.
قَالَ: {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} [يس: 11] لِذَنْبِهِ.
{وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} [يس: 11] ، أَيْ: وَثَوَابٍ كَرِيمٍ، الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} [يس: 12] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] كَقَوْلِهِ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] .
{مَا قَدَّمُوا} [يس: 12] مَا عَمِلُوا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، {وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] مَا أَخَّرُوا مِنْ سُنَّةٍ حَسَنَةٍ، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُمْ فَلَهُمْ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، أَوْ سُنَّةٍ سَيِّئَةٍ فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُمْ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ.
- أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا عَلَى هُدًى، فَاتُّبِعَ، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ وَلا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ، فَاتُّبِعَ، فَعَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ وَلا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» .(2/802)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: {وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] خَطْوَهُمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: لَوْ كَانَ اللَّهُ مُغْفِلا شَيْئًا، أَيْ: تَارِكًا شَيْئًا مِنْ شَأْنِكَ يَابْنَ آدَمَ لا يُحْصِيهِ لأَغْفَلَ هَذِهِ الآثَارَ الَّتِي تَعْفُوهَا الرِّيَاحُ.
سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: مَا خَطَا عَبْدٌ خُطْوَةً إِلا كُتِبَ لَهُ حَسَنَةٌ أَوْ سَيِّئَةٌ.
قَالَ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس: 12] ، أَيْ: فِي كِتَابٍ.
{مُبِينٍ} بَيِّنٍ، يَعْنِي: اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ: اكْتُبْ فَقَالَ: رَبِّ مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ، فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ} [يس: 13] وَهِيَ أَنْطَاكِيَةُ.
{إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ {13} إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس: 13-14] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: فَشَدَّدْنَا بِثَالِثٍ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: فَشَدَّدْنَا، يَعْنِي: فَقَوَّيْنَاهُمَا بِثَالِثٍ، أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَيْهِمَا نَبِيَّانِ فَقَتَلُوهُمَا، ثُمَّ أَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الثَّالِثَ.
قَالَ: فَقَالُوا، يَعْنِي: الأَوَّلَيْنِ قَبْلَ الثَّالِثِ وَالثَّالِثُ بَعْدَهُمَا.
{إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ {14} قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} [يس: 14-15] وَجَحَدُوا أَنَّهُمْ(2/803)
رُسُلٌ {وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ {15} قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ {16} وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ {17} قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} [يس: 15-18] تَشَاءَمْنَا بِكُمْ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالُوا: إِنْ أَصَابَنَا سُوءٌ فَهُوَ مِنْ قِبَلِكُمْ.
{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} [يس: 18] لَنَقْتُلُكُمْ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: لَنَرْجُمَنَّكُمْ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى نَقْتُلَكُمْ بِهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} [يس: 18] ، يَعْنِي: لَنَقْتُلَنَّكُمْ.
{وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يس: 18] مُوجِعٌ قَبْلَ أَنْ نَقْتُلَكُمْ.
{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} [يس: 19] ، أَيْ: عَمَلُكُمْ مَعَكُمْ فِيمَا حَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ عَنِ الْحَسَنِ، وَسَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ.
{أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس: 19] ، يَعْنِي: وُعِظْتُمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَتْ لَهُمُ الرُّسُلُ: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} [يس: 19] ، أَيْ: أَئِنْ ذَكَّرْنَاكُمْ بِاللَّهِ تَطَيَّرْتُمْ بِنَا، عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
وَمَقْرَأُ قَتَادَةَ فِيهَا بِالتَّشْدِيدِ: ذُكِّرْتُمْ.
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس: 19] مُشْرِكُونَ.
قَالَ: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ} [يس: 20] أَنْطَاكِيَةَ.
{رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20] ، يَعْنِي: يُسْرِعُ، وَهُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ.
{قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20} اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ {21} وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: 20-22] خَلَقَنِي.(2/804)
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 22] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [يس: 23] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنَ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ} [يس: 23] ، يَعْنِي: الآلِهَةَ.
{شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونِ} [يس: 23] مِنْ ضُرِّي.
{إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يس: 24] ، يَعْنِي: فِي خُسْرَانٍ بَيِّنٍ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} [يس: 25] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَانَ رَجُلا مِنْ قَوْمِ يُونُسَ، وَكَانَ بِهِ جُذَامٌ، وَكَانَ يُطِيفُ بِآلِهَتِهِمْ يَدْعُوهَا، إِذْ مَرَّ عَلَى قَوْمٍ مُجْتَمِعِينَ، فَأَتَاهُمْ فَإِذَا هُمْ قَدْ قَتَلُوا نَبِيَّيْنِ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمُ الثَّالِثَ، فَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ: قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ مَعِي ذَهَبًا فَهَلْ أَنْتَ آخِذُهُ مِنِّي وَأَتَّبِعُكَ وَتَدْعُو اللَّهَ لِي؟ قَالَ: لا أُرِيدُ ذَهَبَكَ، وَلَكِنِ اتَّبِعْنِي،
فَلَمَّا رَأَى الَّذِي بِهِ دَعَا اللَّهَ لَهُ فَبَرَأَ، فَلَمَّا رَأَى مَا صَنَعَ بِهِ {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ {20} اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} [يس: 20-21] لِمَا كَانَ عَرَضَ عَلَيْهِ مِنَ الذَّهَبِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ {وَهُمْ مُهْتَدُونَ {21} وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} [يس: 21-22] خَلَقَنِي {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {22} أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنَ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} [يس: 22-23] لِمَا كَانَ يَدْعُو آلِهَتَهُمْ لِمَا بِهِ مِنَ
الْجُذَامِ فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا {وَلا يُنْقِذُونِ} [يس: 23] مِنْ ضُرِّي، يَعْنِي: الْجُذَامَ الَّذِي كَانَ بِهِ.
{إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ {24} إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ {25} } [يس: 24-25] ، أَيْ: فَاسْتَمِعُوا قَوْلِي، فَاقْبَلُوهُ فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِيمَانِ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَرْفُ مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَلَمَّا سَمِعُوهُ قَتَلُوهُ.(2/805)
فَـ {قِيلَ} لَهُ.
{ادْخُلِ الْجَنَّةَ} [يس: 26] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: وَجَبَتْ لَكَ الْجَنَّةُ.
فَـ {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ {26} بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ {27} } [يس: 26-27] فَنَصَحَهُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا.
قَالَ اللَّهُ: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} [يس: 28] رِسَالَةٍ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
{وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} [يس: 28] وَالْجُنْدُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ يَجِيئُونَ بِالْوَحْيِ إِلَى الأَنْبِيَاءِ، فَانْقَطَعَ عَنْهُمُ الْوَحْيُ وَاسْتَوْجَبُوا الْعَذَابَ، فَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ.
قَالَ اللَّهُ: {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 29] الصَّيْحَةُ عِنْدَ الْحَسَنِ الْعَذَابُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: صَيْحَةُ إِسْرَافِيلَ.
{فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس: 29] قَدْ هَلَكُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [يس: 30] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} [يس: 30] فِي أَنْفُسِهِمْ.
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [يس: 30] فَيَا لَكِ حَسْرَةٌ عَلَيْهِمْ.(2/806)
قَالَ يَحْيَى مِثْلَ قَوْلِهِ: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56] إِذَا كَانَ الْقَوْلُ مِنَ الْعِبَادِ قَالَ الْعَبْدُ يَا حَسْرَتَا، وَقَالَ الْقَوْمُ: يَا حَسْرَتَنَا. ...
نما أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ تَكْذِيبَهُمُ الرُّسُلَ حَسْرَةٌ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا مِنَ الصُّرَاخِ بِالنَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} [يس: 31] ، أَيْ: لا يَرْجِعُونَ إِلَى الدُّنْيَا، يَعْنِي: مَنْ أُهْلِكَ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ يَقُولُ هَذَا لِمُشْرِكِي الْعَرَبِ يَقُولُ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} [يس: 31] يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ.
قَالَ: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا} [يس: 32] عِنْدَنَا.
{مُحْضَرُونَ} [يس: 32] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَعْنِي: الْمَاضِينَ وَالْبَاقِينَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ} [يس: 32] ، يَعْنِي: إِلا جَمِيعٌ {لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: 32] .
وَمَنْ خَفَّفَهَا جَعَلَ اللَّامَ تَوْكِيدًا لِلْفِعْلِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [يس: 33] ، يَعْنِي: الْمُجْدِبَةُ , تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَحْيَيْنَاهَا} [يس: 33] بِالنَّبَاتِ.
وَقَالَ يَحْيَى: يَعْنِي بِالْمَيِّتَةِ: الأَرْضَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمُجْدِبَةُ، أَيِ: الَّذِي أَحْيَاهَا بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَالَ: {وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ {33} وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ {34} لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 33-35] ، أَيْ: لَمْ تَكُنْ تَعْمَلُهُ أَيْدِيهِمْ وَنَحْنُ أَنْبَتْنَا مَا فِيهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} [يس: 35] لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَهُوَ نَحْوُهُ.
قَالَ: {وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ {34} لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ {35} } [يس: 34-35] ، أَيْ: فَلْيَشْكُرُوا.
{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} [يس: 36] ، أَيِ: الأَلْوَانَ كُلَّهَا.(2/807)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الأَصْنَافَ كُلَّهَا.
{مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ} [يس: 36] الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَمِمَّا خَلَقَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ.
{وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} [يس: 36] وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] .
قَالَ: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} [يس: 37] نُذْهِبُ مِنْهُ النَّهَارَ.
{فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ {37} وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 37-38] لا تُجَاوِزُهُ.
وَهَذَا أَبْعَدُ مَسِيرِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى أَدْنَى مَنَازِلِهَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَيْثُ تُكَوَّرُ فَيَذْهَبُ ضَوْءُهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] ، يَعْنِي: لِمُنْتَهَاهَا، وَهُوَ نَحْوُهُ.
- أَشْعَثُ، عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لا مُسْتَقَرَّ لَهَا.
قَالَ يَحْيَى: هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [إبراهيم: 33] .... . قَالَ: {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: 38-39] يَزِيدُ وَيَنْقُصُ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ، يَجْرِي عَلَى مَنَازِلِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لا يَطْلُعُ وَلا يَغِيبُ إِلا فِي زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانَ.
{حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس: 39] الْمُعَلَّى، عَنِ ابْنِ يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كَعُنُقِ النَّخْلَةِ الْيَابِسِ، يَعْنِي: إِذَا كَانَ هِلالا.(2/808)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40] لا يَجْتَمِعُ ضَوْءُهُمَا ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ، لا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يَجْتَمِعَ ضَوْءُهُمَا.
لا يَنْبَغِي لِلشَّمْسِ أَنْ تَطْلُعَ بِاللَّيْلِ فَتَكُونَ مَعَ الْقَمَرِ فِي سُلْطَانِهِ، فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40] لا يُشْبِهُ ضَوْءَ الآخَرِ، لا يَنْبَغِي ذَلِكَ لَهُمَا.
وَقَالَ: شَمْسٌ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، لَيْلَةَ الْهِلالِ خَاصَّةً لا يَجْتَمِعَانِ فِي السَّمَاءِ، وَقَدْ يُرَيَانِ جَمِيعًا وَيَجْتَمِعَانِ فِي غَيْرِ لَيْلَةِ الْهِلالِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس: 2] إِذَا تَبِعَهَا لَيْلَةَ الْهِلالِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس: 2] يَتْلُوهَا صَبِيحَةَ الْهِلالِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} [يس: 40] صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْبَدْرِ، يُبَادِرُ فَيَغِيبُ قَبْلَ طُلُوعِهَا.
قَالَ: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ يُسَبِّحُونَ يَدُورُونَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ كَمَا يَدُورُ فَلَكُ الْمِغْزَلِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْفَلَكُ طَاحُونَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ كَفَلَكَةِ الْمِغْزَلِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَتَجْرِي فِيهَا الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ، وَلَيْسَتْ بِمُلْتَصِقَةٍ بِالسَّمَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ مُلْتَصِقَةً مَا جَرَتْ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {يَسْبَحُونَ} [يس: 40] يَجْرُونَ.
الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ: إِنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ مِثْلَ الْقُبَّةِ، وَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ لاصِقٌ بِالسَّمَاءِ، وَإِنَّهَا تَجْرِي(2/809)
فِي فَلَكٍ دُونَ السَّمَاءِ.
قَالَ: {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس: 40] يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ فَيُذْهِبُهُ كَقَوْلِهِ: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعراف: 54] .
- عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: تَقُولُونَ: جَنَّةً عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ فَأَيْنَ تَكُونُ النَّارُ؟ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِذَا جَاءَ النَّهَارُ أَيْنَ يَكُونُ اللَّيْلُ وَإِذَا جَاءَ اللَّيْلُ أَيْنَ يَكُونُ النَّهَارُ؟ يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40] قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الآيَةِ.
{وَآيَةٌ لَهُمُ} [يس: 33] ، يَعْنِي: وَعَلامَةٌ لَهُمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: 41] ، يَعْنِي: نُوحًا وَبَنِيهِ الثَّلاثَةَ سَامٌ، وَحَامٌ وَيَافِثٌ مِنْهُمْ ذُرِّيَ الْخَلْقُ بَعْدَ مَا غَرَقَ قَوْمُ نُوحٍ.
وَ {الْمَشْحُونِ} [يس: 41] فِي حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ: الْمُوَقَّرُ بِحَمْلِهِ، يَقُولُ: مِمَّا حَمَلَ نُوحٌ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ.
قَالَ: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ} [يس: 42] مِنْ مِثْلِ الْفُلْكِ.
{مَا يَرْكَبُونَ} [يس: 42] ، يَعْنِي: الإِبِلَ، وَيُقَالُ هِيَ سُفُنُ الْبَرِّ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف: 12] .
قَالَ: {وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} [يس: 43] فَلا مُغِيثَ لَهُمْ.
{وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ} [يس: 43] مِنَ الْعَذَابِ.
{إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} [يس: 44] فَبِرَحْمَتِهِ يُمَتِّعُهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَمْ(2/810)
يُهْلِكْهُمْ بِعَذَابِ الاسْتِئْصَالِ، وَسَيُهْلِكُ كُفَّارَ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالنَّفْخَةِ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} [يس: 45] ، {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} [يس: 45] مِنْ وَقَائِعِ اللَّهِ بِالْكُفَّارِ، أَيْ: لا يَنْزِلُ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ، {وَمَا خَلْفَكُمْ} [يس: 45] عَذَابُ الآخِرَةِ بَعْدَ عَذَابِ الدُّنْيَا يَقُولُهُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلْمُشْرِكِينَ، وَهَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} [يس: 45] مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ، اتَّقُوهَا وَاعْمَلُوا لَهَا، {وَمَا خَلْفَكُمْ} [يس: 45] الدُّنْيَا إِذَا كُنْتُمْ فِي الآخِرَةِ، فَلا تَغْتَرُّوا بِالدُّنْيَا، فَإِنَّكُمْ تَأْتُونَ الآخِرَةَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} [يس: 45] مِنَ الذُّنُوبِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} [يس: 45] عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الآخِرَةِ، {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [يس: 45] لِكَيْ تُرْحَمُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [يس: 46] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [يس: 47] وَهَذَا تَطَوُّعٌ.
{قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ} [يس: 47] فَإِذَا لَمْ يَشَإِ اللَّهُ أَنْ يُطْعِمَهُ لَمْ تُطْعِمْهُ.
{إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يس: 47] يَقُولُهُ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} [يس: 48] ، أَيْ: هَذَا الْعَذَابُ.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يُكَذِّبُونَ بِهِ.
قَالَ اللَّهُ: {مَا يَنْظُرُونَ} [يس: 49] مَا يَنْظُرُ كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ.
{إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 29] ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى مِنْ إِسْرَافِيلَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ.
{تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} [يس: 49] فِي أَسْوَاقِهِمْ، يَتَبَايَعُونَ، يَذْرَعُونَ الثِّيَابَ وَيَخْفِضُ أَحَدُهُمْ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ، وَيَحْلِبُونَ اللِّقَاحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ حَوَائِجِهِمْ.(2/811)
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلانِ قَدْ نَشَرَا ثَوْبَهُمَا يَتَبَايَعَانِ بِهِ، فَمَا يَطْوِيَانِهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ قَدْ رَفَعَ أَكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَمَا تَصِلُ إِلَى فِيهِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، وَتَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلُ يَلِيطُ حَوْضَهُ لِيَسْقِيَ مَاشِيَتَهُ فَمَا يَسْقِيهَا حَتَّى
تَقُومَ السَّاعَةُ» .
- خِدَاشٌ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: لَيُنْفَخَنَّ فِي الصُّورِ وَإِنَّ النَّاسَ لَفِي طُرُقِهِمْ وَأَسْوَاقِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ، وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُسَاوِمُ الرَّجُلَ بِالثَّوْبِ وَالثَّوْبُ بَيْنَهُمَا فِي يَدِ هَذَا وَهَذَا فَلا يَدَعَانِهِ حَتَّى يَصْعَقَ بِهِمَا، وَحَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ وَمَا يَرْجِعُ حَتَّى يَصْعَقَ بِهِ، وَتَلا هَذِهِ الآيَةَ: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس: 50] .
رَجُلٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ: يَذْرَعُونَ الثِّيَابَ، وَيَحْلِبُونَ اللِّقَاحَ.
- حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: تَقُومُ السَّاعَةُ وَالرَّجُلانِ فِي السُّوقِ وَمِيزَانُهُمَا فِي أَيْدِيهِمَا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَضَى اللَّهُ أَلا تَأْتِيكُمُ السَّاعَةُ إِلا بَغْتَةً، يَعْنِي قَوْلَهُ: {لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} [الأعراف: 187] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} [يس: 50] أَنْ يُوصُوا.
{وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس: 50] مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَحَيْثُ كَانُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [يس: 51] وَهَذِهِ النَّفْخَةُ الآخِرَةُ، وَالصُّورُ قَرْنٌ.
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ الصُّورِ فَقَالَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ» .(2/812)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [يس: 51] فِي الْخَلْقِ.
- قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقَرَظِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: تُجْعَلُ الأَرْوَاحُ فِي الصُّورِ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ صَاحِبُ الصُّورِ، فَيَذْهَبُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ مِثْلَ النَّحْلِ، فَتَدْخُلُ الأَرْوَاحُ فِي أَجْسَادِهَا.
قَالَ: {فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فَإِذَا هُمْ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى رَبِّهِمْ يَخْرُجُونَ، يَعْنِي: جَمِيعَ الْخَلْقِ.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: تَكَلَّمَ بِأَوَّلِ هَذِهِ الآيَةِ أَهْلُ الضَّلالَةِ وَبِآخِرِهَا أَهْلُ الإِيمَانِ.
قَالَ أَهْلُ الضَّلالَةِ: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52] قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52] أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
عُثْمَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ الْكُفَّارُ: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52] قَالَتِ الْمَلائِكَةُ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس: 52] .
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هُمُ الْمَلائِكَةُ الَّذِينَ كَانُوا يَكْتُبُونَ أَعْمَالَهُمْ، وَقَوْلُهُمْ: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52] وَهُوَ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، لا يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ، وَيُقَالُ إِنَّهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، فَلِذَلِكَ قَالُوا: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس: 52] وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا نَفَخَ النَّفْخَةَ الأُولَى قِيلَ لَهُ: اخْمَدْ، فَيَخْمَدُ إِلَى النَّفْخَةِ الآخِرَةِ.
- الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، الأُولَى يُمِيتُ اللَّهُ بِهَا كُلَّ حَيٍّ، وَالآخِرَةُ يُحْيِي بِهَا كُلَّ مَيِّتٍ» .
أَبُو سَهْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: النَّفْخَةُ الأُولَى مِنَ الدُّنْيَا، وَالنَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الآخِرَةِ.(2/813)
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْقِيَامَةُ اسْمٌ جَامِعٌ يَجْمَعُ النَّفْخَتَيْنِ جَمِيعًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنْ كَانَتْ} [يس: 29] ، يَعْنِي: مَا كَانَتْ.
{إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 49] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ قَالَ: وَكَذَلِكَ كُلُّ إِنْ خَفِيفَةٍ تَسْتَقْبِلُهَا إِلا.
وَقَوْلُهُ: {إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 29] مِنْ إِسْرَافِيلَ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ، يَعْنِي: الْقِيَامَةَ.
{فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس: 53] الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ {لَدَيْنَا} [يس: 53] عِنْدَنَا {مُحْضَرُونَ} [يس: 53] قَالَ: {فَالْيَوْمَ} [يس: 54] ، يَعْنِي: فِي الآخِرَةِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَقُولُهُ يَوْمَئِذٍ.
{لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [يس: 54] فَأَخْبَرَ بِمَصِيرِ أَهْلِ الإِيمَانِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ فَقَالَ: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ} [يس: 55] ، يَعْنِي: فِي الآخِرَةِ.
{فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} [يس: 55] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي افْتِضَاضِ الْعَذَارَى.
قَالَ: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ} [يس: 56] فِي حِجَالٍ.
{عَلَى الأَرَائِكِ} [يس: 56] عَلَى السُّرُرِ فِي الْحِجَالِ.
{مُتَّكِئُونَ} [يس: 56] وَقَوْلُهُ: {فَاكِهُونَ} [يس: 55] مَسْرُورُونَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مُعْجَبُونَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ أَحَدَهُمْ يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ شَابٍّ فِي الشَّهْوَةِ وَالْجِمَاعِ، وَأَنَّهُ يَفْتَضُّ فِي مِقْدَارِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي الدُّنْيَا مِائَةَ عَذْرَاءَ بِذَكَرٍ لا يَمَلُّ وَلا يَنْثَنِي وَفَرْجٍ لا يَحْفَى وَلا يَمْنَى فِي شَهْوَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا.
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(2/814)
قَالَ: «يُعْطَى الْمُؤْمِنُ ثَلاثِينَ زَوْجَةً» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَيُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ» .
خَالِدٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيَتَزَوَّجُ خَمْسَ مِائَةِ حَوْرَاءَ، وَأَرْبَعَةَ آلافِ بِكْرٍ، وَثَمَانِيَةَ آلافِ ثَيِّبٍ، مَا مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ إِلا يُعَانِقُهَا مِثْلَ عُمْرِ الدُّنْيَا كُلِّهِ لا يَمَلُّهَا وَلا تَمَلُّهُ، وَتُوضَعُ مَائِدَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ قَدْرَ عُمْرِ الدُّنْيَا كُلِّهِ، وَيُسْقَى الشَّرَابَ فَيَسْتَلِذَّهُ قَدْرَ عُمْرِ الدُّنْيَا كُلِّهِ، وَيَأْتِيهِ الْمَلَكُ بِالتَّحِيَّةِ مِنَ اللَّهِ وَفِي أُصْبُعَيْهِ مِائَةُ
حُلَّةٍ، فَيَفْرَحُ بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا، فَيَقُولُ: أَفَرِحْتَ بِهَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ الْمَلَكُ لِلشَّجَرِ حَوْلَهُ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُنَّ فَتَلَوْنَ لَهُ بِمَا شَاءَ مَا شَاءَ.
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُونَهَا كُلُّهُمْ، نِسَاؤُهُمْ وَرِجَالُهُمْ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ أَبْنَاءُ ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً عَلَى صُورَةِ آدَمَ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّ ذِرَاعٍ هُوَ، جُرْدًا، مُرْدًا، مُكَحَّلِينَ، يَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَلا يَبُولُونَ، وَلا يَتَغَوَّطُونَ، وَلا يَمْتَخِطُونَ، وَالنِّسَاءُ عُرُبًا أَتْرَابًا، لا يَحِضْنَ، وَلا يَلِدْنَ، وَلا يَمْتَخِطْنَ، وَلا يَبُلْنَ، وَلا
يَقْضِينَ حَاجَة لبس؟ بِهِ قَذَرٌ» .
قَالَ: {لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} [يس: 57] مَا يَشْتَهُونَ، يَكُونُ فِي فِي أَحَدِهِمُ الطَّعَامُ فَيَخْطُرُ عَلَى بَالِهِ طَعَامٌ آخَرُ فَيَتَحَوَّلُ ذَلِكَ الطَّعَامُ فِي فِيهِ وَيَأْكُلُ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنَ الْبُسْرَةِ بُسْرًا ثُمَّ يَأْكُلُ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى عِنَبًا إِلَى عَشَرَةِ أَلْوَانٍ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيُصَفُّ الطَّيْرَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِذَا اشْتَهَى الطَّيْرَ مِنْهَا اضْطَرَبَ ثُمَّ صَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ نَضِيجًا، نِصْفُهُ شِوَاءٌ وَنِصْفُهُ قَدِيرٌ، وَكُلُّ مَا اشْتَهَتْ
أَنْفُسُهُمْ وَجَدُوهُ كَقَوْلِهِ: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ} [الزخرف: 71] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {سَلامٌ قَوْلا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس: 58] قَالَ يَحْيَى: يَأْتِي الْمَلَكُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِلَى أَحَدِهِمْ فَلا يَدْخُلُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ(2/815)
عَلَيْهِ يَطْلُبُ الإِذْنَ مِنَ الْبَوَّابِ الأَوَّلِ، فَيَذْكُرُهُ لِلْبَوَّابِ الثَّانِي، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْبَوَّابِ الَّذِي يَلِيهِ، فَيَقُولُ الْبَوَّابُ لَهُ: مَلَكٌ عَلَى الْبَابِ يَسْتَأْذِنُ فَيَقُولُ: ائْذَنْ لَهُ، فَيَدْخُلُ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ، بِالسَّلامِ مِنَ اللَّهِ، وَالتُّحْفَةِ، وَالْهَدِيَّةِ، وَبِأَنَّ اللَّهَ عَنْهُ
رَاضٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 20] .
قَالَ: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 59] الْمُشْرِكُونَ، أَيْ: لِيَمْتَازُوا عَنِ الْجَنَّةِ إِلَى النَّارِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: عُزِلُوا عَنْ كُلِّ خَيْرٍ.
قَالَ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] ، يَعْنِي: أَلا تُطِيعُوا الشَّيْطَانَ فِي الشِّرْكِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60] أَنَّهُمْ عَبَدُوا الأَوْثَانَ بِمَا وَسْوَسَ إِلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ، فَإِنَّمَا عَبَدُوا الشَّيْطَانَ.
قَالَ: {وَأَنِ اعْبُدُونِي} [يس: 61] لا تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا.
{هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس: 61] دِينٌ مُسْتَقِيمٌ، وَالصِّرَاطُ الطَّرِيقُ، مُسْتَقِيمٌ عَلَى الْجَنَّةِ.
قَالَ: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} [يس: 62] خَلْقًا كَثِيرًا أَضَلَّ مِنْ كُلِّ أَلْفِ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيُّ: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا} [يس: 62] ، يَعْنِي: قَدْ أَغْوَى إِبْلِيسُ مِنْكُمْ جِبِلا، يَعْنِي: خَلْقًا كَثِيرًا، فَكَفَرُوا فَلَمْ يَكُونُوا يَعْقِلُونَ، وَأَخْبَرَ عَنْهُمْ قَالَ: فَقَالَ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] ، أَيْ: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ لآمَنَّا فِي الدُّنْيَا، فَلَمْ نَكُنْ مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ.
قَالَ اللَّهُ: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا} [الملك: 11] فَبُعْدًا {لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 11](2/816)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [يس: 63] فِي الدُّنْيَا إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا.
{اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} فِي الدُّنْيَا.
{الْيَوْمَ} ، يَعْنِي: فِي الآخِرَةِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65] ، أَيْ: يَعْمَلُونَ.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا قَالُوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] فَخَتَمَ اللَّهُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ثُمَّ قَالَ لِلْجَوَارِحِ: انْطِقِي، ثُمَّ قَرَأَ: يَوْمَ يَشْهَدُ أَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ، قَالَ: فَأَوَّلُ مَا يَتَكَلَّمُ مِنْ أَحَدِهِمْ فَخِذُهُ، قَالَ ابْنُ دِينَارٍ: نَسِيتُ الْيُسْرَى قَالَ أَمِ الْيُمْنَى.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ هَذَا آخِرُ مَوَاطِنِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا خُتِمَتْ أَفْوَاهُهُمْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلا دُخُولُ النَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ} [يس: 66] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} [يس: 66] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَعْمَيْنَاهُمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} ، أَيِ: الطَّرِيقَ {فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} [يس: 66] فَكَيْفَ يُبْصِرُونَ إِذَا أَغْشَيْنَاهُمْ.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ} [يس: 67] قَالَ: وَلَوْ نَشَاءُ لأَقْعَدْنَاهُمْ عَلَى أَرْجُلِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِهِمْ أَنْ يَتَقَدَّمُوا أَوْ يَتَأَخَّرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ} [يس: 68] ، أَيْ: إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ.
{نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} [يس: 68] فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لا يَعْقِلُ، كَقَوْلِهِ:(2/817)
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] .
قَالَ: {أَفَلا يَعْقِلُونَ} [يس: 68] ، يَعْنِي بِهِ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: فَالَّذِي خَلَقَكُمْ، ثُمَّ جَعَلَكُمْ شَبَابًا ثُمَّ جَعَلَكُمْ شُيُوخًا، ثُمَّ نَكَّسَكُمْ فِي الْخَلْقِ، فَرَدَّكُمْ بِمَنْزِلَةِ الطِّفْلِ الَّذِي لا يَعْقِلُ شَيْئًا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ} [يس: 69] ، يَعْنِي: النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
{وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس: 69] أَنْ يَكُونَ شَاعِرًا وَلا يَرْوِي الشِّعْرَ. ...
أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ يَتَكَلَّمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْتِ شِعْرٍ قَطُّ غَيْرَ أَنَّهُ أَرَادَ مَرَّةً أَنْ يَتَمَثَّلَ بِبَيْتِ شَاعِرِ بَنِي فُلانٍ فَلَمْ يُقِمْهُ.
قَالَ يَحْيَى: أَظُنُّهُ الأَعْشَى، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: طَرَفَةُ.
أَبَانٌ الْعَطَّارُ أَوْ غَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " قَاتَلَ اللَّهُ طَرَفَةَ حَيْثُ يَقُولُ: سَتُبْدِي لَكَ الأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلا وَيَأْتِيكَ مَنْ لَمْ تَزَوَّدْ بِالأَخْبَارِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ قَالَ: وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَزَوَّدِ.
فَقَالَ: سَوَاءٌ ".
قَالَ: {إِنْ هُوَ} [يس: 69] ، يَعْنِي: مَا هُوَ.
{إِلا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُبِينٌ} [يس: 69] ، يَعْنِي: مَا هُوَ إِلا تَفَكُّرٌ لِلْعَالَمِينَ لِمَنْ آمَنَ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ} [يس: 69] يَذْكُرُونَ بِهِ الْجَنَّةَ.(2/818)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ} [يس: 69] تَذَكُّرٌ فِي ذَاتِ اللَّهِ {وَقُرْءَانٌ مُبِينٌ} [يس: 69] بَيِّنٌ.
{لِيُنْذِرَ} [يس: 70] مِنَ النَّارِ، مَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ يَقُولُ لِيُنْذِرَ الْقُرْآنُ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ يَقُولُ: لِتُنْذِرَ يَا مُحَمَّدُ.
{مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس: 70] مُؤْمِنًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: مُهْتَدِيًا، مُؤْمِنًا فِي عِلْمِ اللَّهِ، هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ نِذَارَتَكَ.
{وَيَحِقَّ الْقَوْلُ} [يس: 70] الْغَضَبُ.
{عَلَى الْكَافِرِينَ} [يس: 70] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: 71] ، أَيْ: بِقُوَّتِنَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، كَقَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 47] وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] ، يَعْنِي: مِنْ فِعْلِهِ.
{أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} [يس: 71] ضَابِطُونَ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ} [يس: 72] ، يَعْنِي: الإِبِلَ، وَالْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ، وَالدَّوَابَّ أَيْضًا ذَلَّلَهَا لَكُمُ: الْخَيْلَ، وَالْبِغَالَ، وَالْحَمِيرَ.
{فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} [يس: 72] الإِبِلُ، وَالْبَقَرُ مِنَ الأَنْعَامِ، وَالدَّوَابُّ: الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ.
{وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} [يس: 72] مِنَ الإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَقَدْ يُرَخِّصُ فِي الْخَيْلِ.
- حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ، قَالَ: فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْخَيْلِ.
- الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: {وَلَهُمْ فِيهَا} [يس: 73] فِي الأَنْعَامِ.
{مَنَافِعُ} [يس: 73] فِي أَصْوَافِهَا، وَأَوْبَارِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَلُحُومِهَا.(2/819)
{وَمَشَارِبُ} [يس: 73] يَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا.
{أَفَلا يَشْكُرُونَ} [يس: 73] ، أَيْ: فَلْيَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ} [يس: 74] يَمْنَعُونَ.
كَقَوْلِهِ: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81] قَالَ: {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} [يس: 75] لا تَسْتَطِيعُ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ نَصْرَهُمْ.
{وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} [يس: 75] مَعَهُمْ فِي النَّارِ.
قَالَ يَحْيَى: فِي مَا أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} [يس: 76] إِنَّكَ سَاحِرٌ وَإِنَّكَ شَاعِرٌ، وَإِنَّكَ كَاهِنٌ، وَإِنَّكَ مَجْنُونٌ، وَإِنَّكَ كَاذِبٌ.
{إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} [يس: 76] مِنْ عَدَاوَتِهِمْ لَكَ.
{وَمَا يُعْلِنُونَ} [يس: 76] كُفْرَهُمْ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ، فَسَنَعْصِمُكَ مِنْهُمْ وَنُذِلُّهُمْ لَكَ.
فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} } [يس: 77-78] رُفَاتٌ.
- الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَتَى /أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ /إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ بَالٍ، فَقَالَ: أَيُحْيِي اللَّهُ هَذَا وَهُوَ رَمِيمٌ؟
قَالَ يَحْيَى: فَبَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «يُحْيِيكَ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ النَّارَ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] كَقَوْلِهِ: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك: 14] ، أَيْ: بَلَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: 78] وَقَدْ عَلِمَ أَنَّا خَلَقْنَاهُ، أَيْ: فَكَمَا خَلَقْنَاهُ فَكَذَلِكَ نُعِيدُهُ.
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: شَتَمَنِي عَبْدِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ لِيَشْتِمَنِي، وَكَذَّبَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُكَذِّبَنِي، أَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ إِنَّ لِي وَلَدًا، وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ إِنِّي لَنْ أُعِيدَهُ كَمَا خَلَقْتُهُ ".(2/820)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس: 80] كُلُّ عُودٍ يُزْنَدُ مِنْهُ النَّارُ فَهُوَ مِنْ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ.
قَالَ: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81] فِي الآخِرَةِ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ {81} إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ {82} فَسُبْحَانَ} [يس: 81-83] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالَ الْمُشْرِكُونَ.
{الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(2/821)
سُورَةُ الصَّافَّاتِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الصَّافَّاتِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1] ، يَعْنِي: صُفُوفَ الْمَلائِكَةِ فِي الصَّلاةِ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: الْمَلائِكَةُ.
الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: لَيْسَ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا عَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} [الصافات: 2] الْمَلائِكَةُ، وَالرَّعْدُ مَلَكٌ يَزْجُرُ السَّحَابَ وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [الصافات: 19] وَهِيَ النَّفْخَةُ الآخِرَةُ يَنْفُخُ فِيهِ صَاحِبُ الصُّورِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالتَّالِيَاتِ} [الصافات: 3] ، يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ.
{ذِكْرًا} [الصافات: 3] ، يَعْنِي: الْوَحْيَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، تَتْلُو الْقُرْآنَ، الْوَحْيَ الَّذِي تَأْتِي بِهِ الأَنْبِيَاءُ.(2/822)
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: هَذَا كُلُّهُ الْمَلائِكَةُ، أَقْسَمَ بِهَذَا كُلِّهِ.
{إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ {4} رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ {5} } [الصافات: 4-5] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَهَا ثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَشْرِقًا وَثَلاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ مَغْرِبًا.
وَسَمِعْتُ غَيْرَ سَعِيدٍ يَقُولُ: هِيَ ثَمَانُونَ وَمِائَةُ مَنْزِلَةٍ، تَطْلُعُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلَةٍ حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى آخِرِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ فِي الثَّمَانِينَ وَمِائَةٍ، فَتَكُونُ ثَلاثَ مِائَةٍ وَسِتِّينَ، فَهِيَ كُلُّ يَوْمٍ فِي مَنْزِلَةٍ.
قَالَ سَعِيدٌ: وَقَالَ قَتَادَةُ: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] قَالَ: لَهَا مَشْرِقٌ فِي الشِّتَاءِ، وَمَشْرِقٌ فِي الصَّيْفِ، وَمَغْرِبٌ فِي الشِّتَاءِ، وَمَغْرِبٌ فِي الصَّيْفِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الشعراء: 28] الْمَشْرِقِ كُلِّهِ وَالْمَغْرِبِ كُلِّهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ {6} وَحِفْظًا} [الصافات: 6-7] ، أَيْ: وَجَعْلَنَاهَا، يَعْنِي: الْكَوَاكِبَ حِفْظًا لِلسَّمَاءِ.
{مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} [الصافات: 7] مَرَدَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، أَيِ: اجْتَرَأَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَهُمْ سُرَاةُ إِبْلِيسَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لا يَسْمَعُونَ} [فصلت: 4] ، أَيْ: لِئَلا يَسْمَعُوا.
{إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى} [الصافات: 8] الْمَلائِكَةِ فِي السَّمَاءِ، وَكَانُوا يَسْمَعُونَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارًا مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، فَأَمَّا الْوَحْيُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَسْمَعُوهُ وَكَانُوا يَقْعَدُونَ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مِنْ تِلْكَ الْمَقَاعِدِ.(2/823)
قَالَ: {لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ} [الصافات: 8] ، أَيْ: يَرُمُّونَ.
{مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} [الصافات: 8] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مِنْ كُلِّ مَكَانٍ.
{دُحُورًا} [الصافات: 9] طَرْدًا، يُطْرَدُونَ عَنِ السَّمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مَدْحُورِينَ مَطْرُودِينَ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدٌ الصَّيِّدُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ يَقُولُ: كُنَّا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَرَى نَجْمًا يُرْمَى بِهِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذِ النُّجُومُ قَدْ رُمِيَ بِهَا، فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟ إِنَّ هَذَا لأَمْرٌ حَدَثٌ، فَجَاءَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ فِي سُورَةِ الْجِنِّ {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}
[الجن: 9] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] دَائِمٌ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10] رَجَعَ إِلَى أَوَّلِ الْكَلامِ {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ {7} لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلإِ الأَعْلَى} [الصافات: 7-8] ...
{إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} [الصافات: 10] اسْتَمَعَ الاسْتِمَاعَةَ كَقَوْلِهِ: {إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} [الحجر: 18] .
قَالَ: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} [الصافات: 10] ، أَيْ: مُضِيءٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ثُقُوبُهُ: ضَوْءُهُ.
- يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْكَوْكَبَ قَدْ رُمِيَ بِهِ فَتَوَارَى فَإِنَّهُ لا يُخْطِئُ، وَهُوَ يَحْرِقُ مَا أَصَابَ وَلا يَقْتُلُ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهُ يَقْتُلُه فِي أَسْرَعِ مِنَ الطَّرْفِ.(2/824)
يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ رَجُلٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي قَتَادَةَ عَلَى سَطْحٍ فَانْقَضَّ كَوْكَبٌ، فَنَهَانَا أَبُو قَتَادَةَ أَنْ نُتْبِعَهُ أَبْصَارَنَا.
أَبُو سَهْلٍ، عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَأَلَ حَفْصٌ الْحَسَنَ: أَأُتْبِعُ بَصَرِي الْكَوْكَبَ؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5] وَقَالَ: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ} [الأعراف: 185] كَيْفَ نَعْلَمُ إِذَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ؟ لأُتْبِعَنَّهُ بَصَرِي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاسْتَفْتِهِمْ} [الصافات: 11] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، أَيْ: فَاسْأَلْهُمْ فِي مَا حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فَحَاجَّهُمْ.
{أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [الصافات: 11] ، يَعْنِي: السَّمَاءَ فِي قَوْلِ سُفْيَانَ وَمُجَاهِدٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا {27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} } [النازعات: 27-28] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] .
وَقَالَ {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: 57] يَقُولُ: فَاسْأَلْهُمْ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، يُحَاجُّهُمْ بِذَلِكَ: أَهُمْ {أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ} [النازعات: 27] فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ، وَفِي قَوْلِ الْحَسَنِ أَمِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ؟ ، أَيْ: أَنَّهُمَا أَشَدُّ خَلْقًا مِنْهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} [الصافات: 11] ، يَعْنِي: بَعْثًا فِي الآخِرَةِ {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} [الصافات: 11] .
قَالَ: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات: 11] وَاللَّازِبُ الَّذِي يَلْصَقُ بِالْيَدِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
قَالَ يَحْيَى: يَلْصَقُ وَيَلْزَقُ وَاحِدٌ، هِيَ لُغَةٌ، وَهِيَ تُقَالُ بِالسِّينِ يَلْسِقُ أَيْضًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لازِبٍ} [الصافات: 11] لازِمٌ، وَهُوَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الطِّينُ الْحُرُّ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
، يَعْنِي: خَلْقَ آدَمَ، كَانَ أَوَّلُ خَلْقِهِ تُرَابًا، ثُمَّ كَانَ طِينًا، قَالَ: مِنْ تُرَابٍ.
وَقَالَ: {مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} [الرحمن: 14] وَهُوَ التُّرَابُ الْيَابِسُ الَّذِي يُسْمَعُ لَهُ صَلْصَلَةٌ(2/825)
فِي مَا
حَدَّثَنِي عُثْمَانُ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ: {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات: 11] وَقَالَ: {مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر: 26] ، يَعْنِي: الطِّينَ الْمُنْتِنَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلْ عَجِبْتَ} [الصافات: 12] لَقَدْ عَجِبْتُ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بَلْ عَجِبْتَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ أُعْطِيتَ هَذَا الْقُرْآنَ.
{وَيَسْخَرُونَ} [الصافات: 12] هُمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{وَإِذَا ذُكِّرُوا} [الصافات: 13] بِالْقُرْآنِ.
{لا يَذْكُرُونَ {13} وَإِذَا رَأَوْا آيَةً} [الصافات: 13-14] إِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَةٌ.
{يَسْتَسْخِرُونَ} [الصافات: 14] مِنَ السُّخْرِيَةِ.
{وَقَالُوا إِنْ هَذَا} [الصافات: 15] يَعْنُونَ الْقُرْآنَ.
{إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصافات: 15] بَيِّنٌ أَنَّهُ سِحْرٌ.
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ {16} أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ {17} } [الصافات: 16-17] قَالُوا هَذَا الاسْتِفْهَامَ، وَهَذَا الاسْتِفْهَامُ عَلَى إِنْكَارٍ، أَيْ: لا نُبْعَثُ وَلا آبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْ نَعَمْ} [الصافات: 18] تُبْعَثُونَ جَمِيعًا.
{وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} [الصافات: 18] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ: صَاغِرُونَ.
قَالَ: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} [الصافات: 19] النَّفْخَةُ الآخِرَةُ.
{فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} [الصافات: 19] قَدْ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يَنْظُرُونَ.
{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات: 20] يَوْمُ الا ...
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(2/826)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَوْمٌ يُدِينُ اللَّهُ النَّاسَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَوْمُ الْحِسَابِ.
قَالَ: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصافات: 21] يَوْمُ الْقَضَاءِ، يُقْضَى فِيهِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، فَيَدْخُلُ الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّةَ، وَيَدْخُلُ الْمُشْرِكُونَ النَّارَ.
قَالَ: {احْشُرُوا} [الصافات: 22] سُوقُوا.
{الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَشْرَكُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: سُوقُوا الَّذِينَ كَفَرُوا وَشُرَكَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ إِلَى الْحِسَابِ.
قَالَ: {وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] ، أَيْ: وَأَشْكَالَهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] ، يَعْنِي: وَقُرَنَاءَهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ.
{وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ} [الصافات: 22-23] فَادْعُوهُمْ.
{إِلَى صِرَاطِ} إِلَى طَرِيقِ.
{الْجَحِيمِ}
- حَمَّادٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير: 7] قَالَ: يُزَوَّجُ الرَّجُلُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَيُزَوَّجُ الرَّجُلُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ {22} مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ {23} } [الصافات: 22-23] .
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ كُلَّ قَوْمٍ يُلْحَقُونَ بِصِنْفِهِمْ، وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، فَإِنَّمَا عَبَدُوا الشَّيَاطِينَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الصافات: 22] الشَّيَاطِينَ {وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] مَنْ عَمِلَ بِأَعْمَالِهِمْ مِنْ بَنِي آدَمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاهْدُوهُمْ} [الصافات: 23] تَفْسِيرُ السُّدِّيُّ: فَادْعُوهُمْ.
{إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] إِلَى طَرِيقِ الْجَحِيمِ.(2/827)
وَالْجَحِيمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ، وَهُوَ الْبَابُ الْخَامِسُ، وَأَسْمَاءُ أَبْوَابِهَا السَّبْعَةِ: جَهَنَّمُ هُوَ الْبَابُ الأَعْلَى، ثُمَّ لَظًى، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، ثُمَّ السَّعِيرُ، ثُمَّ الْجَحِيمُ، ثُمَّ سَقَرٌ، ثُمَّ الْهَاوِيَةُ وَهِيَ الدَّرْكُ الأَسْفَلُ مِنَ النَّارِ، وَهِيَ جَمِيعًا النَّارُ وَجَهَنَّمُ اسْمٌ جَامِعٌ لِتِلْكَ الأَبْوَابِ.
قَالَ: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} [النحل: 29] وَكُلُّ بَابٍ مِنْهَا هُوَ النَّارُ: الأَعْلَى جَهَنَّمُ، ثُمَّ لَظَى، وَالنَّارُ كُلُّهَا لَظَى، قَالَ: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى} [الليل: 14] تَأَجَّجُ، ثُمَّ الْحُطَمَةُ، وَالنَّارُ كُلُّهَا حُطَمَةٌ، تَحْطِمُ عِظَامَهُمْ وَتَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ إِلا الْفُؤَادَ قَالَ: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة: 4] ثُمَّ السَّعِيرُ، وَالنَّارُ كُلُّهَا سَعِيرٌ سُعِرَ بِهِمْ قَالَ: {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] ثُمَّ الْجَحِيمُ، وَالنَّارُ كُلُّهَا جَحِيمٌ، قَالَ:
{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] فِي النَّارِ، ثُمَّ سَقَرٌ، وَالنَّارُ كُلُّهَا سَقَرٌ قَالَ: {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر: 28] فَكَذَلِكَ تَفْعَلُ تِلْكَ الأَبْوَابُ كُلُّهَا بِهِمْ، لا تُبْقِي أَجْسَادَهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَهَا، وَلا تَذَرُ حِينَ يُجَدَّدُ خَلْقُهُمْ حَتَّى تَأْكُلَ أَجْسَادَهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] ثُمَّ الْهَاوِيَةُ وَالنَّارُ كُلُّهَا هَاوِيَةٌ، يَهْوُونَ فِيهَا: قَالَ: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}
[القارعة: 9] غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الأَنْوَاعَ الَّتِي وَصَفَ بِهَا النَّارَ لِكُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا اسْمٌ مِنْ تِلْكَ الأَنْوَاعِ سُمِّيَتْ بِهِ وَلِكُلِّ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مَنْزِلٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ الَّتِي سُمِّيَتْ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقِفُوهُمْ} [الصافات: 24] ، أَيِ: احْبِسُوهُمْ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا النَّارَ.
{إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24] عَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
{مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] يُقَالُ لَهُمْ: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات: 25] لا يَنْصُرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لا يَمْنَعُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ دُخُولِ النَّارِ.
قَالَ اللَّهُ: {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات: 26] اسْتَسْلَمُوا.(2/828)
قَالَ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 27] الإِنْسُ وَالشَّيَاطِينُ.
{قَالُوا} قَالَتِ الإِنْسُ لِلشَّيَاطِينِ.
{قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَن الْيَمِينِ} [الصافات: 28] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْكُفَّارُ بِقَوْلِهِ لِلشَّيَاطِينِ.
{إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَن الْيَمِينِ} [الصافات: 28] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْكُفَّارُ تَقُولُهُ لِلشَّيَاطِينِ.
{إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَن الْيَمِينِ} [الصافات: 28] مِنْ قِبَلِ الدِّينِ فَصَدَدْتُمُونَا عَنْهُ، وَزَيَّنْتُمْ لَنَا الضَّلالَةَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات: 28] مِنْ قِبَلِ الْخَيْرِ فَتُثَبِّطُونَنَا عَنْهُ.
وَتَفْسِيرُهُمَا وَاحِدٌ.
قَالُوا قَالَتِ الشَّيَاطِينُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الإِنْسِ.
{بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ {29} وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات: 29-30] كَقَوْلِهِ {فَإِنَّكُمْ} [الصافات: 161] يَا بَنِي إِبْلِيسَ {وَمَا تَعْبُدُونَ {161} مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ {162} } [الصافات: 161-162] لَيْسَ لَكُمْ سُلْطَانٌ {إِلا} عَلَى {مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] .
{بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات: 30] ، يَعْنِي: ضَالِّينَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، تَقُولُهُ الشَّيَاطِينُ لِلْمُشْرِكِينَ مِنَ الإِنْسِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات: 30] مِنْ مَلَكٍ فَنَقْهَرُكُمْ بِهِ عَلَى الشِّرْكِ {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} [الصافات: 30] .
{فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} [الصافات: 31] هَذَا قَوْلُ الشَّيَاطِينِ، وَالْقَوْلُ هَاهُنَا هُوَ قَوْلُهُ: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} [السجدة: 13] صَدَقَ الْقَوْلُ مِنِّي {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] .
قَالَ: {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} [الصافات: 31] ، أَيِ: الْعَذَابُ.
{فَأَغْوَيْنَاكُمْ} [الصافات: 32] تَقُولُهُ الشَّيَاطِينُ لِلْمُشْرِكِينَ، أَيْ: فَأَضْلَلْنَاكُمْ.
{إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات: 32] ضَالِّينَ.
قَالَ: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الصافات: 33] يُقْرَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ هُوَ وَشَيْطَانُهُ(2/829)
فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات: 34] بِالْمُشْرِكِينَ.
{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: 35] عَنْهَا.
وَيَقُولُونَ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ إِذَا دَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِيمَانِ.
{أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 36] يَعْنُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: لا نَفْعَلُ.
قَالَ اللَّهُ: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ} [الصافات: 37] ، يَعْنِي: بِالتَّوْحِيدِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 37] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ} [الصافات: 38] الْمُوجِعَ، يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي: عَذَابَ جَهَنَّمَ.
قَالَ: {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ {39} إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ {40} } [الصافات: 39-40] اسْتَثْنَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ.
{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 41] الْجَنَّةُ.
{فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ {42} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {43} عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ {44} } [الصافات: 42-44] وَالسُّرُرُ مَرْمُولَةٌ بِالذَّهَبِ وَبِقُضْبَانِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطِبِ.
{مُتَقَابِلِينَ} [الصافات: 44] لا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى قَفَا بَعْضٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ فِي الزِّيَارَةِ إِذَا تَزَاوَرُوا.
قَالَ: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ} [الصافات: 45] وَهِيَ الْخَمْرُ.
{مِنْ مَعِينٍ} [الصافات: 45] وَالْمَعِينُ الْجَارِي الظَّاهِرُ.
{بَيْضَاءَ} [الصافات: 46] ، يَعْنِي: الْخَمْرَ.
{لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ {46} لا فِيهَا غَوْلٌ} [الصافات: 46-47] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ، لَيْسَ فِيهَا وَجَعُ بَطْنٍ.(2/830)
{وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: 47] إِذَا شَرِبُوهَا لا تَذْهَبُ عُقُولُهُمْ، لا يَسْكَرُونَ.
{وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} [الصافات: 48] ، يَعْنِي: الأَزْوَاجَ، قُصِرَ طَرْفُهُنَّ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لا يُرِدْنَ غَيْرَهُمْ.
{عِينٌ} عِظَامُ الْعُيُونِ، الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ عَيْنَاءُ، وَالْعِينُ جَمَاعَتُهُنَّ، نُسِبْنَ إِلَى عِظَمِ الْعُيُونِ.
وَبَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: شُفْرُ عَيْنِهَا أَطْوَلُ مِنْ جَنَاحِ النِّسْرِ.
{كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات: 49] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمْ يُمَرَّثْ وَلَمْ تَمَسَّهُ الأَيْدِي.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: هِيَ الْقِشْرَةُ الدَّاخِلَةُ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: يَعْنِي: بِالْبِيضِ اللُّؤْلُؤِ كَقَوْلِهِ: {وَحُورٌ عِينٌ {22} كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ {23} } [الواقعة: 22-23] فِي أَصْدَافِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات: 50] ، يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ.
{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51] صَاحِبٌ فِي الدُّنْيَا.
{يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات: 52] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات: 53] ، يَعْنِي: لَمُحَاسَبُونَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
، أَيْ: لا نُبْعَثُ وَلا نُحَاسَبُ وَهُمَا اللَّذَانِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} [الكهف: 32] إِلَى آخِرِ قِصَّتِهِمَا.
{قَالَ} الْمُؤْمِنُ مِنْهُمَا فِي الْجَنَّةِ الَّذِي قَالَ: {كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51](2/831)
{هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ {54} فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ {55} } [الصافات: 54-55] فَرَأَى صَاحِبَهُ.
{فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 55] ، يَعْنِي: فِي وَسَطِ الْجَحِيمِ.
قَالَ قَتَادَةُ: فَوَاللَّهِ لَوْلا أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُ إِيَّاهُ مَا كَانَ لِيَعْرِفَهُ، لَقَدْ تَغَيَّرَ حَبْرُهُ وَسَبْرُهُ.
- حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَشَدِّ النَّاسِ بَلاءً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ: اصْبُغُوهُ صِبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صِبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ أَصَابَكَ بُؤْسٌ قَطُّ، هَلْ أَصَابَتْكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ أَوْ كَمَا قَالَ، فَيَقُولُ: لا، وَيُؤْتَى بِأَنْعَمِ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صِبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ أَصَابَكَ
نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لا ".
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات: 51] شَيْطَانٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: إِنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ النَّارِ كُوًى، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَدُوٍّ لَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ اطَّلَعَ فَرَآهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا} [المطففين: 29] أَشْرَكُوا {كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ {29} وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ {30} وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ {31} } [المطففين: 29-31] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {وَإِذَا رَأَوْهُمْ} [المطففين: 32] رَأَوُا الْمُؤْمِنِينَ
{قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين: 32] قَالَ اللَّهُ: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ {33} فَالْيَوْمَ} [المطففين: 33-34] ، يَعْنِي: فِي الآخِرَةِ {الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ {34} عَلَى الأَرَائِكِ} [المطففين: 34-35] عَلَى السُّرُرِ {يَنْظُرُونَ {35} هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ {36} } [المطففين: 35-36] .
قَالَ الْحَسَنُ: هَذِهِ وَاللَّهِ الدُّولَةُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56] لَتُبَاعِدُنِي مِنَ اللَّهِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات: 56] ، يَعْنِي: تَاللَّهِ لَقَدْ كِدْتَ تُغْوِينِ.
قَالَ يَحْيَى: يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُ لِصَاحِبِهِ.(2/832)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُهُ الْمُؤْمِنُ لِشَيْطَانِهِ.
{وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} [الصافات: 57] الإِسْلامُ.
{لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات: 57] مَعَكَ فِي النَّارِ.
قَالَ: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ {58} إِلا مَوْتَتَنَا الأُولَى} [الصافات: 58-59] وَلَيْسَ هِيَ إِلا مَوْتَةٌ وَاحِدَةٌ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا كَقَوْلِهِ: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى} [النجم: 50] وَلَمْ يَكُنْ عَادٌ قَبْلَهَا.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات: 59] قَالَهُ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى سُرُورٍ، قَدْ أَمِنَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصافات: 60] النَّجَاةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِمِثْلِ هَذَا} [الصافات: 61] ، يَعْنِي: مَا وَصَفَ مِمَّا فِيهِ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
{فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61] ثُمَّ قَالَ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات: 62] ، أَيْ: إِنَّهُ خَيْرٌ نُزُلا مِنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ.
{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات: 63] لِلْمُشْرِكِينَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ دَعَا أَبُو جَهْلٍ بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ فَقَالَ: تَزَقَّمُوا فَمَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ إِلا هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 64] إِلَى قَوْلِهِ: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ {67} ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ {68} } [الصافات: 67-68] قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات: 62] قَالُوا: مَا
نَعْرِفُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى: لَكِنِّي وَاللَّهِ أَعْرِفُهَا، هِيَ شَجَرَةٌ تَكُونُ بِإِفْرِيقِيَّةَ، فَلَمَّا نَزَلَ: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ {64} طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ {65} } [الصافات: 64-65] قَالُوا مَا يُشْبِهُ هَذِهِ الَّتِي يَصِفُ مُحَمَّدٌ مَا قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى.(2/833)
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهَا فِي الْبَابِ السَّادِسِ وَأَنَّهَا تَحْيَا بِلَهَبِ النَّارِ كَمَا يَحْيَا شَجَرُكُمْ بِبَرْدِ الْمَاءِ، قَالَ: فَلا بُدَّ لأَهْلِ النَّارِ مِنْ أَنْ يَنْحَدِرُوا إِلَيْهَا، يَعْنِي: مَنْ كَانَ فَوْقَهَا، فَيَأْكُلُونَ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ: {طَلْعُهَا} [الصافات: 65] ، أَيْ: ثَمَرَتُهَا.
{كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات: 65] يُقَبِّحُهَا بِذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُءُوسُ الْحَيَّاتِ.
قَالَ: {فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا} [الصافات: 66] مِنَ الشَّجَرَةِ.
{الْبُطُونَ {66} ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا} [الصافات: 66-67] لَمِزَاجًا.
{مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات: 67] وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ فَيُقَطِّعُ أَمْعَاءَهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا} [مُحَمَّد: 15] حَارًّا {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [مُحَمَّد: 15] وَالْحَمِيمُ: الْحَارُّ الَّذِي لا يُسْتَطَاعُ مِنْ حَرِّهِ.
قَالَ: {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الْجَحِيمِ} [الصافات: 68] كَقَوْلِهِ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] قَدِ انْتَهَى حَرُّهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا} [الصافات: 69] وَجَدُوا، أَدْرَكُوا.
{آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ {69} فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ {70} } [الصافات: 69-70] وَالإِهْرَاعُ الإِسْرَاعُ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: يُهْرَعُونَ كَهَيْئَةِ الْهَرْوَلَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} [الصافات: 71] قَبْلَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
{أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} [الصافات: 71] كقوله: {كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم: 42] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ} [الصافات: 71] ، يَعْنِي: غَوِيَ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ فَكَفَرُوا.(2/834)
قَالَ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ} [الصافات: 72] فِي الَّذِينَ قَبْلَهُمْ.
{مُنْذِرِينَ} [الصافات: 72] ، يَعْنِي: الرُّسُلَ، أَيْ: فَكَذَّبُوهُمْ.
{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ} [الصافات: 73] الَّذِينَ أَنْذَرَهُمُ الرُّسُلُ فَكَذَّبُوهُمْ، كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 74] اسْتَثْنَى مَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ الرُّسُلَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} [الصافات: 75] ، يَعْنِي: حَيْثُ دَعَا عَلَى قَوْمِهِ.
{فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات: 75] لَهُ، أَجَبْنَاهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ.
{وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات: 76] مِنَ الْغَرَقِ.
{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} [الصافات: 77] فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ وَلَدُ سَامٍ، وَحَامٍ، وَيَافِثٍ.
قَالَ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] أَلْقَيْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
{سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} [الصافات: 79] ، يَعْنِي: مَا كَانَ بَعْدَ نُوحٍ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، يُقَالُ لِنُوحٍ مِنْ بَعْدِهِ فِي النَّاسِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {80} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {81} } [الصافات: 80-81] قَالَ: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} [الصافات: 82] ، يَعْنِي: مَنْ سِوَى الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ.
قَالَ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 83] يَقُولُ إِنَّ مِنْ أَهْلِ مِلَّةِ نُوحٍ لإِبْرَاهِيمَ.
هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ} [الصافات: 83] عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسُنَّتِهِ.
{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات: 84] حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مِنَ الشِّرْكِ.
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ {85} أَئِفْكًا} [الصافات: 85-86] ، أَيْ: كَذِبًا.
{آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} [الصافات: 86] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ فَعَبَدْتُمُوهُمْ دُونَهُ.(2/835)
{فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 87] ، أَيْ: أَنَّهُ مُعَذِّبُكُمْ.
قَالَ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} [الصافات: 88] ، يَعْنِي: فِي الْكَوَاكِبِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّهُمْ كَانُوا بِقَرْيَةٍ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ يُقَالُ لَهَا: هُرْمُزُخُرّد، وَكَانُوا يَنْظُرُونَ فِي النُّجُومِ قَالَ: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ {88} فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ {89} } [الصافات: 88-89] ، أَيْ: مَطْعُونٌ.
{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات: 90] إِلَى عِيدِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اسْتَتْبَعُوهُ لِعِيدِهِمْ فَعَصَبَ رَأْسَهُ وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ فِي النُّجُومِ إِنِّي سَأُطْعَنُ غَدًا، كَرَاهِيَةَ الذَّهَابِ مَعَهُمْ، وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ بِآلِهَتِهِمْ، كَادَهُمْ بِذَلِكَ، وَهِيَ إِحْدَى الْخَطَايَا الثَّلاثِ، قَالَ: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82] قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وَقَوْلُهُ
لِسَارَّةَ: إِنْ سَأَلُوكِ فَقُولِي إِنَّكِ أُخْتِي.
قَالَ: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ} [الصافات: 93] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ: فَمَالَ عَلَيْهِمْ، عَلَى آلِهَتِهِمْ.
{ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: 93] فَكَسَّرَهَا إِلا كَبِيرَهُمْ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ.
قَالَ: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ} [الصافات: 94] إِلَى إِبْرَاهِيمَ.
{يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَبْتَدِرُونَهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {يَزِفُّونَ} [الصافات: 94] يُرْعِدُونَ غَضَبًا.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الْخُيَلاءَ.
{قَالَ} لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ.
{أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] ، يَعْنِي: أَصْنَامَهُمْ.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] بِأَيْدِيكُمْ، أَيْ: خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ ذَلِكَ الَّذِي(2/836)
تَنْحِتُونَ.
حَدَّثَنَاهُ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ: {ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا} [الصافات: 97] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] ، أَيْ: فِي النَّارِ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَجَمَعُوا الْحَطَبَ زَمَانًا حَتَّى إِنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ زَمَانًا كَانَ يَجِيءُ بِالْحَطَبِ، فَيُلْقِيهِ يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى آلِهَتِهِمْ فِيمَا يَزْعُمُ، ثُمَّ جَاءُوا بِإِبْرَاهِيمَ، فَأَلْقَوْهُ فِي تِلْكَ النَّارِ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ رَمَوْا بِهِ فِي الْمَنْجَنِيقِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا صُنِعَ الْمَنْجَنِيقُ.
فَقَالَ اللَّهُ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا} [الأنبياء: 69] سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: فَكَادَتْ تَقْتُلُهُ مِنَ الْبَرْدِ، فَقِيلَ: {وَسَلامًا} لا تَضُرُّهُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ كَعْبًا، قَالَ: مَا انْتَفَعَ بِهَا يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَمَا أَحْرَقَتْ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ إِلا وَثَاقَهُ.
عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي النَّارِ جَاءَتْ عَامَّةُ الْخَلِيقَةِ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، خَلِيلُكَ يُلْقَى فِي النَّارِ، فَأْذَنْ لَنَا نُطْفِئُ عَنْهُ، فَقَالَ: هُوَ خَلِيلِي لَيْسَ لِي فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ غَيْرُهُ، وَأَنَا إِلَهُهُ لَيْسَ لَهُ إِلَهٌ غَيْرِي، فَإِنِ اسْتَغَاثَكُمْ فَأَغِيثُوهُ وَإِلا فَدَعُوهُ.
قَالَ فَجَاءَ مَلَكُ الْقَطْرِ فَقَالَ: يَا رَبِّ خَلِيلُكَ يُلْقَى فِي النَّارِ، فَأْذَنْ لِي أُطْفِئُ عَنْهُ بِالْقَطْرِ، قَالَ: هُوَ خَلِيلِي لَيْسَ لِي فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ غَيْرُهُ، وَأَنَا إِلَهُهُ، لَيْسَ لَهُ إِلَهٌ غَيْرِي، فَإِنِ اسْتَغَاثَكَ فَأَغِثْهُ وَإِلا فَدَعْهُ، قَالَ: فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ، فَقَالَ اللَّهُ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] قَالَ: فَبَرَدَتْ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَمَا(2/837)
أُنْضِجَ بِهَا يَوْمَئِذٍ كُرَاعٌ.
- سَعِيدٌ أَبُو أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سِيَابَةَ الأَنْصَارِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ كَانَتِ الدَّوَابُّ كُلُّهَا تُطْفِئُ عَنْهُ النَّارَ غَيْرَ الْوَزَغَةِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا.
قَالَ: {فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} [الصافات: 98] تَحْرِيقَهُمْ إِيَّاهُ.
{فَجَعَلْنَاهُمُ الأَسْفَلِينَ} [الصافات: 98] فِي النَّارِ.
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99] الطَّرِيقَ، يَعْنِي: الْهِجْرَةَ، هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ يُقَالُ أَنَّ الشَّامَ عِمَادُ دَارِ الْهِجْرَةِ.
- هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الأَرْضِ عَلَى مُهَاجِرِ إِبْرَاهِيمَ حَتَّى لا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِهَا إِلا شِرَارُ أَهْلِهَا، تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ وَتَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشَرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ» .
قَالَ: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100] قَالَ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ {101} فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} [الصافات: 101-102] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَدْرَكَ سَعْيَهُ سَعْيَ إِبْرَاهِيمَ فِي الشَّدِّ وَشَبَّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: بَلَغَ مَعَهُ سَعْيَ الْعَمَلِ، يَعْنِي: قِيَامَ الْحُجَّةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: الْمَشْيَ.
{قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102] قَالَ: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} [الصافات: 103] أَسْلَمَ إِبْرَاهِيمُ نَفْسَهُ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ، وَأَسْلَمَ ابْنُهُ وَجْهَهُ لِلَّهِ لِيَذْبَحَهُ أَبُوهُ.(2/838)
{وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات: 103] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَكَبَّهُ لِلْقِبْلَةِ لِيَذْبَحَهُ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَضْجَعَهُ لِيَذْبَحَهُ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ عِنْدَ جَمْرَةِ الْوُسْطَى.
- قَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى تَلَّهُ لِلْجَبِينِ، وَعَلَى إِسْمَاعِيلَ قَمِيصٌ أَبْيَضُ، قَالَ: يَا أَبَتِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي ثَوْبٌ تُكَفِّنُنِي فِيهِ غَيْرَ هَذَا فَاخْلَعْهُ حَتَّى تُكَفِّنَنِي فِيهِ.
قَالَ: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: 104-105] وَهَذَا وَحْيُ مُشَافَهَةٍ مِنَ الْمَلَكِ، نَادَاهُ بِهِ الْمَلَكُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
{أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ {104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {105} إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ {106} } [الصافات: 104-106] النِّعْمَةُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْكَ مَنَّ اللَّهِ إِذْ لَمْ تَذْبَحِ ابْنَكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107] سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مُتَقَبَّلٍ، وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ.
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَالْتَفَتَ إِبْرَاهِيمُ فَإِذَا هُوَ بِكَبْشٍ أَبْيَضَ، أَعْيَنَ، أَقْرَنَ، فَذَبَحَهُ.
حَمَّادٌ، عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَّ الَّذِي فَدَى إِسْحَاقَ.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي أَرَادَ ذَبْحَهُ هُوَ إِسْحَاقُ.
الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ إِسْحَاقُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: بُشِّرَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْحَاقَ مَرَّتَيْنِ: مَرَّةً حَيْثُ وُلِدَ، وَبُشِّرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ نَبِيًّا، ذَكَرَ كَيْفَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنْ يَذْبَحَهُ، وَكَيْفَ كَانَ أَرَادَ ذَبْحَهُ، وَكَيْفَ فُدِيَ، فَقَصَّ قِصَّتَهُ، ثُمَّ قَالَ: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا} [الصافات: 112] ، أَيْ: وَبَشَّرْنَاهُ بِهِ نَبِيًّا، أَيْ: بِأَنَّهُ نَبِيٌّ.(2/839)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] ، أَيْ: وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَسَنَّ يُفْتَدَى بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
{سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ {109} كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {110} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {111} وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ {112} وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} [الصافات: 109-113] مُؤْمِنٌ.
{وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} [الصافات: 113] مُشْرِكٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} [الصافات: 114] بِالنُّبُوَّةِ.
{وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الصافات: 115] مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ.
{وَنَصَرْنَاهُمْ} [الصافات: 116] عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ.
{فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} [الصافات: 116] وَكَانَا شَرِيكَيْنِ فِي الرِّسَالَةِ، وَكَانَ مُوسَى أَفْضَلَهُمَا {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} [الصافات: 117] التَّوْرَاةَ.
{وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الصافات: 118] الإِسْلامُ، الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا} [الصافات: 119] ، أَيْ: وَأَبْقَيْنَا عَلَيْهِمَا.
{فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
{سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ {120} إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {121} } [الصافات: 120-121] {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات: 122] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {123} إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ {124} أَتَدْعُونَ بَعْلا} [الصافات: 123-125] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَتَدْعُونَ رَبًّا غَيْرَ اللَّهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَتَدْعُونَ {أَتَدْعُونَ بَعْلا} [الصافات: 125] ، يَعْنِي: رَبًّا.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: كَانَ اسْمُ صَنَمِهِمْ بَعْلا.
{وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات: 125] مَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ {وَاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الصافات: 126] .(2/840)
يَقُولُ: {أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ {125} وَاللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ {126} } [الصافات: 125-126] قَالَ: {فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 127] فِي النَّارِ.
{إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 74] اسْتَثْنَى اللَّهُ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.
قَالَ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] ، أَيْ: وَأَبْقَيْنَا عَلَى آلِ يَاسِينَ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
{سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} [الصافات: 130] مَنْ قَرَأَهَا مَوْصُولَةً يَقُولُ هُوَ اسْمُهُ الْيَاسِينُ وَالْيَاسُ، وَمَقْرَأُ الْحَسَنِ: سَلامٌ عَلَى الْيَاسِينَ قَالَ: يَعْنِيهِ، أَيْ: وَمَنْ آمَنَ مِنْ أُمَّتِهِ.
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ {80} إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ {81} } [الصافات: 80-81] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {133} إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ {134} إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ {135} } [الصافات: 133-135] غَبَرَتْ، أَيْ: بَقِيَتْ فِي عَذَابِ اللَّهِ، وَقَدْ فَسَّرْنَا كَيْفَ كَانَ هَلاكُهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا مَوْضِعٍ.
{وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} [الصافات: 137] عَلَى مَنَازِلِهِمْ.
{مُصْبِحِينَ} [الصافات: 137] ، أَيْ: نَهَارًا.
{وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات: 138] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ.
قَالَ: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {139} إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {140} } [الصافات: 139-140] الْمُوَقَّرُ بِأَهْلِهِ، فَرَّ مِنْ قَوْمِهِ إِلَى الْفُلْكِ، وَكَانَ فِيمَا عَهِدَ يُونُسُ إِلَى قَوْمِهِ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا أَتَاهُمُ الْعَذَابُ، وَجَعَلَ الْعِلْمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْنِ(2/841)
أَظْهُرِهِمْ، وَأَنْ يَفْقِدُوهُ، فَخَرَجَ مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ، مُكَايِدًا لِدِينِ رَبِّهِ، وَلَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ: فَخَرَجَ حَتَّى رَكِبَ السَّفِينَةَ، فَلَمَّا رَكِبَهَا قَامَتْ فَلَمْ تَسِرْ، قَالَ أَهْلُ السَّفِينَةِ: إِنَّ فِيكُمْ لَمُذْنِبًا، قَالَ: فَتَسَاهَمُوا، فَقَرَعَ يُونُسُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَسْهُومِينَ.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ {فَالْتَقَمَهُ} [الصافات: 142] هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ يُونُسَ دَعَا قَوْمَهُ زَمَانًا إِلَى اللَّهِ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَأَبَوْا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا دَنَا الْوَقْتُ تَنَحَّى عَنْهُمْ فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ جَاءَ فَجَعَلَ يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ، فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَلِكِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يُونُسَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ
الْمَلِكُ دَعَا قَوْمَهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا فَسَيَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ غَدًا، فَاجْتَمِعُوا حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا، فَاجْتَمَعُوا.
فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْغَدِ فَنَظَرُوا فَإِذَا بِظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ وَقَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ فَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهَا، وَلَبِسُوا الشَّعَرَ، وَجَعَلُوا التُّرَابَ وَالرَّمَادَ عَلَى رُءُوسِهِمْ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَبَكَوْا، وَآمَنُوا، فَصَرَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَلا يَكْذِبَ أَحَدٌ كَذِبَةً إِلا قَطَعُوا لِسَانَهُ، وَجَاءَ يُونُسُ مِنَ الْغَدِ،
فَنَظَرَ فَإِذَا الْمَدِينَةُ عَلَى حَالِهَا، وَإِذَا النَّاسُ دَاخِلُونَ وَخَارِجُونَ، فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أُخْبِرَ قَوْمِي أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ فَلَمْ يَأْتِهِمْ، فَكَيْفَ أَلْقَاهُمْ؟ فَانْطَلَقَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَإِذَا بِسَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ، فَأَتَوْهُ، فَحَمَلُوهُ وَلا يَعْرِفُونَهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّفِينَةِ، فَتَقَنَّعَ وَرَقَدَ، فَمَا مَضَوْا إِلا قَلِيلا حَتَّى جَاءَتْهُمْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ
وَدَعَوُا اللَّهَ ثُمَّ قَالُوا: أَيْقِظُوا الرَّجُلَ يَدْعُو اللَّهَ مَعَنَا، فَفَعَلُوا، فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ تِلْكَ الرِّيحَ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ، فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ، فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوُا اللَّهَ، فَارْتَفَعَتْ فَتَفَكَّرَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ فَقَالَ:(2/842)
هَذَا مِنْ خَطِيئَتِي أَوْ قَالَ: مِنْ ذَنْبِي أَوْ كَمَا قَالَ.
فَقَالَ لأَهْلِ السَّفِينَةِ: شُدُّونِي وَثَاقًا وَأَلْقُونِي فِي الْبَحْرِ فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ وَحَالُكَ حَالُكَ، وَلَكِنْ نَقْتَرِعُ فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا رَكَدَتِ السَّفِينَةُ فَلَمْ تَسِرْ، لَفَّ نَفْسَهُ فِي كِسَائِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَطْرَحَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ فَقَالُوا: لا، وَلَكِنَّا نَقْتَرِعُ، فَمَنْ أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ، فَاقْتَرَعُوا، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا
لِنَفْعَلَ، وَلَكِنِ اقْتَرِعُوا، فَاقْتَرَعُوا الثَّانِيَةَ فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ، ثُمَّ اقْتَرَعُوا الثَّالِثَةَ، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] ، أَيْ: مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْمَسْهُومِينَ، أَيْ: وَقَعَ السَّهْمُ عَلَيْهِ.
فَانْطَلَقَ إِلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ لَيُلْقِيَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا هُوَ بِحُوتٍ فَاتِحٍ فَاهُ، فَانْطَلَقَ إِلَى ذَنَبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى جَنْبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْجَنْبِ الآخَرِ فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحًا فَاهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى نَفْسَهُ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ: لا تَأْكُلْ عَلَيْهِ وَلا تَشْرَبْ، وَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ لَكَ رِزْقًا وَلَكِنِّي جَعَلْتُ بَطْنَكَ
لَهُ سِجْنًا، فَمَكَثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء: 87] كَمَا قَالَ اللَّهُ: {أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] .
قَالَ اللَّهُ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} [الأنبياء: 88] وَالظُّلُمَاتُ: ظُلْمَةُ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةُ الْبَحْرِ وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْحُوتِ.
قَالَ: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] .
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ يُلْقِيَهُ إِلَى الْبَرِّ.
قَالَ اللَّهُ: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145] وَهُوَ ضَعِيفٌ مِثْلُ الصَّبِيِّ، فَأَصَابَتْهُ حَرَارَةُ الشَّمْسِ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ {شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات: 146] وَهِيَ الْقَرْعُ، فَأَظَلَّتْهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ يَبُسَتْ فَحَزِنَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَحَزِنْتَ عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَرَدْتَ أَنْ أُهْلِكَ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ خَلْقِي أَوْ يَزِيدُونَ؟ أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّهُمْ كَانُوا عِشْرِينَ وَمِائَةَ أَلْفٍ، فَعَلِمَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدِ ابْتُلِيَ، فَانْطَلَقَ فَإِذَا هُوَ بِذَوْدٍ مِنْ غَنَمٍ، فَقَالَ لِلرَّاعِي: اسْقِنِي لَبَنًا، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا شَاةٌ لَهَا(2/843)
لَبَنٌ، فَأَخَذَ شَاةً مِنْهَا فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرِهَا فَدَرَّتْ، فَشَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا، فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِتُخْبِرْنِي، قَالَ: أَنَا يُونُسُ، فَانْطَلَقَ الرَّاعِي إِلَى قَوْمِهِ فَبَشَّرَهُمْ بِهِ، فَأَخَذُوهُ وَجَاءُوا مَعَهُ إِلَى مَوْضِعِ الْغَنَمِ، فَلَمْ
يَجِدُوا يُونُسَ، فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ شَرَطْنَا لِرَبِّنَا أَلا يَكْذِبَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا قَطَعْنَا لِسَانَهُ، فَتَكَلَّمَتِ الشَّاةُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَقَالَتْ: قَدْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِي، وَقَالَتْ شَجَرَةٌ كَانَ اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا: قَدِ اسْتَظَلَّ بِظِلِّي، فَطَلَبُوهُ، فَأَصَابُوهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِمْ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَكَانُوا بِمَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا: نِينَوَى مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ، وَهِيَ عَلَى دِجْلَةَ.
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ: فِي دِجْلَةَ رَكِبَ السَّفِينَةَ، وَفِيهَا الْتَقَمَهُ الْحُوتُ ثُمَّ أَفْضَى بِهِ إِلَى الْبَحْرِ، فَدَارَ فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى دِجْلَةَ، ثُمَّ نَبَذَهُ بِالْعَرَاءِ، فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] بَلْ يَزِيدُونَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَأَعَادَ اللَّهُ لَهُ الرِّسَالَةَ، فَآمَنُوا عَنْ آخِرِهِمْ، لَمْ يَشِذَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِمَهُ الْحُوتُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 142] مُذْنِبٌ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {فَلَوْلا} [الصافات: 143] ، يَعْنِي: فَلَوْمَا.
{أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] يَقُولُ مِنَ الْمُصَلِّينَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144]
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُصَلِّينَ فِي الرَّخَاءِ قَبْلَ ذَلِكَ، قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ يَقِي الرَّجُلَ مَصَارِعَ السُّوءِ.(2/844)
- حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُسْتَجَابَ لَهُ فِي الضَّرَّاءِ، فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ، التَّسْبِيحَ، فِي السَّرَّاءِ.
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالْمُسَبِّحِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ لَمَّا الْتَقَمَهُ الْحُوتُ أَنْشَأَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَيَدْعُو اللَّهَ.
وَقَوْلُهُ: {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144] لَكَانَ بَطْنُ الْحُوتِ لَهُ قَبْرًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145] قَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا.
{وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ {146} وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ {147} } [الصافات: 146-147] بَلْ يَزِيدُونَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا.
قَالَ: {فَآمَنُوا} [الصافات: 148] وَقَدْ فَسَّرْنَا كَيْفَ كَانَ إِيمَانُهُمْ فِي أَوَّلِ حَدِيثِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات: 148] إِلَى الْمَوْتِ، إِلَى آجَالِهِمْ وَلَمْ يُهْلِكْهُمْ بِالْعَذَابِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاسْتَفْتِهِمْ} [الصافات: 149] فَاسْأَلْهُمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ} [الصافات: 149] وَذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ أَنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
قَالَ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] البنات {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} [النحل: 62] الْغِلْمَانُ {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ} [النحل: 62] .
قَالَ: {أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ} [الصافات: 150] لِخَلْقِهِمْ، أَيْ: لَمْ نَفْعَلْ وَلَمْ يَشْهَدُوا خَلْقَهُمْ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19] ،(2/845)
أَيْ: لَمْ يَشْهَدُوا خَلْقَهُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ} [الصافات: 151] مِنْ كَذِبِهِمْ.
{لَيَقُولُونَ {151} وَلَدَ اللَّهُ} [الصافات: 151-152] ، أَيْ: وَلَدَ الْبَنَاتِ يَعْنُونَ الْمَلائِكَةَ.
قَالَ: {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {152} أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ {153} } [الصافات: 152-153] اخْتَارَ الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينِ، أَيْ: لَمْ يَفْعَلْ.
{مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ {154} أَفَلا تَذَكَّرُونَ {155} أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ {156} } [الصافات: 154-156] حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ} [الصافات: 157] الَّذِي فِيهِ حُجَّتُكُمْ.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أَنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ بِذَلِكَ حُجَّةٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ} [الصافات: 156] ، يَعْنِي: أَمْ لَكُمْ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَعَ اللَّهِ شَرِيكًا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ حُجَّةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ اللَّهَ صَاهِرٌ الْجِنَّ فَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهِمُ الْمَلائِكَةُ.
قَالَ اللَّهُ: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ} [الصافات: 158] الْجِنَّ.
{إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158] مُدْخَلُونَ فِي النَّارِ.
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 159] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ، {عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 159] يَكْذِبُونَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ: إِنَّهُ صَاهِرٌ الْجِنَّ، وَقَالَ: الْجِنُّ صِنْفٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ، فَكَانَتْ لَهُمْ مِنْهُمْ بَنَاتٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 160] الْمُؤْمِنِينَ.
وَهَذا مِنْ مَقَادِيمِ الْكَلامِ.
قَالَ: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158] الْحِسَابُ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.(2/846)
قَالَ: إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، يَعْنِي: الَّذِينَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ نَسَبًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ {161} مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ {162} إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ {163} } [الصافات: 161-163] أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] قَالَ: يَا بَنِي إِبْلِيسَ إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ سُلْطَانٌ إِلا عَلَى مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] مَا أَنْتُمْ بِمُضِلِّي أَحَدٍ عَلَى إِبْلِيسَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ، قُدِّرَ لَهُ أَنَّهُ صَالِي الْجَحِيمِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَإِنَّكُمْ} [الصافات: 161] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {وَمَا تَعْبُدُونَ} [الصافات: 161] ، يَعْنِي: مَا عَبَدُوا.
{مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [الصافات: 162] عَلَى مَا تَعْبُدُونَهُ بِمُضِلِّينَ إِلا مَنْ هُوَ صَالِي الْجَحِيمِ، مَنْ قُدِّرَ لَهُ أَنْ يَصْلَى الْجَحِيمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ {164} وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ {165} وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ {166} } [الصافات: 164-166] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ الْمَلائِكَةِ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَمَّا قَالَتِ الْيَهُودُ حَيْثُ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ نَسَبًا، وَيُخْبِرُونَ بِمَكَانِهِمْ فِي السَّمَوَاتِ فِي صُفُوفِهِمْ وَتَسْبِيحِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} [الصافات: 1] لَيْسَ فِي السَّمَوَاتِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ
قَائِمٌ، أَوْ رَاكِعٌ، أَوْ سَاجِدٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: 164] ، يَعْنِي: مَكَانٌ مَعْلُومٌ يَعْبُدُ اللَّهَ فِيهِ، وَهُمُ الْمَلائِكَةُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ} [الصافات: 167] ، يَعْنِي: قُرَيْشًا.
{لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ} [الصافات: 168] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: خَبَرًا مِنَ الأَوَّلِينَ.(2/847)
قَالَ يَحْيَى: مِثْلُ كِتَابِ مُوسَى وعِيسَى.
{لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات: 169] الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ اللَّهُ: {فَكَفَرُوا بِهِ} [الصافات: 170] بِالْقُرْآنِ.
{فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الصافات: 170] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ {171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ {172} } [الصافات: 171-172] فِي الدُّنْيَا وَبِالْحُجَّةِ فِي الآخِرَةِ.
{وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَمْ يُقْتَلْ مِنَ الرُّسُلِ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ أَحَدٌ قَطُّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} [الصافات: 174] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: نَسَخَهَا الْقِتَالُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] .
قَالَ: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات: 175] ، أَيْ: فَسَوْفَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ.
قَالَ: {وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات: 175] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهُ، يَعْنِي: النَّفْخَةُ الأُولَى بِهَا يَهْلِكُ كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ.
- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: إِنِّي لَرَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمَ فَتَحْنَا خَيْبَرَ، إِنَّ سَاقِي لَتُصِيبُ سَاقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَخِذِي فَخِذَهُ، فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى خَيْبَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ، فَأَخَذْنَاهَا عَنْوَةً» .
قَالَ يَحْيَى: كَانَ سَعِيدٌ يَذْكُرُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ مِنَ السُّورَةِ، أَظُنُّهُ رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ الْيَهُودِ فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا} [الصافات: 158] .
- حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْفَجْرِ بِغَلَسٍ، فَقَرَأَ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ، ثُمَّ رَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ، وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي طَلْحَةَ، وَالرِّيحُ تَكْشِفُ عَنْ سَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتُصِيبُ سَاقِي سَاقَهُ، وَفَخِذِي فَخِذَهُ، فَلَمَّا أَتَيْنَا خَيْبَرَ قَالَتِ(2/848)
الْيَهُودُ: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ وَالْخَمِيسُ، وَالْخَمِيسُ الْجَيْشُ، فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» قَالَ: فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ} [الصافات: 178] ، يَعْنِي: إِلَى حِينِ آجَالِهِمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ قَتَادَةُ: نَسَخَهَا الْقِتَالُ، هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{وَأَبْصِرْ} [الصافات: 179] انْتَظِرْ.
{فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} [الصافات: 175] فَسَوْفَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ} [الصافات: 180] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ.
{رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] عَمَّا يَكْذِبُونَ.
{وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 181] ، يَعْنِي: الثَّنَاءَ الْحَسَنَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 182]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ: بِمَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ صَلاتَهُ؟ قَالَ: بِهَذِهِ الآيَةِ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ {180} وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ {181} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {182} } [الصافات: 180-182] وَذَكَرَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- حَدَّثَنَا أَبُو الْجَارُودِ الْكُوفِيُّ، عَنِ الأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى، فَلْيَقُلْ فِي دُبُرِ صَلاتِهِ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ {180} وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ {181} وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {182} } [الصافات: 180-182] .(2/849)