سُورَةُ النَّحْلِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّحْلِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَهِيَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى صَدْرِ هَذِهِ الآيَةِ:
{وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل: 41] مَكِّيٌّ وَسَائِرُهَا مَدَنِيٌّ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] يَعْنِي: الْقِيَامَةَ.
وَهُوَ تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
{فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] قَالَ الْحَسَنُ: هَذَا جَوَابٌ مِنَ اللَّهِ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 29] ، وَقَوْلِهِمْ: {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} [ص: 16] وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [الحج: 47] .
وَقَالَ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] ، أَيْ إِنَّ الْعَذَابَ آتٍ قَرِيبٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: اسْتَعْجَلُوا بِعَذَابِ الآخِرَةِ، وَذَلِكَ مِنْهُمْ تَكْذِيبٌ وَاسْتِهْزَاءٌ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] .
قَوْلُهُ: {سُبْحَانَهُ} [النحل: 1] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ.
{وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 1] ، تَعَالَى: مِنَ الْعُلُوِّ، يَرْفَعُ نَفْسَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ بِهِ.(1/49)
قَوْلُهُ: {يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ} [النحل: 2] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: لَيْسَ يَنْزِلُ مَلَكٌ إِلا وَمَعَهُ رُوحٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بِالرُّوحِ} [النحل: 2] ، يَعْنِي: بِالْوَحْيِ.
{مِنْ أَمْرِهِ} [النحل: 2] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: بِالرَّحْمَةِ وَالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي: بِأَمْرِهِ.
{عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [النحل: 2] ، يَعْنِي: الأَنْبِيَاءَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي الضَّيْفِ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: إِنَّ أَقْرَبَ الْمَلائِكَةِ إِلَى اللَّهِ إِسْرَافِيلُ وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَجْنِحَةٍ: جَنَاحٌ بِالْمَشْرِقِ، وَجَنَاحٌ بِالْمَغْرِبِ، وَقَدْ تَسَرْوَلَ بِالثَّالِثِ، وَالرَّابِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا أَنْ يُوحِيَهُ جَاءَ اللَّوْحُ حَتَّى يُصَفِّقَ جَبْهَةَ إِسْرَافِيلَ، فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَيَنْظُرُ فَإِذَا الأَمْرُ مَكْتُوبٌ، فَيُنَادِي جِبْرِيلَ، فَيُلَبِّيهِ فَيَقُولُ: أُمِرْتَ بِكَذَا، أُمِرْتَ
بِكَذَا، فَلا يَهْبِطُ جِبْرِيلُ مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ إِلا فَزِعَ أَهْلُهَا مَخَافَةَ السَّاعَةِ، حَتَّى يَقُولَ جِبْرِيلُ: الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ.
فَيَهْبِطُ عَلَى النَّبِيِّ فَيُوحِي إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: {أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2] أَنْ تَعْبُدُوا مَعِي إِلَهًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَاتَّقُونِ} [النحل: 2] ، يَقُولُ: فَاعْبُدُونِ.
{خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [النحل: 3] لِلْبَعْثِ، وَالْحِسَابِ، وَالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ.
{تَعَالَى} [النحل: 3] ارْتَفَعَ.
{عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل: 3] قَوْلُهُ: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [النحل: 4] وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهُ الْمُشْرِكُ.
قَالَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ {77} وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ {78} } [يس: 77-78](1/50)
قَوْلُهُ: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا} [النحل: 5] يَعْنِي: الإِبِلَ، وَالْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ.
{لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: 5] مَا يُصْنَعُ لَكُمْ مِنْهَا مِنَ الْكِسْوَةِ مِنْ أَصْوَافِهَا، وَأَوْبَارِهَا، وَأَشْعَارِهَا.
{وَمَنَافِعُ} [النحل: 5] فِي ظُهُورِهَا.
هَذِهِ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ، وَأَلْبَانُهَا فِي جَمَاعَتِهَا.
قَالَ: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] جَمَاعَتَهَا لُحُومَهَا، وَيُؤْكَلُ مِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ السِّمَنُ.
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: 5] ، قَالَ: لَكُمْ فِيهَا لِبَاسٌ وَمَنْفَعَةٌ وَبُلْغَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: لِبَاسٌ يُنْسَجُ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5] ، قَالَ: مِنْهَا مَرَاكِبُ وَلَبَنٌ وَلَحْمٌ.
قَوْلُهُ: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ} [النحل: 6] حِينَ تَرُوحُ عَلَيْكُمْ مِنَ الرَّعْيِ، وَحِينَ تُسَرِّحُونَهَا إِلَى الرَّعْيِ.
هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ} [النحل: 6] ، يَعْنِي: الإِبِلَ، وَذَاكَ أَعْجَبُ مَا تَكُونُ، إِذَا رَاحَتْ عِظَامًا ضُرُوعُهَا طِوَالا أَسْنِمَتُهَا.
قَوْلُ: {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إِذَا سَرَحْتَ لِرَعْيِهَا.
{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ} [النحل: 7] إِلَى الْبَلَدِ الَّذِي تُرِيدُونَهُ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: إِنَّهَا الإِبِلُ وَالْبَقَرُ.
{إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ} [النحل: 7] لَوْلا أَنَّهَا تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِي ذَلِكَ الْبَلَدَ(1/51)
إِلا بِمَشَقَّةٍ عَلَى أَنْفُسِكُمْ.
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: إِلا بِجَهْدِ الأَنْفُسِ.
قَالَ: {إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 7] ، يَقُولُ: فَبِرَأْفَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ سَخَّرَ لَكُمْ هَذِهِ الأَنْعَامَ وَهِيَ لِلْكَافِرِ رَحْمَةٌ.
الدُّنْيَا: الْمَعَايِشُ، وَالنِّعَمُ الَّتِي رَزَقَهُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ} [النحل: 8] وَخَلَقَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ.
{وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] فِي رُكُوبِهَا.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ خَلَقَهَا لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ.
- حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا يَوْمَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ، قَالَ: فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَمِيرِ وَالْبِغَالِ، وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْخَيْلِ
- الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قِيلَ يَوْمَ خَيْبَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ، فَسَكَتَ، فَقِيلَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ، فَسَكَتَ، فَقِيلَ: أُفْنِيَتِ الْحُمُرُ، فَأَمَرَ مُنَادِيهِ فَنَادَى: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا نَجِسٌ.
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ وَأَلْبَانِهَا.
- أَبُو الرَّبِيعِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أُمِرْنَا بِلُحُومِ الْخَيْلِ وَنُهِينَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ.
وَذُكِرَ عَنِ الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ مِثْلُ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: وَأَبَى الْبَحْرُ قُلْتُ: مَنِ الْبَحْرُ؟ أَوْ قِيلَ: مَنِ الْبَحْرُ؟ قَالَ: ابْنُ عَبَّاسٍ.(1/52)
قَالَ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَالَ: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] مِنَ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ لَكُمْ.
قَوْلُهُ: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9] وَالسَّبِيلُ قَصْدُ الطَّرِيقِ، الْهُدَى إِلَى الْجَنَّةِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: 12] ، وَكَقَوْلِهِ: {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [الحجر: 41] .
وقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: {قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9] الْبَيَانُ، حَلالُهُ، وَحَرَامُهُ، وَطَاعَتُهُ، وَمَعْصِيَتُهُ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل: 9] الطَّرِيقُ الْحَقُّ عَلَى اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل: 9] وَمِنَ السَّبِيلِ جَائِرٌ، أَيْ: عَنِ السَّبِيلِ جَائِرٌ، وَهُوَ الْكَافِرُ، جَارٍ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى.
وَجَارٍ عَنْهَا وَجَارٍ مِنْهَا وَاحِدٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَمِنْكُمْ جَائِرٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: جَائِرٌ مِنَ السَّبِيلِ أَيْ: عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى، نَاكِبٌ عَنْهَا.
قَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ تَفْسِيرُهَا.
قَالَ: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [النحل: 9] مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] وَكَقَوْلِهِ: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الرعد: 31] أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِلَّذِينَ آمَنُوا {أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرعد: 31] .
قَوْلُهُ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل: 10] تَرْعَوْنَ أَنْعَامَكُمْ، تُسَرِّحُونَهَا فِيهِ.(1/53)
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: تُسِيمُونَ، تَرْعَوْنَ.
قَوْلُهُ: {يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ} [النحل: 11] بِذَلِكَ الْمَاءِ.
{الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل: 11] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بَعْضَ أَشْيَاخِنَا يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَهْبَطَ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى الأَرْضِ ثَلاثِينَ ثَمَرَةً: عَشْرٌ يُؤْكَلُ دَاخِلُهَا وَلا يُؤْكَلُ خَارِجُهَا، وَعَشْرٌ يُؤْكَلُ خَارِجُهَا وَلا يُؤْكَلُ دَاخِلُهَا، وَعَشْرٌ يُؤْكَلُ دَاخِلُهَا وَخَارِجُهَا.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [النحل: 11] ، يَعْنِي: لَعِبْرَةً، تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ.
{لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 11] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ: فَالَّذِي يُنْبِتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الْوَاحِدِ هَذِهِ الأَلْوَانَ الْمُخْتَلِفَةَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الأَمْوَاتَ.
قَوْلُهُ: {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [النحل: 12] يَخْتَلِفَانِ عَلَيْكُمْ.
{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ} [النحل: 12] تَجْرِي.
{بِأَمْرِهِ} [النحل: 12] يُذَكِّرُ عِبَادَهُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 12] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: {وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ} [النحل: 13] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ وَمَا خَلَقَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ.
{مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ} [النحل: 13] قَالَ الْحَسَنُ: مِنَ النَّبَاتِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الدَّوَابِّ، وَالشَّجَرِ، وَالثِّمَارِ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [النحل: 11] لَعِبْرَةً.
{لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [النحل: 13] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ} [النحل: 14] خَلَقَ الْبَحْرَ.
{لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] قَالَ قَتَادَةُ: حِيتَانُ الْبَحْرِ.
{وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [النحل: 14] اللُّؤْلُؤَ.(1/54)
{وَتَرَى الْفُلْكَ} [النحل: 14] السُّفُنَ.
{مَوَاخِرَ فِيهِ} [النحل: 14] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَعْنِي سُفُنَ الْبَحْرِ مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً تَجْرِي فِيهِ بِرِيحٍ وَاحِدَةٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلا تَمْخَرُ الرِّيحُ مِنَ السُّفُنِ إِلا الْعِظَامَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {مَوَاخِرَ فِيهِ} [النحل: 14] يَعْنِي شَقَّهَا الْمَاءَ فِي وَقْتِ جَرْيِهَا.
قَالَ: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: 14] قَالَ مُجَاهِدٌ: طَلَبُ التِّجَارَةِ فِي السُّفُنِ.
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 14] وَلِكَيْ تَشْكُرُوا، هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81] .
قَوْلُهُ: {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [النحل: 15] الْجِبَالَ.
{أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] لِئَلا تَحَرَّكَ بِكُمْ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ وَابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَنْ تَكْفَأَ بِكُمْ.
وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
{وَأَنْهَارًا} [النحل: 15] ، أَيْ: وَجَعَلَ فِيهَا أَنْهَارًا.
{وَسُبُلا} [النحل: 15] طُرُقًا.
{لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [النحل: 15] لِكَيْ تَهْتَدُوا الطَّرِيقَ.
{وَعَلامَاتٍ} [النحل: 16] جَعَلَهَا فِي طُرُقِهِمْ يَعْرِفُونَ بِهَا الطَّرِيقَ.(1/55)
{وَبِالنَّجْمِ} [النحل: 16] ، أَيْ: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل: 16] ، يَعْنِي: يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ.
وَالنَّجْمُ: جَمَاعَةُ النُّجُومِ الَّتِي يَهْتَدُونَ بِهَا.
النَّضْرُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ حَسَّانِ بْنِ بِلالٍ الْعَنْزِيِّ، قَالَ: مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ النُّجُومِ سِوَى هَذِهِ الثَّلاثِ فَهُوَ كَاذِبٌ، آثِمٌ، مُفْتَرٍ، مُبْتَدِعٌ.
قَالَ اللَّهُ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ} [الملك: 5] ، قَالَ: {وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك: 5] .
وَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 97] .
فَهِيَ مَصَابِيحُ، وَرُجُومٌ، وَتَهْتَدُونَ بِهَا.
قَوْلُهُ: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ} [النحل: 17] ، يَعْنِي: نَفْسَهُ.
{كَمَنْ لا يَخْلُقُ} [النحل: 17] ، يَعْنِي: الأَوْثَانَ، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، هَلْ يَسْتَوِيَانِ؟ أَيْ: لا يَسْتَوِي اللَّهُ وَالأَوْثَانُ الَّتِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ، الَّتِي لا تَمْلِكُ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا.
وَالنُّشُورُ الْبَعْثُ.
{أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: 17] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُؤْمِنُونَ هُمُ الْمُتَذَكِّرُونَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} [النحل: 17] اللَّهُ هُوَ الْخَالِقُ، وَهَذِهِ الأَوْثَانُ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تُخْلَقُ وَلا تَخْلُقُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18] أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ قَالَ: إِلَهِي، لَوْ كَانَ لِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ فِي جَسَدِي لِسَانَانِ يُسَبِّحَانِكَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَالدَّهْرَ كُلَّهُ مَا أَدَّيْتَ شُكْرَ نِعْمَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْعَمْتَهَا عَلَيَّ.
قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ {18} وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ {19} } [النحل: 18-19] مَا يُسِرُّ الْمُشْرِكُونَ مِنْ نَجْوَاهُمْ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ، مَا يَتَشَاوَرُونَ بِهِ بَيْنَهُمْ فِي أَمْرِهِ.
مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] أَشْرَكُوا {هَلْ هَذَا} [الأنبياء: 3] ، يَعْنُونَ مُحَمَّدًا {إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] أَنَّهُ سِحْرٌ، يَعْنُونَ الْقُرْآنَ.
قَالَ: {وَمَا تُعْلِنُونَ} [النحل: 19] مِنْ شِرْكِهِمْ وَجُحُودِهِمْ.(1/56)
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النحل: 20] الأَوْثَانَ.
{لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20] يُصْنَعُونَ، يَصْنَعُونَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ {95} وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ {96} } [الصافات: 95-96] بِأَيْدِيكُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [النحل: 20] ، يَعْنِي: وَهُمْ يُصَوَّرُونَ.
قَوْلُهُ: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} [النحل: 21] قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الأَوْثَانُ أَمْوَاتٌ لا رَوْحَ فِيهَا.
{وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النحل: 21] مَتَى يَبْعَثُونَ، يَعْنِي الْبَعْثَ.
إِنَّ الأَوْثَانَ تُحْشَرُ بِأَعْيَانِهَا فَتُخَاصِمُ عَابِدَهَا عِنْدَ اللَّهِ بِأَنَّهَا لَمْ تَدْعُهُمْ إِلَى عِبَادَتِهَا، وَإِنَّمَا كَانَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَتِهَا الشَّيَاطِينُ.
قَالَ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} [النساء: 117] إِلا مَوَاتًا، شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ رَوْحٌ، {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 117] .
قَوْلُهُ: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [النحل: 22] لا يُصَدِّقُونَ بِالآخِرَةِ.
{قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ} [النحل: 22] له.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لِهَذَا الْقُرْآنِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
{وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 22] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَعَنْ مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنِ الْقُرْآنِ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
ثُمَّ قَالَ: {لا جَرَمَ} [النحل: 23] وَهِيَ كَلِمَةُ وَعِيدٍ.
{أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [النحل: 23] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.(1/57)
{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل: 23] .
قَوْلُهُ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} [النحل: 24] ، إِذَا قَالَ الْمُؤْمِنُونَ لِلْمُشْرِكِينَ فِي الدُّنْيَا: {مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} [النحل: 24] .
{قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [النحل: 24] وَإِنَّمَا ارْتَفَعَتْ لأَنَّهُمْ قَالُوا لَهُمْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ.
وَهَذِهِ حِكَايَةٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ، وَلَيْسَ يُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ كِتَابًا، وَيَقُولُونَ إِنَّ النَّبِيَّ افْتَرَاهُ مِنْ عِنْدِهِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ ذَلِكَ نَاسٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَانُوا يَتَصَدَّوْنَ بِالطَّرِيقِ مَنْ أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ، فَإِذَا مَرَّ بِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُرِيدُ نَبِيَّ اللَّهِ قَالُوا: إِنَّمَا هُوَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، أَيْ: كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: إِنَّ الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ تَفَرَّقُوا عَلَى أَعْقَابِ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ، أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: مَنْ سَأَلَكُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنَ النَّاسِ وَقَدْ كَانَ حَضَرَ الْمَوْسِمَ.
فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ النَّاسَ سَائِلُوكُمْ عَنْهُ غَدًا بَعْدَ الْمَوْسِمِ، فَمَنْ سَأَلَكُمْ عَنْهُ مِنَ النَّاسِ فَلْيَقُلْ بَعْضُكُمْ: سَاحِرٌ، وَلْيَقُلِ الآخَرَانِ: كَاهِنٌ، وَلْيَقُلِ الآخَرُونَ: شَاعِرٌ، وَلْيَقُلِ الآخَرُونَ: مَجْنُونٌ يَهْذِي مِنْ أُمِّ رَأْسِهِ.
فَإِنْ رَجَعُوا بِذَا وَرَضَوْا بِقَوْلِكُمْ فَذَاكَ، وَإِلا لَقُونِي عِنْدَ الْبَيْتِ، فَإِذَا سَأَلُونِي صَدَّقْتُكُمْ كُلَّكُمْ.
فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَشَقَّ عَلَيْهِ، وَبَعَثَ مَعَ كُلِّ أَرْبَعَةٍ أَرْبَعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ.
فَقَالَ: إِذَا سَأَلُوكُمْ عَنِّي فَكَذَبُوا عَلَيَّ، فَحَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا أَقُولُ.
فَكَانَ إِذَا سُئِلَ الْمُشْرِكُونَ مَا صَاحِبُكُمْ؟ فَقَالُوا: سَاحِرٌ، فَقَالَ الأَرْبَعَةُ الَّذِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ: انْطَلِقُوا، بَلْ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَأْمُرُ بِصِلَةِ ذِي الْقَرَابَةِ وَبِأَنْ يُقْرَى الضَّيْفُ، وَأَنْ يُعْبَدَ اللَّهُ، فِي كَلامٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ، فَيَقُولُ النَّاسُ لِلْمُسْلِمِينَ: وَاللَّهِ مَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ أَحْسَنُ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلاءِ، وَاللَّهِ لا نَرْجِعُ حَتَّى نَلْقَاهُ، فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا قِيلَ
لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ} [النحل: 24] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ {قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [النحل: 24] .(1/58)
قَالَ: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ} [النحل: 25] آثَامَهُمْ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُنُوبَهُمْ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
{كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النحل: 25] ، يَعْنِي: الَّذِينَ قَالُوا: أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ.
{وَمِنْ أَوْزَارِ} [النحل: 25] قَالَ قَتَادَةُ: وَمِنْ ذُنُوبِ.
{الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ} [النحل: 25] وقَالَ السُّدِّيُّ: وَمِنْ آثَامِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25] ، أَيْ: بِئْسَ مَا يَحْمِلُونَ، يَحْمِلُونَ آثَامَ أَنْفُسِهِمْ وَمِثْلَ آثَامِ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى الضَّلالِ وَاتَّبَعُوهُمْ عَلَيْهِ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] يَحْمِلُونَ آثَامَ أَنْفُسِهِمْ وَمِثْلَ آثَامِ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى الضَّلالَةُ فَاتَّبَعُوهُمْ عَلَيْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ شَيْءٌ.
- أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَن، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى فَاتُّبِعَ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ وَلا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ، وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ فَاتُّبِعَ فَعَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ لا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا»
قَوْلُهُ: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: 26] ، يَعْنِي: الَّذِينَ أَهْلَكَ بِالرَّجْفَةِ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ، رَجَفَتْ بِهِمُ الأَرْضُ.
{فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26] تَنَاقَضَتْ سُقُوفُ مَنَازِلِهِمْ عَلَيْهِمْ.
{وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} [النحل: 26] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَتَاهَا أَمْرُ اللَّهِ مِنْ أَصْلِهَا، {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل: 26] وَالسَّقْفُ: أَعَالِي الْبُيُوتِ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمْ بُيُوتُهُمْ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: يَعْنِي مَكْرَ نُمْرُودَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مَكْرُ نُمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ.(1/59)
قَوْلُهُ: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ} [النحل: 27] فِي النَّارِ بَعْدَ عَذَابِ الدُّنْيَا.
{وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ} [النحل: 27] ، أَيِ: الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَائِي.
{الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} [النحل: 27] تُفَارِقُونَ فِيهِمْ، يَعْنِي: الْمُحَارَبَةَ وَالْعَدَاوَةَ.
عَادُوا اللَّهَ فِي الأَوْثَانِ فَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {تُشَاقُّونَ فِيهِمْ} [النحل: 27] ، يَعْنِي: تُحَاجُّونَ فِيهِمْ.
{قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [النحل: 27] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
{إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ} [النحل: 27] ، يَعْنِي: إِنَّ الْهَوَانَ الْيَوْمَ.
{وَالسُّوءَ} [النحل: 27] ، يَعْنِي: الْعَذَابَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{عَلَى الْكَافِرِينَ} [النحل: 27] وَهَذَا الْكَلامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} [النحل: 28] قَالَ بَعْضُهُمْ: تَوَفَّاهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ وَفَاةٌ إِلَى النَّارِ، حَشْرٌ إِلَى النَّارِ.
{فَأَلْقَوُا السَّلَمَ} [النحل: 28] تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: اسْتَسْلِمُوا.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فَأَعْطُوا الإِسْلامَ، أَسْلَمُوا فَلَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ.
وَقَالَ: إِنَّ فِي الْقِيَامَةِ مَوَاطِنَ، فَمِنْهَا مَوْطِنٌ يُقِرُّونَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130] ، وَمِنْهَا مَوْطِنٌ يَجْحَدُونَ فِيهِ فَقَالُوا: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} [النحل: 28] .
فقيل لهم: {بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 28] فِي الدُّنْيَا أَنَّكُمْ مُشْرِكُونَ.
وَقَالُوا: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] .
قَالَ: {انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الأنعام: 24] فَادَّعَوْا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُشْرِكِينَ، {وَضَلَّ(1/60)
عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 24] مِنْ عِبَادَتِهِمُ الأَوْثَانَ، فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا.
وَإِنَّ آخِرَهَا مَوْطِنًا أَنْ يُخْتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَكَلَّمَ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدَ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، يَعْمَلُونَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: {مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ} [النحل: 28] ، يَعْنِي: مِنْ شِرْكٍ.
قَوْلُهُ: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} [النحل: 29] .
قَدْ فَسَّرْنَاهَا قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
{خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [النحل: 29] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ.
قَالَ: {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا} [النحل: 30] ، أَيْ: أَنْزَلَ خَيْرًا.
ثُمَّ انْقَطَعَ الْكَلامُ.
ثُمَّ قَالَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} [النحل: 30] آمَنُوا.
{فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ} [النحل: 30]
- هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ» .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ عَلِيٍّ فِي تَفْسِيرِهَا نَحْوَ ذَلِكَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَقُولُ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا تَكُونُ لَهُمْ حَسَنَتَهُمْ فِي الآخِرَةِ الْجَنَّةُ.
قَالَ: {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ} [النحل: 30] مِنَ الدُّنْيَا.
{وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30] الْجَنَّةُ.
قَالَ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [النحل: 31] وَقَدْ فَسَّرْنَا (عَدْنٍ) قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
نُسِبَتِ الْجِنَانُ كُلُّهَا إِلَيْهَا.
قَالَ: {لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ {31} الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} [النحل: 31-32] تَقْبِضُ أَرْوَاحَهُمْ.
{طَيِّبِينَ} [النحل: 32](1/61)
قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ لَهُمْ.
{يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 32] حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَأْتِي وَلِيَّ اللَّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَقُولُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا وَلِيَّ اللَّهِ، اللَّهُ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلامَ.
وَتُبَشِّرُهُ بِالْجَنَّةِ.
قَالَ يَحْيَى: فَهُوَ قَوْلُهُ: {تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} [النحل: 32] .
الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ.
- إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدَّرَجَةُ فَوْقَ الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَرْفَعُ بَصَرَهُ فَيَلْمَعُ لَهُ بَرْقٌ يَكَادُ أَنْ يَخْتَطِفَ بَصَرَهُ، فَيَفْزَعُ لِذَلِكَ فَيَقُولُ: مَا هَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا نُورُ أَخِيكَ فُلانٍ، فَيَقُولُ: أَخِي فُلانٌ، كُنَّا فِي الدُّنْيَا نَعْمَلُ جَمِيعًا وَقَدْ فُضِّلَ عَلَيَّ هَكَذَا.
فَيُقَالُ لَهُ إِنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْكَ عَمَلا.
ثُمَّ يُجْعَلُ فِي قَلْبِهِ الرِّضَى حَتَّى يَرْضَى ".
قَوْلُهُ: {هَلْ يَنْظُرُونَ} [النحل: 33] مَا يَنْظُرُونَ.
{إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} [النحل: 33] وَهُوَ عِنْدَ الْمَوْتِ.
{أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النحل: 33] ذَاكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
وَهَذَا تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ} [النحل: 33] بِعَذَابِهِمْ، يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
{أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النحل: 33] ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى الَّتِي يُهْلِكُ اللَّهُ بِهَا آخِرَ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ عَذَابِ الآخِرَةِ.
قَالَ: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النحل: 33] كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَمَا كَذَّبَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ.
قَالَ: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 33] يَضُرُّونَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُنْقِصُونَ.
{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} [النحل: 34] ثَوَابُ مَا عَمِلُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ عَذَابُ مَا عَمِلُوا مِنَ الشِّرْكِ.(1/62)
{وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [النحل: 34] ثَوَابُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَبِالرُّسُلِ.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [النحل: 35] وَهُوَ مَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَام، وَالزَّرْعِ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [الأنعام: 136] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَالُوا: لَوْ كَرِهَ اللَّهُ هَذَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ لَحَوَّلَنَا عَنْهُ.
فَقَالَ اللَّهُ جَوَابًا لِقَوْلِهِمْ: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ} [النحل: 35] .
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُم فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ مِثْلُ هَذَا فَقَالَ: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام: 148] ، أَيْ: مِنْ حُجَّةٍ، أَنَّهُ لا يَكْرَهُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ، {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ} [الأنعام: 148] .
وَقَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النحل: 33] يَعْنِي: فَمَا {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ} [النحل: 35] .
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35] .
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا} [النحل: 36] ، يَعْنِي: مِنْ أَهْلِكَ بِالْعَذَابِ.
{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ، هُوَ دَعَاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 117] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ، يَعْنِي: وَاجْتَنِبُوا الأَوْثَانَ.
قَالَ: {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل: 36] كَقَوْلِهِ: {شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} [هود: 105] .
{فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل: 36] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
قَوْلُهُ: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37](1/63)
كَقَوْلِهِ: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: 186] .
حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ.
قَالَ حَمَّادٌ: وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: لا يُهْدَى مَنْ يُضِلُّ.
حَدَّثَنِي فِطْرٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَلْقَمَةَ أَنِّي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل: 37] ، أَيْ: مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِيهِ.
وَقَوْلُهُ فِي الْحِرْصِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] .
قَالَ: {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [النحل: 37] إِذَا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ.
قَوْلُهُ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: 38] قَالَ: {بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ} [النحل: 38] لَيَبْعَثَنَّهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: {حَقًّا} [النحل: 38] فَأَقْسَمَ بِقَوْلِهِ: {حَقًّا} [النحل: 38] .
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {38} لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [النحل: 38-39] مَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا، الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ.
قَوْلُهُ: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} [النحل: 39] بِقَوْلِهِمْ فِي الدُّنْيَا: {لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: 38] .
قَوْلُهُ: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] قَبْلَ أَنْ يَكُونَ {كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] .(1/64)
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ} [النحل: 41] إِلَى الْمَدِينَةِ.
{مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل: 41] مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ مِنْ مَكَّةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] .
وَقَالَ السِّدِّيُّ: {مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل: 41] ، يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ مَا عُذِّبُوا عَلَى الإِيمَانِ.
قَالَ: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل: 41] الْمَدِينَةَ مَنْزِلا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} [النحل: 41] لَنَرْزُقُهُمْ {فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل: 41] .
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَنُعْطِيَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا النَّصْرَ.
{وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ} [النحل: 41] الْجَنَّةُ.
{أَكْبَرُ} [النحل: 41] مِنَ الدُّنْيَا.
{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [النحل: 41] لَعَلِمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا، أَيْ: إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الْمُؤْمِنِينَ فِي الآخِرَةِ أَفْضَلَ مِمَّا يُعْطِي فِي الدُّنْيَا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَؤُلاءِ أَصْحَابُ نَبِيِّ اللَّهِ، ظَلَمَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، حَتَّى لَحِقَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ بِالْحَبَشَةِ، ثُمَّ بَوَّأَهُمُ اللَّهُ الْمَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 42] قَالَ الْحَسَن: وَهُمُ الَّذِينَ {هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [النحل: 41] .
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ هَؤُلاءِ صُهَيْبٌ، وَخَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، وَبِلالٌ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَفُلانٌ مَوْلَى ابْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ، أُخِذُوا بَعْدَمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ، فَعَذَّبَهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِنَبِيِّ اللَّهِ، فَعُذِّبُوا حَتَّى بَلَغُوا مَجْهُودَهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43](1/65)
يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ.
قَالَ الْحَسَن: يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي أَهْلَ التَّوْرَاةِ، هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا.
{وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8] ، يَقُولُ: وَلَكِنْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء: 8] مَا كَانُوا لا يَمُوتُونَ.
قَوْلُهُ: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: 44] قَالَ السُّدِّيُّ: {بِالْبَيِّنَاتِ} [النحل: 44] ، يَعْنِي: بِالآيَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَجِيءُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ إِلَى قَوْمِهِمْ.
قَالَ: {وَالزُّبُرِ} [النحل: 44] ، يَعْنِي: وَحَدِيثُ الْكِتَابِ وَمَا كَانَ قَبْلَهُمْ مِنَ الْمَوَاعِظِ.
قَالَ يَحْيَى: وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ، الْكُتُبِ، إِلا رِجَالا يُوحَى إِلَيْهِمْ.
قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} [النحل: 44] الْقُرْآنَ.
{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] قَوْلُهُ: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ} [النحل: 45] عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ.
وَالسَّيِّئَاتُ هَاهُنَا: الشِّرْكُ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ: {أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ {45} أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} [النحل: 45-46] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فِي الْبِلادِ فِي أَسْفَارِهِمْ فِي غَيْرِ قَرَارٍ.
{فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} [النحل: 46] بِسَابِقِينَ.(1/66)
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] يُهْلِكُ الْقَرْيَةَ، يُخَوِّفُ بِهَلاكِهَا الْقَرْيَةَ الأُخْرَى لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، لَعَلَّ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ هُوَ عَلَى دِينِهِمْ، الشِّرْكِ، أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الإِيمَانِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَوْ يَأْخُذُهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فِي الْبِلادِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] عَلَى تَنَقُّصٍ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
أَنْ يَبْتَلِيَهُمُ بِالْجُهْدِ حَتَّى يَرِقُّوا وَيَقِلُّ عَدَدُهُمْ، فَإِنْ تَابُوا وَأَصْلَحُوا كَشَفَ عَنْهُمْ.
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل: 47] ، أَيْ: إِنْ تَابُوا وَأَصْلَحُوا.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ: {مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ} [النحل: 45] إِلَى قَوْلِهِ: {عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] بَعْضُ مَا أَوْعَدَهُمْ مِنْ هَذَا، وَهُوَ نُمْرُودُ بْنُ كَنْعَانَ وَقَوْمُهُ.
قَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ} [النحل: 48] ، يَعْنِي: ظِلَّ كُلِّ شَيْءٍ، مِنَ الْفَيْءِ.
{عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} [النحل: 48] وَالْفَيْءُ: الظِّلُّ.
قَالَ الْحَسَنُ: رُبَّمَا كَانَ الْفَيْءُ عَنِ الْيَمِينِ، وَرُبَّمَا كَانَ عَنِ الشِّمَالِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَهَذَا يَكُونُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الظِّلُّ عَنِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ فِي سَاعَةٍ إِلا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ غُرُوبِهَا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ} [النحل: 48] أَمَّا الْيَمِينُ فَأَوَّلُ النَّهَارِ، وَأَمَّا الشَّمَائِلُ فَآخِرُ النَّهَارِ.
قَوْلُهُ: {سُجَّدًا لِلَّهِ} [النحل: 48] فَظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ سُجُودُهُ.
{وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل: 48] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُمْ صَاغِرُونَ.
فَسَجَدَ ظِلُّ الْكَافِرِ كَرْهًا، يَسْجُدُ ظِلُّهُ وَالْكَافِرُ كَارِهٌ.(1/67)
قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ} [النحل: 49] الْمَلائِكَةُ.
{وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [النحل: 49] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ يَعْنِي الْمَلائِكَةَ.
{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {50} وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ} [النحل: 50-51] ، أَيْ: لا تَعْبُدُوا مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ.
{إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل: 51] فَخَافُونِ.
قَوْلُهُ: {وَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا} [النحل: 52] سَعِيد، عَن قَتَادَةَ، قَالَ: دَائِمًا.
جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: دَائِمًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} [النحل: 52] ، يَعْنِي: تَعْبُدُونَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ قَدْ فَعَلْتُمْ فَعَبَدْتُمُ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ.
قَوْلُهُ: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} [النحل: 53] الْمَرَضُ وَذِهَابُ الأَمْوَالِ وَالشَّدَائِدُ.
{فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53] تَدْعُونَهُ وَلا تَدْعُونَ الأَوْثَانَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَجْأَرُونَ، تَصْرُخُونَ.
قَالَ: {ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} [النحل: 54] ، يَعْنِي بِالْفَرِيقِ: الْمُشْرِكِينَ.
{لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} [النحل: 55] يَعْنِي لِئَلا يَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(1/68)
قَالَ: {فَتَمَتَّعُوا} [النحل: 55] فِي الدُّنْيَا.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 55] وَهَذَا وَعِيدٌ.
قَوْلُهُ: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [النحل: 56] ، يَعْنِي: آلِهَتَهُمْ، أَيْ: يَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَلَقَ مَعَ اللَّهِ شَيْئًا وَلا أَمَاتَ وَلا أَحْيَا وَلا رَزَقَ مَعَهُ شَيْئًا {نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [النحل: 56] ، يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [الأنعام: 136] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} [النحل: 56] وَهُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ جَعَلُوا لأَوْثَانِهِمْ وَشَيَاطِينِهِمْ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ.
قَالَ: {تَاللَّهِ} [النحل: 56] قَسَمٌ.
أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ.
{لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ} [النحل: 56] الأَوْثَانُ تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ يَقُولُهُ لَهُمْ لِمَا يَقُولُونَ إِنَّ الأَوْثَانَ تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهَا.
قَوْلُهُ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} [النحل: 57] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي وَيَصِفُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ.
كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
قَالَ اللَّهُ: {سُبْحَانَهُ} [النحل: 57] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَنْ مَا قَالُوا.
{وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ} [النحل: 57] ، أَيْ: وَيَجْعَلُونَ لأَنْفُسِهِمْ مَا يَشْتَهُونَ، الْغِلْمَانَ.
قَالَ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى} [النحل: 58] الَّتِي جَعَلَهَا لِلَّهِ، زَعَمَ حَيْثُ جَعَلُوا لِلَّهِ الْبَنَاتِ، يَعْنُونَ الْمَلائِكَةَ.
{ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: 58] أَيْ أَقَامَ وَجْهَهُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{مُسْوَدًّا} [النحل: 58] وَمُغَيَّرًا.
{وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58] قَدْ كَظَمَ عَلَى الْغَيْظِ وَالْحُزْنِ.(1/69)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا فِعْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، كَانَ يَقْتُلُ أَحَدُهُمُ ابْنَتَهُ.
قَالَ: {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ} [النحل: 59] عَلَى هَوَانٍ.
يَقُولُ: كَيْفَ يَصْنَعُ بِمَا بُشِّرَ بِهِ، أَيُمْسِكُهُ أَيُمْسِكُ الَّذِي بُشِّرَ بِهِ، الابْنَةَ عَلَى هَوَانٍ؟ {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل: 59] فَيَقْتُلُ ابْنَتَهُ يَدْفِنُهَا حَيَّةً حَتَّى تَمُوتَ مَخَافَةَ الْفَاقَةِ.
كَانَ أَحَدُهُمْ يَقْتُلُ ابْنَتَهُ مَخَافَةَ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ، مَخَافَةَ الْفَاقَةِ، وَيُغَذِّي كَلْبَهُ.
وَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَاللَّهُ صَاحِبُ بَنَاتٍ، فَأَلْحَقُوا الْبَنَاتِ بِهِ.
قَالَ اللَّهُ: {أَلا سَاءَ مَا} [النحل: 59] بِئْسَ مَا.
{يَحْكُمُونَ} [النحل: 59] وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: {لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل: 60] إِنَّهُ: {لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111] قَالَ: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [النحل: 60] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل: 60] قَالَ: الإِخْلاصُ وَالتَّوْحِيدُ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61] لَحَبَسَ الْمَطَرَ فَأَهْلَكَ حَيَوَانَ الأَرْضِ.
{وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ} [النحل: 61] يُؤَخِّرُ الْمُشْرِكِينَ.
{إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [النحل: 61] إِلَى السَّاعَةِ، لأَنَّ كُفَّارَ هَذِهِ الأُمَّةِ أُخِّرَ عَذَابُهَا بِالاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى.
{فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ} [النحل: 61] بِعَذَابِ اللَّهِ.
{لا يَسْتَأْخِرُونَ} [النحل: 61] عَنْهُ، عَنِ الْعَذَابِ.
{سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61] .
قَوْلُهُ: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل: 62] يَجْعَلُونَ لَهُ الْبَنَاتِ وَيَكْرَهُونَهَا لأَنْفُسِهِمْ.(1/70)
{وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ} [النحل: 62] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَيْ: يَتَكَلَّمُونَ بِهِ وَيُعْلِنُونَ بِهِ.
{أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى} [النحل: 62] ، أَيِ: الْغِلْمَانَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْبَنِينَ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: أَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، يَقُولُونَ: أَيْ إِنْ كَانَتْ جَنَّةٌ.
كَقَوْلِهِ: قَوْلِ الْكَافِرِ: {وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى} [فصلت: 50] ، أَيْ: إِنْ رُجِعْتُ، وَكَانَتْ ثَمَّ جَنَّةٌ.
قَالَ اللَّهُ: {لا جَرَمَ} [النحل: 62] وَهِيَ كَلِمَةُ وَعِيدٍ.
{أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} [النحل: 62] قَالَ: مُعَجَّلُونَ إِلَى النَّارِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
أَشْعَثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: {مُفْرَطُونَ} [النحل: 62] مَنْسِيُّونَ فِيهَا، مُضَيَّعُونَ.
قَالَ السُّدِّيُّ: {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} [النحل: 62] ، يَعْنِي: وَأَنَّهُمْ مُسَلَّمُونَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: وَأَنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ، يَعْنِي: أَنَّهُمْ مُفْرِطُونَ كَقَوْلِهِمْ: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام: 31] .
قَالَ يَحْيَى: وَكَذَلِكَ قَرَأْتُهَا عِنْدَ عَمْرٍو.(1/71)
قَوْلُهُ: {تَاللَّهِ} [النحل: 63] قَسَمٌ، أَقْسَمَ اللَّهُ بِنَفْسِهِ.
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ} [النحل: 63] ، يَعْنِي: مَنْ أُهْلِكَ بِالْعَذَابِ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ.
{فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ} [النحل: 63] وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 63] فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ} [النحل: 64] الْقُرْآنَ.
{إِلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً} [النحل: 64] يَقُولُ: مَا فِيهِ هُدًى وَرَحْمَةٌ.
{لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 64] .
قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65] الأَرْضَ الْيَابِسَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ فَيُحْيِيهَا بِالْمَطَرِ وَتُنْبِتُ بَعْدَ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نَبَاتٌ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [النحل: 65] فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَحْيَا هَذِهِ الأَرْضَ الْمَيْتَةَ حَتَّى أَنْبَتَتْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى؛ لأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] ، يَقُولُ: فَفِي هَذَا اللَّبَنِ الَّذِي أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ بَيْنَ فَرْثٍ وَدَمٍ آية لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَوْلُهُ: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] ، أَيْ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ مَا تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا.
تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {سَكَرًا} [النحل: 67] الْخَمْرُ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا.
{وَرِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 67] طَعَامًا.
- الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ وَمَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ(1/72)
سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتِهَا، وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتِهَا.
هَمَّامٌ وَعُثْمَانُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَزَلَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ.
فَأَمَّا الرِّزْقُ الْحَسَنُ فَهُوَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ ثَمَرَتِهَا مِمَّا تَأْكُلُونَ، وَتَعْتَصِرُونَ وَتَنْتَبِذُونَ، وَتُخَلِّلُونَ، وَأَمَّا السَّكَرُ فَهُوَ خُمُورُ الأَعَاجِمِ.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ خَمْرًا وَإِنَّ خَمْرَ الْمَدِينَةِ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ، وَإِنَّ خَمْرَ فَارِسَ الْعِنَبُ، وَإِنَّ خَمْرَ الْيَمَنِ الْبِتْعُ.
قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي الْعَسَلَ، وَإِنَّ خَمْرَ الْحَبَشَةِ السُّكْرُكَةُ، قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي الأَرُزَّ.
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْخَمْرَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ ".
- أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّ هَذِهِ الأَنْبِذَةَ تُنْبَذُ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ، مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ، فَمَا خَمَّرْتُمْ مِنْهُ فَعَتَّقْتُمْ فَهُوَ خَمْرٌ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [النحل: 67] هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68] ، أَيْ: أَلْهَمَهَا.
قَالَ السُّدِّيُّ: وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ إِلْهَامٌ.
{أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68] ، أَيْ: وَمِمَّا يَبْنُونَ.(1/73)
{ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ} [النحل: 69] طُرُقَ رَبِّكِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكِ.
{ذُلُلا} [النحل: 69] مُطِيعَةً فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
يَعْنِي أَنْتِ مُطِيعَةٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا} [النحل: 69] ، ذُلِّلَتْ لَهَا السُّبُلُ لا يَتَوَعَّرُ عَلَيْهَا مَكَانٌ.
{يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ} [النحل: 69] يَعْنِي الْعَسَلَ.
{مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69] دَوَاءٌ.
- إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ.
قَالَ: اذْهَبْ فَاسْقِهِ عَسَلا.
فَذَهَبَ فَسَقَاهُ عَسَلا، فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْئًا.
فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَقَيْتُهُ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْئًا.
فَقَالَ: اذْهَبْ فَاسْقِهِ.
فَذَهَبَ فَسَقَاهُ، فَلَمْ يَنْفَعْهُ شَيْئًا، فَجَاءَ النَّبِيُّ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ فَاسْقِهِ عَسَلا.
فَذَهَبَ فَسَقَاهُ، فَلَمْ يُغْنِ عَنْهُ شَيْئًا فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ: «صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ، اذْهَبْ فَاسْقِهِ عَسَلا، فَذَهَبَ فَسَقَاهُ فَبَرِأَ بِإِذْنِ اللَّهِ» .
قَوْلُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 69] هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ} [النحل: 70] يُمِيتُكُمْ.
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل: 70] إِلَى الْهَرَمِ.
{لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} [النحل: 70] يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الطِّفْلِ الَّذِي لا يَعْقِلُ شَيْئًا.(1/74)
{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [النحل: 70] قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا} [النحل: 71] يَعْنِي فِي الرِّزْقِ.
{بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} [النحل: 71] ، سَوَاءٌ يَعْنِي شَرْعًا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
يَقُولُ: هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ هُوَ وَمَمْلُوكُهُ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ سَوَاءٌ؟ أَيْ إِنَّكُمْ لا تَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِمَمْلُوكِكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي ذَلِكَ سَوَاءً.
فَاللَّهُ أَحَقُّ أَلا يُشْرِكَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الروم: 28] كَخِيفَةِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، فَهَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يُشَارِكُ مَمْلُوكَهُ فِي زَوْجَتِهِ، وَفِرَاشِهِ، وَمَالِهِ.
أَفَتَعْدِلُونَ بِاللَّهِ خَلْقَهُ؟ قَالَ: {أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [النحل: 71] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ جَحَدُوا بِنَعْمَةِ اللَّهِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَالْجَحْدُ لا يَكُونُ إِلا مِنْ بَعْدِ الْمَعْرِفَةِ.
قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72] ، يَعْنِي: النِّسَاءَ.
وَالنِّسَاءُ مِنَ الرِّجَالِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: خَلَقَ آدَمَ ثُمَّ خَلَقَ زَوْجَتَهُ مِنْهُ.
قَالَ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72] وَالْحَفَدَةُ الْخَدَمُ يَعْنِي: وَلَدًا يَخْدُمُونَهُ، وَوَلَدُ وَلَدِهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَنُوكَ وَبَنُو بَنِيكَ، الْبَنُونَ(1/75)
وَالْحَفَدَةُ كُلُّ شَيْءٍ يَحْفِدُونَكَ وَيَخْدُمُونَكَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَهَنَّةٌ يَمْهَنُونَكَ وَيَخْدُمُونَكَ مِنْ وَلَدِكَ.
- الْمُعَلَّى، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْحَفَدَةُ الأَخْتَانُ.
قَوْلُهُ: {وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 72] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ، وَالْبَاطِلُ إِبْلِيسُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 72] يَعْنِي: بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ، الشِّرْكَ، يُصَدِّقُونَ.
قَوْلُهُ: {وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: 72] هُوَ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] وَكَقَوْلِهِ: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 82] ، يَقُولُ: تَجْعَلُونَ مَكَانَ الشُّكْرِ التَّكْذِيبَ.
قَوْلُهُ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا} [النحل: 73] قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ الأَوْثَانُ.
{مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا} [النحل: 73] ، يَعْنِي: آلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
{وَلا يَسْتَطِيعُونَ} [النحل: 73] مِثْلَ قَوْلِهِ: {وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا} [الفرقان: 3] بَعْثًا.
قَالَ: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل: 74] ، يَعْنِي: فَتُشَبِّهُوا هَذِهِ الأَوْثَانَ الْمَيِّتَةَ الَّتِي لا تُحْيِي وَلا تُمِيتُ وَلا تَرْزُقُ بِاللَّهِ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيَرْزُقُ، وَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ.
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 74](1/76)
وَقَالَ السُّدِّيِّ: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل: 74] ، يَعْنِي: لا تَصِفُوا لَهُ الأَشْبَاهَ.
قَوْلُهُ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا} [النحل: 75] ، يَعْنِي وَصَفَ اللَّهُ شَبَهًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75] يَعْنِي الْوَثَنَ.
{وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا} [النحل: 75] يَعْنِي الْمُؤْمِنَ.
{فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} [النحل: 75] قَالَ: {هَلْ يَسْتَوُونَ} [النحل: 75] ، يَعْنِي: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا الَّذِي يَعْبُدُ الْوَثَنَ الَّذِي لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَالَّذِي يَعْبُدُ اللَّهَ فَيَرْزُقُهُ الرِّزْقَ الْحَسَنَ، أَيْ إِنَّهُمَا لا يَسْتَوِيَانِ.
ثُمَّ قَالَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النحل: 75] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ، رَزَقَهُ اللَّهُ مَالا فَلَمْ يُقَدِّمْ فِيهِ خَيْرًا، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِطَاعَتِهِ.
قَالَ اللَّه: {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا} [النحل: 75] فَهَذَا الْمُؤْمِنُ أَعْطَاهُ اللَّهُ رِزْقًا حَلالا طَيِّبًا، فَعَمِلَ فِيهِ بِطَاعَتِهِ، وَأَخَذَهُ بِشُكْرٍ.
قَالَ اللَّهُ: {هَلْ يَسْتَوُونَ} [النحل: 75] مَثَلا.
قَالَ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا} [النحل: 76] ، يَعْنِي: وَصَفَ اللَّهُ مَثَلا، يَعْنِي: شَبَهًا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ} [النحل: 76] ، أَيْ: لا يَتَكَلَّمُ، يَعْنِي الْوَثَنَ.(1/77)
{لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} [النحل: 76] عَمِلَهُ بِيَدِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَعْبُدُهُ، وَيَتَوَلاهُ {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ} [النحل: 76] ، يَعْنِي: عَلَى وَلِيِّهِ الَّذِي يَتَوَلاهُ وَيَعْبُدُهُ.
{أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ} [النحل: 76] هَذَا الْعَابِدُ لَهُ، يَعْنِي: دُعَاءَهُ إِيَّاهُ.
{لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي} [النحل: 76] هَذَا الْوَثَنُ.
{هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 76] وَهُوَ اللَّهُ.
{وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 76] وَهُوَ اللَّهُ.
قَالَ يَحْيَى: مِثْلُ قَوْلِهِ: {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] .
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 76] وَهُوَ نَحْوٌ مِنْ صَنِيعِهِمْ بِآلِهَتِهِمْ وَأَحْجَارِهِمُ الَّتِي يَعْبُدُونَ.
قَالَ اللَّهُ: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ} [النحل: 76] وَهُوَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: إِنَّهُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا فِي هَذِهِ الآيَةِ.
{وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 76] يَعْنِي الْمُؤْمِنَ.
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ يَذْكُرُ أَنَّ هَذَا الْمَثَلَ نَزَلَ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النحل: 77] يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَيَعْلَمُ غَيْبَ الأَرْضِ.
{وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] ، يَعْنِي: بَلْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ.
وَلَمْحُ الْبَصَرِ أَنَّهُ يَلْمَحُ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ، يَلْمَحُ إِلَى السَّمَاءِ، يَعْنِي: سُرْعَةَ الْبَصَرِ.
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النحل: 77](1/78)
قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78] لِكَيْ تَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ} [النحل: 79] ، أَيْ: مُتَحَلِّقَاتٍ فِي كَبِدِ السَّمَاءِ، فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ كَقَوْلِهِ: {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24] يَعْنِي بِذَلِكَ طُولَهَا، كَذَلِكَ الطَّيْرُ مُتَحَلِّقَةٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {فِي جَوِّ السَّمَاءِ} [النحل: 79] فِي كَبِدِ السَّمَاءِ.
قَالَ: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا اللَّهُ} [النحل: 79] يُبَيِّنُ قُدْرَتَهُ لِلْمُشْرِكِينَ يَقُولُ: هَلْ تَصْنَعُ آلِهَتُكُمْ شَيْئًا مِنْ هَذَا؟ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل: 79] وَهِيَ مَثَلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80] تَسْكُنُونَ فِيهِ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا} [النحل: 80] يَعْنِي مِنَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ.
{تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80] حِينَ ظَعْنِكُمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
يَعْنِي: فِي سَفَرِكُمْ.
{وَيَوْمَ} [النحل: 80] وَحِينَ.
{إِقَامَتِكُمْ} [النحل: 80] ، يَعْنِي: قَرَارَكُمْ فِي غَيْرِ سَفَرٍ.
{وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا} [النحل: 80] وَالأَثَاثُ الْمَتَاعُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الأَثَاثُ: الْغِنَاءُ.
وَالْمَتَاعُ إِلَى حِينٍ.
وَقَالَ الأَعْمَشُ: الأَثَاثُ: الْمَالُ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
{وَمَتَاعًا} [النحل: 80] تَسْتَمِعُونَ بِهِ إِلَى حِينَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا} [النحل: 81](1/79)
قَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الشَّجَرِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: الْمَنَازِلَ تُظِلُّكُمْ مِنَ الشَّمْسِ وَالْمَطَرِ، وَجَعَلَ لَكُمْ ظِلالا مِنَ الشَّجَرِ.
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل: 81] قَالَ قَتَادَةُ: يُسْكَنُ فِيهَا.
قَالَ غِيرَانًا تُكِنُّكُمْ أَيْضًا مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالرِّيحِ وَالأَمْطَارِ، يَعْنِي الْغِيرَانَ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجِبَالِ.
{وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] قَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الْقُطْنِ، وَالْكِتَّانِ، وَالصُّوفِ.
وَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: {لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ} [النحل: 5] مِنَ الْبَرْدِ.
قَالَ: {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} [النحل: 81] قَالَ قَتَادَةُ: مِنْ هَذَا الْحَدِيدِ.
يَعْنِي: دُرُوعَ الْحَدِيدِ تَقِيكُمُ الْقِتَالَ.
{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81] لِكَيْ تُسْلِمُوا.
قَالَ: إِنْ أَسْلَمْتُمْ تَمَّتْ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةُ بِالْجَنَّةِ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمُوا لَمْ يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقْرَؤُهَا: لَعَلَّكُمْ تَسْلَمُونَ، أَيْ: مِنَ الْجِرَاحِ، يَعْنِي: فِي لُبْسِ الدُّرُوعِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ تُسَمَّى سُورَةَ النِّعَمِ.
قَوْلُهُ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 82] وَكَانَ هَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
يَقُولُ: وَلَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تَهْدِيَهُمْ كَقَوْلِهِ: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272] .
قَوْلُهُ: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} [النحل: 83] يَعْرِفُونَ وَيُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي(1/80)
خَلَقَهُمْ وَخَلَق السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَأَنَّهُ هُوَ الرَّزَّاقُ، ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا بِتَكْذِيبِهِمْ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي نِعْمَتَهُ الَّتِي قَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
قَالَ: {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: 83] ، يَعْنِي: جَمَاعَتَهُمْ كُلَّهُمْ، كَقَوْلِهِ: {يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 223] ، يَعْنِي كُلَّهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ} [النحل: 84] يَعْنِي مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ.
{شَهِيدًا} [النحل: 84] وَهُمُ الأَنْبِيَاءُ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: شَهِيدًا، يَعْنِي نَبِيَّهُمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ.
{ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [النحل: 84] هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ {35} وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ {36} } [المرسلات: 35-36] بِحُجَّةٍ، وَهِيَ مَوَاطِنُ لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مَوْطِنٍ فِي الْكَلامِ، وَيُؤْذَنُ لَهُمْ فِي مَوْطِنٍ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ} [النحل: 85] وَإِذَا دَخَلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.(1/81)
{فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ} [النحل: 85] الْعَذَابُ.
{وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [النحل: 85] سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يَنْظُرَهُمْ، أَنْ يُؤَخِّرَهُمْ فَيَرُدَّهُمْ إِلَى الدُّنْيَا حَتَّى يَتُوبُوا، فَلَمْ يَنْظُرْهُمْ، أَيْ فَلَمْ يُؤَخِّرْهُمْ.
{وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ} [النحل: 86] إِذَا رَأَوُا الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُضِلُّونَهُمْ فِي الدُّنْيَا، يَعْرِفُ كُلُّ إِنْسَانٍ شَيْطَانَهُ.
{قَالُوا} [النحل: 86] يَقُولُ بَنُو آدَمَ.
{رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا} [النحل: 86] يَعْنُونَ بَنِي إِبْلِيسَ.
{الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ} [النحل: 86] لأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
قَالَ: {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 117] .
وَقَالَ قَتَادَةُ: {الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ} [النحل: 86] ....
{فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ} [النحل: 86] فَأَلْقَى بَنُو آدَمَ إِلَى بَنِي إِبْلِيسَ الْقَوْلَ، حَدَّثُوهُمْ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
ذَكَرَهُ عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ وَابْنُ مُجَاهِدٍ فَقَالُوا لَهُمْ: {إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} [النحل: 86] ، أَيْ: إِنَّكُمْ كَذَّبْتُمُونَا فِي الدُّنْيَا وَغَرَّرْتُمُونَا.
{وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} [النحل: 87] أَعْطُوا الإِسْلامَ يَوْمَئِذٍ وَاسْتَسْلَمُوا لَهُ، آمَنُوا بِاللَّهِ وَكَفَرُوا بِالشَّيْطَانِ وَالأَوْثَانِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُلُّوا وَاسْتَسْلَمُوا يَوْمَئِذٍ.
{وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [النحل: 87] عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ فِي الدُّنْيَا افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ وَهُوَ الْكَذِبُ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ {73} مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا} [غافر: 73-74] .(1/82)
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: 88] قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ لَهَا أَنْيَابٌ مِثْلُ النَّخْلِ الطِّوَالِ تَنْهَشُهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ كَقَوْلِهِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} [النبأ: 30] .
قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [النحل: 89] ، يَعْنِي: نَبِيَّهُمْ هُوَ شَاهِدٌ عَلَيْهِمْ.
{وَجِئْنَا بِكَ} [النحل: 89] يَا مُحَمَّدُ.
{شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاءِ} [النحل: 89] ، يَعْنِي: أُمَّتَهُ.
قَوْلُهُ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] مَا بُيِّنَ فِيهِ مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ، وَالْكُفْرِ، وَالإِيمَانِ، وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَكُلِّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ.
- النَّضْرُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سِتِّ آيَاتٍ: آية مُبَشِّرَةٍ، وَآيَةٍ مُنْذِرَةٍ، وَآيَةِ فَرِيضَةٍ، وَآيَةٍ تَأْمُرُكَ، وَآيَةٍ تَنْهَاكَ، وَآيَةِ قِصَصٍ وَأَخْبَارٍ.
قَالَ: {وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89] لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل: 90] حَقَّ الْقَرَابَةِ.
أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حَقُّ الرَّحِمِ أَلا تَحْرِمَهَا وَلا تَهْجُرَهَا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ يُقَالُ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لَكَ مَالٌ تُعْطِيهِ فَامْشِ إِلَيْهِ بِرِجْلِكَ.
- فِطْرٌ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ الْمُكَافِيَ، وَلَكِنَّ الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» .
قَوْلُهُ: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} [النحل: 90] الْمَعَاصِي.(1/83)
{وَالْمُنْكَرِ} [النحل: 90] الْكَذِبِ.
{وَالْبَغْيِ} [النحل: 90] أَنْ يَبْغِيَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
هُوَ مِنَ الْمَعَاصِي.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: وَالْبَغْيِ يَعْنِي: وَالظُّلْمِ.
{يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90]
- فِطْرٌ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَوْ أَنَّ جَبَلا بَغَى عَلَى جَبَلٍ لَدُكَّ الْبَاغِي مِنْهُمَا.
- خِدَاشٌ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ تُعَجَّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» .
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَيَأْمُرُ بِمَحَاسِنِ الأَخْلاقِ.
قَوْلُهُ: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] ، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ.
{وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] يَعْنِي بَعْدَ تَوْكِيدِ الْعَهْدِ.
قَالَ قَتَادَةُ: بَعْدَ تَشْدِيدِهَا وَتَغْلِيظِهَا.
{وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: 91] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: عَهْدُ الأَنْبِيَاءِ.
{وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا} [النحل: 91] يَقُولُ: وَقَدْ تَكَفَّلَ لَكُمْ بِالْجَنَّةِ إِذَا تَمَسَّكْتُمْ بِدِينِهِ.
أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الإِيمَانُ حَقِيقَةٌ فِي الإِسْلامِ وَالإِيمَان ...
قَالَ اللَّهُ.
كَمَا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَعْطَى ذِمَّتَهُ فِي عَهْدٍ، فَمَنْ صَدَقَ ...
فَإِنَّ لَهُ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا، وَخَيْرًا لَهُ فِي الآخِرَةِ، وَمَنْ كَذَبَ ...
أَكَلَ بِهِ وَنَاكَحَ بِهِ وَوَارَثَ بِهِ أَتَى اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا عَهْدَ.....(1/84)
قَوْلُهُ: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92] تَنْكُثُونَ الْعَهْدَ، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ، يَنْهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ: فَيَكُونُ مَثَلُكُمْ إِنْ نَكَثْتُمُ الْعَهْدَ مِثْلَ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ مَا أَبْرَمْتَهُ، فَنَقَضَتْهُ مِنْ بَعْدِ مَا كَانَ غَزْلا قَوِيًّا أَنْكَاثًا عَنِ الْعَهْدِ.
قَالَ: {وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] قَالَ مُجَاهِدٌ: تَوْكِيدٌ فِي الْحُلَفَاءِ.
وَهُوَ تَقْدِيمٌ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ.
{تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ} [النحل: 92] ، أَيْ: عَهْدَكُمْ.
{دَخَلا بَيْنَكُمْ} [النحل: 92] قَالَ قَتَادَةُ: خِيَانَةً وَغَدْرًا.
قَالَ الْحَسَنُ: كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ، فَلا تَصْنَعُوا كَمَا صَنَعَ الْمُنَافِقُونَ فَتُظْهِرُوا الإِيمَانَ وَتُسِرُّوا الشِّرْكَ.
وَالدَّخَلُ: إِظْهَارُ الإِيمَانِ وَإِسْرَارُ الشِّرْكِ.
{أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92] هِيَ أَكْثَرُ مِنْ أُمَّةٍ، يَقُولُ: فَتَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ لِقَوْمٍ هُمْ أَكْثَرُ مِنْ قَوْمٍ.
قَالَ قَتَادَةُ: أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ هُمْ أَعَدُّ وَأَكْثَرُ مِنْ قَوْمٍ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ أَكْثَرَ مِنْ قَوْمٍ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْعَهْدُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ.
- عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ فَالأَقْرَبَ الأَقْرَبَ.
الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ، وَالأَمَانَةُ مَؤَدَّاةٌ، وَأَحَقُّ مَا وَفَى بِهِ الْعَبْدُ الْعَهْدَ، عَهْدَ اللَّهِ»(1/85)
- جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا نَزَلَتْ بِعَبْدٍ شَدِيدَةٌ إِلا قَدْ عَاهَدَ اللَّهَ عِنْدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أَضْمَرَ ذَلِكَ فِي قَلْبِهِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَوْفُوا بِمَا عَاهَدْتُمْ لَهُ.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: يَا أَهْلَ الْمَوَاثِيقِ انْظُرُوا مَا تُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ رَبَّكُمْ.
كَمْ مِنْ مَرِيضٍ قَدْ قَالَ: إِنِ اللَّهُ شَفَانِي فَعَلْتُ كَذَا، فَعَلْتُ كَذَا.
قَالَ: وَالْمَرْأَةُ الَّتِي ضُرِبَتْ مَثَلا فِي غَزْلِهَا كَانَتْ حَمْقَاءَ تَغْزِلُ الشَّعْرَ، فَإِذَا غَزَلَتْهُ رَجَعَتْ نَقَضَتْهُ ثُمَّ عَادَتْ فَغَزَلَتْهُ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ قَالَ: هَذَا فِي الْحُلَفَاءِ، كَانُوا يُحَالِفُونَ الْحُلَفَاءَ، ثُمَّ يَجِدُونَ أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَعَزَّ، فَيَنْقُضُونَ حِلْفَ هَؤُلاءِ وَيُحَالِفُونَ الَّذِينَ هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ} [النحل: 92] بِالْكَثْرَةِ.
يَبْتَلِيكُمْ، يَخْتَبِرُكُمْ.
{وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [النحل: 92] مِنَ الْكُفْرِ وَالإِيمَانِ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [النحل: 93] يَعْنِي عَلَى ...
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: عَلَى الإِيمَانِ.
قَالَ يَحْيَى: مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة: 13] .
وَمِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يونس: 99] .
قَالَ: {وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: 93] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(1/86)
قَوْلُهُ: {وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ} [النحل: 94] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنْ تُسِرُّوا الشِّرْكَ، فَتَرْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ.
{فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا} [النحل: 94] تَزِلُّ إِلَى الْكُفْرِ بَعْدَ مَا كَانَتْ عَلَى الإِيمَانِ فَتَزِلُّ إِلَى النَّارِ.
{وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 94] وَالسُّوءُ: عَذَابُ الدُّنْيَا، الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ.
يَقُولُ: إِنِ ارْتَدَدْتُمْ عَنِ الإِسْلامِ قُتِلْتُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا} [النحل: 95] مِنَ الدُّنْيَا.
قَالَ يَحْيَى: قَدِمَ وَفْدٌ مِنْ كِنْدَةَ وَحَضْرَمَوْتَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعُوهُ عَلَى الإِسْلامِ وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَأَقَرُّوا بِإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ.
ثُمَّ إِنَّ رَجُلا مِنْ حَضْرَمَوْتَ قَامَ فَتَعَلَّقَ بِرَجُلٍ مِنْ كِنْدَةَ يُقَالُ لَهُ: امْرِؤُ الْقَيْسِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا جَاوَرَنِي فِي أَرْضٍ لِي، فَقَطَعَ طَائِفَةً مِنْهَا فَأَدْخَلَهَا فِي أَرْضِهِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ بِمَا تَزْعُمُ؟ فَقَالَ: الْقَوْمُ كُلُّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنِّي صَادِقٌ وَأَنَّهُ كَاذِبٌ، وَلَكِنَّهُ أَكْرَمُ عَلَيْهِمْ مِنِّي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا امْرِأَ الْقَيْسِ، مَا يَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: مَا يَقُولُ إِلا الْبَاطِلَ.
قَالَ: فَقُمْ فَاحْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ مَا لَهُ قِبَلَكَ شَيْءٌ مِمَّا يَقُولُ، وَأَنَّهُ الْكَاذِبُ فِيمَا يَقُولُ.
فَقَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: إِنَّا لِلَّهِ، تَجْعَلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَيْهِ؟ إِنَّهُ رَجُلٌ فَاجِرٌ، لا يُبَالِي بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: إِنَّهُ مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ سَاخِطٌ.
فَقَامَ امْرِؤُ الْقَيْسِ لِيَحْلِفَ، فَنَزَلَتْ هَاتَانِ الآيَتَانِ: {وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {95} مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {96} } [النحل: 95-96] فَقَامَ الأَشْعَثُ بْنُ(1/87)
قَيْسٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبَيِ امْرِئِ الْقَيْسِ فَقَالَ: وَيْلَكَ يَا امْرَأَ الْقَيْسِ، إِنَّهُ قَدْ نَزَلَتْ آيَتَانِ فِيكَ وَفِي صَاحِبِكَ، خِيرَتُهُمَا لَهُ، وَالأُخْرَى
لَكَ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنِ اقْتَطَعَ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ سَاخِطٌ» .
فَأَقْبَلَ امْرِؤُ الْقَيْسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَزَلَ فِيَّ؟ فَتَلا عَلَيْهِ الآيَتَيْنِ، فَقَالَ امْرِؤُ الْقَيْسِ: أَمَّا مَا عِنْدِي فَيَنْفَدُ، وَأَمَّا صَاحِبِي فيُجْزَى بِأَحْسَنَ مَا كَانَ يَعْمَلُ.
اللَّهُمَّ إِنَّهُ صَادِقٌ، وَإِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا يَبْلُغُ مَا يَدَّعِي مِنْ أَرْضِهِ فِي أَرْضِي فَقَدْ أَصَبْتُهَا مُنْذُ زَمَانٍ، فَلَهُ مَا ادَّعَى فِي أَرْضِي، وَمِثْلُهَا مَعَهَا.
فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] فَقَالَ امْرِؤُ الْقَيْسِ: أَلِي هَذِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَكَبَّرَ امْرِؤُ الْقَيْسِ.
سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي قَوْلِهِ: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] ، قَالَ: الْقَنَاعَةَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هِيَ الْجَنَّةُ.
قَالَ يَحْيَى: مَنْ قَالَ إِنَّهَا الْقَنَاعَةُ يَقُولُ: هِيَ حَيَاةٌ طَيِّبَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ أَجْرَهُمُ الْجَنَّةَ بِأَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] وَالرَّجِيمُ: الْمَلْعُونُ، رَجَمَهُ اللَّهُ بِاللَّعْنَةِ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَنَزَلَتْ فِي الصَّلاةِ ثُمَّ صَارَتْ سُنَّةً فِي غَيْرِ الصَّلاةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ، وَلَيْسَ بِمَفْرُوضٍ.(1/88)
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99] كَقَوْلِهِ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر: 42] لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُضِلَّهُمْ، وَكَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر: 37] قَالَ: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} [النحل: 100] يَتَوَلَّوْنَ الشَّيْطَانَ.
قَالَ قَتَادَةُ: يَعْبُدُونَهُ وَيُطِيعُونَهُ.
قَالَ الْحَسَن: مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَطِيعَ أَنْ يُكْرِهَهُمْ هُوَ عَلَيْهِ.
قَالَ يَحْيَى: وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [الصافات: 162] بِمُضِلِّينَ {إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 163] .
وَكَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {178} } [الأعراف: 178-178] .
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ} [النحل: 100] حُجَّتُهُ {عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} [النحل: 100] .
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100] وَالَّذِينَ هُمْ بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ.
فِيهَا تَقْدِيمُ.
قَالَ: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: 98] ثُمَّ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100] بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ.
رَجَعَ إِلَى أَوَّلِ الْكَلامِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100] يَعْدِلُونَهُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: شَرَكُوا الشَّيْطَانَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النحل: 101] وَهَذَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.(1/89)
قَالَ الْحَسَنُ: كَانَتِ الآيَةُ إِذَا نَزَلَتْ فَعُمِلَ بِهَا وَفِيهَا شِدَّةٌ، ثُمَّ نَزَلَتْ بَعْدَهَا آية فِيهَا لِينٌ قَالُوا: إِنَّمَا يَأْمُرُ مُحَمَّدٌ أَصْحَابَهُ بِالأَمْرِ فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ صَرَفَهُمْ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَكَانَ أَمْرًا وَاحِدًا وَمَا اخْتَلَفَ، وَلَكِنَّهُ مِنْ قِبَلِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ اللَّهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ.
{نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل: 102] وَالْقُدُسُ: اللَّهُ، وَرُوحُهُ: جِبْرِيلُ.
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَفْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: جِبْرِيلُ.
قَالَ: {لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 102] قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] يَعْنُونَ عَبْدًا لابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَتْ قُرَيْشٌ إِنَّمَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا عَبْدٌ لابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، يُقَالُ لَهُ: جَبْرٌ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكِتَابَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: عَدَّاسٌ غُلامُ عُتْبَةَ.
وَكَانَ الْكَلْبِيُّ يَجْمَعُهَا جَمِيعًا وَيَقُولُ: كَانَ عَدَّاسٌ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ، وَكَانَا يَقْرَآنِ كِتَابَهُمَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَكَانَا أَعْجَمِيِّي اللِّسَانِ.
قَالَ اللَّهُ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ} [النحل: 103] .
يَمِيلُونَ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.(1/90)
وَقَالَ الْحَسَنُ: الَّذِي يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ أَنَّهُ يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا أَعْجَمِيٌّ.
قَالَ اللَّهُ: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] أَيْ: بَيِّنٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَبْدُ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، رُومِيٌّ، صَاحِبُ كِتَابٍ.
يَقُولُ اللَّهُ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} [النحل: 103] يَتَكَلَّمُ بِالرُّومِيَّةِ {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] قَوْلُ قُرَيْشٍ إِنَّمَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا عَبْدٌ لابْنِ الْحَضْرَمِيِّ رُومِيٌّ، وَهُوَ صَاحِبُ كِتَابٍ.
يَقُولُ اللَّهُ: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} [النحل: 103] يَتَكَلَّمُ بِالرُّومِيَّةِ {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] .
وَفِي قَوْلِ الْحَسَنِ: هُوَ عَبْدُ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ كَاهِنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ} [النحل: 104] هَؤُلاءِ الَّذِينَ لا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ يَلْقَوْنَهُ بِكُفْرِهِمْ.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 104] مُوجِعٌ.
(قَوْلُهُ) : {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل: 105] قَوْلُهُ: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] رَاضٍ بِالتَّوْحِيدِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(1/91)
نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَصْحَابِهِ.
أَخَذَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، فَوَقَفُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَخَافُوا مِنْهُمْ، فَأَعْطَوْهُمْ ذَلِكَ بِأَفْوَاهِهِمْ.
- الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ.
فَلَمَّا أَتَى النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: «مَا وَرَاءَكَ» ؟ قَالَ: شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا تُرِكْتُ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ.
قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟» .
قَالَ: أَجِدُ قَلْبِي مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ.
قَالَ: «فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» .
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الآيَةِ نَزَلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] .
وَقَوْلُهُ: {مُطْمَئِنٌّ} [النحل: 106] رَاضٍ بِالإِيمَانِ.
- إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ إِلَى بِئْرٍ لِلْمُشْرِكِينَ لِيَسْتَقِيَ مِنْهَا، وَحَوْلَهَا ثَلاثَةُ صُفُوفٍ يَحْرُسُونَهَا، فَاسْتَقَى فِي قِرْبَةٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَتَى عَلَى الصَّفِّ الأَوَّلِ، فَأَخَذُوهُ فَقَالَ: دَعُونِي فَإِنَّمَا أَسْتَقِي لأَصْحَابِكُمْ، فَتَرَكُوهُ.
فَذَهَبَ حَتَّى أَتَى عَلَى الصَّفِّ الثَّانِي، فَأَخَذُوهُ فَقَالَ: دَعُونِي فَإِنَّمَا أَسْتَقِي لأَصْحَابِكُمْ، فَتَرَكُوهُ.
فَذَهَبَ حَتَّى أَتَى عَلَى الصَّفِّ الثَّالِثِ، فَأَخَذُوهُ فَرَدُّوهُ إِلَى الْبِئْرِ، فَصَبُّوا مَاءَهُ، ثُمَّ نَكَّسُوهُ حَتَّى قَاءَ مَا شَرِبَ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: لَتَكْفُرَنَّ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكَ.
فَتَكَلَّمَ بِمَا أَرَادُوهُ عَلَيْهِ ثُمَّ تَرَكُوهُ.
فَرَجَعَ الثَّانِيَةَ، فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَتَرَكُوهُ.
ثُمَّ رَجَعَ الثَّالِثَةَ، فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَلَمَّا أَرَادُوهَ عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِالْكُفْرِ أَبَى.
فَبَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ الْخَيْلَ(1/92)
فَاسْتَنْقَذَتْهُ.
فَأُنْزِلَتْ فِيهِ: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل: 106] .
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَاسٌ بِمَكَّةَ آمَنُوا، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ بِالْمَدِينَةِ: أَنْ هَاجِرُوا فَإِنَّكُمْ لا تَرَوْنَ مِنَّا خَيْرًا حَتَّى تُهَاجِرُوا.
فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ، فَأَدْرَكَتْهُمْ قُرَيْشٌ بِالطَّرِيقِ فَفَتَنُوهُمْ، فَكَفَرُوا مُكْرَهِينَ.
فَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
قَالَ: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] فِي الآخِرَةِ.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ} [النحل: 107] اخْتَارُوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ.
{وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [النحل: 107] ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِكُفْرِهِمْ.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {108} لا جَرَمَ} [النحل: 108-109] وَهَذَا وَعِيدٌ.
{أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [النحل: 109] خُسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَغْنَمُوهَا فَصَارُوا فِي النَّارِ، وَخَسِرُوا أَهْلِيهِمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَهُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.
وَتَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الزُّمُرِ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النحل: 110] يَعْنِي: مِنْ بَعْدِ مَا عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّهُمْ قَوْمٌ كَانُوا بِمَكَّةَ، فَعَرَضَتْ لَهُمْ فِتْنَةٌ، فَارْتَدُّوا عَنِ الإِسْلامِ، وَشَكُّوا فِي نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ إِنَّهُمْ أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ جَاهَدُوا مَعَهُ وَصَبَرُوا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لا يُقْبَلُ مِنْهُمُ(1/93)
الإِسْلامُ حَتَّى يُهَاجِرُوا، كَتَبَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أَصْحَابٍ لَهُمْ بِمَكَّةَ، وَخَرَجُوا فَأَدْرَكَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَرَدُّوهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ {2} } [العنكبوت: 1-2] وَالآيَةَ الأُخْرَى الَّتِي بَعْدَهَا.
فَكَتَبَ بِهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ ذَلِكَ تَبَايَعُوا أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِنْ لَحِقَ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَلْحَقُوا بِاللَّهِ أَوْ يَنْجُوا، فَخَرَجُوا.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا} [النحل: 110] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل: 111] قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ كُلُّ نَفْسٍ تُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ لِلْحِسَابِ لَيْسَ يَسْأَلُهَا عَنْ عَمَلِهَا إِلا اللَّهُ.
قَالَ: {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [النحل: 111] أَمَّا الْكَافِرُ فَلَيْسَ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ فِي الآخِرَةِ شَيْءٌ، قَدِ اسْتَوْفَاهَا فِي الدُّنْيَا.
وَأَمَّا سَيِّئَاتُهُ فَيُوَفَّاهَا فِي الآخِرَةِ، يُجَازَى بِهَا النَّارَ.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَهُوَ الَّذِي يُوَفَّى الْحَسَنَاتِ فِي الآخِرَةِ.
وَأَمَّا سَيِّئَاتُهُ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى ذَهَبَتْ سَيِّئَاتُهُ بِالْبَلايَا وَالْعُقَوبَةِ كَقَوْلِهِ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] وَمِنْهُمْ مَنْ تَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ فَيَفْعَلُ اللَّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَبْقَى عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهَا فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهَا فُيَشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي الْمَوْقِفِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهَا فَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ عِنْدَ الصِّرَاطِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهَا فَيَدْخُلُ النَّارَ فَيُنْتَقَمُ مِنْهُ ثُمَّ يُخْرِجُهُ اللَّهُ مِنْهَا إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا} [النحل: 112] يَعْنِي وَصَفَ اللَّهُ مَثَلا: شَبَهًا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(1/94)
{قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {112} وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ {113} } [النحل: 112-113] الْقَرْيَةُ: مَكَّةُ، وَالرَّسُولُ: مُحَمَّدٌ، كَفَرُوا بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَكَذَّبُوا رَسُولَهُ وَلَمْ يَشْكُرُوا وَهُمْ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ} [النحل: 112] فَإِنَّهُ الْجُوعُ الَّذِي عُذِّبُوا بِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ عَذَابِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ، عَذَّبَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَأَمَّا الْخَوْفُ فَبَعْدَمَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْقَرْيَةَ مَكَّةُ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ} [النحل: 113] يَعْرِفُونَ نَسَبَهُ وَأُمَّهُ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا.
{فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل: 113] أَخَذَهَمُ اللَّهُ بِالْجُوعِ، وَالْخَوْفِ، وَالْقَتْلِ الشَّدِيدِ.
قَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا} [النحل: 114] ، يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ، مَا أُحِلَّ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَمِنَ الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا.
{وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ {114} إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [النحل: 114-115] ذَبَائِحُ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ أَحَلَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 115] وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَسُورَةِ الأَنْعَامِ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] لِمَا حُرِمُوا مِنَ الأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ، وَمَا اسْتَحَلُّوا مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ.
{لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116](1/95)
وَهِيَ كَقَوْلِهِ: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] .
قَوْلُهُ: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ} [النحل: 117] ، أَيْ: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا مَتَاعٌ قَلِيلٌ ذَاهِبٌ.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 117] فِي الآخِرَةِ، يَعْنِيهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا} [النحل: 118] الْيَهُودِ، سَمَّوْا أَنْفُسَهُمُ الْيَهُودَ وَتَرَكُوا اسْمَ الإِسْلامِ.
{حَرَّمْنَا} [النحل: 118] عَلَيْهِمْ بِكُفْرِهِمْ.
{مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} [النحل: 118] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَعْنِي مَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مَدَنِيٌّ، يَعْنِي: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا} [الأنعام: 146] وَالْحَوَايَا: الْمَبْعَرُ {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام: 146] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ.
قَالَ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النحل: 118] إِنَّمَا حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِظُلْمِهِمْ قَالَ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النحل: 119] قَالَ: {ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} [النحل: 119] مِنْ بَعْدِ تِلْكَ الْجَهَالَةِ إِذَا تَابُوا مِنْهَا.
{لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 119] وَكُلُّ ذَنْبٍ عَمِلَهُ الْعَبْدُ فَهُوَ بِجَهَالَةٍ وَذَلِكَ مِنْهُ جَهْلٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُلُّ ذَنْبٍ أَتَاهُ عَبْدٌ فَهُوَ بِجَهَالَةٍ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: يَعْمَلُ الذَّنْبَ وَلا يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَنْبٌ فَإِذَا(1/96)
أُخْبِرَ أَنَّهُ ذَنْبٌ تَرَكَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ} [النحل: 119] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل: 120] وَالأُمَّةُ فِي تَفْسِيرِ غَيْرِ وَاحِدٍ: السُّنَّةُ، فِي الْخَيْرِ، يُعَلِّمُ الْخَيْرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي كَانَ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فِي الْخَيْرِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {كَانَ أُمَّةً قَانِتًا} [النحل: 120] ، أَيْ: مُطِيعًا لِلَّهِ.
كَانَ إِمَامَ هُدًى يُهْتَدَى بِهِ.
- قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلامَةَ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ كَانَ أُمَّةً.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ مُعَاذًا كَانَ يُعَلِّمَ الْخَيْرَ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ مُؤْمِنًا وَحْدَهُ وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ كُفَّارًا.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأْتِي زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أُمَّةً وَحْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَوْلُهُ: {قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120] أَيْ: مُطِيعًا.
{حَنِيفًا} [النحل: 123] مُخْلِصًا.
{وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {120} شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ} [النحل: 120-121] لِلنُّبُوَّةِ، وَاجْتَبَاهُ وَاصْطَفَاهُ وَاخْتَارَهُ وَاحِدٌ.
{وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل: 121] إِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ، إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [النحل: 122] وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} [العنكبوت: 27] .(1/97)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلا وَهُمْ يَتَوَلَّوْنَهُ وَيُرْضُونَهُ.
قَالَ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 129] الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
وَقَالَ فِي آية أُخْرَى: {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل: 122] فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ اللَّهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: وَالصَّالِحُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَأَفْضَلُهُمُ الأَنْبِيَاءُ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: لِسَانُ صِدْقٍ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {123} إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ {124} } [النحل: 123-124] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: اسْتَحَلَّهُ بَعْضُهُمْ، وَحَرَّمَهُ بَعْضُهُمْ.
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النحل: 124] وَحُكْمُهُ فِيهِمْ أَنْ يُدْخِلَ الْمُؤْمِنَ مِنْهُمُ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلَ الْكَافِرِينَ النَّارَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ مُوسَى أَمَرَ قَوْمَهُ أَنْ يَتَفَرَّغُوا إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ سَبْعَةٍ أَيَّامٍ يَوْمًا؛ يَعْبُدُونَهُ وَلا يَعْمَلُونَ فِيهِ شَيْئًا مِنْ ضَيْعَتِهِمْ وَالسِّتَّةُ الأَيَّامُ لِضَيْعَتِهِمْ.
فَأَمَرَهُمْ بِالْجُمُعَةِ، فَاخْتَارُوا هُمُ السَّبْتَ، وَأَبَوْا إِلا السَّبْتَ.
فَاخْتِلافُهُمْ أَنَّهُمْ أَبَوُا الْجُمُعَةَ وَاخْتَارُوا السَّبْتَ.
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَحْنُ الآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ.
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ.
هَا أَنْتُمْ هَذَا الْيَوْمَ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ، فَالْيَوْمَ لَنَا، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى.
فَالْيَوْمَ لَنَا، يَعْنِي: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَغَدًا لِلْيَهُودِ، يَعْنِي: السَّبْتَ، وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى، يَعْنِي: الأَحَدَ "(1/98)
قَوْلُهُ: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: 125] الْهُدَى، الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: إِلَى دِينِ رَبِّكَ.
{بِالْحِكْمَةِ} [النحل: 125] يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] الْقُرْآنَ.
{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] يَأْمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125] ، أَيْ: إِنَّهُمْ مُشْرِكُونَ ضَالُّونَ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مُؤْمِنُونَ مُهْتَدُونَ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]
- الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ مَثَّلَ الْمُشْرِكُونَ بِحَمْزَةَ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَطَعُوا مَذَاكِيرَهُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزِعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا فَأَمَرَ بِهِ فَغُطِّيَ بِبُرْدَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ، فَمَدَّهَا عَلَى وَجْهِهِ وَرَأْسِهِ وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ إِذْ خَرَّ وَصَلَّى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لأُمَثِّلَنَّ بِثَلاثِينَ مِنْ قُرَيْشٍ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {126} وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ} [النحل: 126-127] فَصَبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ ذَلِكَ وَلَمْ يُمَثِّلْ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ(1/99)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَى جُيُوشَهُ عَنِ الْمَثْلِ بِالْكُفَّارِ.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُثْلَةِ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النحل: 127] عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
{وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: 127] لا يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَكْرِهِمْ وَكَذِبِهِمْ عَلَيْكَ.
فَـ {إِنَّ اللَّهَ} [النحل: 128] معك و {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] .(1/100)
سُورَةُ الإِسْرَاءِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ سُبْحَانَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا} [الإسراء: 1] ، يَعْنِي نَفْسَهُ.
أَسْرَى بِعَبْدِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء: 1] ، يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ.
{الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1] مَا أَرَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ.
- نا يَحْيَى، قَالَ: نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلاثَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ.
قَالَ فَأُتِيتُ فَانْطُلِقَ بِي، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشَرَحَ صَدْرِي إِلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا ".
قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلْتُ لِلَّذِي مَعِي: مَا يَعْنِي؟ قَالَ: إِلَى أَسْفَل بَطْنِي،(1/101)
فَاسْتُخْرِجَ قَلْبِي فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ كُنِز أَوْ قَالَ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أتيت بِدَابَّةٍ بَيْضَاءَ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ خَطْوَهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ.
فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قَالَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَفُتِحَ لَهُ وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
قَالَ: فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.(1/102)
ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ لَهُ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا، وَقَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَأَتَيْتَ عَلَى يَحْيَى وَعِيسَى، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَانِ؟ قَالَ: هَذَانِ يَحْيَى وَعِيسَى.
قَالَ: وَأَحْسَبُهُ أَنَّهُ قَالَ: ابْنَا الْخَالَةِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمَا، فَقَالا: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، فَكَانَ نَحْوَ هَذَا مِنْ كَلامِ جِبْرِيلَ وَكَلامِهِمْ.
فَأَتَيْتُ عَلَى يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هَذَا أَخُوكَ يُوسُفُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هَذَا أَخُوكَ إِدْرِيسُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ عِنْدَهَا: قَالَ اللَّهُ: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ الْخَامِسَةَ، فَأَتَيْتُ أَوْ أَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ هَارُونُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّادِسَةَ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالأَخِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
فَلَمَّا جَاوَزْتُهُ بَكَى، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: رَبِّ، هَذَا غُلامٌ بَعَثْتَهُ بَعْدِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي.
ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالابْنِ الصَّالِحِ وَالنَّبِيِّ الصَّالِحِ.
ثُمَّ رُفِعَ لَنَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ بِحِيَالِ الْكَعْبَةِ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا، آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ.(1/103)
ثُمَّ رُفِعَتْ لَنَا سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى، فَحَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّ وَرَقَهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ، وَأَنَّ نَبِقَهَا مِثْلُ قِلالِ هَجَرَ.
وَحَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى أَرْبَعَةَ أَنْهَارٍ يُخَرْخَرُ مِنْ تَحْتِهَا، نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ.
فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الأَنْهَارُ؟ فَقَالَ: أَمَّا النَّهْرَانِ الْبَاطِنَانِ فَنَهْرَانِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ فَالنِّيلُ وَالْفُرَاتُ.
وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالآخَرُ خَمْرٌ، فَعُرِضَا عَلَيَّ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ.
فَقِيلَ لِي: أَصَبْتَ، أَصَابَ اللَّهُ بِكَ أُمَّتَكَ عَلَى الْفِطْرَةِ.
وَفُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلاةً، أَوْ قَالَ: أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ، فَجِئْتُ بِهِنَّ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى مُوسَى، فَقَالَ لِي: بِمَا أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ أُمِرْتُ بِخَمْسِينَ صَلاةً كُلَّ يَوْمٍ.
فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ.
إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ أَخْتَلِفُ فِيمَا بَيْنَ مُوسَى وَبَيْنَ رَبِّي، كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي مِثْلَ مَقَالَتِي هَذِهِ، حَتَّى رَجَعْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ.
فَلَمَّا أَتَيْتُ عَلَيْهِ قَالَ لِي: بِمَا أُمِرْتَ؟ فَقُلْتُ: أُمِرْتُ بِخَمْسِ صَلَوَاتٍ كُلَّ(1/104)
يَوْمٍ، فَقَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، إِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ، وَعَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ الْمُعَالَجَةِ، ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِكَ.
فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: لَقَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى لَقَدِ اسْتَحْيَيْتُ، وَلَكِنِّي أَرْضَى وَأُسَلِّمُ.
قَالَ: فَنُودِيتُ أَوْ نَادَى مُنَادٍ: إِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي، وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وَجَعَلْتُ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ".
فَانْتَهَى حَدِيثُ أَنَسٍ إِلَى هَذَا.
- حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ إِذْ أُتِيتُ فَشُقَّ النَّحْرُ، فَاسْتُخْرِجَ الْقَلْبُ، فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ يُقَالُ لَهُ: الْبُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، مُضْطَرِبِ الأُذُنَيْنِ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، فَسَارَ بِي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَإِذَا بِمُنَادٍ
يُنَادِي عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ: يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ.
فَمَضَيْتُ وَلَمْ أَعْرُجْ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ: يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ.
فَمَضَيْتُ وَلَمْ أَعْرُجْ عَلَيْهِ.
ثُمَّ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ، أَحْسَبُهُ قَالَ: حَسْنَاءَ جَمْلاءَ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ الْحُلِيِّ وَالزِّينَةِ، نَاشِرَةٌ شَعْرُهَا، رَافِعَةٌ يَدُهَا تَقُولُ: يَا مُحَمَّد عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، فَمَضَيْتُ وَلَمْ أَعْرُجْ عَلَيْهَا، حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَوْثَقْتُ الدَّابَّةَ بِالْحَلَقَةِ الَّتِي يُوثِقُ بِهَا الأَنْبِيَاءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَأَتَانِي(1/105)
جِبْرِيلُ بِإِنَاءَيْنِ: إِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ فَتَنَاوَلْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ: أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ قَالَ لِي جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ مَا رَأَيْتُ فِي وَجْهِكَ هَذَا؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ مُنَادِيًا يُنَادِي عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ: يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ.
قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: مَضَيْتُ وَلَمْ أَعْرُجْ عَلَيْهِ.
قَالَ: ذَاكَ دَاعِيَةُ الْيَهُودِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ عَرَجْتَ عَلَيْهِ لَتَهَوَّدَتْ أُمَّتُكَ.
قُلْتُ: ثُمَّ إِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ: يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: مَضَيْتُ وَلَمْ أَعْرُجْ عَلَيْهِ، قَالَ: ذَلِكَ دَاعِيَةُ النَّصَارَى، أَمَا إِنَّكَ لَوْ عَرَجْتَ عَلَيْهِ لَتَنَصَّرَتْ أُمَّتُكَ.
قُلْتُ: ثُمَّ إِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَالَ: أَحْسَبُهُ قَالَ: حَسْنَاءَ جَمْلاءَ عَلَيْهَا مِنْ كُلِّ الْحُلِيِّ وَالزِّينَةِ، نَاشِرَةٍ شَعْرَهَا، رَافِعَةٍ يَدَيْهَا تَقُولُ: يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، يَا مُحَمَّدُ عَلَى رِسْلِكَ أَسْأَلُكَ، قَالَ فَمَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: مَضَيْتُ وَلَمْ أَعْرُجْ عَلَيْهَا.
قَالَ: تِلْكَ الدُّنْيَا، أَمَا إِنَّكَ لَوْ عَرَجْتَ عَلَيْهَا لِمِلْتَ إِلَى الدُّنْيَا.
ثُمَّ أُتِينَا بِالْمِعْرَاجِ فَإِذَا أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَيِّتِ حَيْثُ يُشَقُّ بَصَرُهُ فَإِنَّمَا يُتْبِعُهُ الْمِعْرَاجُ عَجَبًا بِهِ.
ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج: 4] فَقَعَدْنَا فِيهِ، فَعَرَجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَعَلَيْهَا مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ، جُنْدُهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، جُنْدُ(1/106)
كُلِّ مَلَكٍ سَبْعُونَ أَلْفٍ.
ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ} [المدثر: 31] .
فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: وَمَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ، فَفُتِحَ لَنَا، فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ آدَمُ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ: وَإِذَا الأَرْوَاحُ تُعْرَضُ عَلَيْهِ، فَإِذَا مَرَّ بِهِ رُوحُ مُؤْمِنٍ قَالَ: رُوحٌ طَيِّبٌ وَرِيحٌ طَيِّبَةٌ، وَإِذَا مَرَّ بِهِ رُوحُ كَافِرٍ قَالَ: رُوحٌ خَبِيثٌ وَرِيحٌ خَبِيثَةٌ.
قَالَ: ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِأَخَاوِينَ عَلَيْهَا لُحُومٌ نَتِنَةٌ، وَأَخَاوِينُ عَلَيْهَا لُحُومٌ طَيِّبَةٌ، وَإِذَا رِجَالٌ يَنْهَشُونَ اللُّحُومَ الْمُنْتِنَةَ وَيَدَعُونَ اللُّحُومَ الطَّيِّبَةَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الزُّنَاةُ يَدَعُونَ الْحَلالَ وَيَتَّبِعُونَ الْحَرَامَ.
قَالَ: ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِرِجَالٍ تُفَكُّ أَلْحِيَتُهُمْ، وَآخَرُونَ يَجِيئُونَ بِالصُّخُورِ مِنَ النَّارِ فَيَقْذِفُونَهَا فِي أَفْوَاهِهِمْ فَتَخْرُجُ مِنْ أَدْبَارِهِمْ.
قَالَ: فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا.
ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10] .
ثُمَّ مَضَيْتُ فَإِذَا أَنَا بِقَوْمٍ يُقَطَّعُ مِنْ لُحُومِهِمْ بِدِمَائِهِمْ فَيُضْفَزُونَهَا، وَلَهُمْ جُؤَارٌ.
فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الْهَمَّازُونَ اللَّمَّازُونَ.(1/107)
ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الآيَةَ: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] .
قَالَ: وَإِذَا أَنَا بِنِسْوَةٍ مُعَلَّقَاتٍ بِثَدْيِهِنَّ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَإِذَا حَيَّاتٌ وَعَقَارِبُ يَنْهَشْنَهُنَّ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الظُّؤْرَةُ اللاتِي يَقْتُلْنَ أُولادَهُنَّ.
قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ عَلَى سَابِلَةِ آلِ فِرْعَوْنَ، حَيْثُ يُنْطَلَقُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا، فَإِذَا رَأَوْهَا قَالُوا: رَبَّنَا لا تَقُومَنَّ السَّاعَةَ، لِمَا يَرَوْنَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
وَإِذَا أَنَا بِرِجَالٍ بُطُونِهِمْ كَالْبُيُوتِ يَقُومُونَ فَيَقَعُونَ لِظُهُورِهِمْ وَلِبُطُونِهِمْ، فَيَأْتِي عَلَيْهِمْ آلُ فِرْعَوْنَ فَيَثْرِدُونَهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ ثَرْدًا.
فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ أَكَلَةُ الرِّبَا.
ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] .
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ:(1/108)
نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
قَالَ: فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَةِ يَحْيَى وَعِيسَى، فَرَحَّبَا بِي وَدَعَوْا لِي بِخَيْرِ.
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبِا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَفُتِحَ لَنَا، قَالَ: فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ، وَإِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحَسَنِ، قَالَ: فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ، وَإِذَا لِحْيَتُهُ شَطْرَانِ: شَطْرٌ أَبْيَضُ، وَشَطْرٌ أَسْوَدُ.
فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الْمُحَبَّبُ فِي قَوْمِهِ وَأَكْثَرُ مَنْ رَأَيْتُ تَبَعًا، قَالَ: فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
قَالَ: ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا بِمُوسَى، وَإِذَا هُوَ رَجُلٌ أَشْعَرُ لَوْ لَبِسَ قَمِيصَيْنِ لَنَفِدَهُمَا الشَّعْرُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى، قَالَ: فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ.
قَالَ: ثُمَّ مَضَيْتُ، فَسَمِعْتُ مُوسَى يَقُولُ: يَزْعُمُ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَنِّي أَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ، وَهَذَا أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنِّي، فَلَوْ كَانَ إِلَيْهِ وَحْدَهُ لَهَانَ عَلَيَّ وَلَكِنَّ النَّبِيَّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ.
ثُمَّ عُرِجَ بِنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ.
قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالُوا: مَرْحَبًا بِهِ وَلَنِعْمَ الْمَجِيءُ جَاءَ.
فَفُتِحَ لَنَا، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَإِذَا هُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لا يَعُودُونَ إِلَيْهِ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، وَإِذَا أُمَّتِي عِنْدَهُ شَطْرَانِ: شَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَشَطْرٌ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ رُمْدٌ، فَدَخَلَ أَصْحَابُ الثِّيَابِ الْبِيضِ، وَاحْتُبِسَ الآخَرُونَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ:
هَؤُلاءِ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وَآخَرَ(1/109)
سَيِّئًا وَكُلٌّ إِلَى خَيْرٍ.
ثُمَّ قِيلَ لِي: هَذِهِ مَنْزِلَتُكَ وَمَنْزِلَةُ أُمَّتِكَ.
ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 68] .
قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، فَإِذَا هِيَ أَحْسَنُ مَا خَلَقَ اللَّهُ، وَإِذَا الْوَرَقَةُ مِنْ وَرَقِهَا لَوْ غُطِّيَتَ بِهَا هَذِهِ الأُمَّةَ لَغَطَّتْهُمْ، ثُمَّ انْفَجَرَ مِنْ تَحْتِهَا السَّلْسَبِيلُ، ثُمَّ انْفَجَرَ مِنَ السَّلْسَبِيلِ نَهْرَانِ: نَهْرُ الرَّحْمَةِ، وَنَهْرُ الْكَوْثَرِ، فَاغْتَسَلْتُ مِنَ الرَّحْمَةِ، فَغُفِرَ لِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِي وَمَا تَأَخَّرَ.
ثُمَّ أُعْطِيتُ الْكَوْثَرَ فَسَلَكْتُهُ حَتَّى انْفَجَرَ بِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا طَيْرُهَا كَالْبُخْتِ، وَإِذَا الرُّمَّانَةُ مِنْ رُمَّانِهَا كَجِلْدِ الْبَعِيرِ الْمُقَبَّبِ.
قَالَ: وَنَظَرْتُ إِلَى جَارِيَةٍ فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتِ يَا جَارِيَةُ؟ قَالَتْ: لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ.
قَالَ: فَبَشَّرْتُ بِهَا زَيْدًا.
قَالَ: ثُمَّ نَظَرْتُ إِلَى النَّارِ فَإِذَا: إِنَّ عَذَابَ رَبِّي لَشَدِيدٌ، لا تَقُومُ لَهُ الْحِجَارَةُ وَلا الْحَدِيدُ.
قَالَ: ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، (فَغَشَاهَا) مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا (غَشِيَ) ، وَوَقَعَ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ، مَلَكٌ وَأَيَّدَهَا اللَّهُ بِأَيْدِهِ، وَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، وَفَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ صَلاةً، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ عَلَيْكَ رَبُّكَ؟ فَقُلْتُ: فَرَضَ عَلَيَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ صَلاةً، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَخَبَرْتُهُمْ.(1/110)
فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ حُطَّ عَنْ أُمَّتِي، فَإِنَّ أُمَّتِي لا تُطِيقُ ذَلِكَ.
فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا.
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: مَا فَرَضَ عَلَيْكَ رَبُّكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: حُطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لا تُطِيقُ ذَلِكَ.
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا.
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَخْتَلِفُ بَيْنَ رَبِّي وَبَيْنَ مُوسَى حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ لا تَبْدِيلَ، إِنَّهُ لا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلاةٍ عَشْرٌ، فَتِلْكَ خَمْسُونَ صَلاةً، فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ وَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَمَنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَاحِدَةً.
قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَسَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَقُلْتُ: فَقَدْ رَاجَعْتُهُ حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ.
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَمَّا أُتِيَ بِالْبُرَاقِ لِيَرْكَبَهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: اسْكُنْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَكِبَكَ مَخْلُوقٌ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ، قَالَ: فَارْفَضَّ عَرَقًا وَقَرَّ.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى رِجَالٍ تُقْرَضُ شِفَاهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا يَعْقِلُونَ ".
- عُثْمَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(1/111)
وَسَلَّمَ: " بَيْنَمَا أَنَا فِي الْجَنَّةِ إِذَا بِنَهْرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ، فَضَرَبْتُ بِيَدِي فِي مَجْرَى الْمَاءِ فَإِذَا مِسْكٌ أَذْفَرُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ ".
الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى مَلَكٍ قَائِمٍ عَلَى سَرِيرٍ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ فَقَالَ: إِنَّ نَبِيًّا أُسْرِيَ بِهِ قَبْلَكَ، فَمَرَّ عَلَى هَذَا وَهُوَ قَاعِدٌ فَظَنَّ أَنَّهُ رَبُّهُ، فَأَهْوَى لِيَسْجُدَ لَهُ، فَأَقَامَهُ اللَّهُ مِنْ يَوْمِهِ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ عَبْدٌ ".
قَوْلُهُ: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء: 1] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا أَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الآيَاتِ وَالْعِبَرِ فِي طَرِيقِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1] ، يَعْنِي نَفْسَهُ، لا أَسْمَعُ مِنْهُ وَلا أُبْصِرُ مِنْهُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ: تُحَدِّثُنَا أَنَّكَ صَلَّيْتَ اللَّيْلَةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَجَعْتَ مِنْ لَيْلَتِكَ.
وَهُوَ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلذَّاهِبِ وَشَهْرٍ لِلْمُقْبِلِ؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رُوَيْدَكَ يَا مُحَمَّدُ نَسْأَلُكَ عَنْ عِيرِنَا هَلْ رَأَيْتَهَا فِي الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ: أَيْنَ؟ قَالَ: «مَرَرْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ بِالرَّوْحَاءِ وَقَدْ أَضَلُّوا نَاقَةً لَهُمْ، وَهُمْ فِي طَلَبِهَا، فَمَرَرْتُ عَلَى رِحَالِهِمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ.
فَوَجَدْتُ فِي إِنَاءٍ مِنْ آنِيَتِهِمْ مَاءً فَشَرِبْتُهُ، فَسَلُوهُمْ إِذَا رَجَعُوا، هَلْ وَجَدُوا الْمَاءَ فِي الإِنَاءِ؟» .
قَالُوا: هَذِهِ وَاللَّهِ آية.(1/112)
قَالَ: " وَمَرَرْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ، فَنَفَرَتْ مِنِّي الإِبِلُ سَاعَةَ كَذَا وَكَذَا، وَوَصَفَ جَمَلا مِنْهَا، قَالَ: جَمَلٌ أَحْمَرُ، كَانَ عَلَيْهِ أَجِيرُ بَنِي فُلانٍ، عَلَيْهِ جَوْلَقٌ أَسْوَدُ مُخَطَّطٌ بِبَيَاضٍ ".
قَالُوا: هَذِهِ وَاللَّهِ آية وَقَدْ عَرَفْنَا الْجَوْلَقَ.
قَالَ: «ثُمَّ مَرَرْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلانٍ بِالتَّنْعِيمِ» .
قَالُوا: فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَإِنَّهَا تَقْدَمُ الآنَ، قَالَ: «أَجَلْ» .
قَالُوا: فأَخْبِرْنَا بِعِدَّتِهَا وَأَجْمَالِهَا وَمَنْ فِيهَا، قَالَ: «كُنْتُ مَشْغُولا عَنْ ذَلِكَ» ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَدِّثُهُمْ إِذْ مُثِّلَ لَهُ عِدَّتُهَا وَأَجْمَالُهَا فِي الْخُدُورِ، يَقْدَمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هِيَ هَذِهِ مُنْحَدِرَةٌ مِنْ ثَنِيَّةِ كَذَا مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، يَقْدَمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ، وَعِدَّتُهَا كَذَا وَكَذَا، وَأَحْمَالُهَا كَذَا وَكَذَا، وَفِيهَا فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ» .
وَسمَّى الرَّهْطَ الَّذِينَ فِيهَا بِأَسْمَائِهِمْ لَمْ يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا.
فَخَرَجَ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْعَوْنَ قِبَلَ الثَّنِيَّةِ، فَإِذَا هُمْ بِهَا حِينَ انْحَدَرَتْ مِنَ الثَّنِيَّةِ، يَقْدَمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ كَمَا قَالَ، وَفِيهَا الرَّهْطُ الَّذِينَ سَمَّى مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَرَمَوْهُ بِالسِّحْرِ، وَقَالُوا: صَدَقَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِيمَا قَالَ إِنَّهُ سَاحِرٌ.
وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي مَا رَأَيْتَ عَنْ يَمِينِكَ حِينَ دَخَلْتَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ؟ وَمَا رَأَيْتَ عَنْ يَسَارِكَ؟ فَحَدَّثَهُ رَسُولُ اللَّهِ، فَصَدَّقَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ صَادِقٌ.
فَيَوْمَئِذٍ سُمِّيَ الصِّدِّيقَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ(1/113)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَأَنْتَ الصِّدِّيقُ يَا أَبَا بَكْرٍ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أُسْرِيَ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَصَلَّى فِيهِ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُرِيَهُ آيَاتِهِ، وَأَمَرَهُ بِمَا شَاءَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ بِمَكَّةَ.
وَذَكَرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ أَنَّهُ حُمِلَ عَلَى دَابَّةٍ يُقَالُ لَهَا: الْبُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ عِنْدَ أَقْصَى طَرْفِهِ، فَحَدَّثَ نَبِيُّ اللَّهِ بِذَلِكَ أَهْلَ مَكَّةَ، فَكَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَنْكَرُوهُ، فَصَدَّقَهُ أَبُو بَكْرٍ، فَسُمِّيَ الصِّدِّيقَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الإسراء: 2] ، التَّوْرَاةَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
{وَجَعَلْنَاهُ} [الإسراء: 2] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: مُوسَى.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: التَّوْرَاةَ.
{هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 2] لِمَنْ آمَنَ بِهِ.
{أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلا} [الإسراء: 2] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: شَرِيكًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رِيَاءً.
{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3] فِي السَّفِينَةِ، أَيْ: يَا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ، لِذَلِكَ انْتُصِبَتْ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [الإسراء: 3] فَالنَّاسُ كُلُّهُمْ ذُرِّيَّةُ مَنْ أَنْجَى فِي تِلْكَ السَّفِينَةِ.
وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ نَجَا فِيهَا نُوحٌ، وَثَلاثَةُ بَنِينَ لَهُ، وَامْرَأَتُهُ، وَنِسَاؤُهُمْ، وَبَنُوهُ سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ.
فَسَامٌ أَبُو الْعَرَبِ، وَحَامٌ أَبُو(1/114)
الْحَبَشِ، وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ، فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ.
قَالَ: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا حَمِدَ اللَّهَ.
قَالَ يَحْيَى: وَعَامَّةُ مَا فِي الْقُرْآنِ فِي تَفْسِيرِ الْعَامَّةِ أَنَّ الشَّكُورَ الْمُؤْمِنُ.
قَوْلُهُ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الإسراء: 4] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: أَخْبَرَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ.
{فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4] يَعْنِي: فِي التَّوْرَاةِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: أَعْلَمْنَاهُمْ، كَقَوْلِهِ: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ} [الحجر: 66] ، يَقُولُ: أَعْلَمْنَاهُ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {وَقَضَيْنَا} [الإسراء: 4] كَتَبْنَا.
{لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4] ، يَعْنِي: لَتُهْلِكُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4] يَعْنِي: لَتَقْهَرُنَّ قَهْرًا شَدِيدًا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا} [الإسراء: 5] : أُولَى الْعُقُوبَتَيْنِ.
{بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء: 5] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: فَارِسَ.
{فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ} [الإسراء: 5] فَقَتَلُوهُمْ فِي الدِّيَارِ، وَهَدَمُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَأَلْقَوْا فِيهِ الْجِيَفَ وَالْعَذِرَةَ.(1/115)
{وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا} [الإسراء: 5] أَيْ أَنَّهُ كَائِنٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ} [الإسراء: 4] كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ {لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ} [الإسراء: 4] إِلَى قَوْلِهِ: {أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [الإسراء: 5] ، قَالَ: ذَلِكَ بَيَانُ مَنْ جَاءَهُمْ مِنْ فَارِسَ، يَتَحَسَّسُونَ أَخْبَارَهُمْ، وَيَسْمَعُونَ حَدِيثَهُمْ، وَمَعَهُمْ بُخْتَنَصَّرَ، فَوَعَى أَحَادِيثَهُمْ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَارِسُ فَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ، وَنُصِرَتْ عَلَيْهِمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ.
فَهَذَا وَعْدُ الأُولَى.
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} [الإسراء: 7] بَعَثَ مَلِكُ فَارِسَ بِبَابِلَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ بُخْتَنَصَّرَ، فَأَتَوْا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَدَمَّرُوهُمْ.
فَكَانَتْ هَذِهِ الآخِرَةُ وَوَعْدُهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} [الإسراء: 7] ، يَعْنِي: الْمَوْتَ الأَخِيرَ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي وَعَدَهُمْ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: عُوقِبَ الْقَوْمُ عَلَى غُلُوِّهِمْ وَفَسَادِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الأُولَى جَالُوتَ الْخَزَرِيَّ، فَسَبَى وَقَتَلَ، وَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ كَمَا قَالَ اللَّهُ، ثُمَّ رُوجِعَ الْقَوْمُ عَلَى دَخَنٍ فِيهِمْ كَثِيرٍ.
فَقَالَ: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ} [الإسراء: 6] يَقُولُ: وَأَعْطَيْنَاكُمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء: 6] ، أَيْ: أَكْثَرَ عَدَدًا فِي زَمَانِ دَاوُدَ.
وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [الإسراء: 6] فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِمْ فِي زَمَانِ دَاوُدَ يَوْمَ طَالُوتَ.
قَالَ: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] ، أَيْ: فَلأَنْفُسِكُمْ.(1/116)
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} [الإسراء: 7] قَالَ قَتَادَةُ: آخِرُ الْعُقُوبَتَيْنِ.
{لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ} [الإسراء: 7] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: لِيَسُوءَ اللَّهُ وُجُوهَكُمْ، خَفِيفَةٌ، وَالْوَجْهُ الآخَرُ: لِيُسَوِّئُوا، مُثَقَّلَةٌ، يَعْنِي: الْقَوْمُ وُجُوهَكُمْ.
{وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} [الإسراء: 7] ، يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ.
{كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 7] سَعِيدٌ، عَن قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ كَمَا دَخَلَهُ عَدُوُّهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ.
قَالَ: {وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا} [الإسراء: 7] أَيْ: غَلَبُوا عَلَيْهِ.
{تَتْبِيرًا} [الإسراء: 7] أَيْ: وَلِيُفْسِدُوا مَا غَلَبُوا عَلَيْهِ فَسَادًا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي الآخِرَةِ بُخْتَنَصَّرَ الْبَابِلِيَّ الْمَجُوسِيَّ، فَسَبَى، وَقَتَلَ، وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقَذَفَ فِيهِ الْجِيَفَ وَالْعَذِرَةَ.
يُقَالُ إِنَّهُ فَسَادُهُمُ الثَّانِي قُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ، فَبَعَثَ اللَّهُ بُخْتَنَصَّرَ عُقُوبَةً عَلَيْهِمْ بِقَتْلِهِمْ يَحْيَى، فَقَتَلَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفًا.
أَبُو سَهْلٍ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ مَرْيَمَ لَمَّا حَمَلَتْ قَالُوا: ضَيَّعَ اللَّهُ بِنْتَ سَيِّدِنَا، يَعْنُونَ زَكَرِيَّاءَ، حَتَّى زَنَتْ، فَلَمَّا طَلَبُوا زَكَرِيَّاءَ لِيَقْتُلُوهُ انْطَلَقَ هَارِبًا، فَعَرَضَتْ لَهُ شَجَرَةٌ، فَقَالَ: افْرُجِي لِي حَتَّى أَخْتَبِئَ فِيكِ، فَفُرِجَتْ لَهُ فَدَخَلَ فِيهَا وَانْضَمَّتْ عَلَيْهِ، وَبَقِيَ بَعْضُ هُدْبِ ثِيَابِهِ خَارِجًا.
فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَجَاءَ إِبْلِيسُ، فَقَالَ: هُوَ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَهَذَا هُدْبُ ثَوْبِهِ، فَجِيءَ بِالْمِنْشَارِ فَوُضِعَ عَلَيْهِ حَتَّى قُتِلَ.(1/117)
وَإِنَّ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا كَانَ فِي زَمَانٍ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ بَعْدَهُ، وَإِذَا كَذَبَ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُوَلَّ الْمُلْكَ.
فَمَاتَ الْمَلِكُ وَوُلِّيَ أَخُوهُ، فَأَرَادَ الْمَلِكُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ الْمَلِكِ الَّذِي مَاتَ، فَسَأَلَهُمْ فَرَخَّصُوا لَهُ، فَسَأَلَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، فَأَبَى أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَحَقَدَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةُ أَخِيهِ، وَجَاءَتْ بِابْنَةِ أَخِي الْمَلِكِ الأَوَّلِ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: سَلِينِي الْيَوْمَ حُكْمَكِ، فَقَالَتْ: حَتَّى أَنْطَلِقَ إِلَى أُمِّي، فَلَقِيَتْ أُمَّهَا فَقَالَتْ: قُولِي لَهُ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَفِيَ لَنَا بِشَيْءٍ فَأَعْطِنِي رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ، فَقَالَ: قُولِي لَهَا:
غَيْرُ هَذَا خَيْرٌ لَكِ مِنْهُ، قَالَ: فَأَبَتْ، وَتَكْرَهُ أَنْ يَخْلُفَهَا فَلا يُوَلَّى الْمُلْكَ، فَدَفَعَ إِلَيْهَا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ.
فَلَمَّا وَضَعَتِ الشَّفْرَةَ عَلَى حَلْقِهِ قَالَ: قُولِي: بِسْمِ اللَّهِ.
هَذَا مَا بَايَعَ عَلَيْهِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّاءَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَى أَلا يَزْنِيَ، وَلا يَسْرِقَ، وَلا يَلْبِسَ إِيمَانَهُ بِسُوءٍ.
فَلَمَّا أَمَرَّتِ الشَّفْرَةَ عَلَى أَوْدَاجِهِ فَذَبَحَتْهُ نَادَاهَا مُنَادٍ مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ: يَا رَبَّةَ الْبَيْتِ الْخَاطِئَةَ الْغَاوِيَةَ، قَالَتْ: إِنَّهَا كَذَلِكَ، فَمَا تُرِيدُ مِنْهَا؟ قَالَ: لَتُبَشَّرْ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا تَدْخُلُ النَّارَ.
قَالَ: وَخُسِفَ بِابْنَتِهَا فَجَاءُوا بِالْمَعَاوِلِ فَجَعَلُوا يَحْفِرُونَ عَنْهَا وَتَدْخُلُ فِي الأَرْضِ حَتَّى ذَهَبَتْ.
قَالَ: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ} [الإسراء: 8] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فَعَادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِعَائِدَتِهِ.
قَالَ: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] عَلَيْكُمْ بِالْعُقُوبَةِ.
كَانَ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ هَذَا كَائِنٌ كُلَّهُ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ اللَّهَ عَادَ لَهُمْ بِمُحَمَّدٍ فَأَذَلَّهُمْ بِالْجِزْيَةِ.(1/118)
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي قَوْلَهُ: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ} [الأعراف: 167] يَعْنِي قَالَ رَبُّكَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَشْعَرَ رَبُّكَ، قَالَ رَبُّكَ، {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف: 167] وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ثُمَّ عَادَ الْقَوْمُ لِشَرِّ مَا بِحَضْرَتِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا شَاءَ مِنْ نِقْمَتِهِ، ثُمَّ كَانَ عَذَابُ اللَّهِ أَنْ بَعَثَ عَلَيْهِمُ الْعَرَبَ، فَهُمْ مِنْهُمْ فِي عَذَابٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء: 8] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سِجْنًا أَيْ: يَحْصُرُهُمْ فِيهَا.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: يُحْصَرُونَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي} [الإسراء: 9] ، يَعْنِي: يَدْعُو.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] .
وَقَالَ: فِي الْمُزَّمِّلِ: {وَأَقْوَمُ قِيلا} [المزمل: 6] أَصْوَبُ.
{وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9] الْجَنَّةَ.
{وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإسراء: 10] مُوجِعًا.
قَوْلُه: {وَيَدْعُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ} [الإسراء: 11] يَدْعُو بِالشَّرِّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَمَالِهِ كَمَا يَدْعُو بِالْخَيْرِ.
وَقَالَ فِي آية أُخْرَى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11] لأَمَاتَ الَّذِي يَدْعُو عَلَيْهِ.
{وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولا} [الإسراء: 11] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَدْعُو عَلَى مَالِهِ فَيَلْعَنْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَلَوِ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ(1/119)
لأَهْلَكَهُ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، قَالَ: أَلا تَعْجَبُ مِنَ النَّاسِ كَيْفَ يَغْبِنُونَ عَنْ جَلالِ اللَّهِ؟ يَقُولُ أَحَدُهُمْ لِدَابَّتِهِ أَوْ لِشَاتِهِ: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْكِ.
وَلَوْ قِيلَ لَهُ: اغْضَبْ عَلَى شَاتِكَ أَوِ اغْضَبْ عَلَى دَابَّتِكَ لَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [الإسراء: 12] ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: آيَتَيْنِ لَيْلا وَنَهَارًا كَذَلِكَ خَلَقَهُمَا اللَّهُ.
قَالَ: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ} [الإسراء: 12] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ.
قَالَ يَحْيَى: وَيُقَالُ مُحِيَ مِنْ ضَوْءِ الْقَمَرِ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ جُزْءًا وَبَقِيَ جُزْءٌ وَاحِدٌ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 12] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: مُنِيرَةٌ، يَعْنِي بِهِ: ضَوْءَ النَّهَارِ.
{لِتَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [الإسراء: 12] ، يَعْنِي: بِالنَّهَارِ.
{وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء: 12] بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي عَدَدَ الأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ قَالَ: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا} [الإسراء: 12] بَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.(1/120)
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فَصَلْنَا اللَّيْلَ مِنَ النَّهَارِ، وَفَصَلْنَا النَّهَارَ مِنَ اللَّيْلِ، وَالشَّمْسَ مِنَ الْقَمَرِ، وَالْقَمَرَ مِنَ الشَّمْسِ.
قَوْلُهُ: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13] الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عَمَلَهُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا {13} اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا {14} } [الإسراء: 13-14] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَيَقْرَأُ يَوْمَئِذٍ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا فِي الدُّنْيَا.
- يَحْيَى، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: يُدْعَى الْخَلائِقُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي الْخَيْرِ رَأْسًا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِهِ، وَيَكْثُرُ عَلَيْهِ تَبَعُهُ، دُعِيُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَيَقُومُ حَتَّى إِذَا دَنَا أُخْرِجَ لَهُ كِتَابٌ أَبْيَضُ بِخَطٍّ أَبْيَضَ فِي بَاطِنِهِ السَّيِّئَاتُ وَفِي ظَهْرِهِ الْحَسَنَاتُ، فَيَبْدَأُ بِالسَّيِّئَاتِ فَيَقْرَأُهَا فَيُشْفِقُ وَيَتَغَيَّرُ
لَوْنُهُ، فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ: هَذِهِ سَيِّئَاتُكَ وَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ فَيَفْرَحُ، ثُمَّ يُقَلِّبُ كِتَابَهُ فَيَقْرَأُ حَسَنَاتِهِ فَلا يَزْدَادُ إِلا فَرَحًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ: هَذِهِ حَسَنَاتُكَ وَقَدْ ضُعِّفَتْ لَكَ فَيَبْيَضُّ وَجْهُهُ، وَيُؤْتَى بِتَاجٍ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، وَيُكْسَى حُلَّتَيْنِ، وَيُحَلَّى كُلُّ مَفْصِلٍ مِنْهُ، وَيُطَوَّلُ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَهِيَ قَامَةُ آدَمَ، وَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَبَشِّرْهُم
وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِثْلَ هَذَا.
فَإِذَا أَدْبَرَ قَالَ: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ {19} إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ {20} } [الحاقة: 19-20] ، يَقُولُ اللَّهُ: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ {21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ {22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ {23} } [الحاقة: 21-23] ، فَيَقُولُ(1/121)
لأَصْحَابِهِ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ فَيَقُولُونَ: قَدْ غَيَّرَتْكَ كَرَامَةُ اللَّهِ، مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ، لِيَبْشِرْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمِثْلِ هَذَا.
وَإِذَا كَانَ فِي الشَّرِّ رَأْسًا يَدْعُو إِلَيْهِ، وَيَأْمُرُ بِهِ، وَيَكْثُرُ عَلَيْهِ تَبَعُهُ، نُودِيَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَيَتَقَدَّمُ إِلَى حِسَابِهِ، وَيُخْرَجُ لَهُ كِتَابٌ أَسْوَدُ بِخَطٍّ أَسْوَدَ، فِي بَاطِنِهِ الْحَسَنَاتُ وَفِي ظَهْرِهِ السَّيِّئَاتُ، فَيَبْدَأُ بِالْحَسَنَاتِ فَيَقْرَأُهَا فَيَفْرَحُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ سَيَنْجُو، فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ: هَذِهِ حَسَنَاتُكَ وَقَدْ رُدَّتْ عَلَيْكَ، فَيَسْوَدُّ وَجْهُهُ، وَيَعْلُوهُ الْحُزْنُ، وَيَقْنُطُ مِنَ الْخَيْرِ.
ثُمَّ يُقَلِّبُ كِتَابَهُ فَيَقْرَأُ سَيِّئَاتِهِ، فَلا يَزْدَادُ إِلا حُزْنًا وَلا يَزْدَادُ وَجْهُهُ إِلا سَوَادًا.
فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الْكِتَابِ وَجَدَ فِيهِ: هَذِهِ سَيِّئَاتُكَ وَقَدْ ضُعِّفَتْ عَلَيْكَ، فَيُعَظَّمُ لِلنَّارِ حَتَّى أَنَّ فَخِذَهُ لَيَكُونُ مَسِيرَةَ أَيَّامٍ، وَجِلْدَهُ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا، وَتَزْرَقُّ عَيْنَاهُ، وَيَسْوَدُّ لَوْنُهُ، وَيُكْسَى سَرَابِيلُ الْقَطِرَانِ، ثُمَّ تُخْلَعُ كَتِفُهُ الْيُسْرَى فَتُجْعَلُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مِثْلَ هَذَا.
فَيَنْطَلِقُ وَهُوَ يَقُولُ: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ {25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ {26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ {27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ {28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ {29} } [الحاقة: 25-29] .
قَالَ اللَّه: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ {30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ {31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ {32} } [الحاقة: 30-32] فَيُسْلَكُ فِيهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا، {فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة: 32] كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَيُسْلَكُ فِيهَا سِلْكًا تَدْخُلُ مِنْ فِيهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ دُبُرِهِ، فَيَأْتِي أَصْحَابُهُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ فَيَقُولُونَ: مَا نَدْرِي وَلَكِنْ قَدْ نَرَى مَا بِكَ مِنَ الْخِزْيِ، فَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا فُلانُ ابْنُ فُلانٍ، إِنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ مِثْلَ هَذَا.
ثُمَّ يُنْصَبُ لِلنَّاسِ وَتَبْدُو فَضَائِحُهُ حَتَّى يُعَيَّرَ، فَيَتَمَنَّى أَنْ لَوْ قَدِ انْطُلِقَ بِهِ إِلَى النَّارِ اسْتِحْيَاءً مِمَّا يَبْدُو مِنْهُ.
قَوْلُهُ: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] شاهدًا.(1/122)
قَوْلُهُ: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} [الإسراء: 15] عَلَى نَفْسِهِ.
{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15] لا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ.
قَوْلُهُ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} [الإسراء: 15] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لا يُعَذِّبُ قَوْمًا بِالاسْتِئْصَالِ حَتَّى يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِالرَّسُولِ، كَقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولا} [القصص: 59] ، وَكَقَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24] ، يَعْنِي: الأُمَمَ الَّتِي أَهْلَكَ اللَّهُ بِالْعَذَابِ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَكْثَرْنَا جَبَابِرَتَهَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: جَبَابِرَةُ الْمُشْرِكِينَ فَاتَّبَعَهُمُ السَّفَلَةُ.
{فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ} [الإسراء: 16] الْغَضَبُ.
{فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16] وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُهَا: أَمَّرنا مُثَقَّلَةً، مِنْ قِبَلِ الإِمَارَةِ، كَقَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا} [الأنعام: 123] وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَأُهَا: أَمِرنا.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغِني أَيْضًا أَنَّهُ مِنَ الْكَثْرَةِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: {أَمَرْنَا} [الإسراء: 16] ، أَيْ: أَمَرْنَاهُمْ بِالإِيمَانِ.(1/123)
{فَفَسَقُوا فِيهَا} [الإسراء: 16] أَشْرَكُوا وَلَمْ يُؤْمِنُوا.
قَوْلُهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 17] وَهِيَ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [إبراهيم: 9] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} [الإسراء: 18] وَهَذَا الْمُشْرِكُ الَّذِي لا يُرِيدُ إِلا الدُّنْيَا، لا يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ.
{عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا} [الإسراء: 18] فِي نِقْمَةِ اللَّهِ.
{مَدْحُورًا} [الإسراء: 18] مَطْرُودًا، مُبَاعِدًا عَنِ الْجَنَّةِ، فِي النَّارِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَذْمُومًا فِي نِقْمَةِ اللَّهِ، مَدْحُورًا فِي عَذَابِ اللَّهِ.
يَقُولُ: مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَطَلَبَتَهُ {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ} [الإسراء: 18] قَوْلُهُ: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [الإسراء: 19] عَمِلَ لَهَا عَمَلَهَا.
{وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [الإسراء: 19] مُخْلِصٌ بِالإِيمَانِ.
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَقْبَلُ اللَّهُ عَمَلَ عَبْدٍ حَتَّى يَرْضَى قَوْلَهُ» .
قَالَ: {فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ} [الإسراء: 19] يَعْنِي: عَمَلَهُمْ.
{مَشْكُورًا} [الإسراء: 19] ، يَعْنِي: يَشْكُرُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَتَّى يُثِيبَهُمُ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ.(1/124)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: حَتَّى يُجْزِيَهُمْ بِهَا.
قَوْلُهُ: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فِي رِزْقِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا.
{وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَنْقُوصًا.
قَالَ يَحْيَى: وَيُقَالُ: مَمْنُوعًا، يَقُولُ: يَسْتَكْمِلُونَ أَرْزَاقَهُمُ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ.
قَوْلُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 21] فِي الدُّنْيَا، فِي الرِّزْقِ وَالسِّعَةِ، وَخَوَّلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَعْنِي: مَلَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
{وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا} [الإسراء: 21]
- خِدَاشٌ، عَنْ عِمْرَانَ الْعَمِّيِّ، عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ الْبَاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُحْتَبَسُ أَهْلُ الْجَنَّةِ كُلُّهُمْ دُونَ الْجَنَّةِ حَتَّى يُؤْخَذَ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيُفَاضَلُ مَا بَيْنَهُمْ، مِثْلُ كَوْكَبٍ بِالْمَشْرِقِ وَكَوْكَبٍ بِالْمَغْرِبِ» .
- إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدَّرَجَةُ فِي الْجَنَّةِ فَوْقَ الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَرْفَعُ بَصَرَهُ فَيَلْمَعُ لَهُ بَرْقٌ يَكَادُ أَنْ يَخْتَلِفَ بَصَرُهُ، فَيُفْزَعُ لِذَلِكَ، فَيَقُولُ: مَا هَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا نُورُ أَخِيكَ فُلانٍ، فَيَقُولُ: أَخِي فُلانٌ، كُنَّا فِي الدُّنْيَا نَعْمَلُ جَمِيعًا وَقَدْ فُضِّلَ عَلَيَّ هَكَذَا، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ أَحْسَنَ
مِنْكَ عَمَلا.
قَالَ: ثُمَّ يُجْعَلُ فِي قَلْبِهِ الرِّضَا حَتَّى يَرْضَى ".
- قَالَ: وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ(1/125)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى مُلْكِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَإِنَّ أَرْفَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً لَلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى رَبِّهِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا.
قَوْلُهُ: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا} [الإسراء: 22] فِي نِقْمَةِ اللَّهِ.
{مَخْذُولا} [الإسراء: 22] فِي عَذَابِ اللَّهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ: {وَقَضَى رَبُّكَ} [الإسراء: 23] : أَمَرَ رَبُّكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَصَّى رَبُّكَ.
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] يَقُولُ: وَأَمَرْنَا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، يَعْنِي: بِرًّا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] أَيْ: إِنْ بَلَغَا عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا فَوُلِّيتَ مِنْهُمَا مَا وُلِّيَا مِنْكَ فِي صِغَرِكَ، فَوَجَدْتَ مِنْهُمَا رِيحًا يُؤْذِيكَ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] ، أَيْ: وَلا تُؤْذِهِمَا.
{وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: 23] ، يَعْنِي الانْتِهَارَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.(1/126)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لا تُغَلِّظْ لَهُمَا.
{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا} [الإسراء: 23] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَيِّنًا سَهْلا.
قَوْلُهُ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: 24] سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لا تَمْتَنِعُ مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّاهُ.
- سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ أَوْصَى بَعْضَ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَكَانَ فِيمَا أَوْصَاهُ بِهِ أَنْ أَطِعِ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ مَالِكَ كُلِّهِ فَافْعَلْ.
قَوْلُهُ: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] هَذَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَإِذَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ فَلا تَقُلْ: {رَبِّ ارْحَمْهُمَا} [الإسراء: 24] .
هَذَا الْحَرْفُ مَنْسُوخٌ نَسَخَهُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] .
- أَشْعَثُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رِضَا الرَّبِّ مَعَ رِضَا الْوَالِدِ وَسَخَطُ الرَّبِّ مَعَ سَخَطِ الْوَالِدِ» .
- الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:(1/127)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مُرْضِيًّا لِوَالِدَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ فَوَاحِدٌ، وَمَنْ أَصْبَحَ مُسْخِطًا لِوَالِدَيْهِ أَصْبَحَ لَهُ بَابَانِ مَفْتُوحَانِ مِنَ النَّارِ وَمَنْ أَمْسَى مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ فَوَاحِدٌ وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ، وَإِنْ ظَلَمَاهُ» .
- خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فَوْقَ كُلِّ بِرٍّ بِرًّا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُهْرِيقُ دَمُهُ لِلَّهِ، وَإِنَّ فَوْقَ كُلِّ فُجُورٍ فُجُورًا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ يَعُقُّ وَالِدَيْهِ» .
قَوْلُهُ: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ} [الإسراء: 25] ، يَعْنِي: بِمَا فِي قُلُوبِكُمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ.
{إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] الأَوَّابُ: التَّائِبُ، الرَّاجِعُ عَنْ ذَنْبِهِ.
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَنُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الأَوَّابُ: الَّذِي يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فِي الْخَلاءِ فَيَسْتَغْفِرُ مِنْهَا.
سُفْيَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: هُوَ الَّذِي يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ، ثُمَّ يُذْنِبُ ثُمَّ يَتُوبُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25] هُمُ الْمُطِيعُونَ، وَأَهْلُ الصَّلاةِ.
قَوْلُهُ: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26] ، يَعْنِي: مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِلَةِ الْقَرَابَةِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يُقَالُ: إِنْ كَانَ لَكَ مَالٌ فَصِلْهُ بِمَالِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ مَالٌ فَامْشِ إِلَيْهِ بِرِجْلِكَ.(1/128)
أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: حَقُّ الرَّحِمِ أَلا تَحْرِمَهَا وَتَهْجُرَهَا.
- فِطْرٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ الْمُكَافِئَ، وَلَكِنَّ الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا ".
قَوْلُهُ: {وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الإسراء: 26] هُمَا صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ.
وَكَانَتْ نَزَلَتْ قَبْلَ أَنْ يُسَمَّى أَهْلَ الزَّكَاةِ.
{وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا} [الإسراء: 26] لا تُنْفِقْ فِي غَيْرِ حَقٍّ.
شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: النَّفَقَةُ فِي غَيْرِ حَقِّهَا.
- الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنْفَقْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَكُمْ، وَمَا أَنْفَقْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَلَكُمْ، وَمَا أَنْفَقْتُمْ عَلَى عِيَالِكُمْ فَلَكُمْ، وَمَا تَرَكْتُمْ فِلِلْوَارِثِ» .
- يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا أَنْفَقْتَ عَلَى نَفْسِكَ فَلَكَ، وَمَا أَنْفَقْتَ عَلَى عِيَالِكَ فَلَكَ، وَمَا أَنْفَقْتَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَهُوَ لِلْمُخْتَطِفِ، يَعْنِي: الشَّيْطَانَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27] يَعْنِي فِي الدِّينِ وَالْوِلايَةِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يُنْفِقُونَ فِي مَعَاصِي اللَّهِ فَهُوَ لِلشَّيْطَانِ، وَمَا أَنْفَقَ الْمُؤْمِنُ لِغَيْرِ اللَّهِ لا يَقْبَلُهُ اللَّهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلشَّيْطَانِ.(1/129)
- مَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لابْنِ مَسْعُودٍ: مَا الْمُبَذِّرُونَ؟ قَالَ: الإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْمُبَذِّرُونَ: الْمُنْفِقُونَ فِي غَيْرِ حَقٍّ.
قَوْلُهُ: {وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} [الإسراء: 28] ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ابْتِغَاءَ الرِّزْقِ.
{فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28]
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَن الْحَسَنِ، أَنَّ سَائِلا قَامَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ بِتْنَا الْبَارِحَةَ بِغَيْرِ عَشَاءٍ، وَمَا أَمْسَيْنَا اللَّيْلَةَ نَرْجُوهُ، فَقَالَ: «يَرْزُقُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ مِنْ فَضْلِهِ، اجْلِسْ» .
فَجَلَسَ.
ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: «أَيْنَ السَّائِلانِ؟» .
فَقَامَ الرَّجُلانِ، فَأَعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُوقِيَّةً، وَلَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ.
فَرَجَعَ بِوَقِيَّتَيْنِ، فَجَعَلَهُمَا تَحْتَ فِرَاشِهِ، فَسَهِرَ لَيْلَتَهُ بَيْنَ فِرَاشِهِ وَمَسْجِدِهِ.
فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَسْهَرَكَ؟ أَوَجَعٌ أَوْ أَمْرٌ نَزَلَ؟ فَقَالَ: أُوتِيتُ بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ فَأَمْضَيْتُ وَقِيَّتَيْنِ وَبَقِيَتْ وَقِيَّتَانِ، فَخَشِيتُ أَنْ يَحْدُثَ بِي حَدَثٌ وَلَمْ أُوَجِّهْهُمَا.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ قَوْلَهُ: {فَقُلْ لَهُمْ قَوْلا مَيْسُورًا} [الإسراء: 28] أَنْ تَقُولَ لِلسَّائِلِ: رَزَقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ.
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، وَأَشْعَثُ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ قَرِيبِهِ، عَنْ عَائِشَةَ(1/130)
قَالَتْ: لا تَقُولُوا لِلْمِسْكِينِ فِي حَدِيثِ عَاصِمٍ، وَقَالَ الأَشْعَثُ: لِلسَّائِلِ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ؛ فَإِنَّهُ يَسْأَلُ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: الْكَافِرَ، وَلَكِنْ قُولُوا: يَرْزُقُكَ اللَّهُ.
فِي حَدِيثِ عَاصِمٍ، وَقَالَ الأَشْعَثُ: يَرْزُقُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا} [الإسراء: 28] ، يَعْنِي: انْتِظَارَ رِزْقِ رَبِّكَ.
- أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ السَّائِلُ يَسْأَلُ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَمْسَى فِي بُيُوتِ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعٌ مِنْ طَعَامٍ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ أَبْيَاتٍ» .
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَهُ.
خِدَاشٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَلا وَاللَّهِ مَا شَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِمْ وَلَكِنْ قَالَهُ اعْتِذَارًا.
قَوْلُهُ: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: 29] قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ: لا تَدَعِ النَّفَقَةَ فِي حَقِّ اللَّهِ، فَيَكُونُ مِثْلُكَ مِثْلَ الَّذِي غُلَّتْ يَدُهُ إِلَى عُنُقِهِ فَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْسُطَهَا.
قَالَ: {وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] فَتُنْفِقُ فِي غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ.
{فَتَقْعُدَ مَلُومًا} [الإسراء: 29] فِي عِبَادِ اللَّهِ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُوسِعَ النَّاسَ.
{مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] قَدْ ذَهَبَ مَا فِي يَدَيْكَ، يَقُولُ: قَدْ خَسِرَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَقُولُ: لا تُمْسِكْهَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَلا عَنْ حَقِّهِ.(1/131)
{وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ} [الإسراء: 29] ، أَيْ: لا تُنْفِقْهَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَفِيمَا لا يَصْلُحُ، وَهُوَ الإِسْرَافُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ} [الإسراء: 29] ، يَعْنِي: لا تُمْسِكْ يَدَكَ عَنِ النَّفَقَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْلُولَةِ، فَلا تَسْتَطِيعُ بَسْطَهَا.
قَالَ: {فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29] مَلُومًا فِي عِبَادِ اللَّهِ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُوسِعَ النَّاسَ، مَحْسُورًا قَدْ ذَهَبَ مَا فِي يَدِكَ، يَقُولُ: قَدْ خَسِرَ.
قَالَ: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الإسراء: 30] ، أَيْ: وَيَقْتِرُ.
وَتَقْتِيرُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِ نَظَرًا لَهُ.
{إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 30] .
قَوْلُهُ: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ} [الإسراء: 31] ، يَعْنِي: الْمَوْءُودَةَ.
{خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء: 31] قَالَ قَتَادَةَ: خَشْيَةَ الْفَاقَةِ، كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَوْلادَهُمْ خَشْيَةَ الْفَاقَةِ.
كَانَ أَحَدُهُمْ يَقْتُلُ ابْنَتَهُ يَدْفِنُهَا حَيَّةً حَتَّى تَمُوتَ؛ مَخَافَةَ الْفَاقَةِ، وَيُغَذِّي كَلْبَهُ.
{نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْأً كَبِيرًا} [الإسراء: 31] ذَنْبًا كَبِيرًا.
قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: ذَنْبًا كَبِيرًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِثْمًا كَبِيرًا.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا} [الإسراء: 32] وَبِئْسَ الطَّرِيقِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَيَعْنِي: الْمَسْلَكَ.
وَهُوَ نَحْوُهُ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33](1/132)
- سَعِيدٌ وَهِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يَحِلُّ دَمُ مُسْلِمٍ إِلا بِأَحَدِ ثَلاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلامِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا مُتَعَمِّدًا ".
- حَمَّادٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقَتِيلُ دُونَ مَالِهِ شَهِيدٌ» .
- الْمُعَلَّى، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَعْرِضُ لِي يُرِيدُ نَفْسِي وَمَالِي، كَيْفَ أَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «نَاشِدْهُ اللَّهَ» .
قَالَ: نَشَدْتُهُ بِاللَّهِ فَلَمْ يَنْتَهِ، قَالَ: «اسْتَعْدِ عَلَيْهِ السُّلْطَانَ» .
قَالَ: لَيْسَ بِحَضْرَتِنَا سُلْطَانٌ، قَالَ: «اسْتَعِنْ عَلَيْهِ الْمُسْلِمِينَ» .
قَالَ: نَحْنُ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، لَيْسَ قُرْبَنَا أَحَدٌ، قَالَ: «فَجَاهِدْهُ دُونَ مَالِكَ حَتَّى تَمْنَعَهُ أَوْ تُكْتَبَ فِي شُهَدَاءِ الآخِرَةِ» .
- أَشْعَثُ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ نَفْسِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قَاتَلَ دُونَ أَهْلِهِ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ.
وَكُلُّ قَتِيلٍ فِي جَنْبِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» .
قَوْلُهُ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا} [الإسراء: 33] يَعْنِي: الْمَقْتُولُ ظَلَمَهُ الْقَاتِلُ حِينَ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33](1/133)
قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ الْقَوَدُ إِلا أَنْ يَعْفُوَ الْوَلِيُّ، أَوْ يَرْضَى بِالدِّيَةِ إِنْ أُعْطِيَهَا.
قَوْلُهُ: {فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] لا يَقْتُلْ غَيْرَ قَاتِلِهِ.
{إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] يَنْصُرُهُ السُّلْطَانُ حَتَّى يُقِيدَهُ مِنْهُ.
حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لا يَقْتُلُ غَيْرَ قَاتِلِهِ.
وَقَالَ حَمَّادٌ: قَالَ قَتَادَةُ: مَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةٍ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ، وَمَنْ قَتَلَ بِعَصًا قُتِلَ بِعَصًا.
وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: مَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةٍ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ، وَمَنْ قَتَلَ بِخَشَبَةٍ قُتِلَ بِخَشَبَةٍ، وَمَنْ قَتَلَ بِحَجَرٍ قُتِلَ بِحَجَرٍ.
- الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا قَوَدَ إِلا بِالسَّيْفِ» .
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33] يَعْنِي فِي الآخِرَةِ، يَعْنِي الَّذِي يُعْدَى عَلَيْهِ فَقُتِلَ وَلَيْسَ هُوَ قَاتِلُ الأَوَّلِ يُنْصَرُ عَلَى الَّذِي تَعَدَّى عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 34] وَالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَنْ يُوَفِّرَ مَالَهُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ دَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ إِنْ آنَسَ مِنْهُ رُشْدًا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، فَكَانُوا لا(1/134)
يُخَالِطُونَهُمْ فِي الْمَالِ وَلا فِي الْمَأْكَلِ، فَجَهَدَهُمْ ذَلِكَ، فَنَسَخَتْهَا هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] .
قَوْلُهُ: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] ، يَعْنِي: مَا عَاهَدْتُمْ عَلَيْهِ فِيمَا وَافَقَ الْحَقَّ.
{إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا} [الإسراء: 34] مَطْلُوبًا، يُسْأَلُ عَنْهُ أَهْلُهُ الَّذِينَ أَعْطَوْهُ.
قَوْلُهُ: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الإسراء: 35] وَالْقِسْطَاسُ: الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ.
{ذَلِكَ خَيْرٌ} [الإسراء: 35] إِذَا أَوْفَيْتُمُ الْكَيْلَ، وَأَقَمْتُمُ الْوَزْنَ.
{وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [الإسراء: 35] ، يَعْنِي: عَاقِبَةً فِي الآخِرَةِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: خَيْرٌ ثَوَابًا وَعَاقِبَةً.
قَوْلُهُ: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لا تَقْفُ، قَالَ: لا تَقُلْ: رَأَيْتُ وَلَمْ تَرَ، وَلا سَمِعْتُ وَلَم تَسْمَعْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لا تَقْفُ أَخَاكَ الْمُسْلِمَ مِنْ بَعْدِهِ إِذَا مَرَّ بِكَ، فَتَقُولُ: إِنِّي رَأَيْتُ هَذَا يَفْعَلُ كَذَا، وَرَأَيْتُهُ يَفْعَلُ كَذَا، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا، لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تَرَ.
{كُلُّ أُولَئِكَ} [الإسراء: 36] كُلُّ ذَلِكَ.
{كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: 36] يُسْأَلُ السَّمْعُ عَلَى حِدَةٍ عَمَّا سَمِعَ، وَيُسْأَلُ الْبَصَرُ عَلَى حِدَةٍ عَمَّا بَصُرَ، وَيُسْأَلُ الْقَلْبُ عَمَّا عَزَمَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ} [الإسراء: 37] ، يَعْنِي: عَلَى الأَرْضِ.
{مَرَحًا} [الإسراء: 37] كَمَا يَمْشِي الْمُشْرِكُونَ، فَتَمْرَحُ فِي الأَرْضِ، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ:(1/135)
{ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} [غافر: 75] وَكَقَوْلِهِ: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الرعد: 26] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، لا يَفْرَحُونَ بِالآخِرَةِ.
وَقَالَ: {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ} [الإسراء: 37] بِقَدَمِكَ إِذَا مَشَيْتَ.
{وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا {37} كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ} [الإسراء: 37-38] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ.
{عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] ، يَقُولُ: سَيِّئٌ ذَلِكَ الْفِعْلُ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئَهً مَهْمُوزَةً يُوجِبُ أَنَّهَا سَيِّئَةٌ {عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] وَهِيَ قِرَاءَةُ الْمَكِّيِّ، ذَكَرَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ.
قَالَ: {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 39] مَلُومًا فِي نِقْمَةِ اللَّهِ، {مَدْحُورًا} [الإسراء: 39] فِي عَذَابِ اللَّهِ، وَالْمَدْحُورُ: الْمَطْرُودُ، الْمُبْعَدُ، الْمُقْصَى عَنِ الْجَنَّةِ، فِي النَّارِ.
قَوْلُهُ: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا} [الإسراء: 40] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
أَيْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَقَالَ: {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا} [الإسراء: 40] .
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا} [الإسراء: 41] ضَرَبْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ الأَمْثَالَ، فَأَخْبَرْنَاهُمْ أَنَّا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى، أَيْ لِيَذَّكَّرُوا فَيُؤْمِنُوا، لا يَنْزِلَ بِهِمُ مَا نَزَلَ بِالأُمَمِ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
{وَمَا يَزِيدُهُمْ} [الإسراء: 41] ذَلِكَ.
{إِلا نُفُورًا} [الإسراء: 41] إِلا تَرْكًا لأَمْرِ اللَّهِ، يَعْنِي: أَنَّهُمْ كُلَّمَا نَزَلَ فِي(1/136)
الْقُرْآنِ شَيْءٌ كَفَرُوا بِهِ وَنَفَرُوا.
- أَبُو الأَشْهَبِ وَالرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» .
فِي حَدِيثِ أَبِي الأَشْهَبِ، «لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ أَبَى» .
يَقُولُ: أَبَى أَنْ يُؤْمِنَ.
- يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَدْخُلُنَّ الْجَنَّةَ إِلا أَنْ تَشْرُدُوا عَلَى اللَّهِ كَمَا يَشْرُدُ الْبَعِيرُ عَلَى أَهْلِهِ» .
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ سُلَيْمٍ الْعَامِرِيَّ يُحَدِّثُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَزَادَ فِيهِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا نُفُورًا} [الإسراء: 41]
قَوْلُهُ: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ} [الإسراء: 42] وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا بِالتَّاءِ.
فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ فَيَقُولُ لِلنَّبِيِّ: قُلْ لَهُمْ: لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَمَا تَقُولُونَ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ لَهُمْ: لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ.
{إِذًا لابْتَغَوْا} [الإسراء: 42] ، يَعْنِي: الآلِهَةَ لَوْ كَانَتْ آلِهَةً.
{إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلا} [الإسراء: 42] إِذًا لَطَلَبُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَالْقُرْبَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذًا لَعَرَفُوا لَهُ فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ، وَلابْتَغَوْا إِلَيْهِ مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: {سُبْحَانَهُ} [الإسراء: 43] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ.
{وَتَعَالَى} [الإسراء: 43] ارْتَفَعَ.(1/137)
{عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 43] .
يُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ، أَيْ: وَمَنْ فِيهِنَّ.
{وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [الإسراء: 44] مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ يُسَبِّحُ لَهُ مِنَ الْخَلْقِ.
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إِنَّ الْجَبَلَ يُسَبِّحُ، فَإِذَا قُطِعَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يُسَبِّحِ الْمَقْطُوعُ وَيُسَبِّحُ الأَصْلُ، وَكَذَلِكَ الشَّجَرَةُ مَا قُطِعَ مِنْهَا لَمْ يُسَبِّحْ وَتُسَبِّحُ هِيَ.
قَالَ: {وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء: 44] كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61] إِذًا يَحْبِسُ القَطْرَ عَنْهُمْ فَأَهْلَكَهُمْ.
قَالَ: {غَفُورًا} [الإسراء: 44] لَهُمْ إِنْ تَابُوا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {حَلِيمًا} [الإسراء: 44] عَنْ خَلْقِهِ، فَلا يَعْجَلُ كَعَجَلَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، {غَفُورًا} [الإسراء: 44] لَهُمْ إِذَا تَابُوا وَرَاجَعُوا الْحَقَّ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا {45} وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [الإسراء: 45-46] غُلُفٌ.
{أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الإسراء: 46] لِئَلا يَفْقَهُوهُ.
{وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الإسراء: 46] مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: حِجَابًا مَسْتُورًا، وَهُوَ أَكِنَّةٌ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَنْ يَفْقَهُوهُ.
قَالَ: {وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ} [الإسراء: 46] أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ.(1/138)
{وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا} [الإسراء: 46] أَعْرَضُوا عَنْهُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا قَالُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ، وَكَبُرَتْ عَلَيْهِمْ، وَضَاقَهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ.
قَوْلُهُ: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} [الإسراء: 47] يَتَنَاجَوْنَ فِي أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ} [الإسراء: 47] الْمُشْرِكُونَ.
{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الإسراء: 47] قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فِي رَهْطٍ مِن قُرَيْشٍ قَامُوا مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى دَارٍ فِي أَصْلِ الصَّفَا، فِيهَا نَبِيُّ اللَّهِ يُصَلِّي فَاسْتَمَعُوا، فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ صَلاتِهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، لِعُتْبَةَ، أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ؟ فَقَالَ عُتْبَةُ: اللَّهُمَّ أَعْرِفُ بَعْضًا وَأُنْكِرُ بَعْضًا، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَأَنْتَ
يَا أَبَا سُفْيَانَ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ هَلْ تَعْرِفُ مِمَّا يَقُولُ شَيْئًا؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لا وَاللَّهِ الَّذِي جَعَلَهَا بَيْتَهُ، يَعْنِي الْكَعْبَةَ، مَا أَعْرِفُ مِمَّا يَقُولُ قَلِيلًا وَلا كَثِيرًا.
وَ {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الإسراء: 47] ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ.
وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا عَلَى الْيَاءِ، يَقُولُ الْمُشْرِكُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا وَقَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: نَجْوَاهُمْ أَنْ زَعَمُوا أَنَّهُ مَجْنُونٌ، وَأَنَّهُ سَاحِرٌ.
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ.
قَالَ اللَّهُ: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا} [الإسراء: 48] بِقَوْلِهِمْ.(1/139)
{فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} [الإسراء: 48] قَالَ مُجَاهِدٌ: مَخْرَجًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [الإسراء: 47] قَوْلُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَمَنْ مَعَهُ فِي دَارِ النَّدْوَةِ.
{فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} [الإسراء: 48] ، يَعْنِي: مَخْرَجًا.
الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَصْحَابُهُ.
{وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا} [الإسراء: 49] تُرَابًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
{أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: 49] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
أَيْ: لا نُبْعَثُ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78] .
كَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَظْمٍ نَخِرٍ فَفَتَّهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَيُحْيِي اللَّهُ هَذَا؟ قَالَ اللَّهُ: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] .
قَوْلُهُ: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: 50] لَمَّا قَالُوا: {أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: 49] قَالَ الْحَسَنُ: فَقَالَ اللَّهُ: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا {50} أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} [الإسراء: 50-51] سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ، قَالا: الْمَوْتُ، إِذًا لأَمَتُّكُمْ ثُمَّ بَعَثْتُكُمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فَإِنَّ اللَّهَ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا} [الإسراء: 51] خَلْقًا جَدِيدًا.
{قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ} [الإسراء: 51] خَلَقَكُمْ.(1/140)
{أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ} [الإسراء: 51] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ: فَسَيُحَرِّكُونَ أَرْؤُسَهُمْ تَكْذِيبًا وَاسْتِهْزَاءً.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ} [الإسراء: 51] ، يَعْنُونَ: الْبَعْثَ.
{قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةً، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ.
قَالَ: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} [الإسراء: 52] مِنْ قُبُورِكُمْ، يُنَادِي صَاحِبَ الصُّورِ يَنْفُحُ فِيهِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: يَوْمَ يُنَادِيكُمْ إِسْرَافِيلُ.
{فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 52] بِمَعْرِفَتِهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَالاسْتِجَابَةُ مِنْهُمْ خُرُوجُهُمْ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى الدَّاعِي صَاحِبِ الصُّورِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
{وَتَظُنُّونَ} [الإسراء: 52] فِي الآخِرَةِ.
{إِنْ لَبِثْتُمْ} [الإسراء: 52] فِي الدُّنْيَا.
{إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 52] مِثْلُ قَوْلِهِ: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] تَصَاغَرَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ، وَمِثْلُ قَوْلِهِ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 55] الْمُشْرِكُونَ.
{مَا لَبِثُوا} [الروم: 55] فِي الدُّنْيَا، {غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] .
قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} [الروم: 55] يَصُدُّونَ عَنِ الْهُدَى.
{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} [الروم: 56] وَهِيَ مُقَدِّمَةٌ يَقُولُ: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [القصص: 80] فِي كِتَابِ اللَّهِ {وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ} [الروم: 56] إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ.
وَقَالَ فِي الآيَةِ الأُولَى: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 52] ، أَيْ: إِنَّ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فِي الدُّنْيَا قَلِيلٌ فِي الآخِرَةِ، لأَنَّهَا لا تَنْقَضِي، فَعَلِمُوا هُنَاكَ فِي الآخِرَةِ أَنَّهُ كَذَلِكَ.(1/141)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَذَلِكَ مِمَّا تَحَاقَرَتِ الدُّنْيَا فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ عَايَنُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء: 53] أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53] يُفْسِدُ بَيْنَهُمْ.
{إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53] بَيِّنَ الْعَدَاوَةِ.
قَوْلُهُ: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} [الإسراء: 54] ، يَعْنِي: بِأَعْمَالِكُمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ} [الإسراء: 54] يَتُوبُ عَلَيْكُمْ، فَيَمُنَّ عَلَيْكُمْ بِالإِيمَانِ.
{أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ} [الإسراء: 54] بِإِقَامَتِكُمْ عَلَى الشِّرْكِ.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا} [الإسراء: 54] حَفِيظًا لأَعْمَالِهِمْ حَتَّى نُجَازِيَهُمْ بِهَا.
قَوْلُهُ: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الإسراء: 55] .
قَوْلُهُ: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء: 55] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِيمَا قَالَ: كَلَّمَ بَعْضَهُمْ، وَاتَّخَذَ بَعْضَهُمْ خَلِيلا، وَأَعْطَى بَعْضَهُمْ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى.
{وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [الإسراء: 55] اسْمُ الْكِتَابِ الَّذِي أُعْطَاهُ: الزَّبُورُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ دَاوُدَ، تَحْمِيدٌ وَتَمْجِيدٌ لِلَّهِ(1/142)
لَيْسَ فِيهِ حَلالٌ وَلا حَرَامٌ وَلا فَرَائِضُ وَلا حُدُودٌ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ» .
- أَبُو الأَشْهَبِ وَالْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
قَوْلُهُ: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ} [الإسراء: 56] ، يَعْنِي: الأَوْثَانَ.
{فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا} [الإسراء: 56] يَمْلِكُونَ {تَحْوِيلا} [الإسراء: 56] لِمَا نَزَلَ بِكُمْ مِنَ الضُّرِّ، أَنْ يُحَوِّلُوا ذَلِكَ الضُّرَّ إِلَى غَيْرِهِ أَهْوَنَ مِنْهُ.
قَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] الْقُرْبَةَ {أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57] النَّارَ.
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57] يَحْذَرُهُ الْمُؤْمِنُونَ.
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَعْبُدُونَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ، فَأَسْلَمَ الْجِنِّيُّونَ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ النَّفَرُ مِنَ الْعَرَبِ.
قَالَ اللَّهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ} [الإسراء: 57] ، يَعْنِي: الْجِنِّيِّينَ الَّذِينَ يَعْبُدُهُمْ هَؤُلاءِ، {يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّهُمُ الْمَلائِكَةُ، وَعِيسَى يَقُولُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْبُدُ الْمُشْرِكُونَ وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى؛ لأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَدْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمَلائِكَةَ، وَالصَّابِئِينَ يَعْبُدُونَهُمْ، وَالنَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى.
قَالَ: فَالْمَلائِكَةُ وَعِيسَى الَّذِينَ يَعْبُدُ هَؤُلاءِ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ.
قَالَ: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} [الإسراء: 57] ، يَعْنِي: جَنَّتَهُ.
{وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57] .
قَوْلُهُ: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الإسراء: 58] بِمَوْتٍ بِغَيْرِ عَذَابٍ.
{أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا} [الإسراء: 58] يَكُونُ مَوْتُهُمْ بِالْعَذَابِ.(1/143)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَضَاءٌ مِنَ اللَّهِ، إِمَّا أَنْ يُهْلِكَهَا بِمَوْتٍ أَوْ بِعَذَابٍ إِذَا تَرَكُوا أَمْرَهُ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، يَعْنِي إِهْلاكَ الأُمَمِ بِتَكْذِيبِهَا الرُّسُلَ.
{كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا} [الإسراء: 58] مكتوبًا.
وقَالَ فِي آية أُخْرَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [العنكبوت: 57] .
قَوْلُهُ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} [الإسراء: 59] أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا إِذَا سَأَلُوا نَبِيَّهُمُ الآيَةَ فَجَاءَتْهُمُ الآيَةُ لَمْ يُؤْمِنُوا فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {بَلْ قَالُوا} [الأنبياء: 5] ، يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ لِلنَّبِيِّ: {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5] ، قَالَ اللَّهُ: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 6] .
أَيْ: لا يُؤْمِنُونَ لَوْ جَاءَتْهُمْ آية.
وَقَدْ أَخَّرَ اللَّهُ عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى.
قَالَ: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ} [الإسراء: 59] إِلَى قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ سَأَلُوا الآيَاتِ، قَالَ: {إِلا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ} [الإسراء: 59] وَكُنَّا إِذَا أَرْسَلْنَا إِلَى قَوْمٍ بِآيَةٍ فَلَمْ يُؤْمِنُوا أَهْلَكْنَاهُمْ، فَلِذَلِكَ لَمْ نُرْسِلْ إِلَيْهِمْ بِالآيَاتِ لأَنَّ آخِرَ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ أُخِّرُوا إِلَى النَّفْخَةِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: قَالَ أَهْلُ مَكَّةَ لِنَبِيِّ اللَّهِ: إِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا وَسَرَّكَ أَنْ نُؤْمِنَ فَحَوِّلْ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا.
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِذَا شِئْتَ كَانَ الَّذِي سَأَلَكَ قَوْمُكَ، وَلَكِنْ إِنْ هُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنَاظِرُوا، وَإِنْ شِئْتَ اسْتَأْنَيْتَ بِقَوْمِكَ، قَالَ: لا بَلْ أَسْتَأْنِي بِقَوْمِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59] ، أَيْ: بَيِّنَةً، وَأَنْزَلَ: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 6] .
{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]
- سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عِمْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يَجْعَلَ لَنَا الصَّفَا ذَهَبًا، فَإِنْ أَصْبَحَ لَنَا ذَهَبًا اتَّبَعْنَاكَ.
قَالَ: وَتَفْعَلُونَ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
فَدَعَا رَبَّهُ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ(1/144)
السَّلامَ وَيَقُولُ: إِنْ شِئْتَ أَصْبَحَ لَكَ الصَّفَا ذَهَبًا، فَمَنْ كَفَرَ بَعْدُ مِنْهُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ شِئْتَ فَتَحْتُ لَهُمْ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ، فَقَالَ: بَلْ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ.
قَوْلُهُ: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59] ، أَيْ: بَيِّنَةً.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: آية.
{فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء: 59] ، أَيْ: فَجَحَدُوا بِهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَقْرِهَا.
{وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] نُخَوِّفُهُمْ بِالآيَةِ فَنُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا عَذَّبَهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ} [الإسراء: 60] وَأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ.
{إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ} [الإسراء: 60] وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: عَصَمَكَ مِنْهُمْ فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكَ حَتَّى تُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ، كَقَوْلِهِ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] أَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ حَتَّى تُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَمْنَعُكَ مِنَ النَّاسِ حَتَّى تُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّكَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَحَاطَ بِالنَّاسِ فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ.
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ شَكَا إِلَى رَبِّهِ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي قَدْ خَوَّفُونِي، فَأَعْطِنِي مِنْ قِبَلِكَ آية أَعْلَمُ أَلا مَخَافَةَ عَلَيَّ.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ وَادِي كَذَا وَكَذَا فِيهِ شَجَرَةٌ، فَلْيَدْعُ غُصْنًا مِنْهَا يَأْتِهِ.
فَانْطَلَقَ إِلَى الْوَادِي فَدَعَا غُصْنًا مِنْهَا فَجَاءَ يَخُطُّ فِي الأَرْضِ خَطًّا حَتَّى انْتَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَحَبَسَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَحْبِسَهُ، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ كَمَا جِئْتَ، فَرَجَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: عَلِمْتُ يَا رَبِّ أَلا مَخَافَةَ عَلَيَّ.
قَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] ، يَعْنِي: مَا أَرَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، وَلَيْسَ بِرُؤْيَا الْمَنَامِ وَلَكِنِ الْمُعَايَنَةُ.
{إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] لِلْمُشْرِكِينَ.
إِنَّ النَّبِيَّ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِمَسِيرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرُجُوعِهِ مِنْ لَيْلَتِهِ كَذَّبَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ فَافْتُتِنُوا بِذَلِكَ.(1/145)
الْمُعَلَّى، عَنْ هَمَّامِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ أَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانَ مِنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَأَنْكَرَ الْمُشْرِكُونَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنْ كَانَ حَدَّثَكُمْ فَهُوَ كَمَا قَالَ.
ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: نَعَمْ، فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ يَوْمَئِذٍ صِدِّيّقًا.
وَقَالَتِ الْمُشْرِكُونَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَانْعَتْهُ لَنَا، فَتَحَيَّرَ النَّبِيُّ، قَالَ: فَرَفَعَهُ اللَّهُ لَهُ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيُخْبِرُهُمْ بِمَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: مُثِّلَ لَهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ حِينَ سَأَلَتْهُ قُرَيْشٌ عَنْهُ، فَجَعَلَ يَرَاهُ فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيُخْبِرُهُمْ عَنْهُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء: 60] مَا أَرَاهُ اللَّهُ مِنَ الآيَاتِ وَالْعِبَرِ فِي مَسِيرِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
{إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] ، أَيْ: إِلا بَلاءً لِلنَّاسِ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَنَّ نَفَرًا كَانُوا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ} [الإسراء: 60] يَقُولُ: وَمَا جَعَلْنَا أَيْضًا الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ.
حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
{إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60] الْمُشْرِكِينَ.
لَمَّا نَزَلَتْ دَعَا أَبُو جَهْلٍ بِتَمْرٍ وَزُبْدٍ فَقَالَ: تَعَالَوْا تَزَقَّمُوا فَمَا نَعْلَمُ الزَّقُّومَ إِلا هَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات: 63] لِلْمُشْرِكِينَ.
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 64] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَصَفَهَا وَوَصَفَ كَيْفَ يَأْكُلُونَهَا فِي النَّارِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْءَانِ} [الإسراء: 60] إِنَّ أَكَلَتَهَا مَلْعُونُونَ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82] وَإِنَّمَا يَعْنِي: أَهْلَ الْقَرْيَةِ.(1/146)
قَالَ: {وَنُخَوِّفُهُمْ} [الإسراء: 60] بِالشَّجَرَةِ الزَّقُّوم.
{فَمَا يَزِيدُهُمْ} [الإسراء: 60] تَخْوِيفُنَا إِيَّاهُمْ بِهَا.
{إِلا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60] .
قَوْلُهُ: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا} [الإسراء: 61] ، أَيْ: مِنْ طِينٍ، كَقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} [الأنعام: 2] .
وَقَالَ إِبْلِيسُ: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص: 76] .
وَقَوْلُ إِبْلِيسَ: {أَأَسْجُدُ} [الإسراء: 61] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
أَيْ إِنِّي لا أَسْجُدُ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء: 62] فَأَمَرْتَنِي بِالسُّجُودِ لَهُ.
{لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 62] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: لأَحْتَوِينَّهُمْ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: لأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، أَيْ: فَأُضِلُّهُمْ إِلا قَلِيلا.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لأَسْتَأْصِلَنَّ ذُرِّيَّتَهُ، يَعْنِي: يُهْلِكُهُمْ إِلا قَلِيلا، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ.
وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ بَعْدَ مَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ، وَذَلِكَ ظَنٌّ مِنْهُ، حَيْثُ وَسْوَسَ إِلَى آدَمَ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ عَزْمًا أَيْ صَبْرًا.
فَقَالَ: بَنُو هَذَا فِي الضَّعْفِ مِثْلُهُ.
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ جَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ لا يَتَمَالَكُ.
{قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} [الإسراء: 63] قَالَ مُجَاهِدٌ: وَافِرًا.
- أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللَّهُ لآدَمَ: يَا آدَمُ قُمِ، ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا إِلَى النَّارِ وَوَاحِدًا إِلَى الْجَنَّةِ ".
قَوْلُهُ: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] ، يَعْنِي: بِدُعَائِكَ، أَيْ: بِوَسْوَسَتِكَ.(1/147)
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: هُوَ الدُّفُّ وَالْمِزْمَارُ.
{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء: 64]
أَبُو سَهْلٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُلُّ مَاشٍ يَمْشِي فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ رَجُلِ إِبْلِيسَ، وَكُلُّ رَاكِبٍ يَرْكَبُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَهُوَ مِنْ خَيْلِ إِبْلِيسَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: رِجَالُهُ الْكُفَّارُ، وَالضُّلالُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا: وَرِجَالِكَ.
الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ لَهُ خَيْلا وَإِنَّ لَهُ رِجَالا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ لَهُ خَيْلا وَرِجَالا، جُنُودًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ.
قَوْلُهُ: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} [الإسراء: 64] الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: شِرْكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الأَمْوَالِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ، أَيْ وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا مِنْ حَرَامٍ، وَيُنْفِقُوهَا فِي غَيْرِ حَقِّهَا.
وَشِرْكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الأَوْلادِ، رَزَقَهُمُ اللَّهُ أَوْلادَهُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَصَبَغُوهُمْ يَهُودِيًّا وَنَصْرَانِيًّا وَمَجُوسِيًّا.
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: وَعَابِدُ وَثَنٍ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: شِرْكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الأَمْوَالِ مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لَهْمُ، وَكُلُّ مَا أَصَابُوا مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ وَوَضَعُوهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ.
وَشِرْكَتُهُ إِيَّاهُمْ فِي الأَوْلادِ مَا وُلِدَ مِنَ الزِّنَا.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: فِي أَوْلادِ الزِّنَا، وَفِي الأَمْوَالِ مَا كَانَ مِنْ مَالٍ بِغَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَعِدْهُمْ} [الإسراء: 64] بِالأَمَانِيِّ بِأَنَّهُ لا بَعْثَ، وَلا جَنَّةَ، وَلا نَارَ.
هَذَا وَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ لِلشَّيْطَانِ.
كَقَوْلِ الرَّجُلِ: اذْهَبْ فَاجْهَدْ عَلَى جَهْدِكَ، وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَمْرِ لَهُ بِهِ.
قَالَ: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا}(1/148)
[الإسراء: 64] قَالَ: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65] قَالَ قَتَادَةُ: وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَقَالَ يَحْيَى: يَعْنِي مَنْ يَلْقَى اللَّهَ مُؤْمِنًا أَنْ يَصِلَهُمْ.
{وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا} [الإسراء: 65] حِرْزًا وَمَانِعًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ: {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ} [الإسراء: 66] يُجْرِيهَا.
{فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [الإسراء: 66] طَلَبُ التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ.
{إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [الإسراء: 66] فَبِرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ سَخَّرَ لَكُمْ ذَلِكَ.
وَالرَّحْمَةُ عَلَى الْكَافِرِ فِي هَذَا رَحْمَةُ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ} [الإسراء: 67] ، يَعْنِي: الأَهْوَالَ.
{فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ} [الإسراء: 67] ، يَعْنِي: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ ضَلُّوا عَنْهُمْ.
قَالَ: {إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] تَدْعُونَهُ، كَقَوْلِهِ: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ} [الأنعام: 41] يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لا يُنَجِّيهِمْ مِنَ الْغَرَقِ إِلا اللَّهُ.
قَالَ: {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} [الإسراء: 67] عَنِ الَّذِي نَجَّاكُمْ وَرَجَعْتُمْ إِلَى شِرْكِكُمْ.
{وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: 67] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكَ.
قَالَ: {أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ} [الإسراء: 68] كَمَا خُسِفَ بِقَوْمِ لُوطٍ وَبِقَارُونَ.
{أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الإسراء: 68] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ.
يَقُولُ: يَحْصِبُكُمْ بِهَا كَمَا فَعَلَ بِقَوْمِ لُوطٍ، يَعْنِي: الَّذِينَ خَرَجُوا مِنَ الْقَرْيَةِ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْحِجَارَةَ، وَخَسَفَ بِأَهْلِ الْقَرْيَةِ.
قَالَ: {ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا} [الإسراء: 68] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ مَنِيعًا وَلا نَصِيرًا.
قَالَ: {أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ} [الإسراء: 69] فِي الْبَحْرِ.(1/149)
{تَارَةً أُخْرَى} [الإسراء: 69] مَرَّةً أُخْرَى.
{فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ} [الإسراء: 69] وَالْقَاصِفُ الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ.
{فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 69] لا تَجِدُوا أَحَدًا يَتْبَعُنَا بِذَلِكَ لَكُمْ، فَيَنْتَصِرُ لَكُمْ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس: 14] سوَّى عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ {وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا} [الشمس: 15] التَّبَعَةَ، فَيَنْتَصِرُ لَهُمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ لا يَخَافُ أَنْ يُتْبَعَ بِشَيْءٍ مِمَّا أَصَابَكُمْ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {تَبِيعًا} [الإسراء: 69] ثَائِرًا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} [الإسراء: 70] الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِبِرَكٍ فِيهَا مَاءٌ فَوَضَعَ بَعْضُهُمْ رُءُوسَهُمْ يَشْرَبُونَ مِنْهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ وَاشْرَبُوا فِيهَا» .
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فُضِّلَ بَنُو آدَمَ عَلَى الْبَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [الإسراء: 70] : يَعْنِي جَمِيعَ رِزْقِ بَنِي آدَمَ: الْخُبْزَ، وَاللَّحْمَ، وَالْعَسَلَ، وَالسَّمْنَ، وَنَحْوَهُ مِنْ طَيِّبَاتِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَجَعَلَ رِزْقَهُمْ أَطْيَبَ مِنْ رِزْقِ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ وَالْجِنِّ.
قَوْلُهُ: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] قَالَ الْحَسَنُ: بِكِتَابِهِمْ.
مَا نَسَخَتْ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بِإِمَامِهِمْ، بِنَبِيِّهِمْ.(1/150)
قَالَ: {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ} [الإسراء: 71] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
{وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [الإسراء: 71] ، وَالْفَتِيلُ: يَكُونُ فِي بَطْنِ النَّوَاةِ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} [الإسراء: 72] ، يَعْنِي: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ النَّعْمَاءِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ.
{فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا} [الإسراء: 72] .
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] إِلَى آخِرِ الآيَةِ {أَعْمَى} [الإسراء: 72] ، يَعْنِي: أَعْمَى الْقَلْبِ، فَلا تَعْرِفُ رَبَّهَا فَتُوَحِّدُهُ، فَهُوَ عَنْ مَا فِي الآخِرَةِ، يَعْنِي: فَهُوَ عَنْ مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلَّ سَبِيلا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: يَقُولُ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعْمَى عَنْ مَا عَايَنَ فِيهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَعَجَائِبِهِ، قَالَ يَحْيَى: أَيْ فَيَعْلَمُ أَنَّ لَهُ مِعَادًا.
وَهَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي أَشْبَاهِ هَذَا مِمَّا جَعَلَهُ اللَّهُ تَبْصِرَةً لِلْعِبَادِ فَيَعْلَمُونَ أَنَ الْبَعْثَ حَقٌّ.
قَالَ قَتَادَةُ: فَهُوَ فِيمَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ أَعْمَى.
{وَأَضَلُّ سَبِيلا} [الإسراء: 72] طَرِيقًا.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَعَمى، الْكَافِرُ عَمِيَ عَنِ الْهُدَى، فَهُوَ فِي الآخُرَةِ أَعْمَى فِي الْحُجَّةِ، أَيْ: لَيْسَتْ لَهُ حُجَّةٌ، كَقَوْلِهِ: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} [طه: 125] عَنْ حُجَّتِي.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَادُوا} [الإسراء: 73] ، يَعْنِي: قَدْ كَادُوا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] لِيُضِلُّونَكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي لِيَصُدُّونَكَ.
{عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 73] الْقُرْآنِ.
{لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا} [الإسراء: 73] لَوْ فَعَلْتَ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ بِمَكَّةَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ، فَقَالُوا: يَا(1/151)
مُحَمَّدُ إِنَّ الَّذِي جِئْتَ بِهِ لَمْ يَجِئْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِكَ.
وَرَفَقُوا بِهِ وَقَالُوا لَهُ: كُفَّ عَنْ شَتْمِ آلِهَتِنَا وَذَمِّهَا وَانْظُرْ فِي هَذَا الأَمْرِ، فَإِنَّ هَذَا لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ فُلانٌ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ، وَفُلانٌ أَحَقُّ بِهِ مِنْكَ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء: 73] إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} [الإسراء: 74] بِالنُّبُوَّةِ، عَصَمْنَاكَ بِهَا {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا {74} إِذًا لأَذَقْنَاكَ} [الإسراء: 74-75] لَوْ فَعَلْتَ {ضِعْفَ الْحَيَاةِ} [الإسراء: 75] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: أَيْ: عَذَابَ الدُّنْيَا.
{وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 75] أَيْ: عَذَابَ الآخِرَةِ.
قَالَ: {ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} [الإسراء: 75] يَنْتَصِرُ لَكَ بَعْدَ عُقُوبَتِنَا إِيَّاكَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ قَوْمًا خَلَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِلَى الصُّبْحِ يُكَلِّمُونَهُ، وَيُفْحِمُونَهُ، وَيُسَوِّدُونَهُ، وَيُقَارِبُونَهُ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ تَأْتِي بِشَيْءٍ لا يَأْتِي بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، فَمَا زَالُوا يُكَلِّمُونَهُ حَتَّى كَادَ يُقَارِبُهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ مَنَعَهُ وَعَصَمَهُ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ} [الإسراء: 76] ، يَعْنِي أَرْضَ الْمَدِينَةِ.
{لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ} [الإسراء: 76] بَعْدَكَ.
{إِلا قَلِيلا {76} سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا {77} } [الإسراء: 76-77] .
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَمَّ أَهْلُ مَكَّةَ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ مَكَّةَ، وَلَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ مَا نُوظِرُوا، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَفَّهُمْ عَنْ إِخْرَاجِهِ حَتَّى أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ.
وَلَقَلَّ مَعَ ذَلِكَ مَا لَبِثُوا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ يَحْيَى: هِيَ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال: 30] .
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا} [الإسراء: 76] بِالْقَتْلِ {وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ} [الإسراء: 76] بَعْدَكَ {إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 76] حَتَّى نَسْتَأْصِلَهُمْ بِالْعَذَابِ فَنُهْلِكُهُمْ أَجْمَعِينَ لَوْ قَتَلُوكَ.(1/152)
{سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا} [الإسراء: 77] إِنَّهُمْ إِذَا قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ.
{وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلا} [الإسراء: 77] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِنَّ سُنَّةَ الرُّسُلِ وَالأُمَمِ كَانَتْ قَبْلَكَ كَذَلِكَ، إِذَا كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ وَأَخْرَجُوهُمْ لَمْ يُنَاظَرُوا أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَذَابَهُ.
- قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا مَنْ قَتَلَ نَبِيًّا، أَوْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ، أَوْ مُصَوِّرٌ.
قَوْلُهُ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ لِصَلاةِ الظُّهْرِ.
{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] قَالَ: بُدُوِّ اللَّيْلِ لِصَلاةِ الْمَغْرِبِ.
قَالَ يَحْيَى: يَقُولُ لِزَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، يَعْنِي صَلاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بَعْدَهَا.
{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] بُدُوِّ اللَّيْلِ وَاجْتِمَاعِهِ وَظُلْمَتُهُ.
صَلاةُ الْمَغْرِبِ عِنْدَ بُدُوِّ اللَّيْلِ، وَصَلاةُ الْعِشَاءِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ اللَّيْلِ، وَظُلْمَتُهُ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ.
- مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ: إِذَا فَاءَ الْفَيْءُ، وَغَسَقُ اللَّيْلِ: اجْتِمَاعُ اللَّيْلِ وَظُلْمَتُهُ.
- مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: دُلُوكُ الشَّمْسِ مَيْلُهَا.
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا جَاءَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ إِلَى قَوْمِهِ خَلَّى عَنْهُمْ، حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ نُودِيَ فِيهِمُ: الصَّلاةَ جَامِعَةً.
فَفَزِعُوا لِذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا، فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، لا يُعْلِنُ فِيهِنَّ الْقِرَاءَةَ، جِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّ اللَّهِ، وَنَبِيُّ اللَّهِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ، يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ، وَيَقْتَدِي نَبِيُّ اللَّهِ بِجِبْرِيلَ.
ثُمَّ خَلَّى عَنْهُمْ، حَتَّى إِذَا تَصَوَّبَتِ الشَّمْسُ وَهِيَ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ نُودِيَ فِيهِمُ: الصَّلاةَ جَامِعَةً.
فَاجْتَمَعُوا، فَصَلَّى بِهِمُ الْعَصْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ دُونَ صَلاةِ الظُّهْرِ، لا يُعْلِنُ فِيهِنَّ الْقِرَاءَةَ، جِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّ اللَّهِ، وَنَبِيُّ اللَّهِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ، يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ، وَيَقْتَدِي نَبِيُّ اللَّهِ بِجِبْرِيلَ.
ثُمَّ خَلَّى عَنْهُمْ، حَتَّى إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ نُودِيَ فِيهِمُ: الصَّلاةَ جَامِعَةً.
فَصَلَّى بِهِمُ الْمَغْرِبَ ثَلاثَ رَكَعَاتٍ يُعْلِنُ فِي(1/153)
الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وَلا يُعْلِنُ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ، جِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّ اللَّهِ، وَنَبِيُّ اللَّهِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ، يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ، وَيَقْتَدِي نَبِيُّ اللَّهِ بِجِبْرِيلَ.
ثُمَّ خَلَّى عَنْهُمْ، حَتَّى إِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَأَظْلَمَ الْعِشَاءُ نُودِيَ فِيهِمُ: الصَّلاةَ جَامِعَةً.
فَاجْتَمَعُوا، فَصَلَّى بِهِمُ الْعِشَاءَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُعْلِنُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ وَلا يُعْلِنُ فِي الآخِرَتَيْنِ، جِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّ اللَّهِ، وَنَبِيُّ اللَّهِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ، يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ، وَيَقْتَدِي نَبِيُّ اللَّهِ بِجِبْرِيلَ.
ثُمَّ بَاتَ النَّاسُ وَلا يَدْرُونَ أَيُزَادُونَ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لا.
حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نُودِيَ فِيهِمُ: الصَّلاةَ جَامِعَةً.
فَاجْتَمَعُوا.
فَصَلَّى بِهِمُ الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ أَطَالَهُمَا وَأَعْلَنَ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ، جِبْرِيلُ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّ اللَّهِ، وَنَبِيُّ اللَّهِ بَيْنَ أَيْدِي النَّاسِ، يَقْتَدِي النَّاسُ بِنَبِيِّهِمْ، وَيَقْتَدِي نَبِيُّ اللَّهِ بِجِبْرِيلَ.
- الْمُعَلَّى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: دُلُوكُهَا غُرُوبُهَا.
- الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: غَابَتِ الشَّمْسُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ هَذِهِ السَّاعَةَ لَمِيقَاتُ هَذِهِ الصَّلاةِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] .
قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: فَدُلُوكُهَا حِينَ تَغِيبُ فِي قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَسَقُ اللَّيْلِ: مَجِيءُ اللَّيْلِ وَالصَّلاةُ فِيمَا بَيْنَهُمَا.
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ زَوَالُهَا، هُوَ قَوْلُ الْعَامَّةِ، يَعْنِي وَقْتَ صَلاةِ الظُّهْرِ فِيمَا حَدَّثَنِي الْمَسْعُودِيُّ وَغَيْرُهُ.
ثُمَّ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ: قَالَ السُّدِّيُّ، وَكَانَ يُعَالِجُ التَّفْسِيرَ: لَوْ كَانَ دُلُوكُ الشَّمْسِ زَوَالَهَا لَكَانَتِ الصَّلاةُ فِيمَا بَيْنَ زَوَالِهَا إِلَى أَنْ تَغِيبَ.
وَكَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعْجَبَ إِلَى الْمَسْعُودِيِّ.
قَوْلُهُ: {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78] قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ صَلاةُ الصُّبْحِ.
{إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] يَشْهَدُهُ مَلائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ، يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ وَعِنْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ فِيمَا
- حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ: " فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ فَيَقُولُ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ(1/154)
عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ".
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ صَلاةِ الْمَغْرِبِ: يَجْتَمِعُ الْحَرَسَانِ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ: مَلائِكَةُ اللَّيْلِ، وَمَلائِكَةُ النَّهَارِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا نُحدَّثُ أَنَّ عِنْدَ صَلاةِ الْفَجْرِ يَجْتَمِعُ الْحَرَسَانِ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ: حَرَسُ اللَّيْلِ، وَحَرَسُ النَّهَارِ، وَيَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ: {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] .
- الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَتَدَارَكُ الْحَرَسَانِ عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ.
وَقَالَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: {وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] .
قَوْلُهُ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79] عَطِيَّةً مِنَ اللَّهِ لَكَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: النَّافِلَةُ: الْفَضْلُ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّ صَلاةَ اللَّيْلِ عَلَى النَّبِيِّ فَرِيضَةٌ، وَهِيَ لِلنَّاسِ تَطَوُّعٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَقُمِ النَّبِيُّ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَوْنٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَغَلَهُ شَيْءٌ عَنْ صَلاةِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً.
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: النَّافِلَةُ لا تَكُونُ إِلا لِلنَّبِيِّ.
- حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ فَإِنْ قَعَدَ قَعَدَ مَغْفُورًا لَهُ، وَإِذَا قَامَ يُصَلِّي كَانَتْ لَهُ فَضِيلَةً.
فَقِيلَ لَهُ: نَافِلَةً؟ فَقَالَ: إِنَّمَا النَّافِلَةُ لِلنَّبِيِّ.
قَوْلُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ.(1/155)
قَالَ: سَيَبْعَثُكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا: الشَّفَاعَةَ.
- يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ حُفَاةً، عُرَاةً، كَمَا خُلِقُوا، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ حَتَّى يُلْجِمَهُمُ الْعَرَقُ، وَلا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ، قَالَ: فَأَوَّلُ مَنْ يُدْعَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَا مُحَمَّدُ فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ،
وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ وَبِكَ وَإِلَيْكَ لا مَلْجَأَ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، وَعَلَى عَرْشِكَ اسْتَوَيْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اشْفَعْ، قَالَ: فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ قَالَ: إِذَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، فَبَقِيَتْ زُمْرَةٌ مِنْ آخِرِ زُمَرِ الْجَنَّةِ وَهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ لَمَّا خَرَجَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الصِّرَاطِ بِإِيمَانِهِمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ خَرَجَ كَهَيْئَةِ الْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ كَهَيْئَةِ الرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ كَرَكْضِ الْفَرَسِ الْجَوَادِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ سَعْيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ خَرَجَ زَحْفًا عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ لَهُ مِنْ نُورِهِ، إِنْ قَامَ لَمْ يَرَهُ
وَإِنْ جَلَسَ نَظَرَ إِلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَهُوَ يَزْحَفُ عَلَى اسْتِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم: 8] فَذَلِكَ حِينَ تَقُولُ لَهُمْ آخِرُ زُمْرَةٍ مِنْ زُمَرِ النَّارِ: أَمَّا نَحْنُ فَأُخِذْنَا بِمَا فِي قُلُوبِنَا مِنَ الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ، فَمَا نَفَعَكُمْ أَنْتُمْ تَوْحِيدُكُمْ رَبَّكُمْ؟ قَالَ: وَقَدْ بَلَغَتِ النَّارُ مِنْهُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ.
- وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى تَرْقُوَتِهِ» .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّهَا لا تُصِيبُ وُجُوهَهُمْ لِمَكَانِ السُّجُودِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَيَصْرُخُونَ عِنْدَ ذَلِكَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ، فَيَسْمَعُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، فَيَسْعَوْنَ،(1/156)
أَوْ قَالَ: يَمْشُونَ إِلَى آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ، أُنَاسٌ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا حُبِسُوا مَعَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَيَقُولُ آدَمُ: إِنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً فَأَسْتَحْيِي أَنْ أُكَلِّمَ رَبِّي، فَعَلَيْكُمْ بِنُوحٍ.
فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَرُدُّهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ.
ثُمَّ يَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَرُدُّهُمْ إِلَى مُوسَى.
ثُمَّ يَأْتُونَ مُوسَى فَيَرُدُّهُمْ إِلَى عِيسَى.
ثُمَّ يَأْتُونَ عِيسَى فَيَرُدُّهُمْ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَذْكُرُونَ ذَلِكَ لَهُ، فَيَنْطَلِقُ نَبِيُّ اللَّهِ فَيَأْتِي رَبَّ الْعِزَّةِ فَيَسْجُدُ لَهُ حَتَّى يَأْمُرَهُ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهُ عَنْ مَا يُرِيدُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ، فَيَقُولُ: رَبِّ، أُنَاسٌ مِنْ عِبَادِكَ أَصْحَابُ ذُنُوبٍ لَمْ يُشْرِكُوا بِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِمْ يُعَيِّرُهُمْ أَهْلُ النَّارِ بِعِبَادَتِهِمْ إِيَّاكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: وَعِزَّتِي لأُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا.
فَيُخْرِجُهُمْ وَقَدِ احْتَرَقُوا، فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ثُمَّ يُنْضَحُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى يُنْبِتُوا، تَنْبُتُ أَجْسَادُهُمْ وَلُحُومُهُمْ، ثُمَّ يُدْخَلُونَ الْجَنَّةَ فَيُسَمَّوْنَ الْجُهَنَّمِيِّينَ.
فَيُغْبَطُ....
عِنْدَ ذَلِكَ الأَوَّلُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالآخِرُونَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] .
- صَاحِبٌ لَهُ، عَنْ جُبَيْرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: يَأْمُرُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالصِّرَاطِ، فَيُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ، فَيَمُرُّ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ زُمَرًا، أَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُرُّ الرَّجُلُ سَعْيًا، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مَشْيًا، حَتَّى يَكُونَ آخِرَهُمْ رَجُلٌ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لِمَ
أَبْطَأْتَ بِي؟ فَيَقُولُ: لَمْ أُبْطِئْ بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ.
قَالَ: ثُمَّ يَأْذَنُ اللَّهُ فِي الشَّفَاعَةِ، فَيَكُونُ أَوَّلَ شَافِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يَقُومُ خَلِيلُ اللَّهِ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُوسَى أَوْ عِيسَى.
قَالَ أَبُو الزَّعْرَاءِ: لا أَدْرِي أَيَّهُمَا، قَالَ: ثُمَّ يَقُومُ نَبِيُّكُمْ رَابِعًا لا يَشْفَعُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فِيمَا يُشَفَّعُ فِيهِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] .
قَوْلُهُ: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] ، يَعْنِي: مُدْخَلَهُ الْمَدِينَةَ حِينَ هَاجَرَ إِلَيْهَا.
أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَذَا الدُّعَاءِ.
{وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80](1/157)
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: مُخْرَجُ صِدْقٍ أَيْ: إِلَى قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ.
وَقَدْ كَانَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ سَيُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ، وَيُظْهِرُهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: {مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] الْجَنَّةَ {وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْهِجْرَةِ بِالْمَدِينَةِ.
{وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80] فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَتَلَهُمْ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: عَلِمَ نَبِيُّ اللَّهِ أَلا طَاقَةَ لَهُ بِهَذَا الأَمْرِ إِلا بِسُلْطَانٍ، فَسَأَلَ سُلْطَانًا نَصِيرًا لِكِتَابِ اللَّهِ وَلِحُدُودِهِ وَلِفَرَائِضِهِ وَلإِقَامَةِ الدِّينِ.
وقَالَ مجاهد: {سُلْطَانًا نَصِيرًا} [الإسراء: 80] حُجَّةً بَيِّنَةً.
قَوْلُهُ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ} [الإسراء: 81] وَهُوَ الْقُرْآنُ.
{وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: 81] وَهُوَ إِبْلِيسُ.
وَهَذَا تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
قَالَ: {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] وَالزَّهُوقُ: الدَّاحِضُ الذَّاهِبُ.
قَوْلُهُ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ} [الإسراء: 82] يُنَزِّلُ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ.
{مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا} [الإسراء: 82] كُلَّمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ كَذَّبُوا بِهِ فَازْدَادُوا فِيهِ خَسَارًا إِلَى خَسَارِهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ} [الإسراء: 83] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكَ، أَعْطَيْنَاهُ السَّعَةَ وَالْعَافِيَةَ.
{أَعْرَضَ} [الإسراء: 83] عَنِ اللَّهِ.
{وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء: 83] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَبَاعَدَ مِنَّا.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
{وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} [الإسراء: 83] الأَمْرَاضُ وَالشَّدَائِدُ.
{كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء: 83] قَالَ قَتَادَةُ: يَئِسَ وَقَنَطَ.(1/158)
قَالَ يَحْيَى: يَقُولُ: يَئِسَ أَنْ يُفْرَجَ ذَلِكَ عَنْهُ؛ لأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ نِيَّةٌ وَلا حِسْبَةٌ وَلا رَجَاءٌ.
{قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: 84] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: عَلَى نَاحِيَتِهِ وَمَا يَنْوِي، أَيِ: الْمُؤْمِنُ عَلَى إِيمَانِهِ وَالْكَافِرُ عَلَى كُفْرِهِ.
{فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلا} [الإسراء: 84] ، أَيْ: فَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَهْدَى سَبِيلا مِنَ الْكَافِرِ.
قَوْلُهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ} [الإسراء: 85]
يَحْيَى، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ نَاسًا مِنَ الْيَهُودِ لَقُوا نَبِيَّ اللَّهِ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] .
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بَعَثُوا رُسُلا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالُوا لَهُمْ: سَلُوا الْيَهُودَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَصَفُوا لَهُمْ نَعْتَهُ وَقَوْلَهُ، ثُمَّ ائْتُونَا فَأَخْبِرُونَا.
فَانْطَلَقُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَوَجَدُوا بِهَا عُلَمَاءَ الْيَهُودِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ قَدِ اجْتَمَعُوا فِيهَا لِعِيدٍ لَهُمْ، فَسَأَلُوهُمْ عَنْ مُحَمَّدٍ وَنَعَتُوا لَهُمْ نَعْتَهُ، فَقَالَ لَهُمْ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ: إِنَّ هَذَا لَنَعْتُ النَّبِيِّ الَّذِي نَتَحَدَّثُ أَنَّ اللَّهَ بَاعِثُهُ فِي هَذِهِ الأَرْضِ.
فَقَالَتْ لَهُمْ رُسُلُ قُرَيْشٍ: إِنَّهُ فَقِيرٌ، عَائِلٌ، يَتِيمٌ، لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ أَحَدٌ وَلا مِنْ ذَوِي الأَسْنَانِ.
فَضَحِكَ الْحَبْرُ وَقَالَ كَذَلِكَ نَجِدُهُ.
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُ قُرَيْشٍ: فَإِنَّهُ يَقُولُ قَوْلا عَظِيمًا، يَدْعُو إِلَى الرَّحْمَنِ، وَيَقُولُ: إِنَّ الَّذِي بِالْيَمَامَةِ السَّاحِرُ الْكَذَّابُ، يَعْنُونَ مُسَيْلِمَةَ.
فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: اذْهَبُوا فَسَلُوا صَاحِبَكُمْ عَنْ خِلالٍ ثَلاثٍ، فَإِنَّ الَّذِي بِالْيَمَامَةِ قَدْ عَجَزَ عَنْهُنَّ.
فَأَمَّا اثْنَتَانِ مِنَ الثَّلاثِ فَإِنَّهُ لا يَعْلَمُهُمَا إِلا نَبِيٌّ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِمَا فَقَدْ صَدَقَ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلا يَجْتَرِئُ عَلَيْهَا أَحَدٌ.
فَقَالَتْ لَهُمْ رُسُلُ قُرَيْشٍ: أَخْبِرُونَا بِهِنَّ.
فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: سَلُوهُ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ.
فَقَصُّوا عَلَيْهِمْ قِصَّتَهُمْ.
وَسَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَحَدَّثُوهُمْ بِأَمْرِهِ.
وَسَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ فِيهِ بِشَيْءٍ فَهُوَ كَاذِبٌ.(1/159)
فَرَجَعَتْ رُسُلُ قُرَيْشٍ إِلَيْهِمْ فَأَخْبَرُوهُمْ بِذَلِكَ، فَأَرْسَلُوا إِلَى النَّبِيِّ فَلَقِيَهُمْ، فَقَالُوا: يَابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّا سَائِلُوكَ عَنْ خِلالٍ ثَلاثٍ فَإِنْ أَخْبَرْتَنَا بِهِنَّ فَأَنْتَ صَادِقٌ وَإِلا فَلا تَذْكُرَنَّ آلِهَتَنَا بِشَيْءٍ.
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: «وَمَا هُنَّ؟» .
قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ فَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا عَنْهُمْ بِآيَةٍ بَيِّنَةٍ، وَأَخْبِرْنَا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَإِنَّا قَدْ أُخْبِرْنَا عَنْهُ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ، وَأَخْبِرْنَا عَنِ الرُّوحِ.
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: أَنْظِرُونِي حَتَّى أَنْظُرَ مَاذَا يُحْدِثُ إِلَيَّ فِيهِ رَبِّي.
قَالُوا: فَإِنَّا نَاظِرُوكَ فِيهِ ثَلاثًا.
فَمَكَثَ نَبِيُّ اللَّهِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ لا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ، ثُمَّ أَتَاهُ، فَاسْتَبْشَرَ بِهِ النَّبِيُّ وَقَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، قَدْ رَأَيْتَ مَا سَأَلَ عَنْهُ قَوْمِي ثُمَّ لَمْ تَأْتِنِي» ، قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] فَإِذَا شَاءَ رَبُّكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ
الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] .
ثُمَّ قَالَ لَهُ: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف: 9] فَذَكَرَ قِصَّتَهُمْ.
قَالَ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 83] فَذَكَرَ قِصَّتَهُ.
ثُمَّ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ قُرَيْشًا فِي آخِرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَالُوا: مَاذَا أَحْدَثَ إِلَيْكَ رَبُّكَ فِي الَّذِي سَأَلْنَاكَ عَنْهُ؟ فَقَصَّهُ عَلَيْهِمْ.
فَعَجِبُوا، وَغَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُصَدِّقُوهُ.
- هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ فَسَّرَ الرُّوحَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ كَفَّ عَنْ تَفْسِيرِهَا.
وَأَحْسَبُ أَنَّ هِشَامًا أَوْ غَيْرَهُ ذَكَرَ أَنَّ قَتَادَةَ فَسَّرَهَا مَرَّةً ثُمَّ كَفَّ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الرُّوحُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَوَجْهُهُ عَلَى صُورَةِ الإِنْسَانِ وَجَسَدُهُ عَلَى صُورَةِ الْمَلائِكَةِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي عم يَتَسَاءَلُونَ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} [النبأ: 38] ، يَعْنِي ذَلِكَ الْمَلَكَ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَتَحْتَ الْعَرْشِ، وَهُوَ حَافِظٌ عَلَى الْمَلائِكَةِ يَقُومُ عَلَى يَمِينِ الْعَرْشِ صَفًّا وَاحِدًا وَالْمَلائِكَةُ صَفٌّ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء: 85] ، يَعْنِي ذَلِكَ الْمَلَكَ {قُلِ الرُّوحُ مِنْ
أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] لَمْ يُحِيطُوا بِهِ عِلْمًا.(1/160)
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّ الرُّوحَ الْقُرْآنُ.
قَالَ: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] مِنْ وَحْيِ رَبِّي {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] ، أَيْ: إِنَّ عِلْمَكُمُ الَّذِي أَتَاكُمُ اللَّهُ قَلِيلٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ.
وَبَلَغَنِي عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ التَّابِعِينَ قَالَ: الرُّوحُ خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَهُمْ أَيْدٍ وَأَرْجُلٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: لَقِيَتِ الْيَهُودُ نَبِيَّ اللَّهِ فَتَعَنَّتُوهُ وَسَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ، وَعَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَعَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85] ، أَيِ: الْيَهُودَ.
- مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَمْسٌ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا اللَّهُ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان: 34] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
الآيَاتُ الْخَمْسُ ".
قَوْلُهُ: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86] ، يَعْنِي الْقُرْآنَ حَتَّى لا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ.
{ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلا} [الإسراء: 86] وَلِيًّا يَمْنَعُكَ مِنْ ذَلِكَ.
{إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الإسراء: 87] فِيهَا إِضْمَارٌ، يَقُولُ: وَإِنَّمَا أَنْزَلْنَاهُ عَلَيْكَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ.
{إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا} [الإسراء: 87] يَقُولُ: أَعْطَاكَ النُّبُوَّةَ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَيُسْرَيَنَّ عَلَى الْقُرْآنِ لَيْلَةً، فَلا تَبْقَى مِنْهُ آية فِي قَلْبِ رَجُلٍ وَلا مُصْحَفٍ إِلا رُفِعَتْ.
قَوْلُهُ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] ، أَيْ: عَوِينًا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ} [الإسراء: 89] ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ.
{فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا {89} وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} [الإسراء: 89-90] لَنْ نُصَدِّقَكَ.
{حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] ، أي: عُيُونًا بِبَلَدِنَا هَذَا.(1/161)
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا} [الإسراء: 91] خِلالَ تِلْكَ الْجَنَّةِ.
{تَفْجِيرًا {91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 91-92] قِطَعًا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ فِي آية أُخْرَى: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [سبأ: 9] وَقَالَ: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا} [الطور: 44] وَالْكِسَفُ: الْقِطْعَةُ {مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} [الطور: 44] .
تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ فِي قَوْلِهِ: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا} [الإسراء: 90] ، قَالَ: بَلَغَنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيَّ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ حِينَ اجْتَمَعَ الرَّهْطُ مِنْ قُرَيْشٍ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ فَسَأَلُوا نَبِيَّ اللَّهِ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ بَعْضَ أَمْوَاتِهِمْ، وَيُسَخِّرَ لَهُمُ الرِّيحَ، أَوْ يُسَيِّرَ لَهُمْ جِبَالَ مَكَّةَ، فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِمَّا أَرَادُوا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عِنْدَ ذَلِكَ: أَمَا
تَسْتَطِيعُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَفْعَلَ بِقَوْمِكَ بَعْضَ مَا سَأَلُوكَ، فَوَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ لا أُومِنُ لَكَ، أَيْ: لا أُصَدِّقُكَ أَبَدًا حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا: عُيُونًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالْكَلْبِيِّ.
{أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا} [الإسراء: 91] يَقُولُ: بَيْنَهَا.
{تَفْجِيرًا {91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 91-92] قِطَعًا.
{أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا} [الإسراء: 92] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ نُعَايِنُهُمْ مُعَايَنَةً.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَبِيلا: عَلَى حِدَّتِهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَقَالَ فِي آية أُخْرَى: {أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ} [الزخرف: 53] .(1/162)
قَالَ: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} [الإسراء: 93] وَالزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ، وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ قَتَادَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ: {أَوْ تَرْقَى} [الإسراء: 93] تَصْعَدُ.
{فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} [الإسراء: 93] لِصُعُودِكَ.
{حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 93] مِنَ اللَّهِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ: إِنِّي أَرْسَلْتُ مُحَمَّدًا، وَتَجِيءُ بِأَرْبَعَةٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ كَتَبَهُ، ثُمَّ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ أُؤْمِنُ لَكَ، يَقُولُ أُصَدِّقُكَ أَمْ لا.
قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا} [الإسراء: 93] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 93] مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا تَصْبَحُ عِنْدَ رَأْسِهِ صَحِيفَةٌ مَوْضُوعَةٌ يَقْرَؤُهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 93] خَاصَّةٌ نُؤْمَرُ فِيهِ بِاتِّبَاعِكَ.
قَالَ: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} [الإسراء: 93] مِنْ ذَهَبٍ {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} [الإسراء: 93] أَيْضًا، فَإِنَّ السَّحَرَةَ قَدْ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَتَأْخُذُ بِأَعْيُنِ النَّاسِ، {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ} [الإسراء: 93] إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنَّا بِعَيْنِهِ: مِنَ اللَّهِ إِلَى فُلانِ بْنِ فُلانٍ، وَفُلانِ بْنِ فُلانٍ وَفُلانِ بْنِ فُلانٍ، أَنْ آمِنْ بِمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ رَسُولِي.
أَظُنُّهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً} [المدثر: 52] ، يَعْنِي: كِتَابًا مِنَ اللَّهِ.
{قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا} [الإسراء: 93] هَلْ كَانَتِ الرُّسُلُ تَأْتِي بِهَذَا فِيمَا مَضَى، أَنْ تَأْتِيَ بِكِتَابٍ مِنَ اللَّهِ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ؟ كَلا أَنْتُمْ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ بِكُمْ هَذَا.
فَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ، لَنْ نُصَدِّقَكَ حَتَّى تَأْتِيَنَا بِخَصْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْخِصَالِ.
قَوْلُهُ: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ} [الإسراء: 94] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا} [الإسراء: 94] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
وَهَذَا الاسْتِفْهَامُ عَلَى إِنْكَارٍ مِنْهُمْ.
أَيْ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولا فَلَوْ كَانَ مِنَ الْمَلائِكَةِ لآمَنَّا بِهِ.(1/163)
قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: {قُلْ لَوْ كَانَ} [الإسراء: 95] مَعَهُ.
{فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ} [الإسراء: 95] قَدِ اطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ، أَيْ: هِيَ مَسْكَنُهُمْ.
{لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولا} [الإسراء: 95] وَلَكِنْ فِيهَا بَشَرٌ، فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ بَشَرًا مِثْلَهُمْ.
{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الإسراء: 96] أَنِّي رَسُولُهُ.
{إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا} [الإسراء: 96] .
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} [الإسراء: 97] وَلا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُضِلَّهُ.
{وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ} [الإسراء: 97] وَقَالَ يَحْيَى: أَوْلِيَاءٌ مِنْ دُونِهِ، يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
قَالَ: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا} [الإسراء: 97] إِمَّا عُمْيًا: فَعَمُوا فِي النَّارِ حِينَ دَخَلُوهَا فَلَمْ يُبْصِرُوا فِيهَا شَيْئًا، وَهِيَ سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ لا يُضِيءُ لَهَبُهَا.
وَبُكْمًا: خُرْسًا، انْقَطَعَ كَلامُهُمْ حِينَ قَالَ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَصُمًّا: ذَهَبَ الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ بِسَمْعِهِمْ فَلا يَسْمَعُونَ مَعَهُ شَيْئًا.
وَقَالَ فِي آية أُخْرَى: {وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 100] .
قَوْلُهُ: {كُلَّمَا خَبَتْ} [الإسراء: 97] وَخُبُوُّهَا أَنَّهَا تَأْكُلُ كُلَّ شَيْءٍ: الْجِلْدَ، وَالْعَظْمَ، وَالشَّعْرَ، وَالْبَشَرَ، وَالأَحْشَاءَ، حَتَّى تَهْجِمَ عَلَى الْفُؤَادِ، فَلا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ تَأْكُلَ أَفْئِدَتَهُمْ، فَإِذَا انْتَهَتْ إِلَى الْفُؤَادِ خَبَتْ، سَكَنَتْ فَلَمْ تَشْعُرْ بِهِمْ وَتَرَكَتْ فُؤَادَهُ تَصِيحُ، ثُمَّ يُجَدَّدُ خَلْقُهُمْ فَيَعُودُ فَتَأْكُلُهُمْ.
فَلا يَزَالُونَ كَذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56] .
وَقَالَ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: {كُلَّمَا خَبَتْ} [الإسراء: 97] كُلَّمَا طُفِئَتْ أُسْعِرَتْ.(1/164)
قَوْلُهُ: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: 98] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِكَائِنٍ، يُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ.
قَالَ اللَّهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [الإسراء: 99] وَهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25] .
فَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، وَاللَّهُ خَلَقَهُمْ فَهُوَ {قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [الإسراء: 99] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
وَقَالَ فِي آية أُخْرَى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81] .
قَالَ: {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلا لا رَيْبَ فِيهِ} [الإسراء: 99] لا شَكَّ فِيهِ، الْقِيَامَةَ.
{فَأَبَى الظَّالِمُونَ} [الإسراء: 99] الْمُشْرِكُونَ.
{إِلا كُفُورًا} [الإسراء: 99] بِالْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100] .
قَالَ: {إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100] قَالَ قَتَادَةُ: خَشْيَةَ الْفَاقَةِ.
{وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا} [الإسراء: 100] بَخِيلا، يَقْتُرُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ.
يُخْبِرُ أَنَّهُمْ بُخَلاءُ أَشِحَّاءُ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بَخِيلا، مَسِيكًا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: يَدَهُ، وَعَصَاهُ، وَالطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالدَّمَ، {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130] .
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ} [الإسراء: 101] يَقُولُ لِلنَّبِيِّ: {فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ} [الإسراء: 101] مُوسَى.
{فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا {101} قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ} [الإسراء: 101-102] ، يَعْنِي: الآيَاتِ.(1/165)
{إِلا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: 102] حُجَجٌ.
قَالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ يَا فِرْعَوْنَ.
وَهَذَا مَقْرَأُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْعَامَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ اللَّهُ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] وَقَرَأَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ عَنْهُ، قَالَ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ} [الإسراء: 102] ، مُوسَى يَقُولُهُ.
أَيْ: قَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ الآيَاتِ {إِلا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الإسراء: 102] .
قَوْلُهُ: {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا} [الإسراء: 102] المعَلَى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: «مَحْسُورًا» ، أَيْ: يَدْعُو بِالْحَسْرَةِ وَالثُّبُورِ فِي النَّارِ.
قَالَ يَحْيَى: الدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَالْهَلاكِ.
قَالَ: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] وَيْلا وَهَلاكًا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {مَثْبُورًا} [الإسراء: 102] ، أَيْ: مُهْلِكًا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {مَثْبُورًا} [الإسراء: 102] مَلْعُونًا.
قَوْلُهُ: {فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ} [الإسراء: 103] أَنْ يُخْرِجَهُمْ.
{مِنَ الأَرْضِ} [الإسراء: 103] أَرْضِ مِصْرَ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقْتُلُهُمْ، يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِالْقَتْلِ.
{فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا {103} وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} [الإسراء: 103-104] الْقِيَامَةُ.
{جِئْنَا بِكُمْ} [الإسراء: 104] ، يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَفِرْعَوْنَ، وَقَوْمَهُ.(1/166)
{لَفِيفًا} [الإسراء: 104] جَمِيعًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: {وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ} [الإسراء: 105] الْقُرْآنَ.
{وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا} [الإسراء: 105] بِالْجَنَّةِ.
{وَنَذِيرًا} [الإسراء: 105] تُنْذِرُ النَّاسَ.
{وَقُرْءَانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا} [الإسراء: 106] أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
{وَقُرْءَانًا فَرَقْنَاهُ} [الإسراء: 106] ، مَنْ قَرَأَهَا بِالتَّخْفِيفِ قَالَ: فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْحَلالِ وَالْحَرَامِ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا مُثَقَّلَةً فَرَّقْنَاهُ.
قَالَ: فَرَّقَهُ اللَّهُ؛ فَأَنْزَلَهُ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ، وَشَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ، وَعَامًا بَعْدَ عَامٍ، حَتَّى بَلَغَ بِهِ مَا أَرَادَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُكْثٌ: عَلَى تَرَسُّلٍ فِي قُرَيْشٍ.
- هَمَّامٌ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُ نُجُومًا: ثَلاثَ آيَاتٍ، وَأَرْبَعَ وَخَمْسَ آيَاتٍ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ.
ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ} [الواقعة: 75] .
قَوْلُهُ: {قُلْ آمِنُوا بِهِ} [الإسراء: 107] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، يَقُولُ: قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ.
{أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ} [الإسراء: 107] قَبْلَ الْقُرْآنِ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
{إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [الإسراء: 107] الْقُرْآنُ.
{يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا} [الإسراء: 107] لِلْوُجُوهِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.(1/167)
{وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا {108} وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا {109} } [الإسراء: 108-109] وَالْخُشُوعُ: الْخَوْفُ الثَّابِتُ فِي الْقَلْبِ.
قَوْلُهُ: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: أَمَّا اللَّهُ فَنَعْرِفُهُ، وَأَمَّا الرَّحْمَنُ فَلا نَعْرِفُهُ، فَقَالَ اللَّهُ: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] .
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ أَنَّهُ هُوَ اللَّهُ وَهُوَ الرَّحْمَنُ.
قَالَ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا} [الإسراء: 110] قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هِيَ بِلِسَانِ كَلْبٍ.
يَقُولُ: تَدْعُوا أَيَّ الاسْمَيْنِ دَعَوْتُمُوهُ بِهِ.
{فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] وَقَالَ: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي} [الرعد: 30] أَبُو الأَشْعَثِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: اللَّهُ وَالرَّحْمَنُ اسْمَانِ مَمْنُوعَانِ، لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَنْتَحِلَهُمَا.
قَوْلُهُ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ هُوَ بِمَكَّةَ كَانَ يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ، فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ وَرَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ صَوْتَهُ فَآذَوْهُ، وَإِنْ خَفَضَ صَوْتَهُ لَمْ يُسْمِعْ مَنْ خَلْفَهُ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَبْتَغِيَ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي حَدِيثِ الأَعْمَشِ: حَتَّى لا يَسْمَعَكَ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّوكَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إِذَا سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ صَوْتَهُ رَمَوْهُ بِكُلِّ خَبَثٍ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَغُضَّ مِنْ صَوْتِهِ وَأَنْ يَقْتَصِدَ فِي صَلاتِهِ، وَكَانَ يُقَالُ: مَا أَسْمَعْتَ أُذُنَيْكَ فَلَيْسَ تَخَافُتٌ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] فِي(1/168)
الدُّعَاءِ وَالْمَسْأَلَةِ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنَ الصَّلاةِ سِرًّا، وَمِنْهَا جَهْرًا، فَلا تَجْهَرْ فِيمَا تُسِرُّ فِيهِ، وَلا تُسِرَّ فِيمَا تَجْهَرُ فِيهِ، وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا.
قَالَ يَحْيَى: هِيَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: أَيْ تَجْهَرْ فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ وَتُسِرَّ فِيمَا يُسَرُّ فِيهِ.
- عُثْمَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ وَهُوَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ يُخْفِي صَوْتَهُ، وَسَمِعَ عُمَرَ وَهُوَ يُجْهِرُ صَوْتَهُ، وَسَمِعَ بِلالا وَهُوَ يَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ، فَقَالَ لأَبِي بَكْرٍ: لِمَ تُخْفِي صَوْتَكَ؟ قَالَ: إِنَّ الَّذِي أُنَاجِي لَيْسَ بِبَعِيدٍ.
فَقَالَ: صَدَقْتَ.
وَقَالَ لِعُمَرَ: لِمَ تُجْهِرُ صَوْتَكَ؟ قَالَ: أُرْضِي الرَّحْمَنَ، وَأُرْغِمُ الشَّيْطَانَ، وَأُوقِظُ الْوَسْنَانَ.
قَالَ: صَدَقْتَ.
وَقَالَ لِبِلالٍ: لِمَ تَقْرَأُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ؟ فَقَالَ: أَخْلِطُ طَيِّبًا بِطَيِّبٍ قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَرْفَعَ مِنْ صَوْتِهِ، وَأَمَرَ عُمَرَ أَنْ يُخْفِضَ مِنْ صَوْتِهِ، وَأَمَرَ بِلالا إِذَا أَخَذَ فِي سُورَةٍ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا.
وَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} [الإسراء: 110] .
قَوْلُهُ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء: 111] يَتَكَثَّرُ بِهِ مِنَ الْقِلَّةِ.
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء: 111] خَلَقَ مَعَهُ شَيْئًا.
{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111] يَتَعَزَّزُ بِهِ.
{وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] عَظِّمْهُ تَعْظِيمًا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُعَلِّمُهَا الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ مِنْ أَهْلِهِ.
سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء: 111] ، قَالَ: لَمْ يَكْنُ لَهُ حَلِيفٌ وَلا نَاصِرٌ مِنْ خَلْقِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَاحِبٌ يَتَعَزَّزُ بِهِ مِنْ ذُلٍّ.(1/169)
حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: فُتِحَتِ التَّوْرَاةُ بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام: 1] ، وَخُتِمَتْ بـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء: 111] .
- الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ لَسْتَ بِإِلَهٍ اسْتَحْدَثَنَاهُ، وَلا بِرَبٍّ يَبِيدُ ذِكْرُهُ، وَلا مَلِيكٍ مَعَهُ شُرَكَاءُ يَقْضُونَ مَعَهُ، وَلا كَانَ قَبْلَكَ إِلَهٌ نَدْعُوهُ وَنَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، وَلا أَعَانَكَ عَلَى خَلْقِنَا أَحَدٌ فَنَشُكَّ فِيكَ، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ، اغْفِرْ لِي إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أَنْتَ.(1/170)
الكهف
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْكَهْفِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [سورة الكهف: 1] حَمِدَ نَفْسَهُ، وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ.
{الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ} [الكهف: 1] مُحَمَّدٍ.
{الْكِتَابَ} [الكهف: 1] الْقُرْآنَ.
{وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا {1} قَيِّمًا} [الكهف: 1-2] فِيهَا تَقْدِيمٌ.
يَقُولُ: أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ قَيِّمًا وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: أَنْزَلَهُ قَيِّمًا لا عِوَجَ فِيهِ وَلا اخْتِلافَ.
{لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} [الكهف: 2] عَذَابًا شَدِيدًا.
{مِنْ لَدُنْهُ} [الكهف: 2] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ مِنْ عِنْدِهِ، مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
{وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} [الكهف: 2] عِنْدَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: 132] .
قَوْلُهُ: {مَاكِثِينَ فِيهِ} [الكهف: 3] فِي ذَلِكَ الثَّوَابِ، وَهُوَ الْجَنَّةُ.
{أَبَدًا {3} وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا {4} مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [الكهف: 3-5] أَنَّ(1/171)
لِلَّهِ وَلَدًا.
{وَلا لآبَائِهِمْ} [الكهف: 5] قَبْلَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي الشِّرْكِ.
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف: 5] هِيَ عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ عَمَلٌ فِي بَابِ كَانَ.
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَأُهَا بِالرَّفْعِ: كَلِمَةٌ، يَقُولُ: كَبُرَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ أَنْ قَالُوا: إِنَّ لِلَّهِ وَلَدًا.
قَالَ: {إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا} [الكهف: 5] قَوْلُهُ: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف: 6] قَاتِلٌ نَفْسَكَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَالْعَامَّةِ.
{عَلَى آثَارِهِمْ} [الكهف: 6] ...
{أَسَفًا} [الكهف: 6] ، أَيْ: حُزْنًا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَيْ: حُزْنًا عَلَيْهِمْ {إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ} [الكهف: 6] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
أَيْ: فَلا تَفْعَلْ.
فِيهَا تَقْدِيمٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {أَسَفًا} [الكهف: 6] ، أَيْ: غَضَبًا.
قَالَ يَحْيَى: مِثْلَ قَوْلِهِ: {فَلَمَّا آسَفُونَا} [الزخرف: 55] أَغْضَبُونَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَسَفًا، جَزَعًا.
ذَكَرَهُ عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ.
قَوْلُهُ: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ} [الكهف: 7] لِنَخْتَبِرَهُمْ.
{أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الكهف: 7] أَيُّهُمْ أَطْوَعُ لِلَّهِ، وَقَدْ عَلِمَ مَا هُمْ فَاعِلُونَ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا} [الكهف: 8] مَا عَلَى الأَرْضِ.
{صَعِيدًا جُرُزًا} [الكهف: 8] وَالْجُرُزُ هَاهُنَا: الْخَرَابُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَجَرٌ وَلا بِنَاءٌ.(1/172)
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: بَلْقَعًا.
قَالَ يَحْيَى: وَهِيَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَيْثُ قَالُوا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ} [السجدة: 27] الْيَابِسَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا} [السجدة: 27] .
قَوْلُهُ: {أَمْ حَسِبْتَ} [الكهف: 9] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: أَفَحَسِبْتَ.
{أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا} [الكهف: 9] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ قَدْ كَانَ فِي آيَاتِنَا مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: هُوَ عَجَبٌ.
قَالَ يَحْيَى: مَعْنَى تَفْسِيرِ قَتَادَةَ يَقُولُ: لَيْسَ هُمْ أَعْجَبُ آيَاتِنَا.
وَالْكَهْفُ: كَهْفُ الْجَبَلِ.
وَالرَّقِيمُ: الْوَادِي الَّذِي فِيهِ الْكَهْفُ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
قَالَ: {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا} [الكهف: 10] أَعْطِنَا.
{مِنْ لَدُنْكَ} [الكهف: 10] مِنْ عِنْدِكَ.
{رَحْمَةً} [الكهف: 10] ، يَعْنِي: رِزْقًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] كَانُوا قَوْمًا قَدْ آمَنُوا، فَرُّوا بِدِينِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَإِنَّ قَوْمَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَخَشَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمُ الْقَتْلَ.
قَالَ: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا {11} ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا {12} } [الكهف: 11-12] الْمُنْتَهَى الَّذِي بُعِثُوا فِيهِ، أَيْ: لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ عِلْمٌ لا لِكَافِرِهِمْ وَلا لِمُؤْمِنِهِمْ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {أَمَدًا} [الكهف: 12] ، عَدَدًا، أَيْ: لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عِلْمٌ بِمَا لَبِثُوا.
قَالَ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف: 13] خَبَرَهُمْ بِالْحَقِّ.(1/173)
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] ، يَعْنِي: إِيمَانًا.
{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف: 14] بِالإِيمَانِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
{إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف: 14] جَوْرًا، أَيْ: كَذِبًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
{هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا} [الكهف: 15] هَلا.
{يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ} [الكهف: 15] بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ.
تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ فِي هَذَا الْحَرْفِ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ: حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ فِيهِ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ: عُذْرٌ بَيِّنٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: أَيْ: بِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ.
قَالَ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [الكهف: 15] ، أَيْ: لا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ فِي تَفسِيرِ الْحَسَنِ.
قَالَ: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ} [الكهف: 16] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} [الكهف: 16] ، أَيْ: وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ: وَمَا يَعْبُدُونَ سِوَى اللَّهِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
وَهَذَا تَفْسِيرُهَا.
{فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 16] ، يَعْنِي: فَانْتَهَوْا إِلَى الْكَهْفِ.
{يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ} [الكهف: 16] ، يَعْنِي: يَبْسُطُ لَكُمْ رَبُّكُمْ.
{مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا} [الكهف: 16] .
قَالَ: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ} [الكهف: 17] تَعْدِلُ عَنْ كَهْفِهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: تَمِيلُ.
{ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 17] وقَالَ قَتَادَةُ: تَدَعُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ.
{وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 17] ، يَقُولُ:(1/174)
تَدَعُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لا تَدْخُلُ الشَّمْسُ كَهْفَهُمْ عَلَى حَالٍ.
{وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ} [الكهف: 17] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ فِي قَضَاءٍ مِنَ الْكَهْفِ.
وَتِلْكَ آيَةٌ.
قَالَ: {ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا {17} } [الكهف: 17-17] .
قَالَ: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ} [الكهف: 18] مُفَتَّحَةٌ أَعْيُنُهُمْ وَهُمْ مَوْتَى.
{وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} [الكهف: 18] قَالَ قَتَادَةُ: ذَاكَ فِي رَقْدَتِهِمُ الأُولَى قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا.
قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ أَبُو عِيَاضٍ: لَهُمْ فِي كُلِّ عَامٍ تَقْلِيبَتَانِ.
{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} [الكهف: 18] قَالَ قَتَادَةُ: بِفِنَاءِ الْكَهْفِ.
{لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} [الكهف: 18] لِحَالِهِمْ.
{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] وَكَانُوا دَخَلُوا الْكَهْفَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ.
قَالَ: فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ قَدْ بَقِيَ مِنَ الشَّمْسِ بَقِيَّةٌ، فَقَالُوا: {أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] ، ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فَرَدُّوا عِلْمَ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ.
فـ {قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ} [الكهف: 19] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} [الكهف: 19] ، أَيْ: بِدَرَاهِمِكُمْ هَذِهِ.
{إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف: 19] وَكَانَتْ مَعَهُمْ دَارَهِمُ.
{فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف: 19] سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: أَيُّهَا أَحَلُّ.
قَالَ يَحْيَى: وَقَدْ كَانَ مِنْ طَعَامِ قَوْمِهِمْ مَا لا يَسْتَحِلُّونَ أَكْلَهُ.(1/175)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَطْيَبُ.
{فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ} [الكهف: 19] لا يُعْلِمَنَّ.
{بِكُمْ أَحَدًا {19} إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} [الكهف: 19-20] يَقْتُلُوكُمْ بِالْحِجَارَةِ.
{أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ} [الكهف: 20] فِي الْكُفْرِ.
{وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 20] إِنْ فَعَلْتُمْ.
قَالَ: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} [الكهف: 21] قَالَ قَتَادَةُ: أَطْلَعْنَا عَلَيْهِمْ، عَلَى أَصْحَابِ الْكَهْفِ، أَطْلَعْنَا أَهْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي أَحْيَاهُمُ اللَّهُ فِيهِ وَلَيْسَ بِحَيَاةِ النُّشُورِ.
{لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} [الكهف: 21] كَانَتْ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّذِينَ هَرَبُوا مِنْهُمْ قَدْ بَادَتْ وَخُلِقَتْ بَعْدَهُمْ أُمَّةٌ أُخْرَى، وَكَانُوا عَلَى الإِسْلامِ.
ثُمَّ إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْبَعْثِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُبْعَثُ النَّاسُ فِي أَجْسَادِهِمْ.
وَهَؤُلاءِ الْمُؤْمِنُونَ، وَكَانَ الْمَلِكُ مِنْهُمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُبْعَثُ الأَرْوَاحُ بِغَيْرِ أَجْسَادٍ فَكَفَرُوا، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكِتَابِ الْيَوْمَ.
فَاخْتَلَفُوا، فَبَعَثَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْكَهْفِ آيَةً لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} [النبأ: 38] رُوحُ كُلِّ شَيْءٍ فِي جَسَدِهِ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] .
فَلَمَّا بَعَثَ أَصْحَابُ الْكَهْفِ صَاحِبَهُمْ بِالدَّرَاهِمِ لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ بِهَا طَعَامًا وَهُمْ(1/176)
يَرَوْنَ أَنَّهَا تِلْكَ الأُمَّةُ الْمُشْرِكَةُ الَّذِينَ فَرُّوا مِنْهُمْ، فَأَمَرُوا صَاحِبَهُمْ أَنْ يَتَلَطَّفَ وَلا يُشْعِرَ بِهِمْ أَحَدًا.
فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ بِالرُّومِ يُقَالُ لَهَا: فسوس، فَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ؛ لِيَشْتَرِيَ بِهَا الطَّعَامَ، اسْتُنْكِرَتِ الدَّرَاهِمُ وَأُخِذَ، فَذُهِبَ بِهِ إِلَى مَلِكِ الْمَدِينَةِ، فَإِذَا الدَّرَاهِمُ دَرَاهِمُ الْمَلِكِ الَّذِي فَرُّوا مِنْهُ.
فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ وَجَدَ كَنْزًا.
فَلَمَّا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُعَذَّبَ أَطْلَعَ عَلَى أَصْحَابِهِ.
فَقَالَ لَهُمُ الْمَلِكُ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكُمْ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَأَعْلَمَكُمْ أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ فِي أَجْسَادِهِمْ.
فَرَكِبَ الْمَلِكُ وَالنَّاسُ مَعَهُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْكَهْفِ، وَتَقَدَّمُ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا دَخَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَرَآهُمْ وَرَأَوْهُ مَاتُوا؛ لأَنَّهُمْ قَدْ كَانَتْ أَتَتْ عَلَيْهِمْ آجَالُهُمْ.
فَقَالَ الْقَوْمُ: كَيْفَ نَصْنَعُ بِهَؤُلاءِ؟ {فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا} [الكهف: 21] فـ {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} [الكهف: 21] رُؤَسَاؤُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُؤْمِنُوهُمْ.
{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَنَّهُمْ كَانُوا بَنِي الأَكْفَاءِ وَالرُّقَبَاءِ، مُلُوكِ الرُّومِ، رَزَقَهُمُ اللَّهُ الإِسْلامَ فَفَرُّوا بِدِينِهِمُ، اعْتَزَلُوا قَوْمَهُمْ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْكَهْفِ، فَضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ.
فَلَبِثُوا دَهْرًا طَوِيلا حَتَّى هَلَكَتْ أُمَّتُهُمْ وَجَاءَتْ أُمَّةٌ مُسْلِمَةٌ.
وَكَانَ مَلِكُهُمْ مُسْلِمًا، فَاخْتَلَفُوا فِي الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، فَقَالَ قَائِلُونَ: يُبْعَثُ الأَرْوَاحُ وَالْجَسَدُ مَعًا، وَقَالَ قَائِلُونَ: يُبْعَثُ الرُّوحُ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَتَأْكُلُهُ الأَرْضُ وَلا يَكُونُ شَيْئًا.
فَشَقَّ عَلَى مَلِكِهِمُ اخْتِلافُهُمْ، فَانْطَلَقَ فَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَقَعَدَ عَلَى الرَّمَادِ، ثُمَّ دَعَا اللَّهَ، فَقَالَ: رَبِّ إِنَّكَ قَدْ تَرَى اخْتِلافَ هَؤُلاءِ فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ آيَةً تُبَيِّنُ لَهُمْ.
فَبَعَثَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْكَهْفِ، فَبَعَثُوا أَحَدَهُمْ لِيَشْتَرِيَ لَهُمْ مِنَ الطَّعَامِ، فَجَعَلَ يُنْكِرُ الْوُجُوهَ وَيَعْرِفُ الطُّرُقَ وَرَأَى الإِيمَانَ فِي الْمَدِينَةِ ظَاهِرًا.
فَانْطَلَقَ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَجُلٍ لِيَشْتَرِيَ مِنْ طَعَامِهِ، فَلَمَّا أَبْصَرَ صَاحِبُ الطَّعَامِ الْوَرِقَ أَنْكَرَهَا.
قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَلَيْسَ مَلِكُكُمْ فُلانًا؟ قَالَ: لا، بَلْ مَلِكُنَا فُلانٌ.
فَلَمْ يَزَالا بَيْنَهُمَا حَتَّى(1/177)
رَفَعَهُ إِلَى الْمَلِكِ، فَأَخْبَرَهُ صَاحِبُ الْكَهْفِ بِحَدِيثِهِ وَأَمَرَهُ.
فَبَعَثَ الْمَلِكُ فِي النَّاسِ فَجَمَعَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّكُمُ اخْتَلَفْتُمْ فِي الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ آيَةً وَبَيَّنَ لَكُمُ الَّذِي اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، فَهَذَا رَجُلٌ مِنْ قَوْمِ فُلانٍ، يَعْنِي مَلِكَهُمُ الَّذِي مَضَى، فَقَالَ صَاحِبُ الْكَهْفِ: انْطَلِقُوا إِلَى أَصْحَابِي.
فَرَكِبَ الْمَلِكُ وَرَكِبَ مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الْكَهْفِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: دَعُونِي حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى أَصْحَابِي.
فَلَمَّا أَبْصَرَهُمْ وَأَبْصَرُوهُ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ.
فَدَخَلَ النَّاسُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَجْسَادٌ لا يُنْكِرُونَ مِنْهَا شَيْئًا غَيْرَ أَنَّهُ لا أَرْوَاحَ فِيهَا.
فَقَالَ الْمَلِكُ: هَذِهِ آيَةٌ بَعَثَهَا اللَّهُ لَكُمْ.
{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} [الكهف: 21] مُلُوكُهُمْ وَأَشْرَافُهُمْ.
{لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا} [الكهف: 21] قَالَ اللَّهُ: {سَيَقُولُونَ} [الكهف: 22] سَيَقُولُ أَهْلُ الْكِتَابِ.
{ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ} [الكهف: 22] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ قَذْفًا بِالْغَيْبِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: رَمْيًا بِقَوْلِ الظَّنِّ.
{وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنْهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلا قَلِيلٌ} [الكهف: 22] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: إِلا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ.
وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّا مِنْ أُولَئِكَ الْقَلِيلِ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ، كَانُوا سَبْعَةً وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ.
قَالَ: {فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22] يَقُولُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ: فَلا تُمَارِ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ {إِلا مِرَاءً ظَاهِرًا} [الكهف: 22] إِلا بِمَا أَخْبَرْتُكَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وقَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: حَسْبُكَ مَا قَصَصْتُ عَلَيْكَ مِنْ شَأْنِهِمْ.
{وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ} [الكهف: 22] فِي أَصْحَابِ الْكَهْفِ.
{مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 22] مِنَ الْيَهُودِ.
يَقُولُ: لا تَسَلْ عَنْهُمْ مِنَ الْيَهُودِ أَحَدًا.
وَهُمُ الَّذِينَ سَأَلُوهُ عَنْهُمْ لِيُعَنِّتُوهُ بِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا {23} إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23-24] يَقُولُ إِلا أَنْ تَسْتَثْنِيَ.(1/178)
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ: «أُخْبِرُكُمْ عَنْهُمْ غَدًا» ، فَلَمْ يَسْتَثْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
قَالَ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24] إِذَا نَسِيتَ الاسْتِثْنَاءَ.
{وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا} [الكهف: 24] وَمَتَى مَا ذَكَرَ الَّذِي حَلَفَ فَلْيَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ لأَنَّ اللَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَاسْتَثْنَى قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بَيْنَ الْيَمِينِ وَبَيْنَ الاسْتِثْنَاءِ بِشَيْءٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ، وَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ اسْتَثْنَى بَعْدَ مَا تَكَلَّمَ بَعْدَ الْيَمِينِ قَبْلَ الاسْتِثْنَاءِ، مَتَى مَا اسْتَثْنَى فَالْكَفَّارَةُ لازِمَةٌ لَهُ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْمَأْثَمُ حَيْثُ اسْتَثْنَى؛ لأَنَّهُ كَانَ رَكِبَ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ تَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الاسْتِثْنَاءِ، أَيْ: لا يَقُولُ: إِنِّي أَفْعَلُ حَتَّى يَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلا يَقُولُ: لا أَفْعَلُ حَتَّى يَقُولَ:
إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
عَمَّارٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أُمِرَ أَلا يَقُولَ لِشَيْءٍ فِي الْغَيْبِ: إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا دُونَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ، إِلا أَنْ يَنْسَى الاسْتِثْنَاءَ، وَأُمِرَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ إِذَا ذَكَرَهُ.
فَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلاسْتِثْنَاءِ فَلَمْ يَسْتَثْنِ فَلا ثُنْيَا لَهُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ نَاسٍ لِلاسْتِثْنَاءِ فَلَهُ ثُنْيَاهُ، مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ، تَكَلَّمَ أَوْ لَمْ يَتَكَلَّمْ مَا لَمْ يَقُمْ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا حَلَفَ ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ.
- حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ فَعَلَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ".
حَدَّثَنِي مُحِلٌّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: لَيْسَ الاسْتِثْنَاءُ بِشَيْءٍ حَتَّى تَجْهَرَ بِهِ كَمَا(1/179)
تَجْهَرُ بِالْيَمِينِ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ فِي قَلْبِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَتَكَلَّمَ بِهِ لِسَانُهُ.
الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرِهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ يَمِينَهُ، الإِطْلاقُ أَوْ عِتَاقٌ.
قَوْلُهُ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ} [الكهف: 25] ثُمَّ أَخْبَرَ مَا تِلْكَ الثَّلاثُ مِائَةٍ، فَقَالَ: {سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] ، أَيْ: تِسْعَ سِنِينَ.
تَفْسِيرُ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْكِتَابِ، رَجَعَ إِلَى أَوَّلِ الْكَلامِ: {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنْهُمْ} [الكهف: 22] ....
وَيَقُولُونَ: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25] قَالَ قَتَادَةُ: فَرَدَّ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ فَقَالَ: {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الكهف: 26] يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ.
{أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} [الكهف: 26] ، يَقُولُ: مَا أَبْصَرَهُ وَأَسْمَعَهُ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ: أَفْقِهْ بِهِ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لا أَحَدَ أَبْصَرَ مِنَ اللَّهِ وَلا أَسْمَعَ مِنَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} [الكهف: 26] يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
{وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26] وَهِيَ تُقْرَأُ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ.
يَقُولُونَ: وَلا تُشْرِكْ يَا مُحَمَّدُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا، يَقُولُ: حَتَّى تَجْعَلَهُ مَعَهُ شَرِيكًا فِي حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ وَأُمُورِهِ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ يَقُولُ: وَلا يُشْرِكُ اللَّهُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا.
قَوْلُهُ: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} [الكهف: 27] لا يَحْكُمُ فِي الآخِرَةِ بِخِلافِ مَا قَالَ فِي الدُّنْيَا.
هُوَ كَقَوْلِهِ: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 29] قَوْلُهُ: {وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الكهف: 27](1/180)
قَالَ قَتَادَةُ: وَلِيًّا وَلا مَوْلًى.
قَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف: 28] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُمَا الصَّلاتَانِ: صَلاةُ الْفَجْرِ وَصَلاةُ الْعَصْرِ.
وَإِنَّمَا فُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ قَبْلَ خُرُوجِ النَّبِيِّ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ.
نَزَلَتْ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، وَبِلالٍ، وَصُهَيْبٍ، وَخَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ.
قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ نُجَالِسَكَ فَاطْرُدْ عَنَّا هَؤُلاءِ الْقَوْمِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام: 52] .
{يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ} [الكهف: 28] مُحَقّرَةً لَهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ.
{تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 28]
الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف: 28] ، قَالَ: فِي الصَّلاةِ.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الكهف: 28] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أَصْبِرُ نَفْسِي مَعَهُ» ، أَوْ قَالَ: «مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُ» .
- أَشْعَثُ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِذِكْرِ اللَّهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ أَفْضَلُ مِنْ خَطْمِ السُّيُوفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمِنْ إِعْطَاءِ الْمَالِ سَحًّا» .
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ(1/181)
وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ أَمْسَكَ، وَرُئِيَ فِي نَفْسِهِ أَنَّ النَّبِيَّ أَحَقُّ بِالْمَجْلِسِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حَدَّثَ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً
مُحَرَّرِينَ» .
- الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأَنْ أُجَالِسَ قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ ثَمَانِيَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ» .
قَوْلُهُ: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الكهف: 28] ، يَعْنِي: شَهْوَتَهُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] ضَيَاعًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ.
وَقَالَ: كَانَ مُقَصِّرًا مُضَيِّعًا وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56] ، يَعْنِي: ضَيَّعْتُ وَقَصَّرْتُ.
قَالَ يَحْيَى: وَمِثْلُ قَوْلِهِ: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام: 31] .
قَالَ: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [الكهف: 29] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَهُوَ الْقُرْآنُ.
قَالَ: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] هَذَا وَعِيدٌ.
أَيْ: مَنْ آمَنَ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَفَرَ دَخَلَ النَّارَ.
قَالَ: {إِنَّا أَعْتَدْنَا} [الكهف: 29] أَعْدَدْنَا.
{لِلظَّالِمِينَ} [الكهف: 29] لِلْمُشْرِكِينَ.
{نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف: 29] سُورُهَا.
وَلَهَا عُمُدٌ، فَإِذَا مُدَّتْ تِلْكَ الْعُمُدُ أُطْبِقَتْ عَلَى أَهْلِهَا، وَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] فَإِذَا قَالَ(1/182)
ذَلِكَ أُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ {8} فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ {9} } [الهمزة: 8-9] .
قَوْلُهُ: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ} [الكهف: 29]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ هُدِيَتْ لَهُ سِقَايَةُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، فَأَمَرَ بِخُدُودٍ فَخُدَّتْ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ قَذَفَ فِيهَا مِنْ جَزْلِ الْحَطَبِ، ثُمَّ قَذَفَ فِيهَا تِلْكَ السِّقَايَةَ، حَتَّى إِذَا أَزْبَدَتْ وَامَّاعَتْ، قَالَ لِغُلامِهِ: ادْعُ مَنْ بِحَضْرَتِنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
فَدَعَا رَهْطًا، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ: أَتَرَوْنَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: مَا رَأَيْنَا فِي الدُّنْيَا شَبَهًا لِلْمُهْلِ أَدْنَى مِنْ هَذَا الذَّهَبِ وَهَذِهِ الْفِضَّةِ حِينَ أَزْبَدَ وَامَّاعَ.
عُثْمَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ: كَعَكَرِ الزَّيْتِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: الْمُهْلُ: الْقَيْحُ وَالدَّمُ.
قَوْلُهُ: {يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف: 29] يَحْرِقُ الْوُجُوهَ إِذَا أَهْوَى لِيَشْرَبَهُ.
{بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29] قَالَ قَتَادَةُ: مَنْزِلا وَمَأْوًى، يَعْنِي النَّارَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، عَنْ أَبِيهِ: {وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29] مُجْتَمَعًا.
وَقَوْلُهُ: {وَسَاءَتْ} [الكهف: 29] بِئْسَ الْمَنْزِلُ وَالْمَأْوَى هِيَ.
وَهَذَا وَعِيدٌ لِمَنْ كَفَرَ.
ثُمَّ أَخْبَرَ بِوَعْدِهِ لِمَنْ آمَنَ فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا {30} أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ} [الكهف: 30-31] قَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.(1/183)
قَوْلُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الكهف: 31] ابْنُ لَهِيعَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَوْ بَدَا إِسْوَارُهُ لَغَلَبَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ» .
وَأَخْبَرَنِي بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلا وَفِي يَدِهِ ثَلاثَةُ أَسْوِرَةٍ: إِسْوَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَإِسْوَارٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَإِسْوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ.
قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [فاطر: 33] ، وَقَوْلُهُ: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 21] .
قَوْلُهُ: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: 31] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: أَمَّا السُّنْدُسُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ.
قَالَ يَحْيَى: السُّنْدُسُ الَّذِي قَالَ عِكْرِمَةُ يُعْمَلُ بِالسُّوسِ، وَهُوَ الْخَزُّ.
قَالَ عِكْرِمَةُ: وَأَمَّا الإِسْتَبْرَقُ: فَالدِّيبَاجُ الْغَلِيظُ.
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: هِيَ بْالْفَارِسِيَّةِ اسْتَبْرَهْ.
- قَوْلُهُ: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ} [الكهف: 31] حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَلَى السُّرِرِ فِي الْحِجَالِ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهَا أَيْضًا مَزْمُولَةٌ بِقُضْبَانِ اللُّؤْلُؤِ الرَّطْبِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَرْمُولَةٌ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ.
وَحَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: يُعَانِقُ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ قَدْرَ عُمُرِ الدُّنْيَا كُلِّهِ لا يَمَلُّهَا وَلا تَمَلُّهُ.
- وَبَلَغَنِي عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ:(1/184)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ فِي الْجَنَّةِ لَيَتَنَعَّمُ فِي تكاةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعِينَ عَامًا» .
- وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَّكِئُ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ فَيَنْظُرُ إِلَى زَوْجَتِهِ كَذَا وَكَذَا سَنَةً، ثُمَّ يَتَّكِئُ عَلَى الشِّقِّ الآخَرِ فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا مِثْلَ ذَلِكَ فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ وَلَهَا أَلْفُ بَابٍ وَلَهُ فِيهَا سَبْعُ مِائَةِ امْرَأَةٍ.
قَوْلُهُ: {نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 31] مَنْزِلا وَمَأْوًى، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا {32} كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف: 32-33] أَطْعَمَتْ ثَمَرَتَهَا.
قَالَ: وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا {قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أَيْ: وَلَمْ تُنْقِصْ مِنْهُ شَيْئًا.
} وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا { [الكهف: 33] بَيْنَهُمَا نَهْرًا.
} وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ { [الكهف: 34] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: ثُمْرٌ وَهُوَ الأَصْلُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الْمَالِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ.
وَثَمَرٌ وَهِيَ الثَّمَرَةُ.
} فَقَالَ لِصَاحِبِهِ { [الكهف: 34] بَلَغَنَا أَنَّهُمَا كَانَا أَخَوَيْنِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَرِثَا عَنْ أَبِيهِمَا مَالا فَاقْتَسَمَاهُ، فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةَ آلافِ دِينَارٍ.
فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ مُؤْمِنًا فَأَنْفَقَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَقَدَّمَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ كَافِرًا فَاتَّخَذَ بِهَا الأَرَضِينَ وَالْجِنَانَ وَالدُّورَ وَالرَّقِيقَ وَتَزَوَّجَ.
فَاحْتَاجَ الْمُؤْمِنُ وَلَمْ يَبْقَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ.
فَجَاءَ إِلَى أَخِيهِ يَزُورُهُ وَيَتَعَرَّضُ لِمَعْرُوفِهِ.
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: فَأَيْنَ مَا وَرِثْتَ؟ قَالَ: أَقْرَضْتُهُ رَبِّي، وَقَدَّمْتُهُ لِنَفْسِي.
فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ: لَكِنِّي اتَّخَذْتُ بِهِ لِنَفْسِي وَلِوَلَدِي مَا قَدْ رَأَيْتَ.(1/185)
قَالَ اللَّهُ:} فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ { [الكهف: 34] وَالْمُحَاوَرَةُ: مُرَاجَعَةُ الْكَلامِ.
} أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا { [الكهف: 34] أَكْثَرُ رِجَالا وَنَاصِرًا.
قَالَ اللَّهُ:} وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ { [الكهف: 35] ، يَعْنِي: بِشِرْكِهِ.
} قَالَ مَا أَظُنُّ { [الكهف: 35] مَا أُوقِنُ.
} أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا { [الكهف: 35] ، أَيْ: تَفْنَى هَذِهِ أَبَدًا.
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ لَيْسَ يَعْنِي أَنَّهَا لا تَفْنَى فَتَذْهَبُ وَلَكِنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ يَعِيشُ فِيهِ حَتَّى يَأْكُلَهَا حَيَاتَهُ، كَقَوْلِهِ:} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ { [الهمزة: 3] ، أَيْ: يَحْسَبُ أَنَّهُ يُخَلَّدُ فِي مَالِهِ حَتَّى يَأْكُلَهُ.
} وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً { [الكهف: 36] وَمَا أُوقِنُ أَنَّ السَّاعَةَ قَائِمَةٌ.
يَجْحَدُ بِالْبَعْثِ.
} وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا { [الكهف: 36] مِنْ جَنَّتِي.
} مُنْقَلَبًا { [الكهف: 36] فِي الآخِرَةِ إِنْ كَانَتْ آخِرَةٌ، كَقَوْلِهِ:} وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى { [فصلت: 50] الْجَنَّةُ إِنْ كَانَتْ جَنَّةٌ، أَيْ وَلَكِنْ لَيْسَ جَنَّةٌ وَلا مَرَدٌّ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهُمَا مُنْقَلَبًا، يَعْنِي: الْجَنَّتَيْنِ، وَهِيَ فِي مَوْضِعٍ جَنَّةٌ وَفِي مَوْضِعٍ جَنَّتَانِ.
قَالَ:} وَدَخَلَ جَنَّتَهُ { [الكهف: 35] وَقَالَ:} جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ { [الكهف: 32] فَهِيَ جَنَّةٌ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ فَصَارَتْ جَنَّتَيْنِ، وَهِيَ جَنَّةٌ، وَهِيَ جَنَّتَانِ.
} قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ { [الكهف: 37] الْمُؤْمِنُ.
} وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ { [الكهف: 37] يَعْنِي أَوَّلَ خَلْقِ الإِنْسَانِ، يَعْنِي آدَمَ.
} ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا {37} لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا {38} وَلَوْلا { [الكهف: 37-39] فَهَلا.
} إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ { [الكهف: 39] .(1/186)
ثُمَّ قَالَ:} إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا {39} فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ { [الكهف: 39-40] فِي الآخِرَةِ.
} خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ { [الكهف: 40] نَارًا مِنَ السَّمَاءِ، أَيْ: عَذَابًا مِنَ السَّمَاءِ، وَهِيَ النَّارُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ:} فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا { [الكهف: 40] لا نَبَاتَ فِيهَا، وَالصَّعِيدُ الزَّلَقُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: الزَّلَقُ، التُّرَابُ الَّذِي لا نَبَاتَ فِيهِ.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: أَيْ قَدْ حُصِدَ مَا فِيهَا فَلَمْ يُتْرَكْ فِيهَا شَيْءٌ.
قَالَ:} أَوْ يُصْبِحَ { [الكهف: 41] ، يَعْنِي: أَوْ يَصِيرُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
} مَاؤُهَا غَوْرًا { [الكهف: 41] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَاهِبًا قَدْ غَارَ فِي الأَرْضِ.
} فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا { [الكهف: 41] قَدْ غَارَ فِي الأَرْضِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَالْغَوْرُ الَّذِي لا تَنَالُهُ الدِّلاءُ.
قَالَ اللَّهُ:} وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ { [الكهف: 42] مِنَ اللَّيْلِ.
} فَأَصْبَحَ { [الكهف: 42] مِنَ الْغَدِ قَائِمًا.
} يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ { [الكهف: 42] يُسَفِّقُ كَفَّيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى نَدَامَةً.
} عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا { [الكهف: 42] وَقَالَ قَتَادَةُ: تَلَهُّفًا عَلَى مَا فَاتَهُ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ:} وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ { [الكهف: 42] مِثْلُ قَوْلِهِ:} وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ { [الكهف: 34] : ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ.
قَالَ:} وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا { [الكهف: 42] قَالَ الْحَسَنُ: عُرُوشُهَا: التُّرَابُ، قَدْ ذَهَبَ مَا فِيهَا مِنَ النَّبَاتِ.(1/187)
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَقْلُوبَةٌ عَلَى رُءُوسِهَا.
} وَيَقُولُ { [الكهف: 42] فِي الآخِرَةِ.
} يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي { [الكهف: 42] فِي الدُّنْيَا.
أَحَدًا.
قَالَ اللَّهُ:} وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ { [الكهف: 43] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَشِيرَةٌ.
} يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ { [الكهف: 43] يَمْنَعُوهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
} وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا { [الكهف: 43] مُمْتَنِعًا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ:} هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ { [الكهف: 44] فِي الآخِرَةِ.
هُنَالِكَ يَتَوَلَّى اللَّهُ كُلَّ عَبْدٍ، لا يَبْقَى أَحَدٌ يَوْمَئِذٍ إِلا تَوَلَّى اللَّهُ، فَلا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنَ الْمُشْرِكِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي وِلايَةَ الدِّينِ.
هِيَ مَفْتُوحَةٌ عِنْدَهُ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِرَفْعِ الْحَقِّ، وَالآخَرُ بِجَرِّهِ.
فَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ يَقُولُ: هُنَاكَ الْوِلايَةُ الْحَقُّ لِلَّهِ، فِيهَا تَقْدِيمٌ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْجَرِّ يَقُولُ: لِلَّهِ الْحَقِّ.
وَالْحَقُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
} هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا { [الكهف: 44] خَيْرُ مَنْ أَثَابَ وَخَيْرٌ ثَوَابًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الأَوْثَانِ لِمَنْ عَبَدَهَا.
} وَخَيْرٌ عُقْبًا { [الكهف: 44] وَخَيْرُ مَنْ أَثَابَ.
قَوْلُهُ:} وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ { [الكهف: 45] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَالَ:} فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ { [الكهف: 45] هَشَّمَتْهُ الرِّيَاحُ فَأَذْهَبَتْهُ.
فَأَخْبَرَ أَنَّ الدُّنْيَا ذَاهِبَةٌ زَائِلَةٌ كَمَا ذَهَبَ ذَلِكَ النَّبَاتُ بَعْدَ بَهْجَتِهِ وَحُسْنِهِ.
} وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا { [الكهف: 45] قديرًا.(1/188)
قَوْلُهُ:} الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ [الكهف: 46] الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
- حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْحَمِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ هِيَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ.
وَبَعْضُهُمْ يَجْمَعُهَا جَمِيعًا.
هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
{خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا} [الكهف: 46] عَاقِبَةً.
{وَخَيْرٌ أَمَلا} [الكهف: 46] خَيْرُ مَا يَأْمَلُ الْعِبَادُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يُثَابُوهُ فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف: 47] مُسْتَوِيَةً.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهَا بِنَاءٌ وَلا شَجَرٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: لَيْسَ عَلَيْهَا خَمَرٌ وَلا غَيَايَةٌ.
قَالَ: {وَحَشَرْنَاهُمْ} [الكهف: 47] ، يَعْنِي: وَجَمَعْنَاهُمْ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47] أُحْضِرُوا فَلَمْ يَغِبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
{وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا} [الكهف: 48] صُفُوفًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: صَفًّا، يَعْنِي: جَمِيعًا.
- مَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ مُوسَى الْجُهَنِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ: " يَسُرُّكُمْ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: يَسُرُّكُمْ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: فَقَالَ: النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ وَأَنْتُمْ مِنْهَا ثَمَانُونَ صَفًّا ".
- الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ الأَنْبِيَاءُ وَأُمَمُهَا فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتْبَعُهُ مِنْ أُمَّتِهِ الثَّلاثَةُ، وَرَأَيْتُ(1/189)
النَّبِيَّ يَتْبَعُهُ مِنْ أُمَّتِهِ الْعِصَابَةُ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتْبَعُهُ مِنْ أُمَّتِهِ الرَّجُلانِ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ يَتْبَعُهُ مِنْ أُمَّتِهِ الْوَاحِدُ، وَرَأَيْتُ النَّبِيَّ لا يَتْبَعُهُ مِنْ أُمَّتِهِ أَحَدٌ، فَاهْتَمَمْتُ بِأُمَّتِي فَقُلْتُ: أَيْ رَبِّ، أُمَّتِي.
قَالَ: انْظُرْ هَاهُنَا.
فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الأُفُقُ سَادٍّ.
قَالَ: أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: انْظُرْ هَاهُنَا.
فَنَظَرْتُ فَإِذَا شِعَابُ مَكَّةَ وَظِرَابُهَا مَوَاشٍ نَاسًا.
قَالَ: أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ.
قَالَ: وَمَعَ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ.
فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ: مَا تَرَوْنَ هَؤُلاءِ؟ هَؤُلاءِ قَوْمٌ يُولَدُونَ فِي الإِسْلامِ لَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، لَمْ يُدْرِكُوا الْجَاهِلِيَّةَ وَلا جَهْلَهَا وَلا ضَلالَتَهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: مَا تَقُولُونَ؟ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: بَلْ هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَكْتَوُونَ، وَلا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.
فَقَامَ عُكَّاشَةُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ.
ثُمَّ قَالَ آخَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ.
قَالَ: سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ".
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الَّذِي يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، قَالَ: «يُعْرَفُ بِعَمَلِهِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَكِنْ مَنْ نُوقِشَ حِسَابًا فَذَلِكَ الْهَالِكُ» .
- هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا آخِذٌ بِيَدِ ابْنِ عُمَرَ إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ فِي النَّجْوَى؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي مِنْهُ الْمُؤْمِنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟
فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرُئِيَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ قَالَ: فَإِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقُونَ فَإِنَّهُ يُنَادِي الأَشْهَادَ {هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18] ".
قَوْلُهُ: {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الكهف: 48] حُفَاةً عُرَاةً غُرْلا، أَيْ: غُلْفًا غَيْرُ مُخَتَّنِينَ.
{بَلْ زَعَمْتُمْ} [الكهف: 48] يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ.(1/190)
{أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 48] أَنْ لَنْ تُبْعَثُوا.
- وَبَلَغَنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَا يَحْتَشِمُ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ؟ قَالَ: «هُمْ أَشْغَلُ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَوْرَةِ بَعْضٍ» .
حَدَّثَنِي الأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الآيَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا سَوْأَتَاهْ لَكِ يَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «النَّاسُ يَوْمَئِذٍ أَشْغَلُ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ» .
قَالَ: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ} [الكهف: 49] مَا كَانَتْ تَكْتُبُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
{فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ} [الكهف: 49] الْمُشْرِكِينَ.
{مُشْفِقِينَ} [الكهف: 49] أَيْ: خَائِفِينَ.
{مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [الكهف: 49] فِي كُتُبِهِمْ.
{وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49] قَوْلُهُ: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ} [الكهف: 50] قَالَ الْحَسَنُ: وَهُوَ أَوَّلُ الْجِنِّ، كَمَا أَنَّ آدَمَ مِنَ الإِنْسِ وَهُوَ أَوَّلُ الإِنْسِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ مِنَ الْجِنِّ قَبِيلٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ يُقَالُ لَهُ الْجِنُّ.
قَالَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلائِكَةِ لَمْ يُؤْمَرْ بِالسُّجُودِ.
وَكَانَ عَلَى خَزَانَةِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي قَوْلِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: جَنَّ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ.
قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: أَنْحَاهُ اللَّهُ إِلَى نَسَبِهِ.
قَالَ: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50] عَصَى أَمْرَ رَبِّهِ عَنِ السُّجُودِ لآدَمَ، تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: فَكَفَرَ وَاسْتَكْبَرَ.
قَالَ: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ} [الكهف: 50] ، يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى الشِّرْكِ.
{أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: 50](1/191)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {بَدَلا} [الكهف: 50] مَا اسْتَبْدَلُوا بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ إِذْ أَطَاعُوا إِبْلِيسَ فَبِئْسَ ذَلِكَ لَهُمْ بَدَلا.
قَوْلُهُ: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: 51] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19] أَيْ: مَا أَشْهَدْتُهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ أَيْنَ ادَّعَوْا أَنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ؟ {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} [الكهف: 51] أَعْوَانًا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: مَا كُنْتُ لأَتَوَلَّى الْمُضَلِّينَ.
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: الْمُضِلُّونَ: الشَّيَاطِينُ.
قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الكهف: 52] وَادٍ فِي جَهَنَّمَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَوْبِقًا، مُهْلِكًا.
يَقُولُ: جَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَصْلَهُمُ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا مُهْلِكًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ حَدَّثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: هُوَ وَادٍ عَمِيقٌ فُرِّقَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْهُدَى وَأَهْلِ الضَّلالَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْبَقْنَاهُمْ: أَدْخَلْنَاهُمُ النَّارَ.
قَوْلُهُ: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ} [الكهف: 53] الْمُشْرِكُونَ.
{النَّارَ فَظَنُّوا} [الكهف: 53] فَعَلِمُوا.
{أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الكهف: 53] إِلَى غَيْرِهَا.(1/192)
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْءَانِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الكهف: 54] ، كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْءَانِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الإسراء: 89] .
{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} [الكهف: 54] يَعْنِي: الْكَافِرَ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ.
- الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ وَهُوَ نَائِمٌ، فَقَالَ: «قُمْ صَلِّهِ» .
قَالَ: فَقَالَ كَذَا وَكَذَا وَتَمَطَّى وَقَالَ: إِنَّمَا نُصَلِّي مَا قُدِّرَ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} [الكهف: 54] ".
- أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ نَائِمٍ فِي الْمَسْجِدِ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: «قُمْ صَلِّهِ» .
فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: إِنَّمَا نُصَلِّي هَكَذَا عَلَى مَا قُدِّرَ لِي.
فَمَضَى نَبِيُّ اللَّهِ وَهُوَ يَقُولُ: " {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا} [الكهف: 54] ".
قَوْلُه: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ} [الكهف: 55] أَيْ: مِنْ شِرْكِهِمْ.
{إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ} [الكهف: 55] مَا عَذَّبَ اللَّهُ بِهِ الأُمَمَ السَّالِفَةَ.
{أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلا} [الكهف: 55] عِيَانًا.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: فَجْأَةً.
قَوْلُهُ: {وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ} [الكهف: 56] بِالْجَنَّةِ.
{وَمُنْذِرِينَ} [الكهف: 56] مِنَ النَّارِ.
وَيُبَشِّرُونَهُمْ أَيْضًا بِالرِّزْقِ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْجَنَّةِ إِنْ آمَنُوا.
وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَيُنْذِرُونَهُمُ الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَوْلُهُ: {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا} [الكهف: 56] لِيُذْهِبُوا.
{بِهِ الْحَقَّ} [الكهف: 56] فِيمَا يَظُنُّونَ وَلا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ.
قَالَ: {وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا {56} وَمَنْ أَظْلَمُ} [الكهف: 56-57] يَقُولُهُ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى مَعْرِفَةٍ.(1/193)
{مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} [الكهف: 57] لَمْ يُؤْمِنْ بِهَا.
{وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [الكهف: 57] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ مَا سَلَفَ مِنَ الذُّنُوبِ الْكَثِيرَةِ.
قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ: عَمَلُهُ السُّوءَ.
أَيْ: لا أَحَدَ أَظْلَمُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: {إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [الكهف: 57] غُلُفًا.
{أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الكهف: 57] ، يَعْنِي: لِئَلا يَفْقَهُوهُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} [الكهف: 57] وَهُوَ الصَّمَمُ عَنِ الْهُدَى.
{وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف: 57] يَعْنِي: الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى شِرْكِهِمْ.
{وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: 58] لِمَنْ آمَنَ وَلا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.
{لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [الكهف: 58] بِمَا عَمِلُوا.
{لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلا} [الكهف: 58] قَالَ الْحَسَنُ: مَلْجَأً.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَلِيًّا وَلا مَلْجَأً.
وَقَالَ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ: مَا لَهُمْ مَلْجَأٌ.
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ وَابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مُحْرِزًا.
قَوْلُهُ: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا} [الكهف: 59] لَمَّا أَشْرَكُوا وَجَحَدُوا رُسُلَهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَهْلَكْنَاهُمْ} [الكهف: 59] يَعْنِي: عَذَّبْنَاهُمْ {لَمَّا ظَلَمُوا} [الكهف: 59] لَمَّا أَشْرَكُوا.
{وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59] الْوَقْتُ الَّذِي جَاءَهُمْ فِيهِ الْعَذَابُ.(1/194)
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مَوْعِدًا أَجَلا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا} [الكهف: 59] يَعْنِي: لِعَذَابِهِمْ مَوْعِدًا، يَعْنِي: أَجَلا وَوَقْتًا.
قَوْلُهُ: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ} [الكهف: 60] وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونَ، وَهُوَ الْيَسَعُ.
{لا أَبْرَحُ} [الكهف: 60] لا أَزَالُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، أَمْضِي قُدُمًا.
{حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} [الكهف: 60] بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ، حَيْثُ الْتَقَيَا وَهُمَا مُحِيطَانِ بِالْخَلْقِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَبَحْرُ الرُّومِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ.
{أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف: 60] سَبْعِينَ سَنَةً فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ ثَمَانِينَ.
وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى قَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَقَامًا فَقَالَ: مَا بَقِيَ الْيَوْمَ أَحَدٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِثْلَ مَا أَعْطَاكُمْ: أَنْجَاكُمْ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَقَطَعَ بِكُمُ الْبَحْرَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ التَّوْرَاةَ.
وَرَأَى فِي نَفْسِهِ حِينَ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ وَعَلَّمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: إِنَّ لِي عَبْدًا أَعْلَمُ مِنْكَ يُقَالُ لَهُ: «الْخَضِرُ» فَاطْلُبْهُ.
فَقَالَ لَهُ مُوسَى: رَبِّ كَيْفَ لِي بِلِقَائِهِ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ حُوتًا فِي مَتَاعِهِ وَيَمْضِي عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى يَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ، بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ، وَجَعَلَ الْعِلْمَ عَلَى لِقَائِهِ أَنْ يَفْتَقِدَ الْحُوتَ، فَإِذَا فَقَدْتَ الْحُوتَ فَاطْلُبْ صَاحِبَكَ عِنْدَ ذَلِكَ.
فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ، وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونَ، وَحَمَلا مَعَهُمَا مِكْتَلا فِيهِ حُوتٌ مَمْلُوحٌ.
قَالَ: فَسَايَرَا الْبَحْرَ زَمَانًا ثُمَّ أَوَيَا يَعْنِي: انْتَهَيَا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، إِلَى الصَّخْرَةِ(1/195)
عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ الَّذِي عِنْدَ مُجْتَمَعِ الْبَحْرَيْنِ عِنْدَهَا عَيْنُ مَاءٍ، فَبَاتَا بِهَا وَأَكَلا نِصْفَ الْحُوتِ وَبَقِيَ نِصْفُهُ، فَانْسَرَبَ الْحُوتُ فِي الْعَيْنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَدْنَى فَتَاهُ الْمِكْتَلَ مِنَ الْعَيْنِ فَأَصَابَهُ الْمَاءُ، فَعَاشَ الْحُوتُ فَدَخَلَ فِي الْبَحْرِ.
وَارْتَحَلَ مُوسَى وَفَتَاهُ فَسَايَرَا الْبَحْرَ حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ: {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} [الكهف: 62] شِدَّةً، يَعْنِي: نَصَبَ السَّفَرِ.
قَالَ فَتَاهُ.
{أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ} [الكهف: 63] السُّدِّيُّ: يَعْنِي لَمْ أَحْفَظْ ذِكْرَهُ.
قَالَ: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ} [الكهف: 63] لَكَ، وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: أَنْ أُدْرِكَهُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُوسَى لَمَّا قَطَعَ الْبَحْرَ وَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ جَمَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَخَطَبَهُمْ فَقَالَ: أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ وَأَعْلَمُهُ، قَدْ أَهْلَكَ اللَّهُ عَدُوَّكُمْ، وَأَقْطَعَكُمُ الْبَحْرَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ التَّوْرَاةَ.
قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَاهُنَا رَجُلا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.
فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يُوشَعُ بْنُ نُونَ يَطْلُبَانِهِ وَتَزَوَّدَا مَمْلُوحَة فِي مِكْتَلٍ لَهُمَا، وَقِيلَ لَهُمَا: إِذَا نَسِيتُمَا بَعْضَ مَا مَعَكُمَا لَقِيتُمَا رَجُلا عَالِمًا يُقَالُ لَهُ: «خَضِرٌ» .
فَلَمَّا أَتَيَا ذَلِكَ الْمَكَانَ رَدَّ اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ رُوحَهُ فَسَرَبَ لَهُ مِنَ الْجِدِّ حَتَّى أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ، ثُمَّ سَلَكَ فَجَعَلَ لا يَسْلُكُ فِيهِ طَرِيقًا إِلا صَارَ الْمَاءُ جَامِدًا.
وَمَضَى مُوسَى وَفَتَاهُ، {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا {62} قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا} [الكهف: 62-63] يَعْنِي: إِذِ انْتَهَيْنَا.
وَهُوَ(1/196)
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} [الكهف: 63] أَنْ أَذْكُرَهُ، وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنْ أُدْرِكَهُ، فَرَجَعَا عَوْدُهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا.
قَالَ: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف: 64] فَلَقِيَا الْخَضِرَ.
وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ لأَنَّهُ قَعَدَ عَلَى قَرْدَدٍ بَيْضَاءَ فَاهْتَزَّتْ بِهِ خَضْرَاءَ» .
قَالَ: {وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} [الكهف: 63] مُوسَى يَعْجَبُ مِنْ أَثَرِ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
{قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف: 64] قَالَ مُوسَى: ذَلِكَ حَيْثُ أُمِرْتُ أَنْ أَجِدَ «خَضِرًا» حَيْثُ يُفَارِقُنِي الْحُوتُ.
قَالَ يَحْيَى: وَالْخَضِرُ هُوَ إِلْيَاسُ.
قَوْلُهُ: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا} [الكهف: 64] اتَّبَعَ مُوسَى وَفَتَاهُ الْحُوتَ يَشُقُّ الْبَحْرَ رَاجِعًا.
هَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {قَصَصًا} [الكهف: 64] عَوْدُهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا رَاجِعَيْنِ حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ فَاتَّبَعَا أَثَرَ الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ.
وَكَانَ الْحُوتُ حَيْثُ مَرَّ جَعَلَ يَضْرِبُ بِذَنَبِهِ يَمِينًا وَشِمَالا فِي الْبَحْرِ، فَجَعَلَ كُلُّ شَيْءٍ يَضْرِبُهُ الْحُوتُ بِذَنَبِهِ يَيْبَسُ فَصَارَ كَهَيْئَةِ طَرِيقٍ فِي الْبَحْرِ.
فَاتَّبَعَا أَثَرَهُ حَتَّى خَرَجَا إِلَى جَزِيرَةٍ، فَإِذَا هُمَا بِالْخَضِرِ فِي رَوْضَةٍ يُصَلِّي.
فَأَتَيَاهُ مِنْ خَلْفِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَأَنْكَرَ الْخَضِرُ التَّسْلِيمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَإِذَا هُوَ بِمُوسَى فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ يَا نَبِيَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
فَقَالَ مُوسَى:(1/197)
وَمَا يُدْرِيكَ أَنِّي رَسُولُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: أَدْرَانِي بِكَ الَّذِي أَدْرَاكَ بِي.
{قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] تَرْشُدُنِي.
{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا {68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا {69} قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا {70} فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ} [الكهف: 67-71] مُوسَى.
{أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا} [الكهف: 71] أَتَيْتَ شَيْئًا.
{إِمْرًا} [الكهف: 71] عَظِيمًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْكَرًا.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا} [الكهف: 72] وَكَانَ مُوسَى يُنْكِرُ الظُّلْمَ.
قَالَ لَهُ مُوسَى.
{لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73] يَعْنِي: ذَهَبَ مِنِّي ذُكْرُهُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- {وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا {73} فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ} [الكهف: 73-74] سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: طُبِعَ الْغُلامُ كَافِرًا.
قَالَ يَحْيَى: قَوْلُهُ: طُبِعَ كَافِرًا لَعَلَّهُ لَوْ بَلَغَ كَانَ يَكُونُ كَافِرًا، مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27] أَيْ: مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ ثُمَّ كَفَرَ وَفَجَرَ.
{قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً} [الكهف: 74] أَيْ: لَمْ تُذْنِبْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الزَّكِيَّةُ التَّائِبَةُ.
{بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا} [الكهف: 74](1/198)
ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: النُّكْرُ: الْمُنْكَرُ.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {75} قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي} [الكهف: 75-76] مِنْ عِنْدِي.
{عُذْرًا} [الكهف: 76] قَدْ أُعْذِرْتَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ.
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] دَفَعَهُ بِيَدِهِ.
قَالَ لَهُ مُوسَى.
{لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77] أَيْ: مَا يَكْفِينَا الْيَوْمَ.
{قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 78] يَعْنِي: عَاقِبَتَهُ.
وَتَفْسِيرُهُ هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79] ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَنْ أَخْرِقَهَا.
قَالَ: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} [الكهف: 79] أَيْ: أَمَامَهُمْ.
{مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا.
قَالَ قَتَادَةُ: وَلَعَمْرِي لَوْ عَمَّ السُّفُنَ مَا انْفَلَتَتْ، وَلَكِنْ كَانَ يَأْخُذُ خِيَارَ السُّفُنِ.
{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف: 80] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ وَكَانَ كَافِرًا.
قَالَ قَتَادَةُ: وَلَعَمْرِي مَا قَتَلَهُ إِلا عَلَى عِلْمٍ كَانَ عِنْدَهُ.
قَوْلُهُ: {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: 80] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: فَخَافَ رَبُّكَ أَنْ يُرْهِقَهُمَا(1/199)
طُغْيَانًا وَكُفْرًا.
قَالَ يَحْيَى: تَفْسِيرُ فَخَافَ رَبُّكَ: فَكَرِهَ رَبُّكَ، مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} [التوبة: 46] .
قَالَ: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} [الكهف: 81] فِي التَّقْوَى.
{وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف: 81] يَعْنِي: بِرًّا فِي قَوْلِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَأَقْرَبَ خَيْرًا.
{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا} [الكهف: 82] سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: عِلْمٌ.
سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: عِلْمٌ.
سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: مَالٌ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَالٌ.
فَلا يَقُولَنَّ رَجُلٌ: مَا شَأْنُ الْكَنْزِ أُحِلَّ لِمَنْ قَبْلَنَا وَحُرِّمَ عَلَيْنَا، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِلُّ مِنْ أَمْرِهِ مَا شَاءَ لأُمَّةٍ وَيُحَرِّمُ مَا يَشَاءُ عَلَى أُمَّةٍ.
قَالَ: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف: 82] يَعْنِي: كَانَ ذَا أَمَانَةٍ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: 82] لَهُمَا.
{وَمَا فَعَلْتُهُ} [الكهف: 82] أَيْ مَا فَعَلْتُ مَا فَعَلْتُ.
{عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82] إِنَّمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ.
{ذَلِكَ تَأْوِيلُ} [الكهف: 82] تِبْيَانٌ.
{مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف: 82](1/200)
بَلَغَنِي أَنَّهُمَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ طَيْرًا فَطَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ، ثُمَّ طَارَ إِلَى الْمَغْرِبِ، ثُمَّ طَارَ نَحْوَ السَّمَاءِ، ثُمَّ هَبَطَ إِلَى الْبَحْرِ فَتَنَاوَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ بِمِنْقَارِهِ وَهُمَا يَنْظُرَانِ.
فَقَالَ الْخَضِرُ لِمُوسَى: أَتَعْلَمُ مَا يَقُولُ هَذَا الطَّيْرُ؟ يَقُولُ: وَرَبِّ الْمَشْرِقِ، وَرَبِّ الْمَغْرِبِ، وَرَبِّ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَرَبِّ الأَرْضِ السَّابِعَةِ مَا عِلْمُكَ يَا خَضِرُ وَعِلْمُ مُوسَى فِي عِلْمِ اللَّهِ إِلا قَدْرُ هَذَا الْمَاءِ الَّذِي تَنَاوَلْتُهُ مِنَ الْبَحْرِ فِي الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف: 83] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتِ الْيَهُودُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 83] يَعْنِي خَبَرًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف: 84] بَلاغًا بِحَاجَتِهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: عِلْمًا.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: عِلْمًا، يَعْنِي: عِلْمَهُ الَّذِي أُعْطِيَ.
بَلَغَنَا أَنَّهُ مَلَكَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا.
{فَأَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 85] طُرُقَ الأَرْضِ وَمَعَالِمَهَا بِحَاجَتِهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ: طُرُقُ الأَرْضِ وَمَنَازِلُهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: عِلْمًا، يَعْنِي: عَلِمَ مَنَازِلَ الأَرْضِ وَالطُّرُقَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَنَازِلُ الأَرْضِ وَمَعَالِمُهَا.
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: حَمِئَةٍ وَحَامِيَةً.(1/201)
- حَدَّثَنِي الْمُعلَّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: مَارَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِي فِي: {عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {حَمِئَةٍ} [الكهف: 86] ، وَقَالَ عَمْرٌو: «عَيْنٍ حَامِيَةٍ» فَجَعَلا بَيْنَهُمَا كَعْبًا الْحَبْرَ، فَقَالَ كَعْبٌ: نَجِدُهَا فِي التَّوْرَاةِ: تَغْرُبُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي بِالْحَمْأَةِ: الطِّينَ الْمُنْتِنَ.
وَمَنْ قَرَأَهَا حَامِيَةٍ يَقُولُ: حَارَّةٍ.
قَالَ: {وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ} [الكهف: 86] قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الْقَتْلَ.
وَذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ فِيمَنْ أَظْهَرَ الشِّرْكَ إِلا مَنْ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا لَمْ يُسْلِمْ وَأَقَرَّ بِالْجِزْيَةِ، وَمَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ الْيَوْمَ.
{وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف: 86] يَعْنِي الْعَفْوَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: فَحَكَّمُوهُ فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ، فَوَافَقَ حُكْمُهُ حُكْمَ اللَّهِ.
{قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ} [الكهف: 87] يَعْنِي: مِنَ الشِّرْكِ.
{فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} [الكهف: 87] يَعْنِي: الْقَتْلَ.
{ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} [الكهف: 87] عَظِيمًا فِي الآخِرَةِ.
{وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} [الكهف: 88] سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} [الكهف: 88] قَالَ: هِيَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَيِ: الْحُسْنَى: هِيَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ.
سُفْيَانُ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ صَاحِبِ الرُّمَّانِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْجَنَّةُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} [الكهف: 88] يَعْنِي: الْعَفْوَ.
{وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا} [الكهف: 88] مَا صَحِبْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَصَحِبَنَا.(1/202)
{يُسْرًا} [الكهف: 88] يَعْنِي الْعَارِفَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 88] مَعْرُوفًا وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَالَ: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 89] طُرُقَ الأَرْضِ وَمَعَالِمَهَا لِحَاجَتِهِ عَلَى مَا وُصِفَتْ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ فِيهَا.
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا} [الكهف: 90] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهْمُ كَانُوا فِي مَكَانٍ لا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِمُ الْبِنَاءُ وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي أَسْرَابٍ لَهُمْ حَتَّى إِذَا زَالَتْ عَنْهُمُ الشَّمْسُ خَرَجُوا فِي مَعَائِشِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ انْسَرَبُوا فِي الْبَحْرِ فَكَانُوا فِيهِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ، فَإِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ خَرَجُوا فَتَسَوَّقُوا وَتَبَايَعُوا فِي أَسْوَاقِهِمْ وَقَضَوْا حَوَائِجَهُمْ بِاللَّيْلِ.
قَالَ: {كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا} [الكهف: 91] أَيْ: هَكَذَا كَانَ مَا قَصَّ مِنْ أَمْرِ ذِي الْقَرْنَيْنِ.
{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف: 92] طُرُقَ الأَرْضِ وَمَعَالِمَهَا لِحَاجَتِهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: جَبَلانِ، يَعْنِي بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ.
قَالَ: {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا} [الكهف: 93] كَلامُ غَيْرِهِمْ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا} [الكهف: 93] لا يَفْقَهُ أَحَدٌ كَلامَهُمْ.(1/203)
{قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ} [الكهف: 94] يَعْنِي: قَاتِلِينَ النَّاسَ فِي الأَرْضِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
يَعْنِي أَرْضَ الْعَرَبِ، أَرْضَ الإِسْلامِ.
{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا} [الكهف: 94] قَالَ قَتَادَةُ: جَعَلا.
{عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا {94} قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف: 94-95] مِنْ جُعْلِكُمْ.
{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ} [الكهف: 95] يَعْنِي عَدَدًا مِنَ الرِّجَالِ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
{أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا {95} آتُونِي} [الكهف: 95-96] أَعْطُونِي.
{زُبَرَ الْحَدِيدِ} [الكهف: 96] قِطَعَ الْحَدِيدِ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قِطَعَ الْحَدِيدِ.
{حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا} [الكهف: 96] يَعْنِي: أَحْمَاهُ بِالنَّارِ.
قَالَ: {آتُونِي} [الكهف: 96] أَعْطُونِي.
{أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] فِيهَا تَقْدِيمٌ.
أَعْطُونِي قَطْرًا أُفْرِغُ عَلَيْهِ.
وَالْقَطْرُ: النُّحَاسُ.
فَجَعَلَ أَسَاسَهُ الْحَدِيدَ، وَجَعَلَ مِلاطَهُ النُّحَاسَ لِيَلْزَمَهُ.
تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَأَيْتُ سَدَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوحَ قَالَ: «انْعَتْهُ لِي» .
فَقَالَ: هُوَ كَالْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ، طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ.
قَالَ: «قَدْ رَأَيْتَهُ» .
قَالَ: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] مِنْ فَوْقِهِ أَوْ يَظْهَرُوا عَلَيْهِ.(1/204)
{وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] مِنْ أَسْفَلِهِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف: 97] يَعْنِي: يَرْتَقُوهُ فَيَعْلُوهُ.
- سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَخْرِقُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ غَدًا.
فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَأَشَدَّ مَا كَانَ.
حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ، قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا فَسَتَحْفِرُونَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ، فَيَخْرِقُونَهُ، فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ فَيَنْشِفُونَ الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ سِهَامَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ كَهَيْئَةِ الدِّمَاءِ فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ،
فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ الأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ مِنْ لُحُومِهِمْ شَكَرًا» .
{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} [الكهف: 98] يَعْنِي: خُرُوجَهُمْ.
{جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف: 98] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَعْنِي الْجَبَلَيْنِ، أَيْ: يَعْفِرُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي السَّدَّ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: دَكَّاءَ مَمْدُودَةً، أَيْ: أَرْضٌ مُسْتَوِيَةٌ.(1/205)
{وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف: 98]
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ رَجُلَيْنِ حَدَّثَا أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ حَدَّثَهُمَا، قَالَ: كَانَ يَوْمِي الَّذِي كُنْتُ أَخْدُمُ فِيهِ النَّبِيَّ، فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِهِ فَإِذَا أَنَا بِرِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَهُمْ مَصَاحِفُ أَوْ كُتُبٌ، فَقَالُوا: اسْتَأْذِنْ لَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.
فَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَكَانِهِمْ، فَقَالَ: " مَا لِي وَلَهُمْ يَسْأَلُونَنِي عَمَّا لا أَدرِي، إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ لا أَعْلَمُ إِلا مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ.
ثُمَّ قَالَ: أَبْلِغْنِي وُضُوءًا فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوءٍ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَسْجِدِ فِي بَيْتِهِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، فَمَا انْصَرَفَ حَتَّى بَدَا لِي السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: أَدْخِلْهُمْ وَمَنْ وَجَدْتَ بِالْبَابِ مِنْ أَصْحَابِي.
فَأَدْخَلْتُهُمْ، فَلَمَّا وَقَفُوا عَلَيْهِ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْأَلُونِي عَنْهُ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ سَأَلْتُمْ وَأَخْبَرْتُكُمْ.
قَالُوا: بَلْ أَخْبِرْنَا بِمَا جِئْنَا لَهُ قَبْلَ أَنْ نَتَكَلَّمَ.
قَالَ: جِئْتُمْ تَسْأُلوِني هَكَذَا عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَسَوْفَ أُخْبِرُكُمْ كَمَا تَجِدُونَهُ فِي كُتُبِكُمْ مَكْتُوبًا.
إِنَّ أَوَّلَ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ غُلامًا مِنَ الرُّومِ وَأُعْطِيَ مُلْكًا، فَسَارَ حَتَّى أَتَى أَرْضَ مِصْرَ فَبَنَى عِنْدَهَا مَدِينَةً يُقَالُ لَهَا: الإِسْكَنْدَرِيَّةُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بُنْيَانِهَا، أَتَاهُ مَلَكٌ فَعَرَجَ بِهِ حَتَّى اسْتَقَلَّهُ فَرَفَعَهُ ثُمَّ قَالَ: انْظُرْ مَا تَحْتَكَ.
قَالَ: أَرَى مَدِينَتِي وَأَرَى مَدَائِنُ مَعَهَا.
ثُمَّ عَرَجَ بِهِ فَقَالَ: انْظُرْ.
فَقَالَ: قَدِ اخْتَلَطَتْ مَدِينَتِي مَعَ الْمَدَائِنِ.
ثُمَّ زَادَ فَقَالَ: انْظُرْ.
فَقَالَ: أَرَى مَدِينَتِي وَحْدَهَا لا أَرَى غَيْرَهَا.
فَقَالَ الْمَلَكُ: إِنَّمَا تِلْكَ أَرْضٌ كُلُّهَا، وَهَذَا السَّوَادُ الْبَحْرُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُرِيَكَ الأَرْضَ وَقَدْ جَعَلَ لَكَ سُلْطَانًا فِيهَا، فَسِرْ فِي الأَرْضِ، فَعَلِّمِ الْجَاهِلَ، وَثَبِّتِ الْعَالِمَ.
فَسَارَ حَتَّى بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى بَلَغَ مَطْلَعَ الشَّمْسِ، ثُمَّ أَتَى السَّدَّيْنِ وَهُمَا جَبَلانِ لَيِّنَانِ يُزْلَقُ عَنْهُمَا كُلُّ شَيْءٍ، فَبَنَى السَّدَّ فَوَجَدَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُقَاتِلُونَ قَوْمًا، وُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الْكِلابِ، ثُمَّ قَطَعَهُمْ فَوَجَدَ أُمَّةً قِصَارًا يُقَاتِلُونَ الَّذِينَ وُجُوهَهُمْ كَوُجُوهِ الْكِلابِ، ثُمَّ مَضَى فَوَجَدَ أُمَّةً مِنَ الْغَرَانِيقِ يُقَاتِلُونَ الْقَوْمَ الْقِصَارَ، ثُمَّ مَضَى فَوَجَدَ أُمَّةً مِنَ الْحَيَّاتِ تَلْتَقِمُ الْحَيَّةُ مِنْهَا الصَّخْرَةَ
الْعَظِيمَةَ، ثُمَّ أَفْضَى إِلَى الْبَحْرِ الْمُدِيرِ بِالأَرْضِ.
فَقَالُوا: نَحْنُ نَشْهَدُ أَنَّ أَمْرَهُ كَانَ هَكَذَا وَإِنَّا نَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا هَكَذَا ".(1/206)
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ مِنْ بَعْدِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَثَلاثَ أُمَمٍ لا يَعْلَمُ عِدَّتَهُمْ إِلا اللَّهُ هاويلَ وَتارسَ وَمنسكَ.
- سُفْيَانُ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ مَلِكًا وَلا نَبِيًّا، وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا نَاصَحَ اللَّهَ فَنَصَحَهُ، دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الإِيمَانِ فَلَمْ يُجِيبُوهُ، فَضَرُبوُه عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلُوهُ.
فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، ثُمَّ دَعَا قَوْمَهُ أَيْضًا فَضَرَبُوهُ عَلَى قَرْنِهِ فَقَتَلُوهُ.
فَأَحْيَاهُ اللَّهُ فَسُمِّي ذَا الْقَرْنَيْنِ.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي أَوِ ابْنُ عَمِّي قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ الأَذْرُعُ هُمْ أَمِ الأَشْبَارُ؟ قَالَ: يَابْنَ أَخِي مَا أَجِدُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بِأَعْظَمَ مِنْهُمْ وَلا أَطْوَلَ، وَلا يَمُوتُ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ حَتَّى يُولَدَ لَهُ أَلْفٌ فَصَاعِدًا.
قَالَ: فَقُلْتُ مَا طَعَامُهُمْ؟ قَالَ: هُمْ فِي مَاءٍ مَا شَرِبُوا، وَفِي شَجَرٍ مَا هَضَمُوا، وَفِي نِسَاءٍ مَا نَكَحُوا.
يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلاءِ التُّرْكَ مِمَّا سَقَطَ مِنْ دُونِ الرُّومِ مِنْ وَلَدِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ.
- صَاحِبٌ لَهُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَخْرُجُ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ يَمُوجُونَ فِي الأَرْضِ فَيُفْسِدُونَ فِيهَا ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] .
ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دَابَّةً مِثْلَ النَّغَفِ فَتَلِجُ فِي أَسْمَاعِهِمْ وَمَنَاخِرِهِمْ فَيَمُوتُونَ مِنْهَا.
قَالَ: فَتُنْتِنُ الأَرْضُ مِنْهُمْ فَتَجْأَرُ إِلَى اللَّهِ فَيُرْسِلُ اللَّهُ مَاءً فَيُطَهِّرُ الأَرْضَ مِنْهُمْ.
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي الضَّيْفِ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُنَقِّرُونَ كُلَّ يَوْمٍ بِمَنَاقِيرِهِمْ فِي السَّدِّ فَيَشْرَعُونَ فِيهِ فَإِذَا أَمْسَوْا قَالُوا: نَرْجِعُ غَدًا فَنَفْرُغُ مِنْهُ، فَيَصْبَحُونَ وَقَدْ عَادَ كَمَا كَانَ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ خُرُوجَهُمْ قَذَفَ عَلَى أَلْسُنِ بَعْضِهِمُ الاسْتِثْنَاءَ فَقَالَ: نَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَفْرُغُ مِنْهُ، فَيُصْبِحُونَ(1/207)
وَهُوَ كَمَا تَرَكُوهُ، فَيُنَقِّبُونَهُ وَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَلا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ
إِلا أَفْسَدُوهُ.
فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى الْبُحَيْرَةِ فَيَشْرَبُونَ مَاءَهَا، وَيَمُرُّ أَوْسَطُهُمْ فَيَلْحَسُونَ طِينَهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَرَّةً مَاءٌ، فَيَقْهَرُونَ النَّاسَ وَيَفِرُّ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ وَالْجِبَالِ فَيَقُولُونَ: قَدْ قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ فَهَلُمُّوا إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ.
فَيَرْمُونَ نِبَالَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ تَقْطُرُ دَمًا فَيَقُولُونَ: قَدْ فَرَغْنَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ وَأَهْلِ السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَضْعَفَ خَلْقِهِ: النَّغَفَ، دُودَةً تَأْخُذُهُمْ فِي رِقَابِهِمْ فَتَقْتُلُهُمْ حَتَّى تُنْتِنَ الأَرْضُ مِنْ جِيَفِهِمْ، وَيُرْسِلُ اللَّهُ الطَّيْرَ فَتَنْقُلُ جِيَفَهُمْ إِلَى الْبَحْرِ.
ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ السَّمَاءَ فَيُطَهِّرُ الأَرْضَ، وَتُخْرِجُ الأَرْضُ زَهْرَتَهَا وَبَرَكَتَهَا وَيَتَرَاجَعُ النَّاسُ حَتَّى إِنَّ الرُّمَّانَةَ لَتُشْبِعُ السَّكْنَ.
قِيلَ: وَمَا السَّكْنُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبَيْتِ.
وَتَكُونُ سُلْوَةً مِنْ عَيْشٍ.
فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ خَبَرٌ أَنَّ ذَا السُّوَيْقَتَيْنِ صَاحِبَ الْجَيْشِ قَدْ غَزَا الْبَيْتَ.
فَيَبْعَثُ اللَّهُ جَيْشًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَلا يَرْجِعُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً يَمَانِيَّةً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ.
فَتَكْفِتُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ، ثُمَّ لا أَجِدُ مِثْلَ السَّاعَةِ إِلا كَرَجُلٍ أَنْتَجَ مُهْرًا لَهُ فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَرْكَبُهُ.
فَمَنْ تَكَلَّفَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ مَا وَرَاءَ هَذَا فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكَ، أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَقْتُلُ الدَّجَّالَ بِبَابِ لُدٍّ أَوْ عِنْدَهَا، فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى أَنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لا يَدِينُ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ فَاحْرُزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ.
وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَهُمْ كَمَا قَصَّ: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] .
فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ فَيَشْرَبُونَ مَا فِيهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ: قَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَاءٌ مَرَّةً، وَيَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ لا يَعْدُونَهُ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: قَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ دَانَ لَنَا، فَهَلُمُّوا فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ.
فَيَرْمُونَ بِنِشَابِهِمْ نَحْوَ السَّمَاءِ فَيَرُدُّهَا اللَّهُ مَخْضُوبَةً دِمَاءً، وَيَحْصُرُونَ نَبِيَّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابَهُ.
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ رَغِبُوا(1/208)
إِلَى اللَّهِ، فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ.
وَيَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ فَلا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ وَنَتِنُهُمْ وَدِمَاؤُهُمْ.
فَيَرْغَبُ عِيسَى وَمَنْ مَعَهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ فَتُلْقِيهِمْ فِي الْمَهِيلِ.
قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ وَأَيْنَ الْمَهِيلُ؟ قَالَ: مَطْلَعُ الشَّمْسِ.
- سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيُحَجَّنَّ الْبَيْتُ وَليُعمرَنَّ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ» .
قَوْلُهُ: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ السَّدِّ.
قَالَ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف: 99]
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ عَنْ بِشْرِ بْنِ شعافٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَسَأَلَهُ عَنِ الصُّورِ فَقَالَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ» .
قَوْلُهُ: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100]
- حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثًا فِي الْبَعْثِ قَالَ: ثُمَّ يَتَمَثَّلُ اللَّهُ لِلْخَلْقِ فَيَلْقَاهُمْ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلا وَهُوَ مَرْفُوعٌ لَهُ يَتْبَعُهُ.
فَيَلْقَى الْيَهُودَ فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعْبُدُ عُزَيْرًا.
فَيَقُولُ: هَلْ يَسُرُّكُمُ الْمَاءُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُرِيهِمْ جَهَنَّمَ وَهِيَ كَهَيْئَةِ السَّرَابِ.
ثُمَّ يَقْرَأُ ابْنُ مَسْعُودٍ: {وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} [الكهف: 100] .
ثُمَّ يَلْقَى النَّصَارَى فَيَقُولُ: مَنْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: الْمَسِيحَ.
فَيَقُولُ: هَلْ يَسُرُّكُمُ الْمَاءُ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُرِيهِمْ جَهَنَّمَ وَهِيَ كَهَيْئَةِ السَّرَابِ.
قَالَ ثُمَّ كَذَلِكَ بِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ شَيْئًا.
ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات: 24]
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي} [الكهف: 101] كَانَتْ عَلَى أَعْيُنِهِمْ غِشَاوَةُ الْكُفْرِ كَقَوْلِهِ: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} [ق: 22] غِطَاءَ الْكُفْرِ.(1/209)
{فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق: 22] أَبْصَرَ حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُ الْبَصَرُ.
قَوْلُهُ: {وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} [الكهف: 101] يَعْنِي: سَمْعَ الإِيمَانِ، لا يَسْمَعُونَ الْهُدَى بِقُلُوبِهِمْ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: لا يَعْقِلُونَ.
قَوْلُهُ: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102] يَعْنِي مَنْ عَبَدَ الْمَلائِكَةَ، أَفَحَسِبُوا أَنْ تَتَوَلاهُمُ الْمَلائِكَةُ عَلَى ذَلِكَ.
أَيْ: لا يَتَوَلَّوْنَهُمْ وَلَيْسَ بِهَذَا أَمَرْتُهُمْ، إِنَّمَا أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَعْبُدُونِي وَلا يُشْرِكُوا بِي شَيْئًا.
وَقَرَأَهُ مُجَاهِدٌ: {أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الكهف: 102] خَفِيفَةً، {أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ} [الكهف: 102] أَيْ: فَحَسْبُهُمْ ذَلِكَ.
قَالَ: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا} [الكهف: 102] قَوْلُهُ: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ} [الكهف: 103] يَقُولُ: أَلا أُنَبِّئُكُمْ.
{بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ} [الكهف: 103-104] يَعْنِي: يضل سعيهم.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ.
وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ أَنَّ ابْنَ الْكَوَّاءِ سَأَلَ عَلِيًّا عَنْهَا قَالَ: وَيْلَكَ مِنْهُمْ أَهْلِ حَرُورَاءَ.
قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 103] قَالَ: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: 106] قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا} [الكهف: 107](1/210)
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْفِرْدَوْسُ: جَبَلٌ فِي الْجَنَّةِ يُفَجَّرُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ.
{خَالِدِينَ فِيهَا} [الكهف: 108] لا يَمُوتُونَ وَلا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
{لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا} [الكهف: 108] مُتَحَوَّلا، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَوْلُهُ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109] قَالَ مُجَاهِدٌ: لِلْقَلَمِ يُسْتَمَدُّ مِنْهُ لِلْكِتَابِ.
{لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109] آخَرُ مِثْلُهُ مِنْ بَابِ الْمَدِّ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مِدَادًا يُسْتَمَدُّ مِنْهُ لِلْقَلَمِ.
{لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] عِلْمُهُ الَّذِي خَلَقَ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: 109] يَعْنِي: لِعِلْمِ رَبِّي وَعَجَائِبِهِ، {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: 109] ، يَعْنِي: عِلْمَ رَبِّي وَعَجَائِبَهُ.
قَوْلُهُ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لَهُ: مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا.
فَقَالَ اللَّهُ: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: 110] وَلَكِنْ: {يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] وَأَنْتُمْ لا يُوحَى إِلَيْكُمْ.
{يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: 110] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ يَعْنِي: فَمَنْ كَانَ يَخْشَى الْبَعْثَ.
{فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] يَقول: لا يُرِيدُ بِذَلِكَ غَيْرَ اللَّهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: يُخْلِصُ لَهُ الْعَمَلَ، فَإِنَّهُ لا يَقْبَلُ إِلا مَا أُخْلِصَ لَهُ.
حَدَّثَنِي الْفُرَاتُ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ طَاوُسَ أَنَّ رَجُلا قَالَ:(1/211)
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَقِفُ الْمَوَاقِفَ أُرِيدُ وَجْهَ اللَّهِ وَأُحِبُّ أَنْ يُرَى مَكَانَي.
فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ شَيْئًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] .
- هَمَّامٌ وَهِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ» .
هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ: مَنْ حَفِظَ خَاتِمَةَ سُورَةِ الْكَهْفِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ لَدُنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ.(1/212)
مريم
تَفْسِيرُ سورة مريم وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا وَهِيَ تِسْعُونَ وَثَمَانِ آيَاتٍ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {كهيعص} [سورة مريم: 1] .
كَانَ الْكَلْبِيُّ يَقُولُ: كَافٍ، هَادٍ، عَالِمٌ، صَادِقٌ.
وَيَقُولُ: كَافٍ لِخَلْقِهِ، هَادٍ لِعِبَادِهِ، عَالِمٌ بِأَمْرِهِ، صَادِقٌ فِي قَوْلِهِ.
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: لا أَدْرِي مَا تَفْسِيرُهُ غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانُوا يَقُولُونَ: أَسْمَاءُ السِّوَرِ وَمَفَاتِيحُهَا.
قَالَ: ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلامَ فَقَالَ: {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: 2] يَقُولُ: ذِكْرُهُ لِزَكَرِيَّا رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُ.
{إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} [مريم: 3] دُعَاءً لا رِيَاءَ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: خَفِيًّا، سِرًّا.
حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ قَالَ: دَعْوَةُ السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ فِي الْعَلانِيَةِ.(1/213)
{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: 4] ضَعُفَتِ الْعِظَامُ مِنِّي فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: ضَعُفَ.
{وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: 4] قَالَ يَحْيَى: رَقَّ.
قَالَ: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ} [مريم: 4] أَيْ: بِدُعَائِي إِيَّاكَ.
{رَبِّ شَقِيًّا} [مريم: 4] يَقُولُ: لَمْ أَزَلْ بُدُعَائِكَ سَعِيدًا لَمْ تَرْدُدْهُ عَلَيَّ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يَكُنْ دُعَائِي مِمَّا يَخِيبُ عِنْدَكَ.
قَوْلُهُ: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم: 5] أَيِ: الْوَرَثَةَ مِنْ بَعْدِي، يَعْنِي: الْعُصْبَةَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، الَّذِينَ يَرِثُونَ مَالَهُ.
فَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ مِنْ صُلْبِهِ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ.
فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: وَيَرِثُ مَالَهُ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَرِثُ عِلْمَهُ وَنُبُوَّتَهُ.
- قَالَ سَعِيدٌ: قَالَ قَتَادَةُ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ زَكَرِيَّاءَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ وَرِثَهُ» .
- وَحَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَحِمَ اللَّهُ زَكَرِيَّاءَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مَنْ وَرِثَهُ» .
قَوْلُهُ: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم: 5] أَيْ: لا تَلِدُ.
{فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ} [مريم: 5] مِنْ عِنْدِكَ.
{وَلِيًّا} [مريم: 5] يَعْنِي: الْوَلَدَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6] مُلْكَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ.
كَانَتِ امْرَأَةُ زَكَرِيَّاءَ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ لَيْسَ يَعْنِي يَعْقُوبَ الأَكْبَرَ، يَعْقُوبُ دُونَهُ.(1/214)
{وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 6] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ.
{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: 7] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَحْيَاهُ اللَّهُ بِالإِيمَانِ.
قَوْلُهُ: {لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 7] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمْ يُسَمِّ بِهِ أَحَدًا قَبْلَهُ، يَعْنِي يَحْيَى.
وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ تَلِدِ الْعَوَاقِرُ قَبْلَهُ يَقُولُ: {سَمِيًّا} [مريم: 7] ، يُسَامِيهِ، نَظِيرٌ لَهُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} [مريم: 8] يَقُولُ: مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لِي غُلامٌ؟ {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم: 8] لا تَلِدُ.
{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم: 8] قَالَ الْحَسَنُ: أَرَادَ زَكَرِيَّاءُ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} [مريم: 8] قَالَ مُجَاهِدٌ: قُحُولُ الْعَظْمِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْعِتِيُّ: الْيَبِسُ.
وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عُسِيًّا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَبِسَ جِلْدِي عَلَى عَظْمِي.
{قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ} [مريم: 9] قَالَ لَهُ الْمَلَكُ: {قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ} [مريم: 9] .
{هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: 9] اللَّهُ يَقُولُهُ، وَهُوَ كَلامٌ مَوْصُولٌ أَخْبَرَ بِهِ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ:(1/215)
أُعْطِيكَ هَذَا الْوَلَدَ.
{وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: 9] {قَالَ} [مريم: 10] زَكَرِيَّاءُ.
{رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] يَعْنِي صَحِيحًا مِنْ غَيْرِ خَرَسٍ وَلا دَاءٍ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: صَحِيحًا لا يَمْنَعُكَ الْكَلامَ لِمَرَضٍ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِنَّمَا عُوقِبَ لأَنَّهُ سَأَلَ الآيَةَ بَعْدَمَا شَافَهَتْهُ الْمَلائِكَةُ مُشَافَهَةً وَبَشَّرَتْهُ بِيَحْيَى، فَأُخِذَ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ، فَجَعَلَ لا يَفِيضُ الْكَلامَ، أَيْ: لا يُبَيِّنُ الْكَلامَ إِلا مَا أَوْمَأَ إِيمَاءً وَهُوَ قَوْلُهُ: {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] ، إِيمَاءً.
قَوْلُهُ: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ} [مريم: 11] قَالَ الْحَسَن: مِنَ الْمَسْجِدِ.
{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} [مريم: 11] أَيْ: أَوْمَأَ إِلَيْهِمْ.
وقَالَ مُجَاهِدٌ: أَشَارَ إِلَيْهِمْ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
وقَالَ السُّدِّيُّ: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} [مريم: 11] يَقُولُ: كَتَبَ لَهُمْ.
{أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] يَعْنِي بِهِ الصَّلاةَ، صَلاةَ الْغَدَاةِ وَصَلاةَ الْعَصْرِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11] أَيْ: أَنْ صَلُّوا لِلَّهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ.
قَوْلُهُ: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: بِجِدٍّ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: بِالْجِدِّ وَالْمُوَاظَبَةِ.(1/216)
{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} [مريم: 12] يَعْنِي: الْفَهْمَ وَالْعَقْلَ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ فِي صِغَرِهِ يَقُولُ لَهُ الصِّبْيَانُ: يَا يَحْيَى تَعَالَ نَلْعَبُ، فَيَقُولُ: لَيْسَ لِلَّعِبِ خُلِقْنَا.
قَوْلُهُ: {وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} [مريم: 13] أَيْ: مِنْ عِنْدِنَا، أَيْ: وَأَعْطَيْنَاهُ حَنَانًا مِنْ لَدُنَّا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَعَطُّفًا مِنْ رَبِّهِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: أَيْ: رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْحَنَانُ، الرَّحْمَةُ.
وَهُوَ نَحْوٌ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {وَزَكَاةً} [مريم: 13] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الزَّكَاةُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ.
قَالَ يَحْيَى: رُوِّيتُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ فِي { [طه:] وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى {75} جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى {76} } [سورة طه: 75-76] وقَالَ الْحَسَن: زَكَاةٌ لِمْنَ قبل عَنْهُ حَتَّى يَكُونُوا أَزْكِيَاءَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الزَّكَاةُ الصَّدَقَةُ.
قَوْلُهُ: {وَكَانَ تَقِيًّا} [مريم: 13]
- الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ آدَمِيٍّ» وَقَالَ الرَّبِيعُ: «مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ وَلَدِ آدَمَ إِلا وَقَدْ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ هَمَّ بِهِ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ لَمْ يُصِبْ ذَنْبًا وَلَمْ يَهُمَّ بِهِ» .
وَقَالَ الْمُبَارَكُ: مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا قَدْ عَمِلَ خَطِيئَةً أَوْ هَمَّ بِهَا إِلا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّاءَ.(1/217)
قَوْلُهُ: {وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ} [مريم: 14] يَعْنِي: مُطِيعًا لِوَالِدَيْهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} [مريم: 14] مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ} [مريم: 15] يَعْنِي: حِينَ وُلِدَ.
{وَيَوْمَ يَمُوتُ} [مريم: 15] يَعْنِي: وَحِينَ يَمُوتُ.
{وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 15] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ يَحْيَى وَعِيسَى الْتَقَيَا، فَقَالَ لَهُ عِيسَى: اسْتَغْفِرْ لِي أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي.
وَقَالَ لَهُ الآخَرُ: اسْتَغْفِرْ لِي، أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي.
فَقَالَ لَهُ عِيسَى: أَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي.
قَالَ عِيسَى: إِنِّي سَلَّمْتُ عَلَى نَفْسِي وَسَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ.
قَالَ الْحَسَنُ: عُرِفَ وَاللَّهِ فَضْلُهَا.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَحْيَى: {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 15] وَقَالَ عِيسَى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 30-31] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33] قَوْلُهُ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} [مريم: 16] يَقُولُ لِلنَّبِيِّ: أَيِ: اقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ يَعْنِي أَمْرَ مَرْيَمَ.
وَقَالَ السُّدِّيِّ: يَقُولُ: اذْكُرْ لأَهْلِ مَكَّةَ أَمْرَ مَرْيَمَ.
قَالَ: {إِذِ انْتَبَذَتْ} [مريم: 16] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِذِ انْفَرَدَتْ.
{مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا {16} فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مريم: 16-17] يَعْنِي جِبْرِيلَ.(1/218)
{فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم: 17] يَعْنِي سَوِيَّ الْخَلْقِ، بَشَرًا فِي صُورَةِ الْبَشَرِ وَخَلْقِهِمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيْهَا فِيمَا يُذْكَرُ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ آدَمَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ زَكَرِيَّاءُ كِفْلُ مَرْيَمَ وَكَانَتْ أُخْتُهَا تَحْتَهُ، وَكَانَتْ تَكُونُ فِي الْمِحْرَابِ، فَلَمَّا أَدْرَكَتْ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ أَخْرَجَهَا إِلَى مَنْزِلِهِ إِلَى أُخْتِهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْمِحْرَابِ.
فَطَهُرَتْ مَرَّةً، فَلَمَّا فَرَغَتْ مِنْ غُسْلِهَا قَعَدَتْ فِي مَشْرَقَةٍ فِي نَاحِيَةِ الدَّارِ وَعَلَّقَتْ عَلَيْهَا ثَوْبًا سُتْرَةً.
فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ.
{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم: 18] قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا لَهُ فَاجْتَنَبْنِي.
{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا} [مريم: 19] أَيْ: صَالِحًا.
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ} [مريم: 20] مِنْ أَيْنَ يَكُونُ لِي غُلامٌ.
{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [مريم: 20] وَلَمْ يُجَامِعْنِي زَوْجٌ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
{وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20] أَيْ: وَلَمْ أَكُ زَانِيَةً.
{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: 21] أَنْ أَخْلُقَهُ.
{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا} [مريم: 21] لِمَنْ قَبِلَ عَنْهُ دِينَهُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: 21] كَائِنًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي كَانَ عِيسَى أَمْرًا مِنَ اللَّهِ مَكْتُوبًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّهُ يَكُونُ.
فَأَخَذَ جِبْرِيلُ جَيْبَهَا بِأُصْبَعِهِ فَنَفَخَ فِيهِ، فَصَارَ إِلَى بَطْنِهَا فَحَمَلَتْ.(1/219)
قَالَ: {فَحَمَلَتْهُ} [مريم: 22] قَالَ الْحَسَنُ: تِسْعَةُ أَشْهُرٍ فِي بَطْنِهَا.
قَوْلُهُ: {فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} [مريم: 22] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ فَانْفَرَدَتْ بِهِ مَكَانًا شَاسِعًا مُنْتَحِيًا.
{فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ} [مريم: 23] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: أَلْجَأَهَا الْمَخَاضُ.
{إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: 23] قَالَ الْحَسَنُ: مِمَّا خَشِيَتْ مِنَ الْفَضِيحَةِ.
{وَكُنْتُ نَسْيًا} [مريم: 23] لا أَذْكُرُ.
{مَنْسِيًّا} [مريم: 23] لَمْ أُذْكَرْ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: قَالَتْ: أَيْ شَيْءٌ لا يُعْرَفُ وَلا يُذْكَرُ.
وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ: وَكنت حيضة نسيتها.
وَذَكَرَ حَمَّادٌ الْمَرْأَةَ النَّسُوءَ.
وَقَالَ حَمَّادٌ: النَّسُوءُ الَّتِي يُظَنُّ بِهَا حَمْلٌ فَلا يَكُونُ كَذَلِكَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: 23] قَالَ: الْقَوْمُ يَنْزِلُونَ الْمَنْزِلَ ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ وَيَنْسَوْنَ الشَّيْءَ فَيُسَمَّى ذَلِكَ الشَّيْءُ: النَّسَا.
قَوْلُهُ: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} [مريم: 24] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ الْمَلَكُ، يَعْنِي جِبْرِيلَ.
وَقَوْلُهُ: {تَحْتِهَا} [مريم: 24](1/220)
قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ مَنْ يَقُولُ: تَحْتَهَا مِنَ الأَرْضِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {تَحْتِهَا} [مريم: 24] يَعْنِي عِيسَى.
- {أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [مريم: 24] حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: هُوَ الْجَدْوَلُ.
قَوْلُهُ: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: 25] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ عَجْوَةً.
يَسَّاقَطْ عَلَيْكِ الْجِذْعُ.
{رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25] وَكَانَ جِذْعُ النَّخْلَةِ يَابِسًا.
وَمَنْ قَرَأَهَا: {تُسَاقِطْ} [مريم: 25] يَقُولُ: النَّخْلَةُ.
{تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} [مريم: 25] حِينَ اجْتُنِيَ.
{فَكُلِي وَاشْرَبِي} [مريم: 26] فَكُلِي مِنَ الرُّطَبِ وَاشْرَبِي مِنَ الْجَدْوَلِ.
وَالسَّرِيُّ هُوَ الْجَدْوَلُ، وَهُوَ النَّهْرُ، وَهُوَ بِالسِّرْيَانِيَّةِ سريا.
قَالَ: {وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: 26] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ تُقْرَأُ فِي الْحَرْفِ الأَوَّلِ: صَمْتًا.
وَبَلَغَنِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا: صَوْمًا صَمْتًا.(1/221)
{فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي هَذَا الْكَلامِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِنَّمَا كَانَتْ آيَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا يَوْمَئِذٍ وَإِنْ شِئْتَ رَأَيْتَ امْرَأَةً سَفِيهَةً تَقُولُ: أَصُومُ صَوْمَ مَرْيَمَ وَلا تَتَكَلَّمُ فِي صَوْمِهَا.
قَوْلُهُ: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ} [مريم: 27] لَقَدْ أَتَيْتِ.
{شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27] يَعْنِي عَظِيمًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.
{يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ} [مريم: 28] رَجُلَ سُوءٍ، يَعْنِي مَا كَانَ زَانِيًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] يَعْنِي وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ زَانِيَةً.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى وَلَكِنَّهُ هَارُونُ آخَرُ كَانَ يُسَمَّى هَارُونَ الصَّالِحَ الْمُحَبَّبَ فِي عَشِيرَتِهِ.
ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ اتَّبَعَ جَنَازَتَهُ يَوْمَ مَاتَ أَرْبَعُونَ أَلْفًا كُلُّهُمْ يُسَمَّى هَارُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
أَيْ فَقَالُوا: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28] فِي عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 28] قَوْلُهُ: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم: 29] بِيَدِهَا.
قَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَتْهُمْ بِكَلامِهِ.
{قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ} [مريم: 29] يَعْنِي: مَنْ هُوَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم: 29] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْمَهْدُ، الْحِجْرُ.
فَقَالَ عِيسَى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا {30} وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم: 30-31](1/222)
سَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوِفيِّينَ يَقُولُ: أَيْ مُعَلِّمًا، مُؤَدِّبًا.
{وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا {31} وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} [مريم: 31-32] أَيْ: وَجَعَلَنِي بَرًّا بِوَالِدَتِي، يَعْنِي مُطِيعًا لأَمْرِ مَرْيَمَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا} [مريم: 32] مُسْتَكْبِرًا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ، وَلَمْ يَجْعَلْنِي {شَقِيًّا} [مريم: 32] {وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ} [مريم: 33] حِينَ.
{وُلِدْتُ وَيَوْمَ} [مريم: 33] وَحِينَ.
{أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى بَلَغَ مَبْلَغَ الْغِلْمَانِ.
قَالَ اللَّهُ: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ} [مريم: 34] قَالَ الْحَسَنُ: وَالْحَقُّ هُوَ اللَّهُ.
هُوَ قَوْلُهُ.
{الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم: 34] قَالَ قَتَادَةُ: امْتَرَتْ فِيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
أَمَّا الْيَهُودُ فَزَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَزَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ اللَّهِ وَثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَإِلَهٌ.
قَالَ اللَّهُ: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ} [مريم: 35] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقُولُونَ.
{إِذَا قَضَى أَمْرًا} [مريم: 35] يَعْنِي عِيسَى كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم: 35] قَوْلُهُ: {وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم: 36] هَذَا قَوْلُ عِيسَى لَهُمْ.
قَوْلُهُ: {فَاخْتَلَفَ الأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} [مريم: 37] فِي الدِّينِ، يَعْنِي النَّصَارَى، فَتُجَادِلُوا(1/223)
فِي عِيسَى، فَقَالَتِ النُّسْطُورِيَّةُ: عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، تَعَالَى رَبُّنَا عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17] جَلَّ رَبُّنَا عَنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْملكَانِيُّونَ: {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة: 73] قَالُوا: اللَّهُ إِلَهٌ، وَعِيسَى إِلَهٌ، وَمَرْيَمُ إِلَهٌ.
تَعَالَى رَبُّنَا عَنِ اتِّخَاذِ الأَبْنَاءِ وَمُحَاوَزَةِ الشُّرَكَاءِ، وَتَقَدَّسَ عَنْ مُلامَسَةِ النِّسَاءِ.
فَهُوَ كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ عَزَّ وَجَلَّ.
هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عِيسَى لَمَّا رُفِعَ انْتَخَبَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَرْبَعَةً مِنْ فُقَهَائِهِمْ، فَقَالُوا لِلأَوَّلِ: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ قَالَ: هُوَ اللَّهُ هَبَطَ إِلَى الأَرْضِ فَخَلَقَ مَا خَلَقَ وَأَحْيَا ثُمَّ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ.
فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَكَانَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى.
فَقَالَ الثَّلاثَةُ الآخَرُونَ: نَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ.
فَقَالُوا لِلثَّانِي: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ فَقَالَ: هُوَ ابْنُ اللَّهِ.
فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَكَانَتِ النُّسْطُورِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى.
فَقَالَ الاثْنَانِ الآخَرَانِ: نَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ.
فَقَالُوا لِلثَّالِثِ: مَا تَقُولُ فِي عِيسَى؟ فَقَالَ: هُوَ إِلَهٌ، وَأُمُّهُ إِلَهٌ، وَاللَّهُ إِلَهٌ.
فَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ فَكَانَتِ الإِسْرَائِيلِيَّةُ مِنَ النَّصَارَى.
فَقَالَ الرَّابِعُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ، وَلَكِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ مِنْ كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ.
فَاخْتَصَمَ الْقَوْمُ، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يُطْعِمُ الطَّعَامَ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُطْعِمُ الطَّعَامَ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
قَالَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عِيسَى كَانَ يَنَامُ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَنَامُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَخَصَمَهُمُ الْمُسْلِمُ.
فَاقْتَتَلَ الْقَوْمُ.
فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْيَعْقُوبِيَّةُ ظَهَرَتْ يَوْمَئِذٍ.
وَأُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ(1/224)
أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] قَالَ اللَّهُ: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [مريم: 37] قَالَ قَتَادَةُ: شَهِدُوا مَشْهَدًا عَظِيمًا.
قَوْلُهُ: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مريم: 38] قَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: مَا أَسْمَعَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَمَا أَبْصَرَهُمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: سَمِعُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ السَّمْعُ وَأَبْصَرُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمُ الْبَصَرُ.
قَالَ اللَّهُ: {لَكِنِ الظَّالِمُونَ} [مريم: 38] أَيِ الْمُشْرِكُونَ.
{الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [مريم: 38] بَيِّنٍ.
قَوْلُهُ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم: 39]
- حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثًا فِي الْبَعْثِ قَالَ: فَلَيْسَ مِنْ نَفْسٍ إِلا وَهُيَ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ وَبَيْتٍ فِي النَّارِ، قَالَ: وَهُوَ يَوْمُ الْحَسْرَةِ.
فَيَرَى أَهْلُ النَّارِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ: لَوْ عَلِمْتُمْ، فَتَأْخُذُهُمُ الْحَسْرَةُ.
وَيَرَى أَهْلُ الْجَنَّةِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي النَّارِ، قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَوْلا أَنَّ اللَّهَ مَنَّ عَلَيْكُمْ.
قَوْلُهُ: {إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ} [مريم: 39] يَعْنِي إِذْ وَجَبَ الْعَذَابُ فَوَقَعَ أَهْلُ النَّارِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- بَلَغَنِي عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: يُجَاءُ بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ حَتَّى يُجْعَلَ عَلَى السُّورِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَيَا أَهْلَ النَّارِ، هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ هَذَا الْمَوْتُ.
فَيَقُولُونَ: نَعَمْ.
فَيُذْبَحُ عَلَى السُّورِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ هَكَذا يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ، خُلُودٌ(1/225)
فَلا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ، خُلُودٌ فَلا مَوْتَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ} [مريم: 39]
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: إِذَا أَدْخَلَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ أُتِيَ بِالْمَوْتِ فَجُعِلَ عَلَى السُّورِ ثُمَّ يُنَادَى أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ، فَيُذْبَحُ عَلَى السُّورِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يُقَالُ لأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ: خُلُودٌ فَلا مَوْتَ.
- عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «إِذَا أَدْخَلَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَهُمَا يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لا مَوْتَةَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لا مَوْتَةَ وَكُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ» .
قَوْلُهُ: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ} [مريم: 39] فِي الدُّنْيَا.
وَهَذَا كَلامٌ مُسْتَقْبَلٌ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] قَوْلُهُ: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} [مريم: 40] نُهْلِكُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا.
{وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ} [مريم: 41] يَقُولُ: اذْكُرْ لأَهْلِ مَكَّةَ أَمْرَ إِبْرَاهِيمَ.
أَيِ: اقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ.
وَهُوَ تَفْسُيرُ السُّدِّيِّ.
إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا {41} إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَه لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا يَعْنِي الأَصْنَامَ.
يَا أَبَه إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ يَعْنِي النُّبُوَّةَ.
{فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم: 43] يَعْنِي دِينًا عَدْلا، وَهُوَ الإِسْلامُ.
وَهُوَ(1/226)
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، طَرِيقًا مُسْتَقِيمًا إِلَى الْجَنَّةِ.
يَا أَبَه لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا إِنَّ عِبَادَةَ الْوَثَنِ عِبَادَةُ الشَّيْطَانِ، لأَنَّ الْوَثَنَ لَمْ يَدْعُهُ إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ وَلَكِنَّ الشَّيْطَانَ دَعَاهُ إِلَى عِبَادَتِهِ كَقَوْلِهِ: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا} [النساء: 117] إِلا أَمْوَاتًا، شَيْئًا لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ، {وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا} [النساء: 117] قَوْلُهُ: يَا أَبَه إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا أَيْ: إِنَّكَ إِذَا نَزَلَ بِكَ
الْعَذَابُ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُكَ، وَمَا لَمْ يُنَزَّلِ الْعَذَابُ فَتَوْبَتُكَ مَقْبُولَةٌ إِنْ تُبْتَ.
وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَرْجُو أَنْ يَتُوبَ.
فَلَمَّا مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ ذَهَبَ ذَلِكَ الرَّجَاءُ.
قَوْلُهُ: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ} [مريم: 46] أَنْ تَعْبُدَهَا.
{لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} [مريم: 46] عَنْ شَتْمِهَا وَذَمِّهَا.
{لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46] بِالْحِجَارَةِ فَلأَقْتُلَنَّكَ بِهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46] يَعْنِي لأَشْتُمَنَّكَ.
{وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46] نا يَحْيَى قَالَ: نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَاهْجَرْنِي سَالِمًا.
نا يَحْيَى، قَالَ: نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: وَاهْجُرْنِي حِينًا.
نا يَحْيَى قَالَ: نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: وَاهْجُرْنِي طَوِيلا.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ وَأَطِلْ هِجْرَانِي.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ.
{سَلامٌ عَلَيْكَ} [مريم: 47] يَعْنِي رَدَّ خَيْرًا فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.(1/227)
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَهَذِهِ كَلِمَةُ حِلْمٍ.
{سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47] بِدُعَائِي فَلا يَرُدُّهُ عَلَيَّ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: إِنَّهُ كَانَ بِي رَحِيمًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَطِيفًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم: 47] فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ} [التوبة: 114] قَوْلُهُ: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم: 48] يَعْنِي أَصْنَامَهُمْ.
{وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} [مريم: 48] أَيْ عَسَى أَنْ أُسْعَدَ بِهِ.
قَوْلُهُ: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم: 49] يَعْنِي أَصْنَامَهُمْ.
{وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا} [مريم: 49] أَيْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.
{وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا} [مريم: 50] النُّبُوَّةَ.
{وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم: 50] رَفِيعًا، سُنَّةٌ يَقْتَدِي بِهِمْ مَنْ بَعْدَهُمْ وَثَنَاءً عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ، كَقَوْلِهِ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] أَبْقَيْنَا عَلَيْهِمُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ، وَكَقَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] أَبْقَيْنَا عَلَيْهِمُ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} [العنكبوت: 27] .
قَوْلُهُ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى} [مريم: 51] يَقُولُ: اذْكُرْ لأَهْلِ مَكَّةَ أَمْرَ مُوسَى.
أَيِ: اقْرَأْهُ عَلَيْهِمْ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(1/228)
{إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا {51} وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ} [مريم: 51-52] أيمن الجبل، وهو قوله: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى {11} إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه: 11-12] قَوْلُهُ: {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} [مريم: 52] حِينَ كَلَّمَهُ اللَّهُ.
{وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم: 53] جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ وَزِيرًا وَأَشْرَكَهُ مَعَهُ فِي الرِّسَالَةِ.
قَوْلُهُ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} [مريم: 54] يَقُوُل: اذْكُرْ لأَهْلِ مَكَّةَ أَمْرَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} [مريم: 54] نا يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبَانٌ الْعَطَّارُ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ وَعَدَ رَجُلا مَوْعِدًا فَجَاءَ الْمَوْعِدُ فَلَمْ يَجِدِ الرَّجُلَ، فَأَقَامَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَوْلا يَنْتَظِرُهُ.
قَوْلُهُ: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} [مريم: 55] وَأَهْلُهُ: قَوْمُهُ.
{وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم: 55] قَدْ رَضِيَ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ} [مريم: 56] يَقُولُ: اذْكُرْهُ لأَهْلِ مَكَّةَ.
{إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا {56} وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا {57} } [مريم: 56-57] نا يَحْيَى، قَالَ: نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ.
قَالَ: نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدا قَالَ: لَمْ يَمُتْ، رُفِعَ كَمَا رُفِعَ عِيسَى.
قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} [مريم: 58] أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ، يَعْنِي مَنْ ذُكِرَ مِنْهُمْ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ.
{مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} [مريم: 58] ذُرِّيَّةُ مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ مَعَ نُوحٍ.
كَانَ إِدْرِيسُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَ نُوحٍ، وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ.(1/229)
قَالَ: {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} [مريم: 58] وَهُوَ يَعْقُوبُ، وَهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا مَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ يَعْقُوبَ.
قَالَ: {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا} [مريم: 58] لِلإِيمَانِ.
{وَاجْتَبَيْنَا} [مريم: 58] بِالنُّبُوَّةِ.
وَتَفْسِيرُ اجْتَبَيْنَا اخْتَرْنَا، وَهُوَ أَيْضًا اصْطَفَيْنَا.
قَالَ: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [مريم: 59] حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْيَهُودُ.
{أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم: 59] قَالَ يَحْيَى: وَقَالَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا} [النساء: 27] الْيَهُودُ فِي نِكَاحِ بَنَاتِ الأَخِ.
- قَوْلُهُ: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59] حَدَّثَنِي شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَادِي فِي جَهَنَّمَ مِنْ حَمِيمٍ.
وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَادِي فِي جَهَنَّمَ بَعِيدُ الْقَعْرِ خَبِيثُ الطَّعْمِ.
نا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: نَهْرٌ فِي(1/230)
جَهَنَّمَ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ.
قَوْلُهُ: {إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} [مريم: 60] يَقُولُ: لا يُنْقِصُونَ شَيْئًا مِنْ حَسَنَاتِهِمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْئًا.
قَالَ: {جَنَّاتِ عَدْنٍ} [مريم: 61]
- أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَوْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَدْنٌ بُطْنَانُ الْجَنَّةِ.
وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: جَنَّةُ عَدْنٍ الَّتِي بِهَا مَوْطأ الرَّبِّ وَمَوْضِعُ عَرْشِهِ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ الْجِنَانَ تُنْسَبُ إِلَيْهَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: عَدْنٌ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ} [مريم: 61] وَعَدَهُمْ فِي الدُّنْيَا الْجَنَّةَ فِي الآخِرَةِ.
وَالْغَيْبُ الآخِرَةُ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] ، قَالَ: بِالْبَعْثِ، وَبِالْحِسَابِ وَبِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَهَذَا كُلُّهُ غَيْبٌ.
قَالَ: {إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا} [مريم: 61] قَوْلُهُ: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} [مريم: 62] قَالَ بَعْضُهُمْ: كَذِبًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَاطِلا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْصِيَةً.
وَهُوَ نَحْوٌ وَاحِدٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: حَلِفًا كَفِعْلِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِذَا شَرِبُوا الْخَمْرَ.(1/231)
قَالَ: {إِلا سَلامًا} [مريم: 62] قَالَ بَعْضُهُمْ: إِلا خَيْرًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ بَعْضُهْم: يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
قَوْلُهُ: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 62] نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا كُلَّ سَاعَةٍ، وَالْبُكْرَةُ وَالْعَشِيُّ سَاعَتَانِ مِنَ السَّاعَاتِ وَلَيْسَ ثَمَّ لَيْلٌ إِنَّمَا هُوَ ضَوْءٌ وَنُورٌ.
نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَيْسَ فِيهَا بُكْرَةٌ وَلَكِنْ يَؤْتُونَ بِهِ عَلَى مَا كَانُوا يَشْتَهُونَ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ إِذَا مَضَى ثَلاثُ سَاعَاتٍ أُوتُوا بِغَدَائِهِمْ، فَإِذَا بَقِيَتْ ثَلاثُ سَاعَاتٍ أُوتُوا بِعَشَائِهِمْ.
وَمِقْدَارُ النَّهَارِ عِنْدَهُمُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً فِي عَدَدِ نَهَارِ الدُّنْيَا.
- أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْجَنَّةُ بَيْضَاءُ تَتَلأْلأُ وَأَهْلُهَا بِيضٌ، لا يَنَامُ أَهْلُهَا، وَلَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ، وَلا لَيْلٌ مُظْلِمٌ، وَلا حَرٌّ وَلا بَرْدٌ يُؤْذِيهِمْ» .
- نا خَالِدٌ، عَنْ نُفَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي الْجَنَّةِ لَيْلٌ؟ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ظُلْمَةٌ، إِنَّ اللَّيْلَ ظُلْمَةٌ وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ ظُلْمَةٌ.
إِنَّ شَجَرَهَا نُورٌ، وَأَنْهَارَهَا نُورٌ، وَثَمَرَهَا نُورٌ، وَخَدَمَهَا نُورٌ» .
- نا خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "(1/232)
إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً آخِرُ رَجُلٍ يَدْخُلُهَا قَدْ مَسَّهُ سَفْعٌ مِنَ النَّارِ فَيُعْطَى فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ.
قَالَ: فَيَبْلُغُ حَيْثُ يَنْتَهِي بَصَرُهُ، وَيُفْسَحُ لَهُمْ فِي أَبْصَارِهِمْ فَيَبْلُغُ مُنْتَهَى بَصَرِهِ مَسِيرَةَ مِائَةِ سَنَةٍ كُلُّهُ لَهُ لَيْسَ فِيهِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَهُوَ عَامِرٌ، قُصُورُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَخِيَامُ اللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، لَيْسَ فِيهَا قَصْرٌ خَرِبٌ، فِيهَا أَزْوَاجُهُ وَخَدَمُهُ، يُغْدَى عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ بِسَبْعِينَ أَلْفَ صَحْفَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا لَوْنٌ لَيْسَ فِي الأُخْرَى، يَأْكُلُ مِنْ آخِرِهَا كَمَا يَأْكُلُ مِنْ أَوَّلِهَا.
وَيُرَاحُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا، لَوْ نَزَلَ بِهِ الْجِنُّ وَالإِنْسُ فِي غَدَاءٍ وَاحِدٍ لأَوْسَعَهُمْ وَلا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدَهُ شَيْئًا ".
- أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً لَلَّذِي يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ غُلامٍ، مَا مِنْهُمْ غُلامٌ إِلا وَبِيَدِهِ صَحْفَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا لَوْنٌ مِنَ الطَّعَامِ لَيْسَ فِي صَاحِبَتِهَا مِثْلُهُ يَجِدُ طَعْمَ أَوَّلِهَا كُلَّه وَآخِرِهَا، وَيَجِدُ لَذَّةَ آخِرِهَا كَطَعْمِ أَوَّلِهَا لا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا» .
ثُمَّ قَالَ: " أَلا تَسْأَلُونِي عَنْ أَرْفَعِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً؟ قَالُوا: بَلَى.
قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ أَرْفَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً لَلَّذِي يَسْعَى عَلَيْهِ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفِ غُلامٍ، مَا فِيهِمْ غُلامٌ إِلا وَبِيَدِهِ صَحْفَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا لَوْنٌ مِنَ الطَّعَامِ لَيْسَ فِي صَاحِبَتِهَا مِثْلُهُ، يَجِدُ طَعَامَ أَوَّلِهَا كَمَا يَجِدُ آخِرَهَا، لا يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
وَإِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَلَّذِي لَهُ مَسِيرَةُ أَلْفِ سَنَةٍ يَنْظُرُ إِلَى أَقْصَاهَا كَمَا يَنْظُرُ إِلَى أَدْنَاهَا، وَقُصُورُهُ دُرَّةٌ بَيْضَاءُ، وَيَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ، مُطَّرِدَةٌ فِيهَا أَنْهَارُهَا فِيهَا ثِمَارُهَا مُتَدَلِّيَةٌ ".
قَوْلُهُ: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63] حَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: «ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَاقْتَسِمُوهَا بِأَعْمَالِكُمْ» .
قَوْلُهُ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ} [مريم: 64] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا قَوْلُ جِبْرِيلَ.
احْتُبِسَ عَنِ النَّبِيِّ فِي بَعْضِ الْوَحْيِ(1/233)
فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَا جِئْتَ حَتَّى اشْتَقْتُ إِلَيْكَ» .
فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا} [مريم: 64] يَعْنِي مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ.
{وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، أَيْ إِذَا كُنَّا فِي الآخِرَةِ.
{وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ} [مريم: 64] مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْبَرْزَخُ، يَعْنِي: مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64] يَعْنِي مَا كَانَ قَبْلَ خَلْقِنَا وَمَا يَكُونُ بَعْدَ خَلْقِنَا.
قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا {64} رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم: 64-65] قَالَ الْحَسَنُ: لِمَا فُرِضَ عَلَيْكَ.
قَوْلُهُ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ عَدْلا.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ مِنْ قِبَلِ الْمُسَامَاةِ.
أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: اللَّهُ وَالرَّحْمَنُ اسْمَانِ مَمْنُوعَانِ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَنْتَحِلَهُمَا.
وَقَوْلُهُ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ إِنَّكَ لا تَعْلَمُهُ.
قَوْلُهُ: {وَيَقُولُ الإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [مريم: 66] هَذَا الْمُشْرِكُ يُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ(1/234)
السَّلامُ حَيْثُ جَاءَ بِعَظْمٍ نَخِرٍ فَفَتَّهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَيُحْيِي اللَّهُ هَذَا؟ وَتَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ يس.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوَلا يَذْكُرُ الإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67] فَالَّذِي خَلَقَهُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
ثُمَّ أَقْسَمَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم: 68] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{وَالشَّيَاطِينَ} [مريم: 68] الَّذِينَ دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} [مريم: 68] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عَلَى رُكَبِهِمْ.
قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا قَبْلَ دُخُولِهِمُ النَّارَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {جِثِيًّا} [مريم: 68] جَمَاعَةً جَمَاعَةً.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: جَمَاعَةٌ، كُلُّ أُمَّةٍ عَلَى حِدَتِهَا.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ} [مريم: 69] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي مِنْ كُلِّ أَهْلِ مِلَّةٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ.
قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي كُفَّارَهَا.
{أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} [مريم: 69] قَالَ مُجَاهِدٌ: كُفْرًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: شِدَّةٌ فِي الْقَسْوَةِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَشَدُّ مَعْصِيَةً.(1/235)
أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ نَزَلَ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، حَتَّى إِذَا اسْتَوَى عَلَى كُرْسِيِّهِ نَادَى بِصَوْتِهِ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] فَلا يُجِيبُهُ أَحَدٌ فَيَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ فَيَقُولُ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {16} الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {17} } [غافر: 16-17] ثُمَّ أَتَتْ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ تَسْمَعُ وَتُبْصِرُ وَتَتَكَلَّمُ
حَتَّى إِذَا أَشْرَفَتْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ نَادَتْ بِصَوْتِهَا: أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، بِمَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، أَوْ قَالَ بِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، أَوْ بِمَنْ دَعَا لِلَّهِ وَلَدًا، أَوْ بِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
ثُمَّ صَوَّبَتْ رَأْسَهَا وَسَطَ الْخَلائِقِ فَالْتَقَطَتْهُمْ كَمَا تَلْتَقِطُ الْحَمَامُ حَبَّ السِّمْسِمِ، ثُمَّ غَاضَتْ بِهِمْ فَأَلْقَتْهُمْ فِي النَّارِ.
ثُمَّ عَادَتْ حَتَّى إِذَا كَانَتْ مَكَانَهَا نَادَتْ: إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِمَنْ سَبَّ اللَّهَ، وَبِمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وَبِمَنْ آذَى اللَّهَ.
قَالَ: فَأَمَّا الَّذِي سَبَّ اللَّهَ فَالَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَوَلَدًا وَهُوَ وَاحِدٌ صَمَدٌ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4} } [الإخلاص: 3-4] وَأَمَّا الَّذِي كَذَبَ عَلَى اللَّهِ قَالَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {38} لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ {39} } [النحل: 38-39] وَأَمَّا الَّذِي
آذَى اللَّهَ فَالَّذِي يَصْنَعُ الصُّوَرَ.
فَتَلْتَقِطُهُمْ كَمَا تَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ حَتَّى تَغِيضَ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ.(1/236)
- الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: تَنْدَلِقُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فَتَقُولُ: إِنِّي أُمِرْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، فَتَلْتَقِطُهُمْ فَتَنْطَوِي عَلَيْهِمْ، فَتُلْقِيهِمْ فِي النَّارِ ثُمَّ تَرْجِعُ فَتَقُولُ: إِنِّي أُمِرْتُ.
قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي فِي الْحَدِيثِ الأَوَّلِ فِيمَا أَحْسِبُ.
مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ: تَنْزِلُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ فَتَقُولُ: إِنِّي أُمِرْتُ بِثَلاثَةٍ: بِالَّذِينَ كَذَّبُوا اللَّهَ، وَبِالَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ، وَبِالَّذِينَ آذَوُا اللَّهَ.
قَالَ: فَأَمَّا الَّذِينَ كَذَّبُوا اللَّهَ فَالَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُ وَكُتُبَهُ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ فَالَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ لَهُ وَلَدًا، وَأَمَّا الَّذِينَ آذَوُا اللَّهَ فَالْمُصَوِّرُونَ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} [مريم: 70] يَعْنِي الَّذِينَ يَصْلَوْنَهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَشَدُّ عَذَابًا.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: 71] يَعْنِي قَسَمًا كَائِنًا.
- حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] قَالَ: الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ مِثْلُ حَدِّ السَّيْفِ، وَالْمَلائِكَةُ مَعَهُمْ كَلابِيبُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا وَقَعَ رَجُلٌ اخْتَطَفُوهُ، فَيَمُرُّ الصِّنْفُ الأَوَّلُ كَالْبَرْقِ، وَالثَّانِي كَالرِّيحِ، وَالثَّالِثُ كَأَجْوَدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ كَأَجْوَدِ الْبَهَائِمِ، وَالْمَلائِكَةُ يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
- الْمُعَلَّى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ نَافِعُ بْنُ الأَزْرَقِ عَنْ قَوْلِهِ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَقَالَ نَافِعٌ: أَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّهُمْ يَرِدُونَهَا.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّهُمْ لا يَرِدُونَهَا.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ إِيَاسُ بْنُ مُضَرِّبٍ، فَقَالَ(1/237)
ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَّا أَنَا وَإِيَاسٌ فَإِنَّا سَنَرِدُهَا فَأَنْظُرُ هَلْ نَخْرُجَنَّ مِنْهَا أَمْ لا.
عُثْمَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] إِلا دَاخِلُهَا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بَرْدًا وَسَلامًا كَمَا جَعَلَهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي لأَرْجُو إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَلا يَدْخُلَ النَّارُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: بَلَى، فَانْتَهَرَهَا انْتِهَارًا شَدِيدًا، فَقَالَتْ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: 71] فَقَالَ النَّبِيُّ: أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 72] خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَهُ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَهُ.
وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: يُضْرَبُ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضٍ مَزَلَّةٍ، فَيَمُرُّونَ عَلَيْهِ كَالْبَرْقِ وَكَالرِّيحِ، وَكَانْقِضَاضِ الْكَوَاكِبِ، وَكَجَوَادِ الْخَيْلِ، وَكَجَوَادِ الرِّجَالِ، وَالْمَلائِكَةُ بِجَنْبَيِ الصِّرَاطِ مَعَهُمْ خَطَاطِيفُ كَشَوْكِ السَّعْدَانِ، فَنَاجٍ سَالِمٌ، وَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمُكَرْدَسٌ فِي النَّارِ، وَالْمَلائِكَةُ يَقُولُونَ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ.
- وأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُضْرَبُ الصِّرَاطُ عَلَى جَهَنَّمَ فَيَمُرُّ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ زُمَرًا: أَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، ثُمَّ كَأَسْرَعِ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَمُرَّ الرُّجُلُ سَعْيًا، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مَشْيًا.
وَفِي حَدِيثِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: وَتَزَلُّ قَدَمٌ وَتَسْتَمْسِكُ أُخْرَى.
قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: حَتَّى يَكُونَ آخِرُهُمْ رَجُلٌ يَتَلَبَّطُ عَلَى بَطْنِهِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لِمَ(1/238)
أَبْطَأْتَ بِي؟ فَيَقُولُ: لِمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ.
قَوْلُهُ: {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} [مريم: 72] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عَلَى رُكَبِهِمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَمَاعَةً جَمَاعَةً.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ} [مريم: 73] نَحْنُ وَأَنْتُمْ.
{خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم: 73] الْمَقَامُ: الْمَسْكَنُ، وَالنَّدِيُّ: الْمَجْمَعُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: النَّدِيُّ، الْمَجْلِسُ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُهُ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ لِهَؤُلاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: قَالَ قَتَادَةُ: رَأَوْا أَصْحَابَ نَبِيِّ اللَّهِ فِي عَيْشِهِمْ خُشُونَةٌ.
قَالَ اللَّهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74] مِنْهُمْ.
وَالأَثَاثُ: الْمَالُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْمَتَاعُ.
{وَرِئْيًا} [مريم: 74] مَنْ قَرَأَهَا مَهْمُوزَةً فَيَقُولُ: مَنْظَرًا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} [مريم: 74] أَكْثَرُ مَتَاعًا وَأَحْسَنُ مَرْآةً وَمَنْظَرًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَرِئْيًا، صِوَرًا.(1/239)
وَمَنْ قَرَأَهَا بِغَيْرِ هَمْزَةٍ فَيَقُولُ: وَرِيًّا مِنْ قِبَلِ الرَّوَاءِ.
وَإِنَّمَا عَيْشُ النَّاسِ بِالْمَطَرِ، بِهِ تَنْبُتُ زَرْعُهُمْ وَتَعِيشُ مَاشِيَتُهُمْ.
قَوْلُهُ: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ} [مريم: 75] هَذَا الَّذِي يَمُوتُ عَلَى ضَلالَتِهِ.
{فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: 75] هَذَا دُعَاءٌ، فَأَمَدَّ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا.
أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ أَنْ يَدْعُو بِهَذَا.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: فَلْيَدَعَهُ الرَّحْمَنُ فِي طُغْيَانِهِ.
قَالَ: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ} [مريم: 75] فِي الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ الآخِرَةِ.
{وَإِمَّا السَّاعَةَ} [مريم: 75] أَيْ وَإِمَّا عَذَابُ الآخِرَةِ، فَهُوَ الْعَذَابُ الأَكْبَرُ.
لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلا وَهُوَ يُحَذِّرُ أُمَّتَهُ عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابَهُ فِي الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَالَ: {فَسَيَعْلَمُونَ} [مريم: 75] عِنْدَ ذَلِكَ.
{مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا} [مريم: 75] أَهُمْ أَمِ الْمُؤْمِنُونَ.
{وَأَضْعَفُ جُنْدًا} [مريم: 75] فِي النُّصْرَةِ وَالْمَنَعَةِ.
أَيْ إِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ أَحَدٌ يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
قَالَ: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم: 76] يَعْنِي: يَزِيدُهُمْ إِيمَانًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [مريم: 76] قَالَ الْحَسَنُ: الْفَرَائِضُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ.(1/240)
- الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ لَقِيَ إِبْرَاهِيمَ النَّبِيَّ فَقَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةٌ تُرْبَتُهَا، طَيِّبٌ مَاؤُهَا، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ غَرْسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَسْحَمِ عُقْبَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَذَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ: سُبْحَانُ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
- وَحَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَصْحَابِهِ يَوْمًا: «خُذُوا جُنَّتَكُمْ» .
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ عَدُوٍّ حَضَرَ؟ قَالَ: «خُذُوا جُنَّتَكُمْ مِنَ النَّارِ» .
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا جُنَّتُنَا؟ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُقَدِّمَاتٍ، وَمُجَنِّبَاتٍ، وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ» .
قَوْلُهُ: {خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا} [مريم: 76] جَزَاءً فِي الآخِرَةِ.
{وَخَيْرٌ مَرَدًّا} [مريم: 76] خَيْرٌ عَاقِبَةً مِنْ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ.
قَوْلُهُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا} [مريم: 77] أَيْ فِي الآخِرَةِ.(1/241)
قَالَ اللَّهُ: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: 78] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، فَعَلِمَ مَا فِيهِ، أَيْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْغَيْبِ.
قَالَ: {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 78] أَيْ لَمْ يَفْعَلْ، وَتَفْسِيرُهُ فِي آخِرِ هَذِهِ الآيَةِ.
- أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي عِنْدَهُ دَرَاهِمُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ.
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ.
قَالَ: وَإِنِّي لَمَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَسَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ فَأَقْضِيكَ.
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 80]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَتَى رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَتَقَاضَاهُ دَيْنًا لَهُ فَقَالَ: أَلَيْسَ يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ حَرِيرًا وَذَهَبًا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمِيعَادُكُمُ الْجَنَّةُ.
فَوَاللَّهِ لا أُؤْمِنُ بِكِتَابِكُمُ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ {لأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا} [مريم: 77] .
قَالَ اللَّه: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: 78] فَعَلِمَ مَا لَهُ فِيهِ.
{أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 78] بِعَمَلٍ صَالِحٍ.
وَقَوْلُهُ: {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 78]
- حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ تَامَّاتٍ(1/242)
فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ تَامَّاتٍ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» .
وَقَدْ قَالَ سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 78] بِعَمَلٍ صَالِحٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْعَهْدُ التَّوْحِيدُ.
قَوْلُهُ: {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} [مريم: 79] يَعْنِي لا انْقِطَاعَ لَهُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} [النبأ: 30] قَوْلُهُ: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} [مريم: 80] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَرِثُهُ مَا عِنْدَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} [مريم: 80] مَالَهُ وَوَلَدَهُ.
وَكَذَلِكَ الَّذِي قَالَ الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ.
{وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 80] قَوْلُهُ: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا} [مريم: 81] كَقَوْلِهِ: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ} [يس: 74] وَإِنَّمَا يَرْجُونَ مَنْفَعَةَ أَوْثَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا، لا يُقِرُّونَ بِالآخِرَةِ.
قَالَ اللَّهُ: {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} [مريم: 82] فِي الآخِرَةِ وَفِي الدُّنْيَا.
{وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مريم: 82] فِي النَّارِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُرَنَاءُ فِي النَّارِ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَبْرَأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.(1/243)
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ يُقْرَنُ هُوَ وَشَيْطَانُهُ فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم: 83] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ} [مريم: 84] وَهَذَا وَعِيدٌ.
{إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84] الأَنْفَاسَ، يَعْنِي الأَجَلَ.
حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كُتِبَ فِي أَوَّلِ الصَّحِيفَةِ، أَجَلُهُ ثُمَّ يُكْتَبُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ: ذَهَبَ يَوْمَ كَذَا، وَذَهَبَ يَوْمَ كَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهِ.
- قَوْلُهُ: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ مَنْ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: عَلَى الإِبِلِ.
- وَبَلَغَنِي ثم، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} [مريم: 85] ، يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَكُونُ الْوَافِدُ إِلا الرَّاكِبَ؟ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ إِذَا خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمُ اسْتُقْبِلُوا بِنُوقٍ بِيضٍ لَهَا أَجْنِحَةٌ عَلَيْهَا رَحَائِلُ الذَّهَبِ، كُلُّ خُطْوَةٍ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ» .
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ وَخِدَاشٌ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي.
قَالَ: «هَاهُنَا، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ، إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالا وَرُكْبَانًا، وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ» .
- سَعِيد، عَن قَتَادَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَمْشِي عَلَى وَجْهِهِ؟ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ» .
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي رِشْدِينَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْخُثَيْمِ أَنَّهُ(1/244)
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: إِذَا بُنِيَتِ الْجَبَّانَةُ فَاخْرُجْ إِلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، فَإِنَّ النَّاسَ يُحْشَرُونَ ثَلاثَ أُمَمٍ: أُمَّةً عَلَى وُجُوهِهِمْ، وَأُمَّةً عَلَى أَقْدَامِهِمْ، وَأُمَّةً عَلَى الإِبِلِ.
قَوْلُهُ: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ} [مريم: 86] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم: 86] حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَمَّنْ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: عِطَاشًا.
وَحَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: عِطَاشًا وَاللَّهِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سِيقُوا إِلَيْهَا وَهُمْ ظِمَاءٌ قَدْ تَقَطَّعَتْ أَعْنَاقُهُمْ.
أَيْ مِنَ الْعَطَشِ.
قَوْلُهُ: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} [مريم: 87] قَدْ فَسَّرْنَا الْعَهْدَ فِي الآيَةِ الأُولَى.
وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ
- فَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى الثَّقَفِيُّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شَفَعَ النَّبِيُّ لأُمَّتِهِ، وَشَفَعَ الشَّهِيدُ لأَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمُؤْمِنُ لأَهْلِ بَيْتِهِ، وَتَبْقَى شَفَاعَةُ الرَّحْمَنِ.
يُخْرِجُ اللَّهُ أَقْوَامًا مِنَ النَّارِ قَدِ احْتَرَقُوا فِيهَا فَصَارُوا حُمَمًا، فَتَبْثُثْهُمْ بِالْعَرَاءِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَهْرًا مِنَ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ الْحَيَاةُ فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْغُثَاءُ فِي بَطْنِ الْمَسِيلِ، أَلا تَرَوْنَ أَنَّهُ يَبْدَأُ فَيَكُونُ(1/245)
أَبْيَضَ، ثُمَّ يَكُونُ أَصْفَرَ، ثُمَّ يَكُونُ أَخْضَرَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّكَ قَدْ رَأَيْتَهُ، قَالَ: ثُمَّ يَقُومُونَ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، فَإِذَا رَآهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ قَالُوا: هَؤُلاءِ
عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، فَهُمْ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، وَأَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً ".
- وَحَدَّثَنِي دُرُسْتُ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا أَزَالُ أَشْفَعُ حَتَّى أَقُولَ رَبِّ شَفِّعْنِي فِيمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهَا لَيْسَتْ لَكَ وَلَكِنَّهَا لِي» .
- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ الْكَلاعِيِّ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: نَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ....
قَالَ: فَرَفَعْتُ رَأْسِي مِنَ اللَّيْلِ فَإِذَا أَنَا لا أَرَى فِي الْعَسْكَرِ شَيْئًا أَطْوَلَ مِنْ مُؤَخِّرَةِ رَحْلٍ، قَدْ لُصِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَبَعِيرٍ بِالأَرْضِ.
فَقُمْتُ أَتَخَلَّلُ النَّاسَ حَتَّى دَفَعْتُ إِلَى مَضْجَعِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِيهِ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى الْفِرَاشِ فَإِذَا هُوَ بَارِدٌ.
فَخَرَجْتُ أَتَخَلَّلُ النَّاسَ وَأَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، ذُهِبَ بِرَسُولِ اللَّهِ، حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْعَسْكَرِ، فَإِذَا أَنَا بِسَوَادٍ.
فَمَضَيْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَرَجُلٌ أَوْ رَجُلانِ وَإِذَا بَيْنَ أَيْدِينَا صَوْتٌ كَدَوِيِّ الرَّحَا وَكَصَوْتِ الْقَصْبَاءِ حِينَ تُصِيبُهَا الرِّيحُ.
فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: يَا قَوْمُ اثْبُتُوا حَتَّى تُصْبِحُوا أَوْ يَأْتِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ.
فَلَبِثْنَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نَادَى....
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَفُلانٌ، وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، قُلْنَا: نَعَمْ، فَأَقْبَلَ إِلَيْنَا فَجِئْنَا نَمْشِي مَعَهُ لا نَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ وَلا يُخْبِرُنَا حَتَّى قَعَدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا خَيَّرَنِي رَبِّي اللَّيْلَةَ؟» .
قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: «إِنَّهُ خَيَّرَنِي بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ لِي نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ» .
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهَا قَالَ: «إِنَّهَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ» .
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةً يَدْعُو بِهَا فِي أُمَّتِهِ وَاسْتَخْبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً(1/246)
لأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَهُ.
هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَهُ.
الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ نَحْوَ ذَلِكَ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُيِّرْتُ بَيْنَ أَنْ يَدْخُلَ نِصْفُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ وَبَيْنَ الشَّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشَّفَاعَةَ» .
قَوْلُهُ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا {88} لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا {89} } [مريم: 88-89] لَقَدْ أَتَيْتُمُ شَيْئًا إِدًّا.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: عَظِيمًا.
قَوْلُهُ: {تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} [مريم: 90] يَنْشَقِقْنَ مِنْهُ.
{وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا {90} أَنْ دَعَوْا} [مريم: 90-91] بِأَنْ دَعَوْا.
{لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} [مريم: 91] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ كَعْبًا قَالَ: غَضِبَتِ الْمَلائِكَةُ وَأُسْعِرَتْ جَهَنَّمُ حِينَ قَالُوا مَا قَالُوا.
قَالَ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا {92} إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {93} } [مريم: 92-93] ثُمَّ قَالَ: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا {94} وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا {95} } [مريم: 94-95](1/247)
كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94] قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي قُلُوبِ أَهْلِ
الإِيمَانِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا تَأْتِي الْمَحَبَّةُ مِنَ السَّمَاءِ.
قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا قَذَفَ حُبَّهُ فِي قُلُوبِ الْمَلائِكَةِ وَقَذَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا فَمِثْلُ ذَلِكَ، لا يَمْلِكُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
- حَدَّثَنِي خِدَاشٌ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ عَجْلانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَلا يَزَالُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ: إِنَّ عَبْدِي فُلانًا يَلْتَمِسُ أَنْ يُرِضيَنِي، وَإِنَّ رَحْمَتِي عَلَيْهِ، قَالَ: فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى فُلانٍ، وَيَقُولُهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَقُولُهُ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ حَتَّى يَقُولَهُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ،
ثُمَّ يُهْبَطُ لَهُ إِلَى الأَرْضِ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ: وَهِيَ الآيَةُ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْكُمْ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ سَخَطَ اللَّهِ وَلا يَزَالُ بِذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ: إِنَّ عَبْدِي فُلانًا يَلْتَمِسُ أَنْ يُسْخِطَنِي، وَإِنَّ غَضَبِي عَلَيْهِ.
قَالَ: فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَى فُلانٍ.
وَيَقُولُهُ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَقُولُهُ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ، وَيَقُولُهُ أَهْلُ(1/248)
السَّمَوَاتِ السَّبْعِ حَتَّى يُهْبَطُ بِهِ إِلَى الأَرْضِ.
- وَحَدَّثَنِي مَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، قَالَ: ثُمَّ يَضَعُ لَهُ الْقَبُولَ فِي الأَرْضِ ".
يَقُولُ: الْمَوَدَّةَ.
قَالَ سُهَيْلٌ: وَأَحْسَبُهُ ذَكَرَ الْبُغْضَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96] يَعْنِي مَحَبَّةً، يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى أَوْلِيَائِهِ.
قَوْلُهُ: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ} [مريم: 97] يَعْنِي الْقُرْآنَ.
{بِلِسَانِكَ} [مريم: 97] يَا مُحَمَّدُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ: لَوْلا أَنَّ اللَّهَ يَسَّرَهُ بِلِسَانِ مُحَمَّدٍ مَا كَانُوا لِيَقْرَءُوهُ وَلا لِيَفْهَمُوهُ.
قَوْلُهُ: {لِتُبَشِّرَ بِهِ} [مريم: 97] بِالْقُرْآنِ.
{الْمُتَّقِينَ} [مريم: 97] بِالْجَنَّةِ.
{وَتُنْذِرَ بِهِ} [مريم: 97] بِالْقُرْآنِ النَّارَ.
{قَوْمًا لُدًّا} [مريم: 97] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ جُدَلاءُ بِالْبَاطِلِ وَذَوِي لَدَدٍ وَخُصُومَةٍ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي قُرَيْشًا وَكَقْوِلِه: {إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] إِلَى قَوْلِهِ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58](1/249)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لُدًّا} [مريم: 97] ، لا يَسْتَقِيمُونَ.
قَوْلُهُ: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} [مريم: 98] قَبْلَ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ.
{مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم: 98] قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هَلْ تَرَى مِنْ عَيْنٍ.
{أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ هَلْ تَسْمَعْ لَهُمْ مِنْ صَوْتٍ وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
أَيْ أَنَّكَ لا تَرَى مِنْهُمْ أَحَدًا وَلا تَسْمَعْ لَهُمْ صَوْتًا.(1/250)
طه
تَفْسِيرُ سورة طه وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {طه} [سورة طه: 1] حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: {طه} [طه: 1] : يَا رَجُلُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {طه} [طه: 1] : يَا رَجُلُ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: {طه} [طه: 1] يَا رَجُلُ.
قَالَ: وَهِيَ بِالنَّبَطِيَّةِ ثُمَّ قَالَ الضَّحَّاكُ: ايطه ايطه.
قَوْلُهُ: {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى} [طه: 2] يَقُولُ: يَا رَجُلُ {مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى} [طه: 2] .
أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: لِتَشْقَى فِي الصَّلاةِ كَقَوْلِهِ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] ، وَكَانُوا يُعَلِّقُونَ الْحِبَالَ بِصُدُورِهِمْ فِي الصَّلاةِ.
- وَحَدَّثَنِي خِدَاشٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى حَبْلًا مَمْدُودًا بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: " مَا هَذَا الْحَبْلُ، فَقَالُوا: فُلانَةٌ ابْنَةُ فُلانٍ تُصَلِّي فَإِذَا غُلِبَتْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، فَقَالَ: لَتُصَلِّ مَا(1/251)
عَقَلَتْ فَإِذَا غُلِبَتْ فَلْتَنَمْ ".
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَيُصَلِّ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ مَا عَقَلَ صَلاتَهُ، فَإِذَا اسْتَعْجَمَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ فَلْيَنَمْ» .
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ إِنَّهُ شَقِيٌّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ.
قَوْلُه: {إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 3] يَقُولُ: وَإِنَّمَا أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى اللَّهَ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلَمْ يَقْبَلِ التَّذْكِرَةَ.
قَوْلُهُ: {تَنْزِيلا} [طه: 4] أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَنْزِيلا.
قَالَ: {مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى} [طه: 4] يَعْنِي نَفْسَهُ.
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]
- حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بَيْنَ هَذِهِ السَّمَاءِ وَبَيْنَ الَّتِي فَوْقَهَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَغِلَظُهَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَغِلَظُهَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ هَكَذَا، قَالَ: وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَبَيْنَ الْعَرْشِ كَمَا بَيْنَ سَمَاءَيْنِ، وَغِلَظُ هَذِهِ الأَرْضِ
مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَغِلَظُهَا مَسِيرَةُ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ، حَتَّى عَدَّ سَبْعَ أَرَضِينَ هَكَذَا ".
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى قَرْنِهِ الْعَرْشُ، وَبَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ خَفَقَانُ الطَّيْرِ(1/252)
مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ سَنَةٍ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ ".
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ اسْمَهُ زُرَوْفِيلُ.
قَوْلُهُ: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} [طه: 6] الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: الثَّرَى، الَّذِي تَحْتَ الْمَاءِ، الَّذِي يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَهُوَ يَعْلَمُ مَا تَحْتَ ذَلِكَ الثَّرَى الَّذِي مُسْتَقَرُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الثَّرَى كُلُّ شَيْءٍ مُبْتَلٍّ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: السِّرُّ مَا حَدَّثْتَ بِهِ نَفْسَكَ، وَأَخْفَى مِنْهُ مَا هُوَ كَائِنٌ مِمَّا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَكَ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: السِّرُّ مَا أَخْفَيْتَ فِي نَفْسِكَ، وَأَخْفَى مِنْهُ مَا عَلِمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّكَ عَامِلٌ.
قَوْلُهُ: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8]
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً غَيْرَ وَاحِدٍ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [طه: 9] أَيْ: قَدْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَقُولُ: قَدْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى.
{إِذْ رَأَى نَارًا} [طه: 10] أَيْ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نُورًا.
{فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [طه: 10] يَعْنِي: أَنِّي رَأَيْتُ نُورًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(1/253)
{لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ} [طه: 10] وقَالَ فِي آية أخرى: {سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل: 7] لِكَيْ تَصْطَلُوا، وَكَانَ شَاتِيًا.
وَقَالَ فِي هَذِهِ: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: 10] هُدَاةً يَهْدُونَهُ الطَّرِيقَ فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: مُرْشِدًا لِلطَّرِيقِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ، كَانَ يَمْشِي مُتَوَكِّلًا عَلَى رَبِّهِ مُتَوَجِّهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ.
قَوْلُهُ: {فَلَمَّا أَتَاهَا} [طه: 11] يَعْنِي: أَتَى النَّارَ الَّتِي ظَنَّ أَنَّهَا نَارٌ.
{نُودِيَ يَا مُوسَى {11} إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: 11-12] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتَا مِنْ جِلْدِ حِمَارٍ مَيِّتٍ.
فَخَلَعَهُمَا ثُمَّ أَتَى.
قَوْلُهُ: {إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} [طه: 12] وَالْمُقَدَّسُ: الْمُبَارَكُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قُدِّسَ مَرَّتَيْنِ، أَيْ بُورِكَ مَرَّتَيْنِ، وَاسْمُهُ طُوًى.
الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: {طُوًى} [طه: 12] يَعْنِي: إِيطَأِ الْوَادِي.
وَقَالَ الْحَسَنُ: طُوِيَ بِالْبَرَكَةِ مَرَّتَيْنِ.
قَوْلُهُ: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ} [طه: 13] أَيْ لِرِسَالَتِي وَلِكَلامِي.
{فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه: 13] إِلَيْكَ.(1/254)
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]
- هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلا ذَلِكَ» .
قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: لأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ صَلاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» .
قَالَ قَتَادَةُ: لأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]
- سَعِيدٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَسِيَ الصَّلاةَ أَوْ نَامَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» .
قَالَ قَتَادَةُ: لأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: إِذَا صَلَّى الْعَبْدُ ذَكَرَ اللَّهَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ السَّاعَةَ} [طه: 15] يَعْنِي الْقِيَامَةَ.
{آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15]
- حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه: 15] مِنْ نَفْسِي.(1/255)
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي.
وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَضَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَلا تَأْتِيكُمُ السَّاعَةُ إِلا بَغْتَةً.
قَوْلُهُ: {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15] إِنَّمَا تَجِيءُ السَّاعَةُ {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15] بِمَا تَعْمَلُ.
قَوْلُهُ: {فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} [طه: 16] عَنِ الإِيمَانِ بِهَا، بِالسَّاعَةِ.
{مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [طه: 16] يَعْنِي شَهْوَتَهُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَتَرْدَى} [طه: 16] فِي النَّارِ.
وَالتَّرَدِّي التَّبَاعُدُ مِنَ اللَّهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَتَرْدَى} [طه: 16] يَقُولُ: فَتُهْلَكُ.
قَوْلُهُ: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] يَسْأَلُهُ عَنِ الْعَصَا الَّتِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا.
{قَالَ} [طه: 18] مُوسَى.
{هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} [طه: 18] قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ يَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِهِ وَرَقَ الشَّجَرِ، أَيْ يَخْبِطُ بِهَا وَرَقَ الشَّجَرِ لِغَنَمِهِ.
{وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْمَآرِبُ، الْحَوَائِجُ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْحَوَائِجِ الأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ يَسْتَظِلُّ بِهَا.
قَالَ: {أَلْقِهَا يَا مُوسَى {19} فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى {20} } [طه: 19-20] أَيْ: تَزْحَفُ عَلَى بَطْنِهَا بِسُرْعَةٍ.(1/256)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ أشعر ذكر.
قَوْلُهُ: {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} [طه: 21] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالا: أَيْ عَلَى هَيْئَتِهَا الأُولَى: عَصًا.
قَوْلُهُ: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} [طه: 22] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: أَمَرَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ تَحْتَ عَضُدِهِ.
قَوْلُهُ: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه: 22] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، قَالا: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَخْرَجَهَا وَاللَّهِ كَأَنَّهَا مِصْبَاحٌ، فَعَلِمَ مُوسَى أَنْ قَدْ لَقِيَ رَبَّهُ.
قَوْلُهُ: {آيَةً أُخْرَى} [طه: 22] الْيَدُ بَعْدَ الْعَصَا.
قَوْلُهُ: {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} [طه: 23] الْعَصَا وَالْيَدُ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى} [النازعات: 20] الْيَدَ وَالْعَصَا وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا} [الزخرف: 48] كَانَتِ الْيَدُ أَكْبَرَ مِنَ الْعَصَا.
قَوْلُهُ: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 24] يَعْنِي: إِنَّهُ كَفَرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّهُ عَصَى اللَّهَ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
{قَالَ} [طه: 25] مُوسَى.
{رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه: 25] أَيْ: وَسِّعْ لِي صَدْرِي.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
دُعَاءٌ أَنْ يَشْرَحَ لَهُ صَدْرَهُ بِالإِيمَانِ.(1/257)
{وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي {26} وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي {27} يَفْقَهُوا قَوْلِي {28} } [طه: 26-28] فَفَعَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ بِهِ.
وَكَانَتِ الْعُقْدَةُ الَّتِي كَانَتْ فِي لِسَانِهِ أَنَّهُ تَنَاوَلَ لِحْيَةَ فِرْعَوْنَ وَهُوَ صَغِيرٌ، فَهَمَّ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِهِ وَقَالَ: هَذَا عَدُوٌّ لِي.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّ هَذَا صَغِيرٌ لا يَعْقِلُ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ ذَلِكَ فَادْعُ بِتَمْرَةٍ وَجَمْرَةٍ فَاعْرِضْهُمَا عَلَيْهِ.
فَأَتَى بِتَمْرَةٍ وَجَمْرَةٍ فَعَرَضَهُمَا عَلَيْهِ فَتَنَاوَلَ الْجَمْرَةَ فَأَلْقَاهَا فِي فِيهِ، فَمِنْهَا كَانَتِ الْعُقْدَةُ الَّتِي فِي لِسَانِهِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: لَمَّا تَنَاوَلَ لِحْيَةَ فِرْعَوْنَ، قَالَ فِرْعَوْنُ: هَذَا عَدُوٌّ لِي.
وَإِنَّمَا قَالَتْ لَهُ ذَلِكَ تَرُدُّ عَنْ مُوسَى عُقُوبَتِهِ.
قَوْلُهُ: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} [طه: 29] أَيْ عَوِينًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{هَارُونَ أَخِي {30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي {31} } [طه: 30-31] يَعْنِي عَوْنِي.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: قُوَّتِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ظَهْرِي.
{وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 32] وَكَانَ الْحَسَنُ يَقْرَأُهَا بِالرَّفْعِ.
وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا بِالنَّصْبِ.
{وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 32] دُعَاءٌ مِنْ مُوسَى لِرَبِّهِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِي أَمْرِهِ.
قَوْلُهُ: {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا} [طه: 33] قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الصَّلاةَ، أَيْ نُصَلِّي لَكَ كَثِيرًا.(1/258)
{وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا {34} إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا {35} قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى {36} } [طه: 34-36] فَاسْتَجَابَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} [طه: 37] فَذَكَّرَهُ النِّعْمَةَ الأُولَى يَعْنِي قَوْلُهُ: {إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى} [طه: 38] ، شَيْءٌ قُذِفَ فِي قَلْبِهَا، أُلْهَمَتْهُ، وَلَيْسَ بِوَحْيِ نُبُوَّةٍ.
{أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ} [طه: 39] أَيِ: اجْعَلِيهِ فِي التَّابُوتِ.
{فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ} [طه: 39] أَيْ: فَأَلْقِيهِ فِي الْبَحْرِ، فَأَلْقِي التَّابُوتَ فِي الْبَحْرِ.
{فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ} [طه: 39] الْبَحْرُ.
{بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ} [طه: 39] يَعْنِي فِرْعَوْنَ.
قَوْلُهُ: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي} [طه: 39] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحَبَّةً مِنْهُ فَأَحَبُّوهُ حِينَ رَأَوْهُ.
قَوْلُهُ: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: 39] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَقُولُ: وَلِتُغَذَّى عَلَى عَيْنِي، أَيْ بِعَيْنِي.
قَوْلُهُ: {إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ} [طه: 40] عَلَى مَنْ يَضُمُّهُ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَقَالُوا: نَعَمْ.
فَجَاءَتْ بِأُمِّهِ، فَقَبِلَ ثَدْيَهَا.
وَقَالَ فِي سُورَةِ طسم الْقَصَصِ: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12] فَكَانَ كُلَّمَا جِيءَ بِهِ إِلَى امْرَأَةٍ لَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَهَا.
{فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ {12} فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} [القصص: 12-13] ، {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} [طه: 40] وَقَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ} [طه: 40] .
{وَقَتَلْتَ نَفْسًا} [طه: 40] يَعْنِي الْقِبْطِيَّ الَّذِي كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً، وَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَهُ(1/259)
ضَرْبُهُ وَلا قَتْلُهُ.
{فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ} [طه: 40] قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مِنَ النَّفْسِ الَّتِي قُتِلَتْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مِنَ الْخَوْفِ، فَلَمْ يَصِلْ إِلَيْكَ الْقَوْمُ، وَغَفَرْنَا لَكَ ذَلِكَ الذَّنْبَ.
{وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلاءً.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ الْبَلاءُ فِي أَثَرِ الْبَلاءِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [طه: 40] يَعْنِي: ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلاءً عَلَى أَثَرِ ابْتِلاءٍ.
قَوْلُهُ: {فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ} [طه: 40] عِشْرِينَ سَنَةً، أَقَامَ عَشْرًا ثُمَّ آخِرَ الأَجَلَيْنِ، ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرًا.
{ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه: 40] يَعْنِي: عَلَى مَوْعِدٍ يَا مُوسَى فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَوْلُهُ: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه: 41] قَالَ: وَاخْتَرْتُكَ لِنَفْسِي وَلِرِسَالَتِي.
وَالاخْتِيَارُ وَالاجْتِبَاءُ وَالاصْطِفَاءُ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه: 42] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: وَلا تَضَعُّفًا فِي ذِكْرِي.
قَالَ الْحَسَنُ: فِي الدُّعَاءِ إِلَيَّ وَالتَّبْلِيغِ عَنِّي رِسَالَتِي.
قَالَ: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه: 43] إِنَّهُ كُفْرٌ.
{فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا} [طه: 44] سَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: كَنِّيَاهُ.(1/260)
قَالَ: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ أَنَّ الأَلِفَ هَاهُنَا صِلَةٌ يَقُولُ: لَعَلَّهُ يَذَّكَّرُ وَيَخْشَى اللَّهَ.
قَوْلُهُ: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [طه: 45] أَنْ يُعَجِّلَ عَلَيْنَا بِالْعُقُوبَةِ يَطْغَى فَيَقْتُلُنَا.
قَالَ: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالَّذِي يَصِلُ إِلَى قَتْلِكُمَا حَتَّى تُبَلِّغَا الرِّسَالَةَ.
قَوْلُهُ: {فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ} [طه: 47] كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِنْدَ الْقِبْطِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فِينَا.
قَوْلُهُ: {قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ} [طه: 47] قَالَ الْحَسَنُ: الْعَصَا وَالْيَدِ.
{وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 47]
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ كَتَبَ: «السَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى» .
قَوْلُهُ: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا} [طه: 48] وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ.
{أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه: 48] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ.
قَالَ: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى {49} قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [طه: 49-50] قَالَ قَتَادَةُ: صَلاحُهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: صَلاحُهُ وَقُوَّتُهُ الَّذِي يَقُومُ بِهِ وَيَعِيشُ بِهِ.
{ثُمَّ هَدَى} [طه: 50](1/261)
قَالَ قَتَادَةُ: إِلَى أَخْذِهِ.
قَالَ يَحْيَى: يَقُولُ ثُمَّ هَدَاهُ فَدَلَّهُ حَتَّى أَخَذَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سَوَّى خَلْقَ كُلِّ دَابَّةٍ، ثُمَّ هَدَاهَا لِمَا يَصْلُحُهَا وَعَلَّمَهَا إِيَّاهُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَعْطَاهُ شَكْلَهُ مِنْ نَحْوِهِ: أَعْطَى الرَّجُلَ الْمَرْأَةَ، وَالْجَمَلَ النَّاقَةَ، وَالذَّكَرَ الأُنْثَى، ثُمَّ هَدَاهُ: عَرَّفَهُ كَيْفَ يَأْتِيهَا.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] ثُمَّ قَالَ: أَمْ تَرَ إِلَى كُلِّ دَابَّةٍ كَيْفَ تَتَّقِي عَلَى نَفْسِهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ} [طه: 50] يَعْنِي: صُورَتَهُ الَّتِي تَصْلُحُ لَهُ.
قَالَ: {ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] يَعْنِي: أَلْهَمَهُ لِمَرْعَاهُ، فَمِنْهَا مَا يَأْكُلُ النَّبْتَ، وَمِنْهَا مَا يَأْكُلُ الْحَبَّ، وَمِنْهَا مَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، أَلْهَمَهُ كَيْفَ يَأْتِي مَعِيشَتَهُ وَمَرْعَاهُ.
قَوْلُهُ: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} [طه: 51] دَعَاهُ مُوسَى إِلَى الإِيمَانِ بِالْبَعْثِ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} [طه: 51] قَدْ هَلَكَتْ فَلَمْ تُبْعَثْ.
{قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] لا يَضِلُّهُ فَيَذْهَبُ وَلا يَنْسَى مَا فِيهِ.
هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى} [طه: 51] أَيْ أَيْنَ أَعْمَالُ الْقُرُونِ الأُولَى؟ {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه: 52] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي ذَلِكَ الْكِتَابَ، {وَلا يَنْسَى} [طه: 52] عَلِمَ أَعْمَالَهَا وَآجَالَهَا.(1/262)
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزَّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ فِرْعَوْنُ: يَا هَامَانَ، إِنَّ مُوسَى يَعْرِضُ عَلَيَّ أَنَّ لِي مُلْكِي حَيَاتِي مَا بَقِيتُ، وَأَنَّ لِي الْجَنَّةَ إِذَا مِتُّ.
وَقَالَ لَهُ هَامَانُ: بَيْنَمَا أَنْتَ إِلَهٌ تُعْبَدُ إِذْ صِرْتَ عَبْدًا تَعْبُدُ، فَرَدَّهُ عَنْ رَأْيِهِ.
قَوْلُهُ: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا} [طه: 53] مِثْلُ قَوْلِهِ: {جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ بِسَاطًا} [نوح: 19] .
{فِرَاشًا} [البقرة: 22] قَوْلُه: {وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا} [طه: 53] أَيْ: وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا طُرُقًا.
{وَأَنْزَلَ} [طه: 53] لَكُمْ.
{مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى} [طه: 53] مُخْتَلِفٌ فِي لَوْنِهِ وَطَعْمِهِ.
وَكُلُّ مَا يَنْبُتُ فِي الأَرْضِ فَالْوَاحِدُ مِنْهُ زَوْجٌ.
قَالَ: فَالَّذِي يُنْبِتُ هَذِهِ الأَزْوَاجَ الشَّتَّى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَبْعَثَكُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [طه: 54] مِنْ ذَلِكَ النَّبَاتِ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى} [طه: 54] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لأُولِي الْوَرَعِ.
وَقَالَ الْحَسَن: لأُولِي الْعُقُولِ.
قَوْلُهُ: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ} [طه: 55] يَعْنِي مِنَ الأَرْضِ خَلَقْنَاكُمْ.
قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي خَلَقَ آدَمَ.
{وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55] سَعِيدٌ 1: 264 -، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَرَّةً أُخْرَى.(1/263)
- يَحْيَى، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يُؤْمَرُ الْمَلَكُ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعًا: رِزْقَهُ، وَعَمَلَهُ، وَأَثَرَهُ، وَشَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا.
وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى يَدْخُلَهَا، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُدْخَلَهَا ".
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تُرْبَةِ الأَرْضِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا، فَيُخْلَطُ بِخَلْقِهِ أَوْ فَتُذْرَى عَلَى خَلْقِهِ وَهُوَ قَوْلُه: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} [طه: 56] التِّسْعَ: يَدَهُ، وَعَصَاهُ، وَالطُّوفَانَ، وَالْجَرَادَ، وَالْقُمَّلَ، وَالضَّفَادِعَ، وَالدَّمَ، {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130] قَالَ: {فَكَذَّبَ وَأَبَى} [طه: 56] أَنْ يُؤْمِنَ.
قَالَ: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى {57} فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى {58} } [طه: 57-58] قَالَ مُجَاهِدٌ: مُنْصِفًا بَيْنَهُمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مَكَانًا عَدْلًا.(1/264)
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} [طه: 59] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَوْمُ زِينَةٍ وَاعَدُوهُ فِيهِ.
قَالَ: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: 59] يَعْنِي أَهْلَ مِصْرَ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَوْمَ يَجْتَمِعُونَ لِذَلِكَ الْمِيعَادِ الَّذِي وَاعَدُوهُ فِيهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَوْمَ عِيدٍ كَانَ لَهُمْ، يَجْتَمِعُونَ فِيهِ ضُحًى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} [طه: 59] يَعْنِي: نَهَارًا.
قَوْلُهُ: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} [طه: 60] يَعْنِي: مَا جَمَعَ مِنْ سَحَرَةٍ.
{ثُمَّ أَتَى} [طه: 60] قَالَ: ثُمَّ جَاءَ.
{قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61] حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: فَيَسْتَأْصِلُكُمْ بِعَذَابٍ.
{وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى} [طه: 61] قَوْلُهُ: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [طه: 62] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَتِ السَّحَرَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: إِنْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ سَاحِرًا فَإِنَّا سَنَغْلِبُهُ، وَإِنْ يَكُنْ مِنَ السَّمَاءِ كَمَا زَعَمَ فَلَهُ أَمْرُهُ.
قَوْلُهُ: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه: 63] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَعْنُونَ مُوسَى وَهَارُونَ.
{يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه: 63] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتْ طَرِيقَتَهُمُ الْمُثْلَى يَوْمَئِذٍ بَنُو إِسْرَائِيلَ.
كَانُوا أَكْثَرَ(1/265)
الْقَوْمِ عَدَدًا وَأَمْوَالًا، فَقَالَ فِرْعَوْنُ: إِنَّمَا يُرِيدَانِ أَنْ يَذْهَبَا بِهِمْ لأَنْفُسِهِمَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَيَذْهَبَا بِعَيْشِكُمُ الأَمْثَلِ يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْقِبْطِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فِينَا، يَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الْخَرَاجَ وَيَسْتَعْبِدُونَهُمْ.
قَوْلُهُ: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} [طه: 64] يَعْنِي: سِحْرَكُمْ، يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه: 64] أَيْ: تَعَالَوْا جَمِيعًا.
{وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} [طه: 64] مَنْ ظَهَرَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَنْ غَلَبَ.
قَوْلُهُ: {قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى {65} قَالَ بَلْ أَلْقُوا} [طه: 65-66] فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ.
{فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] حَيَّاتٌ.
{فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى {67} قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى {68} } [طه: 67-68] الظَّاهِرُ.
{وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} [طه: 69] يَعْنِي الْعَصَا.
{تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} [طه: 69] يَعْنِي الْعَصَا.
وَقَوْلُهُ: تَلْقَفُ، تَأْكُلُ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، فِيمَا حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ، تَلْقَفُهُ بِفِيهَا.
{إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] حَيْثُ كَانَ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَيْثُ جَاءَ.
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى {70} قَالَ} [طه: 70-71] فِرْعَوْن.
{آمَنْتُمْ لَهُ} [طه: 71] فِرْعَوْنُ يَقُولُهُ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَصَدَقْتُمُوهُ؟ {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ} [طه: 71] أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ.(1/266)
{إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} [طه: 71] فِي السِّحْرِ.
{الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} [طه: 71] وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي لَعَالِمُكُمْ فِي عِلْمِ السِّحْرِ، وَلَمْ يَكُنْ أَكْبَرَهُمْ فِي السِّنِّ.
{فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} [طه: 71] الْيَدُ الْيُمْنَى وَالرِّجْلُ الْيُسْرَى.
{وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71] يَعْنِي: عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: 71] أَنَا أَوْ مُوسَى.
{قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه: 72] وَعَلَى الَّذِي فَطَرَنَا.
{فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72] يَقُولُونَ افْعَلْ فِي أَمْرِنَا مَا أَنْتَ فَاعِلٌ {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72] يَعْنِي إِنَّمَا تَفْعَلُ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ.....
{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73] خَيْرٌ مِمَّا دَعَوْتَنَا إِلَيْهِ وَأَبْقَى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْكَ يَا فِرْعَوْنُ وَأَبْقَى.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانُوا أَوَّلَ النَّهَارِ سَحَرَةً وَآخِرَهُ شُهَدَاءَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا} [طه: 74] مُشْرِكًا.
{فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه: 74] قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه: 75]
- حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(1/267)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الدَّرَجَةُ فِي الْجَنَّةِ فَوْقَ الدَّرَجَةِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَرْفَعُ بَصَرَهُ فَيَلْمَعُ لَهُ بَرْقٌ يَكَادُ أَنْ يَخْتَطِفَ بَصَرَهُ، فَيَفْزَعُ لِذَلِكَ فَيَقُولُ: مَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: هَذَا نُورُ أَخِيكَ فُلانٍ، فَيَقُولُ: أَخِي فُلانٌ، كُنَّا فِي الدُّنْيَا نَعْمَلُ جَمِيعًا، وَقَدْ فُضِّلَ عَلَيَّ هَكَذَا، فَيُقَالُ لَهُ: إِنَّهُ كَانَ
أَحْسَنَ مِنْكَ عَمَلًا، قَالَ: ثُمَّ يُجْعَلُ فِي قَلْبِهِ الرِّضَى حَتَّى يَرْضَى ".
- قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ أَسْفَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً، لَلَّذِي يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وَإِنَّ أَرْفَعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً لَلَّذِي يَنْظُرُ إِلَى اللَّهِ غُدْوَةً وَعَشِيًّا.
قَوْلُهُ: {جَنَّاتُ عَدْنٍ} [طه: 76] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ.
{تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [طه: 76] وَقَدْ فَسَّرْنَا الأَنْهَارَ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
{خَالِدِينَ فِيهَا} [طه: 76] لا يَمُوتُونَ وَلا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
{وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه: 76] يَعْنِي: مَنْ آمَنَ.
وَهُوَ فِي قَوْلِ قَتَادَةَ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} [طه: 77] أَيْ لَيْلًا.
{فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه: 77] قَالَ الْحَسَنُ: أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ، فَصَارَ طَرِيقًا يَبِسًا.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ صَارَ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا، لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ.(1/268)
قَوْلُهُ: {لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى} [طه: 77] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لا تَخَافُ دَرَكًا أَنْ يُدْرِكَكَ فِرْعَوْنُ مِنْ بَعْدِكَ، {وَلا تَخْشَى} [طه: 77] الْغَرَقَ أَمَامَكَ.
قَوْلُهُ: {فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ} [طه: 78] وَكَانَ جَمِيعُ جُنُودِهِ أَرْبَعِينَ أَلْفَ أَلْفٍ.
{فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: 78] وَالْيَمُّ الْبَحْرُ.
فَغَرِقُوا.
{وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [طه: 79] مَا هَدَاهُمْ.
قَوْلُهُ: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ} [طه: 80] مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ.
{وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ} [طه: 80] أَيْمَنَ الْجَبَلِ، وَالطُّورُ هُوَ الْجَبَلُ يَعْنِي مُوَاعَدَتَهُ لِمُوسَى.
قَوْلُهُ: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى} [طه: 80] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْمَنُّ كَانَ يُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ فِي مَحَلَّتِهِمْ مِثْلَ الْعَسَلِ، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَالسَّلْوَى هُوَ الطَّيْرُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ السُّمَانَى.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: السَّلْوَى السُّمَانَى.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ قَالَ: السَّلْوَى السُّمَانَى.
قَوْلُهُ: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [طه: 81] الْمَنُّ وَالسَّلْوَى.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [طه: 81] يَعْنِي مِنَ الْحَلالِ، الْمَنُّ وَالسَّلْوَى.
{وَلا تَطْغَوْا فِيهِ} [طه: 81] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ يَعْنِي: لا تَعْصُوا اللَّهَ فِي رَفْعِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى.(1/269)
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانُوا لا يَأْخُذُونَ مِنْهُ لِغَدٍ، لأَنَّهُ كَانَ يَفْسُدُ عِنْدَهُمْ وَلا يَبْقَى إِلا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَفَرَّغُونَ فِي السَّبْتِ لِلْعِبَادَةِ وَلا يَعْلَمُونَ شَيْئًا.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوْلا بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا خَنِزَ لَحْمٌ، وَلا أَنْتَنَ طَعَامٌ، إِنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا أَنْ يَأْخُذُوا لِيَوْمِهِمِ ادَّخَرُوا مِنْ يَوْمِهِمْ لِغَدِهِمْ.
- خِدَاشٌ عَنْ، مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلا بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا خَنِزَ لَحْمٌ، وَلَمْ ...
الطَّعَام، وَلَوْلا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا» .
قَوْلُهُ: {فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} [طه: 81] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَعْنِي فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ غَضَبِي.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: فَيَحُلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي أَيْ: فَيَنْزِلُ عَلَيْكُمْ غَضَبِي.
{وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي} [طه: 81] هُوَ مِثْلُ الْحَرْفِ الأَوَّلِ، إِلا أَنَّ قَتَادَةَ قَالَ: وَمَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ غَضَبِي.
قَوْلُهُ: {فَقَدْ هَوَى} [طه: 81] فِي النَّارِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي فَقَدْ هَلَكَ.
قَوْلُهُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه: 82] مِنَ الشِّرْكِ.
{وَآمَنَ} [طه: 82] أَيْ: أَخْلَصَ الإِيمَانَ لِلَّهِ.
{وَعَمِلَ صَالِحًا} [طه: 82] فِي إِيمَانِهِ.(1/270)
{ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] ثُمَّ مَضَى عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ حَتَّى يَمُوتَ.
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {ثُمَّ اهْتَدَى} [طه: 82] ثُمَّ عَرَفَ الثَّوَابَ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى {83} قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى {84} } [طه: 83-84] قَالَ: هُمْ أُولاءِ يَنْتَظِرُونَنِي مِنْ بَعْدِي بِالَّذِي آتِيهِمْ بِهِ، وَلَيْسَ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي السَّبْعِينَ الَّذِي اخْتَارُوا فَذَهَبُوا مَعَهُ لِلْمِيعَادِ.
قَالَ: {فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ} [طه: 85] يَقُولُ: إِنَّ السَّامِرِيَّ قَدْ أَضَلَّهُمْ.
{فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [طه: 86] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ حَزِينًا عَلَى مَا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: شَدِيدَ الْغَضَبِ.
{قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} [طه: 86] فِي الآخِرَةِ عَلَى التَّمَسُّكِ بِدِينِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {حَسَنًا} [طه: 86] يَعْنِي حَقًّا.
{أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ} [طه: 86] قَالَ مُجَاهِدٌ: الْوَعْدُ.
{أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [طه: 86](1/271)
قَالَ قَتَادَةُ: أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ.
وَهُوَ مِثْلُ الْحَرْفِ الأَوَّلِ.
{فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي {86} قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا} [طه: 86-87] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بِطَاقَتِنَا.
{وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا} [طه: 87] وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا: حَمَلْنَا، خَفِيفَةً.
{أَوْزَارًا} [طه: 87] قَالَ الْحَسَنُ: آثَامًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَثْقَالًا.
وَهُوَ وَاحِدٌ، ذَلِكَ الثِّقْلُ الإِثْمُ.
{مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ} [طه: 87] يَعْنِي قَوْمَ فِرْعَوْنَ.
{فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه: 87] وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى كَانَ وَاعَدَهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَعَدُّوا عِشْرِينَ يَوْمًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَقَالُوا: هَذِهِ أَرْبَعُونَ، قَدْ أَخْلَفَ مُوسَى الْوَعْدَ.
وَكَانُوا اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ حُلِيًّا لَهُمْ، كَانَ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ اسْتَعَارُوا مِنْ نِسَاءِ آلِ فِرْعَوْنَ لِيَوْمِ الزِّينَةِ، يَعْنِي يَوْمَ الْعِيدِ الَّذِي وَاعَدَهُمْ مُوسَى.
وَكَانَ اللَّهُ أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَسْرِيَ بِهِمْ لَيْلًا، فَكَرِهَ الْقَوْمُ أَنْ يَرَدُّوا الْعَوَارِيَ عَلَى آلِ فِرْعَوْنَ فَيَفْطُنُ بِهِمْ آلُ فِرْعَوْنَ، فَأُسِرُوا مِنَ اللَّيْلِ وَالْعَوَارِي مَعَهُمْ.
فَقَالَ لَهُمُ السَّامِرِيُّ بَعْدَ مَا مَضَتْ عِشْرُونَ يَوْمًا وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فِي غَيْبَةِ مُوسَى فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ، وَقَالَ قَتَادَةُ بَعْدَ مَا مَضَى الثَّلاثُونَ: إِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ بِهَذَا الْحُلِيِّ فَهَاتُوهُ.
وَأَلْقَى مَا مَعَهُ مِنَ الْحُلِيِّ، وَأَلْقَى الْقَوْمُ مَا مَعَهُمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ} [طه: 87] مَا مَعَهُ كَمَا أَلْقَيْنَا مَا مَعَنَا.
فَصَاغَهُ عِجْلًا، ثُمَّ أَلْقَى فِي فِيهِ التُّرَابَ الَّذِي كَانَ أَخَذَهُ مِنْ تَحْتِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَّتَ لِمُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً(1/272)
ثُمَّ أَتَمَّهَا بِعَشْرٍ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلاثُونَ قَالَ السَّامِرِيُّ: إِنَّمَا أَصَابَكُمُ الَّذِي أَصَابَكُمْ عُقُوبَةً لِلْحُلِيِّ الَّذِي مَعَكُمْ فَهَابُوهُ.
وَهُوَ الْحُلِيُّ الَّذِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ.
فَدَفَعُوا إِلَيْهِ الْحُلِيَّ، فَصَوَّرَ لَهُمْ مِنْهَا صُورَةَ بَقَرَةٍ.
وَقَدْ كَانَ صُرَّ فِي عِمَامَتِهِ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ يَوْمَ جَازَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ، فَقَذَفَهَا فِيهَا {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [طه: 88] ، جَعَلَ يَخُورُ خُوَارَ الْبَقَرَةِ.
فَقَالَ عَدُوُّ اللَّهِ: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه: 88] قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ السَّامِرِيُّ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا: سَامِرَةُ، وَلَكِنْ نَافَقَ بَعْدَمَا قَطَعَ الْبَحْرَ مَعَ مُوسَى.
قَالَ: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [طه: 88] يَخُورُ خُوَارَ الْبَقَرَةِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لَهُ خُوَارٌ} [طه: 88] حَفِيفُ الرِّيحِ فِيهِ بِخُوَارِهِ.
فقَالَ: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه: 88] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {فَنَسِيَ} [طه: 88] أَيْ: فَنَسِيَ مُوسَى.
يَقُولُ: إِنَّ مُوسَى إِنَّمَا طَلَبَ هَذَا وَلَكِنْ نَسِيَهُ وَخَالَفَهُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ.
قَالَ اللَّهُ: {أَفَلا يَرَوْنَ} [طه: 89] أَنَّ ذَلِكَ الْعِجْلَ لا {يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا {89} وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ} [طه: 89-90] أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ مُوسَى حِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ.
{يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ} [طه: 90] يَعْنِي بِالْعِجْلِ.
{وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي {90} قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ} [طه: 90-91](1/273)
لَنْ نَزَالَ.
{عَلَيْهِ عَاكِفِينَ} [طه: 91] نَعْبُدُهُ.
{حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى {91} قَالَ} [طه: 91-92] مُوسَى لِهَارُونَ لَمَّا رَجَعَ وَرَأَى أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ.
{يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا {92} أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي {93} قَالَ يَابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي} [طه: 92-94] وَقَدْ قَالَ فِي الآيَةِ الأُخْرَى: و....
{إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي} [طه: 94] قَالَ: أَيْ وَلَمْ....
يَعْنِي الْمِيعَادَ لِرُجُوعِهِ، وَلَكِنْ تَرَكْتُهُمْ وَجِئْتُ وَقَدِ اسْتَخْلَفْتُكَ فِيهِمْ.
يَقُولُ: لَوِ اتَّبَعْتُكَ وَتَرَكْتُهُمْ لَخَشِيتُ أَنْ تَقُولَ لِي هَذَا الْقَوْلَ.
ثُمَّ أَقْبَلَ مُوسَى عَلَى السَّامِرِيِّ، قَالَ لَهُ: {فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ} [طه: 95] أَيْ: مَا حُجَّتُكَ؟ {فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ} [طه: 96] يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ.
قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي فَرَسَ جِبْرِيلَ.
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ} [طه: 96] مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ مِنْ تَحْتِ حَافِرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ.
{فَنَبَذْتُهَا} [طه: 96] أَيْ: أَلْقَيْتُهَا فِي الْعِجْلِ، يَعْنِي حِينَ صَاغَهُ، وَكَانَ صَائِغًا،(1/274)
فَخَارَ الْعِجْلُ.
وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مِنْ أَثَرِ الْفَرَسِ، كَانَ أَخَذَهَا مِنْ أَثَرِ فَرَسِ جِبْرِيلَ، فَصَرَّهَا فِي عِمَامَتِهِ ثُمَّ قَطَعَ الْبَحْرَ فَكَانَتْ مَعَهُ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ هَارُونَ أَتَى عَلَى السَّامِرِيِّ وَهُوَ يَصْنَعُ الْعِجْلَ فَقَالَ: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أَصْنَعُ مَا يَضُرُّ وَلا يَنْفَعُ.
فَقَالَ هَارُونُ: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ الَّذِي سَأَلَكَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ.
فَلَمَّا صَنَعَهُ قَالَ هَارُونُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ يَخُورَ، فَخَارَ الْعِجْلُ وَذَلِكَ بِدَعْوَةِ هَارُونَ.
قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه: 96] وَكَذَلِكَ زَيَّنَتْ لِي نَفْسِي.
وَقَعَ فِي نَفْسِي إِذَا أَلْقُيْتَها فِي فِي الْعِجْلِ خَارَ.
{قَالَ} [طه: 92] لَهُ مُوسَى.
{فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ} [طه: 97] يَعْنِي حَيَاةَ الدُّنْيَا.
{أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ} [طه: 97] لا تَمَاسَّ النَّاسَ وَلا يَمَاسُّونَكَ، فَهَذِهِ عُقُوبَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَالسَّامِرَةُ صِنْفٌ مِنَ الْيَهُودِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بَقَايَا السَّامِرَةِ حَتَّى الآنَ بِأَرْضِ الشَّامِ يَقُولُونَ: لا مَسَاسَ.
قَالَ: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ} [طه: 97] يَعْنِي يَوْمَ الِقْيَامَةِ {لَنْ تُخْلَفَهُ} [طه: 97] ، أَيْ: تُوَافِيهِ فَيُجْزِيكَ اللَّهُ فِيهِ بِأَسْوَأِ عَمَلِكَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {لَنْ تُخْلَفَهُ} [طه: 97] أَيْ: لَنْ تَغِيبَ عَنْهُ.(1/275)
قَوْلُهُ: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ} [طه: 97] صِرْتَ.
{عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97] عَابِدًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97] يَعْنِي أَقَمْتَ عَلَيْهِ عَابِدًا.
قَالَ: {لَنُحَرِّقَنَّهُ} [طه: 97] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: لَنُبَرِّدَنَّهُ.
{ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه: 97] وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ذَبَحَهُ مُوسَى، ثُمَّ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ، ثُمَّ ذَرَاهُ فِي الْبَحْرِ.
وَهُوَ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ هَذَا أَنَّهُ تَحَوَّلَ لَحْمًا وَدَمًا.
وَقَوْلُهُ: {لَنَنْسِفَنَّهُ} [طه: 97] هُوَ حِينَ ذَرَاهُ فِي الْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: {إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [طه: 98] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَلأَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ لا يَكُونُ شَيْءٌ إِلا بِعِلْمِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} [طه: 99] مِنْ أَخْبَارِ مَا قَدْ مَضَى.
{وَقَدْ آتَيْنَاكَ} [طه: 99] أَيْ: وَقَدْ أَعْطَيْنَاكَ.
{مِنْ لَدُنَّا} [طه: 99] مِنْ عِنْدِنَا.
{ذِكْرًا} [طه: 99] الْقُرْآنَ.
{مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ} [طه: 100] عَنِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ.
{فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا} [طه: 100](1/276)
قَالَ مُجَاهِدٌ: إِثْمًا.
{خَالِدِينَ فِيهِ} [طه: 101] قَالَ الْحَسَنُ: فِي ثَوَابِ ذَلِكَ الْوِزْرِ، وَهِيَ النَّارُ.
{وَسَاءَ لَهُمْ} [طه: 101] أَيْ: وَبِئْسَ لَهُمْ.
{يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا} [طه: 101] مَا يَحْمِلُونَ عَلَى ظُهُورِهِمْ مِنَ الْوِزْرِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام: 31]
- يَحْيَى، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِذَا بَعَثَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَعَثَ مَعَ كُلِّ امْرِئٍ عَمَلَهُ، بَعَثَ مَعَ الْمُؤْمِنِ عَمَلَهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ رَآهَا قَطُّ، أَحْسَنَهُ حُسْنًا، وَأَجْمَلَهُ جَمَالًا، وَأَطْيَبَهُ رِيحًا، لا يَرَى شَيْئًا يَخَافُهُ وَلا شَيْئًا يَرُوعُهُ إِلا قَالَ: لا تَخَفْ وَأَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، لا وَاللَّهِ مَا
أَنْتَ الَّذِي تُرَادُ وَلا أَنْتَ الَّذِي تُعْنَى، فَإِذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا قَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ أَصْلَحَكَ اللَّهُ؟ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ مِنْكَ وَجْهًا، وَلا أَطْيَبَ مِنْكَ رِيحًا، وَلا أَحْسَنَ مِنْكَ لَفْظًا، فَيَقُولُ لَهُ: أَتَعْجَبُ مِنْ حُسْنِي؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: أَنَا وَاللَّهِ عَمَلُكَ، إِنَّ عَمَلَكَ وَاللَّهِ كَانَ حَسَنًا، إِنَّكَ كُنْتَ تَحْمِلُنِي فِي الدُّنْيَا عَلَى ثِقَلٍ وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَحْمِلَنَّكَ الْيَوْمَ فَيَحْمِلُهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُنَجِّي اللَّهُ
الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر: 61] قَالَ: وَيَبْعَثُ مَعَ الآخَرِ الْكَافِرِ عَمَلَهُ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ، أَقْبَحَهُ وَجْهًا، وَأَنْتَنَهُ رِيحًا، وَأَسْوَأَهُ لَفْظًا، لا يَرَى شَيْئًا يَرُوعُهُ وَلا يَخَافُهُ إِلا قَالَ لَهُ: يَا خَبِيثُ، أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ، فَأَنْتَ(1/277)
وَاللَّهِ الَّذِي تُرَادُ وَالَّذِي تُعْنَى.
فَإِذَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا قَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ؟ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ أَسْوَأَ مِنْكَ لَفْظًا وَلا أَقْبَحَ مِنْكَ وَجْهًا وَلا أَنْتَنَ مِنْكَ رِيحًا.
فَيَقُولُ لَهُ: أَتَعْجَبُ مِنْ قُبْحِي؟ فَيَقُولُ لَهُ: نَعَمْ.
فَيَقُولُ: أَنَا وَاللَّهِ عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، إِنَّ عَمَلَكَ وَاللَّهِ كَانَ قَبِيحًا إِنَّكَ كُنْتَ تَرْكَبُنِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنِّي وَاللَّهِ لأَرْكَبَنَّكَ الْيَوْمَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام: 31]
قَوْلُهُ: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [طه: 102] وَالصُّورُ: قَرْنٌ يَنْفُخُ فِيهِ صَاحِبُ الصُّورِ، فَيَنْطَلِقُ كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ، تُجْعَلُ الأَرْوَاحُ كُلُّهَا فِي الصُّورِ، فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ خَرَجَتِ الأَرْوَاحُ مِثْلَ النَّحْلِ، كُلُّ رُوحٍ إِلَى جَسَدِهِ.
قَالَ: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ} [طه: 102] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
هَذَا حَشْرٌ إِلَى النَّارِ.
{يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} [طه: 102] وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ} [طه: 102] يَعْنِي بَعْدَ الْحِسَابِ، نَسُوقُ الْمُشْرِكِينَ إِلَى النَّارِ زُرُقًا.
قَالَ: مُسْوَدَّةٌ وُجُوهُهُمْ، كَالِحَةٌ.
{يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} [طه: 103] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ يَتَسَارُّونَ بَيْنَهُمْ، يَسَارُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
{إِنْ لَبِثْتُمْ} [طه: 103] فِي الدُّنْيَا.
{إِلا عَشْرًا} [طه: 103] يُقَلِّلُونَ لُبْثَهُمْ فِي الدُّنْيَا.
تَصَاغَرَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ.
قَالَ اللَّهُ: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} [طه: 104] وقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} [طه: 63](1/278)
قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا أَكْثَرَ عَدَدًا وَأَمْوَالًا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً} [طه: 104] : أَعْقَلُهُمْ.
{إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا} [طه: 104] قَالَ قَتَادَةُ: فِي الدُّنْيَا وَهِيَ مَوَاطِنُ، قَالُوا: {إِلا يَوْمًا} [طه: 104] ، وَ {إِلا عَشْرًا} [طه: 103] ، وَ {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف: 19] ، وقَالَ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات: 46] ، وقَالَ: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ} [الأحقاف: 35] .
وقَالَ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم: 55] يَحْلِفُ الْمُجْرِمُونَ، الْمُشْرِكُونَ {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم: 55] أَيْ فِي الدُّنْيَا، وَذَلِكَ لِتَصَاغُرِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ وَقِلَّتِهَا فِي طُولِ الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ} [طه: 105] سَأَلَ الْمُشْرِكُونَ النَّبِيَّ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ هَذِهِ الْجِبَالُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي تَذْكُرُ؟ فَقَالَ اللَّهُ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه: 105] مِنْ أُصُولِهَا.
{فَيَذَرُهَا} [طه: 106] فَيَذَرُ الأَرْضَ.
{قَاعًا صَفْصَفًا} [طه: 106] الْقَاعُ الَّذِي لا ثَرَى عَلَيْهِ، وَهِيَ الْقَرْقَرَةُ.
وَالصَّفْصَفُ، الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ نَبَاتٌ، كُلُّهَا مُسْتَوِيَةٌ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.(1/279)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا} [طه: 107] يَعْنِي انْخِفَاضًا.
{وَلا أَمْتًا} [طه: 107] : وَلا ارْتِفَاعًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: غِمَارُ الْبُحُورِ وَرُءُوسُ الْجِبَالِ سَوَاءٌ.
- سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْعِوَجُ: الْوَادِي.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الأَمْتُ: الْحَدْبُ.
قَوْلُهُ: {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} [طه: 108] يَوْمَ تَكُونُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ كَذَلِكَ {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} [طه: 108] صَاحِبَ الصُّورِ، يُسْرِعُونَ إِلَيْهِ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: يَقُومُ مَلَكٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ بِالصُّورِ فَيَنْفُخُ فِيهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مِنَ الصَّخْرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَوْلُهُ: {لا عِوَجَ لَهُ} [طه: 108] لا مَعْدِلَ عَنْهُ، فِي تَفْسِيرِ عَاصِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ، لا يَتَعَوَّجُونَ أَيْ عَنْ إِجَابَتِهِ يَمِينًا وَلا شِمَالًا.
قَوْلُهُ: {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه: 108] يَعْنِي سَكَنَتْ لِقَوْلِهِ: {لا يَتَكَلَّمُونَ} [النبأ: 38] قَالَ: {فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا} [طه: 108] الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: وَطْءُ الأَقْدَامِ.
- وَحَدَّثَنَا فِطْرٌ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْهَمْسُ الْوَطْءُ.
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: لا يَنْطِقُونَ إِلا هَمْسًا.(1/280)
قَوْلُهُ: {يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا} [طه: 109] التَّوْحِيدُ.
خَالِدٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأَنَّ اللَّهَ....
» .
كَقَوْلِهِ: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ} [النبأ: 38] رُوحُ كُلِّ شَيْءٍ فِي جَسَدِهِ، {وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا} [النبأ: 38] التَّوْحِيدُ.
إِنَّ الْكُفَّارَ لَيْسَتْ لَهُمْ شَفَاعَةٌ، لا يُشْفَعُ لَهُمْ كَقَوْلِهِ: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] قَوْلُهُ: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [طه: 110] مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ.
{وَمَا خَلْفَهُمْ} [طه: 110] مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، أَيْ: إِذَا صَارُوا فِي الآخِرَةِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْلَمُ ...
مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ.
{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] وَيَعْلَمُ مَا لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا.
تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ.
أَيْ: وَيَعْلَمُ مَا لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، مَا لا يَعْلَمُونَ.
قَوْلُهُ: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَلَّتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ.
قَالَ قَتَادَةُ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ حَتَّى يُجْزِيَهَا بِعَمَلِهَا.
قَوْلُهُ: {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} [طه: 111] مَنْ حَمَلَ شِرْكًا.(1/281)
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه: 112] لا يُجْزَى بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ فِي الآخِرَةِ إِلا الْمُؤْمِنُ، وَيُجْزَى بِهِ الْكَافِرُ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا} [طه: 112] أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لا يَخَافُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَنْبِ غَيْرِهِ.
{وَلا هَضْمًا} [طه: 112] لا يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا نَقْصًا.
قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ} [طه: 113] مَنْ يَعْمَلُ كَذَا فَلَهُ كَذَا، فَذَكَرَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ فِي سُورَةٍ أُخْرَى.
{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} [طه: 113] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ وَيُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا، يَعْنِي الْقُرُونَ الأُولَى.
وَالأَلِفُ هَاهُنَا صِلَةٌ.
وَهِيَ تُقْرَأُ بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ.
فَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ يَقُولُ: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمُ الْقُرْآنُ ذِكْرًا أَيْ جِدًّا وَوَرَعًا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ يَقُولُ: أَوْ تُحْدِثُ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ ذِكْرًا.
قَوْلُهُ: {فَتَعَالَى اللَّهُ} [طه: 114] مِنْ بَابِ الْعُلُوِّ: ارْتَفَعَ.
{الْمَلِكُ الْحَقُّ} [طه: 114] وَالْحَقُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
{وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَيَانُهُ.(1/282)
وَقَالَ الْحَسَنُ: فَرَائِضُهُ، وَحُدُودُهُ، وَأَحْكَامُهُ، وَحَلالُهُ، وَحَرَامُهُ.
كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يَقْرَأُهُ وَيُدْئِبُ فِيهِ نَفْسَهُ مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة: 16] نَحْنُ نَحْفَظُهُ عَلَيْكَ فَلا تَنْسَى.
قَالَ اللَّهُ: {إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 128] ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى {6} إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأعلى: 6-7] ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} [البقرة: 106] يُنْسِهَا نَبِيَّهُ.
قَالَ: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} [القيامة: 18] فَرَائِضَهُ، وَحُدُودَهُ، وَالْعَمَلَ بِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] يَعْنِي لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ إِلَيْكَ جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ.
قَالَ: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] ...
لا تَتْلُهُ عَلَى أَحَدٍ حَتَّى نُتِمَّهُ لَكَ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115] يَعْنِي: فَتَرُدَّ الْعَهْدَ.
يَقُولُ: فَتَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ: أَلا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ.
{وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: صَبْرًا.
قَوْلُهُ: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى} [طه: 116] أَنْ يَسْجُدَ.
{فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه: 117] أَيْ: إِنَّكُمَا إِذَا عَصَيْتُمَا اللَّهَ أَخْرَجَكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ {فَتَشْقَى} [طه: 117] فِي الدُّنْيَا، الْكَدُّ فِيهَا.(1/283)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدَيْكَ وَعَرَقِ جَبِينِكَ.
{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا} [طه: 118] فِي الْجَنَّةِ.
{وَلا تَعْرَى} [طه: 118] كَانَا كُسِيَا الظَّفَرَ.
{وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا} [طه: 119] لا تَعْطَشُ فِيهَا.
{وَلا تَضْحَى} [طه: 119] قَالَ قَتَادَةُ: لا تُصِيبُكَ فِيهَا شَمْسٌ. ....
{وَلا تَضْحَى} [طه: 119] يَعْنِي: لا يُصِيبُكَ حَرُّ شَمْسٍ.
قَالَ: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ} [طه: 120] يَقُولُ: أَلا أَدُلُّكَ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه: 120] أَيْ إِنَّكَ إِنْ أَكَلْتَ مِنْهَا خُلِّدْتَ فِي الْجَنَّةِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} [الأعراف: 20] يَقُولُ: أَيْ لِكَيْلا تَكُونَا مَلَكَيْنِ {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف: 20] يَقُولُ: إِذَا أَكَلْتُمَا مِنَ الشَّجَرَةِ تَحَوَّلْتُمَا مَلَكَيْنِ مِنْ مَلائِكَةِ اللَّهِ، أَوْ كُنْتُمَا مِنَ الْخَالِدِينَ.
- الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ يَسِيرُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ مَا يَقْطَعُهَا.
قُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَيُّ شَجَرَةٍ هِيَ؟ قَالَ: شَجَرَةُ الْخُلْدِ.
قَوْلُهُ: {فَأَكَلا مِنْهَا} [طه: 121] فَبَدَأَتْ حَوَّاءُ قَبْلَ آدَمَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.(1/284)
{فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا} [طه: 121] وَقَالَ الْحَسَنُ: لَوْ أَنَّ حَوَّاءَ بَدَأَتْ قَبْلَ آدَمَ فَبَدَتْ سَوْأَتُهَا عِنْدَ ذَلِكَ لَكَانَتْ لَهُ عِظَةً وَلَكِنْ لَمَّا أَكَلَ آدَمُ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا.
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كَانَ آدَمُ رَجُلًا طِوَالًا كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ، جَعْدُ شَعْرِ الرَّأْسِ.
فَلَمَّا وَقَعَ بِمَا وَقَعَ بِهِ بَدَتْ لَهُ عَوْرَتُهُ، وكَانَ لا يَرَاهَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَانْطَلَقَ هَارِبًا فِي الْجَنَّةِ فَأَخَذَتْ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ بِرَأْسِهِ فَقَالَ لَهَا: أَرْسِلِينِي.
فَقَالَتْ: لَسْتُ بِمُرْسِلَتِكَ.
فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا آدَمُ، أَمِنِّي تَفِرُّ؟ قَالَ: يَا رَبِّ إِنِّي أَسْتَحْيِيكَ ".
قَوْلُهُ: {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [طه: 121] أَيْ وَجَعَلا يَخْصِفَان عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ، يُرَقِّعَانِهِ كَهَيْئَةِ الثَّوْبِ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه: 121] يَعْنِي الْمَعْصِيَةَ وَلَمْ تَبْلُغْ بِالْمَعْصِيَةِ الضَّلالَ.
{ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ} [طه: 122] وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] فَقَالا: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23] قَالَ: {فَتَابَ عَلَيْهِ} [طه: 122] مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ.
{وَهَدَى} [طه: 122] مَاتَ عَلَى الْهُدَى.
{قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه: 123] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
قَوْلُهُ: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ} [طه: 123] يَعْنِي: رُسُلِي وَكُتُبِي.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَلا يَضِلُّ} [طه: 123] فِي الدُّنْيَا.(1/285)
{وَلا يَشْقَى} [طه: 123] فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه: 124] فَلَمْ يَبَّتِعْ هُدَايَ، لَمْ يُؤْمِنْ.
{فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124]
- حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " {مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] : عَذَابُ الْقَبْرِ ".
- وَحَدَّثَنِي المسعو....
، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] : عَذَابُ الْقَبْرِ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَارِمٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124] : عَذَابُ الْقَبْرِ، يَلْتَئِمُ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ.
- حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ قَالَ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَمَعِي ابْنُ أَخٍ لِي فَلَمَّا غَشِينَا الْحَرَّةَ إِذَا قَبْرٌ يُحْفَرُ، فَقُلْتُ لابْنِ أَخِي: هَلْ لَكَ أَنْ نَحْضُرَ هَذِهِ الْجِنَازَةَ؟ فَمِلْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَهُوَ يُحْفَرُ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ جُلُوسٌ فَقُلْتُ: اجْلِسْ بِنَا إِلَى الشُّمْطِ فَإِنَّ الشَّمَطَ مِنْ أَهْلِهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَنَظَرْنَا إِلَى شَيْخٍ مِنْ أَدْنَى الْقَوْمِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَأَخَذَ يَنْظُرُ إِلَيْنَا مَرَّةً وَإِلَى الْقَبْرِ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: أَلا أُحَدِّثُكُمْ مَا حَدَّثَنِي بِهِ خَلِيلِي أَبُو الْقَاسِمِ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَإِنَّهُ حَدَّثَنَا أَنَّ الرَّجُلَ الْمُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ فَانْصَرَفَ النَّاسُ، أَتَاهُ صَاحِبُ الْقَبْرِ الَّذِي وُكِّلَ بِهِ، فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ جَانِبِهِ الأَيْمَنِ، فَقَالَتِ الزَّكَاةُ الَّتِي كَانَ يُعْطِي: لا تُفَزِّعُهُ مِنْ قِبَلِي الْيَوْمَ.
ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ، فَقَالَ الْقُرْآنُ الَّذِي كَانَ يَقْرَأُ: لا تُفَزِّعُهُ مِنْ قِبَلِي الْيَوْمَ.
ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَقَالَتِ الصَّلاةُ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي: لا تُفَزِّعُهُ(1/286)
مِنْ قِبَلِي الْيَوْمَ.
ثُمَّ جَاءَهُ مِنْ جَانِبِهِ الأَيْسَرِ، فَأَيْقَظَهُ إِيقَاظَكَ الرَّجُلِ لا يُحِبُّ أَنْ تُفَزِّعَهُ فَقَالَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ قَالَ: اللَّه وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ.
قَالَ: مَنْ نَبِيُّكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ.
قَالَ: فَمَا كَانَ دِينُكَ؟ قَالَ: الإِسْلامُ.
قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ حَيِيتَ، وَعَلَى ذَلِكَ مِتَّ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ تُبْعَثُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَيُفْتَحُ لَهُ فِي جَنْبِ قَبْرِهِ، فَيُرِيهِ مَنْزِلَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَيُشْرِقُ وَجْهُهُ، وَتَفْرَحُ نَفْسُهُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ نَوْمَ الْعَرُوسِ الَّذِي لا يُوقِظُهُ إِلا أَعَزُّ أَهْلِهِ عَلَيْهِ.
وَيُؤْتَى بِالْكَافِرِ، فَلا يَجِدُ شَيْئًا يَحُولُ دُونَهُ، لا صَلاةَ، وَلا قِرَاءَةَ، وَلا زَكَاةَ.
فَيُوقِظُهُ إِيقَاظَكَ الرَّجُلِ تُحِبُّ أَنْ تُفَزِّعَهُ فَيَقُولُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ.
وَمَنْ نَبِيُّكَ فَيَقُولُ: أَنْتَ.
وَمَا كَانَ دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: أَنْتَ.
قَالَ: فَيَقُولُ: صَدَقْتَ، لَوْ كَانَ لَكَ إِلَهٌ تَعْبُدُهُ لاهْتَدَيْتَ لَهُ الْيَوْمَ.
فَيُفْتَحُ لَهُ فِي جَانِبِ قَبْرِهِ بَابٌ فَيُرِيهِ مَنْزِلَهُ مِنَ النَّارِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ، فَيُظْلِمُ وَجْهُهُ، وَتَخْبُثُ نَفْسُهُ وَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً يَتَنَاصَلُ مِنْهَا كُلُّ عَظْمٍ مِنْ مَوْضِعِهِ، فَيُسْمِعُهُ الْخَلْقَ إِلا الثَّقَلَيْنِ: الإِنْسَ وَالْجَنَّ، ثُمَّ يُقْذَفُ فِي مِقْلاةٍ يَنْفُخُهُ نَافِخَانِ، لا يَمِيلُ إِلَى هَذَا إِلا رَدَّهُ إِلَى هَذَا، وَلا يَمِيلُ إِلَى هَذِهِ إِلا رَدَّهُ إِلَى هَذَا، حَتَّى يُنْفَخَ فِي الصُّورِ النَّفْخَةَ الأُولَى، فَيُقَالُ لَهُ: اخْمُدْ، فَيَخْمُدُ حَتَّى
يُنْفَخَ فِي الصُّورِ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ.
فَيُبْعَثُ مَعَ الْخَلْقِ، فَيُقْضَى لَهُ كَمَا يُقْضَى لَهُمْ، لا رَاحَةَ إِلا مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ.
- وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ(1/287)
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعَ جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى قَبْرِهِ وَجَدَهُ لَمَّا يُلْحَدْ، فَجَلَسَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ، وَبِيَدِهِ عُودٌ فَهُوَ يَنْكُتُ بِهِ فِي الأَرْضَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.
قَالَهَا ثَلاثًا.
- إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي قُبُلٍ مِنَ الآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، أَتَتْهُ مَلائِكَةٌ، وُجُوهُهُمْ كَالشَّمْسِ بِحَنُوطِهِ وَكَفَنِهِ، فَجَلَسُوا مِنْهُ بِالْمَكَانِ الَّذِي يَرَاهُمْ مِنْهُ، فَإِذَا خَرَجَ رُوحُهُ صَلَّى عَلَيْهِ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، كُلُّ بَابٍ مِنْهَا يُعْجِبُهُ أَنْ يَصْعَدَ رُوحُهُ مِنْهُ.
فَيَنْتَهِي الْمَلَكُ إِلَى رَبِّهِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، هَذَا رُوحُ عَبْدِكَ فُلانٍ، فَيُصَلِّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَلائِكَتُهُ وَيَقُولُ: ارْجِعُوا بِعَبْدِي فَأَرُوهُ مَاذَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، فَإِنِّي عَهِدْتُ إِلَى عِبَادِي أَنِّي مِنْهَا خَلَقْتُكُمْ وَفِيهَا أُعِيدُكُمْ.
فَيَرُدُّ إِلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يُوضَعَ فِي قَبْرِهِ، فَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ حِينَ يَنْصَرِفَون عَنْهُ، قَالَ: فَيُقَالُ لَهُ: مَا رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ رَبِّي، وَالإِسْلامُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي.
فَيُنْتَهَرُ انْتِهَارًا شَدِيدًا ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: مَا دِينُكَ، وَمَنْ رَبُّكَ، وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ رَبِّي، وَالإِسْلامُ دِينِي، ومُحَمَّدٌ نَبِيِّي، فَيُنَادِي مُنَادٍ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم: 27] .
وَيَأْتِيهِ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَرِيحٍ طَيِّبَةٍ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِجَنَّاتٍ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ، فَقَدْ كُنْتَ سَرِيعًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، بَطِيئًا عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَيَقُولُ: وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَمِثْلُ وَجْهِكَ بُشِّرَ بِالْخَيْرِ، وَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْحَسَنُ.
ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ فَأَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا مِنْهُ.
ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيُرِيهِ مَنْزِلَهُ فِي الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ كَيْ أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي، فَيُوَسَّعُ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَيَرْقُدُ.(1/288)
وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِذَا كَانَ فِي قُبُلٍ مِنَ الآخِرَةِ وَانْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا، أَتَتْهُ مَلائِكَةٌ بِسَرَابِيلَ مِنْ قَطِرَانٍ، وَمُقَطَّعَاتٍ مِنْ نَارٍ، فَجَلَسُوا مِنْهُ بِالْمَكَانِ الَّذِي يَرَاهُمْ مِنْهُ وَيُنْتَزَعُ رُوحُهُ كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ الْكَثِيرُ شُعَبُهُ مِنَ الصُّوفِ الْمُبْتَلِّ، مِنْ عُرُوقِهِ وَقَلْبِهِ، فَإِذَا خَرَجَ رُوحُهُ لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَكُلُّ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهُ كُلُّ بَابٍ يَكْرَهُ أَنْ يَصْعَدَ رُوحُهُ مِنْهُ.
فَيَنْتَهِي الْمَلَكُ إِلَى رَبِّهِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ هَذَا رُوحُ فُلانٍ عِنْدَكَ، لا تَقْبَلُهُ أَرْضٌ وَلا سَمَاءٌ، فَيَلْعَنُهُ اللَّهُ وَمَلائِكَتُهُ وَيَقُولُ: ارْجِعُوا بِعَبْدِي فَأَرُوهُ مَاذَا أَعْدَدْتُ لَهُ مِنَ الْهَوَانِ، فَإِنِّي عَهِدْتُ إِلَى عِبَادِي أَنِّي مِنْهَا خَلَقْتُكُمْ وَفِيهَا أُعِيدُكُمْ.
فَيَرُدُّ إِلَيْهِ رُوحَهُ حَتَّى يُوضَعَ فِي قَبْرِهِ، فَإِنَّهُ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ حِينَ يَنْصَرِفُونَ عَنْهُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ وَمَنْ رَبُّكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: اللَّهُ رَبِّي وَالإِسْلامُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي.
فَيُنْتَهَرُ انْتِهَارًا شَدِيدًا.
ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ وَمَنْ رَبُّكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي، فَيُقَالُ لَهُ: لا دَرَيْتَ.
وَيَأْتِيهِ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِعَذَابٍ مُقِيمٍ.
فَيَقُولُ: وَأَنْتَ فَبَشَّرَكَ اللَّهُ بِشَرٍّ، فَمِثْلُ وَجْهِكَ بُشِّرَ بِالشَّرِّ، وَمَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ أَطَعْتَ اللَّهَ، ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ مَنْزِلُهُ مِنَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ الْهَوَانِ، وَيُقَيَّضُ لَهُ أَصَمَّ أَعْمَى بِيَدِهِ مِرْزَبَّةٌ لَوْ تُوضَعُ عَلَى جَبَلٍ لَصَارَ رُفَاتًا، فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً فَيَصِيرُ رُفَاتًا، ثُمَّ يُعَادُ فَيَضْرِبُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ
ضَرْبَةً يَضِجُّ مِنْهَا ضَجَّةً يَسْمَعُهَا مَنْ عَلَى الأَرْضِ إِلَى الثَّقَلَيْنِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: أَنِ افْرِشُوهُ لَوْحَيْنِ مِنْ نَارٍ، فَيُفْرَشُ لَوْحَيْنِ مِنْ نَارٍ وَيَضِيقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ ".
قَوْلُهُ: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124] يَعْنِي عَنْ حُجَّتِهِ كَقَوْلِهِ:(1/289)
{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] لا حُجَّةَ لَهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} [طه: 125] عَنِ الْحُجَّةِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
{وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا} [طه: 125] فِي الدُّنْيَا، عَالِمًا بِحُجَّتِي فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا عِلْمُهُ ذَلِكَ عِنْدَ نَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا.
كَانَ يُحَاجُّ فِي الدُّنْيَا جَاحِدًا لِمَا جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَمِيَ عَنِ الْحَقِّ، أَيْ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 126] أَيْ: لأَنَّهُ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فِي الدُّنْيَا.
{فَنَسِيتَهَا} [طه: 126] فَتَرَكْتَهَا، لَمْ تُؤْمِنْ بِهَا.
{وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 126] تُتْرَكُ فِي النَّارِ.
نا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 126] قَالَ: فِي النَّارِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: نُسِيَ مِنَ الْخَيْرِ أَيْ: تُرِكَ مِنَ الْخَيْرِ وَلَمْ يُنْسَ مِنَ الشَّرِّ، أَيْ: وَلَمْ يُتْرَكْ مِنَ الشَّرِّ.
قَالَ: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ} [طه: 127] مَنْ أَشْرَكَ، أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرْكِ.
{وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ} [طه: 127] مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا {وَأَبْقَى} [طه: 127] أَيْ: لا يَنْقَطِعُ أَبَدًا.
قَوْلُه: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} [طه: 128](1/290)
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ قَالا: أَفَلَمْ نُبَيِّنْ لَهُمْ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ يَقُولُ: {أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ} [طه: 128] أَفَلَمْ يُبَيِّنِ اللَّهُ لَهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: وَلا أَعْرِفُ أَيُّ الْقِرَائَتَيْنِ قَرَأَ قَتَادَةُ.
{كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ} [طه: 128] قَالَ الْحَسَنُ: أَيْ بَيَّنَّا لَهُمْ، فَقَرَأَهُ عَلَى النُّونِ، كَيْفَ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى، نُحَذِّرُهُمْ وَنُخَوِّفُهُمُ الْعَذَابَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَالَ: {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} [طه: 128] تَمْشِي هَذِهِ الأُمَّةُ فِي مَسَاكِنِ مَنْ مَضَى، أَيْ: يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الدِّيَارُ قَائِمَةً وَلَكِنَّ الْمَوَاضِعَ كَقَوْلِهِ: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} [هود: 100] ثُمَّ قَالَ: {مِنْهَا قَائِمٌ} [هود: 100] تَرَاهُ {وَحَصِيدٌ} [هود: 100] لا تَرَاهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} [طه: 128] يَعْنِي يَمُرُّونَ، يَعْنِي مَمَرَّ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى مَسَاكِنِهِمْ، يَعْنِي عَلَى قُرَاهُمْ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى} [طه: 128] لأَوُلِي الْوَرَعِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لأُولِي الْعُقُولِ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ} [طه: 129] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَلا تُعَذَّبَ هَذِهِ الأُمَّةُ بِعَذَابِ الاسْتِئْصَالِ، إِلا بِالسَّاعَةِ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الأُولَى.
{لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه: 129] {لَكَانَ لِزَامًا} [طه: 129] يَعْنِي أَخْذًا بِالْعَذَابِ، يَلْزَمُونَ عُقُوبَةَ كُفْرِهِمِ.(1/291)
وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَفِي الآخِرَةِ النَّارُ.
قَالَ: {لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه: 129] وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه: 129] السَّاعَةُ.
وَهَذَا مِنْ تَقْدِيمِ الْكَلامِ.
يَقُولُ: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ وَأَجَلٌّ مُسَمًّى لَكَانَ لِزَامًا.
قَالَ يَحْيَى: وَلِذَلِكَ ارْتَفَعَ الأَجَلُ وَالْكَلِمَةُ أَيْ: إِذًا لأَهْلَكْنَاهُمْ بِجُحُودِهِمْ جَمِيعًا مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ كَانَ اللِّزَامُ خَاصَّةً فِيمَنْ أَهْلَكَ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ فِي قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
- نا عُثْمَانُ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ لِكَعْبٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ وَغَابَتْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» .
فَقَالَ كَعْبٌ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ يَوْمَ الأَحَدِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْجُمُعَةِ، فَخَلَقَ آدَمَ آخِرَ سَاعَاتِ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
فَلَمَّا اسْتَوَى عَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَهِيَ الآيَةُ: {وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى} [طه: 129]
- حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: كَانَ اللِّزَامُ يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ فِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو: وَهُوَ هَلاكُ آخِرِ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالنَّفْخَةِ الأُولَى الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ.
قَوْلُهُ: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [طه: 130] مِنْ قَوْلِهِمْ لَكَ: إِنَّكَ سَاحِرٌ، وَإِنَّكَ شَاعِرٌ، وَإِنَّكَ مَجْنُونٌ، وَإِنَّكَ كَاذِبٌ، وَإِنَّكَ كَاهِنٌ.(1/292)
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} [طه: 130] نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: صَلاةُ الصُّبْحِ.
{وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130] الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ.
{وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} [طه: 130] يَعْنِي: الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} [طه: 130] يَعْنِي: وَمِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ.
{فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: 130] فِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو.
وَعَنِ الْحَسَنِ يَعْنِي التَّطَوُّعَ.
- نا سُفْيَانُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَزِينٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا: الصَّلاةُ الْمَكْتُوبَةُ.
- نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ لَنَا: " أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ لا تُغْلَبُوا عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلاتَيْنِ، قَالَ: وَقَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه: 130]
وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ(1/293)
النَّهَارِ} [هود: 114] قَالَ: مَا بَيْنَ صَلاةِ الصُّبْحِ وَصَلاةِ الْعَصْرِ.
{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
قَالَ: ونا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: طَرَفَا النَّهَارِ: صَلاةُ الصُّبْحِ وَصَلاةُ الْعَصْرِ.
{وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114] : صَلاةُ الْمَغْرِبِ وَصَلاةُ الْعِشَاءِ.
قَوْلُهُ: {لَعَلَّكَ تَرْضَى} [طه: 130] لِكَيْ تَرْضَى فِي الآخِرَةِ ثَوَابَ عَمَلِكَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَعَلَّكَ أَيْ فَإِنَّكَ سَتَرْضَى ثَوَابَ عَمَلِكَ فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ} [طه: 131] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ يَعْنِي: الأَغْنِيَاءَ.
{زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [طه: 131] قَالَ قَتَادَةُ: زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
أَمَرَهُ أَنْ يَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا.
{لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه: 131] قَالَ قَتَادَةُ: لَنَبْتَلِيَهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: لِنَخْتَبِرَهُمْ فِيهِ.
- حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خَصْلَتَانِ مَنْ كَانَتَا فِيهِ كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا، وَمَنْ لَمْ تَكُونَا فِيهِ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلا صَابِرًا: مَنْ نَظَرَ إِلَى مَنْ فَوْقَهُ فِي الدِّينِ(1/294)
وَمَنْ دُونَهُ فِي الدُّنْيَا، فَاقْتَدَى بِهِمَا، كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا صَابِرًا.
وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مَنْ فَوْقَهُ فِي الدُّنْيَا، وَدُونَهُ فِي الدِّينِ فَاقْتَدَى بِهِمَا، لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلا صَابِرًا ".
- نا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الرِّزْقِ الْكَفَافُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ كَفَافًا» .
قَوْلُهُ: {وَرِزْقُ رَبِّكَ} [طه: 131] فِي الْجَنَّةِ.
{خَيْرٌ} [طه: 131] مِنَ الدُّنْيَا.
{وَأَبْقَى} [طه: 131] لا نَفَادَ لِذَلِكَ الرِّزْقِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] مِمَّا مُتِّعَ بِهِ هَؤُلاءِ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه: 132] وَأَهْلُهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: أُمَّتُهُ.
{وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه: 132] قَالَ بَعْضُهُمْ: لا نَسْأَلُكَ عَلَى مَا أَعْطَيْنَاكَ مِنَ النُّبُوَّةِ رِزْقًا.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي الَّتِي فِي الذَّارِيَاتِ: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ} [الذاريات: 57] أَنْ يَرْزُقُوا أَنْفُسَهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَ الْحَسَنِ مِثْلَهَا فَهُوَ: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه: 132] أَنْ تَرْزُقَ نَفْسَكَ وَهُوَ أَعْجَبُ إِلَيَّ.
قَالَ يَحْيَى: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132] أَيْ: لأَهْلِ التَّقْوَى.
وَالْعَاقِبَةُ: الْجَنَّةُ كَقَوْلِهِ: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35] قَوْلُهُ: {وَقَالُوا لَوْلا} [طه: 133] هَلا.
{يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ} [طه: 133] قَالَ اللَّه: {أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى} [طه: 133] التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ كَقَوْلِهِ: {النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ(1/295)
وَالإِنْجِيلِ} [الأعراف: 157] .
قَالَ مُجَاهِدٌ: التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْكُتُبُ قَبْلَهُ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ} [طه: 134] مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ.
{لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا} [طه: 134] هَلا.
{أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: 134] فِي الْعَذَابِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ} [طه: 135] نَحْنُ وَأَنْتُمْ.
وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَرَبَّصُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمُوتَ، وَكَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ يَتَرَبَّصُ بِهِمْ أَنْ يَجِيئَهُمُ الْعَذَابُ.
قَالَ اللَّهُ: {فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} [طه: 135] الطَّرِيقِ الْعَدْلِ الْمُسْتَقِيمِ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {الصِّرَاطِ السَّوِيِّ} [طه: 135] يَعْنِي: الدِّينُ الْعَدْلُ، وَهُوَ الإِسْلامُ.
{وَمَنِ اهْتَدَى} [طه: 135] أَيْ: فَسَتَعْلَمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ كَانُوا عَلَى الصِّرَاطِ السَّوِيِّ، وَهُوَ طَرِيقُ الْجَنَّةِ، وَأَنَّهُمْ مَاتُوا عَلَى الْهُدَى.(1/296)
سُورَةُ الأَنْبِيَاءِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء: 1] أَيْ: إِنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ.
- حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ وَالْمُبَارَكُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ كَهَاتَيْنِ فَمَا فَضْلُ إِحْدَاهِمَا عَلَى الأُخْرَى» .
وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعِهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي يَقُولُ النَّاسُ: السَّبَّابَةُ.
فِي حَدِيثِ أَبِي الأَشْهَبِ.
وقَالَ الْمُبَارَكُ: قَالَ: كَهَاتَيْنِ يَعْنِي: إِصْبَعَهُ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامِ.
- نا خِدَاشٌ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حِينَ بُعِثَ إِلَيَّ، بُعِثَ إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ، فَأَهْوَى بِهِ إِلَى فِيهِ وَقَدَّمَ رِجْلًا، وَأَخَّرَ أُخْرَى، مَتَى يُؤْمَرُ يَنْفُخُ، أَلا فَاتَّقُوا النَّفْخَةَ» .
قَوْلُهُ: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 1] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ فِي غَفْلَةٍ مِنَ(1/297)
الآخِرَةِ مُعْرِضُونَ عَنِ الْقُرْآنِ.
{مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2] يَعْنِي الْقُرْآنَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كُلَّمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ أَعْرَضُوا عَنْهُ.
قَالَ: {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} [الأنبياء: 2] يَسْمَعُونَهُ بِآذَانِهِمْ وَلا تَقْبَلُهُ قُلُوبُهُمْ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلالَةِ: زَعَمَ صَاحِبُكُمْ هَذَا أَنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَتَنَاهَوْا قَلِيلًا.
قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ يَعْنِي عَنْ شِرْكِهِمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: ثُمَّ عَادُوا إِلَى أَعْمَالِهِمْ، أَعْمَالِ السُّوءِ.
فَلَمَّا نَزَلَ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1] قَالَ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلالَةِ: يَزْعُمُ هَذَا الرَّجُلُ أَنَّهُ قَدْ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ، فَتَنَاهَوْا قَلِيلًا ثُمَّ عَادُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ} [هود: 8] قَالَ اللَّه: {أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8] يَعْنِي الْعَذَابَ.
قَوْلُهُ: {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 3] قَالَ قَتَادَةُ: غَافِلَةً قُلُوبُهُمْ عَنْهُ.
قَوْلُهُ: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الأنبياء: 3] الَّذِينَ أَشْرَكُوا، أَسَرُّوا ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: {هَلْ هَذَا} [الأنبياء: 3] يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ} [الأنبياء: 3] يَعْنُونَ الْقُرْآنَ، أَيْ:(1/298)
أَفَتُصَدِّقُونَ بِهِ.
{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [الأنبياء: 3] أَنَّهُ سِحْرٌ.
قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ يَعْنِي: السِّرَّ.
{فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنبياء: 4] لا أَسْمَعَ مِنْهُ وَلا أَعْلَمَ مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} [الأنبياء: 5] يَعْنُونَ الُقْرَآنَ، أَيْ أَخْلاطُ أَحْلامٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَذِبُ أَحْلامٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِعْلُ أَحْلامٍ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} [الأنبياء: 5] أَهَاوِيلُهَا.
قَالَ: {بَلِ افْتَرَاهُ} [الأنبياء: 5] مُحَمَّدٌ.
{بَلْ هُوَ} [الأنبياء: 5] بَلْ مُحَمَّدٌ.
{شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5] قَالَ قَتَادَةُ: كَمَا أُرْسِلَ مُوسَى وَعِيسَى فِيمَا يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ.
قَالَ اللَّهُ: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 6] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ الرُّسُلَ إِذَا جَاءَتْ بِالآيَاتِ هَلَكَتِ الأُمَمُ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ عِنْدَ ذَلِكَ يُؤْمِنُونَ.
أَيْ: إِنَّ الْقَوْمَ إِذَا كَذَّبُوا رُسُولَهُمْ وَسَأَلُوهُ الآيَةَ، فَجَاءَتْهُمُ الآيَةُ، فَلَمْ(1/299)
يُؤْمِنُوا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ إِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ؟ أَيْ: لا يُؤْمِنُونَ إِنْ جَاءَتْهُمُ الآيَةُ.
ثُمَّ قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 7] يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
أَهْلُ التَّوْرَاةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ وَأَصْحَابُهُ الْمُؤْمِنُونَ، يَعْنِي مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] وَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ.
يَقُولُ: إِنْ كُنْتَ لا تُصَدِّقُ فَاسْأَلْ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ كَذَّبَ.
قَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا} [الأنبياء: 8] يَعْنِي النَّبِيِّينَ.
{لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8] أَيْ: وَلَكِنَّا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ.
وَقَدْ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَالَ: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] نا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: جَسَدًا لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ.
قَوْلُهُ: {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء: 8] نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَمَا كَانُوا يُخَلَّدُونَ فِي الدُّنْيَا، لا يَمُوتُونَ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ} [الأنبياء: 9] كَانَتِ الرُّسُلُ تُحَذِّرُ قَوْمَهَا عَذَابَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابَهُ فِي الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
فَلَمَّا لَمْ يُؤْمِنُوا صَدَقَ اللَّهُ رُسُلَهُ الْوَعْدَ، فَأَنْزَلَ الْعَذَابَ عَلَى قَوْمِهِمْ.(1/300)
قَالَ: {فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ} [الأنبياء: 9] يَعْنِي النَّبِيَّ وَالْمُؤْمِنِينَ.
{وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} [الأنبياء: 9] قَالَ قَتَادَةُ: الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا} [الأنبياء: 10] الْقُرْآنَ.
{فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] فِيهِ شَرَفُكُمْ، يَعْنِي: قُرَيْشًا، أَيْ لِمَنْ آمَنَ بِهِ.
{أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 10] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {وَكَمْ قَصَمْنَا} [الأنبياء: 11] أَيْ أَهْلَكْنَا.
{مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} [الأنبياء: 11] يَعْنِي مُشْرِكَةً، يَعْنِي أَهْلَهَا.
{وَأَنْشَأْنَا} [الأنبياء: 11] أَيْ: وَخَلَقْنَا.
{بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} [الأنبياء: 11] قَالَ: {فَلَمَّا أَحَسُّوا} [الأنبياء: 12] رَأَوْا.
{بَأْسَنَا} [الأنبياء: 12] يَعْنِي عَذَابَنَا، يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُهْلَكُوا.
رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ مَنْ هَلَكَ.
{إِذَا هُمْ مِنْهَا} [الأنبياء: 12] مِنَ الْقَرْيَةِ.
{يَرْكُضُونَ} [الأنبياء: 12] يَفِرُّونَ مِنَ الْعَذَابِ حِينَ جَاءَهُمْ.
يَقُولُ اللَّهُ: {لا تَرْكُضُوا} [الأنبياء: 13] قَالَ مُجَاهِدٌ: لا تَفِرُّوا.
{وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} [الأنبياء: 13] يَعْنِي نَعِيمَهُمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَقُولُ: ارْجِعُوا إِلَى دُنْيَاكُمُ الَّتِي أَتْرَفْتُمْ فِيهَا.
{وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 13] مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ.
أَيْ: لا(1/301)
تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلا يَكُونُ ذَلِكَ.
{قَالُوا يَا وَيْلَنَا} [الأنبياء: 14] وَهَذَا حِينَ جَاءَهُمُ الْعَذَابُ.
{إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ} [الأنبياء: 15] يَعْنِي قَوْلَهُمْ: {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] يَعْنِي: فَمَا زَالَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ.
{حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: 15] نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَقُولُ: لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هِجِّيرَى إِلا قَوْلُهُمْ: {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] ، {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 14] ، حَتَّى أُهْلَكُوا.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: 15] حَتَّى أُهْلَكُوا.
قَوْلُهُ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء: 16] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: مَا خَلَقْنَا مِنْ جَنَّةٍ، وَلا نَارٍ، وَلا مَوْتٍ، وَلا بَعْثٍ، وَلا حِسَابٍ لاعِبِينَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ: إِنَّا لَمْ نَخْلُقْهُمَا وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: إِنَّمَا خَلَقْنَاهُمَا لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ.
قَوْلُهُ: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} [الأنبياء: 17] وَاللَّهْوُ: الْمَرْأَةُ بِلِسَانِ الْيَمَنِ، فِيمَا حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ.(1/302)
قَالَ السُّدِّيُّ: لَهْوًا، يَعْنِي صَاحِبَةً وَوَلَدًا.
قَالَ: {لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} [الأنبياء: 17] قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: مِنْ عِنْدِنَا.
{إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 17] قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: أَيْ مَا كُنَّا فَاعِلِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} [الأنعام: 101] قَالَ: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 18] بِالْقُرْآنِ.
{عَلَى الْبَاطِلِ} [الأنبياء: 18] عَلَى بَاطِلِهِمْ، يَعْنِي شِرْكِهِمْ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 18] وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ، قَذَفَهُ اللَّهُ عَلَى بَاطِلِهِمْ.
قَالَ: {فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18] دَاحِضٌ، أَيْ: ذَاهِبٌ.
قَالَ: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ} [الأنبياء: 18] الْعَذَابُ.
{مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 18] قَالَ قَتَادَةُ: مِمَّا تَكْذِبُونَ، لِقَوْلِهِمْ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ} [الأنبياء: 19] يَعْنِي الْمَلائِكَةَ.
{لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19](1/303)
قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلا يُحْسَرُونَ أَيْ: لا يُعْيَوْنَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَلا يُعْيَوْنَ.
- {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِهَا قَالَ: انْظُرْ إِلَى بَصَرِكَ هَلْ يَئودُكَ؟ أَيْ: هَلْ يَثْقُلُ عَلَيْكَ؟ وَانْظُرْ إِلَى سَمْعِكَ هَلْ يئُودُكَ؟ وَانْظُرْ إِلَى نَفْسِكَ هَلْ يَئودُكَ؟ فَكَذَلِكَ الْمَلائِكَةُ.
- نا الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالا: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ الْحَمْدُ وَالتَّسْبِيحُ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسُ.
نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ.
- نا الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يُلْهَمُونَ الْحَمْدُ وَالتَّسْبِيحُ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسُ» .
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحَقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ، لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ رَاكِعٌ» .
- وَفِي حَدِيثِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي أَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ، أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ» .(1/304)
وَحَدَّثَنِي الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ.
قَوْلُهُ: {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} [الأنبياء: 21] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هُمْ يُحْيُونَ الْمَوْتَى، عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
أَيْ: قَدِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لا يُنْشِرُونَ وَلا يُحْيُونَ الْمَوْتَى.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {هُمْ يُنْشِرُونَ} [الأنبياء: 21] الْمَوْتَى، أَيْ إِنَّهُمْ لا يَبْعَثُونَ الأَمْوَاتَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {هُمْ يُنْشِرُونَ} [الأنبياء: 21] يَعْنِي هُمْ يَبْعَثُونَ، أَيْ يَبْعَثُونَ الأَمْوَاتَ.
قَالَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا} [الأنبياء: 22] يَعْنِي: فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ.
{آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ} [الأنبياء: 22] غَيْرُ اللَّهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] لَهَلَكَتَا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ} [الأنبياء: 22] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَقُولُونَ.
{عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22] أَيْ: عَمَّا يَكْذِبُونَ.
قَوْلُهُ: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23](1/305)
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ بِعِبَادِهِ، وَالْعِبَادُ يُسْأَلُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ.
قَوْلُهُ: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً} [الأنبياء: 24] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً.
وَهَذَا الاسْتِفْهَامُ وَمَا أَشْبَاهُهُ اسْتِفْهَامٌ عَلَى مَعْرِفَةٍ.
قَالَ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [الأنبياء: 24] يَعْنِي: بَيِّنَتَكُمْ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: حُجَّتَكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً.
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَلا حُجَّةٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ يَعْنِي: حُجَّتَكُمْ بِأَنَّ مَعَهُ آلِهَةً.
قَوْلُهُ: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} [الأنبياء: 24] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي الْقُرْآنَ فِيهِ ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ.
يَعْنِي مَا فِيهِ مِنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ.
{وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} [الأنبياء: 24] يَقُولُ: مِنْ أَخْبَارِ الأُمَمِ السَّالِفَةِ وَأَعْمَالِهِمْ، يَعْنِي مَنْ أَهْلَكَ اللَّهُ مِنَ الأُمَمِ وَمَنْ نَجَّى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، لَيْسَ فِيهِ اتِّخَاذُ آلِهَةٍ دُونَ اللَّهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} [الأنبياء: 24] يَقُولُ: خَبَرُ مَنْ مَعِيَ وَخَبَرُ مَنْ كَانَ قَبْلِي.(1/306)
قَالَ: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24] يَعْنِي بِقَوْلِهِ: أَكْثَرُهُمْ جَمَاعَتُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {فَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 24] يَعْنِي: عَنِ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] أَيْ: لا تَعْبُدُوا غَيْرِي، بِذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ جَمِيعًا.
ابْنُ لَهِيعَةَ....
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ إِدْرِيسَ كَانَ قَبْلَ نُوحٍ، بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَيَعْمَلُوا مَا شَاءُوا، فَأَبَوْا، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ.
قَوْلُهُ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} [الأنبياء: 26] سَعِيدٌ، عَن قَتَادَةَ قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى صَاهَرَ الْجِنَّ فَكَانَتْ مِنْ بَيْنِهِمُ الْمَلائِكَةُ.
قَالَ اللَّهُ: {سُبْحَانَهُ} [الأنبياء: 26] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا.
{بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26] يَعْنِي الْمَلائِكَةَ هُمْ كِرَامٌ عَلَى اللَّهِ.
{لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} [الأنبياء: 27] فَيَقُولُونَ شَيْئًا لَمْ يَقْبَلُوهُ عَنِ اللَّهِ.
قَالَ: {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ {27} يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الأنبياء: 27-28] مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ.(1/307)
{وَمَا خَلْفَهُمْ} [الأنبياء: 28] مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِذَا كَانَتِ الآخِرَةُ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} [الأنبياء: 28] يَعْنِي: يَعْلَمُ مَا كَانَ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْمَلائِكَةِ، وَمَا كَانَ بَعْدَ خَلْقِهِمْ.
قَالَ: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28] لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
{وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28] أَيْ: خَائِفُونَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 29] وَقَالَ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: هَذِهِ فِي إِبْلِيسَ خَاصَّةً لَمَّا قَالَ مَا قَالَ دَعَا إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَمَنْ يَقُلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، إِنْ قَالُوهُ وَلا يَقُولُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ.
وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ.
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 30] هَذَا عَلَى الْخَبَرِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَوَلَمْ يَرَ} [الأنبياء: 30] يَعْنِي: أَوَ لَمْ يَعْلَمِ الَّذِينَ كَفَرُوا.
{أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] كَانَتَا مُلْتَزِقَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، {فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30] فَوَضَعَ الأَرْضَ، وَرَفَعَ السَّمَاءَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ السَّمَاءَ كَانَتْ رَتْقًا لا يَنْزِلُ مِنْهَا مَاءً، فَفَتَقَهَا اللَّهُ(1/308)
بِالْمَاءِ، وَفَتَقَ الأَرْضَ بِالنَّبَاتِ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: كَانَتَا جَمِيعًا، فَفَصَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْهَوَاءِ فَجَعَلَهُ بَيْنَهُنَّ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: كُنَّ مُطْبَقَاتٍ فَفَتَقَهُنَّ، أَحْسَبُهُ قَالَ: بِالْمَطَرِ.
وَقَالَهُ غَيْرُهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَمْ تَكُنِ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ مُتَمَاسَّتَيْنِ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كُنَّ مُنْطَبِقَاتٍ فَفَتَقَهُنَّ.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
وَكُلُّ شَيْءٍ حَيٍّ فَإِنَّمَا خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ.
- حَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي، وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ.
فَقَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ»
- قُلْتُ: أَنْبِئْنِي بِعَمَلٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ.
قَالَ: «أَفْشِ السَّلامَ، وَأَطِبِ الْكَلامَ، وَصِلِ الأَرْحَامَ، وَقُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِسَلامٍ» .
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} [الأنبياء: 31] يَعْنِي الْجِبَالَ.
{أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} [الأنبياء: 31] لأَنْ لا تُحَرَّكَ بِهِمْ.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلا} [الأنبياء: 31] قَالَ قَتَادَةُ: طُرُقًا أَعْلامًا.
{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [الأنبياء: 31] لِكَيْ يَهْتَدُوا الطُّرُقَ.(1/309)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَ الطُّرُقَ.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء: 32] عَلَى مَنْ تَحْتَهَا، مَحْفُوظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمْ كَقَوْلِهِ: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر: 17] .
وَإِنَّمَا كَانَتْ هَاهُنَا مَحْفُوظًا لأَنَّهُ قَالَ: {سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء: 32] ، فَوَقَعَ الْحِفْظُ فِيهَا عَلَى السَّقْفِ، وَفِي الآيَةِ الأُخْرَى عَلَى السَّمَاءِ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هِيَ سَقْفٌ مَحْفُوظٌ، وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ.
قَوْلُهُ: {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا} [الأنبياء: 32] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: يَعْنِي الشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومَ.
{مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 32] لا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا يَرَوْنَ فِيهَا، فَيَعْرِفُونَ أَنَّ لَهُمْ مِعَادًا فَيُؤْمِنُوا.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] قَالَ قَتَادَةُ: فِي فَلَكِ السَّمَاءِ.
حَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ: إِنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ مِثْلُ الْقُبَّةِ، وَإِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ لازِقٌ، وَإِنَّهَا تَجْرِي فِي فَلَكٍ دُونَ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ بَيْتُ الْمَقْدِسِ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا، وَإِنَّ أَبْعَدَ الأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ الأُبُلَّةُ.
- هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ(1/310)
الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وُجُوهُهُمَا إِلَى السَّمَاءِ، وَأَقْفَاؤُهُمَا إِلَى الأَرْضِ يُضِيئَانِ فِي السَّمَاءِ كَمَا يُضِيئَانِ فِي الأَرْضِ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا {15} وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا {16} } [نوح: 15-16]
- وحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي جحض قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: مَا بَالُ الشَّمْسِ تَصْلانَا أَحْيَانًا وَتَبْرُدُ أَحْيَانًا؟ قَالَ: أَمَّا فِي الشِّتَاءِ فَهِيَ فِي السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، وَأَمَّا فِي الصَّيْفِ فَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَقُلْتُ: إِنَّمَا كُنَّا نَرَاهَا فِي هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا.
قَالَ: لَوْ كَانَتْ فِي هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَمْ يَقْمُ لَهَا شَيْءٌ.
الْحَسَنُ، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الأَعْمَشِ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ أُدْنِيَتْ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فِي الشِّتَاءِ لِيَنْتَفِعُوا بِهَا، وَرُفِعَتْ فِي الصَّيْفِ لِئَلا يُؤْذِيهِمْ حَرُّهَا.
قَوْلُهُ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: {يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] يَدُورُونَ كَمَا يَدُورُ فَلَكُ الْمِغْزَلِ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] ، يَجْرُونَ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ فِي طَاحُونَةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَهَيْئَةِ فَلَكِ الْمِغْزَلِ يَدُورُونَ فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُلْتَصِقَةً فِي السَّمَاءِ لَمْ تَجْرِ.(1/311)
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {يَسْبَحُونَ} [الأنبياء: 33] يَجْرُونَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ فِي قَوْلِهِ: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن: 5] قَالَ: حُسْبَانٌ كَحُسْبَانِ الرَّحَى.
قَوْلُهُ: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء: 34] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لا يَخْلُدُونَ.
قَالَ: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] قَالَ قَتَادَةُ: بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ.
{فِتْنَةً} [الأنبياء: 35] أَيْ: بَلاءٌ، أَيِ: اخْتِبَارٌ.
{وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 36] يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء: 36] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَيْ: يَعِيبُهَا وَيَشْتُمُهَا.
قَالَ اللَّهُ: {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ} [الأنبياء: 36] قَوْلُهُ: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] خُلِقَ آدَمُ آخِرَ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ مَا خُلِقَ الْخَلْقُ، فَلَمَّا أَحْيَا الرُّوحُ عَيْنَيْهِ وَرَأْسَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ أَسْفَلَهُ قَالَ: رَبِّ اسْتَعْجِلْ بِخَلْقِي، قَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ.
هَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.(1/312)
- نا خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةُ، وَفِيهِ هَبَطَ مِنْهَا، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَفِيهِ سَاعَةٌ، ثُمَّ قَبَضَ يَدَهُ يُقَلِّلُهَا، لا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» .
قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: قَدْ عَلِمْتُ أَيَّ سَاعَةٍ هِيَ، هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَهِيَ السَّاعَةُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا آدَمُ.
قَالَ اللَّهُ: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37] وقَالَ قَتَادَةُ: {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] خُلِقَ عَجُولًا.
قَالَ اللَّه: {سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ} [الأنبياء: 37] وَذَلِكَ لَمَّا كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا خَوَّفَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ، وَذَلِكَ مِنْهُمُ اسْتِهْزَاءٌ وَتَكْذِيبٌ.
قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي الْمَوْعِدَ الَّذِي وَعَدَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا: الْقَتْلُ لَهُمْ، وَالنَّصْرُ عَلَيْهِمْ، وَالْعَذَابُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنبياء: 38] هَذَا قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَتَى هَذَا الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ أَمْرِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الأنبياء: 39] وَفِيهَا تَقْدِيمٌ.
أَيْ: أَنَّ الْوَعْدَ الَّذِي كَانُوا يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا هُوَ يَوْمٌ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
قَوْلُهُ: {بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً} [الأنبياء: 40] يَعْنِي: الْقِيَامَةَ.
{فَتَبْهَتُهُمْ} [الأنبياء: 40] مُبَاهَتَةً.
{فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [الأنبياء: 40] أَيْ: وَلا هُمْ يُؤَخَّرُونَ.(1/313)
قَوْلُهُ: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ} [الأنبياء: 41] كَذَّبُوهُمْ وَاسْتَهْزَءُوا بِهِمْ، فَحَاقَ بِهِمْ.
{مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام: 5] الْعَذَابُ الَّذِي كَانُوا يُكَذِّبُونَ بِهِ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِالرُّسُلِ إِذَا خَوَّفُوهُمْ بِهِ.
قَوْلُهُ: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ} [الأنبياء: 42] ....
قَالَ: مَنْ يَحْفَظُكُمْ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ.
قَالَ: {بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42] أَيْ: هُمْ مِنَ الْمَلائِكَةِ كَقَوْلِهِ: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11] أَيْ: هُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَهُمْ مَلائِكَةُ اللَّهِ، هُمْ حَفَظَةٌ مِنَ اللَّهِ لِبَنِي آدَمَ وَلأَعْمَالِهِمْ، يَتَعَاقَبُونَ فِيهِمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، مَلائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، فَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ، وَعِنْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ، فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهْم: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: أَتَيْنَاهُمْ
وَهُمْ يُصَلُّونَ وَتَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، يَحْفَظُونَ الْعِبَادَ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُمْ، وَيَحْفَظُونَ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ.
عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا وَمَعَهُ مَلَكَانِ يَحْفَظَانِهِ فِي لَيْلِهِ، وَنَهَارِهِ، وَنَوْمِهِ، وَيَقَظَتِهِ مِنَ الْجِنِّ، وَالإِنْسِ، وَالدَّوَابِّ، وَالسِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ، وَأَحْسَبُهُ قَالَ: وَالطَّيْرِ، كُلَّمَا أَرَادَهُ شَيْءٌ قَالَ: إِلَيْكَ حَتَّى يَأْتِيَ الْقَدَرُ.
حَدَّثَنِي حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي غَالِبِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلا وَمَعَهُ مَلَكَانِ أَحَدُهُمَا يَكْتُبُ عَمَلَهُ، وَالآخَرُ يَقِيهِ مِمَّا لَمْ يُقَدَّرْ عَلَيْهِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّهْمُ أَرْبَعَةُ أَمْلاكٍ يَتَعَاقَبُونَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يَعْنِي يَصْعَدُ هَذَانِ، وَيَنْزِلُ هَذَانِ.(1/314)
قَوْلُهُ: {بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء: 42] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، مُعْرِضُونَ عَنِ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا} [الأنبياء: 43] أَيْ: قَدِ اتَّخَذُوا آلِهَةً لا تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا.
{لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} [الأنبياء: 43] لا تَسْتَطِيعُ الآلِهَةُ لأَنْفُسِهَا نَصْرًا.
{وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: 43] لا يُصْحَبُونَ مِنَ اللَّهِ بِخَيْرٍ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: 43] وَلا مَنْ عَبَدَهَا مِنَّا يُجَارُونَ.
أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يُجِيرُهُمْ، أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِنَّا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لا تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ عَذَابَهُمْ {وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ} [الأنبياء: 43] وَلا مَنْ يَعْبُدُهَا مِنَّا يُجَارُونَ، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ مَنْ يُجِيرُهُمْ، أَيْ يَمْنَعُهُمْ مِنَّا إِنْ أَرَادَ اللَّهُ عَذَابَهُمْ.
وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا تُعَذَّبُ الشَّيَاطِينُ الَّتِي دَعَتْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَلا تُعَذَّبُ الأَصْنَامُ.
قَوْلُهُ: {لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ} [الأنبياء: 43] لا يَسْتَطِيعُونَ تِلْكَ الأَصْنَامُ نَصْرَ أَنْفُسِهَا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَهَا.
قَوْلُهُ: {بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ} [الأنبياء: 44] يَعْنِي: قُرَيْشًا.
{حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} [الأنبياء: 44] لَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ حَتَّى جَاءَهُمْ مُحَمَّدٌ.
{أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء: 44] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَوْتُ عُلَمَائِهَا وَفُقَهَائِهَا.(1/315)
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: مَوْتُ عَالِمٍ أَحَبُّ إِلَى إِبْلِيسَ مِنْ مَوْتِ أَلْفِ عَابِدٍ.
- نا عَمَّارٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَوْتُ الْعَالِمِ ثُلْمَةٌ فِي الإِسْلامِ لا يَسُدُّهَا شَيْءٌ أَبَدًا» .
نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا، قَالَ: الْمَوْتُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا بِالْمَوْتِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ: {أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء: 44] بِالْفُتُوحِ عَلَى النَّبِيِّ أَرْضًا فَأَرْضًا أَفَلا تَسْمَعُهُ يَقُولُ: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء: 44] أَيْ: لَيْسُوا بِالْغَالِبِينَ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ هُوَ الْغَالِبُ.
- عَمَّارٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَوْتُ عَالِمٍ ثُلْمَةٌ فِي الإِسْلامِ لا يَسُدُّهَا شَيْءٌ أَبَدًا» .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء: 44] يَعْنِي: أَرْضَ مَكَّةَ.
وَقَوْلُهُ: {نَنْقُصُهَا} [الأنبياء: 44] يَعْنِي: إِذَا أَسْلَمَ أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ نَقَصَ مِنْهُمْ وَزَادَ فِي الْمُسْلِمِينَ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: {أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الأنبياء: 44] .
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْعَثُ نَارًا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَطْرُدُ النَّاسَ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ إِلَى(1/316)
الشَّامِ، تَنْزِلُ مَعَهُمْ إِذَا نَزَلُوا، وَتَرْتَحِلُ مَعَهُمْ إِذَا ارْتَحَلُوا، فَتَقُومُ عَلَيْهِمُ الْقِيَامَةُ بِالشَّامِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الأنبياء: 44] قَوْلُهُ: {قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ} [الأنبياء: 45] قَالَ قَتَادَةُ: بِالْقُرْآنِ، أُنْذِرُكُمْ بِهِ عَذَابَ الدُّنْيَا وَعَذَابَ الآخِرَةِ،
يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ} [الأنبياء: 45] يَعْنِي النِّدَاءَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِذَا مَا يُنْذَرُونَ} [الأنبياء: 45] وَالصُّمُّ هَاهُنَا الْكُفَّارُ، صُمُّوا عَنِ الْهُدَى.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَنِ الإِيمَانِ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْكَافِرَ أَصَمُّ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، لا يَسْمَعُهُ وَلا يَعْقِلُهُ.
قَوْلُهُ: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ} [الأنبياء: 46] قَالَ قَتَادَةُ: عُقُوبَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ.
قَالَ يَحْيَى: وَهِيَ النَّفْخَةُ الأُولَى الَّتِي يُهْلِكُ اللَّهُ بِهَا كُفَّارَ آخِرِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِكُفْرِهِمْ وَجُحُودِهِمْ.
{لَيَقُولُنَّ} [الأنبياء: 46] إِذَا جَاءَهُمُ الْعَذَابُ.
{يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 46] وَهِيَ مِثْلُ الآيَةِ الأُولَى فِي أَوَّلِ السُّورَةِ.
{فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا} [الأعراف: 5] عَذَابُنَا {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ} [الأنعام: 14] ، {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 46](1/317)
قَوْلُهُ: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} [الأنبياء: 47] يَعْنِي الْعَدْلَ.
{لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47]
- حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: يُوضَعُ الْمِيزَانُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ وُضِعَ فِي كِفَّةٍ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ لَوَسِعَتْهُمَا.
فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا مَا هَذَا؟ فَيَقُولُ: أَزِنُ بِهِ لِمَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي.
فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.
- نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهَا عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَذْكُرُ الرَّجُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمِيمَهُ؟ فَقَالَ: " ثَلاثَةُ مَوَاطِنَ لا يَذْكُرُ فِيهَا أَحَدٌ حَمِيمَهُ: عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيَثْقُلُ مِيزَانُهُ أَمْ يَخِفُّ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيَجُوزُ أَوْ لا يَجُوزُ، وَعِنْدَ الصُّحُفِ حَتَّى يَنْظُرَ
أَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَمْ بِشِمَالِهِ ".
قَوْلُهُ: {فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} [الأنبياء: 47] يَقُولُ: فَلا تُنْقَصُ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهَا شَيْئًا.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: لا يُنْقَصُ الْمُؤْمِنُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا وَلا يُزَادُ عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، وَلا يُزَادُ عَلَى الْكَافِرِ مِنْ سَيِّئَاتِ غَيْرِهِ، وَلا يُجَازَى فِي الآخِرَةِ بِحَسَنَةٍ قَدِ اسْتَوْفَاهَا فِي الدُّنْيَا.
قَالَ: {وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} [الأنبياء: 47] أَيْ: وَزْنُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ.
{أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء: 47] يَعْنِي عَالِمِينَ.(1/318)
وَقَالَ الْحَسَنُ: لا يَعْلَمُ حِسَابَ مَثَاقِيلِ الذَّرِّ وَالْخَرْدَلِ إِلا اللَّهُ، وَلا يُحَاسِبُ الْعِبَادَ إِلا هُوَ.
- وَحَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ مَعْبَدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ حَدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ طَعَامَهُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ إِذْ نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1] إِلَى آخِرِهَا، فَأَمْسَكَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنْ خَيْرٍ عَمِلْتُ إِلا رَأَيْتَ وَلا مِنْ شَرٍّ عَمِلْتُ إِلا رَأَيْتَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ مَثَاقِيلُ الشَّرِّ، وَأَمَّا
مَثَاقِيلُ الْخَيْرِ فَتَلْقَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَنْ يَهْتِكَ اللَّهُ سَتْرَ عَبْدٍ فِيهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ» .
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي فِي الْكَافِرِ أَنَّهُ مَا عَمِلَ فِي الدُّنْيَا مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ فِي الدُّنْيَا، وَمَا عَمِلَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فِي الآخِرَةِ.
- أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى الثَّقَفِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ لا تَغْتَرُّوا بِاللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَوْ كَانَ مُغْفِلًا شَيْئًا لأَغْفَلَ الذَّرَّةَ وَالْخَرْدَلَةَ وَالْبَعُوضَةَ» .
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء: 48] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ: الْكِتَابَ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَعْنِي التَّوْرَاةَ.
وَفُرْقَانُهَا، حَلالُهَا وَحَرَامُهَا، فَرَّقَ فِيهَا حَلالَهَا وَحَرَامَهَا.(1/319)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْفُرْقَانُ يَعْنِي الْمَخْرَجَ فِي الدِّينِ مِنَ الشُّبْهَةِ وَالضَّلالَةِ.
{وَضِيَاءً} [الأنبياء: 48] يَعْنِي نُورًا.
{وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ} [الأنبياء: 48] يَذْكُرُونَ بِهِ الآخِرَةَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَضِيَاءً} [الأنبياء: 48] يَعْنِي مَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْبَيَانِ.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} [الأنبياء: 49]
حَدَّثَنِي حَمَّادٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ خَبَّابٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ {32} مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ {33} } [ق: 32-33] قَالَ: الرَّجُلُ يَذْكُرُ ذُنُوبَهُ فِي الْخَلاءِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهَا.
قَوْلُهُ: {وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 49] خَائِفُونَ مِنْ شَرِّ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
قَوْلُهُ: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 50] قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي الْقُرْآنَ: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [الأنبياء: 50] يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ، عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ قَدْ أَنْكَرْتُمُوهُ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ} [الأنبياء: 51] قَالَ قَتَادَةُ: هُدَاهُ.
هُدَاهُ صَغِيرًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.(1/320)
وَقَالَ الْحَسَنُ: النُّبُوَّةَ.
{وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 51] أَنَّهُ سَيُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ وَيَمْضِي لأَمْرِهِ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] قَوْلُهُ: {إِذْ قَالَ} [الأنبياء: 52] إِبْرَاهِيمُ.
{لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ} [الأنبياء: 52] قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الأَصْنَامَ.
{الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} [الأنبياء: 52] يَعْنِي: لَهَا عَابِدُونَ.
{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ {53} قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ {54} } [الأنبياء: 53-54] يَعْنِي: بَيِّنٍ.
{قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ} [الأنبياء: 55] أهُزْءٌ هَذَا الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ أَمْ مِنْكَ حَقٌّ؟ {قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} [الأنبياء: 56] الَّذِي خَلَقَهُنَّ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الآلِهَةُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا.
{وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [الأنبياء: 56] أَنَّهُ رَبُّكُمْ.
{وَتَاللَّهِ} [الأنبياء: 57] يَمِينٌ أَقْسَمَ بِهِ.
{لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] قَالَ قَتَادَةُ: نَرَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ حَيْثُ لا يَسْمَعُونَ.
اسْتَنْفَعُوهُ لِيَوْمِ عِيدٍ لَهُمْ(1/321)
يَخْرُجُونَ فِيهِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَأَبَى، فَقَالَ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: 89] اعْتَلَّ لَهُمْ بِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ لَمَّا وَلَّوْا: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} [الأنبياء: 57] فَسَمِعَ وَعِيدَهُ لأَصْنَامِهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمُ اسْتَأْخَرَ مِنَ الْقَوْمِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء: 60] قَالَ: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} [الأنبياء: 58] قَالَ قَتَادَةُ: قِطَعًا، قَطَّعَ أَيْدِيَهَا وَأَرْجُلَهَا
وَفَقَأَ أَعْيُنَهَا، وَنَجَرَ وُجُوهَهَا.
{إِلا كَبِيرًا لَهُمْ} [الأنبياء: 58] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي لِلآلِهَةِ وَأَعْظَمِهَا فِي أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَوْثَقَ الْفَأْسَ فِي يَدِ كَبِيرِ تِلْكَ الأَصْنَامِ.
{لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 58] قَالَ قَتَادَةُ: كَادَهُمْ بِذَلِكَ لَعَلَّهُمْ يُبْصِرُونَ فَيُؤْمِنُوا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ثُمَّ جَعَلَ إِبْرَاهِيمُ الْفَأْسَ الَّتِي أَهْلَكَ اللَّهُ بِهَا أَصْنَامَهُمْ مُسْنَدَةً إِلَى صَدْرِ كَبِيرِهِمُ الَّذِي تَرَكَ.
فَلَمَّا رَجَعُوا فَرَأَوْا مَا صُنِعَ بِأَصْنَامِهِمْ.
{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ {59} قَالُوا} [الأنبياء: 59-60] قَالَ الَّذِي اسْتَأْخَرَ مِنْهُمْ وَسَمِعَ وَعِيدَ إِبْرَاهِيمَ أَصْنَامَهُمْ.(1/322)
{سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ {60} قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ {61} } [الأنبياء: 60-61] أَنَّهُ كَسَرَهَا فَتَكُونُ لَكُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذُوهُ إِلا بِبَيِّنَةٍ فَجَاءُوا بِهِ.
فَـ {قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ {62} قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ {63} فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ {64} } [الأنبياء: 62-64] قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ هَذِهِ الْمَكِيدَةُ الَّتِي كَادَهُمْ بِهَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ كَذِبَهُ فِي مَكِيدَتِهِ إِيَّاهُمْ مَوْضُوعٌ عَنْهُ.
- وَحَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ حَيْثُ يَأْتُونَ آدَمَ، ثُمَّ نُوحًا، ثُمَّ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مَا يَقُولُ كُلُّ نَبِيٍّ مِنْهُمْ، فَذَكَرَ فِي قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ سَأَلُوهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ: إِنِّي لَسْتُ هُنَالِكُمْ، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، ثَلاثَ كَذَبَاتٍ كَذَبَهُنَّ، قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ}
[الصافات: 89] وَقَوْلُهُ: {فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وَقَوْلُهُ لامْرَأَتِهِ: إِنْ سَأَلُوكِ مَنْ أَنْتِ مِنْهُ، فَقُولِي إِنَّكِ أُخْتِي.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ} [الأنبياء: 65] خِزْيًا قَدْ حَجَّهُمْ وَقَالَ قَتَادَةُ: أَصَابَ الْقَوْمَ خِزْيَةُ سُوءٍ فَقَالُوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ {65} قَالَ} [الأنبياء: 65-66] لَهُمْ.(1/323)
{أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ} [الأنبياء: 66] يَعْنِي أَصْنَامَهُمْ.
{أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء: 67] وَهِيَ الَّتِي كَادَهُمْ بِهَا.
{قَالُوا حَرِّقُوهُ} [الأنبياء: 68] بِالنَّارِ.
{وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 68] قَالَ الْحَسَنُ: فَجَمَعُوا الْحَطَبَ زَمَانًا، حَتَّى إِنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ زَمَانًا كَانَ يَجِيءُ بِالْحَطَبِ، فَيُلْقِيهِ، يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى آلِهَتِهِمْ فِيمَا يَزْعُمُ، ثُمَّ جَاءُوا بِإِبْرَاهِيمَ فَأَلْقَوْهُ فِي تِلْكَ النَّارِ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ رَمَوْا بِهِ فِي الْمِنْجَنِيقِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا صُنِعَ الْمِنْجَنِيقُ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69]
- نا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَيْخٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا} [الأنبياء: 69] فَكَادَتْ تَقْتُلُهُ مِنَ الْبَرْدِ، وَقَالَ: {وَسَلامًا} [الأنبياء: 69] لا تَضُرُّهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَسَلامًا} [الأنبياء: 69] يَعْنِي: وَسَلامَةً مِنْ حَرِّ النَّارِ وَمِنْ بَرْدِهَا.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: مَا انْتَفَعَ بِهَا يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، وَمَا أَحْرَقَتْ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ إِلَى وِثَاقِهِ.
عَمَّارٌ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ فِي النَّارِ جَاءَتْ عَامَّةُ الْخَلِيقَةِ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ، خَلِيلُكَ يُلْقَى فِي النَّارِ، فَأْذَنَ لَنَا نُطْفِئُ عَنْهُ.
فَقَالَ: هُوَ خَلِيلِي لَيْسَ لِي فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ غَيْرَهُ وَأَنَا إِلَهُهُ لَيْسَ لَهُ إِلَهٌ غَيْرِي، فَإِنِ اسْتَغَاثَكُمْ فَأَغِيثُوهُ وَإِلا فَدَعُوهُ.
قَالَ فَجَاءَ مَلَكُ الْقَطْرِ فَقَالَ: يَا رَبِّ خَلِيلُكَ يُلْقَى فِي النَّارِ فَأْذَنْ لِي أُطْفِئُ عَنْهُ بِالْقَطْرِ.
فَقَالَ: هُوَ خَلِيلِي لَيْسَ(1/324)
لِي فِي الأَرْضِ خَلِيلٌ غَيْرَهُ، وَأَنَا إِلَهُهُ لَيْسَ لَهُ فِي الأَرْضِ إِلَهٌ غَيْرِي، فَإِنِ اسْتَغَاثَكَ فَأَغِثْهُ، وَإِلا فَدَعْهُ.
قَالَ: فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلنَّارِ: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] قَالَ: فَبَرَدَتْ عَلَى أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَمَا أُنْضِجَ بِهَا يَوْمَئِذٍ كِرَاعٌ.
- نا سَعِيدٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سِيَابَةَ الأَنْصَارِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهَا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ كَانَتِ الدَّوَابُّ كُلُّهَا تُطْفِئُ عَنْهُ النَّارَ إِلا الْوَزَغَةَ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا.
قَوْلُهُ: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} [الأنبياء: 70] بِتَحْرِيقِهِمْ إِيَّاهُ.
{فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 70] فِي النَّارِ، خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَخَسِرُوا الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 71] يَعْنِي الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ.
{لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 71] يَعْنِي جَمِيعَ الْعَالَمِينَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ.
وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ الشَّامَ عِمَادُ دَارِ الْهِجْرَةِ.
قَوْلُهُ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72] وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: ابْنُ ابْنٍ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ، غَيْرَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: عَطِيَّةً.(1/325)
قَالَ: {وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ} [الأنبياء: 72] يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73] يَعْنِي يَدْعُونَ بِأَمْرِنَا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يُهْتَدَى بِهِمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 73] وَهِيَ الأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ.
{وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبياء: 73] قَالَ: {وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73] قَوْلُهُ: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 74] النُّبُوَّةُ فِيهَا الْحُكْمُ وَالْعِلْمُ.
{وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ} [الأنبياء: 74] يَعْنِي أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الْخَبَائِثَ، وَكَانُوا مِمَّا يَعْمَلُونَ إِتْيَانُهُمُ الرِّجَالِ فِي أَدْبَارِهِمْ.
قَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 74] يَعْنِي مُشْرِكِينَ وَالشِّرْكُ أَعْظَمُ الْفِسْقِ.
قَالَ: {وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا} [الأنبياء: 75] يَعْنِي لُوطًا، وَرَحْمَتُنَا هَاهُنَا: الْجَنَّةُ.
{إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 75] وَالصَّالِحُونَ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ} [الأنبياء: 76] وَهَذَا حَيْثُ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ عَلَى قَوْمِهِ.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} [الأنبياء: 76] قَالَ الْحَسَنُ: {وَأَهْلَهُ} [الأنبياء: 76] : أُمَّتَهُ الْمُؤْمِنِينَ، نَجَّيْنَاهُ.
{مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء: 76] يَعْنِي: مِنَ الْغَرَقِ وَالْعَذَابِ.(1/326)
وَقَالَ قَتَادَةُ: نَجَا مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ امْرَأَتُهُ، وَثَلاثَةُ بَنِينَ لَهُ، وَنِسَاؤُهُمْ سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ، وَنِسَاؤُهُمْ فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ.
قَوْلُهُ: {وَنَصَرْنَاهُ} [الأنبياء: 77] يَعْنِي نُوحًا.
{مِنَ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 77] يَعْنِي عَلَى الْقَوْمِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأنبياء: 77] كَقَوْلِهِ: {رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون: 26] فَأَغْرَقَهُمُ اللَّهُ.
قَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء: 77] قَوْلُهُ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] وَقَعَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ لَيْلًا فَأَفْسَدَتْهُ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: النَّفَشُ بِاللَّيْلِ وَالْهَمَلُ بِالنَّهَارِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ غَنَمَ الْقَوْمِ وَقَعَتْ فِي زَرْعٍ لَيْلًا، فَرُفِعَ ذَلِك إِلَى دَاوُدَ فَقَضَى بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: لَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ لَهُ نَسْلُهَا وَرِسْلُهَا، وَعَوَارِضُهَا، وَجِزَازُهَا، وَيُزْرَعُ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الزَّرْعِ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ أُكِلَ، دُفِعَتِ الْغَنَمُ إِلَى رَبِّهَا، يَعْنِي صَاحِبَهَا وَقَبَضَ صَاحِبُ الزَّرْعِ زَرْعَهُ.
قَالَ اللَّهُ: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَ الْحَرْثِ اسْتَعَدُوا عَلَى أَصْحَابِ(1/327)
الْغَنَمِ فَنَظَرَ دَاوُدُ ثَمَنَ الْحَرْثِ فَإِذَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ ثَمَنِ الْغَنَمِ، فَقَضَى بِالْغَنَمِ لِصَاحِبِ الْحَرْثِ.
فَمَرُّوا بِسُلَيْمَانَ فَقَالَ: كَيْفَ قَضَى فِيكُمْ نَبِيُّ اللَّهِ؟ فَأَخْبَرُوهُ.
فَقَالَ: نِعْمَ مَا قَضَى، وَغَيْرُهُ كَانَ أَرْفَقَ بِالْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا.
فَدَخَلَ أَصْحَابُ الْغَنَمِ عَلَى دَاوُدَ فَأَخْبَرُوهُ.
فَأَرْسَلَ إِلَى سُلَيْمَانَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَعَزَمَ عَلَيْهِ دَاوُدُ بِحَقِّ النُّبُوَّةِ وَبِحَقِّ الْمُلْكِ، وَحَقِّ الْوَالِدِ لَمَا حَدَّثْتَنِي كَيْفَ رَأَيْتَ فِيمَا قَضَيْتُ.
فَقَالَ سُلَيْمَانُ: قَدْ عَدَلَ النَّبِيُّ وَأَحْسَنَ، وَغَيْرُهُ كَانَ أَرْفَقَ.
قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تُدْفَعُ الْغَنَمُ إِلَى أَهْلِ الْحَرْثِ فَيَنْتَفِعُونَ بِسَمْنِهَا، وَلَبَنِهَا، وَأَصْوَافِهَا، وَأَوْلادِهَا عَامَهُمْ هَذَا وَعَلَى أَهْلِ الْغَنَمِ أَنْ يَزْرَعُوا لأَهْلِ الْحَرْثِ مِثْلَ الَّذِي أَفْسَدَتْ غَنَمُهُمْ، فَإِذَا كَانَ مِثْلَهُ حِينَ أَفْسَدُوهُ قَبَضُوا غَنَمَهُمْ.
قَالَ لَهُ دَاوُدُ: نِعْمَ مَا قَضَيْتَ.
نا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كَانَ عِنَبًا.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَكَانَ الْحَرْثُ عِنَبًا.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَنَّ دَاوُدَ أَعْطَى صَاحِبَ الْحَرْثِ رِقَابَ الْغَنَمِ بِأَكْلِهَا الْحَرْثَ.
وَحَكَمَ سُلَيْمَانُ بِجَزَّةِ الْغَنَمِ وَأَلْبَانِهَا لأَهْلِ الْحَرْثِ، وَعَلَى أَهْلِ الْحَرْثِ رِعْيَتُهَا، وَيَحْرُثُ لَهُمْ أَهْلُ الْغَنَمِ حَتَّى يَكُونَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ أُكِلَ، ثُمَّ يَدْفَعُونَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَيَأْخُذُونَ غَنَمَهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ} [الأنبياء: 78] يَعْنِي دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، لِقَضَائِهِمْ شَاهِدِينَ.(1/328)
{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] قَالَ يَحْيَى: كَانَ هَذَا الْقَضَاءُ يَوْمَئِذٍ، وَقَدْ تَكُونُ لأُمَّةٍ شَرِيعَةٌ وَلأُمَّةٍ أُخْرَى شَرِيعَةٌ غَيْرَهَا، وَقَضَاءٌ غَيْرُ قَضَاءِ الأُمَّةِ الأُخْرَى.
- وَحَدَّثَنِي بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَحَرَامِ بْنِ مُحَيِّصَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ نَاقَةً لَهُ وَقَعَتْ فِي حَائِطِ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فِيهِ.
فَاخْتَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلا قَضَاءَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ.
إِنَّهُ قَضَى عَلَى أَهْلِ الْمَوَاشِي حِفْظَ مَوَاشِيهِمْ بِاللَّيْلِ وَقَضَى عَلَى أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظَ حَوَائِطِهِمْ بِالنَّهَارِ» .
قَالَ يَحْيَى: إِنَّمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الْمَاشِيَةِ بِاللَّيْلِ، وَلَيْسَ فِيهِ كَيْفَ الْقَضَاءُ فِي ذَلِكَ الْفَسَادِ الْيَوْمَ.
وَإِنَّمَا الْقَضَاءُ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ الْفَسَادِ مَا بَلَغَ الْفَسَادُ مِنَ النُّقْصَانِ.
وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ شَاةً أَكَلَتْ غَزْلَ حَائِكٍ قَالَ: فَأَتَوْا شُرَيْحًا: قَالَ: فَقَرَأَ شُرَيْحٌ هَذِهِ الآيَةَ: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} [الأنبياء: 78] وقَالَ: وَالنَّفَشُ لا يَكُونُ إِلا بِاللَّيْلِ.
إِنْ كَانَ لَيْلًا ضُمِنَ، وَإِنْ كَانَ نَهَارًا لَمْ يُضْمَنْ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَحَدَّثَنِي عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كِلاهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدَّابَّةُ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ، وَالْبِئْرُ جُبَارٌ، وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ، وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» .(1/329)
قَالَ يَحْيَى: هِيَ عِنْدَنَا فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي نَاقَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ بِالنَّهَارِ، وَأَمَّا إِذَا أُفْسِدَتْ بِاللَّيْلِ فَصَاحِبُهَا ضَامِنٌ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] يَعْنِي: أَعْطَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا، يَعْنِي: وَعَقْلًا.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي بِذَلِكَ: دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ.
قَالَ: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ} [الأنبياء: 79] كَانَتْ جَمِيعُ الْجِبَالِ وَجَمِيعُ الطَّيْرِ تَسْبَحُ مَعَ دَاوُدَ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَيَفْقَهُ تَسْبِيحَهَا.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {يُسَبِّحْنَ} [الأنبياء: 79] قَالَ: يُصَلِّينَ، يَفْقَهُ ذَلِكَ دَاوُدُ.
قَوْلُهُ: {وَكُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 79] أَيْ: قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ بِدَاوُدَ.
قَوْلُهُ: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء: 80] يَعْنِي دُرُوعُ الْحَدِيدِ.
{لِتُحْصِنَكُمْ} [الأنبياء: 80] بِهِ، يَعْنِي: تُجَنِّبُكُمْ.
{مِنْ بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80] وَالْبَأْسُ: الْقِتَالُ.
{فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} [الأنبياء: 80] فَكَانَ دَاوُدُ أَوَّلَ مَنْ عَمِلَ الدُّرُوعَ، وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ صَفَائِحُ.(1/330)
قَوْلُهُ: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ} [الأنبياء: 81] أَيْ: وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ.
{عَاصِفَةً} [الأنبياء: 81] لا تُؤْذِيهِ.
{تَجْرِي بِأَمْرِهِ} [الأنبياء: 81] مُسَخَّرَةً.
قَوْلُهُ: {تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 81] وَهِيَ أَرْضُ الشَّامِ وَأَفْضَلُهَا فِلَسْطِينُ.
قَالَ: {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء: 81]
قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ وَسَّاجٍ قَالَ: مَا يُنْقَصُ مِنَ الأَرْضِ يُزَادُ فِي الشَّامِ، وَمَا يُنْقَصُ مِنَ الشَّامِ يُزَادُ بِفِلَسْطِينَ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَا نَقَصَ مِنَ الأَرْضِ زِيدَ فِي الشَّامِ، وَمَا نَقَصَ مِنَ الشَّامِ زِيدَ فِي فِلَسْطِينَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّهَا أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ، وَبِهَا يَجْتَمِعُ النَّاسُ.
- قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَ أَبُو قِلابَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ الْمَلائِكَةَ حَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ فَوَضَعَتْهُ بِالشَّامِ، فَأَوَّلْتُهَا فَضْلَ الشَّامِ، إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا وَقَعَتْ كَانَ الإِيمَانُ بِالشَّامِ» .
الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ قَالَ: تُخْرَبُ الأَمْصَارُ قَبْلَ الشَّامِ بِأَرْبَعِينَ عَامًا، وَإِنَّمَا ضَمِنَتْ لأَهْلِهَا بُرًّا وَزَيْتًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَإِنَّ بِهَا قَبْرَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ نَبِيًّا، وَإِنَّ إِلَيْهَا الْمَحْشَرَ وَالْمَنْشَرَ، وَإِنَّ بِهَا الْمِيزَانَ، وَإِنَّ(1/331)
الصَّخْرَةَ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: سَيْحُونُ، وَجَيْحُونُ، وَالنِّيلُ، وَالْفُرَاتُ.
قَوْلُهُ: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} [الأنبياء: 82] وَهَذَا عَلَى الْجَمَاعَةِ.
{وَيَعْمَلُونَ عَمَلا دُونَ ذَلِكَ} [الأنبياء: 82] دُونَ الْغَوْصِ.
وَكَانُوا يَغُوصُونَ فِي الْبَحْرِ فَيُخْرِجُونَ لَهُ اللُّؤْلُؤَ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ} [ص: 37] .
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَرَّثَ اللَّهُ سُلَيْمَانَ دَاوُدَ نُبُوَّتَهُ، وَمُلْكَهُ، وَزَادَ سُلَيْمَانَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَخَّرَ لَهُ الرِّيحَ وَالشَّيَاطِينَ.
قَوْلُهُ: {وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} [الأنبياء: 82] حَفِظَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَلا يَذْهَبُوا وَيَتْرُكُوهُ، فَكَانُوا مُسَخَّرِينَ لَهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يُسَخَّرْ لَه فِي هَذِهِ الأَعْمَالِ وَفِيمَا يُصَفَّدُ، يَجْعَلُهُمْ فِي السَّلاسِلِ مِنَ الْجِنِّ، إِلا الْكُفَّارَ مِنْهُمْ.
وَاسْمُ الشَّيْطَانِ لا يَقَعُ إِلا عَلَى الْكَافِرِ مِنَ الْجِنِّ.
حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ: أَمَرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالُوا لَهُ: زَوْبَعَةُ الشَّيْطَانُ لَهُ عَيْنٌ فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، يَرِدُهَا كُلَّ سَبْعَةٍ أَيَّامٍ يَوْمًا.
فَأَتَوْهَا، فَنَزَحُوهَا ثُمَّ صَبُّوا فِيهَا خَمْرًا.
فَجَاءَ لِوِرْدِهِ، فَلَمَّا أَبْصَرَ الْخَمْرَ قَالَ فِي كَلامٍ لَهُ: مَا عَلِمْتُ أَنَّكِ إِذَا شَرِبَكِ صَاحِبُكِ لَمَمًا يَظْهَرُ عَلَيْهِ عَدُوُّهُ، فِي أَسَاجِعَ.
لا أَذُوقُكِ الْيَوْمَ.
فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ لِظَمَأٍ آخَرَ.
فَلَمَّا رَآهَا قَالَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ.
ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ يَشْرَبْ.
ثُمَّ جَاءَ لِظَمَأٍ آخَرَ لإِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، قَالَ: مَا عَلِمْتُ أَنَّكِ لَتُذْهِبِينَ الْهَمَّ، فِي سَجْعٍ لَهُ.
فَشَرِبَ مِنْهَا، فَسَكِرَ.
فَجَاءُوا إِلَيْهِ، فَأَرَوْهُ خَاتَمَ السُّخْرَةِ فَانْطَلَقَ مَعَهُمْ إِلَى سُلَيْمَانَ.
فَأَمَرَهُمْ بِالْبِنَاءِ، فَقَالَ زَوْبَعَةُ: دُلُّونِي عَلَى بَيْضِ الْهُدْهُدِ.
فَدُلَّ(1/332)
عَلَى عُشِّهِ.
فَأَكَبَّ عَلَيْهِ جُمْجُمَةً، يَعْنِي زُجَاجَةً.
فَجَاءَ الْهُدْهُدُ فَجَعَلَ لا يَصِلُ إِلَيْهِ، فَانْطَلَقَ، فَجَاءَ بِالْمَاسِ الَّذِي يُثْقَبُ بِهِ الْيَاقُوتُ، فَوَضَعَهُ عَلَيْهَا، فَقَطَّ الزُّجَاجَةَ نِصْفَيْنِ، ثُمَّ ذَهَبَ لِيَأْخُذَهُ فَأَعْجَزَهُ، فَجَاءُوا بِالْمَاسِ إِلَى سُلَيْمَانَ، فَجَعَلُوا يَسْتَعْرِضُونَ الْجِبَالَ كَأَنَّمَا يَخُطُّونَ فِي نَوَاحِيهَا فِي طِينٍ.
قَوْلُهُ: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء: 83] قَالَ قَتَادَةُ: الْمَرَضُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ كَقَوْلِهِ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: يَا رَبِّ، هَلْ مِنْ عَبِيدِكَ عَبْدٌ إِنْ سَلَطَّتَنِي عَلَيْهِ امْتَنَعَ مِنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، عَبْدِي أَيُّوبُ.
قَالَ: فَسَلَّطَهُ عَلَيْهِ لِيَجْهَدَ جَهْدَهُ، وَيُضِلَّهُ بِخَبَالِهِ وَغُرُورِهِ فَامْتَنَعَ مِنْهُ.
قَالَ إِبْلِيسُ: يَا رَبِّ، إِنَّهُ قَدِ امْتَنَعَ مِنِّي، فَسَلِّطْنِي عَلَى مَالِهِ.
فَسَلَّطَهُ عَلَى مَالِهِ فَجَعَلَ يُهْلِكُ مَالَهُ صِنْفًا صِنْفًا وَيَأْتِيهِ فَيَقُولُ: يَا أَيُّوبَ هَلَكَ مَالُكَ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْطَيْتَهُ، وَأَنْتَ أَخَذْتَهُ مِنِّي، إِنْ تُبْقِ لِي نَفْسِي أَحْمَدْكَ عَلَى بَلائِكَ.
قَالَ إِبْلِيسُ: يَا رَبِّ إِنَّ أَيُّوبَ لا يُبَالِي بِمَالِهِ، فَسَلِّطْنِي عَلَى جَسَدِهِ.
فَسَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَمَكَثَ سَبْعَ سِنِينَ وَأَشْهُرًا فِي الْعَذَابِ حَتَّى وَقَعَتِ الأَكَلَةُ فِي جَسَدِهِ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ الدُّودَةَ كَانَتْ تَقَعُ مِنْ جَسَدِهِ فَيَرُدَّهَا فِي مَكَانِهَا وَيَقُولُ: كُلِي مِمَّا رَزَقَكِ اللَّهُ.
قَالَ الْحَسَنُ: فَدَعَا رَبَّهُ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41] وَقَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ رَكْضَةً وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ.
فَإِذَا عَيْنٌ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا، فَأَذْهَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ظَاهِرَ دَائِهِ، ثُمَّ مَشَى عَلَى رِجْلَيْهِ أَرْبَعِينَ(1/333)
ذِرَاعًا، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص: 42] أَيْضًا، فَرَكَضَ بِرِجْلِهِ رَكْضَةً أُخْرَى، فَإِذَا عَيْنٌ، فَشَرِبَ مِنْهَا، فَأَذْهَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَاطِنَ دَائِهِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ أَهْلَهُ، وَوَلَدَهُ وَأَمْوَالَهُ مِنَ الْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ، وَالْحَيَوَانِ، وَكُلِّ شَيْءٍ هَلَكَ بِعَيْنِهِ.
ثُمَّ أَبْقَاهُ اللَّهُ فِيهَا حَتَى وَهَبَ لَهُ مِنْ نُسُولِهَا أَمْثَالَهَا، فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص: 43] قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَا اللَّهُ لَهُ أَهْلَهُ بِأَعْيَانِهِمْ، وَأَعْطَاهُ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحْيَا وَلَدَ أَيُّوبَ بِأَعْيَانِهِمْ، وَكَانُوا مَاتُوا قَبْلَ آجَالِهِمْ تَسْلِيطًا مِنَ اللَّهِ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ، فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ، فَوَفَّاهُمْ آجَالَهُمْ.
وَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَبْقَاهُ فِيهِمْ حَتَّى أَعْطَاهُ مِنْ نُسُولِهِمْ مِثْلَهُمْ.
وَإِنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: يَا أَيُّوبُ وَهُوَ يَأْتِيهِ عِيَانًا، اذْبَحْ لِي سَخْلَةً مِنْ غَنَمِكَ، قَالَ: لا وَلا كَفًّا مِنْ تُرَابٍ.
- الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لا يَبْلُغُ عَبْدٌ الْكُفْرَ وَالإِشْرَاكَ حَتَّى يَذْبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ يُصَلِّيَ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ.
وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَحْتَجُّ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِثَلاثَةٍ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَيَجِيءُ الْعَبْدُ فَيَقُولُ: أَعْطَيْتَنِي جَمَالًا فِي الدُّنْيَا فَأُعْجِبْتُ بِهِ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَعَمِلْتُ بِطَاعَتِكَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: الْجَمَالُ الَّذِي أَعْطَيْتُ فِي الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَوِ الْجَمَالُ الَّذِي أُعْطِيَ يُوسُفَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لا، الْجَمَالُ الَّذِي أُعْطِيَ يُوسُفَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ: إِنَّ يُوسُفَ كَانَ يَعْمَلُ بِطَاعَتِي، فَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَيَأْتِي الْعَبْدُ فَيَقُولُ: ابْتَلَيْتَنِي فِي الدُّنْيَا، وَلَوْلا ذَلِكَ لَعَمِلْتُ بِطَاعَتِكَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: الْبَلاءُ الَّذِي ابْتُلِيتَ بِهِ فِي الدُّنْيَا أَشَدُّ أَوِ الْبَلاءُ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ أَيُّوبُ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: الْبَلاءُ الَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ أَيُّوبُ.
فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَدْ كَانَ أَيُّوبُ يَعْمَلُ بِطَاعَتِي، فَيَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَيَجِيءُ الْعَبْدُ فَيَقُولُ: أَعْطَيْتَنِي مُلْكًا فِي الدُّنْيَا فَأُعْجَبْتُ بِهِ، وَلَوْلا ذَلِكَ لَعَمِلْتُ بِطَاعَتِكَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: الْمُلْكُ الَّذِي أَعْطَيْتُكَ فِي الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَوِ الْمَلْكُ الَّذِي أُعْطِيَ سُلَيْمَانَ؟ فَيَقُولُ الْعَبْدُ: الْمُلْكُ الَّذِي أُعْطِيَ سُلَيْمَانَ.
فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ كَانَ سُلَيْمَانُ يَعْمَلُ بِطَاعَتِي، فَيَحْتَجُّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.(1/334)
وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَيُّوبَ لَمْ يَبْلُغْهُ شَيْءٌ يَقُولُهُ النَّاسُ كَانَ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا مَا ابْتُلِيَ بِالَّذِي ابْتُلِيَ بِهِ.
فَدَعَا اللَّهَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَعْمَلْ حَسَنَةً فِي الْعَلانِيَةِ إِلا عَمِلْتُ فِي الشَّرِّ مِثْلَهَا فَاكْشِفْ مَا بِي مِنْ ضُرٍّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ، فَوَقَعَ سَاجِدًا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِ فِرَاشُ الذَّهَبِ فَجَعَلَ يَلْتَقِطُهُ وَيَجْمَعُهُ.
قَوْلُهُ: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84] يَعْنِي أَنَّ الَّذِي كَانَ ابْتُلِيَ بِهِ أَيُّوبُ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَوَانِهِ عَلَى اللَّهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِذَلِكَ وَجَعَلَ ذَلِكَ عَزَاءً لِلْعَابِدِينَ بَعْدَهُ فِيمَا يُبْتَلَوْنَ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84] قَوْلُهُ: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الأنبياء: 85]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الأَشْعَرِيَّ قَالَ: إِنَّ ذَا الْكِفْلِ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَلَكِنَّهُ كَانَ عَبْدًا صَالِحًا، تَكَفَّلَ بِعَمَلِ رَجُلٍ صَالِحٍ عِنْدَ مَوْتِهِ كَانَ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ مِائَةَ صَلاةٍ فَأَحْسَنَ اللَّهُ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: إِنَّ ذَا الْكِفْلِ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَيْسَ بِنَبِيٍّ، تَكَفَّلَ لِنَبِيٍّ بِأَنْ يَكْفُلَ لَهُ أَمْرَ قَوْمِهِ، وَيُقِيمَهُ لَهُمْ، وَيَقْضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ.
قَوْلُهُ: {وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا} [الأنبياء: 86] يَعْنِي الْجَنَّةَ.
{إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 86] وَالصَّالِحُونَ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَذَا النُّونِ} [الأنبياء: 87] يَعْنِي يُونُسَ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {كَصَاحِبِ الْحُوتِ} [القلم: 48] وَالْحُوتُ، النُّونُ.
{إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا} [الأنبياء: 87] يَعْنِي مُكَابِدًا لِدِينِ رَبِّهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
{فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ} [الأنبياء: 87] قَالَ قَتَادَةُ: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نُعَاقِبَهُ بِمَا صَنَعَ.
قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ يُونُسَ دَعَا قَوْمَهُ زَمَانًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ وَأَبَوْا(1/335)
أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا.
فَلَمَّا دَنَا الْوَقْتُ تَنَحَّى عَنْهُمْ، فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ الْوَقْتِ بِيَوْمٍ جَاءَ فَجَعَلَ يَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ.
فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَانْطَلَقَ إِلَى الْمَلِكِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ يُونُسَ يَبْكِي وَيَقُولُ: غَدًا يَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمَلِكُ دَعَا قَوْمَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَقَالَ: إِنْ كَانَ هَذَا حَقًّا فَسَيَأْتِيكُمُ الْعَذَابُ غَدًا، فَاجْتَمِعُوا حَتَّى نَنْظُرَ فِي أَمْرِنَا.
فَاجْتَمَعُوا، فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ مِنَ الْغَدِ، فَنَظَرُوا فَإِذَا بِظُلْمَةٍ وَرِيحٍ شَدِيدَةٍ قَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ.
فَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الصِّبْيَانِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ وَبَيْنَ أُمَّهَاتِهَا، وَلَبِسُوا الشَّعْرَ، وَجَعَلُوا الرَّمَادَ وَالتُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِمْ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَبَكَوْا، وَآمَنُوا.
فَصَرَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ.
وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَلا يَكْذِبَ مِنْهُمْ أَحَدٌ كَذِبَةً إِلا قَطَعُوا لِسَانَهُ.
فَجَاءَ يُونُسُ مِنَ الْغَدِ، فَنَظَرَ فَإِذَا الْمَدِينَةُ عَلَى حَالِهَا، وَإِذَا النَّاسُ دَاخِلُونَ وَخَارِجُونَ.
فَقَالَ: أَمَرَنِي رَبِّي أَنْ أُخْبِرَ قَوْمِي أَنَّ الْعَذَابَ يَأْتِيهِمْ فَلَمْ يَأْتِهِمْ، فَكَيْفَ أَلْقَاهُمْ؟ فَانْطَلَقَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَإِذَا سَفِينَةٌ فِي الْبَحْرِ، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ، فَأَتَوْهُ، فَحَمَلُوهُ وَلا يَعْرِفُونَهُ.
فَانْطَلَقَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّفِينَةِ، فَتَقَنَّعَ وَرَقَدَ.
فَمَا مَضَى إِلا قَلِيلًا حَتَّى جَاءَتْهُمْ رِيحٌ كَادَتْ تُغْرِقُ السَّفِينَةَ.
فَاجْتَمَعَ أَهْلُ السَّفِينَةِ، فَدَعُوا اللَّهَ ثُمَّ قَالُوا: أَيْقِظُوا الرَّجُلَ يَدْعُو اللَّهَ مَعَنَا فَفَعَلُوا.
فَدَعَا اللَّهَ مَعَهُمْ، فَرَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ تِلْكَ الرِّيحَ.
ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ.
فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ.
فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوُا اللَّهَ، فَارْتَفَعَتِ الرِّيحُ.
ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى مَكَانِهِ فَرَقَدَ.
فَجَاءَتْ رِيحٌ كَادَتِ السَّفِينَةُ تَغْرَقُ، فَأَيْقَظُوهُ وَدَعَوُا اللَّهَ، فَارْتَفَعَتْ.
فَتَفَكَّرَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ يُونُسُ فَقَالَ: هَذَا مِنْ خَطِيئَتِي أَوْ قَالَ: مِنْ ذَنْبِي أَوْ كَمَا قَالَ.
فَقَالَ لأَهْلِ السَّفِينَةِ: شُدُّونِي وِثَاقًا وَأَلْقُونِي فِي الْبَحْرِ.
فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ وَحَالُكَ حَالُكَ، وَلَكِنَّا نَقْتَرِعُ، فَمَنْ(1/336)
أَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ أَلْقَيْنَاهُ فِي الْبَحْرِ.
فَاقْتَرَعُوا، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ، فَقَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكُمْ، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لِنَفْعَلَ وَلَكِنِ اقْتَرِعُوا الثَّانِيَةَ، فَاقْتَرَعُوا، فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ.
ثُمَّ اقْتَرَعُوا الثَّالِثَةَ فَأَصَابَتْهُ الْقُرْعَةُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] أَيْ: مِنَ الْمَقْرُوعِينَ.
وَيُقَالُ: مِنَ الْمَسْهُومِينَ، يَعْنِي أَنَّهُ وَقَعَ السَّهْمُ عَلَيْهِ.
فَانْطَلَقَ إِلَى صَدْرِ السَّفِينَةِ لِيُلْقِي نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا هُوَ بِحُوتٍ فَاتِحٍ فَاهُ، ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى ذَنَبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحٍ فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحٍ فَاهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ، فَإِذَا هُوَ بِالْحُوتِ فَاتِحٍ فَاهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ، فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ.
فَأَوْحَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى الْحُوتِ: إِنِّي لَمْ أَجْعَلْهُ لَكَ رِزْقًا وَلَكِنْ جَعَلْتُ بَطْنَكَ لَهُ سِجْنًا.
فَمَكَثَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
{فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء: 87] كَمَا قَالَ اللَّهُ: {أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْحُوتِ أَنْ يُلْقِيَهُ إِلَى الْبَرِّ.
قَالَ اللَّهُ: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات: 145] وَهُوَ ضَعِيفٌ مِثْلُ الصَّبِيِّ الرَّضِيعِ.
فَأَصَابَتْهُ حَرَارَةُ الشَّمْسِ، فَأَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {شَجَرَةً مِنْ(1/337)
يَقْطِينٍ} [الصافات: 146] وَهِيَ الْقَرْعُ، فَأَظَلَّتْهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ يَبِسَتْ، فَحَزِنَ عَلَيْهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَحَزِنْتَ عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَرَدْتَ أَنْ أُهْلِكَ مِائَةَ أَلْفٍ مِنْ خَلْقِي أَوْ يَزِيدُونَ؟ فَعَلِمَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدِ ابْتُلِيَ.
فَانْطَلَقَ، فَإِذَا هُوَ بِذَوْدٍ مِنْ غَنَمٍ.
فَقَالَ لِلرَّاعِي: اسْقِنِي لَبَنًا.
فَقَالَ: مَا هَاهُنَا شَاةٌ لَهَا لَبَنٌ.
فَأَخَذَ شَاةً مِنْهَا فَمَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرِهَا، فَدَرَّتْ فَشَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا.
فَقَالَ لَهُ الرَّاعِي: مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ أَخْبَرَنِي.
فَقَالَ لَهُ: أَنَا يُونُسُ.
فَانْطَلَقَ الرَّاعِي إِلَى قَوْمِهِ، فَبَشَّرَهُمْ بِهِ.
فَأَخَذُوهُ وَجَاءُوا مَعَهُ إِلَى مَوْضِعِ الْغَنَمِ فَلَمْ يَجِدُوا يُونُسَ.
فَقَالُوا: إِنَّا قَدْ شَرَطْنَا لِرَبِّنَا أَلا يَكْذِبَ مِنَّا أَحَدٌ إِلا قَطَعْنَا لِسَانَهُ.
فَتَكَلَّمَتِ الشَّاةُ بِإِذْنِ اللَّهِ فَقَالَتْ: قَدْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِي.
وَقَالَتْ شَجَرَةٌ كَانَ اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا: قَدِ اسْتَظَلَّ بِظِلِّي، فَطَلَبُوهُ فَأَصَابُوهُ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ.
فَكَانَ فِيهِمْ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ.
وَهِيَ مَدِينَةٌ يُقَالُ لَهَا: نِينَوَى مِنْ أَرْضِ الْمَوْصِلِ، وَهِيَ عَلَى دِجْلَةٍ.
- نا يَحْيَى قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي دِجْلَةَ رَكِبَ السَّفِينَةَ، وَفِيهَا الْتَقَمَهُ الْحُوتُ ثُمَّ أَفْضَى بِهِ إِلَى الْبَحْرِ.
فَدَارَ فِي الْبَحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فِي دِجْلَةَ، فَثَمَّ نَبَذَهُ بِالْعَرَاءِ، وَهُوَ الْبَرُّ.
قَوْلُهُ: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنبياء: 87] يَعْنِي ظُلْمَةَ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، وَظُلْمَةَ بَطْنِ الْحُوتِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] يَعْنِي بِخَطِيئَتِهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88]
- نا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ(1/338)
أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] ".
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا مُسْلِمٌ رَبَّهُ فِي شَيْءٍ إِلا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ» .
قَوْلُهُ: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89] فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ.
قَالَ: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتْ عَاقِرًا فَجَعَلَهَا اللَّهُ وَلُودًا.
وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ قَالَ: كَانَ فِي لِسَانِهَا طُولٌ.
وَوَهَبَ لَهُ مِنْهَا يَحْيَى.
قَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90] يَعْنِي الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ.
{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90] يَعْنِي طَمَعًا وَخَوْفًا.
{وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: مُتَوَاضِعِينَ.
قَوْلُهُ: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء: 91] أَحْصَنَتْ جَيْبَ دِرْعِهَا عَنِ الْفَوَاحِشِ.
{فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: 91] وَذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ تَنَاوَلَ بِأُصْبَعِهِ جَيْبَهَا فَنَفَخَ فِيهِ، فَصَارَ إِلَى بَطْنِهَا فَحَمَلَتْ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 91] وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ، آيَةً.(1/339)
قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: خُلِقَ لا وَالِدَ لَهُ، آيَةً، وَوَالِدَتُهُ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ، آيَةً.
قَوْلُهُ: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} [الأنبياء: 92] مِلَّتَكُمْ.
{أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] يَعْنِي مِلَّةً وَاحِدَةً.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ: الإِسْلامُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} [الأنبياء: 92] يَعْنِي مِلَّتَكُمْ {أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] يَعْنِي مِلَّةً وَاحِدَةً: الإِسْلامَ.
قَالَ: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92] قَوْلُهُ: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [الأنبياء: 93] يَعْنِي أَهْلَ الْكِتَابِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: تَفَرَّقُوا دِينَهُمُ الإِسْلامَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ فَدَخَلُوا فِي غَيْرِهِ.
- نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «افْتَرَقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى سَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُمْ فِي النَّارِ، وَلَتَزِيدَنَّ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَيْهِمْ وَاحـ ...
تَفْتَرِقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُمْ فِي النَّارِ» .
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ: {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء: 93] يَعْنِي الْبَعْثَ.
قَوْلُهُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94] لِعَمَلِهِ.
{وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ} [الأنبياء: 94] تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتُهُ حَتَّى يُجْزَى بِهَا الْجَنَّةَ.(1/340)
قَوْلُهُ: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95]
- نا سُفْيَانُ وَالْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْمُعَلَّى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا: وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَفَسَّرَهَا فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ وَالْمُعَلَّى قَالَ: أَيْ وَجَبَ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِيُؤْمِنُوا.
وَقَالَ سُفْيَانُ: وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنَّهْمُ لا يُؤْمِنُونَ.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: {أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [الأنبياء: 95] يَعْنِي: لا يَتُوبُونَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} [الأنبياء: 95] أَيْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنَّهَا إِذَا هَلَكَتْ لا يَرْجِعُونَ إِلَى دُنْيَاهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: وَالْعَامَّةُ يَقْرَءُونَهَا: {وَحَرَامٌ} [الأنبياء: 95] وَتَفْسِيرُهَا عِنْدَهُمْ: حَرَامٌ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ.
وَهِيَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي التَّفْسِيرِ: إِلَى التَّوْبَةِ وَإِلَى الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء: 96] يَعْنِي: فَلَمَّا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَمُوجُونَ فِي الأَرْضِ فَيُفْسِدُونَ فِيهَا.
- نا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَعْدَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَائِمًا فِي بَيْتِهِ فَاسْتَيْقَظَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَقَالَ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثَلاثًا، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ أَمْرٍ قَدِ اقْتَرَبَ، قَدْ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا» ، وَعَقَدَ يُونُسُ بِيَدِهِ تِسْعِينَ مَفْرَجَةً شَيْئًا.
حَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ أَبِي الضَّيْفِ، عَنْ كَعْبٍ(1/341)
الأَحْبَارِ قَالَ: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَنْقُرُونَ كُلَّ يَوْمٍ بِمَنَاقِرِهِمْ فِي السَّدِّ فَيُسْرِعُونَ فِيهِ، فَإِذَا أَمْسَوْا قَالُوا: نَرْجِعُ غَدًا فَنَفْرُغُ مِنْهُ.
فَيُصْبِحُونَ وَقَدْ عَادَ كَمَا كَانَ.
فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خُرُوجَهُمْ، قَذَفَ عَلَى أَلْسُنِ بَعْضِهِمُ الاسْتِثْنَاءَ فَقَالُوا: نَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَفْرُغُ مِنْهُ، فَيُصْبِحُونَ وَهُوَ كَمَا تَرَكُوهُ، فَيَنْقُرُونَهُ، فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَلا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلا أَفْسَدُوهُ.
فَيَمُرُّ أَوَّلُهُمْ عَلَى الْبُحَيْرَةِ فَيَشْرَبُونَ مَاءَهَا، وَيَمُرُّ أَوْسَطُهُمْ فَيَلْحَسُونَ طِينَهَا وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُ: قَدْ كَانَ هَاهُنَا مَاءٌ مَرَّةً فَيَقْهَرُونَ النَّاسَ، وَيَفِرُّ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ وَالْجِبَالِ.
فَيَقُولُونَ: قَدْ قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ فَهَلَمُّوا إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ.
فَيَرْمُونَ نِبَالَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَتَرْجِعُ تَقْطُرُ دَمًا.
فَيَقُولُونَ: قَدْ فَرَغْنَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ وَأَهْلِ السَّمَاءِ.
فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَضْعَفَ خَلْقِهِ: النَّغَفَ وَهِيَ دُودٌ تَأْخُذُهُمْ فِي رِقَابِهِمْ فَتَقْتُلُهُمْ، حَتَّى تُنْتِنَ الأَرْضُ مِنْ جِيَفِهِمْ.
وَيُرْسِلُ اللَّهُ الطَّيْرَ فَتَنْقُلُ جِيَفَهُمْ إِلَى الْبَحْرِ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى السَّمَاءَ فَتُطَهِّرُ الأَرْضَ.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ: وَيَسْتَوْقِدِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّهِمْ، وَجِعَابِهِمْ، وَنِشَابِهِمْ، وَأَتْرِسَتِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ.
قَالَ كَعْبٌ: وَتُخْرِجُ الأَرْضُ زَهْرَتَهَا وَبَرَكَتَهَا، وَيَتَرَاجَعُ النَّاسُ، حَتَّى إِنَّ الرُّمَّانَةَ لَتُشْبِعُ السَّكْنَ.
قِيلَ: وَمَا السَّكْنُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبَيْتِ.
قَالَ: وَتَكُونُ سُلْوَةً مِنْ عَيْشٍ.
فَبَيْنَمَا النَّاسُ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ خَبَرٌ أَنَّ ذَا السُّوَيْقَتَيْنِ صَاحِبَ الْجَيْشِ قَدْ غَزَا الْبَيْتَ.
فَيَبْعَثُ الْمُسْلِمُونَ جَيْشًا، فَلا يَصِلُونَ إِلَيْهِمْ وَلا يَرْجِعُونَ إِلَى أَصْحَابِهِمْ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِيحًا طَيِّبَةً يَمَانِيَّةً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ، فَتَكْفِتُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ.
ثُمَّ لا أَجِدُ مَثَلَ السَّاعَةِ إِلا كَرَجُلٍ أَنْتَجَ مُهْرًا فَهُوَ يَنْتَظِرُ مَتَى يَرْكَبُهُ، فَمَنْ تَكَلَّفَ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ مَا وَرَاءَ هَذَا فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ.(1/342)
- نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يَخْرِقُونَهُ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِينَ عَلَيْهِمُ: ارْجِعُوا، فَسَتَخْرِقُونَهُ غَدًا، فَيُعِيدُهُ اللَّهُ كَأَشَدَّ مَا كَانَ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَهُمْ عَلَى النَّاسِ حَفَرُوا، حَتَّى إِذَا كَادُوا يَرَوْنَ شُعَاعَ الشَّمْسِ قَالَ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ: ارْجِعُوا
فَسَتَخْرِقُونَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا، فَيَعُودُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَهَيْئَتِهِ حِينَ تَرَكُوهُ فَيَخْرِقُونَهُ فَيَخْرُجُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيَنْشِفُونَ الْمِيَاهَ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ، فَيَرْمُونَ نِشَابَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَيَرْجِعُ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدَّمِ فَيَقُولُونَ: قَهَرْنَا أَهْلَ الأَرْضِ وَعَلَوْنَا أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا فِي أَقْفَائِهِمْ فَيَقْتُلُهُمْ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دَوَابَّ
الأَرْضِ لَتَسْمَنُ وَتَشْكُرُ مِنْ لُحُومِهِمْ شَكَرًا ".
- نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَحُجُّونَ، وَيَعْتَمِرُونَ وَيَغْرِسُونَ بَعْدَ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ.
قَوْلُهُ: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَكَمَةٍ وَمِنْ كُلِّ نَجْوٍ يَنْسِلُونَ يَخْرُجُونَ.
نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: جَمْعُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ جَاءُوا مِنْهُ(1/343)
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهُوَ حَدَبٌ.
- نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ نَوْفٍ الْبِكَالِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ الْمَلائِكَةَ، وَالْجِنَّ، وَالإِنْسَ فَجَزَّأَهُمْ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهَا الْمَلائِكَةُ، وَجُزْءٌ وَاحِدٌ الْجِنُّ وَالإِنْسُ.
وَجَزَّأَ الْمَلائِكَةَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ الْكَرُوبِيُّونَ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ، وَجُزْءٌ مِنْهُمْ وَاحِدٌ لِرِسَالَتِهِ، وَلِخَزَائِنِهِ، وَمَا يَشَاءُ مِنْ أَمْرِهِ.
وَجَزَّأَ الْجِنَّ وَالإِنْسَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمُ الْجِنُّ وَالإِنْسُ جُزْءٌ وَاحِدٌ، فَلا يُولَدُ مِنَ الإِنْسِ مَوْلُودٌ إِلا وُلِدَ مِنَ الْجِنِّ تِسْعَةٌ.
وَجَزَّأَ الإِنْسَ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ، تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَسَائِرُهُمْ بَنُو آدَمَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي مَا سِوَى يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ.
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: الإِنْسُ كُلُّهُمْ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ وَلَدُ آدَمَ، وَالْجِنُّ كُلُّهُمْ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ وَلَدُ إِبْلِيسَ.
- نا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي أَوِ ابْنِ أَخِي أَوِ ابْنِ عَمِّي قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ الأَذْرُعُ هُمْ أَمِ الأَشْبَارُ؟ فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي مَا أَجِدُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ بِأَعْظَمَ مِنْهُمْ وَلا أَطْوَلَ، وَلا يَمُوتُ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ حَتَّى يُولَدُ لَهُ أَلْفٌ فَصَاعِدًا.
فَقُلْتُ: مَا طَعَامُهُمْ؟ قَالَ: هُمْ فِي مَاءٍ مَا شَرِبُوا، وَفِي شَجَرٍ مَا هَضَمُوا، وَفِي نِسَاءٍ مَا نَكَحُوا.
حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلاءِ التُّرْكَ مِمَّا سَقَطَ مِنْ دُونِ الرَّدْمِ مِنْ وَلَدِ يَأْجُوجِ وَمَأْجُوجِ.(1/344)
قَوْلُهُ: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} [الأنبياء: 97] يَعْنِي النَّفْخَةَ الآخِرَةَ.
{فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الأنبياء: 97] إِلَى إِجَابَةِ الدَّاعِي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
{يَا وَيْلَنَا} [الأنبياء: 97] يَقُولُونَ: {قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [الأنبياء: 97] يَعْنُونَ تَكْذِيبَهُمْ بِالسَّاعَةِ.
{بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 97] لأَنْفُسِنَا.
قَوْلُهُ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98]
نا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْحَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ وَهُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] حَطَبُ جَهَنَّمَ يَحْصَبُ بِهِمْ فِيهَا.
{أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] دَاخِلُونَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَعْنِي الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، لأَنَّهُمْ بِعِبَادَتِهِمُ الأَوْثَانَ عَابِدُونَ لِلشَّيَاطِينِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60] وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مُقَابِلَ بَابِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ، فَوَجِدَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْهَا وَجْدًا شَدِيدًا.
فَقَالَ ابْنُ الزِّبْعَرَى: يَا مُحَمَّدُ، أَرَأَيْتَ الآيَةَ الَّتِي قَرَأْتُ آنِفًا، أَفِينَا وَفِي آلِهَتِنَا خَاصَّةً، أَمْ فِي الأُمَمِ وَآلِهَتِهِمْ مَعَنَا؟ فَقَالَ: لا، بَلْ فِيكُمْ، وَفِي آلِهَتِكُمْ، وَفِي الأُمَمِ، وَفِي آلِهَتِهِمْ.
قَالَ: خَصَمْتُكَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى وَأُمَّهُ، وَأَنَّ طَائِفَةً مِنَ النَّاسِ يَعْبُدُونَ الْمَلائِكَةَ، أَفَلَيْسَ هَؤُلاءِ مَعَ آلِهَتِنَا فِي النَّارِ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَضَحِكَتْ قُرَيْشٌ وَضَجُّوا.(1/345)
فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57] يَعْنِي: يَضِجُّونَ.
{وَقَالُوا} [الزخرف: 58] يَعْنِي قُرَيْشًا {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} [الزخرف: 58] قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] وقَالَ هَاهُنَا فِي هَذِهِ الآيَةِ فِي جَوَابِ قَوْلِهِمْ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] وَهُمْ عِيسَى وَعُزَيْرٌ، وَالْمَلائِكَةُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] عِيسَى، وَعُزَيْرٌ، وَالْمَلائِكَةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ عُزَيْرًا فِي الْجَنَّةِ، وَأَنَّ عِيسَى فِي الْجَنَّةِ، وَقَدْ عُبِدَا مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] فَعِيسَى وَعُزَيْرٌ مِمَّنْ سَبَقَتْ لَهُمُ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ.
وَمَا عُبِدُوا مِنَ الْحِجَارَةِ، وَالْخَشَبِ، وَمِنَ الْجِنِّ، وَعِبَادَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَهُمْ وَمَا عَبَدُوا حَصَبُ جَهَنَّمَ.
- قَالَ يَحْيَى: حَدَّثَنِي أَبِي وَبَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ السَّقَّاءُ وَخَالِدُ وَدُرُسْتُ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّارِ» .
قَالَ دُرُسْتُ ثُمَّ قَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ: أَلَسْتُمْ تَقْرَءُونَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] قَالَ يَحْيَى: أَظُنُّهُمَا يُمَثَّلانِ لِمَنْ عَبَدَهُمَا فِي النَّارِ، يُوَبَّخُونَ بِذَلِكَ.
قَالَ: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} [الأنبياء: 99] وَفِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ يَسْجُدَانِ لِلَّهِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} [الحج: 18](1/346)
- حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ الْفَجْرُ، وَتَغِيبُ مِنْ حَيْثُ يَغِيبُ الْفَجْرُ، فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَطْلُعَ تَقَاعَسَتْ حَتَّى تُضْرَبَ بِالْعمدِ وَتَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنِّي إِذَا طَلَعْتُ عُبِدْتُ دُونَكَ.
فَتَطْلُعُ عَلَى وَلَدِ آدَمَ كُلِّهِمْ، فَتَجْرِي إِلَى الْمَغْرِبِ فَتَغْرُبُ، فَتُسَلِّمُ، فَيُرَدُّ عَلَيْهَا، وَتَسْجُدُ، فَيُنْظَرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ، فَيُؤْذَنُ لَهَا حَتَّى تَأْتِيَ الْمَشْرِقَ، وَالْقَمَرُ كَذَلِكَ.
حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهَا يَوْمٌ تَغْرُبُ فِيهِ فَتُسَلِّمُ فَلا يُرَدُّ عَلَيْهَا، وَتَسْجُدُ فَلا يُنْظَرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ تَسْتَأْذِنُ فَلا يُؤْذَنُ لَهَا.
فَتَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ الْمَشْرِقَ بَعِيدٌ وَلا أَبْلُغُهُ إِلا بِجَهْدٍ، فَتُحْبَسُ حَتَّى يَجِيءَ الْقَمَرُ، فَيُسَلِّمُ فَلا يُرَدُّ عَلَيْهِ، فَيَسْجُدُ فَلا يُنْظَرُ إِلَيْهِ، وَيَسْتَأْذِنُ فَلا يُؤْذَنُ لَهُ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمَا: ارِجْعَا مِنْ حَيْثُ جِئْتُمَا.
فَيَطْلُعَانِ مِنَ الْمَغْرِبِ كَالْبَعِيرَيْنِ الْمُقْتَرِنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158] وَهُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ.
قَالَ: {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} [الأنبياء: 99] يَعْنِي جَهَنَّمَ مَا دَخَلُوهَا، لامْتَنَعُوا بِآلِهَتِهِمْ.
قَالَ: {وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 99] الْعَابِدُونَ وَالْمَعْبُودُونَ.
قَوْلُهُ: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ} [الأنبياء: 100] قَالَ الْحَسَنُ: الزَّفِيرُ اللَّهَبُ، تَرْفَعُهُمْ بِلَهَبِهَا، حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي أَعْلاهَا ضُرِبُوا بِمَقَامِعِ الْحَدِيدِ فَهَوَوْا إِلَى أَسْفَلِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ مَالِكًا فَيَذَرُهُمْ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ عَامًا لا يُجِيبُهُمْ ثُمَّ يَقُولُ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ فَيَذَرُهُمْ قَدْرَ عُمُرِ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُجِيبُهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] قَالَ: فَمَا نَبَسُوا بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ، وَلا كَانَ إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ، أَوَّلُهُ زَفِيرٌ وَآخِرُهُ شَهِيقٌ قَوْلُهُ: {وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 100](1/347)
- قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا خَرَجَ مَنْ خَرَجَ مِنَ النَّارِ وَبَقِيَ فِي النَّارِ مَنْ يَخْلُدُ فِيهَا جُعِلُوا فِي تَوَابِيتَ مِنْ نَارٍ فِيهَا مَسَامِيرُ مِنْ نَارٍ، ثُمَّ جُعِلَتِ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخَرَ، تِلْكَ التَّوَابِيتُ فِي تَوَابِيتَ أُخَرَ، فَلا يَرَوْنَ أَنَّ أَحَدًا يُعَذَّبُ فِي النَّارِ غَيْرَهُمْ ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: {لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء: 100]
قَالَ الْحَسَنُ: ذَهَبَ الزَّفِيرُ بِسَمْعِهِمْ فَلا يَسْمَعُونَ مَعَهُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: 101] يَعْنِي الْجَنَّةَ.
{أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] قَدْ فَسَّرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي أَمْرِ عِيسَى وَعُزَيْرٍ وَالْمَلائِكَةِ.
قَوْلُهُ: {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} [الأنبياء: 102] يَعْنِي صَوْتَهَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: حَسِيسَهَا: مَسَّهَا.
قَالَ: وَلا صَوْتًا، وَإِنَّهَا تَلْتَظِي عَلَى أَهْلِهَا.
قَوْلُهُ: {وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء: 102] قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَكُونُ الطَّعَامُ فِي فِي أَحَدِهِمْ فَيَخْطُرُ عَلَى قَلْبِهِ طَعَامٌ آخَرُ، فَيَتَحَوَّلُ فِي فِيهِ ذَلِكَ الطَّعَامُ الَّذِي اشْتَهَى.
وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف: 71] قَوْلُهُ: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103] قَالَ الْحَسَنُ: النَّفْخَةُ الآخِرَةُ.
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ إِذَا أُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ أُخْرِجَ فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا إِلا أَهْلُ الْخُلُودِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ أُطْبِقَتْ(1/348)
عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحَدٌ.
فَذَلِكَ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ.
قَوْلُه: {وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ} [الأنبياء: 103] قَالَ الْحَسَنُ: تَلْقَاهُمْ بِالْبِشَارَةِ حِينَ يُخْرَجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ وَتَقُولُ: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103] قَوْلُهُ: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} [الأنبياء: 104] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَطَيِّ الصَّحِيفَةِ فِيهَا الْكِتَابُ.
مَعْمَرُ بْنُ عِيسَى أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: إِنَّ السَّمَاءَ إِنَّمَا تُطْوَى مِنْ أَعْلاهَا كَمَا يَطْوِي الْكِتَابُ الصَّحِيفَةَ مِنْ أَعْلاهَا إِذَا كُتِبَ.
قَوْلُهُ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: حُفَاةً، عُرَاةً، غُرْلا، غُلْفًا.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَبْعَثَ الْمَوْتَى عَادَ النَّاسُ كُلُّهُمْ نُطَفًا، ثُمَّ عَلَقًا، ثُمَّ مُضَغًا، ثُمَّ عِظَامًا، ثُمَّ لَحْمًا، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ.
فَكَذَلِكَ كَانَ بَدْؤُهُمْ.
- قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُنَزِّلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَطَرًا مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، كَمَا تَنْبُتُ الأَرْضُ مِنَ الثَّرَى.
قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر: 9] يَعْنِي الْبَعْثَ.
قَوْلُهُ: {وَعْدًا عَلَيْنَا} [الأنبياء: 104] يَعْنِي: كَائِنًا، الْبَعْثَ.
{إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104] أَيْ نَحْنُ فَاعِلُونَ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَعْنِي بِالزَّبُورِ الْكُتُبَ، التَّوْرَاةَ، وَالإِنْجِيلَ، وَالْقُرْآنَ، {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] الْكِتَابُ عِنْدَ اللَّهِ(1/349)
الَّذِي فِي السَّمَاءِ، وَهُوَ أَمُّ الْكِتَابِ.
{أَنَّ الأَرْضَ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي أَرْضَ الْجَنَّةِ.
{يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي زَبُورَ دَاوُدَ {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] مِنْ بَعْدِ التَّوْرَاةِ {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي أُمَّةَ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ فِي هَذَا} [الأنبياء: 106] الْقُرْآنِ.
{لَبَلاغًا} [الأنبياء: 106] إِلَى الْجَنَّةِ.
{لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 106] الَّذِي يُصَلُّونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي: زَبُورَ دَاوُدَ، {مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، {أَنَّ الأَرْضَ} [الأنبياء: 105] يَعْنِي: أَرْضَ الْجَنَّةِ، {يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] وَكَتَبَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْقُرْآنِ فَقَالَ: {إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ} [الأنبياء: 106] أَيْ عَامِلِينَ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] يَعْنِي لِمَنْ آمَنَ مِنَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ وَغَيْرِهِ.
يَحْيَى، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ تَمَّتْ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ عُوفِيَ مِمَّا عُذِّبَتْ بِهِ الأمم، وله فِي الآخرة النار.
قَالَ يَحْيَى: لأَنَّ تَفْسِيرَ النَّاسِ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَخَّرَ عَذَابَ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ(1/350)
بِالاسْتِئْصَالِ إِلَى النَّفْخَةِ الأُولَى بِهَا يَكُونُ هَلاكُهُمْ.
قَوْلُهُ: {قُلْ إِنَّمَا} [الأنبياء: 108] أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ.
{يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [الأنبياء: 108] وَكَذَلِكَ جَاءَتِ الرُّسُلُ.
قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] ، لا تَعْبُدُوا غَيْرِي.
قَوْلُهُ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} [الأنبياء: 109] يَعْنِي كَفَرُوا.
{فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنبياء: 109] يَعْنِي عَلَى أَمْرٍ بَيِّنٍ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةَ: عَلَى مَهَلٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ كَذَّبَ بِي فَهُوَ عِنْدِي سَوَاءٌ، أَيْ جِهَادُهُمْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ عِنْدِي وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال: 58] أَيْ لِيَكُونَ حُكْمُكَ فِيهِمْ سَوَاءً: الْجِهَادُ وَالْقَتْلُ لَهُمْ أَوْ يُؤْمِنُوا.
وَهَؤُلاءِ مُشْرِكُو الْعَرَبِ.
وَيُقَاتِلُ أَهْلُ الْكِتَابِ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُقِرُّوا بِالْجِزْيَةِ.
وَجَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ مَا خَلا الْعَرَبِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ.
وَأَمَّا نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَدْ فَسَّرْنَا أَمْرَهُمْ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.
{وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 109] يَعْنِي بِهِ السَّاعَةَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} [الأنبياء: 110] يَعْنِي مَا تُسِرُّونَ.
وَفِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ: إِنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ قَبْلَ الْخَلْقِ وَمَا يَكُونُ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء: 111] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَعَلَّ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا مِنَ السَّعَةِ وَالرَّخَاءِ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ زَائِلٌ.
{فِتْنَةٌ لَكُمْ} [الأنبياء: 111] يَعْنِي بَلِيَّةً لَكُمْ.
{وَمَتَاعٌ} [الأنبياء: 111] تَسْتَمْتِعُونَ بِهِ، يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَوْلُهُ: {إِلَى حِينٍ} [الأنبياء: 111](1/351)
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِلَى الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتِ الأَنْبِيَاءُ تَقُولُ: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 89] فَأَمَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] أَيِ: اقْضِ بِالْحَقِّ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَإِنَّ عَدُوَّهُ عَلَى الْبَاطِلِ، فَكَانَ إِذَا لَقِيَ الْعَدُوَّ يَقُولُ: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} [الأنبياء: 112] وَكَانَ النَّبِيُّ إِذَا سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ بِالْحَقِّ هَلَكُوا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ أَنْ يَنْصُرَ أَوْلِيَاءَهُ عَلَى أَعْدَائِهِ، فَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [الأنبياء: 112] قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى مَا تَكْذِبُونَ، يَعْنِي بِهِ الْمُشْرِكِينَ.(1/352)
سُورَةُ الْحَجِّ
سُورَةُ الْحَجِّ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إِلا أَرْبَعَ آيَاتٍ مَكِّيَّاتٍ
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] إِلَى قَوْلِهِ: {أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: 55] فَإِنَّ هَذِهِ الأَرْبَعَ آيَاتٍ مَكِّيَّاتٍ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ السُّورَةِ فَهُوَ مَدَنِيٌّ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] .
{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ} [الحج: 2] يَعْنِي تُعْرِضُ.
{كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2] وَهَذِهِ النَّفْخَةُ الآخِرَةُ.
- أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ لَهُ لا يَقْصُرُ، إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: 1] حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 2] فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَ نَبِيِّهِمُ اعْصَوْصَبُوا بِهِ فَتَلاهُمَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: " هَلْ تَدْرُونَ أَيَّ يَوْمٍ ذَاكُمْ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: " ذَاكُمْ يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لآدَمَ: يَا آدَمُ قُمِ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ.
قَالَ: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا إِلَى النَّارِ وَوَاحِدًا إِلَى الْجَنَّةِ ".
فَلَمَّا سَمِعُوا مَا قَالَ نَبِيُّهُمْ أَبْلَسُوا حَتَّى مَا يُجْلَى أَحَدُهُمْ عَنْ وَاضِحَةٍ.
فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَمَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلا كَالرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ، أَوْ(1/353)
كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ، وَإِنَّكُمْ مَعَ خَلِيقَتَيْنِ مَا كَانَتَا مَعَ شَيْءٍ قَطُّ إِلا كَثَّرَتَاهُ، يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَمَنْ هَلَكَ، يَعْنِي وَمَنْ كَفَرَ مِنْ بَنِي إِبْلِيسَ، وَتُكْمَلُ الْعِدَّةُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ» .
- أَخْبَرَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ فِي جُمُوعِ الْكُفَّارِ كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْرَمُ الْكَبِيرُ، وَيَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْكَبِيرَ يُحَطُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً، وَيُرْفَعُ الصَّغِيرُ إِلَى ثَلاثٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا بِغَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا رَبُّكُمْ لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهَا مِثْلَهَا» .
قَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الحج: 3] يَعْنِي الْمُشْرِكَ يَلْحَدُ فِي اللَّهِ فَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً.
{بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الحج: 3] أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ.
{وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج: 3] مَرُدَ، يَعْنِي اجْتَرَأَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ.
وَالشَّيَاطِينُ هِيَ الَّتِي أَمَرَتْهُمْ بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاهُ} [الحج: 4] تَوَلَّى الشَّيْطَانَ، اتَّبَعَهُ.
{فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: 4] وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ.
قَوْلُهُ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} [الحج: 5] فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ.
{فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج: 5] وَهَذَا خَلْقُ آدَمَ.
{ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [الحج: 5] يَعْنِي نَسْلَ آدَمَ.
{ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] قَالَ: هُوَ السِّقْطُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمَا جَمِيعًا السِّقْطُ مُخَلَّقٌ وَغَيْرُ مُخَلَّقٍ.
{وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ} [الحج: 5] يَعْنِي التَّمَامَ.
- يَحْيَى، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:(1/354)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، أَوْ يَكُونُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يُؤْمَرُ الْمَلَكُ أَوْ قَالَ: يَأْتِي الْمَلَكُ فَيُؤْمَرُ أَنْ يَكْتُبَ أَرْبَعًا: رِزْقُهُ، وَأَجَلُهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ".
- حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْمَنِيَّ إِذَا مَكَثَ فِي الرَّحِمِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، أَتَاهُ مَلَكُ النُّفُوسِ فَخَرَجَ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي رَاحَتِهِ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، عَبْدُكَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ فَيَقْضِي اللَّهُ مَا هُوَ قَاضٍ.
أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ؟ فَيُكْتَبُ مَا هُوَ لاقٍ بَيْنَ عَيْنَيْهِ.
ثُمَّ قَرَأَ أَبُو ذَرٍّ مِنْ فَاتِحَةِ سُورَةِ التَّغَابُنِ خَمْسَ آيَاتٍ.
وَقَوْلُهُ: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} [الحج: 5] بُدُوُّ خَلْقِكُمْ.
قَوْلُهُ: {وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ} [الحج: 5] أَرْحَامِ النِّسَاءِ.
{مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 5] الْوَقْتِ الَّذِي يُولَدُ فِيهِ.
{ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} [الحج: 5] يَعْنِي الاحْتِلامَ.
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} [الحج: 5] وَفِيهَا إِضْمَارٌ: أَيْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ.
وَقَالَ فِي حم: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ} [غافر: 67] أَنْ يَبْلُغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ.
{وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [الحج: 5] الْهَرَمُ.
{لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لا يَعْقِلُ شَيْئًا.
قَوْلُهُ: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} [الحج: 5] أَيْ: غَبْرَاءَ مُتَهَشِّمَةً.
{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [الحج: 5] وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: رَبَتْ لِلنَّبَاتِ انْفَتَحَتْ وَاهْتَزَّتْ بِالنَّبَاتِ إِذَا أَنْبَتَتْ.
قَالَ: {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج: 5] حَسَنٍ.
وَكُلُّ مَا يَنْبُتُ فِي الأَرْضِ فَالْوَاحِدُ مِنْهَا زَوْجٌ.
وَحُسْنُ ذَلِكَ النَّبَاتِ أَنَّهَا تُنْبِتُ أَلْوَانًا مِنْ صُفْرَةٍ، وَحُمْرَةٍ، وَخُضْرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَلْوَانِ.
قَالَ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج: 6] وَالْحَقُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.(1/355)
{وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج: 6] إِنَّ الَّذِي أَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ الْهَامِدَةِ الْمَيِّتَةِ مَا أَخْرَجَ مِنَ النَّبَاتِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَالَ: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا} [الحج: 7] لا شَكَّ فِيهَا.
{وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7] قَوْلُه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الحج: 8] يَعْنِي الْمُشْرِكَ يَلْحَدُ فِي اللَّهِ فَيَجْعَلُ مَعَهُ الآلِهَةَ يَعْبُدُهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ أَتَاهُ مِنَ اللَّهِ.
{وَلا هُدًى} [الحج: 8] أَتَاهُ مِنْهُ.
{وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ} [الحج: 8] قَضَى بِعِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{ثَانِيَ عِطْفِهِ} [الحج: 9] ثَانِي رَقَبَتِهِ، مُعْرِضٌ عَنِ اللَّهِ، وَعَنْ رَسُولِهِ، وَدِينِهِ.
{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} [الحج: 9] الْقَتْلُ.
{وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 9] عَذَابُ جَهَنَّمَ، يُحْرَقُ بِالنَّارِ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ فَقُتِلَ، أَحْسَبُهُ قَالَ: يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [الحج: 10] قَوْلُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج: 11] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: عَلَى شَكٍّ.
{فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ} [الحج: 11] يَقُولُ رَضِيَ بِهِ.
{وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج: 11] هَذَا الْمُنَافِقُ، يَعْنِي إِنْ رَأَى فِي الإِسْلامِ رَخَاءً وَطَمَأْنِينَةً طَابَتْ نَفْسُهُ بِمَا يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: أَنَا مِنْكُمْ وَمَعَكُمْ، وَإِنْ رَأَى فِي الإِسْلامِ شِدَّةً أَوْ بَلِيَّةً لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مُصِيبَتِهَا أَوْ لَمْ يَرْجُ عَاقِبَتَهَا {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج: 11] يَعْنِي كَافِرًا.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
قَالَ اللَّهُ: {خَسِرَ الدُّنْيَا} [الحج: 11] فَذَهَبَتْ عَنْهُ وَزَالَتْ.
وخسر {وَالآخِرَةَ} [الحج: 11] فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ إِنْ أَصَابَ خَصْبًا وَرَفَاغَةً فِي الْعَيْشِ وَمَا يَشْتَهِي اطْمَأَنَّ(1/356)
إِلَيْهِ وَقَالَ: أَنَا عَلَى حَقٍّ وَأَنَا أَعْرِفُ الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ: {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج: 11] أَيْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَأَنْكَرَ مَعْرِفَتَهُ.
{خَسِرَ الدُّنْيَا} [الحج: 11] يَعْنِي خَسِرَ دُنْيَاهُ الَّتِي كَانَ لَهَا عَمِلَ وَفِيهَا يَفْرَحُ، فَهِيَ هَمُّهُ وَطَلَبَتُهُ، ثُمَّ أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِيهَا نَصِيبٌ.
قَوْلُهُ: {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11] قَوْلُهُ: {يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ} [الحج: 12] يَعْنِي الْوَثَنَ.
{ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} [الحج: 12] قَالَ: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} [الحج: 13] يَعْنِي الْوَثَنَ، يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَهُوَ كَلٌّ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَتَوَلَّاهُ.
يَقُولُ اللَّهُ: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} [الحج: 13] لَبِئْسَ الْوَلِيُّ.
{وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} [الحج: 13] لَبِئْسَ الصَّاحِبُ، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْوَثَنَ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14] قَوْلُهُ: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج: 15] يَعْنِي الْمُنَافِقَ، أَيْ إِنَّهُ يَائِسٌ مِنْ أَنْ يَنْصُرَ اللَّهُ مُحَمَّدًا، لا يُصَدِّقُ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ رَسُولَهُ مِنْ نَصْرِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَنَصْرُهُ فِي الآخِرَةِ الْحُجَّةُ.
قَالَ: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} [الحج: 15] بِحَبْلٍ {إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] سَمَاءِ الْبَيْتِ، يَعْنِي سَقْفَ الْبَيْتِ، أَيْ فَلْيُعَلِّقْ حَبْلًا مِنْ سَقْفِ الْبَيْتِ فَلْيَخْتَنِقْ حَتَّى يَمُوتَ.
يَعْنِي بِقَوْلِهِ: فـ {لِيَقْطَعْ} [الحج: 15] فَلْيَخْتَنِقْ.
وَذَلِكَ كَيْدُهُ.
قَالَ: {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ} [الحج: 15] ذَلِكَ غَيْظُهُ: أَيْ إِنَّ ذَلِكَ لا يُذْهِبُ غَيْظَهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} [الحج: 15] أَنْ لَنْ يَرْزُقَهُ اللَّهُ.(1/357)
قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ} [الحج: 16] الْقُرْآنُ.
{آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الحج: 16] الْحَلالُ وَالْحَرَامُ.
{وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} [الحج: 16] قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا} [الحج: 17] الْيَهُودُ.
{وَالصَّابِئِينَ} [الحج: 17] هُمْ قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الْمَلائِكَةَ وَيَقْرَءُونَ الزَّبُورَ.
{وَالنَّصَارَى} [الحج: 17] تَنَصَّرُوا.
وَإِنَّمَا سُمُّوا نَصَارَى لأَنَّهُمْ كَانُوا بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا نَاصِرَةُ.
{وَالْمَجُوسَ} [الحج: 17] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُمْ عَبَدَةُ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالنِّيرَانِ.
{وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الحج: 17] عَبَدَةُ الأَوْثَانِ.
{إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج: 17] فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الدُّنْيَا، فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ جَمِيعَ هَؤُلاءِ النَّارَ عَلَى مَا أَعَدَّ لِكُلِّ قَوْمٍ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي هَذِهِ الآيَةِ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر: 44] قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الحج: 17] شَاهِدٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَشَاهِدٌ كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [الحج: 18] يَعْنِي أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ السَّمَاءِ يُسَبِّحُونَ لَهُ وَبَعْضَ أَهْلِ الأَرْضِ، يَعْنِي الَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ.
وَكَانَ الْحَسَنُ لا يَعُدُّ السُّجُودَ إِلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا يَعُدُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَسْجُدُ الْمُؤْمِنُ طَايِعًا، وَيَسْجُدُ الْكَافِرُ كَارِهًا.
قَالَ: {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ} [الحج: 18] كُلُّهَا.
{وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ} [الحج: 18] كُلُّهَا.
{وَالدَّوَابُّ} [الحج: 18] ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صِفَةِ الإِنْسَانِ فَاسْتَثْنَى فِيهِ فَقَالَ: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ} [الحج: 18] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ.(1/358)
{وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18] يَعْنِي مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ.
وَقَالَ {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ} [الحج: 18] فَيُدْخِلُهُ النَّارَ.
{فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18] يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ.
{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18] قَوْلُهُ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: اخْتَصَمَ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ، وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ.
وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: كِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ كُلِّهَا وَنَبِيُّنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ.
فَأَفْلَجَ اللَّهُ أَهْلَ الإِسْلامِ فَقَالَ: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج: 19] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
وَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ} [الحج: 23] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي أَبُو حَفْصٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ.
وَقَوْلُهُ: {خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا} [الحج: 19] أَهْلُ الْكِتَابِ خَصْمٌ وَالْمُؤْمِنُونَ خَصْمٌ، اخْتَصَمُوا يَعْنِي جَمَاعَتَهُمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَدِ اخْتَصَمُوا فِي اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَلْتَقُوا فِي الدُّنْيَا قَطُّ لاخْتِلافِ الْمِلَّتَيْنِ.
أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَوَحَّدَ اللَّهَ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِثَوَابِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَأَلْحَدَ فِي اللَّهِ، فَعَبَدَ غَيْرَهُ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِثَوَابِهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي ثَلاثَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَثَلاثَةٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ.
فَأَمَّا الثَّلاثَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ، وَحَمْزَةُ، وَعَلِيٌّ.
وَأَمَّا الثَّلاثَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: فَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ.
قَوْلُهُ: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج: 19] وقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {سَرَابِيلُهُمْ} [إبراهيم: 50] أَيْ: قُمُصُهُمْ {مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم: 50] .
قَالَ الْحَسَنُ: الْقَطِرَانُ الَّذِي يُطْلَى بِهِ الإِبِلُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِنْ صُفْرٍ.(1/359)
قَالَ الْحَسَنُ: وَهِيَ مِنْ نَارٍ.
وَقَوْلُهُ: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج: 19] وَهُوَ الْحَارُّ الشَّدِيدُ الْحَرِّ.
{يُصْهَرُ بِهِ} [الحج: 20] يُحْرَقُ بِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يُقْطَعُ بِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُذَابُ بِهِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يُنْضَحُ بِهِ.
{مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج: 20] يَعْنِي وَتُحْرَقُ بِهِ الْجُلُودُ.
وَهُوَ الَّذِي قَالَ الْحَسَنُ: تُقْطَعُ بِهِ.
قَوْلُهُ: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج: 21] يَعْنِي مِنْ نَارٍ، يُقْمَعُ رَأْسُهُ بِالْمِقْمَعَةِ، فَيَحْتَرِقُ رَأْسُهُ، فَيُصَبُّ فِي الْحَمِيمِ حَتَّى يَبْلُغَ جَوْفَهُ.
حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الأَزْرَقِ بْنِ قَيْسٍ أَنَا أَبَا الْعَوَّامِ سَادِنَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر: 30] فَقَالَ لِلْقَوْمِ: مَا تَقُولُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ مَلَكًا أَوْ تِسْعَةَ عَشَرَ أَلْفِ مَلَكٍ؟ فَقَالُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: هُمْ تِسْعَةُ عَشَرَ مَلَكًا، بِيَدِ كُلِّ مَلَكٍ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ لَهَا شُعْبَتَانِ، فَيَضْرِبُ بِهَا الضَّرْبَةَ فَتَهْوِي بِهَا سَبْعُونَ أَلْفًا، أَيْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
قَوْلُهُ: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا} [الحج: 22] قَالَ: الْحَسَنُ: تَرْفَعُهُمْ بِلَهَبِهَا، فَإِذَا كَانُوا فِي أَعْلاهَا قَمَعَتْهُمُ الْمَلائِكَةُ بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ مِنْ نَارٍ، فَيَهْوُونَ فِيهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا.
قَالَ: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج: 22] قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] يَحْيَى، عَنْ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلا وَفِي يَدِهِ ثَلاثَةُ أَسْوِرَةٍ: سِوَارٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَسِوَارٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَسِوَارٌ مِنْ لُؤْلُؤٍ.
وَهُوَ قَوْلُهُ: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23] أَمْ(1/360)
{وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} [الإنسان: 21] قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَدَا إِسْوَارُهُ لَغَلَبَ عَلَى ضَوْءِ الشَّمْسِ» .
قَوْلُهُ: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج: 23] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} [الكهف: 31] قَوْلُهُ: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ} [الحج: 24] وَهُوَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الإِيمَانُ فِي الدُّنْيَا بِاللَّهِ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {وَهُدُوا} [الحج: 24] يَعْنِي فِي الدُّنْيَا.
{إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24] وَهُوَ اللَّهُ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52] أَيْ إِلَى الْجَنَّةِ: {صِرَاطِ اللَّهِ} [الشورى: 53] طَرِيقِ اللَّهِ الَّذِي هَدَى لَهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [الحج: 25] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج: 25] يَعْنِي الْهُدَى، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الحج: 25] أَيْ: وَيَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الحج: 25] يَعْنِي: وَيَمْنَعُونَ النَّاسَ عَنْ دِينِ اللَّهِ الإِسْلامِ.
قَالَ: {وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ} [الحج: 25] قِبْلَةً وَنُسُكًا.
قَوْلُهُ: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ} [الحج: 25] السَّاكِنُ فِيهِ.(1/361)
{وَالْبَادِ} [الحج: 25] يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، هُمْ فِي بُيُوتِهَا شُرَّعٌ سَوَاءٌ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا الْعَاكِفُ فِيهِ فَأَهْلُ مَكَّةَ، وَأَمَّا الْبَادِ فَمَنْ يَنْتَابُهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {الْعَاكِفُ فِيهِ} [الحج: 25] السَّاكِنُ فِيهِ {وَالْبَادِ} [الحج: 25] الْجَانِبُ يَعْنِي مَنْ يَعْتَقِبُهُ، أَيِ الَّذِي يَنْتَابُهُ مِنَ النَّاسِ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، سَوَاءٌ فِي حَرَمِهِ وَمَنَاسِكِهِ وَحُقُوقِهِ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ} [الحج: 25] أَيْ بِشِرْكٍ.
{نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25] حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَنْ لَجَأَ إِلَى حَرَمِ اللَّهِ لِيَعْبُدَ فِيهِ غَيْرَ اللَّهِ عَذَّبَهُ اللَّهُ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: الإِلْحَادُ، الْمَيْلُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ إِلَى الشِّرْكِ.
نا الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ} [الحج: 25] يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: 26]
- قَالَ: وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ رَبْوَةً بَيْضَاءَ حَوْلَهَا(1/362)
حِجَارَةٌ مَرْسُومَةٌ حَوْلَهَا حَرَجَةٌ مِنْ سَمُرٍ نَابِتٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج: 26] ، يَقُولُ: أَعْلَمْنَاهُ.
قَوْلُهُ: {أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} [الحج: 26] مِنَ الأَوْثَانِ، يَعْنِي لا تَذَرْ حَوْلَهُ وَثَنًا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَالشِّرْكِ، وَقَوْلِ الزُّورِ وَالْمَعَاصِي.
- نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أُمِّ عَلْقَمَةَ مَوْلاةِ عَائِشَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كِسْوَةُ الْبَيْتِ عَلَى الأُمَرَاءِ وَلَكِنْ طَيِّبُوا الْبَيْتَ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ تَطْهِيرِهِ.
قَوْلُهُ: {لِلطَّائِفِينَ} [الحج: 26]
نا الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ قَالَ: الطَّائِفُونَ الَّذِينَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَالرُّكَّعُ السُّجُودُ الَّذِينَ يُصَلُّونَ إِلَيْهِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: يَعْنِي أَهْلَ الطَّوَافِ.
قَوْلُهُ: {وَالْقَائِمِينَ} [الحج: 26] نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْقَائِمُونَ أَهْلُ مَكَّةَ.
{وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26] أَهْلِ الصَّلاةِ يُصَلُّونَ إِلَيْهِ.
قَوْلُهُ: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} [الحج: 27]
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: نَبَّئُونَا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ(1/363)
الْمَخْزُومِيِّ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ نَادَى: يَأَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ لِلَّهِ بَيْتًا فَحُجُّوهُ، فَأَسْمَعَ مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ أَوِ الْمَشْرِقَيْنِ، وَأَقْبَلَ النَّاسُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ أَجَابَهُ يَوْمَئِذٍ مَنْ كَانَ حَاجًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
- نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَامَ إِبْرَاهِيمُ النَّبِيُّ عِنْدَ الْبَيْتِ فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَسَمِعَهُ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَأَهْلُ الْمَغْرِبِ.
- نا حَمَّادٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ بَنَيَا الْبَيْتَ، فَلَمَّا أَقْبَلَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِأَحَدٍ إِلا قَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ بُنِيَ لَكُمْ بَيْتٌ فَحُجُّوهُ.
فَجَعَلَ لا يَسْمَعُهُ حَجَرٌ وَلا شَجَرٌ إِلا أَجَابَهُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ.
- نا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي كَيْفَ كَانَتِ التَّلْبِيَةُ؟ قُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَتْ؟ قَالَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا أُمِرَ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ خَفَضَتِ الْجِبَالُ رُءُوسَهَا وَرُفِعَتْ لَهُ الْقُرَى، فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ.
قَوْلُهُ: {يَأْتُوكَ رِجَالا} [الحج: 27] نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مُشَاةً.
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: حَجَّ إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ مَاشِيَيْنِ.
قَوْلُهُ: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ لا تَبْلُغُهُ الْمَطِيُّ حَتَّى تَضْمُرَ.(1/364)
قَوْلُهُ: {يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27] يَعْنِي بَعِيدٍ.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عَمْقُ مَا بَيْنَ تِهَامَةَ وَالْعِرَاقِ وَيُؤْتَى مِنْ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28] أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: الأَجْرُ فِي الآخِرَةِ وَالتِّجَارَةُ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ يَحْيَى: وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِي الْمَوْسِمِ، وَكَانَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةٌ.
قَالَ يَحْيَى: وَقَدْ قَالَ قَتَادَةُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] يَعْنِي فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ.
- قَوْلُهُ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] نا أَشْعَثُ، عَنْ حَفْصِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ....
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَهِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ آخِرُهَا يَوْمُ النَّحْرِ.
قَوْلُهُ: {عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 28] يُسَمِّي إِذَا نَحَرَ أَوْ ذَبَحَ.
وَالأَضْحَى ثَلاثَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ.
وَيَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُهَا.(1/365)
قَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الضَّعِيفُ الْفَقِيرُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْفَقِيرُ الَّذِي بِهِ زَمَانَةٌ.
إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُطْعِمُ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ثُلُثًا، وَأُطْعِمُ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ثُلُثًا، وَأُطْعِمُ أَهْلِي ثُلُثًا.
- نا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ بَعَثَ بِهَدْيٍ مَعَ عَلْقَمَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ثُلُثًا، وَأَنْ يَبْعَثَ إِلَى أَهْلِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ثُلُثًا وَأَنْ يُطْعِمَ الْمَسَاكِينَ ثُلُثًا.
نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لَيْسَ لِصَاحِبِ الْبَدَنَةِ مِنْهَا إِلا رُبْعُهَا.
يَحْيَى قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لا يُطْعَمُ مِنَ الأُضْحِيَةِ أَقَلُّ مِنَ الرُّبْعِ.
- نا عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُطْعِمُ مِنْ بُدْنِهِ....
يَأْكُلُ لا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
يَقُولُ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 28] وَأَطْعِمُوا مِنْهَا وَكُلُوا مِنْهَا، هُمَا سَوَاءٌ لا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا قَبْلَ أَنْ يَأْكُلَ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ نَاعِمٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ حَضَرَ عَلِيًّا بِالْكُوفَةِ يَوْمَ أَضْحَى، فَخَطَبَ ثُمَّ نَزَلَ، فَاتَّبَعْتُهُ، فَدَعَا بِتَيْسٍ فَذَبَحَهُ، فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ آلِ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَمْ يَبْرَحْ حَتَّى قَسَّمَ لَحْمَهُ فَفَضِلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَبَعَثَهُ إِلَى أَهْلِهِ.(1/366)
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هِيَ مُقَدَّمَةٌ مُؤَخَّرَةٌ {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 28] وَأَطْعِمُوا مِنْهَا وَكُلُوا، لا بَأْسَ أَنْ يَطْعَمَ مِنْهَا قَبْل أَنْ يَأْكُلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهَا.
- قَالَ: ونا عُثْمَانُ، عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَاهَا كَانَ يَأْكُلُ مِنْ بَدَنَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُطْعِمَ.
- نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَوْا مِنْ مَرَقَتِهَا.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَلْقُ الرُّءُوسِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الشَّعْرِ وَقَطْعُ الأَظْفَارِ.
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: التَّفَثُ: حَلْقُ الرُّءُوسِ وَرَمْيُ الْجِمَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ.
نا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: التَّفَثُ ذَا الشَّعَثِ وَذَا التَّقَشُّفِ.(1/367)
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ {تَفَثَهُمْ} [الحج: 29] تَقَشُّفُ الإِحْرَامِ بِرَمْيِهِمُ الْجِمَارَ يَوْمَ النَّحْرِ.
فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّسَاءِ.
- نا عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: مَنْ رَمَى الْجِمَارَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ.
قَوْلُه: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيَّامٌ عَظَّمَهَا اللَّهُ تُحْلَقُ فِيهَا الأَشْعَارُ، وَيُوَفَّى فِيهَا بِالنَّذْرِ وَتُذْبَحُ فِيهَا الذَّبَائِحُ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: نَذَرَ الْحَجَّ وَالْهَدْيَ، وَمَا نَذَرَ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يَكُونُ فِي الْحَجِّ.
قَوْلُهُ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَعْتَقَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ.
كَمْ مِنْ جَبَّارٍ مُتْرَفٍ قَدْ صَارَ إِلَيْهِ يُرِيدُ أَنْ يَهْدِمَهُ فَحَالَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
نا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِمُجَاهِدٍ لِمَ سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ؟ قَالَ: لَمْ يُرِدِ الْبَيْتَ أَحَدٌ بِسُوءٍ إِلا هَلَكَ.
ونا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْبَيْتُ الْعَتِيقُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] قَالَ: هُوَ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ.
قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ(1/368)
الطَّوَافَ الْوَاجِبَ بِاللَّيْلِ.
وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هُوَ طَوَافُ يَوْمِ النَّحْرِ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ.
- وَحَدَّثَنِي مَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَفَاضُوا نَهَارًا يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ هُوَ لَيْلًا مَكَانَ نِسَاءٍ كُنَّ مَعَهُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ فِي رَكْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي الْحَجِّ فَمَا أَفَاضَ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى كَانَ النَّفْرُ الآخَرُ.
- نا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَقْرَأُ سُورَةَ الْحَجِّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ فَإِنَّ آخِرَ الْمَنَاسِكِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ.
ثُمَّ قَرَأَ: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]
- نا حَمَّادٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] فَآخِرُ الْمَنَاسِكِ الطَّوَافُ.
قَوْلُهُ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ الْحُرُمَاتُ: مَكَّةُ، وَالْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ، وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنْ مَعَاصِيهِ كُلِّهَا.(1/369)
قَوْلُهُ: {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [الحج: 30] فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ مِنَ: {الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] .
وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ.
قَالَ: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] وَقَدْ فَسَّرْتُ ذَلِكَ فِي الْمَائِدَةِ.
قَوْلُهُ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] اجْتَنِبُوا الأَوْثَانَ فَإِنَّهَا رِجْسٌ.
قَوْلُهُ: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] يَعْنِي اجْتَنِبُوا الأَوْثَانَ فَإِنَّهَا رِجْسٌ، وَقَوْلُ الزُّورِ: الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ يَعْنِي الشِّرْكَ.
حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: الْكَذِبُ.
قَوْلُهُ: {حُنَفَاءَ لِلَّهِ} [الحج: 31] مُخْلِصِينَ لِلَّهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حُجَّاجًا، أَيْ: لِلَّهِ مُخْلِصِينَ.
{غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ} [الحج: 31] قَوْلُهُ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ} [الحج: 31] فِي الْبُعْدِ مِنَ اللَّهِ.
{فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ} [الحج: 31] يَعْنِي تَذْهَبُ بِهِ الرِّيحُ.
{فِي مَكَانٍ} [الحج: 31] يَعْنِي تَذْهَبُ بِهِ الرِّيحُ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{سَحِيقٍ} [الحج: 31] قَالَ مُجَاهِدٌ: بَعِيدٌ.(1/370)
وَقَالَ الْحَسَنُ: شَبَّهَ اللَّهُ أَعْمَالَ الْمُشْرِكِينَ بِالشَّيْءِ يَخِرُّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ، فَلا يَصِلُ إِلَى الأَرْضِ.
أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ، يَعْنِي بَعِيدٍ فَيَذْهَبُ فَلا يُوجَدُ لَهُ أَصْلٌ، وَلا يُرَى لَهُ أَثَرٌ.
يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لأَعْمَالِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ اللَّهِ قَرَارٌ لَهُمْ بِهِ عِنْدَهُ خَيْرٌ فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] يَعْنِي مِنْ إِخْلاصِ الْقُلُوبِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: اسْتِعْظَامُ الْبُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا وَاسْتِسْمَانُهَا.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ طَارِقِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَيُّ الشَّعَائِرِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتَ مِنْهُ؟ هَذَا أَعْظَمُ الشَّعَائِرِ، يَعْنِي الْبَيْتَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: شَعَائِرُ اللَّهِ، دِينُ اللَّهِ كُلُّهُ.
قَوْلُهُ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 33]
- حَدَّثَنِي يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الأَجَلُ الْمُسَمَّى إِلَى أَنْ تُقَلَّدَ وَتُشْعَرَ.
هِيَ الْبُدْنُ يُنْتَفَعُ بِظُهُورِهَا وَيُسْتَعَانُ بِهَا.
{ثُمَّ مَحِلُّهَا} [الحج: 33] إِذَا قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ.
{إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33] وَقَالَ السُّدِّيُّ: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الحج: 33] يَقُولُ: إِلَى أَنْ تُقَلَّدَ فَإِذَا قُلِّدَتْ لَمْ تُرْكَبْ لَهَا ظُهُورٌ، وَلَمْ يُشْرَبْ لَهَا لَبَنٌ.
نا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هِيَ الْبُدْنُ يُنْتَفَعُ بِهَا حَتَّى تُقَلَّدَ.(1/371)
- نا هِشَامٌ وَهَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ: " ارْكَبْهَا، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا، قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ، قَالَ: ارْكَبْهَا وَيْلَكَ أَوْ وَيْحَكَ ".
- نا خِدَاشٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً قَدْ جَهَدَهُ الْمَشْيُ....
ارْكَبْهَا.
قَالَ: إِنَّهَا بَدَنَةٌ.
قَالَ: ارْكَبْهَا وَإِنْ كَانَتْ ".
نا الْمُعَلَّى، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.
- نا نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ عَلَى بُدْنِهِ الرَّجُلَ الْعَقِبَ.
- نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رُكُوبِ الْبَدَنَةِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» .
حَدَّثَنِي حَمَّادٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: الْبَدَنَةُ، إِنِ احْتَاجَ سَائِقُهَا فَإِنَّهُ يَرْكَبُهَا غَيْرَ فَادِحٍ، وَيَشْرَبُ مِنْ فَضْلِ رَيِّ فَصِيلِهَا.
- حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَهَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانٍ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدَنَةٍ عِنْدَ صَلاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ دَعَا بِنَعْلٍ فَقَلَّدَهَا، ثُمَّ أَشْعَرَهَا فِي جَانِبِ سَنَامِهَا الأَيْمَنِ، ثُمَّ سَلَتَ عَنْهَا الدَّمَ، ثُمَّ صَلَّى صَلاةَ الظُّهْرِ، ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ الْبَيْدَاءُ أَهَلَّ.(1/372)
- وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَشْعَرَ بَدَنَتَهُ أَشْعَرَهَا مِنْ جَانِبِ السَّنَامِ الأَيْسَرِ إِلا الْقَلُوصَيْنِ الصَّعْبَيْنِ فَإِنَّهُ كَانَ يَطْعَنُهُمَا بِالْحَرْبَةِ هَذَا مِنَ الأَيْمَنِ وَهَذَا مِنَ الأَيْسَرِ يَقْرِنُهُمَا، فَيَطْعَنُ بِالْحَرْبَةِ هَذَا هَكَذَا وَهَذَا هَكَذَا وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ إِذَا أَشْعَرَهُمَا.
- نا عُثْمَانُ، عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَاهَا كَانَ يُقَلِّدُ نَعْلًا.
- نا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ هَدْيٍ لا يُوقَفُ بِهِ بِعَرَفَةَ فَهُوَ أُضْحِيَةٌ.
- نا حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ بِالْبُدْنِ بِعَرَفَةَ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 33]
نا حَمَّادٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُلُّ هَدْيٍ دَخَلَ الْحَرَمَ ثُمَّ عَطَفَ فَقَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ إِلا هَدْيَ الْمُتْعَةِ فَإِنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُهْرِيقَ دَمًا يَوْمَ النَّحْرِ.
نا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُلُّ هَدْيٍ قَدِمَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَنْحَرُهُ حَيْثُ شَاءَ مِنْ مَكَّةَ إِلا هَدْيَ الْمُتْعَةِ فَإِنْ نَحَرَهُ كَانَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَإِنْ قَدِمَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْحَرُهُ دُونَ يَوْمِ النَّحْرِ إِلا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَعْطَبَ فَيَنْحَرُهُ وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ، إِلا هَدْيَ الْمُتْعَةِ وَهَدْيَ الْمُحْصَرِ بِالْحَجِّ.
- نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِذَا أَعْطَبَتِ الْبَدَنَةُ فَإِنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُبْدِلْهَا إِلا نَذْرًا أَوْ جَزَاءَ صَيْدٍ.
وَعَطِبَتْ بَدَنَةٌ لابْنِ عُمَرَ فَأَكَلَ مِنْهَا.(1/373)
- نا حَمَّادٌ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ فَكُلُوهُ وَلا تَدَعُوهُ لِلْكِلابِ وَالسِّبَاعِ.
فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَاهْدُوا مَكَانَهُ هَدْيًا آخَرَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتُمْ فَاهْدُوا، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلا تَهْدُوا.
- نا حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِالْبُدْنِ مَعَ رَجُلٍ وَأَمَرَهُ فِيهَا بِأَمْرٍ.
فَلَمَّا قَفَّى رَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصْنَعُ بِمَا أَزْحَفَ عَلَيَّ مِنْهَا؟ قَالَ: انْحَرْهَا وَاصْبِغْ نِعَالَهَا فِي دِمَائِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا الْيُمْنَى، رُبَّمَا قَالَ حَمَّادٌ: الْيُمْنَى وَرُبَّمَا لَمْ يَقُلْ، وَلا تَأْكُلْ مِنْهَا أَنْتَ وَلا أَهْلُ رُفْقَتِكَ وَحُلْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَأْكُلُونَهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا فِي التَّطَوُّعِ.
- وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فِي الْبَدَنَةِ التَّطَوُّعُ إِذَا أُصِيبَتْ يَنْحَرُهَا، وَيَجْعَلُ أَخْفَافَهَا فِي دَمِهَا، وَلا يَأْكُلْ مِنْهَا.
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِذَا أَكَلْتَ مِنَ التَّطَوُّعِ فَأَبْدِلْ.
قَوْلُهُ: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ} [الحج: 34] يَعْنِي: وَلِكُلِّ قَوْمٍ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الحج: 67] نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ حَجًّا وَذَبْحًا.
قَوْلُهُ: {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي الآيَةِ الأُولَى.(1/374)
قَوْلُهُ: {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} [الحج: 34] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] يَعْنِي بِالْجَنَّةِ.
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَنَّ الْمُخْبِتِينَ الْخَاشِعِينَ الْخَائِفِينَ.
وَالْخُشُوعُ الْمَخَافَةُ الثَّابِتَةُ فِي الْقَلْبِ.
وَبَعْضُكُمْ يَقُولُ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] يَعْنِي الْمُطْمَئِنِّينَ بِالإِيمَانِ.
قَالَ: {فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 54] فَتَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ قُلُوبُهُمْ.
وَقَالَ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد: 28] قَوْلُهُ: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 35] يَعْنِي خَافَتْ قُلُوبُهُمْ.
{وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ} [الحج: 35] الْمَفْرُوضَةِ، الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يُحَافِظُونَ عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج: 35] يَعْنِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ.
قَوْلُهُ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] يَعْنِي أَجْرٌ فِي نَحْرِهَا وَالصَّدَقَةِ مِنْهَا تَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللَّهِ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {لَكُمْ فِيهَا} [الحج: 36] يَعْنِي فِي الْبُدْنِ أَجْرٌ.
نا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] قَالَ: الْبَدَنَةُ.
إِنِ احْتَاجَ رَكِبَ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى اللَّبَنِ شَرِبَ.(1/375)
قَوْلُهُ: فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافٍ نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مُخْلِصِينَ لِلَّهِ.
قَالَ يَحْيَى: مَقْرَأُهَا عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ غَيْرُ مُثَقَّلَةٍ صَوَافٍ.
نا الْمُعَلَّى، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مُعَقَّلَةً قِيَامًا.
- حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قَالَ: قَائِمَةً.
حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مُعَقَّلَةً خَالِصَةً لِلَّهِ.
- عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُهَا الْقَبَاطِيَّ إِذَا رَاحَ إِلَى مِنًى فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَهَا اسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَنْزِعُ عَنْهَا جِلالَهَا لِكَيْ لا يَخْتَضِبَ بِالدَّمِ، وَيَتَصَدَّقُ بِجِلالِهَا، وَيَلِي نَحْرَهَا بِنَفْسِهِ.
هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ هُوَ بَعْدَ حَدِيثِ عُثْمَانَ عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدٍ.
- نا عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَنْحَرُهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ يَصُفُّ بَيْنَ أَيْدِيهَا بِالْقُيُودِ.
وَكَانَ يَتْلُو هَذِهِ الآيَةَ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] قَالَ يَحْيَى: هِيَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ غَيْرُ خَفِيفَةٍ: {صَوَافَّ} [الحج: 36](1/376)
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مَصْفُوفَةٌ بِالْحِبَالِ، مَعْقُولَةٌ يَدُهَا الْيُمْنَى وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى ثَلاثٍ.
كَذَلِكَ يَنْحَرُهَا مَنْ نَحَرَهَا فِي دَارِ الْمَنْحَرِ بِمِنًى.
وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: صَوَافِنَ.
قَالَ يَحْيَى: هِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ} [ص: 31] الْفَرَسُ إِذَا صَفَنَ رُفِعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ فَقَامَ عَلَى طَرْفِ الْحَافِرِ.
- نا أَشْعَثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَنْحَرُ بَدَنَتَهُ وَقَدْ ثَنَّى يَدَهَا وَهِيَ عَلَى ثَلاثٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36]
نا أَشْعَثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى بِرْذَوْنٍ أَشْعَرَ أَوْجَرَهَا الْحَرْبَةَ وَهِيَ قَائِمَةٌ.
- نا حَمَّادٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَنْحَرُ الْبُدْنَ وَهِيَ بَارِكَةٌ وَرَجُلٌ يُعِينُهُ.
- نا عُثْمَانُ، عَنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَاهَا كَانَ يَنْحَرُ الْبُدْنَ وَهِيَ مُبَارَكَةٌ.
- نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ مِنْ بُدْنِهِ بِيَدِهِ ثَلاثًا وَسِتِّينَ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا الْحَرْبَةَ فَنَحَرَ مَا بَقِيَ.
- نا عُثْمَانُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُجَلِّلُهَا الْقَبَاطِيَّ إِذَا رَاحَ إِلَى مِنًى،(1/377)
فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَهَا اسْتَقْبَلَ بِهَا الْقِبْلَةَ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَنْزِعُ عَنْهَا جِلالَهَا لِكَيْ لا تَخْتَضِبَ بِالدَّمِ.
وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَلِيَ إِشْعَارَهَا.
وَكَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ نَحْرِهَا تَصَدَّقَ بِجِلالِهَا، وَيَلِي نَحْرَهَا بِنَفْسِهِ.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36]
نا الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِذَا نُحِرَتْ فَسَقَطَتْ جُنُوبَهَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ بُرُوكٍ.
{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج: 36]
حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْحَرَهَا يَصُفُّ بَيْنَ يَدَيْهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ، وَيُمْسِكُ رَجُلٌ بِخِطَامِهَا وَرَجُلٌ بِذَنَبِهَا، ثُمَّ يَطْعَنُهَا بِالْحَرْبَةِ ثُمَّ يَجْبِذَانِهَا حَتَّى يَصْرَعَاهَا.
وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُعَرْقَبَ.
قَوْلُهُ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36]
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْقَانِعُ الْفَقِيرُ الْمُتَعَفِّفُ الْقَاعِدُ فِي بَيْتِهِ لا يَسْأَلُ، وَالْمُعْتَرَّ الَّذِي يَعْتَرِيكَ يَسْأَلُكَ فِي كَفِّهِ.
وَلِكُلٍّ عَلَيْكَ حَقٌّ.
نا حَمَّادٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: الْقَانِعُ السَّائِلُ، وَالْمُعْتَرُّ الَّذِي يَتَعَرَّضُ لَكَ وَلا يَسْأَلُكَ.(1/378)
نا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقَانِعُ السَّائِلُ الَّذِي يَقْنَعُ بِمَا أُعْطِيَ، وَالْمُعْتَرُّ الْقَاعِدُ فِي بَيْتِهِ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ اعْتَرَاهُ.
وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي إِطْعَامِهِمَا فِي الآيَةِ الأُولَى فِي الْبَائِسِ الْفَقِيرِ.
قَوْلُهُ: {كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36] الأَنْعَامَ.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36] لِكَيْ تَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا} [الحج: 37] يَقُولُ: لا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا.
وَقَدْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَذْبَحُونَ لآلِهَتِهِمْ ثُمَّ يَنْضَحُونَ دِمَاءَهَا حَوْلَ الْبَيْتِ.
قَوْلُهُ: {وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37] يَصْعَدُ إِلَيْهِ التَّقْوَى مِنْكُمْ.
يَعْنِي مَنْ آمَنَ.
{كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ} [الحج: 37] الأَنْعَامَ.
{لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [الحج: 37] .
وقَالَ فِي الآيَةِ الأُولَى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: 34] إِذَا ذَبَحُوا.
فَالسُّنَّةُ إِذَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ.
- حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، يَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ، وَيَطَأُ عَلَى صَفْحَتَيْهِمَا، وَيُسَمِّي وَيُكَبِّرُ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ إِذَا ذَبَحَ الأُضْحِيَةَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُهْدِيَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَبْشَانِ أَمْلَحَانِ، أَقْرَنَانِ فَضَحَّى بِهِمَا، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، فَوَضَعَ رِجلَهُ(1/379)
الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِ الْكَبْشِ الْيُمْنَى ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ عَنِّي وَعَنْ أُمَّتِي» .
قَوْلُهُ: {وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج: 37] بِالْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج: 38] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ يُدَافِعُ عَنْهُمْ فَيَعْصِمُهُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ فِي دِينِهِمْ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا ضَيَّعَ اللَّهُ رَجُلًا بِشَيْءٍ حَفِظَ لَهُ دِينَهُ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38]
أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا {72} لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الأحزاب: 72-73] قَالَ: هُمَا اللَّذَانِ ظَلَمَاهَا، هُمَا اللَّذَانِ خَانَاهَا: الْمُنَافِقُ وَالْمُشْرِكُ.
قَوْلُهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] وَهِيَ قِرَاءَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، ظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ، يَعْنِي مِنْ مَكَّةَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
خَرَجُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرِينَ وَكَانُوا يُمْنَعُونَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَدْرَكَهُمُ الْمُشْرِكُونَ فَأُذِنَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِهِمْ فَقَاتَلُوهُمْ.
قَالَ يَحْيَى: وَكَانَ مَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقِتَالَ فَهُوَ قَوْلُهُ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39] .
وَهَذَا تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
قَالَ قَتَادَةُ: أُذِنَ لَهُمْ بِالْقِتَالِ بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَشُرِّدُوا حَتَّى لَحِقَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ بِالْحَبَشَةِ.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: 40] قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا قَالَ الْمُسْلِمُونَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، أَنْكَرَهَا الْمُشْرِكُونَ وَضَاقَهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا سَفَكُوا لَهُمْ مِنْ دَمٍ، وَلا أَخَذُوا لَهُمْ مِنْ مَالٍ، وَلا قَطَعُوا لَهُمْ مِنْ رَحِمٍ وَإِنَّمَا أَخْرَجُوهُمْ لأَنَّهُمْ قَالُوا: رَبُّنَا اللَّهُ كَقَوْلِهِ: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ(1/380)
يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج: 8] قَوْلُهُ: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الحج: 40] يَدْفَعُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِدِينِهِمْ وَيَدْفَعُ عَنِ الْكَافِرِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يُبْتَلَى الْمُؤْمِنُ بِالْكَافِرِ، وَيُعَافَى الْكَافِرُ بِالْمُؤْمِنِ.
قَالَ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40] قَالَ مُجَاهِدٌ: صَوَامِعُ لِلرُّهْبَانِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الصَّوَامِعُ لِلصَّابِئِينَ.
{وَبِيَعٌ} [الحج: 40] لِلنَّصَارَى، يَعْنِي كَنَائِسَ النَّصَارَى.
{وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] الصَّلَوَاتُ لِلْيَهُودِ يَعْنِي كَنَائِسَهُمْ.
{وَمَسَاجِدُ} [الحج: 40] فِيهَا مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ: {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} [الحج: 40] يَعْنِي الْمَسَاجِدَ.
قَوْلُهُ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40] يَعْنِي مَنْ يَنْصُرُ دِينَهُ.
النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْحُجَّةُ فِي الآخِرَةِ.
{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] فِي نِقْمَتِهِ.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ} [الحج: 41] يَعْنِي أَصْحَابَ النَّبِيِّ.
{أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ} [الحج: 41] بِعِبَادَةِ اللَّهِ.
{وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41] عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج: 41] إِلَيْهِ تَصِيرُ الأُمُورُ كَقَوْلِهِ: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40] قَوْلُهُ: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ {42} وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ {43} وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ} [الحج: 42-44] يَعْنِي الَّذِينَ بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ شُعَيْبًا.
قَالَ: {وَكُذِّبَ مُوسَى} [الحج: 44] كَذَّبَهُ فِرْعَوْنُ.(1/381)
{فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} [الحج: 44] يَعْنِي جَمِيعَ هَؤُلاءِ ثُمَّ لَمْ أُهْلِكْهُمْ عِنْدَ تَكْذِيبِهِمْ رَسُلَهُمْ حَتَّى جَاءَ الْوَقْتُ الَّذِي أَرَدْتُ أَنْ أُهْلِكَهُمْ فِيهِ.
{ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ} [الحج: 44] بِالْعَذَابِ حِينَ جَاءَ الْوَقْتُ.
{فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [الحج: 44] يَعْنِي عِقَابِي، أَيْ كَانَ شَدِيدًا.
يُحَذِّرُ بِذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ} [الحج: 45] يَعْنِي كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ.
{أَهْلَكْنَاهَا} [الحج: 45] يَعْنِي أَهْلَكَهَا.
{فَهِيَ خَاوِيَةٌ} [الحج: 45] فَالْقَرْيَةُ خَاوِيَةٌ.
قَالَ قَتَادَةُ: لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ، قَدْ هَلَكَ أَهْلُهَا.
{عَلَى عُرُوشِهَا} [الحج: 45] يَعْنِي عَلَى بُنْيَانِهَا.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْعُرُوشُ السُّقُوفُ، فَصَارَ أَعْلاهَا أَسْفَلَهَا.
{وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ} [الحج: 45] قَدْ بَادَ أَهْلُهَا فَعُطِّلَتْ.
{وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45] مَبْنًى مُعَطَّلٌ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمُشَيَّدُ الْحَصِينُ.
قَوْلُهُ: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} [الحج: 46] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] أَيْ لَوْ سَارُوا فَتَفَكَّرُوا مَا نَزَلَ بِإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ فَيَتُوبُونَ لَوْ كَانَتْ {لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: 46] قَالَ: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] إِنَّمَا أُتُوا مِنْ قِبَلِ قُلُوبِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَ أَعْمَى بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا لَمْ يَضُرَّهُ شَيْئًا وَكَانَ قَلْبُهُ بَصِيرًا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا هَذِهِ الأَبْصَارُ الَّتِي الرُّءُوسُ جَعَلَهَا اللَّهُ مَنْفَعَةً وَبُلْغَةً، وَأَمَّا الْبَصَرُ النَّافِعُ فَهُوَ فِي الْقَلْبِ.
قَالَ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ.
حَمَّادٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لِكُلِّ عَيْنٍ، يَعْنِي لِكُلِّ نَفْسٍ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ:(1/382)
عَيْنَانِ فِي رَأْسِهِ لِدُنْيَاهُ وَعَيْنَانِ فِي قَلْبِهِ لآخِرَتِهِ، فَإِنْ عَمِيَتْ عَيْنَا رَأْسِهِ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَا قَلْبِهِ لَمْ يَضُرَّهُ عَمَاهُ شَيْئًا، وَإِنْ أَبْصَرَتْ عَيْنَا رَأْسِهِ وَعَمِيَتْ عَيْنَا قَلْبِهِ لَمْ يَنْفَعْهُ شَيْئًا.
قَالَ اللَّهُ: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] قَوْلُهُ: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ} [الحج: 47] وَذَلِكَ مِنْهُمُ اسْتِهْزَاءٌ وَتَكْذِيبٌ بِأَنَّهُ لا يَكُونُ.
{وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ} [الحج: 47] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَعْنِي: هَلاكُهُمْ بِالسَّاعَةِ قَبْلَ عَذَابِ الآخِرَةِ.
{وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج: 47] يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ الآخِرَةِ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا} [الحج: 48] إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي أَخَذْتُهَا فِيهِ.
{وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [الحج: 48] مُشْرِكَةٌ يَعْنِي أَهْلَهَا.
{ثُمَّ أَخَذْتُهَا} [الحج: 48] يَعْنِي بِالْعَذَابِ.
{وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الحج: 48] فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ: {قُلْ يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ {49} فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [الحج: 49-50] لِذُنُوبِهِمْ.
{وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الحج: 50] الْجَنَّةُ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} [الحج: 51] يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يُعْجِزُونَا فَيَسْبِقُونَنَا فِي الأَرْضِ حَتَّى لا نَقْدِرُ عَلَيْهِمْ فَنُعَذِّبُهُمْ.
هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَفِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ: {مُعَاجِزِينَ} [الحج: 51] مُبْطِئِينَ أَيْ عَنِ الإِيمَانِ.
{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [الحج: 51] وَالْجَحِيمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] نَفْسِهِ، يَعْنِي: إِذَا قَرَأَ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا قَالَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ.(1/383)
- حَمَّادٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يُصَلِّي وَهُوَ يَقْرَأُ سُورَةَ النَّجْمِ، فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَاتِ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى {19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى {20} } [النجم: 19-20] فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْغَرَانِيقِ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ تُرْتَجَى.
فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ.
فَقَرَأَ السُّورَةَ حَتَّى خَتَمَهَا.
فَسَجَدَ وَسَجَدَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُشْرِكُونَ إِلا أَبَا أُحَيْحَةَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَسَجَدَ عَلَيْهِ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِالْجَيْشِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، فَشَقَّ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ مَا جَاءَ عَلَى لِسَانِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ {52} لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الحج: 52-53] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ الْمَقَامِ إِذْ نَعَسَ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ كَلِمَةً فَتَكَلَّمَ بِهَا، فَتَعَلَّقَهَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ قَرَأَ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى {19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى {20} } [النجم: 19-20] فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: فَإِنَّ شَفَاعَتَهَا هِيَ الْمُرْتَجَى وَإِنَّهَا لَمَعَ الْغَرَانِيقِ الْعُلَى.
فَحَفِظَهَا الْمُشْرِكُونَ وَأَخْبَرَهُمُ الشَّيْطَانُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ قَرَأَهَا.
قَالَتْ أَلْسِنَتُهُمْ لَهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} [الحج: 52] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ يُصَلِّي عِنْدَ الْبَيْتِ وَالْمُشْرِكُونَ جُلُوسٌ فَقَرَأَ: {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى {19} وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى {20} } [النجم: 19-20] أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ: فَإِنَّهَا مَعَ الْغَرَانِيقِ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهَا هِيَ الْمُرْتَجَى.
فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالُوا: قَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا.
فَقَالَ النَّبِيُّ: وَاللَّهِ مَا كَذَلِكَ نَزَلَتْ عَلَيَّ.
فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هَكَذَا عَلَّمْتُكَ وَمَا جِئْتُ بِهَا هَكَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ} [الحج: 52] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.(1/384)
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ} [الحج: 53] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [الحج: 53] يَعْنِي لَفِي فِرَاقٍ بَعِيدٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
يَعْنِي بِذَلِكَ فِرَاقَهُمُ الْحَقَّ.
قَوْلُهُ: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [الحج: 54] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ.
{أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ} [الحج: 54] يَعْنِي الْقُرْآنَ فَيُصَدِّقُوا بِهِ.
{فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ} [الحج: 54] فَتَطْمَئِنُّ بِهِ قُلُوبُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: فَتَخْشَعُ لَهُ قُلُوبُهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 54] إِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ إِلَى الْجَنَّةِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَكُونُ ضَالًّا، وَيَكُونُ فَاسِقًا وَيَكُونُ خَاسِرًا.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] .
وقَالَ: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] وقَالَ: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 54] قَوْلُهُ: {وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ} [الحج: 55] فِي شَكٍّ مِنْهُ، مِنَ الْقُرْآنِ.
{حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [الحج: 55] يَعْنِي فَجْأَةً.
{أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: 55] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَعْنِي الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهُمُ السَّاعَةُ، الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ.
وَقَوْلُهُ {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: 55] يَوْمَ بَدْرٍ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ.
قَوْلُهُ: {يَوْمٍ عَقِيمٍ} [الحج: 55] لا غَدًا لَهُ، أَيْ يُهْلَكُونَ فِيهِ، يَوْمٌ يُهْلَكُونَ فِيهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: الْعَقِيمُ، الشَّدِيدُ.
قَوْلُهُ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الحج: 56] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} [الحج: 56] بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ.
قَالَ: {فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {56} وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ {57} } [الحج: 56-57] مِنَ الْهَوَانِ.(1/385)
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا} [الحج: 58] فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
{أَوْ مَاتُوا} [الحج: 58] عَلَى فُرُشِهِمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
{لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا} [الحج: 58] الْجَنَّةَ.
{وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {58} لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلا يَرْضَوْنَهُ} [الحج: 58-59] فِي الْجَنَّةِ.
{وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ} [الحج: 59] قَوْلُهُ: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ} [الحج: 60] يَعْنِي بِذَلِكَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَنَّهُمْ عُوقِبُوا، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ بِجُحُودِهِمُ النَّبِيَّ وَظُلْمِهِمْ إِيَّاهُ وَأَصْحَابَهُ، وَبَغْيِهِمْ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: {لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: 60] النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا: الظُّهُورُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي الآخِرَةِ كَقَوْلِهِ: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} [غافر: 51] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحج: 61] هُوَ آخِذٌ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ.
{وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {61} ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} [الحج: 61-62] وَالْحَقُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62] قَالَ الْحَسَنُ: الأَوْثَانُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِبْلِيسُ.
قَوْلُهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62] لا شَيْءَ أَكْبَرُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج: 63] يَعْنِي نَبَاتَهَا، لَيْسَ يَعْنِي مِنْ لَيْلَتِهَا وَلَكِنْ إِذَا أَنْبَتَتْ.(1/386)
{إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ} [الحج: 63] بِخَلْقِهِ فِيمَا رَزَقَهُمْ.
{خَبِيرٌ} [الحج: 63] بِأَعْمَالِهِمْ.
قَوْلُهُ: {لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج: 64] {الْغَنِيُّ} [الحج: 64] عَنْ خَلْقِهِ {الْحَمِيدُ} [الحج: 64] الْمُسْتَحْمَدُ إِلَى خَلْقِهِ، اسْتَوْجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْمَدُوهُ.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ} [الحج: 65] خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ كَقَوْلِهِ: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] {وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ} [الحج: 65] يَعْنِي لِئَلا تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ.
{إِلا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحج: 65] قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ} [الحج: 66] مِنَ النُّطَفِ.
{ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [الحج: 66] يَعْنِي الْبَعْثَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28] قَوْلُهُ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ} [الحج: 66] يَعْنِي الْكَافِرَ.
قَوْلُهُ: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} [الحج: 67] حَجًّا وَذَبْحًا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ: {هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج: 67] قَالَ مُجَاهِدٌ: هِرَاقَةُ الدِّمَاءِ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي النُّسُكَ.
قَوْلُهُ: {فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ} [الحج: 67] أَيْ لا يُحَوِّلُنَّكَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ هَذَا(1/387)
الدِّينِ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ.
يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ.
{وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} [الحج: 67] أَيْ إِلَى الإِخْلاصِ لَهُ.
- عُثْمَانُ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوَها عَصَمُوا بِهَا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» .
قَوْلُهُ: {إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} [الحج: 67] يَعْنِي عَلَى دِينٍ مُسْتَقِيمٍ، الإِسْلامُ تَسْتَقِيمُ بِهِ حَتَّى يُهْجَمَ بِكَ عَلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ {68} اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ {69} } [الحج: 68-69] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ يَعْنِي مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُؤْمِنُونَ وَالْكَافِرُونَ فَيَكُونُ حُكْمُهُ فِيهِمْ أَنْ يُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ وَيُدْخِلَ الْكَافِرِينَ النَّارَ.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحج: 70] أَيْ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ.
{إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70]
- نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ فَقَالَ: اكْتُبْ.
قَالَ: رَبِّ مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ.
قَالَ: فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [الحج: 71] حُجَّةً بِعِبَادَتِهِمْ.
{وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ} [الحج: 71] أَنَّ الأَوْثَانَ خَلَقَتْ مَعَ اللَّهِ شَيْئًا وَلا رَزَقَتْ مَعَهُ شَيْئًا.
{وَمَا لِلظَّالِمِينَ} [الحج: 71] لِلْمُشْرِكِينَ.
{مِنْ نَصِيرٍ} [الحج: 71](1/388)
قَوْلُهُ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} [الحج: 72] الْقُرْآنُ.
{تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [الحج: 72] يَكَادُونَ يَقَعُونَ بِهِمْ بِأَنْبِيَائِهِمْ فَيَقْتُلُونَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} [غافر: 5] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي كُفَّارَ قُرَيْشٍ.
قَوْلُهُ: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ} [الحج: 72] يَعْنِي بِشَرٍّ مِنْ قَتْلِ أَنْبِيَائِهِمْ.
{النَّارُ} [الحج: 72] فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ هِيَ شَرٌّ مِمَّا صَنَعُوا بِأَنْبِيَائِهِمْ، مِنْ قَتْلِهِمْ أَنْبِيَاءَهُمْ أَنَّهُمْ يَخْلُدُونَ فِي النَّارِ أَبَدًا.
قَالَ: {وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحج: 72] قَالَ: {يَأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} [الحج: 73] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الحج: 73] يَعْنِي الأَوْثَانَ.
{لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: 73] يَعْنِي أَنَّ الذُّبَابَ يَقَعُ عَلَى تِلْكَ الأَوْثَانِ فَتَنْقُرُ أَعْيُنَهَا وَوُجُوهَهَا، فَيَسْلُبُهَا مَا أَخَذَ مِنْ وُجُوهِهَا وَأَعْيُنِهَا.
وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُطْلُونَهَا بِخَلُوقٍ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73] وَالطَّالِبُ هُوَ الْوَثَنُ وَالْمَطْلُوبُ الذُّبَابُ.
قَوْلُهُ: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج: 74] مَا عَظَّمُوا اللَّهَ حَقَّ عَظَمَتِهِ أَنْ عَبَدُوا الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ الَّتِي إِنْ سَلَبَهَا الذُّبَابُ الضَّعِيفُ لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ.
{إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74] فَبِقُوَّتِهِ وَعِزَّتِهِ ذَلَّ مَنْ دُونَهُ.
قَوْلُهُ: {اللَّهُ يَصْطَفِي} [الحج: 75] يَخْتَارُ.(1/389)
{مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ {75} يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الحج: 75-76] مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ.
{وَمَا خَلْفَهُمْ} [الحج: 76] مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِذَا كَانُوا فِي الآخِرَةِ.
{وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [الحج: 76] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] يَعْنِي الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ.
{وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77] فِي وِجْهَتِكُمْ.
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] لِكَيْ تُفْلِحُوا.
قَوْلُهُ: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج: 78] وَهِيَ مَثَلُ قَوْلِهِ: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] .
وَهُمَا مَنْسُوخَتَانِ نَسَخَتْهُمَا الآيَةُ الَّتِي فِي التَّغَابُنِ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] قَوْلُهُ: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ} [الحج: 78] اصْطَفَاكُمْ، وَيُقَالُ: اخْتَارَكُمْ لِدِينِهِ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] مِنْ ضِيقٍ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَقَدْ أَعْطَانِي رَبِّي بِأَنِّي أَوَّلُ الأَنْبِيَاءِ دُخُولا الْجَنَّةَ، وَطَيَّبَ لِي وَلأُمَّتِي الْغَنِيمَةَ، وَأَحَلَّ لَنَا كَثِيرًا مِمَّا شَدَّدَ بِهِ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» .
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] يَعْنِي مِنْ ضِيقٍ.
جَعَلَ اللَّهُ الْكَفَّارَاتُ مَخْرَجًا مِنْ ذَلِكَ.
- هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ» .
قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ قَدْ جَاءَكُمْ بِذَاكَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185](1/390)
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ فِي الإِسْلامِ إِلا كَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَى اللَّهِ أَيْسَرُهُمَا» .
- بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَانِ قَطُّ إِلا أَخَذَ بِأَيْسَرِهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا.
وَكَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الإِثْمِ.
قَوْلُهُ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: 78] اللَّهُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ.
{مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78] هَذَا أَيْ مِنْ قَبْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فِي الْكُتُبِ كُلِّهَا الأُولَى، وَفِي الذِّكْرِ.
{وَفِي هَذَا} [الحج: 78] الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: {لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} [الحج: 78] بِأَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ.
{لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ} [الحج: 78] عَلَى الأُمَمِ بِأَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْ قَوْمَهَا.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْطَى هَذِهِ الأُمَّةَ ثَلاثًا لَمْ يُعْطِهِنَّ قَبْلَهُمْ إِلا نَبِيًّا مُرْسَلًا: كَانَ يَبْعَثُ النَّبِيَّ فَيَقُولُ: أَنْتَ شَاهِدِي عَلَى أُمَّتِكَ، وَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَكُمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ.
وَيَبْعَثُ النَّبِيَّ فَيَقُولُ: ادْعُنِي اسْتَجِبْ لَكَ وَقَالَ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] .
وَيَبْعَثُ النَّبِيَّ فَيَقُولُ: لَيْسَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وَقَالَ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] قَوْلُهُ: {فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [الحج: 78] هُمَا فَرِيضَتَانِ وَاجِبَتَانِ.
أَمَّا الصَّلاةُ فَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ يُقِيمُونَهَا عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا.
وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَقَدْ فَسَّرْنَاهَا فِي أَحَادِيثِ الزَّكَاةِ عَلَى مَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا.
قَوْلُهُ: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ} [الحج: 78] بِدِينِ اللَّهِ، فَهُوَ اعْتِصَامُكُمْ بِاللَّهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: بِتَوْحِيدِ اللَّهِ.
وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {هُوَ مَوْلاكُمْ} [الحج: 78] وَلِيُّكُمْ.
{فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: 78] وَعَدَهُمُ النَّصْرَ عَلَى أَعْدَائِهِ الْمُشْرِكِينَ.(1/391)
سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] قَدْ سَعِدَ الْمُؤْمِنُونَ، وَالسُّعَدَاءُ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا قَالَ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ بِيَدِهِ إِلا ثَلاثَةً، خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فَقَالَتْ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْجَنَّةَ بِيَدِهِ، فَجَعَلَ لَبِنَةَ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةَ فِضَّةٍ، وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ، ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ ثُمَّ نَظَرَ فِيهَا فَقَالَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]
، ثُمَّ أَغْلَقَ بَابَهَا فَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا فِيهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
قَالَ: فَالَّذِي يُوجَدُ مِنْ بَرْدِ السَّحَرِ وَطِيبِهِ فَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] عُثْمَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْخُشُوعُ: الْخَوْفُ الثَّابِتُ فِي الْقَلْبِ.
عُثْمَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْخُشُوعُ: غَضُّ الْبَصَرِ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي صَلاتِهِ أَنْ يَعْبَثَ بِشَيْءٍ مِنْ هَكَذَا يَدَيْهِ، أَوْ يَلْتَفِتُ، أَوْ يَهْتَمُّ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا.(1/392)
- الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلاةِ خَفَضَ فِيهَا بَصَرَهُ، وَيَدَيْهِ وَصَوْتَهُ.
خِدَاشٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانُوا يَلْتَفِتُونَ فِي صَلاتِهِمْ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ، فَغَضُّوا أَبْصَارَهُمْ.
فَكَأَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] أَيْ خَائِفُونَ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3] وَاللَّغْوُ: الْبَاطِلُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَيُقَالُ: الْكَذِبُ.
وَهُوَ وَاحِدٌ، وَهُوَ الشِّرْكُ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] يُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5] مِنَ الزِّنَا.
{إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: 6] إِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ تَزَوَّجَ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ثَلاثًا، وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا، لا يَحِلُّ لَهُ مَا فَوْقَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6] يَطَأُ بِمِلْكِ يَمِينِهِ كَمْ شَاءَ.
قَالَ: {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 6] فِي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، لا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ، أَيْ لا إِثْمَ عَلَيْهِمْ.
قَوْلُهُ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المؤمنون: 7] وَرَاءَ أَزْوَاجِهِ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ.
{فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] الزُّنَاةُ تَعَدُّوا الْحَلالَ إِلَى الْحَرَامِ.
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: مَنْ تَعَدَّى الْحَلالَ أَصَابَ الْحَرَامَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 7] أَيْ: فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ، أَيِ: الظَّالِمُونَ أَنْفَسَهُمْ بِرُكُوبِ الْمَعْصِيَةِ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: 8] يُؤَدُّونَ الأَمَانَةَ وَيُوفُونَ بِالْعَهْدِ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9] يُحَافِظُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا.
- سَعِيدٌ وَهَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ، وَعَلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ عَلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، أَوْ قَالَ: وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ".(1/393)
وَقَالَ سَعِيدٌ: حُرِّمَ عَلَى النَّارِ.
قَالَ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10] لَيْسَ مِنْ وَاحِدٍ إِلا قَدْ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مَنْزِلًا وَأَهْلًا فِي الْجَنَّةِ، فَإِنْ أَطَاعَ اللَّهَ صَارَ إِلَى مَا أَعَدَّ لَهُ، وَإِنْ عَصَى اللَّهَ صَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ الْمَنْزِلَ عَنْهُ فَأَعْطَاهُ الْمُؤْمِنَ، مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَوَرَّثَ الْمُؤْمِنِينَ تِلْكَ الْمَنَازِلَ وَالأَزْوَاجَ.
فَهُوَ قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10] قَالَ: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 11] وَالْفِرْدَوْسُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّهَا بِالرُّومِيَّةِ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هِيَ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ، وَأَوْسَطُهَا، وَأَفْضَلُهَا.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: الْفِرْدَوْسُ: جَبَلٌ فِي الْجَنَّةِ تُفَجَّرُ مِنْهُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] قَالَ: وَالسُّلالَةُ النُّطْفَةُ تَنْسَلُّ مِنَ الرَّجُلِ، وَكَانَ بَدْءُ ذَلِكَ مِنْ طِينٍ.
خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ بَعْدُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، ضَعِيفٍ يَعْنِي النُّطْفَةَ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون: 13] الرَّحِمِ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} [المؤمنون: 14] يَكُونُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.
قَالَ: فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عَظْمًا يَعْنِي جَمَاعَةَ الْعِظَامِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهَا: عَظْمًا.
وَهِيَ تُقْرَأُ: عِظَامًا يَعْنِي جَمَاعَةَ الْعِظَامِ عَظْمًا عَظْمًا.
{فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ} [المؤمنون: 14] وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا الْعَظْمَ.
{لَحْمًا} [المؤمنون: 14] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَالَ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] أَبُو سَهْلٍ، عَنْ أَبِي هِلالٍ الرَّاسِبِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَنْبَتَ عَلَيْهِ الشَّعْرَ.(1/394)
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ أَنْبَتَ بِهِ الشَّعْرَ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَقَالَ الْحَسَنُ: الرُّوحُ.
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ: ذَكَرًا وَأُنْثَى.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الرُّوحُ وَهُوَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: حِينَ اسْتَوَى بِهِ الشَّبَابُ.
قَالَ: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ} [المؤمنون: 14] وَهُوَ مِنْ بَابِ الْبَرَكَةِ كَقَوْلِهِ: {فَتَعَالَى اللَّهُ} [المؤمنون: 116] قَوْلُهُ: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] إِنَّ الْعِبَادَ قَدْ يَخْلُقُونَ، يُشَبِّهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْفُخُوا فِيهِ الرُّوحَ.
- الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الْمُصَوِّرُونَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ".
- أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى الثَّقَفِيُّ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ: مَنْ أَظْلَمَ مِمَّنْ يَخْلُقُ كَخَلْقِي، فَلَيْخُلُقُوا ذِبَّانًا أَوْ ذَرَّةً، أَوْ بَعُوضَةً ".
- حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ» .
- حَمَّادٌ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: " وَافَقَنِي رَبِّي، أَوْ وَافَقْتُ رَبِّي فِي أَرْبَعٍ، قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون: 12] إِلَى آخِرِ الآيَةِ قُلْتُ: تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: يَا عُمَرُ لَقَدْ خَتَمَهَا اللَّهُ بِمَا قُلْتَ.
وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ حُجِبَتِ النِّسَاءُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ الصَّالِحُ وَغَيْرُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ.
وَكَانَ بَيْنَ(1/395)
نَبِيِّ اللَّهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ شَيْءٌ فَقُلْتُ: لَتَنْتَهُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّهُ اللَّهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5]
قَوْلُهُ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ} [المؤمنون: 15] بَعْدَمَا يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ.
{لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون: 15] إِذَا جَاءَ أَجَلُهُ.
{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 16] قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ} [المؤمنون: 17] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ سَبْعَ سَمَوَاتٍ، طَبَقَةً طَبَقَةً بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ كَقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا} [نوح: 15] طَبَقَةً، بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
قَوْلُهُ: {وَمَا كُنَّا عَن الْخَلْقِ غَافِلِينَ} [المؤمنون: 17] أَنْ نُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ مَا يُحْيِيهِمْ وَمَا يُصْلِحُهُمْ مِنْ هَذَا الْمَطَرِ.
- قَوْلُهُ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ} [المؤمنون: 18] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، ْ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا عَامٌ بِأَكْثَرَ مِنْ عَامٍ مَطَرًا.
أَوْ قَالَ: مَا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ شَاءَ.
وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} [الفرقان: 50]
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إِنَّ هَذَا الرِّزْقَ يَتَنَزَّلُ مِنَ السَّمَاءِ كَقَطْرِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَتَبَ اللَّهُ لَهَا.
- عَمَّارٌ، عَنِ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: كُلُّ النَّخْلِ يَنْبُتُ فِي مُسْتَنْقَعِ الْمَاءِ الأَوَّلِ إِلا الْعَجْوَةَ فَإِنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون: 18] قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الأَنْهَارَ، وَالْعُيُونَ، وَالرَّكِيَّ، يَعْنِي الآبَارَ.
{وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ} [المؤمنون: 18] عَلَى أَنْ نَذْهَبَ بِذَلِكَ الْمَاءِ.
{لَقَادِرُونَ} [المؤمنون: 18] قَوْلُهُ: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ} [المؤمنون: 19] خَلَقْنَا لَكُمْ بِهِ، أَيْ أَنْبَتْنَا لَكُمْ بِهِ، بِذَلِكَ الْمَاءِ.(1/396)
{جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا} [المؤمنون: 19] فِي تِلْكَ الْجَنَّاتِ.
{فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ} [المؤمنون: 19] يَعْنِي أَنْوَاعَ الْفَاكِهَةِ.
{وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون: 19] قَوْلُهُ: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} [المؤمنون: 20] وَهِيَ الزَّيْتُونَةُ.
وَالطُّورُ: الْجَبَلُ وَسَيْنَاءُ: الْحَسَنُ، كَقَوْلِهِ {وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 2] الْجَبَلُ الْحَسَنُ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
يَعْنِي جَبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ، سَيْنَاءُ: الْمُبَارَكُ، أَيِ الْجَبَلُ الْمُبَارَكُ، طُورُ سِينِينَ.
قَوْلُهُ: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} [المؤمنون: 20] وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: تُثْمِرُ بِهِ.
{وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20]
- عُثْمَانُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «الزَّيْتُ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ فَائْتَدِمُوا بِهِ وَادَّهِنُوا» .
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} [المؤمنون: 21] الآيَةَ.
{نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} [المؤمنون: 21] يَعْنِي اللَّبَنَ.
{وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} [المؤمنون: 21] فِي أَلْبَانِهَا، وَظُهُورِهَا، وَكُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْهَا.
قَالَ: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [المؤمنون: 19] يَعْنِي لُحُومَهَا.
قَوْلُهُ: {وَعَلَيْهَا} [المؤمنون: 22] أَيْ وَعَلَى الإِبِلِ.
{وَعَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 22] السُّفُنِ.
{تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] وَقَدْ يُقَالُ إِنَّهَا سُفُنُ الْبَرِّ.
وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ {41}(1/397)
وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ {42} } [يس: 41-42] .
وقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} [الزخرف: 12] قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ {23} فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [المؤمنون: 23-24] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 24] بِالرِّسَالَةِ وَمَا لَهُ عَلَيْكُمْ مِنْ فَضْلٍ.
{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأَنْزَلَ مَلائِكَةً} [المؤمنون: 24] وَلَوْ أَنْزَلَ مَلائِكَةً لآمَنَّا.
{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 24] أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى النُّبُوَّةَ.
{إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: 25] جُنُونٌ.
{فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 25] قَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى يَمُوتَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَتَّى يَسْتَبِينَ جُنُونُهُ.
{قَالَ} [المؤمنون: 26] نُوحٌ: {رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ} [المؤمنون: 26] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر: 10] قَالَ اللَّه: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون: 27] وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي سُورَةِ هُودٍ.
قَوْلُهُ: {فَاسْلُكْ فِيهَا} [المؤمنون: 27] أَيْ: فَاحْمِلْ فِيهَا.
{مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون: 27] مِنْ كُلِّ صِنْفَيْنِ اثْنَيْنِ.
يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّ بَعْضَ أُمَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلَ صَاحِبًا لِكَعْبٍ: هَلْ سَمِعْتَ كَعْبًا يَقُولُ فِي الطِّلاءِ شَيْئًا؟(1/398)
قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَمَّا هَبَطَ نُوحٌ مِنَ السَّفِينَةِ أُعْطِيَ مِثَالًا، فَجَعَلَ يَنْظُرُ فِيهِ وَجَعَلَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُخْرِجُوا، فَأَخْرَجُوا حَتَّى بَقِيَ حَبَلَتَانِ مِنْ عِنَبٍ.
فَجَاءَ الرَّسُولُ فَقَالَ: لا أَجِدُهُمَا.
فَأَمَرَهُ، فَرَجَعَ فَقَالَ: لا أَجِدُهُمَا، ثُمَّ أَمَرَهُ فَرَجَعَ فَقَالَ: لا أَجِدُهُمَا: فَقَامَ قَائِمًا وَاسْتَقْبَلَهُ مَلَكٌ أَوْ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ فَقَدْ ذَهَبَ بِهِمَا الشَّيْطَانُ، وَقَدْ ذَهَبَ مَنْ يَجِيءُ بِهِمَا.
فَجِيءَ بِالْحَبَلَتَيْنِ وَبِالشَّيْطَانِ فَقَالَ لِنُوحٍ: إِنَّهُ شَرِيكُكَ فَأَحْسِنْ شِرْكَهُ.
فَقَالَ: لِي الثُّلُثَانِ وَلَهُ الثُّلُثُ.
فَقِيلَ: إِنَّهُ شَرِيكُكَ فَأَحْسِنْ شِرْكَهُ.
قَالَ: لِي النِّصْفُ وَلَهُ النِّصْفُ.
فَقِيلَ: إِنَّهُ شَرِيكُكَ فَأَحْسِنْ شِرْكَهُ فَقَالَ: لِي الثُّلُثُ وَلَهُ الثُّلُثَانِ فَقِيلَ: أَحْسَنْتَ وَأَنْتَ مِحْسَانٌ، تَأْكُلُهُ عِنَبًا، وَتَأْكُلُهُ زَبِيبًا، وَتَشْرَبُهُ عَصِيرًا وَتَطْبُخُهُ حَتَّى يَذْهَبُ ثُلُثَاهُ ثُمَّ تَشْرَبُهُ.
قَوْلُهُ: {وَأَهْلَكَ} [المؤمنون: 27] أَيْ: وَاحْمِلْ فِيهَا أَهْلَكَ.
{إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ} [المؤمنون: 27] ابْنُهُ الَّذِي غَرِقَ.
وَالْقَوْلُ: الْغَضَبُ.
{وَلا تُخَاطِبْنِي} [المؤمنون: 27] أَيْ: وَلا تُرَاجِعْنِي.
{فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ {27} فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} [المؤمنون: 27-28] كَانَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَثَلاثٌ هَكَذَا بَنِينَ لَهُ: سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثُ، وَنِسَاؤُهُمْ.
فَجَمِيعُ مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانِيَةٌ.
{فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 28] الْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41] عُثْمَانُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكُمْ مَا تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ، وَمَا تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ.
إِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَرِّ قُلْتُمْ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ {13} وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ {14} } [الزخرف: 13-14] وَإِذَا رَكِبْتُمْ فِي الْبَحْرِ قُلْتُمْ: {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [هود: 41] وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: يُعَلِّمُكُمْ كَيْفَ تَقُولُونَ إِذَا رَكِبْتُمْ، فَإِذَا رَكِبْتُمْ قُلْتُمْ عِنْدَ الرُّكُوبِ: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] و {بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود: 41] ، وَعِنْدَ(1/399)
النُّزُولِ: {رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ} [المؤمنون: 29] ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {مُنْزَلا مُبَارَكًا} [المؤمنون: 29] لِنُوحٍ حِينَ نَزَلَ مِنَ السَّفِينَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ النَّاسَ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ} [المؤمنون: 30] مِنْ أَمْرِ قَوْمِ نُوحٍ وَغَرَقِهِمْ {لآيَاتٍ} [المؤمنون: 30] لِمَنْ بَعْدَهُمْ {وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ} [المؤمنون: 30] بِالدِّينِ، يَعْنِي مَا أَرْسَلَ بِهِ الرُّسُلَ مِنْ عِبَادَتِهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ} [المؤمنون: 31] مِنْ بَعْدِ نُوحٍ.
{قَرْنًا آخَرِينَ} [المؤمنون: 31] يَعْنِي عَادًا.
{فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ} [المؤمنون: 32] يَعْنِي هُودًا.
{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ {32} وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [المؤمنون: 32-33] وَسَّعْنَا الدُّنْيَا عَلَيْهِمْ، أَيْ فِي الرِّزْقِ.
{مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ {33} وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ} [المؤمنون: 33-34] فِيمَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ.
{إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ} [المؤمنون: 34] يَعْنِي لَعَجَزَةٌ.
{أَيَعِدُكُمْ} [المؤمنون: 35] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ} [المؤمنون: 35] مَبْعُوثُونَ.
أَيْ قَدْ وَعَدَكُمْ ذَلِكَ، تُكَذِّبُونَ بِالْبَعْثِ.
{هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ} [المؤمنون: 36] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تَبَاعُدُ الْبَعْثِ فِي أَنْفُسِ الْقَوْمِ، أَيْ لا يُبْعَثُونَ.
يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا} [المؤمنون: 37] أَيْ نَمُوتُ وَنُولَدُ.
{وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ {37} إِنْ هُوَ إِلا رَجُلٌ} [المؤمنون: 37-38] يَعْنُونَ هُودًا.
{افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} [المؤمنون: 38] يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ.(1/400)
{وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون: 38] أَيْ: بِمُصَدِّقِينَ.
{قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ {39} قَالَ} [المؤمنون: 39-40] اللَّهُ.
{عَمَّا قَلِيلٍ} [المؤمنون: 40] أَيْ: عَنْ قَلِيلٍ.
وَالْمِيمُ وَالأَلِفُ صِلَة فِي الْكَلامِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} [المؤمنون: 40] قَالَ اللَّهُ: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 41] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الصَّيْحَةُ: الْعَذَابُ.
{فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} [المؤمنون: 41] كَالشَّيْءِ الْبَالِي فِي تَفْسِيرِ الْمُعَلَّى عَنْ أَبِي يَحْيَى عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِثْلُ النَّبَاتِ إِذَا صَارَ غُثَاءً، فَتَهَشَّمَ بَعْدَ إِذْ كَانَ أَخْضَرَ.
قَالَ: {فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 41] الْمُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ} [المؤمنون: 42] مِنْ بَعْدِ الْهَالِكِينَ.
{قُرُونًا آخَرِينَ {42} مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا} [المؤمنون: 42-43] يَعْنِي الْوَقْتَ الَّذِي يُهْلِكَهَا فِيهِ.
{وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ} [المؤمنون: 43] عَنِ الْوَقْتِ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ مِنْ قَبْلِ الْوَقْتِ.
قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} [المؤمنون: 44] قَالَ قَتَادَةُ: مُتَتَابِعَةً أَيْ تِبَاعًا بَعْضُهُمْ عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ.
{كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا} [المؤمنون: 44] الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْهَا.
{كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا} [المؤمنون: 44] يَعْنِي الْعَذَابَ الَّذِي أَهْلَكَهُمْ بِهِ، أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ حِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ.
{وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ} [المؤمنون: 44] لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
{فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 44] قَالَ: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [المؤمنون: 45] أَيْ وَحُجَّةٌ بَيِّنَةٌ.
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [المؤمنون: 46] يَعْنِي قَوْمَهُ.
{فَاسْتَكْبَرُوا} [المؤمنون: 46] عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ.
{وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ} [المؤمنون: 46] مُشْرِكِينَ.(1/401)
وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الاسْتِكْبَارِ فِي الأَرْضِ عَلَى النَّاسِ.
قَوْلُهُ: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47] أَيْ: أَنُصَدِّقُ بَشَرَيْنِ مِثْلَنَا، فَلَوْ كَانَا مَلَكَيْنِ لآمَنَّا بِهِمَا.
يَعْنُونَ مُوسَى وَهَارُونَ.
{وَقَوْمُهُمَا} [المؤمنون: 47] يَعْنُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
{لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون: 47] وَكَانُوا قَدِ اسْتَعْبَدُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ.
وَلَيْسَ يَعْنِي أَنَّهْمُ يَعْبُدُونَنَا.
قَالَ اللَّهُ: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} [المؤمنون: 48] فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِالْغَرَقِ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [المؤمنون: 49] التَّوْرَاةَ.
{لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} [المؤمنون: 49] لِكَيْ يَهْتَدُوا.
قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 50] قَالَ قَتَادَةُ: خُلِقَ لا وَالِدَ لَهُ، آيَةً، وَوَالِدَتُهُ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْرِ رَجُلٍ، آيَةً.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {آيَةً} [المؤمنون: 50] عِبْرَةً.
قَوْلُهُ: {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الرَّبْوَةُ هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ.
قَالَ يَحْيَى: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: هِيَ أَدْنَى الأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ، ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: بُقْعَةٌ فِي مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ يَقِرُّ فِيهِ الْمَاءُ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: الرَّبْوَةُ الْمُسْتَوِيَةُ.
وَهُوَ نَحْوُ حَدِيثِ الْمُعَلَّى.
سَعِيدٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الرَّبْوَةُ دِمَشْقُ.
نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: هِيَ دِمَشْقُ.
وَقَالَ: {ذَاتِ قَرَارٍ} [المؤمنون: 50] يَعْنِي الْمَنَازِلَ، وَالْمَعِينُ: الْمَاءُ الَّذِي أَصْلُهُ مِنَ الْعُيُونِ، الظَّاهِرُ الْجَارِي.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمَعِينُ، الْجَارِي وَغَيْرُ الْجَارِي، إِذَا نَالَتْهُ الدِّلاءُ.(1/402)
شَرِيكٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: الْمَاءُ الْمَعِينُ: الظَّاهِرُ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون: 50] ذَاتَ ثَمَرٍ كَثِيرٍ وَمَاءٍ جَارٍ هَكَذَا.
قَوْلُهُ: {يَأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51] يَعْنِي الْحَلالَ مِنَ الرِّزْقِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] هَكَذَا أَمَرَ اللَّهُ الرُّسَلَ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ} [المؤمنون: 52] مِلَّتُكُمْ.
{أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون: 52] مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ يَعْنِي الإِسْلامَ، وَالشَّرِيعَةُ مُخْتَلِفَةٌ.
قَالَ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي مِلَّتُكُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، يَعْنِي الإِسْلامَ.
قَالَ: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52] أَنْ تَعْبُدُوا غَيْرِي.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52] يَعْنِي فَاعْبُدُونِ.
قَوْلُهُ: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 53] يَعْنِي دِينُهُمُ الإِسْلامُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ نَبِيَّهُمْ.
{زُبُرًا} [المؤمنون: 53] فَدَخَلُوا فِي غَيْرِهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {زُبُرًا} [المؤمنون: 53] قِطَعًا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قِطَعًا.
وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ.(1/403)
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا} [المؤمنون: 53] قَالَ: كُتُبًا.
قَالَ سَعِيدٌ: وَقَالَ الْحَسَنُ: تَقَطَّعُوا كِتَابَ اللَّهِ بَيْنَهُمْ فَحَرَّفُوهُ، وَبَدَّلُوهُ كِتَابًا كَتَبُوهُ عَلَى مَا حَرَّفُوا.
قَالَ يَحْيَى: وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: زُبَرًا مِثْلَ قِرَاءَةِ مُجَاهِدٍ، وَزُبُرًا مِثْلَ قِرَاءَةِ قَتَادَةَ.
فَمَنْ قَرَأَهَا: زُبَرا قَالَ: قِطَعًا، وَمَنْ قَرَأَهَا: زُبُرا قَالَ: كُتُبًا.
وَهِيَ كَقَوْلِهِ: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الروم: 32] : فِرَقًا وَهَذَا هُوَ مَقْرَأُ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ.
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ يَقْرَؤُهَا: فَارَقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا.
قَالَ: {كُلُّ حِزْبٍ} [المؤمنون: 53] كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ.
{بِمَا لَدَيْهِمْ} [المؤمنون: 53] بِمَا عِنْدَهُمْ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ.
{فَرِحُونَ} [المؤمنون: 53] يَقُولُ: رَاضُونَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَفَرَّقَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى سَبْعِينَ فِرْقَةً، فِرْقَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهَا فِي النَّارِ، وَلَتَفْتَرِقَنَّ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَائِرُهُمْ فِي النَّارِ» .
- وَحَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَتَتْبَعُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ(1/404)
قَبْلَكُمْ ذِرَاعًا بِذِرَاعٍ وَشِبْرًا بِشِبْرٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ.
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟ " حَدَّثَنِي خِدَاشٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: لَدَخَلْتُمُوهُ.
نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ} [المؤمنون: 54] فِي غَفْلَتِهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي ضَلالَتِهِمْ.
{حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] يَعْنِي إِلَى آجَالِهِمْ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَهِيَ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا الْقِتَالُ.
قَوْلُهُ: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ} [المؤمنون: 55] نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: أَيْ: نَزِيدُهُمْ، نُمْلِي لَهُمْ.
{مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ {55} نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 55-56] أَيْ: لِذَلِكَ نَمُدُّهُمْ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 56] أَنَّا لا نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ مُسَارَعَةً لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ، وَأَنَّهُمْ يَصِيرُونَ إِلَى النَّارِ، أَيْ: وَأَنَّ ذَلِكَ شَرٌّ لَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {نُمِدُّهُمْ} [المؤمنون: 55] نُعْطِيهِمْ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المؤمنون: 57] خَائِفُونَ.
{وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} [المؤمنون: 58] الْقُرْآنِ.(1/405)
{يُؤْمِنُونَ {58} وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ {59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} [المؤمنون: 58-60] مُمَدَّدَةٌ.
{وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] خَائِفَةٌ.
{أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانُوا يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَيَخَافُونَ أَلا يُنْجِيهِمْ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ:.....
عَلَى خَوْفٍ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى رَبِّهِمْ.
وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِنَ الْخَيْرِ وَهُمْ يَخَافُونَ أَلا يُقْبَلَ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [المؤمنون: 61] فِي الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، يَعْنِي: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ {57} وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ {58} وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ {59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {60} } [المؤمنون: 57-60] قَوْلُهُ: {وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] ، {وَهُمْ لَهَا} [المؤمنون: 61] لِلْخَيْرَاتِ، مُدْرِكُونَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] بِهَا سَابِقُونَ أَيْ بِالْخَيْرَاتِ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ ابْنُ أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْرَآنِ هَذَا الْحَرْفَ: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا أَتَوْا، خَفِيفَةً بِغَيْرِ مَدٍّ، أَيْ: يَعْمَلُونَ مَا عَمِلُوا مِمَّا نُهُوا عَنْهُ {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60] خَائِفَةٌ أَنْ يُؤْخَذُوا بِهِ.(1/406)
قَوْلُهُ: {وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [المؤمنون: 62] : إِلا طَاقَتَهَا.
قَوْلُهُ: {وَلَدَيْنَا} [المؤمنون: 62] أَيْ: وَعِنْدَنَا.
{كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [المؤمنون: 62]
- حَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ: اكْتُبْ.
قَالَ: رَبِّ مَا أَكْتُبُ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ.
قَالَ: فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَزِيدُ فِيهِ: تَلا ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الآيَةَ: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 29] ثُمَّ قَالَ: أَلَسْتُمْ قَوْمًا عَرَبًا؟ هَلْ تَكُونُ النُّسْخَةُ إِلا مِنْ كِتَابٍ؟ قَوْلُهُ: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون: 63] قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا، مِمَّا ذُكِرَ مِنْ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الآيَةِ الأُولَى.
{وَلَهُمْ} [المؤمنون: 63] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ} [المؤمنون: 63] دُونَ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ هِيَ شَرٌّ مِنْ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ.
{هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: 63] لِتِلْكَ الأَعْمَالِ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: {فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا} [المؤمنون: 63] يَعْنِي الْقُرْآنَ.
{وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ} [المؤمنون: 63] : خَطَايَا مِنْ دُونِ ذَلِكَ، مِنْ دُونِ الْحَقِّ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَعْمَالٌ لَمْ يَعْمَلُوهُمْ، سَيَعْمَلُونَهَا.
- نا بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ(1/407)
الْخَطَّابِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَوْ لِمَا نَأْتَنِفُ؟ قَالَ: «لا، بَلِ اعْمَلْ لِمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ» .
قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذًا؟ قَالَ: «اعْمَلُوا فَكُلٌّ لا يُنَالُ إِلا بِعَمَلٍ» .
قَالَ: هَذَا حِينَ نَجْتَهِدُ.
- نا دُرُسْتُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانٍ الرَّقَاشِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْعَمَلُ الْيَوْمَ، أَشَيْءٌ مُسْتَأْنَفٌ أَمْ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ؟ قَالَ: «قَدْ فُرِغَ مِنْهُ» .
قَالَ: فَفِيمَ الْعَمَلُ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: كُلُّ عَبْدٍ مُوتًّى لِمَا خُلِقَ لَهُ.
حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ قَالَ: لِمَ تَكِلُوا إِلَى الْقَدَرِ وَإِلَيْهِ تَصِيرُونَ.
قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا} [المؤمنون: 64] يَعْنِي: فَلَمَّا فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
{أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ} [المؤمنون: 64] يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ.
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَبْلَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ.
قَالَ: {إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ} [المؤمنون: 64] قَالَ قَتَادَةُ: يَجْزَعُونَ.
{لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ} [المؤمنون: 65] لا تَجْزَعُوا الْيَوْمَ.
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ قَتَلَ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ.
{إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ} [المؤمنون: 65] أَيْ: لا يَمْنَعُكُمْ مِنَّا أَحَدٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {يَجْأَرُونَ} [المؤمنون: 64] يَصْرُخُونَ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ فَلا يُقْبَلُ مِنْهُمْ.
{قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المؤمنون: 66] يَعْنِي الْقُرْآنَ.(1/408)
{فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ} [المؤمنون: 66] قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَيْ تَسْتَأْخِرُونَ عَنِ الإِيمَانِ.
{مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} [المؤمنون: 67] بِالْحَرَمِ.
{سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مُسْتَكْبِرِينَ بِحَرَمِي، تَهْجُرُونَ رَسُولِي.
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {سَامِرًا} [المؤمنون: 67] يَقُولُ: قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمَانِكُمْ أَنَّ سَامِرَكُمْ يَسْمُرُ بِالْبَطْحَاءِ، يَعْنِي سَمَرَ اللَّيْلِ، وَالْعَرَبُ تَقْتُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتُسِيءُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَنْتُمْ فِي ذَلِكَ تَهْجُرُونَ كِتَابِي وَرَسُولِي.
وقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَأَنْتُمْ سُمُرًا حَوْلَ الْبَيْتِ.
قَالَ يَحْيَى: مَقْرَأُ الْكَلْبِيِّ فِي هَذَا الْحَرْفِ: سُمّرا.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ} [المؤمنون: 67] بِالْحَرَمِ، يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ.
{سَامِرًا} [المؤمنون: 67] سَامِرُهُمْ لا يَخَافُ شَيْئًا، كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ فَلا نُقْرَبُ، لِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ مِنَ الأَمْنِ.
{تَهْجُرُونَ} [المؤمنون: 67] تَتَكَلَّمُونَ بِالشِّرْكِ وَالْبُهْتَانِ فِي حَرَمِ اللَّهِ.
نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {سَامِرًا} [المؤمنون: 67] : مَجْلِسًا.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْقَوْلِ، وَهُجْرُ الْقَوْلِ.
قَوْلُهُ: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون: 68] يَعْنِي الْقُرْآنَ.(1/409)
{أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 68] أَيْ: لَمْ يَأْتِهِمْ إِلا مَا أَتَى آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ} [المؤمنون: 68] يَعْنِي الَّذِي لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} [المؤمنون: 69] أَيِ: الَّذِي أَرْسَلَهُمْ إِلَيْهِمْ، يَعْنِي مُحَمَّدًا.
{فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} [المؤمنون: 69] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: بَلْ يَعْرِفُونَ وَجْهَهُ وَنَسَبَهُ.
قَوْلُهُ: {أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: 70] أَيْ بِمُحَمَّدٍ جُنُونٌ.
أَيْ قَدْ قَالُوا ذَلِكَ.
قَالَ اللَّهُ: {بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 70] الْقُرْآنِ.
{وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون: 70] يَعْنِي جَمَاعَةَ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون: 71] أَهْوَاءَ الْمُشْرِكِينَ.
{لَفَسَدَتِ} [المؤمنون: 71] يَعْنِي لَهَلَكَتْ.
{السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71] وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: لَوْ كَانَ الْحَقُّ فِي أَهْوَائِهِمْ، لَوَقَعَتْ أَهْوَاؤُهُمْ عَلَى هَلاكِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الْحَقُّ هَاهُنَا: اللَّهُ، كَقَوْلِهِ: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر: 3] يَعْنِي بِالْحَقِّ: اللَّهَ {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] عَلَى فَرَائِضِهِ.
قَالَ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] : بِشَرَفِهِمْ، شَرَفٌ لِمَنْ آمَنَ بِهِ.
قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي الْقُرْآنَ، أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ فِيهِ مَا يَأْتُونَ، وَمَا يَتَّقُونَ، وَمَا يُحَرِّمُونَ، وَمَا يُحِلُّونَ.
{فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] عَمَّا بَيَّنَّا لَهُمْ.
{مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71] وَقَالَ قَتَادَةُ: مُعْرِضُونَ عَنِ الْقُرْآنِ.(1/410)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] : بِشَرَفِهِمْ {فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ} [المؤمنون: 71] يَعْنِي عَنْ شَرَفِهِمْ {مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَذْكُرُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} [الأنبياء: 10] : فِيهِ شَرَفُكُمْ.
قَوْلُهُ: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا} [المؤمنون: 72] قَالَ قَتَادَةُ: أَمْ تَسْأَلُهُمْ عَلَى مَا أَتَيْتُهُمْ بِهِ جُعْلا، أَيْ إِنَّكَ لا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا.
قَالَ: {فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: 72] أَجْرُ رَبِّكَ أَيْ ثَوَابُهُ فِي الآخِرَةِ خَيْرٌ مِنْ أَجْرِهِمْ لَوْ أَعْطَوْكَ فِي الدُّنْيَا أَجْرًا.
قَالَ: {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [المؤمنون: 72] وَقَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ رِزْقَ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، يَرْزُقُ اللَّهُ إِيَّاهُمْ، يُقَسِّمُ رِزْقَ هَذَا عَلَى يَدَيْ هَذَا {وَهُوَ خَيْرُ} [المؤمنون: 72] أَفْضَلُ {الرَّازِقِينَ} [المؤمنون: 72] .
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: مَا بَالُ أَحَدِكُمْ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ لا يُمْطِرُ عَلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ دَنَانِيرَ وَلا دَرَاهِمَ، وَإِنَّمَا يَرْزُقُ بَعْضَكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ سَاقَ اللَّهُ إِلَيْهِ رِزْقًا فَلْيَقْبَلْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَيْهِ مُحْتَاجًا فَلْيُعْطِهِ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ مِنْ إِخْوَانِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى حَاجَتِهِ، وَلا يَرُدَّ عَلَى اللَّهِ
رِزْقَهُ الَّذِي رَزَقَهُ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ عِمْرَانَ الْقَصِيرِ قَالَ: لَقِيتُ مَكْحُولًا بِمَكَّةَ، فَأَعْطَانِي شَيْئًا فَانْقَبَضْتُ عَنْهُ فَقَالَ: خُذْهُ فَإِنِّي سَأُحَدِّثُكَ فِيهِ بِحَدِيثٍ.
فَقُلْتُ: حَدِّثْنِي بِهِ فَإِنَّهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ.
فَقَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ عُمَرَ شَيْئًا، فَكَأَنَّهُ انْقَبَضَ عَنْ أَخْذِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «إِذَا أَتَاكَ اللَّهُ بِشَيْءٍ لَمْ تَطْلُبْهُ وَلَمْ تَعْرِضْ لَهُ فَخُذْهُ، فَإِنْ كُنْتَ مُحْتَاجًا إِلَيْهِ فَأَنْفِقْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَيْهِ مُحْتَاجًا فَضَعْهُ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ» .
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَفَعَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: لا إِرْبَ لِي بِهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَتَجِدُ مَنْ هُوَ أَحَوْجُ إِلَيْهَا مِنِّي.
فَقَالَ خُذْهَا، فَإِنَّمَا قُلْتَ لِي كَمَا قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عُمَرُ، مَا أَتَاكَ مِنْ عَطَاءٍ غَيْرُ مُشْرِفَةٍ لَهُ نَفْسُكَ وَلا سَائِلَةٍ فَاقْبَلْهُ» .(1/411)
قَوْلُهُ: {وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المؤمنون: 73] إِلَى دِينٍ مُسْتَقِيمٍ، وَهُوَ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [المؤمنون: 74] يَعْنِي بِالْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ} [المؤمنون: 74] لَجَائِرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: تَارِكُونَ لَهُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مُعْرِضُونَ عَنْهُ.
قَالَ يَحْيَى: وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ} [المؤمنون: 75] يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ، وَذَلِكَ حَيْثُ أُخِذُوا بِالْجُوعِ سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، وَأُجْهِدُوا حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان: 10] نَزَلَتْ هَذِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذُوا بِالْجُوعِ، ثُمَّ أُخِذُوا بِالْجُوعِ فَقَالَ اللَّهُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْجُوعِ: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي
طُغْيَانِهِمْ} [المؤمنون: 75] فِي ضَلالَتِهِمْ.
{يَعْمَهُونَ} [المؤمنون: 75] يَتَمَادَوْنَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَلْعَبُونَ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ} [المؤمنون: 76] يَعْنِي ذَلِكَ الْجُوعَ فِي السَّبْعِ السِّنِينَ.
{فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] يَقُولُ: لَمْ يُؤْمِنُوا.
وَقَدْ سَأَلُوا أَنْ يُرْفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَيُؤْمِنُوا فَقَالُوا: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ} [الدخان: 12] وَهُوَ ذَلِكَ الْجُوعُ {إِنَّا مُؤْمِنُونَ} [الدخان: 12] فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَلَمْ يُؤْمِنُوا.
قَالَ: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} [المؤمنون: 77] يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ، الْقَتْلُ بِالسَّيْفِ.
نَزَلَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، فَقَتَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ: {إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [المؤمنون: 77] يَائِسُونَ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ} [المؤمنون: 78] خَلَقَ لَكُمْ.
{السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} [المؤمنون: 78] يَعْنِي سَمْعَهُمْ، وَأَبْصَارَهُمْ، وَأَفْئِدَتَهُمْ.(1/412)
{قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} [المؤمنون: 78] أَقَلُّكُمْ مَنْ يَشْكُرُ، أَيْ يُؤْمِنُ.
قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ} [المؤمنون: 79] خَلَقَكُمْ فِي الأَرْضِ.
{وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المؤمنون: 79] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [المؤمنون: 80] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ.
يَقُولُ: فَالَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ، وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَالَ: {بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ} [المؤمنون: 81] ثُمَّ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ فَقَالَ: {قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ {82} لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ} [المؤمنون: 82-83] أَيْ وُعِدْنَا أَنْ نُبْعَثَ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا فَلَمْ نُبْعَثْ.
كَقَوْلِهِ: {فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الدخان: 36] قَوْلُهُ: {إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 83] كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ.
فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84-85] أَيْ: فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَـ {قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون: 85] فَتُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّ الأَرْضَ وَمَنْ فِيهَا لِلَّهِ.
{قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ {86} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 86-87] فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فـ {قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 87] وَأَنْتُمْ تُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ وَرَبُّهَا.
وَقَدْ كَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يُقِرُّونَ بِهَذَا.
{قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} [المؤمنون: 88] أَيْ مَلَكَ كُلَّ شَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: خَزَائِنُ كُلِّ شَيْءٍ.
{وَهُوَ يُجِيرُ} [المؤمنون: 88] مَنْ يَشَاءُ فَيَمْنَعُهُ فَلا يُوصَلُ إِلَيْهِ.
{وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون: 88] أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ مَنْعَهُ.
{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {84} سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84-85] فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فـ {قُلْ فَأَنَّى(1/413)
تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 89] عُقُولُكُمْ.
فَشَبَّهَهُمْ بِقَوْمٍ مَسْحُورِينِ، ذَاهِبَةً عُقُولُهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} [المؤمنون: 90] : الْقُرْآنِ.
أَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: بَلْ أَتَيْنَاهُمْ يَا مُحَمَّدُ بِالْحَقِّ: بِالْقُرْآنِ.
{وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ {90} مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 90-91] وَذَلِكَ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ.
{وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون: 91] وَذَلِكَ لِمَا عَبَدُوا مِنَ الأَوْثَانِ، اتَّخَذُوا مَعَ اللَّهِ آلِهَةً.
قَالَ: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91] يَقُولُ: لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ: {إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون: 91] {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون: 91] لَطَلَبَ بَعْضُهُمْ مُلْكَ بَعْضٍ حَتَّى يَعْلُوَ عَلَيْهِ، كَمَا يَفْعَلُ مُلُوكُ الدُّنْيَا.
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يَكْذِبُونَ.
قَالَ: {عَالِمِ الْغَيْبِ} [المؤمنون: 92] الْغَيْبُ هَاهُنَا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: مَا لَمْ يَجِئْ مِنْ غَيْبِ الآخِرَةِ.
{وَالشَّهَادَةِ} [المؤمنون: 92] : مَا أَعْلَمَ الْعِبَادَ.
{فَتَعَالَى} [المؤمنون: 92] ارْتَفَعَ اللَّهُ.
{عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون: 92] يَرْفَعُ نَفْسَهُ عَمَّا قَالُوا.
قَوْلُهُ: {قُلْ} [المؤمنون: 93] يَا مُحَمَّدُ.
{رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ} [المؤمنون: 93] مِنَ الْعَذَابِ.
{رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون: 94] لا تُهْلِكْنِي مَعَهُمْ إِنْ أَرَيْتَنِي مَا يُوعَدُونَ.
قَالَ: {وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ} [المؤمنون: 95] مِنَ الْعَذَابِ.
{لَقَادِرُونَ {95} ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} [المؤمنون: 95-96] يَقُولُ: ادْفَعْ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْقَوْلَ الْقَبِيحَ وَالأَذَى.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(1/414)
قَالَ يَحْيَى: وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 96] بِمَا يَكْذِبُونَ.
قَوْلُهُ: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ} [المؤمنون: 97] وَهُوَ الْجُنُونُ.
{وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 98] فَأُطِيعُ الشَّيْطَانَ، فَأُهْلَكُ، أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا.
قَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] قَالَ الْحَسَنُ: لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ لَيْسَ لِلَّهِ بِوَلِيٍّ إِلا وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا عِنْدَ الْمَوْتِ بِكَلامٍ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الدُّنْيَا بِحَرْفٍ قَطُّ، وَذَلِكَ إِذَا اسْتَبَانَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ سَأَلَ اللَّهَ الرَّجْعَةَ وَلا يَسْمَعُهُ مَنْ يَلِيهِ.
{لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 100] فِيمَا صَنَعْتُ.
قَالَ اللَّهُ: كَلا لَسْتَ بِرَاجِعٍ إِلَى الدُّنْيَا، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10] ثُمَّ قَالَ: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100] هَذِهِ الْكَلِمَةُ: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99-100]
- خَالِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا حَضَرَ الإِنْسَانَ الْمَوْتُ جُمِعَ كُلُّ شَيْءٍ لَهُ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنَ الْحَقِّ، فَجُعِلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» .
فِي حَدِيثِ خَالِدٍ، وَفِي حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ: كُلُّ شَيْءٍ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ حَقِّهِ فَجُعِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ {99} لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99-100]
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: إِنَّ الْكَافِرَ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ وَعَايَنَ حَسَنَاتِهِ قَلِيلَةً وَسَيِّئَاتِهِ كَثِيرَةً، نَظَرَ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا، فَتَمَنَّى الرَّجْعَةَ وَصَدَّقَ بِمَا كَذَّبَ بِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون: 99] يَعْنِي إِلَى الدُّنْيَا {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 100] يَقُولُ اللَّهُ: {كَلَّا} [المؤمنون: 100] يَعْنِي لا يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا.
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100] وَلا يَسْمَعُ بِهَا بَنُو آدَمَ.
وَنَحْوُ ذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ يُونُسَ.(1/415)
قَوْلُهُ: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100] فِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقَالَ: مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ: أَهْلُ الْقُبُورِ فِي الْبَرْزَخِ، وَهُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ} [المؤمنون: 101] وَالصُّورُ: قَرْنٌ.
وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ.
{فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلاثَةُ مَوَاطِنَ لا يَسْأَلُ فِيهَا أَحَدٌ أَحَدًا: إِذَا وُضِعَتِ الْمَوَازِينُ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَثْقُلُ مِيزَانُهُ أَمْ يَخِفُّ، وَإِذَا تَطَايَرَتِ الْكُتُبُ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَأْخُذُ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَمْ بِشِمَالِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَجُوزُ الصِّرَاطَ أَمْ لا يَجُوزُ ".
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ أَنْسَابَهُمْ يَوْمَئِذٍ قَائِمَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَ: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ {34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ {35} } [عبس: 34-35] قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْكُوفِيِّينَ يَقُولُ: {يُبَصَّرُونَهُمْ} [المعارج: 11] أَيْ يَرَوْنَهُمْ.
يَقُولُ: يَعْرِفُونَهُمْ فِي مَوَاطِنَ، وَلا يَعْرِفُونَهُمْ فِي مَوَاطِنَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون: 101] يَتَعَاطَفُونَ عَلَيْهَا كَمَا كَانُوا يَتَعَاطَفُونَ عَلَيْهَا فِي الدُّنْيَا، {وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101] عَلَيْهَا أَنْ يَحْمِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ كَمَا كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ فِي الدُّنْيَا بِأَنْسَابِهِمْ.
كَقَوْلِ الرَّجُلِ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَبِالرَّحِمِ.
قَوْلُهُ: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون: 102] : السُّعَدَاءُ، وَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
{وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [المؤمنون: 103] أَنْ يَغْنَمُوهَا فَصَارُوا(1/416)
فِي النَّارِ.
قَالَ: {فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 103] لا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلا يَمُوتُونَ.
{تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 104] قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مِثْلُ الرَّأْسِ الْمَشِيطِ.
- قَالَ: وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «شَفَتُهُ السُّفْلَى سَاقِطَةٌ عَلَى صَدْرِهِ، وَالْعُلْيَا قَالِصَةٌ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهُ» .
- حَاجِبُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عَمِّهِ الْحَكَمِ بْنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يُعَظَّمُ الْكَافِرُ فِي النَّارِ مَسِيرَةَ سَبْعِ لَيَالٍ، ضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ، شِفَاهُهُمْ عِنْدَ صَدْرِهِمْ، سُودٌ، زُرْقٌ، حُبْنٌ، مَفْتُوحُونَ، يَتَهَافَتُونَ فِي النَّارِ، وَيَقُولُ: هَلِ امْتَلأَتْ؟ وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟ حَتَّى يَضَعَ الرَّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا فَتَقُولُ: رَبِّ قَطْ قَطْ.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون: 105] يَقُولُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي النَّارِ.
{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا} [المؤمنون: 106] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: الَّتِي كُتِبَتْ عَلَيْنَا.
{وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ} [المؤمنون: 106]
- فِطْرٌ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.
قَالَ يَحْيَى: وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحَدِيثَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنَّهُ يُكْتَبُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ شَقِيًّا أَوْ سَعِيدًا فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.
قَوْلُهُ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107]
- سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَهْلَ جَهَنَّمَ يَدْعُونَ مَالِكًا فَلا يُجِيبُهُمْ أَرْبَعِينَ عَامًا، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] ثُمَّ يُنَادُونَ(1/417)
رَبَّهُمْ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون: 107] ، فَيَسْكُتُ عَنْهُمْ قَدْرَ عُمْرِ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] فَوَاللَّهِ مَا نَبَسَ الْقَوْمُ بَعْدَهَا بِكَلِمَةٍ وَمَا هُوَ
إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
فَشَبَّهَ أَصْوَاتَهُمْ بِأَصْوَاتِ الْحَمِيرِ: أَوَّلُهَا زَفِيرٌ، وَآخِرُهَا شَهِيقٌ.
أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَدْعُونَ خَزَنَةَ أَهْلِ النَّارِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُهُمْ إِيَّاهُمْ: أَلَمْ تَأْتِكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ؟ {قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [غافر: 50] ثُمَّ يُنَادُونَ مَالِكًا فَلا يُجِيبُهُمْ مِقْدَارَ ثَمَانِينَ سَنَةً.
ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] .
ثُمَّ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون: 107] ، فَلا يُجِيبُهُمْ مِقْدَارَ الدُّنْيَا مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يَكُونُ جَوَابُهُ إِيَّاهُمْ: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108] ثُمَّ إِنَّمَا هُوَ الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
قَوْلُهُ: {اخْسَئُوا فِيهَا} [المؤمنون: 108] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ: اصْغَرُوا فِيهَا، الْخَاسِئُ عِنْدَهُمَا الصَّاغِرُ.
وَتَفْسِيرُ قَتَادَةَ: الْخَاسِئُ: الَّذِي لا يَتَكَلَّمُ، لَيْسَ إِلا الزَّفِيرُ وَالشَّهِيقُ.
قَوْلُهُ: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي} [المؤمنون: 109] يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ.
{يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 109] أَفْضَلُ مَنْ رَحِمَ.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ، وَذَلِكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ أَرْحَمُ مِنْ خَلْقِهِ.
- الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ، فَأَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً فِيهَا تَتَرَاحَمُ الْخَلِيقَةُ، حَتَّى تَرْحَمَ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَتَهَا، وَالْوَالِدَةُ وَلَدَهَا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَاءَ بِتِلْكَ التِّسْعِ وَالتِّسْعِينَ الرَّحْمَةَ، وَنَزَعَ تِلْكَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِ الْخَلِيقَةِ فَكَمَّلَهَا
مِائَةَ رَحْمَةٍ، ثُمَّ نَصَبَهَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ.
فَالْخَائِبُ مَنْ خيبَ مِنْ تِلْكَ الْمِائَةِ الرَّحْمَةِ.(1/418)
قَوْلُهُ: {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} [المؤمنون: 110] يَقُولُهُ لأَهْلِ النَّارِ.
{حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون: 110] كَانُوا يَسْخَرُونَ بِأَصْحَابِ الأَنْبِيَاءِ، يَضْحَكُونَ مِنْهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} [المؤمنون: 110] لَيْسَ يَعْنِي أَنَّ أَصْحَابَ الأَنْبِيَاءِ أَنْسَوْهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ فَأَمَرُوهُمْ أَلا يَذْكُرُوهُ، وَلَكِنَّ جُحُودَهُمْ، وَاسْتِهْزَاءَهُمْ، وَضَحِكَهُمْ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي أَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ، كَقَوْلِ الرَّجُلِ: أَنْسَانِي فُلانٌ كُلَّ شَيْءٍ، وَفُلانٌ غَائِبٌ عَنْهُ، بَلَغَهُ عَنْهُ أَمْرٌ فَشَغَلَ ذَلِكَ قَلْبَهُ.
وَهِيَ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ.
قَوْلُهُ: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا} [المؤمنون: 111] فِي الدُّنْيَا.
{أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ {أَنَّهُمْ} [المؤمنون: 111] أَيْ بِأَنَّهُمْ {هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] .
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ الْجَنَّةَ بِمَا صَبَرُوا فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: {أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] وَقَوْلُهُ: {الْفَائِزُونَ} [المؤمنون: 111] النَّاجُونَ مِنَ النَّارِ، فَازُوا مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ} [المؤمنون: 112] يَقُولُهُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ.
{فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون: 112] أَيْ كَمْ عَدَدُ السِّنِينَ الَّتِي لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ؟ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُعْلِمَهُمْ قِلَّةَ بَقَائِهِمْ كَانَ فِي الدُّنْيَا، فَتَصَاغَرَتِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ.
{قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون: 113] وَذَلِكَ لِتَصَاغُرِ الدُّنْيَا عِنْدَهُمْ.
{فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون: 113] : الْمَلائِكَةَ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: الْحُسَّابُ الَّذِينَ كَانُوا يَحْسِبُونَ آجَالَنَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم: 84] الأَنْفَاسَ، وَهِيَ آجَالُهُمْ.
{قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا} [المؤمنون: 114] إِنَّ لُبْثَكُمْ فِي الدُّنْيَا فِي طُولِ مَا أَنْتُمْ لابِثُونَ فِي النَّارِ كَانَ قَلِيلًا وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {وَتَظُنُّونَ} [الإسراء: 52] أَيْ فِي الآخِرَةِ {إِنْ لَبِثْتُمْ} [المؤمنون: 114] فِي الدُّنْيَا {إِلا قَلِيلا} [المؤمنون: 114] .(1/419)
قَوْلُهُ: {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون: 114] أَيْ لَوْ كُنْتُمْ عُلَمَاءَ لَمْ تَدْخُلُوا النَّارَ.
وَالْمُشْرِكُونَ هُمُ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ كَقَوْلِهِ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الروم: 59] ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ فِي الْمُؤْمِنِينَ: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص: 80] وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115] لِغَيْرِ بَعْثٍ وَلا حِسَابٍ.
{وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
أَيْ قَدْ حَسِبْتُمْ ذَلِكَ، وَلَمْ نَخْلُقْكُمْ عَبَثًا، إِنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ.
قَوْلُهُ: {فَتَعَالَى اللَّهُ} [المؤمنون: 116] مِنْ قِبَلِ الْعُلُوِّ.
{الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون: 116] اسْمَانِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
{لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 116] عَلَى اللَّهِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا: الْكَرِيمُ، بِالرَّفْعِ يَقُولُ: اللَّهُ الْكَرِيمُ.
مِثْلُ هَذَا الْحَرْفِ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} [البروج: 15] أَيِ: الْكَرِيمُ عَلَى اللَّهِ، عَلَى مَقْرَأِ مَنْ قَرَأَهَا بِالْجَرِّ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ يَقُولُ: اللَّهُ الْمَجِيدُ، أَيِ الْكَرِيمُ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ بِالرَّفْعِ، يَعْنِي اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَتَجَاوَزُ وَيَصْفَحُ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ} [المؤمنون: 117] : لا حُجَّةَ لَهُ بِهِ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: لا بَيِّنَةَ لَهُ بِهِ بِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْبُدَ إِلَهًا مِنْ دُونِهِ.
{فَإِنَّمَا حِسَابُهُ} [المؤمنون: 117] يَعْنِي فَإِنَّمَا جَزَاؤُهُ عَلَى رَبِّهِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(1/420)
وَقَالَ يَحْيَى: فَإِنَّمَا حِسَابُ ذَلِكَ الَّذِي يَدْعُو مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ.
{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] وقَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: ذَلِكَ حِسَابُ الْكَافِرِينَ عِنْدَ اللَّهِ أَنَّهْمُ لا يُفْلِحُونَ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: {فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [المؤمنون: 117] أَنْ يُدْخِلَهُ النَّارَ.
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون: 117] كَلامٌ مُسْتَقْبَلٌ.
قَوْلُهُ: {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون: 118] يَعْنِي وَأَنْتَ أَفْضَلُ مَنْ يَرْحَمُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
أَمَرَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الدُّعَاءِ.
قَالَ يَحْيَى: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ: قَوْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ: {لا بُرْهَانَ لَهُ} [المؤمنون: 117] لا حُجَّةَ لَهُ.
وَقَوْلُ قَتَادَةَ فِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ: {لا بُرْهَانَ لَهُ} [المؤمنون: 117] لا بَيِّنَةَ لَهُ.
تَمَّتِ السُّورَةُ.(1/421)
سُورَةُ النُّورِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ النُّورِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا} [النور: 1] أَيْ هَذِهِ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا.
{وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 1] لِكَيْ تَذَّكَّرُوا.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: {وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] ، وَفَرَّضْنَاهَا، عَلَى التَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ.
فَرَضَ فِيهَا فَرَائِضَهُ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّ فِيهَا حُدُودَهُ، وَسَنَّ فِيهَا سُنَّتَهُ.
يَعْنِي مَا فُرِضَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَسُنَّ فِيهَا.
وقَالَ السُّدِّيُّ: {وَفَرَضْنَاهَا} [النور: 1] يَعْنِي بَيَّنَّاهَا.
قَوْلُهُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] هَذَا فِي الأَحْرَارِ إِذَا لَمْ يَكُونَا مُحْصِنَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مُحْصِنَيْنِ رُجِمًا.
- نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْبِكْرِ يَنْكِحُ ثُمَّ يَزْنِي قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ قَالَ: الْجَلْدُ عَلَيْهِ وَلا رَجْمَ عَلَيْهِ حَتَّى يُحْصِنَ.
وَأَمَّا الْمَمْلُوكَانِ فَيُجْلَدَانِ خَمْسِينَ خَمْسِينَ وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا رَجْمٌ، وَلا يُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَحْرَارٍ عُدُولٍ يَجِيئُونَ جَمِيعًا غَيْرَ مُتَفَرِّقِينَ حُرًّا كَانَ الزَّانِي أَوْ(1/422)
مَمْلُوكًا.
فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ، أَحَدُهُمْ زَوْجُهَا، لَمْ تُرْجَمْ، وَلاعَنَهَا زَوْجُهَا وَجُلِدَ الثَّلاثَةُ ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ.
فَإِذَا جَاءَ الشُّهُودُ الأَرْبَعَةُ مُتَفَرِّقِينَ جُلِدُوا ثَمَانِينَ ثَمَانِينَ.
فَأَمَّا الرَّجُلُ الزَّانِي فَتُوضَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ إِذَا جُلِدَ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُتْرَكُ عَلَيْهَا مِنَ الثِّيَابِ مَا يَصِلُ إِلَيْهَا الْجَلْدُ.
وَإِنْ أَقَرَّ الزَّانِي عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا، حُرًّا كَانَ أَوْ مَمْلُوكًا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ حَتَّى يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ: وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَا بِالسَّوْطِ.
- نا بَحْرٌ السَّقَّاءُ، عَنِ 19 الزُّهْرِيِّ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا.
فَرَدَّهُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ.
فَجَاءَهُ فِي الرَّابِعَةِ فَأَخَذَهُ أَخْذًا شَدِيدًا فَقَالَ: " يَجِيءُ أَحَدُكُمْ يَنِبُّ نَبِيبَ التَّيْسِ.
أَنَدَعُ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ.
فَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: أَتَعْلَمُونَ بِهِ جُنُونًا؟ قَالُوا: لا.
فَرَجَمَهُ ".
- نا الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ.
فَدَعَا بِسَوْطٍ، فَأُتِيَ بِسَوْطٍ شَدِيدٍ فَقَالَ: سَوْطٌ دُونَ هَذَا.
فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مُنْكَسِرِ الْعَجُزِ فَقَالَ: فَوْقَ هَذَا.
فَأُتِيَ بِسَوْطٍ بَيْنَ السَّوْطَيْنِ، فَأَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ جَلْدًا بَيْنَ الْجَلْدَيْنِ.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: الْجَلْدُ فِي الزِّنَا الْمَتْحُ الشَّدِيدُ.
وَيَقُولُ: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] أَيِ الْجَلْدُ الشَّدِيدُ.
نا سَعِيدٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ قَالا: أَيْ حَتَّى لا تُعَطَّلَ الْحُدُودُ.(1/423)
قَالَ يَحْيَى: وَسَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فَقَالَ لِي مِثْلَ قَوْلِهِمَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] يَعْنِي فِي حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَى الزُّنَاةِ.
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لا يُقَامُ الْحَدُّ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يَدْخُلُ كَمَا يَدْخُلُ الْمِرْوَدُ فِي الْمُكْحُلَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَأَمَّا الرَّجْمُ فَهُوَ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَفِي مُصْحَفِنَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ} [المائدة: 44] حَيْثُ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّيْنِ حِينَ ارْتَفَعُوا إِلَيْهِ.
- حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا زِرُّ، كَمْ تَقْرَءُونَ سُورَةَ الأَحْزَابِ؟ قُلْتُ: ثَلاثًا وَسَبْعِينَ آيَةً.
قَالَ: قَطُّ؟ قُلْتُ: قَطُّ.
قَالَ: فَوَاللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَتُوَازِي سُورَةَ الْبَقَرَةِ.
وَإِنَّ فِيهَا لآيَةَ الرَّجْمِ.
قُلْتُ: وَما آيَةُ الرَّجْمِ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قَالَ: إِذَا زَنَى الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
- نا يَحْيَى قَالَ: نا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فَكُنَّا نَقْرَأُ: وَلا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ، وَآيَةُ الرَّجْمِ.
وَإِنِّي(1/424)
قَدْ خِفْتُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ قَوْمٌ يَقُولُونَ: لا رَجْمَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَجَمَ وَرَجَمْنَا.
وَاللَّهِ لَوْلا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّ عُمَرَ زَادَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَكَتَبْتُهَا.
وَلَقَدْ نَزَلَتْ وَكَتَبْنَاهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَقَدْ رَجَمَ عُثْمَانُ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا أُقِرَّ بِالزِّنَا فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ، ثُمَّ يَرْجُمُ النَّاسُ، وَإِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ رَجَمْتُ الْبَيِّنَةَ ثُمَّ يَرْجُمُ النَّاسُ.
قَالَ يَحْيَى: وَلا تُحْصِنُ الأَمَةُ وَلا الْيَهُودِيَّةُ وَلا النَّصْرَانِيَّةُ، وَلا يُحْصِنُ الْمَمْلُوكُ الْحُرَّةَ وَلا يُحْصَنُ الْحُرُّ إِذَا كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلا تُحْصَنُ امْرَأَةٌ لَهَا زَوْجٌ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.
وَإِذَا أُحْصِنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بِوَطْءٍ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ زَنَى بَعْدَ ذَلِكَ وَلَيْسَتْ لَهُ امْرَأَةٌ يَوْمَ زَنَى، أَوْ زَنَتِ امْرَأَةٌ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ يَوْمَ زَنَتْ فَهُمَا مُحْصَنَانِ يُرْجَمَانِ.
وَإِذَا زَنَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ وَقَدْ أُحْصِنَ وَلَمْ يُحْصَنِ الآخَرُ رُجِمَ الَّذِي أُحْصِنَ مِنْهُمَا وَجُلِدَ الَّذِي لَمْ يُحْصَنْ مِنْهُمَا مِائَةً.
وَلا تُحْصِنُ أُمُّ الْوَلَدِ وَإِنْ وَلَدَتْ لَهُ أَوْلادًا.
وَإِذَا زَنَى الْغُلامُ أَوِ الْجَارِيَةُ وَقَدْ تَزَوَّجَا، وَقَدْ دَخَلَ الْغُلامُ بِامْرَأَتِهِ، أَوْ دَخَلَ عَلَى الْجَارِيَةِ زَوْجُهَا، وَلَمْ يَكُنِ الْغُلامُ احْتَلَمَ وَلَمْ تَكُنِ الْجَارِيَةُ حَاضَتْ فَلا حَدَّ عَلَيْهِمَا، لا رَجْمَ وَلا جَلْدَ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَتَحِيضَ وَيَغْشَى امْرَأَتَهُ بَعْدَ مَا احْتَلَمَ وَيَغْشَى الْجَارِيَةَ زَوْجُهَا بَعْدَ ما حَاضَتْ فَحِينَئِذٍ يَكُونَانِ مُحْصَنَيْنِ.
وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ أُمُّ وَلَدٍ قَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ فَأَعْتَقَهَا، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ زَنَى قَبْلَ أَنْ يَغْشَاهَا بَعْدَ مَا أُعْتِقَتْ، فَلا رَجْمَ عَلَيْهِ، وَلا هِيَ إِنْ زَنَتْ حَتَّى يَغْشَاهَا بَعْدَمَا(1/425)
أُعْتِقَتْ.
وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَدَخَلَ بِهَا، فَأُعْتِقَ، فَزَنَى قَبْلَ أَنْ يَغْشَاهَا بَعْدَ مَا أُعْتِقَ فَلا رَجْمَ عَلَيْهِ.
وَإِذَا كَانَ الزَّوْجَانِ يَهُودِيَّيْنِ أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ فَأَسْلَمَا جَمِيعًا ثُمَّ زَنَى أَحَدُهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَغْشَاهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَا، فَلا رَجْمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَغْشَاهَا فِي الإِسْلامِ.
وَإِنَّمَا رَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّيْنِ لأَنَّهُمْ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ وَإِحْصَانُ أَهْلِ الشِّرْكِ فِي شِرْكِهِمْ لَيْسَ بِإِحْصَانٍ حَتَّى يَغْشَى فِي الإِسْلامِ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} [النور: 2] رَحْمَةٌ.
{فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] فِي حُكْمِ اللَّهِ.
{إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النور: 2] قَدْ فَسَّرْنَاهَا فِي صَدْرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} [النور: 2] أَيْ: جَلْدَهُمَا.
{طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] يُقَالُ: الطَّائِفَةُ رَجُلٌ فَصَاعِدًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَلْيَشْهَدْ} [النور: 2] يَعْنِي وَلْيَحْضُرْ {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا} [النور: 2] يَعْنِي جَلْدَهُمَا.
قَوْلُهُ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَبِهَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِمَاءٌ مُشْرِكَاتٌ مِنْ إِمَاءِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، مُجَاهِرَاتٌ بِالزِّنَا، لَهُنَّ رَايَاتٌ مِثْلُ رَايَاتِ الْبَيَاطِرَةِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: لا يَحِلُّ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا الْعَفَائِفُ الْحَرَائِرُ، وَلا نِسَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَإِمَاءُ الْمُشْرِكِينَ حَرَامٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] يَعْنِي مَنْ كَانَ يَزْنِي بِتِلْكَ الْمُؤَاجِرَاتِ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ إِمَاءِ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً مِنَ(1/426)
الْمُشْرِكَاتِ، لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مُشْرِكٌ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
قَالَ: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] تَزْوِيجُهُنَّ.
ثُمَّ حُرِّمَ نِسَاءُ الْمُشْرِكَاتِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ زَوَانِيَ كُنَّ أَوْ عَفَائِفَ فَقَالَ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221] .
{وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221] قَالَ: وَلا بَأْسَ بِتَزْوِيجِ الْحُرَّةِ الَّتِي قَدْ زَنَتْ وَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: نَزَلَتْ فِي كُلِّ زَانِيَةٍ ثُمَّ نُسِخَتْ فِيمَا حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ وَأَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: نَسَخَتْهَا: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32]
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ مِنَ امْرَأَةٍ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ ذَلِكَ وَرَزَقَنِي تَوْبَةً، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا، وَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} [النور: 3] .
فَقَالَ: كُنَّ بَغَايَا لَهُنَّ رَايَاتٌ مِثْلُ رَايَاتِ الْبَيَاطِرَةِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ النَّاسُ.
اذْهَبْ فَتَزَوَّجْهَا.
فَمَا كَانَ مِنْ إِثْمٍ فَهُوَ عَلَيَّ.
- وَحَدَّثَنِي هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَرَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا إِذَا زَنَى الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَقَالُوا: الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنُونَ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُشْرِكَةً ثُمَّ تُسْلِمُ، فَهُوَ أَعْظَمُ مِنَ الزِّنَا.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] يَقْذِفُونَ الْمُحْصَنَاتِ بِالزِّنَا.
وَالْمُحْصَنَاتُ الْحَرَائِرُ الْمُسْلِمَاتُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4] يَعْنِي الْعَفَائِفَ عَنِ(1/427)
الْفَوَاحِشِ: الْحَرَائِرَ الْمُسْلِمَاتِ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ إِذَا قُذِفَ.
قَالَ: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 4] يَجِيئُونَ جَمِيعًا يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ بِالزِّنَا.
{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: 4] يُجْلَدُ بِالسَّوْطِ ضَرْبًا بَيْنَ الضَّرْبَيْنِ، لا تُوضَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ، وَلا يَرْفَعُ الْجَلادُ يَدَهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطِهِ وَيُجْلَدُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قَذَفَ فِيهَا إِلا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ فَرْوٌ، أو قَبَاءٌ مَحْشُوٌّ، أَوْ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ.
وَلَيْسَ عَلَى قَاذِفِ الْمَمْلُوكِ، وَلا الْمُكَاتِبِ، وَلا أُمِّ الْوَلَدِ، وَلا الْمُدْبِرِ، وَلا الذِّمِّيِّ، وَلا الذِّمِّيَّةِ حَدٌّ.
وَإِنْ قَذَفَ الْمَمْلُوكُ حُرًّا جُلِدَ أَرْبَعِينَ جَلْدَةً، وَإِنْ قَذَفَ الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ الْمُسْلِمَ جُلِدَ ثَمَانِينَ.
وَلا يُجْلَدُ الْوَالِدُ إِذَا قَذَفَ وَلَدَهُ، وَيُجْلَدُ الْوَلَدُ إِذَا قَذَفَ وَالِدَهُ.
وَلا يُجْلَدُ الْمَمْلُوكَانِ إِذَا قَذَفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
وَإِذَا أُقِيمَ عَلَى الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ الْحَدُّ فِي الزِّنَا، ثُمَّ افْتَرَى عَلَيْهِ أَحَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَإِذَا جُلِدَ الْقَاذِفُ ثُمَّ عَادَ لِقَذْفِ الَّذِي كَانَ قَذَفَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلا الْحَدُّ الأَوَّلُ.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَوِ افْتَرَى أَبُو بَكْرَةَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مِائَةَ مَرَّةٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ إِلا الْحَدُّ الأَوَّلُ.
قَوْلُهُ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] الْعَاصُونَ، وَلَيْسَ بِفِسْقِ الشِّرْكِ.
وَهِيَ كَبِيرَةٌ.(1/428)
- وَحَدَّثَنِي أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ» .
قَالَ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 5] نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالا: تَوْبَتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلا شَهَادَةَ لَهُ.
قَالَ يَحْيَى: رَجْعٌ إِلَى أَوَّلِ الآيَةِ: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور: 4]
- وَحَدَّثَنِي بَحْرٌ السَّقَّاءُ قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنِ الرَّجُلِ يُجْلَدُ فِي الْقَذْفِ ثُمَّ يَتُوبُ أَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: أَبُو بَكْرَةَ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ الْبَجَلِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَزِيَادٌ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ، لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ قِيلَ لَهُمْ: أَشَهِدْتُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَمْضَى أَبُو بَكْرَةَ
الشَّهَادَةَ، وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ.
وَأَبَى زِيَادٌ أَنْ يُمْضِيَ الشَّهَادَةَ.
قَالَ: رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَبِيحًا.
فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: مَنْ رَجَعَ عَنْ شَهَادَتِهِ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَرَجَعَ شِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ، وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ شَهَادَتِهِ.
فَأَجَازَ عُمَرُ شَهَادَتَهُمَا وَتَأَوَّلَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {4} إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {5} } [النور: 4-5] قَالَ يَحْيَى: يَرَى عُمَرُ أَنَّ تَوْبَتَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا.
وَلَيْسَ عَلَيْهِ النَّاسُ، لأَنَّهُ لا شَهَادَةَ لَهُمْ بَعْدُ أَبَدًا.
قَالَ يَحْيَى: وَكَذَلِكَ حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ(1/429)
الشَّعْبِيِّ مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: يَقُومُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَيُكَذِّبُ نَفْسَهُ.
وَالنَّاسُ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ شَهَادَتَهُ لا تَجُوزُ أَبَدًا.
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ تُقْبَلْ لأَبِي بَكْرَةَ شَهَادَةٌ لأَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ شَهَادَتِهِ.
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: شَهَادَةُ كُلِّ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ جَائِزَةٌ إِذَا تَابَ، غَيْرَ الْقَاذِفِ.
نا عَمَّارٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي الْعَبْدِ يَقْذِفُ الْحُرَّ قَالَ: يُجْلَدُ أَرْبَعِينَ وَلا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ أُعْتِقَ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ {6} وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ {7} وَيَدْرَأُ عَنْهَا} [النور: 6-8] عَنِ الْمَرْأَةِ.
{الْعَذَابَ} [النور: 8] الْحَدَّ، الرَّجْمُ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَوْ أُحْصِنَتْ قَبْلَهُ، أَوِ الْجَلْدُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً.
{أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ {8} وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ {9} } [النور: 8-9] يَعْنِي زَوْجَهَا فِي قَذْفِهِ إِيَّاهَا.
وَذَلِكَ إِذَا ارْتَفَعَا إِلَى الإِمَامِ.
وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِعَا إِلَى الإِمَامِ فَهِيَ امْرَأَتُهُ.
وَإِنِ ارْتَفَعَا إِلَى الإِمَامِ وَثَبَتَ عَلَى قَذْفِهَا، قَالَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عِنْدَ الإِمَامِ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ.
ثُمَّ يَقُولُ الْخَامِسَةَ: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيَّ إِنْ كُنْتُ مِنَ الْكَاذِبِينَ.
وَتَقُولُ هِيَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ يَعْنِي زَوْجَهَا، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، أَشْهَدُ(1/430)
بِاللَّهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ.
ثُمَّ تَقُولُ الْخَامِسَةَ: غَضَبُ اللَّهِ عَلَيَّ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
قَالَ يَحْيَى: ذَكَرَهُ حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَلا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا.
- نا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إِذَا لاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، لَمْ يَجْتَمِعَا أَبَدًا.
فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَا مِنَ الْمُلاعَنَةِ جُلِدَ حَدَّ الْقَاذِفِ ثَمَانِينَ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ.
ذَكَرَهُ حَمَّادٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَطَاءٍ.
وَإِنْ كَانَ لاعَنَهَا فِي إِنْكَارِ وَلَدِهَا، أُلْحِقَ الْوَلَدُ بِهَا وَهِيَ عَصَبَتُهُ وَعَصَبَتُهَا بَعْدَهَا.
وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْمُلاعَنَةِ شَيْءٌ جُلِدَ حَدَّ الْقَذْفِ وَهِيَ امْرَأَتُهُ وَالْوَلَدُ لَهُ.
وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ، جُلِدَ وَلا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ.
أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِذَا لاعَنَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، جُلِدَ وَرُدَّ إِلَيْهِ وَلَدُهُ.
وَلا يُلاعِنِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ الأَمَةَ، وَلا الْيَهُودِيَّةَ، وَلا النَّصْرَانِيَّةَ.
وَإِنْ أَنْكَرَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ أَوِ النَّصْرَانِيَّةِ لَزِمَهُ الْوَلَدُ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَلَدَهُ مِنَ الأَمَةِ، بَعْدَ مَا أَقَرَّ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، لَزِمَهُ الْوَلَدُ.
وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، ثُمَّ ارْتَفَعَا إِلَى السُّلْطَانِ، تَلاعَنَا.
وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ الْحُرَّةَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ قَذَفَهَا، تَلاعَنَا مَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ إِنِ ارْتَفَعَا إِلَى السُّلْطَانِ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 10] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس: 58] قَالَ: فَضْلُ اللَّهِ الإِسْلامُ، وَرَحْمَتُهُ الْقُرْآنُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ} [النور: 10] يَعْنِي: وَلَوْلا مَنُّ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ، يَعْنِي وَنِعْمَتُهُ أَيْ لأَهْلَكَ الْكَاذِبَ مِنَ الْمُتَلاعِنَيْنِ.(1/431)
{وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ} [النور: 10] تَوَّابٌ عَلَى مَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ، حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] بِالْكَذِبِ.
{عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] جَمَاعَةٌ مِنْكُمْ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا فِي شَأْنِ عَائِشَةَ وَمَا أُذِيعَ عَلَيْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ فِي الرَّحِيلِ، وَانْقَطَعَتْ قِلادَةٌ لَهَا، فَطَلَبَتْهَا فِي الْمَنْزِلِ وَمَضَى النَّاسُ.
وَقَدْ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ مُعَطَّلٍ تَخَلَّفَ عَنِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَقْبَلَ، فَوَجَدَ النَّاسُ قَدِ ارْتَحَلُوا وَهُوَ عَلَى بَعِيرِهِ، وَإِذَا هُوَ بِعَائِشَةَ.
فَجَاءَ بِبَعِيرِهِ وَوَلاهَا ظَهْرَهُ حَتَّى رَكِبَتْ، ثُمَّ قَادَ بِهَا.
فَجَاءَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ.
فَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ قَوْمٌ وَاتَّهَمُوهَا.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ، وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ، وَمِسْطَحًا، وَحَمْنَةَ ابْنَةَ جَحْشٍ هُمُ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ.
ثُمَ شَاعَ ذَلِكَ فِي النَّاسِ فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا جَلَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَدَّ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} [النور: 11] بِالْكَذِبِ {عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] يَعْنِي هَؤُلاءِ.
ثُمَّ قَالَ: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} [النور: 11] يعني عائشة وصفوان، يعني ما قيل فيهما.
{بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ} [النور: 11] يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا.
{مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ} [النور: 11] عَلَى قَدْرِ مَا أَشَاعَ.
{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: 11] قَالَ مُجَاهِدٌ: بَدَأَ بِهِ.
{مِنْهُمْ} [النور: 11] وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: بَدَأَهُ.
{لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِسْطَحٌ.
فَذَهَبَ بَصَرُهُ وَهُوَ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ الْمُنَافِقُ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، جَهَنَّمُ.(1/432)
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} [النور: 11] رَجُلانِ: أَحَدُهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ اسْمُهُ مِسْطَحٌ، وَالآخَرُ مِنَ الأَنْصَارِ.
قَوْلُهُ: {لَوْلا} [النور: 12] هَلا.
{إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا} [النور: 12] أَيْ كَمَا كَانُوا يَظُنُّونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لَوْ كَانُوا مَكَانَ صَفْوَانَ مَا كَانَ مِنْهُمْ إِلا خَيْرًا.
فَلْيَظُنَّ بِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ مَا يَظُنُّ بِنَفْسِهِ.
{وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12] مَا خَاضَ فِيهِ الْقَوْمُ.
ثُمَّ قَالَ: {لَوْلا} [النور: 13] هَلا.
{جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ.
{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13] قَوْلُهُ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 14] هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 14] يَعْنِي وَنِعْمَتُهُ.
{فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 14] فِيهَا تَقْدِيمٌ.
يَقُولُ: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
وَالإِفَاضَةُ فِيهِ مَا كَانَ يَلْقَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: أَمَا بَلَغَكَ مَا قِيلَ مِنْ أَمْرِ عَائِشَةَ وَصَفْوَانَ.
قَوْلُهُ: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15] يَرْوِيهِ بَعْضُكُمْ عَنْ بَعْضٍ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.
{وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15] حَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْقَذْفُ قَذْفَانِ، أَحَدُهُمَا أَنْ تَقُولَ: إِنَّ فُلانَةَ زَانِيَةٌ.
هَذَا فِيهِ الْحَدُّ.
وَالآخَرُ أَنْ تَقُولَ: إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ إِنَّ فُلانَةَ زَانِيَةٌ.
فَلَيْسَ فِي هَذَا حَدٌّ.
قَوْلُهُ: {وَلَوْلا} [النور: 16] هلا.
{إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16] يَعْنِي لا يَنْبَغِي لَنَا.
وَهُوَ(1/433)
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] كَذِبٌ عَظِيمٌ.
ثُمَّ قَالَ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ} [النور: 17] يَنْهَاكُمُ اللَّهُ.
{أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ {17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ} [النور: 17-18] بِخَلْقِهِ.
{حَكِيمٌ} [النور: 18] فِي أَمْرِهِ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19] أَنْ يَظْهَرَ الزِّنَا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} [النور: 19] يَعْنِي تَفْشُو.
وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ قَتَادَةَ: يَظْهَرُ.
{فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [النور: 19] هُمُ الْمُنَافِقُونَ.
كَانُوا يُحِبُّونَ ذَلِكَ لِيَعِيبُوا بِهِ النَّبِيَّ وَيَغِيظُوهُ.
قَالَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور: 19] وَعَذَابُ الدُّنْيَا لِلْمُنَافِقِينَ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمُ الزَّكَاةُ كَرْهًا، وَمَا يُنْفِقُونَ فِي الْغَزْوِ كَرْهًا.
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 20] هِيَ مِثْلُ الأُولَى، أَيْ لأَهْلَكَهُمْ فَاسْتَأْصَلَهُمْ.
يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا مَا قَالُوا.
وَلَيْسَ يَعْنِي بِالْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ فِيهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهُ فِي النَّارِ.
قَالَ: {وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور: 20] بِالْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ} [النور: 21] خَطَايَا.
{الشَّيْطَانِ} [النور: 21] وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَمْرَ الشَّيْطَانِ.
{وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ} [النور: 21] فَإِنَّ الشَّيْطَانَ.
{يَأْمُرُ} [النور: 21] بِالْخَطِيئَةِ وَيَأْمُرُ.
{بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور: 21] قَالَ: النُّذُورُ فِي الْمَعَاصِي.
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ:(1/434)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا نَذْرَ فِي غَضَبٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» .
قَالَ: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} [النور: 21] هِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{مَا زَكَا مِنْكُمْ} [النور: 21] مَا صَلُحَ مِنْكُمْ.
{مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي} [النور: 21] يُصْلِحُ.
{مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21] قَوْلُهُ: {وَلا يَأْتَلِ} [النور: 22] قَالَ قَتَادَةُ: وَلا يَحْلِفُ.
{أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} [النور: 22] الْغِنَى.
{أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] أَيْ فَكَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمِسْطَحٍ.
كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ قَرَابَةٌ، وَكَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ، وَكَانَ الَّذِي أَذَاعَ عَلَى عَائِشَةَ مَا أُذِيعَ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَهَا وَعُذْرَهَا تَأَلَّى أَبُو بَكْرٍ، حَلَفَ أَلا يَرْزَأَهُ خَيْرًا أَبَدًا.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
- قَالَ يَحْيَى: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَعَا أَبَا بَكْرٍ فَتَلاهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَا تُحِبُّ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْكَ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: فَاعْفُ وَتَجَاوَزْ.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا جَرَمَ، وَاللَّهِ لا أَمْنَعُهُ مَعْرُوفًا كُنْتُ أُولِيهِ إِيَّاهُ قَبْلَ الْيَوْمِ.
وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَفَّرَ يَمِينَهُ لِذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 23] الْعَفَائِفَ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{الْغَافِلاتِ} [النور: 23] أَيْ لَمْ يَفْعَلْنَ الَّذِي قُذِفْنَ بِهِ.
{الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {24} } [النور: 23-24](1/435)
بَلَغَنِي أَنَّهُ يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ.
- أَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ: قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَوْلُهُ: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: 25] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ عَمَلَهُمُ الْحَقَّ، أَهْلُ الْحَقِّ بِحَقِّهِمْ، وَأَهْلُ الْبَاطِلِ بِبَاطِلِهِمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي حِسَابَهُمُ الْعَدْلُ.
قَالَ يَحْيَى: يُدَانُونَ بِعَمَلِهِمْ.
{وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور: 25] الْبَيِّنُ.
وَالْحَقُّ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور: 26] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هِيَ الأَعْمَالُ الْخَبِيثَةُ وَالْكَلامُ الْخَبِيثُ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ النَّاسِ وَالطَّيِّبَاتُ مِنَ الْكَلامِ وَالْعَمَلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ النَّاسِ.
قَالَ يَحْيَى: مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
وَهَذَا فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ} [النور: 26] يَعْنِي الْخَبِيثَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلْخَبِيثِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} [النور: 26] يَعْنِي الطَّيِّبَاتُ مِنَ الْقَوْلِ لِلطَّيِّبِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.
قَالَ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [النور: 26] لِذُنُوبِهِمْ.
{وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26] الْجَنَّةُ.
قَوْلُهُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَهُوَ الاسْتِئْذَانُ.
- {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ(1/436)
قَالَ: أَخْطَأَ الْكَاتِبُ، حَتَّى تَسْتَأْذِنُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] حَتَّى تَنَحْنَحُوا وَتَنَخَّمُوا.
قَالَ يَحْيَى: وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ مُؤَخَّرَةٌ: حَتَّى تُسَلِّمُوا وَتَسْتَأْذِنُوا.
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: أَدْخُلُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: قُمْ فَعَلِّمْ هَذَا كَيْفَ يَسْتَأْذِنُ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ يَسْتَأْذِنُ، فَسَمِعَهَا الرَّجُلُ فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ.
- عُثْمَانُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: جِئْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي بَيْتِهِ فَقُلْتُ: أَلِجُ؟ فَأَذِنَ لِي.
فَدَخَلْتُ فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي، إِذَا اسْتَأْذَنْتَ فَلا تَقُلْ: أَلِجُ وَقُلْ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ، فَإِذَا قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلامُ فَقُلْ: أَدْخُلُ؟ فَإِذَا قَالُوا: ادْخُلْ، فَادْخُلْ.
- وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ الأَشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذِنْ لَهُ فَرَجَعَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: مَا رَدَّكَ عَنْ بَابِنَا؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنِ اسْتَأْذَنَ ثَلاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» .
قَالَ: لَتَجِيئَنَّ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ لأَجْعَلَنَّكَ نَكَالا.
فَأَتَى طَلْحَةَ، فَجَاءَ، فَشَهِدَ لَهُ.
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: الأُولَى إِذْنٌ، وَالثَّانِيَةُ مُؤَامَرَةٌ، وَالثَّالِثَةُ عَزْمَةٌ، إِنْ شَاءُوا أَذِنُوا وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا.
قَالَ يَحْيَى: كُنَّا وَنَحْنُ نَطْلُبُ الْحَدِيثَ إِذَا جِئْنَا إِلَى بَابِ الْفَقِيهِ اسْتَأْذَنَ مِنَّا رَجُلٌ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْذِنْ لَنَا تَقَدَّمَ آخَرُ فَاسْتَأْذَنَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يُؤْذِنْ لَنَا تَقَدَّمَ آخَرُ فَيَسْتَأْذِنُ مَرَّتَيْنِ مَخَافَةَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنَّا ثَلاثًا فَلا يُؤْذَنُ لَهُ، ثُمَّ يُؤْذَنُ بَعْدُ فَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ لأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَقَدْ أُذِنَ لِغَيْرِهِ.
- وَحَدَّثَنِي ابْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَكَ الرَّسُولُ فَهُوَ إِذْنُكَ» .
- وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَوْ غَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تَأْذَنُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ» .(1/437)
- هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَجُلا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَيَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى وَالِدَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا، أَوْ عَلَى أُخْتِهِ وَأَخَوَاتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
- وَحَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ: أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ فَقَالَ: «نَعَمْ» .
قَالَ إِنِّي أَخْدُمُهَا.
فَقَالَ: «اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا» .
فَعَاوَدَهُ ثَلاثًا فَقَالَ: «أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟» .
قَالَ: لا، قَالَ: «فَاسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا» .
- وَحَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُنَّ لِي أَخَوَاتٌ أَنَا مَعَهُنَّ فِي بَيْتٍ، فَحَرَصْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَنْ يُرَخِّصَ لِي أَنْ أَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ بِغَيْرِ إِذْنٍ، فَأَبَى.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: يَسْتَأْذِنُ الرَّجُلُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ إِلا عَلَى امْرَأَتِهِ.
- وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَجُلٍ وَمَعَهُ نَفَرٌ فَقَالَ الرَّجُلُ: ادْخُلْ.
فَقَالَ عُمَرُ: وَمَنْ مَعِي؟ فَقَالَ: وَمَنْ مَعَكَ.
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَيْسَ فِي الدُّورِ إِذْنٌ.
قَالَ يَحْيَى: أَظُنُّهُ يَعْنِي الدَّارَ الْمُشْتَرَكَةَ الَّتِي فِيهَا حُجَرٌ، وَلَيْسَ فِي الْحَوَانِيتِ إِذْنٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي الْقَصَّافِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِذْنُهُمْ أَنَّهُمْ جَاءُوا بِبُيُوعِهِمْ فَجَعَلُوهَا فِيهَا وَقَالُوا لِلنَّاسِ: هَلُمَّ.
- وَحَدَّثَنِي الصَّلْتُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا جَاءَ إِلَى بُيُوتِ التُّجَّارِ فَسَلَّمَ لِيَدْخُلَ فَقِيلَ لَهُ: ادْخُلْ بِسَلامٍ، رَجَعَ وَلَمْ يَدْخُلْ لِقَوْلِهِمُ: ادْخُلْ بِسَلامٍ.
قَوْلُهُ: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور: 27] لِكَيْ تَذَكَّرُوا.
قَوْلُهُ: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا} [النور: 28] يَعْنِي الْبُيُوتَ الْمَسْكُونَةَ.
{فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ} [النور: 28] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا} [النور: 28] إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا(1/438)
مَتَاعٌ فَلا تَدْخُلُوهَا إِلا بِإِذْنٍ.
{وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا} [النور: 28] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لا تَقِفْ عَلَى بَابِ قَوْمٍ رَدُّوكَ عَنْ بَابِهِمْ فَإِنَّ لِلنَّاسِ حَاجَاتٍ وَلَهُمْ أَشْغَالٌ.
قَالَ: {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: 28] خَيْرٌ لَكُمْ.
{وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [النور: 28] قَوْلُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [النور: 29] يَعْنِي الْخَانَاتِ، وَهِيَ الْفَنَادِقُ.
{فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: 29] يَنْزِلُهَا الرَّجُلُ فِي سَفَرِهِ فَيَجْعَلُ فِيهَا مَتَاعَهُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَهْلٌ يَسْكُنُونَهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: 29] مَنَافِعُ لَكُمْ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: كَانُوا يَضَعُونَ بِالطَّرِيقِ أَقْتَابًا وَأَمْتِعَةً فِي بُيُوتٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ فَأُحِلَّتْ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ} [النور: 29] أَيْ: خَرِبَةٌ {فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: 29] فِيهَا مَنْفَعَةٌ.
قَالَ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ} [النور: 29] مَا تُعْلِنُونَ.
{وَمَا تَكْتُمُونَ} [النور: 29] مَا تُسِرُّونَ فِي صُدُورِكُمْ.
قَوْلُهُ: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] يَعْنِي: يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي.
مَنْ هَاهُنَا صِلَةٌ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا لا يَحِلُّ لَهُمْ مِنَ النَّظَرِ.
- حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمرِو بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنِ النَّظَرِ فَجْأَةً فَقَالَ: «اصْرِفْ بَصَرَكَ» .(1/439)
- الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «ابْنَ آدَمَ، لَكَ أَوَّلُ نَظْرَةٍ فَمَا بَالُ الثَّانِيَةِ» ؟
قَوْلُهُ: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: 30] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عَنْ مَا لا يَحِلُّ لَهُمْ.
وَهَذِهِ فِي الأَحْرَارِ وَالْمَمْلُوكِينَ.
{ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30] قَوْلُهُ: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31] يَعْنِي يَغْضُضْنَ أَبْصَارَهُنَّ.
مَنْ هَاهُنَا صِلَةٌ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عَمَّا لا يَحِلُّ لَهُمْ مِنَ النَّظَرِ.
{وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] مِمَّا لا يَحِلُّ لَهُنَّ وَهَذِهِ فِي الْحُرَّةِ وَالأَمَةِ.
قَوْلُهُ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] هَذِهِ فِي الْحَرَائِرِ.
- وَحَدَّثَنِي شَرِيكٌ وَسُفْيَانُ وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ: الثِّيَابُ.
وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَ ذَلِكَ.
- الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قَالَ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] يَعْنِي: إِلا مَا بَدَا فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ شَبِيبٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ فَقَالَتِ: الْقُلْبُ وَالْفَتْخَةُ.
قَالَ حَمَّادٌ: يَعْنِي الْخَاتَمَ.
وَقَالَتْ بِثَوْبِهَا عَلَى ثَوْبِهَا فَشَدَّتْهُ.(1/440)
قَالَ يَحْيَى: هَذِهِ الآيَةُ فِي الْحَرَائِرِ.
وَأَمَّا الإِمَاءُ
- فحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى أَمَةً عَلَيْهَا قِنَاعٌ فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ فِي حَدِيثِ سَعِيدٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ: فَتَنَاوَلَهَا بِالدِّرَّةِ وَقَالَ: اكْشِفِي رَأْسَكِ.
وَقَالَ سَعِيدٌ: وَلا تَشَبَّهِي بِالْحَرَائِرِ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَمَّادٌ وَنَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّ جَوَارِي عُمَرَ يَخْدُمْنَنَا كَاشِفَاتِ الرُّءُوسِ، تَضْطَرِبُ ثُدِيُّهُنَّ بَادِيَةً خِدَامُهُنَّ.
قَوْلُهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] تُسْدِلُ الْخِمَارَ عَلَى جَيْبِهَا وَهُوَ نَحْرُهَا.
{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31] وَهَذِهِ الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ.
{إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: 31] يَعْنِي أَزْوَاجَهُنَّ.
{أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31] الْمُسْلِمَاتُ يَرَيْنَ مِنْهَا مَا يَرَى ذُو الْمَحْرَمِ، وَلا تَرَى ذَلِكَ مِنْهَا الْيَهُودِيَّةُ، وَلا النَّصْرَانِيَّةُ، وَلا الْمَجُوسِيَّةُ.
قَالَ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] فَهَذِهِ ثَلاثُ حُرَمٍ بَعْضُهَا أَعْظَمُ مِنْ بَعْضٍ مِنْهُنَّ الزَّوْجُ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا فَهَذِهِ حُرْمَةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ.
وَمِنْهُنَّ الأَبُ، وَالابْنُ، وَالأَخُ، وَالْعَمُّ، وَالْخَالُ، وَابْنُ الأَخِ، وَابْنُ الأُخْتِ.
وَالرَّضَاعُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّسَبِ فَلا يَحِلُّ لَهَا وَلا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى الشَّعْرِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
نا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لا تَضَعُ الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ أَبِيهَا وَلا ابْنِهَا وَلا أُخْتِهَا وَلا أَخِيهَا.(1/441)
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَنْظُرُونَ إِلَى مَوْضِعِ الْقُرْطَيْنِ وَالْقِلادَةِ وَالسِّوَارَيْنِ وَالْخَلْخَالَيْنِ.
قَالَ يَحْيَى: وَهَذِهِ الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ.
- حَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لا يَنْبَغِي أَنْ يَبْدُوَ مِنَ الْمَرْأَةِ لِذَوِي الْمَحْرَمِ إِلا السِّوَارُ وَالْخَاتَمُ وَالْقُرْطُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: القُصَّةُ وَالْقُرْطَانِ، وَالْقِلادَةُ، مِنَ الزِّينَةِ.
نا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] أَوْ أَبْنَائِهِنَّ وَالأَخِ وَابْنِ الأَخِ وَابْنِ الأُخْتِ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ.
قَالَ: مَا فَوْقَ الذِّرَاعِ.
وَحُرْمَةٌ أُخْرَى الثَّالِثَةُ فِيهِمْ أَبُو الزَّوْجِ وَابْنُ الزَّوْجِ وَالتَّابِعُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: {غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] غَيْرِ أُولِي الْحَاجَةِ إِلَى النِّسَاءِ.
وَهُمْ قَوْمٌ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ فُقَرَاءُ طُبِعُوا عَلَى غَيْرِ شَهْوَةِ النِّسَاءِ.
نا عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النور: 31] الَّذِينَ لا يَهُمُّهُمْ إِلا بُطُونَهُمْ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: وَلا يَخَافُونَ عَلَى النِّسَاءِ.
نا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ الأَحْمَقُ الَّذِي لا تَشْتَهِيهِ الْمَرْأَةُ وَلا يَغَارُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ.
نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: هُوَ الْكَبِيرُ الَّذِي لا يُطِيقُ النِّسَاءَ.(1/442)
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَتْبَعُ الرَّجُلُ مِنْهُمُ الرَّجُلَ يَخْدُمُهُ بِطَعَامِ بَطْنِهِ.
وَمَمْلُوكُ الْمَرْأَةِ لا بَأْسَ أَنْ تَقُومَ بَيْنَ يَدَيْ هَؤُلاءِ فِي دِرْعٍ ضَيِّقٍ، وَخِمَارٍ ضَيِّقٍ بِغَيْرِ جِلْبَابٍ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لا تَخْلُو الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ إِلا أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا وَإِنْ قِيلَ: حَمْؤُهَا، إِنَّمَا حَمْؤُهَا الْمَوْتُ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لا تَضَعُ الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ مَمْلُوكِهَا فَإِنْ فَجَأَهَا فَلا شَيْءَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] الإِمَاءُ وَلَيْسَ الْعَبِيدُ.
- قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لا تَضَعُ الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا عِنْدَ عَبْدِ سَيِّدِهَا.
قَوْلُهُ: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: الْغُلامُ الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلْمَ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الَّذِي لَمْ يَبْلُغِ الْحُلْمَ وَلا النِّكَاحَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: لَمْ يَدْرُوا مَا هُنَّ لِصِغَرٍ قَبْلَ الْحُلْمِ.
قَالَ: وَأَمَّا أَبُو زَوْجِهَا، وَابْنُ زَوْجِهَا، وَالتَّابِعُ غَيْرُ أُولِي الإِرْبَةِ،(1/443)
وَمَمْلُوكُهَا فَإِنَّهُمْ لا يَنْظُرُونَ إِلَى مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ الابْنُ، وَالأَبُ، وَالأَخُ، وَابْنُ الأَخِ، وَابْنُ الأُخْتِ، وَالْعَمُّ، وَالْخَالُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ رَضَاعٌ، لأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ كَانَتْ تَحِلُّ لابْنِ زَوْجِهَا قَبْلَ نِكَاحِ الأَبِ إِيَّاهَا، وَقَدْ كَانَتْ تَحِلُّ لأَبِي زَوْجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ لِلتَّابِعِ.
فَلَيْسَ هَؤُلاءِ مِثْلُ هَؤُلاءِ فِي الْحُرْمَةِ، فَلا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ وَلَكِنْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا دِرْعٌ وَخِمَارٌ لأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُمْ فِي حَالٍ.
وَكَذَلِكَ مَمْلُوكُ الْمَرْأَةِ، لأَنَّهُ إِذَا أُعْتِقَ حَلَّتْ لَهُ.
فَهَؤُلاءِ مِثْلُ الأَجْنَبِيِّينَ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا.
كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ مَعَ حَمُوهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَلا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَمْ تَكُنْ تَحِلُّ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلا تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ تَحِلُّ لَهُ ثُمَّ صَارَتْ لا تَحِلُّ لَهُ بَعْدُ فَلا تُسَافِرُ مَعَهُ.
قَوْلُهُ: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] نا سَعِيدُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَضْرِبُ بِرِجْلَيْهَا إِذَا مَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ لِتُسْمِعَ قَعْقَعَةَ الْخَلْخَالَيْنِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: تَضْرِبُ إِحْدَى رِجْلَيْهَا بِالأُخْرَى حَتَّى يُسْمَعَ صَوْتُ الْخَلْخَالَيْنِ فَنُهِينَ عَنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ} [النور: 31] مِنْ ذُنُوبِكُمْ.
{لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31] لِكَيْ تُفْلِحُوا فَتَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: 32] يَعْنِي: كُلَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ.
قَالَ الْحَسَنُ: هَذِهِ فَرِيضَةٌ.
قَالَ: ونا عُثْمَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ قَوْمًا(1/444)
نَزَلُوا مَنْزِلا ثُمَّ ارْتَحَلُوا، وَبَغَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ فَرُفِعَتْ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَجَلَدَهَا عُمَرُ الْحَدَّ وَقَالَ: اسْتَوْصُوا بِهَا خَيْرًا وَزَوِّجُوهَا فَإِنَّهَا مِنَ الأَيَامَى.
- وَحَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ: «تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْبَشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
- وَحَدَّثَنِي خَالِدٌ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ نِصْفَ الدِّينِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي» .
قَوْلُهُ: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} [النور: 32] أَيْ: وَأَنْكِحُوا الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ، يَعْنِي الْمَمْلُوكِينَ الْمُسْلِمِينَ.
{وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32] أَيْ: وَأَنْكِحُوا الصَّالِحِينَ مِنْ إِمَائِكُمُ الْمُسْلِمَاتِ.
وَهَذِهِ رُخْصَةٌ.
وَلَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ بِوَاجِبٍ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ وَعَبْدَهُ.
قَوْلُهُ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي الرَّوَّادِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اطْلُبُوا الْغِنَى فِي هَذِهِ الآيَةِ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] ".
- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ رَجُلٍ لَمْ يَلْتَمِسِ الْغِنَى فِي الْبَاءَةِ وَاللَّهُ يَقُولُ: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] .(1/445)
قَالَ: {وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32] وَاسِعٌ لِخَلْقِهِ عَلِيمٌ بِهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33] حَتَّى يَجِدُوا مَا يَتَزَوَّجُونَ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] وَلَيْسَتْ بِفَرِيضَةٍ إِنْ شَاءَ كَاتَبَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُكَاتِبْهُ.
وَقَوْلُهُ: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] قَالَ السُّدِّيُّ: مَالا.
نا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنْ عَلِمْتُمْ عِنْدَهُمْ مَالا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنْ عَلِمْتُمْ مِنْهُمْ صِدْقًا وَوَفَاءً وَأَمَانَةً.
نا الْمُعَلَّى، عَنِ الأَشْعَثِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: إِذَا صَلَّوْا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ.
قَالَ يَحْيَى: كَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ أَنْ يُكَاتِبَ الْمَمْلُوكَ وَلَيْسَ لَهُ حِيلَةٌ، يَكُونُ عِيَالا عَلَى النَّاسِ.
قَالَ يَحْيَى: نَكْرَهُ أَنْ نُكَاتِبَهُ وَلَيْسَتْ لَهُ حِرْفَةٌ وَلا عَمَلٌ إِلا عَلَى مَسْأَلَةِ النَّاسِ.
فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حِرْفَةٌ أَوْ عَمَلٌ ثُمَّ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنَ الْفَرِيضَةِ أَوِ التَّطَوُّعِ فَلا بَأْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِي ذَلِكَ.
فَإِنْ عَجَزَ فَلَمْ يُؤَدِّ الْمُكَاتَبَةَ عَلَى نُجُومِهَا كَمَا اشْتَرَطَ سَيِّدُهُ فَهُوَ رَقِيقٌ إِلا إِنْ شَاءَ سَيِّدُهُ أَنْ يُؤَخِّرَهُ.
فَإِنْ رَجَعَ مَمْلُوكًا وَقَدْ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ جَعَلَ سَيِّدُهُ مَا أَخَذَ مِنْهُ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي الْمُكَاتَبِينَ.
وَإِذَا كَاتَبَهُ وَعِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ سَيِّدُهُ ثُمَّ أَدَّى مُكَاتَبَتَهُ فَذَلِكَ الْمَالُ لِلسَّيِّدِ.
وَكُلُّ مَالٍ أَصَابَهُ فِي كِتَابَتِهِ فَهُوَ لَهُ إِذَا أَدَّى كِتَابَتَهُ وَوَلاؤُهُ لِسَيِّدِهِ الَّذِي كَاتَبَهُ.
وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَتُهُ فَوَلَدَتْ فِي مُكَاتَبَتِهَا فَأَوْلادُهَا بِمَنْزِلَتِهَا، إِذَا أَدَّتْ خَرَجُوا أَحْرَارًا مَعَهَا، وَإِنْ عَجَزَتْ فَرَجَعَتْ مَمْلُوكَةً رَجَعُوا مَمْلُوكِينَ مَعَهَا.(1/446)
- حَدَّثَنَا سَعِيدٌ وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالا: لِمَوَالِيهِ شُرُوطُهُمْ، فَإِنْ عَجَزَ رُدَّ فِي الرِّقِّ.
بِهِ يَأْخُذُ يَحْيَى.
- وَحَدَّثَنِي بَحْرُ بْنُ كُنَيْزٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ عَبْدٌ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ حَيَاتَهُ وَمَوْتَهُ.
قَالَ: وَلَوْ تَرَكَ مَالا فَهُوَ عَبْدٌ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدَّى، لَوْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ حَتَّى يُوَفِّيَهُ.
- وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا أَدَّى الثُّلُثَ أَوْقَفَ رَقَبَتَهُ فَهُوَ غَرِيمٌ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي بِالْوُقُوفِ الثَّمَنَ.
وَحَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: الْمُكَاتَبُ تُجْرَى فِيهِ الْعِتَاقَةُ فِي أَوَّلِ نَجْمٍ يُؤَدَّى.
- وَحَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلاسٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إِذَا عَجَزَ اسْتَسْعَى سَنَتَيْنِ فَإِنْ أَدَّى وَإِلا رُدَّ فِي الرِّقِّ.
لا يَأْخُذُ بِهِ يَحْيَى.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ مُكَاتَبًا لَهُ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ.
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: لا تَفْعَلْ فَإِنِّي رَادُّكَ فِي الرِّقِّ.
فَقَالَ: إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ.
فَرَدَّهُ فِي الرِّقِّ ثُمَّ أَعْتَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أُمِرُوا أَنْ يَدَعَ طَائِفَةً مِنْ مُكَاتِبِيهِ أَوْ يُسَاغُ لَهُ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: يَدَعُ لَهُ الرُّبُعَ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ فَضَالَةَ أَبِي الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ الْمُكَاتَبَةُ عَلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةِ وَقِيَّةٍ، فَفَعَلَ وَلَمْ يَسْتَزِدْنِي.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى حَفْصَةَ فَقَالَ: إِنِّي كَاتَبْتُ غُلامِي، وَإِنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي الْيَوْمَ شَيْءٌ، فَابْعَثِي لِي بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَتَّى يَأْتِيَنِي شَيْءٌ، أَوْ قَالَ: يَخْرُجُ عَطَائِي.
فَبَعَثَتْ إِلَيْهِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَأَخَذَهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] ثُمَّ قَالَ: هَاكَ(1/447)
بَارَكَ اللَّهُ لَكَ.
فَدَفَعَهَا إِلَيَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُؤَدِّيَ شَيْئًا.
فَبَارَكَ اللَّهُ لِي حَتَّى أَدَّيْتُ مُكَاتَبَتِي، وَعُتِقْتُ، وَفَعَلْتُ.
قَوْلُهُ: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [النور: 33] يَعْنِي الزِّنَا.
{إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور: 33] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عِفَّةً وَإِسْلامًا.
{لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور: 33] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُكْرِهُ مَمْلُوكَتَهُ عَلَى الْبِغَاءِ فَيَكْثُرُ وَلَدُهَا.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ فِي أَمَةٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ كَانَ يُكْرِهُهَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ رَجَاءَ أَنْ تَلِدَ مِنْهُ، فَيَفْدِي وَلَدَهُ، فَذَلِكَ الْعَرَضُ الَّذِي كَانَ ابْنُ أُبَيٍّ يَبْتَغِي.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 33] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ لَهُنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَيْسَتْ لَهُمْ.
وَكَذَلِكَ هِيَ فِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} [النور: 34] الْحَلالَ، وَالْحَرَامَ، وَالأَمْرَ، وَالنَّهْيَ وَالإِحْكَامَ.
{وَمَثَلا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [النور: 34] أَخْبَارَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: سُنَنَ الْعَذَابِ فِي الأُمَمِ الْخَالِيَةِ.
قَالَ: {وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [النور: 34] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ الْقُرْآنُ.
- وَحَدَّثَنِي النَّضْرُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سِتِّ آيَاتٍ: آيَةٌ مُبَشِّرَةٌ، وَآيَةٌ مُنْذِرَةٌ، وَآيَةُ فَرِيضَةٍ، وَآيَةُ قِصَصٍ وَإِخْبَارٍ، وَآيَةٌ تَأْمُرُكَ، وَآيَةٌ تَنْهَاكَ.
قَوْلُهُ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35] يَعْنِي هُدَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ.
{مَثَلُ نُورِهِ} [النور: 35] يَعْنِي مِثْلَ هُدَاهُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35] قَالَ قَتَادَةُ: مُنِيرٌ ضَخْمٌ.
{يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ(1/448)
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35] أَمَّا قَوْلُهُ: {مَثَلُ نُورِهِ} [النور: 35]
- حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} [النور: 35] لا مَثَلَ لِنُورِ اللَّهِ، مَثَلُ نُورِ الْمُؤْمِنِ كَمِشْكَاةٍ.
قَالَ يَحْيَى: يَقُولُ مَثَلُ نُورِهِ الَّذِي أَعْطَى الْمُؤْمِنَ فِي قَلْبِهِ كَمِشْكَاةٍ.
- قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْمِشْكَاةُ: الْكُوَّةُ فِي الْبَيْتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَافِذَةٍ.
وَهِيَ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.
وَهِيَ مِثْلُ صَدْرِ الْمُؤْمِنِ.
- أَشْعَثُ، عَنْ عَاصِمٍ الْجَحْدَرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمِشْكَاةُ الرَّزْوَنَةُ فِي الْبَيْتِ.
قَالَ يَحْيَى: وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ.
قَالَ: {فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور: 35] وَهُوَ النُّورُ الَّذِي فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ.
قَالَ: {الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ} [النور: 35] صَافِيَةٍ.
وَالزُّجَاجَةُ الْقِنْدِيلُ.
وَهُوَ مِثْلُ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ.
قَلْبٌ صَافٍ.
{الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور: 35] قَالَ قَتَادَةُ: مُنِيرٌ ضَخْمٌ.
{يُوقَدُ} [النور: 35] مَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ يَعْنِي الْمِصْبَاحَ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ: تُوقَدُ يَعْنِي الزُّجَاجَةَ بِمَا فِيهَا.
فَكَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ يَتَوَقَّدُ نُورًا.
{مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35] وَهِيَ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ.
{لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور: 35] قَالَ بَعْضُهُمْ: لا شَرْقِيَّةٌ تُصِيبُهَا الشَّمْسُ إِذَا أَشْرَقَتْ وَلا تُصِيبُهَا إِذَا غَرَبَتْ، وَلا غَرْبِيَّةٌ تُصِيبُهَا الشَّمْسُ إِذَا غَرَبَتْ وَلا تُصِيبُهَا إِذَا أَشْرَقَتْ لَيْسَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا الشَّرْقُ دُونَ الْغَرْبِ، وَلا الْغَرْبُ دُونَ الشَّرْقِ، وَلَكِنْ يُصِيبُهَا الشَّرْقُ وَالْغَرْبُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لا يَفِيءُ عَلَيْهَا ظِلٌّ شَرْقِيٌّ وَلا غَرْبِيٌّ.
كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهَا ضَاحِيَةٌ لِلشَّمْسِ.
وَهِيَ أَصْفَى الزَّيْتِ، وَأَعْذَبُهُ، وَأَطْيَبُهُ.(1/449)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا تُصِيبُهَا فِي شَرْقٍ وَلا فِي غَرْبٍ.
هِيَ فِي سَفْحِ جَبَلٍ، وَهِيَ شَدِيدَةُ الْخُضْرَةِ، وَهِيَ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ.
لا شَرْقِيَّةٌ، لا نَصْرَانِيَّةٌ تُصَلِّي إِلَى الشَّرْقِ، وَلا غَرْبِيَّةٌ، وَلا يَهُودِيَّةٌ تُصَلِّي إِلَى الْمَغْرِبِ، إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
الْمَوْضِعُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ غَرْبِيُّهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ.
{يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} [النور: 35] يَكَادُ زَيْتُ الزُّجَاجَةِ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ وَهُوَ مِثْلُ قَلْبِ الْمُؤْمِنِ يَكَادُ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ فِيمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْ مُوَافَقَةِ الْحَقِّ فِيمَا أُمِرَ بِهِ وَفِيمَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ مَا نُهِيَ عَنْهُ.
وَهُوَ مَثَلٌ لِقَوْلِهِ: {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35] قَالَ مُجَاهِدٌ: نُورُ النَّارِ عَلَى الزَّيْتِ فِي الْمِصْبَاحِ، فَكَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ، إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ صَارَ نُورًا عَلَى نُورٍ كَمَا صَارَ الْمِصْبَاحُ حِينَ جَعَلْتَ فِيهِ النَّارَ نُورًا عَلَى نُورٍ.
فَكَذَلِكَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ نُورًا عَلَى نُورٍ، نُورُ الزُّجَاجَةِ، وَنُورُ الزَّيْتِ، وَنُورُ الْمِصْبَاحِ.
{يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ} [النور: 35] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي لِدِينِهِ.
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35] يَعْنِي: نَبِيًّا مِنْ نَسْلِ نَبِيٍّ.
قَالَ: {مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 35] قَوْلُهُ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَنْ تُبْنَى.
{وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هِيَ الْمَسَاجِدُ.
- مَنْدَلٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» .
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ:(1/450)
«مَنْ بَنَى مَسْجِدًا مِنْ مَالِهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» .
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: إِنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا: إِنَّ بُيُوتِي فِي الأَرْضِ الْمَسَاجِدَ فَمَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي أَكْرَمْتُهُ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ كَرَامَةُ الزَّائِرِ.
قَوْلُهُ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] الْغُدُوُّ صَلاةُ الصُّبْحِ، وَالآصَالُ الْعَشِيُّ، الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الآيَةِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَجَمِيعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسُ فِي غَيْرِ آيَةٍ.
قَالَ: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ} [النور: 37] التِّجَارَةُ، الْجَالِبُ، وَالْبَيْعُ الَّذِي يَبِيعُ عَلَى يَدَيْهِ.
قَالَ: {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 37] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي عَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.
قَالَ: {وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور: 37] كَانُوا إِذَا سَمِعُوا الْمُؤَذِّنَ تَرَكُوا بَيْعَهُمْ وَقَامُوا إِلَى الصَّلاةِ.
وَذَكَرَ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الأَذَانَ وَالصَّلاةَ، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ.
وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: قَوْمٌ لا تُلْهِيهِمُ التِّجَارَةُ عَنْ وَقْتِ الصَّلاةِ، وَهُمْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى امْرَأَةً فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «يَأَيُّهَا النَّاسُ كُفُّوا عَلَيْكُمْ نِسَاءَكُمْ فَإِنَّمَا عُذِّبَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ أَرْسَلُوا نِسَاءَهُمْ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَالأَسْوَاقِ» .
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ فِي مَكَانٍ خَيْرٌ مِنْ قَعْرِ بَيْتِهَا، إِلا أَنْ يَكُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَسْجِدَ النَّبِيِّ، إِلا أَنْ تَخْرُجَ فِي مَنْقَلَيْهَا.
قَالَ حَمَّادٌ: الْمَنْقَلانِ: الْخُفَّانِ.
- إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أسيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ السَّاعِدِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا(1/451)
أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا، وَحُجْرَتُهَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ دَارِهَا، وَدَارُهَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ مَسْجِدِ عَشِيرَتِهَا، وَمَسْجِدُ عَشِيرَتِهَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ مَسْجِدِي» .
هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ كَعْبًا قَالَ: صَلاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي صُفَّتِهَا وَصَلاتُهَا فِي صُفَّتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا.
ثُمَّ يَتْبَعُهُ قَتَادَةُ: وَمَا سَتَرَ امْرَأَةٍ فَهُوَ خَيْرٌ لَهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَهَذَا الْحَرْفُ يُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا} [النور: 36] فِي الْمَسْجِدِ {رِجَالٌ} [النور: 37] ، قَالَ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ {36} رِجَالٌ} [النور: 36-37] وَالْحَرْفُ الآخَرُ {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [النور: 36] ثُمَّ قَالَ: {رِجَالٌ} [النور: 37] فَهُمُ الَّذِينَ يُسَبِّحُونَ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ.
قَوْلُهُ: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور: 37] قُلُوبُ الْكُفَّارِ وَأَبْصَارُهُمْ.
وَتَقَلُّبُ الْقُلُوبِ أَنَّ الْقُلُوبَ انْتُزِعَتْ مِنْ أَمَاكِنِهَا، فَغَصَّتْ بِهِ الْحَنَاجِرُ، فَلا هِيَ تَرْجِعُ إِلَى أَمَاكِنِهَا وَلا هِيَ تَخْرُجُ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر: 18] وَأَمَّا تَقَلُّبُ الأَبْصَارِ، فَالزَّرَقُ بَعْد الْكَحَلِ، وَالْعَمَى بَعْدَ الْبَصَرِ.
قَوْلُهُ: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور: 38] ثَوَابَ مَا عَمِلُوا، الْجَنَّةَ.
{وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 38] فَأَهْلُ الْجَنَّةِ أَبَدًا فِي مَزِيدٍ.
حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: وَجَدْتُ فِي التَّوْرَاةِ: إِنَّ بُيُوتِي فِي الأَرْضِ الْمَسَاجِدَ فَمَنْ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ زَارَنِي فِي بَيْتِي أَكْرَمْتُهُ وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ الزَّائِرَ، وَوَجَدْتُ فِي الْقُرْآنِ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ {36} رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ {37}(1/452)
لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ {38} } [النور: 36-38] قَوْلُهُ: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 38] بِغَيْرِ أَنْ يُحَاسِبَ نَفْسَهُ، أَيْ: لا يَنْقُصُ مَا عِنْدَ اللَّهِ كَمَا يَنْقُصُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 38] يَقُولُ: لَيْسَ فِيهِ تِبَاعَةٌ فِيمَا يَرْزُقُ.
وَيَقُولُ: أَنَا الْمَلَكُ أُعْطِي مَنْ شِئْتُ بِغَيْرِ حِسَابٍ أَخَافُهُ مِنْ أَحَدٍ، لَيْسَ فَوْقِي مَلِكٌ يُحَاسِبُنِي.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لا أَحَدٌ يُحَاسِبُهُمْ بِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ كَقَوْلِهِ: {لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [فصلت: 8] غَيْرُ مَحْسُوبٍ.
وَقَالَ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ} [النور: 39] قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهُوَ الْقَاعُ الْقَرْقَرَةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بِقِيعَةٍ مِنَ الأَرْضِ.
{يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ} [النور: 39] الْعَطْشَانُ.
{مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39] كَقَوْلِهِ: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: 18] وَالْعَطْشَانُ مِثْلُ الْكَافِرِ، وَالسَّرَابُ مِثْلُ عَمَلِهِ، يَحْسَبُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ، فَإِذَا جَاءَهُ الْمَوْتُ لَمْ يَجِدْ عَمَلَهُ أَغْنَى عَنْهُ شَيْئًا إِلا كَمَا يَنْفَعُ السَّرَابُ الْعَطْشَانَ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا مِثْلُ عَمَلِ الْكَافِرِ، يَرَى أَنَّ لَهُ خَيْرًا وَأَنَّهُ قَادِمٌ عَلَى خَيْرٍ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لَمْ يَجِدْ خَيْرًا قَدِمَهُ.
قَوْلُهُ: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور: 39] ثَوَابَ عَمَلِهِ.
{وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39] قَالَ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} [النور: 40] هَذَا مِثْلُ قَلْبِ الْكَافِرِ.
{فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور: 40](1/453)
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ عَمِيقٌ قَعِيرٌ.
أَيْ غَمْرٌ.
{يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} [النور: 40] ثُمَّ وَصَفَ ذَلِكَ الْمَوْجَ فَقَالَ: {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} [النور: 40] ظُلْمَةُ الْبَحْرِ، وَظُلْمَةُ الْمَوْجِ وَظُلْمَةُ السَّحَابِ، وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي بِهِ الْكَافِرَ يَقُولُ: قَلْبُهُ مُظْلِمٌ، فِي صَدْرٍ مُظْلِمٍ، فِي جَسَدٍ مُظْلِمٍ.
قَلْبُهُ بِالشِّرْكِ، وَصَدْرُهُ بِالْكُفْرِ، وَجَسَدُهُ بِالشَّكِّ، وَهُوَ النِّفَاقُ.
قَالَ: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: 40] مِنْ شِدَّةِ الظُّلْمَةِ.
{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] يَعْنِي الْكَافِرَ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا مِثْلُ عَمَلِ الْكَافِرِ، فِي ضَلالاتٍ مُتَكَسِّعٌ فِيهَا.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} [النور: 41] قَالَ قَتَادَةُ: صَافَّاتٌ بِأَجْنِحَتِهَا.
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] الصَّلاةُ لِلإِنْسَانِ يَعْنِي الْمُؤْمِنَ، {وَتَسْبِيحَهُ} [النور: 41] التَّسْبِيحُ لِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ خَلْقِهِ.
{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [النور: 41] قَوْلُهُ: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [النور: 42] الْبَعْثُ.
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا} [النور: 43] يُنْشِئُ سَحَابًا.
{ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} [النور: 43] يَجْمَعُ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ.
{ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} [النور: 43] بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.(1/454)
{فَتَرَى الْوَدْقَ} [النور: 43] الْمَطَرَ.
{يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} [النور: 43] مِنْ خَلَلِ السَّحَابِ.
{وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النور: 43] يُنَزِّلُ مِنْ تِلْكَ الْجِبَالِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَرَدٍ.
إِنَّ فِي السَّمَاءِ جِبَالًا مِنْ بَرَدٍ.
{فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 43] فَيُهْلِكُ الزَّرْعَ كَقَوْلِهِ: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران: 117] بَرْدٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: رِيحٌ بَارِدَةٌ {أَصَابَتْ} [آل عمران: 117] الرِّيحُ {حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ} [آل عمران: 117] وَمَا أَصَابَ الْعِبَادَ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِذُنُوبِهِمْ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ كَقَوْلِهِ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لابْنِ عَبَّاسٍ: بِتْنَا اللَّيْلَةَ نُمْطِرُ الضَّفَادِعَ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَدَقَ، إِنَّ فِي السَّمَاءِ بِحَارًا.
قَوْلُهُ: {وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ} [النور: 43] يَصْرِفُ ذَلِكَ الْبَرْدَ عَمَّنْ يَشَاءُ.
{يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} [النور: 43] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ ضَوْءُ بَرْقِهِ.
{يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ} [النور: 43]
- حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عُوَيْمِرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَأَى أَحَدُكُمُ الْبَرْقَ أَوِ الْوَدْقَ فَلا يُشِرْ إِلَيْهِ وَلْيَنْعَتْ» .
- وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «اطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ» .
قَوْلُهُ: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [النور: 44] هُوَ أَخْذُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ كَقَوْلِهِ: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} [الحديد: 6](1/455)
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} [النور: 44] لآيَةً.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَعْرِفَةً.
{لأُولِي} [النور: 44] لِذَوِي.
{الأَبْصَارِ} [النور: 44] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ أَبْصَرُوا الْهُدَى.
قَوْلُهُ: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [النور: 45] يَعْنِي النُّطْفَةَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- وَحَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ شَيْءٍ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ» .
أَرَاهُ يَعْنِي الْحَيَوَانَ.
نَحْوَ قَوْلِ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ} [النور: 45] الْحَيَّةُ.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: 45] أَيْ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنَّمَا قَالَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى كَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى كَذَا، وَمِنْهُمْ يَمْشِي عَلَى كَذَا، خَلْقُ اللَّهِ كَثِيرٌ.
قَالَ: {وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] قَوْلُهُ: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور: 45] قَوْلُهُ: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ} [النور: 46] الْقُرْآنَ، مَا يُبَيِّنُ اللَّهُ فِيهِ.
{وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النور: 46] إِلَى دِينٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَالصِّرَاطُ: الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [النور: 47] مِنْ بَعْدِ مَا قَالُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا} [النور: 47] {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ {47} وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ {48} } [النور: 47-48] عَن اللَّه، وَعَنْ رَسُولِهِ، وَكِتَابِهِ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ، يُظْهِرُونَ الإِيمَانَ وَيُسِرُّونَ الشِّرْكَ.
قَوْلُهُ: {وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} [النور: 49] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ وَابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: {مُذْعِنِينَ} [النور: 49] ، سِرَاعًا.
الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ عَلَى الرَّجُلِ الْحَقُّ(1/456)
عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ، فَإِذَا قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي إِلَى النَّبِيِّ، فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ الْحَقَّ لَهُ ذَهَبَ مَعَهُ، وَإِنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَطْلُبُ بَاطِلًا أَبَى أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ {48} وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ {49} أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ
أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {50} إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {51} } [النور: 48-51] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ خُصُومَةٌ فَدَعَاهُ إِلَى حَكَمٍ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ» .
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ دُعِيَ إِلَى حَكَمٍ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لا حَقَّ لَهُ» .
وَفِي تَفْسِيرِ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانُوا يَدْعُونَ إِلَى وَثَنٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ.
وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [النور: 50] وَهُوَ الشِّرْكُ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: نِفَاقٌ.
{أَمِ ارْتَابُوا} [النور: 50] فَشَكُّوا فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ قَدْ فَعَلُوا.
{أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} [النور: 50] وَالْحَيْفُ: الْجَوْرُ.
أَيْ قَدْ خَافُوا ذَلِكَ.
{بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [النور: 50] ظُلْمُ النِّفَاقِ وَالشِّرْكِ.
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51] فَهَذَا قَوْلُ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ الْقَوْلُ الأَوَّلُ قَوْلُ الْمُنَافِقِينَ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ} [النور: 52] فِيمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ.
{وَيَتَّقْهِ} [النور: 52] فِيمَا بَقِيَ.
{فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52] النَّاجُونَ مِنَ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [النور: 53] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ.
{لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ} [النور: 53] إِلَى الْجِهَادِ.
وَأَقْسَمُوا وَلَمْ يَسْتَثْنَوْا، وَفِيهُمُ(1/457)
الضَّعِيفُ وَالْمَرِيضُ، وَمَنْ يُوضَعُ عَنْهُ الْخُرُوجُ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْ لا تُقْسِمُوا} [النور: 53] أَيْ: لا تَحْلِفُوا.
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلامَ فَقَالَ: {طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ} [النور: 53] خَيْرٌ.
وَهَذَا إِضْمَارٌ.
أَيْ: خَيْرٌ مِمَّا تُضْمِرُونَ مِنَ النِّفَاقِ.
{إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [النور: 53] {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النور: 54] يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ.
ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} [النور: 54] يَعْنِي: فَإِنْ أَعْرَضْتُمْ عَنْهُمَا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، عَنِ اللَّهِ وَعَنِ الرَّسُولِ.
{فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ} [النور: 54] أَيْ مِنَ الْبَلاغِ.
{وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [النور: 54] مِنْ طَاعَتِهِ.
وَهَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادٌ وَشَرِيكٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: قَامَ يَزِيدُ بْنُ سَلَمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ عَلَيْنَا أُمَرَاءٌ يَأْخُذُونَنَا بِالْحَقِّ وَمَنَعُونَاهُ فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ فَأَخَذَ الأَشْعَثُ بِثَوْبِهِ فَأَجْلَسَهُ فِي حَدِيثِ حَمَّادٍ، ثُمَّ قَامَ فَعَادَ فَأَخَذَ الأَشْعَثُ بِثَوْبِهِ فَقَالَ: لا أَزَالُ أَسْأَلُهُ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ أَوْ تُخْبِرُنِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّمَا عَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَعَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا» .
قَوْلُهُ: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ} [النور: 54] يَعْنِي النَّبِيَّ.
{تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور: 54] كَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [الأنعام: 107] تَحْفَظُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ حَتَّى تُجَازِيَهُمْ بِهَا.
قَوْلُهُ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 55] مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ.
{وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور: 55] أَيْ: سَيَنْصُرُهُمْ بِالإِسْلامِ حَتَّى يُظْهِرَهُمْ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، فَيَكُونُوا الْحُكَّامَ عَلَى أَهْلِ الأَدْيَانِ.
- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ الْكَلاعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: «لا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ وَلا(1/458)
وَبَرٍ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ كَلِمَةَ الإِسْلامِ بِعِزٍّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلٍّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللَّهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَإِمَّا يُذِلُّهُمُ اللَّهُ فَيَدِينُونَ لَهَا» .
الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ الْجَزَرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: اللَّهُ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَتَّخِذَ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً وَاحِدًا وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ} [النور: 55] ، وَلَكِنِّي أَثْقَلَكُمْ حِمْلًا.
قَالَ: {وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55] كَقَوْلِهِ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال: 26] فَارِسُ وَالرُّومُ.
{فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [الأنفال: 26] قَالَ: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] يَقُولُ: مَنْ أَقَامَ عَلَى كُفْرِهِ بَعْدَ هَذَا الَّذِي أَنْزَلْتُ: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55] يَعْنِي فِسْقَ الشِّرْكِ.
قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [النور: 56] الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَإِقَامَتُهَا أَنْ تُحَافِظَ عَلَى وُضُوئِهَا، وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا.
{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النور: 56] يَعْنِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ.
{وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56] لِكَيْ تُرْحَمُوا، فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ رُحِمْتُمْ.
قَوْلُه: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ} [النور: 57] قَالَ قَتَادَةُ: سَابِقِينَ فِي الأَرْضِ.
{وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النور: 57] أَيْ: لا تَحْسَبَنَّهُمْ يَسْبِقُونَنَا حَتَّى لا تَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنُحَاسِبُهُمْ، وَحِسَابُهُمْ أَنْ يَكُونَ {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [النور: 57] الْمَرْجِعُ.
وَالْمَأْوَى، الْمَنْزِلُ.
قَوْلُهُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ} [النور: 58] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: لَمْ يَحْتَلِمُوا.
{ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} [النور: 58] وَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ الْقَائِلَةِ.(1/459)
{وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58] وَهِيَ السَّاعَاتُ الَّتِي يَخْلُو فِيهِنَّ الرَّجُلُ بِأَهْلِهِ لِحَاجَتِهِ مِنْهَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58] فَهُمُ الْمَمْلُكُونَ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الَّذِينَ يَخْدُمُونَ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ وَمَنْ كَانَ مِنَ الأَطْفَالِ مِنَ الْمَمْلُوكِينَ.
{وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ} [النور: 58] قَالَ: الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ، يَعْنِي الأَطْفَالَ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ الْوَصْفَ إِذَا رَأَوْا شَيْئًا.
وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مَثَلَهُمْ مِنَ الْمَمْلُوكِينَ، إِلا الصِّغَارَ الَّذِينَ لا يُحْسِنُونَ الْوَصْفَ إِذَا رَأَوْا شَيْئًا مِنَ الأَحْرَارِ وَالْمَمْلُوكِينَ فَلا يَنْبَغِي لَهَا وَلا الْكِبَارِ، وَالَّذِينَ يُحْسِنُونَ الْوَصْفَ أَنْ يَدْخُلُوا هَذِهِ الثَّلاثَ سَاعَاتٍ إِلا بِإِذْنٍ، إِلا أَلا يَكُونَ لِلرَّجُلِ إِلَى أَهْلِهِ حَاجَةٌ.
وَلا يَنْبَغِي لَهُ إِذَا كَانَتْ لَهُ إِلَى أَهْلِهِ حَاجَةٌ أَنْ يَطَأَ أَهْلَهُ وَمَعَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ هَؤُلاءِ أَحَدٌ.
فَلِذَلِكَ لا يَدْخُلُونَ فِي هَذِهِ الثَّلاثِ سَاعَاتٍ إِلا بِإِذْنٍ.
قَالَ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} [النور: 58] بَعْدَ هَذِهِ الثَّلاثِ السَّاعَاتِ أَنْ يَدْخُلُوا بِغَيْرِ إِذْنٍ.
{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} [النور: 58] يَدْخُلُونَ بِغَيْرِ إِذْنٍ.
{بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58] حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ وَأَشْعَثُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَرَانِي وَصِيفَةً لَهُ خُمَاسِيَّةً.
وَقَالَ نَصْرٌ: نَحْوُ الْخُمَاسِيَّةِ أَوْ أَصْغَرُ.
فَقَالَ: مَا تَدْخُلُ عَلَيَّ هَذِهِ فِي هَذِهِ الثَّلاثِ السَّاعَاتِ إِلا بِإِذْنٍ.
نَصْرُ بْنُ طَرِيفٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِذَا كَانُوا مَعَكَ فِي الْبَيْتِ فَهُوَ إِذْنُهُمْ.
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: إِنَّا قَوْمٌ تُجَّارٌ نُسَافِرُ وَنَشْتَرِي الْجَوَارِيَ فَنَنْزِلُ فِي الْخِبَاءِ، فَنَكُونُ جَمِيعًا.
أَفَيَغْشَى الرَّجُلُ مِنَّا جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيهِ فِي الْخِبَاءِ وَهُنَّ فِيهِ فَغَضِبَ وَقَالَ: لا.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: 59] يَعْنِي مَنِ احْتَلَمَ.(1/460)
{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ} [النور: 59] هَكَذَا يُبَيِّنُ اللَّهُ.
{لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ} [النور: 59] بِخَلْقِهِ.
{حَكِيمٌ} [النور: 59] فِي أَمْرِهِ.
قَوْلُهُ: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي} [النور: 60] قَدْ قَعَدَتْ مِنَ الْمَحِيضِ وَالْوَلَدِ.
{لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] لا يُرِدْنَهُ.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
قَالَ يَحْيَى: قَدْ كَبِرْنَ عَنْ ذَلِكَ.
{فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] غَيْرَ مُتَزَيِّنَةٍ وَلا مُتَشَوِّفَةٍ.
وَأَمَّا الَّتِي قَعَدَتْ مِنَ الْمَحِيضِ وَلَمْ تَبْلُغْ هَذَا الْحَدَّ فَلا.
وَالْجِلْبَابُ: الرِّدَاءُ الَّذِي يَكُونُ فَوْقَ الثِّيَابِ، وَإِنْ كَانَ كِسَاءً، أَوْ سَاجًا أَوْ مَا كَانَ مِنْ ثَوْبٍ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ الَّتِي لا تَحِيضُ وَلا تُحَدِّثُ نَفْسَهَا بِالأَزْوَاجِ، رَخَّصَ لَهَا أَنْ تَضَعَ جِلْبَابَهَا.
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: {فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور: 60] قَالَ: تَضَعُ الْجِلْبَابَ.
قَالَ: فَلَقِيتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ فَقَالَ: تَضَعُ الْخِمَارَ إِنْ شَاءَتْ.
- وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لا يَنْبَغِي أَنْ يَبْدُوَ مِنَ الْمَرْأَةِ لِذَوِي الْمَحْرَمِ إِلا السِّوَارُ وَالْخَوَاتِمُ وَالْقُرْطُ.
ذَكَرَهُ ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ.
قَالَ: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} [النور: 60] يَعْنِي {اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا} [النور: 60] عَنْ تَرْكِ الْجِلْبَابِ.
{خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 60] قَوْلُهُ: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] يَعْنِي مَنْ كَانَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَرَضٍ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا كَانُوا يَعْزِلُونَ الأَعْمَى وَالأَعْرَجَ وَالْمَرِيضَ فَلا يُؤَاكِلُونَهُمْ.
وَكَانَتِ الأَنْصَارُ فِيهِمْ تَنَزُّهٌ وَتَكَرُّمٌ.
فَقَالُوا: إِنَّ الأَعْمَى لا(1/461)
يُبْصِرُ طَيِّبَ الطَّعَامِ، وَالأَعْرَجَ لا يَسْتَطِيعُ الزِّحَامَ عِنْدَ الطَّعَامِ، وَالْمَرِيضُ لا يَأْكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الصَّحِيحُ، فَاعْزِلُوا لَهُمْ طَعَامَهُمْ عَلَى نَاحِيَةٍ.
وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ عَلَيْهِمْ فِي مُؤَاكَلَتِهِمْ جُنَاحًا.
وَكَانَ الأَعْمَى وَالأَعْرَجُ وَالْمَرِيضُ يَقُولُونَ: لَعَلَّنَا نُؤْذِيهِمْ إِذَا أَكَلْنَا مَعَهُمْ، فَاعْتَزَلُوا مُؤَاكَلَتَهُمْ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] لَيْسَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ وَلا عَلَى الَّذِينَ تَأَثَّمُوا مِنْ أَمْرِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ يَغْزُونَ وَيُخَلِّفُونَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مَنْ يَحْفَظُهَا، فَكَانُوا يَتَأَثَّمُونَ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانُوا يُخَلِّفُونَ عَلَيْهَا الأَعْرَجَ وَالأَعْمَى وَالْمَرِيضَ وَالزَّمْنَى الَّذِينَ لا يَخْرُجُونَ فِي الْغَزْوِ، فَرُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: مُنِعَتِ الْبُيُوتُ زَمَانًا.
كَانَ الرَّجُلُ لا يَتَضَيَّفُ أَحَدًا وَلا يَأْكُلُ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ تَأَثُّمًا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] قَالَ قَتَادَةُ: فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ رَخَّصَ اللَّهُ لَهُ الأَعْمَى، وَالأَعْرَجَ، وَالْمَرِيضَ.
ثُمَّ رَخَّصَ لِعَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: 61] مِمَّا تُحِبُّونَ.
هَكَذا.
{أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] قَالَ قَتَادَةُ: فَلَوْ أَكَلْتَ مِنْ بَيْتِ صَدِيقِكَ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَتِهِ لَكَانَ اللَّهُ قَدْ أَحَلَّ لَكَ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: 61]
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَغْزُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ(1/462)
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخَلِّفُونَ الضُّمَنَاءَ عَلَى خَزَائِنِهِمْ، فَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْهَا شَيْئًا، فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ أَنْ يُصِيبُوا مِنْهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمَمْلُوكُونَ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةٌ عَلَى بُيُوتِ مَوَالِيهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} [النور: 61] خَزَانَتُهُ مِمَّا كُنْتُمْ عَلَيْهِ أُمَنَاءَ.
وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى الرَّجُلِ، يَعْنِي صَدِيقَهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ وَيَرَى الآخَرُ الشَّيْءَ مِنَ الطَّعَامِ فِي الْبَيْتِ، أَيَأْكُلُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: كُلْ مِنْ طَعَامِ أَخِيكَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ: كُنَّا فِي بَيْتِ قَتَادَةَ فَأُتِينَا بِبُسْرٍ، فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَّا بُسُرَاتٍ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا الْخَطَّابِ، إِنِّي قَدْ أَخَذْتُ مِنْ هَذَا الْبُسْرِ.
فَقَالَ: هُوَ لَكَ حَلالٌ وَإِنْ لَمْ تَذْكُرْهُ لِي لأَنَّكَ مُؤَاخِيَّ.
قَالَ يَحْيَى: لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ فِي هَذِهِ الآيَةِ بَيْتَ الابْنِ، فَرَأَيْتُ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ إِنَّمَا قَالَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ» .
مِنْ هَذِهِ الآيَةِ، لأَنَّهُ قَالَ: {وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النور: 61] وَلَمْ يَقُلْ: أَوْ بُيُوتِ أَبْنَائِكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْقَرَابَةِ حَتَّى ذَكَرَ الصَّدِيقَ وَلَمْ يَذْكُرِ الابْنَ.
قَوْلُهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ بَنُو كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ يَرَى أَحَدُهُمْ أَنَّ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، حَتَّى إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَسُوقُ الذَّوْدَ وَالْحُفَّلَ وَهُوَ جَائِعٌ حَتَّى يَجِدَ مَنْ يُؤَاكِلُهُ وَيُشَارِبُهُ.
وَكَانَ الرَّجُلُ يَتَّخِذُ الْخَيَالَ إِلَى جَنْبِهِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُؤَاكِلُ وَيُشَارِبُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ.
قَوْلُهُ: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] يَعْنِي عَلَى أَهْلِ دِينِكُمْ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ.
{تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [النور: 61] لِكَيْ تَعْقِلَوُا.(1/463)
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِذْ دَخَلْتَ فَسَلِّمْ عَلَى أَهْلِكَ فَهُمْ أَحَقُّ مَنْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ.
فَإِذَا دَخَلْتَ بَيْتًا لا أَحَدَ فِيهِ فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّهُ كَانَ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ.
حُدِّثْنَا أَنَّ الْمَلائِكَةَ تَرُدُّ عَلَيْهِ.
وَإِنْ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِمْ سَلَّمَ، وَإِنْ مَرَّ بِهِمْ أَوْ لَقِيَهُمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا، سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ: {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] عَلَى إِخْوَانِكُمْ.
وَإِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ سَلامٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَافْتَحْ لِي بَابَ رَحْمَتِكَ.
فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا كَثِيرَ الأَهْلِ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ، وَإِنْ كَانُوا قَلِيلًا أَسْمَعَهُمُ التَّسْلِيمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، السَّلامُ عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا.
وَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا غَيْرَ مَسْكُونٍ مِمَّا قَالَ اللَّهُ: {فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ} [النور: 29] وَهِيَ الْفَنَادِقُ يَنْزِلُهَا الرَّجُلُ الْمُسَافِرُ وَيَجْعَلُ فِيهَا مَتَاعَهُ، فَإِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ قَالَ: السَّلامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.
السَّلامُ عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا.
- خَالِدٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ، وَالرَّاكِبُ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» .
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي وَيُسَلِّمُ رَاكِبُ الدَّابَّةِ عَلَى رَاكِبِ الْبَعِيرِ، وَيُسَلِّمُ الْفَارِسُ عَلَى صَاحِبِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ.
- خَالِدٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِذَا سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى الْقَوْمِ فَرَدَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، وَإِذَا كَانُوا نَاسًا فَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمَجْلِسِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ» .
وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: كُنَّ النِّسَاءُ يُسَلِّمْنَ عَلَى الرِّجَالِ، وَلا يُسَلِّمُ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسَلِّمُ عَلَى النِّسَاءِ.
وَحَدَّثَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ زَهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ وَأَبَا حَازِمٍ يُسَلِّمَانِ عَلَى النِّسَاءِ إِذَا مَرَّا عَلَيْهِنَّ.
- وَحَدَّثَنِي خِدَاشٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ(1/464)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا وَنَحْنُ غِلْمَانٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا.
- وَحَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إِنَّ السَّلامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ» .
وَحَدَّثَنِي الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ أَنَّ مَسْعُودَ قَالَ: السَّلامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ فِي الأَرْضِ، فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ، فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ إِذَا مَرَّ بِالْقَوْمِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيْهِ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِمْ فَضِيلَةُ دَرَجَةٍ بِأَنَّهُ ذَكَّرَهُمُ السَّلامَ، فَإِنْ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَأَطْيَبُ: الْمَلائِكَةُ.
- وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: فَمَرَرْنَا بِقَوْمٍ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِمْ قَالَ: فَلا أَدْرِي أَشَغَلَهُمُ الْحَدِيثُ أَوْ مَا مَنَعَهُمْ مِنْ أَنْ يَرُدُّوا السَّلامَ.
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ: سَلامُ رَبِّي وَالْمَلائِكَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، سَلامُ رَبِّي وَالْمَلائِكَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ.
- وَحَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ وَالْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ مِنَ الْمَعْرُوفِ سِتُّ خِصَالٍ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ، وَيُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ، وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ، وَيَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَنْصَحُ لَهُ إِذَا تَغَيَّبَ عَنْهُ، وَيَشْهَدُ جِنَازَتَهُ إِذَا مَاتَ» .
- وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: " بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ جَالِسٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ، عَشْرٌ، أَيْ عَشْرُ حَسَنَاتٍ.
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، عِشْرُونَ حَسَنَةً.
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثَلاثُونَ حَسَنَةً.
ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا يَتَفَاضَلُ النَّاسُ، مَنْ قَعَدَ فَلْيُسَلِّمْ، وَمَنْ قَامَ فَلْيُسَلِّمْ.
قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ فَلَمْ يُسَلِّمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَسْرَعُ مَا نَسِيَ هَذَا ".
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَقِيتُمُ الْيَهُودِيَّ أَوِ النَّصْرَانِيَّ فَلا تَبْدَءوهُ بِالسَّلامِ.
وَإِذَا لَقِيتُمُوهُ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ» .
- سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ» .
فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ(1/465)
فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكَ مَا قُلْتَ ".
- حَمَّادٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَسَدَكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلامِ وَآمِينَ» .
قَوْلُه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} [النور: 62] الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ، وَالاسْتِسْقَاءِ، وَكُلِّ شَيْءٍ تَكُونُ فِيهِ الْخُطْبَةُ.
{لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النور: 62] أَيْ: مُخْلِصِينَ غَيْرَ مُنَافِقِينَ.
{فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ} [النور: 62] كَمَا أَمَرَ اللَّهُ عَنِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ.
{فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: 62] وَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالإِمَامِ بَعْدَهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ وَلَكِنْ زَادَ اللَّهُ بِذَلِكَ إِكْرَامَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَإِعْظَامَ مَنْزِلَتِهِ.
فَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ حَاجَةٌ قَامَ حِيَالَ الإِمَامِ وَأَمْسَكَ بِأَنْفِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ.
قَالَ: {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 62] قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ سَعِيدًا يَذْكُرُ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهَا نُسِخَتِ الآيَةُ فِي بَرَاءَةٍ: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43] وَهِيَ عِنْدَهُ فِي الْجِهَادِ، لأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يَسْتَأْذِنُونَهُ فِي الْمُقَامِ عَنِ الْغَزْوِ بِالْعِلَلِ، فَرَخَّصَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَسْتَأْذِنُوا إِذَا كَانَ لَهُمْ عُذْرٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ} [النور: 62] عَلَى أَمْرِ طَاعَةٍ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي لِينٍ وَتَوَاضُعٍ وَلا يَقُولُوا: يَا مُحَمَّدُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ، وَأَنْ يُعَظَّمَ وَيُسَوَّدَ، وَأُمِرُوا أَنْ يُجِيبُوهَ لِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْجِهَادِ وَالدِّينِ.(1/466)
قَوْلُهُ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا} [النور: 63] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ وَعَنْ كِتَابِهِ وَذِكْرِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: خَلْفًا يَعْنِي التَّخَلُّفَ، أَيْ: فِرَارًا مِنَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ يَلُوذُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ اسْتِتَارًا مِنَ النَّبِيِّ حَتَّى يَذْهَبُوا.
قَالَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ.
{أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63] بَلِيَّةٌ.
يَقُولُ: فَلْيَحْذَرُوا أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ، بَلِيَّةٌ.
{أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] أَيْ: يَسْتَخْرِجُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يُظْهِرُوُه شِرْكًا فَيُصِيبُهُمْ بِذَلِكَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ، الْقَتْلُ.
قَوْلُهُ: {أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} [النور: 64] مِنَ النِّفَاقِ، يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ.
{وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ} [النور: 64] يَقُولُ لِلنَّبِيِّ: يَوْمَ يَرْجِعُ الْمُنَافِقُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [النور: 64] مِنَ النِّفَاقِ وَالْكُفْرِ.
{وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور: 64]
- ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الآيَةَ، خَاتِمَةَ النُّورِ، فَجَعَلَ إِصْبَعَهُ تَحْتَ عَيْنِهِ فَقَالَ: بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ.(1/467)
سُورَةُ الْفُرْقَانِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ: {تَبَارَكَ} [الفرقان: 1] وَهُوَ مِنْ بَابِ الْبَرَكَةِ كَقَوْلِهِ: تَعَالَى، ارْتَفَعَ.
قَوْلُهُ: {الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} [الفرقان: 1] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ الْقُرْآنُ.
وَفُرْقَانُهُ حَلالُهُ وَحَرَامُهُ.
{عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ} [الفرقان: 1] يَعْنِي الإِنْسَ وَالْجِنَّ.
تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{نَذِيرًا} [الفرقان: 1] يُنْذِرُهُمُ النَّارَ وَعَذَابَ الدُّنْيَا قَبْلَ عَذَابِ النَّارِ فِي الآخِرَةِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
- قَالَ: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2] حَدَّثَنِي عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى هَذِهِ، وَوَضَعَ طَرْفَ إِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ عَلَى طَرْفِ لِسَانِهِ، ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى ظُفْرِ إِبْهَامِهِ الْيُسْرَى.
قَوْلُهُ: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ} [الفرقان: 3] مِنْ دُونِ اللَّهِ.
{آلِهَةً} [الفرقان: 3] يَعْنِي الأَوْثَانَ.
{لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] يَصْنَعُونَهَا بِأَيْدِيهِمْ.(1/468)
وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] يَعْنِي أَصْنَامَهُمُ الَّتِي عَمِلُوا بِأَيْدِيهِمْ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] بِأَيْدِيكُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَهُمْ يُخْلَقُونَ} [الفرقان: 3] يَعْنِي: وَهُمْ يُصَوَّرُونَ.
قَوْلُهُ: {وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ} [الفرقان: 3] يَعْنِي الأَوْثَانَ.
{ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا} [الفرقان: 3] أَيْ: لا يُمِيتُونَ أَحَدًا.
{وَلا حَيَاةً} [الفرقان: 3] أَيْ: وَلا يُحْيُونَ أَحَدًا.
{وَلا نُشُورًا} [الفرقان: 3] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَلا بَعْثًا.
لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا} [الفرقان: 4] يَعْنُونَ الْقُرْآنَ.
قَوْلُهُ: {إِلا إِفْكٌ} [الفرقان: 4] قَالَ قَتَادَةُ: إِلا كَذِبٌ.
{افْتَرَاهُ} [الفرقان: 4] يَعْنُونَ مُحَمَّدًا.
{وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ} [الفرقان: 4] عَلَى الْقُرْآنِ.
{قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4] يَهُودُ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنُونَ عَبْدَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَبْدُ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَعَدَّاسٌ غُلامُ عُتْبَةَ.
قَالَ اللَّهُ: {فَقَدْ جَاءُوا} [الفرقان: 4] قَالَ قَتَادَةُ: فَقْد أَتَوْا.
{ظُلْمًا} [الفرقان: 4] إِثْمًا وَشِرْكًا.
{وَزُورًا} [الفرقان: 4] كَذِبًا.
{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [الفرقان: 5] قَالَ قَتَادَةُ: أَحَادِيثُ الأَوَّلِينَ، أَيْ: كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ.
{اكْتَتَبَهَا} [الفرقان: 5] يَقُولُ: اكْتَتَبَهَا مُحَمَّدٌ.
كَتَبَ الأَسَاطِيرَ مِنْ عَبْدِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ.(1/469)
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: وَعَدَّاسٍ غُلامِ عُتْبَةَ.
{فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ} [الفرقان: 5] عَلَى مُحَمَّدٍ.
{بُكْرَةً وَأَصِيلا} [الفرقان: 5] وَالأَصِيلُ: الْعَشِيُّ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْ أَنْزَلَهُ} [الفرقان: 6] أَنْزَلَ الْقُرْآنَ.
{الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 6] قَوْلُهُ: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ} [الفرقان: 7] فِيمَا يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولٌ.
{يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا} [الفرقان: 7] هَلا.
{أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] فَيُصَدِّقُهُ بِمَقَالَتِهِ.
{أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ} [الفرقان: 8] فَإِنَّهُ فَقِيرٌ.
{أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: 8] وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ يَقْرَأُهَا: نَأْكُلُ مِنْهَا.
{وَقَالَ الظَّالِمُونَ} [الفرقان: 8] الْمُشْرِكُونَ، يَعْنِيهِمْ.
{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الفرقان: 8] قَالَ الْكَلْبِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَامُوا مِنَ الْمَسْجِدِ إِلَى دَارٍ فِي أَصْلِ الصَّفَا فِيهَا نَبِيُّ اللَّهِ يُصَلِّي فَاسْتَمَعُوا.
فَلَمَّا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ مِنْ صَلاتِهِ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا الْوَلِيدِ، لِعُتْبَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، أَتَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ؟ فَقَالَ عُتْبَةُ: اللَّهُمَّ أَعْرِفُ بَعْضًا وَأُنْكِرُ بَعْضًا.
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَأَنْتَ يَا أَبَا سُفْيَانَ، هَلْ تَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا يَقُولُ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ.
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ لأَبِي جَهْلٍ: يَا أَبَا الْحَكَمِ، هَلْ تَعْرِفُ مِمَّا يَقُولُ شَيْئًا؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لا، وَالَّذِي جَعَلَهَا بَنْيَةً، يَعْنِي الْكَعْبَةَ، مَا أَعْرِفُ مِمَّا يَقُولُ قَلِيلًا وَلا كَثِيرًا وَ {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلا مَسْحُورًا} [الفرقان: 8] قَوْلُهُ: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} [الفرقان: 9] يَعْنِي قَوْلَهُ: {إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4] ، وَقَوْلُهُمْ: {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا} [الفرقان: 5] ، {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ
يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] وَقَوْلُهُمْ: سَاحِرٌ، {شَاعِرٌ} [الأنبياء: 5] وَمَجْنُونٌ(1/470)
وَكَاهِنٌ {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا {7} أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: 7-8] قَالَ اللَّه: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا} [الفرقان: 9] يَعْنِي مَخْرَجًا مِنَ الأَمْثَالِ الَّتِي ضَرَبُوا لَكَ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِلَى الْخَيْرِ.
قَوْلُهُ: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ} [الفرقان: 10] مِمَّا قَالُوا، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ، وَتَمَنَّوْا لَهُ: {أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان: 8] أَيْ يَجْعَلَ لَهُمْ مَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ.
{جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الفرقان: 10] فَإِنَّمَا قَالُوا هُمْ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ.
{وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا} [الفرقان: 10] مُشَيَّدَةً فِي الدُّنْيَا إِنْ شَاءَ.
كُلُّ هَذَا قَالَتْهُ قُرَيْشٌ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَهَذا عَلَى مَقْرَأِ مَنْ لَمْ يَرْفَعْهَا.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ: وَيَجْعَلُ لَكَ قُصُورًا فِي الآخِرَةِ.
قَالَ: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ} [الفرقان: 11] بِالْقِيَامَةِ.
{وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان: 11] اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ.
قَوْلُهُ: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] مَسِيرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ.
{سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا} [الفرقان: 12] عَلَيْهِمْ.
{وَزَفِيرًا} [الفرقان: 12] صَوْتًا.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا} [الفرقان: 13] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَقُولُ: إِنَّ جَهَنَّمَ(1/471)
لَتَضِيقُ عَلَى الْكَافِرِ كَمَضِيقِ الزُّجِّ عَلَى الرُّمْحِ.
قَوْلُهُ: {مُقَرَّنِينَ} [الفرقان: 13] يُقْرَنُ هُوَ وَشَيْطَانُهُ الَّذِي كَانَ يَدْعُوهُ إِلَى الضَّلالَةِ فِي سِلْسِلَةٍ وَاحِدَةٍ، يَلْعَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، يَتَبَرَّأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ.
قَوْلُهُ: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} [الفرقان: 13] قَالَ قَتَادَةُ: وَيْلًا وَهَلاكًا.
{لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا} [الفرقان: 14] وَيْلًا وَهَلاكًا وَاحِدًا.
{وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان: 14] وَيْلًا كَثِيرًا وَهَلاكًا طَوِيلًا.
ثُمَّ قَالَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} [الفرقان: 15] أَيْ أَنَّ جَنَّةَ الْخُلْدِ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ.
{الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا} [الفرقان: 15] قَالَ قَتَادَةُ: جَزَاءً بِأَعْمَالِهِمْ، {وَمَصِيرًا} [الفرقان: 15] أَيْ مَنْزِلًا وَمَثْوًى.
{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ} [الفرقان: 16] لا يَمُوتُونَ وَلا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
{كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولا} [الفرقان: 16] سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلَتِ الْمَلائِكَةُ اللَّهَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَهِيَ فِي سُورَةِ حم الْمُؤْمِنِ: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} [غافر: 8] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ نَجْمَعُهُمْ.
{وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ} [الفرقان: 17] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُضِلُّوهُمْ.
يَقُولُهُ لِلْمَلائِكَةِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُهُ لِعِيسَى وَعُزَيْرٍ وَالْمَلائِكَةِ.
قَالَ يَحْيَى: وَنَظِيرُ قَوْلِ الْحَسَنِ فِي هَذِهِ الآيَةِ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ {40} قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} [سبأ: 40-41] أَيِ: الشَّيَاطِينُ مِنَ الْجِنِّ.
{أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [الفرقان: 17] قَالَتِ الْمَلائِكَةُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.(1/472)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمَلائِكَةُ وَعِيسَى وَعُزَيْرٌ.
{قَالُوا سُبْحَانَكَ} [الفرقان: 18] يُنَزِّهُونَ اللَّهَ عَنْ ذَلِكَ.
{مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: 18] أَيْ: لَمْ نَكُنْ نُوَالِيهِمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ إِيَّانَا.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: {أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: 18] يَعْبُدُونَنَا مِنْ دُونِكَ.
{وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} [الفرقان: 18] فِي عَيْشِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ عَذَابٍ.
{حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} [الفرقان: 18] حَتَّى تَرَكُوا الذِّكْرَ لَمَّا جَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا.
{وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: 18] وَقَالَ قَتَادَةُ: وَالْبُورُ الْفَاسِدُ، يَعْنِي فَسَادَ الشِّرْكِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: بُورًا، هَالِكِينَ.
قَالَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] فَقَالَ: {بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] قَالَ: يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] أَيْ إِنَّهُمْ آلِهَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: 19] عِيسَى، وَعُزَيْرٌ، وَالْمَلائِكَةُ.
قَالَ: يُكَذِّبُونَ الْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِمْ.
أَيْ إِذْ جَعَلُوهُمْ آلِهَةً، فَانْتَفُوا مِنْ ذَلِكَ وَنَزَّهُوا اللَّهَ عَنْهُمْ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا بِالْيَاءِ: بِمَا يَقُولُونَ يَعْنِي قَوْلَ الْمَلائِكَةِ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ.
وَفِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ: عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالْمَلائِكَةُ.
قَالَ: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} [الفرقان: 19] حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَسَنَ: {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا} [الفرقان: 19] قَالَ: لا تَسْتَطِيعُ لَهُمْ آلِهَتُهُمْ صَرْفًا، أَيْ مِنَ الْعَذَابِ، وَلا نَصْرًا.(1/473)
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ} [الفرقان: 19] مَنْ يُشْرِكْ مِنْكُمْ.
{نُذِقْهُ} [الفرقان: 19] نُعَذِّبْهُ.
{عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: 19] قَالَ يَحْيَى: كَقَوْلِهِ: {إِلا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ {23} فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ {24} } [الغاشية: 23-24] قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: 20] إِلا أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ.
كَقَوْلِهِ: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الأنبياء: 8] وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ.
قَالَ: {وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] وَهَذَا جَوَابٌ لِلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالُوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ} [الفرقان: 7] قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]
- أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْمُبَارَكُ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَيْلٌ لِلْمَالِكِ مِنَ الْمَمْلُوكِ، وَيْلٌ لِلْمَمْلُوكِ مِنَ الْمَالِكِ، وَيْلٌ لِلْعَالِمِ مِنَ الْجَاهِلِ، وَيْلٌ لِلْجَاهِلِ مِنَ الْعَالِمِ، وَيْلٌ لِلْغَنِيِّ مِنَ الْفَقِيرِ، وَيْلٌ لِلْفَقِيرِ مِنَ الْغَنِيِّ، وَيْلٌ لِلشَّدِيدِ مِنَ الضَّعِيفِ، وَيْلٌ لِلضَّعِيفِ مِنَ الشَّدِيدِ» .
قَالَ الْمُبَارَكُ: قَالَ الْحَسَنُ: وَيْلٌ لِهَذَا الْمَالِكِ إِذْ رَزَقَهُ اللَّهُ هَذَا الْمَمْلُوكَ كَيْفَ لَمْ يُحْسِنْ إِلَيْهِ وَيَصْبِرْ.
وَيْلٌ لِهَذَا الْمَمْلُوكِ الَّذِي ابْتَلاهُ اللَّهُ فَجَعَلَهُ لِهَذَا الْمَالِكِ كَيْفَ لَمْ يَصْبِرْ وَيُحْسِنْ.
وَيْلٌ لِهَذَا الْغَنِيِّ إِذْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَا لَمْ يَرْزُقْ هَذَا الْفَقِيرَ كَيْفَ لَمْ يُحْسِنْ وَيَصْبِرْ.
وَيْلٌ لِهَذَا الْفَقِيرِ الَّذِي ابْتَلاهُ بِالْفَقْرِ وَلَمْ يُعْطِهِ مَا أَعْطَى هَذَا الْغَنِيَّ كَيْفَ لَمْ يَصْبِرْ.
وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ.
- وَحَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: وَيْلٌ لِمَنْ لا يَعْلَمُ، مَرَّةً، وَيْلٌ لِمَنْ يَعْلَمُ ثُمَّ لا يَعْمَلُ، سَبْعَ مَرَّاتٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: 20] الأَنْبِيَاءُ وَقَوْمُهُمْ.(1/474)
{أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20] يَعْنِي الرُّسُلَ عَلَى مَا يَقُولُ لَهُمْ قَوْمُهُمْ.
وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، وَأَظُنُّنِي قَدْ سَمِعْتُهُ مِنَ الصَّلْتِ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي الأَشْهَبِ وَالْمُبَارَكِ عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ: هُوَ قَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: 20] وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا عُرِضَ عَلَى آدَمَ ذُرِّيَّتَهُ فَرَأَى فَضْلَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ قَالَ: يَا رَبِّ أَلا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ؟ : قَالَ: يَا آدَمُ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَشْكُرَ لِيَرَى ذُو الْفَضْلِ فَضْلَهُ فَيَحْمَدُنِي
وَيَشْكُرُنِي.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا} [الفرقان: 21] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ لا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ.
{لَوْلا} [الفرقان: 21] هَلا.
{أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} [الفرقان: 21] فَيَشْهَدُوا أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ.
{أَوْ نَرَى رَبَّنَا} [الفرقان: 21] مُعَايَنَةً فَيُخْبِرُنَا أَنَّكَ رَسُولُهُ.
قَالَ اللَّهُ: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان: 21] وَعَصَوْا عِصْيَانًا كَبِيرًا.
ثُمَّ قَالَ: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} [الفرقان: 22] وَهَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ.
{لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 22] لِلْمُشْرِكِينَ، لا بُشْرَى لَهُمْ يَوْمَئِذٍ بِالْجَنَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ تُبَشِّرُهُمُ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِالْجَنَّةِ.
قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} [فصلت: 30] عِنْدَ الْمَوْتِ {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: 30] وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} [الفرقان: 22] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: {وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَرَامًا مُحَرَّمًا عَلَى الْكَافِرِ الْبُشْرَى يَوْمَئِذٍ.
الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ: {حِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 22] قَالَ:(1/475)
حَرَامًا مُحَرَّمًا.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُوَ كَقَوْلِهِ لِلشَّيْءِ: مَعَاذَ اللَّهِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى بِالْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ: {وَقَدِمْنَا} [الفرقان: 23] أَيْ: وَعَمَدْنَا فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ.
{إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ} [الفرقان: 23] أَيْ حَسَنٍ، يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{فَجَعَلْنَاهُ} [الفرقان: 23] فِي الآخِرَةِ.
{هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] وَهُوَ الَّذِي يَتَنَاثَرُ مِنَ الْغُبَارِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ أَثَرِ حَوَافِرِ الدَّوَابِّ إِذَا سَارَتْ.
وَالآيَةُ الأُخْرَى: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 6] وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ الْبَيْتَ مِنَ الْكُوَّةِ مِنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ.
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] هُوَ عِنْدَهُ هَذَا.
قَالَ: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الفرقان: 24] أَهْلُ الْجَنَّةِ.
{يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] مِنْ مُسْتَقَرِّ الْمُشْرِكِينَ.
{وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 24] مَنْزِلا، الْجَنَّةُ يَسْتَقِرُّونَ فِيهَا لا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
وَمُسْتَقَرُّ الْمُشْرِكِينَ جَهَنَّمُ لا يَخْرُجُونَ مِنْهَا.
قَالَ: {وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] قَالَ قَتَادَةُ: {خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الفرقان: 24] قَالَ: مَأْوًى وَمَنْزِلا.
حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ قَالَ: يُجَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلَيْنِ كَانَ أَحَدُهُمَا مَلِكًا فِي الدُّنْيَا، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، فَيُحَاسَبُ، فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ، وَالآخَرُ كَانَ مِسْكِينًا، أَوْ كَمَا قَالَ، فِي الدُّنْيَا فَيُحَاسَبُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، مَا أَعْطَيْتَنِي مِنْ شَيْءٍ فَتُحَاسِبُنِي بِهِ، فَيَقُولُ: صَدَقَ عَبْدِي، فَأَرْسِلُوهُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ.
ثُمَّ يُتْرَكَانِ مَا شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ يُدْعَى بِصَاحِبِ النَّارِ فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الْحُمَمَةِ السَّوْدَاءِ.
فَيُقَالُ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ شَرُّ مَقِيلٍ.
فَيُقَالُ لَهُ: عُدْ.
ثُمَّ(1/476)
يُدْعَى صَاحِبُ الْجَنَّةِ فَإِذَا هُوَ مِثْلُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.
فَيُقَالُ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّ خَيْرُ مَقِيلٍ.
فَيُقَالُ لَهُ: عُدْ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " يَخْرُجُ بَعْدَ مَا يَسْتَقِرُّ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ رَجُلٌ مِنَ النَّارِ وَرَجُلٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ الرَّجُلَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَهُ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ خَيْرُ مَقِيلٍ وَخَيْرُ مَصِيرٍ صَارَ إِلَيْهِ الْعَبْدُ.
فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: إِنَّ لَكَ عِنْدِي الزِّيَادَةَ وَالْكَرَامَةَ، فَارْجِعْ.
وَيَسْأَلُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ: كَيْفَ وَجَدْتَ مَقِيلَكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ شَرُّ مَقِيلٍ وَمَصِيرٍ صَارَ إِلَيْهِ الْعَبْدُ.
ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ.
فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: مَا تُعْطِينِي إِنْ أَخْرَجْتُكَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أُعْطِيكَ مَا سَأَلْتَنِي.
فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مِلْءَ الأَرْضِ ذَهَبًا، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لا أَقْدِرُ عَلَيْهِ، لَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ أَعْطَيْتُكَ.
فَيَقُولُ لَهُ: كَذَبْتَ وَعِزَّتِي، قَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ تُعْطِنِيهِ.
سَأَلْتُكَ أَنْ تَسْأَلَنِي فَأُعْطِيَكَ، وَتَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَكَ، وَتَسْتَغْفِرَنِي فَأَغْفِرَ لَكَ ".
- وَحَدَّثَنِي أَبَانٌ الْعَطَّارُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: مَنْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ سَاعَةٍ يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ حِينَ يَشْتَهُونَ الْغَدَاءَ.
قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان: 25] يَجِيءُ الْغَمَامُ هَذَا بَعْدَ الْبَعْثِ، تَشَقَّقُ فَتَرَاهَا وَاهِيَةً، مُتَشَقِّقَةً كَقَوْلِهِ: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} [النبأ: 19] وَيَكُونُ الْغَمَامُ سُتْرَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ.
قَالَ: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلا} [الفرقان: 25] مَعَ الرَّحْمَنِ.
هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} [البقرة: 210] .
وَمِثْلُ قَوْلِهِ: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22]
قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي صَاحِبٌ لِي، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الأَرْضُ مَدَّ الأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ، ثُمَّ يَحْشُرُ اللَّهُ فِيهَا(1/477)
الْخَلائِقَ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الدُّنْيَا بِمِثْلِ مَنْ فِي الأَرْضِ وَبِمِثْلِهِمْ مَعَهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ أَضَاءَتِ الأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ وَخَرَّ أَهْلُ الأَرْضِ سَاجِدِينَ وَقَالُوا:
أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ.
ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ بِمِثْلِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْمَلائِكَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا قَبْلَهُمْ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ أَضَاءَتِ الأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ وَخَرَّ أَهْلُ الأَرْضِ سَاجِدِينَ وَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ أَخَذُوا مَصَافَّهُمْ مِنَ الأَرْضِ.
ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ بِمِثْلِ مَنْ فِي الأَرْضِ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْمَلائِكَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا قَبْلَهُمْ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا مَكَانَ أَصْحَابِهِمْ أَضَاءَتِ الأَرْضُ لِوُجُوهِهِمْ وَخَرَّ أَهْلُ الأَرْضِ سَاجِدِينَ، وَقَالُوا: أَفِيكُمْ رَبُّنَا؟ قَالُوا: لَيْسَ فِينَا وَهُوَ آتٍ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ عَلَى قَدْرِهِمْ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ
السَّادِسَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ، ثُمَّ يَنْزِلُ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّضْعِيفِ.
ثُمَّ يَنْزِلُ الْجَبَّارُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17] تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ عَلَى كَوَاهِلِهَا بِأَيْدٍ وَقُوَّةٍ وَحُسْنٍ وَجَمَالٍ حَتَّى إِذَا جَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ نَادَى بِصَوْتِهِ: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] فَلا يُجِيبُهُ أَحَدٌ فَيَرُدُّ عَلَى نَفْسِهِ: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ {16} الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ {17} } [غافر: 16-17] .
ثُمَّ أَتَتْ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ تَسْمَعُ وَتُبْصِرُ وَتَكَّلَّمَ حَتَّى إِذَا أَشْرَفَتْ عَلَى رُءُوسِ الْخَلائِقِ نَادَتْ بِصَوْتِهَا: أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ، أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِمَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَمَنْ دَعَا لِلَّهِ وَلَدًا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
ثُمَّ صَوَّبَتْ رَأْسَهَا وَسَطَ الْخَلائِقِ فَالْتَقَطَتْهُمْ كَمَا يَلْتَقِطُ الْحَمَامُ حَبَّ السِّمْسِمِ، ثُمَّ غَاضَتْ بِهِمْ فَأَلْقَتْهُمْ فِي النَّارِ، ثُمَّ عَادَتْ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِمَكَانِهَا نَادَتْ: أَلا إِنِّي قَدْ وُكِّلْتُ بِثَلاثَةٍ: بِمَنْ سَبَّ اللَّهَ، وَبِمَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ، وَبِمَنْ آذَى اللَّهَ.
فَأَمَّا الَّذِي سَبَّ اللَّهَ فَالَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ اتَّخَذَ وَلَدًا وَهُوَ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ {3} وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ {4} } [الإخلاص: 3-4] .
وَأَمَّا الَّذِي كَذَبَ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا(1/478)
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ {38} لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ {39} } [النحل: 38-39] وَأَمَّا الَّذِينَ آذَوُا اللَّهَ فَالَّذِينَ يَصْنَعُونَ الصُّوَرَ، فَتَلْتَقِطُهُمْ كَمَا تَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الْحَبَّ حَتَّى تَغِيضَ بِهِمْ فِي جَهَنَّمَ.
قَالَ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 26] يَخْضَعُ الْمُلُوكُ يَوْمَئِذٍ لِمُلْكِ اللَّهِ وَالْجَبَابِرَةُ لِجَبَرُوتِ اللَّهِ.
قَالَ: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} [الفرقان: 26] شَدِيدًا.
قَوْلُهُ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27] أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ: يَأْكُلُهَا نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ} [الفرقان: 27] مَعَ مُحَمَّدٍ إِلَى اللَّهِ.
{سَبِيلا} [الفرقان: 27] بِاتِّبَاعِهِ.
{يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا} [الفرقان: 28] عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ.
{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ} [الفرقان: 29] عَنِ الْقُرْآنِ.
{بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان: 29] حَدَّثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ أُبَيٌّ يَحْضُرُ النَّبِيَّ، فَزَجَرَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ قَوْلُ أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ فِي الآخِرَةِ: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ} [الفرقان: 27] مع مُحَمَّدٍ {سَبِيلا} [الفرقان: 27] قَالَ قَتَادَةُ: {سَبِيلا} [الفرقان: 27] بِطَاعَةِ اللَّهِ {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا} [الفرقان: 28] يَعْنِي عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ {خَلِيلا} [الفرقان: 28] وَقَالَ ابْنُ
مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: الشَّيْطَانَ.
{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان: 29](1/479)
قَالَ اللَّه: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا} [الفرقان: 29] يَأْمُرُهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ثُمَّ يَخْذُلُهُ فِي الآخِرَةِ.
كَقَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22] وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إِذَا قُبِضَتْ نَفْسُ الْكَافِرِ مُرَّ بِرُوحِهِ عَلَى إِبْلِيسَ فَيَقُولُ: اشْفَعْ لِي.
فَيَقُولُ: مَا أَمْلِكُ لَكَ وَلا لِنَفْسِي شَيْئًا.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الرَّسُولُ} [الفرقان: 30] مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي} [الفرقان: 30] يَعْنِي مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ.
{اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْءَانَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30] هَجَرُوهُ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَهْجُرُونَ بِالْقَوْلِ فِيهِ، يَقُولُونَ هُوَ كَذِبٌ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: هَذَا مُحَمَّدٌ يَشْتَكِي قَوْمَهُ إِلَى رَبِّهِ.
قَالَ اللَّهُ يُعَزِّي نَبِيَّهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان: 31] مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا} [الفرقان: 31] إِلَى دِينِهِ.
{وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31] لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَعْدَائِهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا} [الفرقان: 32] يَعْنِي هَلا.
{نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْءَانُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان: 32] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ كَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى وَعَلَى عِيسَى.
قَالَ اللَّهُ: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا} [الفرقان: 32] قَالَ قَتَادَةُ: وَبَيَّنَّاهُ تَبْيِينًا.
نَزَلَ فِي ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً.
{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} [الفرقان: 33] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ فِيمَا كَانُوا يُحَاجُّونَهُ بِهِ.
{إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان: 33] تَبْيِينًا فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
ذَكَرَهُ(1/480)
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَحْسَنُ تَفْصِيلًا.
قَوْلُهُ: {الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا} [الفرقان: 34] مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
{وَأَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 34] طَرِيقًا فِي الدُّنْيَا، لأَنَّ طَرِيقَهُمْ إِلَى النَّارِ، وَطَرِيقَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّةِ.
- سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَحْشُرُ اللَّهُ الْكُفَّارَ عَلَى وُجُوهِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: «إِنَّ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ قَادِرٌ أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ» .
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [الفرقان: 35] التَّوْرَاةَ.
{وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا} [الفرقان: 35] أَيْ عَوِينًا وَعَضُدًا فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: شَرِيكًا فِي الرِّسَالَةِ.
وَهُوَ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ قَبَلْ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمَا التَّوْرَاةُ ثُمَّ نُزِّلَتْ عَلَيْهِمَا بَعْدُ فَقَالَ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ} [الأنبياء: 48] التَّوْرَاةَ.
وَفُرْقَانُهَا حَلالُهَا وَحَرَامُهَا.
قَالَ: {فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الفرقان: 36] يَعْنِي فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ.
{فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 36] أَيْ فَكَذَّبُوهُمَا {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 36] يَعْنِي الْغَرَقَ الَّذِي أَهْلَكَهُمْ بِهِ كَقَوْلِهِ: {فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ} [المؤمنون: 48] ، مِنَ الْمُعَذَّبِينَ بِالْغَرَقِ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمُ النَّارُ فِي الآخِرَةِ.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} [الفرقان: 37] أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قَوْمَ نُوحٍ أَيْضًا بِالْغَرَقِ.
{لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ} [الفرقان: 37] يَعْنِي نُوحًا.
قَالَ: {أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً} [الفرقان: 37] لِمَنْ بَعْدَهُمْ.
{وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ} [الفرقان: 37] الْمُشْرِكِينَ، يَعْنِيهِمْ.(1/481)
{عَذَابًا أَلِيمًا} [الفرقان: 37] مُوجِعًا فِي الآخِرَةِ.
{وَعَادًا وَثَمُودَ} [الفرقان: 38] أَيْ: وَأَهْلَكْنَا عَادًا وَثَمُودَ تَبَعًا لِلْكَلامِ الأَوَّلِ.
{وَأَصْحَابَ الرَّسِّ} [الفرقان: 38] أَيْ: وَأَهْلَكْنَا أَصْحَابَ الرَّسِّ، وَالرَّسُّ بِئْرٌ فِي قَوْلِ كَعْبٍ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الرَّسُّ بِئْرٌ كَانَ عَلَيْهَا أُنَاسٌ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَادٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَهْلُ فَلَجٍ بِالْيَمَامَةِ وَآبَارٍ كَانُوا عَلَيْهَا.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ الَّذِي أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ شُعَيْبٌ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ وَإِلَى أَهْلِ الرَّسِّ جَمِيعًا.
وَلَمْ يُبْعَثْ نَبِيٌّ إِلَى أُمَّتَيْنِ غَيْرَهُ فِيمَا مَضَى، وَبُعِثَ النَّبِيُّ إِلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ كُلِّهِمْ.
قَالَ: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قُرُونًا، أُمَمًا، أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ {بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} [الفرقان: 38] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الْقَرْنُ سَبْعُونَ سَنَةً.
قَالَ: {وَكُلًّا} [الفرقان: 39] يَعْنِي مَنْ ذُكِرَ مِمَّنْ مَضَى.
{ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ} [الفرقان: 39] أَيْ خَوَّفْنَاهُمْ.
{وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا} [الفرقان: 39] أَفْسَدْنَا فَسَادًا، يَعْنِي إِهْلاكَهُ الأُمَمَ السَّالِفَةَ بِتَكْذِيبِهَا رُسُلَهَا.
قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ أَتَوْا} [الفرقان: 40] يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
{عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ} [الفرقان: 40] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي قَرْيَةَ لُوطٍ.
وَمَطَرُ السَّوْءِ الْحِجَارَةُ الَّتِي رُمُوا بِهَا مِنَ السَّمَاءِ.
رُمِيَ بِهَا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ السَّفَرِ مِنْهُمْ.
قَالَ: {أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا} [الفرقان: 40] فَيَتَفَكَّرُوا وَيَحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ(1/482)
بِهِمْ، أَيْ بَلَى قَدْ أَتَوْا عَلَيْهَا وَرَأَوْهَا، مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ {137} وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ {138} } [الصافات: 137-138] قَالَ: {بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا} [الفرقان: 40] وَقَالَ قَتَادَةُ: بَعْثًا وَلا حِسَابًا.
قَالَ: {وَإِذَا رَأَوْكَ} [الفرقان: 41] يَعْنِي الَّذِينَ كَفَرُوا.
{إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا} [الفرقان: 41] فِيمَا يَزْعُمُ.
يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا} [الفرقان: 42] يَعْنُونَ أَوْثَانَهُمْ.
{لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 42] عَلَى عِبَادَتِهَا.
قَالَ اللَّهُ: {وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} [الفرقان: 42] فِي الآخِرَةِ.
{مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 42] أَيْ: مَنْ كَانَ أَضَلَّ سَبِيلًا فِي الدُّنْيَا.
أَيْ: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَضَلَّ سَبِيلًا مِنْ مُحَمَّدٍ.
قَوْلُهُ: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] حَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: هُوَ الْمُنَافِقُ يُصِيبُ هَوَاهُ، كُلَّمَا هَوَى شَيْئًا فَعَلَهُ.
قَوْلُهُ: {اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43] يَعْنِي الْمُشْرِكَ.
{أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ} [الفرقان: 43] عَلَى الَّذِي اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ.
{وَكِيلا} [الفرقان: 43] حَفِيظًا تَحْفَظُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ حَتَّى تُجَازِيَهُ بِهِ.
أَيْ: إِنَّكَ لَسْتَ بِرَبٍّ، إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَكِيلا} [الفرقان: 43] يَعْنِي مُسَيْطِرًا.
قَوْلُهُ: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} [الفرقان: 44] يَعْنِي جَمَاعَةَ الْمُشْرِكِينَ.
{إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ} [الفرقان: 44] مِمَّا تَعَبَّدُوا بِهِ.
{بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان: 44](1/483)
قَوْلُهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] أَيْ: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ مَدَّ رَبُّكَ الظِّلَّ.
{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان: 45] وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ} [الفرقان: 45] قَالَ: مَدَّهُ اللَّهُ مِنْ حِينِ يَطْلُعُ الْفَجْرُ إِلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
{وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} [الفرقان: 45] أَيْ لا يَزُولُ.
قَالَ: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ} [الفرقان: 45] أَيْ عَلَى الظِّلِّ.
{دَلِيلا} [الفرقان: 45] فَظَلَّلَتِ الشَّمْسُ كُلَّ شَيْءٍ.
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} [الفرقان: 46] ثُمَّ قَبَضْنَا ذَلِكَ الظِّلَّ.
{إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] عَلَيْنَا، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70] وَقَالَ السُّدِّيُّ: {قَبْضًا يَسِيرًا} [الفرقان: 46] يَعْنِي خَفِيًّا.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: سَاكِنًا، لا تُصِيبُهُ الشَّمْسُ وَلا يَزُولُ.
{ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا} [الفرقان: 45] تَحْوِيهِ.
{ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} [الفرقان: 46] حَوَى الشَّمْسُ إِيَّاهُ.
قَالَ يَحْيَى: وَذَلِكَ حِينَ يَقُومُ الْعَمُودُ نِصْفَ النَّهَارِ حِينَ لا يَكُونُ ظِلٌّ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَجَعَ الظِّلُّ فَازْدَادَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا} [الفرقان: 47] يَعْنِي سَكَنًا يَسْكُنُ فِيهِ الْخَلْقُ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَالنَّوْمَ سُبَاتًا} [الفرقان: 47] يَسْبُتُ النَّائِمُ حَتَّى لا يَعْقِلَ.
{وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان: 47] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: يَنْتَشِرُ فِيهِ الْخَلْقُ لِمَعَائِشِهِمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لِمَعَائِشِهِمْ، وَلِحَوَائِجِهِمْ، وَلِتَصَرُّفِهِمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {نُشُورًا} [الفرقان: 47] يَتَفَرَّقُونَ فِيهِ يَبْتَغُونَ الرِّزْقَ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا} [الفرقان: 48] تُلَقِّحُ السَّحَابَ.(1/484)
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} [الفرقان: 48] بَسَطَ الرِّيَاحَ وَالسَّحَابَ.
مِنْ {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الفرقان: 48] بَيْنَ يَدَيِ الْمَطَرِ.
قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الفرقان: 48] يَعْنِي الْمَطَرَ.
{طَهُورًا} [الفرقان: 48] لِلْمُؤْمِنِينَ يَتَطَهَّرُونَ بِهِ مِنَ الأَحْدَاثِ وَالْجَنَابَةِ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {لِنُحْيِيَ بِهِ} [الفرقان: 49] بِالْمَطَرِ.
{بَلْدَةً مَيْتًا} [الفرقان: 49] الْيَابِسَةَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ.
{وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا {49} وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 49-50] يَعْنِي الْمَطَرَ.
- حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا عَامٌ بِأَكْثَرَ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، أَوْ قَالَ: مَاءً، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.
وَقَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} [الفرقان: 50]
قَالَ الْحَسَنُ: فَيَكُونُوا مُتَذَكِّرِينَ بِهَذَا الْمَطَرِ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا الْمَطَرَ الَّذِي يَعِيشُ بِهِ الْخَلْقُ، وَيَنْبُتُ بِهِ النَّبَاتُ فِي الأَرْضِ الْيَابِسَةِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
- سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ ابَنْ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا كَانَ عَامٌ قَطُّ أَقَلَّ مَطَرًا مِنْ عَامٍ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُصَرِّفُهُ بَيْنَ عِبَادِهِ.
قَوْلُهُ: {فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا} [الفرقان: 50] قَالَ يَحْيَى: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ: يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا، وَمُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا.
- وَحَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَتَّابٍ، عن أبي سَعِيد الخدري قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " لَوْ حُبِسَ الْمَطَرُ عَنْ أُمَّتِي عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ صَبَّهُ عَلَيْهِمْ لأَصْبَحَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي كَافِرِينَ يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ مِجْدَحٍ ".
- وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " ثَلاثٌ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَدَعُهُنَّ النَّاسُ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ،(1/485)
وَالاسْتِسْقَاءُ بِالأَنْوَاءِ ".
قَوْلُهُ: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا} [الفرقان: 51] رَسُولًا.
{فَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ} [الفرقان: 52] فِيمَا يَنْهُونَكَ عَنْهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ.
{وَجَاهِدْهُمْ بِهِ} [الفرقان: 52] بِالْقُرْآنِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِالْقَوْلِ.
{جِهَادًا كَبِيرًا} [الفرقان: 52] شَدِيدًا.
قَالَ يَحْيَى: هَذَا الْجِهَادُ بِاللِّسَانِ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الفرقان: 53] أَفَاضَ أَحَدُهُمَا فِي الآخَرِ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، يَعْنِي الْعَذَبَ وَالْمَالِحَ.
{هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ} [الفرقان: 53] أَيْ حُلْوٌ.
{وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} [الفرقان: 53] قَالَ قَتَادَةُ: مُرٌّ.
{وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا} [الفرقان: 53] حَاجِزًا، لا يَغْلِبُ الْمَالِحُ عَلَى الْعَذْبِ، وَلا الْعَذْبُ عَلَى الْمَالِحِ فِيمَا حَدَّثَنِي فِطْرٌ عَنْ مُجَاهِدٍ.
قَوْلُهُ: {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} [الفرقان: 53] حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ.
وَقَالَ الْحَسَن: فَصْلًا مُفَصَّلًا.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: بَرْزَخًا لا يُرَى، وَحِجْرًا مَحْجُورًا لا يَرَاهُ أَحَدٌ وَلا يَخْتَلِطُ الْعَذْبُ بِالْبَحْرِ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} [الفرقان: 54] خَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينٍ، وَالطِّينُ كَانَ مِنَ الْمَاءِ.
{فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} [الفرقان: 54] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: ذَكَرَ اللَّهُ الصِّهْرَ مَعَ النَّسَبِ وَحَرَّمَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً.(1/486)
قَالَ يَحْيَى: حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ النَّسَبِ سَبْعَ نِسْوَةٍ، وَحَرَّمَ مِنَ الصِّهْرِ سَبْعَ نِسْوَةٍ قَالَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجِ الرَّجُلُ أُمَّهُ وَلا أُمَّ امْرَأَتِهِ وَلا يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا وَلا يَتَزَوَّجْهَا بَعْدَهَا، وَلا ابْنَتَهُ، وَلا ابْنَةَ امْرَأَتِهِ، إِلا أَلا يَكُونَ دَخَلَ بِأُمِّهَا فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُهَا بَعْدَهَا، وَلا يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: {وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجْ أُخْتَهُ، وَلا أُخْتَ امْرَأَتِهِ لا يَجْمَعْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ.
قَالَ: {وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجُ عَمَّتَهُ، وَلا عَمَّةَ امْرَأَتِهِ، وَلا يَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَعَمَّتِهَا.
قَالَ: {وَخَالاتُكُمْ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجْ خَالَتَهُ وَلا خَالَةَ امْرَأَتِهِ وَلا يَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَخَالَتِهَا.
قَالَ: {وَبَنَاتُ الأَخِ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجِ ابْنَةَ أَخِيهِ، وَلا ابْنَةَ أَخِي امْرَأَتِهِ، لا يَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَلا ابْنَةِ أَخِيهَا.
قَالَ: {وَبَنَاتُ الأُخْتِ} [النساء: 23] فَلا يَتَزَوَّجِ ابْنَةَ أُخْتَهُ، وَلا ابْنَةَ أُخْتِ امْرَأَتِهِ، لا يَجْمَعْ بَيْنَ امْرَأَتِهِ وَبَيْنَ ابْنَةِ أُخْتِهَا.
فَهَذِهِ أَرْبَعُ عَشْرَةَ نِسْوَةً حَرَّمَهُنَّ اللَّهُ، سَبْعٌ مِنَ النَّسَبِ وَسَبْعٌ مِنَ الصِّهْرِ.
قَالَ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الفرقان: 54] قَادِرًا عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
قَوْلُهُ: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ} [الفرقان: 55] يَعْنِي الأَوْثَانَ.
{وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا} [الفرقان: 55] عَوِينًا، ظَاهَرَ الشَّيْطَانَ عَلَى أَمْرِ رَبِّهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَبُو جَهْلٍ أَعَانَ الشَّيْطَانَ عَلَى النَّبِيِّ.
قَوْلُهُ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا} [الفرقان: 56] قَالَ قَتَادَةُ: بِالْجَنَّةِ.
{وَنَذِيرًا} [الفرقان: 56] مِنَ النَّارِ، وَنَذِيرًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَوْلُهُ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} [الفرقان: 57] عَلَى الْقُرْآنِ.
{مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا} [الفرقان: 57] إِنَّمَا جِئْتُكُمْ بِالْقُرْآنِ لِيَتَّخِذَ بِهِ مَنْ آمَنَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان: 58] قَالَ الْحَسَنُ: بِمَعْرِفَتِهِ.
{وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا {58} الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ(1/487)
أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا {59} } [الفرقان: 58-59] هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَ {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الفرقان: 59] {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ} [الفرقان: 60] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا} [الفرقان: 60] عَلَى الاسْتِفْهَامِ أَيْ لا نَفْعَلُ.
وَهِيَ تُقْرَأُ بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ.
فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ فَهُمْ يَقُولُونَهُ لِلنَّبِيِّ.
وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ فَيَقُولُ: يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنَسْجُدُ لِمَا يَأْمُرُنَا مُحَمَّدٌ.
{وَزَادَهُمْ} [الفرقان: 60] قَوْلُهُ لَهُمْ: {اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان: 60] {نُفُورًا} [الفرقان: 60] عَنِ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ} [الفرقان: 61] يَعْنِي نَفْسَهُ.
{فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان: 61] وقَالَ قَتَادَةُ: نُجُومًا.
{وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا} [الفرقان: 61] الشَّمْسَ.
{وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الفرقان: 61] يَعْنِي مُضِيئًا.
وَهِيَ تَجْرِي فِي فَلَكٍ دُونَ السَّمَاءِ.
وَقَدْ قَالَ: {الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا} [الفرقان: 61] .
وَالسَّمَاءُ مَا ارْتَفَعَ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ} [النحل: 79] أَيْ مُرْتَفَعَاتٍ، مُتَحَلِّقَاتٍ.
قَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: 62] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: مِنْ عَجَزَ فِي اللَّيْلِ كَانَ لَهُ فِي النَّهَارِ مُسْتَعْتَبٌ، وَمَنْ عَجَزَ فِي النَّهَارِ كَانَ لَهُ فِي اللَّيْلِ مُسْتَعْتَبٌ.
{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] حَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْهَوْنُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ: اللِّينُ وَالسَّكِينَةُ.(1/488)
سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: بِالْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ.
وَتَفْسِيرُ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ مَدَحَ الْمُؤْمِنِينَ وَذَمَّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63] حُلَمَاءَ، وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَسْتُمْ بِحُلَمَاءَ.
قَوْلُهُ: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ} [الفرقان: 63] الْمُشْرِكُونَ.
{قَالُوا سَلامًا} [الفرقان: 63] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: حُلَمَاءُ إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجْهَلُوا.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] يُصَلُّونَ، أَيْ: وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لا تُصَلُّونَ.
- وَحَدَّثَنِي هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «صَلُّوا مِنَ اللَّيْلِ وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَوْ أَرْبَعًا» .
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا.
قَالَ: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَدْ عَلِمُوا أَنَّ كُلَّ غَرِيمٍ مُفَارِقٌ غَرِيمَهُ غَيْرَ غَرِيمِ جَهَنَّمَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] لِزَامًا.
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الْحَسَنِ إِلا أَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالْغَرِيمِ يَلْزَمُ غَرِيمَهُ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: انْتِقَامًا.
قَوْلُهُ: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 66] أَيْ: بِئْسَ الْمُسْتَقَرُّ هُوَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
إِنَّ أَهْلَهَا لا يَسْتَقِرُّونَ فِيهَا.
يَعْنِي كَقَوْلِهِ: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية: 3] أَعْمَلَهَا اللَّهُ وَأَنْصَبَهَا فِي النَّارِ.
وَقَالَ: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن: 44] فَهُمْ فِي تَرْدَادٍ وَعَنَاءٍ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَمُقَامًا} [الفرقان: 76] مَنْزِلًا.(1/489)
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: 67] قَالَ قَتَادَةُ: الإِسْرَافُ: النَّفَقَةُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَالإِقْتَارُ: الإِمْسَاكُ عَنْ حَقِّ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: {وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67] وَهَذِهِ نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ كَانُوا لا يَأْكُلُونَ طَعَامًا يُرِيدُونَ بِهِ نَعِيمًا، وَلا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا يُرِيدُونَ بِهِ جَمَالًا وَكَانَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] وَأَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ تَدْعُونَ مَعَهُ الآلِهَةَ.
تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
قَالَ: {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ فِي قَاتِلِ الْمُؤْمِنِ قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: 93] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ وَذَكَرُوا الْفَوَاحِشَ وَقَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا وَفَعَلْنَا وَفَعَلْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، {وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ} [الفرقان: 68] بَعْدَ إِسْلامِهِمْ {وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] بَعْدَ إِسْلامِهِمْ.
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {69} } [الفرقان: 68-69] ثُمَّ قَالَ: {إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] إِلا مَنْ كَانَ أَصَابَ ذَلِكَ فِي شِرْكٍ فَتَابَ.
{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ} [الفرقان: 70] الَّتِي أَصَابُوهَا فِي الشِّرْكِ.
{حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] قَالَ: وَسَيِّئَاتُهُمْ، الشِّرْكُ.
{حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] .
وَقَالَ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر: 53] بِالشِّرْكِ {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53] الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
- وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ(1/490)
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَكْبَرُ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِخَالِقِكَ نِدًّا، وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ، وَأَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ» .
ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68] حَتَّى أَتَمَّ الآيَةَ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ: أَنَّ وَحْشِيًّا بَعْدَمَا قَتَلَ حَمْزَةَ كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ يَسْأَلُهُ هَلْ لَهُ تَوْبَةٌ وَكَتَبَ إِلَيْهِ فِيمَا كَتَبَ: إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ آيَتَيْنِ بِمَكَّةَ أَيِسَتَانِي مِنْ كُلِّ خَيْرٍ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا {68} يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {69} } [الفرقان: 68-69] وَإِنَّ وَحْشِيًّا قَدْ فَعَلَ هَذَا
كُلَّهُ، قَدْ زَنَى، وَأَشْرَكَ، وَقَتَلَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ.
{إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70] أَيْ مِنَ الزِّنَا {وَآمَنَ} [الفرقان: 70] بَعْدَ الشِّرْكِ {وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: 70] بَعْدَ السَّيِّئَاتِ {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] بِالشِّرْكِ الإِيمَانَ، وَبِالْفُجُورِ الْعَفَافَ {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] .
فَكَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ وَحْشِيٌّ: هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ فَلَعَلِّي أَلا أَبْقَى بَعْدَ التَّوْبَةِ حَتَّى أَعْمَلَ صَالِحًا.
فَكَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ: هَلْ مِنْ شَيْءٍ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .
فَكَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى وَحْشِيٍّ، فَأَرْسَلَ وَحْشِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ: إِنِّي أَخَافُ أَلا أَكُونَ مِنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي وَحْشِيٍّ وَأَصْحَابِهِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] فَكَتَبَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَى وَحْشِيٍّ فَأَقْبَلَ وَحْشِيٌّ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ وَأَسْلَمَ.
قَوْلُهُ: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان: 68] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَيْ نَكَالًا.
قَالَ: وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ قَعِيرٌ غَمْرٌ.
قَوْلُهُ: {يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا {69} إِلا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 69-70] اسْتَثْنَى مَنْ تَابَ.(1/491)
{وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: 70] الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ فِي { [طه:] وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [سورة طه: 82] مِنَ الشِّرْكِ وَ {وَآمَنَ} [الفرقان: 70] وَأَخْلَصَ الإِيمَانَ لِلَّهِ {وَعَمِلَ صَالِحًا} [الفرقان: 71] فِي إِيمَانِهِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إِلا مَنْ تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَآمَنَ بِرَبِّهِ، وَعَمِلَ صَالِحًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ.
{فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70] فَأَمَّا التَّبْدِيلُ فِي الدُّنْيَا فَطَاعَةُ اللَّهِ بَعْدَ عِصْيَانِهِ، وَذِكْرُ اللَّهِ بَعْدَ نِسْيَانِهِ، وَالْخَيْرُ يَعْمَلُهُ بَعْدَ الشَّرِّ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70] قَوْلُهُ: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا} [الفرقان: 71] تَقَبَّلَ تَوْبَتَهُ إِذَا تَابَ قَبْلَ الْمَوْتِ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء: 18] .
وَيُقَالُ: تُقْبَلُ التَّوْبَةُ مِنَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ.
قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان: 72] الشِّرْكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: لا يَحْضُرُونَ الزُّورَ، يَعْنِي مَجَالِسَ الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ.
{وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ} [الفرقان: 72] الْبَاطِلِ، وَهُوَ مَا فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْبَاطِلِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اللَّغْوُ هَاهُنَا الشَّتْمُ وَالأَذَى.
قَالَ: {مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] لَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] لا يَشْهَدُونَ أَهْلَ الْبَاطِلِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَلا يُمَالِئُونَهُمْ فِيهِ.
قَالَ: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} [الفرقان: 73] الْقُرْآنِ.
{لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان: 73] لَمْ يُصَمُّوا عَنْهَا وَلَمْ يُعْمَوْا عَنْهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يُصَمُّوا عَنِ الْحَقِّ وَلَمْ يُعْمَوْا عَنْهُ.
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74](1/492)
تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَعْوَانًا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَيْ يَرَوْنَهُمْ مُطِيعِينَ لِلَّهِ.
قَالَ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74] قَالَ قَتَادَةُ: قَادَةً فِي الْخَيْرِ وَدُعَاةَ هُدًى يُؤْتَمُّ بِهِمْ.
قَالَ: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ} [الفرقان: 75] كَقَوْلِهِ: {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37] قَوْلُهُ: {بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان: 75] عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ.
{وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا} [الفرقان: 75] الْجَنَّةِ.
{تَحِيَّةً وَسَلامًا} [الفرقان: 75] التَّحِيَّةُ السَّلامُ، وَالسَّلامُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ.
كَقَوْلِهِ: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلامٌ هِيَ} [القدر: 4-5] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: {مِنْ كُلِّ أَمْرٍ {4} سَلامٌ هِيَ} [القدر: 4-5] ، خَيْرٌ كُلُّهَا {حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 5] يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ.
قَوْلُهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا} [الفرقان: 76] لا يَمُوتُونَ وَلا يُخْرَجُونَ مِنْهَا.
{حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا} [الفرقان: 76] قَرَارُهُمْ فِيهَا.
قَوْلُهُ: {وَمُقَامًا} [الفرقان: 76] مَنْزِلًا.
قَوْلُهُ: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} [الفرقان: 77] مَا يَفْعَلُ بِكُمْ رَبِّي.
{لَوْلا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77] لَوْلا تَوْحِيدُكُمْ وَإِخْلاصُكُمْ كَقَوْلِهِ: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر: 14] قَالَ: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} [الفرقان: 77] يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ.
{فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [الفرقان: 77] أَخْذًا بِالْعَذَابِ.
يَعِدُهُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ يَوْمُ بَدْرٍ.
فَأَلْزَمَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ عُقُوبَةَ كُفْرِهِمٍ وَجُحُودِهِمْ، فَعَذَّبَهُمْ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ.(1/493)
وَبَلَغَنِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَدْ مَضَتِ الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ.
وَاللِّزَامُ وَالدُّخَانُ: الْجُوعُ الَّذِي كَانَ أَصَابَهُمْ بِمَكَّةَ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي قَوْلُهُ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] .
وَأَمَّا الرُّومُ فَإِنَّهُمْ غَلَبُوا فَارِسَ، وَغَلَبَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ} [المؤمنون: 77] يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {الْعَذَابِ الأَدْنَى} [السجدة: 21] يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47] يَوْمَ بَدْرٍ.
وَقَوْلُهُ: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [السجدة: 29] يَوْمَ بَدْرٍ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
وَقَوْلُ الْحَسَنِ: النَّفْخَةُ الأُولَى بِهَا يُهْلَكُ آخِرُ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ.
- عُثْمَانُ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَلاثُ آيَاتٍ قَدْ مَضَيْنَ، اثْنَتَانِ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، يَوْمٌ ذُو عَذَابٍ شَدِيدٍ، {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [القمر: 45] ، {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر: 1] عُثْمَانُ عَنِ الأَعْمَشِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ.
تَمَّ الْجُزْءُ الأَوَّلُ وَيَلِيهِ الْجُزْءُ الثَّانِي وَأَوَّلُهُ تَفْسِيرُ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ(1/494)
سُورَةُ الشُّعَرَاءِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ طسم الشُّعَرَاءِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ: {طسم} [الشعراء: 1]
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُثْمَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْكِتَابِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لا أَدْرِي مَا تَفْسِيرُهَا غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ السَّلَفِ كَانُوا يَقُولُونَ فِيهَا وَأَشْبَاهِهَا: أَسْمَاءُ السُّوَرِ وَمَفَاتِحُهَا.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ أَقْسَمَ بِهِ رَبُّكَ.
قَوْلُهُ: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ} [الشعراء: 2] هَذِهِ آيَاتُ الْكِتَابِ، الْقُرْآنِ.
{الْمُبِينِ} [الشعراء: 2] البين.
قَوْلُهُ: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 3] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَعَلَّكَ قَاتِلٌ نَفْسَكَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ، أَيْ: فَلا تَفْعَلْ.
قَوْلُهُ: {إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ} [الشعراء: 4] ، يَعْنِي: فَصَارَتْ أَعْنَاقُهُمْ.
{لَهَا} لِلآيَةِ.(2/495)
{خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] ، أَيْ: فَظَلُّوا خَاضِعِينَ لَهَا أَعْنَاقَهُمْ، وَهَذا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ، فَهَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ.
قَوْلُهُ: {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ} [الشعراء: 5] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} [الشعراء: 5] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: كُلَّمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ جَحَدُوا بِهِ.
قَالَ: {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ} [الشعراء: 6] فِي الآخِرَةِ.
{أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} [الشعراء: 6] فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ، فَسَيَأْتِيهِمْ تَحْقِيقُ ذَلِكَ الْخَبَرِ بِدُخُولِهِمُ النَّارَ.
قَوْلُهُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 7] قَالَ مُجَاهِدٌ: نَبَاتُ مَا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ، وَكُلُّ مَا يَنْبُتُ فِي الأَرْضِ فَالْوَاحِدُ مِنْهُ زَوْجٌ، وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ رَأَوْا كَمْ أَنْبَتْنَا فِي الأَرْضِ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ مِمَّا رَأَوْا.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [الشعراء: 8] لَمَعْرِفَةً بِأَنَّ الَّذِي أَنْبَتَ هَذِهِ الأَزْوَاجَ فِي الأَرْضِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى.
قَالَ: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 8] ، يَعْنِي: مَنْ مَضَى مِنَ الأُمَمِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ} [الشعراء: 9] فِي نِقْمَتِهِ.
{الرَّحِيمُ} بِخَلْقِهِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَتِمُّ عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَهُوَ مَا أُعْطَاهُ فِي الدُّنْيَا، فَلَيْسَ لَهُ إِلا رَحْمَةُ الدُّنْيَا وَهِيَ زَائِلَةٌ عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ.
قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {10} قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ {11} } [الشعراء: 10-11] ، أَيْ: فَلْيَتَقَّوُا اللَّهَ.(2/496)
قَالَ مُوسَى.
{رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ {12} وَيَضِيقُ صَدْرِي} [الشعراء: 12-13] فَلا يَنْشَرِحُ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، فَشَجِّعْنِي حَتَّى أُبَلِّغَ الرِّسَالَةَ.
{وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} [الشعراء: 13] ، لِلْعُقْدَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي لِسَانِهِ.
{فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء: 13] ، كقوله: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي {25} وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي {26} وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي {27} يَفْقَهُوا قَوْلِي {28} وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي {29} هَارُونَ أَخِي {30} اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي {31} وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي {32} } [طه: 25-32] ، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِ، وَأَشْرَكَهُ مَعَهُ فِي الرِّسَالَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء: 13] ، يَعْنِي: مَعَ هَارُونَ، وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: {وَيَضِيقُ صَدْرِي} [الشعراء: 13] بِالرَّفْعِ، {وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي} [الشعراء: 13] ، وَالْحَرْفُ الآخَرُ بِالنَّصْبِ: وَيَضِيقَ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي، أَيْ: أَنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ، وَأَخَافُ أَنْ وَيَضِيقَ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانِي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء: 14] عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، أَنَّ مُجَاهِدًا، قَالَ: قَتْلُ مُوسَى النَّفْسَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: النَّفْسَ الَّتِي قَتَلَ، يَعْنِي: الْقِبْطِيَّ الَّذِي قَتَلَهُ خَطَأً، حَيْثُ وَكَزَهُ فَمَاتَ.
{فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [الشعراء: 14] .(2/497)
{قَالَ} اللَّهُ.
{كَلا} : لَيْسُوا بِالَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَتْلِكَ حَتَّى تُبَلِّغَ عَنِّي الرِّسَالَةَ.
ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْكَلامَ فَقَالَ: {فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 15] كَقَوْلِهِ: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] .
{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا} [الشعراء: 16] يَقُولُ لِمُوسَى وَهَارُونَ.
{إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 16] وَهِيَ كَلِمَةٌ مِنْ كَلامِ الْعَرَبِ، يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: مَنْ كَانَ رَسُولُكَ إِلَى فُلانٍ؟ فَيَقُولُ: فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 17] وَلا تَمْنَعْهُمْ مِنَ الإِيمَانِ، وَلا تَأْخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، وَكَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْقِبْطِ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الْجِزْيَةِ فِينَا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ} [الدخان: 18] ، يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ.
قَوْلُهُ: {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18] ، يَعْنِي: عَبْدًا وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، {وَلِيدًا} [الشعراء: 18] يَقُولُ: صَغِيرًا.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ مُوسَى لَمَّا دَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ عَرَفَهُ عَدُوُّ اللَّهِ، فَقَالَ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء: 18] لِمَ تَدَّعِ هَذِهِ النُّبُوَّةِ الَّتِي تَدَّعِيهَا الْيَوْمَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُوسَى لَمَّا دَخَلَ عَلَى فِرْعَوْنَ قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ، وَلَكِنْ(2/498)
مَنْ أَنْتَ، وَابْنُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، فَقَالَ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء: 18] إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ} [الشعراء: 19] ، يَعْنِي: النَّفْسَ الَّتِي قَتَلَ.
قَالَ: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] لِنِعْمَتِنَا، أَيْ: إِنَّا رَبَّيْنَاكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] ، يَعْنِي: الْكَافِرِينَ لِنِعْمَتِي إِذْ رَبَّيْتُكَ صَغِيرًا وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] بِأَنِّي إِلَهٌ.
قَالَ مُوسَى.
{فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 20] قَالَ قَتَادَةُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: أَيْ: مِنَ الْجَاهِلِينَ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ جَهْلا بِهِ وَلَمْ يَتَعَمَّدْهُ، أَيْ: لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ.
{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ} [الشعراء: 21] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: فَهَرَبْتُ مِنْكُمْ.
{لَمَّا خِفْتُكُمْ} [الشعراء: 21] ، يَعْنِي: حَيْثُ تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ.
{فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشعراء: 21] النُّبُوَّةَ.
{وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 21] ثُمَّ قَالَ: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: 22] لِقَوْلِ فِرْعَوْنَ لَهُ: {وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] لِنِعْمَتِنَا.
{أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22] مُوسَى بِقَوْلِهِ لِفِرْعَوْنَ، أَرَادَ إِلا يُسَوِّغَ عَدُوُّ اللَّهِ مَا(2/499)
امْتَنَّ بِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22] فَاتَّخَذْتَ قَوْمِي عَبِيدًا وَكَانُوا أَحْرَارًا، وَأَخَذْتَ أَمْوَالَهُمْ، فَأَنْفَقْتَ عَلَيَّ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرَبَّيْتَنِي بِهَا، فَأَنَا أَحَقُّ بِأَمْوَالِ قَوْمِي مِنْكَ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: {أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 22] قَهَرْتَ، وَعَذَّبْتَ، وَاسْتَعْمَلْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: أَتَمُنُّ عَلَيَّ يَا فِرْعَوْنَ بِأَنِ اتَّخَذْتَ قَوْمِي عَبِيدًا وَكَانُوا أَحْرَارًا فَقَهَرْتَهُمْ؟ وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: قَهَرْتَهُمْ.
{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ {23} قَالَ} [الشعراء: 23-24] مُوسَى.
{رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ {24} قَالَ} [الشعراء: 24-25] فِرْعَوْنُ.
{لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ} [الشعراء: 25] ، أَيْ: إِلَى مَا يَقُولُ.
قَالَ مُوسَى.
{رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 26] جَوَابًا لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْكَلامِ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] .
قَالَ فِرْعَوْنُ.
{إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ} [الشعراء: 27] فِي مَا يَدَّعِي.
{لَمَجْنُونٌ {27} قَالَ} [الشعراء: 27-28] مُوسَى.
{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [الشعراء: 28] ، وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 23] .
قَالَ فِرْعَوْنُ: {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29] ، لأُخَلِّدَنَّكَ فِي السِّجْنِ.
قَالَ له مُوسَى:(2/500)
{أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 30] بَيِّنٍ.
{قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 31] .
قَالَ: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الشعراء: 32] ، حَيَّةٌ، أَشْعَرُ، ذَكَرٌ، يَكَادُ يَسْرَطُ فِرْعَوْنَ، غَرَزَتْ ذَنَبَهَا فِي الأَرْضِ وَرَفَعَتْ صَدْرَهَا وَرَأْسَهَا، وَأَهْوَتْ إِلَى عَدُوِّ اللَّهِ لِتَأْخُذَهُ، فَجَعَلَ يَمِيلُ وَيَقُولُ: يَا مُوسَى خُذْهَا، يَا مُوسَى خُذْهَا، فَأَخَذَهَا مُوسَى.
قَالَ: {وَنَزَعَ يَدَهُ} [الشعراء: 33] أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا، فَهُوَ قَوْلُهُ: {وَنَزَعَ يَدَهُ} [الشعراء: 33] ، أَيْ: أَخْرَجَ يَدَهُ.
{فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} [الشعراء: 33] يُغْشَى الْبَصَرُ مِنْ بَيَاضِهَا.
حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْرَجَهَا وَاللَّهِ كَأَنَّهَا مِصْبَاحٌ.
{قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ} [الشعراء: 34] فِرْعَوْنُ يَقُولُهُ.
{إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} [الشعراء: 34] بِالسِّحْرِ.
{يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} [الشعراء: 35] فَأَرَادَ قَتْلَهُ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: لا تَقْتُلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ سَاحِرٌ، وَمَتَى مَا تَقْتُلُهُ أَدْخَلْتَ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْرِهِ شُبْهَةً، وَلَكِنْ {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الشعراء: 36] أَخِّرْهُ وَأَخَاهُ، فَإِنَّمَا هُوَ سَاحِرٌ، وَمَتَى مَا تَقْتُلُهُ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: احْبِسْهُ وَأَخَاهُ.
{وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ} [الشعراء: 36] يَحْشُرُونَ عَلَيْكَ السَّحَرَةَ.
{يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ} [الشعراء: 37] بِالسِّحْرِ.
قَالَ اللَّهُ: {فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 38] ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ(2/501)
الزِّينَةِ} [طه: 59] ، {يَوْمُ الزِّينَةِ} [طه: 59] يَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهِ أَهْلُ الْقُرَى وَالنَّاسِ، فَأَرَادَ مُوسَى أَنْ يَفْضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ.
قَالَ: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ} [الشعراء: 39] قَالَهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ {39} لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ {40} فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} [الشعراء: 39-41] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ {113} قَالَ} [الأعراف: 113-114] فِرْعَوْنُ.
{نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء: 42] فِي الْعَطِيَّةِ وَالْقُرْبَةِ فِي الْمَنْزِلَةِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي الْعَطِيَّةِ وَالْفَضِيلَةِ.
{قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ {43} فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ} [الشعراء: 43-44] بِعَظَمَةِ فِرْعَوْنَ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
{إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ {44} فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ {45} } [الشعراء: 44-45] تَسْرَطُ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ، لَمَّا أَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ خُيِّلَ إِلَى مُوسَى أَنَّ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ حَيَّاتٌ كَمَا كَانَتْ عَصَا مُوسَى، فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ أَعْظَمُ مِنْ حَيَّاتِهِمْ، ثُمَّ رَقَوْا فَازْدَادَتْ حَيَّاتُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ عِظَمًا فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، وَجَعَلَتْ عَصَا مُوسَى تَعْظُمُهُمْ وَهُمْ يَرْقُونَ حَتَّى أَنْفَذُوا سِحْرَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ
شَيْءٌ، وَعَظُمَتْ عَصَا مُوسَى حَتَّى سَدَّتِ الأُفُقَ، ثُمَّ فَتَحَتْ فَاهَا فَابْتَلَعَتْ مَا أَلْقَوْا، ثُمَّ أَخَذ مُوسَى عَصَاهُ بِيَدِهِ، فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ، فَهُوَ قَوْلُهُ: {فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ} [الشعراء: 45] .(2/502)
{فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ {46} قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ {47} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {48} قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ} [الشعراء: 46-49] أَصَدَّقْتُمُوهُ.
{قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} [الشعراء: 49] ، أَيْ: لَعَالِمُكُمْ فِي عِلْمِ السِّحْرِ، وَلَمْ يَكُنْ أَكْبَرَهُمْ فِي السِّنِّ، وَهَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ} [الشعراء: 49] الْيَدُ الْيُمْنَى وَالرِّجْلَ الْيُسْرَى.
{وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {49} قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ {50} إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا} [الشعراء: 49-51] ، يَعْنِي: بِأَنْ كُنَّا {أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 51] مِنَ السَّحَرَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَنْ كُنَّا} [الشعراء: 51] بِأَنْ كُنَّا {أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 51] أَوَّلَ الْمُصَدِّقِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانُوا أَوَّلَ النَّهَارِ سَحَرَةً وَآخِرَهُ شُهَدَاءَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي} [الشعراء: 52] ، أَيْ: لَيْلا.
وَقَدْ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا} [الدخان: 23] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا خَرَجُوا تِلْكَ اللَّيْلَةَ كُسِفَ (بِالْقَمَرِ) وَأَظْلَمَتِ الأَرْضُ.
قَالَ: {إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ} [الشعراء: 52] ، أَيْ: يَتَّبِعُكُمْ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.
{فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {53} إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ {54} } [الشعراء: 53-54](2/503)
يَعْنِي هُمْ قَلِيلٌ فِي كَثِيرٍ، وَكَانَ أَصْحَابُ مُوسَى سِتَّ مِائَةِ أَلْفٍ، وَفِرْعَوْنُ وَأَصْحَابُهُ سِتَّةَ آلافِ أَلْفٍ، هَذَا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
وَعَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَطَعَ بِهِمْ مُوسَى الْبَحْرَ كَانُوا سِتَّ مِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ، بَنِي عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: سِوَى الْحَشَمِ.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مُقَدِّمَةُ فِرْعَوْنَ أَلْفَ أَلْفِ حِصَانٍ وَمِائَتَيْ أَلْفِ أَلْفِ حِصَانٍ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي أَنَّ جَمِيعَ جُنُودِهِ كَانُوا أَرْبَعِينَ أَلْفِ أَلْفٍ.
قَالَ: {وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ {55} وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ {56} } [الشعراء: 55-56] مُتَسَلِّحُونَ.
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ الأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ يَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ: {وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} [الشعراء: 56] .
وَفِي حَدِيثِ نُعَيْمِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ ذَكَرِيَّاءَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ {حَاذِرُونَ} [الشعراء: 56] يَقُولُ: مُقَوُّونَ.
قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: {حَاذِرُونَ} [الشعراء: 56] فِي الْقُوَّةِ وَالسِّلاحِ.(2/504)
{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {57} وَكُنُوزٍ} [الشعراء: 57-58] ، أَي: وَأَمْوَالٍ.
{وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58] ، أَيْ: مَنْزِلٍ حَسَنٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58] ، أَيْ: فِي الدُّنْيَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} [الشعراء: 58] ، يَعْنِي: مَسْكَنًا حَسَنًا.
قَالَ: {كَذَلِكَ} [الشعراء: 74] ، أَيْ: كَذَلِكَ كَانَ الْخَبَرُ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كذلك، أَيْ: هَكَذَا، ثُمَّ انْقَطَعَ الْكَلامُ ثُمَّ قَالَ: {وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 59] رَجَعُوا إِلَى مِصْرَ بَعْدَمَا أَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
قَالَ: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60] قَالَ قَتَادَةُ: اتَّبَعَ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ مُوسَى حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ.
رَجَعَ إِلَى أَوَّلِ الْقِصَّةِ {فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 57] حَيْثُ اتَّبَعُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي سَرَوْا فِيهَا حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ.
{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} [الشعراء: 61] جَمْعُ مُوسَى وَجَمْعُ فِرْعَوْنَ.
{قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ {61} قَالَ} [الشعراء: 61-62] مُوسَى.
{كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62] الطَّرِيقَ.
عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ نَبِيِّ اللَّهِ مُوسَى يَوْمَئِذٍ يَسِيرُ وَيَقُولُ: أَيْنَ أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ لَهُ مُوسَى: أَمَامَكَ، فَيَقُولُ لَهُ الْمُؤْمِنُ: وَهَلْ أَمَامِي إِلا الْبَحْرُ؟ وَاللَّهِ مَا(2/505)
كَذَبْتَ وَلا كُذِبْتَ، ثُمَّ يَسِيرُ سَاعَةً ثُمَّ يَلْتَفِتُ فَيَقُولُ: أَيْنَ أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: أَمَامَكَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَمَامِي إِلا الْبَحْرُ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، ثُمَّ يَسِيرُ
سَاعَةً ثُمَّ يَلْتَفِتُ فَيَقُولُ: أَيْنَ أُمِرْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ فَيَقُولُ: أَمَامَكَ، يَقُولُ وَهَلْ أَمَامِي إِلا الْبَحْرُ؟ وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ، حَتَّى دَخَلُوا الْبَحْرَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء: 63] جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ فَأَمَرَهُ أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ، فَضَرَبَهُ مُوسَى بِعَصَاهُ.
{فَانْفَلَقَ} [الشعراء: 63] الْبَحْرُ.
{فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] قَالَ قَتَادَةُ: وَالطَّوْدُ الْجَبَلُ، أَيْ: كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ، صَارَ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ، وَصَارَ مَا بَيْنَ كُلِّ طَرِيقَيْنِ مِنْهُ مِثْلَ الْقَنَاطِرِ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ.
قَالَ: {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء: 64] قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُ: أَدْنَيْنَا فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ إِلَى الْبَحْرِ.
قَالَ: {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ {65} ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ {66} } [الشعراء: 65-66] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ آخِرُ أَصْحَابِ مُوسَى، وَدَخَلَ آخِرُ أَصْحَابِ فِرْعَوْنَ تَغَطْمَطَ الْبَحْرُ عَلَيْهِمْ، فَأَغْرَقَهُمْ.(2/506)
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} [الشعراء: 67] لَعِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ، وَحَذِرَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ مَا نَزَلَ بِهِمْ.
قَالَ: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} [الشعراء: 69] وَاقْرَأْ عَلَيْهِمْ.
{نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ} [الشعراء: 69] خَبَرَ إِبْرَاهِيمَ.
{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ {70} قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا} [الشعراء: 70-71] فَنَصِيرُ لَهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71] ، أي: فَنُقِيمُ لَهَا عَابِدِينَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71] ، أَيْ: عَابِدِينَ.
{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} [الشعراء: 72] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: هَلْ تُجِيبُكُمْ آلِهَتُكُمْ إِذَا دَعَوْتُمُوهُمْ.
{أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 73] ، أَيْ: هَلْ يَسْمَعُونَ دُعَاءَكُمْ إِذَا دَعَوْتُمُوهُم لِرَغْبَةٍ يُعْطُونَكُمُوهَا، أَوْ لِضَرَّاءَ يَكْشِفُونَهَا عَنْكُمْ، أَيْ: أَنَّهَا لا تَسْمَعُ وَلا تَنْفَعُ وَلا تَضُرُّ.
{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74] فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ فَقَالُوا هَذَا الْقَوْلَ وَلَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ.
{قَالَ} إِبْرَاهِيمُ: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ {75} أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ {76} فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ {77} } [الشعراء: 75-77](2/507)
يَقُولُ: أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا مَنْ عَبْدَ رَبَّ الْعَالَمِينَ مِنْ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِي بِعَدُوٍّ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي: مَا خَلَطُوا بِعِبَادَتِهِمْ رَبَّ الْعَالَمِينَ، فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي.
قَالَ: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} [الشعراء: 78] الَّذِي خَلَقَنِي وَهَدَانِي.
{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ {79} وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ {80} وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ {81} } [الشعراء: 79-81] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{وَالَّذِي أَطْمَعُ} [الشعراء: 82] وَهُوَ طَمَعُ الْيَقِينِ.
{أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 82] يَوْمٌ يُدِينُ اللَّهُ النَّاسَ فِيهِ بِأَعْمَالِهِمْ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَوْمُ الْحِسَابِ وَهُوَ وَاحِدٌ.
وَقَوْلُهُ: {خَطِيئَتِي} تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ، يَعْنِي: قَوْلُهُ إِنَّهُ {سَقِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَقَوْلُهُ لِسَارَةَ: إِنْ سَأَلُوكِ فَقُولِي إِنَّكِ أُخْتِي.
قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِيهِ هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا} [الشعراء: 83] ثَبِّتْنِي عَلَى النُّبُوَّةِ.
{وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [الشعراء: 83] أَهْلِ الْجَنَّةِ.
{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] فِي الآخِرَةِ، فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ(2/508)
إِلا وَهُمْ يَتَوَلَّوْنَهُ وَيُحِبُّونَهُ، وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] ، أَيْ: أَبْقَيْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ} [الشعراء: 85] وَهُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَنَّةِ.
{وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 86] قَالَ إِبْرَاهِيمُ هَذَا فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَكَانَ فِي طَمَعٍ فِي أَنْ يُؤْمِنَ، فَلَمَّا مَاتَ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمْ يَدْعُ لَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] ، يَعْنِي: وَلا تُعَذِّبْنِي، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، {يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء: 87] .
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: إِنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ يَأْخُذُ بِحُجُزَةِ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ وَعَدْتَنِي أَلا تُخْزِيَنِي، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ أَفْلَتَتْ يَدُهُ مِنْهُ فَلَمْ يَرَهُ إِلا وَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ كَأَنَّهُ ضِبْعَانٌ أَمْدَرُ، فَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ وَأَمْسَكَ بِأَنْفِهِ وَقَالَ: يَا رَبِّ لَيْسَ بِأَبِي، لَيْسَ بِأَبِي.
وَعَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: بَيْنَمَا النَّاسُ عَلَى ذُبَابَةِ الْجِسْرِ، يَعْنِي: جِسْرَ جَهَنَّمَ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ هُوَ أَحَدُ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، قَالَ الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: هُوَ إِبْرَاهِيمُ، وَقَالَ قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ: وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ أَبِيهِ فَقَالَ: رَبِّ، أَبِي، وَقَضَيْتَ أَلا تُخْزِيَنِي، فَمَا يَزَالُ مُتَعَلِّقًا بِهِ حَتَّى(2/509)
يُحَوِّلَهُ اللَّهُ فِي صُورَةِ ضِبْعَانٍ أَمْدَرَ،
فَيُرْسِلُهُ وَيَقُولُ: لَسْتَ بِأَبِي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ {88} إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {89} } [الشعراء: 88-89] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: مِنَ الشِّرْكِ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الشعراء: 90] ، أَيْ: وَأُدْنِيَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 91] ، أَيْ: وَنُحِّيَتْ، أُظْهِرَتِ الْجَحِيمُ، النَّارُ.
{لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 91] ، أَيْ: لِلضَّالِّينَ، الْمُشْرِكِينَ.
{وَقِيلَ لَهُمْ} [الشعراء: 92] ، أَيْ: لِلضَّالِّينَ.
{أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ {92} مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الشعراء: 92-93] ، يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ مَنْ عَبَدُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ.
{هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ} [الشعراء: 93] ، يَعْنِي: هَلْ يَمْنَعُونَكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
{أَوْ يَنْتَصِرُونَ} [الشعراء: 93] أَوْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
قَالَ: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا} [الشعراء: 94] فَقُذِفُوا فِيهَا، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94] .
قَالَ قَتَادَةُ: {وَالْغَاوُونَ} [الشعراء: 94] الشَّيَاطِينُ.
قَالَ: {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ {95} قَالُوا} [الشعراء: 95-96] ، قَالَ الْمُشْرِكُونَ لِلشَّيَاطِينَ.(2/510)
{وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} [الشعراء: 96] وَهُوَ تَبَرُّؤُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَعْنُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
{تَاللَّهِ} [الشعراء: 97] قَسَمٌ يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ.
{إِنْ كُنَّا} [الشعراء: 41] فِي الدُّنْيَا.
{فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [القصص: 85] بَيِّنٍ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 97] يَقُولُ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء: 97] .
{إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 98] ، أَيْ: نَتَّخِذُكُمْ آلِهَةً.
{وَمَا أَضَلَّنَا إِلا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء: 99] ، أَيِ: الشَّيَاطِينُ هُمْ أَضَلُّونَا لِمَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء: 100] يَشْفَعُونَ لَنَا الْيَوْمَ عِنْدَ اللَّهِ حَتَّى لا يُعَذِبَنَا.
{وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 101] ، أي: شَفِيقٍ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، يَحْمِلُ عَنَّا مِنْ ذُنُوبِنَا كَمَا كَانَ يَحْمِلُ الْحَمِيمُ عَنْ حَمِيمِهِ فِي الدُّنْيَا.
وَهِيَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: الْقَرَابَةُ، كَمَا يَحْمِلُ ذُو الْقَرَابَةِ عَنْ قَرَابَتِهِ، وَالصَّدِيقُ عَنْ صَدِيقِهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء: 101] ، يَعْنِي: قَرِيبَ الْقَرَابَةِ، قَالُوا هُنَا حِينَ شَفَعَ لِلْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُخْرِجُوا مِنْهَا كَقَوْلِهِ: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] .
{فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [الشعراء: 102] : رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا.(2/511)
{فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 102] .
قَالَ اللَّهُ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 105] ، يَعْنِي: نُوحًا.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ} [الشعراء: 106] أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
{أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 106] يَقُولُ: أَلا تَخْشَوْنَ اللَّهَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 107] عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} [الشعراء: 108-109] عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْهُدَى.
{مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 109] إِنْ ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {109} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {110} قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ} [الشعراء: 109-111] أَنُصَدِّقُكَ.
{وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111] قَالَ قَتَادَةُ: سَفِلَةُ النَّاسِ وَأَرَاذِلُهُمْ، أَيْ: وَسَقَطُهُمْ.
قَالَ: {وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الشعراء: 112] ، أَيْ: بِمَا يَعْمَلُونَ، إِنَّمَا أَقْبَلُ مِنْهُمُ الظَّاهِرَ وَلَيْسَ لِي بِبَاطِنِ أَمْرِهِمْ عِلْمٌ.
{إِنْ حِسَابُهُمْ} [الشعراء: 113] ، يَعْنِي: مَا جَزَاؤُهُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ {113} وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ {114} } [الشعراء: 113-114] يَعْنِيهِمْ.
{إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ {115} قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ} [الشعراء: 115-116] عَمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ، وَعَنْ ذَمِّ آلِهَتِنَا وَشَتْمِهَا.
{لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116] قَالَ قَتَادَةُ: بِالْحِجَارَةِ، فَلَنَقْتُلَنَّكَ بِهَا.(2/512)
{قَالَ} [الشعراء: 117] نُوحٌ.
{رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ {117} فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا} [الشعراء: 117-118] قَالَ قَتَادَةُ: اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ قَضَاءً.
{وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 118] وَالْفَتْحُ الْقَضَاءُ، وَإِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَقَوْمِهِ هَلَكُوا، وَهَذَا حَيْثُ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، وَنَجَّاهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الشعراء: 119] وَالْمَشْحُونُ الْمُوَقَّرُ بِحَمْلِهِ مِمَّا حَمَلَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، كَانَ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَثَلاثَةُ بَنِينٍ لَهُ: سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثٌ، وَنِسَاؤُهُمْ، فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ.
قَالَ: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ} [الشعراء: 120] مَنْ أَنْجَيْنَا فِي السَّفِينَةِ.
{الْبَاقِينَ} [الشعراء: 120] وَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ، وَفِيهَا تَقْدِيمٌ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْبَاقِينَ بَعْدُ.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 123] ، يَعْنِي: هُودًا أَخَاهُمْ.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ} [الشعراء: 124] أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
{أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 106] اللَّهَ، يَقُولُ: أَلا تَخْشَوْنَ اللَّهَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 107] عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ} [الشعراء: 108-109] ، أَيْ: عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ.(2/513)
{مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 109] وَثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {127} أَتَبْنُونَ} [الشعراء: 127-128] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ.
{بِكُلِّ رِيعٍ} [الشعراء: 128] ، أَيْ: بِكُلِّ طَرِيقٍ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: بِكُلِّ فَجٍّ بَيْنَ جَبَلَيْنِ.
{آيَةً} [الشعراء: 128] ، أَيْ: عَلَمًا.
{تَعْبَثُونَ} [الشعراء: 128] تَلْعَبُونَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: إِنَّهُ بُنْيَانٌ.
قَالَ: {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} [الشعراء: 129] قَالَ الْحَسَنُ: الْبِنَاءُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْقُصُورُ.
قَالَ يَحْيَى: وَيُقَالُ مَصَانِعُ لِلْمَاءِ.
{لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} [الشعراء: 129] فِي الدُّنْيَا، أَيْ: لا تَخْلُدُونَ فِيهَا.
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ، وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَتْ فِي الْحَرْفِ الأَوَّلِ: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ كَأَنَّكُمْ تَخْلُدُونَ فِيهَا.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: كَأَنَّكُمْ خَالِدُونَ فِي الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ} [الشعراء: 130] بِالْمُؤْمِنِينَ.(2/514)
{بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130] ، يَعْنِي: قَتَّالِينَ تَعْدُونَ عَلَيْهِمْ، هُودٌ يَقُولُهُ لَهُمْ، أَيْ: أَسْرَفْتُمْ فِي الْعُقُوبَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء: 130] ، يَعْنِي: قَتَّالِينَ، يَقُولُ: إِذَا عَاقَبْتُمْ أَسْرَفْتُمْ فِي الْعُقُوبَةِ جَعَلْتُمْ مَكَانَ الضَّرْبِ قَتْلا، يَقُولُ: إِذَا أَخَذْتُمْ أَخَذْتُمْ، فَقَتَلْتُمْ فِي غَيْرِ حَقٍّ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {131} وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ {132} } [الشعراء: 131-132] ثُمَّ أَخْبَرَ بِالَّذِي أَمَدَّهُمْ بِهِ، فَقَالَ: {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ {133} وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {134} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ {135} قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ {136} } [الشعراء: 133-136] ، أَيْ: أَوْ لَمْ تَعِظْنَا.
{إِنْ هَذَا} [الشعراء: 137] ، أَيِ: الَّذِي جِئْتَنَا بِهِ.
{إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: اخْتَلَفْتُ أَنَا وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَرْفِ، فَقُلْتُ أَنَا: إِنْ هَذَا إِلا خَلْقُ الأَوَّلِينَ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: {خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] فَأَتَيْتُ الْحَسَنَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: {إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] قَالَ: خُلُقُهم الْكَذِبُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِلا خلق إني الأولين، يَعْنِي: تَخَلُّقُ الأَوَّلِينَ وَتَخَرُّصُهُمْ لِلْكَذِبِ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلا خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] ، أَيْ: هَكَذَا(2/515)
كَانَ النَّاسُ قَبْلَنَا يَعِيشُونَ مَا عَاشُوا ثُمَّ يَمُوتُونَ، وَلا بَعْثَ عَلَيْهِمْ وَلا حِسَابَ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنُونَ أَنَّ هَكَذَا كَانَ الْخَلْقُ قَبْلَنَا، وَنَحْنُ مِثْلُهُمْ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: {خُلُقُ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 137] دِينُ الأَوَّلِينَ، يَعْنُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ شِرْكٍ.
{وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} ، أَيْ: لا نُبْعَثُ وَلا نُعَذَّبُ.
قَالَ اللَّه: {فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {139} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {140} } [الشعراء: 139-140] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 141] ، يَعْنِي: صَالِحًا.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ} [الشعراء: 142] أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
{أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 106] اللَّهَ، وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 107] عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 108-109] إِنْ ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {145} أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَهُنَا آمِنِينَ {146} } [الشعراء: 145-146] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لا تَتْرُكُونَ فِيهِ.
{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {147} وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ {148} } [الشعراء: 147-148] عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، وَابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: هَشِيمٌ، أَيْ: يَتَهَشَّمُ إِذَا مُسَّ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.(2/516)
وَقَالَ الْحَسَنُ: رَخْوٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: لَيِّنٌ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لَطِيفٌ وَهُوَ الطَّلْعُ مَا لَمْ يَنْشَقَّ.
{وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} [الشعراء: 149] شَرِهِينَ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، مِنْ قِبَلِ شَرَهِ النَّفْسِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: آمِنِينَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: حَذِقِينَ بِصَنْعَتِهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مُعْجَبِينَ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {150} وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ {151} الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ {152} } [الشعراء: 150-152] قَالَ قَتَادَةُ: الْمُشْرِكِينَ، إِلَى آخِرِ الآيَةِ.
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء: 153] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ، وَابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: مِنَ الْمَسْحُورِينَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْمُسَحَّرُ، الَّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ وَلا مُلْكٌ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مِنَ الْمَسْحُورِينَ، مِنَ الْمَخْلُوقِينَ.
{مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 154] بِمَا جِئْتَنَا بِهِ.
قَالُوا لَهُ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، فَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ نَاقَةً، وَكَانَتْ صَخْرَةٌ يَصُبُّونَ عَلَيْهَا اللَّبَنَ فِي سُنَّتِهِمْ، فَدَعَا اللَّهُ، فَتَصَدَّعَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجَتْ مِنْهَا نَاقَةٌ عَشْرَاءُ فَنَتَجَتْ فَصِيلا.
{قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: 155] كَانَتْ تَشْرَبُ الْمَاءَ يَوْمًا، وَيَشْرَبُونَهُ يَوْمًا.(2/517)
وَعَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ إِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهَا أَضَرَّتْ بِمَوَاشِيهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَلَمْ تَضُرَّ شِفَاهَهُمْ، فِي قَوْلِ الْحَسَنِ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ كَانَ لأَنْفُسِهِمْ، وَلِمَوَاشِيهِمْ وَأَرْضِهِمْ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: كَانُوا يَحْلِبُونَهَا يَوْمَ شِرْبِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ شِرْبِهِمْ كَانَ اللَّبَنُ لِلْفَصِيلِ.
وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ: مَا ذَكَرُوا لَهَا لَبَنًا.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْتِي الْمَاءَ مِنْ فَجٍّ، وَتَرْجِعُ مِنْ فَجٍّ آخَرَ، يَضِيقُ عَلَيْهَا الْفَجُّ الأَوَّلُ إِذَا شَرِبَتْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} [الشعراء: 156] ، يَعْنِي: بِعَقْرٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ لا تَعْقِرُوهَا.
{فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ {156} فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ {157} فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} [الشعراء: 156-158] كَانَ أَوَّلُ سَبَبِ عَقْرِهِمْ إِيَّاهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَضُرُّ بِمَوَاشِيهِمْ وَأَرْضِهِمْ، كَانَتْ مَوَاشِيهِمْ لا تَقَرُّ مَعَ النَّاقَةِ، كَانَتِ الْمَوَاشِي إِذَا رَأَتْهَا هَرَبَتْ مِنْهَا، فَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ صَافَتِ النَّاقَةُ بِظَهْرِ الْوَادِي، فِي بَرْدِهِ وَخِصْبِهِ وَطِيبِهِ، وَهَبَطَتْ مَوَاشِيهِمْ إِلَى بَطْنِ الْوَادِي فِي جَدْبِهِ وَحَرِّهِ، وَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ شَتَّتِ النَّاقَةُ فِي
بَطْنِ الْوَادِي، فِي دِفْئِهِ وَخِصْبِهِ وَصَعِدَتْ مَوَاشِيهِمْ إِلَى ظَهْرِ الْوَادِي فِي جَدْبِهِ وَبَرْدِهِ، حَتَّى إِذْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِمَوَاشِيهِمُ الأَمْرُ الَّذِي أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ، فَبَيْنَمَا قَوْمٌ مِنْهُمْ يَوْمًا جُلُوسٌ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَفَنِيَ الْمَاءُ الَّذِي يَمْزِجُونَ بِهِ، فَبَعَثُوا رَجُلا لِيَأْتِيَهُمْ بِالْمَاءِ، وَكَانَ يَوْمُ شِرْبِ النَّاقَةِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ مَاءٍ، وَقَالَ: حَالَتِ النَّاقَةِ بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَاءِ، ثُمَّ بَعَثُوا آخَرَ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ(2/518)
لِبَعْضٍ: مَا تَنْظُرُونَ، قَدْ مَنَعَتْنَا الْمَاءَ، وَمَنَعَتْ مَوَاشِيَنَا الرَّعْيَ، وَأَضَرَّتْ بِأَرْضِنَا، فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا، فَعَقَرَهَا، فَقَتَلَهَا، فَتَذَامَرُوا بَيْنَهُمْ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالُوا: عَلَيْكُمُ الْفَصِيلَ، وَصَعِدَ الْفَصِيلُ إِلَى الْقَارَةِ، وَالْقَارَةُ: الْجَبَلُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَكَانَ ذَلِكَ عَنْ رِضًى مِنْهُمْ كُلِّهِمْ، فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] .
قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ صَالِحًا حِينَ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ الْعَذَابَ آتِيهِمْ، لَبِسُوا الأَنْطَاعَ، وَالأَكْسِيَةَ، وَاطَّلَوْا، وَقَالَ لَهُمْ: آيَةُ ذَلِكَ أَنْ تَصْفَرَّ وُجُوهُكُمْ فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ، وَتَحْمَرَّ فِي الثَّانِي، وَتَسْوَدَّ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ اسْتَقَلَّ الْفَصِيلُ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي، يَا رَبِّ أُمِّي، يَا رَبِّ أُمِّي، فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ عِنْدَ ذَلِكَ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 160] ، يَعْنِي: لُوطًا.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ} [الشعراء: 161] أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ، وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.(2/519)
{أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 106] ، يَعْنِي: أَلا تَخْشَوْنَ اللَّهَ، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 162] عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 108-109] إِنْ ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {164} أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ {165} وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 164-166] أَقْبَالَ النِّسَاءِ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ، ذَكَرَهُ عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ.
وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 166] تَرْكُكُمْ أَقْبَالَ النِّسَاءِ، وَإِتْيَانُكُمْ أَدْبَارَ الرِّجَالِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 166] مَا جَعَلَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ فُرُوجِ نِسَائِكُمْ، وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ.
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 166] مُجَاوِزُونَ لأَمْرِ اللَّهِ.
{قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ} [الشعراء: 167] مِنْ قَرْيَتِنَا، أَيْ: نَقْتُلُكَ، فَنُخْرِجُكَ مِنْهَا قَتِيلا.
{قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ} [الشعراء: 168] مِنَ الْمُبْغِضِينَ.
ثُمَّ قَالَ: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} [الشعراء: 169] وَأَهْلُهُ أُمَّتُهُ الْمُؤْمِنُونَ قَالَ اللَّهُ: {فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ {170} إِلا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ {171} } [الشعراء: 170-171] غَبَرَتْ بَقِيَتْ فِي عَذَابِ اللَّهِ، لَمْ يُنَجِّهَا.
{ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ} [الشعراء: 172] قَوْمَ لُوطٍ وَامْرَأَتَهُ مَعَهُمْ، وَكَانَتْ مُنَافِقَةِ، تُظْهِرُ لِلُوطٍ الإِيمَانَ وَهِيَ عَلَى الشِّرْكِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} [الشعراء: 173](2/520)
قَالَ قَتَادَةُ: أَمْطَرَ اللَّهُ عَلَى قَرْيَةِ قَوْمِ لُوطٍ حِجَارَةً.
{فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء: 173] ، أَيْ: فَبِئْسَ مَطَرُ الْمُنْذِرِينَ أَنْذَرَهُمْ لُوطٌ فَلَمْ يَقْبَلُوا.
أَصَابَ قَرْيَتَهُمُ الْخَسْفُ، وَأَصَابَتِ الْحِجَارَةُ مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْقَرْيَةِ وَأَهْلَ السَّفَرِ مِنْهُمْ، وَأَصَابَ الْعَجُوزَ حَجَرٌ فَقَتَلَهَا.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 176] بُعِثَ شُعَيْبٌ إِلَى أُمَّتَيْنِ، وَالأَيْكَةُ: الْغَيْضَةُ.
{إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 177] اللَّهَ أَلا تَخْشَوْنَ اللَّهَ، وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى، يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ.
{إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} [الشعراء: 125] عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {108} وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ} [الشعراء: 108-109] عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ.
{إِنْ أَجْرِيَ} [الشعراء: 127] إِنْ جَزَائِي، أَيْ: إِنْ ثَوَابِي.
{إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ {180} أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ {181} } [الشعراء: 180-181] ، يَعْنِي: مِنَ الْمُتَنَقِّصِينَ الَّذِينَ يَنْتَقِصُونَ النَّاسَ حُقُوقَهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: مِنَ {الْمُخْسِرِينَ} [الشعراء: 181] ، يَعْنِي: مِنَ النَّاقِصِينَ فِي الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ.(2/521)
قَالَ: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} [الشعراء: 182] قَالَ قَتَادَةُ: الْعَدْلُ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ.
قَالَ: {وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الشعراء: 183] ، أَيْ: وَلا تُنْقِصُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ، يَعْنِي: الَّذِي لَهُمْ، وَكَانُوا أَصْحَابَ تَطْفِيفٍ وَنَقْصٍ فِي الْمِيزَانِ.
قَالَ: {وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الشعراء: 183] لا تَسِيرُوا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: وَلا تَكُونُوا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
{وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 184] وَالْخَلِيقَةَ الأَوَّلِينَ، هَذَا تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
{قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} [الشعراء: 185] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
{وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [الشعراء: 186] فِيمَا تَدَّعِي مِنَ الرِّسَالَةِ.
{فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} [الشعراء: 187] قَالَ قَتَادَةُ: قِطَعًا.
{إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء: 187] بِمَا جِئْتَ بِهِ.
{قَالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 188] قَالَ اللَّهُ: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: 189] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ أَهْلَ غَيْضَةٍ(2/522)
وَشَجَرٍ مُتَكَارِسٍ، وَكَانَ أَكْثَرَ شَجَرِهِمُ الدَّوْمُ، هَذَا الْمُقِلُّ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحَرَّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، فَكَانَ لا يُكِنُّهُمْ ظِلٌّ، وَلا يَنْفَعُهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَحَابَةً، فَلَجَئُوا تَحْتَهَا يَلْتَمِسُونَ
الرَّوْحَ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَذَابًا، فَجَعَلَ تِلْكَ السَّحَابَةَ نَارًا، فَاضْطَرَمَتْ عَلَيْهِمْ، فَهَلَكُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء: 189] ، يَعْنِي: تِلْكَ السَّحَابَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ {8} وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {9} } [الشعراء: 8-9] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 192] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{نَزَلَ بِهِ} [الشعراء: 193] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ جِبْرِيلُ، وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَمَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ قَالَ: {نَزَلَ بِهِ} [الشعراء: 193] خَفِيفَةً {الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء: 193] جِبْرِيلُ نَزَلَ بِهِ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالنَّصْبِ قَالَ: {نَزَّلَ بِهِ} [الشعراء: 193] مُثَقَّلَةً، اللَّهُ نَزَّلَ بِهِ الرُّوحَ الأَمِينَ، اللَّهُ نَزَّلَ جِبْرِيلَ بِالْقُرْآنِ.(2/523)
{عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 194] يَا مُحَمَّد.
{لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ {194} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ {195} وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ {196} } [الشعراء: 194-196] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَإِنَّ الْقُرْآنَ لَفِي كُتُبِ الأَوَّلِينَ، التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] يَقُولُ: نَعْتُ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ فِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ، يَعْنِي: فِي كِتَابِ الأَوَّلِينَ.
قَالَ: {أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً} [الشعراء: 197] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ، فَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ يَقُولُ: قَدْ كَانَتْ لَهُمْ آيَةً، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ، فَيَجْعَلُهَا عَمَلا فِي بَابِ كَانَ يَقُولُ: قَدْ كَانَ لَهُمْ آيَةٌ.
{أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: 197] ، يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ، أَيْ: فَقَدْ كَانَ لَهُمْ فِي إِيمَانِهِمْ بِهِ آيَةً، هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ يَجِدُونَ مُحَمَّدًا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ، وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِهِمْ.
قَالَ: {وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ} [الشعراء: 198] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
{عَلَى بَعْضِ الأَعْجَمِينَ {198} فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ} [الشعراء: 198-199] مُحَمَّدٌ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ.
{مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 199] يَقُولُ: لَوْ أَنْزَلْنَاهُ بِلِسَانٍ عَجَمِيٍّ لَمْ تُؤْمِنْ(2/524)
بِهِ الْعَرَبُ كَقَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4] .
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِذًا لَكَانُوا شَرَّ النَّاسِ فِيهِ، لَمَا فَقِهُوهُ، وَلا دَرَوْا مَا هُوَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ} [الشعراء: 200] جَعَلْنَاهُ.
{فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ} [الشعراء: 200] الْمُشْرِكِينَ، التَّكْذِيبَ.
{لا يُؤْمِنُونَ بِهِ} [الشعراء: 201] بِالْقُرْآنِ.
{حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} [الشعراء: 201] الْمُوجِعَ، يَعْنِي: قِيَامَ السَّاعَةِ.
{فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} [الشعراء: 202] فَجْأَةً.
{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ {202} فَيَقُولُوا} [الشعراء: 202-203] يَوْمَئِذٍ عِنْدَ ذَلِكَ.
{هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ} [الشعراء: 203] مُؤَخَّرُونَ، مَرْدُودُونَ إِلَى الدُّنْيَا فَنُؤْمِنُ.
قَالَ اللَّهُ: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} [الشعراء: 204] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: قَدِ اسْتَعْجَلُوا بِهِ لِقَوْلِهِمُ: {ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 29] وَذَلِكَ مِنْهُمُ اسْتِهْزَاءٌ وَتَكْذِيبٌ بِأَنَّهُ لا يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ {205} ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ {206} } [الشعراء: 205-206] الْعَذَابُ.
{مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء: 207] .
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ أحـ....
الْحَسَن الصَّبَّاحِيّ، قَالَ: حد ...
الْعَبَّاسُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْبَحْرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ سُفْيَانَ ...
حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ} [الشعراء: 205] قَالَ: مِثْلُ عُمْرِ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَهْلَكْنَا} [الشعراء: 208] ، يَعْنِي: وَمَا عَذَّبْنَا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(2/525)
{مِنْ قَرْيَةٍ إِلا لَهَا مُنْذِرُونَ} [الشعراء: 208] رُسُلٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَمَا أَهْلَكَ قَرْيَةً إِلا مِنْ بَعْدِ الْحُجَّةِ، وَالرُّسُلِ، وَالْبَيِّنَةِ، وَالْعُذْرِ.
قَالَ: {ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ} [الشعراء: 209] .
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: مَا كُنَّا لِنُعَذِّبَهُمْ إِلا مِنْ بَعْدِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُجَّةِ، كَقَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ} [الشعراء: 210] قَالَ قَتَادَةُ: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ الشَّيَاطِينُ.
{وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ} [الشعراء: 211] أَنْ يَتَنَزَّلُوا بِهِ.
{وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: 211] ذَلِكَ، تَفْسِيرُ قَتَادَةَ.
قَالَ: {إِنَّهُمْ عَن السَّمْعِ} [الشعراء: 212] قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ سَمْعِ السَّمَاءِ.
{لَمَعْزُولُونَ} [الشعراء: 212] وَكَانُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُونَ أَخْبَارًا مِنْ أَخْبَارِ السَّمَاءِ، فَأَمَّا الْوَحْيُ فَلَمْ يَكُونُوا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَسْمَعُوهَ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مِنْ تِلْكَ الْمَقَاعِدِ الَّتِي كَانُوا يَسْتَمِعُونَ فِيهَا إِلا مَا يَسْتَرِقُ أَحَدُهُمْ فَيُرْمَى بِشِهَابٍ.
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدٌ الصَّيِّدُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ، يَقُولُ: كُنَّا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا نَرَى نَجْمًا(2/526)
يُرْمَى بِهِ، فَلَمَّا كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ إِذَا النُّجُومُ قَدْ رُمِيَ بِهَا، فَقُلْنَا: مَا هَذَا؟ إِنْ هَذَا إِلا أَمْرٌ حَدَثٌ، فَجَاءَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ فِي سُورَةِ الْجِنِّ: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ
شِهَابًا رَصَدًا} [الجن: 9] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الشعراء: 213] ، يَعْنِي: وَلا تَعْبُدْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} [الشعراء: 213] وَقَدْ عَصَمَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حَتَّى قَامَ عَلَى الصَّفَا، وَقُرَيْشٌ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ نَادَى: يَا صَبَاحَاهُ، فَفَزِعَ النَّاسُ، فَخَرَجُوا، فَقَالُوا: مَا لَكَ يَابْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ: يَا آلَ غَالِبٍ، قَالُوا: هَذِهِ غَالِبٌ عِنْدَكَ، ثُمَّ نَادَى: يَا أَهْلَ لُؤَيٍّ، ثُمَّ نَادَى: يَا آلَ كَعْبٍ، ثُمَّ نَادَى: يَا آلَ مُرَّةَ، ثُمَّ نَادَى: يَا آلَ كِلابٍ، ثُمَّ نَادَى: يَا آلَ قُصَيٍّ،
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: أَنْذَرَ الرَّجُلُ عَشِيرَتَهُ الأَقْرَبِينَ، انْظُرُوا مَاذَا يُرِيدُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ: هَؤُلاءِ عَشِيرَتُكَ قَدْ حَضَرُوا، فَمَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنْذَرْتُكُمْ أَنَّ جَيْشًا يُصَبِّحُونَكُمْ أَصَدَّقْتُمُونِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ فَإِنِّي أُنْذِرُكُمُ النَّارَ، وَإِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً وَلا مِنَ الآخِرَةِ نَصِيبًا إِلا أَنْ تَقُولُوا: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ، فَأَنْزَلَ
اللَّهُ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1] ، فَتَفَرَّقَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ، وَقَالُوا:(2/527)
مَجْنُونٌ يَهْذِي مِنْ أُمِّ رَأْسِهِ.
- قَالَ اللَّهُ: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 216] عَنْ أَبِيهِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيرَتَهُ بَطْنًا بَطْنًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، لِي عَمَلِي وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ، إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، إِنَّمَا أَوْلِيَائِي مِنْكُمُ الْمُتَّقُونَ، أَلا
لا أَعْرِفَنَّكُمْ تَأْتُونَنِي تَحْمِلُونَ الدُّنْيَا عَلَى رِقَابِكُمْ، وَيَأْتِينِي النَّاسُ يَحْمِلُونَ الآخِرَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] كَقَوْلِهِ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] وَكَقَوْلِهِ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ عَصَوْكَ} [الشعراء: 216] فَإِنْ عَصَاكَ الْمُشْرِكُونَ.
{فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 216] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ {217} الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ {218} وَتَقَلُّبَكَ} [الشعراء: 217-219] قَالَ قَتَادَةُ: الَّذِي يَرَاكَ قَائِمًا، وَجَالِسًا، وَفِي حَالاتِكَ.
قَالَ: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] قَالَ قَتَادَةُ: فِي الصَّلاةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218] فِي الصَّلاةِ وَحْدَكَ {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219](2/528)
فِي صَلاةِ الْجَمِيعِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218] فِي الصَّلاةِ قَائِمًا {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
قَالَ يَحْيَى: أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: 219] كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى فِي الصَّلاةِ مَنْ خَلْفَهُ كَمَا يَرَى مَنْ بَيْنِ يَدَيْهِ.
- قَالَ يَحْيَى: وَسَمِعْتُ سَعِيدًا يَذْكُرُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسِنُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ إِذَا مَا رَكَعْتُمْ وَإِذَا مَا سَجَدْتُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِ ظَهْرِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» .
- حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَوُوا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ» .
وَتَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء: 218] أَيْنَمَا كُنْتَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الشعراء: 220] لا أَسْمَعَ مِنْهُ وَلا أَعْلَمَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ {221} تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ {222} يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ {223} } [الشعراء: 221-223] سَعِيدُ بْنُ قَتَادَةَ قَالَ: {تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء: 222] قَالَ قَتَادَةُ: وَالأَفَّاكُ الْكَذَّابُ.(2/529)
قَالَ يَحْيَى: وَهُمُ الْكَهَنَةُ.
{يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 223] كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ تَسْتَمِعُ ثُمَّ تَنْزِلُ إِلَى الْكَهَنَةِ، فَتُخْبِرُهُمْ، فَتُحَدِّثُ الْكَهَنَةُ بِمَا نَزَلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ مِنَ السَّمْعِ وَتَخْلِطُ بِهِ الْكَهَنَةُ كَذِبًا كَثِيرًا فَيُحَدِّثُونَ بِهِ النَّاسَ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ سَمْعِ السَّمَاءِ فَيَكُونُ حَقًّا، وَمَا خَلَطُوا بِهِ مِنَ الْكَذِبِ يَكُونُ كَذِبًا.
قَالَ يَحْيَى: وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 223] ، أَيْ: وَجَمَاعَتُهُمْ كَاذِبُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} [الشعراء: 224] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: الْغَاوُونَ، الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يُلْقُونَ الشِّعْرَ عَلَى الشُّعَرَاءِ الَّذِي لا يَجُوزُ فِي الدِّينِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ} [الشعراء: 225] يَذْهَبُونَ فِي كُلِّ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْكَلامِ.
{وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 226] قَالَ قَتَادَةُ: يُمْدَحُ قَوْمٌ بِبَاطِلٍ وَيُذَمُّ قَوْمٌ بِبَاطِلٍ، ثُمَّ اسْتَثْنَى اللَّهُ، فَقَالَ: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء: 227] قَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ ثُنْيَا اللَّهِ فِي الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَالشُّعَرَاءُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اسْتَثْنَى اللَّهُ: حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ.
قَالَ: {وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الشعراء: 227] فِي غَيْرِ وَقْتٍ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.(2/530)
{وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: 227] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَانْتَصَرُوا بِمِثْلِ مَا ظُلِمُوا، نَزَلَتْ فِي رَهْطٍ مِنَ الأَنْصَارِ هَاجُوا، يَعْنِي: عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ.
{مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا} [الشعراء: 227] مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، أَيِ: انْتَصَرُوا بِالْكَلامِ، وَهَذَا قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِقِتَالِهِمْ.
قَالَ: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الشعراء: 227] قَالَ قَتَادَةُ: الَّذِينَ أَشْرَكُوا مِنَ الشُّعَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ.
{أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللَّهِ إِذَا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيْ: أَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ حِينَئِذٍ أَنَّهُمْ سَيَنْقَلِبُونَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ اللَّهِ إِلَى النَّارِ.(2/531)
سُورَةُ النَّمْلِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ النَّمْلِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْءَانِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 1] قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي السُّورَةِ الأُولَى.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هُدًى} [النمل: 2] يَهْتَدُونَ بِهِ، بِالْقُرْآنِ إِلَى الْجَنَّةِ.
{وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 2] بِالْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [النمل: 3] الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ عَلَى وُضُوئِهَا وَمَوَاقِيتِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [النمل: 3] الْمَفْرُوضَةَ.
{وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [النمل: 3] يُصَدِّقُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} [النمل: 4] قَالَ قَتَادَةُ: فِي ضَلالَتِهِمْ يَلْعَبُونَ.(2/532)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: فِي ضَلالَتِهِمْ يَعْمَهُونَ، يَتَرَدَّدُونَ.
وقَالَ الْحَسَنُ: يَتَمَادَوْنَ.
قَالَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ} [النمل: 5] شِدَّةُ الْعَذَابِ.
{وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ} [النمل: 5] خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَغْنَمُوهَا فَصَارُوا فِي النَّارِ وَخَسِرُوا الْجَنَّةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءَانَ} [النمل: 6] لَتَقْبَلُ الْقُرْآنَ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَإِنَّكَ لَتَأْخُذُ الْقُرْآنَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَإِنَّكَ لَتُؤْتَى الْقُرْآنَ.
قَالَ: {مِنْ لَدُنْ} [النمل: 6] ، أَيْ: مِنْ عِنْدِ.
{حَكِيمٍ عَلِيمٍ} [النمل: 6] ، يَعْنِي: نَفْسَهُ، حَكِيمٌ فِي أَمْرِهِ عَلِيمٌ بِخَلْقِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذْ قَالَ مُوسَى لأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [النمل: 7] قَالَ قَتَادَةُ: إِنِّي أَحْسَسْتُ نَارًا.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {إِذْ رَأَى نَارًا} [طه: 10] رَآهَا نَارًا عِنْدَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نُورًا.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [النمل: 7] ، يَعْنِي: أَنِّي رَأَيْتُ نُورًا.
{سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} [النمل: 7] الطَّرِيقِ، وَكَانَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [طه: 10] ، أَيْ: هُدَاةً يَهْدُونَ إِلَى الطَّرِيقِ.(2/533)
{أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} [النمل: 7] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} [القصص: 29] وَهُوَ أَصْلُ الشَّجَرَةِ.
{لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل: 7] لِكَيْ تَصْطَلُوا.
قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ شَاتِيًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا جَاءَهَا} [النمل: 8] جَاءَ إِلَى النَّارِ عِنْدَ نَفْسِهِ.
{نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} [النمل: 8] ، أَيْ: أَنَّهَا عِنْدَ مُوسَى نَارٌ، يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ} [النمل: 8] نَفْسَهُ، وَإِنَّمَا كَانَ ضَوْءُ نُورِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ.
{وَمَنْ حَوْلَهَا} [النمل: 8] قَالَ قَتَادَةُ: {وَمَنْ حَوْلَهَا} [النمل: 8] الْمَلائِكَةُ، وَهِيَ فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: نُودِيَ أَنْ بُورِكَتِ النَّارُ وَمَنْ حَوْلَهَا.
{وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {8} يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ {9} وَأَلْقِ عَصَاكَ} [النمل: 8-10] فَأَلْقَاهَا.
{فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} [النمل: 10] كَأَنَّهَا حَيَّةٌ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى} [طه: 20] .
{وَلَّى مُدْبِرًا} [النمل: 10] مِنَ الْفَرَقِ.
{وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل: 10] وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَلَمْ يَلْتَفِتْ.(2/534)
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَمْ يَرْجِعْ.
{يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 10] قَالَ قَتَادَةُ: عِنْدِي.
{إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النمل: 11] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 10] فِي الآخِرَةِ وَفِي الدُّنْيَا، لأَنَّهُمْ أَهْلُ الْوِلايَةِ وَأَهْلُ الْمَحَبَّةِ: {إِلا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ} [النمل: 11] فَإِنَّهُ لا يَخَافُ عِنْدِي، وَكَانَ مُوسَى مِمَّنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حَسَنًا بَعْدَ سُوءٍ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَهُوَ قَتْلُ ذَلِكَ الْقِبْطِيِّ، لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ وَلَكِنْ تَعَمَّدَ وَكْزَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ} [النمل: 12] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: يَدَهُ بِعَيْنِهَا.
{فِي جَيْبِكَ} [النمل: 12] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: فِي جَيْبِ قَمِيصِكَ.
{تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [النمل: 12] قَالَ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْرَجَهَا وَاللَّهِ كَأَنَّهَا مِصْبَاحٌ، فَعَلِمَ مُوسَى أَنْ قَدْ لَقِيَ رَبَّهُ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النمل: 12] قَالَ السُّدِّيُّ: مَعَ تِسْعِ آيَاتٍ.(2/535)
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [النمل: 12] قَالَ مُجَاهِدٌ: التِّسْعُ الآيَاتُ: يَدُهُ، وَعَصَاهُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130] .
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، قَالَ: الطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَيَدُهُ، وَعَصَاهُ، وَالسِّنِينُ، وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً} [النمل: 13] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: بَيِّنَةٌ.
{قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ {13} وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 13-14] أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَالْجَحْدُ لا يَكُونُ إِلا مِنْ بَعْدِ الْمَعْرِفَةِ.
{ظُلْمًا} [النمل: 14] لأَنْفُسِهِمْ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الأعراف: 160] قَالَ: {وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14] الْمُشْرِكِينَ، يَعْنِيهِمْ، كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُد وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 15] يَعْنِيَانِ: أَهْلَ زَمَانِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ: عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل: 16] قَالَ قَتَادَةُ: نُبُوَّتَهُ وَمُلْكَهُ.
{وَقَالَ يَأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 16] ، يَعْنِي: كُلَّ شَيْءٍ أُوتِيَ مِنْهُ.
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 16] الْبَيِّنُ.(2/536)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحُشِرَ} [النمل: 17] ، أَيْ: وَجُمِعَ.
{لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] قَالَ قَتَادَةُ: عَلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ وَزَعَةٌ، يَرِدُ أُولاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] فَهُمْ يُدْفَعُونَ لا يَتَقَدَّمُهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُوزَعُونَ، يَعْنِي: يُسَاقُونَ.
{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ} [النمل: 18] قَالَ قَتَادَةُ: وَادٍ بِالشَّامِ.
{قَالَتْ نَمْلَةٌ يَأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ} [النمل: 18] قَالَ اللَّهُ: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] ، أَيْ: وَالنَّمْلُ لا يَشْعُرْنَ أَنَّ سُلَيْمَانَ يَفْهَمُ كَلامَهُمْ.
{فَتَبَسَّمَ} [النمل: 19] سُلَيْمَانُ.
{ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} [النمل: 19] يَقُولُ: أَلْهِمْنِي.
{أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19] ، يَعْنِي: مَعَ عِبَادِكَ.
{الصَّالِحِينَ} [النمل: 19] ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، وَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِي لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} [النمل: 20] أَمْ هُوَ غَائِبٌ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سُلَيْمَانَ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مَفَازَةً، فَدَعَا بِالْهُدْهُدِ، وَكَانَ سَيِّدَ الْهَدَاهِدِ، لِيَعْلَمَ لَهُ مَسَافَةَ الْمَاءِ، وَكَانَ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْبَصَرِ بِذَلِكَ شَيْئًا(2/537)
لَمْ يُعْطَهُ غَيْرُهُ مِنَ الطَّيْرِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ يَدُلُّهُ عَلَى الْمَاءِ إِذَا نَزَلَ النَّاسُ وَكَانَ يَنْقُرُ بِمِنْقَارِهِ فِي الأَرْضِ فَيُخْبِرُ سُلَيْمَانَ كَمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ مِنْ قَامَةٍ.
- قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ التَّيْمِيُّ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ الأَزْرَقِ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: لِمَ تَفَقَّدَ سُلَيْمَانُ الْهُدْهُدَ؟ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَافَرُوا نَقَرَ لَهُمُ الْهُدْهُدُ عَنْ أَقْرَبِ الْمَاءِ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ نَافِعُ بْنُ الأَزْرَقِ: وَكَيْفَ يَعْلَمُ أَقْرَبَ الْمَاءِ فِي الأَرْضِ، وَلا يَعْلَمُ بِالْفَخِّ حَتَّى يَأْخُذَ بِعُنُقِهِ؟ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَذَرَ لا يُغْنِي مَعَ الْقَدَرِ شَيْئًا؟ .
وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ سُلَيْمَانُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ جَاءَتِ الرِّيحُ، فَوَضَعَ سَرِيرَ مَمْلَكَتِهِ عَلَيْهَا، وَوُضِعَتِ الْكَرَاسِيُّ وَالْمَجَالِسُ عَلَى الرِّيحِ، وَجَلَسَ سُلَيْمَانُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَجَلَسَ وُجُوهُ أَصْحَابِهِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الدِّينِ عِنْدَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَالْجِنُّ يَوْمَئِذٍ ظَاهِرَةٌ لِلإِنْسِ، رِجَالٌ أَمْثَالُ الإِنْسِ إِلا أَنَّهُمْ أُدْمٌ، يَحُجُّونَ جَمِيعًا وَيُصَلُّونَ جَمِيعًا، وَيَعْتَمِرُونَ جَمِيعًا، وَالطَّيْرُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ وَرُءُوسِهِمْ، وَالشَّيَاطِينُ
حَرَسُهُ لا يَتْرُكُونَ أَحَدًا يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 17] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ} [النمل: 21] قَالَ قَتَادَةُ: وَعَذَابُهُ أَنْ يَنْتِفَ رِيشَهُ وَأَنْ يَذَرَهُ فِي الْمَنْزِلِ حَتَّى تَأْكُلَهُ الدُّودُ وَالنَّمْلُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل: 21] ، أَيْ: بِعُذْرٍ بَيِّنٍ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.(2/538)
قَالَ: وَحَدَّثَنِي قُبَاثُ بْنُ رَزِينٍ اللَّخْمِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ أَعْذُرُهُ بِهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل: 22] رَجَعَ مِنْ سَاعَتِهِ.
{فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل: 22] ، أَيْ: بَلَغْتُ مَا لَمْ تَبْلُغْ أَنْتَ وَلا جُنُودُكَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: عَلِمْتُ مَا لَمْ تَعْلَمْ.
{وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: بِخَبَرٍ حَقٍّ يَقِينٍ.
وَسَبَأٌ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، أَرْضٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرْضٌ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لَهَا مَأْرِبٌ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَنْعَاءَ مَسِيرَةُ ثَلاثِ لَيَالٍ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَعْلَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبَإٍ، أَرَجُلٌ أَمِ امْرَأَةٌ، أَمْ أَرْضٌ؟ فَقَالَ: بَلْ هُوَ رَجُلٌ وَلَدَ عَشَرَةً، فَبِالْيَمَنِ مِنْهُمْ سِتَّةٌ، وَبِالشَّامِ أَرْبَعَةٌ، فَأَمَّا الْيَمَانِيُّونَ: فَمَذْحِجٌ، وَحِمْيَرُ، وَكِنْدَةُ، وَأَنْمَارٌ، وَالأَزْدُ، وَالأَشْعَرِيُّونَ، وَبِالشَّامِ: لَخْمٌ، وَجُذَامٌ، وَعَامِلَةُ، وَغَسَّانُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23] ، أَيْ: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أُوتِيَتْ مِنْهُ.(2/539)
{وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] قَالَ قَتَادَةُ: وَعَرْشُهَا سَرِيرُهَا، وَكَانَ سَرِيرًا حَسَنًا، كَانَ مِنْ ذَهَبٍ وَقَوَائِمُهُ لُؤْلُؤٌ وَجَوْهَرٌ، وَكَانَ مُسْتَرًا بِالدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ سَبْعَةُ مَغَالِيقَ، وَكَانَتْ دُونَهُ سَبْعَةُ أَبْيَاتٍ بِالْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، مُغَلَّقَةٌ مُقْفَلَةٌ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: 24] قَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا قَوْمًا مَجُوسًا.
{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَن السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ {24} أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ} [النمل: 24-25] وَفِيهَا تَقْدِيمٌ، أَيْ: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ، فَصَدَّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ بِتَرْكِهِمُ السُّجُودَ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ.
وَفِي بَعْضِ كَلامِ الْعَرَبِ: أَلا تَسْجُدُوا أَلا فَاسْجُدُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النمل: 25] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَالْخَبْءُ مِنَ الْخَبِيئَةِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْخَبْءُ، وَالْغَيْبُ.
قَالَ يَحْيَى: وَهُوَ وَاحِدٌ.
وَيَعْلَمُ مَا يُخْفُونَ فِي صُدُورِهِمْ.
وَمَا يُعْلِنُونَ {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26](2/540)
- الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنْ عَمَّارٍ الذُّهْنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لا يَعْلَمُ قَدْرَ الْعَرْشِ إِلا الَّذِي خَلَقَهُ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، رِجْلاهُ فِي الأَرْضِ السُّفْلَى، وَعَلَى قَرْنِهِ الْعَرْشُ، وَبَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ خَفَقَانُ الطَّيْرِ مَسِيرَةَ سَبْعِ مِائَةِ سَنَةٍ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ حَيْثُ كُنْتَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27] قَالَ الْحَسَنُ: فَابْتُلِيَ، أَيْ: فَاخْتُبِرَ مِنْهُ ذَلِكَ، فَوَجَدَهُ صَادِقًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} [النمل: 28] يَقُولُ: ثُمَّ انْصَرِفْ عَنْهُمْ.
{فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل: 28] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كَانَتْ فِي بَيْتِ مَمْلَكَةٍ، يُقَالُ لَهَا بِلْقِيسُ ابْنَةُ شُرَحْبِيلَ، فَهَلَكَ قَوْمُهَا، فَمَلَكَتْ.
- قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي الْمُبَارَكُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَفْلَحَ قَوْمٌ تَمْلِكُهُمُ امْرَأَةٌ» .
سَعِيدٌ، قَالَ قَتَادَةُ: وَأَنَّهَا كَانَتْ إِذَا رَقَدَتْ غَلَّقَتِ الأَبْوَابَ، وَأَخَذَتِ الْمَفَاتِيحَ فَوَضَعَتْهَا تَحْتَ رَأْسِهَا، فَلَمَّا غَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَآوَتْ إِلَى فِرَاشِهَا أَتَاهَا الْهُدْهُدُ حَتَّى دَخَلَ مِنْ كُوَّةِ بَيْتِهَا، فَقَذَفَ الصَّحِيفَةَ عَلَى بَطْنِهَا أَوْ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا، فَأَخَذَتِ الصَّحِيفَةَ فَقَرَأَتْهَا فَـ {قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} [النمل: 29] أَيْ:(2/541)
، حَسَنٌ، حَسَنٌ مَا فِيهِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {30} أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ} [النمل: 30-31] ، أَيْ: لا تَمْتَنِعُوا عَلَيَّ.
{وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الأَمْرِ: أَلا تَخَلَّفُوا عَنِّي {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] .
قَالَ: وَكَذَلِكَ كَانَتْ تَكْتُبُ الأَنْبِيَاءُ جُمَلا لا يُطْنِبُونَ وَلا يُكْثِرُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 31] تَفْسِيرُ قَتَادَةَ، يَعْنِي: الإِسْلامَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: وَأْتُونِي مُقِرِّينَ بِالطَّاعَةِ، أَيْ: مُسْتَسْلِمِينَ لَيْسَ، يَعْنِي: الإِسْلامَ.
قَوْلُهُ: {قَالَتْ يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} [النمل: 32] اسْتَشَارَتْهُمْ.
{مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ {32} قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} [النمل: 32-33] يَعْنِي: عَدَدًا كَثِيرًا، فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
{وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} [النمل: 33] ، يَعْنِي: الْقِتَالَ.
{وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33] سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا ثَلاثُ مِائَةٍ وَثَلاثَة4َ عَشَرَ رَجُلا هُمْ أَهْلُ مَشُورَتِهَا، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى عَشَرَةِ آلافٍ.
قَالَ يَحْيَى: فَجَمِيعُهُمْ ثَلاثَةُ آلافِ أَلْفٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ وَثَلاثُونَ أَلْفَا.
{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النمل: 34] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، يَعْنِي: خَرَّبُوهَا.
{وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا} [النمل: 34] عُظَمَاءَهَا فِي الشَّرَفِ.(2/542)
{أَذِلَّةً} [النمل: 34] قَالَ اللَّهُ: {وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [النمل: 34] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 35] أَيْ رُسُلِي، إِنْ قَبِلَ هَدِيَّتَنَا فَهُوَ مِنَ الْمُلُوكِ، وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ النُّبُوَّةِ كَمَا يَنْتَحِلُ.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: قَالَ: قَالَتْ: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} [النمل: 35] فَمُصَانَعَتُهُمْ بِهَا عَنِ الْمُلْكِ إِنْ كَانُوا أَهْلَ دُنْيَا، فَبَعَثَتْ إِلَيْهِمْ بِلَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ فِي حَرِيرَةٍ وَدِيبَاجٍ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ، فَأَمَرَ بِلَبِنَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَصِيغَتْ، ثُمَّ قُذِفَتْ تَحْتَ أَرْجُلِ الدَّوَابِّ عَلَى طَرِيقِهِمْ، تَبُولُ عَلَيْهَا وَتَرُوثُ عَلَيْهَا، فَلَمَّا جَاءَ رُسُلُهَا فَرَأَوُا اللَّبِنَةَ تَحْتَ أَرْجُلِ الدَّوَابِّ صَغُرَ فِي أَعْيُنِهِمُ الَّذِي جَاءُوا بِهِ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا بَعَثَتْ إِلَيْهِ بِجَوَارٍ قَدْ أَلْبَسَتْهُنَّ لُبْسَةَ الْغِلْمَانِ، وَغِلْمَانٍ قَدْ أَلْبَسَتْهُنَّ لُبْسَ الْجَوَارِي، فَخَلَّصَ سُلَيْمَانُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّتَهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ {36} ارْجِعْ إِلَيْهِمْ} [النمل: 36-37] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الرُّسُلَ.
{فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} [النمل: 37] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لا طَاقَةَ لَهُمْ بِهَا.(2/543)
{وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38] قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا بَلَغَ سُلَيْمَانَ أَنَّهَا جَاءَتْهُ وَكَانَ قَدْ ذُكِرَ لَهُ سَرِيرُهَا، فَأَعْجَبَهُ وَكَانَ عَرْشُهَا مِنْ ذَهَبٍ، وَقَوَائِمُهُ لُؤْلُؤًا وَجَوْهَرًا، وَكَانَ مُسْتَرًا بِالدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ سَبْعَةُ مَغَالِيقَ، فَكَرِهَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَعْدَ إِسْلامِهَا، وَقَدْ عَلِمَ سُلَيْمَانُ أَنَّهُمْ
مَتَى مَا يُسْلِمُوا تَحْرُمُ أَمْوَالُهُمْ مَعَ دِمَائِهِمْ، فَأَحَبَّ أَنْ يُؤْتَى بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ، فَقَالَ: {يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38] ، هَذَا تَفْسِيرُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتُونِي مُقِرِّينَ بِالطَّاعَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ} [النمل: 39] مَارِدٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَالْعِفْرِيتُ لا يَكُونُ إِلا الْكَافِرَ، هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
{أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النمل: 39] ، أَيْ: بِالسَّرِيرِ.
{قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل: 39] ، يَعْنِي: مِنْ مَكَانِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ جَالِسٌ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(2/544)
وَمَقَامُهُ مَجْلِسُهُ الَّذِي كَانَ يَقْضِي فِيهِ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَلا يَفْرَغَ مِنْ قَضِيَّتِهِ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ، فَأَرَادَ مَا هُوَ أَعْجَلُ مِنْ ذَلِكَ.
فَـ {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ} [النمل: 40] وَكَانَ رَجُلا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: آصِفُ، يَعْلَمُ اسْمَ اللَّهِ الأَعْظَمَ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، قَالَ: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] وَطَرْفُهُ أَنْ يَبْعَثَ رَسُولا إِلَى مُنْتَهَى طَرْفِهِ لا يَرْجِعُ حَتَّى يُؤْتَى بِهِ، فَدَعَا الرَّجُلُ بِاسْمِ اللَّهِ.
{فَلَمَّا رَآهُ} [النمل: 40] ، رَأَى سُلَيْمَانُ السَّرِيرَ.
{مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] يَعْنِي: أَأَشْكُرُ نِعْمَتَهُ، أَيْ: أَمْ أَكْفُرُهَا.
{وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40] يَتَجَاوَزُ وَيَصْفَحُ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْمُعَلَّى بْنُ هِلالٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَنَّ صَاحِبَ سُلَيْمَانَ الَّذِي قَالَ: {أَنَا آتِيكَ بِهِ} [النمل: 39] بِالْعَرْشِ، الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ، كَانَ يُحْسِنُ الاسْمَ الأَكْبَرَ، فَدَعَا بِهِ.
وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسِيرَةُ شَهْرَيْنِ، وَهِيَ مِنْهُ عَلَى فَرْسَخٍ.
{فَلَمَّا رَآهُ} [النمل: 40] سُلَيْمَانُ {مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ} [النمل: 40] كَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ مِثْلُ الْحَسَدِ، ثُمَّ(2/545)
فَكَّرَ قَالَ: أَلَيْسَ هَذَا الَّذِي قَدِرَ عَلَى مَا لَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ مُسَخَّرًا لِي؟ {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل: 40] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا} [النمل: 41] عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَيِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا.
قَالَ قَتَادَةُ: وَتَنْكِيرُهُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ، وَيُنْقَصَ مِنْهُ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، {نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي} [النمل: 41] أَتَعْرِفُهُ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
{أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ} [النمل: 41] ، أَيْ: أَمْ لا تَعْرِفُهُ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: نَنْظُرُ {أَتَهْتَدِي} [النمل: 41] ، يَعْنِي: أَتَعْرِفُهُ {أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ} [النمل: 41] يَعْنِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَعْرِفُونَ، وَهُوَ نَحْوُهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
{قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل: 42] قَالَ قَتَادَةُ: شَبَّهَتْهُ، وَقَدْ كَانَتْ تَرَكَتْهُ خَلْفَهَا، فَوَجَدَتْهُ أَمَامَهَا.(2/546)
قَالَ: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا} [النمل: 42] سُلَيْمَانُ يَقُولُهُ: يَعْنِي: النُّبُوَّةَ، تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ.
{وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} [النمل: 42] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: 43] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: كُفْرُهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ، غَيْرُ الْوَثَنِ، وَذَلِكَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ صَدَّهَا أَنْ تَهْتَدِيَ إِلَى الْحَقِّ.
{إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ} [النمل: 43] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} [النمل: 44] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ أَنَّ سُلَيْمَانَ أَمَرَ الشَّيَاطِينَ أَنْ تَصْنَعَ صَرْحًا، مَجْلِسًا، مِنْ قَوَارِيرَ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّ الْجِنَّ اسْتَأْذَنُوا سُلَيْمَانَ، فَقَالُوا: ذَرْنَا فَلْنَبْنِ لَهَا صَرْحًا مِنْ قَوَارِيرَ، وَالصَّرْحُ قَصْرٌ، فَنَنْظُرُ كَيْفَ عَقْلُهَا، وَخَافَتِ الْجِنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ، فَتُطْلِعَ سُلَيْمَانَ عَلَى أَشْيَاءَ كَانَتِ الْجِنُّ تُخْفِيهَا مِنْ سُلَيْمَانَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ أَحَدَ أَبَوَيْهَا كَانَ جِنِّيًّا، فَلِذَلِكَ تَخَوَّفُوا ذَلِكَ مِنْهَا.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَأَذِنَ لَهُمْ، فَعَمِدُوا إِلَى الْمَاءِ، فَفَجَّرُوهُ فِي أَرْضٍ فَضَاءٍ، ثُمَّ أَكْثَرُوا فِيهِ مِنَ الْحِيتَانِ، قَالَ: وَالضَّفَادِعُ، ثُمَّ بَنَوْا عَلَيْهِ سُتْرَةً مِنْ زُجَاجٍ، ثُمَّ بَنَوْا حَوْلَهُ صَرْحًا، قَصْرًا مُمَرَّدًا مِنْ قَوَارِيرَ، وَالْمُمَرَّدُ: الأَمْلَسُ، ثُمَّ أَدْخَلُوا(2/547)
عَرْشَ سُلَيْمَانَ، أَيْ: سَرِيرَ سُلَيْمَانَ، وَعَرْشَهَا، وَكَرَاسِيَّ عُظَمَاءِ الْمُلُوكِ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ وَدَخَلَ مَعَهُ عُظَمَاءُ جُنْدِهِ، ثُمَّ {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ} [النمل: 44] وَفُتِحَ
الْبَابُ، فَلَمَّا أَرَادَتِ الدُّخُولَ إِذَا هِيَ بِالْحِيتَانِ وَالضَّفَادِعِ، فَظَنَّتْ أَنَّهُ مَكَرَ بِهَا لِتَغْرَقَ، ثُمَّ نَظَرَتْ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلِكِ سُلَيْمَانَ عَلَى سَرِيرِهِ، وَالنَّاسُ عِنْدَهُ عَلَى الْكَرَاسِيِّ، فَظَنَّتْ أَنَّهَا مَخَاضَةٌ، فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا، وَكَانَ بِهَا سُوءٌ، أَيْ: بَرَصٌ، فَلَمَّا رَآهَا سُلَيْمَانُ كَرِهَهَا، فَلَمَّا عَرَفَتِ الْجِنُّ أَنَّ سُلَيْمَانَ قَدْ رَأَى مِنْهَا مَا كَانَتْ تَكْتُمُ مِنَ النَّاسِ قَالَتْ لَهَا الْجِنُّ: لا تَكْشِفِي عَنْ سَاقَيْكِ، وَلا عَنْ قَدَمَيْكِ فَإِنَّمَا
هُوَ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ، أَيْ: مُمَلَّسٌ مِنْ قَوَارِيرَ.
عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: كَانَ الصَّرْحُ بِنَاءً مِنْ قَوَارِيرَ، بُنِيَ عَلَى الْمَاءِ، فَلَمَّا رَأَتِ اخْتِلافَ السَّمَكِ مِنْ وَرَائِهِ لَمْ يَشْتَبِهْ عَلَيْهَا أَنَّهُ لُجَّةُ مَاءٍ، وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا، وَكَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا جِنِّيًّا.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ أُمُّهَا جِنِّيَّةً، وَكَانَ قَدَمُهَا كَحَافِرِ حِمَارٍ، وَكَانَ اسْمُهَا بِلْقِيسُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ مُؤَخَّرُ رِجْلِهَا كَحَافِرِ الدَّابَّةِ، فَكَانَتْ إِذَا وَضَعَتْهُ عَلَى الصَّرْحِ هَشَّمَتْهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ الصَّرْحُ بِرْكَةَ مَاءٍ ضَرَبَ عَلَيْهَا سُلَيْمَانُ قَوَارِيرَ أَلْبَسَهَا إِيَّاهُ.(2/548)
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا لَمَّا أَقْبَلَتْ إِلَى سُلَيْمَانَ، خَافَتِ الشَّيَاطِينُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَقَالُوا: قَدْ كُنَّا نَلْقَى مِنْ سُلَيْمَانَ مِنَ السُّخْرَةِ مَا نَلْقَى، فَكَيْفَ إِذَا اجْتَمَعَ عَقْلُ هَذِهِ وَتَدْبِيرُهَا مَعَ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَنُبُوَّتِهِ؟ مَعَ أَنَّ أُمَّهَا كَانَتْ مِنَ الْجِنِّ، الآنَ حِينَ هَلَكْتُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا أَصْرِفُ سُلَيْمَانَ عَنْهَا حَتَّى لا يَتَزَوَّجَهَا، فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ لَمْ تَلِدْ جِنِّيَّةٌ قَطُّ مِنْ إِنْسِيٍّ إِلا كَانَ أَحَدُ رِجْلَيْهَا رِجْلَ حِمَارٍ،
فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ سُلَيْمَانَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْجِنِّ يُحِبُّ كُلَّ مَا وَافَقَ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ لَهُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَنَا أَعْمَلُ لَكَ شَيْئًا تَرَى ذَلِكَ مِنْهَا، فَعَمِلَ الصَّرْحَ، فَلَمَّا جَاءَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةَ مَاءٍ فَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا، فَرَأَى سُلَيْمَانُ قَدَمَيْهَا قَدَمَيْ إِنْسَانٍ، وَرَأَى عَلَى سَاقَيْهَا شَعْرًا كَثِيرًا، فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْجِنِّيُّ الَّذِي كَانَ يُحِبُّ كُلَّ مَا يُوَافِقُ سُلَيْمَانَ: أَنَا أَعْمَلُ لَكَ مَا يَذْهَبُ بِهِ ذَلِكَ الشَّعْرُ، فَعَمِلَ
النَّوْرَةَ وَالْحَمَّامَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا عَمِلَ الْحَمَّامُ وَالنَّوْرَةُ، وَتَزَوَّجَهَا سُلَيْمَانُ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ.
{قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ} [النمل: 44] قَالَ سُلَيْمَانُ: {إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [النمل: 44] ، أَيْ: أَنِّي أَضْرَرْتُ نَفْسِي.(2/549)
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: أَيْ: نَقَصْتُ نَفْسِي، يَعْنِي: لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ.
{وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} [النمل: 45] كَانَ أَخَاهُمْ فِي النَّسَبِ وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
{أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [النمل: 45] ، يَعْنِي: وَحِّدُوا اللَّهَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} [النمل: 45] قَالَ قَتَادَةُ: وَالْقَوْمُ بَيْنَ مُصَدِّقٍ وَمُكَذِّبٍ، مُصَدِّقٌ بِالْحَقِّ وَنَازِلٌ عِنْدَهُ، وَمُكَذِّبٌ بِالْحَقِّ وَتَارِكُهُ، فِي ذَلِكَ كَانَتْ خُصُومَةُ الْقَوْمِ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ.
{قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ} [النمل: 46] وَالسَّيِّئَةُ الْعَذَابُ لِقَوْلِهِمْ: {ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف: 77] وَالْحَسَنَةُ الرَّحْمَةُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْعَذَابُ قَبْلَ الْعَافِيَةِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {بِالسَّيِّئَةِ} [النمل: 46] ، يَعْنِي: الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا {قَبْلَ الْحَسَنَةِ} [النمل: 46] ، يَعْنِي: قَبْلَ الْعَافِيَةِ، وَهُوَ نَحْوٌ وَاحِدٌ.
قَالَ: {لَوْلا} [النمل: 46] هَلا.
{تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ} [النمل: 46] مِنْ شِرْكِكُمْ.(2/550)
{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {46} قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [النمل: 46-47] قَالُوا: مَا أَصَابَنَا مِنْ سُوءٍ فَهُوَ مِنْ قِبَلِكَ وَمِنْ قِبَلِ مَنْ مَعَكَ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ قَدْ أَصَابَهُمْ جُوعٌ، فَقَالُوا: بِشُؤْمِكَ وَبِشُؤْمِ الَّذِينَ مَعَكَ أَصَابَنَا هَذَا، وَهِيَ الطِّيَرَةُ.
{قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} [النمل: 47] قَالَ قَتَادَةُ: عَمَلُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ.
{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل: 47] ، أَيْ: تُبْتَلُونَ، تُخْتَبَرُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَمَعْصِيَتِهِ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} [النمل: 47] عَنْ دِينِكُمْ، أَيْ: تُصْرَفُونَ عَنْ دِينِكُمُ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ، يَعْنِي: الإِسْلامَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ {48} قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} [النمل: 48-49] تَحَالَفُوا بِاللَّهِ، تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
{لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النمل: 49] عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: تِسْعَةُ رَهْطٍ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّ صَالِحًا وَأَهْلَهُ.
قَالَ الْحَسَنُ: أَهْلُهُ، أُمَّتُهُ الَّذِينَ عَلَى دِينِهِ.(2/551)
قَالَ قَتَادَةُ: تَوَاثَقُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوهُ لَيْلا فَيَقْتُلُوهُ.
قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُمْ بَيْنَمَا هُمْ مُعَايِنُونَ إِلَى صَالِحٍ لِيَفْتِكُوا بِهِ، إِذْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَخْرَةً فَأَهْمَدَتْهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ} [النمل: 49] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لِرَهْطِهِ.
{مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل: 49] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَكَرُوا مَكْرًا} [النمل: 50] قَالَ قَتَادَةُ: الَّذِي أَرَادُوا بِصَالِحٍ.
{وَمَكَرْنَا مَكْرًا} [النمل: 50] ، أَيْ: أَنْ رَمَاهُمْ بِالصَّخْرَةِ فَأَهْمَدَتْهُمْ.
قَالَ: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل: 50] قَالَ: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} [النمل: 51] بِالصَّخْرَةِ.
{وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل: 51] بَعْدَ ذَلِكَ بِالصَّيْحَةِ.
قَالَ: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ} [النمل: 52] ، يَعْنِي: بِالْحِجْرِ.
{خَاوِيَةً} [النمل: 52] لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ.
{بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [النمل: 52] قَالَ: {وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النمل: 53] صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ.(2/552)
{وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [النمل: 53]
- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذَّبِينَ، يَعْنِي: أَصْحَابَ الْحِجْرِ، إِلا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ، فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ".
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: لا يُصِيبُكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ.
- قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَأَتَى عَلَى وَادِي ثَمُودَ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ شَقْرَاءَ، فَقَالَ: «أَسْرِعُوا السَّيْرَ فَإِنَّكُمْ فِي وَادٍ مَلْعُونٍ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [النمل: 54] يَعْنِي الْمَعْصِيَةَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} [النمل: 54] أَنَّهَا الْفَاحِشَةُ.
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل: 55] بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ جَاهِلُونَ، وَقَدْ فَسَّرْنَا أَمْرَهُمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا} [النمل: 56] قَالَهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.(2/553)
{أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56] عَنِ الْفَاحِشَةِ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: مِنْ أَعْمَالِ قَوْمِ لُوطٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَطَهَّرُونَ مِنْ أَدْبَارِ الرِّجَالِ، وَمِنْ أَدْبَارِ النِّسَاءِ.
{يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56] يَتَنَزَّهُونَ.
قَالَ اللَّهُ: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ} [النمل: 57] أَيْ غَبَرَتْ، بَقِيَتْ فِي عَذَابِ اللَّهِ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} [النمل: 58] وَهِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي رُمِيَ بِهَا أَهْلُ السَّفَرِ مِنْهُمْ، وَمَنْ كَانَ خَارِجًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَخُسِفَ بِمَدِينَتِهِمْ، وَهِيَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ ثَلاثُ مَدَائِنَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَالْمُؤْتَفِكَاتِ} [التوبة: 70] .
قَالَ: {فَسَاءَ مَطَرُ} [النمل: 58] ، أَيْ: فَبِئْسَ مَطَرُ.
{الْمُنذَرِينَ} [النمل: 58] يَعْنِيهِمْ، أَنْذَرَهُمْ لُوطٌ فَلَمْ يَنْتَذِرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59] الَّذِينَ اخْتَارَ، يَعْنِي: الأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ءَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.(2/554)
أَيْ أَنَّ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ أَوْثَانِهِمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ.
مَنِ اخْتَارَ، يَعْنِي: الأَنْبِيَاءَ وَالْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ} [النمل: 60] بِذَلِكَ الْمَاءِ.
{حَدَائِقَ} [النمل: 60] قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْحَدَائِقُ، النَّخْلُ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْحَدِيقَةُ، الْحَائِطُ مِنَ الشَّجَرِ وَالنَّخْلِ.
{ذَاتَ بَهْجَةٍ} [النمل: 60] قَالَ قَتَادَةُ: ذَاتُ حُسْنٍ، أَيْ: حَسَنَةٌ.
{مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل: 60] ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ هُوَ أَنْبَتَهَا، يَقُولُ: إِنَّ مَنْ خَلَقَ هَذَا، وَهَذَا تَبَعٌ لِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {ءَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، يَقُولُ: أَمَّنْ خَلَقَ هَذَا خَيْرٌ أَوْ أَوْثَانُهُمْ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْهُمْ، هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
قَالَ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 60] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى إِنْكَارٍ.
قَالَ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: 60] بِاللَّهِ فَيَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ يَعْدِلُونَهُمْ بِاللَّهِ.(2/555)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} [النمل: 61] الْجِبَالَ.
{وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا} [النمل: 61] مِنَ اللَّهِ.
قَالَ قَتَادَةُ: لا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ، وَلا يَبْغِي الْمَالِحُ عَلَى الْعَذْبِ، وَلا الْعَذْبُ عَلَى الْمَالِحِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزًا مِنَ الأَرْضِ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا مِنَ اللَّهِ، قَالَ قَتَادَةُ: الْمَالِحَيْنِ: بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: حَاجِزًا لا يُرَى.
وَتَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: الْبَرْزَخُ الْخَلْقُ الَّذِي بَيْنَهُمَا، يَعْنِي: بَحْرَ فَارِسَ وَالرُّومِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: أَمَّنْ خَلَقَ هَذَا خَيْرٌ أَوْ أَوْثَانُهُمْ؟ وَهَذَا تَبَعٌ لِقَوْلِهِ: {اللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ أَوْثَانِهِمْ.
قَالَ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 61] وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ.
{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النمل: 61] قوله عَزَّ وَجَلَّ: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل: 62](2/556)
يَعْنِي الضُّرَّ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ} [النمل: 62] قَالَ قَتَادَةُ: خَلَفًا مِنْ بَعْدِ خَلَفٍ، وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، يَقُولُ: أَمَّنْ يَفْعَلُ هَذَا خَيْرٌ أَوْ أَوْثَانُهُمْ، وَهَذَا تَبَعٌ لِقَوْلِهِ: {ءَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ أَوْثَانِهِمْ.
قَالَ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 62] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ.
{قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62] أَقَلُّهُمُ الْمُتَذَكِّرُ، يَعْنِي: أَقَلَّهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [النمل: 63] مِنْ شَدَائِدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ، يَعْنِي: فِي أَهْوَالِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ.
{وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا} [النمل: 63] ، يَعْنِي: مُلَقِّحَاتٍ لِلسَّحَابِ.
{بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [النمل: 63] بَيْنَ يَدَيِ الْمَطَرِ وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، يَقُولُ: أَمَّنْ يَفْعَلُ(2/557)
هَذَا خَيْرٌ أَوْ أَوْثَانُهُمْ؟ وَهَذَا تَبَعٌ لِقَوْلِهِ: {ءَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ أَوْثَانِهِمْ.
قَالَ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 63] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ.
{تَعَالَى اللَّهُ} [النمل: 63] ارْتَفَعَ.
{عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 63] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ بِهِ.
قَوْلُهُ: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [النمل: 64] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [النمل: 64] وَهُوَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ، يَقُولُ: أَمَّنْ يَفْعَلُ هَذَا خَيْرٌ أَوْ أَوْثَانُهُمْ، وَهَذَا تَبَعٌ بِقَوْلِهِ: {ءَاللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ خَيْرٌ مِنْ أَوْثَانِهِمْ.
قَالَ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 64] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ.
{قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [النمل: 64] يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ: يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [النمل: 64] حُجَّتُكُمْ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: بَيِّنَتُكُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: بُرْهَانُكُمْ، يَعْنِي: حُجَّتَكُمْ أَنَّ مَعَهُ إِلَهًا.
{إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64] أَنَّ هَذِهِ الأَوْثَانَ خَلَقَتْ شَيْئًا أَوْ صَنَعَتْ شَيْئًا مِنْ هَذَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ} [النمل: 65] الْغَيْبُ هَاهُنَا الْقِيَامَةُ، لا يَعْلَمُ مَجِيئَهَا إِلا اللَّهُ.
{وَمَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 65] وَمَا يَشْعُرُ جَمِيعُ الْخَلْقِ.
{أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65] مَتَى يُبْعَثُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} [النمل: 66] عَلِمُوا فِي الآخِرَةِ أَنَّ الأَمْرَ كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَآمَنُوا حِينَ لَمْ يَنْفَعْهُمْ عِلْمُهُمْ وَلا إِيمَانُهُمْ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} [النمل: 66] عَلَى الاسْتِفْهَامِ، تَبَعًا لِلاسْتِفْهَامِ الأَوَّلِ، أَيْ: لَمْ يَبْلُغْ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ، وَلَوِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ، أَيْ: لَوْ بَلَغَ عِلْمُهُمْ أَنَّ الآخِرَةَ كَائِنَةٌ لآمَنُوا بِهَا فِي الدُّنْيَا كَمَا آمَنَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ.(2/558)
فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} [النمل: 66] قَالَ: سَفَهُهُمْ وَجَهْلُهُمْ، أَيْ: مَا بَلَغَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ، أَيْ: أَنَّ عِلْمَهُمْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا يُسَفِّهُهُمْ بِذَلِكَ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ أَمْ أَدْرَكَ، أَيْ: لَمْ يُدْرِكْ، مِثْلَ قَوْلُ قَتَادَةَ.
قَالَ: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا} [النمل: 66] مِنَ الآخِرَةِ.
{بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 66] قَالَ قَتَادَةُ: عَمُوا عَنْهَا عَمُوا فِي الآخِرَةِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 66] لا يَدْرُونَ مَا الْحِسَابُ فِيهَا وَمَا الْعِقَابُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا} [النمل: 67] عَلَى الاسْتِفْهَامِ.(2/559)
{أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ} [النمل: 67] لَمَبْعُوثُونَ كَقَوْلِهِ: {أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} [مريم: 66] ، أَيْ: لا نُبْعَثُ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ مِنْهُمْ عَلَى إِنْكَارٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} [النمل: 68] ، أَيْ: فَلَمْ نُبْعَثْ.
وَهَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، أَيْ: قَدْ وُعِدَتْ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ بِالْبَعْثِ كَمَا وَعَدَنَا مُحَمَّدٌ فَلَمْ نَرَهَا بُعِثَتْ، يَعْنِي: مَنْ كَانَ مِنَ الْعَرَبِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى.
وَقَدْ كَانَ مُوسَى يَوْمَئِذٍ حُجَّةً عَلَى الْعَرَبِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48] ، يَعْنِي: مُوسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَعْنُونَ مُوسَى وَهَارُونَ.
قَالَ: {إِنْ هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [النمل: 68] كَذِبُ الأَوَّلِينَ وَبَاطِلُهُمْ، فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل: 69] الْمُشْرِكِينَ، كَانَ عَاقِبَتُهُمْ أَنْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ، أَيْ: فَاحْذَرُوا أَنْ يَنْزِلَ بِكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا نَزَلَ بِهِمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.(2/560)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النمل: 70] إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا كَقَوْلِهِ: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8] {وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النمل: 70] لا يَضِيقُ عَلَيْكَ أَمْرُكَ مِمَّا يَمْكُرُونَ بِكَ وَبِدِينِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُكَ عَلَيْهِمْ وَيُذِلُّهُمْ لَكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} [النمل: 71] الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.
قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ} [النمل: 72] ، أَيِ: اقْتَرَبَ لَكُمْ، فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
وَفِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ: اقْتَرَبَ مِنْكُمْ، أَيْ: دَنَا مِنْكُمْ.
{بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} [النمل: 72] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، يَعْنِي: قِيَامَ السَّاعَةِ الَّتِي يَهْلِكُ بِهَا آخِرُ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ الدَّائِنِينَ بِدِينِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} [النمل: 73] فَبِفَضْلِ اللَّهِ خُلِقَ الْكَافِرُ، وَبِفَضْلِهِ يَتَقَلَّبُ فِي الدُّنْيَا، وَيَأْكُلُ، وَيَشْرَبُ.(2/561)
قَالَ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} [النمل: 73] أكَثْرَ النَّاسِ.
{لا يَشْكُرُونَ} [النمل: 73] أَكْثَرُهُمْ مَنْ لا يَشْكُرُ، مَنْ لا يُؤْمِنُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْكُرُ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ} [النمل: 74] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{وَمَا يُعْلِنُونَ} [النمل: 74] مِنَ الْكُفْرِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [النمل: 75] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: الْغَائِبَةُ الْقِيَامَةُ.
- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي نُعَيْمُ بْنُ يَحْيَى، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ: اكْتُبْ، قَالَ: رَبِّ مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: مَا هُوَ كَائِنٌ، فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ: فَأَعْمَالُ الْعِبَادِ تُعْرَضُ كُلَّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ فَيَجِدُونَهُ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [النمل: 76] قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، يَعْنِي: الَّذِينَ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
{أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل: 76] ، يَعْنِي: مَا اخْتَلَفَ فِيهِ أَوَائِلُهُمْ وَمَا حَرَّفُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَمَا كَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ، ثُمَّ قَالُوا هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.(2/562)
قَالَ: {وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النمل: 77] هُدًى يَهْتَدُونَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ} [النمل: 78] بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي الآخِرَةِ، فَيُدْخِلُ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ الْكَافِرِينَ النَّارَ.
- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَسْمَعْهُ أَنَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَحَلْتُ إِلَيْهِ، فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ، فَإِذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ الأَنْصَارِيُّ، فَبَعَثْتُ إِلَيْهِ أَنَّ جَابِرًا عَلَى الْبَابِ فَرَجَعَ إِلَيَّ الرَّسُولُ،
فَقَالَ: جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ، فَاعْتَنَقَنِي وَاعْتَنَقْتُهُ، فَقُلْتُ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، فَخَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ أَوْ تَمُوتَ، وَلَمْ أَسْمَعْهُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَحْشُرُ اللَّهُ الْعِبَادَ، أَوْ قَالَ: النَّاسَ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الشَّامِ، عُرَاةً غرُلْا بُهْمًا، قُلْتُ: مَا بُهْمًا؟ قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ
شَيْءٌ، فَيُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ، أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَوَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَوَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، حَتَّى اللَّطْمَةَ، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ، وَإِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عُرَاةً غُرْلا بُهْمًا؟ قَالَ: بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ.(2/563)
قَالَ: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [النمل: 78] لا أَعَزَّ مِنْهُ وَلا أَعْلَمَ مِنْهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79] الْبَيِّنِّ.
قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: الإِسْلامَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ لأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الأَمْوَاتِ فِي سَمْعِ الأَيْمَانِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي: الَّذِينَ يَلْقَوْنَ اللَّهَ بِكُفْرِهِمْ.
قَالَ يَحْيَى: مَثَلُهُمْ فِيمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ مَثَلُ الأَمْوَاتِ الَّذِينَ لا يَسْمَعُونَ.
قَالَ: {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: 80] يَعْنِيهِمْ.
وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ يَقُولُ: إِنَّ الأَصَمَّ لا يَسْمَعُ الدُّعَاءَ إِلا وَلَّى مُدْبِرًا.
عَنْ أَبِيهِ: سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، فَالْكَافِرُ لا يَسْمَعُ الْهُدَى وَلا يَفْهَمُهُ كَمَا لا يَسْمَعُ الْمَيِّتُ، وَلا يَسْمَعُ الأَصَمُّ الدُّعَاءَ إِلا وَلَّى مُدْبِرًا.
عَنْ أَبِيهِ: قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ(2/564)
الْحَسَنَ عَنْ هَذَا الْحَرْفِ فَقَالَ: وَلا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ} [النمل: 81] عَنِ الْهُدَى.
{عَنْ ضَلالَتِهِمْ} [النمل: 81] ، يَعْنِي: الَّذِي يَمُوتُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ.
{إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} [النمل: 81] مَنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُؤْمِنَ.
{فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [النمل: 81] وَهَذَا سَمْعُ الْقَبُولِ، فَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَسْمَعُ أُذُنَاهُ وَلا يَقْبَلُهُ قَلْبُهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} [النمل: 82] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: حَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ، وَالْقَوْلُ الْغَضَبُ.
{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} [النمل: 82] وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: تُحَدِّثُهُمْ.
{أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل: 82]
- عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: إِنَّهَا دَابَّةٌ ذَاتُ زَغَبٍ وَرِيشٍ، لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ، تَخْرُجُ مِنْ بَعْضِ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ.
وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ يَزِيدَ الأَوْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: دَابَّةُ الأَرْضِ زَبَّاءُ ذَاتُ وَبَرٍ، رَبَّاءُ تُنَاغِي السَّمَاءَ.
- وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ: سَمِعْتُ(2/565)
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: تَخْرُجُ الدَّابَّةُ مِنْ مَكَّةَ مِنْ صَخْرَةٍ بِشِعْبِ أَجْيَادٍ.
- عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: إِذَا خَرَجَتِ الدَّابَّةُ فَزِعَ النَّاسُ إِلَى الصَّلاةِ، فَتَأْتِي الرَّجُلَ وَهُوَ يُصَلِّي فَتَقُولُ: طَوِّلْ مَا أَنْتَ مُطَوِّلٌ فَوَاللَّهِ لأَخْطِمَنَّكَ، قَالَ حَمَّادٌ: يَوْمَئِذٍ يُعْرَفُ الْمُنَافِقُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: وَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أَضَعَ قَدَمِي عَلَى مَكَانِهَا الَّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ لَفَعَلْتُ.
وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ دَابَّةَ الأَرْضِ، قَالَ: فَخَرَجَتْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا لا يُرَى وَاحِدٌ مِنْ طَرَفَيْهَا، أَوْ لا يُرَى طَرَفَاهَا، قَالَ: فَرَأَى مَنْظَرًا كَرِيهًا، فَقَالَ: رَبِّ رُدَّهَا، فَرَجَعَتْ.
- وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ حُذَيْفَةَ، فَذَكَرُوا الدَّابَّةَ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: إِنَّهَا تَخْرُجُ ثَلاثَ خَرْجَاتٍ: مَرَّةً فِي بَعْضِ الْوَادِي، ثُمَّ تَكْمُنُ، ثُمَّ تَخْرُجُ فِي بَعْضِ الْقُرَى حَتَّى تُذْكَرَ وَيُهَرِيقُ فِيهَا الأُمَرَاءُ الدِّمَاءَ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ عَلَى أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ، وَأَفْضَلِهَا، وَأَشْرَفِهَا، يَعْنِي: الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، إِذْ تُرْفَعُ الأَرْضُ، فَيَهْرُبُ النَّاسُ وَتَبْقَى عِصَابَةٌ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَنْ يُنْجِينَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْءٌ، فَتَخْرُجُ، فَتَجْلُوا وُجُوهَهُمْ فَتَجْعَلَهَا عَلَى أَضْوَإِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ، وَتَتَّبِعُ النَّاسَ، فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ وَتَخْطِمُ الْكَافِرَ، لا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ وَلا يَنْجُو مِنْهَا هَارِبٌ، قَالُوا: وَمَا النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يَا حُذَيْفَةُ؟ قَالَ: جِيرَانٌ فِي الرِّبَاعِ، شُرَكَاءُ فِي(2/566)
الأَمْوَالِ، أَصْحَابٌ فِي الأَسْفَارِ.
- وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْبَيْلَمَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: يَبِيتُ النَّاسُ يَسِيرُونَ إِلَى جَمْعٍ، وَتَبِيتُ دَابَّةُ الأَرْضِ تَسْرِي إِلَيْهِمْ، فَيُصْبِحُونَ قَدْ جَعَلَتْهُمْ بَيْنَ رَأْسِهَا وَأُذُنَيْهَا، فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلا تَمْسَحُهُ، وَلا كَافِرٍ وَلا مُنَافِقٍ إِلا تَخْطِمُهُ، وَإِنَّ التَّوْبَةَ لَمَفْتُوحَةٌ.
- وَعَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، قَالَ: لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْبَيْتِ عَلَى الإِنَاءِ الْوَاحِدِ، يَعْرِفُونَ مُؤْمِنِيهِمْ مِنْ كُفَّارِهِمْ، قَالُوا: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَخْرُجُ دَابَّةُ الأَرْضِ فَتَمْسَحُ كُلَّ إِنْسَانٍ عَلَى مَسْجِدِهِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَكُونُ نُكْتَةً بَيْضَاءَ فَتَفْشُو فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَبْيَضَّ لَهَا وَجْهُهُ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَكُونُ نُكْتَةً سَوْدَاءَ فَتَقْشُو فِي وَجْهِهِ حَتَّى يَسْوَدَّ
لَهَا وَجْهُهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَتَبَايَعُونَ فِي أَسْوَاقِهِمْ، يَقُولُ هَذَا: كَيْفَ تَبِيعُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ؟ وَيَقُولُ هَذَا: كَيْفَ تَأْخُذُ هَذَا يَا كَافِرُ؟ فَمَا يَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ} [النمل: 82] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ خَاصَّةً.(2/567)
قَالَ يَحْيَى: وَهُمْ مُشْرِكُو أَهْلِ مَكَّةَ.
{كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل: 82] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: تُكَلِّمُهُمْ بِهَذَا الْكَلامِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَقُولُ: إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِي لا يُوقِنُونَ.
وَعَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: فِي بَعْضِ الْقِرَاءَةِ: تُحَدِّثُهُمْ {أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل: 82] لا يُؤْمِنُونَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَأُهَا: تَكْلِمُهُمْ، أَيْ: تَسِمُهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا} [النمل: 83] ، يَعْنِي: كُفَّارَ كُلِّ أُمَّةٍ.
{مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: 83] قَالَ قَتَادَةُ: وَزَعَةٌ تَرُدُّ أُولاهُمْ عَلَى أُخْرَاهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {يُوزَعُونَ} [النمل: 83] ، يَعْنِي: يُسَاقُونَ.
قَالَ: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ} [النمل: 84] اللَّهُ.
{أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا} [النمل: 84] ، أَيْ: لَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا بِأَنَّ مَا عَبَدْتُمْ مِنْ دُونِي مَا خَلَقُوا مَعِي شَيْئًا، وَلا رَزَقُوا مَعِي شَيْئًا، وَأَنَّ عِبَادَتَكُمْ إِيَّاهُمْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُمْ بِإِحَاطَةِ عِلْمٍ عَلِمْتُمُوهُ، وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْكُمْ عَلَى الظَّنِّ.(2/568)
{أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 84] يَسْتَفْهِمُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} [النمل: 85] ، أَيْ: وَحَقَّ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ، وَالْقَوْلُ، الْغَضَبُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: {بِمَا ظَلَمُوا} [النمل: 52] بِمَا أَشْرَكُوا.
{فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ} [النمل: 85] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} [النمل: 86] مُنِيرًا.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النمل: 86] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [النمل: 87] وَالصُّورُ قَرْنٌ.
قَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: قَرْنٌ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ.
{فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87] قَالَ: وَهَذِهِ النَّفْخَةُ الأُولَى.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87] قَالَ: اسْتَثْنَى اللَّهُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ يَمُوتُونَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ.
- وَعَنْ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غُرَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل: 87] ، الشُّهَدَاءُ، يَقُولُونَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الصَّوْتُ.
{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] قَالَ: يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَحْسَنَ هَذَا الصَّوْتُ، كَأَنَّهُ الأَذَانُ فِي الدُّنْيَا، فَلَمْ يَفْزَعُوا وَلَمْ يَمُوتُوا إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى.(2/569)
- وَعَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَصَعِقَ فِيمَنْ صَعِقَ أَمْ أَجْزَتْهُ الصَّعْقَةُ الأُولَى» .
- وَعَنْ عُثْمَانَ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَصَعِقَ فِيمَنْ صَعِقَ أَمْ أَجْزَتْهُ الصَّعْقَةُ الأُولَى» .
- وَعَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِالصَّعْقَةِ الأُولَى أَمْ خَرَجَ قَبْلِي» .
قَوْلُهُ: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] صَاغِرِينَ، تَفْسِيرُ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الآخِرَةَ.
- وَعَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لَطَمَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، فَشَكَاهُ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لِمَ لَطَمْتَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْبَشَرِ، فَقَالَ: مَا اصْطَفَى اللَّهُ مُحَمَّدًا إِنَّمَا اصْطَفَى اللَّهُ مُوسَى، فَأَثْنَى رَسُولُ اللَّهِ(2/570)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُوسَى ثُمَّ قَالَ: «غَيْرَ أَنِّي سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ
عَنْهُ الأَرْضُ، فَأَجِدُ مُوسَى مُتَعَلِّقًا بِالْعَرْشِ، فَلا أَدْرِي أَصَعِقَ فِيمَنْ صَعِقَ أَوْ أَجْزَتْهُ الصَّعْقَةُ الأُولَى» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل: 87] قَالَ قَتَادَةُ: صَاغِرِينَ، يَعْنِي: النَّفْخَةَ الآخِرَةَ.
- عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ، الأُولَى يُمِيتُ اللَّهُ بِهَا كُلَّ حَيٍّ، وَالأُخْرَى يُحْيِي اللَّهُ بِهَا كُلَّ مَيِّتٍ» .
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: النَّفْخَةُ الأُولَى مِنَ الدُّنْيَا، وَالثَّانِيَةُ عَنِ الآخِرَةِ.
- وَعَنْ عَاصِمِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ مرَايَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: النَّافِخَانِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا اثْنَانِ، رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَشْرِقِ وَرِجْلاهُ فِي الْمَغْرِبِ، وَرَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَغْرِبِ وَرِجْلاهُ بِالْمَشْرِقِ.
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلا كَانَ يَقُولُ: إِنَّ لِلَّهِ صُورَيْنِ، فَقَالَ: كَذِبَ، قَالَ اللَّهُ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} [الزمر: 68] إِنَّمَا هُوَ صُورٌ وَاحِدٌ.(2/571)
قَالَ يَحْيَى: وَبَلَغَنِي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَقُومُ مَلَكٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ فَيَنْفُخُ فِيهِ.
وَتَفْسِيرُ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ الْمُنَادِيَ، وَهُوَ صَاحِبُ الصُّورِ، يُنَادِي مِنَ الصَّخْرَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} [النمل: 88] سَاكِنَةً.
{وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} تَكُونُ {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة: 5] كَالصُّوفِ الْمَنْفُوشِ وَتَكُونُ {كَثِيبًا مَهِيلا} [المزمل: 14] وَتُبَسُّ بَسًّا كَمَا يُبَسُّ السَّوِيقُ، وَتَكُونُ سَرَابًا، ثُمَّ تَكُونُ {هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 6] فَذَلِكَ حِينَ تَذْهَبُ مِنْ أُصُولِهَا فَلا يُرَى مِنْهَا شَيْءٌ، فَتَصِيرُ الأَرْضُ كُلُّهَا مُسْتَوِيَةً.
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل: 88] أَحْكَمَ كُلَّ شَيْءٍ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ، فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى كُلِّ دَابَّةٍ كَيْفَ تَتَّقِي عَلَى نَفْسِهَا.
قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ، يَعْنِي: الْحسنَ أَتْقَنَ تتقي، وَلَكِنْ مِنَ الإِتْقَانِ أَنْ جَعَلَ كُلَّ دَابَّةٍ تَتَّقِي عَلَى نَفْسِهَا.
قَالَ: {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [النمل: 89] بِلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا.(2/572)
وَقَالَ قَتَادَةُ: بِالإِخْلاصِ، وَهُوَ وَاحِدٌ.
{فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل: 89] ، أَيْ: فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ وَهِيَ الْجَنَّةُ، وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فَلَهُ مِنْهَا حَظٌّ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [النمل: 89] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل: 89] ، يَعْنِي: فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [النمل: 90] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ، {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل: 90] .
الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثَمَنُ الْجَنَّةِ.
قَالَ: {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89] .
- الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى رَجُلٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَيَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ» .
- عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: تُنْفَخُ النَّفْخَةُ الأُولَى وَمَا يُعْبَدُ اللَّهُ يَوْمَئِذٍ فِي الأَرْضِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [النمل: 90] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
قَالَ: {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل: 90] أُلْقُوا فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ.
- سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُوجِبَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ النَّارَ» .(2/573)
- هِشَامٌ، وَقُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَقِيَ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ» .
الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ مِثْلَهُ.
- مُحَمَّدُ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
- أَشْعَثُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، قَالَ: ارْفَعُوا عَنِّي سِجْفَ الْقُبَّةِ ثُمَّ قَالَ: لأُحَدِّثَنَّكُمْ بِحَدِيثٍ كُنْتُ أَكْتُمُكُمُوهُ وَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهُ إِلا مَخَافَةَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَقِينًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» .
- عَمَّارٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ: أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ؟» قَالَ: نَعَمْ وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، لا يُقِرُّ عَبْدٌ صَادِقٌ بِهَا إِلا كَانَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَوَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، لا يُقِرُّ بِهَا عَبْدٌ صَادِقٌ إِلا كَانَتْ فِي قَلْبِهِ وَعَمَلِهِ ".
- هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلا آخِرَةُ الرَّحْلِ إِذْ قَالَ: «يَا(2/574)
مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «يَا
مُعَاذُ، وَهَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا» ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ» ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا هُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ وَلا يُعَذِّبَهُمْ» .
أَبُو الأَشْهَبِ، وَأَبُو أُمَيَّةَ، عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل: 90] فِي الدُّنْيَا، يُقَالُ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّمَا أُمِرْتُ} [النمل: 91] ، أَيْ: قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ.
{أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} [النمل: 91] .
قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: مَكَّةَ.
{الَّذِي حَرَّمَهَا} [النمل: 91] ، أَيْ: أَنْ أَعْبُدَ رَبَّهَا الَّذِي حَرَّمَهَا.(2/575)
{وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ {91} وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْءَانَ} [النمل: 91-92] ، أَيْ: وَأُمِرْتُ أَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ.
{فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [النمل: 92] أَيْ وَلا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُكْرِهَهُمْ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} [النمل: 93] تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فِي الآخِرَةِ عَلَى مَا قَالَ فِي الدُّنْيَا مِنْ وَعْدِهِ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: مَا يَرَوْنُ مِنَ الآيَاتِ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالرِّزْقِ.
قَوْلُهُ: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [النمل: 93] وَهِيَ تُقْرَأُ عَلَى وَجْهَيْنِ: عَلَى الْيَاءِ، وَعَلَى التَّاءِ، فَمَنْ قَرَأَهَا بِالْيَاءِ فَيَقُولُ: وَمَا رَبُّكَ يَا مُحَمَّدُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، وَمَنْ قَرَأَهَا بِالتَّاءِ: {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [النمل: 93] يَقُولُهُ لَهُمْ.(2/576)
سُورَةُ الْقَصَصِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
- تَفْسِيرُ سُورَةِ طسم الْقَصَصِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا
قَوْلُهُ تَعَالَى: {طسم {1} تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ {2} } [القصص: 1-2] وَقَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي طسم الشُّعَرَاءِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى} [القصص: 3] مِنْ خَبَرِ مُوسَى.
{وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 3] لِقَوْمٍ يُصَدِّقُونَ.
{إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ} [القصص: 4] قَالَ قَتَادَةُ: بَغَى فِي الأَرْضِ.
قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: أَرْضَ مِصْرَ.
قَالَ: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا} [القصص: 4] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: فِرَقًا.(2/577)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَقُولُ: أَحْزَابًا فِرَقًا الْقِبْطَ، وَفِرَقًا بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقْهَرُهُمْ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَسْتَضْعِفُهُمْ فَيُذَبِّحُ طَائِفَةً، وَيَسْتَحْيِي طَائِفَةً، وَيُعَذِّبُ طَائِفَةً، وَيَسْتَعْبِدُ طَائِفَةً، يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي كَانُوا بِمِصْرَ فِي يَدَيْ فِرْعَوْنَ، وَالطَّائِفَةَ الَّتِي يُذَبِّحُ الأَبْنَاءَ، وَالطَّائِفَةَ الَّتِي يَسْتَحْيِي النِّسَاءَ فَلا يَقْتُلُهُنَّ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ} [القصص: 4] يَعْنِي يَقْهَرُ طَائِفَةً مِنْهُمْ وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فَيَسْتَعْبِدُهُمْ.
{إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4] فِي الأَرْضِ بِشِرْكِهِ وَعَمَلِهِ السُّوءِ.
{وَنُرِيدُ} [القصص: 5] ، أَيْ: كَانَ يَفْعَلُ هَذَا فِرْعَوْنُ يَوْمَئِذٍ، وَنَحْنُ نُرِيدُ.
{أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} [القصص: 5] ، يَعْنِي: قُهِرُوا.
{فِي الأَرْضِ} [النمل: 87] أَيْ أَرْضَ مِصْرَ فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ، يَعْنِي: بَنِي إِسْرَائِيلَ.
{وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} [القصص: 5] يُهْتَدَى بِهِمْ، أَيْ: أَئِمَّةً فِي الدِّينِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} [القصص: 5] ، أَيْ: وُلاةَ الأَمْرِ.
قَالَ: {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 5] ، أَيْ: يَرِثُونَ الأَرْضَ بَعْدَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، فَفَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِهِمْ.
قَالَ: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ} [القصص: 6] أَرْضِ مِصْرَ، وَهُوَ تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ} [القصص: 5] .
قَالَ: {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ} [القصص: 6] مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.
{مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 6](2/578)
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ حَازِرًا حَزَرَ لِفِرْعَوْنَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ يُولَدُ فِي هَذَا الْعَامِ غُلامٌ يَسْلِبُكَ مُلْكَكَ، فَتَتَبَّعَ أَبْنَاءَهُمْ يَقْتُلُهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، فَلا يَقْتُلُهُنَّ حَذَرًا مِمَّا قِيلَ لَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: 7] .
قَالَ قَتَادَةُ: وَحْيُ إِلْهَامٍ، فَقَذَفَ فِي قَلْبِهَا، أَلْهَمَتْهُ، لَيْسَ بِوَحْيِ النُّبُوَّةِ.
{أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] أَنْ أَرْضِعِي مُوسَى.
{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} [القصص: 7] الطَّلَبَ.
{فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: 7] ، أَيِ: الْبَحْرَ.
{وَلا تَخَافِي} [القصص: 7] عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ.
{وَلا تَحْزَنِي} [القصص: 7] أَنْ يُقْتَلَ.
{إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7] قَالَ قَتَادَةُ: فَجَعَلَتْهُ فِي تَابُوتٍ ثُمَّ قَذَفَتْهُ فِي الْبَحْرِ.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 8] قَالَ يَحْيَى: لا أَعْلَمُ إِلا أَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ الْغَسَّالاتِ عَلَى النِّيلِ الْتَقَطَتْهُ.
قَالَ قَتَادَةُ: {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] ، أَيْ: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا فِي دِينِهِمْ وَحَزَنًا لَهُمْ يُحْزِنُهُمْ بِهِ.(2/579)
قَالَ: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص: 8] مُشْرِكِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص: 9] تَقُولُهُ لِفِرْعَوْنَ.
قَالَ قَتَادَةُ: تَعْنِي بِذَلِكَ مُوسَى، أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحْمَتُهَا حِينَ أَبْصَرَتْهُ.
{لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [القصص: 9] أَنَّ هَلاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ وَفِي زَمَانِهِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص: 10] الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: فَرَغَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ ذِكْرِ مُوسَى لا تَذْكُرُ غَيْرَهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لاهِيًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا ذِكْرِ مُوسَى.
{إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} [القصص: 10] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: لَتُبَيِّنُ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ شِدَّةِ وَجْدِهَا.
قَالَ: {لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [القصص: 10] قَالَ قَتَادَةُ: بِالإِيمَانِ.
{لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 10] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَتْ لأُخْتِهِ} [القصص: 11] قَالَتْ أُمُّ مُوسَى لأُخْتِ مُوسَى.(2/580)
{قُصِّيهِ} [القصص: 11] سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَيْ: قُصِّي أَثَرَهُ.
قَالَ اللَّهُ {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ} [القصص: 11] ، أَيْ: عَنْ نَاحِيَةٍ.
{وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [القصص: 9] أَنَّهَا أُخْتُهُ، جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ وَكَأَنَّهَا لا تُرِيدُهُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ} [القصص: 11] مِنْ بَعِيدٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} [القصص: 12] قَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَ لا يُؤْتَى بِامْرَأَةٍ إِلا لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَهَا، حَتَّى رَدَّهُ اللَّهُ إِلَى أُمِّهِ.
{فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ} [القصص: 12] أَلا أَدُلُّكُمْ.
{عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ} [القصص: 12] ، أَيْ: يَضُمُّونَهُ فَيُرْضِعُونَهُ.
{وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ} [القصص: 12] قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [القصص: 13] الَّذِي قُذِفَ فِي قَلْبِهَا {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7] .
قَالَ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص: 13] ، يَعْنِي: جَمَاعَتَهُمْ لا يَعْلَمُونَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} [القصص: 14] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {بَلَغَ أَشُدَّهُ} [القصص: 14] عِشْرِينَ سَنَةً {وَاسْتَوَى} [القصص: 14] .(2/581)
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: {بَلَغَ أَشُدَّهُ} [القصص: 14] عِشْرِينَ سَنَةً {وَاسْتَوَى} [القصص: 14] بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
{آتَيْنَاهُ} [القصص: 14] أَعْطَيْنَاهُ.
{حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: 14] ، يَعْنِي: فَهْمًا وَعَقْلا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص: 14]
- قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص: 15] الْمُعَلَّى، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: دَخَلَ وَسْطَ النَّهَارِ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ، فَهُمْ فِي لَهْوِهِمْ وَلَعِبِهِمْ.
{فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] قَالَ قَتَادَةُ: الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ قِبْطِيٌّ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} [القصص: 15] مِنْ جِنْسِهِ.
{عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] وَكَانَ الْقِبْطِيُّ يُسَخِّرُ الإِسْرَائِيلِيَّ لِيَحْمِلَ حَطَبًا لِمَطْبَخِ فِرْعَوْنَ، فَأَبَى، فَقَاتَلَهُ.
{فَوَكَزَهُ مُوسَى} [القصص: 15] قَالَ قَتَادَةُ: بِعَصًا، أَيْ: وَلَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ.
{فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: فَأْنَزَل بِهِ الْمَوْتَ.
قَالَ الْحَسَنُ: وَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ قَتْلُ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ فِي تِلْكَ الْحَالِ، كَانَتْ حَالُ كَفٍّ عَنِ الْقِتَالِ.(2/582)
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ يَسْتَعْبِدُونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيَأْخُذُونَهُمْ بِالْعَمَلِ وَيَتَسَخَّرُونَهُمْ، فَمَرَّ مُوسَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَسَخَّرَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، فَاسْتَغَاثَ مُوسَى، فَوَكَزَهُ مُوسَى، فَقَضَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُونُوا أُمِرُوا بِالْقِتَالِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] ، يَعْنِي: مِنْ شِيعَتِهِ، مِنْ جِنْسِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَالآخَرُ مِنْ عَدُوِّهِ، مِنَ الْقِبْطِ، وَكَانَا كَافِرَيْنِ {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ} [القصص: 15] ، يَعْنِي: مِنْ جِنْسِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ جِنْسِ مُوسَى {عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] الْقِبْطِيِّ {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: 15] ، يَعْنِي: أَنْزَلَ بِهِ الْمَوْتَ.
قَوْلُهُ: {قَالَ} [القصص: 17] مُوسَى.
{هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص: 15] بَيِّنُ الْعَدَاوَةِ.
ثُمَّ {قَالَ} مُوسَى.
{رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [القصص: 16] يَعْنِي بِقَتْلِهِ النَّفْسَ، يَعْنِي: الْقِبْطِيَّ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ، وَلَكِنْ تَعَمَّدَ وَكْزَهُ فَمَاتَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا فِي التَّوْحِيدِ، الظُّلْمُ لِلنَّفْسِ مِنْ غَيْرِ إِشْرَاكٍ.
قَالَ: {فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {16} قَالَ} [القصص: 16-17] مُوسَى.
{رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا} [القصص: 17] ، أَيْ: عَوِينًا.
{لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17] وَقَالَ قَتَادَةُ: فَلَنْ أُعِينَ بَعْدَهَا عَلَى فَجْرَةٍ، وَقَلَّ مَا قَالَهَا رَجُلٌ قَطُّ إِلا ابْتُلِيَ، فَابْتُلِيَ مُوسَى.
{فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا} [القصص: 18] مِنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ.
{يَتَرَقَّبُ} [القصص: 18] أَنْ يُؤْخَذَ.
- وَحَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: الْبَلاءُ مُوَكَّلٌ بِالْقَوْلِ.(2/583)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} [القصص: 18] قَالَ قَتَادَةُ: يَسْتَنْصِرُهُ، أَيْ: يَسْتَغِيثُهُ، وَيَسْتَعِينُهُ وَيَسْتَنْصِرُهُ وَيَسْتَصْرِخُهُ وَاحِدٌ.
{قَالَ لَهُ مُوسَى} [القصص: 18] لِلإِسْرَائِيلِيِّ.
{إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} [القصص: 18] بَيِّنُ الْغِوَايَةِ، ثُمَّ أَدْرَكَتْ مُوسَى الرِّقَّةُ عَلَيْهِ.
{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا} [القصص: 19] بِالْقِبْطِيِّ.
{قَالَ} [القصص: 20] الإِسْرَائِيلِيُّ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُ السَّامِرِيُّ، وَخَلَّى السَّامِرِيَّ عَنِ الْقِبْطِيِّ وَ....
{قَالَ يَا مُوسَى} [القصص: 19] الإِسْرَائِيلِيُّ يَقُولُهُ.
{أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا} [القصص: 19] ، أَيْ: قَتَّالا.
{فِي الأَرْضِ} [القصص: 19] وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ} [القصص: 19] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى} [القصص: 20] يَعْنِي يُسْرِعُ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20] وَذَلِكَ أَنَّ الْقِبْطِيَّ الأَخِيرَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الإِسْرَائِيلِيِّ لِمُوسَى: {أَتُرِيدُ(2/584)
أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ} [القصص: 19] قَالَ قَتَادَةُ: فَأَفْشَى عَلَيْهِ الْقِبْطِيُّ الَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا أَفْشَى عَلَيْهِ، فَأْتَمَرَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَنْ يَقْتُلُوهَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُؤْمِنَ آلِ فِرْعَوْنَ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى
الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20] قَالَ اللَّهِ: {فَخَرَجَ مِنْهَا} [القصص: 21] مِنَ الْمَدِينَةِ.
{خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} [القصص: 18] قَالَ قَتَادَةُ: خَائِفًا مِنْ قَتْلِهِ النَّفْسَ، يَتَرَقَّبُ الطَّلَبَ.
{قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص: 21] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} [القصص: 22] نَحْوَ مَدْيَنَ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَمَدْيَنُ مَاءٍ كَانَ عَلَيْهِ قَوْمُ شُعَيْبٍ.
{قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي} [القصص: 22] أَنْ يُرْشِدَنِي.
{سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص: 22] قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ، يَعْنِي: قَصْدَ الطَّرِيقِ إِلَى مَدْيَنَ.
وَكَانَ خَرَجَ لا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ وَلا يَهْتَدِي طَرِيقَ مَدْيَنَ فَقَالَ: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [القصص: 22] الطَّرِيقِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَى مَدْيَنَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ} [القصص: 23] جَمَاعَةً مِنَ النَّاسِ.
{يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص: 23](2/585)
قَالَ قَتَادَةُ: تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ شَائِهِمَا.
وَفِي بَعْضِ الْحُرُوفِ: تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْ شَائِهِمَا: أَيْ: حَابِسَتَيْنِ شَاءَهُمَا تَذُودَانِ النَّاسَ عَنْهَا، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَمْنَعَانِ غَنَمَهُمَا أَنْ تَخْتَلِطَ بِأَغْنَامِ النَّاسِ.
قَالَ لَهُمَا مُوسَى: {مَا خَطْبُكُمَا} [القصص: 23] : مَا أَمْرُكُمَا؟ {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} [القصص: 23] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: حَتَّى يَسْقِيَ النَّاسُ ثُمَّ نَتَتَبَّعُ فُضَالَتَهُمْ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
{وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص: 23] قَالَ السُّدِّيُّ، يَعْنِي: كَبِيرًا فِي السِّنِّ.
{فَسَقَى لَهُمَا} [القصص: 24] مُوسَى، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَرْوَى غَنَمَهُمَا.
{ثُمَّ تَوَلَّى} [القصص: 24] ، يَعْنِي: انْصَرَفَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
{إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24] ، يَعْنِي: الطَّعَامَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَ بِجَهْدٍ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ(2/586)
فَقِيرًا إِلَى شِقِّ تَمْرَةٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 25] وَاضِعَةٌ يَدَيْهَا عَلَى وَجْهِهَا.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: بَعِيدَةٌ وَاللَّهِ مِنَ الْبَذَاءِ قَالَ: وَيَقُولُونُ شُعَيْبٌ وَلَيْسَ بِشُعَيْبٍ، وَلَكِنَّهُ كَانَ سَيِّدَ أَهْلِ الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ.
- حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: اسْمُ خَتَنِ مُوسَى: يَثْرَى.
{قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ} [القصص: 25] مُوسَى.
{وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ} [القصص: 25] خَبَرَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ.
{لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {25} قَالَتْ إِحْدَاهُمَا} [القصص: 25-26] إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} [القصص: 26] قَالَ قَتَادَةُ: الْقَوِيُّ فِي الضَّيْعَةِ، الأَمِينُ فِيمَا وَلِيَ.
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ الأَمِينِ غَضَّ طَرَفَهُ عَنْهُمَا حِينَ سَقَى لَهُمَا فَصَدَرَتَا.(2/587)
وَكَانَ الَّذِي رَأَتْ مِنْ قُوَّتِهِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَمْ تَلْبَثْ مَاشِيَتُهُمَا أَنْ أَرْوَاهَا، وَأَنَّ الأَمَانَةَ الَّتِي رَأَتْ مِنْهُ أَنَّهَا حِينَ جَاءَتْهُ تَدْعُوهُ قَالَ لَهَا: كُونِي وَرَائِي، وَكَرِهَ أَنْ يَسْتَدْبِرَهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: فِي قَوْلِهَا: {الْقَوِيُّ} [القصص: 26] أَنَّهُ كَانَ عَلَى تِلْكَ الْبِئْرِ الَّتِي سَقَى مِنْهَا صَخْرَةٌ لا يَرْفَعُهَا إِلا أَرْبَعُونَ رَجُلا، فَرَفَعَهَا مُوسَى وَحْدَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سَأَلَهُمَا: هَلْ هَاهُنَا بِئْرٌ غَيْرُ هَذِهِ؟ فَقَالَتَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ
عَلَيْهَا صَخْرَةٌ لا يَرْفَعُهَا إِلا أَرْبَعُونَ رَجُلا.
{قَالَ} الشَّيْخُ لِمُوسَى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي} [القصص: 27] ، أَيْ: عَلَى أَنْ تُؤَاجِرَنِي نَفْسَكَ.
{ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [القصص: 27] ، أَيْ: فِي الرِّفْقِ بِكَ.
فَقَالَ لِمُوسَى فِي آخِرِ ذَلِكَ: كُلُّ سِخْلَةٍ تَخْرُجُ عَلَى غَيْرِ شَبَهِ أُمِّهَا فِي هَذَا الْبَطْنِ فَهِيَ لَكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: إِذَا مَلأْتَ الْحِيَاضَ وَقَرُبْتَهَا لِتَشْرَبَ، فَأَلْقِ عَصَاكَ فِي الْحِيَاضِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَوَلَدْنُ كُلُّهُنَّ خِلافَ شَبَهِ أُمِّهَا، فَذَهَبَ مُوسَى بِأَوْلادِ غَنَمِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كُلُّ بَلْقَاءَ تُولَدُ فَهِيَ لَكَ، فَوُلِدْنَ بُلْقًا كُلُّهُنَّ.
قَالَ مُوسَى {ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ} [القصص: 28] ، أَيَّ الأَجَلَيْنِ قَضَيْتَ فِيمَا حَدَّثَنِي قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ.(2/588)
قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ بِلِسَانِ كَلْبٍ.
وَقَوْلُهُ: {قَضَيْتُ} [القصص: 28] ، يَعْنِي: أَتْمَمْتُ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص: 28] يَقُولُ: فَلا سَبِيلَ عَلَيَّ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص: 28] تفسير مُجَاهِدٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: شَهِيدٌ.
- قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ} [القصص: 29] حَدَّثَنِي أَشْعَثُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَضَى أَوْفَاهُمَا وَأَبَرَّهُمَا، الْعَشْرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ} [القصص: 29] ، يَعْنِي: أَتَمَّ مُوسَى شَرْطَهُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] أَخْبَرَنِي عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ أَنَّ مُجَاهِدًا قَالَ: {فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ} [القصص: 29] قَضَى الْعَشْرَ السِّنِينَ ثُمَّ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ، فَخَرَجَ بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً.
{آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ} [القصص: 29] وَالطُّورُ الْجَبَلُ.
{نَارًا} [القصص: 29] وَقَالَ قَتَادَةُ: أَحَسَّ، أَيْ: رَأَى نَارًا، وَإِنَّمَا كَانَ نُورًا، وَكَانَتْ عِنْدَ مُوسَى نَارًا.(2/589)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا} [القصص: 29] رَأَى مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا {قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ} [القصص: 29] الطَّرِيقِ، وَكَانَ عَلَى غَيْرِ طَرِيقٍ.
{أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ} [القصص: 29] قَالَ قَتَادَةُ: وَهِيَ أَصْلُ شَجَرَةٍ.
{لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [القصص: 29] لِكَيْ تَصْطَلُوا وَكَانَ شَاتِيًا.
قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا أَتَاهَا} [القصص: 30] أَتَى مُوسَى النَّارَ عِنْدَ نَفْسِهِ.
{نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ} [القصص: 30] تَفْسِيرُ ابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: عَنْ يَمِينِ مُوسَى.
{فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ} [القصص: 30] وقَالَ قَتَادَةُ: نُودِيَ عَنْ يَمِينِ الشَّجَرَةِ، أَيِ: الأَيْمَنَ مِنَ الشَّجَرَةِ.
وَفِيهِمَا تَقْدِيمٌ: نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ مِنَ الشَّجَرَةِ مِنَ الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ.
{أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ {30} وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} [القصص: 30-31] فَأَلْقَاهَا.
{فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ} [القصص: 31] كَأَنَّهَا حَيَّةٌ.
{وَلَّى مُدْبِرًا} [القصص: 31] هَارِبًا مِنْهَا.
{وَلَمْ يُعَقِّبْ} [القصص: 31](2/590)
قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: وَلَمْ يَلْتَفِتْ مِنَ الْفَرَقِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: وَلَمْ يَرْجِعْ.
فَقَالَ اللَّهُ: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ {31} اسْلُكْ يَدَكَ} [القصص: 31-32] ، أَيْ: أَدْخِلْ يَدَكَ.
{فِي جَيْبِكَ} [القصص: 32] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: فِي جَيْبِ قَمِيصِكَ.
{تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [القصص: 32] ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: أَخْرَجَهَا وَاللَّهِ كَأَنَّها مِصْبَاحٌ، فَعَلِمَ مُوسَى أَنْ قَدْ لَقِيَ رَبَّهُ.
قَالَ: {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ} [القصص: 32] ، أَيْ: يَدَيْكَ.
{مِنَ الرَّهْبِ} [القصص: 32] قَالَ قَتَادَةُ: أَيْ: مِنَ الرُّعْبِ، إِلَى صَدْرِكَ يَذْهَبْ مَا فِي صَدْرِكَ مِنَ الرُّعْبِ، وَكَانَ قَدْ دَخَلَهُ فَزَعٌ وَفَرَقٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ ذَلِكَ.
قَالَ: {فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 32] ، أَيْ: بَيَانَانِ مِنْ رَبِّكَ، يَعْنِي: الْعَصَا وَالْيَدَ فِي قَوْلِ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: {بُرْهَانَانِ} [القصص: 32] ، أَيْ: بَيِّنَتَانِ {مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 32] وَالْبُرْهَانُ فِي قَوْلِ الْحَسَنِ الْحُجَّةُ، أَيْ: حُجَّتَانِ مِنْ رَبِّكَ.(2/591)
وَقَالَ السُّدِّيُّ: فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ، يَعْنِي: آيَتَيْنِ مِنْ رَبِّكَ.
{إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ} [القصص: 32] ، أَيْ: وَقَوْمِهِ.
{إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [القصص: 32] مُشْرِكِينَ.
{قَالَ} [القصص: 33] مُوسَى: {رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا} [القصص: 33] ، يَعْنِي: الْقِبْطِيَّ.
{فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ {33} وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنْي لِسَانًا} [القصص: 33-34] ، يَعْنِي: الْعُقْدَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي لِسَانِهِ.
{فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا} [القصص: 34] ، أَيْ: عَوْنًا.
{يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، وَابْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القصص: 34] كَيْمَا يُصَدِّقُنِي، وَيُصَدِّقُنِي يَكُونُ مَعِي فِي الرِّسَالَةِ.
{إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ {34} قَالَ} [القصص: 34-35] اللَّهُ تَعَالَى: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} [القصص: 35] حُجَّةً.
{فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ} [القصص: 35] فَانْطَلَقَ مُوسَى نَحْوَ فِرْعَوْنَ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَارُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ، فَاسْتَقْبَلَهُ، فَأَتَيَا بَابَ فِرْعَوْنَ، فَقَالا لِلْبَوَّابِ: اذْهَبْ فَأَخْبِرْ فِرْعَوْنَ أَنَّ بِالْبَابِ رَسُولَ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْبَوَّابُ فَقَالَ: إِنَّ بِالْبَابِ رَجُلا مَجْنُونًا يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: أَتَعْرِفُهُ؟ قَالَ: لا، وَلَكِنْ مَعَهُ هَارُونُ، وَكَانَ هَارُونُ عِنْدَهُمْ مَعْرُوفًا.(2/592)
وَكَانَ مُوسَى قَدْ غَابَ عَنْهُمْ زَمَانًا مِنَ الدَّهْرِ، قَالَ فِرْعَوْنُ: اذْهَبْ فَأَدْخِلْهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَعَرَفَهُ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَأَنَّهُ عَرَفَ وَجْهَهُ وَلَمْ يُثْبِتْ مَنْ هُوَ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: أَنَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَقَالَ: لَيْسَ عَنْ هَذَا أَسْأَلُكَ وَلَكِنْ مَنْ أَنْتَ، وَابْنُ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، وَقَدْ كَانَ رَبَّاهُ، وَكَانَ فِي حِجْرِهِ حَتَّى صَارَ رَجُلا.
فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} [الشعراء: 18] وَأَنْتَ لا تَدَّعِي هَذِهِ النُّبُوَّةَ {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الشعراء: 19] بِي أَنِّي إِلَهٌ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مِنَ الْكَافِرِينَ لِنِعْمَتِنَا، أَيْ: فِيمَا رَبَّيْنَاكَ.
قَالَ اللَّهُ: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ {36} وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ} [القصص: 36-37] أَيْ: أَنِّي أَنَا جِئْتُ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ.
{وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} [القصص: 37] دَارِ الآخِرَةِ الْجَنَّةِ.
{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [القصص: 37] الْمُشْرِكُونَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَالْمُفْلِحُونَ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَأَيُّهَا الْمَلأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38] تَعَمَّدَ الْكَذِبَ، فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
{فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ} [القصص: 38] ، أَيْ: فَاطْبُخْ لِي آجُرًّا فَكَانَ أَوَّلَ مَا عُمِلَ الآجُرُّ.(2/593)
{فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} [القصص: 38] ، أَيْ: فَابْنِ لِي صَرْحًا.
{لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص: 38] فَبَنَى لَهُ صَرْحًا عَالِيًا، وَقَدْ عَلِمَ فِرْعَوْنُ أَنَّ مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ كَذِبٌ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14] قَالَ قَتَادَةُ: وَالْجَحْدُ لا يَكُونُ إِلا مِنْ بَعْدِ الْمَعْرِفَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ} [القصص: 39] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ اللَّهُ: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} [القصص: 40] فِي الْبَحْرِ.
وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ.
قَالَ: {فَانْظُرْ} [القصص: 40] يَا مُحَمَّدُ.
{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [القصص: 40] ، أَيْ: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ صَيَّرَهُمْ إِلَى النَّارِ.
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص: 41] يَتَّبِعُهُمْ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ.
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ} [القصص: 41] قَالَ: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} [القصص: 42] الْعَذَابَ الَّذِي عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِهِ: الْغَرَقَ.
قَالَ: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص: 42] فِي النَّارِ، وَأَهْلُ النَّارِ مَقْبُوحُونَ مُشَوَّهُونَ، سُودٌ، زُرْقٌ، حُبْنٌ، كَأَنَّ رُءُوسَهُمْ آجَامُ الْقَصَبِ،(2/594)
كَالِحُونَ، شَفَةُ أَحَدِهِمُ السُّفْلَى سَاقِطَةٌ عَلَى صَدْرِهِ، وَشَفَتُهُ الْعُلْيَا قَالِصَةٌ قَدْ غَطَّتْ وَجْهَهُ، رَأْسُ أَحَدِهِمْ مِثْلُ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ، وَضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ، وَأَنْيَابُهُ كَالصَّيَاصِيِّ، وَهِيَ الْجِبَالُ , وَغِلَظُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَرْبَعُونَ، يَشْتَدُّ الدُّودُ مَا بَيْنَ جِلْدِهِ
وَلَحْمِهِ كَمَا يَشْتَدُّ الْوُحُوشُ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَفَخِذُهُ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَإِنِّي أَرَاهُ يَشْغَلُ مِنْ جَهَنَّمَ مِثْلَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ، وَهُوَ بِالْكُوفَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} [القصص: 43] التَّوْرَاةَ.
{مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 43] ، يَعْنِي: يَتَفَكَّرُوا فَكَانَتِ التَّوْرَاةُ أَوَّلَ كِتَابٍ نَزَلَ فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ وَالأَحْكَامُ.
وَقَوْلُهُ: {مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى} [القصص: 43] قَرْنًا مِنْ بَعْدِ قَرْنٍ كَقَوْلِهِ عَلَى مَقْرَإِ هَذَا الْحَرْفِ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود: 102] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتَ} [القصص: 44] يَا مُحَمَّدُ.
{بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ} [القصص: 44] غَرْبِيِّ الْجَبَلِ.
{إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ} [القصص: 44] الرِّسَالَةَ.
وقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: عَهِدْنَا إِلَى مُوسَى، فَأَوْصَيْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ.
{وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [القصص: 44] ، أَيْ: لَمْ تَكُنْ شَاهِدًا يَوْمَئِذٍ لِذَلِكَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي: {مِنَ الشَّاهِدِينَ} [القصص: 44] ، يَعْنِي: مِنَ الْحَاضِرِينَ.(2/595)
قَالَ: {وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا} [القصص: 45] خَلَقْنَا.
{قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ} [القصص: 45] كَانَ بَيْنَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ خَمْسُ مِائَةِ سَنَةٍ.
قَالَ: وَقَالَ قَتَادَةُ: سِتُّ مِائَةِ سَنَةٍ.
قَالَ: {وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا} [القصص: 45] سَاكِنًا.
{فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا} [القصص: 45] وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمْ تَكُنْ يَا مُحَمَّدُ مُقِيمًا بِمَدْيَنَ، فَتَعْلَمُ كَيْفَ كَانَ أَمْرُهُمْ، فَتُخْبِرُ أَهْلَ مَكَّةَ بِشَأْنِهِمْ وَأَمْرِهِمْ.
قَالَ: {وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [القصص: 45] كَقَوْلِهِ: {أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 5] .
قَالَ: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ} [القصص: 46] الْجَبَلِ.
{إِذْ نَادَيْنَا} [القصص: 46] أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ قَالَ: وَأَخْبَرَنِيهِ مُحْرِزٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيِّ قَالَ: نُودِيَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، أَجَبْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُونِي وَأَعْطَيْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُونِي.
قَالَ: {وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا} [القصص: 46] ، يَعْنِي: قُرَيْشِا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 46] ، أَيْ: لِكَيْ يَتَذَكَّرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ} [القصص: 47] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [القصص: 47] بِالَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ، وَالْمُصِيبَةُ فِي هَذَا(2/596)
الْمَوْضِعِ الْعَذَابُ، يَقُولُ: وَلَوْ أَنَّا عَذَّبْنَاهُمْ لاحْتَجُّوا فَقَالُوا: {رَبَّنَا لَوْلا} [القصص: 47] هَلا.
{أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص: 47] فَقَطَعَ اللَّهُ عُذْرَهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَذَّبُوهُ.
قَالَ اللَّهُ: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا} [القصص: 48] ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ} [القصص: 48] يَعْنُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
{مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} [القصص: 48] هَلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى جُمْلَةً وَاحِدَةً.
قَالَ اللَّهُ: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} [القصص: 48] وَقَدْ كَانَ كِتَابُ مُوسَى عَلَيْهِمْ حُجَّةً فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
{قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص: 48] مُوسَى وَمُحَمَّدٌ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ، وَهَذَا قَوْلُ مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
{وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48] بِالتَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ.
عَاصِمُ بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ: {قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص: 48] مُوسَى وَهَارُونُ.
الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: {قَالُوا لَوْلا} [القصص: 48] هَلا {أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} [القصص: 48] هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ.(2/597)
وَتَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ قَالَ: {قَالُوا لَوْلا} [القصص: 48] هَلا {أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} [القصص: 48] مِنْ قَبْلِ هَذَا، قَوْلُ يَهُودَ تَأْمُرُ قُرَيْشًا أَنْ يَسْأَلُوا مُحَمَّدًا مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى.
يَقُولُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ: قُلْ لِقُرَيْشٍ يَقُولُونَ لَهُمْ: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا} [القصص: 48] قَوْلُ يَهُودَ لِمُوسَى وَهَارُونَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقْرَؤُهَا: سِحْرَانِ تَظَاهَرَا، التَّوْرَاةُ وَالْقُرْآنُ.
{وَقَالُوا} يَهُودُ تَقُولُهُ.
{إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص: 48] كَفَرَتْ أَيْضًا لَمَّا أُوتِيَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ اللَّهُ: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا} [القصص: 49] مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ.
{أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [القصص: 49] قَالَ: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} [القصص: 50] فَيَأْتُوا بِهِ، وَلا يَأْتُونَ بِهِ وَلَكِنَّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ.
{فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] جَاءَهُ، أَيْ: لا أَحَدَ أَضَلُّ مِنْهُ.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50] الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى شِرْكِهِمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ} [القصص: 51] أَخْبَرْنَاهُمْ بِهِ، بِمَا أَهْلَكْنَا الأُمَمَ السَّالِفَةَ، قَوْمَ نُوحٍ، وَعَادًا وَثَمُودَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُمْ.(2/598)
قَالَ: {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [القصص: 51] لِكَيْ يَتَذَكَّرُوا فَيَحْذَرُوا لا يَنْزِلُ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ فَيُؤْمِنُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ} [القصص: 52] مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ.
{هُمْ بِهِ} [القصص: 52] بِالْقُرْآنِ.
{يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52] ، يَعْنِي: مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، يَعْنِي: مَنْ كَانَ مُسْتَمْسِكًا بِدِينِ مُوسَى وَعِيسَى ثُمَّ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، عَنْ رِفَاعَةَ الْقَرَظِيِّ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي عَشَرَةٍ مِنَ الْيَهُودِ، أَنَا أَحَدُهُمْ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ} [القصص: 52] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [القصص: 53] الْقُرْآنُ.
{قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ} [القصص: 53] مِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ.
{مُسْلِمِينَ} [القصص: 53] قَالَ: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص: 54] عَلَى دِينِهِمْ.
{وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} [القصص: 54] يَعْفُونَ عَنِ السَّيِّئَةِ وَيَأْخُذُونَ بِالْحَسَنَةِ.
وَالسَّيِّئَةُ هَاهُنَا: الْجَهْلُ، وَالْعَفْوُ: الْحِلْمُ، وَإِذَا حَلُمَ فَعَفَا عَنِ السَّيِّئَةِ فَهُوَ حَسَنَةٌ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَقُولُ: وَيَدْفَعُونَ بِالْقَوْلِ الْمَعْرُوفِ، وَالْعَفْوِ الأَذَى وَالأَمْرَ الْقَبِيحَ.
قَالَ: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [القصص: 54] الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ.
{وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ} [القصص: 55] الْبَاطِلَ، الشِّرْكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمُ: الشَّتْمَ وَالأَذَى مِنْ كُفَّارِ قَوْمِهِمْ.(2/599)
{أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص: 55] ، يَعْنِي: عَنِ اللَّغْوِ فَلَمْ يَرُدُّوا عَلَيْهِمْ.
{وَقَالُوا} لِلْمُشْرِكِينَ.
{لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [القصص: 55] كَلِمَةَ حِلْمٍ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَتَحِيَّةً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ.
{لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] لا نَكُونُ مِنَ الْجَاهِلِينَ هَذَا تَفْسِيرُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ مُسْلِمُو أَهْلِ الإِنْجِيلِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يَكُونُوا يَهُودًا وَلا نَصَارَى، وَكَانُوا عَلَى دِينِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ , وَكَرِهُوا مَا عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَأَخَذُوا بِأَمْرِ اللَّهِ، فَكَانُوا يَنْتَظِرُونَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَلَمَّا سَمِعُوا بِهِ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَتَوْهُ، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَرَفُوهُ بِنَعْتِهِ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا سَمِعُوهُ {قَالُوا آمَنَّا بِهِ} [القصص: 53] بِالْقُرْآنِ {إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ
قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [القصص: 53] .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص: 54] يَقُولُ بِأَخْذِهِمُ الْكِتَابَ الأَوَّلَ، وَإِيمَانِهِمْ بِالْكِتَابِ الآخِرِ.
- حَمَّادٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: " ثَلاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: مَنْ آمَنَ بِالْكِتَابِ الأَوَّلِ وَالْكِتَابِ الآخِرِ، وَالْعَبْدُ إِذَا أَطَاعَ اللَّهَ وَأَطَاعَ سَيِّدَهُ، وَالرَّجُلُ إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ".
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص: 55] قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَأَصْحَابٌ لَهُ لِهَؤُلاءِ الرَّهْطِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ: أُفٍّ لَكُمْ مِنْ قَوْمٍ مَنْظُورٍ إِلَيْكُمْ تَبِعْتُمْ غُلامًا قَدْ كَرِهَهُ قَوْمُهُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمْ.(2/600)
فَقَالُوا لَهُمْ: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَقَالُوا: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] ، يَعْنِي: رُدُّوا خَيْرًا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَقَالُوا: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: 55] ، يَعْنِي: رُدُّوا خَيْرًا.
قَوْلُهُ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ أَرَادَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَقُولَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَأَبَى.
- وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ كَلِمَةَ الإِخْلاصِ، وَهِيَ التَّوْحِيدُ، أُجَادِلُ بِهَا عَنْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فَقَالَ: يَابْنَ أَخِي، مِلَّةُ الأَشْيَاخِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56] قَالَ: مَنْ قَدَّرَ لَهُ الْهُدَى وَالضَّلالَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ} [القصص: 57] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.(2/601)
قَوْلُهُ: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57] لِقِلَّتِنَا فِي كَثْرَةِ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا نَنْفِي الْحَرْبَ عَنَّا أَنَّا عَلَى دِينِهِمْ، فَإِنْ آمَنَّا بِكَ وَاتَّبَعْنَاكَ خَشِينَا أَنْ يَتَخَطَّفَنَا النَّاسُ.
قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا} [القصص: 57] {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [القصص: 57] ، أَيْ: قَدْ كَانُوا فِي حَرَمِي يَأْكُلُونَ رِزْقِي وَيَعْبُدُونَ غَيْرِي وَهُمْ آمِنُونَ أَفَيَخَافُونَ إِنْ آمَنُوا أَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ مَنْ يَقْتُلُهُمْ وَيَسْبِيهِمْ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ} [القصص: 57] كَقَوْلِهِ: يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ {.
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ سَيْلا أَتَى عَلَى الْمَقَامِ فَاقْتَلَعَهُ، فَإِذَا فِي أَسْفَلِهِ كِتَابٌ، فَدَعَوْا لَهُ رَجُلا مِنْ حِمْيَرَ فَزَبَرَهُ لَهُمْ فِي جَرِيدَةٍ ثُمَّ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا فِيهِ: هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ جُعِلَ رِزْقُ أَهْلِهِ مِنْ مَعْبَرِهِ يَأْتِيهِمْ مِنْ ثَلاثَةِ سُبُلٍ، مُبَارَكٌ لأَهْلِهِ فِي الْمَاءِ وَاللَّحْمِ، وَأَوَّلُ مَنْ يُحِلُّهُ أَهْلُهُ.
أَشْعَثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: وُجِدَ عِنْدَ الْمَقَامِ كِتَابٌ فِيهِ: أَنِّي أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ، صِغْتُهَا يَوْمَ خَلَقْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَحَرَّمْتُهَا يَوْمَ خَلَقْتُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَحَفَفْتُهَا بِسَبْعَةِ أَمْلاكٍ حُنَفَاءَ، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ ثَلاثَةِ سُبُلٍ، مُبَارَكٌ لأَهْلِهَا فِي الْمَاءِ وَاللَّحْمِ، أَوَّلُ مَنْ يُحِلُّهَا أَهْلُهَا.
قَالَ:} رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا { [القصص: 57] مِنْ عِنْدِنَا.
} وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ { [القصص: 57] ، يَعْنِي: جَمَاعَتُهُمْ لا يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: مَنْ لا يُؤْمِنُ مِنْهُمْ.(2/602)
قَالَ:} وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا { [القصص: 58] كَقَوْلِهِ:} فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ { [النحل: 112] .
قَالَ: فَأَهْلَكْتُهُمْ: يَعْنِي: مَنْ أَهْلَكَ مِنَ الْقُرُونِ الأُولَى.
} فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ { [القصص: 58] كَقَوْلِهِ:} إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا { [مريم: 40] .
قَوْلُهُ: قَالَ:} وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى { [القصص: 59] ، يَعْنِي: مُعَذِّبَ الْقُرَى، يَعْنِي: هَذِهِ الأُمَّةَ.
} حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا { [القصص: 59] ، يَعْنِي: مَكَّةَ.
} رَسُولا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى { [القصص: 59] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: يَعْنِي: لَمْ يَكُنْ يُهْلِكُ، يَعْنِي: يُعَذِّبُ الْقُرَى.
} إِلا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ { [القصص: 59] مُشْرِكُونَ، وَأُمُّهَا مَكَّةُ، وَهِيَ أُمُّ الْقُرَى، وَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَدَنِيَّةٍ فِي النَّحْلِ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ:} وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا { [النحل: 112] وَالرَّغَدُ لا يُحَاسِبُهَا أَحَدٌ بِمَا رَزَقَهَا اللَّهُ، قَالَ:} مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ { [النحل: 112] ، يَعْنِي: كَفَرَ أَهْلُهَا، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ} فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ
الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ {112} وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ { [النحل: 112-113] مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ { [النحل: 113] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى { [القصص: 60] الْجَنَّةُ.
} أَفَلا تَعْقِلُونَ { [القصص: 60] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.(2/603)
ثُمَّ قَالَ عَلَى الاسْتِفْهَامِ:} أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا { [القصص: 61] ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ:} فَهُوَ لاقِيهِ { [القصص: 61] دَاخِلٌ الْجَنَّةَ.
} كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ { [القصص: 61] فِي النَّارِ، أَيْ: أَنَّهُمَا لا يَسْتَوِيَانِ، لا يَسْتَوِي مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ { [القصص: 65] فِي الآخِرَةِ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
} فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ { [القصص: 62] فِي الدُّنْيَا أَنَّهُمْ شُرَكَائِي، فَأَشْرَكْتُمُوهُمْ فِي عِبَادَتِي.
} قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ { [القصص: 63] الْغَضَبُ، يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ الَّذِينَ دَعَوْهُمْ إِلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
} رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا { [القصص: 63] أَضْلَلْنَا.
} أَغْوَيْنَاهُمْ { [القصص: 63] أَضْلَلْنَاهُمْ.
} كَمَا غَوَيْنَا { [القصص: 63] كَمَا ضَلَلْنَا.
} تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ { [القصص: 63] ، يَعْنِي: يُطِيعُونَ فِي الشِّرْكِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: أَيْ: مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ بِسُلْطَانٍ كَانَ لَنَا عَلَيْهِمُ اسْتَكْرَهْنَاهُمْ بِهِ، وَإِنَّمَا دَعَوْهُمْ بِالْوَسْوَسَةِ كَقَوْلِ إِبْلِيسَ:} وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي { [إبراهيم: 22] وَكَقَوْلِهِمْ:} وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ { [الصافات: 30] ، وَكَقَوْلِ اللَّهِ:} وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ { [سبأ: 21] إِلَى آخِرِ الآيَةِ، وَكَقَوْلِهِ:} مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ(2/604)
بِفَاتِنِينَ { [الصافات: 162] بِمُضِلِّينَ} إِلا مَنْ هُوَ
صَالِ الْجَحِيمِ { [الصافات: 163] قَالَ:} وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ { [القصص: 64] ، يَعْنِي: الأَوْثَانَ.
} فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ { [القصص: 64] ، أَيْ: وَدَخَلُوا الْعَذَابَ.
} لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ { [القصص: 64] ، أَيْ: لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا مُهْتَدِينَ فِي الدُّنْيَا مَا دَخَلُوا الْعَذَابَ.
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: لَوْ كَانُوا مُهْتَدِينَ فِي الدُّنْيَا كَمَا أَبْصَرُوا الْهُدَى فِي الآخِرَةِ مَا دَخَلُوا الْعَذَابَ، وَإِيمَانُهُمْ فِي الآخِرَةِ لا يُقْبَلُ مِنْهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ { [القصص: 65] ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ.
} فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ { [القصص: 65] يَسْتَفْهِمُهُمْ يَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَلا يَسْأَلُ الْعِبَادَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ.
قَالَ:} فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ { [القصص: 66] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: الْحُجَجُ.
} يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ { [القصص: 66] أَنْ يَحْمِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ مِنْ ذُنُوبِهِمْ شَيْئًا فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لا يَتَسَاءَلُونَ بِالأَنْسَابِ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ أَيْضًا أَنَّهُ لا يَسْأَلُ الْقَرِيبَ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ ذُنُوبِهِ شَيْئًا.
كَقَوْلِهِ:} وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى { [فاطر: 18] قَالَ:} فَأَمَّا مَنْ تَابَ { [القصص: 67] مِنْ شِرْكِهِ.
} وَآمَنَ { [القصص: 67] وَأَخْلَصَ الإِيمَانَ لِلَّهِ.
} وَعَمِلَ صَالِحًا { [القصص: 67] فِي إِيمَانِهِ.
} فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ { [القصص: 67] وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبَةٌ، وَالْمُفْلِحُونَ الشُّهَدَاءُ وَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ.(2/605)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ { [القصص: 68] مِنْ خَلْقِهِ لِلنُّبُوَّةِ.
} مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ { [القصص: 68] أَنْ يَخْتَارُوا هُمُ الأَنْبِيَاءَ فَيَبْعَثُونَهُمْ، بَلِ اللَّهُ الَّذِي اخْتَارَ وَهُوَ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالاتِهِ.
} سُبْحَانَ اللَّهِ { [القصص: 68] يُنَزِّهُ نَفْسَهُ.
} وَتَعَالَى { [القصص: 68] ارْتَفَعَ.
} عَمَّا يُشْرِكُونَ { [القصص: 68] قَالَ:} وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ { [القصص: 69] مَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ، مَا يُسِرُّونَ.
} وَمَا يُعْلِنُونَ { [القصص: 69] الْعَلانِيَةَ.
} وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ { [القصص: 70] فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.
} وَلَهُ الْحُكْمُ { [القصص: 70] الْقَضَاءُ.
} وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ { [القصص: 88] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا { [القصص: 71] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ: دَائِمًا لا يَنْقَطِعُ.
} إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ { [القصص: 71] وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
} يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ { [القصص: 71] بِنَهَارٍ.
} أَفَلا تَسْمَعُونَ { [القصص: 71] أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
}(2/606)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا { [القصص: 72] ، أَيْ: دَائِمًا لا يَنْقَطِعُ.
} إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ { [القصص: 72] كَقَوْلِهِ:} وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا { [الأنعام: 96] يَسْكُنُ فِيهِ الْخَلْقُ.
} أَفَلا تُبْصِرُونَ { [القصص: 72] أَمَرَهُ أَنْ يَقُولَهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
قَالَ:} وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ { [القصص: 73] فِي اللَّيْلِ.
} وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ { [القصص: 73] بِالنَّهَارِ، وَهَذَا رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ.
فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَتَتِمُّ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللَّهِ فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَهِيَ رَحْمَةٌ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ.
قَالَ:} وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { [القصص: 73] وَلِكَيْ تَشْكُرُوا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ { [القصص: 62] وَهِيَ مِثْلُ الأُولَى.
قَالَ:} وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا { [القصص: 75] تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: رَسُولا، جِئْنَا بِرَسُولِهِمْ.
كَقَوْلِهِ:} فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا { [النساء: 41] وَكَقَوْلِهِ:} يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ { [الإسراء: 71] بِنَبِيِّهِمْ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بِكِتَابِهِمْ.
قَالَ:} فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ { [القصص: 75] حجتكم فِي تفسير الْحَسَنِ بِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِمَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ.(2/607)
وَقَالَ قَتَادَةُ:} هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ { [القصص: 75] هَاتُوا بَيِّنَتَكُمْ.
قَالَ:} فَعَلِمُوا { [القصص: 75] يَوْمَئِذٍ.
} أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ { [القصص: 75] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
} وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ { [القصص: 75] أَوْثَانُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى { [القصص: 76] كَانَ ابْنَ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ.
} فَبَغَى عَلَيْهِمْ { [القصص: 76] وَكَانَ عَامِلا لِفِرْعَوْنَ فَتَعَدَّى عَلَيْهِمْ وَظَلَمَهُمْ.
قَالَ:} وَآتَيْنَاهُ { [القصص: 76] ، يَعْنِي: قَارُونَ، أَيْ: أَعْطَيْنَاهُ.
} مِنَ الْكُنُوزِ { [القصص: 76] ، أَيْ: مِنَ الأَمْوَالِ.
} مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ { [القصص: 76] قَالَ بَعْضُهُمْ: خَزَائِنُهُ، يَعْنِي: أَمْوَالَهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَفَاتِحُ خَزَائِنِهِ.
} لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ { [القصص: 76] لَتُثْقِلُ الْعُصْبَةَ، الْجَمَاعَةَ.
} أُولِي الْقُوَّةِ { [القصص: 76] مِنَ الرِّجَالِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ:} أُولِي الْقُوَّةِ { [القصص: 76] ، يَعْنِي: أُولِي الشِّدَّةِ، وَالْعُصْبَةُ، الْجَمَاعَةُ.
وَهُمْ هَاهُنَا أَرْبَعُونَ رَجُلا.
قَالَ:} إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ { [القصص: 76] قَالَ لَهُ مُوسَى وَالْمُؤْمِنُونَ بَنُو إِسْرَائِيلَ.
} لا تَفْرَحْ { [القصص: 76] لا تَبْطَرْ.
} إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ { [القصص: 76](2/608)
وقَالَ السُّدِّيُّ:} لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ { [القصص: 76] ، يَعْنِي: لا تَبْطَرْ وَ} لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ { [القصص: 76] الْمَرِحِينَ الْبَطِرِينَ الْمُشْرِكِينَ، أَيِ: الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِالدُّنْيَا لا يَفْرَحُونَ بِالآخِرَةِ، لا يُؤْمِنُونَ بِهَا، وَلا يَرْجُونَهَا.
وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى:} وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا { [الرعد: 26] وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ.
وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ: الأَشَرِّينَ، الْبَطِرِينَ الَّذِينَ لا يَشْكُرُونَ فِيمَا أَعْطَاهُمْ وَهُوَ وَاحِدٌ.
} وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ { [القصص: 77] مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ وَالْخَزَائِنِ.
} الدَّارُ الآخِرَةُ { [القصص: 83] الْجَنَّةُ.
} وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا { [القصص: 77] ، أَيِ: اعْمَلْ فِي دُنْيَاكَ لآخِرَتِكَ، فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِمْ.
قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:} وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا { [القصص: 77] ، أَيْ: طَاعَةَ رَبِّكَ وَعِبَادَتَهُ.
} وَأَحْسِنْ { [القصص: 77] فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكَ.
} كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ { [القصص: 77] الْمُشْرِكِينَ.
قَالَ قَارُونُ.
} إِنَّمَا أُوتِيتُهُ { [القصص: 78] أُعْطِيتُهُ، يَعْنِي: مَا أُعْطِيَ مِنَ الدُّنْيَا.
} عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي { [القصص: 78] ، أَيْ: بِقُوَّتِي وَعِلْمِي وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ:} ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ { [الزمر: 49] قَالَ اللَّهُ:} بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ { [الزمر: 49] بَلِيَّةٌ} وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ { [القصص: 57] .
قَالَ:} أَوَلَمْ يَعْلَمْ { [القصص: 78] قَارُونُ، أَيْ: بَلَى قَدْ عَلِمَ، وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ.
} أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا { [القصص: 78](2/609)
مِنَ الْجَبَابِرِ وَالرِّجَالِ.
قَالَ اللَّهُ:} وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ { [القصص: 78] الْمُشْرِكُونَ لِيَعْلَمَ ذُنُوبَهُمْ مِنْهُمْ، يُعْرَفُونَ بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ، وَزُرْقَةِ أَعْيُنِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِ:} فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَن ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ {39} فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ {40} يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ { [الرحمن: 39-41] بِسَوَادِ وُجُوهِهِمْ وَزُرْقَةِ أَعْيُنِهِمْ} فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ { [الرحمن: 41] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ { [القصص: 79] ، يَعْنِي: قَارُونَ.
} فِي زِينَتِهِ { [القصص: 79] تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: أَنَّهُ خَرَجَ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ حُمْرٌ مَصْبُوغَةٌ بِالأُرْجُوَانِ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ، وَمَعَهُ أَرْبَعُ مِائَةِ جَارِيَةٍ عَلَيْهِنَّ ثِيَابٌ حُمْرٌ عَلَى بِغَالٍ بِيضٍ.
وَتَفْسِيرُ عَمْرٍو، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ خَرَجَ فِي صُنُوفِ مَالِهِ مِنْ دُرِّهِ، وَذَهَبِهِ، وَفِضَّتِهِ.
وَفِي حَدِيثِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّهُ خَرَجَ فِي الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ.
وَفِي حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ قَارُونَ خَرَجَ فِي زِينَتِهِ، فَكَانَتْ ثِيَابُهُ وَسُرُوجُهُ الأُرْجُوَانَ وَالْحُمْرَةَ.
} قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا { [القصص: 79] الْمُشْرِكُونَ، لا يُقِرُّونَ بِالآخِرَةِ.
} يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ { [القصص: 79] لَذُو نَصِيبٍ عَظِيمٍ.
} وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ { [القصص: 80] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ لِلْمُشْرِكِينَ.
} وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ { [القصص: 80] جَزَاءُ اللَّهِ، الْجَنَّةُ.
} خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا { [القصص: 80] مِمَّا أُوتِيَ قَارُونُ.
}(2/610)
وَلا يُلَقَّاهَا { [القصص: 80] وَلا يُعْطَاهَا، الْجَنَّةَ.
} إِلا الصَّابِرُونَ { [القصص: 80] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ:} وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ { [القصص: 80] ، يَعْنِي: وَمَا يُؤْتَاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ.
قَالَ اللَّهُ:} فَخَسَفْنَا بِهِ { [القصص: 81] بِقَارُونَ.
} وَبِدَارِهِ { [القصص: 81] ، أَيْ: وَمَسْكَنِهِ.
} الأَرْضَ {فَهُوَ يُخْسَفُ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ قَامَةٌ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِي تَفْسِيرِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ.
قَالَ:} فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ { [القصص: 81] يَمْنَعُونَهُ.
} مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ { [القصص: 81] ، أَيْ: مِنَ الْمُمْتَنِعِينَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
} وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ { [القصص: 82] ، أَيْ: أَنَّ اللَّهَ.
} يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا { [القصص: 82] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ { [القصص: 82] ، أَيْ: وَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ.
قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ فِي شَيْءٍ يُكَلِّمُهُ بِهِ: «وَيْكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ لِتَعْلَمُهُ» .(2/611)
وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ} وَيْكَأَنَّهُ { [القصص: 82] وَلَكِنَّهُ} لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ { [القصص: 82] ، يَعْنِي: لا يَفُوزُونَ فِي الآخِرَةِ، هُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:} تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ { [القصص: 83] ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ.
} نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ { [القصص: 83] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ.
} وَلا فَسَادًا { [القصص: 83] قَتْلَ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَانْتِهَاكَ حُرْمَتِهِمْ.
} وَالْعَاقِبَةُ { [القصص: 83] ، أَيِ: الثَّوَابُ.
} لِلْمُتَّقِينَ {وَهِيَ الْجَنَّةُ.
قَوْلُهُ:} مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ { [القصص: 84] لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا بِهَا قَلْبُهُ.
} فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا { [القصص: 84] ، أَيْ: فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ، يَعْنِي: فَلَهُ مِنْهَا الْجَنَّةُ، وَفِيهَا تَقْدِيمٌ: فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ، وَهِيَ الْجَنَّةُ.
} وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ { [القصص: 84] بِالشِّرْكِ.
} فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ { [القصص: 84] الشِّرْكَ.
} إِلا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ { [القصص: 84] جَزَاؤُهُمُ النَّارُ خَالِدِينَ فِيهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ:} مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ { [القصص: 84] ، يَعْنِي: التَّوْحِيدَ} فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا { [القصص: 84] ، يَعْنِي: فَلَهُ مِنْهَا خَيْرٌ} وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ { [القصص: 84] ، يَعْنِي: الشِّرْكَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ:} مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ [القصص: 84] بِالإِخْلاصِ.
الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثَمَنُ الْجَنَّةِ.
- سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُوجِبَتَيْنِ فَقَالَ: «مَنْ مَاتَ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ(2/612)
الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ النَّارَ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ} [القصص: 85] ، يَعْنِي: أَنْزَلَ عَلَيْكَ.
{الْقُرْءَانَ} وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَعْطَاكَهُ.
{لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] ، يَعْنِي: إِلَى مَكَّةَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، وَقَالَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ إِلا وَهِيَ مَكِّيَّةٌ أَوْ مَدَنِيَّةٌ إِلا هَذِهِ الآيَةَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَكِّيَّةٍ وَلا مَدَنِيَّةٍ، وَذَلِكَ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَحْفَةِ فِي هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بُلُوغِهِ.
يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: لَرَادُّكَ إِلَى مَوْلِدِكَ، إِلَى مَكَّةَ.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُوَجَّهٌ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حِينَ هَاجَرَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ وَهُوَ بِالْجَحْفَةِ فَقَالَ: أَتَشْتَاقُ يَا مُحَمَّدُ إِلَى بِلادِكَ الَّتِي وُلِدْتَ بِهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] إِلَى مَوْلِدِكَ الَّذِي خَرَجْتَ مِنْهُ ظَاهِرًا عَلَى أَهْلِهِ.
- وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] إِلَى الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ} [القصص: 85] قَالَ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى} [القصص: 85] ، أَيْ: أَنَّ مُحَمَّدًا جَاءَ بِالْهُدَى، فَآمَنَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، فَعَلِمُوا أَنَّ مُحَمَّدًا هُوَ الَّذِي جَاءَ بِالْهُدَى، وَأَنَّهُ عَلَى الْهُدَى.
{وَمَنْ هُوَ} [القصص: 85] ، أَيْ: وَأَعْلَمُ مَنْ هُوَ.(2/613)
{فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [القصص: 85] الْمُشْرِكُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو} [القصص: 86] يَقُولُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
{أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ} [القصص: 86] أَنْ يُنَزَّلَ إِلَيْكَ.
{الْكِتَابُ} الْقُرْآنُ.
{إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 86] ، أَيْ: وَلَكِنْ أُنْزِلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ.
{فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا} [القصص: 86] ، أَيْ: عَوِينًا.
{لِلْكَافِرِينَ {86} وَلا يَصُدُّنَّكَ عَن آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} [القصص: 86-87] إِلَى عِبَادَةِ رَبِّكَ.
{وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {87} وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 87-88] هُوَ كَقَوْلِهِ: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 27] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} [القصص: 88] ، يَعْنِي: كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ مَيِّتٌ.
قَالَ: {إِلا وَجْهَهُ} [القصص: 88] إِلا اللَّهُ فَإِنَّهُ لا يَمُوتُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
قَالَ: {لَهُ الْحُكْمُ} [القصص: 88] الْقَضَاءُ.
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.(2/614)
سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا إِلا عَشْرَ آيَاتٍ مَدَنِيَّةٍ مِنْ أَوَّلِهَا
إِلَى قَوْلِهِ: {وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت: 11] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الم} قَدْ فَسَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ.
{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2] يَعْنِي وَهُمْ لا يُبْتَلُونَ فِي إِيمَانِهِمْ، فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
عَمَّارٌ، عَنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: {وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2] لا يُبْتَلُونَ.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا} [العنكبوت: 3] ، يَعْنِي: وَلَقَدِ ابْتَلَيْنَا، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ، أَيْ: وَهُمْ لا يُبْتَلُونَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا كَانُوا بِمَكَّةَ مِمَّنْ أَسْلَمَ كَانَ(2/615)
قَدْ وُضِعَ عَنْهُمُ الْجِهَادُ وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مَا افْتُرِضَ الْجِهَادُ، وَقُبِلَ مِنْهُمْ أَنْ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَلا يُجَاهِدُوا، ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ حِينَ أَخْرَجَهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، فَقَالَ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا} [الحج: 39] فَلَمَّا أُمِرُوا بِالْجِهَادِ كَرِهَ قَوْمٌ الْقِتَالَ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء: 77] وَأَنْزَلَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ
لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2] لا يُبْتَلُونَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُبْتَلُونَ فِي إِيمَانِهِمْ.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [العنكبوت: 3] ، يَعْنِي: ابْتَلَيْنَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.
{فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا} [العنكبوت: 3] بِمَا أَظْهَرُوا مِنَ الإِيمَانِ.
{وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] الَّذِينَ أَظْهَرُوا الإِيمَانَ وَقُلُوبُهُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَهَذَا عِلْمُ الْفِعَالِ.
الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا قَالَ عَبْدٌ فِي هَذَا الدِّينِ مِنْ قَوْلٍ إِلا وَعَلَى قَوْلِهِ دَلِيلٌ مِنْ عَمَلِهِ يُصَدِّقُهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ.
قَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [العنكبوت: 4] وَالسَّيِّئَاتُ هَاهُنَا الشِّرْكُ.
{أَنْ يَسْبِقُونَا} [العنكبوت: 4] حَتَّى لا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنُعَذِّبُهُمْ، أَيْ: قَدْ حَسِبُوا ذَلِكَ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا.
قَالَ: {سَاءَ مَا} [العنكبوت: 4] بِئْسَ مَا.
{يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 4] أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُمْ ثُمَّ لا يَبْعَثُهُمْ فَيَجْزِيهِمْ(2/616)
بِأَعْمَالِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ} [العنكبوت: 5] يَقُولُ: مَنْ كَانَ يَخْشَى الْبَعْثَ، وَهُوَ الْمُؤْمِنُ.
{فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ} [العنكبوت: 5] فَإِنَّ الْقِيَامَةَ آتِيَةٌ، يَعْنِي: الْبَعْثَ.
{وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 5] لا أَسْمَعَ مِنْهُ وَلا أَعْلَمَ.
قَالَ: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت: 6] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: {وَمَنْ جَاهَدَ} [العنكبوت: 6] ، يَعْنِي: وَمَنْ عَمِلَ الْخَيْرَ {فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت: 6] فَإِنَّمَا يَعْمَلُ لِنَفْسِهِ، إِنَّمَا نَفْعُ ذَلِكَ لَهُ.
قَالَ يَحْيَى: يُعْطِيهِ اللَّهُ ثَوَابَ ذَلِكَ فِي الْجَنَّةِ.
{إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَن الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 6] عَنْ عِبَادَتِهِمْ.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 7] يَجْزِيهِمْ بِهِ الْجَنَّةَ.
- أَبُو الأَشْهَبِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا إِنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَالْجُمُعَةَ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ} [العنكبوت: 8] ، يَعْنِي: جَمِيعَ النَّاسِ.
{بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8] ، يَعْنِي: بِرًّا، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ كَقَوْلِهِ: {بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف: 15] ، يَعْنِي: بِرًّا.
قَالَ: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي} [العنكبوت: 8] إِنْ أَرَادَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي.
{مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت: 8] ، أَيْ: أَنَّكَ لا تَعْلَمُ أَنَّ مَعِي شَرِيكًا،(2/617)
يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ.
{إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} [العنكبوت: 8] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
{فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت: 8] قَالَ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العنكبوت: 7] ، يَعْنِي: أَطَاعُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ تَفْسِيرَ السُّدِّيِّ.
{لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 9] مَعَ الصَّالِحِينَ، يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ} [العنكبوت: 10] تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: جَعَلَ عَذَابَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ فِي الآخِرَةِ، وَهَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَخِي أَبِي جَهْلٍ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: رَجَعَتِ الْقِصَّةُ إِلَى الْكَلامِ الأَوَّلِ: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3} } [العنكبوت: 2-3] فَوَصَفَ الْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الآيَةِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ} [العنكبوت: 10] إِذَا أُمِرَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِيهِ أَذًى، رَفَضَ مَا أُمِرَ بِهِ،
يَعْنِي: الْمُنَافِقَ، وَاجْتَرَأَ عَلَى عَذَابِ اللَّهِ وَأَقَامَ عَنِ الْجِهَادِ، فَتَبَيَّنَ نِفَاقُهُ، أَيْ: {جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ} [العنكبوت: 10] ، يَعْنِي: مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الْبَلِيَّةِ فِي الْقِتَالِ إِذَا كَانَتْ بَلِيَّةً.
{كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت: 10] فِي الآخِرَةِ، فَتَرَكَ الْقِتَالَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاجْتَرَأَ عَلَى عَذَابِ اللَّهِ فِي الآخِرَةِ لأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ خَوَّفَهُ عَذَابَ الآخِرَةِ(2/618)
وَهُوَ لا يُقِرُّ بِهِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أُنَاسٌ يُؤْمِنُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ، فَإِذَا أَصَابَهُمْ بَلاءٌ مِنَ النَّاسِ أَوْ مُصِيبَةٌ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمُ افْتُتِنُوا وَجَعَلُوا ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كَعَذَابِ اللَّهِ فِي الآخِرَةِ.
قَالَ: {وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ} [العنكبوت: 10] عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَجَاءَتْ غَنِيمَةً.
{لَيَقُولُنَّ} [العنكبوت: 10] ، يَعْنِي: جَمَاعَتَهُمْ.
{إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} [العنكبوت: 10] يَطْلُبُونَ الْغَنِيمَةَ، فَيَظُنُّ الْمُؤْمِنُ أَنَّ الْمُنَافِقَ عَارِفٌ، وَلَيْسَ بِعَارِفٍ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ بِمُوقِنٍ بِالآخِرَةِ.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 10] .
وَالْعَالَمُونَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ، أَيْ: أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلاءِ الْمُنَافِقِينَ فِي صُدُورِهِمُ التَّكْذِيبُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَهُمْ يُظْهِرُونَ الإِيمَانَ.
قَالَ: {وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} [العنكبوت: 11] وَهَذَا عِلْمُ الْفِعَالِ.
وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ الأَوَّلِ: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 3] وَمَا بَعْدَ هَذِهِ الْعَشْرِ آيَاتٍ مَكِّيٌّ، وَهَذِهِ الْعَشْرُ مَدَنِيَّةٌ نَزَلَتْ بَعْدَهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ وَهِيَ قَبْلَ مَا بَعْدَهَا فِي التَّأْلِيفِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا} [العنكبوت: 12] الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا.
{وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: 12] فِيمَا اتَّبَعْتُمُونَا فِيهِ، أَيْ: مَا كَانَ فِيهِ مِنْ إِثْمٍ فَهُوَ عَلَيْنَا.
وَهَذَا مِنْهُمْ إِنْكَارٌ لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ.(2/619)
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا هُمْ} [العنكبوت: 12] ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ.
{بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ} [العنكبوت: 12] الْمُؤْمِنِينَ.
{مِنْ شَيْءٍ} [العنكبوت: 12] لَوِ اتَّبَعُوهُمْ.
{إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [العنكبوت: 12] لا يَحْمِلُونَ خَطَايَاهُمْ.
قَالَ: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} [العنكبوت: 13] ، يَعْنِي: آثَامَهُمْ، آثَامَ أَنْفُسِهِمْ {وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] مَعَ آثَامِ أَنْفُسِهِمْ يَحْمِلُونَ مِنْ ذُنُوبِ مَنِ اتَّبَعَهُمْ عَلَى الضَّلالَةِ، وَلا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ ذُنُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ شَيْئًا.
- أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، وَخَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى هُدًى، فَاتُّبِعَ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَأَيُّمَا(2/620)
دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلالَةٍ فَاتُّبِعَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» .
الْفُرَاتُ بْنُ سَلْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ فِي قَوْلِهِ: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار: 5] قَالَ: مَا قَدَّمَتْ مِنْ خَيْرٍ وَمَا أَخَّرَتْ، يَعْنِي: مَا أَخَّرَتْ مِنْ سُنَّةٍ صَالِحَةٍ فَعُمِلَ بِهَا، قَالَ: فَإِنَّ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، أَوْ سُنَّةٍ سَيِّئَةٍ فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا.
ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: مَنِ اسْتَنَّ سُنَّةً فِي الإِسْلامِ ثُمَّ عَمِلَ بِهَا، فَإِنَّ لَهُ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةً فِي الإِسْلامِ فَعَمِلَ بِهَا، فَإِنَّ عَلَيْهِ مِثْلَ أَوْزَارِ مَنِ اتَّبَعَهُ لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا.
قَالَ: {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت: 13] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] يَقُولُ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] أَبُو سَهْلٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ جَمِيعُ عُمْرِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا، يَقُولُ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ}
[العنكبوت: 14] مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ مَاتَ {أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ، أَنَّ كَعْبًا قَالَ: لَبِثَ نُوحٌ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا، ثُمَّ لَبِثَ بَعْدَ الطُّوفَانِ سِتَّ مِائَةِ عَامٍ.
قَالَ: {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14] وَالطُّوفَانُ الْمَاءُ، فَأَغْرَقَهُمْ بِهِ.
{وَهُمْ ظَالِمُونَ} [العنكبوت: 14] ، أَيْ: مُشْرِكُونَ، ظَالِمُونَ لأَنْفُسِهِمْ وَبِظُلْمِهِمْ ضَرُّوا أَنْفُسَهُمْ.
قَالَ اللَّهُ: {فَأَنْجَيْنَاهُ} [العنكبوت: 15] ، يَعْنِي: نُوحًا.
{وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ} [العنكبوت: 15] ، يَعْنِي: مَنْ كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ.
قَالَ: {وَجَعَلْنَاهَا آيَةً} [العنكبوت: 15] ، يَعْنِي: عِبْرَةً.(2/621)
{لِلْعَالَمِينَ} [العنكبوت: 15] وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: أَبْقَاهَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِبَاقِرْدَى مِنْ أَرْضِ الْجَزِيرَةِ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَكَمْ مِنْ سَفِينَةٍ كَانَتْ بَعْدَهَا، فَصَارَتْ رَمْدَدًا.
قَالَ يَحْيَى: بَلَغَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَجِدُونَ مِنْ مَسَامِيرِهَا بَعْدَمَا بُعِثَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِبْرَاهِيمَ} [العنكبوت: 16] ، أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِبْرَاهِيمَ إِلَى قَوْمِهِ، وَهَذَا تَبَعٌ لِلْكَلامِ الأَوَّلِ لِقَوْلِهِ فِي نُوحٍ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [العنكبوت: 14] قَالَ: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [العنكبوت: 16] ، يَعْنِي: وَحِّدُوا اللَّهَ.
{وَاتَّقُوهُ} [العنكبوت: 16] يَقُولُ: وَاخْشَوْهُ وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ {16} إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ} [العنكبوت: 16-17] ، أَيْ: وَتَصْنَعُونَ.
{إِفْكًا} [العنكبوت: 17] ، يَعْنِي: كَذِبًا كَقَوْلِهِ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: 17] يَقُولُ كَذِبًا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا} [العنكبوت: 17] ، يَعْنِي: تَخْرُصُونَ كَذِبًا.
قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ(2/622)
الرِّزْقَ} [العنكبوت: 17] فَإِنَّ هَذِهِ الأَوْثَانَ لا تَمْلِكُ لَكُمْ رِزْقًا.
{وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17] ، أَيْ: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ بِأَنْ تَعْبُدُوهُ وَتَشْكُرُوهُ يَرْزُقُكُمْ.
قَالَ: {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 17] يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَالَ: {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ} [العنكبوت: 18] ، أَيْ: فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ، يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ مَا نَزَلَ بِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
قَالَ: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [العنكبوت: 18] قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُكْرِهَ النَّاسَ عَلَى الإِيمَانِ كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ} [يونس: 99] يَقُولُهُ عَلَى الاسْتِفْهَامِ: {تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99] ، أَيْ: أَنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَهُمْ وَإِنَّمَا يُؤْمِنُ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُؤْمِنَ وَكَقَوْلِهِ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] .
قَالَ: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ} [العنكبوت: 19] بَلَى قَدْ رَأَوْا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ الْعِبَادَ.
قَالَ: {ثُمَّ يُعِيدُهُ} [العنكبوت: 19] ، يَعْنِي: الْبَعْثَ، يُخْبِرُ أَنَّهُ يَبْعَثُ الْعِبَادَ، وَالْمُشْرِكُونَ عَلَى خِلافِ ذَلِكَ لا يُقِرُّونَ بِالْبَعْثِ.
قَالَ: {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [العنكبوت: 19] خَلْقُهُمْ وَبَعْثُهُمْ ثُمَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ: قُلْ لَهُمْ.
{سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت: 20] حَيْثُمَا سَارُوا رَأَوْا خَلْقَ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ.(2/623)
قَالَ اللَّهُ: {ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ} [العنكبوت: 20] يَخْلُقُ.
{النَّشْأَةَ الآخِرَةَ} [العنكبوت: 20] الْخَلْقَ الآخَرَ، يَعْنِي: الْبَعْثَ، أَيْ: أَنَّهُ خَلَقَهُمْ وَأَنَّهُ يَبْعَثُهُمْ.
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ} [العنكبوت: 21] يُعَذِّبُ الْكَافِرَ بِالنَّارِ، وَيَرْحَمُ الْمُؤْمِنَ فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ.
قَالَ: {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت: 21] ، أَيْ: وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [العنكبوت: 22] أَيْ فَتَسْبِقُونَّا حَتَّى لا نَقْدِرَ عَلَيْكُمْ فَنُعَذِّبُكُمْ، يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [العنكبوت: 22] ، يَعْنِي: مَا أَنْتُمْ بِسَابِقِي اللَّهَ بِأَعْمَالِكُمُ الْخَبِيثَةِ، فَتَفُوتُوهُ هَرَبًا.
قَالَ: {وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ} [العنكبوت: 22] ، يَعْنِي: مِنْ قَرِيبٍ يَمْنَعُكُمْ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ يَحْيَى: يَقُولُ: {مِنْ وَلِيٍّ} [العنكبوت: 22] يَمْنَعُكُمْ مِنْ عَذَابِهِ.
{وَلا نَصِيرٍ} [العنكبوت: 22] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي} [العنكبوت: 23] ، يَعْنِي: مِنْ جَنَّتِي.
{وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [العنكبوت: 23] ، يَعْنِي: مُوجِعٌ، يَعْنِي: بِهِ عَذَابُ جَهَنَّمَ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرِ بْنِ أَبِي سَلامٍ الشَّامِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(2/624)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَمْسٌ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِنَّ مُسْتَيْقِنًا دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَيْقَنَ بِالْمَوْتِ، وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ.
- الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ، وَأَبُو أُمَيَّةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلامٍ، عَنْ أَبِي سَلامٍ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «خَمْسٌ مِنْ أَثْقَلِ شَيْءٍ فِي الْمِيزَانِ» ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا هُنَّ؟ قَالَ: «لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ وَالِدُهُ» .
وَخَمْسٌ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِنَّ مُوقِنًا دَخَلَ الْجَنَّةَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَيْقَنَ بِالْمَوْتِ، وَالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ.
- سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعَةٍ: يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، وَيُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالْقَدَرِ ".
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} [العنكبوت: 29] رَجَعَ إِلَى قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} [العنكبوت: 16] قَالَ: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ} [العنكبوت: 24] قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ.
{إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} [العنكبوت: 24] يَقُولُهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ.
قَالَ: {فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ} [العنكبوت: 24] وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الأَنْبِيَاءِ.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 24] ، أَيْ: فِيمَا صَنَعَ اللَّهُ بِإِبْرَاهِيمَ وَمَا(2/625)
نَجَّاهُ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ الْمُؤْمِنُونَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ.
{إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ} [العنكبوت: 25] يَوَادُّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، أَيْ: يُحِبُّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا عَلَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.
{فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} [العنكبوت: 25] ، أَيْ: بِوِلايَةِ بَعْضٍ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَتَبَرَّأُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ.
{وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت: 25] قَالَ: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26] ، أَيْ: فَصَدَّقَهُ لُوطٌ.
{وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [العنكبوت: 26] يَقُولُهُ إِبْرَاهِيمُ.
{إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 26] هَاجَرَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ.
قَالَ: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [العنكبوت: 27] فَكَانَ أَوَّلَ كِتَابٍ أُنْزِلَ بَعْدَ كِتَابِ مُوسَى وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْكُتُبِ.
حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْفروبيُّ: قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا} [العنكبوت: 27] قَالَ: الثَّنَاءَ.
قَالَ: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء: 84] قَالَ: الثَّنَاءَ.
قَالَ: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ} [العنكبوت: 27] أَعْطَيْنَاهُ أَجْرَهُ.
{فِي الدُّنْيَا} [العنكبوت: 27] فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينٍ إِلا وَهُمْ يَتَوَلَّوْنَهُ وَيُحِبُّونَهُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ} [الصافات: 78] ، أَيْ: أَبْقَيْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ الثَّنَاءَ الْحَسَنَ.(2/626)
قَالَ: {وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 27] لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلُوطًا} ، أَيْ: وَأَرْسَلْنَا لُوطًا.
قَالَ: {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [العنكبوت: 28] وَالْفَاحِشَةُ الْمَعْصِيَةُ.
وَهِيَ إِتْيَانُ الرِّجَالِ فِي أَدْبَارِهِمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ {28} أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} [العنكبوت: 28-29] فِي أَدْبَارِهِمْ، وَهَذَا عَلَى الاسْتِفْهَامِ، أَيْ: أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ.
قَالَ: {وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} [العنكبوت: 29] عَلَى الْغُرَبَاءِ، فَتَأْتُونَهُمْ فِي أَدْبَارِهِمْ، وَكَانُوا لا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِلا بِالْغُرَبَاءِ، وَكَانُوا يَتَعَرَّضُونَ الطُّرُقَ، وَيَأْخُذُونَ الْغُرَبَاءَ وَلا يَفْعَلُهُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ.
قَالَ: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ} [العنكبوت: 29] فِي مَجْمَعِكُمْ وَالْمُنْكَرُ الْفَاحِشَةُ، يَعْنِي: فِعْلَهُمْ ذَلِكَ.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت: 29] وَذَلِكَ لِمَا كَانَ يَعِدُهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ.
قَالَ لُوطٌ.
{رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت: 30] الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ أَعْظَمُ الْفَسَادِ، وَالْمَعَاصِي كُلُّهَا مِنَ الْفَسَادِ، وَأَعْظَمُهَا الشِّرْكُ، وَكَانُوا عَلَى الشِّرْكِ، جَاحِدِينَ نَبِيَّهُمْ.
قَالَ اللَّهُ: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا} [العنكبوت: 31] ، يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ.(2/627)
{إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العنكبوت: 31] بِإِسْحَاقَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلائِكَةَ، لَمَّا بُعِثَتْ إِلَى قَوْمِ لُوطٍ بِعَذَابِهِمْ مَرُّوا بِإِبْرَاهِيمَ، فَسَأَلُوهُ الضِّيَافَةَ، فَلَمَّا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ أُرْسِلُوا بِعَذَابِ قَوْمِ لُوطٍ بَعْدَ مَا بَشَّرُوهُ بِإِسْحَاقَ {قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ} [العنكبوت: 31] ، يَعْنِي: قَوْمَ لُوطٍ.
{إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31] ، يَعْنِي: مُشْرِكِينَ.
{قَالَ} إِبْرَاهِيمُ لَهُمْ.
{إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت: 32] الْبَاقِينَ فِي عَذَابِ اللَّهِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {إِلا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} [الحجر: 60] .
قَالَ: {وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا} [العنكبوت: 33] ، يَعْنِي: الْمَلائِكَةَ.
{لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} [العنكبوت: 33] سِيءَ بِقَوْمِهِ الظَّنُّ بِمَا كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي أَدْبَارِهِمْ تَخَوُّفًا عَلَى أَضْيَافِهِ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ آدَمِيُّونَ.
قَالَ: {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} [العنكبوت: 33] ضَاقَ بِأَضْيَافِهِ الذَّرْعَ لِمَا يَتَخَوَّفُ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ.
وَقَالُوا الْمَلائِكَةُ قَالَتْهُ لِلُوطٍ.
{لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ {33} إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} [العنكبوت: 33-34] يَعْنُونَ قَرْيَةَ قَوْمِ لُوطٍ {رِجْزًا} [العنكبوت: 34] عَذَابًا.
{بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [العنكبوت: 34] يُشْرِكُونَ.(2/628)
قَالَ اللَّهُ: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً} [العنكبوت: 35] ، أَيْ: عِبْرَةً لِقَوْمٍ: تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ.
قَالَ: {بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [العنكبوت: 35] وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، عَقَلُوا عَنِ اللَّهِ مَا أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، خَسَفَ بِهِمْ وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمُ الْحِجَارَةَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِلَى مَدْيَنَ} [العنكبوت: 36] ، أَيْ: وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدْيَنَ.
{أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [العنكبوت: 36] أَخُوهُمْ فِي النَّسَبِ وَلَيْسَ بِأَخِيهِمْ فِي الدِّينِ.
{فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [العنكبوت: 36] وَحِّدُوا اللَّهَ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
{وَارْجُوا الْيَوْمَ} [العنكبوت: 36] ، أَيْ: صَدِّقُوا بِالْيَوْمِ الآخِرِ.
{وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [العنكبوت: 36] وَلا تَسِيرُوا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ، فِي تَفْسِيرِ قَتَادَةَ.
وَتَفْسِيرُ الْحَسَنِ: وَلا تَكُونُوا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [العنكبوت: 37] وَالرَّجْفَةُ هَاهُنَا، عِنْدَ الْحَسَنِ، مِثْلُ الصَّيْحَةِ وَهُمَا عِنْدَهُ الْعَذَابُ.
وَتَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: صَيْحَةُ جِبْرِيلَ.
قَالَ: {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [العنكبوت: 37] قَالَ: مَوْتَى قَدْ هَلَكُوا.
قَالَ: {وَعَادًا وَثَمُودَ} [العنكبوت: 38] قَالَ: وَأَهْلَكْنَا عَادًا وَثَمُودَ.
{وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت: 38] ، يَعْنِي: مَا رَأَوْا مِنْ آثَارِهِمْ.
قَالَ: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَن السَّبِيلِ} [العنكبوت: 38] عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى.(2/629)
{وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت: 38] فِي الضَّلالَةِ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ.
قَالَ: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} [العنكبوت: 39] ، أَيْ: وَأَهْلَكْنَا قَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ.
{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} [العنكبوت: 39] مَا كَانُوا بِالَّذِينَ يَسْبِقُونَنَا حَتَّى لا نَقْدِرَ عَلَيْهِمْ فَنُعَذِّبُهُمْ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} [العنكبوت: 39] مَا كَانُوا سَابِقِي اللَّهِ بِأَعْمَالِهِمُ الْخَبِيثَةِ فَيَفُوتُوهُ هَرَبًا.
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40] ، يَعْنِي: مَنْ أَهْلَكَ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَصَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} [العنكبوت: 40] ، يَعْنِي: فَكُلا عَذَّبْنَاهُ بِذَنْبِهِ.
قَالَ: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} [العنكبوت: 40] ، يَعْنِي: قَوْمَ لُوطٍ، يَعْنِي: الْحِجَارَةَ الَّتِي رُمِيَ بِهَا مَنْ كَانَ خَارِجًا مِنْ مَدِينَتِهِمْ، وَأَهْلُ السَّفَرِ مِنْهُمْ وَخُسِفَ بِمَدِينَتِهِمْ.
قَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} [العنكبوت: 40] ، يَعْنِي: ثَمُودَ.
{وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ} [العنكبوت: 40] مَدِينَةُ قَوْمِ لُوطٍ وَقَارُونَ.
{وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40] قَوْمُ نُوحٍ وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ.
قَالَ: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40] ، أَيْ: يَضُرُّونَ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ يُنْقَضُونَ بِشِرْكِهِمْ وَجُحُودِهِمْ رُسُلَهُمْ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ} [العنكبوت: 41] ، يَعْنِي:(2/630)
أَوْثَانَهُمُ الَّتِي عَبَدُوهَا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: {أَوْلِيَاءَ} ، يَعْنِي: آلِهَةً وَهُوَ أَحَدٌ.
قَالَ: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ} [العنكبوت: 41] أَضْعَفَ الْبُيُوتِ.
{لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: 41] ، أَيْ: أَنَّ أَوْثَانَهُمْ لا تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا كَمَا لا يُغْنِي بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ مِنْ حَرٍّ وَلا بَرْدٍ.
{لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41] يَعْلَمُونَ لَعَلِمُوا أَنَّ أَوْثَانَهُمْ لا تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا كَبَيْتِ الْعَنْكَبُوتِ.
ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [العنكبوت: 42] يَقُولُهُ لِلْمُشْرِكِينَ، يَعْنِي: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ.
{وَهُوَ الْعَزِيزُ} [العنكبوت: 42] فِي نِقْمَتِهِ.
{الْحَكِيمُ} فِي أَمْرِهِ.
قَوْلُهُ: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ} [العنكبوت: 43] ، يَعْنِي: نَصِفُهَا لِلنَّاسِ، فَنُبَيِّنُهَا لِلنَّاسِ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ.
قَالَ: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43] ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ} [العنكبوت: 44] ، أَيْ: لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ كَقَوْلِهِ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا} [ص: 27] ، أَيْ: خَلَقْنَاهُمَا لِلْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، قَالَ: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص: 27] أَلا يُبْعَثُوا وَلا يُحَاسَبُوا.
قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً} لَعِبْرَةً، وَيُقَالُ: لَمَعْرِفَةً.
{لِلْمُؤْمِنِينَ} فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ يَبْعَثُ الْخَلْقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ(2/631)
الصَّلاةَ تَنْهَى عَن الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ مَا دَامَ فِي صَلاتِهِ لا يَأْتِي فَحْشَاءَ وَلا مُنْكَرًا.
- الْحَسَنُ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ صَلاةٍ لا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَإِنَّ صَاحِبَهَا لا يَزْدَادُ مِنَ اللَّهِ إِلا بُعْدًا» .
- وَحَدِيثُ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ تَنْهَهُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ فَإِنَّهَا لا تَزِيدُهُ عِنْدَ اللَّهِ إِلا مَقْتًا» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] الْحَسَنُ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي تَفْسِيرِهَا قَالَ: قَالَ اللَّهُ: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ اللَّهَ ذَكَرَهُ اللَّهُ، فَذِكْرُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ إِيَّاهُ.
- قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي أَبُو الْجَرَّاحِ الْمَهْدِيُّ أَنَّ مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: كَيْفَ كَانَ تَفْسِيرُ ابْنِ الْعَبَّاسِ فِي هَذِهِ الآيَةِ {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] ؟ فَقُلْتُ: كَانَ يَقُولُ: إِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ، فَكَيْفَ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ ذَكَرَهُ اللَّهُ، فَذِكْرُ اللَّهِ الْعَبْدَ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ إِيَّاهُ.
قَالَ يَحْيَى: وَحَدَّثَنِي أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: الذِّكْرُ ذِكْرَانِ أَحَدُهُمَا(2/632)