العجيب (مَهْلِكَ) بالكسر، مصدر، مثل قوله: " مرجعكم ". ذكره
أبو علي في الحجة.
قوله: (كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) .
لـ "كان" في الآية وجهان:
أحدهما: أنه بمعنى وقع، و "عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ" الفاعل، و "كيف" حال من الفاعل، أي أحَسَناً وَقَعَ عاقبةُ أمرهم أم د سيئاً.
وفي "كيف" ضمير يعود إلى ذى الحال، وإن جعلت كيف ظرفاً له "كان"، لم
يحتج إلى الضمير.
والثاني: أنه المفتقرة إلى الخبر، و "عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ" اسمه.
و"كيف" خبره، وفيه ضمير الاسم، ومن كسر "إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ" جعله استئنافا
وتفسيرا للعاقبة، كما في قوله: (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) نفسير للوعد.
ومن فتح، "أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ" جاز أن يكون بدلًا من عاقبة أمرهم، أي كيف كان
تدميرهم. وجاز أن يكون خبر كان أي كيف كان عاقبة أمرهم تدميرهم.
و"كيف" متعلق بكان كتعلق الناس به في قوله: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا) .
وقيل: تقديره: لأنا دمرناهم. وقيل: هو إنا دمرناهم.
قوله: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً) .
أي، ساقطة متهدمة، من قول العرب: "خَوَى النجم" إذا سقط.
وقيل: خَاوِيَةً، خالية، من الخوَى، وهو خلو البطن.
وهو نصب على الحال.
قوله: (وَلُوطًا) .
قيل: عطف على (الذين آمنوا) ، وقيل: وأرسنا وَلُوطًا. وقيل: واذكر
وَلُوطًا.
قوله: (قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) .
أي، ليس ذلك لمعنى سوى الجهل بما يحب، فإن الطباع الصحيحة(2/855)
لا تتوجه في ذلك إلا في النساء، وإنما يعدِل عنهن لسوء العادة.
قوله: (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) .
خطاب للنبي عليه السلام.
الغريب: قل يا لوط الْحَمْدُ لِلَّهِ على هلاك كفار قومك.
(وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) الأنبياء والمرسلين والأولياء
والمؤمنين.
قوله: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) .
"مَنْ" في الآية موصولة، وما بعدها صلتهَا، وقيل: نكرة وما بعدها
صفتها.
قوله: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) .
"في" بمعنى الباء، والمضاف محذوف، أي، بحدوث الآخرة. "بل
هم في شك" من حدوثها. وقيل: العلم ها هنا بمعنى القول والحكم، أي
تتابع منهم القول في الآخرة. وقيل: هو استفهام لمعنى النفي.
الغريب: الماضي ها هنا بمعنى المستقبل، أي يتدارك علمهم في
الآخرة.
قال الفراء: هذا على وجه الاستهزاء، كما تقول لمن يدعي علم
شيء، وهو جاهل به، نعم قد عرفته حق المعرفة استهزاءً به.
قوله: (أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا) .
العامل فيه مضمر، أي، أنخرج إذا كُنا تراباً، ولا يعمل
فيه "مُخْرَجُونَ"، لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبله.
قوله: (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) .(2/856)
أي، جولوا في الأرض ذات الطول والعرض، "فانظروا" ما حل بمن
كذب الرسل، فاحذروا ولا تُكَذِّبوا فيحلَّ بكم مثله.
الغريب: معنى (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ)
اقرؤا القرآن، فإن أحوالهم مذكورة فيه، يغنكم عن التطواف في البلاد والديار.
قوله: (رَدِفَ لَكُمْ) .
قيل: ردفه وردف له، لغتان. وقيل: "اللام " زيادة، كما في قوله:
(لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) ، وقيل: محمول على المعنى، أي، دنا لكم، وقيل:
بمعنى من، أي قرب منكم، وقيل: محمول على المصدر، أي الرادفة لكم.
وقيل: المفعول محذوف، أي، ردف الخلق لأجلكم.
الغريب: في ردف ضمير يعود إلى الوعد، ثم ابتدأ فقال: (لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) ، فيحسن الوقف على ردف.
قوله: (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) .
يعني، الأصم إذا كان مقبلاً يفهم بالرمز والإشارة، إذا ولى وأدبر لا
يسمع ولا يفهم.
قوله: (دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) .
قيل: من الكلام، وقيل: َ بفعل من الكَلْم. ودابة الأرض على ما قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " دابة طولها ستون ذراعاً، لا يدركها طالب، ولا يفوتها هارب، تَسِم المؤمن بين عينيه مؤمن، وتَسِم الكافرَ بين عينيه كافر، ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالعصا، وتحطم أنف الكافر بالخاتم، حتى أن أهل الخوان ليجتمعون، فتقول هذا يا مؤمن وتقول هذا يا كافر" (1) .
__________
(1) مسند الفردوس. برقم: 3066(2/857)
وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - "والله مالها ذنب، وإن لها
لحياةً. وهذا إشارة إلى أنها آدمي.
الغريب: ابن عباس: لها زغب وريش وأربع قواثم.
وهب: وجهها وجه رجل، وسائر خلقها خلْق الطير، وقيل: على صورة فرس.
العجيب: عن ابن الزبير: إنها دابة رأسها رأس ثور، وعينها عين
خنزير، وأذنها أذن فيل، وقرنها قرن أيل، وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر
أسد، ولونها لون نِمَر، وخاصرتها خاصرة بَقَرٍ، وذنبها ذنب كبش، وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً، تخرج من بين الصفا والمروة، وقيل: تخرج من أجياد، وقيل من صَدْع في الصفا.
العجيب: تخرج من بَحرِ سدوم، حكاه الماوردي (1) .
قوله: (أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا) .
أي كذبتم بها ولم تعرفوها حق معرفتها، أم ماذا كنتم تعملون حين لم
تتفكروا فيها.
الغريب: هذا إثبات للعلم، وألف الاستفهام مؤخر في المعنى.
والتقدير: كذبتم بآياتي، أو لم تحيطوا بها علماً، حكاه القفال.
قال: ومثله: (أَفَإِنْ مِتَّ) ، أو مثل، انقلبتم، الاستفهام واقع على الانقلاب لا على الموت.
قوله: (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) .
__________
(1) الأولى تفويض علم ذلك وحقيقته إلى الله تعالى.(2/858)
هو القرن ينفخ فيه إسرافيل.
الغريب: جمع صورة، أي ينفخ الأرواح في الأجسام.
العجيب: هذا مثل لأحياء الموتى في وقت واحد لخروجهم كخروج
الجيش إذا أنذروا بنفخ البوق. والقول هو الأول.
قوله: (فَفَزِعَ)
بلفظ الماضي، لأن "يَوْمَ يُنْفَخُ" محمول على معنى إذا
نفخ، وكذلك ما قبله، "ويوم نحشر"، ولهذا دخل "الفاء" في قوله: (فَهُمْ يُوزَعُونَ) : وكذلك في هذه الآية يمكن حمل الفاء على الجواب.
فيكون "يوم" منصوبا بـ (فَزِعَ) .
وقيل: العامل، مضمر تقديره: قامت القيامة
وقيل: ذلك يوم ينفخ، فيكون ذلك إشارة إلى ما تقدم.
الغريب: العامل فيه (من جاء بالحسنة) ، وقيل: اذكر يوم، فيكون
مفعولًا به.
قوله: (فَزِعَ) قيل: مات، والمستثنون: هم الشهداء. وقيل: فزع:
خاف، وهي النفخة الثانية للبعث، والمستثنى، الملائكة والشهداء
والمؤمنون.
الغريب: فزع بمعنى أجاب وأسرع إلى النداء.
قوله: (مَرَّ السَّحَابِ) .
أي مسرعة، وقيل: سيراً وسطا، قال:
كأنّ مِشيتَها من بيت جارتِها. . . مرُّ السحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ
قوله: (أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) .
أحكم خلقه، وهو مشتق من قولهم: تَقَنوا أرضهم، إذا أرسلوا إليها(2/859)
الماء الخاثر لتجود، والتقن: رسابة الماء في الحوض والغدير يجيء به الماء
من الخثورة.
قوله: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا) .
بالواحدة عشر، وسبعون، وسبعمائة، وفوق ذلك.
ابن عباس: الحسنة هي لا إله إلا الله، فيكون منها من جهتها وسببها، لا للتفضيل.
قوله: (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) ، من نوّن جاز أن ينتصب "يَوْمَئِذٍ"
بفزع، وجاز أن ينتصب بقوله: آمِنُونَ) لا "يَوْمَئِذٍ"، ويكون الفزع عاماً، ومن أضاف، فكسر فهو مجرور بالإضافة، ومن فتح فهو مبني لإضافته إلى مبني.
قوله: (هَذِهِ الْبَلْدَةِ) .يريد مكة
"الَّذِي حَرَّمَهَا" صفة للرب سبحانه.
وقرئ في الغريب: " التي حرمها" صفة للبلدة.
قوله: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) .
يعني يوم بدر، وقيل: انشقاق القمر.
وقيل - خروج الدابة، ولو بعد حين - والله أعلم -.(2/860)
سورة القصص
قوله: (مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ) .
أي، نَقص ذلك، فالمفعول محذوف، وعند الأخفش "مِنْ" زائدة.
والتقدير، نقص عليك نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ.
قوله: (فِي الْأَرْضِ) .
أي أرض مصر.
الغريب: العرب تسمي مصر الأرض، وبعض نواحيها الصعيد.
قوله: (وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) سبق.
قوله: (الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) .
هم بنر إسرائيل.
الغريب: هم يوسف وولده، حكاه الماوردي.
وقال: هو قول علي - رضي الله عنه.
قوله: (وَنُرِيَ) .
من قرأ " بالياء" جاز أن يكون عطفاً على ما قبله، ومحله نصب.
وجاز أن يكون استئنافاً.(2/861)
قوله: (مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)
أي من بني إسرائيل.
الزجاج: عجبا من حُمْق فرعون في قتله بني إسرائيل، إن كان الكاهن صادقا ما ينفعه القتل، وإن كان كاذبا فما معنى القتل.
قوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) .
هو وحي إلهام، وقيل: وحي رؤيا.
وقيل أتاها ملك كما أتى مريم، حيث قال: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ) .
قوله: (فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ)
أن يسمع صوته الجيران، وقيل: خفت عليه القتل من جهة فرعون.
قوله: (وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)
يدل على أنه كان رؤيا أو كلام ملك، وفي هذه الآية أمران ونهيان وخبران وبشارتان.
قوله: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) .
أجمعوا على أنه لام العاقة والصيرورة.
الغريب: يحتمل أنه متصل بقوله: (وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا.
قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) : اعتراض.
قوله: (كَانُوا خَاطِئِينَ)
أي آثمين بكفرهم.
العجيب: المبرد: أي مخطئين على أنفسهم بالتقاطه.
وقيل: كَانُوا خَاطِئِينَ بقتل أولاد بني إسرائيل.
الثعلبي وغيره: ذبح فرعون في طلب موسى سبعين ألف وليد.(2/862)
الغريب: النقاش: جميع ما قله ستة عشر طفلاً.
قوله: (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) .
روي عن ابن عباس: الوقف على قوله: (وَلَكَ لَا) وهو - رضي الله
عنه - ذهب إلى ذلك المعنى، لأن مآل أمره إلى النار والهلاك، ومآل أمرها إلى الثواب والجنة.
أما من حيث الإعراب، ففاسد لا يمكن الابتداء بما بعده، وأيضاً فإنها ما كانت تتجاسر على أن تخاطب فرعون بمثل هذا، كيف وهي تستميل قلبه بقولها (عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ، وروي عن نافع
الوقف على قوله: "لِي" والابتداء بقوله: (وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ) على تقدير ولك أن لا تقتلوه، أو ولك أن تقول لا تقتلوه. وفيه أيضاً ضعف.
قوله: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)
يجوز أن يكون من كلامها، أي يشعر القبط ويجوز أن يكون من كلام الله، أي لَا يَشْعُرُونَ أنه المطلوب للذبح.
وأن هلاكك على يدبه.
قوله: (فَارِغًا) .
الأكثرون على أنه فارغ من كل شيء، إلا من ذكر موسى.
الأخفش:فَارِغًا لا حزن فيه ثقة بوعد الله.
الغريب: ابن بحر: فراغ القلب، خوفه، من قوله: (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) ، ويسمى الجبان يراعة أي لا قلب له.
الحسن: أي نسِيَ الوحيَ والعهدَ لعظيم البلاء.
قوله: "بِهِ"
"الباء " زائدة، أي تبديه، وقيل: المفعول محذوف، أي تبدي القول بسببه.
قوله: (فَبَصُرَتْ بِهِ) . أي أبعدته.(2/863)
الغريب: صارت بعيدة بموضعه، فإن بصر، لا يتعدى.
(وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أنها أخته، وقيل: أنها تقتص.
قوله: (الْمَرَاضِعَ) .
جمع مرضع بالفتح، وقيل: مرضع بالكسر على تقدير لبن المراضع.
قوله: (مِنْ قَبْلُ) ، أي، قبل مجيء أمه.
العجيب: (وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ) أن يرضعنه، وذلك بأن لا يقبل
رضاعهن. حكاه القفال.
قوله: (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ)
أي لا يقصرون في تربيته وإرضاعه.
الغريب: ذكر، أن هامان لما سمع قولها (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) ، قال:
خذوها حتى تخبر بقصة هذا الغلام، فألهمها الله، فقالت: إنما ذكرت له
ناصحون لفرعون لا لغيره. فقال: صدقت.
وذكر، أن فرعون قال لأم موسى: ما باله لم يقبل لبن غيرك وقبل لبنك، قالت: لأني امرأة طيبة الريح طيبة اللبن، لا أوتى بصبي إلا ارتضع مني، فسكت فرعون، وذكر، أن أم موسى قالت لامرأة فرعون: إن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فعلت، وإلا فإني غير تاركة منزلي وأولادي، فرضيت امرأة فرعون، فرجعت
أم موسى بابنها إلى بيتها من يومها، وهو قوله: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ) الآية.
قوله: (هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) .
هذه حكاية الحال، والعرب، قد تشير بهذا إلى الغائب، وأنشد:
هذا ابنُ عَمِّي في دمشقَ خليفةً. . . لو شِئْتُ ساقَكُمُ إليَّ قَطِينا
قوله: (فَوَكَزَهُ مُوسَى)
ضربه بجمْع كفه، وقيل: عقد بيمينه عقد تسع وتسعين فضربه.(2/864)
الغريب: ضربه بعصاه.
قوله: (فَقَضَى عَلَيْهِ)
أماته وقتله، وفاعل قضى موسى.
الغريب: الفاعل هو الله عز وجل. ويحتمل أن الفاعل: الوكز.
قوله: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)
أي هو الذي حملني عليه.
الغريب: هو كقولك، هذا من فعل الفاسقين لا الصالحين.
قوله: (بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ)
بالمغفرة، وقيل: بتخليصك إياي، وقيل: بالنبوة، قيل: خبر. وقيل:
دعاء. و "لَنْ" بمعنى "لا"، وقيل: قسم.
العجيب: الكسائي في جماعة، لا أكون بالمغفرة والرحمة معيناً
للمجرمين، فأقول لهم رحمك الله وغفر الله لك. حكاه القفال.
قوله: (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ) .
مبتدأ "يَسْتَصْرِخُهُ" خبره، وهو العامل في "إِذَا"، أي فاجأه الذي
بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ.
قوله: (قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ) .
قيل: هو من كلام الإسرائيلي، لأن موسى لما أراد أن يثب على
القبطِي ليمنعه من الإسرائيلي، توهم الإسرائيلي أن موسى قصده، وقد كان
سبق منه (إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) .
وقيل: من كلام القبطي، وكان قد اشتهر أن إسرائيلياً قتل قبطياً.
قوله: (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) .
أي ناصح لك من الناصحين، وقد سبق.
قوله: (يَتَرَقَّبُ) .(2/865)
أي يتوقع وقوع مكروه به.
قوله: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) .
أي قصد مدين.
الغريب: لم يقصد مدين، فاتفق ذهابه إلى مدين لأمر قدره الله.
الغريب: أتاه جبريل بالعصا وأمره بالمسير إلى مدين.
قوله: (تَذُودَانِ) ، غنم الناس عن غنمهما كي لا يختلطا.
قوله: (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ) ، ينصرف، والصدر: الانصراف.
ومن ضم، فالمفعول محذوف، أي يصدِر الرعاء مواشيهم. والرعاء:
جمع راع، وهو للمواشي. والرُعاة للولاة.
قوله: (فَسَقَى لَهُمَا) .
أي سقى مواشيهما لأجلهما.
قيل: أتى بئرا عيها صخرة لا يحملها إلا عشرة، وقيل إلا أربعون، فحملها وسألهم أن يعطوه دلوا، فناولوه دلوا لا ينزحها إلا عشرة، فنزحها وحده، وسقى أغنامهما.
الغريب: زاحم القوم على الماء فأخرجهم عنه ثم سقى لهما.
قوله: (إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) .
قيل: أنزلت بمعنى تنزل، والمعنى إني فقير محتاج إلى شَبْعة من
طعام.
الغريب: يحتمل إني إلى مثل ما أنزلت إلي قبل فقير محتاج.
العجيب: ابن جبير، شبعة يومين، ومن العجيب: الحسن، سأل
الله الزيادة في العلم والحكمة.(2/866)
قوله: (عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) .
متصل ب "تَمْشِي"، وقيل: متصل بما بعده، وهو القول، لأن
الاستحياء في القول هو أكثر منه في المشي.
قوله: (أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) أي أجر سقيك إيانا، فأجابها موسى.
قتادة، عن مطرف، قال: أما والله لو كان عند نيي الله موسى شيء ما
اتبع مَذْقتها ولكن حمله على ذلك الجهد.
وجمهور المفسرين، على أن أباها شعيب النبي عليه السلام.
الغريب: هو ابن أخي شعيب، وكان شعيب قد مات، واسمه نيرون.
قوله: (تَأْجُرَنِي) .
قيل: المفعول محذوف، أي تَأْجُرَنِي نفسك.
الغريب: تكون أجيراً لي.
و (ثَمَانِيَ) نصب على الظرف، أي، مدة ثماني حجج، أي تثيبني من تزويجي إياك رعي ماشيتي ثماني حجج.
من قولك: أجرك الله، أي أثابك. وهذا شرط الأب وليس بصداق.
وقيل: صداق، والوجه هو الأول، لقوله: (تَأْجُرَنِي) ولو كان صداقا
لقال تأجرها.
قوله: (ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ) .
أي ذلك شرط بيننا، وعلينا الوفاء.
قوله: (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ)
أي الثماني أو العشر قَضَيْت، فلا يعتدى علي فأطلَب بأكثر.
و"قَضَيْتُ" مجزوم المحل بقوله (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ) ، و"أَيَّمَا" نصب ب "قَضَيْتُ".
"فَلَا عُدْوَانَ" جزاء الشرط، و "الْأَجَلَيْنِ" جر بالإضافة و "مَا" زائدة.(2/867)
قوله: (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ) .
أي اشتدْ في الأمر، والجناح: اليد. واليد عبارة عن البدن، وقيل:
طَيرهُ الفزع، وآلة الطيران الجناح. فأمر بضم منثور جناحه.
الفراء: الجناح: العصا.
الزجاج: الجناح العضد ها هنا.
الغريب: المبرد: ضم إليك جناحك، أي يديك، فإذا فعلته زال
رهبك.
من الغريب: من عادة الإنسان أن يبسط يديه كالمتقي بهما من الشيء
يخافه، فقيل له: ضم ما بسطه من يديك خوفاً على نفسك.
العجيب: الجناح، جيب مدرعته.
ومن العجيب: الرهب، الكم.
ومن العجب أيضاً: (مِنَ الرَّهْبِ) متصل بقوله: (إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)
بالرهب، واسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء واضمم إليك جناحك، أي
عصاك.
قوله: (فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ) مرسلاً (إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) .
قوله: (وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا) .
حجةً وبرهاناً. (فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا) ، بمكروه، (بِآيَاتِنَا) .
قوله: (أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ)
"الباء" في (بِآيَاتِنَا) متصل بقوله: (وَنَجْعَلُ لَكُمَا) أي سلطانا بآياتا.
الغريب: ذهب جماعة إلى أنه متصل بما بعده، أي: الْغَالِبُونَ بِآيَاتِنَا
، وفيه ضعف، لأن "مَا" في الصلة لا تتقدم على الموصول.
ومن الغريب: يحتمل أنه حال، كما تقول: خرج بسلاحه، أي(2/868)
مسلحا، فيكون التقدير، مُستصحَبِينَ بآياتنا.
ويجوز أن يكون على هذا أيضا حال من قوله: (الْغَالِبُونَ) .
قوله: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا) .
هامان، كان وزيراً له، وأمره أن يطبخ الطين بنار يوقدها على الطين.
ليصلب ويصير آجراً، وكان أول من اتخذ له الآجر، وابن لي بناء عاليا.
واجعل لي درجا أصعد إليه بها، (لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ) ، يعني موسى.
(كاذبا) : ناقض ببن قوله: (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) .
وبين قوله (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) لأن الظن شك - فزعم بعضهم أنه بناه له وعلاه فرعون، فرمى بسهم، فسقط عليه ملطخا، وهذا بعيد، وليس من صنع الله.
العجيب: ابن بحر: أوهم ضعفة قومه، أن الذي يدعو إليه موسى
موصول إليهِ ومقدور عليه.
الغريب: كان فرعون يتعاطى مذهب الصابئين، وإنهم يعبدون
النجوم، ويزعمون أن لهم طرقا من العبادات إلى استجابة الكواكب، وكان
فرعون يعبد الشمس، وإن من ظفر باستجابة الشمس له ملكته وصيَّرته من
أعظم من في عصره بزعمهم، وأراد بناء الصرح رصدا يصعد إليه، ويعلم
كيفية أحوالها، وهل تجدد حكم من أحكامها.
قوله: (وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً) .
أي كل من ذكرهم لعنهم، والله أمر بذلك.
الغريب: لعنة عذاباً، ويوم القيامة، أي ولعنه يوم القيامة، فحذف
المضاف ونصب يوم على المفعول به.
الغريب: هو عطف على محل هذه الدنيا، كما قال:
إذا ما تلاقينا من اليوم أو غدا(2/869)
العجيب: ظرف للمقبوحين، وفيه بعد.
قوله: (تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) .
أي، على أهل مدين آياتنا، وإنما أرسلناك في آخر الزمان.
الغريب: الفراء: ما كنت ثاوياً في أهل مدين، وما أنت تتلو على
أمتك آياتنا، أي القرآن. فهو منقطع.
قوله: (سِحْرَانِ) .
أراد وقالوا فحذف الواو هو يراد، ثم كرر فقال: (سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) لأن الأول كلام بعض، والثاني كلام بعض، وقيل: قالوا: مرة هذا ومرة ذاك.
قوله: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا) .
أي وكم من قرية أهلكنا. و "كم" نصب ب "أهلكنا".
(بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا) أي في معيشتها.
العجيب: نصب على التمييز، والتمييز لا يكون معرفة، فهو بعيد.
قوله: (كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) .
مفعولاه محذوفان، أي تزعمونهم شركائي.
(قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) .
وجب لهم العذاب، وصدق إخبار الله فيهم أنهم لا يؤمنون.
الغريب: معنى (حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي وقع عليهم هذا الخطاب.
وهو قوله: (أَيْنَ شُرَكَائِيَ) قالوا، يعني المعبودون، (رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا)(2/870)
أقروا بالإضلال والدعاء إلى الشرك.
وأنكروا عبادتهم إياهم على استحقاق وسلطان وبرهان.
الغريب: كذبوا.
العجيب: المراد بالشركاء، الملائكة وعيسى.
وقوله: (أَغْوَيْنَا) ، محمول على الشرط، أي هؤلاء الذين إن
أغويناهم. أغويناهم كما غوينا، كما في قوله: (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) ، وتقدير الآية، هؤلاء هم الذين أغوينا، وأغويناهم كما غوينا، فالذين خبر مبتدأ، محذوف، وواو العطف محذوف، وليس قوله:
(أَغْوَيْنَاهُمْ) خبر هؤلاء، لأن من شرط الخبر أن يفيد ما لم يفده المبتدأ.
وقد سبق ذكر، غوينا في صلة الصفة.
ومن النحاة من أجاز وقال قد أفاد أكثر مما أفاد الأول، لأنه قال: (أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا) ، وهذه زيادة لم تكن مع الأول.
قوله: (تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ) ، "مَا" للنفي.
الغريب: "مما" بحذف" مِن".
ومن العجيب: على ما كانوا إيانا يعبدون.
قوله: (لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ) .
جوابه، محذوف، أي لما رأوا العذاب.
الغريب: هذا تمنٍّ، أي ودوا لو أنهم كانوا يهتدون. وفيه بعد.
قوله: (شُرَكَاءَكُمْ)
أضاف إليهم لأنهم ادعوا أنها شركاء الله، وحيث قال شُرَكَائِيَ - وهو الأكثر في القرآن - أي بزعمكم.
قوله: (وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) .(2/871)
"مَا" للنفي عند الجمهور.
الغريب: "مَا" بمعنى الذي، والتقدير، ما كان لهم الخيرة فيه.
والوجه: الأول.
قوله: (لِتَسْكُنُوا فِيهِ) .
الظاهر، أنه يعود إلى الليل، بدليل قوله: (يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ) .
الفراء: يعود إلى الليل والنهار.
الزجاج: يعود إلى الزمان.
والجمهور: على أن التقدير، جعل لكم الليل والنهار تسكنوا في الليل
وتبتغوا من فضله بالنهار.
قال:
كأنَّ قلوبَ الطيرِ رَطْباً ويابِساً. . . لدى وكرِها العُنَّابُ والحَشَفُ البالي
قوله: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) .
كان ابن عمه لَحا، وكان من الذين اختارهم في قوله: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا) ، ومن الذين جاوزوا البحر، وكان من
القراء وعلماء التوراة، فبغى عليهم طلبا للفضل عليهم، وأن يكونوا تحت
يده.
ابن عباس: بغى عليهم موسى، وقصد إفساد أمره، وكان من
إفساده، أن امرأة بغياً كانت مشهورة في بني إسرائيل، فوجه إليها قارون
يأمرها أن تصير إليه، وهو في ملأ من الناس، فتكذب على موسى.
وتقول: إن موسى طلبني للفساد والزنية، وضمن لها أن يعطيها على ذلك.
عطاء كثيراً ويخلطها بنسائه.
فجاءته المرأة، وقارون جالس مع أصحابه، فرزقها الله التوبة، - وقالت في نفسها: مالي مقام للتوبةِ مثل هذا، فأقبلت على أهل المجلس وقالت - وقارون حاضر -: إن قارون وجّه إلي بأمرٍ(2/872)
ويسألني أن أكذب على موسى وأقول: إنه أراد بي الفساد، وإن قارون
كاذب في ذلك، فلما سمع كلامها تحير قارون وأيس، واتصل الخبر
بموسى، وقيل: هو كان من الحاضرين، فجعل الله أمر قارون إلى موسى
وأمر الأرض أن تطيعه فيه.
قوله: (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ) ، جمع مِفْتَح أي مفتاح.
الغريب: جمع مَفتح - بالفتح - وهو الخزانة.
العجيب: " مَفَاتِحَهُ" أوعيتة.
ابن بحر: "مَفَاتِحَهُ" من قوله: (مفاتح الغيب) أي علمه.
و" ما" هي الموصولة، وما بعدها صلتها.
العجيب: "مَا" للتعميم. وما بعده ابتداءُ إخبار، وهو تعسف.
قوله: (لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ)
"الباء" للتعدية، أي تثقلها.
الغريب: هذا من باب القلب، أي تنوء العصبة بها.
وما قيل: إن معناه يجعل العصبة تنوء بها، فهو القول الأول، كما جاء (ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ) . أي يجعل نورهم يذهب.
قوله: (وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) .
أي، اطلب بدنياك آخرتك، فإن ذلك حظ المؤمن منها.
الغريب: نصيك من الدنيا الكفن.
قوله: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) .
أي بعلمي بالتوراة وفضلي آتاني الله ذلك، قيل: على علمي بوجوه
المكاسب.
الغريب: آتانن الله على علمه بأني أهل لذلك.
ومعنى (عِنْدِي) : معتقدي.(2/873)
العجيب: أراد علم الكيمياء، وهذا لا يرتضيه المحققون، لأن
الكيمياء اسم لا مسمى له كالعنقاء.
وقيل، وجد قارون كنزاً من كنوزِ يوسف.
(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) .
أي متزينا. (قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) .
العجيب: " فلما) مضمر، تقديره: فلما خرج قال الذين.
الغريب: وقال فحذف الواو. وقيل: استئناف.
قوله: (يَا لَيْتَ لَنَا) يريد يا قوم ليت لنا.
الغريب: يا متمنايَ تعالَ.
العجيب: قالوا يا محمد ليت لنا، ويا محمد اعتراض من كلام الله
تعالى.
قوله: (مَا أُوتِيَ قَارُونُ)
اسم ما لم يسم فاعله، والعائد إلى "مَا" محذوف، وهو المفعول، أي ما أوتيته. تقول زيد أعطى درهماً - بالنصب، والدرهم أعطى زيد بالرفع، لأنه المفعول الأول، وهو بالرفع أولى.
قوله: (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ) .
المراد بقوله: (أَصْبَحَ) صار، فكذلك قوله: (بِالْأَمْسِ) المراد منه الزمان القريب.
قوله: (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ) .
سيبويه: "وي" كلمة ندم، وهي منفصلة عن كان، قال الشاعر:(2/874)
وَيْ كأنْ مَنْ يكنْ له نَشَبٌ يُحْ. . . بَبْ ومَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عيشَ ضُرِّ
الأخفش: أصله، ويك وما بعده مفتوح بإضمار أعلم، قال
الأوائل: المسرة لا تدوم، ولا يبقى على البؤس النعيم.
الغرب أصله ويلك. قال:
. . . . . . . . . . . . . . . . ويك عنتر أقدم
وهذا مرضي عند النحاة.
العجيب: الضحاك، الياء والكاف صلة، وتقديره، وأنَّ الله. وهذا
كلام جد عجيب.
ابن جرير: (وَيْكَأَنَّ) بمجموعهما كلمة تعني ألم تعلم، وهذا
قريب من الأول، أو لعله أراد كلمة واحدة في الخط، وأما المعنى فهو قول
الأخفش.
قوله: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) .
مكة، وقيل، القيامة. وقيل: الجنة، واشتقاقه قيل من العادة.
وقيل: من العود.
قوله: (أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ "مَنْ" منصوب بفعل مضمر، أي: يعلم
من جاء، ويجوز أن يكون رفعا، ويعلم المضمر معلق، ولا يجوز أن يكون جزاه.
قوله: (ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ) .
معينا لهم لما ترى من ضعفك في الحال وقوتهم.(2/875)
الغريب: لا تكن بين ظهرانيهم. وهذا أمر بالهجرة.
قوله: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) .
أي إلا هو والوجه قبله. وقيل: إلا ما أريد به وجهه.
قال:
أسْتَغْفِرُ اللهَ ذَنْباً لسْتُ مُحْصِيَه. . . ربُّ العبادِ إليه الوجهُ والعَمَلُ
الغريب: مجاهد والسدي: كل شيء هالك بالموت إلا العلماء، فإن
علمهم باقٍ.
الضحاك: كل شيء هالك إلا الله والعرش والجنة والنار.
(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)
إلى ثوابه أو عقابه. . . والله خير المجازين.(2/876)
سورة العنكبوت
قوله تعالى: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ) .
الاستفهام يدل على انقطاع الحروف عما بعدها في هذه السورة
وغيرها، (أَحَسِبَ النَّاسُ) ، وبابه يستعمل بعده أن المخففة والمثقلة.
وكذلك المخففة من المثقلة، نحو: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) . ونحوه. (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ) .
وقوله: (أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا)
منصوب المحل واقع موقع مفعوليه.
وقوله: (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا)
منصوب بواسطة الجار، أي بأن ولأن.
الغريب: الزجاج: "أَنْ يَقُولُوا" بدل من أَنْ يُتْرَكُوا، وزيَّفَه أبو علي
في إصلاح الإغفال مع أن لم يكن من الزجاج القول بذلك صريحا.
ومن الغريب: المبرد: (أَنْ يُتْرَكُوا) نصب بحسب، و (أَنْ يَقُولُوا) نصب بـ (أَنْ يُتْرَكُوا) ، والمفعول الثاني محذوف.
قوله: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ) .
أي، في القيامة، فيكون (يَرْجُو) بمعنى يتمنى.(2/877)
الغريب: " لقاء الله" الموت، ومعنى "يرجو" يخاف.
(فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ) الموت، وعلى الأول، (أَجَلَ اللَّهِ) وقت
الجزاء، (لَآتٍ) لا محالة.
قوله: (أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
أي بأحسن أعمالهم.
الغريب: أحسن من الذين كانوا يعملون.
قوله: (مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) .
أي ليس لك به علم، أنه لي شريك.
والعجيب: أبو مسلم "مَا" للمدة، أي مدة ما لم تعلم له شريكاً.
قوله: (وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) .
اللفظ أمر، والمعنى جزاء، أي اتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم.
قوله: (أرسلنا نوحاً) .
الغريب: أنس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنه كانَ أول نبي ".
قوله: (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) ، هذه جملة عمره عند أكثرهم.
ثلاثمائة سنة قبل النبوة، ودعاهم إلى الإيمان ثلاثمائة سنة، وعاش بعد
الطوفان ثلاثمائة وخمسين.
العجيب: كان عمرُة ألفَ سنة، فَوَهب منها خمسين لابنٍ لَه، فذكر
الله ألفَ سنةٍ تنبيها على أن النقيصة كانت من جهته، حكاه الماوردي. وهذا
من الترهات، وإنما ذكر سبحانه ألف سنةٍ تفخيماً وتعظيماً، لأن الألف في
كل شيء كثير، ثم استثنى ليقع الصدق في المدة، وقيل: لأن الرجل إذا(2/878)
قال لي تسعة دراهم احتمل أنه يكون فيها نقص، وإذا قال: لي عشرة
دراهم إلا واحداً لم يحتمل النقص.
قوله: (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) .
هذا خطاب لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وهو اعتراض بين كلام إبراهبم وجواب قومه.
الغريب: كله من كلام إبراهيم لقومِهِ.
قوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) .
الأحسن أن نقف على قوله: (الْخَلْقَ) لأن الإعادة لم يَرَوا بعد.
ومثله، (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) ، والوقف ها هنا رواه بعض القراء، ئم
يبتدىء فيقول: (ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) ، وكذلك يبتدىء ثم يعيده.
قوله: (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) .
قال الفراء: هذا من غوامض العربية، وتقديرهُ، ولا من في السماء بمعجزين في السماء. وأنشد:
فمن يهجو رسول الله منكم. . . ويَمدحُهُ وينصرهُ سواء
أي ومن ينصره. وقيل: وَلَا فِي السَّمَاءِ لو كنتم فيها.
الغريب: بِمُعْجِزِينَ هرباً في الأرض أو فراراً إلى السماء، وقع موقع
إلى.
العجيب: مَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ من في الأرض من الجن والإنس،(2/879)
ولا من في السماء من الملائكة، فكيف تعجزون الله. وفيه بعد، لأن الصلة لا تقوم مقام الموصول.
قوله: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
"مَا" في الآية على وجهين، أحدهما: أنها الكافة، فيكون قوله:
"أَوْثَانًا"، مفعول "اتَّخَذْتُمْ" و (مودةَ) مفعوله الثاني، يكون الذي
يتعدى إلى مفعولين، ويجوز أن تنصب (مودةَ) على أنها مصدر وقع موقع
الحالين، أي متوادين، ويجوز أن تنصب على أنها مفعول له، أي للمودة.
فيكون الذي يتعدى إلى مفعول واحد، وجوز بعضهم أن تكون (مودة)
بدلاً من الأوثان، وكأنه جعل الأوثان المودة على السعة، والثاني: أن تكون
الموصولة، وهي اسم إن، وقوله: (اتَّخَذْتُمْ) صلته، أي اتخذتموه.
فحذف العائد وهو المفعول الأول، و "أَوْثَانًا" المفعول الثاني، ويكون
"اتَّخَذْتُمْ" المتعدي إلى مفعولين لا غير، و "مودةٌ" رفع خبر إن.
وقيل: خبر مبتدأ محذوف، أي هي مودة بينكم.
الغريب: أجاز الفراء أن ترتفع (مودةٌ) بالابتداء "فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" خبره.
"بينكم" مَنْ جَره، جعله اسما، وأضاف إليه (مودةٌ) ، كقوله:
(شهادةُ بينكم) ، ومن نَوَّنَ نصب بينكم على الظرف، و (فِي الْحَيَاةِ)
متعلق بمودة، في الحالين، نص عليه أبو علي في الحجة.
قوله: (مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) .
أي إلى حيث أمرني. وقيل: إلى حيث لا أمنع عن العبادة.(2/880)
الغريب. " مُهَاجِرٌ" من خالفني من قومي تقربا إلى ربي.
قولي: (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا) .
قيل: الثناء الحسن، والولد الصالح.
الغريب: قال بعض المفسرين: هذا دليل على أن الله قد يعطي
الأجر في الدنيا.
العجيب: الماوردي: وهو بقاء ضيافته عند قبره وليس ذلك لغيره من
الأنبياء.
قوله: (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ) .
أي الطرق بالقتل وأخذ المال، وقيل: سبيل الولد بإتيان أدبار الرجال
والنساء، وتعطيل الفروج.
الغريب: وقيل "وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ" باللواطِ بالغرباءِ، حتى
انقطعت الطرق خوفاً منكم.
(وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ)
أي في مجالسكم، ناديته جالسته.
وقيل: كانوا يجامعون في المحافل فعل الحمير. وعن عائشة - رضي الله
عنها -: هو المضارطة. مجاهد: لعب الحمام والصفير والجُلاهِق
والحذف والسؤال في المجلس، ومضغ العلك، وحل أزار القباء. وعن
النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنَّ قومَ لوطٍ كانوا يجلسون في مجالِسهم، وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصى، فإذا مر بهم عابر سبيل حذفوه، فأيهم أصاب كان أولى به، وذلك قوله: ((وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) . وعنه عليه السلام:(2/881)
"إياكم والحذف، فإنه لا ينكىء عدوا ولا يقبل صيداً، ولكن يفقؤ العين
ويكسر السن.
قوله: (هذهِ القريةِ) .
يعني سدوم، ولقربِها قالوا هذه.
قوله: (وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا) .
أي ضاق ذرع لوط بسبب ضيفه، حين خاف عليهم قومه.
(وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ) من تمكنهم منا، ولا لهلاكهم.
(إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ) الكاف مجرور المحل بالإضافة، منصوب في
المعنى، لأنه مفعول، فعطف على معناه "أهلك"، على تقدير وننجي أهلك.
و"الكافا عند الأخفش، منصوب، و (أَهْلَكَ) عطف عليه.
قوله: (آيَةً بَيِّنَةً) .
أي قصتها مثهورة معروفة، وقيل: الآية البينة: الحجارة التي عذبوا
بها، وهي بعد باقه، يراها المارة بها، وكذلك اسوداد مائها.
قوله: (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ) .
هو عطف على قوله: (ولقد أرسلنا نوحاً) ، ولِمواققَةِ قوله:
(فَلبِثَ) ، زاد للفاء في قوله: (فَقَالَ يَا قَوْمِ) دَون غيرِهِ.
قوله: (وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) أي، اعبدوا الله على رجاء ثواب
الآخرة.
الغريب: يونس النحوي: معناه: واخشوا اليومَ الآخر.
قوله: (حاصِباً) .(2/882)
حجارة. وقيل: ريحاً ذاتَ حصْباء.
الغريب: ملكاً رماهم بالحَصْباء.
قوله: (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) .
المحققون: على أن التقدير، مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء لو
كانوا يعلمون كمثل العنكبوت، ليست إنهم لا يعلمون أن بيت العنكبوت
الغريب: عن يزيد بن ميسرة: " أن العنكبوت شيطان مسخَهُ اللْهُ ".
وعن علي رضي الله عنه "طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت، فإن تركه في
البيت يورثُ الفَقر) .
قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) .
ملك، أوجن، أو إنس، أو صنم، وغير ذلك. ومحل "مَا" نصب
بـ "يدعون"، و "يعلم" معلق، ويجوز أن يكون مفعول "يعلم"، والتقدير.
يدعونه، والضمير الذي هو مفعول "يدعون " محذوف، فعلى الأول "مَا"
استفهام، وعلى الثاني، "مَا" هي الموصولة.
قوله: (الصَّلَاةَ) .
هي المفروضة، أي دم على إقامتها.
الغريب: الصلاة: القرآن.
العجيب: ابن بحر: الصَّلَاةَ: الدعاء إلى أمر الله.
قوله: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)
هو مصدر مضاف إلى المفعول، أي ولذكر
الله أكبر من الصلاِة، وقيل: ولذكر الله في الصلاة أكبر من خارج الصلاة.(2/883)
وقيل: ولذكر الله أكبر من سائر أركان الصلاة. وقيل: مضاف إلى الفاعل.
أي ذكر الله سبحانه إياكم أكبر من ذكركم إياهُ.
الغريب: الذكر: القرآن. وقيل: ولذكر الله أكبر من كل العبادات.
العجيب: ولذكر الله أكبر من الفاحشة والمنكر، فيكون الذكر الصلاة
في هذا القول: ضعيف.
قوله: (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ) .
الكاف متصل بأنزلنا، والتقدير، كما أنزلنا الكتاب على من قبلك.
أنزلنا إليك القرآن.
الغريب" متصل بقوله: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .
قوله: (وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) .
نفي، أي: إنك أُمِّي لا تكتب ولا تقرأ من الكتاب.
الغريب: نهي، وحُرِّكَ بالضم نحو مدٌّ. وقرىء في الشواذ "ولا تَخَطَّه بيمينك "، بالفتح على النهي، وعن الشعبي: (ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى كتب " والقول هو الأول، وخص اليمين بالذكر، لأن الكتابة به تكون.
العجيب: المراد باليمين اليد، كما المراد باليد اليمنى في آية السارق
وا لسارقة.
قوله: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ) .(2/884)
أي القرآن آيات، وأعطى هذه الأمة حفظ القرآن، ومن كان قبلهم لا
يقرؤون الكتاب إلا نَظَراً.
الغريب: (بَلْ هُوَ) يعود إلى أمر النبي عليه السلام.
العجيب: يعود إلى كونه يكتب ولا يقرأ من كتاب.
قوله: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا)
كرر، لأن الأول متعلق بالتوحيد، والثاني بالرسالة.
قوله: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا) .
أن مع الاسم، والخبر فاعِلُه.
قوله: (كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا) .
الجار مع المجرور فاعلُه، وقد سبق.
قوله: (آمَنُوا بِالْبَاطِلِ) أي بإبليس. (وكَفروا بِاللهِ) أي أتوا
بضد ما وَجبَ عليهم.
قوله: (مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) .
أي من جميع الجهات الست.
قوله: (أَرْضِي وَاسِعَةٌ) .
فهاجروا فيها وجاهدوا واطلبوا الرزقَ.
الغريب: أرض الجنة واسعة: "فَاعْبُدُونِ" أعطكم.
قوله: (ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) .
أنث "كُلُّ" بالإضافة إلى النفس.
قوله: (نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) .(2/885)
الممدوح محذوف، أي الجنة، أو جزاؤهم.
الغريب: الممدوح هو قوله: (الذينَ صبروا) على حذف
المضاف، كما جاء في قوله: (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ) .
قوله: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا)
ابن عباس: لا يَدَّخِر شيء مما خلق اللهُ إلا الآدمي والنمل والفأرةُ
وأجناسُ العَقْعَقِ. وقيل: لا تحمل رزقَها، لعجزها عن ذلك، بل تأكل
حاجتها.
الغريب: ابن بحر، والنقاش: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ) يريد محمداً - صلى الله عليه وسلم -. وهذا ضعيف، لأن اسم الدابة لا يقع على الآدمي مطلقاً إلا
شتماً. ولعلهما أرادا أن الآية نزلت في النبي - صلى الله عليه وسلم - فَإن سبب نزولها، ما روي عن ابن عمر قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى دخل بعض حيطان الأنصار، فجعل يلتقط التمر ويأكل، فقال: "يا ابن عمر، مالك لا تأكل.
فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله. قال: لكني أشتهيه، وهذا صبح رابعة لم أذقْ طعاماً، ولو شئت لدعوت الله سبحانه فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر.
وكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم، ويضعف
اليقين.
قال: فوالله ما برحنا حتى نزلت: (وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ) ، وقوله: (وَإِيَّاكُمْ) يشعر أن الدابة للعموم، لا للنبي
عليه السلام.
"وَكَأَيِّنْ" مبتدأ، والخبر جملة اسمية، وهي قوله: "اللَّهُ يَرْزُقُهَا" لا يحسن الوقف بينهما. وقوله: "لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا"، هي جملة فعلية، وهي صفة لدابة.(2/886)
قوله: (وَيَقْدِرُ لَهُ) .
"الهاء"، تعود إلى غير مذكور، أي يبسط لمن يشاء، أي ويقدر عليه.
الغريب: يعود إلى من يبسط لمن يشاء ويقدر له ذلك، ويضيق على
من يشاء، ويقدر له ذلك، فاكتفى بذكر أحد الضدين.
قوله: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) .
لا بد من أحد الوجهين، وهو أن تضمر مع المصدر الذي هو الحيوان
مضافاً، فتقول: لهي دار الحيوان، أو تضمر مع الدار، فتقول، وإن حياة
الدار الآخرة لهي الحيوان.
الغريب: الحيوان، الحي، وجعل الدار الآخرة حياً على المبالغة
بالوصف في الحياة.
قوله: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)
جوابه محذوف، أي لرغبوا فيها.
قوله: (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ) .
اللام لام العاقبة، وقيل: لام الأمر على التهديد.
الغريب: لام كي.
قوله: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) .
لنوفقنهم، وقيل لنعصمنهم.
الغريب: فيه تقديم وتأخير، أي، والذين هديناهم سبلنا جاهدوا فينا.
ومن الغريب: لنهدينهم إلى الجنة.
العجيب: أي من يعملون بما يعلمون لنهدينهم إلى ما لا يعلمون.
(وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) - والله أعلم -.(2/887)
سورة الروم
قوله تعالى: (الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) .
هذه إحدى آيات نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لما بلغ كفارَ مكة غلبة
فارس الرومَ، فرحوا وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل
كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من
الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله هذه الآية، فخرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه -، إلى الكفار، وقال: ليظهرن الروم عن قريب.
فقام إليه أبي بن خلف فقال: كذبت، فقال له أبو بكر: أنت أكذب خلق الله يا عدو الله، فراهَنا على عشر قلاص، وجعَلا للأجل ثلاث سنين، فجاء أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ذلك، فقال عليه السلام: " إنما البِضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر وماده في الأجل، وكان ذلك قبل تحريم القمار، فخرِجه أبو بكر فلقي أبَيّا، فقال أبي: لعلك ندمت، قال: لا.
فقال: أزايدك في الخطَر وأمادُّك في الأجل، فجعلا القُلُص مائة من كل واحد
والمدة تسع سنين، فلما أراد أبو بكر الخروج من مكة، آتاه أبي، فقال: أقم
لي كفيلاً، فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر، ثم لما أراد أبي أن يخرج إلى
أحد، أتاه عبد الله بن أبي بكر، فطلب منه - كفيلا، فأعطاه كفيلاً، وخرج إلى(2/889)
أحد، ثم رجع أبيّ فمات بمكة من جراحته التي جرحه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين بارزه، وظهرت الروم عند رأس سبع سنين من مراهنتهم، فقمر أبو بكر.
وأخذ مال الخطَر من ورثة أبيّ، وجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي:
"تصدًق به"
وقرأ الحسن: "غَلَبت الرومُ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون "، ووافقه على ذلك جماعة، فعلى هذا يكون نزوله يوم
غلبت الروم فارس. والمصدر مضاف إلى الفاعل، وعلى الأول مضاف إلى
المفعول، والغلبة والغلب لغات.
الغريب: الفراء: (مِنْ بَعدِ غلبتهم) فحذف الهاء كما حذف من
قوله (وأقام الصلاة) .
طلحة بن مصرف: (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) أي أدانيها من أرض العرب.
وهي الشام.
قوله: (مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) أي من قبل الغلبة وبعد الغلبة، وقيل:
في كل شيء وبعد كل شيء، وهما مبنيان على المضمر، لأن الإضافة
منوية، والظرفية مقدرة.
قوله: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ)
نصب بـ يَفْرَحُ، وقوله: "بِنَصْرِ اللَّهِ" متصل بـ يَفْرَحُ.
الغريب: متصل بقوله: "يَنْصُرُ"، أي يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ بنصر الله.
العجيب: "وَيَوْمَئِذٍ" متصل بقوله: "للهِ"، أي: للهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ
ويومئذٍ، أي قبل الغلبة وبعد الغلبة ويوم الغلبة. ثم استأنف، فقال: (يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ) .
(وَعْدَ اللهِ) .(2/890)
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
نصب على المصدر، ودل قوله: (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)
على وعد، وقيل: دل عليه (يفرح المؤمنون) .
قوله: (فِي أَنْفُسِهِمْ) .
متصل بقوله: (يَتَفَكَّرُوا) ، أي يتفكروا إلى خلق أنفسهم ليخرجوا
من الغفلة، وليعلموا أنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا.
الغريب: "في" بمعنى الباء، أي أولم يتفكروا بأنفسهم وبقلوبهم.
فيعلموا ما خلق الله، فيكون على هذا الوجه كالمعلق، و "مَا" للنفي في
الوجهين.
قوله: (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أي إذا انتَهَيا إليه أفناهما.
الغريب: الأجل المسمى، الوقت الذي عينه لخلقهما قبل خلقهما.
قوله: (وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا) .
هو من العمارة.
الغريب: هو من العمر، أي بقوا فيها.
والعجيب: هو من العُمْرَى أي سكنوا فيها. وعلى هذين الوجهين "في"
مقدز، وبين الضميرين على هذه الأوجه تغاير الأول للسابقين، والثاني
لِلاحِقينِ.
ومن الغريب: الضميران يعودان إلى السابقين، والفعل الأول من
العمارة، والثاني من العُمُر والعُمْرَى، أي عمروها وماتوا وهي عامرة بعد
موتهم.
قوله: (أَنْ كَذَّبُوا) .
أي، لأن كذبوا، وقيل: بأن كذبوا. وقيل: هو أن كذبوا، والكناية
راجعة إلى مصدر "أساؤوا".(2/891)
العجيب: بدل من خبر كان.
قوله: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ) .
ابن عباس: ما ذكر الله الصلوات الخمس جملة إلا في هذه الآية.
وقيل: كلها داخلة إلا العشاء الآخرة فإنها مذكورة في النور في قوله: (ومن
بعدِ صلاةِ العشاء) .
الغريب: قرن سبحان بالإمساء والإصباح، والحمد بالعشي والإظهار.
لأن الأولين مما يرفع الصوت بقراءة القرآن فيهما، وأصل التسيح من رفع
الصوت، والأخريين مما يخافت بالقراءة فيهما، والحمد لا ينبىء عن
الصوت.
قوله: (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) .
إذا كان الأصل هو آدم عليه السلام من تراب، فالكل من التراب.
وقيل: المضاف محذوف، أي خلق أباكم من تراب.
قوله: (ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) كقوله: (وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) .
الغريب: (ثُمَّ) في الآية يدل على تقريب بين كونه تراباً وكونهم بشراً
تَنْتَشِرُونَ، وليس هو للتراخي.
قوله: (خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) .
أي من جنسكم ومثلكم وبعضكم.
قوله: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) يود كل واحد من الزوجين
الآخر ويعطف عليه.(2/892)
الزجاج: المودة: والرحمة بين الزوجين من الله، والفِرْك من
الشيطان. وقيل: هي المصاهرة والمخاتنة.
الغريب: المودة للكبير، والرحمة على الصغير.
العجيب: الحسن: المودة، الجماع، والرحمة، الولد.
قوله: (وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ) .
هو اختلاف اللغات.
وهب: جميع الألسنة اثنان وسبعون لسانا.
والألوان هي البياض والسواد والأدمة والشقرة.
الغريب: اختلاف الألسنة هي النغمات والأصوات، الذي يمتاز صوت
كل واحد من صوت الآخر، واختلافُ الألوان هي اللطائف التي خص الله
سبحانه كل واحد بشيء منها، فامتازَ عن غيره، ولا يقف أحد على كُنْة ذلكَ.
قوله: (مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) .
الجمهور: على أن التقدير مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ بِالنَّهَارِ.
وقالوا: لو اتفق نوم بالنهار وابتغاء فضل بالليل كان نادراً. وذهب جماعة إلى
أن التقدير منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار، فاكتفى
بذكرِ الأول عن الآخر.
قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) .
أي ومن آياته أنه يريكم البرق بها. وقيل: أن يريكم، وكذلك هو في
مصحف ابن مسعود.
الغريب: فيه تقديم وتأخير، أي ويريكم البرق من آياته.
ومن الغريب: يحتمل أن الكلام كاف على قوله: (وَمِنْ آيَاتِهِ) ثم(2/893)
استأنف، فقال: (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) ، كما تقول: عند فلان نعم كبيرة منها
الذهب ومنها الفضة، ومنها الخيل ومنها ومنها، وتسكت، أي في تفصيلها
تطويل.
قوله: (خَوْفًا وَطَمَعًا)
أي خوفاً أن يكون خُلَّباً، وَطَمَعًا أن يكون
ماطراً. قال:
لا يكن برقك برقاً خُلَّباً. . . إنَّ خيرَ البرقِ ما الغيث معه
والعرب تقول: إذا توالت أربعون برقة، مطرت. ومنه قول المتنبي:
وقد أردُ المياهَ بغَير هادٍ. . . سوى عَدِّي لها برقَ الغمام
وذهب جماعة إلى أن نصبهما على المفعول له، وذلك ممتنع في باب
الإعراب لأن من شرط المفعول له إذا كان مصدراً أن يكون فاعله وفاعل
الفعل السابق واحداً، والإراءة في الآية من الله، والخوف والطمع من العباد، والوجه في ذلك أن يقال تقديره إخافة وإطماعاً، ويحتمل أنهما مصدران وقعا موقع الحال من المخاطبين، أي خائفين وطامعين.
قوله: (مِنَ الأرضِ) .
حال من المخاطبينَ، وقيل: صفة لقوله: (دَعْوَةً) .
الغريب: ذهب جماعة من المفسرين إلى أنه متصل بقوله:
(تَخْرُجُونَ) ، أي إذا أنتم تخرجون من الأرضِ، وهذا ممتنع، لأن ما بعد
"إذا" لا يتقدم عليه نص في الآية.(2/894)
المبرد. قوله: (أهوَنُ عليْهِ)
أي أسرع. وقيل: على الخلق. وقيل:
أهون بمعنى هين. وقيل: أهون مما تزعمون. وقيل: أهون مثلاً.
قوله: (وَلَهُ المثلُ الأعلى) . وقيل: أفعل يذكر للمبالغة لا للمشاركة.
قوله: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ) .
حال من المخاطين في قوله: (وأقم وجهك) وجمع كما جمع (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ) .
وقيل: حال من القوم المخاطين.
الغريب: يجوز أن يكون حالاً من الضمير في قوله: (واتقوه) تقدم عليه.
قوله: (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا)
بدل من المشركين.
الغريب: مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا، فحذف الواو.
العجيب: فيه تقديم وتقديره: كل حزب من الذين فرقوا.
قوله: (فَتَمَتَّعُوا) .
أمر نهديدٍ.
الغريب: (فَتَمَتَّعُوا) ماض، وفيه بعد، إلا على من قرأ "يعلمون"
بالياء -، وذلك شاذ.
قوله: (سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ) .
قيل: رسولاً. وقيل: برهاناً فهو مجاز كقول الشاعر:
وَعظتْكَ أحداثٌ صُمُتْ. . . ونَعتك أزمنةٌ خُفُتْ
وأرتك قبرَك في القبو. . . رِ وأنت حي لم تَمُتْ.(2/895)
وقيل: كتاباً فهو كقوله: (كِتَابٌ يَنْطِقُ) .
قوله: (هُم المُضْعِفُون) .
أضعف ها هنا بمعنى التضعيف، أي ضعفوا ثَوابَهم. وقيل: من
المضاعفة.
"في البر والبحر"، أي في الدنيا كلها.
المؤرج: البر، الفيافي، والبحر، الأمصار.
الزجاج: كل بلدٍ فيه ماء جارٍ فهو بحر.
العجيب: البر، النفْس، والبحر القلب. وقيل: البر اللسان، والبحر
القلب، حكاه الماوردي وزيَّفهما.
قوله: (لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ) .
لا يرده الله، وقيل: تقديره يوم من الله لا مرد له.
قوله: (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) .
الزجاج: من قبلَ الإنزال من قبل المطر.
الأخفش: "مِنْ قَبْلِهِ" تأكيد كقولهم: كلهم أجمعون.
المبرد: الثاني للسحاب، لأنهم لما رأوا
السحاب كانوا راجين للمطر.
ابن عيسى: من قبل الإرسال.
الغريب: من قبل النبات، ذكره صاحب النظم قال: ولم يتقدم ذكره.
وكذلك قوله: (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) أي النبات، لأن المطر لا يدل عليه.
ومن الغريب: يحتمل أن يعود إلى الاستبشار، وتقديره من قبل الإنزال
من قبل الاستبشار، ألا ترى أنه قرنه بالإبلاس، ومن عليهم بالمطر
والاستبشار، وهذا الوجه أحسن ما قيل في الآية.
العجيب: يحتمل أن يحمل على الإرسال وعلى الرياح وعلى الإثابة(2/896)
وعلى السحاب وعلى البسط وعلى الكشف، وكذلك ما بعده، لكن الصواب ماسبق.
قوله: (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) .
أي النبات بعد اخضراره.
الغريب: يعود إلى أثر رحمة الله، لأنه ها هنا النبات.
العجيب: يعود إلى السحاب الأصفر لا يمطر.
قوله: (لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ) .
حكم الله، وقيل: علمَه. وقيل: فيما كتب لكم من سابق علمه.
الغريب: في كتاب الله، وهو قوله: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) .
العجيب: قتادة: فيه تقديم، تقديره: أوتوا العلم في كتاب الله
والإيمان - والله أعلم.(2/897)
سورة لقمان
قوله تعالى: (الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) .
أي المتضمن للحكمَةِ.
الغريب: جازَ أن يُقال للكتاب حكيم.
العجيب: فعيل بمعنى المفعلَ، أي الممنوع من البطلان.
قوله: (هُدًى وَرَحْمَةً) .
حالان من الكتاب.
قوله: (لَهْوَ الْحَدِيثِ) .
كليلة ودمنة، وأخبار رستم واسفنديار، وحديث الأكاسرة. وذهب
جماعة إلى أنه الغناء. عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن، وأثمانهن حرام، وفي مثل هذا أنزلت (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) ، وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين على منكبيه يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت ".
وقيل: اللهو، الشرك.
الغريب: ابن جريج: هو الطبل.
العجيب: هو أبو القاسم الكعبي في تفسيره: رخص جماعة من فقهاء(2/899)
المدينة في السماع إذا لم يكن فحثسا ولا كذبا.
قال: ورخص قوم في ضرب العود.
قوله: (وَيَتَّخِذَهَا) مَنْ نَصَت عطفه على (لِيُضِلَّ) ، وَمَنْ رَفَعَة.
عَطَفَة على (يَشْتَرِي) .
قوله: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) صفة للمضل، أي يضل تقليداً وتوهماً أنه على
علم.
قوله: (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا) .
حالان من الضمير في (وَلَّى) .
قوله: (خالدِينَ) ، حال من الضمير في "لهم" والعامل اللام.
قوله: (تَرَونَها) .
يعود إلى السماوات، وقوله: (بغيرِ عمدٍ) حال لها، وقيل: الهاء يعود
إلى العمد.
قوله: (زَوْجٍ كَرِيمٍ) .
أي حسن الشكل والمنظر. وقيل: كريم على العباد لحاجتهم إليه.
قوله: (خَلْقُ اللَّهِ) .
أي مخلوقه.
قوله: (فَأَرُونِي) من رؤية العينِ. (مَاذَا خَلَقَ) المفعول الثاني.
قوله: (لقمان) .
كان حكيماً، عكرمة والشعبي قالا: كان نبياً.
الغريب: مجاهد: كان عبداً أسود عظيم الشفتين، مشقق القدمين.
الفراء: كان حبشياً مجدوع الأنف ذا مشفر.(2/900)
العجيب: كان قد تلمذَ لألف نبي، وتلمذ له ألف نبي.
قوله: (أن أشكر لِلهِ) .
"أنْ" هي المفسرة، أي قلنا له أشكر للُه.
الغريب: الزجاج: لأن يشكر لله.
قوله: (لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) ، مع الله.
الغريب: (بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ) قسم.
قوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) .
اعتراض من كلام لقمان لابنه، وهي نزلت في سعد بن أبي وقاص
رضي الله عنه.
الغريب: تقديره: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ونحن وصينا الإنسان بوالديه
حسناً وأمرناه أن لا يطيعهما في الشرك.
قوله: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) بعد قوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ) محمول على أن الإنسان مأمور بالإحسان إليهما والشكر لهما.
الغريب: أراد بالوالدين الأب ومن أفادك علماً، فقد قيل: الأب أبوان.
أبو نسب وأبو أدب.
قوله: (أَنَابَ إِلَيَّ) .
متصل بأناب عند الجمهور.
الغريب: (أَنَابَ" كافٍ كقوله: (خَرَّ راكعاً وأَنَابَ) ثم قال على وجه
التهديد (إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) أي: في مرجعكم بالموت ثم إلى مرجعكم
بالبعث.(2/901)
قوله: (فِي صَخْرَةٍ) .
وهي الصخرة التي عليها الأرض مهاداً والجبال أوتاداً.
قوله: (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) أي بجوابها.
الغريب: أراد "بها" الرزق.
قوله: (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) .
أي على المستمع.
الغريب: أي من أنكر الأصوات، فحذف من، والحمير اسم للجمع.
ولهذا قال: (صَوْتُ) فأفرد، وقيل: الصوت وقع موقع الأصوات.
العجيب: لصوت الحمير هي العطسة المنكرة، حكاه أقضى القضاة.
والحمير: فعيل من حَمارَّة القيظ، وهي شدته، وطعنة حمراء، شديدة.
والحمار لشدته سمي حماراً، وجاء في الخبر، أن النبي عليه السلام كان إذا
عطس غطى وجهه بيده أو ثوبه، غض بها صوته.
قوله: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) .
يعني يمده يزيد فيه من بعد نفاد ما فيه.
الغريب: يمده يجعله مداداً من قوله: (لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا) .
العجيب: قال أبو عبيدة: البحر ها هنا ماء العذب، لأن الملح لا
ينبت الأقلام. قال القفال: قول أبي عبيدة يوجب أنه يجعل المعنى، والبحر
يمده من بعده سبعة أبحر فأنبت أقلاماً.
قلت: قول أبي عبيدة ضعيف، لأن الله سبحانه أراد التكثير، وليس فيما ذكر أبو عبيدة كثير مبالغة، وعُذر القفالِ عنه حسن كأنَّه يجعل هذه الآية مشتملةً على ذكر الأقلام فحسب، كما أن ما(2/902)
في الكهف في المداد فحسب اكتفاء بذكر أحدهما عن الآخر كما اكتفى بذكر
الأقلام والمداد عن ذكر ما يكتب عليه، وعن ذكر الكتبة لأن تقدير الآية لو
جعلت الأشجار أقلاما والبحار مدادا والسموات والأرض قرطاسا والأنس
والجن والملائكة كتبة ثم كتبوا منها عليها، ما نفِدت كلمات اللُه، ومعنى
قوله: (أقلام) أي بريت أقلاماً.
قال الشيخ الإمام: ويحتمل ولو أن ما في الأرض من شجرة شجرة أقلام فبريت أقلاما.
(سبعة أبحر) يريد به الكثرة، لا سبع العدد، وقوله في الكهف "ولو جئنا بمثله مددا) ، أي بأمثاله، يوافق هذه الآية، ومثل قد يقع للجمع، كقوله: (إنكم إذاً مِثلُهم) أي أمثالهم من نصب البحر عطفه على "مَا" ومن رفعه جعله مبتدأ "يمده" خبره، والتقدير، والبحر هذه حاله.
قوله: (كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ) .
أي كخلق نفس واحدة وبعثها.
قوله: (بنعمة الله) .
حال، أي منعماً بها عليكم.
الغريب: بنعمة الله، أي بالريح، لأن الريح من نعم الله.
قوله: (صَبَّارٍ شَكُورٍ)
أي صبار ما دام فيها، شكور إذا خرج، وقيل: صبار شكور أي مسلم.
لقوله: "الإيمان نصفان، نصف صبر، ونصف شكر".
قوله: (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) .
أي مقيم على عبادةِ الله، ومنهم جاحد فحذف لأن قوله: (وَمَا يَجْحَدُ) يدل عليه، وقيل: (فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) ، ذم، ومعناه جاحد.(2/903)
قوله: (وَاخْشَوْا يَوْمًا) .
مفعول به ولا يجري "أي" فيه. -
قوله: (وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ) .
"مَوْلُودٌ" رفع بالعطف على الوالد. "هو" مبتدأ، "جَازٍ "، خبره، والجملة صفة لمولود.
الغريب: يجوز أن يعلق عن الثانية بقوله: (يَجْزِي) كما يتعلق عن
الأولى به، فيبقى "هُوَ جَازٍ" صفة لمولود، أي ولا مولود هذه صفته في
الدنيا، أي كان يحفظ ويذب عنه.
قوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) .
عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " مفاتيحُ الغيب خمس - يريد ما في الآية - "فمَن ادَّعى علمَ شي، من هذه الخمسةِ فهو كافر.
قوله: (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) عطف على خبرإ إن ".
الغريب: عطف على الساعة بإضمار "إن"، أي علم الساعة وإنزال
الغيث.
قوله: (مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) إن جعلته مفرداً منصوب بـ (تكسب) ، وإن
جعلته جملة فمحلها نصب بـ "تدري".
قوله: (بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) في حَضرٍ أو سفرٍ، برٍ وبحرٍ، وقيل: بأي
قدم لأن كلَّ قدم يقع علَى أرض غير الأولى في المشي.
الغريب: بأي قدم من الشقاوة أو السعادة.
اللهم اجعلنا من السعداء برحمتك وفضلك.(2/904)
سورة السجدة
قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) .
"أَمْ" هي المنقطعة، أي بل أيقولون. وقيل: هي متصلة وتقديره.
أيصدقون، أم يقولون افتراه.
الغريب - "أَمْ" بمعنى الواو وجميع حروف العطف قد تقوم مقام الواو.
قوله: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ) .
قيل: "يُدَبِّرُ" بمعنى يوصل فيكون "مِن" لابَتداء الغاية و "إِلَى" للانتهاء.
وقيل: يدبر بمعنى يقضي، ومن بمعنى في، وإلى متعلق بمضمر، أي فيرسله
إلى الأرض، وقيل: معناه أقام لذلك مدبرات في السماء إلى الأرض، وهم
الملائكة، لقوله سبحانه: (فالمدبرات أمراً) ، فيمن حمله عليهم.
قوله: (ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) .
قوله: (إِلَيْهِ) يعود إلى السماء، ولفظ السماء مذكر، وقيل: يعود إلى
الله سبحانه، كقوله: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) ، وفاعل يعرج في الظاهر الأمر، وقيل: الملك.
قوله: "فِي يَوْمٍ" متعلق بالعروج.
الغريب: متعلق بقوله: (فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، أي مقدار كل يوم ألف سنة.
ومن الغريب: ظرف لقوله: "يدبر".(2/905)
العجيب: صاحب النظم: يدبر الأمر من السماء، يعني الشمس طلوعا
إلى الأرض غروبا، ثم ترجع إلى موضعها من حيث طلعت، ومعنى ألف سنة
أي للسائر المجدِّ، لأن مسيرها من المشرق إلى المغرب خمسمائة سنة.
ومثله من المغرب إلى المشرق.
قوله: (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) .
أي أحسن خَلْقَ كل شي، فهو بدل.
الغريب: أحسن بمعنى عَلِم من قولهم هو يحسن كذا أي يعلمه.
العجيب: معناه أعطى كل شيء خلْقه، ومن قرأ خلَقه بفتح اللام.
فهي جملة في محل جر صفة لشيء.
قوله: (مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ) .
"مِنْ مَاءٍ" بدل من "سلالة".
الغريب: السلالة منتزعة من ماء.
قوله: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ) .
جواب "لَوْ" محذوف أي لرأيت أمراً عظيماً، وقوله: "رَبَّنَا" متصل بمضمر
أي يقولون رَبَّنَا والجملة حال.
قود: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) .
بدل من القول. قال الحسن: لو آمن إلا واحد لَملأها اللهُ من ذلك
الواحد.
قوله: (إِنَّا نَسِينَاكُمْ) .
تركناكم فيها كما تركتم لقاء يومكم هذا، وقيل: جازيناكم على
سيئاتكم.
قوله: (خَوْفًا وَطَمَعًا) .(2/906)
نصب على المفعول له، وقيل: حال، أي خائفين طامعين.
الغريب: مصدران، أي يخافون خوفاً ويطمعون طمعاً.
قوله: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ) .
"مَا" بمعنى أي ومحله رفع بالابتداء فيمن قرأ "أُخْفِيَ" بفتح الياء.
ونصب فيمن سكن، والجملتان متعلقان بقوله: "تَعْلَمُ"، والعلم معلق.
هذا اختيار أبى علي.
الغريب: "مًا" بمعنى الذي، وهو مفعول تعلم.
قوله: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا) . علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا) الوليد بن عقبة.
قوله: (لَا يَسْتَوُونَ) جمعَ لاطرادِ الحكم في المؤمنين والفاسقين.
قوله: (مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ) .
العذاب الأدنى: ما ابتُلُوا به من القتل والسبي والجدب والمرض.
وقيل: الحدود، وقيل، يوم بدر.
الغريب: الحسن، من العذاب الأدنى: الشدائد، دون العذاب
الأكبر، الاستئصال، فإنه يكون في هذه الأمة.
العجيب: النقاش، العذاب الأدنى، غلاء الأسعار، والعذاب الأكبر
خروج المهدي.(2/907)
ومن الغريب: العذاب الأدنى عذاب القبر، وهو في هذه الآية بعيد
لقوله: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) . فإن الرجوع إلى الإيمان بعد الموت غير مقبول.
قوله: (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) .
من لقائك موسى، فإن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رأيت ليلة أسري بني موسى بن عمران رجلًا آدم طويلاً جعدا كأنَّه من رجال شنوة ".
وقيل: من لقائه إياك. وقيل: من لقاء موسى الكتاب.
العجيب: قول صاحب النظم، هذا اعتراض، وهو متصل بما قبله.
والتقدير ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى، وقوله: (فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ) متصل بقوله: (هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ) فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ.
ومن الغريب: لقد أتينا موسى الكتاب ولقي من قومه شدائد، فلا تكن
في شك من لقاء مثله من قومك.
قوله: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا) .
فاعل يهد أهلكنا، ودل عليه فعله.
الغريب: فاعله الله بدليل قراءة يعقوب "نَهدِ) بالنون، وكم نصب
بأهلكنا ولا ترتفع بالفعل ألبتة، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله.
قوله: (إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) .
اسم أرض بعينهِ. وقيل: هي اليمن.
قوله: (فَنُخْرِجُ بِهِ) أي بالماء. قال الشيخ: ويحتمل بالمكان.
والله أعلم.(2/908)
سورة الأحزاب
قوله تعالى: (اتَّقِ اللَّهَ) .
أي دم على التقوى، وقيل: اتقِ الله وحده. وقيل: الخطاب للنبي -
عليه السلام -، والمراد به أمته، وبهذا ختم بقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) .
قوله: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) .
نزلت في جميل بن معمر الفهري، وكان رجلاً حفظة، فقالت
قرسى: ما حفظ جميل هذه الأخبار إلا وله قلبان، فكان هو يقول: إن لي
قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما كان يوم بدر.
وهزم المشركون وفيهم جميل بن معمر تلقاه أبو سفيان وإحدى نعليه بيده.
والأخرى في رجله، فقال يا أبا معمر ما حال الناس) : قال: انهزموا.
قال: فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك، فقال: ما
شعرت إلا أنهما في رجلي. فعرفوا أن لو كان له قلبان ما نسي نعله في يده.
الغريب: زعم بعضهم أن لمحمد عليه السلام قلبين، ولهذا علم ما
لم يعلم غيره، يقصدون بهذا الكلام شكيك الضعفة في نبوته ويوهمونهم(2/909)
أنه إنما أتى بما عجز عنه غيره، لأن له قلبين، فكذبهم الله، فقال: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) .
العجيب: ذهب جماعة من المفسرين إلى أن هذا نهي عن تسمية زيد
ابن رسول اللُه، فإن المولود إذا استقرت النطفة الداخلة عليه بالوطء
الثاني، فلا يكون لرجل قلبان ولا أبوان ولا أمان، فاتصل بآية الظهار من
هذا الوجه. حكاه القفال.
وقال حكى الشافعي هذا التأويل عن بعض
المفسرين وهو قول الزهري ومقاتل.
قوله: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
أي منزلات منزلة الأمهات. وفي مصحف أبي: وهو لهم أب.
وروي أن عمر أمر بغلام وهو يقرأ وهو لهم أب، فقال للغلام: حكَّه من
المصحف. فقال: هو مصحف أبي، فقال: ما هذا يا أبي، قال: كنت
أشد منك اشتغالاً بالقرآن، وقرأ ابن عباس كذلك أيضاً.
قوله: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ) المؤمنون في الآية الأنصار.
وكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فيكون من للتقضيل.
الغريب: فيه تقديم وتأخير، أي وأولو الأرحام من المهاجربن
والمؤمنين بعضهم أولى ببعض ممن لم يؤمن ولم يهاجر، فتكون من
للتبيين.
العجيب: "مِن" صلة.
قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ) .
الزجاج: واذكر.
الغريب: القفال: مسطوراً إذ أخذنا، أي حين أخذنا.(2/910)
قوله: (لِيَسْأَلَ)
" اللام" متصل بأخذنا، والمعنى عما قالوا لقومهم، والسؤال توبيخ
لمن كذبهم، ومثل (يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ) ، قال الشيخ
الإمام الغريب: يحتمل أن الصدق بمعنى التصديق، أي عن تصديق قومهم
إياهم، كما في الآية، فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ.
العجيب: ليس سؤالا وإنما هو عبارة عن محاسبة الصادق والكاذب.
قوله: (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) .
الرئة تنتفخ عند الخوف فيرتفع القلب حتى يكاد يبلغ الحنجرة، وهذا
مجاز أبلغ من الحقيقة.
قوله: (مَا وَعَدَنَا) .
وذلك أن النبي - عليه السلام - حين أمر بحفرِ الخندق، عرضت
صخرة شقت على من كان يليها، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل إلى الخندق وأخذ معولًا من سلمان، فضرب تلك الصخرة ثلاث ضربات، فخرج
مع كل ضربة كهيئة البرق، فقال سلمان، لقد رأيت أمراً عظيماً. فقال -
عليه السلام -: " لقد رأيت في الضربة الأولى أبيض المدائن، وفي
الثانية قصور اليمن، وفي الثالثة مدائن الروم، وليفتحن الله هذه على
أمتي ".
فلما حصرهم الأحزاب واشتد عليهم المجال، قال مُعَتِّب بن
قشير، يعدنا أن يفتح علينا قصور الروم وفارس واليمن ولا يستطيع أحدنا
أن يذهب إلى الخلاء، مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا. فأنزل الله (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ) . الآية.(2/911)
قوله: (يَا أَهْلَ يَثْرِبَ) .
هي المدينة، وقيل: أرض، والمدينة في ناحية منها. وروي عن
البراء، أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله، هي طابة " ثلاث مرات.
قوله: (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ) أي غير حَصينةٍ. تقول عَوِرَ المكان يَعْور
عوراً صار عورة، والعورة: ما كرِهَ انكشافُهُ.
قوله: (وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ) أي هي حصينة.
الغريب: القفال، لأن الله يحفظها.
قوله: (وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا) .
أي بالمدينة، وقيل: بالبيوت.
الغريب: بالإجابة إلا يسيرا، نصب على الظرف، أي زماناً. وقيل:
صفة مصدر أي تلبثاً يسيراً، وكذلك ما بعده، (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) .
قوله: (عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ) .
يعني يوم أحد، حين فشلوا ثم تابوا. وقوله (لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ)
محمول على اليمين، وعاهدوا يدل عليه.
قوله: (مَسْئُولًا) أي مَسْئُولًا عنه. وقيل: (مَسْئُولًا) ، مطلوباً.
قوله: (أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً) .
المفسرين أجروه على ما قبله، والأحسن قطعه عما قبله، لأن(2/912)
العصمة تستعمل لدفع المكروه، والرحمة هي النعمة من الله في الدنيا
والأخرة، فالأحسن أن يقال: تقديره أو أراد بكم رحمة فمن يحرمكم ذلك.
قوله: (وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا) .
قيل: متصل بكلام القائلين لإخوانهم، أي أصحاب محمد - عليه
السلام -، لا يقاومون الأحزابَ.
الغريب: استئناف من الله سبحانه، أن يعرفون البأس ويتخلفون
بأنفسهم.
قوله: (إِلَّا قَلِيلًا) أي إتياناً وزماناً.
الغريب: أراد الا قليل، فنصب على أصل الاستثناء، كقراءة ابن
عامر، (مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلاً) .
قوله: (أَشِحَّةً) .
حال من المعوقين، وقيل: من القائلين. وقيل: من الضميرفي "لا
ياتون" ويجوز أن يكون وصفاً للقليل إذا حملته على الاستثناء من القوم.
وقيل: ذم، كقوله: (حمالة الحطب" فيمن نصب قوله: (تدور
أعينهم "، حال من الضمير في ينظرون، وينظرون حال من رأيتهم
كالذي، أي دوراناً كدوران عن الذي يغشى عليه.
الغريب: في مصحف أبي "كدورانِ الذي يُغْشَى عَلَيْهِ.
قوله: (سَلَقُوكُمْ) جَادَلوكم وطعنوا فيكم خلاف الحالة الأولى، من
قولك خطيب مِسْلَق وسَلأق.
قوله: (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) كرر، لأن الأول مطلق، والثاني مقيد
بالخير.(2/913)
قوله: (فِي الْأَعْرَابِ) .
خبر بعد خبر، أي لو أنهم في الأعراب. ويجوز أن يكون التقدير في
جملة الأعراب.
قوله: (يَسْأَلُونَ) حال من الضمير في الخبر.
الغريب: يَسْأَلُونَ عن أنبائكم يعود إلى قوم لم يحضروا الخندق وكانوا
يسألون عن أنباء العسكر متوقعين غلبة المشركين، فعلى هذا يحتمل أن
يكون حالاً من الأعراب، أي بادون في الأعراب الذين يسألون عن أنبائكم.
قوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) .
هذا عتاب، وقيل: أمر بالإتساء، وقيل: مدح للمؤمنين.
قوله: (لِمَنْ كَانَ) بدل من قوله: (لَكُمْ) وفيه بعد، لأنه لا يجوز البدل من ضمير المخاطب، والأظهر أنه صفة الأسوة، أي أسوة حسنة
ثابتة، لمن كان يرجو الله.
قوله: (وما زادَهم) .
فاعله مضمر يعود إلى ما رأوا، أي زادهم ما رأوا. وقيل: نظرهم.
وقيل: مجيئهم، وقيل: ما نزل بهم من الشدائد، وقيل: اجتماع الأحزاب
عليهم.
قوله: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ) .
اللام متصل بقوله: "عاهدوا"، وقيل بقوله "وعدنا" وقيل وما بدلوا.
الغريب: ابتلى المؤمنون ليجزي الله الصادقين بصدقهم، أي على
صدقهم. وقيل: بسبب صدقهم.
قوله: (لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا) ، مالاً.(2/914)
الغريب: ظَفَراً، وسماه (خَيْرًا) بزعمهم.
ومن الغريب: عن عائشة قالت: (خرجت يوم الأحزاب أستروح
الأخبار، فإذا أنا برجل يقول:
لبّث قليلاً يلحق الهيجا حَمَل.
فإذا أسيد بن حضير وإذا امرأة تسوق بعيراً، فقلت: ما الخبر.
فقالت: رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، ورسول الله سالم لم
يمت.
فأنزل الله - عز وجل - على لسانها الآية، تريد موافقة للسانها، فإن
الآية نزلت بعد هذا الكلام منها.
قوله: (ضِعْفَيْنِ) .
أي ضعفي عذاب غيرهن تعظيماً، كما جعل حَدُّ الحر ضعفي حد
المملوك - وقيل، جعلَ العذاب ضعفين كما جعل الأجر مرتين.
العجيب: أبو عبيدة: (ضِعْفَيْنِ) ثلاثة أعذبة، وأنكره الزجاج
وقطرب وكيرهما من المفسرين، وقالوا: ضعف الشيء مثله، ولا يعطى
على الطاعة أجرين وعلى الححصية ثلانة أعذبة.
قال الشيخ الإمام: الغريب، يحتمل أن أبا عيدة لم يقل ثلاثة أعذبة
من حيث رُدَّ عليه، لأن ذلك في غاية البعد، فإن الضعف الواحد حينئذٍ ينبي
عن واحدٍ ونصف ضرورةً، وهذا لا يقوله أحد، ولكن وجه كلام أبي عبيدة
أنه نظر إلى قوله (يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ) والدرهم إذا ضاعفته مرة صار(2/915)
درهمين وإذا ضاعفته مرتين صار ثلاثة دراهم، فصار معنى الآية بزعمه يجعل
لها العذاب ومثليه.
وما يحكى عن بعض الفقهاء: إن الرجل إذا قال
أوصيت لزيد بضعف نصيب عمرو، ونصيب عمرو درهم، يلزمه درهمان.
ثم إن قال: بضعفي نصيب عمرو، قال: يلزمه ثلاثة دراهم، استدلالاً
بقول أبي عبيدة، فلا وجه له في العربية، لأن أبا عبيدة ذهب إلى ذلك
لوجود لفظ التضعيف، ولأن النصيب الذي لعمرو لا يدفع إلى زيد فيصير مع الضعفين ثلاثة كما قال في الآية - والله أعلم -.
قوله: (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) .
قيل: متصل بالأول، أي "لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ" بشرط الاتقاء.
وقيل: إن الكلام تم على قوله: "مِنَ النِّسَاءِ"، ثم قال: (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) ، فهو شرط جزاؤه فلا تخضعن بالقول.
قوله: (وَقَرْنً) .
من كسر، فله وجهان، أحدهما: أنه أمر من وقر يقِر. والثاني: أنه
من قر بالمكان يَقِر. ومن فتح جعله من قَر بالمكان يَقَر، وهو أقل من
الفتح.
قوله: (أَهْلَ الْبَيْتِ) نداء. الزجاج: مدح.
قوله: (مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) .
أي القرآن، والجمهور على أن الحكمة، السنن، قال أبو علي:
التلاوة لا تستعمل إلا في قراءة كتاب الله، فيصير من باب قوله:
. . . . . . . . . . . . . . . .. متقلداً سيفا ورمحاً(2/916)
أي ما يتلى من آيات الله، ويذكر من الحكمة.
قوله: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ) .
مقاتل: إن أسماء بنت عُميس، قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن النساء في خيبةِ لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال. فأنزل اللهُ هذه الآية.
قوله: (وَالْحَافِظَاتِ)
المفعول محذوف دل عليه الأول، وتقديره
والحافظات فروجهن، وكذلك والذاكرات أي الله كثيراً.
قوله: (أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) .
جمع على المعنى، لما كان للعموم. قال أبو علي: دلت هذه الآية
على ان "مَا" في قوله: (مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) للنفي، ودل قوله: (مَا كَانَ)
على أن" الياء" ها هنا حسن.
(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ) .
محله جر، صفة لقوله: (الَّذِينَ خَلَوْا) ، وكان مقدراً في الآية.
الذين كانوا يبلغون، فحذف لأن خلوا يدل عليه.
الغريب: القفال: الذين يبلغون، صفة للنبي عليه السلام، في قوله
"على النبي" بلفظ العموم، فلا يحتاج إلى إضمار كان.
قوله: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ) .
أي من رجالكم البالغين، وليس المراد به الذكور، فإنه كان عليه
السلام أباً للقاسم والطيب والطاهر وإبراهيم.
قوله: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ)
أفاد دخول لكن أنه ليس بأبي أحد بل هو
أبو الجميع، ويقويه وهو "لهم أب"، وأفاد أيضاً أنه خاتم النبيين، ولو(2/917)
كان له ابن كبير لاقتضى بمنصبه عليه السلام أن يكون الابن نبيا، فلم يكن حينئذٍ خاتم النبيين.
قوله: (وَخَاتَمَ)
هو اسم الفاعل، أي ختمهم، ويجوز ان يكون
الفتح والكسر لغتان، كطابق ودانق، فيكون اسماً لا فاعلًا.
قوله: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ) .
أي يرحمكم الله وتستغفر لكم الملائكة بأمره، مثل قوله: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) .
الغريب: لما نزل قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ)
قال أبو بكر: ما أعطاك الله من خيرٍ إلا أشركتنا فيه. فنزلت (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ) .
فيكون هذه في النزول متأخرة عنها، وفي التلاوة
متقدمة، وقد مضى مثله في البقرة.
العجيب: فيه تقديم وتأخير، تقديره ويسبحوه بكرة وأصيلا ليخرجكم
من الظلمات إلى النور هو الذي يصلي عليكم وملائكته وكان بالمؤمنين
رحيما.
قوله: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ) .
مصدر مضاف إلى المفعول، أي ان يحيهم أدثه أو الملائكة.
وقيل: مضاف إلى الفاعل، أي تحية بعضهم بعضاًا لسلام.
قوله: (وَسِرَاجًا مُنِيرًا) .
صفة للنبي أيضاً، أي ضياء ودالاً لمن اهتدى، وقيل: سراجاً منيراً
هو القرآن على تقدير وتالياً سراجاً. وقيل: ذا سراج منيرٍ.
قوله: (وَدَعْ أَذَاهُمْ) .(2/918)
أي إيذاءهم، وهو عند الجمهور، ومضاف إلى الفاعل، أي لا تخف
من إيذائهم إياك، وتوكل على الله.
الحسن: دع إيذاءك إياك. قال: ومثله، (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) . وهي مكية فتكون منسوخة.
الغريب: معناه تحمل عنهم، فيكون مضافاً إلى الفاعل أيضاً.
قوله: (تَعْتَدُّونَهَا) .
أي تتوفونها، تقول عده واعتده، وكاله واكتاله، وزانه وازدانه.
الغريب: هوس عند الشيء واعنده أي أحصاه، ومنه اعتدت المرأة.
و (سناده في هذه الآية إلى الرجال لبيان أن العدة حق الزوج واستبراء للرحم.
العجيب: عن بعض أصحاب ابن كثير (تَعْتَدُّونَهَا) بالتخفيف.
قال أبو علي: لا وجه في التخفيف في تشدونها وتردونها من الله والرد.
وليس كل المضاعف يبدل، إنما يبدل فيما يسمع قال: وإن شئت قلت جاء
في التنزيل في هذا النحو الأمران (فَلْيُمْلِلْ) ، وقال: (فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً8) . قال: وه (ن ثثت جعلت افتعل من عدوت الشيء إذا جاوزته أي
مالكم عليهن من وقت عدة فلزمكم أن تجاوزوا عدده فلا تنبهحوا أختها ولا
أربعايواها حتى تنقضي العدة.
قوله: (وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ) .
هي صفية بنت حيي، وجويرية بنت الحارث، أعتقها وتزوجها
ومارية القبطة أهداها ملك إسكندرية، وما كان يصطفيه من الغنائم من
الجواري.(2/919)
(وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ)
أولاد عبد المطلب، (وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ)
أولاد عبد مناف بن زهرة. ووحد العم والخال، وجمع
العمات والخالات، لأن بني العم والخال كثر دورها في الكلام، فحسن
المجاز وعرف ولم يكثر دورها مع العمة والخالة فجاءت على الأصل.
المبرد: الواحد الذي يقوم مقام الجمع لا يكون إلا مذكرا نحو (إن
الإنسانَ لفي خُسرٍ) ، (يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا) ، (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا) ، ولم يأت مثل ذلك في المؤنث.
قوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ)
تم الكلام على قوله: (هَاجَرْنَ مَعَكَ) ثم قال (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) أحللنا له، فيكون بمعنى المستقبل والشرط لا يكون في الماضي ألبتة، وقرىء في الشواذ أن وهبت - بالفتح -. وقرىء أيضاً (وهبت) من غير "أن" ويكون عطفا على
الأول في امرأة بعينها. قالت عائشة: هي خولة، وقيل: ميمونة. وقيل:
زينب أم المساكين، امرأة من الأنصار، وقيل: أم شريك بنت الحارث.
الغريب: ابن عباس ومجاهد: لم يكن عنده امرأة وهبت نفسها له.
قوله: (خَالِصَةً لَكَ)
أي لا تحل لأحد أن يتزوجها في حياتك وبعد وفاتك.
وقيل: يرجع إلى جميع ما في الآية أي هذا الإكثار من النكاح
خالصة لك. وقيل: هو أن يتزوجها من غير مهر. وقيل: أراد نكاحها بلفظ الهبة، وليس ذلك لغيرك، أراد النكاح بغير ولي ولاشهود.
وقوله: خالصة(2/920)
لك وخاصة مصدران يستوي فيهما المذكر والمؤنث، كالخاطبة والكاذبة
واللاغية.
قوله: (لِكَيْلَا يَكُونَ)
متصل بما قبله، أي قد خصصناك في النكاح
بأشياء، لكيلا يكون عليك حرج.
قوله: (لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ) ، الآية.
الجمهور على أنها محكمة.
الغريب - منسوخة بالآية التي قبلها وهي (تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ) ، وهذه سابقة في التلاوة متأخرِة في النزول.
وقد سبق في السورة نظيرها. ومثلها في البقرة (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ) .
وإلى هذا القول ذهبت عائشة وقالت: ما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحلت له النساء. وعن أم سلمة: لم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل الله له أن يتزوج من يشاء.
قوله: (إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) .
(غَيْرَ نَاظِرِينَ) نصبه على الحال، وذو الحال الضمير في "لكم".
وقوله: (وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ)
عطف على الحال ومحله نصب، وأجاز الفراء
أن يكون محله جراً عطفا على "ناظرين"، وقول من قال نصب بقوله: (لَا تَدْخُلُوا) أي لا تدخلوا مُسْتَأْنِسِينَ مدفوع بقوله: (ولا) ، وقراءةُ ابن أبي
عبلة "غيرِ" بالجر، بعيد، لأنه يستدعي إبراز الضمير فيقال أنتم، ولم
يبرز في الآية.(2/921)
الغريب: قرىء بين يدي إسماعيل بن حكيم هذه الآية فقال: هذا
أدب الله به الثقلاء.
وعن الحسن والسدي قالا: ذكر الله الثقلاء في القرآن فقال: (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) .
وعن عائشة قالت: حسيبك في الثقلاء
أن الله سبحانه لم يحتملهم حتى أنزل الله فيهم فقال: (فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) .
قوله: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا)
قيل: صحف القرآن، وقيل: أداة وآلة طعام، (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) يريد نساء النبي، وهذه آية الحجاب، ولم يتقدم ذكرهن في الآية، ودلت عليهن البيوت، أي لا تدخلوا بيوت النبي وفيها النساء.
العجيب: البيوت ها هنا النساء، كما قال:
ما لي إِذا أَنْزِعُها صَأَيْتُ. . . أَكِبَرٌ غَيَّرني أَم بَيْتُ
ولفظ (ادخلوا) يدفعه قول (لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ) ، بيَّنَ في هذه الآية
من جاز لهن أن لا يحتجبن عنه.
قوله: (وَلَا نِسَائِهِنَّ) .
أي المؤمنات، فإن عليهن الاحتجاب عن الكوافر والكتابيات، ولم
يذكر في الآية الأعمام والأخوال لمكان بنتهم، ولم يذكر البعولة لأن
الاحتجاب لأجلهم.
قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) .
قال أبو على: ليس في قوله: (يُصَلُّونَ) ضمير الله - سبحانه - لأن
الله لا يضمر مع غيره كما سبق في قوله: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ)(2/922)
وتقديره: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ) ، هم وهو.
وقيل: تقديره: إن الله يصلي وملائكته تصلي.
المبرد: لو كان كذلك لجاز "وملائكتُه" بالرفع، فصح أن الوجه ما قاله أبو علي.
الغريب: ذهب بعض المفسرين إلى أنه إذا صلى عليه المؤمن مرة
فقد امتثل وأدى الغرض، والجمهور على أنه يجب عليه أن يصلي كلما
ذكره، أو ذكر بين يديه، لما روي أن النبي عليه السلام قال: " إن الله وكل
بي ملكين، فلا اذكر عند عبد مسلم فيصلي عليَّ، إلا قال ذلك الملكان غفر
الله لك، وقال الله عز وجل وملائكته لذينك الملكين آمين، ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي عليَّ، إلا قال ذانك الملكان: لا غفر الله لك، وقال الله وملائكته لذينك الملكين: آمين ".
قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .
أي أولياء الله، وقيل ذكر الله تعظيم، والمعنى يؤذون رسول الله.
وقيل: يؤذون الله يعصون.
الغريب: ذهب جماعة إلى أنهم أصحاب التصاوير.
قوله: (مَلْعُونِينَ) .
ذهب الزجاج وعلي بن عيسى في جماعة: أنه نصب على الحال
من الضمير في قوله، (لَا يُجَاوِرُونَكَ) وفي هذا نظر لأن ما قبل "إلا"
لا يعمل فيما بعده ولعلهم يجعلونه في النية مقدماً على ما يأتي أمثاله في
القرآن من التقديم والتأخير.
وقيل: نصب على الذم، وأجاز بعض المفسرين أن يتصل بما بعده وهو خطأ، لأن الشرط لا يقدم على ما بعده، ونص الزجاج على امتناعه.(2/923)
الغريب: الأصل في قوله (إِلَّا قَلِيلًا)
الرفع لأنه استثناء من نفي، لكنه نصب على أصل الاستثناء كقراءة ابن عامر (إِلَّا قَلِيلًا) ، و (مَلْعُونِينَ) صفة لهم.
قوله: (تَكُونُ قَرِيبًا) .
نصب على الظرف، ويجوز نصبه بخبر كان، وذُكِّر كما في قوله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ) وقد سبق.
قوله: (الرَّسُولَا) ، (الظُّنُونَا) ، (السَّبِيلَا) .
هذه الألفات لروي الآيات موافقة لما قبلها وما بعدها.
الغريب: من وصل وقف بغير ألف، قال هذه الألفات بدل من
الفتحة، وهكذا كان في خط حِمْير، الفتحة ألف والضمة واو والكسرة ياء.
وعلى هذا وقع في القرآن في مواضع موقع الحركات، وما ذهب إليه ابن
عيسى أنها للتذكير، فقد أساء القول، لأنه عز اسمه غير موصوف بالغلط
والتذكير.
قوله: (قَوْلًا سَدِيدًا) .
أي قولا لا تناقض فيه، وقيل: قولاً صواباً، وقيل: لا إله إلا الله.
قوله: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ) .
اللام متصلة بجميع ما في السورة. وقيل: متصلة بقوله: (عَرَضْنَا) ، وقيل: لام العاقبة.
قوله: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا) ، أي للمؤمنين والمؤمنات.
(رَحِيمًا) ، بهما. اللهم اجعلنا منهم.(2/924)
سورة سبأ
قوله تعالى: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) .
وذلك أن المؤمنين يحمدون الله تلذذاً به وسروراً لا تعبداً، ومثله
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ) ، و (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) ، (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وأمثالها.
الغريب: النقاش: (له الحمدُ في الأولى والآخرة) ، أي في السماوات
والأرض، لأن إحداهما قبل الآخرة، وهذا بعيد، إذ ليس في القرآن
الأولى.
قوله: (لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ) .
من كلام الكفار المشركين، دون أهل الكتاب.
الغريب: السامرة من اليهود ينكرون البعث.
قوله: (قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ)
أي يا محمد ردَّ عليهم كلامهم.
وأكده باليمين جرياً على عادتهم.
وقوله: (عَالِمِ الْغَيْبِ)
وعاِلمِ بالجر صفة للرب، والرفع على الابتداء والخبر وقيل: بإضمار القول، أي قال عالم.
قال الشيخ الإمام: ويحتمل وهو الغفور الرحيم عالم الغيب.(2/925)
الغريب: هو فاعل قوله: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ) .
قوله: (مِثْقَالُ ذَرَّةٍ)
وزن نملة، وقيل: فقال ذرة، رأس نملة.
وقيل: هي ما يقع في الكوَّة من الشمس.
الغريب: ابن الهيضم، سبعون ذرة وزن جناح ذباب، وسبعون جناح
ذباب وزن حبة.
قوله: (وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ) عطف على توله
(مِثْقَالُ) ، ويجوز أن يرتفع بالابتداء، (إِلَّا فِي كِتَابٍ) خبره.
قوله: (لِيَجْزِيَ) .
متصل بقوله (لَتَأْتِيَنَّكُمْ) وقيل: بقوله (لَا يَعْزُبُ) وقيل ب بما
(فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) معنى الفعل، أي كَتَبَ وبيَّن ليَجزى.
قوله: (وَيَرَى) .
فعل، "الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" الفاعل، "الَّذِي أُنْزِلَ" المفعول، "الْحَقَّ"
المفعول الثاني، "وهو" عماد، وفائدة دخول العماد الإعلام بأن ما بعده خبر
لا صفة، "ويرى"استئناف، وقيل عطف على (ليجزي) ، ومحله نصب.
قوله: (عَلَى رَجُلٍ) .
يعنون محمداً - صلى الله عليه وسلم - (يُنَبِّئُكُمْ) بشيء عجيب،: (إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي فُرقتم كل تفريق، وأكلكم دواب الأرض وطيور الهواء، يجدَّد خلقكم وتبعثون. و "إذا" منصوب به، وسها الزجاج في هذه الآية، ولا يجوز أن ينتصب بقوله (يُنَبِّئُكُمْ) لاختلاف الزمانين، ولا بـ (مُزِّقْتُمْ) ، لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، ولا بـ "جَدِيدٍ"، لأن ما بعد "إنَّ" لا يعمل فيما قبله -(2/926)
وقوله: (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) الآية.
معناه إن تمزقوا أو تفرقوا لم تَخْرُج الأجزاء عن الأرض والسماء، فهي
في القبضة يحييها متى شاء، وقيل: معناه في سلطان الله وقدرته، وما بين
أيديهم من السماء والأرض محيط بهم من كل الجهات.
قوله: (أَوِّبِي) .
سيري، وكانت الجبال تسير معه حيث شاء إذا أراد معجزة.
وقيل: معناه سبحي من تأويب القارىء إذا رجع.
الغريب: إذا نادى داود بالنياحة أجابت الجبال بصداها وعطفت عليه
الطير من فوقه، فصدى الجبال من ذلك اليوم. حكاه الثعلبي، وفيه
قوله: (وَالطَّيْرَ)
أي مع الطير، وقيل: سخرنا له الطير، وقيل: عطفت على محل يا جبال لما لم يمكن عطفه على الأول لمكان الألف واللام.
قوله: (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)
سهلنا عليه العمل به.
الغريب: أَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ بقوته وحرارة كفه كما تلينه النار.
قوله: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ) .
(أَنْ) هي المفسرة، أي اعمل، وقيل: وأوحبنا إليه أن اعمل.
الغريب: هو خبر، أي بأن يعمل.
قوله: (فِي السَّرْدِ)
في نسج الدرع، وقيل: السرد الثقب، وسمى الأثغر والمثقب مسرداً لذلك، والمعنى اجعل ثقوب أطراف الحلق على قدر المسامير، وقيل: السَّرْد المسمار.(2/927)
الغريب: ابن هيضم: الدرع التي عملها داود كانت بغير مسمار.
لأنها كانت معجزة له، ولقوله (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) مع أنا قد رأينا منها.
فكانت بغير مسمار، وقيل: السرد الدرع بعينها.
(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ) .
أي وسخرنا.
الغريب: أنا له الحديد وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ وسخرت له ريح واحدة من
الرياح الأربع، ولهذا أجمع القراء السبعة على توحيد ريح سليمان حيث وقعت.
قوله: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)
أي النحاس، أسيلت له ثلاثة أيام
كالماء بأرض اليمن.
الزجاج: هو الصفْر، وقيل: عين الرصاص.
الغريب: هو الحديد.
قوله: (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ)
أي وسخرنا له من الجن من يعمل
ويجوز أن يكون مبتدأ وخبراً.
قوله: (وَمَنْ يَزِغْ)
"مَنْ" رفع بالابتداء، "يَزِغْ" جزم بالشرط، "نُذِقْهُ" جزاء الشرط قائم مقام الخبر.
قوله: (مِنْ مَحَارِيبَ) .
المساجد والقصور والمساكن.
(وَتَمَاثِيلَ" تماثيل العباد والملائكة والأنبياء قائمين راكعين ساجدين ليقتدى بهم من ورائهم، كان يومئذ مباحاً.
الغريب: الحسن، يعنى النقوش، وصور الأشجار، وذلك مباح.(2/928)
(اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا)
ينتصب من أربعة أوجه:
أحدها: أنه مفعول به كقوله: يعمل صالحاً، ومن يعمل سوءاً لأن العمل والفعل يستعملان في جميع الأحداث.
والثاني: أنه مصدر من غير لفظ الأول كما
قلنا في حُرِّمَتْ.. كتابَ الله، وأمثالِه.
والثالث: نصب على المصدر والفعل
مضمر أي اعملوا الصالحات، واشكروا شكراً.
والرابع: اعملوا الطاعات للشكر، فيكون مفعولا له.
قوله: (دَابَّةُ الْأَرْضِ) .
هي الأرَضة، والأرض مصدر أرِضت الخشبةُ فهي مأروضة، والدابة
أرَضة، والجمع أرَضَة كالكَفَرة والفجَرة، والجمهور على أن الدابة مضافة إلى
الأرض مستقر الخلق.
الغريب: (دَابَّةُ الْأَرْضِ) ، هي الأرض بعينها.
قوله: (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) .
العجيب: "تَأْكُلُ" حال.
"مِنْسَأَتَهُ": عصاهُ مشتقة من نسأت البعيرَ أي زجرته، وقد يحذف الهمز
تخفيفاً، وقراءة ابن ذكوان "منسأْته" بهمز ساكنة، بعيد محمول على من همز عالم وخاتم.
العجيب: مِنْسَأَتَهُ: عتبة بابه، والمفسرون عن آخرهم على أن سليمان
اتكأ على عصاه فمات، إلا النقاش، فإنه ذكر في تفسيره عن جويبر عن
الضحاك عن ابن عباس: أنه قال من زعم أنه قبض وهو متكأ على عصاه فقد
كذب بل قبضه الله على فراشه، فبعث الله الأرضة على عتبة الباب، فأكلتها
فخر الباب.
مجاهد: تحنط سليمان وتكفن، ثم جلس على كرسيه وجمع(2/929)
كفيه على طرف عصا ثم وضعها تحت ذقنة فمات، وبقي ذلك سنة إلى أن
أكلت الأرضة أسفل عصاه فخر ساقطاً.
العجيب: أرسل الجن الأرضة على العصا حتى أكلتها، وقالت لها
بعد أكلها: لو كنت تأكلين الطعام وتشربين الشراب لأتياك بأطيب طعام وألذ شراب، ولكن سننقل إليك الماء والطين حيث كنت.
قوله: (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ)
تبين يأتي لازماً ومتعدياً، فإذا جعلته لازماً، فالتقدير فلما خر ظهر جهل الجن أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ.
ومحل "أَنْ لَوْ" رفع بدل من "الفاء" على الذي حذف وأقيم المضاف إليه
مقامه، وإذا جعلته متعدياً فالمعنى علمت الجن و (أَنْ لَوْ) في محل
نصب، وكانوا يزعمون أنهم يعلمون شيئاً من الغيب، وقيل: كانوا يظهرون
تمويها، فعلموا أن ذلك قد ظهر للناس.
الغريب: قرأ ابن عباس: "تبينت الإنس أن لو كانوا"، وقرأ ابن
مسعود: "تبينت الإنس أن الجن لو كانوا"، وقراءة يعقوب: "تُبينت" على
المجهول محمولة على قراءتهما.
قوله: (مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)
أجمع المفسرون على أنهم
بقوا في العذاب مدة، وإنما أخذوا ذلك من قراءة ابن عباس ما لبثوا حولا
كاملا في العذاب المهين.
الغريب: الثعلبي، لم يعلموا مذ كم مات فوضعوا الأرضة على
العصا فأكلت منها يوماً وليلة ثم حسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات من سنة.(2/930)
قوله: (لِسَبَإٍ) .
من صرفه، جعله اسم أبي القبيلة، ومن لم يصرفه جعله اسم
القبيلة.
الحسن، اسم أرض. قتادة: سبأ أرض باليمن يقال لها مأرب.
وروي ان رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن سبأ، أجبل هو أم أرض أم امرأة، فقال: " ليست بجبل ولا أرض ولا امراة، وإنما هو رجل من العرب
ولد عشرة رجال، صار كل واحد أباً لقبيلة، تيامن ستة منهم وتشام أربعة".
قوله: "آيَةٌ " ثم أبدل عنهما فقال: "جَنَّتَانِ".
قوله: "عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ" صفة للجنتين.
الغريب: في قصتهم آية.
"كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ" أي رزقه من الجنتين.
"بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ" لم يكن فيها بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا
حية، وأن كان الركب ليأتون وفي ثيابهم القمل والدواب، فإذا رأوا بيوتهم
تموت الدواب، وإن كان الإنسان ليدخل البستان ويمسك المكتل على
رأسه، فيخرج وقد امتلأ من أنواع الفاكهة من غير أن يتناول بيده شيئاً
منها، وتقديره: بلدتكم بلدة طيبة وربكم رب غفور، يضعف الحسنات
ويعفو عن السيئات.
قوله: (سَيْلَ الْعَرِمِ) .(2/931)
هو المسناة والسكر، وأضاف السيل إليه، لأنه بخرابه جاء السيل.
وقيل: العرم اسم الوادي، وأضاف إليه، لأنه جاءَ من قبله، وقيل:
العرم الخلد، وهو الجرذ الأعمى، ثقب السكر من أسفله فسالَ منه الماء
فخرب الجنات.
الغريب: العرم من العرام وهو الشدة، وهو صفة للسيل، أضيف إليه
مثل مسجد الجامع.
قوله: (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ)
بعد الخراب جنتين، ازدواجاً، كقوله: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) .
وقيل: التبديل تغيير الصفات مع بقاء الذات.
العجيب: قال النقاش في تفسيره: قد طعن بعض الملحدة في هذه
الآية وقال: "وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ"، لأن الجنة لا يكون فيها الخمط
والأثل، قال النقاش: وهذا جهل عجيب وغلط بين لا يخفى على صاحب
نظر ولا خبر ولا لغة، أما الأخبار فمتواترة على خلاف ما قال هذا الطاعن.
وأما النظر فإن لهذه الآية نظائر كثيرة منها (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا) ، كذلك "وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ".
وأما في اللغة، فلو كان جنتين لقال ذوي لأن الخبث مذكر والجنة مؤنث. انتهى كلامه.
قوله: (مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ)
قليل صفة لشيء -
الغريب: صفة للخمط، والأثل والسدر.(2/932)
العجيب: معنى قليل هاهنا حقير.
قوله: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا) .
أي جزيناهم ذلك بكفرهم، فهو مفعول مقدم.
قوله: (وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)
أي هل نجازي بمثل هذا إلا من كفر النعمة ولم يشكرها، وقيل كفر بالله، وقيل المؤمن يجزى والكافر يجازى، لأن المفاعلة تقتضي المكافأة فيكون في السيئة، وقيل: الجزاء عام، والمجازاة للكفار خاصة.
الغريب: القفال: المجازاة في الآية بمعنى التجازي، أي لا يرتجع
ما أنعم به عليه إلا ممن يكفر ولا يثكر، كقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) .
قال: والكفر من كفران النعمة.
قوله: (سِيرُوا فِيهَا) .
أمر إباحة.
الغريب: أمر بمعنى الماضي، أي (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ) ظرفان
(آمِنِينَ") حال.
قوله: (أَحَادِيثَ) .
أي ذَوِي أَحَادِيثَ.
قوله: (رَبَّنَا بَاعِدْ)
قرىء (بَعِّدْ" "رَبَّنَا" نصب على النداء.
وباعد وبعد بمعنى كما تقول: قارب وقرب، والمعنى بطروا النعمة فسألوا
الله أن يبعد سيرهم بين أسفارهم. وقرىء "رَبُّنَا" " رفع "بَاعَدَ" على
الماضي وبُعد، قال ابن عباس: أي شَكَوْا إلى ربهم بعدَ أسفارهم.
وكانوا يَقِيلون في قرية ويبيتون في قرية، فعاقبهم الله.(2/933)
قوله: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ) .
قرىء بالتخفيف والتشديد، فمن شدد نصب ظنه على المفعول.
والمعنى حقق ظنه فيهم، والعائد يعود إلى جميع الكفار.
الغريب: يعود إلى أهل سبأ، ومن خفف نصب (ظَنَّهُ) على
المفعول به أيضاً.
قال أبو علي: ويجوز أن ينتصب انتصاب الظرف، أي صدق عليهم
إبليس في ظنه، وأنشد أبو علي في تعدية " صدق " بالتخفيف قول
الشاعر:
فإنْ يَكُ ظَنِّي صادِقاً وهو صادِقٌ
بثسملةَ يحبسْهم بها محبساً أزلا
وما ذكره الزجاج أن (ظَنَّهُ) فيمن خفف نصب على المصدر ففيه نظر.
وقرىء في الغريب (ظَنُّهُ) بالرفع على البدل من إبليس، وقرىء "إبليسَ"
نصب (ظَنُّهُ) رفع، أي صدق ظن إبليس فيما ظنه.
قوله: (إِلَّا لِنَعْلَمَ) .
في الاستثناء قولان:
أحدهما: أنه متصل، تقديره ما سلطناه عليهم إلا لنعلم.
والثاني: منقطع، أي لكن ابتلينا المكلفين به لنعلم من يؤمن.
قوله: (إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) .
أي للشافعين، وقيل: للمشفوع لهم.(2/934)
قوله: (حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ)
فَعَّل وأفعل يأتيان للسلب.
تقول أشكيته، أي أزلت شكايته، وأخفيته أزلت خفاه، ومرَّضْت المريضَ
إذا توليت مداواته ومصالحه، كذلك فزَّعته سلبت الفزع من قلبه. والجمهور على أن الضمير من قُلُوبِهِمْ يعود إلى الملائكة، وذلك ما روى عن ابن عباس: أنه قال: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة
كصلصلة السلسلة على الصفوان، فيرون أنه أمر الساعة، فإذا فزع عن
قُلُوبِهِمْ الغشية التي لحقتهم من الخشية، قالوا للملائكة فوقهم: ماذا قال
ربكم، أي ماذا أمر الدب، فيقولون لهم قال الحق، ويقويه ما روي أن
الحرث بن هشام قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف يأتيك الوحي، قال:
" يأتيني في صَلْصَلَةٍ كَصَلْصَلَة الجَرس، فَيفْصِم عني حين يفصم وقد
وعيته، ويأتيني أحياناً في مثل صورة الرجل فيكلمني به كلاما، وهو أهون
عليَّ ".
وعن ابن عباس أيضاً: كان قد انقطع الوحي بعد عيسى - عليه
السلام -، فلما تكلم الله بالوحي إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - سمعت الملائكة صوتاً كصوت الحديد على الصفا، فغشي عليهم، فلما جلّي عنهم قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا: أوحى إلى محمد - عليه السلام -.
الغريب: قال القفال: أذن لهم في الشفاعة ففزعوا أن يلحق في تنفيذ
ما أذن لهم فيه تقصبر في وضع الشفاعة غير موضعها، فلما فزع عن قلوبهم
وكشف المفزع، قالوا: ماذا قال ربكم، قالوا: الحق، أي أذن لكم في
الشفاعة للمؤمنين.
ومن الغريب: الضمير يعود إلى الناس، وذلك في القيامة تقول لهم
الملائكة، أي للمشركين، ماذا قال ربكم، قالوا: الحق، فيقرون حين
لا ينفع.
وقيل: يكون ذلك عند الفزع، فلا ينفعهم ذلك، و (ماذا) في
الآية كلمة واحدة، ولهذا جاء جوابه في قوله "قالوا الحق) - بالنصب -،(2/935)
ولو كان على كلمتين لجاز الرفع على ما سبق بيانه في النحل.
قال أبو علي: تقديره قالوا قال الحق.
قوله: (قُلِ اللَّهُ) .
أي إن سكتوا عن الجواب، أو ردوا الجواب إليك، فقل أنت الله.
إذ ليس لهذا الكلام جواب غير هذا.
قوله: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) .
تقديره عند بعضهم: إنا لعلى هدى أو في ضلال، وإياكم لعلى هدى أو
في ضلال، على أنه تعريض في الكلام توصلاً إلى المقصود بلفظ غير
شنيع، كما تقول لصاحبك: أحدنا كاذب، فيكون ألطف من أن تقول له أنت كاذب.
الغريب: تقديره إنا لعلى هدى وإياكم في ضلال، وأو بمعنى الواو.
العجيب: قال النقاش: تقديره: قل الله يرزقنا وإياكم على هدى كنا أو
في ضلال. وهذا من حيث المعنى صحيح، لكن يدفعه "إنَّ"، و "اللام".
و"إياكم " نصب بالعطف على اسم إن و "لَعَلَى هُدًى" خبره، وخبر الأول
محذوف دل عليه الثاني. وهذا مذهب المبرد وعند سيبويه: "لَعَلَى هُدًى"
خبر "إنا" وخبر الثاني محذوف، وعلى بعض الوجوه التي تقدمت "لَعَلَى" خبر
عنهما كما تقول إن زيداً وعمراً لفي الدار.
قوله: (قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) .
الجمهور: على أعمالنا ولا نحاسب على أعمالكم.
القفال: هذا إلطاف للخصم إلى الإصغاء، فأضاف إلى أنفسهم الجُرم، وأضاف إليهم العمل جملة.(2/936)
قوله: (أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ)
"أَرُونِيَ" من رؤية العين، والضَمير المفعول الأول، و"الذين ألحقتم
به " المفعول الثاني، والتقدير ألحقتموهم، و "شُرَكَاءَ" حال.
الغريب: هي رؤية القلب، فيكون متعدياً إلى ثلاثة مفاعيل، والثالثة
شُرَكَاءَ، والمعنى شاركه في خلق شيء.
قوله: (كَافَّةً) .
نصب على الحال من الكاف أي يكف الناس، وقيل: (كَافَّةً) مصدر.
أي ذا كافة وقيل: تقديره إلا للناس كافة، أي جميعاً، فيكون حالاً من
الناس.
الزجاج: أرسلناك جامعاً. لأنه بعث إلى العرب والعجم.
قوله: (وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) .
أي الكتب والأنبياء.
الغريب: هو الإنجيل، فيكون من كلام اليهود.
العجيب: البعث والحساب والجنة والنار، أي بين يديه بزعمه.
قوله: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) .
أي مكركم فيهما، وأضَاف إلى الليل والنهار، كما يقال: نهارُه صائم
وليله قائم.
الغريب: بل الليل والنهار، ومكراً بطول السلامة فيهما حتى ظتا أنكم
على حق، وتقريه القراءة ان ذة "بل ئكر الليلِ والنهار" من الكرور.
(وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ) أي كتموها.
أبو عبيد عن أبي عبيدة: أظهر وها.(2/937)
الغريب: تبينت الندامة في أسرار وجوههم أي آثارها، لأن الندامة
تكون في القلب.
قوله: (بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى) .
تقديره، وما أموالكم بالتي تقربكم ولا أولادكم بالذين يقربونكم زلفى.
فحذف كما قال الشاعر:
نَحْن بما عندنا وأنْتَ بما عندك. . . راضٍ والرأيُ مُختلِفُ.
الغريب: الفراء: (الَّتِي) واقعة موقع الجمعين.
قوله: (زُلْفَى) مصدر من غير لفظ، (تُقَرِّبُكُمْ) أي بالتي تقربكم
عندنا تقريباً.
قوله: (إِلَّا مَنْ آمَنَ)
محله نصب على الاستثناء.
الغريب: قال الزجاج: بدل من الكاف والميم، وفي قوله ضعف.
لأن البدل من ضمير المخاطب لا يجوز.
العجيب: قال الفراء، موضع " مَنْ" رفع، بمعنى ما هو إلا من آمن.
وليس لكلامه وجه، إلا أن يحمل قوله: (إِلَّا مَنْ آمَنَ) على حذف
المضاف، والتقدير "إلا" حال (مَنْ آمَنَ) "، وأولاد من آمن، فحذف المضاف
وارتفع المضاف إليه، قال الفراء: ومثله (إلا من أتى الله بقلب
سليم ".
قال الشيخ: ويحتمل أن الاستثناء منقطع على نقدير لكن من آمن
وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف.(2/938)
قوله: (فَهُوَ يُخْلِفُهُ) .
أي في الدنيا. وقيل: في الآخرة. وقيل: فيهما جميعاً.
الغريب: معناه ما أنفقتم من شيء فالله أخلفكم ذلك، أي أعطاكم
ورزقكم، من قوله: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) .
قوله: (عَذَابَ النَّارِ الَّتِي) .
قال في هذه السورة (عَذَابَ النَّارِ الَّتِي) ، وفي السجدة (عَذَابَ النَّارِ الذي) ، لأن ما في هذه السورة صفة للنار، وما في السجدة صفة للعذاب. وخصَّ ما في السجدة بالذي، لأن النار وقعت موقع الكناية، والكنايات لا توصف. وقد ذكرت هذا في كتاب برهان القرآن.
قوله: (مِعْشَارَ) .
هو العُشر، والعُشُر والعشير والمِعشار واحد.
الغريب: العُشر جزء من العشَرة، كالثلث والربع والخمس.
والعَشير عشر العُشر، والمِعشار عشر عشر العشر، فيكون المعشار الواحد من الألف.
قوله: (نَكِيرِ)
ابن عباس عقابي وتغييري.
والجمهور على أنه بمعنى إنكاري عليهم.
وقيل النكير جزاء المنكر، والمعنى ما أمنَ هؤلاء من مثل ذلك.
قوله: (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) .
أي لأن تقوموا، ومحله نصب، وقيل: بدل من واحدة وتقديره بأن
تقوموا، ومحله جر، وقيل رفع، أي هي أن تقوموا، مَثْنَى وَفُرَادَى" نصب على الحال من الواو.(2/939)
قوله: (مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ)
"مَا" نفي وتقديره فتعْلموا، وقيل: استفهام، أي أي شيء بصاحبكم من آثار الجنون.
قوله: (مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) .
"مَا" نفي، وهو عائد إلى الأجر، وقيل: معناه النصح مجاناً، وتقديره ما
أعطيتموني من أجر فخذوه.
الغريب: قال الكلبي: هذه الآية ناسخة لقوله (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) .
قوله: (فَهُوَ لَكُمْ)
لأنهم قالوا يحثنا محمد على حب قرابته، ويشتم
آلهتنا، وفي هذا القول ضعف.
قوله: (يَقْذِفُ بِالْحَقِّ)
في قلب من شاء وعلى لسان من شاء.
الغريب: يَقْذِفُ بِالْحَقِّ على الباطل، فحذف.
قوله: (عَلَّامُ الْغُيُوبِ)
خبر بعد خبر، وقيل: بدل من الضمير في "يَقْذِفُ" وقيل: هو علام الغيوب.
الغريب: صفة لربي على المحل. وقرىء في الشواذ: (عَلَّامَ الْغُيُوبِ) بالنصب.
وقوله: (وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) .
قيل: "مَا" نفي، وقيل: استفهام. ومحل الأول نصب بقوله:
"يُبْدِئُ"، والثاني نصب بقوله: "يُعِيدُ"، (وَلَوْ تَرَى) جوابه مضمر أي: رأيت
أمراً عظيماً.
الغريب: جوابه ما دل عليه (فَلَا فَوْتَ) أي أحيط بهم، وعطف عليه.(2/940)
قوله: (وَأُخِذُوا) .
وقيل: فيه تقديم إِذْ فَزِعُوا وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ فَلَا فَوْتَ.
وقوله " فَزِعُوا" الجملة في محل جر بإضافة "إِذْ" إليه. و (أُخِذُوا) جر
بالعطف عليه.
وقرب المكان عبارة عن سهولة الأخذ، وقيل: من تحت
أقدامهم. وقيل من ظهر الأرض. وقيل: أخرجوا من الأرض.
الغريب: ببدر.
العجيب: حكى الكلبي والثعلي وغيرهما أن حذيفة بن اليمان روى
عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنها نزلت في السفيانية وأنه ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق والمغرب، فبينا هم كذلك إذ خرج عليهم السفيانية من الوادي اليابس في فوره ذلك حتى ينزل دمشق، فيبعث جيشاً إلى المشرق وجيشاً إلى المدينة حتى ينزلوا بأرض بابل في المدينة الملعونة والبقعة الخبيثة، فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف، ويبقرون بها أكثر من مائة امرأة، ويقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون إلى الكوفة، فيخرجون ما حولها، ثم يخرجون متوجهين إلى الشام، فتخرج راية هذا من الكوفة، فيلحق ذلك
الجيش منها على ليلتين، فيقتلونهم، لا يفلت منهم مخبر، ويستنقذون ما في
أيديهم من السبي والغنائم، ويحل جيشه الثاني بالمدينة، فينتهبونها ثلاثة أيام
ولياليها، ثم يخرجون متوجهين إلى مكة، حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله عز
وجل جبريل عليه السلام، فيقول: يا جبريل اذهب فأبذْهم، فيضربها برجله
ضربة يخسف الله بهم، فذلك قوله في سورة سبأ (وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (51) .
فلا ينقلب منهم إلاَّ رجلان: أحدهما، بشير والآخر نذير، وهما من جهينة، فذلك جاء القول: وعند جهينة الخبر اليقين ".
قوله: (التَّنَاوُشُ) .(2/941)
قرىء بالهمز وغير الهمز، فمن لم يهمز جعله من النوش وهو
البطء، ومن همز جاز أن يكون من النوش أيضاً وجاز أن يكون من النيش
وهو الحركة في إبطاء.
الغريب: التناوش بغير همز التناول من قريب، والتناؤش من بعيد
حكاه ثعلب. وروي عن أبي عمرو أيضاً.
قوله: (إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (54) .
أي مبالِغ في الشك، قيل: هذا رد على من زعم أن الله لا يعذب على
الشك.(2/942)
سورة فاطر
قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ) .
أي فايقِها ابتداء: ابن عيسى: الفطر الشق عن الشيء بظهاره.
الحسن والزجاج روى ابن عباس قال: ما كنت أدري ما فاطر السماوات
حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر، فقال أحدهما أنا فطرتها، أي ابتدأتها.
الغريب: معنى فاطر السماوات والأرض، شاق السماء بما ينزل منها
من المطر وشاق الأرض بما ينبت عنها ومثله في المعنى: (كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) في أحد وجوهها.
قوله: (جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا)
قيل: هو عام فيهم، وقيل: هو خاص لجبريل وميكائيل وعزرائيل وإسرافيل، و (جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ) مجرور بالعطف على الصفة والإضافة محضة، لأنه بمعنى الماضي، وكذلك فاطر السماوات والأرض.
وقوله: (رُسُلًا) منصوب بفعل دل عليه (جَاعِلِ) ، أي
جعل الملائكة رُسُلًا، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي لا يعمل
أصلاً.
وقوله: (مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)
صفة لأجنحة، أي في كل جانب،(2/943)
وقيل: في الجانبين، فيكون الثالث على الظهر، كما يرى لبعض الحيتان.
وقيل: الطيران يقع بالاثنين منها، وما سواهما زينة، ومحلهما جر
بالصفة، لكنها لا تنصرف للوصف والعدل، وهو أن يذكر بناؤه ويراد به بناء آخر.
العجيب: هي صفة لقوله: (رُسُلًا) .
قوله: (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ)
ذهب جماعة إلى أنها منصرفة إلى أجنحة، فقد جاء عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى جبريل وله ستمائة جناح.
الغريب: لما لم يكن فيما يشاهد ما جناحه أكثر من اثنين، وقد جعل
للملائكة أكثر من ذلك، فقد زاد في الخلق ما يشاء.
وجاء مرفوعاً في قوله: (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ) ، أنه الوجه الحسن والشعر الحسن والصوت الحسن.
وقرأ ابن مسعود: فِي الْحَلْقِ - بالحاء -، وهو الصوت الحسن.
وقيل: الخلق، وقيل: الخط الحسن، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: الخط الحسن يزيد الحق وضوحاً. وقيل: العقل والتمييز والعلوم والصنايع، قتادة: هو الملاحة في العين.
الغريب: هو المحبة في قلوب المؤمنين.
العجيب: هو السلام على الأعمى.(2/944)
قوله: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ) .
قوله: (لَهَا) ، وبعده "لَهُ"، وكلاهما يعودان إلى "مَا"
لأن الأول مفسر بمؤنث وهي الرحمة، والثاني مبهم.
قوله: (غَيْرُ اللَّهِ) .
من جره، جعله صفة لخالق على اللفظ، ومن رفعه، جعله صفة
على المعنى لأن مِن زيادة.
الغريب: رفع بالاستثناء، لأن الاستفهام بمعنى النفي.
قيل: هو خبر المبتدأ.
العجيب: فيه تقديم والتقدير هل غير الله من خالق.
قوله: (يَرْزُقُكُمْ)
يجوز أن يكون وصفاً لخالق، ويجوز أن يكون
استئنافاً، أي هو يرزقكم، ويجوز أن يكون حالا من الله.
قوله: متصل بخالق، أي هل خالق من السماء والأرض غير اللْه
يرزقكم، وفيه ضعف.
قوله: (تُؤْفَكُونَ) أي تُصْرفون من الإفْك، وهو الصرف.
الغريب: (الَّذِينَ كَفَرُوا) .
ذهب النحاة: إلى أن محله جر بالبدل من (أَصْحَابِ السَّعِيرِ) ، أو
نصب بالبدل من (حِزْبَهُ) ، أو رفع بالبدل من الواو في قوله
(لِيَكُونُوا) ، وأحسن من هذه الوجوه، أن يجعل رفع بالابتداء (لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) خبره، يقويه ما بعده (وَالَّذِينَ آمَنُوا) ، وخبره (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) .(2/945)
قوله: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) .
مبتدأ، خبره مضمر، أي كمن بضده، وقيل تحسرت عليه، ودل
قوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) ، وقيل: كمن عرف الحسن
من الأعمال حسناً والقبيح قبيحاً.
قوله: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ) .
تخلل بين الماضيين مستقبل، لأن الماضيين من فعل الله، والإشارة
من الريح، وقيل: لأن الماضي والمستقبل في هذا سواء، لأن هذه أفعال
تتجدد وتدوم إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
الغريب: أرسلنا ريحاً فأثارت سحاباً فسقناه، ونرسل ريحاً فتثير
سحابا فنسوقه فاكتفى بذكر البعض عن البعض. وله نظائر سبقت، وقريب
من قوله: (يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) بلفظ المستقبل، و (أَقَامُوا) بلفظ الماضي، لأن الخشية دائمة، وأوقات الصلاة منقضية.
قال الشيخ الإمام: ويحتمل يخشون ربهم وقد أقاموا الصلاة، أي مع توفرهم عليها. ومثله في هذه السورة أيضاً (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا)
فعطف الماضيين على المستقبل، لأن أوقات التلاوة أعم من أوقات الصلاة
والزكاة، ويجوز أن يكون الماضيان سابقين على التلاوة، ويجوز أن تكون
التلاوة في الصلاة، وقوله (يرجون) خبر إن.
قوله: (كَذَلِكَ النُّشُورُ)
هذا يدل على صحة القياس، ثم في المقيس عليه قولان:
أحدهما، كما أحيينا الأرض بالنبات نحي الموتى في القبور.
الغريب: كما أنزلنا من الماء ماء فصار سببا لحياة الأرض ننزل من(2/946)
السماء ما يكون به حياة الموتى، فقد جاء في التفاسير أن الله يرسل بعد
النفخة الأولى سحابا من تحت العرش بمطر مثل مني الرجال أربعين يوماً.
ثم ينشرهم الله به بعد النفخة الثانية، وقيل: الثالثة.
قوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) .
يعني كلمة التوحيد والتسبيح والتحمبد والتمجيد. وقيل: هو القرآن
(وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) أي برفع الكلم، وقيل: والكلم الطيب يرفع
العمل الصالح ويقويه: قراءة من قرأ: "وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ يَرْفَعُهُ) " - بالنصب -، وقيل: فاعل يرفع هو الله عز وجل.
قوله: (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) .
" الهاء" تعود إلى معمر المذكور لما جاء في الأخبار، أن لكل واحد
كتاباً مكتوب في أوله تسمية عمره، ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم ذهب
يومان حتى يأتي على آخره، فذلك نقصان عمره.
العجيب: تجوز الزيادة والنقصان في العمر، فإن كعباً لما طُعِن عمر
قال: لو دعا عمر لأُخر في أجلِهِ، فقيل له: أليس الله يقول: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34) .
قال: كعب: أما تقرؤون (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ) وعلى هذا أيضاً تعود الهاء إلى معمر المذكور.
وقيل: "مِنْ عُمُرِهِ " يعود إلى معمر آخر، وإليه ذهب الفراء وابن عيسى والقفال في جماعة، وقالوا: نظيره: له علي درهم ونصفه، أي نصف درهم آخر.(2/947)
الغريب: قال الشيخ الإمام، يحتمل أن الهاء تعود إلى معمر المذكور
على تقدير وما يعمر من معمر ولا ينقص غيره من عمر هذا المعمر، لأن
الأعمار متفاوتة، وذهب قوم إلى أن عمر المعمر ستون سنة، وقيل: أربعون
سنة، وقيل: ثماني عشرة.
قوله: (الْبَحْرَانِ) .
كية البحر، وهما في قوله: (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ، وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) .
الغريب: البحر اسم للملح الأجاج، ولا يقال للفرات بحر، وإنما
ثني في القرآن ازدواجاً كما جاء الأبوان والوالدان والقمران والعمران
والمرجان والصغران.
قوله: (وَتَرَى الْفُلْكَ) سبق في النحل.
قوله: (بِشِرْكِكُمْ) .
مضاف إلى الفاعل، أي بعبادتكم ما كنتم إيانا تعبدون.
الغريب: بإشراكهم إياكم، والوجه هو الأول.
قوله: (وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)
أجمع المفسرون على أن "خَبِيرٍ" في الآية هو الله عز وجل، وفيه نظر، لأن المثل يصير مضافاً إلى الله سبحانه.
وهو منزه عن ذلك، ولا يمكن أن يقال "مِثْلُ" ها هنا زيادة كما قيل في قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) لفساد ذلك في المعنى، ولا يمكن أن يحمل مثل
على الفعل، لأن ذلك يستدعي نصب مثل وهو مرفرع بالإجماع، وأحسن ما يمكن أن يحمل عليه قول المفسرين: أن يقال: معناه ليس لله مثل في
التبني، كما يقال لا يكتب هذا مثل زيد، أي ليس لزيد مثلٌ في الكتابة.
وهذا أيضاً يستدعي مثل بالنصب، لأن المعنى ليس لكتابته مثل. وقيل:(2/948)
معناه لا أحداً خير من الله، وهذا يعرض للمعنى لا للفظ، والكلام يجري
في اللفظ، والوجه في الآية أن يجعل هذا مثلًا كما جاء، على الخبير
سقطت، ثم يكون المضروب له المثل هو الله عز وجل، وله المثل الأعلى
- والله أعلم.
قوله: (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21)) .
الظِّلُّ، الجنة. والْحَرُورُ، الحميم.
الغريب: الظِّلُّ الحق، والْحَرُورُ الباطل.
قوله: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) ، وبعده (فَأَخْرَجْنَا) .
محمول على التعظيم وتلوين الخطاب.
العجيب: أبو مسلم، فقال بنو آدم: فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ، أي أخرجنا بالحرث والغرس. وفيه بعد.
قوله: (أَلْوَانُهَا) .
يعود إلى الجبال.
الغريب: يعود إلى (حُمْرٌ) أي بعضها أشد حمرة، وبعضها وسط
وبعضها أقل.
قوله: (وَغَرَابِيبُ سُودٌ)
الجمهور على أن التقدير وسود غرابيب.
لأنه يقال: أسود غربب، ولا يقال: غريب أسود.
الغريب: ابن عيسى: الغربيب: هو الذي لونه لون الغراب، فصار
كانه. قال: ولكون الغراب أسود. وقيل: سود بدل من غرابيب وليس
بوصف.
قوله: (أَلْوَانُهَا) با لتأنيث، وبعده (أَلْوَانُهُ) بالتدكير، لأن الأول
يعود إلى المذكور بعد (من) ، وفي الثانية لم يذكر بعد (من) ما يعود(2/949)
إليه " الهاء " فأضحى مذكراً تقديره جنس مختلف ألوانه، وقول من قال: ما
مختلف ألوانه، أو مختلف ألوانه لتقدم ذكر الناس جائز على قول الكوفِيين
غير جائز على مذهب البصريين من حيث لا يجوز عندهم حذف الموصول
وإقامة الصلة مقامه.
قوله: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) .
قد أكثروا القول فيهم، والذي يوافق القرآنَ والخبر وكلام الصحابة
والتابعين أولى بالاعتماد، أما القرآن، فهو قوله: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7) ، وكذلك ما في آخر السورة، (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) . الآيات الثلاث.
والخبر، ما رواه أبو الدرداء قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية ثم قال، " فأما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة بغير
حساب "أوأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً" "وأما الذين
ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر، ثم هم الذين يتلقاهم الله
برحمته فهم الذين يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن) .
ابن عباس: السابق: المؤمن المخلص، والمقتصد: المرائي والظالم الكافر بالنعمة غير الجاحد له، لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة.
عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له".
الغريب: عثمان - رضي الله عنه - سابقنا أهل جهادنا، ومقتصدنا أهل
حضرنا، وظالمنا أهل بدونا.
سهل بن عبد الله: السابق. العالم،(2/950)
والمقتصد: المتعلم، والظالم: الجاهل.
الحسين بن الفضل، الظالم، القارىء للقرآن، والمقتصد: القارىء العالم به، والسابق: القارىء للقرآن العالم به العامل بما فيه.
العجيب: الظالم لنفسه: آدم، والمقتصد: إبراهيم، والسابق: محمد - عليه السلام -.
قوله: (يَدْخُلُونَهَا) .
أسامة عن النبي - عليه السلام - أنه قال: " كلهم في الجنة، وقدم
الظالم كي لا يقنط، وأخر السابق ليكون أقرب إلى الجنان والثواب ".
قوله: (الْحَزَنَ) .
حَزنَ النار، وقيل: حَزنَ الذنوب، وقيل: حَزَن الموت، وقيل:
حَزَن إبليس ووسوسته.
العجيب: حزنَ الخبز وطلب المعاش، وقيل: الجوع.
قوله: (دَارَ الْمُقَامَةِ) . الإقامة.
الغريب: المُقامة: الموضع الذي يُوكل فيه ويشرَب، والمَقامة -
بالفتح - كل موضع ئخمع فيه لأمرِ حتى يُقطَع.
قوله: (لَا يَمَسُّنَا)
كرر كي لا يظن أنهما لا يمسان معا، وقد يمس فرادى، والنصب على القلب، واللغوب على البدن.
قوله: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) .(2/951)
معطوف على أول السورة، حيث قال ما يعمر من معمر الآية، وجاء
مرفوعا أنه ستون سنة، ابن عباس: أربعون سنة. وهب: ثماني
عشرة سنة. وقيل: سبعون سنة. لأنها نهاية التذكر، وما بعده هرم.
قوله: (وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) ، قيل: محمد - عليه السلام -، وقيل: القرآن، وقيل: الشيب، وقيل: العقل.
الغريب: الحُمَّى، وموت الأهل، والأقارب - والله أعلم -.
قوله: (شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ) .
وأضاف إليهم، لأنهم جعلوهم شركاء فيما كانوا يملكونه.
الغريب: أراد شركائي الذين تزعمون، فأضاف إليهم، لأنهم زعموا
ذلك.
قوله. (مِنْ بَعْدِهِ) .
أي من بعد الإمساك. وقيل: بعد الزوال.
العجيب: مِنْ بَعْدِهِ: أي غيره وسواه.
قوله: (اسْتِكْبَارًا) .
يجوز أن يكون بدلاً من قوله: (نُفُورًا) ، ويجوز أن يكون مصدراً.
أي واستكبروا اسْتِكْبَارًا. وقيل: مصدر وقع موقع الحال، أي مستكبرين.
الغريب: مفعول له متصل بقوله: نُفُورًا، أي نفروا للاستكبار.
قوله: (وَمَكْرَ السَّيِّئِ)
ساكنة الهمزة. حمزة: أجري الوصل مجرى الوقف، والمتصل مجرى المنفصل.(2/952)
قوله: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45) .
(إذا) تأتي على وجهن:
أحدهما: أن تكون ظرفاً محضاً، نحو قولك: آتيك إذا طلعت الشمس، "فإذا" منصوب بقولك آتيك، ولا ينتصب بطلعت، لأن إذا" مضاف إلى طلعت، والمضاف إليه لا يحعل في المضاف.
والثاني: أن يكون ظرفاً يتضمن معنى الشرط، نحو قولك.
(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ) ، (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا)
فيعمل فيه ما بعده كما يعمل في من وما ولا يجوز أن يكون بصيراً ولا كان
العامل فيه في الآية كما زعم من لا خبرة له، لأن ما بعد "إنَّ" لا يعمل فيما
قبله والله أعلم.(2/953)
سورة يس
قوله تعالى: (يس) .
حكمه حكم ما في أوائل سائر السور، وقيل: يا إنسان، وقيل: يا
رجل وقيل: اسم من أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقوِّيه آل ياسين.
الغريب: وزنه على هذا فاعيل كقابيل وهابيل، ويقويه من قرأ:
(يس) بفتح النون.
قوله: (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) .
خبر بعد خبر، وقيل: محله نصب، وهو متصل بالإرسال.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أنه حال للمخاطب، كما
تقول: إنك في الدار قائما.
العجيب: تقديره، إنك لعلى صراط مستقيم من المرسلين، أي من
بينهم، والصراط المتسقيم، القرآن، لما قدم من المرسلين دخله اللام.
كما تقول: إن زيداً لَطعامَك آكل.
قوله: (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) .(2/955)
رفع بالجر، أي ذلك تنزيل، ومن نصب فعلى المصدر، ومن جر -
وهو شاذ - فعلى البدل من الصراط.
الغريب: خبر بعد خبر، أي إنك من المرسلين، إنك على صراط
مستقيم، إنك تنزيل، أي ذو تنزيل.
قوله: (مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ) .
نفي. وقيل: مما أنذر. وقيل: كما أنذر، وقيل: هو المفعول
الثاني كقوله تعالى: (أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا) .
قوله: (فَهُمْ) .
يعود إلى القوم، وفي النفي يعود إلى الآباء.
قوله: (فِي أَعْنَاقِهِمْ) . أي رقابهم.
الغريب: الكلبي: أراد بالأعناق الأيدي، وقرىء في الشاذ " في
أيديهم" وقرىء " في أيمانهم ".
قوله: (فهي) قيل: الأغلال. وقيل: الأيمان. والغُل: يدل
عليهما، فإن الغُل يجمع اليمين والعنق.
العجيب: قال قتادة، أراد بالأذقان الوجوه.
قوله: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ) .
فيه إضمار تقديره "إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ"،(2/956)
ومن اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره، فحذف لأن الأول يدل
عليه، فيحسن الوقف على قوله: (بالغيب) ، لأن الفاء جواب المضمر
الذي ذكرت.
قوله: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ) .
ضرب المثل يتعدى إلى مفعولين، لأنه يجري مجرى جعل بدليل
قوله: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ) ، فكما صار في الآية مبتدأ
وخبراً كذلك في الآية الأخرى، المفعول الأول والمفعول الثاني. وذهب
جماعة إلى أن أصحاب القرية بدل من المثل.
قوله: (بثالثٍ) . أي بعد الاثنين.
الغريب: الفراء كان الثالث قبل الاثنين.
قوله: (قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ) .
قال ابن مهريزد في تفسيره: يحسن الوقف على قوله: (يَعْلَمُ) لأن
المفعول محذوف، تقديره ربنا يعلم ما سألتمونا عنه، لأن علم الله بهم لا
يكون حجة لهم على الكفار، ثم ابتدؤوا فقال (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) .
قوله: (أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ) .
شرط جزاؤه مضمر، أي تطيرتم، وقيل: توعدتم بالرجم والعذاب.
قوله: (بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي) .
"مَا" للمصدر أي بمغفرة ربي هذا قول جماعة من المفسرين وهو
ضعيف، لأن قوله: (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) لا يصح العطف عليه إذاً.
وقيل: بالذي غفر لي ربي، أي بسببه.(2/957)
العجيب: "مَا" استفهام أي بأي شيء، وهذا يستدعي "بم " و"مَا" جاء
في الشعر بالألف. قال:
على ما قامَ يَشْتمني لَئيمٌ. . . كَخنزيرٍ تَمَرَّغَ في رَمادِ
العجيب: الحسن: هو بمعنى أي شيء. ولا استفهام فيه.
قوله: (وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ) .
على ما قبلهم من العذاب.
قوله: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ) .
هو من كلام الرجل، وهو حبيب. وقيل: من كلام القوم تحسروا
على قتلهم الأنبياء لما رأوا العذاب وآمنوا فلم ينفعهم إيمانهم، والعباد هم
الأنبياء.
الغريب: "يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ" من كلام اللُه عز وجل، أي حسرة
وبعضهم على بعض، وقيل: حلوا محل من يتحسر عليهم.
و"حَسْرَةً" نصب، لأنه نداء شبه بالمضاف فإن "على" متعلق به.
ومعنى النداء، أي تعالَيْ فهذا أوانك. والفائدة في النداء والحسرة مما لا
يحبب التنبيه.
العجيب: قال الزجاج: وهذه من أضعف مسألة في القرآن.
قوله: (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ) .
أي ملائكة من السماء.(2/958)
الغريب: مجاهد، " مِنْ جُنْدٍ"، أي من رسالة، لأن الله قطع عنهم
الرسالة حين قتلوا رسله.
قوله: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا) .
"كَمْ " منصوب بأهلكنا و "يَرَوْا" متعلق لمكان الاستفهام (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ) بدل من الجملة في المعنى ولهذا فتح.
الغريب: قال المبرد: تقديره بأنهم.
العجيب: قال الفراء: يجوز أن ينتصب " كم " ب "يَرَوْا" كما
جاز ذلك في "من" و "مَا" وهو ضعيف لأنَّ "كم" لا يعمل فيه ما
قبله ألبتة.
قوله: (مِن ثَمرِهِ) .
قيل: من ثمر الماء لأنه الأصل، وقيل: من ثمر ذلك. وقيل: من
ثمر ما ذكرنا.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل من ثمر كل واحد منها.
قوله: (وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ)
"مَا" للنفي، أي ولم تعمل أيديهم بل أنشأها الله، ومن حذف الهاء عطفها على ثمره، أي من ثمره ومما عملت أيديهم من الغرس والحرث والبطيخ والحلوى أو غيرها مما يعمل بالأيدي.
الغريب: و "مَا" للمصدر، وهو بعيد، إلا أن يحمل على العطف
على الأرض أي وآية لهم عمل أيديهم.
قوله: (نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ) .
أي نخرج النهار من الليل إخراجاً.(2/959)
الغريب: نخرج منه الشمس، وقيل: نسلخ النهار من الليل فننزعه منه
كما نسلخ الجلد عن الشاة.
قوله: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي) .
أي وآية لهم الشمس. وقوله "تجري" حال من الشمس.
قوله: (لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا)
عن النبي عليه السلام: (مستقرها تحت العرش "، وهي إذا بلغت وسط الفلك صارت كان لها استقراراً.
قال:
. . . . . . . . . . . . . . . .. والشمس حيرى لها بالجو تدويم
وقيل مستقرها انتهاء أمرها عند انقضاء الدنيا.
الغريب: مستقرها منازلها وإن كانت هي جارية فيها لأنها لا تتحول
عنها.
وعن ابن مسعود: "لا مستقر لها".
قوله: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ) .
أي له فحذف الجار، وقيل: قدرناه ذا منازل، فحذف المضاف.
الغريب: جعلنا نفس القمر منازل يزيد وينقص، بخلاف الشمس.
العجيب: قدرنا سيره في منازل فيكون ظرفاً، ومنازل القمر ثمانية
وعشرون، وذهب بعضهم إلى أن السنة الثسمسية ثلاثة عشر دوراً قمرياً.
قوله: (كَالْعُرْجُونِ)
هو عود الشمراخ إذا يبس واعوجّ، ووزنه فعلول.
قال رؤبة:
. . . . . . . . . . . . . . . .. في خِدْرِ ميّاس الدُّمى مُعَرْجَن(2/960)
المصوَّر بصورة الغرجون.
الغريب: وزنه فعلون من عرج، قاله الزجاج، وليس له في الكلام
نظير.
العجيب: قال الحسن: العرجون النخل إذا انحنى حاملًا.
قوله: (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) .
أي في سرعة سيره، الزجاج: لا يذهب أحدهما بمعنى الآخر.
وقيل: لا يدرك أحدهما ضوء الآخر.
قوله: (وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) أي هما يتعاقبان لا يسبق أحدهما
الآخر فيفوته.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن المعنى: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ، لاختلاف مكانيهما، ولا الليل سابق النهار لاختلاف
زمانيهما.
ومن الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن التقدير: لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولا القمر يبغي له أن يدرك الشمس، فكنى عن القمر بالليل، وعن النهار بالشمس.
العجيب: استدل بعضهم بالآية على أن النهار سابق الليل وهذا خلاف
الإجماع.
قوله: (فِي فَلَكٍ) ، قيل: الفلك والسماء واحد، وقيل: الشمس
والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض غير ملصقة بالسماء.
قوله: (ذُرِّيَّتَهُمْ) .
قيل: هم الآباء، وقيل: هم الأبناء، وكانوا يترفهون ويبعثون أبناءهم(2/961)
إلى التجارات. وقيل: حملنا ذريتهم بحملهم لأنهم في أصلاب الآباء.
قوله: (في الفلك) أي السفينة البكيرة.
العجيب: قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: الذرية النطف.
والفلك المشحون بطون النساء.
قوله: (وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) .
يريد السفن، مثل سفينة نوح. وقيل: الصغار منها مثل سفن الأنهار.
الغريب: هو الإبل، وإنها سفن البر. ويدفع هذا قوله عز وجل:
(وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ) .
العجيب: قال أقضى القضاة: يجوز أن يكون ما يركبون النساء؛ لأنهن
خلقهن لركوب الأزواج. قال وقلت: هذا على وزن قول علي - كرم الله
وجهه -.
قوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) .
جوابه محذوف، أي أعرضوا، ودل عليه الآية الثانية.
قوله: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) .
متصل بكلام الذين كفروا، وقيل: استئناف من الله تعالى، وقيل:
تقديره قولوا ما تنظرون، أي ما ينتظرون، والمعنى: يلحقهم لحوق المنتظر
وإن لم يكونوا ينتظرونه.
قوله: (يَا وَيْلَنَا) .
نداء مضاف، والمعنى: يا ويلنا تعالَيْ فهذا أوانُكِ.
الغريب: أراد يا هؤلاء) : فحذف المنادى ويلانا، نصب على المصدر
كقوله: سقياً ورعياً، ثم حذف اللام وأضيف.(2/962)
العجيب: أراد وي لنا.
قوله: (هذا) ، قيل: محله جر صفة لـ (مَرْقَدِنَا) ، و "مَا" رفع بالابتداء.
والخبر مضمر أي كائن.
الغريب: رفع، والتقدير بعثكم ما وعد الرحمن، أي وعده، وهذا
ضعيف، لأنه لا يمكن عطف "وَصَدَقَ" عليه، والجمهور: على أن "هذا" رفع
بالابتداء و "ما وعد" خبره، والقائلون لهم الملائكة، وقيل: المؤمنون، وقيل: الكفار.
قوله: (فَاكِهُونَ) .
خبر إن "مُتَّكِئُونَ" خبر المبتدأ، والمبتدأ هم وأزواجهم"، وقيل: هم
وأزواجهم المبتدأ، "فَاكِهُونَ" الخبر تقدم عليه، وقيل: يرتفع "هم وأزواجهم" بقوله: فاكهون وفاكهون خبر إن - كما ذكرت -، فيكون صفة لفاكهين.
قوله: (وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) .
يفتعلون من الدعاء، أي ما يدْعون الله به، وقيل: ما يتمنون.
الغريب: من ادعى في الجنة شيئاً فهو له، فليس ثم خصومة ولا
منازعة، ولا يدعي أحد الا ما يحسُن.
قوله: (سَلَامٌ) .
بدل من (مَا يَدَّعُونَ) .
و"قَوْلًا" نصب على المصدر أي لهم سلام
يقول الله قولاً، وقيل: (سَلَامٌ) صفة لـ (يَدَّعُونَ) ، أي لهم ما يدعون خالص
وعلى هذا يكون "مَا" نكرة، و "قَوْلًا" نصب على المصدر أيضاً، أي قاله الله
قولاً.
الغريب: قولاً، أي عدة من رب رحيم.(2/963)
قوله: (وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) .
أي لو نشاء لأعميناهم في الدنيا فاستبقوا طريق منازلهم فأنى يبصرون
الطريق وقد أعميناهم. وقيل، أعميناهم عن الهدى فأنى يبصرون طريق
الرشاد.
الغريب: ولو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم فأبصروا الرشد، فأنى يبصرون
ولم يفعل ذلك.
العجيب: عبد الله بن سلام، قال: في الآية: إذا كان يوم القيامة
ومد الصراط، نادى مناد ليقم محمد - عليه السلام - وأمته، فيقوم برهم
وفاجرهم يتبعونه ليجاوزوا الصراط، فإذا صاروا عليه، طمس الله أعين
فجَّارهم، فاستبقوا الصراط فأنى يبصرونه حتى يجاوزوه، ثم ينادي مناد ليقم
عيسى وأمته، فيقوم فيتبعونه فيكون سبيلهم تلك السبيل، وكذلك سائر الأنبياء - عليهم السلام. حكاه النحاس -.
قوله: (وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) .
أسند الكلام إلى الأيدي، والشهادة إلى الأرجل، لأن العمل كان
بالأيدي فشهادتها إقرار، فعبر عنها بالكلام، والرجل كانت حاضرة، والحاضر يكون شهيداً.
قوله: (عَلَى مَكَانَتِهِمْ) .
أي في منازلهم.
الغريب: "عَلَى مَكَانَتِهِمْ "، أي في الساعة، والحال، والمكان والمكانة
والمكنة واحد.(2/964)
قوله: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ) .
أي إنشاؤه وصنعته، (وما ينبغي له) أن يقول شعراً، لأنه يورث شبهة.
ولم يكن للنبي - عليه السلام - طبع الشعر، لا صنعة ولا رواية، فإن
عائشة - رضي الله عنهما - قالت: أراد النبي - عليه السلام - أن يتمثل ببيت أخي قيس، فقال:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلًا. . . ويأتيك من لم تزود بالأخبار
فقال له أبو بكر - رضي الله عنه -: إنما، ويأتيك بالأخبار من لم
تزود.
فقال - عليه السلام -: ما علمت وما ينبغي.
وقوله:
هل أنت إلا إصبعْ دَمِيَتْ. . . وفي سبيلِ اللهِ ما لَقِيَتْ
وقوله:
أنا النبي لا كذبَ. . . أنا ابن عبد المُطلب
فإن دميت من غير إشباع، ولقيت بالسكون للوقف، فلا يكون موزوناً.
وكذلك لا كذب بفتح الباء، المطلب بكسر الباء.
الغريب: هذا رجز، والرجز غير الشعر، والراجز غير الشاعر، والرجز
يأتي ناقله مسدساً ومجزوءاً ومشطوراً ومنهوكاً، ولعبد الصمد بن المعدل
قصيدة على جزء واحد، قال:(2/965)
هذا الرجل
لما احتفل
أهدى بصل
فجعل كل مستفعلن بيتاً، ولم يورده الخليل، وضعَّف هذا القول
بعضهم، وقال: الهزج والرمل دائرة، والهزج والرمل شعر بالإجماع، فكذلك الرجز، قال: وكونه مجزوءاً ومشطوراً ومنهوكاً لا يخرجه عن الشعر، فقد جاء
هَلْ بالدِّيَا. . . رِ أَنِيسٌ
وهو بيت تام، وحروفه أقل من حروف المنهوك.
العجيب: إن الله نفى الشعر عن القرآن، أي وما علمناه الشعر، وإنما
علمناه القرآن، وما ينبغي للقرآن أن يكون شعراً.
فإن قيل: قد جاء في القرآن ما يقع موزوناً.
الجواب: الشعر كلام موزون مقفى، والقاقية إنما تظهر
بالبيت الثاني، وليس في القرآن ما يوافق بيتين، والصحيح، إنه لم يكن للنبي
طبع الشعر ألبتة، ولما جرى على لفظه.
هل أنت إلا إصبعْ دَمِيَتْ. . . وفي سبيلِ اللهِ ما لَقِيَتْ.
انقطع الوحي أياماً حتى قيل: إن محمداً قد ودعه ربه وقلاه، فأنزل الله
(والضحى) ، وهذا أحدُ ما ذُكِرَ في سبب انقطاعِ الوحي تلك المدة.
قوله: (عَمِلَتْ أَيْدِينَا) .
أسند الفعل إلى الأيدي تأكيداً ليعلم أن الله خلقها بذاته سبحانه من
غير واسطة.(2/966)
الغريب: قال الحسن: (أَيْدِينَا) قوتنا، بدليل قوله: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ) ، حكاه أقضى القضاة، وهذا لأن أيدي جمع يد، والأيد والقوة
واحد، ووزنه فعل، وأيدبنا موزنه أفعُل، قلبت الضمة كسرة لتصبح الياء.
قوله: (فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) .
أي ملك اليمين، وقيل: مالكون: قابضون ضابطون.
قال الشاعر:
أصبحت لا أحمل السِلاحَ. . . ولا أملك رأسَ البعيرِ إن نَفرا
قوله: (مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا) .
يريد المرخ والقفار، والمفسرون على أن في كل شجر ناراً إلا
العناب.
العجيب: عن أحمد بن أبي معاذ النحوي: من الشجر الأخضر يعني
إبراهيم، ناراً أي نوراً وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
(فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) تقتبسون الدين.
قوله: (مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) . هو الملْك بأبلغ الألفاظ.
العجيب: قرىء "ملكة كل شيء" في الشاذ، وكذلك ملكوث - بالثاء -، وهو اسم أعجمي.
(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي إلى الجنة أو النار.
اللهم اجعلنا من أهل الجنةِ وأعذنا من النارِ.(2/967)
سورة الصافات
قوله تعالى: (وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) .
أي الملائكة، وقيل: المصلين.
الغريب: القُراء.
العجيب: الطيور في الهواء.
قوله: (فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا (2) .
أي الملائكة، وقيل: المصلين يرفعون أصواتهم بالقراءة.
الغريب: الغزاة تزجر أعداء الله.
العجيب: آيات القرآن.
قوله: (فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا (3) .
أي الملائكة، وقيل: المصلين، وقيل: الغزاة يذكرون الله بالتكبير
والتهليل.
الغريب: قراء القرآن.(2/969)
العجيب: آيات القرآن أقسم الله بها لشرفها.
وقيل: تقديره وربِّ الصافاتِ، والقول الأول أظهر.
قوله: (إن إلهكم) .
جواب القسم، وفيه الرد على الثنوية.
الغريب: أجاز الكسائي فتح أن في جواب القسم.
قوله: (وَرَبُّ الْمَشَارِقِ) .
أي مطالع الشمس، ولها ثلاثمائة وخمس وستون مطلعا، وقيل: مائة
وثلاث وثمانون مطلعاً، فإذا انتهت إلى آخرها رجعت، وخص المشارق
بالذكر، لأن الشروق قبل الغروب، ولأن الشروق ينبىء عن الغروب.
الغريب: كل ما طلعت عليه الشمس من الأرض فهو مشرق.
قوله: (الدنيا) .
صفة السماء، والمراد الدنيا من الأرض.
العجيب: ليست الكواكب في السماء الدنيا، بل تظهر منها، فلهذا
صارت زينة لها.
قوله: (بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)
من أضاف فوجه قراءته ظاهر، ومن نوَّن
وَجَرّ الكواكب فهي بدل من (زينة) ، ومن نوَّن ونصب الكواكب، أعمل
المصدر، وهي زينة في الكواكب، أي زينت السماء بتزين الكواكب، قاله أبو علي(2/970)
وقيل: بدل من زينة على المحل، قال النحاس: أعني الكواكب.
وهو ضعيف.
قوله: (لَا يَسَّمَّعُونَ) .
أي لأن لا يسمعوا، فلما حذف أن رفع الفعل، وقرىء: (يَسَّمَّعُونَ)
مشدداً، أي يتسمعون، فأدغم التاء في السين، ومعنى تسمع سمع في
مهله شيثاً بعد شيء، وفيه معنى الإصغاء، وهذا الوجه أظهر من قراءة من قرأ (يسمعون) ، لمكان "إلى" ووجهه أن يجعل معنى يسمعون، يصغون.
قوله: (الْمَلَإِ الْأَعْلَى)
هم الملائكة، وقيل: الكتبة من الملائكة.
الغريب: الحسن، الْمَلَإِ الْأَعْلَى السماء.
قوله: (دُحُورًا) .
الدحر، الطرد، ونصبه على المصدر، لأن القذف يؤدي إلى معنى
الزجر، وقيل: فعله مضمر، أي ويدحرون دحوراً.
الغريب: جمع دحر، وهو ما يدحر به من حجر أو كوكب، وتقديره
بدحور، فحذف الجار، وتعدى الفعل إليه بغير واسطة.
العجيب: دُحُورًا، حال أي ويقذفون من كل جانب مدحورين.
قوله: (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) .
استثناء فقطع، وخبره "فأتجعه شهابإ.
الغريب: استثناء من قوله: (لَا يَسَّمَّعُونَ) وفيه نظر، ومحله رفع.
قوله: (شِهَابٌ ثَاقِبٌ)
أي مُضيء من الثقوب، وقيل: ماضي من الثقب
ويقال لتلك الشهب كواكب الأخذ.
الضحاك: الكواكب التي نراها لا يرجم.
والتي يرجم بها الشياطن لا يراها الناس. أبو علي: الكواكب أنفسها لا(2/971)
يُرجم بها لأنها ثابتة لا تزول عن السماء، ولا تفقَد، إنما ينفصل عنها شهاب
يُحرِق.
العجيب: تصيبهم الكواكب ثم تعود الكواكب إلى مكانها، ثم
اختلفوا، فقال بعضهم: إذا قذفوا احترقوا، وقيل: تصيبهم آية فلا يعودون، وقيل: لا يموتون بذلك بل يحسون بها فلا يرجعون، ولهذا لا يمتنع غيرهم
عن ذلك، وقيل تصيبهم مرة ويسلمون مرة، فصاروا في ذلك كراكبي السفينة للتجارة وغيرها.
قوله: (فَأَتْبَعَهُ) أي لحقه.
قوله: (أَمْ مَنْ خَلَقْنَا) .
أي قبلهم كعاد وثمود، وقيل: أَمْ مَنْ خَلَقْنَا، يعني أبنو آدم أشد خلقاً
أم الملائكة.
الغريب: أَمْ مَنْ خَلَقْنَا، يعني السماء، قوله: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ) فيكون بمعنى ما ذكر الازدواج.
قوله: (بَلْ عَجِبْتَ) .
خطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مدح له وذم لهم، فقد قيل: لا خير فيمن لا يتعجب من العجب، وأرذل منه المتعجب من غير عجب.
وعجبتُ - بالضم - له وجهان، أحدهما: قل يا محمد بل عجبت.
والثاني: خلو محل من يتعجب منهم.
والعجب على الله غير جائز، فإن العجب تغير
النفس بما خفي فيه المسبب.
الغريب: أجاز بعضهم إسناد لفظ العجب إلى الله سبحانه، كقوله:(2/972)
(وَمَكَرَ اللَّهُ) ، (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ، ومثله: (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ)
في أحد الوجهين.
العجيب: ترى الحسن فتستحسنه، وترى القبيح فتنكره، فعلى هذا
معنى عجبت أنكرت ما عليه الكفار.
قوله: (فإنما هي) .
أي القيامة، وقيل: نفخة القيامة.
قوله: (الَّذِينَ ظَلَمُوا) .
أي الكافرين.
الغريب: الثوري: الشُرَط.
قوله: (وَأَزْوَاجَهُمْ) قرناءَهم وأتباعَهم وأمثالَهم.
الغريب: الحسن: ونساءهم، أي احشروا المشركين والمشركات.
قوله: (عَنِ الْيَمِينِ) .
خص اليمين بالذكر، لأن العرب تتيامن بمن يأتي من اليمين، ومنه
السانح، أي تأتوننا عن أيمن الوجوه كأنكم تنصحوننا، فجنحنا إليكم فهلكنا، وقيل: اليمين الخير، أي تُروننا أنكم تريدون بنا الخير.
الغريب: تُكْرِهوننا عليه، واليمين، القوة.(2/973)
العجيب، أي حلفتم أنكم على الحق، واليمين الحَلِف، الحسن: عن
اليمين: المال ترغبوننا فيه.
قوله: (يَسْتَكْبِرُونَ (35) .
خبر كان، وكان وخبره خبر "إن".
الغريب: كان في الآية زيادة و "يَسْتَكْبِرُونَ" خبر إن وإذا ظرف يَسْتَكْبِرُونَ
تقدم عليه.
قوله: (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) .
لأن مجيء المخبَر به يصدِّق المخبِر.
قوله: (إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ) .
استثناء من الجزاء، والمعنى جزاؤهم أضعافاً مضاعفه، وقيل: متصل
بالذوق، أي يذوقون إلا عباد الله.
الغريب: الاستثناء منقطع، والمعنى لكن عباد الله المخلصين، (لهم
رزق معلوم) .
قوله: (فَواكِهُ) .
جمع فاكهة، والفاكهة ما يؤكل تلذذاً، لا للقوت وِحفظ الصحة
قوله: (مَعِينٍ) .
فعيل، من المَعْن، وهو المنفعة، وقيل: من الإمعانِ في السيرِ، أي
جار وقيل: من مَعَنت الركية جرى ماؤها، ومعن الماء، إذا جرى على
وجه الأرض.
قوله: (بَيضَاءَ) .
صفة للكأس.(2/974)
الغريب: صفة للخمر.
قوله: (بَيْضٌ مَكْنُونٌ) .
مصون كبيض النعام تكنها بريشها من الشمس والريح والغبار.
الغريب: شبهن بالماح مسلوقا.
العجيب: ابن عباس: البيض المكنون، الدر في صدفه.
قوله: (إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ) .
قيل: كانا أخوين، وقيل: شريكين.
الغريب: كانا أخوين، وهما فطروس الكافر ويهود المسلم وقصتهما في
الكهف.
قوله: (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) .
قيل هذا من كلام أهل الجنة بعضهم لبعض سروراً بذلك، وقيل: هم
يسألون الملائكة عنه فيقولون: لا، فيقول أهل الجنة: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) .
الغريب: هذا من تمام كلام القرين.
وقوله: (فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)
قيل: من كلام الله، وقيل: من تمام كلامه أيضاً.
العجيب: إلا في الآية بمعنى بعد، وعند الجمهور معناه لا نموت إلا مرة.
الغريب: الاستثناء منقطع، والتقدير لكن الموتة الأولى قد كانت في
الدنيا.(2/975)
قوله: (شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) .
قطرب: الزقوم شجرة مرة تكون بتهامة.
وذكر جمهور المفسرين:
أنه لما نزلت شجرة الزقوم قال ابن الزبعري لصناديد قريش: إن محمداً
يخوفنا بالزقوم وإن الزقوم بلسان البربر وإفريقية الزبد والتمر، ثم إن أبا جهل
لما سمع ذكر الزقوم أدخلهم بيته وقال: يا جارية زقمينا، فأتتهم بزبد وتمر.
فقال: تزقموا، فهذا ما يوعدكم به محمد، فأنزل الله صفة الزقوم، فقال:
(إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) .
وفيها ثلاثة أقوال، أحدها: أن الشياطين شجر معروف عند العرب قبيح يسمى الأسين، والثاني: الشيطان نوع من الحيات خفاف لها أعراف ورؤوس قباح.
والثالث: إن الشيء إذا استقبح شبه بوجه الشيطان ورأس الشيطان، لقبحه
في زعم الناس، وإن لم يكونوا رأوه.
الغريب: مقاتل: هي حجارة سود تكون حول مكة بالجبال تسمى
رؤوس الشياطين.
قوله: (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) .
أي مأواهم ومنقلبهم. وقيل: يطوفون بينها وبين حميم، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68.
وقيل: هذا كقولهم: فلان يرجع إلى مال ونعمة، أي هو فيها.
الغريب: "ثُمَّ" متعلق بالإخبار، أي ثم أخبركم أن مرجعهم لإلى
الجحيم.
العجيب: "ثم" مع الجملة قد يأتي دالاً على التقديم. كقوله: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) .(2/976)
قوله: (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) .
أي لنوح، وقيل: عام، أي فلنعم المجيبون نحن لمن دعانا.
قوله: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) .
الناس كلهم بنو نوح ومن ذريته، وكان بنوه ثلاثة: سام وحام ويافث.
العرب والعجم أولاد سام، والروم والترك والصقالبة، أولاد يافث، والسودان أولاد حام.
قال:
عجوزٌ من بني حَام بن نوح. . . كأنَّ جَبينَها صَخْرُ المقامِ.
قوله: (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) .
فيه قولان: أحدهما: تركنا عليه قول الناس سلام على نوح. فيكون
رفعاً على الحكاية، كقوله: (قل الحمد لله) .
والثاني: وتركنا عليه ثناء حسناً، ثم استأنف، فقال سلام فيكون السلام من الله سبحانه.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن معنى تركنا عليه أثنينا عليه أو
سلمنا عليه. لأن الظاهر في القولين الأولين تركنا له، لا عليه، ولا يجوز أن
يكون عليه متعلقا بالثناء المضمر، وقرأ ابن مسعود: "سلاماً" بالنصب.
(إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) .
أي جزاء كذلك نجزي، فهو بالنصب على المصدر.
قوله: (مِنْ شِيعَتِهِ) .(2/977)
أي من شيعةِ نوح.
الغريب: من شيعةِ محمد - عليه السلام -، قاله الفراء، على منهاجه
ودينه، وإن كان سابقاً.
قوله: (إِذْ جَاءَ) .
متصل بمعنى الشيعة، أي تبعه.
(إذ قال) ، بدل منه.
قوله: (أَئِفْكًا) .
منصوب بقوله "تُرِيدُونَ".
(آلِهَةً) بدل.
الغريب: "أَئِفْكًا" حال أي كاذبين.
قوله: (فِي النُّجُومِ) .
أي في عالم النجوم، وكتبها، وكان علماً نبوياً فنسخ، وقيل: نظر إلى
نجوم السماء.
الغريب: جمع نجم وهو مصدر) : أي فيما نجم لهم من الرأي، قاله
المبرد. وقيل: جمع نجم الأرض وهو النبات.
العجيب: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ، أي فكر في الحيل.
قوله: (إِنِّي سَقِيمٌ) .
أي مريض، والمرض: خروج النفس من الاعتدال، وقيل من يخلو من
ذلك، وقيل: المراد به الموت، وهو يلحقه لا محالة، وقيل: مطعون، وكانوا يخافون العدوى.(2/978)
الغريب: معناه إني سقيم إذ لست على بصيرة من ديني، وذلك حين
نظر في النجوم، من قوله: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ) الآيات، وقيل: كان
كاذباً، لقوله - عليه السلام: " لقد كذب إبراهيم ثلاث كذبات، ما منها
واحدة إلا وهو يناضل عن دينه، وهو قوله: إني سقيم، وقوله: (بل فعله
كبيرهم) : وقوله لسارة: هذه أختي) .
ومن الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن معنى قوله: " إني سقيم".
أي ذو داءٍ، من قوله - عليه السلام -: (كفى بالسلامة داء) ، فكنى عن
السلامة بالسقم.
قوله: (أَلَا تَأْكُلُونَ) ، (مالَكم لا تَنطِقون) .
الجمهور على أن إبراهيم - عليه السلام - قال هذا: استهزاء بالأصنام.
وقيل: كان يوضع عندها الطعام ليتبرك به.
الغريب: كان يوضع بين يديها الطعام فتأكله خدم الأصنام، وكذلك
ينطق الخدم وضعفة الكفار يزعمون أن الأصنام تأكل وتنطق، فلما خرجوا
للعيد دخل عليها إبراهيم وبين أيديها الطعام، قال: أَلَا تَأْكُلُونَ كسائر الأيام، ألا تنطقون على عادتكم.
قوله: (باليمينِ) .
أي باليد اليمنى، فإنها أقوى، وقيل: بالقوة.
الغريب: باليمين التي سبقت منه، وهو قوله: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ) . الآية.(2/979)
قوله: (يَزِفُّونَ) .
أي يسرعون، وقيل: هي مشية فيها مهل، من زفيف النعامة، وهو
ابتداء عدوها.
الغريب: هي مشية فيها اختيال من قولهم: زفت العروس. ومن قرأ
بالضم فالمعنى يزفون دوابهم، قاله أبو علي. وقيل: أزف الرجل، إذا صار
إلى حال الزفيف.
قوله: (وَمَا تَعْمَلُونَ) .
أي وأعمالكم، وقيل: وأصنامكم.
الغريب: وما تعملون منه الأصنام.
قوله: (الْأَسْفَلِينَ) .
- أي أسفل في أمره سفال، وقيل: أفعل ها هنا للمبالغة لا للمشاركة كما
سبق في قوله: (أَحْسَنُ مَقِيلًا) ، ولم تحرق النار من إبراهيم إلا قيدَه.
لأن الله منع النار التحرك في جهته فلم تداخله، والنار تحرق الأجسام
بالمداخلة.
قوله: (إِلَى رَبِّي) .
أي من ربي، وحيث أمرني ربي إلى قضائه وقدره.
العجيب: إلى الموت كما يقال للميت: ذهب إلى الله، قاله حين رمي
في النار.
قوله: (مِنَ الصَّالِحِينَ) .
الموصوف محذوف، أي أولاداً من الصالحين، والصالحون الأنبياء.(2/980)
قوله: (بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) ، وفي الأخرى "عَلِيمٍ" أي عليم في صباه حليم إذا بلغ.
قوله: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) .
يمشي مع أبيه في منافعه، وقيل بالسعي في عبادة الله، وقيل: بلغ
مبلغ الرجال، وقيل: كان له يومئذ ثلاث عشرة سنة.
قوله: (أَرَى فِي الْمَنَامِ)
ذكر بلفظ المستقبل، لأنه كان يرى ذلك في منامه ثلاث ليال.
واختلفوا في الذبيح، فذهب جماعة إلى أنه إسماعيل.
واستدلوا على ذلك بقوله سبحانه، بعد قصة إسماعيل: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ) وبقوله - عليه السلام -: " أنا ابن الذبيحين "، يعني إسماعيل
وعبد الله، وبأن المذبح بمكة، وكان إسماعيل بمكة، وهو الذي قال فيه:
(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) ، ولم يكن إسحاق
بمكة، وكان قرنا الذبيح معلقين على باب الكعبة إلى أن احترق البيت.
واحترق القرن أيام ابن الزبير والحجاج، وكان ميراثاً لولد إسماعيل عن
أبيهم، وذهب جماعة إلى أنه إسحاق، واستدلوا بقوله - عليه السلام - وقد
سئل عن أشرف إنسان: (يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن
إسحاق ذبيحٍ الله بن إبراهيم خليل الله".
وأجابوا عن قوله: (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا) أنه بشر به أولًا، ثم بُشِّر بنبوته ثانياً، وزادوا وقالوا: قد عين
في موضع، فقال: (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ) ، وفي موضع آخر (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ) فيحمل (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ) عليه، لأن المبهم يحمل على(2/981)
المفسر، وأجاب الأولون عن قوله: إسحاق ذبيح الله، أن الصحيح من قول
النبي - عليه السلام - أنه قال: " الكريم بن الكريم بن الكريم: يوسف بن
يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم "، والزوائد من الراوي. وقالوا: فلما قال:
(فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)) .
علم إبراهيم - عليه السلام - أنه لم يؤمر بذبحه، ثم اختلفوا، فقال بعضهم: كان مأموراً بالذبح، لأن رؤيا الأنبياء حق، ولقوله: (افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ)
فذبحه والتام، وقال
بعضهم: كان مأموراً بالذبح ونسخ بالفداء، وقيل: لم يكن مأموراً بذبحه.
وكان يمر السكين على قفاه وحلقه صفحة من نحاس منعت السيهن عن
القطع، وقيل: كان مأموراً بالقدر الذي وجد منه بدليل قوله: (قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا) .
الغريب: رؤيا الأنبياء تنقسم قسمين:
رؤيا تقع كما تُرى، وذلك مثل ما رأى النبي - عليه السلام - أنه يدخل المسجد الحرام ومعه المؤمنون، فكان
كما رأى، لقوله: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ) الآية.
ورؤيا تعبر فتقع على غير ما يرى، كرؤيا يوسف عليه السلام، وهو قوله: (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا) الآية، فكانت أخوة يوسف وأبويه، لقوله: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ) الآية، وبعدها (هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ) ، وكانت رؤيا إبراهيم من القبيل الثاني، فاحتاط، فأخذ بظاهرها وعدها من القبيل الأول فقصَدَ ذبحَه، ففداه الله، وقال: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) ، وصفه(2/982)
بالعظم، لأنه فُديَ به نبي، وقيل: لأنه رعَى في الجنة أربعين خريفا، وقيل:
وهو قربان هابيل، وقيل: عظيم لأنه متقبل.
الغريب: كبش أحدثه الله في الوقت.
العجيب: الحسن: وَعِل أروَى نزل من جبل ثبير.
قال الشيخ الإمام: يحتمل أنه إنما وصفه بالعظم لبقاء أثره إلى بوم
القيامة، لأنه ما من سَنَةٍ إلا ويُذبح بسب ذلك من الأنعام ما لا يحصيه إلا الله تعالى.
قوله: (كَذَلِكَ نَجْزِي) .
ولم يقل: إنا كذلك لأنه قد تقدم في القصة إنا كذلك، ولأنه بقي من
القصة شيء، وسائر ذلك وقع بعد عام القصة.
قوله: (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) .
قيل: إلياس اسم لإدريس - عليه السلام -، وفي حرف ابن مسعود.
"وإن إدراس لمن المرسلين، سلام على إدراسين"، وفي حرف أبي: "وان
إيليس لمن المرسلين. سلام على إيليسين"، وذهب جماعة إلى أن إلياس
نبي من سبط هارون بعثه الله إلى بني إسرائيل، وكان فيهم ملك يقال له:
أجب، وله امرأة يقال لها: إزبيل، وكانت تبرز للناس كما يبرز زوجها.
وتجلس للحكم كما يجلس زوجها، فأتاهما إلياس ودعاهما إلى الله فأبيا
عليه، وهمَّا بقتله فاختفى منهما سبع سنين، وكان اليسع خليفته فآلَ. أمره
إلى أن أوحى الله إليه، اخرج إلى موضع كذا فما جاءك فاركبه ولا تهبه.
فجاءه فرس من نار فوثب عليه، وناداه خليفته اليسع: يا إلياس ما تأمرني
فرمى إلياس إليه بكسائه من الجو، وكان ذلك علامة اسنخلافه إياه على بني(2/983)
إسرائيل ورفع الله إلياس من بين أظهرهم، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب.
وكساه الريش، فكان إنسياً ملكياً أرضياً سماويا.
الغريب: إلياس موكل بالفيافي، كما وُكِّل الخَضر بالبحار، وهما آخر من
يموت من بني آدم.
العجيب: قد هلك إلياس والخضر، ولا نقول ما يقول الناس: إنهما
حيان - والله أعلم -.
قوله: (أَتَدْعُونَ بَعْلًا) .
قيل: اسم صنم لقوم يسكنون موضعاً يقال له: بك، فركبا فصار
بعلبك، والبعل: الرب، والبعل: السيد، والبعل: الرب المملك.
العجيب: اسم امرأة عبدها قوم وقيل: اسم نَبِي عبده أهل ذلك
الزمان.
قوله: (إِلْ يَاسِينَ) .
لغة في إلياس، وقد سبق، وقيل: أصله الياسيين بياء النسب، وقرىء
آل ياسين، وياسين: اسم محمد - عليه السلام -، وآله. عترته والمؤمنون
وهو معهم كما قال: آل فرعون وهو معهم، وقيل: "آل" زيادة.
العجيب: ياسين اسم كتاب من كتب الله، فصار كقولك: آل القرآن.
حكاه أبو علي الجبائي.
قوله: (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) .(2/984)
لبقي هو والحوت إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وقيل: يموت الحوت فيبقى هو في
بطنه، وقيل: يموتان، ثم يحشر يونس من بطنه، ولم يلبث لكونه من
المسبحين.
قوله: (بِالْعَرَاءِ) .
العراء، وجه الأرض، وقيل: الساحل.
قوله: (شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) .
الجمهور: على أن اليقطين من الشجر، ما له ورق عريض منبسط على
وجه الأرض، والأكثرون على أن المراد بها في السورة القرْع.
الغريب: خص بالقرع، لأنه لما خرج من بطن الحوت كان كالفرخ
الممعَّط وكان يؤذيه وقوع الذباب عليه، وورق الدبا لا يحوم حوله الذباب ولا يقع عليه.
العجيب: كانت تختلف إليه، وعلة يشرب من لبنها.
قوله: (أَوْ يَزِيدُونَ) .
لا يجوز أن يكون أو يزيدون عطفاً على قوله (مِائَةِ أَلْفٍ) لأنه فعل.
والتقدير إلى مائة ألف أو جماعة يزيدون على مائة ألف، والمعنى: لو رآهم
واحد منكم لقال: مائة ألف أو يزيدون، و "أَوْ" للإبهام في حق المخاطبين.
وقول من قال: بل يزيدون ضعيف.
قال الشيخ الإمام: ويحتمل أن التقدير، ويزيدون على مرور الزمان، فيكون استئناف كلام.
قوله: (أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) .
من فتح جعله استفهاماً ووصله بقوله: (ألربك الاتِ) ، ومن كسره
جعله بدلًا من قوله: (وَلَدَ اللَّهُ) ، أو أضمر القول على تقدير ليقولون ولد
الله، ويقولون اصطفى البنات.
قوله: (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا) .(2/985)
الجِنَّة، الملائكة عند بعضهم، سموا بذلك لاستتارهم عن العيون.
وقيل: لأنهم في الجنان، وعد بعضهم الجن المعروف.
عكرمة، قالوا:
سَرَوَات الجن بنات الرحمن.
الغريب: قال الكلبي: قالوا: الباري سجانه تزوج من الجن فظهر
منها الملائكة.
العجيب: أراد بالنسب الإخوة، وزعم بعض الكفار أن الباري تعالى
وإبليس أخوان، والنور والخير من الله، والظلمة والشر من إبليس.
ومن الغريب: قال الحسن: أشركوا الشيطان في عبادة الله، فهو
النسب الذي جعلوا بين الله وبين الجِنة.
قوله: (بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ) .
نصب ب "فَاتِنِينَ"، وقيل: تقديره (بِفَاتِنِينَ أحداً إلا مَنْ، فهو نصب على
الاستثناء.
وقوله: (صَالِ الْجَحِيمِ)
وله وجهان، أحدهما: صالوا على الجمع.
فحذف الواو اكتفاء بالضمة، والثاني: من باب شاكي السلاح أي شائك.
قوله: (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164) .
أي ملك أو أحد الاَّ لَهُ.
العجيب: قال الكوفيون: إلا من له مقام، وهذا لا يجوز عند
البصريين وقوله: ((وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)
الجمهور على أنهم الملائكة، وكذلك، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (166) .
الغريب: قتادة، كان يصلي الرجال والنساء معاً حتى نزلت (وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)(2/986)
فتأخرت النساء، قال: وكانوا يصلون مفرداً حتى نزلت
((وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (165) ، وقيل: ليس ما ولا منكم أيها الكفار إلا له مقام معلوم يوم القيامة بين يدي الله سبحانه وتعالى.
قوله: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا) .
هي قوله: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا) الآية.
وقيل: هو قوله: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية، ولم يقتل نبي في معركة.
قوله: (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) .
جمع الآية حملاً على المعنى، بخلاف قوله: (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ) فوحد.
قوله: (رَبِّ الْعِزَّةِ) .
أي ذو العزة، لأن العزة صفته لا مربوبة، في الحديث، أن ابن
عباس - رضي الله عنهما - سمع رجلاً يقول: اللهم رب القرآن، فأنكر عليه، وقال القرآن ليس بمربوب، ولكنه كلام الله.
قوله: (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) .
عمم الرسل باللام ما خص بعضهم في السورة، لأن تخصيص كل
واحد بالذكر يطول، وعن علي - كرم الله وجهه -: من أحب أن يكتال
بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة، فليكن آخر كلامه من مجلسه "سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ" إلى آخر السورة - والله أعلم.(2/987)
سورة ص
قوله تعالى: (ص) .
الكلام فيه كما في سائر الحروف التي وقعت أوائل السور.
الغريب: هو اسم بحر عليه عرش الرحمن، وقيل: اسم بحر يعني به
الموتى، وقيل: صدق الله، ومن فتحه، ففيه تقديران:
أحدهما: أنه حركه بالفتح لالتقاء الساكنين، والثاني: اسم للسورة وهو منصوب، أي اقرأ (ص) ، ولم ينون لأنه لا ينصرف.
العجيب: معناه صاد محمد قلوب العباد من الصيد، ومن كسره
فلالتقاء الساكنين.
الغريب: هو أمر من صادى يصادي، والواو في (والقرآنِ) بدل من
الباء، أي صاد بالقرآن عملك، ذكره أبو علي.
ومن الغريب: " ص" قسم "والقرآنِ" عطف، عليه، والجمهور على أن
"والقرآن" قسم واختلفوا في جواب القسم، فقيل: جوابه إن ذلك الحق.
وقيل: إن كل وقيل: مضمر، أي لتبعثن.
الغريب: مقدم، أي صدق الله والقرآن. وقيل: اتل ص والقرآن.
كما تقول: قم والله.
صاحب النظم، جوابه بل، والتقدير، ما آمن به قومك.(2/989)
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) .
العجيب: قال الفراء: جوابه "كَمْ"، فحذف اللام كما حذف في
لقد، وهذا ممتنع من وجهين "
أحدهما: أن "كَمْ" له صدر الكلام، فلا يقدم عليه اللام، ولا يدخل عليه، والثاني: أنه مفعول "أَهْلَكْنَا" فلا يدخله اللام.
قوله: (كَمْ أَهْلَكْنَا) .
أي كم قرية، وقيل: كم مرة. "والقرن"، الأمة، وقيل: هو الزمان.
أي أهل قرن، وهو أربعون سنة، وقيل: ستون أو ثمانون، أو مائة وعشرون.
قوله: (فَنَادَوْا) أي بالتوراة، وقيل: رفعوا أصواتهم بالويل.
(وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ)
أولا زيد عليه "التاء" كما زيد في ثمت
وربت، وخص بالدخول على الأزمنة، و "حين " مفتوح به، والجر محذوف، أي لهم -
الغريب: أصله ليس قلب الياء ألفاً وقلب السين ناء. كما قال:
يا قاتلَ اللَّهُ بني السَّعْلاتِ. . . عمرَو بنَ يَرْبُوعٍ شرارَ الناتِ
لَيْسوا بأخيارٍ ولا أَكْياتِ
يريد الناس وأكياس، وكذلك ست أصله سدس بدليل سدس، وكذلك
جبت عند بعضهم أصله جبس، وجنت مهمل، واسم ليس معنى، أي ليس
الحين حين مناص.(2/990)
العجيب: قال أبو عبيد: نظرت في مصحف عثمان فكانت التاء
متصلاً بحين، والعرب تزيد التاء في حين، والآن، فتقول: تحين وتلان.
العاطفونَ تَحين لا مِن عاطِفٍ. . . والمطعمونِ زمانَ ما من مطعِمِ
وقال:
. . . . . . . . . . . . . . . .. وصليا كما زعمتِ تَلانا
فعلى هذا إذا وقفت وقفت على لا، وعلى قول من جعل أصله ليس
وقف على التاء، ومن جعل أصله لات كـ "ثمت وربت" وقف عليه بالتاء عند البصرية، قياساً على التاء في الفعل، نحو: قامت وقعدت، وعند
الكوفية، بالهاء قياساً على التاء في الأسماء، نحو: قائمة ونائمة، وقرىء
في الشواذ "ولاتِ" - بالكسر - على أصل التقاء الساكنين، وقرىء "ولات
حينٌ" - بالرفع - فيكون "لا" بمعنى ليس، والخبر محذوف، أي وليس
الحين حين مناص ولات حين فيكون محمولًا على معنى غير أو غير حين
مناص نادوا.
ومثله قوله:
طلبوا صُلْحَنا ولات أوان. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..(2/991)
أي وغير أوان طلبوا، كما تقول: جاء بلا مال، أي بغير مال، وقول المتنبي:
. . . . . . . . . لات مصطبر (و) . . . . . . . . . . . . . لات مقتحم
من هذا والتقدير، لات حين مصطبر ولا حين مقتحم.
وقرىء "مناص " - بالنصب - على تقدير ونادوا مناص ولات حين، أي نادوا
المناص فحذف الألف واللام، لأن حذف التنوين يدل عليه، ومثله، الْوَحا
الْوَحَا، يقويه ما رواه الكلبي: أن العرب كانوا إذا أحسوا في القتال بفشل
قال بعضهم لبعض" مناص" أي حملة واحدة ينجو فيها من نجا ويهلِك من
هلك.
قوله: (وَقَالَ الْكَافِرُونَ) .
ب "بالواو" في هذه السورة. وفي " ق ": "فقال " بالفاء، لاتصال قوله:
"عجيب " آخر الآية بقوله: "عجبوا" أول الآية في " ق "، وقال في هذه:
"عَجِبُوا" وختم الآية بقوله: "سَاحِرٌ كَذَّابٌ"، وقد ذكرت هذا مستوفى في كتاب "البرهان في متشابهات القرآن ".
قوله: " أَنْ" هي المفسرة، أي امضوا من غير أن تلفِظوا به، بل الحال
دلت عليه، وقيل: تقديره بأن امثسوا، أي انطلقوا متكلمين بهذه الألفاظ(2/992)
فتكون "أن" هي التي تكون مع الفعل في تأويل المصدر.
وعند الخليل محله خفض، وعند سيبويه نصب.
العجيب: "امشوا) معناه اكثروا، من قول العرب: مشت الماشية إذا
كثر نسلها. قال:
والعنزُ لا تَمْشِي مع الهَمَلَّعِ
قال ابن عيسى - منكراً -: لا يقال مشى، وإنما يقال: أمشى الرجل إذا
كثرت مواشيه.
قال الشيخ الإمام: يحتمل أن قائل هذا القول أراد امشوا من
قولهم مشى الرجل إذا استغنى مَشاء - والله أعلم -.
قوله: (جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ (11) .
أي هم جند، ف "هم" رفع بالابتداء، "جُنْدٌ" خبره، و"مَا" زيادة.
و"مَهْزُومٌ" صفة "جُنْدٌ"، "مِنَ الْأَحْزَابِ" صفة أخرى، "هُنَالِكَ" ظرف
لـ (مَهْزُومٌ، والتقدير جند من الأحزاب مهزوم هنالك، وقيل: "جُنْدٌ" مبتدأ، و "هُنَالِكَ" صفة له، أي جند مستقر هنالك، مهزوم خبره، "مِنَ الْأَحْزَابِ" خبر بعد خبر، والوجه هو الأول.
قوله: (إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) .
أي يريده محمد، وقيل: نريده نحن، وقيل: يراد بنا.
الغريب: إن العُلا والرِفْعَةَ يريده كل واحدٍ.
قوله: (قِطْنا) .
نصيبنا، مشتق من قططت أي قطعت، والقِط: الصك، وهو كتاب(2/993)
الجائزة، وقيل: عنوانه العذاب والحساب، وقيل: عنوانه الكتاب. قالوه
حين نزل (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) . استهزاء.
قوله: (إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) .
مطيع رَجْاع إلى الله، مستغفر من ذني.
الغريب: مسبح، بلغة الحشة.
قوله: (يُسَبِّحْنَ) .
كانت الجبال تسبح مع داود - عليه السلام -، وقيل: تسبيحها سيرها
حيث سَيرها.
الغريب: قال أبو القاسم الكعبي في تفسيره: سخرنا أهل الجبال معه.
والضمير في "يُسَبِّحْنَ" يشهد بفساد قوله.
(بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ) آخر النهار وأوله.
الغريب: عن ابن عباس: قال: كنت أمر بهذه الآية لا أدري
بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ، حتى حدثتني أم هانيء بت أبي طالب، أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فدعا بَوضوء توضأ ثم صلى الضحى، وقال: "يا أم هانيء هذه صلاة الإشراق) .
العجيب: الإشراق وقت طلوع الشمس، وهو بعيد. إنما يقال:
شرقت الشمس إذا طلعت، وأشرقت إذا أضاءت.
قوله: (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً) .
زاد الله فيها ما فهمت الأمر والنهي، وقيل الملائكة كانت تحشرها.(2/994)
الغريب: سلط الله عليها من الطير ما قويت على حشرها إليه.
قوله: (وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) .
أي بالجند، وكان يحرُس محرابه كل ليلة ثلاث وثلاثون ألف حارس.
الغريب: شددنا ملكه بالهيبة، وذلك أن غلاماً استعدى على رجل
وادعى عليه بقرة، فأنكر المدعى عليه ولطم الغلام لطمة، فسأل داود من
الغلام البينة فلم يقمها، فرأى داود في المنام، أن اقتل المدعى عليه وسلم
البقرة إلى الغلام، فأخبر بذلك بني إسرائيل، فجزعت بنو إسرائيل، وقالوا:
تقتل رجلاً بأن لطم غلاما لطمة، فقال داود: هذا أمر من الله بذلك، ثم
أحضر الرجل، وأخبر أن الله أمر بقتله، فقال الرجل: صدقت يا نبي الله.
إني قتلت أباهُ غِيلة، وأخذت البقرة، فقتله داود، فعظمت هيبته واشتد ملكه، وقالوا: يقضي بوحي من السماء.
قوله: (وَفَصْلَ الْخِطَابِ)
قال: هو قوله: "البينة على المدعي واليمين على المدعَى عليه "، وذلك، أن الله علق سلسلة من السماء، وأمره
أن يقضي بها بين الناس، من كان على الحق يأخذ السلسلة، ومن كان على
الباطل لا يقدر على أخذها، ثم إن رجلاً غصب من آخر لؤلؤاً، فجعل اللؤلؤ في عصا له ثم خاصمه المدعي إلى داود، فقال: إن هذا أخذ مني لؤلؤاً ولم يرده وإني صادق في مقالتي، فجاء وأخذ السلسلة ثم قال المدعى عليه: خذ مني العصا، فأخذ عصاه، فقال: إني رددت عليه اللؤلؤ وإني صادق في
مقالتي فجاء وأخذ السلسلة، فتحير داود في ذلك، فرفعت السلسلة وأمره بأن يقضي بالبينة واليمين وذلك فصل الخطاب.
ومثل: فصل الخطاب هو قوله
"أما بعد" وهو أول من تكلم به، وفي: إذا حكم فصل، وفي: لم يكن
يتتعتع في كلامه ومحاورته ومخاطبته.
الغريب: هو الفصل يذكر ويكتب بين كلام وكلام.(2/995)
قوله: (نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) .
"إذ" الأول ظرف له نبأ، وهو مصدر، والثاني: بدل منه، وقيل: العامل
في الثاني تسوروا.
الغريب: "إذ" الثاني بمعنى لما، وجوابه "قَالُوا لَا تَخَفْ".
واختلف المفسرون في الخصم، فذهب الأكثرون إلى أنهم الملائكة.
الغريب: كانا آدميين.
العجيب: كانا ملكين على صورة آدميين.
وقيل: لو كانا ملكين لم يقولا "خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ"
ولم يقولا، (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) ، لأن الملائكة لا تكذب
ولايبغي بعضهم على بعض، ولايكونان خصمين، ولا يملكان النعجة ولا
غيرها، بل كانا آدميين، دخلا بغير إذنه في غير وقت الخصوم ففزع منهم.
ولا يأمرهم الله بالكذب أيضاً. وذهب بعضهم إلى أنهما كان ملكين، وقالا:
أرأيت إن كنا خصمين بغى بعضنا على بعض، إلى آخر الآية، وقيل:
تقديره، ما تقول: خصمان قالا بغى بعضنا على بعض، الآيات، إنما هو
مثل.
قوله: (تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) .
النعجة: الأنثى من الضأن، وقيل: كناية عن المرأة، كما كنى عنها
بالشاة والقلوص.
الغريب: النعجة، المرأة الحسناء اللينة الجميلة من النَعَج، وقيل:
النعج الفتور في العين.(2/996)
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24)
وقوله: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ) .
مصدر مضاف إلى المفعول، أي بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه.
الغريب: تقدير الآية، إن كان الأمر على ما قلت فقد ظلمك.
الغريب: أقَرَّ الآخر بما ادعى عليه الأول.
العجيب: قال ذلك قبل أن ينظر في صدق ما ادعى فكان ذلك هو
الذنب الذي ابتلى به داود عليه السلام.
قوله: (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) ، "هُمْ" مبتدأ، "قَلِيلٌ"، خبره و "مَا" صلة.
قوله: (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ)
ابتليناه وشددنا عليه التعبد، وقرىء
في الشواذ "فَتَنَاه" يعني الخصمين، لأنهما ضحكا وذهبا، وقيل: قالا:
حكم على نفسه، لأن الله بعث الخصمين ليعرفا مذهبه في الحكم، فاستغفر
ربه ذنبه. وقال بعضهم: الذي ابتلي به هو أن أوريا خطب امرأة فأراد قومها تزويجها منه، فوصفت لداود فخطبها، فزوجت من داود، فكان ذلك منه
وقوله: (فِي الْخِطَابِ (23)
على هذا القول، فعال في الخطبة، وهو
أحسن ما قيل في الآية، وما ذكره بعض المفسرين: إن داود - عليه
السلام - كان يصلي فجاء طائر كأحسن ما يكون فوقع قريبا منه، فنظر إليه
فأعجبه، فدنا منه ليأخذه فطار ووقع قريبا منه، وأطمعه أن يأخذه فطار، فما زال يتبعه حتى أشرف على امرأة تغتسل، فلما رأته نقضت شعرها فغطى
جسدها، فوقع في نفسه منها ما شغله عن القراءة، فنزل من محرابه، فسأل
عنها، فقيل: امرأة أوريا بن حنَّا، فكتب إلى صاحب جنده. إذا جاء له
كتابي هذا، فاجعل فلاناً في أول الخيل، ففعل فقتل، وفي بعض القصص(2/997)
كتب له ثلاث مرات ثم خطبها وتزوجها، فلما أتاه الخصمان وذكرا التسعة
والتسعين نعجة علم أن الله فتنه، فسجد أربعين ليلة لا يرفع رأسه إلا للصلاة
المكتوبة، ولا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى أوحى الله إليه أن ارفع رأسك فإني
قد غفرت لك، وزاد بعض المفسرين: أن جبريل أتاه فقال له: اذهب إلى
أوريا واستحل منه، فإنك تسمع صوته في مكان كذا، فأتاه فاستحل منه.
فقال: أنت في حل، فلما رجعِ قال له جبريل: هل أخبرته بجرمك، قال:
لا، قال: فإنك لم تعمل شيئا، ارجع وأخبره بالذي صنعت، فرجع داود
وأخبره بذلك، فقال: أنا خصمك يوم القيامة، فرجع مغتما وبكى أربعين
يوماً، فأتاه جبريل، قال: إن الله يقول: أنا أستوهبك من عبدي فيهبك لي.
وأجزيه على ذلك أفضل الجزاء، وذهب المحققون إلى إنكاره أصلاً، ورووا
أن علياً - رضي الله عنه - أنكر هذا، وقال: من حدث بحديث داود على ما يرويه القصاص معتقداً صحته، جلدته حدين لعظيم ما ارتكب من الإثم.
وكبير ما احتقب من الوزر، وجاء عن ابن عباس وابن مسعود إنكاره أيضا.
وذهب بعضهم إلى أن ذنب داود هو: أنه لما وقعت عينه على امرأة أوريا
سأله أن ينزل عنها له، فكان ذلك جائزاً في شرعهم - والله أعلم -.
قوله: (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) .
أي ذلك الذنب، وعن بعض القراء، الوقف على فغفرنا له، أي جميع
ذنوبه، ثم قال: (ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى) أي ذلك له وله غير ذلك.
وفسره بقوله: (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى)
قال الشيخ الِإمام: ويحتمل الأمر ذلك كما سبق في الحج.
قوله: (إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ) .
أي على سليمان.(2/998)
العجيب: ابن بحر، عرض على داود.
قوله: (الْجِيَادُ)
جمع جواد، وهو الذي يجود بالسير.
الغريب: ابن عيسى جمع جَوْد كسَوْط وصِياط، ومطر جَوْد، أي كثير.
العجيب: (الْجِيَادُ) : الطوال الأعناق من الجِيد، حكاه أقضى القضاة.
قوله: (أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) .
أي الخيل، وسماه خيراً، لأن الخير المال.
الغريب: في حرف ابن مسعود: "حب الخيل " باللام.
العجيب: أراد الخيل، فقلب اللام راء.
قوله: (عَنْ ذِكْرِ)
قيل: أحببت بمعنى آثرت، وعن بمعنى على.
الغريب: ابن جرير: تقديره أحببت الخير حبا، فقدم وأضيف إلى
المفعول قال: ومعنى (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) سهوت عن ذكر ربي.
ومن الغريب: صاحب النظم: أحببت، بمعنى تقاعدت أي تأخرت عن
ذكر رَبِّي، وحب الخير مفعول له، أي لحب الخير، وأنشد:
دَعَتْكَ إليها مُقلتاها وجِيدُها. . . فَملتَ كما مالَ المحبُّ على عَمدِ
المحب: الجمل الذي به عمد.
العجيب: معناه آثرت حب الخير عن أمر ربي لا من تلقاء نفسي.
وقيل: آثرتُ حب الخيل عن ذكر الله لها بالخير.(2/999)
حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34)
قوله: (حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32)
أي غربت الشمس ولم يتقدم ذكرها لكن العشي دل عليها.
الغريب: ابن عيسى: توارت الخيل بالحجاب، وهي مرابطها.
قوله: (رُدُّوهَا عَلَيَّ) .
أي الخيل، وقيل: الشمس، تضرع إلى الله لما فاتته صلاة العصر.
فرد الله له الشمس فصلى. والخطاب في ردوها للملائكة.
قوله: (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)
قطع أعناقها، وعرقب أرجلها، لأنها منعته عن الصلاة.
الزجاج: أباح الله له ذلك. وقيل: ذبحها للفقراء والمساكين.
الغريب: ابن عباس: مسح أعناقها وأسواقها بيده حبْاً لها (1) ، أي غسلها.
وقيل: مسح الغبار عنها.
العجيب: وسم أعناقهن وسوقهن وجعلهن في سبيل الله.
قوله: (وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا) .
ذهب جماعة: إلى أن الجسد هو الشيطان الذي جلس على كرسيه
أيام نزع الله ملكه، واسمه ضحى، وقيل: آصف، وذلك أنه سَرَقَ خاتم
سليمان من تحت رأسه، وكان نائماً، وقيل: دخل المتوضأ فدفع خاتمه
إلى جرادة جارية له، فتمثل لها الشيطان على صورة سليمان فدفعت إليه
الخاتم. وقيل: قال سليمان للشيطان: كيف تفتنون الناس، قال: أرني
خاتمك أخبرك، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر وقعد مكانه.
وقيل: وطىء امرأة في الحيض، وقيل: رخص لإحدى نسائه أن تتخذ تمثالًا على صورة
__________
(1) بل هو الراجح الذي يتوائم مع رحمة النبوة تكريما لتلك الخيل - لا لذاتها - ولكن لما هو منوط بها من أمر جليل هو الجهاد في سبيل الله تعالى. والله أعلم وأحكم.(2/1000)
أبيها. فاتخذت صنما فعبدته وعبدت معها جواريها. وقيل: وعد إحدى نسائه أن يميل إلى أخيها إذا ترافع على خصم له إليه ولم يفعل. وقيل: احتجب عن الناس ثلاثة أيام. (1)
الغريب: عن علي - رضي الله عنه - قال: كان يلعب بخاتمه وهو
جالس على ساحل البحر، فوقع في البحر، وكان سليمان يستطعم في تلك
الأيام، فأعطته امرأة حوتاً، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه ملكه.
وقيل: الجسد، ابن له خاف عليه الشياطين فغذاه في السحاب، فمات
فألقى على كرسيه.
وقيل: الجسد هو سليمان مرض، فتقدير الآية فألقيناه
على كرسيه جسداً، وقيل: الجسد، آصف بن برخيا، وزيره، وذلك، إن
سليمان لما افتتن جعل الخاتم يسقط من يده مرة بعد أخرى، فقال له آصف:
إنك مفتون بذنبك، والخاتم لا يثبت في يدك أربعة عشر يوماً، ففر إلى الله
تائباً من ذنبك وأنا أقوم مقامك وأسير في جندك وقومك بسيرتك إلى أن يتوب الله عليك ويردك إلى ملكك، فذهب سليمان وأخذ آصف الخاتم وجلس على كرسيه إلى أن رد الله ملكه فقام آصف وجلس سليمان واتخذ الخاتم بيده فاستقر. وعن النبي - عليه السلام - أنه قال: قال سليمان: لأطوفن الليلة على كذا امرأة تأتي كل واحدة بفارس يجاهد في سبيل الله، فلم
يستثن فطاف فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد هو الجسد
الذيَ ألقي على كرسيه، فوالذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء اللَه لجاهدوا في سبيل الله فرساناً.
العجيب: الحسن: جاءت بشق ولد لم يكن له إلا يد واحدة، ورجل
واحدة وعين واحدة وأذن واحدة، فبينا سليمان جالس وعنده آصف وأم هذا الولد، فذكر سليمان اغتمامه بأمر الولد، فقال آصف: تعالوا حتى يدعو كل واحد منا بعد أن نصدق على أنفسنا بشيء يعلمه الله منا ويسأل عند ذلك
__________
(1) كل ذلك من الإسرائيليات المنكرة. والله أعلم.(2/1001)
شفاء هذا الولد، فقال سليمان: اللهم إنك تعلم أني أملك من الدنيا ما
أملك، ومع ذلك لا يدخل علي رجلان مع أحدهما تفاحة ليهديها إلي، إلا كان صاحب التفاحة أحب إلي من الآخر، اللهم إن كنت صادقاً فاشفِ هذا
الولد، فرد الله عينه وأذنه، وقال آصف: اللهم إنك نعلم أني قد سألت
سليمان مرارا أن يأخذ عني وزارته وإنما كان ذلك بلساني دون قلبي، فإن
كنت تعلم أني صادق فاشف هذا الولد، فرد الله عليه يده، وقالت المرأة:
اللهم إنك تعلم أني امرأة سليمان، وأنه لا يدخل علي أحد أشب من سليمان
إلا تمنيت أنه زوجي بدل سليمان، فإن كنت تعلم أني صادقة فاشف هذا
الولد، فرد الله عليه رجله، فسلم الولد من الآفات، فأحبه سليمان حباً
شديداً.
والقولان الأولان في الجسد مردوان عند الأئمة لما فيهما من الافتراء
العظيم، ولأن الجن لم تكن سخرت له يومئذٍ، وإنما سخر له بعد ذلك.
بدليل قوله عقيب ذلك: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا) الآية، وقوله
سبحانه: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ) الآية.
قوله: (وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) .
هو ينفعل من بغيت الشيء إذا طلبته، أي لا يحصل لغيري، وإنما
سأل بهذه الصفة ليكون له معجزة، ولا مشاركة في المعجزات، ولم يسال
حسداً ومنافسة.
وقيل: سأل ذلك بإذن الله إياه في السؤال.
الغريب: لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة، وقيل: لا
ينبغي لأحد ممن بعثت إليهم، ولم يرد مَن بعدَه إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
والقول هو الأول، لقوله سبحانه: (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ) الآية، (والشياطين الآية.
قوله: (هَذَا عَطَاؤُنَا) .(2/1002)
الإشارة إلى الملك، وقيل: إلى تسخير الشياطين، أي أطلق من شئت
وأمسك من شئت.
العجيب: ابن عباس: هذا إشارة إلى النكاح، وكان له قوة مائة رجل.
وعنده ألف امرأة ما بين، منكوحة أو سُرِيَّة، أي جامع من شئت لا حساب
عليك.
قوله: (بِغَيْرِ حِسَابٍ)
صفة لقوله: "عَطَاؤُنَا" وقيل: متصل بقوله: "فَامْنُنْ".
قوله: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ) .
أيوب بدل من عدنا.
قوله: (إِذْ نَادَى)
بدل منه بدل الاشتمال، أي زمان ابتلائه.
قوله: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) .
أي اركض الأرض برجلك، فركضها بها، فظهرت عين ماء فاغتسل منه.
شم ركض ثانيا فظهرت عين أخرى، فشرب منها. وتقدير الآية هذا مغتسل وهذا شراب بارد.
قتادة: هما عيان بأرض الشام في موضع يقال له: الجابية.
العجيب: مقاتل: "هَذَا مُغْتَسَلٌ"، أي موضع يغتسل منه، والمغتسل
الماء عند الآخرين.
العجيب جداً قول من قال: "ارْكُضْ بِرِجْلِكَ" معناه ارقص فرحاً بما
آتاك الله.(2/1003)
قوله: (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) .
أي وهبنا له أولاده، بأن أحياهم الله وكانوا قد ماتوا وزاد مثلهم من
صلبه. وقيل: وهبنا له أولاده ومثلهم معهم من أصلابهم، وهم الأسباط.
الغريب: يهبهم له في الجنة ومثلهم معهم في الدنيا.
العجيب: ابن بحر: كانوا قد غابوا عنه وتفرقوا) : فجمعهم الله.
قوله: (رَحْمَةً مِنَّا)
مصدر، وقيل: مفعول له، و (وَذِكْرَى) نصب عطفا عليها.
الغريب: محلها رفع، أي فهي ذكرى لأولي الألباب، والمعنى إذا
ابتلي اللبيب ذَكر بلاء أيوب، ولم يكن لأيوب ذنب أصلاً، وإنما ابتلاه رفعاً
للدرجة، وقيل: مر ببعض الجبابرة فرأى منكراً فلم يغيره. (1)
الغريب: ذبح شاة فأكلها، وجاره جائع لم يطعمه.
قوله: (فَاضْرِبْ بِهِ) .
أي اضرب امرأتك به.
قوله: (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ) .
أي العمل والعلم.
الغريب: لهم أيد عند الله، كما تقول: لزيد عندك يد.
قوله: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (57) .
"هَذَا" مبتدأ، "فَلْيَذُوقُوهُ" خبره، وجاز إدخال الفاء لما يتضمن من التنبيه
والإشارة وقيل: "هَذَا" مبتدأ، "حَمِيمٌ" خبره و "غَسَّاقٌ" عطف
عليه "فَلْيَذُوقُوهُ" اعتراض والنية به التأخير.
__________
(1) كلام بيعيد جدا وأبعد منه ما ذكر بعده.(2/1004)
الغريب: هذا نصب، والفاء زيادة كقوله:
هريرةَ ودعها وإن لام لائمُ
ومن الغريب: هذا متعلق بما قبله، أي فبئس المهاد هذا، ثم
استانف، فقال: فليذوقوه، ثم قال لهم حميم وغساق، وقيل: منه حميم ومنه
غساق.
قوله: "وغساق" أي بارد، وقيل: منتن، وقيل: أسود من الغسق وهو
الظلام، وقيل: من غسقت القرحة.
العجيب: قال النقاش: إنه بلغة الترك.
والتخفيف أظهر، لأن فَعَّالاً في الأسماء قليل، ولو جعل وصفاً استدعى
موصوفاً.
قوله: (وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ) .
الزجاج: الأمر هذا. وقيل: هذا لأهل الجنة، وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (55) .
قوله: (جَهَنَّمَ) .
بدل من شَرَّ مَآبٍ، ويجوز أن تكون نصبا بفعل دل عليه "يصلونها".
أي - يصلونها جهنم يصلونها. كما تقول: زيداً ضربته.
قوله: (إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ) .
إشارة إلى قوله: (لَا مَرْحَبًا بِهِمْ) وجوابهم (بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ) الآيات وتخاصم أهل النار خبر بعد خبر، وقيل: هو تخاصم أهل، وقيل: تخاصم أهل النار حق. أي صدق.
الغريب: بدل عن ذلك إلى الموضع.
قوله: (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) .(2/1005)
اختصام الملائكة: قولهم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا) .
وقيل: تخاصمهم اختلافهم لإبليس.
الغريب: ما رواه أبو الأشهب عن الحسن، قال قال رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - سألني ربي فقال: يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى، قلت في الكفارات والدرجات، قال: وما الكفارات، قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات، والجلوس في المساجد وانتظار الصلوات بعد الصلوات، قال: وما الدرجات، قلت: إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام.
قوله: (مَا لَنَا لَا نَرَى) .
"مَا" مبتدأ، "لَنَا" خبره، "لَا نَرَى" حال من الضمير في "لَنَا".
قوله: (إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70) .
محل "أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ" رفع لأنه اسم ما لم يسم فاعله، وقيل: إنه
يوحي إلي ما يوحي إلا أنما أنا نذير وبإنما أنا نذير.
الغريب: إن يوحى إلي إلاَّ أنما أنت نذير، فعبر عنه بالمعنى، ومن
كسر "أنما" فلأن الوحي قول.
قوله: (لَعْنَتِي) .
خصت في هذه السورة بالإضافة خلافاً لسائر السور، فإنها فيها بالألف
واللام موافقة لقوله: "يَدَيَّ".
قوله: (إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .
قيل: كذا ود الملعون ألا يذوق الموت، فما أعطاه سؤله، بل قال:(2/1006)
(إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) ، يعني نفخة الموت، وقيل: لم يعلمه الوقت
الذي أنظر إليه.
قوله: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87) .
بدأ السورة بالذكر، وختمها بالذكر.
قوله: (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) .
نصب على الظرف من "لَتَعْلَمُنَّ".
الغريب: "لَتَعْلَمُنَّ" على أصله في التعدي إلى مفعولين "نَبَأَهُ"
المفعول الأول، و "بَعْدَ حِينٍ" المفعول الثاني، فإن النبأ حدث، وظرف
الزمان يقع خبراً عن الحدث كما تقول: الخطبة يوم الجمعة، وعلمت الخطبة
يوم الجمعة - والله أعلم.(2/1007)
سورة الزمر
الغريب: سورة الغُرَف.
الغريب: قوله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ) إِنَّا أَنْزَلْنَا) .
أي هذا تنزيل، "من الله " خبره، أي هو من الله، لا كما زعموا أن
محمداً - عليه السلام - تَقَوَّله، وقيل: معناه تنزيل الكتاب من الله فاعملوا به.
قوله: (إِنَّا أَنْزَلْنَا) ، بعد قوله: ((تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ) بمنزلة
عنوان الكتاب وبيان ما في الكتاب.
قوله: (مَا نَعْبُدُهُمْ) .
أي يقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ.
الغريب: تقديره: وقال الذين اتخذو"، فهو رفع، لأنه الفاعل.
ومن الغريب: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ" مبتدأ، "يقول " المضمر حال، "إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ" خبره.
قوله: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) .
أي يغشي ويلف من تكوير العمامة، وكارّ لقَضار. وقيل: يكور أي
يزيد عن قولهم: نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهو النقصان بعد الزيادة.(2/1009)
الغريب: يكور الليل موقوفاً على ظهور النهار، ويكور النهار موقوفاً
على دخول الليل.
قوله: (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) .
أي خلق آدم وأخرجكم من ظهره للميثاق ثم أعادكم فيه. "ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا" حواء، وقيل: "ثُمَّ" تأتي مع الجملة دالاً على التقديم، نحو قوله:
(ثم اهتدى) ، وقوله: (ثم كان من الذين آمنوا) ، وقيل: "ثُمَّ" متصل
بالإخبار لا بالجعل، أي ثم أخبركم بأنه سبحانه جعل منها زوجها، أي من
ضلع من أضلاعه، وقيل: من بقية طينه.
الغريب: وهو أحسن الوجوه: خلقكم من نفس واحدة خلقها ثم جعل
منها.
قوله: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ)
قيل: أنزلها من الجنة، وقيل: معنى
"وَأَنْزَلَ" ها هنا خلق، وعبر عن الخلق بالإنزال ليدل على الرفعة.
الغريب: الْأَنْعَامِ: بالنبات من الماء والماء من السماء، فهي من السماء
منزلة.
قوله: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ)
ذلك مبتدأ، "الكه" خبره، "ربكمأ خبر بعد
نجر، أو بدل من الخبر، أو خبر، ولفظة "اللَّهُ" عطف بيان.
قوله: (لَهُ الْمُلْكُ)
حال، أو خبر بعد خبر، "لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ " حال.
أي منفرداً أو خبر بعد خبر، ويجوز أن يضمر لكل واحد مبتدأ، أي ذلك كذا وذلك كذا.
قوله: (نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ) ، أي البلاء.
الغريب: "مَا" بمعنى "مَن" وهو اللُه سبحانه.
العجيب: نسي الدعاء.
قوله: (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) .(2/1010)
"اللام" لام العاقبة، فيمن فتح الياء، ولام العلة، فيمن ضمها.
قوله: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ) .
من خفف فله وجهان:
أحدهما: الاستفهام، والتقدير أمن هو قانت، الأية كمن هو بضده، وقيل: ألف الاستفهام لا يليه "من " إلا مع حروف
العطف نحو، أو من، أفمن كان، وقيل: ألف النداء، والتقدير، يا من هو
قانت قل هل يستوي، وزيفه أبو علي في الحجة، وقال: لا وجه للنداء
فيما يقع في هذا الموضع ومن شدد فله وجهان، أحدهما: أن "أم" هي
المعادلة، والتقدير أمن هو قانت كمن هو بضده.
قوله: (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) .
أراد: وَأُمِرْتُ بالإخلاص لأكون.
الغريب: أمرت تكرار، و "لِأَنْ" علة الأولى.
قوله: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) .
قيل: ذكر ظُلَلٌ للازدواج، وقيل من تحتهم ظلل لآخرين. فإن النار
أطباق وهم بين أطباقها. وقيل: تلك الظلل هي النار تخرج من تحتهم
فتعلوهم.
الغريب: تلك الظلل تدور عليهم دور الأفلاك، فمرة تكون فوقهم.
ومرة تكون تحتهم.
قوله: (أَنْ يَعْبُدُوهَا) .
نصب بدل من الطاغوت، والتقدير: اجتنبوا عبادة الطاغوت.
قوله: (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) .
قيل: تقدير الآية أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه، ثم
استأنف، فقال: (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ) .(2/1011)
الغريب: الفراء: تقديره: أفانت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب.
فلما وقع الاستفهام غير موقعه أعاده.
قوله: (فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ) .
"يَنَابِيعَ" ظرف "ماء" "في الأرض "، حال لها.
الغريب: الينابيع، حال من الهاء "في الأرض" ظرف، والينبوع: الماء
يخرج من الأرض، وقيل: الينبوع الموضع الذي ينبع ويخرج منه الماء.
قوله: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) .
أي كمن قسا قلبه، فحذف لدلالة قوله: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ)
عليه.
قوله: (كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ) .
أي ثنيت فيه القصص والأخبار وذكر الجنة والنار، وقيل: لأنه يثنى
في التلاوة فلا يمل، والمثاني عند الفراء: اسم للسور التي آيتها أقل من مائة
آية، لأنها ثنى أكثر مما يثنى الطوال والمئون.
الغريب: سمي مثاني لأنه نزل مرة بالمعنى، ومرة باللفظ والمعنى.
كقوله: (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) .
ومن الغريب: قوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ)
تفسير لقوله: (مَثَانِيَ) .
العجيب: ابن بحر: سمى الله سبحانه كتابه أسماء مخالفاً لما سمى
العرب كلامهم على الجملة والتفصيل، فسمى جملته قُرآنا، كما سموه
ديوانا، وسمى البعض منه سورة كما سموه قصيدة، وسمى الجزء من البعض
آية كما سموه بيتا، وسمى آخر الآي مثاني كما سموه قوافي.(2/1012)
قوله: (جُلُودُهُمْ) رفع بفعلها، وهو (تَلِينُ) .
الغريب: ابن جرير: تم الكلام على قوله: (تَلِينُ) وقوله: (جُلُودُهُمْ)
رفع بالابتداء، "قُلُوبُهُمْ" عطف عليه، (إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) الخبر.
ومن الغريب: قتادة: هذا نعت أولياء الله نعتهم بذهاب عقولهم.
والغشيان عليهم، إنما ذلك في أهل البدع، وهو من الشيطان.
قوله: (يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا) .
اليوم محمول على معنى إذا، لأنهما للزمان، وتقديره، يتقي بوجهه
سوء العذاب إذا كان يوم القيامة ويل للظالمين ذوقوا، وقيل: "قد" في الآية
مضمر، والواو للحال، أي في ذلك اليوم في تلك الحال.
قوله: (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) .
جوابه: "لآمنوا"، وقد ذكرت، إن هذا موطنُ أفصح وأبلغ ما يكون
المتكلم إذا سكت.
قوله: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) .
"قُرْآنًا" حال من قوله: (في هذا القرآن) ، "عَرَبِيًّا" صفة، "قُرْآنًا" أو حال
للقرآن، وكذلك "غَيْرَ ذِي عِوَجٍ".
قوله: (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا) .
وحده لأنهما معاْ ضربا مثلأ، وقيل: "مئلأ" صفة.
قوله: (عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) .
حكى الفتبي: أن المعترض قال: هذا تناقض يقول في سورة (عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) ، وفي الأخرى: (لا تختصموا) ، ابن عباس: في القيامة
موإطن، منهم يختصمون في بعضها وشحكتون في بعضها عن الخصومة. قال(2/1013)
الرقاش وأبو العالية: لا تختصموا خطاب لأهل الشرك، وقوله: (عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) لأهل الملة في المظالم.
الغريب: قال الشيخ الإمام: للآية وجه حسن، وهو أن القوم يوم
القيامة يختصمون، فيقول الله سبحانه لهم لا تختصموا لدي، فلو لم يكن
اختصام لما قال لا تختصموا.
قوله: (وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) .
أي كذب النبي بالقرآن، والمعنى سبب ما جاء به.
الغريب: "بِالصِّدْقِ" بالصادق وهو محمد - عليه السلام -.
قوله: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ) .
قيل: هو جبريل، و "الصدق " القرآن، و"صدق به " محمد - عليه
السلام -، وقيل: حفظة القرآن إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وقيل: جاء بالصدق وصدق به جميعاً لمحمد - عليه أالسلام، -، والصدق: لا إله إلا الله. وعن علي - رضي الله عنه - "جاء بالصدق - عليه السلام - وصدق به أبو بكر - رضي الله عنه.
الغريب: لا يجوز في العربية أن يكون فاعل "وَصَدَّقَ بِهِ" غير فاعل
جاء بالصدق لأن ذلك يستدعي إضمار الذي، وذلك غير جائز، وإضمار
الفاعل من غير تقدم الذكر وذلك بعيد.
وجمع "أولئك" حملا على المعنى، ولأنه بمنزلة "مَنْ" و "مَا"، وقيل:
أراد "الذي" وقد سبق.
قوله: (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ*.
قيل: (اللام) متصل بالجزاء، أي جزاؤهم ليكفر الله، وقيل: متصل
بالْمُحْسِنِينَ، أي أحسنوا ليكفر الله.(2/1014)
الغريب: لهم ما يشاؤون ليكفر. ومن الغريب: أبو حاتم: اللام لام
القسم، وأصله ليكفرنَّ الله، فحذف النون وكسر اللام، وقد سبق.
قوله: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ) .
"مَا" مع صلته" المفعول الأول، وقوله. (هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ) و (هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ) المفعول الثاني، وجمع "هُنَّ"، لأنه حمل
(ما) على المؤنث وجمع كما حمل في قوله: (لِمَا لَا يَعْلَمُونَ) على المذكر
وجمع في قوله: (لِمَا لَا يَعْلَمُونَ) أي الأصنام التي لا تعلم.
قوله: (عَلَى مَكَانَتِكُمْ) .
على حالتكم، والمكانة المنزلة، تقول: رجل مكين وقوم مكناء.
العجيب: قيل: المكان والمكانة كالمقام والمقامة، ويبطله قوله:
(مَكَّنَّاهُمْ) و (نُمَكِّن) .
قوله: (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ) .
"مَن" في محل نصب، كقوله: (يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)
وقيل: رفع كقوله: (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى) .
قوله: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) .
أي يتوفى الأنفس مرتين، مرة بالنوم، ومرة بالموت، فيمسك أنفس
الأموات ويرسل أنفس النوام، وقوله: "في" متعلق بـ يَتَوَفَّى، أي يتوفى
الأنفس حين موتها وحين نومها.
الغريب: الفراء: في متعلق بالموت، أي يتوفى التي لم تمت في
منامها عند انقضاء آجالها.(2/1015)
العجيب: روي أن في التوراة: يا ابن آدم كما تنام تموت، وكما
تستيقظ تبعث.
قوله: (شُفَعَاءَ) .
جمع شفيع، والشفيع ما يصير الطالب به شفعاً، مأخوذ من الشفع.
الغريب: الشفيع، هو الأولى بالشيء من شفيع الدار والعقار.
وقوله: (لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا) نصب على الحال وليست بتأكيد، وكذلك (مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) .
قوله: (إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) .
ذهب المفسرون إلى أن هذا كان يوم قرأ - عليه السلام - سورة النجم.
فسمع منه تلك الغرانيقُ العلى منها الشفاعة ترتجى، فاسنبشروا، وقد ذكرت هذا على وجهه في كتاب "لباب التفاسير".
قوله: (فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ) .
نصب على النداء، عند سيبويه، وعند المبرد والفراء وصف الله.
قوله: (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا) .
أي عذاب سيئات، فحذف المضاف، وقيل: هو كقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) ، فسماها سيئة للازدواج.
وقوله: (أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ) .
فـ "عندي" صفة لـ "عِلْمٍ"، أي علم ثابت عندي (1) .
الغريب: متعلق بإ أويته " أي في معتقدي.
وقوله: (قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) .
__________
(1) لفظ "عِنْدِي" غير مذكور في سورة الزمر وإنما ورد ذكره في سورة القصص في قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)
ومن ثَمَّ فالأولى إلحاق هذا الكلام بموضعه في سورة القصص. والله أعلم.(2/1016)
يعني: قارون، حيث قال: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) في سورة
القصص.
قوله: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) .
"جَمِيعًا" حال من الذنوب، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية ".
الغريب: في مصحف ابن مسعود: "إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن
يشاء".
العجيب: عن شهر عن أسماء أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: "إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم) .
قوله: (يَا حَسْرَتَا) .
في الألف ألف الندبة، وقيل. بدل من ياء الضمير.
الغريب: قرأ أبو جعفر: "يا حسرتاي"، واستبعده النحاة، وله وجهان.
أحدهما: أنه جمع بين البدل والمبدل، والثاني: أن الألفَ للتثنية، كقولك:
لبيك وسعديك، على لغة بلحارث، والمنادى إليه محذوف، ولهذه نظائر.
(وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)
الزجاج: وما كنت إلا من المستهزئين، وقيل: إن هي المخففة من المثقلة، واسمه مقدراً أي أنه، و (اللام) لام الفرق.
قوله: (لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ) .(2/1017)
نصب لأنه جواب التمني.
الغريب: عطف على كرة كما قال الشاعر:
لَلُبْسُ عباءةٍ وتَقَرَّ عيني. . . أَحَبُّ إليَّ من لُبْسِ الشُّفُوفِ
أراد وقرة عيني.
قوله: (بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ) .
"بَلَى" جواب النفي، لأن المعنى، ما هديت، فقيل: بلى، وليس في
الكلام لفظ النفي.
الغريب: قرأ عاصم الجحدري: جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت
وكنت على خطاب النفس، كقوله: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ) ، وروي ذلك عن
النبي - عليه السلام -.
العجيب: جاءتكَ - بفتح الكاف -، وكذبت واستكبرتِ وكنتِ
- بالكسر -، فجمع بين الأمرين.
قوله: (تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) .
"الَّذِينَ كَذَبُوا" مفعول "تَرَى"، "وجوههم مسودة" جملة في موضع نصب
على الحال، واكتفى بالعائد عن واو الحال.
الغريب: "تَرَى" من رؤية القلب، و (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) ، المفعول
الثاني، واسوداد الوجوه على هذا عبارة عن الحزن والصغار، كقوله: (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) ، وقرىء في الشواذ: "وجوهَهم على البدل، مسودة.
على الحال أو المفعول الثاني.(2/1018)
قوله: (بِمَفَازَتِهِمْ) .
أي بفوزهم، وقرىء: بِمَفَازَاتِهِمْ. كما تقول: سعاداتهم.
الغريب: قال الماوردي: بما سلكوا مفاوز الطاعات الشاقة من مفازة
قوله: (مَقَالِيدُ) .
جمع مِقْليد، كمِنديل.
الغريب: جمع إقليد وهو اسم عجمي معرب.
قوله: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ (64) .
"غَيْرَ" منصوب من وجهين:
أحدهما: أنه مفعول (أَعْبُدُ) ، و "تَأْمُرُونِّي"
اعتراض، والتقدير أفأعبد غير أيها الجاهلون فما تَأْمُرُونِّي به، وهذا اختيار
الزجاج وأنكر أن يكون منصوباً تَأْمُرُونِّي، والوجه الثاني: أن "غَيْرَ اللَّهِ"
المفعول الثاني، لقوله: (تَأْمُرُونِّي) وياء الضمير المفعول الأول والتقدير
تَأْمُرُونِّي بغير الله، فحذف الباء كما حذف من قوله: (أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ) ، وكتبت الكتاب أمرتك الخير، أي بالخير، و "أعبد" تقديره أن
أعبد، ومحله نصب على البدل من غير، ومثله في السورة: (اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا) ، وهذا اختيار أبي على، ولا يجوز أن ينتصب
ب "أعبد"، على هذا الوجه، لأن ما بعد الموصول لا يعمل فيما قبله، وأجاز أبو سعيد السيرافي، وقال " لما حذف أن وزال النصب، بطل حكم أن. وفيه ضعف، لأن "أعبد" لا يقع بدلاً عن غير إلا مع أن ملفوظأ أو مقدراً.
الغريب: قال علي بن عيسى في تفسيره: وموضع "أعبد" نصب على(2/1019)
الحال، لأن تقديره أتامروني عابدا غير الله، ومخرجه مخرج الحال.
وتخفيف النون من "تأمروني" قراءة نافع، ومثله: أني، وكاني.
وأتحاجوني و. . .
. . . . . . . . . . . . . . . . يسوءُ الفاليات إذا فَلَيْنِي
والمحذوف الثانية منهما.
قوله: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) .
تقديره، فو الله لَيَحْبَطَنَّ، وقد سبق.
قوله: (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ) .
أي والأرض مقبوضته إذا كانت مجتمعة، "جَمِيعًا" نصب على الحال.
والعامل في الظرف مقبوضته، وقيل: هو كقولهم: "هذا تمراً أطيب منه
، والأول قول أبي علي وهو الصواب.
العجيب: الفراء، يجوز (قَبْضَتُهُ) - بالنصب -، أي في قبضته، ورد
عليه الزجاج، وقال: لو جاز هذا لجاز زيد دارك، أي في دارك.
قوله: (بِيَمِينِهِ)
قيل: هو من قوله - عليه السلام -: " لله يدان كلتاهما يمينان ".
وقيل: اليمين، القوة.
الغريب: اليمين، القسم، لأنه سبحانه حلف أن يطويها ويفنيها.
قوله: (إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ) .
قيل: النافخ في الصور، وقيل جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل
وقيل: حملة العرش، وقيل: الشهداء.(2/1020)
الغريب: موسى - عليه السلام - من المستثنين، فإنه صعق مرة.
قوله: (بِنُورِ رَبِّهَا) .
أي أضاءت الأرض إضاءة، فصار نهاراً لا ليل بعدها.
الغريب: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ " يعني كتاب الأعمال للمحاسبة، وقيل: هو
اللوح المحفوظ.
الغريب: (بِنُورِ رَبِّهَا) لعدل ربها، لأنها كانت مظلمة بالجور.
الغريب: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ " في أيدي أصحابها.
قوله: (زُمَرًا) .
أي جماعة، وقيل: جماعات في تفرقة.
الغريب: ابن عيسى: الزمر: الجماعة لها زمير، أي صوت كصوت
المزمار، وأنشد بيت الكتاب:
له زَجل كأنَّه صوت حادٍ. . . إذا طلب الوسيقة أو زميرُ
قوله: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا"
أي فتحت، وكانت قبل ذلك مغلقة، وهي سبعة لقوله: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ) .
وقوله: (بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ) هي قوله: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) ، والتقدير: قالوا: بلى ولكن كفرنا فحقت كلمة العذاب على الكافرين.
الغريب: جواب الكفار بلى فحسب، ثم قال الله: ولكن حقت كلمة
العذاب على الكافرين.
قوله: (خالدينَ فيها) .
حال مقدر، وقيل: عالمين أنكم مخلدون فيها.(2/1021)
(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) .
ذكر بلفظ سيق ازدواجاً للكلام، وقوله: (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ)
الجواب مضى تقديره: سعدوا بدخولها، وقيل: تقديره حتى إذا جاءوها
فتحت أبوابها. وقيل: جوابه دخلوها بعد قوله: (فادخلوها) وقيل: الواو
للحال، وقد مضمر، أي جاءوها وقد فتحت أبوابها بخلاف النار.
الغريب: "الواو" زيادة، وهي تزاد بعد لما وبعد حتى إذا، وأنكره
البصريون.
العجيب: (الواو) واو الثمانية، وهي الدالة على أن أبواب الجنة
ثمانية، واستدل هذا القائل بقوله: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ) الآية، وهذا لا
يعرفه أهل العربية، وقد سبق بيانه في سورة براءة.
قوله: (حَافِّينَ) .
أي محدقين بحفاتيه، أي جانبيه، وهو نصب على الحال، لأن الرؤية
رؤية البصر، الواحد حاف.
والغريب: قال الفراء: لا واحد له، لأن هذا الالم لا يقع لهم إلا
مجتمعين.
قوله: (مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ)
"من" زائدة، وقيل: لابتداء الغاية، أي: مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ إلى حيث يشاء الله.
الغريب: (مِنْ) متصل ب "ترى".
(وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
الزجاج: ابتدأ خلق الأشياء بالحمد.
فقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) الآية، كذلك ختم(2/1022)
بالحمد، فقال لما استقر أهل النار في النار، وأهل الجنة في الجنة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وقيل: هو كقوله: (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) .
الغريب: هو من كلام الملائكة، أي الحمد له دائماً وإن انقطع التكيلف.
والله أعلم.(2/1023)
سورة غافر
عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من أراد أن يرتع في رياض الجنة، فليقرأ الحواميم "
ابن مسعود: " إذا وقعتُ " في آل حم، وقعت في روضات دمثات أتانق فيهن "، وقيل: فإنها ديباج القرآن.
قوله تعالى: (حم) .
اسم الله الأعظم، وقيل: محمد - عليه السلام -، وقيل: معناه حُمَّ ما
هو كائن.
ابن عباس، الرحم من مجموع الرحمن، وروي أن أعرابيا قال
للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما حم؟ قال: " بدْوُ اسم وفواتح سور" والكلام فيه كالكلام في الحروف الواقعة في أوائل سائر السور.
قوله: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) .
عطف بالواو دون سائر الأوصاف، لأنهما يقعان معا، وقيل: قابل
التوب في نية التقديم، لأن قبول التوبة سبب للمغفرة، وخفضهما بالوصف
إنْ تحملهما على الماضي، وبالبدل إن حملتا على المستقبل.
(شَدِيدِ الْعِقَابِ)
بدل، لأنه نكرة لا غير.(2/1025)
(ذِي الطَّوْلِ)
معرفة، فجاز فيه الوصف والبدل.
قوله: (مَا يُجَادِلُ) .
أصله من الجدْل، وهو الفتل، وقيل: الجَدالة، وهي وجه الأرض.
أي يحاول كل واحد صرع صاحبه على الأرض. والمجادلة تستعمل بين
مبطلين، أو مبطل ومحق. والمناظرة بين محقين، أو محق ومبطل.
قوله: (فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) .
سؤال عن صفة العذاب، وقيل: عن صدق العذاب. قال قتادة:
شديد والله، ومحل "كيف" نصب، لأنه خبر كان تقدم على كان لمكان
الاستفهام تقدما لا يتأخر، وإن شئت ألغيت (كيف) وجعلت "كان " بمعنى
وقع.
قوله: (أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) .
أي لأنهم.
الغريب: بدل من كلمة ربك، ومحله رفع.
قوله: (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا) .
أي نالت رحمتك في الدنيا كل شيء، والتقدير، وَسِعْتَ برحمتك
وعلمك، فصرف الفعل من الفاعل إلى المخاطب سبحانه وتعالى، فارتفع
وانتصب على التمييز.
قوله: "وَمَنْ صَلَحَ) .
عطف على قوله: إ وأدْخِلهمأ أي ليتم أنسهم بالاجتماع، وقيل:
عطف على "وعدتهمإ.
قوله: (وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ) .
يعود إلى الذين آمنوا.(2/1026)
الغريب: يعود إلى الآباء والأزواج والذريات.
قوله: (لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) .
وذلك إن الكفار إذا دخلوا جهنم ورأوا النار مقتوا أنفسهم، فنادتهم الخزنة
بصوت رفيع: لَمقت الله، الآية، أي لمقت الله إياكم إذ تدعون إلى
الإيمان فتكفرون أكثر من مقتكم أنفسكم الآن، وقوله: "إِذْ تُدْعَوْنَ" لا
يتعلق بقوله: "مَقْتُ اللَّهِ"، لأنه حيل بينهما بالخبر، ولا يتعلق بالمقت
الثاني، لاختلاف الزمانين، بل يتعلق بفعل دل عليه المصدر الأول، أي
مَقتكم إذ تدعون.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل مقتكم إذ تدعون إلى الإيمان
فتكفرون كما تقول: "الصيفَ ضيعتِ اللبن) .
قوله: (فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) .
فيه محذوف، أي فأجيبوا أن لا سبيل إلى الخروج، ثم ذكر العلة
فقال: (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ) .
قوله: (رِزْقًا) .
مطرأ وهو سبب الرزق.
الغريب: أبو الليث: ملائكة لتدبير الرزق.
قوله: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ) .
أي رافع السماوات، وقيل: رافع درجات أوليائه في الدنيا بالمنزلة
وفي الآخرة بالجنة.
الغريب: رفيع الدرجات، أي عالي الصفات.
العجيب: أي مرفوع درجاته.(2/1027)
قوله: (يُلْقِي الرُّوحَ)
أي يرسل جبريل، وقيل: ينزل القرآن.
وقيل: الوحي، وقيل: الرحمة.
الغريب: الروح، روح العبد.
وقوله: (مِنْ أَمْرِهِ) حال للروح.
قوله: (يَوْمَ التَّلَاقِ (15) مفعول به.
(يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ) .
بدل، و "هُمْ بَارِزُونَ" جملة في محل جر بالإضافة، والضمير
في "لِيُنْذِرَ" يعود إلى الله سبحانه، وقيل: إلى "مَنْ يَشَاءُ"
الغريب: يعود إلى الروح.
قوله: (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ)
ذهب جماعة من المفسرين إلى: أن الله
يقول ذلك حين لا يبقى من يجيبه، فيجيب الله نفسه، فيقول: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ، وزيَّف هذا القول جماعة منهم، فقالوا: إذا لم يكن من يجيب
فلا وجه للسؤال ولا للجواب إذا لم يكن من يسمع، بل يقول الله ذلك
للخلائق فيجيب الجميع لله الواحد القهار، يقول المؤمن تلذذاً، ويقول
الكافر صغاراً وذلةً وندامةً.
الغريب: ابن بحر، خرج الكلام مخرج السؤال والجواب، والمعنى
معنى الإخبار، أي يُرِي عباده أنه ملكهم.
وقوله: (كَاظِمِينَ) .
حال من الضمير في "أَنْذِرْ".
الغريب: حال عن القلوب محمول على أصحابها.
قوله: (خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ) .
مصدر كالكاذبة والخاطئة، ونسبة الخيانة إلى العين توسع، وهي
النظر إلى المحرمات.(2/1028)
الغريب: هو قول الإنسان رأيت ولم ير، وما رأيت ورأى.
قوله: (وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) أي القلوب، وسميت الصدور، لأنها
فيها.
قوله: (كَانُوا هُمْ) .
(هم) فعل وعماد، ويجوز أن يكون تاكيداً للضمير.
قوله: (فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ)
تكرار لبيان علة الأخذ.
قوله: (فَقَالُوا سَاحِرٌ) .
أي موسى ساحر.
قوله: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ) .
قيل: اسمه حبيب، وقيل: سمعان، وقيل: خرقبيل.
الغريب: هو موسى عليه السلام، وكان قبل ذلك يكتم إيمانه.
قوله: (مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ)
صفة لرجل، وقيل: يتصل بالكتمان، أي يكتم إيمانه من آل فرعون.
قوله: (بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) يعني عذاب الدنيا.
الغريب: بعض صلة، وقيل: بعض بمعنى كل.
العجيب: بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ، وفي البعض هلاككم.
قوله: (سَبِيلَ الرَّشَادِ) .
أي طريق الهدى.
العجيب: الرشاد اسم صنم من أصنامه، حكاه أبو الليث في تفسيره.
قوله: (جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ) .(2/1029)
هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب، أقام فيهم عشرين سنة
ثم مات.
الغريب: هو يوسف بن يعقوب، وفرعون موسى هو فرعون يوسف
ملك مصر عاد إلى الكفر بعد موت يوسف.
العجيب: النقاش، إن الله بعث إليهم رسولاً من الجن اسمه
يوسف، وحكاه الماوردي أيضاً.
قوله، (ابْنِ لِي صَرْحًا) .
بناء رفيعاً من الصريح، وهو الإظهار، وقيل: بناه من الاجر.
لقوله: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) الآية، والجمهور على أنه
قصد ببنيانه الصعود إلى السماء ورؤية إله موسى سبحانه، وجهْلُه حمله
على ذلك.
الغريب: الحسن، أراد التلبيس على الضعفاء مع علمه باستحالة
ذلك.
العجيب: أراد بناء رصد في موضع عال يرصد منه الكوكب، وكان
فرعون يعبد الشمس، فيعتقد أن الشمس قد أجابته فملَّكته.
قوله: (قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) .
مَن نوَّن جعلها وصفاً للقلب، وفيهما ضمير، والمراد بذلك صاحب
القلب، وان شئت قلت تقديره قلب متبكر جبار صاحبه، فارتفع به صاحبه، فلا يكون على هذا فيه الضمير، ثم حذف صاحبه للعلم به، ومن أضاف
فله تقديران، أحدهما: على قلب كل متبكر جبار، فقدم كما تقول: هو(2/1030)
يصوم كل يوم جمعة، وإنما التقدير يوم كل جمعة.
والثاني: على كلِ قلبِ كل متكبرِ، أي يطبع على جملة قلب جميع المتكبرين.
الغريب: في مصحف ابن مسعود، على قلب كل متكبر جبار.
قوله: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) .
منصوب بالعطف على قوله: (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) وفيه أدل دليل على
عذاب القبر، لأن المعطوف غير المعطوف عليه، وفي الآية إضمار
وتقديره، ويقال لهم: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، من قطع الهمزة
نصب آل فرعون على المفعول به، ومن وصلها نصب آل فرعون على
النداء.
الغريب: القول مضمر قبل اليوم، وهو العامل في الظرف، وتقديره
ويقال لهم يوم تقوم الساعة، ادخلوا.
العجيب: هذا من المقلوب، وتقديره، النار تعرض عليهم.
قوله: (قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا) .
معناه لو قدرنا أن نغني عنكم لأغنينا عن أنفسنا.
"كُلٌّ"، رفع بالابتداء ولم يجز فيه النصب، لأنه إذا اختزلت عنه الإضافة لا يؤكد به ولا يوصف
قوله: (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ) .
أي رسل الله المبعوثون إليكم، واسم كان القصة والشأن، و "تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ" تفسير القصة، ولا يرتفع رسلكم بكان لأنه واقع موقعه، والشيء
إذا وقع موقعه لا ينوى به غير موقعه.(2/1031)
قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) .
"في" متعلق بقوله: "لَنَنْصُرُ" و"يوم يقوم الأشهاد" عطف على محل
الجار والمجرور.
وقوله: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ) .
بدل من "يَوْمَ تَقُومُ".
قوله: (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ) .
الكبر، العظمة، أي ما هم ببالغي تلك العظمة، فإن الله يخذلهم.
وقيل: عَظُمَ كِبْرهم حتى كأنَّه ما في صدورهم الا كبر.
الغريب: الكبر ها هنا ذكر الدجال، والآية نزلت في اليهود حين قالوا
للنبي - عليه السلام - إن صاحبنَا المسيح بن داود، يعنون الدجال.
الشعبي: كنيته أبو يوسف، وإنه يخرج في آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البر
والبحر، ويرد الملك إلينا وتسير معه الأنهار، وهو آية من آيات الله. فأنزل
الله هذه الآية وروى بعضهم: المسيح - بالكسر والتشديد - وأنكره
المحدثون.
قوله: (قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ) .
أي: تَتَذَكَّرُونَ قليلاً، و "مَا" صلة، وقد سبق.
قوله: (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا) .
يريد عند المؤمنين، وقيل: نهي أن يرتابوا فيها.
قوله: (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) .
أي لتستريحوا من تعب النهار. (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) مضيئاً، وقيل:
مبصراً فيه، وقيل: يبصركم المرئيات.(2/1032)
الغريب: ابن هيضم، جعل الليل مناسبا للسكون من الحركة، لأن
الحركة على وجهين: حركة طبع، وحركة اختيار.
وحركة الطبع من الحرارة، وحركة الاختيار من الخطرات المتتابعة بسبب الحواس، فخلق الليل باردا؛لتسكن فيه الحركة، مظلما ليسد الحواس.
قوله: (خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) .
أي كل شيء بيانه، وقيل: كل بمعنى بعض، وقيل: عام خص منه
ما لا يدخل في الخلق.
قوله: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) .
ابن عباس: إذا قلتم لا إله إلا الله فصلوه بالحمد لله رب العالمين.
قوله: (إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ) .
جمع بين "سوف" وبين "إذ"، وبينهما تضاد، وجعل المتوقع في
حكم الموجود، ولأن أكثر ألفاظ القيامة جاءت بلفظ الماضي تحقيقاً.
الغريب: المبرد، "إذ" صارت زماناً قبل "سوف"، لأن العلم وقع
منهم بعد ثبوت الأغلال التي كانوا سمعوا بعد أن حق وحقت بالوجود.
واستدل بقول أبي ذؤيب.
فسوفَ تقولُ إذ هي لَم تجدني
أخانَ العَهدَ أم أثِم الحليف
لأن القول كان بعد فقدها.
قوله: (وَالسَّلَاسِلُ)
عطف على الأغلال، وقيل: رفع بالابتداء.
"يُسْحَبُونَ" خبره، أي يُسحبون بها.(2/1033)
قوله: (قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا) .
أي شَيْئًا يستحق العبادة، لأن القيامة لا يجري فيها الكذب، ومنهم
من جوز، فقال: أنكروا عبادة الأصنام.
قوله: (مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ) .
ذهب بعض المفسرين إلى: أن عدد الأنبياء غير معلوم، ولا يجوز
حصرهم، بل يجب الإيمان بجملتهم، وذهب بعضهم إلى: أنهم
معدودون، وأن عددهم: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً.
وذهب بعضهمٍ إلى أن عددهم ثمانية آلاف.
وعن علي - رضي الله عنه -: بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته.
قوله: (فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) .
"أَيَّ" منصوب: "تُنْكِرُونَ"، ولو أثبت "الهاء" رفعت، بخلاف أزيداً
ضربته، فرق بينهما سيبويه.
قوله: (فَمَا أَغْنَى) .
نفي، وقيل: استفهام.
قوله: (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) .
قيل: " مِن" متصل" بما عندهم" وبيان له، والمعنى، أعجبوا بما
عندهم ولم يلتفتوا إلى ما آتاهم الرسل، وقيل: من قلة علمهم رضوا.
وقيل: علم التجارة والصنعة.
الغريب: " مِن" بيان لقوله بالبينات، وفيه تقديم وتأخير، أي بالبينات
من العلم.
العجيب: "فرحوا" يعود إلى الرسل، أي فرحوا بما عندهم من العلم
بنجاتهم وهلاك الكفار.(2/1034)
قوله: (بِاللَّهِ وَحْدَهُ) .
نصب على المصدر، وقد سبق.(2/1035)
سورة فصلت
قوله تعالى: (حم) .
اسم للسورة، وأنشد أبو عبيدة:
يُذَكِّرني حاميم والرمحُ شاجرٌ ... فهْلا تَلا حَاميم قبلَ التقدُّمِ
وسميت هذه السورَ السبع حم على الاشتراك في الاسم لما بينهن من
التشاكل الذي اختصت به، وهو أن كل واحدة استفتحت بالكتاب أو صفة
الكتاب، مع تقارب المقادير في الطول والقصر وتشاكل الكلام في النظام.
قوله: (قرآناً عربياً) .
نصب على الحال، وذو الحال الضمير في قوله: "آياته"، والكوفيون
يسمونه قطعاً.
الغريب: نصب على المدح.
العجيب: قيل: نصب على التمييز.
قوله: "عربياً" بلسان العرب. "لقوم يعلمون" العربية.(2/1037)
قوله: (بَشِيرًا وَنَذِيرًا) .
صفتان للقرآن.
الغريب: حالان.
قوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) .
أي في الطبع والحس، فضلَنِي الله بالوحي.
الحسن: علمه التواضع بقوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) .
الغريب: ابن بحر، معنى الآية، لو كان كفركم بني كان سهلا
عليكم، لأني بشر مثلكم، ولكنه كفر بالله، فهو يدخلكم به النار.
قوله: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) .
أي في وقت على مقدار يومين من أيام الدنيا، وقيل: من أيام الآخرة.
قوله: (وجَعلَ فيها رَواسِي) .
أي في الأرض جبالاً راسيات.
والراسية: الثابتة من قوله: رسا أصْلُه.
الغريب: لأن الأرض رست بها.
العجيب: الماوردي وغيره: سميت رواسي لعلو رؤوسها، ذهب إلى
أنها مشتقة من الرأس، وهو سهو من قائله.
قوله: (وبارك فيها) أي في الأرض.(2/1038)
الغريب: في الرواسي، أي جعل فيها الذهب والفضة وسائر
الفَلِزَّات.
وقوله: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا)
أي في الأرض بإجماع.
قوله: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ)
الجمهور على أن التقدبر في تتمة أربعة أيام
ليوافق العدد في قوله: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) ، وإنما
قال: في أربعة أيام ولم يقل في يومين لسر في الآية، وهو أن قوله:
(وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ) لم يصح عطفه على قوله: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) المتلو في الآية، لأنه قد حيل بينهما بقوله: (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا) ، ولا يصح في العربية أن يحال بين المعطوف والمعطوف عليه، وهما في صلة، فلما لم يصح العطف، أخر خلق الأرض، فصار تقدير الآية ذلك رب العالمين خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام، وهذه ضرورة يهتدي إليها من تعاطى علم العربية، ولقول الجمهور وجه ضعيف، وهو أن يجعل (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا) حالاً من الضمير في خلق الأرض، أي خلق الأرض
وأنتم تجحلون له أنداداً.
قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) .
للمفسرين في خلق السماء بعد الأرض أو قبل الأرض قولان.
أحدُهما: أن الأرض خلقت قبل السماء، وهذه الآية تدل عليه، واعتذر عن
قوله: (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)
بأنها كانت مخلوقة غير مدحوة، فلما خلق السماء دحا الأرض.
والثاني: أن السماء خلقت قبل الأرض، وجعل معنى دحاها، خلقها، واعتذر عن قوله في هذه الآية (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ)(2/1039)
بأن "ثم" يأتي مع الجملة، دالاً على التقديم، نحو
قوله،: (ثُمَّ اهْتَدَى"، (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) ، ويكون
"ثم" متعلقاً بالإخبار، أي ثم أخبركم بأنه قبل ذلك استوى إلى السماء.
(سواءً) .
نصب على الحال، وذو الحال ما تقدم من الأرض
والرواسي وغيرهما، وقرىء في الشواذ بالجر حملاً على الأيام.
وبالرفع، أي هو سواء للسائلين.
قوله: (أَتَيْنَا طَائِعِينَ) .
إن الله خاطبهما وقدرهما على الإجابة فنطق من الأرض موضعُ
الكعبة، ومن السماء ما بحذائها، فجعل الله لها حرمة على سائر الأرض.
الغريب: هذه عبارة عن الإيجاد والوجود، وليست ثم أمر ولا قول.
وإنما جمع جمع سلامة المذكورين، لأن المخاطبة والمحاورة من أفعال بني
آدم، فلما وصف غيرهم بفعلهم أجراه مجراهم.
الغريب: أتينا بمن فينا طائعين.
قوله: (نَحِسَاتٍ) .
أي مشؤومات، الكسر اسم الفاعل، والسكون المصدر، وصف به.
ويجوز أن يكون للتخفيف، تقول نحِس فهو منحوس، وسعِد فهو مسعود.
وقيل: نحسات باردات، والنحس، البرد.
الغريب: ذات غبار، ومن الغريب: متتابعات.(2/1040)
العجيب: ابن عباس: ما عُذبَ قوم إلا في يوم الأربعاء.
قوله: (العذابِ الهُونِ) .
أي الهوان.
الغريب: هو الموت.
العجيب: العطش. ذكره النقاش.
قوله: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ) .
الجلد: غشاء البدن، وقيل: ها هنا كناية عن الفرج.
قوله: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ) .
أي لم يمكنكم أن تستروا أعمالكم عن أعضائكم.
الغريب: ما كنتم تتركون المعاصي حذراً أن تهد عليكم
جوارحكم، واستتارها من الجوارح تركها لا غير. وتقدير الآية، وما كنتم
تشرون من أن لا تشهد، فحذف (من) ومحل "أن " نصب عند
الجمهور، وخفض عند الخليل وسيبويه، وحذف "لا" لأن ما بعده
(وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ) يدل عليه.
ابن مسعود قال: كتب مستتراً بأستار الكعبة إذ جاء ثلاثة نفر، ثقفي واسمه عبد يا ليل، وختناه ربيعة
وصفوان بن أمية، فتحدثوا بيهم الحديث، فقال أحدهم: أترى الله
يسمع ما نقول، فقال الآخر: إذا رفعنا أصواتنا يسمع، وإذا خفضنا لم
يسمع. فأتيت النبي - عليه السلام - فذكرت ذلك له، فأنزل الله
(وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) الآية.(2/1041)
قوله: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ) .
"ذلكم" رفع بالابتداء، "ظَنُّكُمُ" خبره، ويجوز أن يكون بدلاً من
المبتدأ. "أرداكم" خبره، ويجوز إضمار قد فيصير أرداكم حالاً، والذي
ظننتم صفة الظن على الحالين.
قوله: (فِي أُمَمٍ) .
أي في جملة أمم، وقيل: مع أمم.
الغريب: المبرد: إذا كان العدد لا يحصى، ف "في" بمعنى مع.
تقول: جاءني زيد في جيش، أي مع جيش، وإذا علم عددهم فلكل واحد
منهما معنى على حده، تقول: خرج في عشرة، أي هو عاشرهم وخرج مع
عشرة، أي هو الحادي عشر.
قوله: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) .
عن ابن عباس - رضي الله عنهما نزلت في أبي بكر الصديق
- رضي الله عنه - ثُمَّ اسْتَقَامُوا على طاعته وأداء فرائضه والإخلاص.
وعن أبي بكر: ثُمَّ اسْتَقَامُوا على أن الله وحده ربهم.
الغريب: أقاموا عليه إلى الموت.
(وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا) .
قيل: هو يفتعلون من الدعاء، أي لكرمنا يطلبون.
الغريب: تدعون في الدنيا أنها لكم في الآخرة.
العجيب: من ادعى شيئاً في الجنة فهو له، لأنه(2/1042)
لا يدعي ما لا يستحقه، " نزلا" هو ما يهيأ للضيف إذا نزل، ونصبه على الحال، وذو الحال "مَا" أو ضميره المحذوف، فإن تقديره ما تدعونه أو ضميره المرفوع في الظرف.
الغريب: أبو علي في الحجة: "نزلا" جمع نازل، كشارف
وشُرُف، وأنشد:
. . . . . . . . . . . . . . . .. فإنا معشر نزل
ونصبه على الحال، وذو الحال: الضمير المرفوع في " تَدَّعُونَ"، أو
الضمير المجرور في "لكم" هو قوله "من غفور رحيم" صفة الحال.
أي نزلاً من أمر الله الغفور الرحيم، ولا يجوز أن يتعلق "من غفور رحيم"
بقوله: "تَدَّعُونَ" إذا جعلت الحال من الضمير المجرور، لأنه قد فصل
بينهما، وإن جعلته حالاً من الضمير المرفوع جاز.
قوله: (مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) .
هو محمد - عليه السلام - وقيل: المؤذنون، وقيل: بلال، وقيل:
جميع الأئمة والدعاة إلى الله. (وَعَمِلَ صَالِحًا) أدى الفرائض.
الغريب: هو الركعتان بين الأذان والإقامة.
قوله: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) .
"لا" زائدة، والحسنة: الإيمان والعفو والصبر والمداراة، والسيئة:
الشرك والعجلة والغلظة.(2/1043)
الغريب: عن علي - رضي الله عنه -: الحسنة حب آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والسيئة: بغضهم.
قوله: (وَمَا يُلَقَّاهَا) .
أي هذه المجازاة، وقيل: هذه الخصلة.
الغريب: الجنة.
قوله: (ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي من العقل والرأي والبصر.
الغريب: الحمل العظيم: الجنة.
قوله: (خَلَقَهُنَّ) .
أي الآيات، قيل: الليل والنهار - والشمس والقمر، أجري على جمع
التكسير، لا على غلبة الذكير، لأن ذلك مع العاقل.
قوله: (وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (38) .
موضع السجدة عند الجمهور.
الغريب: ابن مسعود والحسن: موضع السجدة: (إياه تعبدون) .
قوله: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ) .
هو بالإجماع أبو جهل - لعنه الله -.
(أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) هو النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقيل: عمر، وقيل: عثمان، وقيل عمار - رضي الله عنهم -.
قوله: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ) .
خبره عند أكثر المفسرين (أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) ،(2/1044)
وما بينهما اعتراض فيه ذكر المبتدأ، وقيل. خبره مضمر تقديره، إن الذين
كفروا بالذكر كفروا به لما جاءهم. وقيل: مضمراً أي هلكوا.
الغريب: بناء الفعل المجهول، والمراد به الذين كفروا وتقديره ما
يقولون لك وهو الخبر.
العجيب: الفاعل للفعل المجهول هو الله عز وجل، أي ما يقول الله
لك في الوحي إلا ما قال للرسل قبلك، فلا يكون على هذا خبر "إنَّ".
قوله: (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) .
أي في إخباره عما تقدم ولا عما تأخر، وقيل: لا يأتيه الباطلُ بوجه
من الوجوه.
الغريب: "مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ " لفظه، "وَلَا مِنْ خَلْفِهِ" تأويله.
قوله: (وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ) .
إ والذين لا يؤمنون" مبتدأ، "في آذانهم) جملة هي خبر المبتدأ.
الغريب: "الذين لا يؤمنرن " في محل جر عطفاً على الذين وتقديره
هو للذين آمنوا هدى وشفاء الذين لا يؤمنون في آذانهم وقر.
قوله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46) .
ذكر ظلّاماً بلفظ المبالغة لما اقترن بالعبيد، وهو جمع، من ظَلَمَ وَعلم
أنه يظلم، فهو ظَلَّام.
قود: (آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) .
أعلمناك، وقيل: أخبرناك.
الغريب: أسمعناك، من قوله: "آذنت".
قوله: (وَظَنُّوا مَا لَهُمْ) .(2/1045)
الظن معلق، وقيل: جار مجرى القسم.
قوله: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) .
جوابه فوالله ليقولن، وكذلك فوالله إن لي عنده للحسنى.
قولك: (فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) .
أي كثير، وقيل: طويل.
الغريب: الوصف بالعرض أبلغ من الوصف بالطول، لأن الشيء إذا
كان عريصاً فهو طويل ولا بد، وقد يكون الشيء طويلًا في قليل من
العرض، كالحبل والخيط، وقد يكون طويلاً لا عرض له ألبتة، كالخط.
فإنه طويل لا عرض له، لأن العرض يكون من العمق، والسطح الأعمق
له، والخط لا عرض له.
قوله: (مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ) .
"من" مبتدأ، "أضل "خبره، والفعل قبله "أرأيتم" معلق عمل في
المعنى دون اللفظ.
قوله: (أَنَّهُ الْحَقُّ) .
قيل: القرآن، وقيل: محمد - عليه السلام -، وقيل: يعود إلى
الله، وقيل: الذين.
قوله: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ)
الباء" زائدة، دخلت على الفاعل.
وهذا نادر، وقيل: تقديره، اكتف بربك، "أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " بدل من قوله: "بِرَبِّكَ"، وإن شئت جعلته في محل جر، وإن شئت في محل رفع.
وإن شئت في محل نصب.
قوله: (بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) .
أي علمه وقدرته.(2/1046)
سورة الشورى
قوله تعالى: (حم عسق) .
اسم للسورة، وقيل: اسم الله، وقيل: جبل قاف.
الغريب: ابن عباس: نزلت في رجل يقال له: أبو عبد الله ينزل على
نهر من أنهار المشرق يبني عليه مدينتين. حكاه الثعلبي. وقيل: هي
رموز إلى فتن كان علي - رضي الله عنه - يعرف بها الفتن.
العجيب: الحاء: حرب علي ومعاوية، والميم: ولاية المروانية، العين:
في ولاية العباسية، والسين: ولاية الفيالة، والقاف: قدرة مهدي.
وحكى
أبو مسلم في تفسيره هذه الأقاويل وزيادة، ثم قال: أردت بذكر ذلك أن يعلم أن فيمن يدعي العلم أيضاً حمقى والسلام.
وفي الشواذ، قرأ ابن عباس وابن مسعود بخلاف حم سق، وفصل
حم من عق بخلاف كلهيعص لتقدم حم قبله واستقلال عق بنفه، ولهذا
عد آيتين.
قوله: (كذلك يوحي) .(2/1047)
من كسر (الحاء) جعل الفعل مسندا إلى الله، ومن فتح بناه
للمجهول، و "الله" رفع بالابتداء، وقيل: رفع بفعل مضمر دل عليه يوحي، أي بوحي الله، كما سبق "يسح له فيها بالغدو والأصال"
فيكون بيانا للمجهول. قال:
ليبكِ يزيد ضارع لخصومِةٍ. . . ومختبط مما تطيحُ الطوائِحُ
والكاف في "كذلك" محله نصب صفة مصدر محذوف، أي وحيا
كذلك.
قوله: (من فوقهن) .
أي كل واحدة منها تنفطر فوق التي تليها، وقيل: "من" لابتداء الغاية.
أي من فوقهن إلى أسفلهن.
الغريب: من فوق الأرض، وقد تقدم ذكرها في قوله: (له ما في
السموات وما في الأرض) .
قوله: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) .
اللفظ عام، والمراد به الخاص، يعني المؤمنين منهم.
الغريب: معناه يطلبون ويسألون لهم الرزق، فيكون عاماً.
العجيب: عن علي - رضي الله عنه - "لِمَنْ فِي الْأَرْضِ".
الحسين - رضي الله عنه -، حكاه الماوردي. ولعله - رضي الله عنه - أراد منهم الحسين.
قوله: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) .
أي كما أوحيت إلى سائر الأنبياء، أوحيت إليك.
صاحب النظم:(2/1048)
أوحينا إليك بهذه الحروف كما أوحينا إليهم بمثل هذه الحروف.
الغريب: ابن بحر: هو الكلام الأول، والكلام متصل به في قوله:
"لتُنذِرَ" أعيدَ، لما اعترض بينهما ما يخرج عن معناهما.
قوله: (ومن حولها) حول مكة، يعني العرب.
الغريب: "ومن حولها" أهل الأرض جميعاً.
قوله: (وتنذر يوم الجمع) أي تنذر الناس من يوم الجمع، فهو
مفعول به لا مفعول فيه.
قوله: (يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ) .
أي به، والهاء تعود إلى مصدر جعل، أي بالجَعْل، وقيل: "فيه" أي
فيما ذكرناه.
الغريب: يعود إلى الاختلاف، والمعنى له كما في قوله: (ولذلك
خلقهم) في هود، وقيل: في التزاوج، ذكر الأزواج يدل عليه وقيل: إلى
الذرء.
العجيب: "فيه " في الوقت، وقيل: في الرحم، وقيل: في البطن.
وقيل: معنى "يَذْرَؤُكُمْ" يعيشكم ويرزقكم، و"الهاء" تعود إلى الأنعام.
كقوله: (في بطونه) .
قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)
أي ليس مثله شيء، والكاف زائدة، وقيل: "مثل" ها هنا عبارة عن الذات، أي ليس كذاته شيء، وقيل: "مثل" بمعنى صفة، أي لشىء كصفته صفة.
الغريب: ليس كصاحب صفاته شيء، وصاحب صفاته هو هو.(2/1049)
العجيب: قيل: "الكاف " لتشبيه الصفة و "مثل " لتشبيه الذات، فنفى
بـ ليس " التشبيه من الصفة والذات جميعاً، وهذا ضعيف لا وجه له في
العربية.
ومن الغريب: "الهاء" في "مثله" تعود إلى الرجل والمرأة، حكى عن
ابن عباس والضحاك، ولعلهما أرادا ليس كمثل جعل الأزواج شيء.
قوله: (والذي أوحينا إليكَ وما وَصّينا بِهِ) .
يجوز أن يكون "والذي أوحيا إليك" المبتدأ، و "ما وصينا" عطف
عليه، وقوله: (أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه) الخبر.
والظاهر أنهما عطف على "ما وصى" وهو نصب بقوله: "شرع" فيجوز في قوله: (أن أقيموا الدين) النصب على البدل من "مَا" و"مَا" عطف عليه، ويجوز أن يكون رفعاً على تقدير هو أن أقيموا، ويجوز جراً على البدل من الهاء في" به ".
قوله: (يجتبي إليه) عداه ب "إلى" لما فيه من معنى الضمير، وقيل:
متصل بمضمر، أي يجتبي ويدعو إليه.
قوله: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ) .
قيل: الإشارة إلى الدين والتوحيد، وقيل: إلى القرآن، واللام بمعنى
إلى.
الغريب: "اللام" لتعليل وجوب الدعاء، أي لما أوتيت من العلم فادع.
قوله: (والميزان) .
أي العدل، وقيل: الأحكام.
الغريب: هو عين الميزان أنزل في زمن نوح - عليه السلام -، وقيل:
وألْهمَ اتخاذُ الميزان.(2/1050)
العجيب: "الميزان " هو محمد - عليه السلام - يقضي بينهم
بالكتاب.
قوله: (لعل الساعة قريب) ، سيبويه: ذات قرب على النسب كطالق
وطامث، وقيل قريب إتيانها.
الزجاج: لأن تأنيثها غير حقيقي.
الغريب: أبو عبيدة: البعد والقرب إذا كانا في الزمان والمكان، يستوي
فيهما المذكر والمؤنث والواحد والجمع، ليكون فرقاً بين الظرف والقراءة.
قوله: (بما كسبوا) .
أي من جزاء ما كسبوا "وهو - أي الجزاء - واقع بهم".
قوله: (ذلك الذي يُبشرُ الله عبادَه) .
قوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) .
أي إلا أن لا تؤذوني في نفسي لقرابتي منكم، وهذا خطاب لقريش
ثم نسخت بقوله: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) الآية، سعيد بن
جبير: لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من هؤلاء الذين نودهم.
قال: (علي وفاطمة وولديهما) رضي الله عهم أجمعين، ثم نسخ.
الحسن: إلا أن تودوا إلى الله وتتقربوا إليه بالطاعة.
الغريب: إلا أن تودوا أقرباءكم وتصلوا أرحامكم.
وعلى هذين القولين غير منسوخ.(2/1051)
وقوله: (إلا المودة) استثناء متصل فيمن جعله منسوخا، ومنقطع
فيمن جعله ثابتاً.
قوله: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ "، أي غفور لمن أطاع.
العجيب: السدي: غفور لذنوب آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شكور لحسنانهم.
قوله: (فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ) .
أي لأنساك ما آتاك من القرآن، ولكنه لم يَشَإ، فأثبته فيه
ابن عيسى: لوحدثت نفسك أن تفتري على الله كذبا لطبع على قلبك
الغريب: مقاتل: "يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ" أي يربط على قلبك بالصبر على
أذاهم، فلا يدخل قلبك حزن ولا ضيق.
العجيب: "يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ" أي أماتك، وقلب الميت كالمختوم عليه
قوله: (وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ)
استئناف عند الجمهور، وهو رفع لكن الواو حذف من الخط كما حذف من قوله: (يدع الإنسان) ، وقوله: (سندع الزبانية) .
العجيب: الجبائي: الواو حذف للجزم، والمعنى إن افتريت ختم الله
على قلبك ومحى الباطل المفترى.
وقوله: (يحق) استئناف.(2/1052)
قوله: (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) .
أي يجيبهم الله، وأجاب واستجاب بمعنى.
الغريب: أراد ويستجيب للذين، فحذف اللام، كقوله: (فاستجاب
لهم) .
العجيب: (الذين آمنوا) رفع، أي يجيب الذين آمنوا ربهم.
قوله: (وهو الولي الحميد) .
العجيب: أي وهو الرب المحمود، يعيد المطر عاماً بعد عام، مرة بعد
أخرى.
العجيب: "الولي" المطر يقع بعد الموسمى، "الحميد" المحمود أثره.
قوله: (وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ) .
أي في السماوات والأرض، "مِنْ دَابَّةٍ" أي خلق، وقيل: "مِنْ دَابَّةٍ"
الإنس والجن والملائكة.
الغريب: الفراء: "فيهما" أي في أحدهما، فتعود الكناية إلى الأرض.
كقوله: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) .
(وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) .
أي ما أصابكم من غم ومكروه، وألم فهو عقوبة ذنب سبق منكم، ويعفو
عن كثير من الذنوب، فلا يعاقب عليه، وقيل: عن كثير من الناس، فلا
يعاجلهم بالعقوبة.
الغريب: الحسن: هو إقامة الحدودِ على المعاصي، ويعفو عن
كثير فلا يجعل له حدا.(2/1053)
و "مَا" يجوز أن يكون للشرط، والفاء جواب الشرط، ويجوز أن يكون
بمعنى الذي و"الفاء" دخل لما فيه من معنى الشرطية، وقراءة من حذف
الفاء محمولة على الذي.
الغريب: لما لم يظهر الجزم في الشرط، جاز حذف الفاء من الجزاء.
العجيب: قال الكعبي في تفسيره: تعلق بهذه الآية من يقول
بالتناسخ وقالوا: لولا أن الأطفال والبهائم كانت لهم حالة كانوا عليها قبل هذه الحالة، ما كانوا ليتألموا.
قال: وقال الآخرون: لما بطل قول أصحاب التناسخ وصح أن الأطفال لا ذنوب لهم، صح أن الأطفال لا يألمون، ثم قال: هذا خطاب للبالغ العاقل، وليس فيهم طفل ولا بهيمة. انتهى كلامه.
وقال سائر المفسرين: إنها في البالغين عقوبة، وفي الأطفال مثوبة لهم
ولوالديهم.
قوله: (إن في ذلك لآياتٍ لكل صبّارٍ شكور) .
أي لكل مؤمن، وإن الإيمان نصفان، نصف صبر ونصف شكر.
وقيل: صبار في السفينة، شكور إذا خرج.
قوله: (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) .
من نصب، فبإضمار أن، قال أبو علي في الحجة: يجوز النصب في
العطف على الشرط، نحو أن تأتني وتعطيني أكرمك. تقديره، إن يكن منك
إتيان وإعطاء أكرمك.
قال: وكذلك العطف على الجزاء يجوز فيه النصب، نحو أن تكرمني أكرمك وأحسن إليك.
ومن رفع، فعلى الاستئناف.
قوله: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) .(2/1054)
نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه - وذلك أن رجلًا من الأنصار سبه
عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يرد عليه أبو بكر، ولم ينه النبي - عليه السلام - الأنصاري، فأقبل أبو بكر يرد عليه، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - كالمغضب، فأنزل الله هذه الآيات.
وقوله: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) .
سمى الثاني سيئة ازدواجاً للكلام.
الغريب: السيئة ها هنا، ما يكرهه الناس طبعاً، كالقطع والحد
والقصاص.
وقوله: (وَلَمَنْ صَبَرَ) .
أي على المظلمة، وغفر تجاوز عنه، "إن ذلك" أي دينك، "لمن عزم
الأمور" أي من الصابر الغافر، فحذف العائد للدلالة.
قوله: (لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ) .
"مِنَ" مصل ب "يأتي" أي يأتي من الله يوم لا مرد له، وقيل: متصل
ب "مرد" أي لا يرده الله.
قوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) .
أي البنين، وقدم البنات تطييباً لقلوب آبائهن، وأدخل الألف واللام
على الذكور تفضيلاً لهم وتعريفاً ومراعاة لفواصل الآي، ثم قال:
(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا) .
مفاد إلى ما هو القياس من تقديم المذكر، والتسوية بينهما في التنكير
والتعريف ومعنى يزوجهم يجمعهم، وقيل: يقرنهم، " وهو أن تلد المرأة
غلاماً ثم جارية.
الغريب: ابن الحنفية: تلد توأماً عاماً وجارية عاماً.
(وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا)
لا بنين له ولا بنات.(2/1055)
ومن الغريب: ابن عباس: الآية خاصة في الأنبياء وهب الله للوط
بنات، ولإبراهيم - عليه السلام - بنين، ولمحمد - عليه السلام - بنين وبنات، وجعل عيسى ويحى عَقِيمًا.
العجيب: "يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا" الدنيا، "وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ"
الآخرة، "أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا" الدنيا والآخرة، "وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا" لا دنيا له ولا عقبى "إنه عليم" بمصالح العباد، "قدير" قادر على الكمال.
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ
قوله: (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا) .
نفثاً في الروع، وإلهاماً، كما كان لداود - عليه السلام -، فإنه ألهم
الزبور فكتب حفظا.
قوله: (أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ)
كما كلم الله موسى، (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) ، جبريل (فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ) .
الغريب: ابن عباس: نزل جبريل على كل نبي، فلم يره منهم، إلا
محمد وعيسى وموسى وزكريا - عليهم السلام -.
وجعل إرسال الرسول أحد أقسام الكلام، قوله: (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) - لا ينتصب ب "أن " في قوله: "أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ"، لأن الحمل عليه إنكار
لإرسال الرسل، وذلك كفر، بل هو منصوب بإضمار أن، والتقدير الا وحيا أو إرسالاً رسولاً، والمعنى، إلا أن يوحي وحياً، أو أن يرسل رسولاً، ومن رفع "يرسل " فيوحي" فهو استئناف، أو عطف على الحال، فإن التقدير إلا موحياً، أو يرسل رسولاً فيوحي، وقوله: (أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) .
"من" متعلق بمضمر تقديره أو أن يكلم من وراء حجاب، ولبعد تعلقه بقوله: (أن يكلمه الله) ، لأن ما قبل الاستثناء لا يعمل فيما بعد إلا، وأجاز أبو علي ذلك في الظرف خاصة، وها هنا ظرف.(2/1056)
وقوله: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ) .
إشارة إلى قوله: (أو برسل رسولًا) بدليل قوله: (رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) يعني جبريل.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أنه إشارة إلى الخلال الثلاث.
فإنه - عليه السلام - كان في بدء أمره يرى الرؤيا، وقد سمع ليلة المعراج
الكلام من وراء الحجاب، وأتاه جبريل على الدوام، بل زاد على سائر
الأنبياء فيمن يقول: أنه - عليه السلام - رأى الله سبحانه ليلة المعراج، فإنه إذا أثبت الرؤية أثبت الكلام من غير حجاب، وتلك فضيلة له - صلى الله عليه وسلم.
قوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ) أي قبل الوحي، (وَلَا الْإِيمَانُ)
قبل الاحتلام وقيل: ولا الإيمان بالكتاب.
الغريب: ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان لولا الوحي، وهذا أليق
بالآية.
قوله: (صِراطِ اللهِ) .
بدل من الأول، وهو الإسلام، وقيل القرآن.
قوله: (أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) .
وعيد بالجحيم ووعد بالجنة والنعيم.(2/1057)
سورة الزخرف
قوله تعالى: (حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) .
"وَالْكِتَابِ" قسم.
الغريب "حم" قسم، و (الكتاب) عطف عليه، وهو القرآن، وقيل:
الكتاب عام، وقيل: اللوح المحفوظ.
العجيب: ابن بحر، الكتاب، الخط أقسم به تعظيماً لنعمته فيه.
وجواب القسم: (إنا جعناه قرآناً عربياً) ، و "الهاء" تعود إلى الكتاب فيمن
فسره بالقرآن وقيل: تعود إلى القرآن ولم يتقدم ذكره في السورة كما قيل في
قوله: (إنا أنزلناهُ في ليلةِ القدرِ) ، وهذا أحسن، لأنه ليس من عادة
العرب أن تقسم بغير ما تريد أن تخبر عنه.
الغريب: جواب الفسم مقدم، وهو (حم) أي حم ما هو كائن.
"والكتاب المبين".
ومعنى المبين: ذو البيان، والبيان ما يظهر به المعنى للنفس عند
الإدراك بالبصر أو السمع، وذلك على خمسة أوجه: لفظ وخط وإشارة وعقد وهيأة، كالإعراض وتكلح الوجه.
قوله: (فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا) .(2/1059)
أي في أصل الكتاب، وهو اللوح المحفوظ -
الغريب: هو كتاب الحفظ، فيه أعمال بني آدم، والهاء تعود إلى
العمل.
العجيب: ابن بحر، أم الكتاب، الحكمة، أي كل كتب الله منزلة
بالحكمة.
قوله: (لَعَليٌّ) أي علي الشأن.
الغريب: أي علي في البلاغة لظهور ما بالعباد إليه الحاجة فيه، واللام
دخل على خبر إن، أي إنه لعلي في أم الكتاب لدينا حكيم.
قوله: (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا) .
ضرب عنه الذكر، وأضرب، إذا أمسك عنه، وصفحاً مصدر من غير
لفظ الفعل الأول، لأن التقدير، أفنصفح عنكم، وقيل: حال، أي
صافحين، (إن كنتم) بالكسر شرط بمعنى المستقبل، وبالفتح ماضي
علة، أي لأن كنتم.
العجيب: "أن " بمعنى "إذ"، وهو بعيد.
قوله: (أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا) .
أي أشدهم، و "من" زائدة، وقيل: أشد من قومك.
الغريب: أراد منكم، فذكر بلفظ الغيبة كقوله: (كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ".
قوله: (بَلْدَةً مَيْتًا) .
مقفرة من البنات، وذُكِّر حملًا على المكان.(2/1060)
قوله: (على ظهورِه) .
الضمير يعود إلى "مَا"، وهو جمع في المعنى.
الغريب: يعود إلى الفلك، أو إلى الأنعام.
قوله: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا) .
طاووس: حق على كل مسلم إذا ركب دابةً أو سفينة أن يقول:
"اللهم لك الحمد هذا من فضلك ونعمك علينا، فلك الحمد ربنا، سبحان
الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون"، أي راجعون
إلى الله من آخر عمرنا على مركب آخر، وهو الجنازة، أمروا بهذا وعظا.
قوله: (مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا) .
ولدا، لأن الولد جزء من أبيه، وقيل: مِثْلًا إذ عبدوه دونه.
الغريب: (مِنْ عِبَادِهِ) أي من حال عباده، كقوله: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ" الأية.
العجيب: الجزء: البنت، قال:
إن أجزأت حرة يوما فلَا عَجب. . . قَد تجزى الحرَّة المذكارُ أحيانا
الزجاج: لا أدري أمولد هذا البيت أم عربي.
قوله: (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) .
أي من سوء ما بشر به، "وَجْهُهُ" اسم "ظل" و "مُسْوَدًّا" خبره.
الغريب: في "ظَلَّ" ضمير أحدهم، "وَجْهُهُ" بدل، "مُسْوَدًّا" الخبر.(2/1061)
(وَهُوَ فِي الْخِصَامِ) .
أي المجادلة، وقيل: جمع خصم.
(غَيْرُ مُبِينٍ) لا ينطق بحجة.
الغريب: قتادة: ما تحاكمت امرأة إلا نطقت بما هو عليها.
ومحل (مَنْ يُنَشَّأُ) رفع بالابتداء، والخبر محذوف، أي كضده وقيل نصب، أي اجعلوا مَنْ يُنَشَّأُ لله.
الغريب: محله جر حملاً على "بما ضرب " وفيه بعد.
قوله: (أَشَهدوا خَلَقهم) .
يعني خلق الله الملائكة، فشاهدوا أنه خلقهم إناثاً، وقيل: شاهدوا
خلقهم ورأوا صورهم.
الغريب: تقديره، أشهدوا خلقهم أم آتيناهم كتاباً فيه إن الملائكة إناث
فيشهدون عن معاينة أو سماع.
قوله: (إِنَّنِي بَرَاءٌ) .
هو مصدر، وقيل: بريءٌ: وبراء وصفان، كقولهم: كهِيمْ وكَهام.
قوله: (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) .
استثناء متصل، وكان فيهم من يعبد الله، وقيل: منقطع.
الغريب: محله جر بالبدل من "مَا" في قوله "مما تعبدون".
قوله: (مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ) .
أي إحدى القريين، وهما: مكة والطائف.
الغريب: يجوز أن تجعل القريتان اسم لمواضع متصلة كالبحرين، فنسب إليها.(2/1062)
العجيب: كان الرجل ولد بالطائف وتربى بمكة، يعني أخنس بن
شريق، فنسب إليهما، وفيه بعد.
قوله: (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا) .
" اللام " للغرض، وقيل: لام العاقبة، والمعنى، تنتفع كل طبقة
بالأخرى.
قوله: (لبيوتِهِمْ) .
بدل من "من" في قوله: "لمن يكفر" بدل الاشتمال، فكرر اللام، لأن
العامل في البدل غير العامل في المبدل، ومثله (للذين استضعفوا لِمَنْ
آمنَ) .
الغريب: "اللام" لام العلة، أي جعلنا لبيوتهم لأجلهم، كما تقول:
وهبت لك درهماً لأخيك، أي لأجله.
العجيب: اللام بمعنى على، أي على بيوتهم سقفاً، وفيه بعد.
وا لسَّقْف - بالفتح - واحد، وبالضمتينٍ - جمعه، كـ رَهْن ورهن ".
وقيل هو جمع الجمع، أي سَقْف وسقوف وسقف.
الغريب: أراد السقوف، فحذف الواو، كما جاء في الشاذ: وبالنُّجُم
هم يهتدون.
قوله: (بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) .
أي من المغربين، فحذف.
الغريب: "الْمَشْرِقَيْنِ"، معا المشرق والمغرب، كالعمرين والقمرين
والوالدين والأبوين.(2/1063)
قوله: (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (39)
قال أبو علي: في هذا حرمان التأسي، وهي نعمة يسلبها الله أهل
النار، ليكون أشد لعذابهم، فإن التأسي قد يخفف كثيراً عن المتأسي من
حزنه كما جاء:
أعزي النفس عنه بالتأسي.
ثم اختلفوا في فاعل ينفعكم، فذهب جماعة إلى أنه هو أن وما بعده.
أي لا ينفعكم اشتراككم في العذاب.
قال أبو علي في الحجة: تقديره، لن ينفعكم إشراككم في الدنيا، لأن اليوم متعلق بالنفع، فلا يتعلق به "إذ"؛ لأن الفعل إذا تعلق به ظرف من الزمان لا يتعلق به آخر منه ولا يصح بدل
"إذ" من اليوم لاختلاف الزمانين، ولا يتعلق بقوله: (أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) ، لأن الموصول لا تتقدم عليه صلته، ومحل "أن" مع ما بعده
نصب، أي لأنكم في العذاب، يقوله قراءة من قرأ "إنكم " - بالكسر -.
العجيب: قول من زعم "إذ" ها هنا حرف، وهذا بعيد، لأن "إذ" إنما
يكون حرفاً إذا اتصل به ما في الشرط، ولأبي علي قول آخر، وهو أن فاعل
ينفع التبري الذي دل عليه (يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين) ، فيبقى "إذ"
بلا عامل وفيه ضعف.
قوله: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا) .
أي أمم من أرسلنا، يعني أهل الكتابين.
القفال: حذف الصلة من الآية، وتقديرها، أرسلنا إليهم من قبلك رسولاً من رسلنا، وقيل: سل من أرسلنا ليلة المعراج، ورأى منهم جماعة.(2/1064)
الغريب: واسال جبريل، من أرسلنا، أي عمن أرسلنا، ومثله
(سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) أي عن كم فيتم الكلام.
قوله: (مِنْ رُسُلِنَا) .
العجيب: "من" مبتدأ على هذا الوجه، "أجعلنا من دون الرحمن"
خبره، والعائد مضمر، أي على ألسنتهم، والنبي - عليه السلام - لم يسألهم، لأنه أعلمهم لذلك، وقيل: الخطاب للنبي - عليه السلام - والمراد به غيره.
قوله: (يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ) .
أي العالم، ولم يكن السحر عندهم عيباً، وقيل: يقال للعالم البالغ في
علمه: ساحر.
الغريب: الساحر، الغالب: من باب ساحرته فسحرته، وقامرته
فقمرته، أي غلبته فيه.
العجيب: كانوا بعد على كفرهم.
(مُلْكُ مِصْرَ) .
هي المعروفة، وقيل: الإسكندربة.
(وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ) يعني أنهار النيل.
الغريب: الأنهار، الجياد من الأفراس، أورده ابن المبارك في تفسيره.
ولم يبعد، فقد قال - عليه السلام - في الفرس الذي ركبه: (وجدته بحراً) .
العجيب: هم القواد والجبابرة.
قوله: (تَحْتِي) أي تحت لوائي، وقيل: (تحتي) تحت قصري.
وتحت سريري، وقيل: تحت أمري.
قوله: (أفلا تبصرون) ، (أَمْ أَنَا خَيْرٌ) .
قيل: إ أم" أي المعادلة، والتقدير، أفلا تبصرون أم تبصرون، وقيل:
أفلا تبصرون أي خير أم أبصرتم، ثم اصتانف، فقال: أنا خير. وقيل: هي
المنقطعة، أي بل أنا خير.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن التقدير، أهو خير من هذا(2/1065)
الذي له ملك مصر والأنهار تجري من تحته، أم أنا خير من هذا الذي هو
مهين ولا يكاد يُبين.
قوله: (لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً) .
أي بدلكم، وقيل: لجعلنا من الإنس ملائكة، وإن لم تجر العادة كما
خلقنا عيسى من غير أب.
الغريب: ولو شئنا لجعلنا بعضكم أو جميعاً ملائكة، فجعلناهم سكان
الأرض، كما جعلنا الملائكة سكان السماوات، إذ ليس في كونهم في
السموات ما يوجب لهم الِإلهية، ولا نسباً من الله.
قوله: (وإنه لعِلْمٌ للساعةِ) .
أي نزول عيسى من أشراط الساعة، وقرىء في الشواذ: (وإنه لَعَلَمٌ
للساعة) .
الغريب: عيسى كان يحيي الموتى يعلم به الساعة والبعث.
العجيب: الحسن، وإن القرآن لعلم للساعة، أي يعلم منه، وفيه
ثبوته.
قوله: (بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) .
أي أمر الدين، لا أمر الدنيا وقيل: بعض بمعنى كل.
الغريب: "بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ" نصاً فاجتهدوا في طلب الباقي
قياساً واجتهاداً.
قوله: (يا عبادِ) .
قيل: متصل بقوله: (إلا المتقين) أي فقال لهم: يا عبادي، الآية.
قوله: (الذين آمنوا) .(2/1066)
مبتدأ. (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ) خبره، أي يقال لهم ادخلوا.
الغريب: (الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا) الآية، اعتراض بين المنادى وبين قوله:
(الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا) الآية وبين أخبره، وهو قوله،: (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ) الأية.
قوله: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) .
القفال: جمع بهاتين اللفظين ما لو اجتمع الخلق كلهم على وصف ما
فيها على التفصيل، لم يخرجوا عنه، ومعنى "وتلذ الأعين "، ما التذته العين
لإفراط حسنه قبلته النفس، لأنها رائد النفس.
قوله: (لَكُم فيها فاكهة كثيرة) .
أي يتعللون بها بعد الطعام والشراب.
قوله: (منها تَأْكُلُونَ) .
رد على من زعم أن لا أكل في الجنة.
قوله: (منها تَأْكُلُونَ) ، وفي غيرها: (ومنه تَأْكُلُونَ) لأن ما في هذه
السورة من صفة الجنة، وهي للأكل فحسب، وفي غيره من صفة الدنيا، فمنها تأكلون ومنها تدخرون ومنها وفيها.
قوله: (خَالِدُونَ) .
خبر إن، وهو المقصود بالذكر، في عذاب جهنم، متصل بخالدين.
ويجوز أن يكون "في عذاب جهنم" الخبر، و "خالدون " خبر بعد خبر بخلاف
قوله: "فاكهين" فإنه حال.
قوله: (كانوا هم الظالمين) .
"هم" فصل وعماد "الظالمين " الخبر.(2/1067)
قوله: (يَا مَالِكُ) .
هو خازن النار.
الغريب: قرأ علي في جماعة: "يا مال" على الترخيم، وخص
بالترخيم بعجزهم عن الإيضاح وضعفهم عن إتمام القول.
قوله: (لَقَدْ جِئْنَاكُمْ) .
أي جاءكم رسلنا، استئناف كلام من الله.
الغريب: من تمام كلام مالك، ولفظ الجمع للملائكة، وهو واحد
منهم.
قوله: (أَمْ أَبْرَمُوا) .
عدول من الخطاب إلى الغيبة، أي أجمعوا على التكذيب، وأجمعنا
على التعذيب.
الغريب: ابن بحر، هو عطف على قوله: (أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (45) - (أَمْ أَبْرَمُوا "أمراً") .
قوله: (إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) .
قيل: (الأتقَيْنَ) : وقرىء في الشواذ: العبدين.
وقيل: إن كان للرحمن ولد بزعمكم فأنا أول العابدين بأنه واحد لا ولد له. وقيل: ما كان للرحمن ولد.
الغريب: إن كان للرحمن ولد، فأنا أول من يعبد ذلك الولد، لكن
ليس له ولد، فليس إلى اعتماده سبيل، ذكرهم القفال، وقال: على هذا
تعريض الكلام، كما قال: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) .(2/1068)
العجيب: سفيان بن عيينة، إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين
ولست بأول العابدين، فليس لله ولد.
قال: وهذا كما تقول: إن كان ما تقول حقا فأنا جماد، أي ليس ذلك بحق كما لست بجماد.
ومن العجيب جدا: قول المغيرة، من الشيعة: إن كان للرحمن ولد
فأنا، لكن ليس له ولد.
قوله: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) .
قرأ عمرو بن مسعود في جماعة: وهو الذي في السماء الله وفي
الأرض الله.
وفي الغربب: من الشواذ: "وهو الذي في السماء لاه وفي الأرض
لاه "
أي اشتقاق الله من هذين البناءين بإجماع من ذهبوا إلى أنه مشتق.
وإله يرتفع بالخبر، والمبتدأ محذوف تقديره، وهو الذي في السماء
إله، لحاجة الموصول إلى عائد من الصلة، ولا يجوز أن يقدر في الظرف
ضمير يعود إلى الذي، و"إله" بدل عنه لعطف "وفي الأرض" على الصلة.
والبدل إنما يكون بعد تمام الصلة.
قوله: (وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) .
أي يدعونهم، "إِلَّا مَنْ شَهِدَ" محله رفع، وهم الملائكة، وقيل:(2/1069)
(إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ) ، وهم المؤمنون فحذف اللام، ومحله نصب.
الغريب: "الذين يدعون " هم الداعون ومعنى "لا يملك" لا ينال "إلا من
شهد" رفع.
العجيب: "من" بمعنى ما المصدرية، أي ولا يملك المدعوون إلا
الشهادة قاله القفال.
وقيل: حمل من على معنى ما المصدرية حمل الذين
عليه في قوله: (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ) وقد سبق.
قوله: (وَقِيلِهِ يَا رَبِّ) .
"الهاء"، تعود إلى محمد - عليه السلام -، وقيل: إلى عيسى - عليه
السلام.
الغريب: ابن بحر، تعود إلى من شهد بِالْحَقِّ.
قريء بالجر عطفاً على الساعة، أي يعلم الساعة ويعلم قيل - عيسى أو
محمد - عليه السلام -، والمعنى دعاءهما إلى الله. وقرىء بالنصب عطفاً
على محل الساعة، (وقيل) عطف على سرهم ونجواهم.
"وقيله "، الغربب: نصب على المصدر، أي قال قيله يا رب.
العجيب: وقيله - بالجر - عطف على قوله: (بالحق) أي شهد بالحق
وقيله. وهذا بعيد، لأنه قد حيل بالآية بينهما، وهما في صلة، ولا يجوز
الإحالة بينهما.
قوله: (وَقُلْ سَلَامٌ) .
أي ما يسلم، وقيل: قل معروفاً، وقيل: هو ما ندب إليه في قوله:
(وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) .(2/1070)
الغريب: ودعهم.
العجيب: ابن بحر، من شأن العرب ختم كل أمر بالسلام، كأنهم
يقولون على ما أردنا وتخلصنا منه والسلام.(2/1071)
سورة الدخان
قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ) .
جواب القسم، و"الهاء" تعود إلى القرآن، وقيل: إلى جبريل.
الغريب: جوابه (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) لما سبق في الزخرف، أنه لا يقسم
بما يخبر عنه، فيصير "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ" اعتراضا بين القسم
وجوابه.
قوله: (فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)
هي ليلة القدر، لقوله عز وجل: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ، وليلةُ القدر في شهرِ رمضان، لقوله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) ، وقيل: هي ليلة النصف من شعبان، يقضي فيها قضاء السنة، وهو معنى قوله: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) .
قوله: (أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا) .
أمراً منا لذلك بأن نقول له كن فيكون، و"أمرا" نصب على الحال.
وذو الحال الفاعل، أي آمِرينَ، وقيل: ذو الحال (أمر حكيم) لأنه قرب من
المعرفة بالوصف وقيل: ذو الحال "الهاء" في "أنزلناه" وقيل: نصب على
المدح لقوله: (مِنْ عِنْدِنَا" أي أمراً أردناه، وقيل: مصدر، وقيل: تميز.
وقيل: مفعول به، أي أحكمنا أمراً، ودل عليه "حكيم".(2/1073)
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن في الآيات تقديماً وتأخيرا.
والتقدير إنا أنزلناه في ليلةٍ مباركةٍ فيها يفرُق كل أمرٍ حكيم إنا كنا منذرينَ أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك، فتكون الرحمة مفعولا به وهو
محمد - عليه السلام -، وقيل: "الرحمة" مفعول له، وقيل: حال، أي
راحمين.
قوله: (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) .
جزاؤه مضى، أي فأيقنوا بما أخبرتكم، وقيل: جوابه ما دل عليه ما
قبله.
الغريب: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ، فاعلمو" أن لا إله إلا هو.
العجيب: "أن " بمعنى " ما" الفي.
قوله: (بِدُخَانٍ مُبِينٍ) .
هو الجوع الذي أصابهم زمن القحط حتى أكلوا العِلْهِز (1) والجيف.
والجائع مِنْ ضَعْف بصرِه يرى في الهواء كالدخان، وقيل: عبارة عن يبوسة
الأرض وغبارها، فيقال: سنة غبراء وجوع أغبر، وعام الرمادة في زمن عمر
- رضي الله عنه - سمي لذلك، وقيل: هو عبارة عن الثمر.
الغريب: عن حذيفة، أنه قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن أول الآيات الدخان، ونزول عيسى ابن مريم، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر".
وقيل: الدخان يقع يوم القيامة.
قوله: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ) .
__________
(1) الملهز: دم يابس يدق به أوبار الإبل في المجاعات ويؤكل، وقيل: نبات له أصل كأصل الَبرْدي.
وقبل غير ذلك. اللسان مادة "علهزا.(2/1074)
مِن كلام القوم، والقول مضمر، وقيل. ابتدأ كلامَهم من قوله: (هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)
قوله: (مُعَلَّمٌ) .
أي يعلمه الشيطان، وقيل: إنما يعلمه بشر.
قوله: (إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ) .
هو الجوع والقحط.
العجيب: هو الثلج، حكاه الماوردي، وأنكره.
قوله: (يَوْمَ نَبْطِشُ) .
يوم بدر، وقيل: يوم القيامة، وهو منصوب بالبدل من "يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ" وقيل: منصوب ب "عَائِدُونَ"، وقيل: منصوب بفعل مضمر دل عليه
"منتقمون"، أي ننتقم يوم نبطش.
الغريب: منصوب بقوله: (تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ) .
قوله: (عِبَادَ اللَّهِ) .
جمع عبد، وقيل: جمع عابد، وهم بنو إسرائيل، ومنصوب ب "أدوا".
أي أرسلوهم معي، وأطلقوهم عن الاستعباد.
الغريب: أدوا إلي يا عباد الله ما وجب عليكم من الإيمان به والاعتراف
بنعمهِ، وهو منصوب بالنداء.
قوله: (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا) .
منفرجاً واسعاً، من قولهم: امراة زهْوَى، وقيل: ساكناً، وقيل: ذا رهوٍ
والرهو: القطار أي على حاله، يتبع بعض الناس بعضاً متقاطرين.
الغريب: الزجاج، يبسا من قوله: (طريقا في البحر يبسا"، وهو
نصب على الحال من البحر.(2/1075)
ساكناً.
الغريب: (رهوا) ساكناً، وهو صفة مصدر محذوف، أي أسرِ بهم سرى ساكناً.
قوله: (وعيون) . وهي عيون الماء.
الغريب: سعيد بن جبير، عيون الذهب.
قوله: (وَمَقَامٍ كَرِيمٍ) .
منازل طيبة، وقيل: محافل الاجتماع للتدبير والتشاور.
الغريب: " المنابر".
قوله: (كذلك) .
قيل: هو منفصل من الجانبين، أي كذلك كان فلا تكن فيه، وقيل:
كذلك أهلكناهم وأورثناهم قوماً آخرين.
قوله: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) .
أي أهلها، وقيل: هو ما جاء في الخبر: "أن المؤمن يبكي عليه إذا
مات من الأرض مصلاه وموضع عبادته، ومن السماء مصعد عمله "، أي
لم يبك عليهم أثر في طاعة.
وقيل: معناه لم ينتصر لهم ولم يطلب بثأرهم أحد.
الغريب: كانت العرب تزعم أنها تبكي على الرجل ذي القدر إذا مات
وعلامة بكائه الخسوف والكسوف والحمرة تحدث في جوانب السماء.
العجيب: قول من قال: إنها تبكي كبكاء الناس.
قوله: (تبع) .(2/1076)
ابن عباس: نبي. عائشة، كان رجلاً صالحاً. سعيد بن جبير، كان
رجلًا كسا الكعبة
أبو عبيدة، ملوك اليمن، يسمى كل واحد منهم تبعاً، أي يتبع صاحبه، كالخليفة يخلف غيره.
الغريب: كان اسمه أسعد بن كُلي كَرِب، سمي تبعاً لكثرة تبعته.
وكان يكتب إذا كتب بسم الذي ملك براً وبحراً وصبحا وريحا.
العجيب: أبو هريرة قال، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أدري أتبع نبي كان أم غير نبي ". رواه الثعلبي (1) .
قتادة، كان رجلا من حمير سار بالجيوش، حتى حير الحيرة، ثم
أتى سمرقند فبناها، وقيل: فهدمها.
قوله: (والذين من قبلهم) .
محله رفع من وجهين:
أحدهما: العطف على"قوم تبع "أي هم خير أم هذان.
والثاني: بالابتداء، وخبره أهلكناهم، ويجوز أن يكون نصباً بفعل
مضمر دل عليه أهلكناهم، نحو زيداً ضربته، وأجاز أبو علي في التذكرة: أن يكون جراً بالعطف على (تبع) .
قوله: (أهلكناهم)
استئناف، ويجوز أن يكون خبر المبتدأ، كما
سبق، وأجاز أبو علي: أن يكون صلة "للذين" فيكون (من قبلهم) متعلقاً به، وأجاز أن يكون صلة"الذين من قبلهم) وفيه ضمير يعود إليهم، وأهلكناهم حال لإضمار "قد" أو صفة نكرة محذوفة، أي قوماً أهلكناهم.
قوله: (إِلَّا بِالْحَقِّ) .(2/1077)
أي بسبب الحق، وقيل: بالجد، وقيل: "الباء" للحال، أي محقين.
الغريب: أي للحق.
قوله: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ) .
هي على صورة شجر الدنيا، لكنها من النار.
العجيب: النقاش، شجرة الزقوم أبو جهل، وفيه ضعف، بل جاء في
"الأثيم" أبو جهل.
قوله: (كَالْمُهْلِ) .
هو ما يمهل في النار حتى يذوب كالذهب وسائر الفلزات، وقيل: عكر
الزيت، وقيل: القيح والدم "تغلي" - بالتاء - يعود إلى الشجرة، و - بالياء - يعود إلى الطعام أو إلى الزقوم أو إلى الشجرة، وذكرها لإضافتها الى
مذكرها.
العجيب: قول من قال: يعود إلى المهل وهي خطأ، لأن الغليان فى
البطن للمأكول.
قوله: (فَوْقَ رَأْسِهِ) .
يعود إلى الأثيم.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أنه يعود إلى الزقوم، أي ثم يسقى
الحميم.
العجيب: (من عذاب الحميم) ، متصل بما بعده، أي ذق من عذاب
الجحيم.
قوله: (إنك أنت العزيز الكريم) .
هذا استهزاء به، وقيل: العزيز الكريم بزعمك، وقيل: على الضد.
أي الذليل المهين، وقيل: العزيز في قومك الكريم في نفسك.
الكسر على(2/1078)
الحكاية أو على الاستئناف، والفتح على تقدير لأنك وبأنك، أي بسبب هذا القول، وذلك أن النبي - عليه السلام - لقي أبا جهل فهزه، وقال له: أولى لك يا أبا جهل فأولى. فأنزل الله فيه (أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) ، فقال أبو جهل: ما تقدر أنت ولا ربك علي، إني لأكرم أهل الوادي وأعزهم. فنزلت توبيخا له، أي ذق بسبب هذا القول.
قوله: (متقابلين) .
حال، أي يتقابلون في مجالستهم لا يرى بعضهم قفا بعض.
الغريب: يقابلون أزواجهم من الحور العين.
العجيب: هو من القبول، أي يقبل بعضهم بعضاً ويتوادون من غير
عداوة.
قوله: (كذلك) .
فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما، أنه منفصل من الجانبين، أي الأمر كذلك.
فهو رفع، وقيل: متصل بما قبله، أي يدومون على تلك الحالة فلا تتبدل
أحوالهم، والثالت: متصل بما بعده أي " وزوجناهم " إنعاماً منا عليهم.
كالذي قبله، ومحله نصب على هذين الوجهين.
(يدعون) .
حال من "زوجناهم" و"آمنين" حال من الضمير في (يدعون) .
و"لا يذوقون".
حال من (آمين) ، وقيل: الثلاثة حال من (زوجناهم) .
و"الباء" في "زوجناهم بحور" متصل بالمعنى، أي قرناهم بهن.
الغريب: زوجته امرأة وزوجته بامرأة لغتان.(2/1079)
و"الباء" في "بكل فاكهة" متصل بالمعنى أيضاً، أي يدعون ويأمرون
فيها بإحضار كل فاكهة.
وقيل: "الباء" للحال، كما تقول: خرج بثيابه، أي متلبسا.
قوله: (إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى)
فيها أقوال للمفسرين، وفي كل واحد منها
اعتراض، أحدها: "إلا" ها هنا بمعنى بعد، وهذا القول يدفعه قوله
(فيها) .
والثاني: أن "إلا" ها هنا بمعنى سوى، وهذا يدفعه المعنى، لأن
"إلا" تكون ناقصة أبداً، وإذا جعلت بمعنى سوى تكون زائدة، فإنه إذا قال:
له على درهم سوى الدرهم الأول، يلزمه درهمان، فإذا قال: ليس له على
درهم إلا الدرهم الأول، يلزمه درهم، فيؤدي المعنى إلى أنهم يذوقون من
جنس الموتة الأولى.
والثالث: أن الاستثناء منقطع، أي لكن الموتة الأولى
فقد ذاقوها.
وهذا لولا الإضمار حسن.
والرابع: أخبرهم بذلك وهم أحياء في الدنيا، فاستثنى الموتة الأولى، فيدفع هذا القول أيضاً بقوله: (فيها) .
الخامس: هم وقت المعاينة ينظرون إلى الجنة، فكأنهم فيها، وهذا يدفعه
قوله "كأنهم".
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن قوله: (فيها) حال مقدر من
الضمير في "يذوقون"، وليس من صلة الذوق، فيكون المعنى، لا يذوقون
متوقعين للدخول في الجنة الموت إلا الموتة الأولى.
وقال الشيخ الإمام: يحتمل أيضاً أن الضمير في قوله (فيها) يعود إلى الآخرة، لا إلى الجنة، لأن هذا حكم عام لأهل الجنة وأهل النار، وإذا عاينوا الملك فقد صاروا في الآخرة، لأن الموت أول أحكام الآخرة، والقبر أول منزل من منازل الآخرة، ولا تقبل التوبة فيها، لأنها من الآخرة، فصح الاستثناء - والله أعلم -.
قوله: (فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ) .
نصب على المصدر، وما قبله يدل على فعله، أي تفضل عليهم(2/1080)
فَضْلًا، وقيل: نصب على المصدر من غير لفظ الفعل الأول وهو قوله:
(ووقاهم) .
الغريب: نصب على أنه مفعول له، أي لتفضله وقاهم.
قوله: (يسرناه) .
اي الكتاب. بدأ السورة بذكر الكتاب، وختمها به.(2/1081)
سورة الجاثية
الغريب: سورة الدهر، وقيل: سورة الشريعة.
قوله تعالى: (حم) .
من جعله مبتدأ، فالتنزيل خبره، ومن جعله قسما، فتنزيل الكتاب هو
المقسم عليه.
ولم يأت بحرف التأكيد، لأنه لما عدل القسم عن وجهه خفف
جوابه.
الغريب: "حم" لافتتاح الكلام، كقولك: ألا، و "تنزيل " مبتدأ، "من
الله" خبره.
قوله: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ) .
أي في عينها آيات، وقيل: فيها من الشمس والقمر والنجوم والجبال
والشجر والدواب آيات.
الغريب: (إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ) بدليل قوله: (وفي
خلقكم) عطفا عليه.
قوله: (واختلافِ الليلِ والنهارِ) .
أي بالظلمة والضياء، وقيل: بتعاقبهما.
الغريب: أكثر أدلة التوحيد مذكورة في هذه الآيات الثلاث.(2/1083)
قوله: (لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ) .
مكسورة بالإجماع، وهو اسم "إن " والظرف خبره تقدم عليه.
والثانية والثالثة قرىء بالرفع على الابتداء، وبالظرف أو بالعطف على
موضع "إن"، واسم "إن "، وقرىء بالكسر حملاً على الأول بدلًا وتأكيداً.
وفي الآية الئالثة، عطف على العاملين في الظاهر، فإن قوله:
(واختلاف) مجرور بالعطف على قوله (وفي خلقكم) ، و "لآيات"
محمول على اسم (إن) ، وفي رفع، فهو أيضاً عطف على عاملين، أحدهما:
في كما سبق، والثاني: الابتداء، لأن الابتداء عامل في المبتدأ، كما " إن "
عامل فيه ووجه ذلك ما ذكرت من أن الآيات في الأولى ذكرت تأكيداً من غير حاجة إليها كما تقول: إن في الدار زيداً، وفي الحجرة زيداً والمسجد زيداً، وله وجه آخر وهو أن قوله: (واختلاف) مجرور بعامل آخر دل عليه قوله (وفي خلقكم) ، كما أنشد: سيويه:
أكلَّ امرئ تحسبين أمرأً. . . ونارٍ توقَّدُ بالليل ناراً
أي وكل نار، فحذف، لأن الأول يدل عليه. ومثله قولك: بمن تمرر
أمرر، فتقتصر على الباء في قولك بمن تمرر، ولا تكرره تقول أمرر به، ولو
قلت: من تضرب أمرر، لا يجوز حتى تقول أمرر به، إذ ليس في قولك: من
تضرب ما ينوب عن الباء في الثاني، وأجاز الأخفش العطف على
العاملين، واستدل على جوازه بالآية وليس فيها دليل له، لما سبق ذكره.
قوله: (آيات اللهِ) .أي القرآن.
(نتلوها) نقرأها.(2/1084)
الغريب: آيات الله، دلائله، و " نتلوها" أي نتلو ذكرها.
قال أبو علي: لا تستعمل التلاوة إلا في كتب الله، والأصل فيها إتيان
الثاني بعد الأول، تقول: تلوت القرآن تلاوة، وتلوت فلاناً تلواً.
قوله: (بالحق) ، حال، أي محقين، وقيل: بِالْحَقِّ لا بالباطل.
الغريب: لأجل الحق الذي قصدناه.
قوله: (بَعْدَ اللَّهِ) أي بعد حديث الله. من قوله: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) وهو القرآن، والمعنى، فبأي حديث بعد الله وآياته تؤمنون إن لم تؤمنوا بالقرآن.
الغريب: معناه إن لم تؤمنوا بالقرآن وهو آخر كتب الله، ولم تؤمنوا
بمحمد - عليه السلام - وهو آخر رسل الله، فبأي كتاب بعد القرآن، وبأي نبي بعد محمد تؤمنون، ولا كتاب بعده ولا نبي، وقيل: بعد إعراضهم عن الله.
قوله: (يسمع آيات الله) .
أي يسمع النبي يتلو آيات الله، فحذف المفعول الأول.
قوله: (تتلى) حال من آيات الله تعالى.
قوله: (عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ) .
هو أشد العذاب.
الغريب: الرجز، النتن، أي لهم من عذاب ذي رجز.
قوله: (جميعا منه) .
حال، وقوله "منه" أي من خلقه، وقيل: تسخيرا منه، وقيل: "من" خبر(2/1085)
مبتدأ محذوف، أي هذه النعم منه، وقرأ ابن عباس "مِنّةً"، أي مَنَّ بها
عليكم منه، وقرىء "منة".
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن "الهاء" تعود إلى الأمر، أي
جميعاً من أمره، كما في الآية قبها (بامره) وهو ظاهر.
قوله: (قل للذين آمنوا يغفروا) .
قيل: الأمر مضمر، يغفروا جوابه، أي اغفروا يغفروا، وقيل: تقديره
ليغفروا فحذف اللام، وقيل: هو جواب قل وهذا بعيد لأن قل يستدعي
مقولاً.
الغريب: يغفروا وقع موقع اغفروا.
نزلت في عمر - رضي الله عنه - وذلك أنه لما نزل (من ذا الذي
يقرض الله " قال فنحاص: احتاج رب محمد، فبلغ ذلك عمر، فاشتمل على
سيفه وخرج يطلبه، فنزل جبريل بالآية.
وقيل: فعل ذلك حين سمع أن عبد الله بن أبي ابنَ سلول قال: إن مثلنا ومثل محمد كما قيل: سَمِّنْ كلبك ياكلْك.*
قوله: (أيام الله) أي الوقائع كيوم أحد ويوم حنين، وقيل: نصر الله
للمؤمين.
الغريب: أيام الله التي وعدها المؤمنين في الجنة.
قوله: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ) .
أي اكتسبوها، وهو مشتق من الجراحة، لأن لها تأثيراً، ومثله الافتراق.
مشتق من فرقت القرحة لتأثيرها.(2/1086)
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)
قوله: (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)
في محل نصب، بالحسنات.
وقوله: (سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ)
جملة من مبتدأ وخبر، وموضعها نصب، لأنها خبر نجعل، وقوله: (كالذين آمنوا) حال من الضمير المنصوب في نجعلهم، والعامل في الحال "نجعل"
وقرىء (سواءً) بالنصب، فيجوز أن يكون حالاً، (كالذين آمنوا) .
المفعول الثاني لجعل، ويجوز أن يكون المفعول الثاني لجعل، كالذين آمنوا
حال.
وارتفع "محياهم ومماتهم" بقوله "سواء"، فإنه في معنى مستوي.
وفيه بعد، لأنه ليس باسم الفاعل، ولا بالصفة المشبهة باسم الفاعل فيعمل
عمل الفعل، بل هو مشبه بقولهم: مررت برجل مائة إبلِه، وبرجل خير منه
أخوه، وقرىء في الشاذ، ومماتَهم - بالنصب -، فيحمل أن يكون "محياهم
ومماتهم" ظرفين.
قال الشيخ الإمام: ويحتمل أن يكون بدلا من الضمير في
نجعلهم، والتقدير، فجعل معنى وممات الكفار محيى وممات المؤمنين.
فحذف الثاني وقرىء أيضاً في الشاذ، ومماتهم - بالجر - فيكون التقدير.
كالأول، لكن حذف الأول، والضمير في "محياهم ومماتهم"، في الجر
للمؤمنين خاصة، ومع النصب للكافرين خاصة، وفي الرفع، قال الشيخ
الإمام: يحتمل الوجهين، ويحتمل العموم في القبيلين، وكذلك إذا نصبت
على الظرف.
الغريب: قد تم الكلام على قوله: (الصالحات) ثم استأنف.
فقال: سواء محياهم ومماتهم، أي محياهم سواء ومماتهم كذلك.
قوله: (ساء ما يحكمون)
إنْ جَعَلتَ، "مَا" موصولا "ويحكمون " صلته فمحله رفع اسم "مَا"، وإن جعلته نكرة و"يحكمون" صفته، فمحله(2/1087)
نصب واسم "ساء" مضمر، كما تقول: بئس رجلاً، والمخصوص بالذم
محذوف، أي حكمهم.
قوله: (إِلَهَهُ هَوَاهُ) .
أي بهواه لا بالدليل.
الغريب: فيه تقديم وتأخير، أي اتخذ هواه إلهه، فركب ما اشتهاه.
قوله: (على علم)
حال من الفاعل، وهو الله سبحانه، أي في سابق
علمه، وقيل: حال من المفعول، أي معانداً لأن ضلال المعاند عن علم
وقيل: هو علم الصناعات.
قوله: (من بعد الله) أي بعد خذلان الله إياه، وقيل: بعد هدايةِ
الله.
الغريب: (من بعد الله) أي غير الله، و "الفاء" في "فمن يهديه" جواب
"من اتخذ".
قوله: (حَيَاتُنَا الدُّنْيَا) .
ليس بتسليم لحياة ثانية، وإنما التقدير بزعمك.
قوله: (نموت ونحيا)
فيه تقديم، وقيل: نموت نحن ونحيي الأنباء، وقيل: يحى البعض ويموت البعض.
الغريب: هذا كلام من يقول بالتناسخ، أي يموت الإنسان ثم تصير
روحه في موات فتحيى به.
قوله: (إلا الدهر) مرور الزمان.
الغريب: قتادة إلا العمر.(2/1088)
العجيب: عكرمة، إلا الله، وفيه بعد.
قوله: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) .
العامل فيه "يخسر المبطلون"، و "يومئذٍ " بدل منه.
الغريب: (وَيَوْمَ تَقُومُ) عطف على محل السماوات والأرض، وهو
مفعول به.
قوله: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ) .
يعني الكتب المنزلة على الأنبياء، والتقدير، وأما الذين كفروا فيقال
لهم: (ألم تكن آياتي) فأضمر القول، وقام "الفاء" في أفلم مقام "الفاء"
في "فيقال ".
قوله: (مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) .
"الساعة" مبتدأ و "مَا" خبره، وقيل: "مَا" مبتدأ، و "الساعة" خبره.
والصواب الأول، والجملة مفعول (ندري) ، وقوله (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا)
وقال أبو علي لا تجري هذا الكلام على ظاهره لأن كل من يظن فإنه لا يظن غير الظن، قال: ويصح الكلام بأن يقدر بـ "إِلَّا" التقديم، وهو قول الأخفش، أي ما نحن إلا نظن ظنا.
الغريب: المازني: إن نظن نحن إلا أنكم ظننتم ظنا.
العجيب: إن نظن إلا ظنا لا يؤدي إلى العلم فحذف الوصف.
قوله: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) .
ذكر الواو مع الأرض، لأن الأرض غير السماوات، ولمٍ يذكر مع
العالمين، لأنه اسم يشتمل على كل مخلوق، فكان بدلًا لا عطفا.(2/1089)
سورة الأحقاف
قوله تعالى: (وَأَجَلٍ مُسَمًّى) .
هو عطف على "بِالْحَقِّ"، و "الباء" بمعنى اللام، أي للحق، و "وَأَجَلٍ مُسَمًّى) أي وقت معلوم عند الله وإن طوي علمه عن العباد، وقيل: مقروناً
بأجل مسمى.
الغريب: هو أجل كل مخلوق.
العجيب: المراد، أي بأجل مسمى، وهو قوله (في ستة أيام) .
قوله: (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) .
قيل: رواية من قولهم: جاء في الأثر، وقولهم: حديث مأثور، وقيل:
بقية، تقول العرب: سمنت الإبل على أثارة، أي بقية من الشحم، وقيل:
ميراث، وقيل بينة، وخاصة واجتهاد بعلم وإسناد.
الغريب: جاء مرفوعاً في قوله (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) "أنًه الخط.
وقال عليه السلام -: " كان نبيا من الأنبياء يخط، فمن صادف مثله خطه
علم "
و"مَن" استفهام على الرواية الأولى، وشرط على الرواية الأخرى.
وقال أبو سليمان في غريبه عن ابن الأعرابي قال: يأتي صاحب الحاجة(2/1091)
إلى الحازي، فيعطيه حلواناً، وهو جُعْله فيقول له: اقعد حتى أخط لك.
قال: وبين يدي الحازي غلام معه ميل، ثم يأتي إلى أرضِ رِخو، فيخط
خطوطاً كثيرة بالعجلة لئلا يلحقها العدد، قال: ثم يرجع فيمحو على مهل
خطين خطين، فإن بقي منها خطان فهو علامة النجاح، وكانت العرب تسمى ذينك الخطين ابني عِيان أسرِعي البَيان، وإن بقي خط واحد، فهو علامة الخيبة، الأزهري: وتسمي العرب ذلك الأسحم.
العجيب: (أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) مناظرة، لأن المناظرة في العلم مثيرة
لمعانيه. وهذا بعيد، لأنه يوجب إثارة - بكسر الهمزة - مصدر أثار، ولعله جاء في الشواذ بالكسر.
قوله: (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .
استبعاد لا غاية، وقيل: غاية، لأن المعبود يجيب العابد يوم القيامة.
نحو (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) .
قوله: (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) .
كان هذا قبل نزول: (إِنَّا فَتَحْنَا) وفيه: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ) ، فعلم ما يفعل به، فلما نزل (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) قال رجل: قد
علمنا ما يفعل بك، فما يفعل بنا، فنزل (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية.
الغريب: لا يصح من الرسول أن يقول: (مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ)(2/1092)
، بل سببه أنه - عليه السلام - رأى في المنام أن يتحول إلى أرض ذات
نخل وضجر وماء، فأخبر أصحابه بذلك، فلما طال حصول ذلك راجعوه في
ذلك، فنزلت هذه الآية.
العجيب: معناه، لا أدعي علم غيب ولا معرفة ما يفعل بني ولا بكم
من الإحياء والإماتة والنعمة والجدب، إلا أن يوحى إليَّ في ذلك شيء
فأتبعه، قاله: ابن بحر، وهو قول حسن.
قوله: (وقالَ الذينَ كفروا للذين آمنوا) .
العجيب: هو كقولك: قلت له، وهذا ظاهر.
وقوله: (إن كانَ من عند اللهِ)
شرط جزاؤه مضى تقديره، أليس قد ظلمتم، والله لا يهدي الفوم الظالمين يدل عليه، قيل: جوابه أتأمنون عقوبة الله، وقيل: أتؤمنون به، وقيل: فمن أضل منكم.
الغريب: في الآية تقديم وتأخير إن كان من عند الله وشهد شاهد من
بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم وكفرتم.
قوله: (كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا) .
"كِتَابُ مُوسَى" مبتدأ، "من قبله" خبره، "إِمَامًا" حال، والعامل فيه ما
في الظرف من معنى الفعل.
(وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا) حال.
الغريب: "مُصَدِّقٌ" ذا لسانٍ عربي وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - فيكون مفعولًا به.
قوله: (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى)
يجوز أن يكون رفعا، أي هو بُشْرَى.
الغريب: يجوز أن يكون نصباً، أي لينذر الذين ظلموا ولتبشير بثرى
للمحسنين.
الغريب: محله جر عطفاً على المحل، أي لإنذارٍ وَبُشْرَى.(2/1093)
قوله: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا) .
أقل الحمل ستة أشهر، ونهاية الفطام حولان.
الغريب: صاحب النظم: هذه خاصة للرسول - عليه السلام -، وكان
حمله ستة أشهر.
قوله: (ثَلَاثُونَ شَهْرًا)
خبر مبتدأ محذوف تقديره ومدة حمله وفصاله ثلاثون شهراً، فأخبر بظرف.
قوله: (رَبِّ أَوْزِعْنِي) الآية، عن ابن عباس في رواية عطاء: أنها
نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ولم يكن في الصحابة من
أسلم وأسلم والده وأولاده إلا أبو بكر، وذلك أنه صحب رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمان عشرة سنة، ورسول الله - عليه السلام - ابن عشرين سنة، وهم يريدون الشام، فنزلوا فيه سدرة، فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين، فقال الراهب: من الرجل
الذي في ظل السدرة، فقال: ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقال:
هذا والله نبي، فما استظل تحتها أحد بعد عيسى ابن مريم إلا محمد نبي
الله - عليه السلام -، فوقع في قلبه اليقين والتصديق، فكان لا يكاد يفارق
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أسفاره وحضوره، فلما نبىء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين سنة، وأبو بكر ابن ثمان وثلائين سنة، أسلم وصدق رسول الله يتأ فلما بلغ أربعين سنة، قال رب أوزعني أن أشكر) الآية.
قوله: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا) .
الحسن: الآية عامة، ولم يرد واحداً بعينه، السدي: ذهب إلى(2/1094)
أن الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه، (وَهُمَا) يعني أبا بكر
وأم رومان (يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ) ويسألانه أن يوفقه للإيمان ويقولان له، (وَيْلَكَ آمِنْ)
قال السدي: فاستجاب الله دعاءهما فأسلم وحسن إسلامه، ولقد رأيته وما
بالمدينة أعبد منه - قال: ولما أسلم نزلت فيه: " ولكلِ درجات مما
عملوا) ، وأنكر أكثر المفسرين هذا، وقالوا: روي عن عائشة: - رضي الله
عنها - أنها قالت لمروان بن الحكم - حين خطب زياد بالمدينة وأثنى على
معاوية ورد عليه عبد الرحمن، فقال مروان: هذا الذي قال لوالديه أف
لَكما -: كذبت، لأنها نزلت في أبيك وأخيك، وفي رواية قالت: والله ما هو به ولو شئت لسميته، ولكن الله لعن أباك وأنت في صلبه، فأنت ممن لعنه
الله. قال الزجاج: ويدل على أنها ليست في عبد الرحمن: أن الله أخبر
عن قائل هذا الكلام بأنه من أهل النار في قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ، قال مجاهد ونزلت في عبد الله بن أبي بكر بطولها.
قوله: (وَيْلَكَ) نصب على المصدر، والمصادر التي لا أفعال لها الاختيار فيها
النصب إذا أضيفت، ومثله "وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا"، فإن كانت غير مضافة
فالاختيار الرفع كقوله (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) ، وأما المصادر التي لها
أفعال، فعلى الضد من ذلك، فإن الاختيار فيها الرفع إذا كانت معرفة، نحو
الشكر لله والحمد لله، وحمداً لزيد وشكرا له، وقد جاء على خلاف هذا.
والاختيار ما ذكرت.
قوله: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) .(2/1095)
أي نلتم لذاتكم وأصبتم شهواتكم في الدنيا.
وقيل: الغريب: "طيباتكم " شبابكم وقوتكم من قول العرب: ذهب
أطيباه.
العجيب: عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: أنا أعلم بالعيش لو
شئت لجعلت أكباداً وأسنمة وَصِلاءً وصِناباً وصَلائق ولكن أستبقي حسناتي.
لأن الله وصف فقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا) ، وعن عمر
أيضاً، أن رجلاً دعاه إلى طعام فأكل ثم قدم شيئاً حلواً، فامتنع وقال رأيت
الله نعى على قوم شهواتهم، فقال: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ) فقال الرجل: اقرأ يا
أمير المؤمنين ما قبلها (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ولست منهم، فأكل
وسره ما سمع. الصلاء: الشواء، والصناب: الصِباغ، والصلائق الرقاق
العريض من الخبز.
قوله: (بِالْأَحْقَافِ) .
جمع حِقْف، وهو ما استطال وأعوج من الرمل العظيم، ابن عباس: واد بين عُمان ومهرة. الضحاك: جبل بالشام. وقيل، منزل بين عُمان وحضرموت.
الغريب: عن علي - رضي اللُه عنه - خير واد بين الناس: واد بمكة
وواد نزل به آدم بأرض هند، وشر واد بين الناس: وادي الأحقاف، وواد
بحضرموت يدعى برهوت.
العجيب: ابن المبارك: بالأحقاف حقباً بعد حقب، وهذا بعيد، فإنه
يجعل "الفاء" بدلًا من "الباء"، وذكر هو أيضاً في تفسيره: ويقال هو دكان
باليمن فقام عليه فأنذر قومه.(2/1096)
فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ
قوله: (فَلَمَّا رَأَوْهُ) .
أي السحاب، وقيل: ما وعدوا به، أي العذاب.
الغريب: إضمار من غير ذكر سبق.
قوله: (مُمْطِرُنَا) أي ممطراً بالإضافة نكرة.
قوله: (رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ)
هي الدَّبُور، لقوله - عليه السلام -: "نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ) .
قوله: (لَا تَرَى إِلَّا مَسَاكِنَهُمْ) . (1)
أي لو حضرت لم تر، وقيل: هو كقولك: أيها الرجل وكلكم ذلك
الرجل وقرىء (لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ" - بالرفع -.
العجيب: لا ترى - بالتاء - إلامسكنهم. وهذا بعيد، لأن التقدير لا
يرى شيء، كما تقول: ما جاءني إلا هند، ولا تقول: ما جاءتني إلا هند.
لأن التقدير ما جاءني أحد إلا هند.
وقوله: (فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ) .
"مَا" بمعنى الذي و "إن" للنفي.
الغريب: "إن" صلة وزيادة.
العجيب: (إن) للشرط، أي إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر. حكاه
الماوردي.
قوله: (قُرْبَانًا آلِهَةً) .
"قُرْبَانًا" مفعول "اتخذوا" "آلِهَةً" بدل منه.
__________
(1) واختلف في (لا يرى إلا مساكنهم) الآية 25 فعاصم وحمزة ويعقوب وخلف بياء من تحت مضمومة بالبناء للمفعول مساكنهم بالرفع نائب الفاعل وافقهم الأعمش وبالإمالة حمزة وخلف على أصلهما وعن الحسن بضم التاء من فوق مبنيا للمفعول (مساكنهم) بالرفع وعن المطوعي (يرى) كعاصم (/ مسكنهم /) بالتوحيد والرفع والباقون بفتح التاء (مساكنهم) بالنصب مفعولا به. اهـ (إتحاف فضلاء البشر فى القراءات الأربعة عشر ص 505)(2/1097)
الغريب: فيه تقديم وتأخير، أي اتخذوا آلِهَةً قربانا.
العجيب: مصدر، وقيل: مفعول له.
قوله: (فما أغنى عنهم سمعهم) ، "مَا" للنفي.
الغريب: "مَا" للاستفهام، ودخول "مِن" في قوله "من شيء" يقوي النفي.
قوله: (وحاق بهم) نزل بهم.
العجيب: قول من قال: أرادَ (حق) ، فقلبت: إحدى القافين ألفا، فإنه بعيد.
قوله: (نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ) .
ابن عباس: كانوا تسعة من جن نَصيبين. وقيل: من أهل نينوى.
عكرمة: كانوا عشرة من جزيرة الموصل. زر بن حبيش: كانوا سبعة فيهم
زوبعة.
الغريب: مجاهد: كانوا سبعة، ثلاثة من نجران، وأربعة من
نَصيبين، وعد أسماءهم: شاصر، وناصر، وحس، ومس، والأزد، وأبنان، والأحقم. وقيل: كانوا سبعين من بني أقليش، وفيهم زوبعة.
ومن الغريب: روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " الجن على ثلاثة أصناف، صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء، وصنف حيات وكلاب، وصخف يحلون ويظعنون ".
وعن ابن مسعود: أنه رأى رجالاً من(2/1098)
الزلط طوالا شمطاناً سودا، فقال هم أشبه شيء بالجن الذين قرأ عليهم
النبي - عليه السلام - وروي أنهم خاطبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه أشياء منها أنهم قالوا: يا رسول الله، إن الأرض التي بيننا وبينك محل لا تنبت عودا.
فأعطاهم روثة وعظماً، وقال: لكم بالروثة كل تربة تمرون بها خراباً مثلها يوم كانت مخصبة، ولكم بكل عظم مررتم به مثله يوم كان عليه اللحم، ثم نهى النبي - عليه السلام - أن يستنجى بعظم أو روث.
قوله: (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)
أي بعثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى سائر الجن، فكانوا رسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يبعث الله نبياً إلى
الثقلين إلا محمداً - عليه السلام -.
العجيب: ثابت: قال: جاء أناس إلى عبد الله بن مسعود، قالوا: كنا
في سفر، فرأينا حية مقتولة، فواريناها، فلما ولينا، جاء ناس فقالوا: أيكم
دفن عمراً، قلنا: ومن عمرو، قالوا: الحية التي دفنتم بمكان كذا، فإنه كان من النفر الذين استمعوا القرآن من النبي - عليه السلام -، وكان بين حيين من الجن قتال، فقتل.
قال القفال: والذي في ظاهر الكتاب، أن الله صرف نفراً من الجن
يستمعون القرآن، وليس في شيء من ذلك أنهم خاطبوه ولا خاطبهم هو.
وإنما فيه أنهم استمعوا القرآن، فآمنوا ورجعوا إلى قومهم، فاعلموهم
وأنذروهم.
قوله: (مِنْ بَعْدِ مُوسَى) .
قل: كانوا هوداً، ولهذا قال: مِنْ بَعْدِ مُوسَى.(2/1099)
قوله: (بِقَادِرٍ) .
دخل الباء خبر "أن"، لمكان النفي في أول الكلام.
الغريب: " الباء" زائدة.
العجيب: دخل التعجب كقوله (أَبْصِرْ بِهِ) ، وهذا خطأ من قائله.
قوله: (بَلَاغٌ) .
أي ذلك بَلَاغٌ.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن التقدير، ولا تستعجل لهم
بَلَاغٌ، فَبَلَاغٌ ابتداء، ولهم خبره والذي بينهما اعتراض، ويروى عن أبي حاتم
على "وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ" - والله أعلم.(2/1100)
سورة محمد
قوله عز وجل: (الَّذِينَ كَفَرُوا) .
بدأ بذكر الكفار، لأنها نزلت فيهم. ابن عباس: نزلت في
المطعمين يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلا، فصرح باسم الكافرين في
السورة عشر مرات.
قوله: (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)
يجوز أن يكون متعدياً ومصدره الصد، ويجوز أن يكون لازماً
ومصدره الصدود.
قوله: (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ) .
كفرها لهم وسترها عليهم.
الغريب: راعى مطابقة اللفظ في قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا. . . كَفَّرَ عَنْهُمْ) .
قوله: (بالهم) حالهم وشأنهم، وقيل: البال، القلب، من
قولهم: ما خطر هذا ببالي.
الغريب: البال، لا يثنى ولا يجمع.(2/1101)
قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) .
" ذلك" مبتدأ، والجار والمجرور خبره، ومثله في السورة: (ذلك
بأنهم كرهوا) (ذلك بأن الله مولى الذين) (ذلك بِأنهم اتبعُوا) ، (ذلك بأنهم قالوا) .
قوله: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ)
محله نصب صفة للمصدر، أي يضرب ضرباً كذلك، والمعنى يبين أمثال حسناتهم وسيئاتهم.
قوله: (ذَلِكَ وَلَوْ)
خبر، والمبتدأ مضمر، أي الأمر ذلك، وقيل: نصب، أي افعلوا
بهم ذلك.
قوله: (فَضَرْبَ الرِّقَابِ) .
خصها بالذكر، لأن مضروب الرقبة لا يعيش، وهو نصب على
المصدر، أي اضربوا ضرب الرقاب.
الغريب: هذا تعليم القتل.
العجيب - هو كناية عن القتل بالسلاح.
وقوله: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً)
هما مصدران، أي إما أن تمنوا عليهم منا، وإما أن تفادوهم فداء، فإن جعلته مصدر فادى فهو مكسور ممدود لا غير، وإن جعلته مصدر فديت، جاز فيه الكسر والفتح بالمد.
وجاز فيه الفتح بالقصر.(2/1102)
قوله. (تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)
قيل: هذا مثل، أي حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، وقيل: حتى تضع الحرب أوزار الحرب وقد فسره
الأعشى بالرماح والخيل والدروع والسيوف.
الغريب: مجاهد وسعيد، حتى يخرج عيسى بن مريم. قال أبو هريرة روى أن النبي - عليه السلام - قال: " يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى إماماً هادياً وحكما عدلاً، يكسر الصليب ويقتل الخنزير وتضع الحرب أوزارها، وحتى تدخل كلمة الإخلاص كل بيت من وبر أو مَدَرٍ.
يعز عزيزا أو يذل ذليلاً، وتسير قريشا الإمارة" أي ينزعها عنهم ".
الغريب: الفراء، حتى تضع حربكم أوزار كفرهم بالإسلام، أي
آثامهم.
العجيب: الحرب جمع حارب، أي تضعوا أوزار الحرب.
قوله: (وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) .
كرر، لأن الأول: سبب النعيم، والثاني: نفس النعيم.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن التكرار للماضي والمستقل.
فإن الأول وأصلح، والثاني ويصلح.
العجيب: بالهم القلب كما سبق. والمعنى ويصلح قلوبهم بإخراج
الغل منها.(2/1103)
قوله: (وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ)
ولكن أمركم بالحرب ليبلو بعضكم بعضا.
قوله: (عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) .
أي جعلهم يعرفون منازلهم فيها، وقيل: عرفهم بوصفها لهم.
وقيل: عرفهم طريق الوصول إليها، من التعريف والعرفان، وقيل طيبها من
العَرْفِ.
العجيب: عرف الله أهل السماء أنها لهم، أي للمؤمنين.
قوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ) .
أي نبيه وأهل دينه، قتادة، حق على الله أن ينصر من نصره.
لقوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ) ، وأن يزيد مَن شكره، لقوله (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) ، وأن يَذكر مَن ذَكَره، لقوله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) ، وأن يوفي العهد، لقوله (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) .
قوله: (فَتَعْسًا لَهُمْ) .
أي تعسهم تعسا، وعطف عليه بالفعل، فقال: (وأضل) .
الغريب: تعسوا تعسا، لأن العرب تقول: تعَسه الله. بالفتح -
فتعِس - بالكسر -، ومثله: سَعَده الله فسعِد.
قوله: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا) .(2/1104)
استفهام، معناه) : الأمر، وقيل: معنى الخبر، أي ساروا فيها فهلا
اعتبروا بما رأوه فيها.
الغريب: هلا قرؤوا القرآن ليعرفوا حال من تقدمهم، (فينظروا) .
يجوز أن يكون عطفاً، فيكون مجزوماً، ويجوز أن يكون جواب الاستفهام.
فيكون منصوبا.
قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) .
المبرد، الله مولى العبد من ثلاثة أوجه: الاختراع والتصرف بعد
الاختراع والنصرة، فهو مولى المؤمنين والكافرين من جهة الاختراع
والتصرف فيهم، ومولى المؤمنين خاصة من جهة النصرة.
قوله: (وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) .
"النار"، مبتدأ، "مثوى" خبره، "لهم" صفة الخبر.
الغريب: "لهم" الخبر، و "مثوى " حال.
قوله: (أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ) .
أي أخرجك أهل القرية، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه، وهو
مؤنث مقامه، فأنث الضمير، ثم قال: (أَهْلَكْنَاهُمْ) فعاد الضمير إلى
المضاف.
قوله: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) .
سيبويه: فيما يتلى عليكم مثل الجنة، فهو مبتدأ خبره محذوف.
وقيل: تقديره، مثل الجنة التي وعد المتقون جنة فيها أنهار. وفيه ضعف.
لحذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه وهي فعل. وقيل: خبر مبتدأ(2/1105)
محذوف، و "مثل " بمعنى صفة، أي هذه صفة الجنة، وقيل: صفة
الجنة مبتدأ و (فيها أنهار) جملة هي خبر المبتدأ.
الغريب: "مثل" زائدة، أي الجنة التي وعد المتقون فيها كذا
وكذا.
العجيب: الكسائي، مثل أصحاب الجنة كمن هو خالد في النار.
قوله: (أنهار) جمع نهر.
العجيب: ابن بحر، الأنهار: عبارة عن كثرة هذه الأشياء وشقها
فيها.
قوله: (آنفاً) .
أي الساعة، من قولهم: استأنف الأمر، ولا يستعمل منه فعل بغير
زيادة، ووزنه فاعل، و " آنف" كل شيء ما تقدم منه.
قوله: (أَنْ تَأْتِيَهُمْ) .
إتيانها إياهم، فهو بدل من الساعة بدل الاشتمال.
فقد جاء أشراطها علاماتها.
الغريب: أشراطها: محمد - عليه السلام -
قوله: (فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)
محل ذكراهم رفع بفعلها.
وقيل بالابتداء، و"أنى لهم" الخبر، كقوله: (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) .
وفي "جاءتهم" ضمير يعود إلى الذكرى. الأخفش: الضمير في "جاءتهم " يعود
إلى الساعة.
قوله: (فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) .
أولى لهم من الجزع، والثاني: العقاب أولى لهم من الرحمة، وهي كلمة
وعيد، وقيل: اسم علم للتهديد والوعيد على وزن أفعل، فلا ينصرف،(2/1106)
و "لهم" الخبر، وقيل: هو فعل ماض، أي أولاهم الله المكروه. واللام
زائدة، كقوله: (رَدِفَ لَكُمْ) وعبر عنه أكثر المفسرين بقولهم معناه ولِيَكَ
شرٌّ فاحذره.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أنه فَعْلَى من آل يؤول، كقوله:
(عقبى الدار) وبمعنى لكنه خص بالشر.
العجيب: هو أَفعَلُ من الويل، قدم اللام على العين. حكاه النقاش
في تفسيره.
ومن الغريب: عن ابن عباس،: "أولى" وعيد، والكلام به تام.
ثم قال لهم طاعة وقول معروف، أي للمؤمنين، حكاه الفراء. والجمهور
على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي أمرنا طاعة، وقيل مبتدأ خبره محذوف
أي طاعة الله، وقول معروف أولى من الجزع.
العجيب: (طاعة) صفة للسورة، أي أنزلت سورة ذات طاعة وقول
معروف، فحذف المضاف. حكاه الزجاج.
قوله: (فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ)
أي صار الأمر معروفا عليه، وجواب "إذا"
أي فكانوا ومعنى "عَزَمَ الْأَمْرُ" فرض الجهاد وجد الأمر.
قوله: (لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) أي لكان الصدق خيراً لهم.
قولهم: (عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا) .
"عسى" فعل لا يتصرف.
الغريب: روى ابن الإعرابي: عَسِيَ يَعْسَى فهو عَسِى، وبه قرأ
نافع: عسِيتُم - بكسر السين -.
قوله: (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) شرط جوابه ما دل(2/1107)
عليه الكلام، أي إن: توليتم عسيتم أن تفسدوا، و "أن تفسدوا" نصب
وخبر "عسيتم" عند الجمهور، والذي ظهر لي في باب عسى: أن تكون أن
مع ما بعده بدلاً عن اسم عسى بدليل عسى أن يقوم زيد فلا يحتاج إلى
مفعول، وقولهم: عسى العزيز أبونا يريد أن يكون أبانا.
وقوله: (توليتم) ، قيل: من التولي، وهو الإِعراض، وقيل: من
التولية.
قوله: (أَقْفَالُهَا) .
أضاف إلى القلوب، أي أقفال تليق بها من الختم والغشاوة والرَين
كما قال: (زلزالها) .
قوله: (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ) .
قيل: هو كلام تام فقطع عن الجانبين، فخبر إن مضمر، أي أهل
النار، والفعل الثاني لله عز وجل، والجمهور: على أن (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ) جملة فيها خبر إن.
العجيب: "أملى لهم" من فعل الشيطان أيضاً، أي طوّل لهم الأمل.
فاغتروا به.
قوله: (لَأَرَيْنَاكَهُمْ) .
اللام جواب " لو "، قوله: (فَلَعَرَفْتَهُمْ) تكرار لها وزيادة، وقوله:
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) لام القسم، وكذلك (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) .
ومعنى (لَحْنِ الْقَوْلِ) فحوى كلامهم ومتضمنُه.
الغريب: لحن القول كذبه. لم يتكلم بعد نزول الآية منافق عند
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا عرفه.(2/1108)
قوله: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) .
الأولى نهي، والثاني: يجوز أن تكون نهياً، أي لا تدعوا الكفار إلى
الصلح، ويجوز أن يكون جواباً للنهي بالواو، ومحله نصب.
قوله: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ)
الواو للحال، وقيل: استئناف.
قوله: (فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) .
أي عن داعي نفسه وبخل نفسه.
الغريب: (عن) بمعنى على، أي يبخل على نفسه بالثواب.
قوله: (قَوْمًا غَيْرَكُمْ)
قيل: أهل اليمن، وقيل: العجم.
فقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الذين يستبدلهم الله بهم، وكان سلمان إلى جنبهِ - فضرب فخذه، وقال: "هذا وقومه " يعني العجم.
الغريب: القوم المستبدل بهم، الملائكة. ورده الزجاج وقال:
القوم لا يقع على الملائكة. وفي خبر آخر أنه قال - عليه السلام -:
" والذي نفسي بيده لو كان الدين منوطاً بالثريا لتناولته رجال من أهل فارس، ثم قال: " ابشروا يا بني فَرَوخ " - والله أعلم -.(2/1109)
سورة الفتح
قوله تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) .
الجمهور: على أنه فتح الحديبية، والحديبية بئر سمي المكان
بها وكان قد فاض ماؤها، فتمضمض فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاش بالرواء
حتى ضرب الناس عليه بعطن. ابن عباس: فتح خيبر.
الغريب: مجاهد، فتح مكة، وعده الله ذلك.
العجيب: ابن بحر، (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا) معناه، أعلمناك فيما
أنزلنا عليك من القرآن وأمرناك به من الدين أمراً مبينا، وقد يعبر عن العلم
بالفتح. وقيل: الفتح والفتاح، القاضي.
قوله: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) .
عن ابن عباس، أن اليهود شمتوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين لما نزلت (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ) .
فاشتد ذلك على النبي - عليه الصلاة والسلام -، فنزلت ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) .(2/1111)
فقال رجل: هنيئاً يا نبي الله قد بين الله لنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا.
فأنزل الله (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ) .
ابن الأنباري: يجتمع لك المغفرة مع الفتح، فيتم النعمة عليك.
الغريب: متصل بمضمر تقديره، فتحنا لك مجاهدتك وقتالك ليغفر
لك، سهل لام القسم، وقد سبق. وقيل: المغفرة سبب الفتح، أي
لمغفرتنا لك فتحنا لك، كما تقول: أكرمك لفضلك.
العجيب: هو متصل بقوله: (واستغفر لذنبك. . . ليغفر لك) ، وقيل:
هو من قوله: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) .
ثم قال: (وَاسْتَغْفِرْهُ) ، كذلك ما هنا: "إنا فتحنا لك واستغفر ليغفر لك الله" أي إذا جاء الفتح واستغفر كفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
قوله: (دَائِرَةُ السَّوْءِ) .
بالضم، مصدر، وقد يجعل اسماً، ويجمع على أسواء، والسوء -
بالفتح - النعت، وإضافته من باب قولهم مسجد الجامع.
قوله: (وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ)
كل لفظة من هذه تنبىء عن الأخريين، لكن الإطناب في الإبعاد أبلغ.
قوله: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) .
الجمهور، على أن الضميرين الأولين يعودان إلى النبي - عليه السلام -، والثالث، يعود إلى الله سبحانه، ومعنى التعزير والتوقير: التعظيم.
العجيب: الثلاثة تعود إلى النبي - عليه السلام -، ومعنى تسبحوه(2/1112)
تصلوا معه، وقرىء بالياء، وهو الوجه، وبالتاء ويحتاج إلى إضمار، لأنه
لا يقال لتؤمنوا بالله ورسوله وهو الرسول، والإضمار قل لهم إنا أرسلناك
شاهداً لتؤمنوا. قاله أبو علي:
قوله: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) .
أي قوة الله ونصرُ الله وملك الله ونعمة الله.
الغريب: عقد الله في هذه البيعة فوق أيدبهم.
العجيب: يريد اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد السفلى
المَعْطِيَّة.
قوله: (أن لَن ينقلبَ) .
أراد أن الأمر والشأن، فحذف وخفف، وليست بالمخففة وإن
كانت تلي الظن أحيانا، لأنها لا تدخل على "لن".
قوله: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) .
هو عطف على تُقاتِلون، عند الكسائي. وقيل: هو استئناف، أي
أوهم يسلمون.
الغريب: لما حذف " أن " ارتفع الفعل.
العجيب: فى مصحف أبي، أي يسلموا، فحذف النون، أي إلا أن
يسلموا، وحتى يسلموا.
قوله: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)(2/1113)
هي سمرةَ.
الغريب: سدرة، وهذه البيعة تسمى بيعة الرضوان لهذه الآية، وكانوا
ألفاً وثلاثمائة.
الغريب: الشعبي، هذه البيعة كانت بيعة الأنصار ليلة العقبة.
قوله: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا) .
أي بعد اليوم، والتقدير أخذ مغانم لأن الوعد يقع على الأحداث.
قوله: (وأخرى) . عطف عليها.
قوله: (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) .
والهدي نصب بالعطف على الضحمير في (صدوكم) .
و (مَعْكُوفًا) ، نصب عليها.
وقوله: (أَنْ يَبْلُغَ) أي عن أن يبلغ، ومحله نصب أو خفض.
وقيل: كراهة أن يبلغ.
الغريب: بدل من الهدي، أي وصدوا بلوغ الهدي محله.
قوله: (ولولا رجال مؤمنون) رفع بالابتداء، و (نساء مؤمنات)
عطف عليه، والخبر محذوف على القياس المطرد.
قوله: (لم تعلموهم) صفة صفة للقبيلتين حملا على المعنى وغلب التذكير، ويجوز
أن يكون التقدير: رجال مؤمنون لم تعلموهم ونساء مؤمنات لم تعلموهن.
فاقتصر على أجَلِّهما وأشرفهما - قوله: (أن تطؤهم) أي توقعوا بهم، ومن
قول الشاعر:
وَؤطِئتنا وَطْأً على حَنَقٍ. . . وَطء المُقَيَّدِ نسابتَ الهَرْمِ(2/1114)
ومن قوله - عليه السلام -: " آخِرَ وَطْأَةٍ وَطَأَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِوَجٍّ. ".
واد بالطائف وكان آخر وقعات النبي - عليه السلام - بها.
الغريب: أن تطؤهم بخيلكلم ورجلكم فتهلكوهم، ومحل "أن تطؤهم"
رفع بالبدل من قوله. (رجال ونساء) على ما سبق بدل الاشتمال.
الغريب: محله نصب بالبدل من " هم " في قوله: " تعلموهم ".
قوله: (فتصيبكم) عطف على تطؤهم.
الغريب: قال القفال: يجوز أن يكون جواباً للنفي، وهو "لم تعلموهم".
قوله: " بغير علم " مقدم في التقدير، أي تطؤهم بغير علم.
قوله: (ليدخل الله) قيل متصل بـ (كف أيديهم) .
الغريب: قال القفال: متصل بالمؤمن والمؤمنات.
وكلا القولين ضعيف، لأن "كف"، في صلة الذي، وقد حيل بينهما
، والمؤمنون والمؤمات قد وصفا، والصواب أن يقال متصل بفعل آخر
دل عليه " كف "، أو المؤمنون والمؤمنات.
وفي جواب "لولا" قولان، أحدهما: مضمر، أي لفتح عليكم مكة
والثاني، سد جواب "لو" وهو قوله: (لعذبنا) سد جواب لولا
قوله: (كلمة التقوى) .
لا إله إلا الله، وقيل: بسم الله الرحمن الرحيم، وقيل:(2/1115)
(سمعنا وأطعنا) "، وقيل: الإخلاص. وقوله: (أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)
الضمير يعود إلى كلمة التقوى، وقيل: إلى مكة.
الغريب: قال المبرد: إن الذين كانوا قبلنا لا يكون لأحد أن يقول لا
إله إلا الله في اليوم والليلة إلا مرة واحدة، وكان قائلها يمد بها صوته حتى
ينقطع النفس، التماس بركتها وفضيلتها، وجعل الله لهذه الأمة متى شاء.
قال مجاهد: ثلاث لا يحجبن عن الله سبحانه، لا إله الا الله من
قلب مؤمن، ودعوة الوالدين، ودعوة المظلوم.
قوله: (بِالْحَقِّ) .
متصل بـ (صَدَقَ) ، أي بتحقيقه، ما أراه كما أراه.
الغريب: تم الكلام على الرؤية، و (بِالْحَقِّ) قسم، (لَتَدْخُلُنَّ)
جوابه.
قوله: (إِنْ شَاءَ اللَّهُ)
بتحقيق لا تعليق كما جاء (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ" - (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) (ويرزقُ مَنْ يَشَاءُ) وأمثاله.
وقيل، هذا من قوله. (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) ، وقيل: هذا يجري مجرى تسبيح وليس باستثناء.
الغريب: الاستثناء من الجمع، فقد مات بعضهم وغاب بعضهم.
وقيل: الاستثناء من الأمن في قوله (آمِنِينَ) .
العجيب: " إن " بمعنى " إذ"، وهو بعيد.
قوله: (مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)
نصب على الحال، أي(2/1116)
بعضكم محلقون وبعضكم مقصرون. والحَلْق يقع على جميع الرأس.
والتقصير على بعض الرأس. وقوله: (لا تخافون) جملة في محل نصب
على الحال أيضاً.
العجيب: مقصرين الصلاة من قوله: (أن تقصروا من الصلاة) .
قوله: (وكَفى بالله شهيداً) .
أي شهيداً بأنك نبي صادق.
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) .
ابتداء وخبر.
الغريب: تقديره شهيدا بأن محمدا رسول الله، فلما حذف
" الجار " و " إن " ارتفع بالابتداء والخبر. وقيل: " محمد " مبتدأ.
"رسول الله " صفته، أو عطف ببان، (وَالَّذِينَ مَعَهُ) عطف عليه.
(أَشِدَّاءُ) وما بعده الخبر.
الغريب: (وَالَّذِينَ مَعَهُ) فى محل جر عطفا على (بالله) .
والمعنى: حسبك الله ومن اتبعك، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون محله
رفعاً لأن الباء دخل على الفاعل وأشداء رفع أي هم أشداء، ويجوز على
هذا الوجه أشداء بالنصب فيكون حالاً من الضمير في الظرف.
العجيب: "والذين معه" مبتدأ خبره محذوف دل عليه "رسول الله"، أي
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ رسل الله، أي معه في الرسالة.
قوله: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)
وقيل: هو من قوله عز وجل: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) ، وقيل: هو في قوله - عليه السلام - " أمتي الغر المحجلون يوم القيامة من آثار الوضوء ". وقيل: هو(2/1117)
من قوله - عليه السلام -: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه
بالنهار ".
الغريب: هو الخثسوع والسمت والحسن، وقيل أيضاً: ثرى الأرض
وندى الطهور، وقيل: هو ما يبين في حياة بعض المؤمنين.
العجيب: هذا مثل قول الشاعر:
فتور عينيك دليل على. . . أنك تشكو سهر البارحة
قوله: (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ)
يجوز أن يكون عطفاً على الأول.
فيكون الأول والثاني مثلين لهم في التوراة والإنجيل، ويجوز أن يكون مبتدأ
كزرع وما بعده خبره، وهذا أظهر.
قوله: (فَآزَرَهُ) الفعل للزرع، أي قوي الزرع. (الشطأ) وهو
فراخ الزرع وقيل: فَأَزَرَهُ وأَزَرَ فَعَلَ وآزَرَ أفْعَلَ وهما بمعنى واحد.
الغريب: الفعل للشطأ أي آزر الشطأ الزرع فصار في طوله ووزنه
فاعَلَ.
قوله: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) ، أي ضرب ذلك المثل ليغيظ الله
بمحمد - عليه السلام - وأصحابه، الكفار.
العجيب: هذا الزرع ليغيظ باكرته الكفار، أي سائر الزراع الذين ليس
لهم مثل زرعه. والكافر الزارع. ومن العجيب: ذكر في بعض التفاسير:
(وَالَّذِينَ مَعَهُ) أبو بكر، (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) عمر، (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)
عثمان، (رُكَّعًا سُجَّدًا) علي، (يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) طلحة
والزبير، (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) سعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح،(2/1118)
فهؤلاء العشرة مثلهم في التوراة والإنجيل - والله أعلم -.
وقيل: العمل الصالح في قوله: (وعملوا الصالحات) في هذه الآية، حب الصحابة، - والله أعلم.(2/1119)
سورة الحجرات
قوله عز وجلْ: (يا أيها الذين آمنوا) .
بدأ السورة بنداء المؤمنين وأعاده في السورة خمس مرات ثم عمم في
السادسة فقال: (يا أيها الناس) .
قوله: (لَا تُقَدِّمُوا)
قرأ يعقوب: لَا تَقَدِّمُوا - بفتح التاء. قدَّم
وتقدم بمعنى عند بعضهم، وهما لازمان، والأكثرون على أن المفعول
محذوف في القراءة المعروفة.
الغريب: قدم وتقدم كلاهما معديان نحو علَّقته وتعلَّقته، وبيَّنته
وتبيَّنته، أي لَا تُقَدِّمُوا الفعل والقول والأمر.
قوله: (بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ذكر الله للتعظيم، والمراد بين يدي
رسوله. وقيل: معناه كتاب الله وسنة رسوله.
قوله: (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) ، (وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ) .
تكرار، لأن جهر القول إعلاء الصوت ورفعه به، والجمهور على أن
المعنى لا تخاطبوه باسمه وكنيته، بل خاطبوه بالنبوة والرسالة.(2/1121)
قوله: (كجهر) صفة مصدر، أي جهراً كجهر بعضكم لبعض
كراهة أن تحبط أعمالكم ولئلا تحبط.
قوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ) .
"أُولَئِكَ" مبتدأ "الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ" خبره والجملة خبر إن وقيل: (الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ) " صفة لقوله: "لَهُمْ مَغْفِرَةٌ" خبره والجملة خبر "إن".
قوله: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ) .
ذهب بعض المفسرين في الآية إلى أن خبر الواحد العدل يجب العمل
به، لأن الله أمر بالتثبت والتبين في خبر الواحد الفاسق، ولو تثبتنا في خبر
العدل لسوينا بينهما، وذهب بعضهم إلى أن هذا المخبر - وهو الوليد بن
عقبة - كان ثقة، فصار فاسقاً بكذبه، فخبر الواحد متردد حتى يخبر آخر
بمثله.
الغريب: الوليد لم يقصد الكذب، لأنه ظن أن اجتماع بني المصطلق
عليه لا له، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى بني المصطلق مصدقا.
وكان بينهما إحْنة، فلما سمعوا به ركبوا إليه مستقبلين، فظن أن القوم هموا
بقتله فرجع، وقال: يا رسول الله إن القوم منعوا صدقاتهم وهموا بقتلي.
فأراد النبي - عليه السلام - أن يذهب إليهم، فأنزل الله هذه الآية.
قوله: (وإنْ طائفتانِ) .
ارتفع بفعل مضمر دل عليه "اقتتلوا"، لأن "إن" الشرطية لا يليها
الاسم.
قوله: (افتتلوا) محمول على المعنى، كقوله، (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا)
، ثم عاد إلى التثنية فقال: (بينهما) .
قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) .(2/1122)
ذكر بلفظ الجمع، ثم قال" بين أخويكم " فعاد إلى التثنية، لأن أقل
من يقع بينهما الخصومة اثنان. وقيل: بين سيدي القوم. وقرأ يعقوب:
أخواتكم. على الظاهر.
قوله: (قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) .
ذهب الجمهور إلى أن القوم اسم يقع على الرجال ولا يقع على النساء
بدليل العطف، وهو قوله: (وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ) ، لأن المعطوف غير
المعطوف عليه، واشتقاقه من القيام، وهو القوام على النساء (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ) .
الغريب: القوم جمع وواحده رجل، كالنساء واحدها امرأة.
وأنشدوا:
وما أدري وسوف إخالُ أدري. . . أقوم آل حصنٍ أَم نِساءُ
قوله: (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) .
النبز: القذف، والنبز - بالفتح - الاسم، ولا يستعمل إلا في القبيح.
واللقب يستعمل في الحسن والقبيح.
قوله: (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) أي اسم الفسوق.
قوله: (اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ) .
الظن على أربعة أوجه:
مأمور به ومحظور ومندوب إليه، ومباح.
أما المأمور به: فحسن الظن بالله، وهو قوله عليه السلام: "إن
حسن الظن من الإيمان ".
وفي القرآن: (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا)(2/1123)
والمحظور: ظن السوء، وهو قوله: (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)
مقاتل: إنما يكون إثماً إذا تكلم بما ظنه، فإن لم يتكلم به فلا
يكون إثماً. والمندوب إليه: هو الحزم، قال عليه السلام: " الحزم سوء
الظن "
والمباح: قيل: ما يقع من الشك في القبلة والصوم والصلاة، فأمر
صاحبه بالبناء على غلبة الظن فيه، فلما انقسم هذا الانقسام قال الله سبحانه
(كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ) ولم يقل اجتنبوا الظن مطلقاً، ثم قال (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) .
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن المعنى احترزوا من الكثير
ليحصل التحرز عن البعض.
قوله: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)
أي بل كرهتموه وعافته نفوسكم.
الغريب: كرهتم أكل لحمه ميتاً طبعا فاكرهوا غيبته عقلا، لأن داعي
العقل أولى بالاتباع من داعي الطبع، لأن داعي الطبع أعمى جاهل، وداعي
العقل بصير عالم وكلاهما في صفة الناصح.
العجيب: "الفاء" في "فَكَرِهْتُمُوهُ" متصل بمضمر هو جواب هذا
السؤال، لأن الجواب يقتضي أن يقال: لا، وقيل: معناه كرهتم أن يغتابوا
فلا تغتابوا، و "ميتاً" حال من الأخ.
الغريب: حال من اللحم.
قوله: (شُعُوبًا وَقَبَائِلَ) .
الشعوب، جمع شَعب - بالفتح -، وعن الزبير بن بكار، قال:(2/1124)
العرب على ست طبقات: شعب ثم قبيلة ثم عمارة ثم بطن ثم فخذ ثم
فصيلة، وكلها مشتق ومأخوذ من أعضاء وبدن الإنسان.
الغريب: الشعوب: بطون العجم، والقبائل: بطون العرب.
العجيب: الشعب أعظم من القبيلة والقبيلة، أعظم من العمارة.
والعمارة أعظم من البطن، وكذلك البطن والفخذ والفصيلة.
قوله: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)
أي أرفعكم منزلة عنده أخوفكم. ومنه قوله - عليه السلام -: "الكرم التقوى".
قوله: (قُولُوا أَسْلَمْنَا) .
الإسلام على وجهين، أحدهما: شرعي، وهو بمعنى الإيمان.
والثاني: لغوي: بمعنى الاستسلام، وهو الانقياد والدخول في السلم.
وهو المراد في الآية.
قوله: (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ) أي ولم يدخل، وقيل: هو على
أصله، لأن لم للنفي ولما للنفي مع التوقع، أي ولم يدخل بعد.
قوله: (لَا يَأْلِتْكُمْ)
من أَلَتَ يَأْلِت إذا نقص. و (لَا يَلِتْكُمْ) من لاتَ يَلِيتُ بمعناه وقيل: لا يصرفكم.
الغريب: هو من ولت يلت، حكاه قطرب، وهو بمعنى صرفه، وفيه
لغات تذكر في الطور.
قوله: (أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ) .
التعليم في الآية بمعنى الإعلام، فإن التعليم في الأصل إفادة العلم
على التدريج والمعالجة الشديدة.(2/1125)
قوله: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا)
أي بأن أسلموا، وكذلك اللذان بعده.
قوله: (أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)
عبر عن الِإيمان بالإسلام، لأنهما واحد، ولو كانا غَيرَيين، ما كان للكلام وجه، والوصف بالإيمان عام لجميع أهل الكتب كاليهود والنصارى - والإسلام وصف خاص لأمة محمد - عليه السلام -، فصار كالاسم العلم لهم.(2/1126)
سورة ق
قوله تعالى: (ق) .
ابن عباس: اسم جبل من زبرجد أخضر محيط بالأرض، وخضرة
السماء منه، وقيل: اسم من أسماء الله، وقيل: القرآن. وقيل:
السورة، ولعلهم أرادوا أن القاف حرف من حروف هذه الأسماء وأن لا يدفعه سكون الفاء. وقيل: حرف من اسمه قادر وقاهر، كما قال:
قلنا لها قِفِي لنا قَالت قَاف. . . لا تَحسبي أنا نَسينا الإلحاف
وقيل: معناه قضى الأمر، كما قيل: في حم حم ما هو كائن.
العجيب: الماوردي: أراد قف يا محمد على أداء الرسالة والعمل
بالقُرَب.
(والقرآن المجيد) قسم، والمجيد، صفة القرآن، أي عظيم
الشأن.
الغريب: أكثر أي هذه السورة أواخرها موصوفة.(2/1127)
وجواب القسم قد علمنا، أي لقد، وقيل: لتبعثن، وقيل: بل
وقيل: ما يلفظ من قول.
الغريب: جوابه أن محمداً رسول الله ودل عليه جاءهم منذر وقيل
أي قضى.
قال الشيخ الإمام: ويحتمل أن الجواب ما تستدعيه بل أي ما آمنوا بل
قوله: (بَلْ عَجِبُوا) .
يعود إلى قوله (فَقَالَ الْكَافِرُونَ) جار مجرى قوله، جاء زيد فقال
الفاسق كذا. يعني به زيداً.
قوله: (كِتَابٌ حَفِيظٌ) .
فعيل بمعنى فاعل، أي يحفظ أعمالهم. وقيل: بمعنى مفعول، وهو
اللوح المحفوظ وكتاب الحفظة.
الغريب: قال القفال: الكتاب عبارة عن العلم والإحصاء، وأنشد
بيت أبي تمام:
إذا شئت أن تحصي فواضلَ كَفِهِ. . . فكن كاتبه أو فاتخذ لكَ كاتباً
قوله: (إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ) .
يجوز أن يكون فوقهم حالاً من السماء، أي ثابتا مطلاً، ويجوز أن
يكون ظرفاً للسماء، ولا يجوز أن يكون ظرفاً لينظروا ولا لقوله (بَنَيْنَاهَا)
كما ذهب إليه بعض المفسرين.(2/1128)
قوله: (وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)
فتوق وشقوق وخلل. وقيل: من فروج
يمكن الصعود إليها منها دون الأبواب.
الغريب: معناه السماء خلق واحد ليست اقطاعا ضم البعض إلى
البعض كأبنية الناس.
العجيب: قال القفال: قال بعض الناس: إن في هذا حجة على
استدارة السماء وإحاطتها بالأرض من جمبع جهاتها، لأنه سبحانه قال: لا
فروج فيها ولا فطور ولو كانت مبسوطة غير متصلة الأطراف، لم تكن
كذلك.
وقوله: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا) .
أي بسطناها، وهذا دليل على أن الأرض مبسوطة وليست على شكل
الكرة.
الغريب: المد التطويل، والمدور والكرة لها عرض وطول وعمق.
قوله: (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7)
يعني النبات.
الغريب: يعني الحيوان، وهو كقوله: (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا)
لأن النبات مذكور بعد هذه الآية.
ومن الغريب: فيها يعود إلى الرواسي
والزوج البهيج الذهب والفضة وغيرها مما يكون في الجبال.
قوله: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى) .
مفعول له.
قوله: (وَحَبَّ الْحَصِيدِ) .(2/1129)
أي وحب القصب الحصيد أو السنبلة التى فيها وعليها الحب، لأن
ذلك يحصد لا الحب.
الغريب: ذهب الكوفيون إلى أن الحصيد صفة للحب، وهو مضاف
إلى صفته.
قوله: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ) .
طوال حسنة الخلق.
الغريب: باسقات حوامل من قول العرب: أبسقت الشاة، إذا
حملت، فيكون مثل قوله (لواقح) أي ملاقح ومبسقات.
قوله: (حَبْلِ الْوَرِيدِ) .
هما وريدان عن اليمين والشمال، واختلفوا في الإضافة اختلافهم في
حب الحصيد وقوله: (مَا تُوَسْوِسُ بِهِ) الهاء تعود إلى "مَا".
الغريب: تعود إلى الإنسان، و "الباء" بمعنى إلى أي توسوس إليه.
قوله: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) .
قيل: تقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف أحدهما
لدلالة الآخر عليه. وسيبويه، ذهب إلى أنّ الأول هو المحذوف.
والمبرد، ذهب إلى أن المتلو في الآية الأولى أخر اتساعا وحذف من
الثاني.
الغريب: الأخفش، "قَعِيدٌ" يقع على الجمع، كذلك يقع على
التثنية. الفراء، قعيد" بمعنى مقاعد، فهو يستدعي آخر فصار كأنه(2/1130)
ملفوظ، وعلى هذين القولين لا حذف في الآية.
قوله: (سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) .
أي الأمر الذي عم جميع الأحياء، وقيل: تبيان ما يؤول إليه الإنسان
من جنة أو نار.
الغريب: أي بالله، ولعل هذا القائل أراد بالعلم واليقين الذي لا
يبقى معه شك ولا ارتياب.
العجيب: بِالْحَقِّ قسم، وهذا بعيد.
قوله: (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا) .
أي يقال لهم، الخطاب عام، وقيل للكفار.
الغريب: ابن زيد، الخطاب للنبي - عليه السلام - أي كنت قبل
الوحي في غفلة من هذا العلم، فكشفنا عنك غطاءك بالوحي فبصرك اليوم
حديد فعلمك نافذ.
الغريب: فبصرك عينك.
العجيب: فبصرك اليوم حديد يريد لسان الميزان.
قوله: (هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) .
"هَذَا" مبتدأ "مَا" خبره، فإن جعلته نكرة فـ "لَدَيَّ" صفته
و"عتيد" خبر بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف، فإن جعلته موصولة فـ "لَدَيَّ"
صلته.(2/1131)
قوله: (ألقيا) .
الخطاب للملكين. محمد بن جرير: قرين قام مقام التثنية
كالقعيد، وذهب جماعة إلى أن الخطاب لـ "مالك". والعرب قد تخاطب
الواحد مخاطبة الاثنين.
كقوله:
فإن تَزجُراني يا بنَ عفانَ أنزجر
ْوقال بعضهم: ألْق ألق، فلم يكن إلى تثنية الفعل سبيل، فثنى
الضمير ومثله:
قفا نبكِ
الغريب: أراد ألقين - بنون التوكيد الخفيفة - فصار ألقيا في الوقف
كقوله لنسفعاً وليكوناً في الوقف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، وهذا
يدفعه قوله "فألقياه".
العجيب: أراد ألق يا مالك، فحذف المنادى، وهذا أيضاً يدفعه
"ألقياه ".
قوله: (الذي جعلَ مع اللِّهِ) .
يجوز أن يكون رفعا بالابتداء، "فالقياه " الخبر، ويجوز أن يكون خبر
مبتدأ، أي هو الذي، ويجوز أن يكون نصبا على الذم، ويجوز أن يكون
نصباً على البدل من قوله "كل كفار"، ولا يجوز أن يكون جراً بالبدل من
كفار، لأنه يصير في التقدير كل الذي وهذا لا يصح.(2/1132)
قوله: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) .
بوم نصب بقوله "يُبَدَّلُ" وقيل: نصب بظلام وقيل: ظرف لجميع ما
تقدم أي ذلك يقع يوم نقول. وجل المفسرين على أن القول في الآية
حقيقة، وقيل الخطاب والجواب لأهل جهنم.
الغريب: هذا مجاز، وتقديره، لو كان لها تمييز لقالت، ومثله قول
الشاعر:
امتلأ الحوضُ وقال قَطني. . . مَهلا رويدا قد ملأتُ بطني
(هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أي لم يبق فيّ موضع زيادة، وقيل: إنها
تستزيد، وهذا قبل دخول جميعهم فيها.
الغريب: هل من مزيد طلب لأن تزاد في سعتها لتزيدهم انتفاخا.
فقد جاء في الخبر: " غلظ جلد الكافر في النار سبعون ذراعا بذراع
الجبار ".
وما جاء في الخبر من قوله - عليه السلام - "لن تمتلىء النار
حتى يضع الجبار قدمه فيها، فتقول قط قط قد امتلأت) ، فقيل: الجبار:
الكافر من قوله: (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ)
وروى بعضهم: حتى يضع الرحمن قدمه فيها. والقدم: هم الذين أعدهم للنار، وخلقهم لها، وضده قدم صدق، وروى بعضهم: حتى رجله فيها، والرجل: الجماعة المعدة لها أيضاً، ورجل من الجراد معروف، وأنكر بعض المفسرين صحة هذا الخبر أصلاً، وقالوا: هذا كلام المجسمة، ثم قالوا: ولا ندري كيف قولهم في قدمه أيتركها في جهنم أم يخرجها، فإن تركها وجب أن تكون مخلدة في الأمر، وإن أخرجها عادت جهنم غير مملوءة.
العجيب: روى الثعلبي قدمه فيها، وفسره: بأنهم قوم خلقهم الله(2/1133)
قبل آدم، رؤوسهم كرؤوس الكلاب والذِياب، وسائر أعضائهم كأعضاء
بني آدم، فعصوا ربهم، فأهلكهم، يملأ الله جهنم بهم. قال الشيخ
الإمام، هذا ضعيف في الرواية ركيك، والاعتراض على هذا وعلى
المجسمة من وجه أحسن من الأول، وهو: أن يقال: إن الله سبحانه قد بين
وعين، فقال: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)
فإذا ملأها مما ذهب إليه الثعلبي، أو مما ذهب إليه المجسمة يكون خلفا لا إنجازا - والله أعلم.
قوله: (غَيْرَ بَعِيدٍ) .
نصب على الحال، ذكر بعيد محلا على المكان والزمان، وقد سبق.
الغريب: هو قرب ظفر ودخول.
قوله: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ) .
"هذا" مبتدأ "مَا تُوعَدُونَ" صفته كما تقول: هذا الذي توعدون
و"لِكُلِّ أَوَّابٍ" خبره.
الغريب: القول مضمر أي يقال لهم في القيامة. والأول أظهر.
قوله: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ) .
يجوز أن يكون بدلاً من كل أواب ومحله جر، ويجوز أن يكون رفعاً
بالابتداء يقال لهم ادخلوها خبره، ويجوز أن يكون شرطاً، فيقال لهم بإضمار
الفاء مع القول جزاؤه ويجوز أن يكون نداء أي يا من خشي الرحمن
ادخلوها، ويجوز أن يكون خبراً أي هم من خشي، ويجوز النصب بإضمار أعني(2/1134)
قوله: (فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) .
أي بالغوا في السير فيها طالبين محيصا ليفروا.
الغريب: الفراء، فهل كان لهم من الموت محيص.
قوله: (لَهُ قَلْبٌ) .
ما خلق الإنسان إلا على قلب، ولكن المراد في الآية قلب فيه عقل
وتدبر وحياة.
قوله: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (41) .
السمع: إدراك المسموع، والاستماع: طلب الإدراك بالإصغاء إليه.
"يَوْمَ يُنَادِ"، أي صفة يوم ينادي فحذف المضاف و "يَوْمَ" مفعول به.
الغريب: المفضل، يوم ظرف، أي كأنك به من صدق الوعد.
والمنادي: هو ملك "مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ" وهو صخرة بيت المقدس.
وهو أقرب الأرض من السماء بثمانية عشر ميلاً.
الغريب: المنادي: هو الله سبحانه، والمكان القريب: هو الأذن.
وعلى هذا "مِنْ مَكَانٍ" متعلق بقوله "وَاسْتَمِعْ".
قوله: (يومُ الخُرُوجِ) .
هو من أسماء القيامة، وسمى يوم العيد يومَ الخروج أيضاً تشبيهاً به.
ويوم بسمعون بدل من الأول.
قوله: (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا) .
حال من الضمير في "عَنْهُمْ"، والعامل "تَشَقَّقُ " وقيل: فتخرجون سراعاً.
والعامل تخرجون و "يَوْمَ" نصب بالبدل.(2/1135)
الغريب: نصب بالمصير.
قوله: (بجبار) ، أي بمسلط - يجبرهم على الإسلام ويسير
فيهم بالجبرية، أجبر فهو جبَّار مثل أدرك فهو درَّاك.
الغريب: جاء جبره على كذا، فهو جبار - والله أعلم.(2/1136)
سورة الذاريات
قوله تعالى: (وَالذَّارِيَاتِ) .
هي: الرياح تذري التراب. وقيل: أذرت.
الغريب: من ذَرا الفرس، إذا أسرع.
العجيب: أقضى القضاة، الذاريات: النساء المولودات يذرينَ الأولاد.
قوله: (ذَرْوًا)
مصدر أفادَ المبالغة.
الغريب: ذروا مفعول، وهو المذروء.
العجيب: الكلبي، أقسم بالذاريات وما ذرت. وهذا سهو.
قوله: (فالحاملات وقرا)
السحاب، وقيل: الرياح.
العجيب: النساء الحوامل.
قوله: (فالجاريات)
السفن، وقيل: الرياح.
العجيب: الشمس والقمر والنجوم.
قوله: (فالمُقسمات أمراً) .
الملائكة يقسمون الأرزاق بين الحيوان. وقيل: يأتون بأمور مختلفة.(2/1137)
العجيب: ابن بحر، هي الرياح تصيب بمطرها على ما قدر الله من
زيادة ونقصان وإصابة وحرمان، فحمل الكل على الرياح.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن الكل للملائكة، لعطف بعضها
على بعض بالفاء، وذلك يقتضي اتصالا، ولأن المقسمات أمراً لا تصح إلَّا
منهم.
قوله: (لصادق)
لصدق، وقيل: ذو صدق.
الغريب: لوعد صادق، فحذف المضاف.
العجيب: وصف الوعد بالصدق مبالغة كما تقول: شعر شاعر.
قوله: (ذَاتِ الْحُبُكِ)
الْحُبُك: حُسْنُها، وقيل: طرائقها، وقيل: بنيانها، وقيل: شدتها.
الغريب: الحسن، حبكها: نجومها، وقيل: ذات الحبك، السماء
السابعة.
العجيب: السماء: السحاب، والحبك: مما يظهر فيها من الطرائق
أحيانا، والحبك جمع حبيكة، كطريقة وطرق، وقيل: جمع حِباك، كحراب
وحُرُب.
الغريب: قرىء في الشواذ، الحَبَك - بفتحتين -، والحِبِك
- بكسرتين -، والحُبَك - بضم ثم فتح.
العجيب، قرأ أبو مالك، الحِبُك - بكسر الحاء وضم الباء. وليس(2/1138)
لهذا في كلام العرب نظير، لا في الأسماء ولا في الأفعال، ولا في الأدوات.
ولعله جمع بين اللغتين.
قوله: (يؤفَك عنه من أفِك) .
أي يصرف عن الحق وعن الإيمان، من صرف عن جميع الخيرات.
وقيل: يكذب عنه من كذب.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن الأول من الصرف، والثاني
من الكذب، أي صُرف عن الحق من كُذِب ودُعِيَ إلى الباطل.
العجيب: أي من جزع عنه، فقد خُدِع، وقيل: عن بمعنى اللام، أي
يؤفك لاختلاق مَن أفك.
قوله: (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) .
أي متى يوم الجزاء على وجه الاستهزاء. يوم الدين مبتدأ، "أَيَّانَ" ظرف
خبر عن المبتدأ تقدم عليه الاستفهام، ويجوز أن يكون "أَيَّانَ" في محل رفع.
لأن التقدير أي يوم الدين.
قوله: (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ) .
يجوز أن يكون جواباً عن "أيان" فيكون نصبا أو في محل نصب.
ويجوز أن يكون في محل رفع، أي ذلك اليوم يوم هم على النار
يفتنون، ففتح لإضافته إلى الجملة.
الغريب: ظرف لما بعده، أي يقال لهم ذوقوا.
قوله: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) .
"مَا" صلة، و "يَهْجَعُونَ" خبر كان، و"قَلِيلًا" منصوب بقوله
"يَهْجَعُونَ". وقيل: "مَا" للمصدر، أي هجوعهم، محله رفع بالبدل من(2/1139)
الضمير في "كانوا" أي كان هجوعهم قليلاً من الليل، أي في قليل من
الليل.
العجيب: "مَا" للمصدر محله رفع بقوله: "قليلاً" وهذا ممتنعٍ.
لأن "قليلًا"، وصف بقوله "من اللبل ".
ومن العجيب: الوقف على "قليلا"
وهذا لا يجوز، لأن حمل "مَا" على النفي، فيكون "من الليل" متصلا
بـ "يهجعون"، و"مَا" وقع بعد ما لا تقدم عليه ولا يجوز أيضاً أن نجعل
"قليلاً" خبراً لليل خبر "كانوا" لأنه ظرف زمان وهم جثث.
قوله: (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) .
السائل: هو الَذي يسأل المعونة بإظهاره حاجتهِ إليها، وقد أمر
النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعطَى من غير تفتيش عن حاله، لقوله: " أعطوا السائل وإن جاء على فرس "
والمحروم: وهو المتعفف الذي لا يظهر فاقته بالسؤال.
الغريب: أبو البنات، وقيل: من وجب عليك نفقته من ذوي نسبك.
العجيب: هو المصاب ثمره، من قوله: (بل نحن محرومون) ، وعن
عمر بن عبد العزيز: هو الكلب.
الشعبي: أعياني أن أعلم ما المحروم.
قوله: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) .
أي وفي أنفسكم آيات، فحذف، لأن الأول يدل عليها، وفي الظرف
ضمير يعود إليها.
العجيب: قول من حمله على قوله: (تبصرون) لأن ما بعد الاستفهام
لا يتقدم عليه.
قوله: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ) .(2/1140)
يريد المطر الذي هو سبب الرزق، وقيل: تقدير رزقكم، فحذف المضاف -
العجيب: "في " بمعنى على، أي على رب السماء رزقكم.
الغريب: السماء، السحاب، وكان الحسن إذا نظر إلى السحاب.
قال: فيه والله رزقكم، ولكن تحرمون بخطاياكم وأعمالكم.
العجيب: السماء المطر.
قوله: (وَمَا تُوعَدُونَ)
أي الجزاء وأمر الساعة ونزول الملائكة محله
رفع بالعطف على قوله: (رِزْقُكُمْ) وقيل: مبتدأ، خبره القسم، وجوابه "إنه
لحق" أي الرزق، وقيل: يعود إلى ما توعدون، وقيل: يعود إلى جميع ما في
أول السورة.
الغريب: الحسن، بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " قاتل الله أقواماً أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوه ".
(مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) .
شبه بتحقق ما أخبر به بتحقق نطق الآدمي ووجوده، وقيل: كما لا شك
أنكم ناطقون، لا شك في وقوع ما توعدون.
الغريب: ابن عباس، إنه لحق كما أن قول لا اله إلا الله حق.
العجيب: كما لا يدري أحدكم من أين نطقه ومن أين يجتمع الكلام
حرفاً حرفاً، كذلك يأتيه رزقه قوتاً قوتا، ولا يدري من أين يأتيه.
و"مثل " رفع صفة "للحق " ونصب على الحال من الضمير في "الحق "
قاله: أبو علي. قال الجرمي: حال من قوله: "لحق "، وإن كان نكرة
الفراء: نصب على أنه صفة لمصدر، أي لحق حقاً مثل.
سيبويه، مبني(2/1141)
على الفتح لإضافنه إلى مبني وهو قوله (أنكم) ، و "مَا" صلة.
المازني: "مثل" و "مَا" معاً مبنيان، قال الشاعر:
وتداعا مَنخِراه بدم. . . مثل ما أثمرَ حماض الحبلِ
قوله: (الْمُكْرَمِينَ) .
أكرمهم الله من قوله: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) ، وقيل: أكرمهم بأن
خدمهم بنفسه.
الغريب: استحقوا أن يكرموا لأنهم جاؤوا من غير أن دعوا.
العجيب: أكرمهم بالعجل الذي قدم إليهم.
قوله: (إذ دخلوا) .
ظرف للإكرام. وقيل للحديث.
قوله: "فقالوا سلاما قال سلام ".
أي سلموا سلاماً، وقيل: نصب بوقوع القول عليه، والثاني رفع
بالابتداء، والخبر عليكم، وهو مضمر.
الغريب: رد عليهم تحيتهم ولم يزد. وقيل: بل زاد. لأنهم نصبوا
السلام، ورفعه هو عليهم السلام، وللرفع مزيَّة على النصب من وجوه.
أحدها: أن الكلام لا يستغني عن المرفوع ويستغني عن المنصوب، والثاني:
هو إعراب الفاعل، والنصب إعراب المفعول، والفاعل أقوى. والثالث: أنه حركة المخبر عنه، والنصب حركة الفضلات. ولوجوه أخر، فقد أتى بما عليه المأمور في قوله: (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا) .
قوله: (قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ) .(2/1142)
تقديره، فقربه إليهم ليأكلوه، فلم يأكلوه، فقال: ألا تاكلون -
قوله: (بِغُلَامٍ عَلِيمٍ)
أي يعلم إذا بلغ، وهو إسحاق - عليه السلام - بإجماع من المفسرين.
العجيب: مجاهد، هو إسماعيل - عليه السلام -.
قوله: (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ) .
ليس من الإقبال من موضع إلى موضع، إنما هو كقولك: أقبل يقول
كذا، وأخذ يفعل كذا.
قوله: (فِي صَرَّةٍ) في جماعة من النساء.
قال الشاعر:
في صَرَّةٍ لم تَزَيَّلِ
قوله: (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا)
جمعت أصابعها وضربت جبهتها، وقيل: لطمت خدها على عادة النساء عند الواقعات.
الغريب: كذلك تلدين.
قوله: (حجارة من طين)
هي الآجُرُّ كان طيناً فطبخ فصار حجارة.
الغريب: حجارة الأرض كلها كانت طينا، فصارت حجارة بمرور
الزمان.(2/1143)
قوله: (مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وبعده (مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)
دليل على أن الإسلام والإيمان واحد.
قوله: (غَيْرَ بَيْتٍ) أي غير أهل بيت.
قوله: (وَفِي مُوسَى)
عطف على (وفي الأرض آيات) كذلك (وَفِي عَادٍ) (وَفِي ثَمُودَ) .
الغريب: "وفي موسى" وما بعده عطف على قوله: (وتركنا فيها آية)
وفي موسى.
قوله: (كَالرَّمِيمِ)
كالهشيم من النبات، وقيل: كالرماد، وقيل: كالتراب. وقيل: كالشيء البالي.
الغريب: هو ما رمَّته الماشية بِمرَمَّتها وهي الشفة.
قوله: (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ)
أي اخَوِّفكم من العذاب، و "مِنْهُ" صلة تقدم عليه.
الغريب: صفة، لا صلته تقدم عليه، ومحله نصب على الحال.
والمعنى نذير من عند الله، وكذلك الكلام في الثاني، ومعنى نذير منذر.
الغريب: عالِمٌ، من نَذِر إذا عَلِم.
قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) .
أي ليوحدون، وقيل: ليطيعون.
الغريب: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57)
أي يطعموا عبيدي.
(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) غير المرزوق.(2/1144)
سورة الطور
قوله تعالى: (والطورِ) .
هو جبل موسى - عليه السلام -، وهو من الجبال ما عليه الشجر.
العجيب: عام في الجبال.
الغريب: "الطور" ما طَرَأ على قلوب الخائفين. حكاه الماوردي. وهو
بعيد، ركيك.
قوله: (وكتاب مسطور) .
اللوح المحفوظ، وقيل: كتاب الحفظة، وقيل: القرآن، وقيل:
التوراة، وفيها نعت محمد - عليه السلام -.
الغريب: الكتاب المسطور، هو آخر سطر في اللوح المحفوظ وهو:
"سبقت رحمتي غضبي، من أتاني بشهادة أن لا إله إلا الله أدخلته الجنة".
العجيب: هو المكتوب في قلوب المؤمنين، من قوله: (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) .
قوله: (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)
وهو الرق والكاغد المعروفان.(2/1145)
العجيب: ابن عباس، الرق المنشور ما بين المشرق إلى المغرب.
وقيل: قلب المؤمن، من قوله: (فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) .
قوله: (وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4)
وهو بيت في السماء حيال الكعبة.
الغريب: الحسن، هو الكعبة.
العجيب: سهل بن عبد الله، هو قلب المؤمن وعمارته الإخلاص.
قوله: (وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)
هو السماء.
الغريب: هو العرش.
قوله: (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)
المملوء ماء، وقيل: نارا، وقيل: المختلط وقيل: المرسل.
الغريب: هو جهنم.
العجيب: الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن ذي الرمة عن ابن
عباس: المسجور، الفارغ اليابس.
قال: وليس لذي الرمة حديث غير هذا.
قوله: (يَوْمَ تَمُورُ)
ظرف لقوله: (لواقعٌ)
والمَور، الاضطراب.
العجيب: أبو زيد، لا نعلم ما المَور؟.(2/1146)
قوله: (فَوَيْلٌ)
"الفاء" للعطف وفيه معنى التعقيب، أي إذا وقع
العذاب فويل لهم.
الغريب: الأخفش، يوم تمور محمول على معنى إذا، والكوفيون
يجيزون حمل جميع الأوقات المستقبلة على معنى إذا.
وقوله: (يَوْمَئِذٍ) .
معمول فويل، و "للمكذبين" خبره وقوله (يَوْمَ يُدَعُّونَ)
بدل من هذه النار، " هذه " مبتدأ، "النار" صفته، "التي" خبره، والقول مضمر، أي يقال لهم، ويجوز أن يكون العامل في الظرف هذا الفعل المضمر.
قوله: (فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ) .
الصيغة صيغة الأمر والنهي، والمراد بهما الخبر، أي أصبرتم أم لم
تصبروا سواء والمعنى الصبر وترك الصبر سواء.
قوله: (مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) .
صفة للسرر، أي موصول بعضها ببعض، وقيل: مرمولة بالذهب
والفضة.
الغريب: ذهب بعضهم إلى أن التقدير متكئين على نمارق مصفوفة
على سرر، لأن الاتكاء، إنما يكون على النمارق، وهذا القول لا يستقيم
على الظاهر، فإن جعل التقدير على سرر مصفوفة عليها النمارق صح.
قوله: (بِحُورٍ عِينٍ)
هن مَن وَعَدَ الله المؤمنين من الجواري في الجنة.
العجيب: هن نساء المؤمنين في الدنيا، وهذا خلاف جميع المفسرين، فإن قيل: تصير نساء الدنيا مثلهن في الحسن أو فوقهن فهو وجه.(2/1147)
قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ)
الذرية، الأولاد والأسباط.
الغريب: الذرية تقع على الأولاد والآباء.
"الَّذِينَ" رفع بالابتداء "أَلْحَقْنَا بِهِمْ " الخبر ويجوز أن يكون نصباً كما
تقول زيداً مررت به.
العجيب: "الذرية" النساء أي ترد إليهم نساء الدنيا مع الحور.
(وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) أي ما نقصناهم، قرىء بفتح اللام وكسره، وهما
لغتان، وقرىء في الشواذ: (آلتناهم) - بالمد - وأنكره سهل، وقال: لا
يروى عن أحد ولا تدل عليه العربية، وهي قراءة ابن هرمز.
قال الشيخ الإمام: ويحتمل أن يكون أفعل من أَلَت، أو فاعل.
وبمعناه، وله نظائر. وقرأ طلحة والأعمش: لتناهم - بالكسر - ولتناهم
- بالفتح -، من لات يليت، وأنكر سهل لتناهم - بالفتح -، وقال: لا يجوز نفتح اللام من غير ألف بحال. ويحتمل أنه أجراه مجرى ليس، ففتح
الأول، كما تقول لسنا ولست. قال الشيخ الإمام: ويحتمل أيضاً أنه لين
الهمزة ثم حذفه، وفيه لغة أخرى ولست بلست، وقد سبق.
قوله: (غِلْمَانٌ لَهُمْ)
هم مَن وَعَدَ الله المؤمنين من الولدان.
الغريب: هم أولادهم الذين سبقوهم.
العجيب: الحسن، أولاد المشركين، ذكورهم غلمان أهل الجنة.
وإناثهم هن الحور العين، وأولاد المؤمنين مع آبائهم.
قوله: (فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) .(2/1148)
تقديره: ما أنت بكاهن ولا مجنون.
وقوله: (بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) .
اعتراض بين اسم "مَا" وخبره.
وقوله: (أم يقولون) .
في هذه الآيات إلزامات خمسَ عشْرَة مقبولة في العقول إن لم يكابروا.
ومعنى أكثرها الإنكار، ومعنى بعضها الإثبات، وهو بمعنى بل والألف.
قوله: (المصيطرون) .
المسيطر، الجبار المسلط، ابن عيسى، هو مجرى السيطرة على غيره بما يلزمه قهراً.
الغريب: هم الملائكة، أي فيكون لأنفسهم ما يريدون.
قوله: (سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ)
أي عليه، وقيل: سلم في السماء.
العجيب: ألهمْ كجبريل الذي يأتي بالوحي ويبين عن الله تعالى.
قوله: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) .
الغيب: اللوح المحفوظ، عن ابن عباس: فهم يكتبون منه ويخبرون.
الغريب: الغيب، القرآن، أي هل نزل عليهم وحي فهم يكتبون مما فيه
العجيب: الغيب ها هنا هو موت محمد - صلى الله عليه وسلم -.
قوله: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ) .
هو عذاب القبر. وقيل: الجوع الذي أصابهم، وقيل: القتل يوم بدر.
وقيل: مصائب الدنيا.
الغريب: ذلك إشارة إلى الصعق.(2/1149)
العجيب: أصحاب الصغائر وأصحاب الحدود. ومعنى "دون ذلك"
أقل من ذلك فإنهم يخفف عنهم العذاب.
قوله: (وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) .
قيل: هو صلاة الفجر، وقيل: ركعتا الفجر.
الغريب: استدل بعض الفقهاء بالآية على أن الإسفار بصلاة الفجر
أفضل لأن النجوم لا إدبار لها، وإنما ذلك بالاستتار عن العيون.
وقرأ يعقوب، وأدبار النجوم - بالفتح -.(2/1150)
سورة النجم
هي أول سورة أعلنها النبي - عليه السلام -
قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) .
أي النجوم، والألف واللام للجنس. ومعنى هوى: غرب، وقيل:
سقط وانتثر لقيام الساعة. وقيل: انقضَّ رجماً للشياطين.
الغريب: معى هَوَى: ارتفع وعلا. الأزهري: هوى سقط هَويًّا
بالفتح وهوى صعد هُوِيًّا - بالضم -، وأنشد.
والدَلوُ في إصعادها عَجلىَ الهُوي، 2"
وقيل: النجم الثريا. قال - عليه السلام -: " إذا طلع النجم ارتفعت
العاهات "
يعني الثريا. والعرب تقول: إذا طلع النجم عشاء، ابتغى
الراعي كساء، إذا طلع النجم غديه طلب الراعي شكيه.
الشدي: زهرة. علي - رضي الله عنه - زُحَل. جماعة: هو نجوم القرآن
إذا نزلت.(2/1151)
الغريب: هو محمد - عليه السلام - أسري به ليلة المعراج، وقيل
حين رجع من السماء.
العجيب: هو نجم النبات إذا يبس، وقيل: إذا علا ونما.
قال الشيخ: ويحتمل العالم إذا مات، والمصلي إذا سجد، والمجاهد
إذا قتل، فإنهم نجوم الأرض، على ما جاء في الأخبار.
قوله: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ)
جواب القسم، وهو محمد - عليه السلام -.
العجيب: ذكر الماوردي أن النجم إذا حمل على رجوم الشياطين يكون
خبراً لا قسماً. وهذا منه سهو.
قوله: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) .
هو جبريل - عليه السلام - وهو موصوف من بين الملائكة بزيادة
القوة والقوى: جمع قوة، وأصلها الطاقة من الحَبْل يضم إلى الآخر.
"ذُو مِرَّةٍ" قوة من إمرار الفتل حتى يستحكم.
ابن عباس: ذو منظر حسن، ابن الأنباري: ذو عقل.
الغريب: "مرة" فِعْلة من المرور، أي ذو مرور في الجو.
"فَاسْتَوَى" على صورته المخلوقة له.
الغريب: "استوى" استولى بقوته على ما جعل إليه من الأمر.(2/1152)
الغريب: "ذُو مِرَّةٍ" هو الله تعالى، كقوله (ذو القوة المتين) .
"فاستوى" أي على العرش، والأفق الأعلى: فوق السماوات السبع.
العجيب: "ذُو مِرَّةٍ" محمد - عليه السلام - فاستوى قام بعد أن صعق
من رؤية جبريل على صورته. وهو بالأفق الأعلى على الأوجهِ الثلاث حال
للمضمر في استوى، وهو رفع بالابتداء "بالأفقِ" الخبر. والأفق الأعلى: مطلع الشمس، وقيل: جانب من السماء.
الغريب: قال الفراء: وهو عطف على الضمير في "استوى"، وهذا
عند البصريين لا يجوز إلا في الشعر، لأن العطف على ضمير المرفوع
المتصل ما لم يؤكد بالضمير المنفصل غير جائز، ويمكن أن يقال: إنما جاز
العطف من غير تأكيد لأن استوى وإن كان يقع للواحد، فالغالب عليه أن يقع من اثنين، فلم يكن المضمر في استوى مستقلاً، فيظهر، ولهذا جاء مررت برجل سواء والعدم، فيعطف العدم على المضمر في سواء، ويمكن أن يقال أيضاً، إنما لم يظهر استثقالا للجمع بين هو وهو.
قوله: (ثُمَّ دَنَا) .
أي جبريل من محمد - عليهما السلام -. وقيل: دنا محمد من
محل القربة. وقيل: ثم دنا محمد من ربه - عز وجل.
قوله: (فَتَدَلَّى)
التدلي، الامتداد إلى جهة السفل، وقيل: مشتق من الدلو، أي نزل قليلاً قليلاً.
الغريب: أصله، الدلال، فقلب اللام الآخر ياء قياساً مطرداً في باب المضاعف.(2/1153)
العجيب: معنى تدلى نكس جريل رأسه من محمد - صلى الله عليه وسلم -.
قوله: (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ)
نصب على الظرف، وفيه ضمير اسم كان.
الغريب: تقديره فكان المسافة قَابَ قَوْسَيْنِ، فيكون نصباً بالخبر.
ويجوز الظرف أيضاً.
قوله: (أَوْ أَدْنَى)
قيل: بل أدنى وقيل: وأدنى، والإبهام للمخاطبين. والقوسان: هما قوسان عربيتان، وكانوا يقدرون بقسيهم. وقيل: ذراعان. وقيل: شهران.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل على قول من جعل القوسين
الذراعين، أن يكون عبارة عن المعانقة، لأن المعانقة تكون بغير الذراعين.
والمعنى تعانق جبريل ومحمد - عليهما السلام -، ويكون قوله: (أَوْ أَدْنَى)
عبارة عن مجاورة إحدى اليدين الأخرى.
فأوحى الله إلى عبده، وقيل: فأوحى جبريل إلى عبد الله ما أوحى.
قوله: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ)
ما رأى القلب، وفيه بعد.
قوله: (مَا رَأَى) هو الله سبحانه.
عن ابن عباس في جماعة، وعن ابن مسعود وعائشة: هو جبريل.
العجيب: الحسن. رآه في المنام، وعرج بروحه إلى السماء، وكان
جسمه نائماً.
قال الشيخ الإمام: ويحنمل أن المرئي ما فسره الله تعالى بقوله: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)
ولهذا قال: (مَا رَأَى) ، ولم يقل: "من رأى" وفي الآية إضمار تقديره ما كذب الفؤاد حديث ما رأى، لأن الكذب
يتعدى إلى مفعولين، والثاني بينهما مسموع لا غير.(2/1154)
قوله: (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) .
قال - عليه السلام - في صفة ليلة المعراج: "رُفِعَت لي سدرة منتهاها
في السماء السابعة، نبقها مثلُ قلال هَجَر ".
العجيب: ابن بحر، قال في تفسيره: هي الشجرة التي في القرآن في
قوله: (إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) ، وأول قوله (عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)
أي نالوا الجنة من البيعة التي جرت عند الشجرة. فلما بلغ إلى
قوله (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)
لم يأت في تفسيره بما يليق بالآية.
وهذا تأويل فاسد بعيد.
قوله: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) .
تقديره، لقد رأى الكبرى من آيات ربهِ، وقيل: الكبرى صفة لقوله:
(مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ) ، والقياس الكبَر، لكنه وحد لرؤس الآيات.
قوله: (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) .
قيل: هو المتعدي إلى مفعول واحد، وقيل: هو المتعدي إلى
مفعولين، والمفعول الثاني (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) .
قوله: (الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى) .
قيل: هي تأكيد، وقيل: فيه تقديم، أي الأخرى الثالثة، فأخر الآية.
الغريب: تقديره، اللاتَ الأولى والعزى الأخرى، ومناةَ الثالثة.
فحذف الأولى اكتفاء وأخر الأخرى، الآية.(2/1155)
قوله: (ضِيزَى) .
الجمهور، على أن وزنها فُعلى" - بالضم - لأن فِعلى - بالكسر - لا تأتي صفة وإنما كسر للياء، ومن همز، جعله مصدراً
كالذكرى. قال الشيخ الإمام: ويحتمل أيضاً فيمن لم يهمز أنه مصدر
على - فِعلى -.
وما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قرأ هذه السورة، قرأ فيها أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى فأنكره بعض المفسرين، وذهب بعضهم إلى أن الشيطان تلا في أثناء قراءة النبي - عليه السلام -.
الغريب: مجاهد، كان يقرأ فانتسخ تلاوته، والمعنى تلك الغرانيق
العلى بزعمكم، أمنها الشفاعة ترتجى.
قوله: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا) .
وقد سبق في الحج.
واللات: مشتق من لويت على الشيء إذا عكفت عليه، وكانوا
يعكفون على أصنامهم، و "التاء" بدل من الياء التي هي لام الفعل، وقيل:
هي تاء التأنيث فقد روي عن الكسائي الوقف عليه بالهاء، وترقيق اللام.
وقيل: هو اللات - بالتشديد وقد قرىء به في الشاذ، فخفف.
العجيب: قول من قال ادخلوا الهاء الله، وهذا لا وجه له، أو يقال:
حذف الهاه وزيد التاء، قولهم شاه وشاة.(2/1156)
واشتقوا العزى من العزيز، ومناة من مناه يمنيه إذا قطعه، وكانوا
يذبحون عنده ومنه منى لأنه مذبح الحاج.
قوله: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ)
أي كثير من الملائكة، ولهذا جمع الضمير، فقال: (لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ) .
قوله: (لمن يشاء) أي للمشفوع، كقوله:
(وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)
وقيل: لمن يشاء من الشافعين، والتقدير:
لمن يشاء شفاعته فحذف المضاف ثم الضمير.
قوله: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا) .
"اللام" متصل بما دل عليه "اللام" في قوله "وللهِ" أي مَلَكَهم يَجزيَ.
وقيل: خلقهم ليجزي.
الغريب: "اللام" لام العاقبة، وهو متصل بقوله (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ) .
قوله: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) .
بدل من (الَّذِينَ أَحْسَنُوا) ، وقيل: نصب على المدح.
قوله: (إِلَّا اللَّمَمَ)
استثناء متصل، وهو الصغار من الإثم، وقيل: كل ما دون الوقاع. وقيل: منقطع، وهو المَرُّ على القلب.
الغريب: "اللَّمَمَ" النكاح، وقيل: ما لا حد عليه.
العجيب: "إلا" بمعنى "الواو" وهو بعيد.
قوله: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ) .
ثم أبدل، فقال "أَلَّا تَزِرُ"، أي أنه لا تزر وكذلك "أن ليس"، أي أنه
ليس، وإنما خفف وأضمر الاسم، لأن "أن" لا يلي الفعل، فلما عاد إلى(2/1157)
الاسم عاد إلى الأصل، فقال (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40)
أي يراه، والمعنى سوف يرى الإنسان جزاء سعيه ثم يجزاه، أي يجزى الإنسان سعيه) :
و"الْجَزَاءَ الْأَوْفَى" نصب على المصدر.
العجيب: "الهاء" عائد إلى المصدر والجزاء مفعول به.
قوله: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42)
المصير والمعاد.
الغريب: إذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا ومن تعاطى ذلك هلك.
قوله: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) ، سَرَّ وأحزن، فقيل.
أضحك أهل الجنة وأبكى أهل النار والضحك والبكاء أمران خص بهما
الإنسان من بين الحيوان. والضحك يفتح أسرار الوجه عن سرور وعجب في
القلب، والبكاء: جريان الدمع على الخد عن غم في القلب.
الغريب: ابن بحر، معنى قوله (أَضْحَكَ وَأَبْكَى) أي خلق القوتين
اللتين منهما ينبعث الضحك والبكاء، والإنسان لا يعلم ما تلك القوى.
العجيب: أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر.
قوله: (رَبُّ الشِّعْرَى)
"العبور" تقطع السماء عرضا بخلاف
سائر الكواكب والشمس والقمر.
وكانت خزاعة تعبدها، دعاهم إلى ذلك أبو كبشة، أحد أجداد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل أمه، وكانت قريش تسمي رسول
الله - عليه السلام - ابن أبي كبشة، أي نزع إليه في مخالفة ديننا كما خالف
أبو كبشة. والمعنى: الشعرى مربوب فاعبدوا ربه.
قوله: (عاداً الأولى)
هم عاد إرمَ، ولما أهلكوا بقيت منهم بقية، يقال لهم بنو القين وكانوا بمكة عند أخوالهم العمالقة وهم أولاد عمليق(2/1158)
ابن لاوذ بن سام، فسموا عادا الأخرى، وقيل: عاد الأولى قوم هود.
والثانية: ثمود.
قوله: (وثمودا)
هو عطف على عاد، ولا يجوز أن ينتصب بقوله
"أبقى" لأن ما بعد "مَا" النفي لا يعمل فيما قبله، ومفعول أبقى محذوف، أي
فما أبقاهم.
(وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53)
أي وأهوى المؤتفكةَ، وهي سدوم قرية قوم لوط، ائتفكت بأهلها، أي انقلبت.
العجيب: أبو الليث: فسرها بالمكذبة من الإفك.
وفي العجيب: الماوردي: " ألف " أهوى للتفضيل، أي أكثر ممن تقدم ذكرهم عملا بالهوى.
فكأنه نظر إلى قوله "أظلم" و "أطغى" وذلك للتفضيل لا غير.
والمؤتفكة، نصب بـ "أهلك"، وأهوى حال منها. ويجوز أن يكون عطفاً
على اسم "إن" والتقدير وأنَّ المؤتفكة كانت أهوى.
قوله: (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54)
أبهم ليكون أوقع في القلوب، وضمير "مَا" والعائد إلى المؤتفكة مقدر أي ما غشاه إياها فحذف.
قوله: (هَذَا نَذِيرٌ)
أي محمد - عليه السلام -، وقيل: القرآن، وقيل ما تقدم من ذكر العذاب من النذر، أي من جنس النذر الأولى.
والنذير يأتي بمعنى المنذر، وبمعنى النذر به، وبمعنى الإنذار.
قوله: (الْآزِفَةُ)
أي القيامة، والكاشفة، الكشف. وقيل: جماعة كاشفة أو نفس كاشفة. وقيل: الهاء للمبالغة كالعلامة والراوية للحديث.(2/1159)
سورة القمر
قال تعالى: (اقتربت) .
أي دنت دنوا قريباً، واقترب أبلغ من قرب، لأن افتعل يأتي لطلب
إعداد الشيء بالمبالغة فيه، ومثله: اقتدر.
الغريب: المعنى: انشق القمر فاقتربت الساعة، وقرىء في الشاذ
"اقتربت الساعة وقد انشق القمر ".
وأجمع المفسرون وأصحاب الحديث في الصحيحين: أن القمر قد
انشق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شقين حتى رآه الناس. قال أنس، فصار فلقتين حتى رأينا إحداهما.
الغريب بل العجيب: الحسن: هذا مما يكون في القيامة، كقوله:
(إذا السماء انشقت) ، وقال: لو انشق لم يبق أحد إلا رآه، وقال
علي بن عطاء: سينشق القمر.
ومن العجيب: قال ابن بحر: انشقاق القمر: عبارة عن وضوح أمر
النبي - عليه السلام - وصحة الإسلام، قال: وهذا كقولهم للشيء المعروف
ابن جلا وهو القمر.(2/1161)
وهذه الأقوال خلاف الإجماع والنص لأن قوله (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2)
لا يمكن حمله على القيامة بالإجماع.
قوله: (مُسْتَمِرٌّ)
محكم، من المِرة، وقيل، مستمر باطل ذاهب من المرور.
الغريب: مستمر دائم وقيل: يشبه بعضه بعضا، من قولهم: مطرد
مستمر.
العجيب: مستمر من المرارة أمر الشي: واستمر فصار مرَّاً.
قوله: (مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ)
أي ازدجار، و "مَا" رفع - جاء - و"حكمة" بدل منه وقيل: هي حكمة أي القرآن حكمة تامة.
(فَمَا تُغْنِ) "مَا" نفي ومفعول تغني محذوف، وقيل استفهام وهو
مفعول تغني.
العجيب: "مَا" بمعنى "لم"، ولهذا حذف الياء من "تغني "، وهذا خطأ
من قائله.
قوله: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ)
أي أديت الرسالة فأعرض عنهم ودعني وإياهم. وقيل: تول عنهم حتى تؤمر بالقتال، والجمهور: على أن الكلام قد تم على قوله: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) .
وقوله: (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ)
منصوب بـ "يخرجون". وقيل: واذكر يوم يدع.
العجيب: انشق القمر، يوم يدع على ما سبق، وهوبعيد فاسد.
قوله: (خُشَّعًا)
حال والعامل في يخرجون وذو الحال.
المضمر في يخرجون تقدم الحال عليه.
الغريب: هو حال من الضمير في عنهم على بعض الوجوه الت سبقت.(2/1162)
وقُرِىء (خُشعاً) على الجمع، لأن الأبصار جمع ومن وحد فلتقدمه
على الاسم، كقوله:
وشباب حَسَنٍ أوجُههم. . . من إيادِ بِن نزارِ بنِ معدِّ
قوله: (يخرجون) ، قوله (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ) ، وقوله (مُهْطِعِينَ) ، كلها أحوال.
قوله: (أبوابَ) .
أي فتحت رُتجها. وعن علي - رضي الله عنه - فتحت السماء من
المجرة، وهي شرج السماء.
الغريب: فتح أبوابها، إجراؤه من السماءِ كإجرائهِ إذا فتح عنه باب.
قوله: (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا) .
أي فشققنا الأرض عن الماء. قوله "عُيُونًا" نصب على الحال، وقيل:
على التمييز وقيل: بعيون، فحذف الجار فتعدى الفعل إليه، وقيل: في
الأرض عُيُونًا، فيكون مفعولاً به والأرض ظرف، وقيل: بدل من الأرض، أي فجرنا الأرض عيونها، فحذف العائد، وفيه بعد.
قوله: (فالتقى الماءُ) .
وضع اسم الجنس موضع التثنية، لأنها النهاية في الآية، وقرىء في
الشواذ على التثنية.
الغريب: كان ماء السماء باردا كالثلج، وماء الأرض حارا كالحميم.(2/1163)
قوله: (ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) .
قيل: هي كناية عن السفينة. قال الشيخ الإمام: ويحتمل أن التقدير
على سفينة ذات ألواح ودسر، أي كثيرة، والدسر جمع دسار، وهي
المسامير، والشرط التي شد بها ألواح السفية وطرفاها وعوارضها.
الغريب: الدسر مصدر كالشُغل بمعنى الدسْر وهو الدفع أي تدسر.
الماء.
قوله: (بِأَعْيُنِنَا)
أي بمرأى منا وحفظ. و "الباء" للحال، أي محفوظة بنا.
العجيب: بأعين ملائكتنا الحَفَظَة، فحذف المضاف.
العجيب: بأعين المياه التي فجرنا الأرض عيوناً، و "الباء" للظرف.
قوله: (لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) أي كُفِرَ به وهو نوح - عليه السلام -. وقيل:
هو الله سبحانه.
الغريب: الفراء، جزاء لكفرهم، و "مَنْ" بمعنى "مَا".
(فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) .
نذر بمعنى الإنذار، وقيل: جمع نذير، كرر، لأن كل واحد وقع موقع قصة أخرى.
قوله: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) .
أي يسرناهُ لِلْحَفَظَة حتى يحفطه الصبي والكبير والعربي والعجمي
والأمي والبليغ، وسائر كتب الله لا يحفظها عن آخرها أحد حفظاً، ولولا
تيسير الله، ما أطاق العباد أن يتكلموا بكلام اللهِ. وقيل: يسرنا استنباط
معانيه، وسهلنا عليهم ما فيه فهل من مدّكر يتذكَر ما فيه، وهل من طالب علم(2/1164)
فيعان عليه، ثم ختم قصة نوح وعاد وثمود ولوط، لما في كل واحد منها من
بدائع ما حل بهم، فيتعظ به تالي القرآن وحافظه.
قوله: (يَوْمِ نَحْسٍ)
أي شؤم، وقيل: بارد مستمر دائم
النحوسة أو البرد، وقيل: استمر بهم سبع ليال وثمانية أيام. وقيل: استمر
بهم كلهم إلى نارجهنم.
الغريب: كان مراً عليهم، كما سبق في السورة، وكان أربعاً لا يدور.
قوله: (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) وفي غيرها (نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) لأن كل جمع ليس بينه وبين واحده إلا هاء التانيث جاز التذكير، وتأنيثه.
قوله: (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ)
كرر في هذه القصة مرتين لأن أحدهما في الدنيا، والأخرى في العقبى، كما قال في هذه القصة أيضاً: (لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى) .
قوله: (قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ)
القياس: بينهم وبينها، يوم لها، ويوم لهم، لكنها أضيفت وضمت إليهم، فجمع جمع السلامة لغلبة التذكير والعقلاء.
قوله: (صَيْحَةً وَاحِدَةً)
أسمعهم الله صيحة واحدة، فأهلكهم بها في الحال، وقيل: صاح بهم جبريل.
الغريب: كان صوت الفصيل.
قوله: (حاصباً) حجارة، وقيل: ريحا حاصباً.
الغريب: ملكاً رماهم بالحصباء.(2/1165)
قوله: (فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ)
كرر، لأن الثاني ناب عن قوله (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) .
قوله: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) .
عن النبي - عليه السلام - أن الآية - نزلت في أناس من آخر هذه الأمة
يكذبون بقدر الله.
وأجمع القراء السبعة على النصب. والقياس الرفع، وإنما
نصب لتفيد العموم ولو رفع احتمل أن (خَلَقْنَاهُ) صِفَةْ لشيءكما في
قوله: (وكل شيء فعلوه) . فيزول معنى العموم، ويدل على أن ها هنا
ما ليس بمخلوق، وليس ذلك معنى الآية.(2/1166)
سورة الرحمن
قوله تعالى: (عَلَّمَ القرآنَ) .
المفعول الأول محذوف، أي عَلّم محمداً القرآن، لا كما قالوا: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) .
الغريب: علمكم القرآن، أي مكنكم من تعلمه.
العجيب: معناه: جعل القرآن علامةً لمن يعتبر بها، ولهذا عدي إلى
مفعول واحد.
قوله: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) .
أي يجريان بحساب، فإن الشمس تقطع بروج السماء في ثلاثمائة
وخمسة وستين يوماً، والقمر يقطعها في ثمانية وعشرين يوما.
الغريب: دل كل واحد بحساب، فإن الشمس سعتها ستة آلاف
وأربعمائة فرسخ في مثله، والقمر سعته ألف فرسخ في مثلِهِ.
العجيب: يعرف من جهتها الحساب، كقوله (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) وقيل: لهما أجل وحساب، فإذا انتهيا إليه هلكا.
و"الحسبان"، مصدر حسب وقيل: جمع حساب كشهاب وشهبان.(2/1167)
قوله: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا) .
أي خلقها رفيعة، وقيل: رفعها على الأرض، وهو منصوب بفعل
مضمر، أي رفع السماء، فكان القياس الرفع، لأن الذي تقدمه جملة اسمية.
وهي (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)
لكنها نصبت حملاً على الجملة الفعلية
التي وقعت خبراً في الجملة الاسمية وهي (يسجدان) .
قوله: (الْمِيزَانَ) هو المعروف، ألهم الناس إيجاده، وقيل: أنزل
على نو) .
الغريب: الْمِيزَانَ، العدل، وقيل: العقل.
العجيب: الثعلبي، الميزان، القرآن، وصرح بذكر، الميزان
ثلاث مرات من غير إضصار، لقيام كل منهما بنفسه لوقوعه في جملة تامة.
الغريب: لأنها نزلت متفرقة.
العجيب: لأن كل واحد منها غير الآخر.
وقوله: (أَلَّا تَطْغَوْا)
أي لأن لا تطغوا، فهو نصب، وقيل: "أن " هي المفسرة ولا للنهي والفعل مجزوم به.
قوله: (لِلْأَنَامِ)
الأنام هو الخلق وهو الإنس، وقيل: الإنس والجن، ليس هذا من التركيب على هذا الترتيب غيره وغير الاسم بمعناه.
الغريب: هو مقلوب نَأَمَ، أي: صَوَّت.
قوله: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) .
الخطاب للإنس والجن، وقد تقدما في قوله "للأنام ".(2/1168)
الغريب: إذا تقدم ذكر أحدهما وأراد ذكر الآخر فيما بعده، جاز
التثنية، كقوله:
ولا أدري إذا يممتُ وجهاً. . . أريد الخيرَ أيهما يليني
كذلك الآية لما تقدم ذكر الإنس ويأتي ذكر الجن في قوله (وَخَلَقَ الْجَانَّ) أو في قوله: "أَيُّهَ الثَّقَلَانِ" جاز التثنية في الكناية.
العجيب: الخطاب للإنس وحده، وذكر بلفظ التثنية كقوله:
فإن تَزجُراني بابنَ عفانَ أنزجِر. . . وإن تدعاني أَحم أنفاً مُمَنّعا
وهذه الآية تكررت في السورة إحدى وثلاثين مرة، لأن الإطناب في
الخطب والمقامات والمواعظ أبلغ وأحسن، وقيل: لأن كل واحد منها غير
الأول فاقتضى من التقدير ما اقتضى الآخر، وما في السورة من ذكر الشدائد
والنار، والنعمة فيه من وجهين: أحدهما: صرفها عن المؤمنين إلى الأعداء.
وتلك نعمة عظيمة، والثاني: أن اجتهاد الإنسان رهبة مما يؤلمه أكثر من
اجتهاده رغبة فيما ينعمه. وخصت بهذا العدد، لأن ثمانية منها ذكرت عقيب
آيات فيها ذكر عجائب خلق الله وبدائع صنعه ومبدأ الخلق ومعادهم.
وسبعة ذكرت عقيب آيات فيها ذكر النار وشدائدها على عدد أبواب جهنم، وبعدها ثمانية في وصف الجنان وأهلها، على عدد أبواب الجنة، وثمانية
أخرى للجنة التي بعدها فيهما جنتان، لقوله (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) ، فمن اعتقد الثمانية الأولى وعمل بموجبها استحق كلتا الثمانيتين
من الله ووقاه السبعة السابعة - والله أعلم -.(2/1169)
قوله: (مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) .
خلق الله آدم من تراب أصابه ماء فصار طيناً وبقي الماء فصار حَمَأ، ثم
زال عنه الماء فيبس فصار صَلْصَالاً له صوت مشتق من صلصلة الحديد
فشبه بالفخار، وهو الخزف، وقيل: من صل اللحم، إذا نتن، ولهذا قال
سبحانه في موضع (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ) ، وفي موضع (مِنْ طِينٍ لَازِبٍ) ، وفي موضع (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) ، وفي موضع (مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) .
قوله: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) .
أكثر المفسرين على أنهما بحر فارس والروم وبينهما جزيرة العرب.
يلتقيان في معظم البحر.
(لَا يَبْغِيَانِ) ، فتغرق الخلق. والبغي: الخروج إلى فساد.
وقيل: البحرين: العذب والفرات يلتقيان في بعض البحار، (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ)
من لطف الله سبحانه لا يغلب أحدهما الآخر.
الغريب: ابن عباس: البحرين: بحر السماء وبحر الأرض.
يلتقيان كل سنة، ومنه المطر بينهما حاجز يمنع بحر السماء من النزول، وبحر
الأرض من الصعود.
قوله: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ (22) .
أجراه بعضهم على الظاهر، فقال: يخرج اللؤلؤ والمرجان من
البحرين. والجمهور على أن ذلك يخرج من الأجاج دون الفرات، لكن قد
ينسب الشيء إلى اثنين وهو لواحد، كقوله (نَسِيَا حُوتَهُمَا) ، وقيل: المضاف
محذوف تقديره: من أحدهما.(2/1170)
الغريب: منهما يعود إلى بحر السماء وبحر الأرض، وذلك أن اللؤلؤ
والمرجان يكونان من اجتماعهما، لأن الصدف تفتح أفواهها عند المطر.
فحيث ما وقعت قطرة ظهرت لؤلؤة.
العجيب: ما حكاه الثعلبي في تفسيره: مرج البحرين: علي وفاطمة - رضي الله عنهما -، برزخ، محمد - عليه السلام -، يخرج منهما
اللؤلؤ والمرجان، الحسن والحسين - رضي الله عنهما -، وفيه ضعف عند
المحققين.
ومن العجيب أيضاً: هما بحر الحجة والشبهة بينهما برزخ، النظر
والاستدلال يخرج منهما الحق والصواب، ومثله: هما بحر العقل والهوى.
بينهما برزخ، لطف الله، يخرج منهما التوفيق والعصمة، ومثله: بحر الدنيا
وبحر العقبى، بينهما برزخ القبر، من قوله (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ) ، وقيل: بين
العبد وبين الله بحران: أحدهما: بحر النجاة وهو القرآن، من تعلق به نجا.
والثاني: بحر الهلاك، وهو الدنيا: من ركن إليها هلك، وهذه حكم رواها
الثعلبي، وليس هي من التفسير في شيء.
قوله: (كُلَّ يَوْمٍ)
متصل بمضمر، أي: هو في شأن يقع كل يوم.
الغريب: كل يوم ظرف للسؤال، فيحسن الوقف عليه، ومن الغريب:
هو كناية عن السؤال في شأن السائلين.
قوله: (سَنَفْرُغُ لَكُمْ) ، تهديد ووعيد، وقيل: الفراغ للفعل:
التوفر عليه.
قوله: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) .(2/1171)
أي: لا يسأل سؤال استعلام لما في الآية الأخرى وهو قوله: (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ) .
وحيث قال (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ)
يريد سؤال توبيخ وتقريع، والمعنى لا يقال لهم ما فعلتم لأن الملائكة عرفوا ما فعل القوم بسيماهم، بل يقولون لهم لم فعلتم كذا وكذا.
ابن عباس: القيامة مواقف.
قوله: (عَنْ ذَنْبِهِ)
ضمير مقدم، أي: لا يسأل إنس عن ذنبه ولا جان عن ذنبه.
الغريب: لا يسأل عن ذب المذنب إنس ولا جان، أي: لا يؤخذ أحد
بذنب غيره.
قوله: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) .
الجمهور أجروهما على التثنية.
الغريب: الفراء: هي جنة واحدة، لكن العرب قد تجري الواحد
مجرى التثنية. قال:
ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ. . . قطعته بالسَمت لا بالسَمتين
قال وهو معه واحد بدليل قوله: قطعه. والظاهر قول الجمهور
لقوله (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62) ، فقد صارت أربعاً، ثم قال: (فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ) .
قوله: (مُدْهَامَّتَانِ (64) .
صفة لقوله "جَنَّتَانِ".
وقوله: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (65)
اعتراض بين الصفة والموصوف وكذلك ما بعده.
____________
(1) ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنْ. . . ظهراهُما مثلُ ظهورِ التُّرْسَيْنْ
جبتهما بالنعت لا بالنعتين
لخطام المجاشعي. وقيل: لهميان بن قحافة. والمهمه: المفازة. والقذف - بالتحريك -: الذي يقذف سالكه فلا يمكث فيه أحد. وقيل: البعيد. والمرت - بالسكون -: القفر لا ماء فيه ولا نبات. والترس: حيوان ناتئ الظهر. وثنى ظهراهما على الأصل، وجمع فيما بعد لأمن اللبس، ولأنه ربما كره اجتماع تثنيتين، لا سيما عند تتابع التثنية كما هنا. وقال النحاة: كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه، يختار في لفظه الجمع لتعدد معناه وكراهة اجتماع تثنيتين في اللفظ. ويجوز مجيئه على الأصل كما هنا. ويجوز إفراده كقوله:
حمامة بطن الواديين ترنمي
والجواب: القطع. والنعت: الوصف، ويروى: «بالسمت لا بالسمتين» والسمت: الهيئة والقصد والجهة والطريق والمراد أنهما وصفا، أو ذكرت هيأتهما له مرة واحدة. يقول: رب موضعين قفرين لا أنيس فيهما، لهما ظهران مرتفعان، كظهرى الترسين، قطعتهما بالسير بنعت واحد، لا بوصفهما لي مرتين أو ثلاثة كغيرى. ويجوز أن المعنى بذكر نعت واحد من نعوتها، لا بذكر نعتين، فالنعت بمعنى الصفة القائمة بالشيء. وفي الكلام دلالة على شجاعته وحذقه.(2/1172)
وقوله: (مُتَّكِئِينَ)
نصب على الحال من قوله (وَلِمَنْ خَافَ) .
والآية حائلة بين الحال وذي الحال.
وقوله: (فيهِن قاصرات الطرفِ) .
إن جعلت العائد إلى الجنتين الأخريين التقديم فقد كنيت عن غير
مذكور، وإن جعلته كناية عن قوله (فُرُشٍ بَطَائِنُهَا) استقام الكلامِ. وبين
الصفة والموصوف ها هنا اعتراضان:
أحدهما: الآية، والثاني: قوله: (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ) ، لأته كلام مستأنف تام بنفسه.
وقوله: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ (58)
صفة لقاصراتِ الطرف، والآية اعتراض.
وقوله: (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ (62)
عطف على قوله: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
أي ولهم من دونهما جنتان، فيكون الاعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه بآيات، على ما سبق، وزيادة اعتراض بقوله: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60) ، ثم عاد إلى الوصف إلى قوله "متكئين" فإنه حال لهم كالأول، ثم ختم بقوله: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (78)
قراءة ابن عامر: ذو الجلال، لأن الاسم هو المستمر، ولهذا أجمعوا على
الرفع في قوله: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ) لأنه هو سبحانه.(2/1173)
سورة الواقعة
روي أن عثمان بن عفان دخل على ابن مسعود - رضي الله عنهما - في
مرضه الذي مات فيه، فقال له: ما تشتكي، فقال: ذنوبي. فقال: ما تشتهي، فقال: رحمة ربي. فقال: ألا ندعو الطبيب، فقال: الطبيب أمرضني. فقال: ألا نأمر بعطاياك، فقال: لا حاجة لي فيه. فقال: ندفعه إلى بناتك. قال: لا حاجة لهن فيه، قد أمرتهن أن يقرأن سورة الواقعة، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبة فاقة أبداً ".
قوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ) .
أي: اذكر إذا وقعت، فهو مفعول به، وقيل: إذا شرط، ومحله نصب
بـ "وقعت" وجزاؤه، قال سيبويه: "وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا" فاكتفى به عن الجواب، وقيل: جزاؤه، ما دل عليه، "خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ"، أي خفضت ورفعت، قال
الفراء: جوابه وكنتم والواو زائدة، وقيل: جوابه "ليس لوقعتها كاذبة".
الغريب: (إِذَا وَقَعَتِ) جواب من الله سبحانه لمن قال: (أَيَّانَ مُرْسَاهَا) .
العجيب: "إِذَا وَقَعَتِ" مبتدأ "إِذَا رُجَّتِ"، خبره، أي: وقت(2/1175)
هذا وقت ذاك. صاحب النظم: "إذا رُجَّت " ظرف لـ "وقعت" أي: إذا
وقعت حين رُجَّتِ، وعند غيرهم ا: "إِذَا رُجَّتِ" بدل من "إذا وقعت ".
قوله: (لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) .
أي: لا راد لها، وقيل: اللام بمعنى في، أي: ليس في وقوعها كذب.
العجيب: اللام بمعنى عن، أي: ليس الخبر عن وقوعها كذباً.
وقيل: ليس لأجل وقعتها كاذبة، أي: مَنْ أخبر عنها صَدَق، و"الهاء" للمالغة كا لراوية.
قوله: (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ) .
أي: هي، وقرىء بالنصب على الحال، أي: وقعت الواقعة
خافضة رافعة.
قوله: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)
تفصيل لقوله "ثلالْة" أي: فمنها
أصحاب الميمنة، ومنها أصحاب الحشامة، وصنها السابقون، فيكون "أصحاب
الميمنة" رفع بالابتداء، منها الخبر، والظاهر: أن "أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ" المبتدأ.
و"مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ" جملة هي خبر عن المبتدأ، وكذلك القول في
أصحاب المشأمة.
وأما قوله: (وَالسَّابِقُونَ) ففيه أوجه: أحدها: ما سبق
أنه المبتدأ ومنهم المضمر خبره، والثاني: أنه رفع بالابتداء، "السابقون " الثاني خبره، أي: السَّابِقُونَ إلى الإيمان هم السَّابِقُونَ إلى الجنان، والثالث: أن التقدير السَّابِقُونَ وما السَّابِقُونَ فحذف "مَا" لدلالة ما قبله عليه.
والرابع: "السَّابِقُونَ" مبتدأ، "السَّابِقُونَ" الثاني بدل وتكرار وتأكيد.
(أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) خبره، كما تقول أزيد قائم.(2/1176)
قوله (وَحُورٌ)
هي جمع حوراء من الحور.
الغريب: أنس، عن النبي - عليه السلام -: إن الله خلق الحور العين من الزعفران ".
العجيب: مجاهد، تحار فيهن العيون. وهو ضعيف.
قرىء "حورٌ" بالرفع والجر، أبو علي: الرفع محمول على المعنى.
أي: لهم أكواب وحور عين، قال: ويجوز أن يحمل على سرر أي على سرر
حور. قال: ويجوز أن يكون عطفاً على الضمير في "مُتَّكِئِينَ" و "متقابلين ".
ولم يؤكد لطول الكلام، قال: ووجه الجر أن يحمل على قوله: "في جنات
النعيم "، وفي حور أي وفي مقارنة حور قال: وجملة الباء في "بأكواب "
ممكن إلا أن الأخفش قال في هذا بعض الوحشة.
الفراء: الجر على الجوار.
الغريب: قال الشيخ الِإمام: يحتمل أن الرفع محمول على "بأكواب"
ويكون الطائف بهن من اختص بخدمتهن فلا يكون بعض الوحشة.
قوله: (وَلَا تَأْثِيمًا)
أي لا يأثمون إثماً، لأن التأثيم لا يسمع. وقيل: لا يقال لهم: أثمتم وأسأتم.
قوله: (إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)
الاستثناء منقطع، وسلاماً صفة لقوله "قِيلًا"، ويجوز أن يكون مفعول القول، أي إلا أن يقولوا سلاماً، ويجوز أن ينتصب بالمصدر، أي: يقال لهم أسلَموا سلاماً، كقوله (أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) .
والتثنية فيه كـ "لَبّيكَ وسَعْدَيكَ".(2/1177)
قوله: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
أي مرفوع" في الهواء جدا.
وقيل: مرفوعة القدر.
الغريب: الفرش كناية عن النساء. وافتراشها كناية عن الوطء.
العجيب، هي النساء بلغة خثعم، واحدها فَريش، واستفرشت المرأة
إذا طلبت فحلاً.
قوله: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35)
يعود إلى الفرش على ما سبق.
وقيل: الفرش محل النساء، ودل عليهن.
العجيب: يعود إلى الحور، وفيه بعد، لبعد ما بينهما، لأنها في قصة
وهذه في أخرى، وقوله (أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً) أي: خلقهن لأوليائه ابتداء.
الغريب: الضحاك: هن المؤمنات من النساء.
الحسن: هن عجائزكم الغمص الرمص صيرهن الله كما تسمعون. قال مجاهد: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة عند عائشة - رضي الله عنها - من بني عامر، - وكانت عجوزاً - "إن الجنة لا يدخلها العُجز، فولت تبكي، فقال: - عليه السلام - أخبروها أنها يومئذٍ ليست بعجوز، إن الله يقول: ((إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ) الآية.
قوله: (عُرُبًا)
جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها، قال أهل اللغة وتسميها أهل مكة "العرِبة"، وأهل المدينة "الغَنِجة"، وأهل العراق "الشكِلة".
ابن عباس: عواشق الأزواج، والعرِبة من النوق: هي
التي أرادت فحلاً، وجاء في بعض التفاسير مرفوعاً، معنى عرب كلامهن
عربي.(2/1178)
(أتراباً)
جمع تِرْب، أي مستويات مع الأزواج على سن واحد - ثلاث وثلانين سنة.
قوله: (لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ)
اللام منصل بقوله "أَنْشَأْنَاهُنَّ ".
الغريب: هُن لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ.
العجيب: "ثُلَّةٌ" رفع بالابتداء، و "ثُلَّةٌ" عطف عليه "لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ"
خبر، تقدم عليه، فيحسن الوقف على أترابا.
قوله: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ)
أي في القبر، (إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) .
وهو القيامة.
العجيب: روي عن بعض القراء، الوقف على قوله "والآخرين"، على
تقدير تمام الكلام دون قوله "لَمَجْمُوعُونَ" لوقوعها في الجواب، ثم قوله
"لَمَجْمُوعُونَ" تقديره لهم مَجْمُوعُونَ، وهذا كقول الشاعر:
إنْ محَلاً وإن مرتَحِلاً. . . وإن في السَفر ما مَضى مهلاَّ
فاقتصر على "إن " واسمه دون الخبر، وفيه تعسف.
قوله: (عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ) وقوله (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)
اعتراض، وقيل: متصل بقوله "بِمَسْبُوقِينَ" أي: مغلوبين
على أن نبدل بأمثالكم، فحذف الجار والمفعول الأول.
الغريب: " المِثْل" زيادة.
العجيب: " المِثْل" ها هنا الشخص، من قوله "مَثَل بين يديه"، فهو
ماثل.(2/1179)
قوله: (فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ)
واقع موقعه.
الغريب: فيه تقديم، أي: أم نحن الزارعون فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ، أي:
تنعمون.
قوله: (شَجرتَها)
أي أصلها، وقيل: شجرة النار المرخ والعَفار. من قولهم: في كل شجرة نار، واستمحل المرخ والعَفار.
قوله: (وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) .
اعتراض بين القسم والمقسم عليه، وتقديره لقسم عظيمٍ، وقوله: (لَوْ تَعْلَمُونَ) - اعتراض بين الصفة والموصوف، فهذا إذاً اعتراض في
اعتراض.
(أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ)
متصل بالخبر تقدم على المبتدأ.
قوله: (فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) .
ختم السورة بذكر الفِرَق الثلاثة، والمقربون هم السابقون، لقوله
(فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) ، والمكذبون أصحاب المشامة.
قوله: (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ) .
قال الأخفش: "الفاء" نائب عن جواب "أَمَّا" والشرط معاً، وقيل: هو
جواب "أَمَّا" وجواب الشرط محذوف، لأن "أَمَّا" حيث جاء واقع موقع مهما
يكن من شيء، وكان القياس أن يليه "الفاء" ليكون جواباً للشرط لكن فُصِلَ بينهما ليكون على صيغة سائر الشروط، تقول: أَمَّا زيد فقائم، أي مهما يكن شيء فزيد قائم.
وقوله سبحانه: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9)
أي: مهما(2/1180)
يكن من شيء فلا تقهر اليتيم، وكذلك (وأما السائلَ) (وأما بنعمةِ
ربكَ) ، وتقدير الآية: مهما يكن من شيء فروح وريحان إن كان من
المقربين، وقيل: " الفاء" جواب الشرط، وجواب" أَمَّا " محذوف، والتقدير: مهما يكن من شيء فإن كان من المقربين. ولو أخر لأدى إلى الجمع بين
فاءين، فحذف اكتفاء بالثانية.
قوله: (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)
الموصوف محذوف، أي: حق الخبر اليقين - والله أعلم -.(2/1181)
سورة الحديد
قال تعالى: (سَبَّحَ لِلَّهِ)
سبق أول بني إسرائيل.
قوله: (مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) .
كان القياس، وما في الأرض، لكنهُ نزل المكانين منزلة مكان واحد.
وجعل الخلق فيهما خلقاً واحدا موافقة لما بعدها فإن ذكر السماوات والأرض
تكرر في هذه الآيات الخمس أربع مرات، ومثله آخر الحشر "يسبح له ما في
السموات والأرض" لما تقدم ذكر الخالق البارىء نزل الخلق منزلة خلق
واحد، والمكانين منزلة مكان واحد، وفي سائرها "ما في السماوات وما في
الأرض" على القياس.
قوله: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) .
الأول: اسم لمفرد سابق، وهو يأتي على ئلاثة أوجه.
اسم منصف، نقول: ما تركت له أولا ولا آخراً، أي: لا قديما ولا
حديثا، وهذا هو الذي يقع في حق الله سبحانه.
والثاني: صفة، وهذا يلزمه من أو الإضافة أو الألف واللام، لأنه من
باب أفْعَلَ مِن، ولهذا قيل: لا يقال: "الله" هو أول الأشياء، ولا أول كل شيء، لأنها لا توافقه ولا هو مثلها، وأفعل يضاف إلى ما هو بعض منه، وقد
تحذف منه من وهي مرادة.(2/1183)
والثالث: يأتي ظرفاً فيبنى على الضم كسائر الظروف، ووزنه أفعل.
بدليل أولَى، وفاء فعله وعينه من جنس واحد، وليس له نظير، وبابَك وكَوكَب
جاء مع الحائل، وقول من قال هو أفعل أو فوعل من آل يؤول، غير مرضي
عند المحققين.
قوله: (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) .
"مَا" مبتدأ، "لكم" خبره، "لَا تُؤْمِنُونَ" حال، أي: تاركين
الإيمان، - " والرسول" مبتدأ، "يدعوكم " خبره، والجملة حال، أي: مدعوين إلى الإيمان.
"وقد أخذ ميثاقكم "، الضمير يعود إلى ربكم، والجملة واقعة
موقع الحال منه سبحانه، ومن أضمر فلكراهة الالتباس ققدم الاسمين.
قوله: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) .
أي شيء لكم في ترك الإنفاق.
الغريب: لا زائدة والمعنى ما منعكم من الانفاق في سبيل الله.
قوله: (وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)
مفعول "وَعَدَ"، والحسنى المفعولل
الثاني. وفي مصحف الشام وكلٌ - بالرفع - وهو مبتدأ خبره وعد الله أي وعده، والهاء محتاج إليه ليكون مفعولا لوعد، وليكون عائداً إلى المبتدأ وحذف من ضرورات الشعر عند سيبويه.
العجيب: "كلٌ" رفع بالخبر، والمبتدأ مقدر، أي أولئك كل وعد الله
صفة له، وهذا ممتنع، لأن كلًا معرفة فلا يوصف بالجمل.
قوله: (قَرْضًا حَسَنًا) .
مفعول به، وقيل: نصب على المصدر كقولك: أعطيته عطاء، واستعار
لفظ القرض التزاماً للجزاء.
قوله: (يَسْعَى نُورُهُمْ) .(2/1184)
حال من المؤمنين والمؤمنات لأن ترى من رؤية العين.
قوله: (وَبِأَيْمَانِهِمْ)
أي النور الذي يسعى بين أيديهم وَبِأَيْمَانِهِمْ.
ابن مسعود، فمنهم من نوره مثل الجبل، ومنهم من نوره مثل الحبة، وأدناهم نوراً مَن نوره في إبهامه يتقدم مرة ويُطْفَأُ أخرى.
وقيل: "الباء" بمعنى "في"، أي: وفي أيمانهم نورهم. وقيل: بمعنى
عن أي: عن أيمانهم نورهم، والمراد عن أيمانهم وعن شمائلهم، فاقتصر.
الغريب: وَبِأَيْمَانِهِمْ نورهم، أي: بسب صدقاتهم التي أعطوها بأيمانهم
نورهم.
قوله: (بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) .
البشرى، المبشر به، فهو مبتدأ، "جَنَّاتٌ" خبره وقيل: البشرى مصدر
والمضاف محذوف أي: بُشْرَاكُمُ دخول جنات، وخالدين حال.
قوله: (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) .
أي نأخذ منه شعلة.
الغريب: نمشي فيه معكم.
قوله: (ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ) أي إلى الموضع الذي أخذنا منه النور.
وقيل: هذا استهزاء بهم.
الغريب: ابن بحر: هو كناية تقول لمن تمنعه: وراءك أوسع لك.
ومن الغريب: وراءكم ها هنا ليس بظرف، لأن لفظ ارجعوا ينبىء عن
الوراء، وإنما هو اسم من الأسماء التي سميت الأفعال بها والمعنى: ارجعوا
فكأنه قال ارجعوا ارجعوا.
قوله: (بِسُورٍ)
الباء زائدة وقيل: ضرب بمعنى حيل، والباء متصل به،(2/1185)
والسور الأعراف، وقيل: حائط بين الجنة والنار سوى الأعراف.
العجيب: روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص: "أنه سور المسجد
الشرقي، يعني بيت المقدس باطنه فيه الرحمة وهو المسجد، وظاهره من قبله
العذاب يعني وادي جهنم ".
قوله: (وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) .
الْغَرُورُ: الشيطان، وقيل: الدنيا.
العجيب: بالله، قسم ها هنا.
قوله: (هِيَ مَوْلَاكُمْ) .
أي - تليكم، وهذا مجاز، والمعنى القائم بأمركم، والمتضمن لجزائكم.
وما في التفاسير من قولهم هي أولى بكم فشيء معنوي لا لفظي لأن مفعلاً لا
يأتى للتفضيل.
قوله: (أَلَمْ يَأْنِ) .
من أنى يأني، وقرىء في الغريب: يئن من آنَ يَئين.
(أن تخشع) فاعل، أي خشوعُ قلوبهم لذكر الله.
(وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) وتنزيله الحق.
وقيل: هو القرآن، ومن خفف، فهو القرآن لا غير، ولا يحمل على المصدر.
قوله: (وَلَا يَكُونُوا)
نصب بالعطف على "أَنْ تَخْشَعَ" ويجوز أن يكون جزماً بالنهي اعتباراً بقراءة رويس "ولا تكونوا" بالتاء.
قوله: (يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) .
أي: بالمطر.(2/1186)
الغريب: أرادَ بالأرض، القلوب، وموتها: قساوتها، فيكون أشد اتصالًا
بما قبله. وقيل: تقديره: كما أحي الأرض بالمطر، يعني الكافر بالإيمان.
قوله: (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ) .
أي المتصدقين، فيمن شدد، والذين صَدَقوا، فيمن خفف -
قوله: (وَأَقْرَضُوا)
محمول على أن التقدير تصدقوا وأقرضوا.
الغريب: وأقرضوا الله قرضاً حسناً، اعتراضا يضاعف لهم الخير.
العجيب: (الواو) في " والمصدقات" بمعنى "مع"، فناب عن
خبر "إن" وهذا بعيد. وقيل: لا يحسن عطف (وَأَقْرَضُوا) على الذين
تصدقوا لمكان الحائل، وهو المصدقات، وهذا أيضاً بعيد، لأن التقدير إن
الذين تصدقوا واللاتي تصدقن.
وقوله: (وَأَقْرَضُوا) يعود إلى القبيلين، وغلب التذكير، ولهذا قال عقيبه
(يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) .
قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19) اعْلَمُوا.
" الذين آمنوا " مبتدأ، "أولئك هم الصديقون" خبره "وَالشُّهَدَاءُ"
عطف، أي هم الصديقون وهم الشُّهَدَاءُ، و "لهم أجرهم" يعود إلى الذين
آمنوا) وقيل: (وَالشُّهَدَاءُ) عطف على "والذين آمنوا" فيكون "لهم أجرهم" يعود إلى الفريقين. وقيل: "وَالشُّهَدَاءُ" مبتدأ، "وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ"
الخبر، والضمير عائد على الشُّهَدَاءُ.
قوله: (أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ) .
أي متاع الحياة، وقيل، لذة الحياة الدنيا، وقيل: نعيم الحياة الدنيا
مقسمة إلى هذه الأشياء.(2/1187)
الغريب: الحسن: أهل الحياة الدنيا أهل لعب، والدنيا صفة للعب:.
الغريب: الثعلبي: لعب كلعب الصبيان، ولهو كلهو الشباب، وزينة
كزينة النسوان، وتفاخر كتفاخر الأخوان، وتكاثر كتكاثر السلطان.
وقوله: (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ)
أي الزراع، وقيل: الكفار المشركون، وإعجابهم بالدنيا أكثر، ولأنهم لا يعرفون موجبه، والمؤمن يعرف.
قوله: (وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ) .
قال الفراء: الواو فيه وأو بمنزلة واحدة، أي إما عذاب شديد وإما
مغفرة من الله ورضوان.
قوله: (مَتَاعُ الْغُرُورِ)
سريع الانقضاء سريع الفناء.
ابن عباس: كل ما يفنى فهو غرور.
العجيب: ابن بحر، الغرور جمع غرِّ الثوب، وهو طَيُّه، أي متاع
ينقضي وينطوي سريعاً.
قوله: (وجنَّةٍ عَرضُها) .
سبق في آل عمران، ولفظ أعدت دليل على أنها اليوم مخلوقة، فإن
الإعداد وضع الشيء للحاجة إليه للمستأنف.
وقوله: (فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ) .
الأول: متصل بـ "أصاب " وقيل: بمصيبة، وليس فيه ضمير لمصيبة.
ومحلها جر أو رفع وفي الظرف ضمير يعود إليها، و "فِي أَنْفُسِكُمْ" عطف عليه، ولا زائدة.
وقوله: (فِي كِتَابٍ) ، الأخفش: إلا هو في كتاب، وقيل: حال(2/1188)
ويكون ذو الحال "إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ" وتقديره: إلا مكتوبا تيسير ذلك على الله.
من قبل أن نبرأها، وقوله (نبرأها) أي المصيبة، وقيل: الأرض، وقيل:
الأنفس.
قوله: (لكيلا) .
أي كتب لكيلا، وقيل: عرفكم ذلك لكيلا.
قوله: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) .
عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنزلَ الله بركات من السماء الحديدَ والنار والماءَ والملحَ "
وعن ابن عباس - رضي الله عنه -. "نزلت مع آدم ثلاثة أشياء، الحجر الأسود - وكان أشد بياضاً من الثلج -، وعصا موسى - وكان
من آس الجنة طولها عشرة أذرع -، والحديد".
وجمهور المفسرين على أن آدم هبط بالعلاوة والمطرقة والكلبتين.
الغريب: أنزل الماء فانعقد به جوهر الحديد، وقيل: أنزل بمعنى
خلق.
العجيب: أنزل بمعنى هيأ، من نُزُلِ الضيف.
قوله: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ)
قيل: هو عطف على قوله: (لِيَقُومَ النَّاسُ)
وقيل: متصل بقوله (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ ليعلم من يقاتل في سبيله) .
الغريب: أي وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب، فعل ما فعل.
قوله: (وَرُسُلَهُ)
عطف على الهاء، وقيل: عطف على مَن.
قوله (بالغيب)
إن جعلته متصلاً بـ "لِيَعْلَمَ" فنصب ورسله من وجهين على ما سبق.
وإن جعلته متصلاً بقوله "ينصره" ورسله عطفاً على الهاء لا غير إذ لم(2/1189)
يجز أن يحال بين الموصول وصلته بأجنبي.
(فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ)
أي الكتب، وهو للجنس.
الغريب: ابن عباس: الخط بالقلم.
قوله: (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) .
مودة وشفقة، أي خلاف اليهود.
العجيب: أمر النصارى بالصفح عن أذى الناس، وقيل لهم: من لطم
خدك الأيمن فوله خدك الأيسر، ومن سلب رداءك فأعطه قميصك.
قوله: (إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ)
الزجاج: مفعول به، وهو بدل من الضمير في كتبناها. أي ما كتبنا إلا ابتغاء مرضاتِ الله، فهو مفعول له.
قوله: (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ) .
قيل: "لا" الأولى زائدة، والمعنى ليعلم، وقيل: الثانية زائدة، وأن هي
المخففة من المثقلة، واسمه مقدر، فلما خفف زيد بعده "لا" لأنه لا يلي الفعل، والدليل عليه قوله (وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ) ، لأنه عطف عليه.
وقيل: هما في مواضعهما والضمير في "يَقْدِرُونَ" يعود إلى المؤمنين منهم وسائر
المؤمنين، ويكون قوله "وَأَنَّ الْفَضْلَ" في تقدير: ولأن الفضل بعيد الله.(2/1190)
سورة المجادلة
قوله تعالى: (تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) .
أي في أمر زوجها. والأصح أنها خولة بنت ثعلبة، وزوجها أوس بن
الصامت. وذلك أنه ظاهر منها فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي أوس بن الصامت تزوجني وأنا شابة غنية ذات مال وأهل، حتى إذا أكل مالي وأفنى شبابي ونقضت له بطني وتفرق أهلي وكبرت سني، ظاهر مني، فقال - عليه السلام -: حرمت عليه، فقالت: أشكو إلى الله فقري وفاقتى وضعفي ووحدتي وصبية صغاراً إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، فقال: - عليه الصلاة والسلام -: ما أراك إلا حرمت عليه " فجعلت تقول: اللهم أشكو إليك، فأنزل الله (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ) .
قوله: (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ) .
قيل: هو فعل مشتق من اسم، كما تقول: رأسْته وبَطَنته، كذلك
ظاهر، أي قال: أنت عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي، قيل: هو من الظهر الذي يذكر
والمراد منه المذكور، أي ركوبك علي حرام كعلو أُمِّي، وعلى هذين
الوجهين يدخل فيه البطن والفرج وغيرهما.(2/1191)
وقوله: (ثم يعودونَ لِما قالوا) .
أجراه بعضهم على ظاهر القول، أي يقوله مرتين: أنت عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي. أنت عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
وأجراه بعضهم على ظاهر القول من وجه آخر، وهو أنهم كانوا يقولون في الجاهلية إذا أرادوا الطلاق للمرأة: أنت عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي، فإذا عاد في الإسلام إلى مثل ذلك القول لزمه الكفارة.
وحمله الجمهور على معنى القول قالوا: وتقديره يعودون لنقض القول.
وقيل: يرجعون عما قالوا. وقيل: يعودون إلى ما قالوا وفيما قالوا من
التحريم.
الأخفش: تقدير الآية: الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون
فتحرير رقبة لما قالوا.
الغريب: أبو علي: ما قالوا مصدر وقع موقع المفعول، أي يعودون
في المقول فيه.
العجيب: ابن بحر: الظهار يمين تلزمه الكفارة بالحنث، والكفارة
تجب على القول الأول بمجرد التكرار، وعلى القول الثاني بنفس الظهار
وعلى القول الثالث عند بعضهم بالعزم على الوطء، وعند بعضهم
بالإمساك، وعند بعضهم بالوطء..
قوله: (أَنْ يَتَمَاسَّا) أي يتجامعا.
الغريب: عنى به كل أنواع المسيس.
قوله: (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) .
عند الجمهور مقيد بقوله (أَنْ يَتَمَاسَّا) كالأول والثاني.
الغريب: ذهَبَ جماعة إلى جواز الإطعام بعد المسيس، لأنه في الآية
مطلق غير مقيد، كالأول والثاني، فإنهما مقيدان.(2/1192)
وقوله: (يُحَادُّونَ) .
مشتق من الحد، أي يكون في حد غير حده، وكذلك يعادون
ويشاقُّون، أي يكون في عدوه، وسبق.
العجيب: ابن بحر، هو يفاعلون من الحديد، أي يقاتلون.
قوله: (وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)
صاحب النظم: أي في المحادين، ليكون بيهما اتصال.
قوله: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ) .
أي ما يقع من مناجاة ثلاثة فهو مصدر على وزن فَعْلَى مضاف إلى
ثلاثة، وهم الفاعلون.
الغريب: النجوى جمع كقوله: (وإذ هم نَجْوَى) وثلاثة بدل
منهم.
العجيب: ابن سماعة: لا يكون النجوى إلا من ثلاثة فما فوقهم.
قوله: (رابعهم) و (سادسهم) في الآية اسم الفاعل، وكذلك
في الكهف، فإذا قلت: رابع أربعة وسادس ستة، فاسمان، أي واحد من
أربع، وواحد من ستة.
قوله: (ولا أدنى من ذلك)
يجوز أن يكون في محل جر عطفاً على ثلاثة وخمسة لكنه لا ينصرف، ويجوز أن يكون فتحاً كقوله: (لَا رَيْبَ) ، ويجوز أن يكون رفعاً كقوله: (لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ) وكذلك (وَلَا أَكْثَرَ) ، وقراءة يعقوب (وَلَا أَكْثَرُ) .(2/1193)
قوله: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ) .
أى النجوى بالإثم.
العجيب: هي أحلام النوم، يراها الإنسان فيحزن لها.
قوله: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)
فإن النبي - عليه السلام - قال: " عبادةُ العالم يوماً تعدل عبادةَ العابدِ
أربعين سنةً".
والدرجات في الدنيا بالمرتبة والشرف والقرب من النبي - عليه السلام - وقيل: في الجنة، وعن ابن مسعود: أيها الناس افهموا هذه
الآية لترغبكم في العلم.
قوله: (فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً) .
نزلت حين أكثروا المسائل على النبي - عليه السلام -، شق ذلك
عليه، فأمروا بالصدقة عند المناجاة، ثم نسخ بالآية الثانية.
وعن علي - رضي الله عنه -: " إن في القرآن لَآية ما عمل بها أحد قبلي، ولا يعمل بها أحد بعدي، إذا ناجيت الرسول تصدقت بدرهم حتى نَفِد، فنسخت بالآية الثانية.
وعن علي - رضي الله عنه - أيضاً، قال: " لما نزلت هذه
الآية دعاني رسول الله - صلى اللُه عليه وسلم - فقال لي: ما ترى، قلت لا يطيقونه، قال: كم، قلت حبة أو شعيرة، قال بلى: إنك لزهيد. فنزلت
الآية الثانية.(2/1194)
قوله: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) .
أي قضى وحكم وأوجب ذلك، وقيل: كتب في اللوح المحفوظ.
وقيل: كتب وحلف لَأَغْلِبَنَّ، وقيل: من "كَتَبَ" معنى القَسَم، ولهذا وقع
بعده اللام، ونون التأكيد.
قوله: (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ) .
"فِي قُلُوبِهِمُ" صلةُ الإيمان، وهذا بعيد، وقيل: حكم لقلوبهم، أي
لأصحابها الإيمان.
الغريب: جعل في قلوبهم علامة الإيمان، بخلاف طغ على قلولهم.
قوله: (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) أي في الدنيا (وَرَضُوا عَنْهُ) بما قضى
عليهم فيها من غير كراهة. وقيل: رضوا عنه في الآخرة بالجنة والنعيم.(2/1195)
سورة الحشر
قوله تعالى: (لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) .
أي ليكونوا أول الحشر، فاللام للعلة، وقيل: هي بمعنى في.
وأرض المحشر: الشام.
ابن عباس: من شك فيه فليقرأ هذه الآية.
وعن النبي - عليه السلام - أنه قال: لليهود لما خرجوا: " امضوا فإنكم أول الحشر ونحن على الأثر ".
الغريب: قتادة: إذا كان آخر الزمان جاءت نار من قبل المشرق
فحشرت الناس إلى أرض الشام، وفيها تقوم عليهم القيامة.
قوله: (يُخْرِبُونَ)
قال أبو عمرو: التخريب، الهدم، والإخراب التعطيل وعند غيره هما بمعنى واحد.
وقوله: (مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ) .
قيل: الجملة خبر "إن"، وقيل: مانعتهم خبر "إن" و "حصونهم" يرتفع بما فيه من معنى الفعل، كما تقول: زيد قائمةٌ جاريتُه، وعمرو نائمةٌ أختُه.
قوله: (الْجَلَاءَ) .
هو الإخراج من الوطن مع الأهل والولد.(2/1197)
الغريب: "الْجَلَاءَ" الهلاك.
قوله: (لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا)
جواب لولا وتم الكلام ثم استأنف فقال:
(وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) .
قوله: (لِينَةٍ) .
قيل: هي كرام النخل، وأصله من الواو وجمعها ألوان وقيل: أصلها
من لان يلين وجمعها أليان.
قوله: (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)
أي: وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ بذلهم.
قوله: (للفقراءِ) .
بدل من المساكين، وكان مجرورا بالعطف على اللام، والعامل في
البدل غير العامل في المبدل، فأعاد اللام.
قوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ) .
قيل: المهاجرين، ذهب جماعة إلى أن الأنصار آمنوا قبل
المهاجرين استدلالاً بالآية.
الغريب، فيه تقديم، أي: تَبَوَّءُوا الدَّارَ من قبلهم وقبلوا الْإِيمَانَ من
بعدهم.
(وَالْإِيمَانَ) نصب بقبلوا.
الغريب: أراد دار الإيمان، فحذف المضاف.
العجيب: النقاش، الإيمان اسم المدينة، سماها النبي - عليه السلام - به.
قوله: (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)
أي يحب الأنصار المهاجرين، (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً)
أي حسداً مما أعطوا من الفضل والتقديم عليهم، وقيل: ضيقاً مما ينفقون عليهم.(2/1198)
الغريب: مساس حاجة من فقد ما أوتوا.
قوله: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ) وقوله (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)
مبتدأ وما بعدها خبرهما.
قال عمر - رضي الله عنه -: " استوعبت هذه الآية الناس، ولم يبق أحد من المسلمين إلا وله في الفيء حق إلا بعض ما يملكون، وإن عشت ليأتين كل مسلم حظه "، فعلى هذا محلها جر بالعطف على الفقراء.
قوله: (لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ) .
"اللام" الأولى لام توطئة القسم، والثاني: جواب القسم، وصار
الحكم للقسم، وفاء جواب الشرط مضمر مع واو القسم، والتقدير فوالله
لنخرجن محكم، وقد تحذف لام الوطة اكتفاء بدلالة جواب القسم عليه.
كقوله: (وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ) ومثله (وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ) .
قوله: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ) .
أي من رهبتِه، أي أوقع الله الرعب في قلوبهم.
قوله: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا) .
أي مجتمعين، نصب على الحال.
قوله: (كَمَثَلِ الَّذِينَ) .
متصل بما قبله، أي لئن نصروهم ليولن الأدبار "كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ".(2/1199)
(قريباً)
يعني يوم بدر، وقيل اليهود "كَمَثَلِ الَّذِينَ" ومثلهم أيضاً
"كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ"
أبي جهل، "اكفرا، وهو ما قاله يوم بدر:
"لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ) الآية.
والجمهور على أن الإنسان في الآية رجل يقال
له برصيصا، خدعه الشيطان فأهلكه.
قوله: (فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا) .
أي عاقبة الشيطان والإنسان "أَنَّهُمَا فِي النَّارِ"
"أن" ما مع ما بعده اسم كان، "عَاقِبَتَهُمَا" الخبر، وذلك أن الخلود في النار جزاء الظالمين.
قوله: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) .
وحد بعد الجمع، أي اتقوا الله مجتمعين وفرادى.
قوله: (عَلَى جَبَلٍ) .
أي مع غلظته وشدته.
الغريب: قيل: "الجبل " الأمم الخالية، من قوله (وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (184)
العجيب: هذا امتنان على النبي - عليه السلام -، أي لو أنزلنا القرآن
على جبل لتصدع ولم يثيبت لنزوله، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له.
قوله: (الْقُدُّوسُ) ، الطاهر.
العجيب: هو في الكتب المتقدمة "قديشاً"، وكذلك "الْمُؤْمِنُ"
من أسماء الله في الكتب المتقدمة، وقيل: أصله "المايمن".
ومن العجيب: بفتح الميم، أي الْمُؤْمَنُ به، فحذف به، قال الشيخ
الإمام ويحتمل المصدر، أي ذو الإيمان.(2/1200)
ومن العجيب أيضاً: المصور - بفتح الواو - والصحيح بفتح الواو
ونصب الراء، أي الباريء المصور، كقولك: الضارب الرجلَ - بنصب
اللام -.
قوله: (يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ) .
ختم السورة بما فتحها - والله أعلم.(2/1201)
سورة الممتحنة
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا) .
اللفظ عام، والمراد به حاطب بن أبي بلتعة كتت، كتاباً إلى أهل
مكة يخبرهم بمسير النبي - عليه السلام - إليهم، تقرباً إليهم، ليكفوا عن
عيالهِ بها. والمعنى لا توالوهم.
وقوله: (تلقون إليهم)
صفة أولياء، وقيل: حال من المخاطبين.
الغريب: استفهام إنكاري، أي - أتلقون إليهم بالمودة.
العجيب: أنتم تلقون إليهم.
قوله: (وقد كفروا)
حال من الضمير في الضمير في " إليهم "
"يخرجون الرسول" حال من الضمير في "كفروا".
قوله: (وإياكم) عطف على الرسول.
قوله: (أن تؤمنوا) مفعول له، أي لأن تؤمنوا.
قوله: (إن كنتم خرجتم)
شرط، جوابه: "لا تتخذوا" أي، فلا تتخذوا.
قوله: (جهاداً) ، (وابتغاء) مفعول لهما.
وقيل: نصب على الحال.(2/1203)
قوله: (تسرون إليهم) بدل (تلقون) صفة وحالا واستفهاماً وخبرا.
قوله: (بالمودة) أي المودة، و "الباء" زائدة وقيل: هما لغتان.
وقيل: بالكتاب إليهم.
الغريب: بسبب أن تودوا. وقيل: بسبب المودة التي بينكم.
قوله: (وأنا أعلم بما أخفيتم)
هو أفعل للتفضيل.
العجيب: أعلم مستقبل و "الباء" زائدة، أي أنا أعلم ما أخفيتم وما
أعلنتم.
قوله: (وودوا) واقع موقع "يودوا" وجاز للشرط.
الغريب: هو عطف على ما قبله، أي وقد كفروا وودوا لو تكفرون، يوم
القيامة نصب بـ (لَنْ تَنْفَعَكُمْ) "بَيْنَكُمْ" مفعول به، وقيل: ظرف، ومن قرأ
(يُفْصِلُ) - بالضم -. فمحله رفع، ومثله (ومنا دون ذلك) ، والقياس
الرفع.
قوله: (إِنَّا بُرَآءُ) .
جمع بريء كفقهاء، وفي الشواذ براء - بالكسر - ككرام، وقريء
أيضاً بَراء - على الواحد -، أي كل واحد براء، كقوله: (إنني
براء) ، ويجوز أن يجعل مصدراً فلا يجمع.
قوله: (رَبَّنَا عَلَيْكَ) ، أي قولوا.
العجيب: هو من تمام كلام إبراهيم.(2/1204)
العجيب. هو خطاب لحاطب، أي لو قلت هذا لم تحتج إلى ما فعلت.
قوله: (أن تبروهم) و (أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) ، كل واحد بدل من قوله: " عن الذين) قبله.
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)
ذكر الفعل لما كثر الحائل.
قوله: (لمَنْ كان) بدل من "لكم".
قوله: (جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ) .
سماهن مؤمنات لقصدهن وهجرتهن، ثم قال (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
لأنه في القلب، ثم قال (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ)
يظهر منهن بالامتحان.
قوله: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) أي لا تبقوا نكاح الكافرات، بل
طلقوهن، فطلق عمر امرأتين له، وطلق طلحة امرأة له.
العجيب: أي لا خطر عليكم في نكاح المهاجرة بعصمة زوجها. وفيه
بعد، لأن الكوافر جمع كافرة لا كافر ولا تحمل على النادر.
قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ) .
جاء في التفاسير، أن هند بنت عتبة، امراة أبي سفيان، كانت
في جملتهن، فلما قال - عليه السلام -: أبايعهن على أن لا يشركن بالله
شيثاً، قالت: إنك لتأخذ عليا أمراً ما رأيناك أخذته على الرجال، فقال:
ولا يسرقن، فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، وإني أصبت من ماله
هنات، فلا أدري أيحل لي أم لا) : فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء
فيما مضى أو بقي فهو لك حلال، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعرفها، فقال(2/1205)
لها: إنك بنت عتبة، فقالت: اعف عما سلف عفا الله عنك، فقال: "وَلَا يَزْنِينَ" فقالت: أَوَ تزني الحرة، فقال: "وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ"، فقالت:
ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً فأنتم وهم أعلم، أرادت ابنها حنظلة قتل يوم بدر، فضحك عمر حتى استلقى، وتبسم النبي - عليه السلام - فقال: "وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ"، فقالت: والله إن البهتان لقبيح وما تأمر إلا بالأرشد ومكارم الأخلاق.
الغريب: روي أنها قالت: أما ولي ضرة فلا أدع البهت، فقال: ولا
يعصينك في معروف، فقالت: ما جلسنا هذا المجلس وفي أنفسنا أن
نعصيك في شيء. فأقرت النسوة بما أخذ عليهن.
وقوله: (بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ)
قيل: هو الولد
من الزنا، و "يَفْتَرِينَهُ" صفة لبهتان، وقيل: حال منهن.
الغريب: كنى بما بين أيديهن عن البطن، وبما بين أرجلهن عن
الفرج.
قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) .
عاد إلى أول السورة، وخاطب حاطب وفتحها به.
قوله: (مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ" يجوز أن يكون متعلقاً بقوله "كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ " أي من رجوع أَصْحَابِ الْقُبُورِ، وقيل: حال من الكفار، ومن الآخرة فقدر - والله أعلم -.(2/1206)
سورة الصف
قوله تعالى: (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) .
ظاهر الآية إنكار لمن قال ما لا يفعل، والمراد به الانكار لمن لم يفعل
ما قال، لأن المقصرد بها الاتزام دون الإسفاط.
قوله: (كَبُرَ مَقْتًا) .
نفديره، كبر المقت مقتا عند الله.
وقوله: (أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ)
هو المقصود بالذم، فصار كقولك: بئس رجلا زيد، وقيل:
تقديره: أن تقولوا ما لا تفعلون كبر مقتا أي كبر ذلك مقتا، وقيل: هو أن
تقولوا.
قوله: (صَفًّا) .
أي مصطفين حال."كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ" حال بعد حال، أي
مصطفين مشبهين بنيانا مرصوصاً.
قوله: (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .
يعني محمداً - عليه السلام -، وقال - عليه السلام - " أنا دعوة
إبراهيم وبشرى عيسى ".
أراد بدعوة إبراهيم قوله ": "رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا".(2/1207)
وبشرى عيسى، الآية. قال القفال وغيره من المفسرين
اسمه في الإنجيل فار قليطا، أي ليس بمذموم، وذلك عند محمد بن هيضم
في تفسيره: اسمه في الإنجيل فارقليطا وفي التوراة بمادماد، وزعموا أن
المراد به ما يوافق من الأسماء هذه العدة من حساب الجمل فالميمان في
مقابلة الميمين من محمد، وإحدى الدالين في مقابلة الدال من محمد.
وبقي ألفان وما ودال ومجموعها ثمانية، والحاء في محمد ثانية، وعن كعب
قال الحواريون لعيسى: يا روح الله هل بعدنا من أمة، قال نعم، أمة محمد
حلماء علماء أبرار أتقياء كأنَّهُمْ من الفقه أنبياء يرضون من الله باليسير من
الرزق، ويرضى الله عنهم باليسير من العمل - والله أعلم -.
قوله: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ) .
قيل: الفعل محمول على المصدر، أي إرادتهم لإطفاء نور الله.
وقيل: اللام زائدة وأنْ بعده مقدر، أي يريدون إطفاء.
الغريب: اللام بمعنى أن والصحيح أن المفعول محذوف، والتقدير
يريدون الكذب ليطفئوا نور الله، والمعنى: يريدون إبطال نور الله، وهو
القران والنبي بكلامهم وكذبهم بلسانهم. -
قوله: (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ) .
أي طاعة الله، ثم فسر فقال (تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ"
بمعنى جاهدوا، وقول الفراء: إنه محمول على هل أَدُلُّكُمْ يغفر لكم.
بعيد.
"وأخرى" أي ولكم خصلة أخرى "تحبونها" صفة لأخرى، ثم
فسرها فقال: (نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ "
وقيل: أخرى في محل جر، أي وتجارة أخرى.
(أَنْصَارُ اللَّهِ) ، في المصحف بالف واحدة، فمنهم من جعلها(2/1208)
من الكلمة الأولى فنون، ومنهم من جعلها من الثانية فأضاف، وهذا أظهر
لقوله: (نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ) .
قوله: (فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (14)
أي صاروا، وكذلك أصبحوا وأمسوا
الغريب: ابن عباس - رضي الله عنه - قاتلوا ليلا فأصبحوا ظاهرين
غالبين.(2/1209)
سورة الجمعة
قوله تعالي: (رَسُولًا مِنْهُمْ)
أي من الأميين، فإن الجنس إلى الجنس أمْيَل.
قوله: (وآخرين) .
عطف على الأميين.
الغريب: عطف على قوله: (ويعلمهم) أي ويعلم آخرين.
الغريب: زعم بعضهم: أن "منهم" هو الذي يصحب أفعل التفضيل.
وهذا سهو من وجهين:
أحدهما: أن "أفعل مِن" لا يثنى ولا يجمع مع من، والثاني لا يستعمل مِن مع آخَر، ولا مع أول، ومنهم في الآية صفة لقوله: "آخرين" وبيان.
قوله: (أَسْفَارًا) .
جمع سِفْر، وهو الكتاب يكشف عن المعنى كما تسفر المرأة وجهها.
الغريب: المبرد: جمع لا واحد له.
العجيب: نبَطي، وهو قول الضحاك.
قوله: (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ) .
أي مثل الذين، فحذف المضاف، والذين محله رفع، وقيل: الذين
جر، فالمذموم محذوف، أي مثلهم، قاله أبو علي.(2/1211)
قوله: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) .
لما وصف الموت بالموصول جاز دخول الفاء في الخبر لأن الصفة
والموصوف شيء واحد.
الغريب: الأخفش: الفاء زائدة.
العجيب: "الَّذِي تَفِرُّونَ" خبر "إِنَّ" و "الفاء" لعطف جملة على
جملة.
ومن العجيب: صاحب النظم: هو جواب لقوله: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ)
(فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) .
قوله: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) .
أي امثوا على القدم، وقيل: اقصدوا، وقيل: امضوا غير متثاقلين.
الغريب: السعي: قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار والغسل
والتطيب ولبس أفضل الثياب.
العجيب: كان عمر وابن مسعود يقرآن "فامضوا"، وقال عبد الله: لو
كان فاسعوا لغدوت واشتددت حتى يسقط ردائي. وقرأ رجل عند عمر - رضي الله عنه - "فاسعوا" فقال من أقرأك هذا قال أبى قال كان أبي أقرأنا للمنسوخ.
قوله: (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)
قيل: "مِنْ" بمعنى في، وقيل: زائدة.
وقيل: على أصله للتبعيض.
قوله: (وَذَرُوا الْبَيْعَ) أي البيع والشراء، وقيل: البائع والمشتري يقع
عليها البيعان.
قوله: (فَانْتَشِرُوا) .
كل أمر وقع بعد حظر فهو للإباحة.(2/1212)
قوله: (فِي الْأَرْضِ)
عام، وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " وليس لطلب دنيا لكن
لعيادة وحضور جنازة وزيارة أخ في الله".
الغريب: الحسن وسعيد "مِنْ فَضْلِ اللَّهِ" هو طلب العلم.
العجيب: في الأرض أرض المسجد، وقيل: واسعوا من فضل الله يوم
السبت.
ومن العجيب: حرم بعضهم المكاسب يوم الجمعة، وأوّلوا قوله:
(فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) على إباحة السفر أو الغدو بعد الصلاة لا غير.
قوله: (تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا) .
أي إلى التجارة لما كانوا فيه من الجهد، وقيل: أجرى التثنية مجرى
الجمع، وقيل: إلى اللهو مرة وإلى التجارة أخرى، وقيل: الشبان إلى اللهو
والشيوخ إلى التجارة.
الغريب: إذ رأوا تجارة انفضوا إليها ولهوا انفضوا - والله أعلم -.(2/1213)
سورة المنافقون
قوله تعالى: (إِذَا) .
محله نصب بالظرف، والعامل جاء لأنه شرط وليس بمضاف.
قوله: (سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
"مَا" موصول "كَانُوا يَعْمَلُونَ" صلته والهاء محذوف ومحله رفع
لـ "ساء"، والمقصود بالذم مقدَّر، أي عملهم.
الأخفش: "مَا" نكرة وما بعده صفة له، ومحله نصب.
العجيب: ابن كيسان: "مَا" مع الفعل في تأويل المصدر ولا حاجة إلى
"الهاء". أي ساء كون عملهم. وفيه بعد.
قوله: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ) .
جمع خشبة، كثمرة وثُمُرٍ، و"خُشْبٌ" مثل بَدَنة وبُدْن.
الغريب: اليزيدي: جمع خشباء، كقوله: (وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) .
قوله: (مُسَنَّدَةٌ) أي ممالة، وقيل: منصوبة.
الغريب: (مُسَنَّدَةٌ) طوال، تقول: رجل مسند، أي طويل.(2/1215)
قوله: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) ، كل صيحة المفعول الأول.
وعليهم المفعول الثاني، ثم ابتدأ فقال: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ) ، أي لا
تأمن بَغْتَتَهم.
قوله: (لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) .
أي لا تشغلكم عن الصلوات الخمس، وتقديره: لا تلهو بها عن ذكر
الله، فنسب الفعل إليها، والدليل عليه قوله: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) أي اشتغل
بشيء من ذلك عن ذكر الله.
قوله: (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي) .
أي هلا، والفاء في "فَأَصَّدَّقَ" جواب التمني، وقيل: جواب
الاستفهام، ومحل "فَأَصَّدَّقَ" جزم.
قوله: (وَأَكُنْ) جزم عطفاً على المحل، وأكون عطف على اللفظ.
وهو أولى وزيادة الواو ليس بخلاف، لأن حروف المد قد تحذف كثيراً، وهي
مرادة، وتزاد في مواضع لا حاجة إليها.(2/1216)
سورة التغابن
قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) .
أي خلقكم كفارا ومؤمنين، وقيل: خلقكم فمنكم كافر بأن الله خلقه.
ومنكم مؤمن بأن الله خلقه، والفاء تدل على المعنى الثاني.
الغريب: الحسن: أراد فمنكم كافر، ومنكم مؤمن، ومنكم فاسق.
ومنكم منافق فاقتصر على ذكر الكافر والمؤمن.
قوله: (فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) .
صورة الإنسان أحسن من صورة الحيوان ولم يشارك بني آدم في صورته
وشكله غيرهم، ومنه قوله - عليه السلام -: " إن الله خلق آدم على صورته، فأحسن صورته "، أي صورته التي عليها. ومن جعل الكناية عن الله
سبحانه فهو إضافة تعظيم، كبيت الله وناقة الله.
قوله: (فَذَاقُوا)
أي كفروا فذاقوا، وليس بعطف على الصلة.
قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ) .(2/1217)
أي ذلك بسبب أن الأمر والشأن، كانت تأتيهم أي كانت القصة تأتيهم.
وهذا أظهر فإن (رُسُلُهُمْ) رفع بقوله (تَأْتِيهِمْ) .
قوله: (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا) مبتدأ وخبر.
الغريب: رفع بفعل مضمر، أي أيهدي بشر، و ((أَبَشَرٌ) يقع على
الواحد والجمع، ولهذا لا يجوز ثلاثة بشر، كما جاز ثلاثة نفر، وتسعة رهط، لأنهما يقعان على ما دون العشرة، ولا يجوز ثلاثة قوم، لأنه يقع على ما فوق العشرة.
قوله: (زعَمَ) .
المؤرج: (زعَمَ) كذب بلغةِ حِمْيَر.
الغريب: شريح: زعم كناية عن الكذب.
قوله: (أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) هي المخففة، لأن المخففة تليها "لن"
قوله: (يَوْمُ التَّغَابُنِ) .
يغبن أهل الجنة أهل النار، ويغبن المظلوم الظالم.
الغريب: ابن عيسى: التغابن، التفاوت في أخذ الشيء بدون قيمته.
العجيب: ابن بحر: التغابن من الغبن، وهو الإخفاء، ومنه المغابن أي
اليوم أخفى الله.
قوله: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) .
أي لَحِقَ، والصواب: مشتق منه، لأنه لحوق المقصود.(2/1218)
قوله: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) أي يثبت قلبه ويزده هداية.
الغريب: هو من المقلوب، أي من يهد قلبه يؤمن بالله.
قوله: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .
قيل: هي ناسخة لقوله: (حَقَّ تُقَاتِهِ) .
الغريب: هي تفسير لها، لأن حق تقاته قدر الاستطاعة.
قوله: (وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ) ، قيل: صفة مصدر، أي إنفاقاً خيراً.
وقيل: حال من المصدر، أي الإنفاق خيراً، وقيل: نصب بفعل مضمر، أي
وقدموا خيراً.
الغريب: الكسائي: ليكون الإنفاق خيراً لأنفسكم.(2/1219)
سورة الطلاق
الغريب: سورة النساء القصرى.
قوله تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ) .
ذكر بلفظ الجمع تعظيماً له، وقيل: الخطاب للنبي - عليه السلام - والمراد به المؤمنون.
الغريب: يا أيها النبي قل للمؤمنين إذا طلقتم.
العجيب: يا أيها النبي والمؤمنون إذا طلقتم، فحذف لأن ما بعده يدل
عليه.
قوله: (لِعِدَّتِهِنَّ) اللام بمعى في، أي في وقت يقْدِرْنَ على أن
يعتددن، عقب الطلاق.
الغريب: اللام للتأريخ، كقولك: كتبت لثلاث خلون.
الغريب: المراد بالعدة عدد الطلاق.
قوله: (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ)
الجمهور على أنه استثناء من الجملة الأولى، أن لا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة، وهي الزنا وما يجب فيه الحد عليها.
ابن عباس: البذاء: قتادة: النشوز.(2/1221)
الغريب: الاستثناء منقطع، أي إلا أن يفحشن فيخرجن.
العجيب: لا يخرجن نفي.
قوله: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) .
أي على الرجعة، وقيل: على الطلاق، وهو ندب.
العجيب: قول من قال: إن لم يشهد فالطلاق غير واقع، وهذا خلاف
الإجماع.
قوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ)
في طلاق السنة، (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)
بالمراجعة، وقيل عام، أَي مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ فيما أمر به يجعل له مخرجاً عما نهاه
عنه، وعن النبي - عليه السلام - أنه قال: "إني لا أعرف آية لو أخذ الناس بها كفتهم، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا - يقولها ويعيدها - إ.
(قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) .
أي الطلاق والعدة، وقيل: عام.
قوله: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ) .
مبتدأ، والشرط جزاؤه الخبر، والمعنى: إن ارتبتم في عدتهن وقيل:
في حيضهن.
قوله: (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ)
أيضاً، مبتدأ وخبره مثل خبر الأول، حذف كما يحذف الخبر إذا كان مفرداً، نحو قولك: زيد قائم وعمرو، أي وعمرو
أيضاً قائم.
قوله: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ) مبتدأ، "أَجَلُهُنَّ" مبتدأ ثان، "أَنْ يَضَعْنَ " الخبر.
الغريب: "أَجَلُهُنَّ" بدل الاشتمال.(2/1222)
قوله: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)
أمر بالتقوى في أحكام الطلاق ثلاث مرات، ووعد في كل مرة نوعاً من الجزاء.
قوله: (ذِكْرًا) ، (رَسُولًا) .
منصوب بـ (أنزل" و "رَسُولًا" بالمصدر، أي ذكر رسول. قاله أبو
علي: وقيل: إذا ذكر ثم أبدل فقال "رسولاً يتلو"، وقيل: جبريل.
الغريب: تم الكلام على قوله: (ذِكْرًا) ، وقوله: (رَسُولًا) نصب
على الإغراء.
العجيب: تقديره: أنزل الله إليكم ذكراً آتاه رسولاً.
قوله: (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) .
قيل: في الحلق لا في العدد، وليس في القرآن ما يدل على أنها
سبع، وقيل: مِثْلَهُنَّ في العدد وهي سبع والمراد بها الأقاليم السبعة، والدعوة
شاملة جميعها، وقيل: سبع أرضين متصلة بعضها فوق بعض متصلة لا فرجة
بينها.
العجيب: بين كل واحدة منها إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام، وما
بين كل سماء وسماء، وفي كل أرض منها خلق حتى ذكر في كل أرض آدم
وحواء ونوح وإبراهيم، وهم يشاهدون السماء من جانب أرضهم ويستمدون الضياء منها، وأطنب النقاش في ذكرهم، ولم يوافقه على ذلك غيره من المفسرين، فأضربت عن ذكره.
قوله: (مِثْلَهُنَّ) نصب بالعطف على سبع سموات. أبو علي: قال: لا
يجوز ذلك، لأنه لا يحال بين الواو وبين المعمول، وقد حيل ها هنا بقوله
(وَمِنَ الْأَرْضِ) فهو منصوب بفعل آخر دل عليه خلق، أي وخلق من الأرض
مِثْلَهُنَّ.(2/1223)
قوله: (بَيْنَهُنَّ) أي بين السماء والأرض، وقيل: بين سماء وسماء.
وأرض وأرض.
(لِتَعْلَمُوا) متصل بخلق.
الغريب: متصل بقوله، (يَتَنَزَّلُ) .(2/1224)
سورة التحريم
قوله تعالى: (تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ) .
حال، أي متغياْ.
الغريب: استفهام، أي: أتبتغي.
العجيب: قول من قال: أي ابتغاء مرضاة، فهو مفعول له، وهذا بعيد.
لا يحتمل اللفظ.
قوله: (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ)
أي نبأت حفصة عائشة - رضي الله عنهما -
بما أسر إليها النبي - علَيه السلام - فحذف المفعول.
قوله: (وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) .
أي أظهر الله محمداً - عليه السلام - على الشيء. "عَرَّفَ بَعْضَهُ" أي
عرف النبي - عليه السلام - حفصة بعض ما قالت وأعرض عن بعض فلم
يخبرها كرما.
سفيان: ما زال التغافل من فعل الكريم.
الحسن: ما استقصى كريم قط.
ومن خفف "عَرَّفَ" فمعناه جازى على بعضه ولم يجاز على بعض
إحساناً منه.
قوله: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ) .(2/1225)
شرط جوابه مقدر، أي قبلت توبتكما، وقيل: فهو الواجب.
الغريب: "لا" مقدر أي أن لا تتوبا فقد صغت.
العجيب: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا إلى الحق، وجمع
قلوبكما في موضع التثنية، لأن الأعضاء الوتر إذا نسبت إلى إنسانين جمعت
في موضع التثنية، لأن الأصل في كل تثنية الجمع، فحيث التبس وضع
للتثنية صيغة على الانفراد، وحيث لم يلتبس نزل بحاله جمعاً.
قوله: (وَجِبْرِيلُ)
مبتدأ، وما بعده عطف عليه. "ظهير" خبر عنهم.
وجاز لأن فعيلاً يقع موقع الجمع.
الغريب: جبريل عطف على موضع اسم "إِنْ" أو على الضمير في
الخبر، وكذلك "صالح المؤمنين" و" الملائكة" مبتدأ، "ظهير" خبره.
العجيب: أصله صالحو فحذف الواو كما حذف، من وَدعْ
وسَنَدْعُ، وجاء في الخبر في قوله: (وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) : أبو بكر وعمر
- رضي الله عنهما -، أبوا عائشة وحفصة.
قوله: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ) .
هذه الآية واردة في الإخبار عن قدرة على تبديله خيراً منه لا عن الكون
في الوقت، لأنه قال: إن طلقكن، وعلم أنه لا يطلقهن وإذ لم يطلقهن فهن
خير نساء الأمة، و"عسى" من الله واجب، وقيل: واجب إلا في هذه الآية.
قوله: (وَأَبْكَارًا) ، ابن عباس: وعد الله نبيه أن يزوجه من الجنة آسية
امرأة فرعون وهي الثيب، ومريم بنت عمران وهي البكر، وتكون في الجنة
وليمة يجتمع عليه أهلها، وزيدت الواو في قوله: (وَأَبْكَارًا) لأنه لا
يمكن الجمع بين الثيب والبكارة، كما أمكن الجمع بين سائر الأوصاف.
ويحسن الوقف على ثيبات، والابتداء بقوله: (وَأَبْكَارًا) .(2/1226)
الغريب: هو على زعم بعضهم واو الثمانية، وقد سبق.
قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) .
خيثمة: كل ما في القرآن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ففي التوراة: " يا
أيها المساكين، (قُوا أَنْفُسَكُمْ) ، أي اجعلوا بينكم وبين النار وقاية من
الطاعة.
قوله: (وَأَهْلِيكُمْ) أي بتعليمهم الخير وأمرهم ونهيهم وأخذهم بما
ينجيهم.
الغريب: الضحاك: بمعنى "مع" فيكون مفعولاً معه، على قول الضحاك.
قوله: (والذينَ آمنوا معه) .
محله نصب بالعطف على النبي، ويجوز أن يكون رفعاً بالابتداء.
(نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) الجملة خبره.
قوله: (فخانتاهما) .
أي في الدين.
العجيب: قول من قال في الفرج، وقد أساءَ القول، فإن الله عصم
أنبياءه من ذلك.
قوله: (مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ) .
أي من كفره وتعذيبه إياي.
الغريب: وجزاء عمله، أي النار.
العجيب: حكي عن أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه قال "وَعَمَلِهِ" أي
مضاجعته.
قوله: (مَعَ الدَّاخِلِينَ) ، و "مِنَ الْقَانِتِينَ"، غلب الذكور على الإناث لاجتماعهما في الوصفين.(2/1227)
سورة الملك
الغريب: سورة المنجية، تنجي قارئها من عذاب القبر.
قوله تعالى: (خلق الموتَ والحياةَ) .
هما حالتان يتعاقان على الإنسان وغيره، والله خالق الذات
والحالات.
الغريب: أنكر قوم أن يكون الموت جنسا من المخلوقات، وتوقف فيه
بعضهم، وأثبته بعضهم عقلا، وهما حالتان كما سبق. وقيل: خلق الموت
على صورة كبش أملح لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء، ولا يطأ على
شيء إلا مات. وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - " يؤنى بالموت يوم القيامة على صورة كبش أملح، فيذبح ين الجنة والنار، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى لا تمر بشيء ولا يجد ريحها شيء ولا تطأ على شيء إلا حيي".
الغريب: خلق الموت والحيوان.
العجيب: خلقكم للموت والحياة، وقيل: الدنيا والآخرة، وبدأ
بالموت لكون التراب والنطفة بالوصف الأول.
قوله: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
أي لِيَبْلُوَكُمْ فيعلم أيكم أحسن عملاً، والعلم معلق الاستفهام، والمعنى: يعلم علم الوقوع.(2/1229)
الغريب: الفراء: "أي" وبين البلوى إضمار فعل، أي لِيَبْلُوَكُمْ
فينظر، وكذلك سلهم أيهم سلهم فانظر أيهم.
قوله: (سبعَ سمواتٍ طباقاً) .
هو جمع طبق، كجبل وجبال، وقيل: جمع طبقة كرحبَة ورحاب.
وقيل: مصدر طابق. ونصبه من وجهين: أحدهما: ذات طباق، فحذف
المضاف ونصب صفة لسبع، وقيل: مطبقة طباقاً، فهو نصب على
المصدر، وعلى هذا يجوز مطبقة بالجر، كقوله (سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ) .
قوله: (مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ)
أي في خلق السماء، والتفاوت: أن يفوت شيء شيئأ فيظهر الخلل، والتفوت بمعناه، كالتعاهد والتعهد، وقيل: بل هو عام في جميع خلق الرحمن، أي لم يفته شيء أراد.
الغريب: أن يخلق كل شيء صغير أو كبير بقوله "كُنْ" لا تفاوت فيه.
الرؤية في الآية عند أكثرهم بمعنى العلم لبعد السماء عن الإدراك
بحاسة البصر.
قوله: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) .
يريد كرتين مع الأول.
الغريب: الفراء: سوى الأولى، فيكون ثلاث مرات. قال الشيخ
الإِمام. ويحتمل أربع مرات، لأن التقدير، انظر فارجع ثم ارجع كرتين.
والمراد بالتثنية الجمع كقوله: لبيك وسعديك.(2/1230)
قال الحسن: لو كررت النظر إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لم تر فطوراً.
قوله: (خَاسِئًا) حال من البصر، (وَهُوَ حَسِيرٌ) حال من الضمير
في (خَاسِئًا) .
قوله: (السَّمَاءَ الدُّنْيَا) .
الدنيا صفة للسماء، وهي التي تلي الأرض.
قوله: (رُجُومًا) جمع رجم - بالفتح - كالقبض، ويقال لها كواكب
الأخذ.
الغريب: أبو علي: الكواكب لا يرجم بها نفسها، لأنها ثابتة لا
تزول. ولا تفقد إنما ينفصل عنها شهاب يحرق.
الضحاك: الكواكب التي يرجم بها لا يراها الناس.
العجيب: يرمي بها ثم تعود إلى أماكنها.
قوله: (كُلَّمَا) .
ظرت لقوله: (أُلْقِيَ)
قوله: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) .
بذنجهم، في الأصل مصدر فلم يجمع.
قوله: (فَسُحْقًا)
أي سحقهم الله سحقا، نصب على المصدر، كقوله: (أنبتكم من الأرض نباتاً) ، وهو قول سيبويه.
وقيل: ألزمهم الله سحقاً.
قوله: (بالغَيبِ) .
أي يخافونه ولم يروه.(2/1231)
الغريب: يتركون معصيته حيث لا يراهم أحد.
العجيب: بالقلب لا نفاقاً.
قوله: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) .
"مَنْ" هو الفاعل، والمفعول محذوف، أي مخلوقه.
الغريب: الفاعل مضمر، ومن مفعول أي أَلَا يَعْلَمُ اللهُ مَنْ خَلَقَ.
العجيب: "مَنْ" بمعنى "مَا" وهو للعموم.
قوله: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ) .
خصت هذه بالذكر لأن العلوم والمعارف بها تحصل.
قوله: (مَتَى هَذَا الْوَعْدُ) .
"هَذَا" مبتدأ، "الْوَعْدُ" صفته، و "مَتَى" خبره تقدم عليه الاستفهام
وفيه ضمير.
قوله: (أن يَخْسِفَ) أن يُرْسِلَ) ، بدل من بدل الاشتمال.
الغريب: مفعوله
قوله: (صَافَّاتٍ) .
حال "وَيَقْبِضْنَ" حال بعد حال، عطف الفعل على الاسم، لأن
اسم الفاعل كالفعل في العمل، أي يصففن أحياناً ويقبضن أحياناً.
العجيب: محمد بن الهيضم: في الهواء طيور لا يقعن بالأرض
أبداً، طعامها النمل والبعوض، إذا طارت في الهواء تبيض على أذنابهن
وأجنحتهن.
قوله: (تَدَّعُونَ) .(2/1232)
تفتعلون، من الدعوى، وقيل: من الدعاء.
قوله: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ) ، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا) ، شرطان جوابهما محذوف. وقيل: "الفاء" جواب الشرط، وقيل: " الفاء" زائدة.(2/1233)
سورة (ن)
قوله تعالى: (ن) .
جاء مرفوعاً أنه الحوت الذي دحيت الأرض عليه. وعن علي - رضي
الله عنه - أنه الحوت واسمه بلهوت، وعنه في بعض الرجز:
إني أراكم كلكم سُكوتاً. . . والله ربي خالق البَلهوتا
وقيل: هو الدواة، وهذا أليق بالقلم، ولأن أصحاب البحر
يتسخرجون من بعض بطون الحيتان شيئاً أسود كالنِّقْس أوأشد سوادا منه
يكتبون به، فيكون النون وهو الحوت عبارة عن الدواة. وعن النبي - عليه
السلام -: " أول شيء خلقه الله القلم، ثم خلق النون وهو الدواة ثم قال
له اكتب ما هو كائن من عمل أو أثر أمر أو رزق أو أجل، فكتب ما كان وما هو كائن إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثم ختم على القلم، فلم ينطق ولا ينطق إلى يومِ القيامة ".
معاوية بن قرة: النون: لوح من نور.
العجيب: الضحاك: هو فارسي أنون فترجم بعضهم: اصنع ما
شئت، والظاهر أنه من حروف التهجي كأخواته.(2/1235)
قوله: (والقلمِ) قال المفسرون: هو قلم طوله ما بين السماء والأرض.
الغريب: ابن بحر: هو القلم الذي يُكْتَبُ به من قوله (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) وهي اليراعة المبرية.
قوله: (وَمَا يَسْطُرُونَ)
كناية عن خبر سابق، أي يكتبه الحفظة.
الغريب: ابن بحر: يكتبه نحو من قوله (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)
يعني الخط والكتابة.
العجيب: محمد بن الهيضم: النون: الفم، والقلم: اللسان، وما
يسطرون: ما يكتبه الحفظة. الحسن: عجبت من ابن آدم، كيف يتكلم
بالفضول وحافظاه على نابيه. لسانه قلمهما وريقه مدادهما، وهو فيما بين
ذلك يتكلم بما لا يعنيه.
قوله: (مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) .
الباء الثاني هو الذي هو الذي يدخل خبر "مَا"، والأول موصول
بمعنى النفي، المعنى: انتفى عنك الجنون بنعمة ربك، كما تقول: أنت
بنعمة الله فَهِمٌ، أي فارقك الجهل بنعمة الله. هذا كلام الزجاج.
الغريب: أي ليست النبوة بسبب الجنون، والنعمة النبوة.
العجيب: الماوردي: "الباء" للقسم. وهذا ضعيف.
قوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) .
عن أبي الدرداء، قال: سالت عائشة - رضي الله عنها - عن خلق
النبي - عليه السلام - فقالت: كان خُلُقه القرآن يسخط بسخطه ويرضى(2/1236)
برضاه. وعن عائشة قالت: ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا
قال لبيك.
قوله: (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (6) .
أي الفتنة، و " الباءا للإلصاق، وقيل: بمعنى "في "، أي في
القبيين المجنون.
العجيب: (بِأَيِّكُمُ) إبليس عدو الله.
قوله: (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) .
"الفاء" للعطف لا للجواب.
قوله: (كُلَّ حَلَّافٍ) .
الإكثار من اليمين مذموم، فإن الله عابه على مجرد الحلف، ولم
يتعرض للصدق والكذب.
قوله: (مَهِينٍ)
قيل، من المهنة: وهي الخدمة. والماهن العبد، وقيل: من المهانة، وهي الحقارة، والفعل من هذا مَهُنَ - بالضم -
فهو مهين.
العجيب: ابن بحر: يجوز أن يكون بمعنى مهان. وفيه تعسف.
قوله: (عُتُلٍّ) .
جافٍ غليظ، من قوله (فَاعْتِلُوهُ) .
قوله: (بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ)
أي بعد هذه الخصاثل ومع هذه الرذائل
ملحق بالقوم ليس منهم. وجاء مرفوعاً أنه اللئيم.
الضحاك: هو الوليد بن
المجرة، وكان أسفل أذنه زنمة كزنمة الشاة، عكرمة: ولد الزنا، وأنشد:(2/1237)
زنيم ليس يُعرَفُ من أبوهُ. . . بَغيُّ الأُمِّ ذو حَسَبٍ لئِيم
العجيب: الماوردي: هو الذي يعرف بالأبنة.
قوله: (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15) .
أي لأن كان. قال أبو علي في الحجة: لا يخلو العامل في (إذا)
من أن يكون تتلى أو قال أو شيء ثالث، ولا يجوز أن يكون يتلى لإضافة إذا
إليه، والمضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف، ولا يجوز أن يكون "قال".
لأن قال جواب "إذا"، وحكم الجواب أن يكون بعدما هو جواب له ولا يتقدم عليه، فهو محمول على شيء آخر يدل عليه الكلام. وهو يجحد أو يكفر أو ويستكفر وجاز أن يعمل فيه، وإن كان متقدماً لشبَهه بالظرف والظرف يعمل فيه المعاني وإن تقدم عليها - انقضى كلامه.
الغريب: "ولا تطع" لأن كان ذا مال، أي لأن كان ذا مال تطيعه.
العجيب: "عتل" لأن كان ذا مال وبنين، أي لأجل ماله وبنيه.
وهذا لا يجوز، لأن اسم الفاعل إذا وصف لم يعمل، وعتل وصف
لقوله "زنيم".
قوله: (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (16) .
الخرطوم الأنف، وأجراه بعضهم على الظاهر، وقال: أصابه يوم بدر
جراحة فبقى أثرها على أنفه، وقيل: هو من قوله (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) .(2/1238)
الغريب: هو استعارة عن العار والشَّنار كما قال:
لمَّا وَضعت على الفرزدقِ مَيسمي. . . وعلى البعِيثِ جدعتُ أنفَ الأخطلِ
العجيب: النضر بن شميل: سنحده على شرب الخرطوم وهو
الخمر. حكاه الثعلبي. وفيه تعسف.
قوله: (أصحابَ الجنةِ) .
هي بستان بقرب صنعاء، واسمها صوران، وقيل: حرد.
قوله: (كَالصَّرِيمِ) .
كالبستان الذي صرم زرعه وثماره. فعيل بمعنى مفعول، ولهذا لا
يدخله الهاء، نحو كف خضيب. وقيل: الصريم: الليل، أي سوداء
محترقة.
الغريب: كالنهار بيضاء لم يبق فيها سواد زرع ولا شجر، والصريمان
الليل والنهار.
العجيب: المؤرج: كالرملة الصَّرْمة من معظم الرمل.
قوله: (عَلَى حَرْدٍ) .
أي على قصد. وقيل: غضب، والفتح فيه أكثر، وقيل: على
منع، من قول العرب حاردت السنة إذا لم يكن فيها مطر.(2/1239)
الغريب: على حرد على حَرَضٍ، وقيل: نشاط، وقيل: فاقة
وحاجة.
العجيب: الحرد: اسم جنتهم، فيكون "على" من صلة "قادرين "
وعلى سائر الوجوه "على حرد" حال "قادرين" حال أخرى.
قوله: (عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا) .
كلام أهل الجنة ندموا وتابوا، فأبدلهم الله عليه جنة خيراً منها، قيل:
اسمها الحيوان. وقال ابن مسعود: أبدلهم جنة فيها عنب تحمل البغل منه
عنقوداً.
الغريب: هذا من كلام المساكين. أي عسى أن يرزقا خيراً من جنتهم.
قوله: (كَذَلِكَ الْعَذَابُ) .
"الْعَذَابُ" مبتدأ، "كَذَلِكَ" خبره، أي عذاب الكفار مثل هذا.
قوله: (مالَكُم) .
"مَا" استفهام وهو مبتدأ و "لكم" خبره
(كيف تحكمون)
كيف" نصب بتحكمون.
قوله: (تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) .
القياس فتح "أن " لكنه كسر لدخول اللام في الخبر وحمل تَدْرُسُونَ
على تقرأون.
العجيب: قرا طلحة "أن " - بالفتح - كأنه جعل اللام زائدة وليس
له وجه، وأنشد ابن جني:(2/1240)
ألم تَكن حلفتَ باللِه العَلي. . . أن مطاياكَ لمن خَيرِ المَطي
بفتح أن، وهذا أيضاً بعيد، ومثلهما في الشذوذ ما روي أيضاً عن
بعضهم "أن لكم لما تحكمون" - بالفتح -.
قوله: (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ)
قوله: "عَلَيْنَا" صفة، و "بَالِغَةٌ" صفة أخرى.
قوله: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) .
هذه عبارة عن شدة الأمر وصعوبته، ومثله قولهم: شمر عن ساقه.
الحسن: عن ساق الآخرة، وهو الستر الذي بين الدنيا والآخرة.
ابن عباس: هي أشد ساعة في القيامة.
الغريب: أبو موسى الأشعري، عن النبي - عليه السلام - " يوم
يكشف عن ساق قال: عن نور عظيم يخرون له سجداً ". وقيل: عن ساق
العرش.
العجيب: ابن مسعود: يوم يكشف الرب عن ساقه.
وهذا يؤل كما يؤل غيرها من الآيات، ولا يوصف الله سبحانه
بالأعضاء والأجزاء والأبعاض.
قوله: (لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) .
حال، وهو المراد بالامتناع لا النبذ لقوله في الأخرى: (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ) والعراء: المكان لا شجر فيه ولا حجر، وقيل: العراء: وجه الأرض.
العجيب: العراء: أرض المحشر، وقيل: النبذ بالعراء يستعمله(2/1241)
العرب عند الذم. وهذا القولان بعيدان لقوله في الأخرى (فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) .
قوله: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ) .
نزلت حين هموا أن يَعِينوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت العين في بني أسد، حتى أن الرجل منهم ينظر إلى الناقة السمينة ثم يعينها، ويقول
للجارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم من هذه، فما تبرح حتى تقع
فتنحر.
الغريب: أنكر بعضهم العين أصلاً، وقال: معنى الآية: نظروا إليك
نظرةَ عداوة وتوعد، وإنكارهم منكر فإنه - عليه السلام - قال: " إن العين
حق، ولو كان شيء يسبق القَدَر لكان ذلك العين "، وقال أيضاً: "العين
تدخل الرجل القبر والجمل القِدر ".
الحسن: دواء إصابة العين (وَإِنْ يَكَادُ) إلى آخر السورة.
قوله: (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51) .
ختم السورة بذكر ما بدأ به.(2/1242)
سورة الحاقة
قوله تعالى: (الحاقة) .
اسم من أسماء القيامة.
الغريب: هي الصيحة تقوم عندها القيامة.
العجيب: هي الكلمة من قوله: (حقت كلمة ربك) واشتقاقه
من حق يحِق - بالكسر - أي وجب، وصح مجيئها.
الغريب: هي من حقه يحقه إذا جعله حقيقاً، والشيء محقوق.
ومن العجيب: هي من حاقه فحقه، أي غلبه، لأنها تحق كل مُحاقٍ
في دين الله بالباطل.
"الحاقة" رفع بالابتداء، "ما الحاقة" جملة، وهي خبر المبتدأ.
والظاهر قام مقام الضمير العائد، و "مَا" مبتدأ، "الحاقة" خبره.
قال الشيخ الإمام: الغريب: يحتمل أن الحاقه مبتدأ، ما خبره تقدم
على الاستفهام. و" ما أدراك"، "مَا" مبتدأ، "أدراك ما الحاقة" خبره
وفي "أدراك" ضميره وما الحاقة جملة من مبتدأ وخبر محلها نصب بـ أدراك
وهو معلق لأنه بمعنى أعلمك.(2/1243)
قوله: (بالقارعة) .
القياس بالحاقة وسدت القارعة مسدها لأنهما من أسماء القيامة.
ومعنى القارعة: تقرع القلوب، وقيل: تكسر كل شيء.
الغريب: هي من القرع، أي يقرع بعضهم بعضاً، يعلو بعض
ويسفل بعض.
العجيب: القارعة: هي العذاب التى أهلكت عاد وثمود به.
قوله: (بالطاغية) .
هي صفة لمصدر أي بمجاوزتهم قدرهم، وقيل: صفة أي بالصيحة
الطاغية.
الغريب: بالفئة الطاغية: قُدارٍ وأصحابه، أو قدار وحده، والهاء
للمبالغة.
العجيب: محمد بن الهيضم: الطاغية اسم للبقعة التى أهلكوا بها.
وقيل: الطاغية ذكرت للازدواج، كقوله (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ) .
فكذلك العاتية للازدواج، والجمهور على أن الريح عتت خزانَها غضباً على
أعداء الله.
الغريب: العاتبة القاهرة الشديدة.
قوله (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) .
جمع حاسم وهو القاطع، قال المبرد: الفُعول في التعدي لا يكون
إلا جمعاً، وهي نصب على الصفة، وقيل: مصدر، أي تحسمهم حسوماً.
الغريب: متتابعة من حَسَمْتُ الدابة إذا تابعت بين كيها.(2/1244)
وهب: كانت الأيامَ التي سمتا العرب أيام العجوز، وإنما سميت بها
لأن - عجوزاً دخلت سربا فتبعتها الريح، فأهلكتها اليوم الثامن، وانقطع
العذاب، وقيل: لأنها في عجزة الشتاء، أي أواخرها، وكانت يوم الأربعاء
إلى الأربعاء آخر الشهر. وأسماؤها عند العرب سبعة يجمعها قول الشاعر.
أنشده ثعلب:
كُسِعَ الشتاءُ بِسبعةٍ غُبْرٍ. . . أيام شهلتنا من الشَهرِ
فإذا مضت أيام شهلتنا. . . بالصِّنِّ، والصنْبر، والوبر.
وبآمر، وأخيه مؤتمر. . . ومعللٍ، وبمُطفىء الجَمرِ
ذهبَ الشتاء مولياً هرباً. . . وأتتك وافدة من النَّحر
واسم اليوم الثامن مطفى الطعن. الضحاك: حسوما، مشائم.
قوله: (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ) .
أي فوق الخلق، وقيل: فوق الثانية، وهم ثمانية ملائكة. وقيل:
ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، فإن الخلق عشرة
أجزاء، الإنس والجن وسائر الحيوان جزء، وملائكة السماوات والأرض جزء، وثمانية أجزاء حملة العرش، وهم الكروبيون.
الغريب: هم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم بأربعة أخر.
من العجيب: مجاهد: هم اليوم أربعة، لواحد وجهه وجه رجل.
وواحد وجه ثور، وواحد وجه نسر، وواحد وجه أسد، وكل واحد يشفع لما يشبهه.(2/1245)
ومن العجيب: روي أنه أُنشد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول أمية بن أبي الصلت:
رجلٌ وثورٌ تحت رجلِ يمينِهِ. . . والنسرُ للأخرى وليثُ مرصدِ
فقال - عليه السلام -: "صدق ".
قوله: (هَاؤُمُ) .
أي خذوا، والمفعول محذوف، أي كتالى، لأن الثاني يدل عليه، وهو
منصوب بـ "اقْرَءُوا" يقول: هاء يا رجل أي وهاؤما في التثنية، وهاؤم في
الجمع، وهاء - بالكسر - يا امرأة، وهاؤمْ وهاؤن.
الغريب: هاؤم معناه: تعالوا.
العجيب: معناه: يا هؤلاء، والقول هو الأول.
قوله: (رَاضِيَةٍ) .
أي ذات رضى، وقيل: مرضية.
الغريب: تامة كانها أعطيت حتى رضيت فتضت.
(فِي جَنَّةٍ) .
خبر بعد خبر.
العجيب: "في" متعلق بعيشة، وهذا بعيد، لأنه قد حيل بينهما
بالوصف.
قوله: (يا ليتها) .(2/1246)
أي الشدائد، أو الساعة، أو الحياة في الدنيا.
(كَانَتِ الْقَاضِيَةَ)
أي الموت.
قوله: (مَا أَغْنَى) .
استفهام، والعائد محذوف، أو محله نصب، وقيل: نفي، والمفعول
محذوف
قوله: (فَاسْلُكُوهُ) .
أي أدخِلوا عنقه أو يده أو رجله في السلسلة. وقيل: هو من القلب.
كما تقول: جعلت الخاتم في الإصبع والخف في الرجل.
قوله: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ) .
أي قريب يهتم لشأنه ويحْمى لقرابته. و "له" خبر ليس ولا يجوز أن
يكون ظرف الزمان الخبر، لأنه جثة، ولا ظرف المكان لعطف الطعام.
لأن ثم أطعمه غيرها.
قوله: (مِنْ غِسْلِينٍ) .
هو فِعْلِين، من الغِسْل، أي ما يسيل من أجسام المعذبين.
العجيب: الأصم: الغسلين: الطحلب. وقيل: هو شر طعام وأشنعه.
قوله: (قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ) ، و (قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)
"مَا" صلة، و"قَلِيلًا" صفة مصدر، أي يؤمنون إيماناً قليلاً، وقيل: ظرف، أي زماناً قليلْا.
العجيب: نفي وهو سو، لأن ما بعد النفي لا يعمل فيما قبله، وقيل:
ما للمصدر، وهو سهو أيضاً، لأن ما بعد المصدر لا يتقدم عليه.
قوله: (باليمين) .(2/1247)
أي بقوتنا وقدرتنا.
الغريب: لسلبنا قوّته.
العجيب: الحسن: لقطعنا يده اليمنى. ومن العجيب: لأذللناه.
كما تقول: خذ به وأخرجه عن المجلس.
قوله: (حَاجِزِينَ) .
صفة لـ "أَحَدٍ"، وهو للعموم، فجمع، وقيل: نصب خبر لـ "مًا"، و "من" صلة، و "مِنْكُمْ" حال تقدم عليه.
قوله: (مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) .
أي ومنكم مصدقين، وقيل: الخطاب للمؤمنين، وقد كفر قوم منهم
بعد إيمانهم.
قوله: (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) .
أي: إنه لَيقين حق.
الفراء: هو مضاف إلى الصفة.(2/1248)
سورة المعارج
قوله تعالى: (سَأَلَ) .
قرىء بالهمز وتركه، فمن همز، فهو من السؤال والمسألة. ومن ترك الهمز
فله ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه لين الهمزة ثم حذفها، كما جاء: لا هناك المرتع.
والثاني: أنه من قولهم: يتساولان، والألف بدل من الواو.
والثالث: من سأل يسيل، والألف بدل من الياء.
و (سَائِلٌ) بالهمز في الوجوه كلها. وهو النضر بن الحارث، وقيل:
أبو جهل.
الغريب: هو محمد - عليه السلام - حين سأل نزول العذاب بالكفار.
العجبب: هو نوح - عليه السلام - وقيل هو السيل.
وقيل: واد في جهنم.
قوله: (بعذابٍ)
إن حمل سائل على معنى قوله: "سألت المغفرة، فالباء زائدة وصلة، كقوله: يَقْرَأْنَ بالسور.
وإن حمل على معنى (يسألونك عن الشهر الحرام) ، فالباء بمعنى(2/1249)
عن. وقيل: (ما يتعاقبان، كقوله: (فاسأل به خبيراً) .
وإن حمل على معنى السيل، فالباء للتعدي كما تقول سال الوادي بالماء، أي أساله.
قوله: (للكافرين) .
قيل: صلة للسائل، أي سائل الكافرين، وقيل: اللام بمعنى من، أي
من الكافرين، وقيل: صفة لعذاب، أي بعذاب الكافرين، واللام لام
الاستحقاق. وقيل: متصل بواقع، ومحله نصب، أي يقع لهم. وقيل: بمعنى
على، أي يقع عليهم.
العجيب: قَولُ من قال: "اللام" بمعنى عن، والتقدير ليس يقع عنهم.
بعيد لأن اللفظ لا ينبىء عنه، وإن جعل بمعنى عن، ووصل بدافع صح، أي
ليس يدفع عن الكافرين.
قوله: (مِنَ اللَّهِ) .
صفة للعذاب، وقيل: واقع من الله، أي من أمره وبأمره. وقيل: متصل
بدافع أي يدفعه من إلله.
قوله: (كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ.
الجملة صفة ليوم وهو يوم القيامة، وقال في سورة أخرى (وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ) .
ابن عباس: هما يومان: ذكرهما الله في كتابه، وأكره
أنَ أقول في كتاب الله ما لا أعلم. وقال بعضهم: أي لو تولى حساب غير الله لفرغ منه في خمسين ألف سنة، وقيل: الملك يصعد في يوم من أيام الدنيا
ما لو صعد فيه آدمي لصعد في خمسين ألف سنة، وذلك أنه يصعد من منتهى
أسفل الأرض السابعة إلى ما فوق السماء السابعة إلى العرش.
وقيل: القيامة مواقف مختلفة مقدار بعضها ألف سنة، ومقدار بعضها خمسون ألف سنة،(2/1250)
وذهب جماعة إلى أن المراد شدة الأمر واستطالة أهله إياه، كما تستطال أيام
الشدائد في الدنيا، وتستقصر أيام الرخاء والنعمة.
الغريب: أسماء القيامة في القرآن خمسون، فكل اسم يبنى على معنى
يقع في ألف سنة.
العجيب: لا يمتنع أن يختلف تقدير السنة في الإضافة إلى أصناف
الخلق، كما يختلف تقدير السِّنِّ عندهم، فقد ذكر عن أهل الصين أنهم
يعدون كل فصل من الفصول الأربعة سنة.
ومن العجيب: الضحاك وعكرمة وغيرهما: أن اليوم في الآية عبارة عن
أول أيام الدنيا إلى انقضائها، وأنها خمسون ألف سنة لا يدري أحدكم كم
مضى وكم بقي إلا الله سبحانه.
ومن العجيب جداً قول من قال: (خمسون) صلة في الكلام، وهذا
فاسد، إذ لو جاز مثل هذا لقيل في قوله (كَأَلْفِ سَنَةٍ) خمسين ألف سنة.
فحذف (خمسون) ومثل هذا لا يجوز الإقدام عليه في الكلام، فكيف في
كلام الله سبحانه وتعالى.
وجاء في الخبر أنه - عليه السلام - سئل، وقيل له يوم كان مقداره
خمسين ألف سنة، ما أطوله) : فقال - عليه السلام - صلى الله عليه وسلم -: " والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا".
قوله: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ) .(2/1251)
الغريب: بدل من يوم كان مقداره، على المحل أو بني على الفتح
لإضافته إلى الجملة، وهو في محل جر.
والمهل: ما يذاب في مهل.
قوله: (وفصيلته) : الفصيلة القبيلة التي انفصل هو عنها.
الغريب: (وفصيلته التي تؤويه" عن مالك: وأمه التي تربيه.
قوله: (لَظى) .
رفع بخبر "إنَّ" أو نصب بدل من الهاء، ورفع بالابتداء، والضمير كناية
عن القصة.
(نزاعةً) رفع خبر بعد خبر، أو خبر "إنَّ"، أو خبر المبتدأ، أو خبر مبتدأ
محذوف، أو بدل من الخبر. ومن نصب جعلها حالاً من الجملة، كقوله:
(إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيرًا) فيمن جعله حالًا من الجملة من إحدى، أو
من إحدى الكبر. وقيل: نصب على الذم.
قوله: (هَلُوعاً) .
أصل الكلمة من السرعة، تقول: نعامة هالعة، أي مسرعة، وناقة
هلواع كذلك.
والجمهور على أن معنى الهلوع ما فسره الله بقوله: (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) .
العجيب: مقاتل: الهلوع دابة من وراء جبل قاف يأكل كل يوم سبع
صحارى من الحشيش ويشرب سبع بحار من ماء، لا تصبر مع الحر ولا مع
البرد، تفكر كل ليلة ماذا تأكل غدا، فشبه الإنسان بها.(2/1252)
قوله: (إذا) .
العامل فيه عند الكوفيين مضمر، أي كان وصار، المعنى: صار إذا مسه
الشر جزوعاً. وعند البصريين "إذا" الأول منصوب بـ "هلوعاً"، والثاني بـ
"منوعاً" والتقدير خلق هلوعاً إذا مسه الشر جزوعاً، ومنوعاً إذا مسه الخير.
ونصب الثلاثة على الحال.
قوله: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) .
مستثنى من قوله: (مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) .
وقوله (إِنَّ الْإِنْسَانَ) اعتراض. وقيل: من قوله "إِنَّ الْإِنْسَانَ" لأنه للجنس، فجاز استثناء الكثير منه.
الغريب: منقطع أي لكن الْمُصَلِّينَ.
قوله: (لِفُرُوجِهِمْ) .
أي لعوراتهم حافظون عن الحرام.
الغريب: الحسن: لثيابهم فلا يكشفونها على محرم.
قوله: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ) .
أي عن أزواجهم. في جماعة محمول على المعنى أَي يلاممن على
إلا على أزواجهم وإمائهم، ودل عليه قوله (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) .
قوله: (فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا) .
"مَا" مبتدأ، "الذين" خبره، "قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ" حال، و" قِبَلَكَ " ظرف
وقيل: "قِبَلَكَ" واقع موقع الحال أيضاً، أي ثابتين قبلك.(2/1253)
(عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37)
حال أيضاً، وجمع جمع السلامة للخبر فإن لامه محذوف.
الغريب: الكسرة في "عِزِينَ" ليست الكسرة في "عزة" بل غيرها كما
في "سنن " غير الفتحة في "سنة" ليبقى فيه نوع من التكسير، ولذلك حرك
الراء في "أرَضين".
قوله: (مِمَّا يَعْلَمُونَ) .
أي من التراب، وقيل: من النطفة.
قتادة: خلقت يا بن آدم من قذر فاتق الله.
وقيل: معناه خلقتهم مما تعلمون فلم تتكبرون، وهل تستوجبون
على الله شيئاً.
الغريب: "مَا" بمعنى "من" وهو آدم، والمعنى: أيطمع هؤلاء أن
يدخلوا الجنة مع كفرهم ومعاصيهم وقد أخرجنا أباهم منها بمعصية واحدة.
كلا لا يطمعوا فيها.
قوله: (حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ) .
"يومهم" مفعول به "يَوْمَ يَخْرُجُونَ" بدل منه، وهو أيضاً مفعول به، سراعاً
جمع فعيل بمعنى مفعل من أسرع، وهو نصب على الحال من الضمير في
يخرجون.
قوله: (كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ)
حال أيضاً منه، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في قوله (سِرَاعًا) .
قوله: (خَاشِعَةً)
حال من الضمير في "يُوفِضُونَ". و "أَبْصَارُهُمْ" رفع بـ "خَاشِعَةً"، ويجوز أن يكون حالاً من "يَخْرُجُونَ".
قوله: (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ)
حال مما تقدم.(2/1254)
سورة نوح
قوله تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا) .
أي أرسلنا نوحاً إلى قومِهِ كما أرسلناك إلى قومك. والقوم: الأمة.
أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " هو أول نبي بعث".
الغريب: نوح اسم عجمي صرف. لكثرة دعائه وتضرعه إلى الله سمى
نوحاً من النوح.
قوله: (أَنْ أَنْذِرْ) .
"أَنْ" هي المفسرة لا محل لها من الإعراب. وقيل: تقديره، بأن أنذر.
وحذف الجار، ومحله عند الخليل خفض وعند سيبويه وغيره نصب.
الغريب: المبرد: هي المخففة من المثقلة.
قوله: (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) .
كلام الجمهور، ومثله في الوجهين أن اعبدوا الله ونذير في الآية
موعوف بقوله: "مبين"، واسم الفاعل بعد الوصف لا يعمل إلا شاذاً، فهي
المفسرة لا غير.
قوله: (إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) .
هو الموت، لا الغرق والقتل.(2/1255)
الغريب: ابن عيسى: في الآية دليل على إثبات أجلين، لأن الوعد
بالأجل المسمى مشروط بالعبادة والتقوى، فلما لم يقع أهلكوا بعذاب
الاستئصال قبل الأجل الأقصى. وقوله: (إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ) قيل: بالموت.
وقيل: بحلول العذاب، وقيل: هو القيامة (إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ) .
وقوله: (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) قيل: من زائدة، وقيل: للتبيين، وقيل:
للتبعيض، أي ما سلف.
الغريب: معنى: "يَغْفِرْ لَكُمْ"، يخرجكم من ذنوبكم.
قوله، (كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ) .
كلما ظرف للدعاء وتقديره دعوتهم ليؤمنوا فتغفر لهم، لأن المغفرة تقع
بعد الِإيمان.
قوله: (وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ)
غطوا رؤوسهم كي لا يروني، فضلاً عن سماع كلامي.
الغريب: معناه تَنَكروا عني حتى لا أعرفهم.
العجيب: الحسن معناه: نفضوا ثيابهم وقاموا عني.
قوله: (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) .
أي أعلنت مرة وأسررت مرة، وقيل: أعلنت لقوم وأسررت لقوم.
العجيب: ذكر في بعض التفاسير: أن نوحاً لما عيل صبره سأل الله أن
يستره عن أعينهم بحيث يسمعون كلامه ولا يرونه فينالوه بسوء، ففعل اللُه به ذلك، فدعاهم كذلك زماناً، فلم يؤمنوا، فسال الله أن يعيده إلى ما كان.
قوله: (جِهَارًا) .
حال، أي مجاهراً، وقيل مصدر وقع موقع الحال، أي أجهر جِهَارًا.
وقيل: ذا جهار.
قوله: (لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) .(2/1256)
ابن عباس: لا تخافونَ لله عظمة، وقيل معناه لا ترجون عاقبة الإيمان.
الغريب: الوقار صفة لله، أي سعة علمه وعظمة عفوه وجوده، وأنكره
بعضهم، وقال: الوقار صفة الهيئة، والله منزه عنها، وأصله وقار الله، فقدم، ويجوز أن تكون اللام زائدة، ووقاراً مفعول له، أي تخافون الله توقيراً - والله أعلم -.
قوله: (فِيهِنَّ نُورًا) .
قيل: في ظرف القمر، فيكون التقدير في إحداهن، وقيل: ظرف لنور
فيكون فيهن جميعاً، وقيل: إذا كان في إحداهن، فهو فيهن.
قوله: (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16)
أي فيهن، فحذف لدلالة الأولى عليه.
وأجمعوا على أن الشمس في السماءِ الرابعة.
قوله: (وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ) .
الواو - ها هنا - واقع موقع الفاء، لأنه في التقدير فعلوا كذا فافعلْ كذا
(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا) أي ضل بسببهن.
الغريب: ابن بحر: الضمير يعود إلى قوله: (ومكروا) .
وقالوا قوله: (مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا) هما جمعان للكثرة.
الغريب: روي أن أبا عمرو قال: قوم كفروا ألف سنة لم يكن لهم إلا
خطيئات) : أي الخطايا أكثر من الخطيئات. والصحيح أنهما يستعملان في
القلة والكثرة، بدليل قوله: (كَلِمَاتُ رَبِّي) .
قوله. (يُضِلُّوا عِبَادَكَ) .
جزاء الشرط، وهو "إِنْ تَذَرْهُمْ" ولم يقتصر على قوله: (يُضِلُّوا) ، لأن(2/1257)
ذلك يكون في النفي، فإذا أردت الإثبات أظهرت الشرط نحو قولك: لا
تشتمني أشكرك. هذا صحيح. لأن التقدير إن لا تشتمني أشكرك، ولا يجوز لأن تضربني أشتمك، حتى تقول إن تضربني، لأنه يصير لا تضربني أشتمك وهذا فاسد.
قوله: (وَلِوَالِدَيَّ) .
ابن عباس: لم يكفر لنوح والد ما بينه وبين آدم.
الغريب: أراد بقوله: (وَلِوَالِدَيَّ) آدم وحواء، وكان أبواه كافرين - والله
أعلم -.
قوله: (بَيْتِيَ)
قيل: داري، وقيل: مسجدي، وقيل: سفينتي.
الغريب: "بَيْتِيَ" أهل بَيْتِيَ.
العجيب: من دخل بَيْتِيَ، يعني صديقي.
ابن عباس: كما استجاب الله دعاءه في الكافرين ولم يذر منهم أحداً.
كذلك يستجيب دعاءه، في المؤمنين والمؤمنات إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ - جعلنا الله
منهم برحمته -.(2/1258)
سورة الجن
قوله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) .
أي أخبر قومك ما ليس لهم به علم، ثم بين، فقال: (أُوحِيَ إِلَيَّ) .
قوله: (أَنَّهُ اسْتَمَعَ)
الجمهور على أن الهاء تعود إلى الأمر والشأن.
قال الشيخ: الغريب: يحتمل أنه يعود إلى القرآن، أي أن القرآن استمعه
نفر من الجن.
أوعلى الوجه الأول استمع نفر من الجن القرآن، وأنه في محل
رفع مفعول ما لم يسم فاعله، وكذلك ما عطف عليه -
الغريب: أجاز الفراء: أن يكون "وَأَنَّهُ تَعَالَى" وما بعده عطفاً على
الهاء في قوله، (آمَنَّا بِهِ) . وهذا مع امتناعه عند البصريين جائز، لأنه كثر
حذف الباء مع أنَّ.
قوله: (نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ)
الجن:جيل رقاق الأجسام خفية، خلق من النار على صورة تخالف الملك والإنسان، موصوف بالعقل، كالإنس والملك.
ولا يظهرون للإنس إلا صاحب معجزة، وهم أولاد إبليس، منهم مؤمن.
ومنهم كافر، والكافر منهم يسمى شيطاناً.
ابن عباس: الجن ولد الجان وليسوا بشياطن. والشياطين أولاد إبليس. والنفر دون العشرة. قيل: كانوا تسعة، وقيل: سبعة.(2/1259)
الغريب: مكحول: إن الجن بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذه الليلة.
وكانوا سعبين ألفاً، وفرغ من البيعة عند انشقاق الفجر.
قوله: (تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا) .
أي عظمة ربنا وملكه وسلطانه.
الغريب: ابن عباس: لو علمت الجن أن في الإنس جداً ما قالت:
تعالى جَدُّ رَبِّنَا.
العجيب: الربيع بن أنس: ليس له جد، وإنما قاله الجن بالجهالة.
فلم يؤخذوا به، وكلا القولين ضعيف بعيد.
قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ) .
الجمهور: على أن كلام الجن منقطع عن هذه.
الغريب: هذا أيضاً من كلام الجن، وكذلك قوله: (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا)
استئناف، وقيل: من كلام مؤمنين الجن لكافريهم.
قوله: (بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ)
الجمهور على أن في الجن رجالاً ونساء
كما في الإنس وقوله (مِن) متصل بـ (يَعُوذُونَ) ، كقولهم: أعوذ باللهِ من
الشيطان. وكان أهل مكة يقولون: أعوذ بحذيفة بن بر من جن هذا الوادي.
وقوله: (يعوذون) وذلك أن الرجل منهم كان إذا أمسى بأرض قفراء، وبات في مفازة، يقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيكون بزعمهم في الأمان تلك اليلة.
قوله: (فَزَادُوهُمْ)
أي الِإنس والجن رهقاً عظمة، وقالوا: قد سدنا
الجن والإنس، وقيل: وزاد الجنُّ الإنسَ خوفاً.
الغريب: فزاد الإِنس أنفسهم ظلماً بتلك الاستعاذة، وترك الاستعاذة
بالله، وهم على هذا القول تأكيد وليس بمفعول، لأن ذلك يستدعي أنفسهم.
العجيب: ابن بحر: هو انقطاع إلى الشيطان وحزبه بالطاعة لهم.
والقبول منهم.(2/1260)
قوله: (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ) .
أي أنه لن يبعث، فهو مفعول ظَنَنْتُمْ، وذهب بعض الكوفيين: إلى أنه
مفعول ظنُّوا، ومفعولا أحد الظنين محذوفان.
قوله: (لَمَسْنَا السَّمَاءَ) .
اللمس: طلب إدراك الملموس بحاسة اللمس. وقيل: من الالتماس.
(فَوَجَدْنَاهَا) أي السماء، وقيل: أبوابها وطرقها.
قوله: (مُلِئَتْ)
هو المفعول الثاني لـ "وَجَدْنَا"، ويجوز أن يكون
المتعدي إلى مفعول واحد، و "مُلِئَتْ" حال، و "قد" مقدر، و "حَرَسًا، وَشُهُبًا" تمييزان.
قوله: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) .
"الهاء" كناية عن الأمر والشأن واسم كان أيضاً ضمير الأمر والشأن.
فهو مضمر فيه، و "يَقُولُ سَفِيهُنَا" جملة خبر كان، وكان مع الخبر خبر أن.
الغريب: " كان" زا ئدة.
العجيب: "سَفِيهُنَا" اسمٍ كان، و "يَقُولُ" خبره. وهذا بعيد، لأن الفعل
عمل فيه والشيء إذا كان واقعا موقعه لا يجوز أن تنوي به غير موقعه.
قوله: (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) .
الجمهور، على أنه لم يكن قبل مبعث النبي - عليه السلام -.
الغريب: كان الانقضاض، ولم يكن يرجم به الشياطين حتى بعث
محمد - عليه السلام -.
قوله، (كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (11) .
أي ذوي مذاهب مختلفة.
الغريب: يقال لشريف قومه: الطريقة.(2/1261)
قوله: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) .
أي لو استقام الِإنس والجن على الإسلام لوسعنا عليهم الرزق.
والغدق الكثير العتيد لوقت الحاجة.
وقيل: لو استقام أهل الكفر على كفرهم لوسعنا عليهم الدنيا.
الغريب: لو كفروا لأهلكناهم بالماء كما كان لقوم نوح.
العجيب: ابن عباس: هذا مثل أي لو استقام أهل مكة على طريقة
الإسلام لأسقيناهم ماء غدقاً، أي لهديناهم إلى الصراط المستقيم.
قوله: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) .
استئناف، أي ولأن الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ.
الغريب: عطف على الوحي.
العجيب: مبتدأ وفيه بعد، لأن "أَنَّ" إذا وقع مبتدأ تقدم الخبر عليه.
قال:
أفي الحق أني مغرمٌ بكِ هائمٌ. . . وأنك لا خَلُّ هواكِ ولا خَمرُ
والمساجد: جمع مسجد، وهي مواقع الصلاة.
الغريب: جمع مسجَد - بالفتح - وهي الأعضاء السبعة التي يسجد
عليها الِإنسان الجبهة واليدان والركبتان وقيل: القدمان.
العجيب: جمع مسجَد - بالفتح - وهي مصدر، أي السجدات لله.
قال الشيخ: ومن الغريب: يحتمل أن المساجد هي الأرض جميعاً.
لقوله - عليه السلام -: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"، أي لا يعبدوا غير الله في أرض الله.
قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ) .(2/1262)
يعني محمداً - عليه السلام - ببطن نخلة، (كَادُوا) أي الجن (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) أي يسقطون عليه جماعات حرصاً على ما سمعوا، وهذا يدل على
كثرتهم كما ذهب إليه مكحول.
الغريب: وإن الإنس والجن يجتمعون على إبطال الحق، ويأبى الله إلا
أن يتم نوره.
العجيب: سعيد بن جبير: هذا أيضاً من كلام الجن، أي رأينا
أصحاب محمد يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده وكادوا ينثالون عليه
مجتمعين.
و"لِبَدًا" جمع لبدة وهي الرِجْل من الجراد، وأصله من الجمع.
قوله: (لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) .
أي لن يمنعي مما قدر عليّ، وقيل: من عذابه مانع.
العجيب: ابن مسعود: لما تقدم النبي - عليه السلام - إلى الجن
ازدحموا عليه، فقال سيد لهم - واسمه وردان - أنا أزجلهم عنك، فأنزل (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي) . (إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ) .
قيل: نصب بالبدل من قوله: (مُلْتَحَدًا) أي لا ينجيني الا أن أبلِّغَ ما
أرسِلت به، وقيل: لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا إلا بلاغاً، أي إلا أن أبلغكم ما أرسلت به.
الغريب: الفراء: هذا شرط، أي إن لا بلاغاً، والمعنى: إن لم أبلغ
فِلا مجير لي، كما تقول العرب: إنْ لا عطاء فرداً جميلًا، أي إنْ لم تعط فردّ
العجيب: ابن بحر: لن يجيرني إلا العمل بما يبلغني من الله، والبلاغ.
بمعنى التبليغ في الوجوه كلها.(2/1263)
قوله: (إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) .
قيل: الاستثناء منقطع، وقيل: لكن مَنِ ارْتَضَى، فهو مبتدأ، فإنه
العجيب: ولا من ارتضى. وفيه بعد.
قوله: (لِيَعْلَمَ) ، أي الله، وقيل: محمد، وقيل: الجن، وقيل:
الكافر.
قوله: (وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا)
حال أي عادا، وقيل: مصدراً، أي عده عداً، تعدى إليه الإحصاء، فهو مصدر من غير لفظ الفعل الأول.(2/1264)
سورة المزمل
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) .
أي المتزمل بثيابه فرقاً من جبريل. وقيل: المتزمل للنوم بأعباء النبوة.
من الزاملة والزمْل، وهو الحِمْل أي المتحمل بأعباء النبوة، فأدغم التاء في
الزاي.
العجيب: معناه يا خامل الذكر سنرفع لك ذكرك، وهذا إبْداء إيناس
وإزالةُ وحشة.
قوله: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) .
ذهب بعضهم إلى أن "نِصْفَهُ" بدل وبيان لقليل، وقال بعضهم: بدل
من الليل إلا قليلاً، وفي القولين ضعف، لأن أحد النصفين مساو للنصف
الثاني، فلا يكون أحدهما أقل، والآخر أكثر.
وقال بعضهم تقديره: قم نصفه، فهو منصوب بفعل مضمر، وهذا قريب من القول الأول.
وقال الأخفش: تقديره، أو نصفه أو انقص منه قليلاً وهو السدس أو زد على النصف إلى الثلثين. وقال بعضهم: تقديره، قم الليل نصفه إلا قليلًا، وهو استثناء قبل المستثنى، كقوله:(2/1265)
ومَا لِي إلا آلَ أحمد شيعة. . . وما لِي إلا مذهبَ الحقِ مذهبُ
وقال صاحب النظم: نصفه بدل من القليل، أو انقص منه قليلا وهو
نصف النصف قياساً على الأول، يعني إلى الربع، أو زد عليه على النصف
ربعاً، وتقديره عده أو زده يعني القليل عليه، قال: فيلزمه ثلاثة أرباع الليل، وقيل: أو انقص منه قليلاً إلى الربع أو زد عليه، أي على القليل إلى الثلث، فيلزمه ثلث الليل.
الغريب: الاستثناء يعود إلى أعداد الليل، لأن الليل للجنس، كما
تقول: صم النهار إلا قليلًا، والمعنى قم الليالي جميعاً إلا قليلاً من الأعداد
يقع لك فيه الأعذار، ثم بين مقدار ما يقوم من الليل، فقال: "نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ".
العجيب: هذا على حسب طول الليل وقصره، فالنصف إذا استوى
الليل والنهار، والثلث إذا قصر الليل، والثلثان إذا طال الليل.
قوله: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) .
بينه تبياناً، وهو أداء الحروف وحفظ الوقوف، سعيد بن جبير: فسِّرْه
تفسيرا، وقيل: لا تقدم مؤخراً ولا تؤخر مقدما. وقيل: نفَهَّمْه - بالتاء - وفَصِّلْه تفصيلاً أم سلمة، كان النبي - عليه السلام - يقطع قراءته آية آية. أنس: كان يمد النبي - عليه السلام - صوته مداً. . .
الغريب: قطرب: ضعِّفْ صوتك واقرأه بصوت حزين.
قوله: (قَوْلًا ثَقِيلًا) .
أي رصيناً رزيناً، ليس بالسفساف الخفيف، وقيل: ثقيلاً عليك لما(2/1266)
يلزمك من المشاق في إبلاغه والمجاهدة به مع الكفار.
الغريب: ثقيل: صفة للمصدر، أي إلقاء ثقيلاً، لما كان يلحقه من
شدائد الوحي.
قوله: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ) .
هي الليل، لأنها تنشأ بعد النهار، وقيل: ساعاته.
الغريب: "إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ". مصدر.
العجيب: ابن مسعود: "إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ" قيام الليل بلغة الحبشة.
يقولون: نشأ إذا قام، ابن بحر: "إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ": هي المعاني المستنبطة من
القرآن بالليل.
(أَشَدُّ وَطْئًا) أبين أثراً (وَأَقْوَمُ قِيلًا) أصح مما تخرجه
الأفكار بالنهار، لخلو السمع والبصر عن الاشتغال.
قوله: (سَبْحًا طَوِيلًا) .
تصرفاً وفراغاً.
الغريب: ما فاتك بالليل، فاقض بالنهار.
الغريب: قرىء "سَبْخاً" بالخاء المعجمةِ أي تخفيفاً.
قوله: (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) .
انقطع إليه، وزيد - بالتاء - فيه، الآية.
وقيل: تبتل إليه تبتلك تبتلا.
وقوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ) .
منصوب بما في "لدينا" من معنى الفعل.
الغريب: منصوب بـ (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ) .
وقوله: (إِنَّ لَدَيْنَا) الآية. اعتراض.(2/1267)
وقوله: (وَالْمُكَذِّبِينَ) ، عطف على النون والياء، وقيل: مع المكذبين، فهو
مفعول معه.
العجيب: قول من قال "يوم" منصوب "بالعذاب" لأن العذاب لما
وصف بقوله "أليماً" لا يعمل -
قوله: (كما أرسلنا) .
صفة لرسول أو مصدر مضمر.
قوله: (يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17)
"يَوْمًا" منصوب بـ "تَتَّقُونَ"، أي كيف تتقون يوماً.
وقوله: (يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) صفة ليوم وتقديره فكيف تتقون يوماً
يجعل الولدان شيبا إن كفرتم.
قوله: (يَجْعَلُ) الفاعل ضمير اليوم.
الغريب: يجعل الله الولدان فيه شيباً، هذا مثل ضربه الله للشدة.
العجيب: أولاد الزنا، وقيل:، أولاد الكفار.
العجيب: حكى النقاش: (يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) ، أي شباباً، وهذا خطأ.
قوله: (السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) .
أي بسبب ذلك اليوم، مشتقة واهية، وقيل: في ذلك اليوم، والباء
بمعنى "في"، الزجاج: قيل: في التفسير مثقلة باللهِ، وذكر السماء حملاً
على السقف. وقيل: ذات انفطار.
قوله: (أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) .
أي قريباً منه، وقيل: أقل منه ومن نصفه ومن ثلثه. ومَنْ نَصَبَ
فالمعنى: تقوم نصفه وثلثه، فيكون عطفاً على أدنى.(2/1268)
الغريب: كانوا لا يعرفون مقادير الليل، فكانوا يقومون الليل كله.
فأنزل إنك أمرت أن تقوم أدنى من هذه المقادير، وأنت تقوم الليل كله.
العجيب: ابن بحر: معناه: أنه أداه كما أمر أول السورة.
قوله: (وطائفةٌ) عطف على الضمير في تقوم، وقيل: وآخرون
يقاتلون أيضاً عطف عليه، والظاهر أنهما معطوفان على مرضى.
قوله: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) أي أنه يكون، فلما خفف حيل بينه وبين
الفعل بالسين، وجعل اسمه مقدراً، والفعل وما بعده خبره.(2/1269)
سورة المدثر
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) .
أي المتدثر للنوم، عكرمة: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ بالنبوة وأثقالها، وقد تدثرت
هذا الأمر فقم به.
قوله: (قُمْ) .
أي قيام نهوض، وقيل: قيام عزم، وقيل: قُمْ وارفض الراحة وبلغ
الرسالة وأنذرهم عذاب الله. وهي أول سورة نزلت، وقيل: أول سورة بعد
سورة اقرأ.
العجيب: معناه إلى متى تضرب الطبل تحت الكسا قُمْ ودع الهوينا.
قوله: (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) .
صفه بكبر الشأن.
الغريب: جاء في الحديث: أنهم قالوا: بم نفتتح الصلاة، فأنزل:
(وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أي قل: الله أكبر.
قوله: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) .
أي لباسك فطهره للصلاة. وعن علي - رضي الله عنه - فقصر، فإنه
أبقى وأنقى وأتقى. وقيل: طهرها من الذنوب، وقيل: لا تلبسها على غدر
فإن الغادر دنس الثياب، وقيل: عملك فأخلصه.(2/1271)
الغريب: اختر أزواجاً مؤمنات، من قوله: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ)
وقيل: قلبك، وقيل نفسك.
قوله: (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) .
لا تعطِ أحداً شيئاً لتأخذه أكثر من ذلك، وهذا خاص له - عليه
السلام -، لأنه كان مأموراً بأجل الأخلاق. وقيل: لا تمنن على الناس بأداء
الرسالة.
الغريب: لا تمنن على الله بحسناتك، وتستكثر حال.
قوله: (النَّاقُورِ) ، هو الصور.
الغريب: النَّاقُورِ، القلب.
قوله: (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) .
ذلك إشارة إلى النقر، ويومئذ منصوب به، أي ذلك النقر في يومئذ يوم
عسير خبره، وتقديره ينقر، وقيل: إشارة إلى وقت النقر، يَوْمَئِذٍ بدل منه غَيْرُ يَسِيرٍ خبره.
العجيب: قول من قال: تقديره: فذلك يوم عسير على الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ يَوْمَئِذٍ، أي حينئذٍ، وهذا بعيد، لأن ذلك يصير مبتدأ، ويوم عسير خبره
و"يومئذ" من صلة الخبر والعامل فيه إن جعلت، قوله عسير لا يصح، لأن
الصفة لا تعمل فيما قبل الموصوف، وإن جعلت قوله: (غَيْرُ يَسِيرٍ) لا يصح
أيضاً، لأن المضاف لا يعمل فيما قبل المضاف إليه، وقد جوز الزجاج في
(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) ذلك في "غير" على الخصوص لأنه في معنى
"لا" فعلى ذلك يجوز أن يعمل "يسير"، في يومئذ، وقيل: "يومئذ"، رفع، بني لإضافته إلى مبني.(2/1272)
قوله: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11) .
قيل: حال من المفعول، أي خلقته وحيداً لا ولد له ولا مال، وقيل:
حال من الضمير المرفرع أي خلقته وحدي، ولا يمتنع من أن يكون حالًا من
الضمير المنصوب، أي: ذرني وحيداً.
العجيب: "وحيداً" معناه ولد الزنا، وهو الوليد كما جاء فيه
(زنيم) ، أي بغير رِشْدةٍ.
الغريب: كان الحسن يقول: كانوا يسمون الوليد، الوحيد.
ومن الغريب: صاحب النظم، لا يكون الوحيد صفة لله، لأن الوحيد
يدل على تفرد بعد تجمع، والله سبحانه لا يوصف بذلك.
قوله: (مَالًا مَمْدُودًا) .
أي ألف دينار، وقيل: ممدودا لا تنقطع غلته وأجرته. وقيل: أغناماً
تتمدد في الأرض بالرعي، وقيل: أرضاً مُغِلَّفة فيها نخيل وأشجار.
(وَبَنِينَ شُهُودًا (13) .
حضورا معه، وكانوا اثني عشر، وقيل: نجباء خياراً يحضرون معه
الفَخار والنزال.
الغريب: إذا ذكر ذكروا معه.
قوله. (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) .
تقديره: فعاند وكفر ثم يطمع أن أزيد "كلا"، فلم يزل بعد نزول الآية
في نقصان من المال والجاه، ومات فقيراً.
قوله: (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (29) .
أي محرقة مسودة لظاهر البشرة.(2/1273)
الغريب: الأخفش: مُعْطشة للخلق من اللُوح وهو العطش، وقيل:
تلوح الخلق إذا رأوها من بعيد.
قوله: (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) .
أي ملكا، وقيل: صفاً، وقيل: صنفاً من الملائكة.
العجيب: قرىء في الشواذ "تسعةُ أعشرٍ"، فيكون على هذا
تسعين.
والحكمة في تخصيص خزنة النار بهذا العدد، ما قاله سبحانه (وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً) الآيات.
وقد ذُكر فيه وجوه كلها ضعيف، منها أن
طبقات النار سبع تفرد مالك بأولها، لأن فيها المذنبين من المؤمنين، فيرفق
بهم، إلى أن يخرجهم الله منها بفضله، ثم في كل واحدة منها ثلاثة منهم.
وقيل: التسعة نهاية العدد القليل، وعشر بداية العدد الكثير، وليس للعدد
الكثير نهاية، فجمع بينهما، أي عليهما ما يعلم الله من الملائكة، وقيل:
جعل أوتاد الأرض وهي الجبال: تسعة عشر كذلك، وجعل أوتاد النار وهم
الملائكة تسعة عشر، وزعم هذا القائل أن قد عدت جبال الأرض المتشعبة
عنها فبلغت مائة وتسعين، وقيل: حفظ الله نظام العالم باثني عشر برجاً وسبع
سيارات، كذلك حفظ نظام جهنم بمثل هذا العدد ملائكة، وقيل: إنها على
عدد حروف بسم الله الرحمن الرحيم، ليدفع المؤمن بكل حرف منها واحداً
منهم، فقد سبقت رحمته غضبه، وقيل: ساعات الليل والنهار أربع
وعشرون، خمس منها للصلوات الخمس، وباقيها وهو تسعة عشر، فمن
حفظها بذكر الله ذب كل ساعة منه ملكاً منهم، ومن ضيعها عذبه التسعة
عشر. قال الشيخ: قد حكيت لك ما ذكره المفسرون في الآية، إذ لم تخل
من فوائد، ويحتمل أيضاً أن المراد بذلك أن جهنم أسفل كل مخلوق وفرقها(2/1274)
وعليها تسعة عشر، وهو العرش والكرسي وسبع سموات وسبع أرضين
والصخرة التي عليها الأرضون والبقرة والحوت، وفي كل واحد من هذا ومع
كل واحد من الملائكة ما شاء الله وليس يقصر هذا عما قالوه - والله أعلم.
قوله: (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً)
لما نزلت هذه الآية وفيها (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ (30) ، قال أبو جهل: زعم
ابن أبي كبشة أن خزنة النار تسعة عشر، وأنتم الدهماء، أفيعجز كل عشرة
منكم أن يأخذوا واحدا منهم ثم يخرجون من النار، وقال أبو الأشدين كلدة
بن أسيد - وكان يوصف بالقوة -: أنا أكفيكم سبعة عشر منهم، فاكفوني
اثنين، فأنزل الله (وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً) ، والواحد منهم
يأخذ أرواح جميع الخلق، والواحد منهم قوة الثقين.
(إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ (35) .
الهاء نعود إلى "سَقَر"، وقيل: إلى مبهم.
الغريب: (أي، آيات القرآن.
العجيب: الحسن: إن تكذيبكم محمداً - عليه السلام - من
الكبائر.
والكبر: جمع الكبرى.
قوله: (نذيراً) .
أي منذراً، وقيل: مصدر، كتكبر، أي: ذا نذير،(2/1275)
قال الزجاج وأبو علي وغيرهما: "نذيراً" منصوب على الحال، وهو حال عن إحدى، أو عن الكبر، وفي إحدى معنى التفرد، وفي الكبر معنى الكبر أو حال عن "قُمْ" أول السورة، أي قم منذراً. هذه الثالثة مذكورة في التفاسير، وقد أضيفت إليها ثلاثين وجهاً) : منها فأنذر نذيراً من وجهين: أحدهما: حال من الضمير.
كما تقول: قم قائماً، والثاني: مصدر. ومنها وربك نذيراً لِلْبَشَرِ، فقد جاء في صفة كما سبق في الفرقان وغيره. ومنها فبهر نذيراً لِلْبَشَرِ، ومنها وثيابك نذيراً لِلْبَشَرِ فيمن حمل الثياب على النفس وعن الكاف أيضاً لأنه خطاب للنبي عليه السلام -، ومنها فطهر نذيراً، فقس على هذا ما يعود إلى
الله سبحانه - في قوله (ذرية) وكذلك ما يعود إلى - النبي - عليه السلام ومنها في الناقور، نذيراً لِلْبَشَرِ. ومنها سأصليه نذيراً لِلْبَشَرِ، وسقر نذيراً لِلْبَشَرِ، ومنها ملائكة نذيراً لِلْبَشَرِ. يكون وصفاً، ولا حاجة إلى الجمع ولا إلى علامة التأنيث، لأنه مصدر، ولأن فعيلا يقع للجمع والمؤنث. ومنها تسعة عشر
نذيراً فيكون نصباً على التمييز، والتقدير تسعة عشر ملكاً نذيراً، فحذف
الموصوف وجاز الإحالة بين الموصوف والصفة، وذلك في القرآن كثير.
وجاء أيضاً للإحالة بين العدد والمميز، كقوله:
2521. . . . . . . . . . . . . . . .. ثلاثونَ للهجرِ حولاً كميلاً
فنصبه من أربعة أوجه:
حال، ومصدر، وصفة لمنصور، وتمييز، ويجوز
إضمار أعني، يكون مفعولاً به - والله أعلم -.
قوله: (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) .
أي الأسد، وقيل: الرماة الصيادون.
الغريب: ابن عباس: فرت من ركز الناس وصوتهم.(2/1276)
العجيب: من سواد الليل.
قوله: (وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) .
المفعول محذوف، أي شيئاً، إلا بِأَنْ يَشَاءَ، فحذف الجار.
فنصب - والله أعلم -.(2/1277)
سورة القيامة
قوله تعالى: (لَا أُقْسِمُ) .
"لا" رد لإنكار المشركين البعث، وقيل: تأكيد للكلام وصلة له.
الغريب: أصله لا قسم اعتباراً بقراءة القواس عن ابن كثير، ثم
أشبع فظهر الألف، والغالب في هذا اللام أن تصحبه النون.
العجيب: نفي الإقسام، قال: وقد يؤكد الكلام بنفي القسم، كما يؤكد
بالقسم، لأن لفظ الإقسام إذا ذكر يجري مجرى القمم، وهذا ضعيف.
لقوله: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) .
ومن العجيب: قول من قال: أراد لا أقسم بيوم القيامة، بل أقسم برب
القيامة، وكذلك أخواتها، وهذا باطل بقوله: (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) ، وأمثاله.
وعن الحسن: لا أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس، أي أقسم
بالأولى ولم يقسم بالثانية، وعنه أيضاً لا أقسم فيهما.(2/1279)
قوله: (أَلَّنْ) .
هي المخففة من المثقلة، قام مقام المفعولين.
قوله: (بَلَى قَادِرِينَ) .
نصب على الحال، والعامل عند الجمهور نجمع، أي نجمع قادرين.
الفراء: قَادِرِينَ واقع موقع نقدر، أي نقدر على أن نُسَوِّيَ، وهذا
ضعيف، لأنه يستدعي قادرون بالرفع لأنه عنده بمنزلة قولك: يضرب زيد.
ثم تجعله اسماً، فتقول ضارب زيد.
العجيب: قول من قال: تقديره، بلى احسِبْنا قادرين لأنا مأمورون
بالعلم والإيقان، لا بالشك والحسبان.
وأعجب من ذلك قول من قال: قَادِرِينَ منصوب بقوله "نُسَوِّيَ"، وهذا
فاسد، من وجهين:
أحدهما: أن ما بعد أن لا يتقدم عليه، والثاني: أنه يصير
الكلام دوراً بلا ابتداء ولا انتهاء.
قوله: (أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ)
أي نسويه كما كان، فذكر أصغر ما فيه.
وقيل: نجعله كخف البعير أو حافر الفرس، فلا يمكنه الانتفاع بذلك.
قوله: (لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) .
يكذب بالقيامة، وقيل: يؤخر التوبة ويمضي في المعاصي.
الغريب: يعزم على المعصية في أوقات لعله لا يبلغها.
قوله: (بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) .
ذهب ضؤه وغاب.
الغريب: "الْقَمَرُ" ها هنا بياض العين.(2/1280)
قوله: (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) .
ذكر الفعل حملاً على القمرين.
قوله: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12)
رفع بالابتداء، "إِلَى رَبِّكَ" خبره، و"يَوْمَئِذٍ" منصوب بما في الجار
من معنى الفعل.
قوله: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) .
الجمهور، على أن الهاء للمبالغة، كالعلامة والنسَّابة، فقيل: ذو
بصيرة، أي ذو حجة.
الغريب: هو بمنزلة قولك: زيد على رأسه عمامة، والبصيرة على هذا
جوارحه أو ملكاه.
قوله: (مَعَاذِيرَهُ) .
جمع معذار، وهو العذر، أي أظهر عذره وجادل عن نفسه.
الضحاك: المعذار: الستر.
الغريب: ابن عباس: ثيابه، أي: تجرد عنها.
العجيب: ألقى معاذيره أي سكت عنها.
قوله: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) إلى قوله (بَيَانَهُ) .
اعتراض بين الكلامين، وكان - عليه السلام - إذا أتاه الوحي تلاه قبل
فراغ جبريل مخافة النسيان، فأنزل الله هذه الآيات.(2/1281)
الغريب: هذا خطاب للعبد يوم القيامة، وليس باعتراض، أي إذا أتاه
كتاب الحفظة، يقال: لا تحرك به لسانك ولا تعجل.
قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) .
أي حسنة مشرقة. ينظر إذا كان بمعنى الانتظار لا يعدى بـ "إلى".
العجيب: "إِلَى" في الآية بمعنى النعمة، وما بعده مجرور بالإضافة أي
منتظرة نعم ربها، وهذا بعيد سحيق.
قوله: "نَاضِرَةٌ ونَاظِرَةٌ"
خبران للمبتدأ، وهو وجوه ويجوز أن يكون
أحدهما صفة لوجوه والآخر الخبر ويومئذٍ متعلق به.
قوله: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30) .
هر المبتدأ و "إِلَى رَبِّكَ" الخبر و "يَوْمَئِذٍ" متعلق بما في "إِلَى"
من معنى الفعل، كما سبق، ولا يتصل بالمساق سواء جعلته مصدراً أو
مكاناً.
قوله: (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) .
صدق من التصديق، أي لم يصدق برسول الله ولا صلى لله.
العجيب: ولا صلى معناه لم يتبع الرسول، من قول الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . . .. تلق السوابق منا والمصلينا
الغريب: الحسن: هو من الصدقة، وفيه بعد.
و"لا" الثانية زائدة، وجاز دخوله على الماضي للتكرار.
قوله: (أَوْلَى لَكَ) .(2/1282)
سبق في سورة القتال -
قوله: (يُمْنَى) .
جملة فعلية في محل نصب صفة لقوله: "نُطْفَةً"، ومن قرأ بالياء.
فالجملة في محل جر صفة "مَنِيٍّ"، ومعنى "يُمْنَى" يصب في الرحم.
قوله: (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ) .
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ هذه الآية قال: "سبحانك اللهم، وبلى.(2/1283)
سورة الإنسان
قوله تعالى: (هَلْ أَتَى) .
استفهام بمعنى التقرير، وقيل: هل بمعنى قد فهو خبر.
الزجاج: استفهام معناه النفي، أي: لم يأت. والإنسان، هو آدم - عليه السلام -.
و (حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) ، أربعون سنة. ابن مسعود: مائة وستون سنة.
فإن آدم كان تراباً أربعين سنة، ثم صلصالاً أربعين سنة، ثم حمأً مسنوناً
أربعين سنة.
الغريب: الإنسان عام، وحين من الدهر تسعة أشهر، وهي مدة لبثه
في بطن أمه، ويجوز أن يكون المراد بقوله: "حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ" زمان الفترة
أي أتى على الناس زمان لم يذكروا بوحي ولم يبعث إليهم رسول.
قوله: (أَمْشَاجٍ) .
جمع مشيج، ومَشَج - بفتحتين - مَشِج وهو من مشجت أي خلطت
يعني ماء الرجل وماء المرأة، وقيل: اختلاف ألوانه، فإن ماء الرجل أبيض
ثخين، وماء المرأة أصفر رقيق.
الغريب: الأمشاج: الحروق التي ترى في المني.(2/1285)
العجيب: ابن عيسى: الأمشاج الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
لهذا جمع.
الغريب: نطفة)
حال من الضمير في خلقنا أي خلقناه مبتلين، ويجوز
أن يكون حالاً من الإنسان، أي خلقناه مبتلى.
الغريب: الفراء: فيه تقديم وتأخير، أي فجعلناه سميعاً بصيراً
لنبتليه، فلما حذف اللام سكن الياء.
العجيب: زيَّف بعضهم هذا القول، وقال إرادة التكليف، أو حيث
كونه سميعاً بصيراً.
قوله: (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) .
"إِمَّا" بمنزلة أو، أي هديناه شاكراً أو كفوراً، وهما نصب على الحال.
وأجاز الكوفيون أن يكون "إن" للشرط وما للتأكيد، وتقديره: إنْ شكر أو
كفر، وهذا ضعيف عند البصريين من وجهين، أحدهما: أن إنْ يستدعي
فعلاً. والثاني: يلزم رفع شاكر.
قوله: (كَافُورًا) .
قيل: هو اسم ماء، وقيل: يمزج بالكافور لبرده وطيب عرفه.
العجيب: يمزج برائحة الكافور.
قوله: (عَيْنًا يَشْرَبُ) .
العين: ينبوع الماء، ونصبها على البدل من الكافور، إذ هما ماءان.
وقيل: حال من الضمير في مزاجها. وقيل: بدل من كأس على المحل.(2/1286)
الغريب: نصب بـ يَشْرَبُ بِهَا، كما تقول: زيداً مررت به.
قوله: (بِهَا) قيل: " الباء" زائدة، أي يَشْرَبُ بِهَا، وقيل: معناه.
يروى بها. وقيل: الباء للظرف كما تقول: شربت ببغداد، أي فيها.
وقيل: منها.
العجيب: نصب على المدح، قاله الأخفش.
قوله: (عَلَى حُبِّهِ) .
أي على حب الله، وقيل: على حب الطعام وعزته.
الغريب: على حب الإطعام. قال الشيخ: ويحتمل على حب الله
الإطعام، ويكون المصدر مضافاً إلى الفاعل.
قوله: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ) .
أي يضمرون هذا القول في أنفسهم من غير تصريح.
قوله: (شُكُورًا) مصدر شكر، وقيل جمع شُكْراً، أي شُكْراً بعد
شُكْر.
قوله: (قَمْطَرِيرًا) .
هو أشد ما يكون من الأيام.
الغريب: سئل الحسن عن القَمْطَرِير، فقال: سبحان الله ما أشد
اسمه، وهو أشد من اسمه.
الماوردي: كلاهما من صفة وجه الإنسان في
ذلك اليوم، والعبوس بالشفتين، والقمطرير بالجبهة والحاجبين، وأصله من
اللف، أي شره ملتف.
قوله: (بِمَا صَبَرُوا) .(2/1287)
أي بصبرهم.
قوله: (حريراً) هو لباسهم فيها.
الغريب: الحرير، كناية عن لين العيش.
قوله: (متكئين فيها) .
نصب على الحال من جزاهم.
الغريب: نصب على المدح.
العجيب: حال صفة للجنة، وفيه بعد، لأنه لا بد فيها من إبراز
الضمير، فيكون متكئين على الأرائك هم.
قوله: (لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13) .
الزمهربر عطف على المعنى، أي لا ينالون زمهريراً فإن الزمهرير لا
يرى وهو البرد الذي يأتى على الأطراف لشدته.
الغريب: هما كنايتان عن الحر والبرد، أي لا ينالونهما.
العجيب: الزمهرير، القمر، وأنشد:
وليلبما ظلافها فيها اعنكَرْ قطَعتُهاوالزَمهرير ما زَفر
قوله: (وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا) .
ليس في الجنة شمس، وإنما المعنى: قربت أشجار الجنة منهم حتى
صارت كالمظلة عليهم، وهي نصب على الحال، عطف على متكئين.
وقيل: صفة للجنة، والواو زائدة.
الغريب: وجنة دانية، فحذف الموصول، ومثله في المعنى مقام ربه
جنتان.(2/1288)
قوله: (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) .
أي من صفاء الفضة، فحذف المضاف، وقيل: زجاج الدنيا من
الرمل وزجاج الجنة من الفضة.
الغريب: القارورة من الظروف ما استقر فيها المائع، وليست في
الآية اسماً للزجاج.
من نون "سلاسلاً" و "قَوَارِيراً" فلِرُؤسِ الآي والموافقة، لأن أصل
كل اسم الصرف، فجاء على الأصل المرفوض، كاستحوذ واستنوق.
وأشباه ذلك.
قوله: (زَنْجَبِيلًا) .
قيل: هو ماء، وقيل: هو الزنجبيل بعينه، والعرب تستلذه.
ابن عيسى: إذا مزج الشراب بالزنجبيل فاق في الالتذاذ.
قوله: (عَيْنًا) .
بدل من الزنجل فيمن جعله ماء، وقيل: يُسْقَونه عيا، أي ماؤها.
قوله: (سَلْسَبِيلًا) .
اسم العين، لقوله" تسمى"، ومعناه الشديد الجري، وانصرف
قياساً على سلاسل وقوارير.
الغريب: "سَلْسَبِيلًا" صفة للعين، أو بدل، ومعنى تسمى تذكر فلا
يحتاج إلى مفعول آخر.
العجيب، ابن المبارك: سل سبيلاً من الله إليها، فيجوز أن تكون
هذه الجملة اسماً لها، كقوله: تأبط شراً، وبرق نحره، ويجوز أن تكون
تسمى تذكر كما سبق، فيكون ما بعده استئناف كلام: سل من الله سبيلاً.
واتصاله في الخط لا يدفع هذا التأويل، لكثرة نظائره في القرآن.(2/1289)
قوله: (مُخَلَّدُونَ) .
أي دائمون لا يشيبون، وقيل: مُقَرطُونَ ومُسَورون من الخَلَدة.
قوله: (منثوراً) منظوم اللؤلؤ أحسن من منثوره، لأن المراد بهم
الخدم، فهم يترددون فيها للخدمة والطواف.
(وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا) .
أي نظرت" ثَمَّ" فهو ظرف. الفراء ما ثَمَّ، وهذا لا يجوز عند
البصريين، لأنه حذف الموصول وإقامة الصلة مقامه، وقيل: أشياءَ ثَم.
فحذف الموصول وأقام الصلة مقامه، وقيل: ثَمَّ مفعول به، أي وإذا رأيت
الجنة رأيت نعيماً.
قوله: (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ) .
أي يعلوهم ثياب الحرير، ونصبه على الحال، لأن إضافته ليست
بمحضة، وذو الحال الضمير في جزاهم، وقيل: الضمير في رأيتهم، وهم
الولدان. وقيل: نصبه على الظرف، أي فوقهم، وثياب سندس يرتفع بما
في عاليهم من معنى الفعل، ومن سكن جعله صفة لقوله "ولدان"، وقيل:
"ثياب " مبتدأ، (عَالِيَهُمْ" خبره.
قوله: (آثِمًا أَوْ كَفُورًا) .
أو بمعنى الواو أفاد معنى زائداً، أي كل واحد منهما أهل أنْ يعصى.
قوله: (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ) .
منصوب بفعل مضمر، دل عليه "أَعَدَّ لَهُمْ" كما تقول: زيداً مررت
به، ولا يقال، هو مجرور لمكان الياء واللام، لأن الفعل إذا اكتسب جاراً
ثم أضمرا جميعاً نصب الاسم بعده.(2/1290)
سورة المرسلات
ابن مسعود - رضي الله عنه - إنها نزلت ونحن مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار بمنى.
قوله تعالى: (عُرْفًا) .
أي متتابعة كعرف الفرس، فهو نصب على الحال، وقيل: أرسلت
بالعرف، أي أرسلت الملائكة بالأمر والنهي، فيكون عرفاً مفعولا به.
قوله: (وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (3) .
عطف بالواو قبله، وبعده بالفاء، لأن الله سبحانه جعل ذلك قسمين:
عاصفاً للعذاب، وناشراً للرحمة.
قوله: (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (5) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (6) .
هما منصوبان على المفعول له، وقيل: منصوب على المفعول به من
الذكر، أي: يذكر عذراً أو نذراً. وقيل: بدل من الذكر، وقيل: صفة
للذكر، أي ذكراً ذا عذرٍ أو نذر.
الغريب: حال من الملقيات، أي تلقي معذرين ومنذرين.
قوله: (فَإِذَا النُّجُومُ) .(2/1291)
وما بعدها مرفوع بفعل مضمر يدل عليه الفعل الذي بعده، وقيل:
يرتفع بالابتداء والجملة الفعلية بعده الخبر. والأول: مذهب
البصريين، ومحل إذا نصب، تقديره: اذكر، وقيل: بالجواب المضمر تقديره
تقوم القيامة.
قوله: (وُقتت) (1) .
خفيف من قوله كتاباً موقوتاً، والتشديد من التوقت، وهو في الكلام
أكثر. وأقتت، قلبت الواو المضمومة همزة، وهو قياس مطرد.
قوله: (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ (12) .
اللام تعلق بـ "أُجِّلَتْ"، وقوله" "لِيَوْمِ الْفَصْلِ" متعلق بآخر مقدر.
أي أُجِّلَتْ ليوم الفصل، ويجوز أن يكون بدلاً من قوله "لأي يوم " مع اللام
كقوله "للذين استضعفوا لمن آمَنَ ".
العجيب: قول من قال، لأي يوم متعلق ب "أقتت "، وهذا سهو.
فإن جعلت الجملة لأي يوم أجلت متعلق على معنى أعلمت لأي يوم أجلت
جاز، فتكون الجملة واقعة موقع المفعول الثاني لأعلمت.
قوله: (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (17) .
هم الذين قتلوا ببدر بعد نزول الآية، ومن قال هم الذين أهلكوا في
العصر الأقرب من محمد - عليه السلام - فقد فسره على قراءة من قرأ
"نتبعْهم " بالجزم - وهو شاذ -.
قوله، (فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) .
__________
(1) في المصحف (أُقِّتَتْ) ، و (وقتت" قراءة أبي جعفر. وقرأ أهل البصرة غير رويس بالواو والتشديد، وقرأ الباقون "أقت"، مجمع البيان 5 / 414 والسبعة ص 666.(2/1292)
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (23) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (24) أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26) وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا (27) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (28) انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30)
أي الرحم يتمكن فيه الدلو.
الغريب: هو من المكانة والمنزلة لكونها مكان تصوير الله.
قوله: (فَقَدَرْنَا) .
التخفيف أظهر، لقوله: (فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) ، ومن شدد جمع بينهما.
كقوله (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ) .
قوله: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا (25) .
مصدر، معناه تكفت، و (أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (26)
مفعولان، وقيل: كفاتاً، جمع كافتة، أي كافتة للخلق أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا، فيكونان منصوبين على الحال.
الغريب: كفاتاً أوعية، وأحياء وأمواتاً حالان من الأرض، وهو ما ينبت وما لا ينبت.
قوله: (مَاءً فُرَاتًا) .
هو أعذب ما يكون، ضد الأجاج، ابن عباس: أصول أنهار
الأرض، أربعة: سيحان وهو دجلة والفرات والنيل وجيحان.
قوله: (انْطَلِقُوا) .
تقول لهم الخزنة: امضوا إلى النار التي كتم بها تكذبون، هو مطاوع
أطلق وهو نادر، وقيل: هو مطاوع أطلق من قوله: أطلق يديك تنفعك يا
رجل.
الغريب: هذا يأس من المأمول لا أمر بالانطلاق.
قوله: (إِلَى ظِلٍّ)
يعني دخان جهنم.
الغريب: الظل هو النار نفسها، لأن مرجعهم إليها لا إلى ظلها.
وقوله: (ثَلَاثِ شُعَبٍ)
من قدامه ويمينه ويساره، فكلما خرج من(2/1293)
موضع فجهاته هذه الثلاث فحسب، وقيل: من فوقه ويمينه ويساره، أي
محيط به.
الغريب: (ثَلَاثِ شُعَبٍ) ، هو ما فسره الله، (لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ) أي ثلاث صفات.
العجيب: شعبة من النار، وشعبة من الدخان، وشعبة من الزمهرير.
قوله: (كَالْقَصْرِ) .
أي كالقصر من البناء في حال ارتفاعه، وكالجمالات في حال تفرقه
وهبوطه، وقيل "الْقَصْرِ" الحطب الجزل، وأصل الشجر قَصْرة، وقَصْر
كتَمْرة وتَمْر، وقريء في الشواذ "كالقَصَر" - بفتحتين -.
قوله: (هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) .
أي في بعض اليوم، وإضافة إلى الفعل يدل على ذلك كما تقول:
آتيك يوم يقدمَ زيد، وإنما يقدم في بعض اليوم.
الغريب: أي لا ينطقون بحجة.
قوله: (يَعْتَذِرُونَ) .
عطف على لا ينطقون، وليس بجواب، وقوله: (وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ) .
أي ليس لهم عذر فيؤذون لهم في الاعتذار -
الغريب: لا يسمع منهم عذر من قوله أذن له إذا استمع قوله.
قوله: (فَكِيدُونِ) .
الكيد، متعد، تقول: كدت فلاناً، والمعنى: فاحتالوا عليَّ، - واللْه
أعلم.(2/1294)
سورة النبأ
قوله تعالى: ((عم يتساءلون) .
"عن" متصل بقوله " يتساءلون"، وقدم على الاستفهام، وفي "مَا"
عموم، ثم بين فقال "عن النبا" أي يتساءلون عن النبأ، فهو متعلق بفعل آخر، دل عليه الأول، والأول: استفهام، والثاني: خبر.
الغريب: "عم " بمعنى "لِمَ" "عن" الثاني متعلق بيتساءلون الظاهر..
العجيب: عن النبأ بدل من الأول مع إعادة الجار، وألف الاستفهام
مقدرة أي أعنِ.
قوله: (والجبال أوتاداً) .
أي تحفظها عن انقلابها.
الغريب: أي هيأتها كهيئة الأوتاد.
قوله: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) .
قطعا لأعمالكم، وراحةً لأبدانكم.(2/1295)
الغريب: المفضل: معناه جعلنا له ابتداء لتأخذوا أهبته، ولم يصرعكم
في مواضع تهلككم.
قوله: (مَعَاشاً) ، أي سببا لمعاشكم.
الغريب: زمانا للعشرة واللذة.
قوله: (من المعصرات) ، أي السحاب، والعصير أيضاً.
الغريب: المعصرات الرياح ذات الأعاصير، من قوله "إعصار".
و"من" بمعنى الباء.
العجيب: الحسن وقتادة: المعصرات: السماء.
قوله: (وجناتٍ) .
أي أشجار جنات، فحذف المضاف، وقوله (ألفافاً) جمع لِفٍّ كجِذْع
وأجذاع، وقيل: لفيف، كشريف وأشراف، وقيل: جمع لُفٍ، ولفَّ جمع
لَفَّاء.
قوله: (يوم ينفخ) .
بدل من يوم الفصل.
قوله: (لابثنَ فيها أحقاباً) .
هذا غير مؤقت، وإنما المؤقت: أن يقول: خمسة أحقاب أو عشرة.
الغريب: خالد بن معدان، هذه الآية في أهل القبلة وهم لا يخلدون.
العجيب: الآية منسوخة. ومن العجيب، هذا في حق جميع أهل النار
وأنها محدودة، وهذا قول بعض المتكلمين. وفيه بعد.(2/1296)
"لابثين" نصب على الحال.
الغريب: أحقابا متصل بما بعده، أي لا يذوقون فيها بردا ولا شراباً
أحقاباً.
قوله (لا يَذوقونَ) .
حال من الضمير في لابثين.
الغريب: فيها يعود إلى الأحقاب، والجملة صفة لها، ولم يحتج إلى
إبرأز الضمير لأنه فعل، وإنما يبرز الضمير من الأسماء إذا جرى على غير
من هو له.
قوله: (لا بذوقون فيها بردا) أي برد الماء وبرد الهواء، وقيل:
راحة، وقيل: نوما.
الغريب: "بردا" موتاً من قوله: ضربه حتى برد أي مات.
قوله: (جزاءَ) .
مصدر فعله مضمر، أي جوزوا جزاء.
قوله: (وِفَاقاً) مصدر أيضاً فعله مضمر، أي فوافق عملهم وفاقاً.
قال الشيخ: ويحتمل أنه وصف له، وهو جمع، أي أعمالهم.
قوله: (كذّاباً) ، مصدر كذب.
الغريب: روي عن الكسائي: كِذابا. بالتخفيفْ - فيكون مصدراً من
غير لفظ الفعل الأول، فيجوز أن يكون مصدر كاذب ويجوز أن يكون مصدر
كذب. قال:
فَصَدْقتًها وكَذبتُها. . . والمرءُ ينفَعُه كِذابه(2/1297)
أي كذبه. وقرأ الكسائي أيضاً الحرف الثاني ولا كِذاباً بالتخفيف.
والوجه ما سبق.
قوله: (جز اء. . . . حساباً) .
أي كثيراً، وقيل: كافياً.
الغريب: بحساب العمل وعند الله.
قوله: (يوم يقوم الرُّوحُ) .
مجاهد: خَلْقٌ في صورة بني آدم، وليسوا بهم. وقيل: جبريل.
الحسن: أرواح بني آدم قبل وصولها إلى الأبدان، وقيل: هم بنو آدم.
وقيل: ملك لم يخلق الله شيئاً بعد العرش أعظم منه.
قوله: (صفاً) أي صفوفا، وقيل: حال، أي مصطفين كذلك، "لا
يتكلمون" حال.
قوله: (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ) .
أي قدمه من خير أو شر، والمعنى: جزاءه، الحسن: قَدِم ققدِم على
ما قَدم.
الغريب: "مَا" استفهام، ومحل نصب، بقوله: "قدمت"، وعلى الوجه
الأول إلى ما قدمت. وكذلك قوله " أحصيناء كتاباً" أي في كتاب. وقيل:
نصب على المصدر، وفي الإحصاء معنى الكتابة.
الغريب: حال: أي أحصيناه مكتوبا.
قوله: (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا (40)
أي لم أخلق وكنت ترابا.. وقيل: لم أبعث وبقيت تراباً، وقيل: لما رأى الكافر البهائم(2/1298)
والوحوش والطيور، صارت تراباً بعد أن بعثت فانتصفت الجماء من القرناء.
تمنى أن يصير مثلها تراباً.
الغريب: من المفسرين من ذكر أن من أحياه الله من البهائم لا يميته
ثانيا، بل يرتعون في رياض الجنة.
العجيب: من المفسرين من زعم أن الأطفال يموتون مع البهائم، إذ
ليس لهم ثواب ولا عليهم عقاب.
ومن الغريب: "ويقول الكافر" يعني إبليس يا ليتني خلقت من التراب
ندماً على ما قال (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) .(2/1299)
سورة النازعات
قوله تعالى: (وَالنَّازِعَاتِ) .
للمفسرين في هذه الخمس أربعة أقوال: أحدها: أنها الملائكة.
وإليه ذهب علي وابن عباس وابن مسعود - رضي الله عنهم -، والعذر عن
التأنيث بعد نفيه سبحانه منهم، وإنكاره على قائليه أنه محمول على تأنيث
الجمع أي الملائكة النازعة، ثم جمعت النازعات على النازعات للكثرة
وقيل: محمول على أيدي الملائكة، والثاني: أنها الأزواج، قاله: السدي.
والثالث: الغزاة، والرابع: النجوم، وإليه ذهب معاذ بن جبل. وهذا ممتنع
في قوله "فالمدبرات أمراً"، لأن القولَ بأن النجوم هي القائمات لإصلاح ما
في العالم الأسفل وإفساده لا يوافق الشرع، فإن أراد بالمدبرات، المدبرات
كتأثير الشمس والقمر وغيرهما في العالم ضياء ونوراً وحرارة وفتورا، فليس
ببعيد، والحسن: حمل الكل على النجوم إلا المدبرات، فإنه حملها على
الملائكة.
قوله: (غَرْقًا) مصدر وقع موقع إغراق.
الغريب: المفضل: غرقا مفعول، والنازعات، وهي صفة النفس أي
نفساً غرقت غرقا.(2/1301)
قوله: (والناشطاتِ) .
هي من نشطت الدلو أخرجتها من البئر.
الغريب: هي من الألوطة، وهي العقدة يمد أحد طرفيها فينحل، خلاف
المبرم. وفيه ضعف، لأنه يقتضي المنثسطات، وقيل: هي من نشِط، أي بادر إلى الشيء فنجا به، وهذا أيضاً ضعيف، لأنه يقتضي والناشطات نشاطا
- بالفتح -.
وجواب القسم عند المبرد، "إن في ذلك لعبرة"، وعند الزجاج
مضمر، أي لتبعثن. وعند الأخفش: يوم ترجف، أي ليوم. صاحب
النظم: هل أتاك، لأنه بمعنى قد. والقول الظاهر قول المبرد.
قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) .
أي الصيحة الأولى، و "الرادفة" الثانية.
الغريب: الراجفة: الأرض من قوله تعالى: (يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا (14) .
ويوم منصوب بقوله (أبصارها خاشعة) ، ويومئذٍ منصوب
بـ "واجفة"، وقيل: واذكر يوم ترجف.
قوله: "في الحافرة".
هي أول الأمر، من قولهم: النقد عند الحافرة. ابن عباس: الحافرة
الحياة. المبرد: هي من قولهم: رجع على حافرته، إذا رجع في الطريق
الذي جاء فيه.
الغريب: الحافرة، الأرض تحفر فيها قبورهم، وهي بمعنى المحفورة.(2/1302)
الغريب: ابن زيد: الحافرة، من أسماء جهنم.
العجيب: هذا من كلام الكفار في القيامة يتمنون أن يردوا إلى الحياة
الدنيا والى الدنيا بعد أن صاروا عظاماً بالية. والجمهور على أن هذا قول
منكرى البعث.
قوله: (خاسرة) .
أي كرة أهلها خاسرون.
الغريب: خاسرة أي باطلة، لا تكون.
قوله: (بالساهرة) .
الساهرة: وجه الأرض، وهي في اللغة: الفلاة، والفراء:
سميت الأرض ساهرة، لأنها يسهر فيها وينام فيها. وقيل: هي أرض القيامة
لأنه يسهر فيها خوفا كالفلاة.
الغريب: سميت "ساهرة"، لأن عملها في النبات ليلاً كعملها فيه
نهارا.
وقيل: هذا مثل كما قال الشاعر:
إذا نحن سِرنا بين شرقٍ ومغرب. . . تحركَ يقظانُ التراب ونائمُه
العجيب: قتادة: هي اسم من أسماء جهنم.
قوله: (طوى) ، سبق في " طه ".
قوله: (فَأَرَاهُ الْآيَةَ) ، أي فذهب فأراه.(2/1303)
الغريب: تقديره، فأراه الآية الكبرى "فأراه الآية" فاعله هو الله لانقطاع الكلام.
قوله: (نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى) .
النكال: ما ينكل به غيره عن الإقدام على مثل ما فعله صاحبه. الآخرة
والأولى: العذاب في الدنيا والآخرة بالغرق والحرق. وقيل: من قوله (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ، ابن عباس ومجاهد: الأولى قوله:
(ما علمت لكم من إله غيري) ، والأخرى قوله: (أنا ربكم
الأعلى) ، وبينهما أربعون سنة. وقيل: أول عمله وآخره، ونكال الآخرة
منصوب بالمصدر، لأن في الآخرة معنى نكل.
قوله: (أم السماءُ) .
تقديره: أنتم أشد خلقا أم السماء أشد خلقا، ثم استأنف، فقال:
"بناها"، وأول الزجاج "أم" التي بناها وفيه نظر، فإنه لا يجوز حذف
الموصول وإقامة الصلة مقامه.
العجيب: قول من قال حال، بعيد لعدم العامل في الحال وإضمار قد.
ومن العجيب: قول من قال: تقديره، أنتم أشد خلقا أم السماء أنتم
أشد خلقاً أم الأرض بعد ذلك. ونصب أرض يدفع هذا التأويل.
قوله: (وأغطش ليلها وأخرج ضحاها) -
أي نهارها، وأضاف الليل والنهار إلى السماء، لأنهما يكونان بظهور
الشمس فيها، وغيبتها منها.(2/1304)
قوله: (متاعاً لكم ولأنعامكم) .
إشارة إلى قوله: (مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا) ، لأن الماء أصل كل نبات.
والمرعى يعم الأشجار والثمار والزروع وأنواع العشب.
قوله: (عن الهوى) .
أي هواها، وكذلك ماؤها، فحذف الألف واللام لروي الآية: وقول
الكوفيين، الألف واللام قام مقام الإضافة بعيد عند البصريين، فإن قالوا قام
مقام التعريف جاز، وكذلك قوله (فإن الجحيم هي المأوى) أي له.
قوله: (فيم أنت من ذكراها) .
من تمام كلامهم، ثم قال الله: يا محمد من ذكراها.
الغريب: (فيم أنت من ذكراها) من كلام النبي - عليه السلام -.
والمعنى: ليس ذلك من علمك، إنما علمها عند الله.
العجيب: تم الكلام على قوله (فيم) ، أي فيم يسألك المشركون.
وقيل: فيم تسأل آتيك عنها، ثم قال الله أنت يا محمد من ذكراها، أي من
أشراط الساعة.
قوله: (إلا عشية أو ضحاها) .
أضاف الضحى إلى العشية، أي ضحى يلي تلك العشية. تقول
العرب: أتيك صباحا ومساءا.(2/1305)
سورة عبس
قوله تعالى: (عبس) .
قطب وجهه، يعني النبي - عليه السلام -، أخبر عنه بالعبوس، ولم
يخاطبه معاتبة له، وقيل: تعظيماً.
قوله، (أن جاءَه الأعمى) .
أي لأن جاءه، فحذف، ومحله نصب مفعول له، وقيل: جر باللام.
وقيل: بمعنى إذ، وهو بعيد. قوله "الأعمى"، الألف واللام للعهد، وهو
عبد الله ابن أم مكتوم، وهو اسم أم أبيه، واسمه شريح، وذلك أن
النبي - عليه السلام - كان عنده أشراف قريش، وهو يدعوهم إلى الإسلام، فأتاه عبد الله يسأله عن أمر يتعلق بالدين، - وكان قد أسلم - فكره - عليه السلام - قطع كلامه، فظهرت الكراهية في وجهه، فأعرض عنه، فرجع عبد الله حزينا خائفاً أن يكون إعراضه عنه، إنما لشيء أنكره الله منه، فعاتب سبحانه نبيه بهذه الآيات.
الغريب: قال الأصم: بقي - عليه السلام - ووجهه كالرماد حزنا ينتظر ما
يحكم الله عليه فيما عاتبه، فلما نزل "كلا" سري عنه، لأن معناه لا تعد
بعد هذا إلى مثله.(2/1307)
العجيب: المبرد: بلغنا أنه - عليه السلام - لما قام أُخِذ ببصره، حتى
كان يصادم جدر مكة، وكان ذلك ساعة. وقيل: بقي كذلك سبع ساعات، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك يبالغ في إكرامه، ويبسط له رداءه، ويقول له مرحباً، بمن عاتبني الله فيه. واستخلفه على المدينة عند غزوه مرتين، وكان يَخْلفه في الإمامة ويؤذن له.
قوله: (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) .
عطف بـ "أو" لأن التزكي أعلى درجة من الذكر، فكأنه أراد مرتبة دون
مرتبة، وقيل: هو بمعنى الواو.
قوله: (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) .
ملائكة كرام على الله وعن المعاصي.
(بررة) .
جمع بار وهم الملائكة، قتادة: قراء القرآن، وقيل: الأنبياء. وقيل:
الصحابة والمؤمون.
قوله: (مَا أَكْفَرَهُ) .
استفهام، أيْ أي شيء حمله على الكفر، وقيل: تعجب، والمعنى:
هذا موضع التعجب لمن تعجب.
قوله: (ثم السبيل يَسّرهُ) .
أي طريق خروجه من بطن أمه، وقيل: سبيل الدين. فالخبر: إن
جعلت الهاء عائداً إلى الإنسان، فاللام مقدر، والسبيل المفعول الثاني، وإن
جعلته عائداً إلى السيل، فالسببل منصوب بفعل آخر دل عليه هذا الظاهر.
"وله" محذوف من الكلام وهو مراد قوله: (فَأَقْبَرَهُ) .
قوله: (فَأَقْبَرَهُ) .(2/1308)
أي أمر بأن يقبر، وقيل: جعل له قبرا يوارى في. وقبره: دفنه.
قوله: (لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ) .
الفراء: لم يقض ما أمره الله، مجاهد: لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه. والتقدير أمره به. فحذف الجار، وإحدى الهائين، والأولى
بالحذف ضمير الموصول.
قوله: (فلينظر الإنسان إلى طعامه) .
إلى رزقه، كيف خلقه الله، وليتأمل قدرته في ابتدائه وإتمامه.
الغريب: فلينظر إلى طعامه عند خروجه من بطنه، كيف كان وكيف
صار، ليعلم أنه محل الأنجاس فلا يطغى.
العجيب: الحسن: وُكِّلَ بابن آدم ملَك يثني رقبته في الخلاء لينظر
ماذا يخرج منه.
قوله: (أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) .
أي من السماء على السحاب، وقيل: من السحاب.
وقرىء - بالكسر - على الاستئناف - وبالفتح على إضمار اللام "، أي لأنا صببنا.
أبو علي: الفتح بدل اشتمال من الطعام.
الغريب: أنى بمعنى كيف، فتجوز فيه الإمالة.
قوله: (فأنبتنا فيها حباً) الآية.
قوله (فاكهة) أي للإنسان، و (أبا) للبهائم.(2/1309)
الغريب: الفاكهة: الرَطْب من الثمار، والأب: اليابس منها.
العجيب: ذكر النحاس، أن ابن عباس قال بين يدي عمر: نبات
الأرض سبعة، فقال عمر: لا أفهم ما تقول، فقرأ (فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)
فقال عمر: هكذا فتكلموا كلما نكلم هذا الفتى.
(وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) .
أي وأشجار وحدائق غلباً أي غلاظاً.
الغريب: قتادة: الغلب: الكرام من الشجر، ولم يعد ابن عباس
حدائق غلباً في الآية.
قوله: (من أخيه) الآية.
الغريب: قال الشيخ: يحتمل أن في هذا الترتيب فائدة، وهي أن هذا
مثل ضرب في حق الأقرب فالأقرب رؤية واتصالاً ومعرفة، والمراد بالأخ
التوأم، فإنه يراه الجنين في بطن أمه قبل كل أحد ثم أمه بعد الولادة، ثم أباه
ثم صاحبته ثم بنيه.
قوله: (شَأْنٌ يُغْنِيهِ) .
أي يشغله عن غيره.
الغريب: القُتَبي: يغنيه: يصرفه، يقال أغْن عني وجهك: أي اصرفه.
العجيب: قُرىءَ "يعنيه " من قوله - عليه السلام - "من حسنِ إسلام
المرءِ تَركُه ما لا يَعنيه.(2/1310)
سورة التكوير
قوله تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) .
"إذا" ظرف مؤقت يستدعي جوابا، وجوابه في قوله (علمت نفس ما
أحضرت) ، وهو العامل فيه، والجملة بعد "إذا" في حكم المجرور
بالإضافة، قال ابن عباس: هي اثنتا عشرة: ست منها في الدنيا، وست
منها في القيامة، وهي بأجمعها شرط وجزاء، وإن شئت قلت: فعل وفاعل.
الفعل "علمت" والفاعل (نفس) وما سواهما مفعول، وصلة، وظرف، وكلها فضلة لا تعد من الجُملة، وتكويرها: تلفيفها على جهة الاستدارة، من تكوير العمامة وكارة القصارة.
الغريب: تكويرها: لفها مع القمر. من قوله: (وجُمِعَ الشمسُ
والقَمرُ) . ولهذا لم يذكر القمر في الآيات.
العجيب: سعيد عن قتادة: كورت: كور كرد فارسي معرَّب.
قوله: (انكدرت) تناثرت.
الغريب: ذهب ضؤها من قولك: كدرت الماء ق نكدر.
قوله: (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) .(2/1311)
هي جمع عشراء، من الناقة، وتلك أحب الأموال إلى العرب.
العثار: السحاب عطلت عن المطر.
العجيب: العثار، الأرض عطلت عن الحرث والزرع.
قوله: (وإذا الوحوش حشرت) .
أي للقصاص، ابن عباس: حشر موتها.
الغريب: تحشر في الدنيا، فتجتمع الوحوش المتعادية فلا يضر بعضها
بعضاً لهول ذلك اليوم.
العجيب: قول من قال: القصاص ساقط عنها، وإنما تحشر للتعويض
عما نالها من الآلام والشدائد، ثم تصير تراباً. ومنهم من قال: يخلق الله لها
رياضا فترعى فيها. ومنهم من قال: ما كان في لقائها أو صوتها أنس يدخل
الجنة، ويفنى ما سواها.
قوله: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) .
سؤالها تبكيت لوائدها، وقيل: طلبت لتدعي على الوائد من قولك
سألت حقي أي طالبته، وكان عهد الله مسؤولاً.
الغريب: قتادة: الضمير يعود إلى الفَعَلَة، أي سئلت القَتَلَة لم
قتلوها.
العجيب، قول من قال: أراد بالموؤدة، الوائد.
قوله: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)
الجمهور على أنها السيارات الخمس: زحل ونرجس - وهو
المشتري - وبهرام - وهو المريخ - والزهرة وعطارد. وقيل: هم الملائكة.(2/1312)
الغريب، الخنس البقر، والكنس الظباء.
قوله: (وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) .
أضاء وامتد. المبرد: العرب تقول: تنفى الصبح عن ريحانه، أي عن نسيمه.
قوله: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) .
أي وحي جبريل. وقيل: الرسول محمد - عليه السلام -، والقرآن قول
الله. وقول جبريل: تنزيلًا، وقول محمد: (نذاراً وإبلاغا، وهذا جواب
القسم، وهو ممتد إلى آخر السورة، فالسورة مشتملة على شرط وجزاء
وقسم، وجواب أو فعل وفاعل كما سبق.
قوله: (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23)
رأى محمد جبريل - عليهما السلام - على صورته، بالأفق، وهو أحد
أرجاء السماء، والمراد ها هنا مطلع الشمس.
الغريب: الأرض هو السماء. الحسن: رآه في الهواء، إذ كانت
الأرض لا تسعه، وقيل: رآه بأجياد.
العجيب: أبو الدرداء: رآه بقلبه. وهذا بعيد.
قوله: (بِظنين) (1) .
مُتهم، هو جبريل.
الغريب: قال الفراء، جعله بعضهم بمعنى الضعف من قوله: رَأْي
__________
(1) السبعة قرأ ابن كثير والكسائي بالظاء، وقرأ نافع وحمزة بالضاد.(2/1313)
ظنين أي ضعيف، وبئر ظَنون قليلة الماء، ومن قرأ بالضاد فهو
محمد - عليه السلام -، أي ليس ببخيل يطب حُلواناً على ما يُعَلِّم، فعلَ
الكاهن في إعلامه.(2/1314)
سورة الانفطار
قوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) .
شرط، جوابه: علمت نفس. وقد سبق الكلام فيه.
قوله: (وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3) .
فتح بعضها إلى بعض، وهي سبعة، فصارت بحرا واحداً، وقيل:
امتزج العذب بالملح.
الغريب: الحسن: يبست.
قوله: (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) .
أي خدعك، والعرب تقول: ما غرك بني، أي ما أجرأك علي، وما غرك
مني، أي لم وثقت بني، وما غرك عني، أي أغفلك، والغرة، الغفلة. وعن
النبي - عليه السلام - أنه قرأ هذه الآية، ثم قال: "جهْلُه، وقيل: غره
إبليس.
الغريب: مقاتل، غره عفو الله، حين لم يعجل بالعقوبة. وقيل: غره
كرم الكريم.
قوله: (فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8) .(2/1315)
أي يوم خلقك، وقرىء بالتخفيف، أي عدل بعضك ببعض.
فصرت معتدل القامة.
العجيب: "في" معناه إلى أي صورة ما شاء من أب وأم وخال
وعم، ودميم وجميل وقصير وطويل، صرفك، و "مَا" في الآية صلة، و "في"
متصل بـ "ركبك" وقول من قال: "مَا" شرط، و "في" متصل بقوله: (ركبك) سهو، لأن ما يتعلق بالجزاء لا يتقدم على الشرط، وقول من قال: متصل بـ "فعدلك" سهو، لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله فصح أن "مَا"، صلة، و"في" متصل بـ "ركبك ".
قوله: (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) .
محمولان على الاستحقاق، وأن الله قد حكم لهم ذلك، فـ "إن
واللام "، يأتيان للحال.
قوله: (يومَ لا تملِك) .
قرىء بالرفع أي يوم الدين يوم لا تملك. وقرىء بالنصب، قال أبو
علي: أي الجزاء يوم لا تملك. وهو خبر مبتدأ. ذلك المبتدأ حدث. قال أبو
علي: النصب على أمر آخر، وهو أن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفاً
ترك على ما كان يكون عليه في أكثر أمره، واستدل بقوله: (وما دون
ذلك " (ومن دون ذلك) ، ولا يرفع ذلك أحد من العرب ولا من
القراء، وزعم الكوفيون أنه مبني على الفتح، لإضافته إلى الفعل.(2/1316)
سورة المطففين
قوله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) .
وقيل: اسم وادٍ في جهنم، أبو عبيدة: هي كلمة تستعمل لمن لا
يرجى فلاحه.
الغريب: المرد، وقيل: لا يدخله الألف واللام، وقد دخلاه في قوله
سبحانه (ولكم الويل) . وقد جاء في الأخبار، وفيه الألف واللام.
وينصب مع الإضافة نحو قولك: ويلكم.
قوله: (المطففين) المطفف الذي يقص حق الناس، وإن قل. نزلت
في رجل يقال له أبو جهينة، وكان له صاعان يَكيل بأحدهما ويكتال
بالآخر.
قوله: (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ) .
"من " و "على" يتعاقبان في هذا الموضع، لأنه يستوفى منه كاله عليه
وأراد واتزنوا فحذف، لأن الثاني يدل عليه.
قوله: (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ) .(2/1317)
اللام مقدر، أي لهم، وقيل: هم بدل من الواو، والمفعولان
محذوفان، أي كالوا هم لهم شيئاً، وكذلك أو وزنوا هم لهم شيئاً وعلى هذا
يكون الألف محذوفاً من المصحف.
قوله: (يُخْسِرُونَ) أي ينقصون.
قوله: (يومَ يقوم الناسُ) .
أي يقومون من قبورهم لحكم ربهم بينهم، فيبقَوْن في العرصات على
أرجلهم ينتظرون حكم الله قدر أربعين سنة، وقد جاء في الخبر أيضاً ثلائماثة
عام لا يكلمهم أحد". و "يوم" منصوب على البدل من الأول، على ما سبق.
الغريب: صاحب النظم: "ويل يومئذ للمكذبين" متصل بهذا وما بينهما اعتراض.
قوله: (لَفي سِجين) .
هي الأرض السابعة. ابن عباس: هي صخرة تحت الأرض
السابعة، الأزهري: معناه في خسار.
الغريب: ابن زيد، السماء الثانية.
العجيب: معناه ما كتب عليهم لا ينمحي كالنقشِ على الحجر.
وللعلماء في الآية ثلانة أقوال: أحدها: أن التقدير، وما أدراك ما كتاب
سجين. ثم فسر فقال كتاب مرقوم، أي كتاب سجين كتاب مرقوم. الثاني:
وما أدراك ما سجين محل كتاب أي سجين محل كتاب. الثالث: فيه تقديم
وتأخير، أي أن كتاب الفجار لكتاب مرقوم في سجين، وهذا إن جعل في من
صلة مرقوم لا يصح لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصوف، وإن جعل خبراً
بعد خبر صح، وربما يقول القائل: صح لأنه ظرف، والظرف يتسع فيه.(2/1318)
قال الشيخ: الغريب: يحتمل أن التقدير هو كتاب، على أن يكون هو
كناية عن الكتاب المتقدم، لا عن السجين، وكذلك القول في كتاب الأبرار.
قوله: " عن ربهِم. . . لَمَحجوبون ".
الزجاج: في الآية دليل على أن الله يرى في القيامة، ولولا ذلك لم يكن في الآية فائدة.
قوله: (الْأَبْرَارِ) .
الحسن: هم الذين لا يؤذون الذر، غير: هم الذين صدقوا فيما
وَعَدوا، والبر: الصدق.
قوله: (عِلِّيُّونَ) .
اسم مفرد كعشرين وثلاثين، وقيل معناه: في علو مضاعف، ورفعه.
جمْع عِلِي. تقول العرب إذا أصابها الوابل بعد الوابل: أصابنا الوابلون.
وكذلك المرقة إذا طبخ فيها اللحم مرة بعد أخرى عندهم مرقة مرقين.
الغريب: صفة للملائكة، جمع على وهي السماء السابعة، وقيل: قائم
العرش، وقيل: الجنة، وقيل: سدرة المنتهى.
قوله: (خِتَامُهُ مِسْكٌ) .
عاقبته مسك. وقيل: مزاجه مسك. الفراء: الختام، المصدر.
والخاتم الاسم. الخليل: الختام الطين الذي يختم عليه، والخاتم ما
يختم به.
قوله: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) .
أي يرغب الراغبون، وحقيقته أن كل واحد يطلبه لنفسه، وفي متعلق
بقوله: "فَلْيَتَنَافَسِ".(2/1319)
الغريب: متصل بالأول. خاتمه مسك، "وفي ذلك "، أي وفي ذلك
أيضاً مسك.
قوله: (مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا) .
ابن عباس وابن مسعود: اسم لما ينحدر من تحت العرش، وهو أشرف
شراب الجنة يمزج به شراب أصحاب اليمين، والمقربون يسقون صرفاً غير
ممزوج. وقوله: (يشرب بها) أي منها وفيها، وقيل: "الباء" زائدة.
قوله: (عَيْنًا) لا يخلو تسنيما من أن يكون اسم علم للماء، أو مصدراً، فإن جعل اسم علم فنصبه من وجوه: أحدها: يسقون عيناً، أي
ماءها. والثاني: بدل من محل رحيق مختوم. والثالث: حال من تسنيم
والعامل فيه الظرف. والرابع: نصب على المدح. وإن جعلته مصدراً، فهو
مفعول به أي من ماء ذي تسنيم عينا، أي تسنم عيناً فيعلوها ويجري عليهم
من عال. وقيل: تمييز.
قوله: (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) .
أي: إذا فعِل بالكفار ما ذكر، فهل جوزوا على سوء صنيعهم.
الغريب: هو متصل بقوله: (ينظرون) أي ينظرون، هل عذبوا، تشفياً
منهم بذلك، كما قال: (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) سروراً بذلك. و "الذين آمنوا" مبتدأ، يضحكون خبره، و "اليوم " منصوب بالخبر تقدم عليه، كقول الشاعر:
كلا يومَيْ طوالة وصلَ أروى. . . ظنون آن مُطَّرحَ الظنون(2/1320)
سورة الانشقاق
قوله تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) .
ظرف مضاف إلى ما بعده، والعامل فيه عند بعضهم "وأذنت" الواو
زائدة، وعند بعضهم بعثتم، وعند بعضهم "إنك كادح"، أي فإنك كادح.
وقيل: جوابه: يا أيها الإنسان، أي يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه إذا السماء انشقت.
قوله: "فملاقيه "، قيل: فملاقِ كَدْحَكَ، وهو العمل يبقى له أثر.
وهو نصب مفعول به ويجوز أن يكون نصباً على المصدر، وقيل: فملاق
ربك.
قوله: (حساباً يسيراً) .
هو العرض فحسب. وعن النبي - عليه السلام - اليسير، هو التجاوز
عن السيئات والاحتساب بالحسنات.
قوله: (وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) .
أي إلى أهله الذين أعد الله له في الجنة. وقيل: يدعى من بين
المؤمنين للمحاسبة، فينقلب فيعود إليهم في غاية السرور.
قوله: (وراءَ ظهرهِ) .(2/1321)
هي سنة سيئة سَنها، فعمل بها بعد موته. تقول العرب: أظهرت بفلان
أي فعلت بعده ما يفعله هو.
قوله: (إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) .
أي بمعاصي الله تابعاً لهواه.
قال الشيخ ويحتمل من الغريب: أن في ذلك لازدواج الكلام.
ويحتمل أن المراد به الكفر، فإن الكافر قد يسمى حرم دين.
قوله: (بلى) ، يجوز أن يكون منفصلاً من الجانبين فيحسن
الوقف عليه، فيكون ردا لظنه وإثباتا لجوره، ويجوز أن يكون متصلاً بما بعده
قوله: (طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ (19) .
يريد أحوالهم من عز وذل، وغنى وفقر. وقيل: أحوالهم في أنفسهم
كالشباب والشيب.
الغريب: أراد به الشدائد، فإن الدواهي تسمى بنات طبق وأم طبق.
وقرىء بالفتح، أي لتركبن سماء بعد سماء ليلة المعراج، وتأتي عن بمعنى
بعد وأنشد:
. . . . . . . . . . . . .. وكابرٍ سادوك عن كابِر
قوله: (إلا الذين آمنوا) .
استثناء منقطع، وقيل منصل من قوله: (فبشرهم) .(2/1322)
سورة البروج
قوله تعالى: (ذَاتِ الْبُرُوجِ) .
الجمهور، على أنها منازل الشمس والقمر وسائر السيارات، وهي اثنا
عشر، عن ابن عباس: هي قصور في السماء. الزجاج: هي النجوم
والكواكب.
الغريب: ذات البروج، أي الظهور، وقيل: الخَلْق الحسن.
العجيب: حكى أبو مسلم في تفسيره: ذات البروج ذات الرمل
والماء، وذكر الماء في وصف السماء ليس ببعيد، وأما الرمل فلا أدري ما
أراد به.
قوله: (واليوم الموعود) .
أي الموعود به، فحذف. وهو يوم القيامة، واختلفوا في جواب القسم.
والجمهور على أنه قوله: (إن بَطْشَ ربكَ) ، وقيل: (قُتِلَ أَصْحَابُ) ، أي لقد
قتل. صاحب النظم: (إلا الذين آمنوا) .
قوله: (قُتِلَ) .
لعن وعذب، على قول من حمل أصحاب الأخدود على الكفار.
وقيل: معنى قتل أهلك، وأصحاب الأخدود المؤمنون الذين عذبوا فيها.(2/1323)
قوله: (الْأُخْدُودِ) اختلفوا في موضعها وواضعها.
والغريب فيها: ما ذكره الحسن والربيع: أنهم قوم آمنوا في الفترة.
وكانوا بضعة وثمانين رجلاً وامرأة، فعلم قومهم بهم، فخدوا الأخدود
وتوعدوهم بالإلقاء فيها إن لم يرجعوا عن الإيمان، فاقتحموا ولم يرجعوا
وبقيت عجوز معها ابن لها طفل واسمه فاقوس، فنكصت، فصاح بها ابنها يا
أماه قَعِي ولا تنافقي.
ومن الغريب: الفراء: ارتفعت النار فأحرقت أصحاب الأخدود ونجا
المؤمنون.
العجيب: ابن بحر: ظاهر الآية يقتضي أن هناك جماعة كانوا يصطلون
على حفيرة فيها نار، وبين أيديهم قوم آخرون كانوا يفتنون نفراً من المؤمنين
نوع من العذاب فلم ينكروا عليهم، ولم ينصروا المؤمنين، فمقتهم الله مع
الكفار فجعل لجميعهم عذاب جهنم وعذاب الحريق.
قوله: (النارِ ذاتِ الوقود) .
بدل من الأخدود بدل الاشتمال، وذهب بعضهم إلى التقدير النار ذات
الوقود فيها، لأن الاشتمال لا يكون إلا بعائد، كقوله: (عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ) ، وقال بعضهم: تقديره نارها ذات الوقود فسد الألف واللام مسدَ الإضافة.
العجيب: قتل أصحاب الأخدود بالنار ذات الوقود، فحذف الباء، وهذا
بعيد، لأن المجرور بعد حذف الجار لا يبقى مجروراً إلا اسم الله سبحانه
وتعالى في القسم فحسب.
قوله: (الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) .(2/1324)
من رفعه حمله على ما قبله، ومن جره فهو أيضاً محمول على ما قبله
في قوله: (بطش ربك) ، وقيل: صفة للعرش.
الغريب: المجيد خالقه وصاحبه.
قوله: (فرعون وثمودَ) .
مجروران على البدل من الجنود. وقيل: نصب، أي أعني فرعون وثمود.
وقوله: (محفوظ) .
صفة للوح، ومحفوظ - بالرفع - صفة للقرآن من قوله: (وإنا له
لحافظون) - والله أعلم -.(2/1325)
سورة الطارق
قوله تعالى: (والطارق) .
هو النجم، لأنه يظهر بالليل، وكل ما يأتيك بالليل فهو طارق، لأنه
يطرق، فيدق الباب للتنبيه، قيل: هو الثريا. وعن ابن عباس وعلي - رضي الله عنهم - زحل.
والعجيب: أنهما قالا: إذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء، هبط
زحل، فكان معها، ثم يرجع إلى مكانه من السماء السابعة، ولعلهما أرادا
بالهبوط الظهور، فإنه يظهر بالليل، وبالرجوع الاستتار، فإنه لا يرى بالنهار، فإن النجومَ لا تفارق أفلاكها.
قوله: (الثاقب) .
قيل: من الثقوب، وقيل: من الثقب.
الغريب: من ثقب الطائر إذا لحق بالجو.
العجيب: قول من قال: الثاقب: الشيطان، حين يرمى به، فعلى هذا.
يكون الطارق نجم الرجم.
قوله: (لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4) .
من خفف فـ "مَا" زائدة، ومن شدد فإنْ للنفي، و "لَمَّا" بمعنى
"إلا"، قال سيبويه: نشدتك الله لما فعلت كذا وإلا فعلت كذا.(2/1327)
قوله: (مِنْ مَاءٍ) .
أي ماءين، ماء الرجل وماء المرأة، فوحد لامتزاجهما.
قوله: (التَّرَائِبِ) .
هي عظام الصدر.
الغريب: الضحاك: هي العينان واليدان والرجلان، وقيل: هي
الأضلاع أسفل الصدر أربع من كل جانبين.
العجيب: هي عصارة القلب ومنه يكون الولد.
قوله: (عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) .
أي على رجع الماء في الإحليل، وقيل: على رجع الإنسان من
الشيخوخة إلى الشباب، ومن الشباب إلى الطفولة، حتى يصير ماء كما كان.
قوله: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) .
منصوب بفعل دل عليه رجعه، أي يرجعه يوم تبلى، ولا ينتصب رجعه
للحائل، ولا بقوله: "تبلى" لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف.
قوله: (والسماءِ ذاتِ الرَجْع) .
ترجع بالمطر. ابن عباس: في السحاب والترجيع الماء.
الغريب: ترجع شمسها كل يوم ونجومها كل ليل.
قوله: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17) .
أي إمهالاً رويداً.
الغريب: ابن جني: هي ألفاظ مختلفة والمعنى واحد، والتقدير مهل
ثم أمهل ثم رويداً، أي أرودهم رويداً، وأرود وأمهل، بمعنى، ومثله
(ارجعوا وراءكم) ، وقد سبق.(2/1328)
سورة الأعلى
قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) .
قل: الاسم زيادة، أي سبح ربك، لما روي أنه لما نزلت هذه الآية
قال - عليه السلام -: " اجعلوها في سجودكم "، وهو سبحان ربي
الأعلى، ولم يقولوا سبحان اسم ربي الأعلى. وقال بعضهم: الاسم
والمسمى واحد، فلا فرق بين قولك سبح اسم ربك، وسبح ربك، ولو
كان قولك الرب غير المسمى لم يقع التسبيح له.
الغريب: معناه نزه اسمه عن أن تسمي به غيره.
العجيب: كان أبي يفتتح هذه السورة بسبحان ربي الأعلى، وقيل:
ارفع صوتك به.
قوله: (الْأَعْلَى) صفة ربك، ومحله جر، والألف للمبالغة لا
للمماثلة.
الغريب: قال الشيخ: يحتمل أن الأعلى صفة الاسم، ومحله نصب
كما تقول الاسم الأعظم.
قوله: (فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) .(2/1329)
هو ما جف واسود من النبات، والهاء المفعول الأول، وغثاء المفعول
الثاني، وأحوى صفة لغثاء. وذهب جماعة إلى أن غثاء حال، لقوله
(المرعي) ، وفيه تقديم وتأخير، والمعنى: أسود من شدة خضرته وكثرة رَيِّه.
قوله: (فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ) .
الجمهور، على أنه نفى إلا ما شاء الله، أي ينسخه فينساه، وقيل:
إلا ما شاء الله، وهو لا يشاء.
العجيب: هو نهي، وألفه ألف الفاصلة، وهذا بعيد لأن الاستثناء من
الشيء يكون مؤقتا، ولأن ألف الفاصلة كلام ضعيف، ومثله في الوجهين
(ولايخش) في طه على قراءة حمزة.
قوله: (إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) .
أي نفعت وإن لم تنفع، وجواب الشرط مقدر، وقيل: - وهو الغريب -: "إن" بمعنى النفي.
العجيب: "إن" هي المخففة من المثقلة.
والمعنى: إن الذكرى نافعة، وتقديره، إنه نفعت الذكرى، ومثله
(أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) ، وفيه بعد، لأنه لا يلي الفعل إلا بواسطة
السين أو سوف، نحو "أن سيكون"، أو بواسطة لا نحو قوله: (أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا) أو لَن، نحو قوله (أن لَنْ تحصوه) ، وقد، نحو قوله:
(أن قد أبلغوا) .(2/1330)
قوله: (النَّارَ الْكُبْرَى) .
هي نار جهنم، والصغرى نار الدنيا، وروى أبو هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم، غسلت بماء البحر، ولولا ذلك لما خلقت فيها منفعة ".
قوله: (لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) .
أي موتاً مريحاً، وحياة ملذة، فهما منفيان بشرط الوصفين.
قوله: (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) .
أي خير للمؤمن وأبقى للجزاء.
العجيب: قتادة: "خيرا في الخير و "وأبقى" في البقاء، وهذا كلام
كما ترى.(2/1331)
سورة الغاشية
قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) .
أي القيامة، لأنها تعثى القلوب باهوالها.
الغريب: سعيد: الغاشية، النار، من قوله: (وتغش وجوههم
الار) .
قوله: (وُجُوهٌ) .
خص الوجوه بالذكر، والمراد جميع البدن، لأن الوجْهَ يشتمل على
الحواس الخمس.
قوله: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) .
أى في النار. السدي: عاملة في الدنيا، ناصبة في الأخرى.
الغريب: عاملة ناصبة في الدنيا، في غير ما أمره الله، وهم نساك
اليهود والنصارى من الرهبان وغيرهم، فعلى هذا يومئذ متعلق بخاشعة فحسب.(2/1333)
قوله: (إلا من ضريع) .
هو نبت لاط بالأرض، له شوك يقال لرطبها الشيرق، وفي سبب
النزول، أنه لما نزلت قال أبو جهل - استهزاء -: ما بال الضريع يسمننا
كما يسمن في الدنيا إبلنا، فأنزل الله (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (7) .
الغريب: سعيد، الضريع: الحجارة. الضحاك: شجرة في النار
من جنس النار الحسن: هو ما يضرعون عند أكله لما فيه من الشدة.
العجيب: الضريع سم - المبرد: أشأم طعام وأخسه.
قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (8) .
أي وجوه المؤمنين، وكان القياس "ووجوه" فحذف الواو قياسا على
الجمل قبلها وبعدها، لأنه ليس في هذه السورة واو عطف بها جملة على
جملة.
قوله: (لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (9) .
أي لأجل سعيها في الدنيا، وقيل: سعيها. " اللام " زائدة، وتقديره راضية
قوله: (لَاغِيَةً) .
أي لغوا، وقيل: نفساً لاغية بحلف كاذب. وقيل: مأثماً.
قوله: (مبثوثة) . مفروشة.
قوله: (إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) .(2/1334)
خص الإبل بالذكر لحب العرب إياها، ومثله "وإذا العشار عطلت "، وقيل: تلفيقها بما قبلها: أن السرر المرفوعة تطأطىء للمؤمن
كما تطاطىء الإبل رأسها للراكب.
الغريب: ابن عيسى، ذكر في كتاب الانشقاق أن الإبل بالتشديد.
وفسروها السحاب. وعن علي وابن أبي عبلة، خلقت ورفعت ونصبت
وسطحت، فحذف المفعول منها وأسندها إلى الفاعل.
قوله: (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) .
المفسرون: على أن الاستثناء منقطع، أي لكن من تولى وكفر، فيعذبه
الله.
الغريب: متصل، أي إلا من تولى من الكفار، فأنت مسلط عليه
بالسيف في الجهاد.
العجيب: مستثنى من قوله "فذكر" أي ذكرهم إلا من تولى، فإنه لا
ينفعه ذلك.(2/1335)
سورة الفجر
قوله تعالى: (والفجر) .
هما فجران: مستطيل، وهو من الليل، ومعترض، وهو من النهار.
والقسم به.
الغريب: قتادة: هو إنفجار الماء من أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
العجيب: انفجار الناقة من الصخرة لصالح. قاله الحسن.
والشفع هو الخلق، والوتر هو الله، وقيل: الشفع والوتر: العدد كله.
قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) .
أي يسري الليل، وقيل: يري الساري فيه.
قوله: (إرمَ) .
مجاهد: اسم أم عاد. وقيل: أبو عاد. وقيل: هو اسم
الاسكندرية. وقيل: دمشق. وقيل: بلد وبساتين، والتقدير، بعاد بن إرم، أو سِبْط إرم وصاحب إرم.
الغريب: إرم هو سام بن نوح، اسم عجمي.(2/1337)
قوله: (سَوْطَ عَذَابٍ (13) .
المبرد: وكل شيء عذب الله به فهو سوط.
الغريب: ابن عيسى: سوط عذاب ما يخالط اللحم والدم، من
قولهم: ساطه يسوطه.
قوله: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) .
جواب القسم.
قوله: (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) .
لا يأتونه ولا يأمرون به، والمراد على إطعام طعام اليتيم، فحذف
المضاف، وقيل: الطعام واقع موقع الإطعام.
قوله: (أَكْلًا لَمًّا (19) .
أي شديدا لا يميزون بين الحلال والحرام.
قوله: (حُبًّا جَمًّا (20) .
أي كثيراً، فهو نصب على المصدر، ويجوز أن يكون حالًا من
المال.
قوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ) .
أي ظهر بضرورة المعرفة. وقيل: جاء بلا كيف. ابن عباس: أمر
ربك. والملك اسم الجنس.
(صَفًّا صَفًّا (22)
أي أهل كل سماء صف.
(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) .
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف(2/1338)
زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ".
قوله: (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) ، يجوز أن يكون اسم ما لم يسم
فاعله المصدر، ويجوز أن يكون يَوْمَئِذٍ، ويجوز أن يكون الجار والمجرور.
قوله: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ) يجوز أن يكون بدلاً، ويجوز أن يكون ظرفا، لقوله
(يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ) .
قوله: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) .
العذاب: بمعنى التعذيب، وكذلك الوثاق: بمعنى الإيثاق.
والمعنى لا يكل الله التعذيب إلى أحد من الملائكة وغيرهم، وقيل: لا يبلغ
أحد يومئذ بلاغ الله في العذاب.
الغريب: ذهب أبو علي في جماعة إلى أن التقدير فيومئذ لا يعذب
أحد في الدنيا كعذاب الله في الأخرى، وهذا مشكل إلا أن يجعل:
"فيومئذٍ مبتدأ، (لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ) خبره، أي فيه. وقراءة الكسائي
"لا يعذب" تحتمل وجهين: أحدهما، أنه بمعنى: لا يبلغ بلاغ الله أحد، و "أحد" الملفوظ رفع اسم ما لم يسم فاعله، والهاء في عذابه في
هذه الموجودة تعود إلى الله، والوجه الثاني:، أن الهاء تعود إِلى
الكافر، والمعنى: لا يعذب بعذاب هذا الكافر أحد، كقوله (ولا تَزرُ
وازِرَة وِزْرَ أخرى) ، وكذلك الكلام في قوله (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) .
قوله: (ارجعي) .
خطاب للنفس يوم البعث، أي إلى أمر ربك.(2/1339)
الغريب: إلى ربك، بدن صاجك.
وقيل: هذا خطاب لها يوم الموت، أي ارجعي إلى الله راضية بما
تصيرين إليه، "مرضية"، رضيها الله.
قوله: (فادخُلي في عبادي) .
أي في كل منهم، وقيل: مع عبادي.
العجيب: في عبادتي فحذف التاء، كإقام الصلاة.
ومن العجيب: في بعض التفاسير: نزلت في عثمان، فبين أن
عثمان سيقتل شهيدا مظلوماً.(2/1340)
سورة البلد
قوله تعالى: (لا أقسم) .
سبق القول في "لا".
ومن الغريب: أن تقدر "لا" في هذه الآية "إلا" فحذف الألف
والمعنى: أقسم بهذا البلد.
(وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) .
أي حلال، لأنه أحلت له مكة ساعة حتى قَتَل وأسر، وقيل وأنت
حل مما صنعتَ فيه، أي في حال، وقيل: وأنت حل أي حال.
الغريب: وأنت حل أي محسن وأنا عنك راض
العجيب: لا أقسم بهذا البلد وأنت حل حال حاضر، يعني القسم
لعمرك أولى.
ومن العجيب: أقسم بهذا البلد وأنت حال نازل، أي: لنزولك أقسم به
ومن العجيب: لا أقسم بهذا البلد وأنت حل به أي مستحل الحرمة
مضاع الحق فيه.(2/1341)
قوله: (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) .
"مَا" بمعنى "من " يعني آدم وذريته، وقيل: إبراهيم وذريته.
الغريب: ووالد والذي ولد، يعني المتناسل من جميع الخلق.
العجيب: "مَا" للمصدر أي ووالد وولادته.
ومن العجيب: ابن عباس وعكرمة: ووالد الذي ولد وما ولد، أي
العاقر، كأنهما جعلا "مَا" نفياً - والله أعلم -.
ومن العجيب: ووالد: محمد - عليه السلام - وما ولد: أمته، لأنه كالأب
لهم.
قال الشيخ: ويحتمل ووالد ووالدة، فيكون "مَا" بمعنى "التي"، ومثله:
(وما ملكت أيمانكم) يعني الإماء.
قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) .
جواب القسم، والمعنى في مقاساة يكابد أمر الدنيا، وقيل: من
كبد، وهو النطفة تتكبد من تكبد الدم وغلظه.
الغريب: جرياً تقول كبِد يَكبَد كَبَداً إذا صار غليظ الكبد، وقيل:
منتصباً معتدل القامة. وقيل: الكبد أي التعب.
العجيب: ابن زيد: أراد به آدم خلق في كبد السماء، وهذا غير
مفهوم.
قوله: (النجدين) .
طريق الخير والشر.(2/1342)
الغريب: الثديين.
قوله: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) .
قال بعضهم: كان القياس تكراراً "لا" مع الماضي، كما قال:
(فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) .
الفراء: لما فسر الاقتحام بثلاثة أشياء صار
"لا" كالمكرر. قال أبو علي: لا يلزم تكرار "لا" كما لا يلزم تكرار
"لم".
قوله: (فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ) .
فسره بالجملة الفعلية - وهو قليل -، وقيل: هو بدل من قوله: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) ، أي فلا فَك ولا أطعم، ومن رفع: جعل التقدير وما أدراك
ما اقتحام العقبة فك رقبة أو إطعام، وعلى هذا (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) واقع موقع اسم، أي ثم إن كان، ومعنى (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي: دام
وقيل: ثم متصل بالإِخبار، وله نظائر، وقد سبق.
قوله: (فك رقة) أي تخليصها من الرق.
الغريب: (فك رقبه) خلاص نفسه -
قوله: (مسغبة) زمان جوع وقحط.
قوله: (ذا متربةٍ) .
لاصق بالتراب من الفقر. سعيد: ذا عيال، لا مال له. عكرمة: هو
المديون بالإجماع.(2/1343)
سورة الشمس
قوله تعالى: (وَالشَّمْسِ) .
هي سراج النهار. (وَضُحَاهَا) ارتفاعها وضوؤها وحرها، وقيل: هو
النهار كله.
قوله: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) .
أي تبعها في الغروب أول الشهر، وقيل: تلاها في الإضاءة ليلة البدر
وما بعدها. وقيل: تلاها ليأخذ من نورها.
قوله: (جَلَّاهَا) .
أي جلا الظلمة كناية عن غير مذكور، كقولهم في القسم: والذي
شقهن خمساً من واحدة، يعني الأصابع، وقيل: جلى الشمس، لأن تظهر
بالنهار، وإن كان النهار من ضوئها.
قوله: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) .
يغشى الأفق، وقيل: الأرض كناية كما سبق، وقيل: يغشى الشمس
فيسترها.
قوله: (وَمَا بَنَاهَا (5) .
أي ومن بناها، وهو الله سبحانه، وقيل: وبنائها والأحسن وبناء الله
إياها، وكذلك القول في (وَمَا سَوَّاهَا) .(2/1345)
قوله، (قد أفلح) .
جواب القسم، أي لقد أفلح. وقوله: (من زكاها " الفاعل ضمير
(من دساها) .
الغريب الفاعل هو الله سبحانه، قال: النحاس. وفيه بعد، إذ
لا ضمير يعود على حتى، قال: فالحيلة أن يحمل من على النفس، أو
يحمل من عليه التفرقة ليصح التأنيث في قوله: "زكاها" و "دساها".
قال الشيخ: يحتمل أيضاً أن يحمل التقدير قد أفلح من زكى الله
نفسه، ثم كنى عن النفس المضافة إلى ضمير من وكذلك من دساها.
قوله: (إذ انبَعَثَ أشْقاها) .
المفسرون: على أنه قُدار، وجاء في المثل أشقى من قدار، وهو
أحيمر ثمود.
الغريب: الفراء: هما رجلان: قدار بن سالف وآخر معه، ولم
يقل: أشقياها الآية. وقال الكلبي: قدار بن سالف ومصدع بن دهر.
ومن الغريب: يحتمل أن يقال: لو جاز ما قال الفراء والكلبي: لجاز
أن يقال: هم التسعة المذكورون في قوله: (تِسْعَةُ رَهْطٍ) ، لأن
قدار بن سالف واحد منهم، ولم يجمع في قوله أشقاها لما ذكر الفراء، ولأن
أفعل، إذا أضفته وفيه معنى "من" لم يثن ولم يجمع، كما إذا كان "من" معه
ظاهراً. ومثله في القرآن (بل أكثرهم) ولم يجمع، وكذلك (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ)(2/1346)
ولم يجمع، ويقويه قوله عقيبه: (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ)
ولم يقل: له ولا لها، وكذلك (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا) ، وذهب
بعضهم: إلى أنهم لما رضوا بما فعله قدار، صاروا مثله، ولهذا قال:
(فَقَالَ لَهُمْ) .
قوله: (نَاقَةَ اللَّهِ) .
ليوافق قوله: (فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ) .
قوله: (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ) .
أطبق عليهم العذاب، فأهلَكَهم.
الغريب: المفضل: غضب الله عليهم، والدمدمة: الكلام بغضب.
فسواها) أي فسوى الدمدمة، وقيل: سوى ثموداً بالهلاك. وقيل: فسوى
أبنيتها وأشجارها.
قوله: (وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15) .
الفعل لله سبحانه، وقيل: لقوله (أشقاها) أي عاقر الناقة
وقريء "بالفاء" فَلَا يَخَافُ، وهو الله سبحانه وتعالى.(2/1347)
سورة الليل
قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) .
المفعول محذوف، أي يغشى الأفق بظلامه. الحسن: يغشى النهار.
فيذهب به.
قوله: (وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) .
ظهر وأضاء، وقيل: تجلى الليل فأزالَ ظلامَه.
الغريب: بدأ بالليل، وثنى بالنهار، لأن الليل هو الأول، والنهار الثاني
لأنه وجد بوجود الشمس، والشمس أوجدت لزوال الظلام، ولأنه في السورة قبلها لما بدأ بالشمس، وهي تكون بالنهار وثنى بالقمر وهو يكون بالليل، وبدأ بالضحى وهو النهار وثنى بالليل في السورة بعدها بدأ في هذه السورة بالليل بلفظ المستقبل، والنهار بلفظ الماضي مراعاة لفواصل الآي.
قوله: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) .
"مَا" بمعنى "من"، وهو الله عز وجل، وقيل: "مَا" للمصدر، أي وخلقِ اللهِ
الذكرَ والأنثى.
الغريب: تقديره. وما خلقه الذكر والأنثى، فحذف الهاء، وجعل بدلا
منه، يقويه قراءة من قرأ "الذكر والأنثى" - بالجر -.(2/1349)
العجيب: في مصحف ابن مسعود: والنهار إذا تجلى والذكر
والأنئى، ومحل "مَا" جر بالعطف على واو القسم.
قوله: (صدق بالحسنى) .
ابن عباس: لا إله إلا الله، وقيل: الجنة.
الغريب: ابن جرير: بالخلَف من الله نفقته، وعلى الضد "وكذب
بالحسنى"
قوله (فسنيسره لليسرى) .
أي نهيئه للخَلة اليسرى وقيل: الجنة.
الغريب: العود إلى العمل الصالح.
قوله: " فسنيسره للعسرى"، للخَلة العسرى، وقيل: النار.
والتيسير ها هنا: مثل، وقيل: ازدواج، ويحتمل أنه من قوله - عليه السلام - "اعملوا فكلٌ ميسَّرٌ لما خٌلِقَ له ".
قوله: (وما يغني عنه) ، "مَا" استفهام، ومحله نصب.
الغريب: "مَا" نفي، والمفعول محذوف، أي شيئاً.
قوله: (إن علينا لَلْهُدى) .
أي للهدى والإضلال، فاكتفى بذكر أحدهما، كقوله: (بيدك الخير)
أي الخير والشر.(2/1350)
قوله: (لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15)
أي الشقي، وهو الكافر.
الغريب: إلا الأشقى أهل النار، وأشقى أهل النار الكفار.
قوله: (الَّذِي كَذَّبَ) ، أي كذب الرسول.
الغريب: الفراء: كذب معناه قصر، من قولهم حمل على فلان في
الحرب فما كذب.
قوله: (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ) الآية:
نزلت لما اشترى أبو بكر بلالاً فأعتقه قيل: إنما فعل ذلك لِيَدٍ كانت لبلال عنده، فنفى الله.
وقال: وما لأحد أي لبلال عنده عند أبي بكر من نعمة تجزى من اصطناع
يجازى عليه إلا الابتغاء، الاستثناء منقطع، أي لكن فعل ما فعل ابتغاء وجه الله، فهو نصب مفعول له.
وقيل: محمول على المعنى، أي لم يعط لشيء إلا طلب وجه اللهِ.
الغريب: قول الفراء: اللام متصلة بالهاء، أي وماله عند أحد من نعمة
تجزى أي أنفق ما أنفق لوجه الله لا يريد جزاء.
العجيب: قتادة: ما لأحد عند الله نعمة يجازيه بها إلا أن يفعل فلا يبتغي وجه ربه فيستحق الجزاء والثواب.(2/1351)
سورة الضحى
في سبب نزوله أقوال: أحدها: تركه الاستثناء حين سئل عن قصة أصحاب الكهف. وقيل: زجره سائلاً إياه فأعطاه مرة بعد أخرى فألح
عليه، فزجره. وقيل: كان في بيته جرو ميت.
الغريب: رمى - عليه السلام - بحجر في أصبعه فدميت، فقال: هل
أنت إلا أصبعٌ دميت وفي سبيل الله ما لقيت، فانقطع ثلاث ليال. وقيل:
خمس عشرة، وقيل: أربعين ليلة، حتى قالت قريش: إن محمداً قد ودعه
ربه وقلاه.
الغريب: في الصحيحين: أن امرأة قالت للنبي - عليه السلام - ما أرى
شيطانك إلا قد ودعك، وذكر أنها كانت أم جميل أخت أبي سفيان.
العجيب: روي أنه - عليه السلام - قال ذلك في شكواه إلى خديجة
حين انقطع الوحي، فأنزل الله "والضحى".
وهو النهار كله، كقوله: (والليل إذا سجى) ، ومعنى سجى:
غشى بظلامه وستر، من قولهم: رأيت فلاناً متسجياً بثوبه، وقيل: سكن من قولهم: طرف ساج.(2/1353)
الغريب: سجى فيه الخلق، ابن عباس: أقبل وعنه أدبر.
قوله: (ما ودعك) ، جواب القسم: إما أن يكون نفياً أو إثباتاً.
فجمع بينها بنفيين وإثباتين، فقال: (وما ودعك ربك وما قلى وللآخرة
خير) (ولسوف) واللام فيهما لام جواب القسم، ولم يوكد الفعل بالنون
كما وكد في غيرها لمكان سوف.
وقوله: (وما قلى) أي قلاك، فحذف الكاف، الآية. وكذلك ثلاث آيات بعدها.
قوله: (ولَلآخرة خير لك من الأولى) ، أي العقبى خير لك من
الدنيا لأن الله يعطيك فيها الدرجات، وقيل: آخر عمرك خير لك من أوله لما ينال من النصر والظفر.
قوله: (ألَمْ يَجدْك يتيماً فآوى) ، "أي وَجَدَكَ لا كافل لك.
فآواك إلى عمك فكفلك ورباك.
الغريب: وجدك في حجْرِ أبي طالب فجعل لك مأوى وأغناك عنه.
العجيب: وجدك عديم النظير من الدر اليتيم، فآواك إلى كرامته.
واصطفاك لرسالته.
قوله: (ضالا فَهَدى) .
هو كقوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) ، وقيل: في
قوم ضلال فهداهم بك.
الغريب: ضالًا في شعاب مكة فهداك إلى الطريق.
العجيب: ضآلة لا يعرف قدرك فهدى قومك إليك.
العجيب: ضالاً، أي محباً فهداك إلى المحبوب من قوله: (إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ (95)(2/1354)
أي حبك.
قول: (عائلًا فاغنى) أي فقيرا، وقيل: ذا عيال فأغناكَ بمالِ
خديجة ثم بمال الغنائِم.
الغريب: فأغناك بالقناعة.
قوله: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) .
أي وقد عرفت أحوالك التي كنت عليها، - فلا تقهر اليتيم، واذكر
يتمك، ولا تنهر السائل، واذكر فقرك وحدث بنعمة ربك، النبوة والقرآن، واذكر ضلالك.
الغريب: (وأما السائل)
سائل العلم فلا تنهره وأجبه برفق ولين.
قوله: (فحدث)
أي جدد كل يوم شكر الله.(2/1355)
سورة الشرح
قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ) .
استفهام رد الكلام من النفي إلى الإيجاب، والمعنى: ألم نوسع
ونُلين. روى الزهري عن أنس عن النبي - عليه السلام - أنه قال: " فرج
سقف بيتي وأنا بمكة، فنزل جبريل، ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم، ثم
أتى بطشت مملوء حكمة وإيمانا، فأقره في صدري. ثم عرج بني إلى
السماء".
وروى مثله عن عمر، وقيل: كان ذلك في صباه.
قوله: (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) .
أي الذي تقدم وتأخر، وقيل: وزراً مثل، وأضافه إليه، لاهتمامه به
وقيل: خففا عنك عناء النبوة.
العجيب: الضحاك: وزر اسم صنم، وضع على ظهره فجاء جبريل
فحطه، ولو لم يحطه لأثقل ظهره، وهذا كلام بعيد سحيق.
قوله: (أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) .
أي أثقله، حتى سمع منه نقيض وهو صوت الرحل وغيره، وقيل: هو
من النقض، أي البعير المهزول، أي كان أثقله حتى جعله كالنقض، وهما
مثلان.(2/1357)
قوله: (ورفعنا لك ذكرك) ، أي إذا ذكرتُ ذكرت معي.
قوله: (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) .
ذهب جماعة إلى: أن العسر واحد واليسر اثنان، لأن العسر معرفة
واليسر منكر، ولو كان الأول لقال مع العسر اليسر في الثاني، ولما جاء في
الحديث: " لَنْ يغْلِبَ عسر يُسرين ".
وأنكر جماعة هذا وقالوا:
قولك: إن مع الفارس رمحاً وإن مع الفارس رمحاً لا يقتضي أن يكون معه
رمحان، قال الشيخ: والجواب: إن هذا.
وليس وزان الآية، وإنما وزانه أن تقول: إن للصائم فرحة إن للصائم
فرحة، كما جاء: للصائم فرحتان، أي فرحة عند إفطاره وفرحة عند الله
سبحانه.
قوله: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) .
أي، إذا فرغت من الصلاة فاتعب بالدعاء. ابن مسعود: قبل التسليم
غيره بعد التسليم. وقيل: إذا فرغت من الفرائض فاتعب بالنوافل.
(وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) .
المبرد: معنى الآيتين: دم على الطاعات من غير فتور، أو طلب إليه
من غير قصور - والله أعلم -.(2/1358)
سورة التين
قوله تعالى: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)
ابن عباس والحسن في جماعة: تينكم الذي تأكلون، وزيتونكم
الذي تعصرون.
الغريب: خص بالقَسم، لأن التين يشبه ثمار الجنة ليس فيه ما ينقى
ويطرح، ولأن الزيتون لا دخان لدهنه ولا لحطب شجره عند الإيقاد.
العجيب: المبرد: هي أربعة أجبل: طور تينا، وهو جبل دمشق.
وطور زينا وهو بيت المقدس، وطور سينا وهو جل موسى بمدين واسمه زائير، وطور تيهمانا وهو مكة. فقال: (وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) .
قوله،: (الْأَمِينِ) ، أي آمِن من قوله (حرما آمنا) ، وقيل: مؤمِن.
أي يؤمن من دخله، وهو من قوله " ومن دخله كان آمناً) ، وقيل: مأمون على ما أودعه الله من معالم الدين.
قوله: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ)
جواب القسم، وهو عام.
قوله: (فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)
أي في تقويم، معتدل القامة منتصبيها يتناول مأكوله بيده.(2/1359)
قوله: (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)
إلى الهرم وأرذل العمر.
وقيل: إلى النار.
الغريب: إلى الضلال، من قوله: (إن الإنسانَ لَفى خسر)
والتقدير أسفلَ قوم سافلين.
وأسفل نصب على الحال، وقيل: على الظرف.
قوله: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) .
استثناء متصل، إذا حملت ما قبله على النار أو الضلال، فإن حملته
على الهرم فالاستثناء منقطع، وقيل متصل تكتب لهم رواتبهم وإن انقطعت
أعمالهم.
الغريب: جاء في الأثر: من قرأ القرآن واتبع ما فيه لم يرد إلى أرذل
العمر.
قوله: (فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) .
أي: أي شيء، وقيل "مَا" بمعنى "مَن"، والمخاطب هو الإنسان، وقيل:
هو النبي - عليه السلام -، و "بعد" مبني على الضمةِ للغايةِ، كقوله: (من
قبلُ ومن بعدُ " - والله أعلم.(2/1360)
سورة العلق
الجمهور: على أن أول ما نزل من القرآن (اقرأ باسم ربك) إلى قوله: (ما لم يعلم) .
قوله تعالى: (باسم ربك) .
قيل الباء زائدة، واسم ربك القرآن، أي اقرأه، وقيل: المفعول
محذوف، أي اقرأ القرآن باسم ربك، وهو أن يذكر التسمية عند الابتداء به، ثم كرر فقال: اقرأ يجوز أن يكون مثل الأول، محذوف المفعول، ويجوز أن
تكون الجملة بعده المفعول، فيكون تخصيصاً بعد التعميم.
قوله: (الذي خلق) المفعول محذوف، لأن المراد به ذكر الفاعل
فحسب، كما يبنى الفعل للمجهول، والمراد به المفعول فحسب، وقيل
حذفه، لأن عَدَّهُ معجز، ثم خص فقال: " خلق الإنسانَ من عَلقٍ) ، فصار
تخصيصا بعد التعميم أيضاً. وقوله: (الذي خلق) محله جر صفة لقوله:
"ربك"، ويجوز أن يكون مبتدأ "خلق الإنسان" خبره.
قوله: (الذي علم بالقلمِ) .
مفعولاه محذوفان، أي علم الإنسان العلوم، وقيل: آدم الأسماء.
قوله: "بالقلم" كخلق القلم، وقيل: بالقلم في اللوح المحفوظ، وقيل:(2/1361)
الكتابة بالقلم، ثم خص فقال: (علم الإنسان ما لم يعلم) ، فصار كالذي
قبله في التخصيص والتعميم، يكون الكلام كله على غرار واحد، وقوله:
(الذي علم) يجوز أن يكون في محل جر بدلاً أو صفة من قوله: (الذي
خلق) ، ويجوز أن يكون رفعاً حملًا على الأكرم، ويجوز أن يكون
مبتدأ "علم الإنسان" خبره، ويجوز أن يكون فيهما إضمار هو، وأعني على
ما سبق في غير موضع.
قوله: (أن رآهُ استغنى) .
أي رأى هو إياه، فالفاعل: هو عين المفعول، ويجوز هذا في باب
ظننت فحسب، وهذه الآيات نزلت في أبي جهل، وذلك حين قال: لئن
رأيت محمداً يصلي لأطأن رقبته.
قوله: (أرأيتَ الذي ينهى عبداً إذا صلى) .
أي أرأيت أبا جهل ينهى محمداً عن الصلاة، والمنهي على الهدى آمر
بالتقوى، والناهي كاذب ومُتَوَلٍ فهذا أمر عجيب.
قوله: "الذي ينهى":
مفعول أرأيت والثاني محذوف، أي مبطلاً، وقيل: ما الذي يستحق بذلك من العذاب، الأخفش: الثاني بدل من الأول، والثالث بدل من الثاني. وقوله: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)
المفعول الثاني.
قوله: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) .
بدل من الناصية، والمعنى: صاحبها كاذب خاطىء.
قوله: (فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) .
أي أهلَ مجلسه وعشيرته، والنادي: المجلس، وذلك أن أبا جهل قال
حين زجره النبي - عليه السلام -، لقد علمت ما بها أكثر ناديا مني. فأنزل:(2/1362)
"فليدع ناديه - سندع الزبانية"، فقال - عليه السلام -، " لو دعاهم لأخذتهم الملائكة عياناً " والواو من سندع محذوف قياساً على الياء، ومثله يدْع وَيمْحُ
قوله: (لا تطعه) ، أي في ترك الصلاة. (واسجد) لله رغماً
له. (واقترب) تقرب، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله إذا سجد.
الغريب: واسجد خطاب للنبي - عليه السلام - واقترب خطاب لأبي
جهل، أي اقترب لما قلتَ: لأطأن رقبته لتنال ما تستحقه، والمعنى: قل له
ذلك يا محمد.(2/1363)
سورة القدر
قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ) .
الهاء كناية عن غير مذكور، وقيل: أنزلنا القرآن، وقد تقدم ذكره في
(أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) وهي هي، والمعنى: أنزلنا القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وقيل: بدأنا بإنزاله في ليلة القدر، وقيل:
أنزلنا جبريل.
الغريب: أنزلنا القرآن في شأن ليلة القدر.
العجيب: أنزلنا القدر في ليلة القدر، ومن العجيب: "الهاء" تعود إلى
المصدر، أي أنزلنا إنزالاً، وهذا بعيد، لأن الإنزال يستدعي مفعولا.
واختلف في وقته، فقيل: في السنة كلها: وقيل: في شهر رمضان.
وقيل في العشر الأواخر.
الغريب: إنها تختلف في شهر رمضان، حتى لو قال في النصف من
رمضان: أنت طالق ليلة القدر، لا يقع الطلاق إلا بعد انقضاء الشهر من
قابل، لاحتمال أن يكون في هذه السنة في النصف الأول من شهر رمضان.
وفي السنة الثانية في النصف الأخير منه.(2/1365)
العجيب: إنها الليلة السابعة والعشرون، واستدل هذا القائل بأن سورة
القدر ثلاثون كلمة، وقوله: "سلاما" هي إشارة إلى الليلة، وهي الكلمة
السابعة والعشرون من السورة.
ومن العجيب جداً: قول من قال: إنها كانت خاصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفعت بموته.
قوله: (مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
قيل: من ألف شهر تقدم ذكره، وهو: أن النبي - عليه السلام - قال: " كان في بني إسرائيلَ رجل حملَ السلاحَ، فجاهَدَ ألفَ شهر" وتمنى أن يكون ذلك في أمته، فأنزل الله هذه الآيات
وقيل: (خير منْ ألف شهر) ليس فيه ليلة القدر.
وقوله: (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) ، من جهة كل أمر يقضى في تلك الليلة.
وقيل: "مِنْ" بمعنى الباء، أي بكل أمر مقدَّر.
قوله: (سَلامٌ هِي) ، أي سلامة هي، فهي مبتدأ، وسلام خبره
تقدم عليه.
الغريب: هو تسليم الملائكة على أهل الطاعة.
وقوله: (حتى) متصل بقوله (تنزل الملائكة) .
العجيب: متصل بسلام، وهذا لا يجوز لأن "هي" قد حالت بينه - وهو
مصدر - وبين حتى، فإن جعلت "هي" فاعل سلام جاز حينئذٍ، لأنه لا يكون حينئذٍ أجنبياً. ومن العجيب: قول من قال: هي مبتدأ، حتى مطلع الفجر(2/1366)
خبره، لأن الليالي كلها تكون بهذه الصفة، فلا فائدة في ذكره، فإن جعلت
التقدير، هي بهذه الصفة حتى مطلع الفجر صح، وإن جعلت "هي" كناية عن
الجملة التي تقدم ذكرها من تنزل الملائكة والروح جاز أيضاً.(2/1367)
سورة البينة
قوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ) .
من للتبيين، والمشركين عطف على أهل الكتاب، وقيل: من
للتبعيض، والمشركين عطف على الذين كفروا، واتبع الذين لفظا للجوار.
بدليل قراءة ابن مسعود: "لَمْ يكنِ المشركينَ وأهلَ الكتاب منفكين ".
قال الشيخ الإمام: الغريب: يحتمل أن قوله "والمشركين " مفعول معه
من وجهين: أحدهما: على تقدير العطف على الذين، والثاني: على الواو
في كفروا، فإن المفسرين من آخرهم: فسروا منفكين تفسيرين أحدهما عام
يشمل أهل الكتاب والمشركين. والثاني: يخص أهل الكتاب دون
المشركين، فيصير حمله على ما قبله، إلا أن نجعل الواو بمعنى مع، فيصير
كقولك: لم يكن الذي ترك والأسد راكبا خيرا من الذي ترك دون الأسد.
قوله: (منفكين) أي عن الكفر. وانفك يأتي على وجهين:
أحدهما: بمعنى: انفصل، كما في الآية. والثاني: بمعنى: زال. فيصير من
باب كان، ويلزمه حرف النفي، ولا يدخل إلا في خبره.
قوله: (رَسُولٌ) : بدل من البينة، وقيل: هي رسول.
الغريب: الذي جاءهم رسول.(2/1369)
قوله: (مِنَ اللَّهِ) أي من أمر الله.
قوله: (يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً)
أي القرآن (فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3)
أي سور، وقيل: أحكام، كما تقول: كتاب
الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الصوم.
الغريب: يتلو بتلاوته القرآن صُحُفًا مُطَهَّرَةً، يعني اللوح المحفوظ.
وقيل: صحف إبراهيم وموسى.
العجيب: الصحيفة المكتوب فيه. والكتاب: المكتوب، وقيل:
الصحف، الأوراق، والكتب السطور.
قوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ) .
أي إلا أن يعبدوا، وقد كثرت زيادة اللام مع الإرادة والأمر، وقد سبق.
وقيل: ما أمروا إلا ليعبدوا الله.
قوله: (مُخْلِصِينَ) ، و (حُنَفَاءَ) حالان من الضمير في (لِيَعبدوا) .
قوله: (وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي الملة القيمة.
العجيب: هو وصف للدين، والتاء للمبالغة، وأضيف إلى الوصف.
وهذا بعيد.
قوله: (فِي نَارِ جَهَنَّمَ) .
خبر "إن"، و"خالدين" حال مقدر، وقيل: أكثر ألفاظ القيامة جاءت بلفظ
الماضي، وهذا أولى، لأن قولك: إن زيداً في الدار، يوجب أن يكون فيها
حالة الإخبار.
قوله: (الْبَرِيَّةِ) ، هي الخلق مشتق من برأ الله.
الغريب: الفراء: هو من البَرَى، وهو التراب، وقال: العرب تقول:(2/1370)
بفيه البَرَى، وحمّى خيبرى، وشر ما يَرى. وقال الكسائي: هو من بريت
العود. وقراءة من قرأ بالهمز تدفع القولين.
قوله: (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ) .
نصب على الحال، والعامل في ما دل عليه جزاؤهم، أي يجزون
خالدين، ولا يجوز أن يكون جزاؤهم للحائل، ولا للظرف، وأجاز بعضهم
ذلك، وقال: إنما يمتنع الإحالة والتقديم إذا كان بمعنى إن فعل أو إن تفعل.
وليس ها هنا كذلك، ولم يعمل بعضهم ذلك. قوله "عدن" أي كان بمعنى أن
فعل أو أن تفعل، وليس ها هنا كذلك، ولم يعمل بعضهم ذلك، قوله (عدن) أي دخول جنات.
قوله (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)
أي اجتنب معاصيه وأطاعه.
الغريب: خشي ربه أي علم من قوله (فخشينا) أي فعلمنا.
وقال بعض المفسرين: فالعلماء خيار الأمة بالنص.(2/1371)
سورة الزلزلة
قوله تعالى: (إذا) .
ظرف زمان تضمن معنى الشرط، والعامل فيه "زلزلت".
الغريب: "يومئذٍ " بدل منه تحدث هو العامل فيه وأضاف الزلزال إلى
الأرض، أي زلزالها الذي يليق بها، كما قال (على قلوب أقفالها) .
الغريب: زلزالها الموعود.
وقيل: أضافها لفواصل الآي، وهي زلزلة الساعة، وقيل: قبل الساعة.
وهي من أشراطها.
قوله: (أثقالها) كنوزها، جمع ثَقَل - بفتحتين - وهي الشيء المصون
الكريم على صاحبه، ومن جعلها في الآخرة، فأثقالها موتاها ودفائنها، جمع
ثقل.
الغريب: قال الشيخ الإمام: يحتمل أن أثقالها جمع لقوله سبحانه
(أَيُّهَ الثَّقَلَانِ) ، أي أخرجت الجن والإنس من باطنها إلى ظاهرها.
قوله: (وقال الإنسان) .
أي الكافر، لأن المؤمن يعلم ذلك، وقيل: عام.
قوله: (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) .(2/1373)
أي ما عمل. عليها من خير وشر، والتاء لتأنيث الأرض، وقيل:
للخطاب، أي، تحدث أنت أيها الإنسان، وقرىء في الشواذ "بالياء" أي
الإنسان، قوله: "يومئذٍ" بدل من إذا كما سبق. وقيل: ظرف لتحدث.
الغريب: ظرف لقال، وفيه تقديم وتأخير، أي: وقال الإنسان يومئذٍ
كلها تحدث أخبارها.
قوله: (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) .
أي تحدث أخبارها بسبب أن ربك أوحى لها أمرها، وقيل: ألهمها.
وقيل: قال لها.
الغريب: أخرجت الأرض أثقالها بأن ربك أوحى لها.
العجيب: " بأن ربك" جواب "مالها ".
قوله: (لِيرَوا أعمالهم) .
أي: جزاء أعمالهم، فحذف المضاف، لأن الأعمال لا ترى.
الغريب: "ليروا أعمالهم" مكتوبة في كتاب الحفظة، وقيل: صحائف
أعمالهم، فحذف المضاف. واللام متعلق بمصدر ضمن قال جزاء
أعمالهم، لأن ذلك مصدر يكون بعد أن يصدر الناس، ومن قال: صحائف
أعمالهم، جعل اللام متعلقاً بقوله: (زلزلت) أو قوله: (أخرجت) .
قوله: (مثقالَ ذرةٍ) .
هي النملة الصغيرة، وقيل، هي الذرة تقع في الكَوَّة.
الغريب: مئقال ذرة، رأس نملة -
العجيب: ذرة خردل.(2/1374)
قوله: (يَرَهُ) ، قرىء في الغريب: (يُرَهُ) بضم الياء ليوافق
قوله: (لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) ، وقرىء أيضاً (ليَرَوا أعمالهم)
- بالفتح - ليوافق (يَرَهُ) .(2/1375)
سورة العاديات
قوله تعالى: (وَالْعَادِيَاتِ) .
ابن عباس في جماعة: هي خيل الغزاة تضبح ضبحاً، مصدر وقع
موقع الحال، وهو صوت أجوافها إذا عدت.
قوله: (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) .
توري النار قدحاً حوافرها إذا عدت في الأرض ذات الحجارة، وتلك
النار تسمى نار أبي حباحب، وقيل: شبهت بها، وأبو حباحب كان رجلاً
بخيلاً.
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) .
تغير على الأعداء وقت الصبح، أي أصحابها، وقيل: نهاراً جهاراً.
(فَأَثَرْنَ بِهِ) .
أي بمكان عدوهن، ولم يتقدم ذكر المكان، لكن الحال يدل عليه.
وقيل: "به " الصبح أي فيه.
الغريب: "به " بالعدو.(2/1377)
(نَقْعًا) غباراً.
(فوسطن) توسطن به، كالأول.
(جمعاً) من العدو وتغير عليهم.
علي وابن مسعود - رضي الله عنهما -، والعاديات: الإبل، أي إبل الحاج.
ضبحا نوع من السير، فالموريات قدحاً، تنسف بمناسمها الحصى فيصطك
بعضها بعضاً فتنقدح النار منها، فالمغيرات صبحاً: آتين الغور.
الغريب: أراد بالإغارة: اشتراء أصحابها للذبائح، وذبحهم إياها.
وقولهم: أشرق ثبير كيما تغبر من هذا. " فأثرن به نقعا " غباراً كما سبق.
الغريب: (نَقْعًا) ، صوتاً.
العجيب: (نَقْعًا) : اسم لما بين عرفات إلى مزدلفة، وفيه بعد.
قوله:
(فوسطن به جمعا) هو المزدلفة.
وجاء عن علي - رضي الله عنه - أنه أنكر على ابن عباس حمله
العاديات على الخيل، فقال إنهما نزلت في وقعة بدر، ولم يكن معنا حينئذ
إلا فرسان، أحدهما: للمقداد والآخر للزبير.
قوله: (فأثَرن) وقوله: (فوسطن) عطفاً على الاسم، لأن
المعنى: والتي عدت فأورت فأغارت.
الغريب: (الموريات قدحاً) ، هي الفرسان توري النار ليظن فيهم
الكثرة، وقيل: هي أفكار العلماء تستنبط المعاني. عكرمة: هى الألسنة
تظهر الحق.
العجيب: هي مكر الرجال.
قوله: (إن الإنسانَ) .(2/1378)
هي جواب القسم، والقسم ثلاثة، والجواب ثلاثة.
قوله: (لَكَنُودٌ) الكنود جاء في الخبر أن النبي - عليه السلام - فسر
قولهِ الكنود وقال: (هو الذي يأكل وحده ويضرب عبده ويمنَع رفْدَه ".
ْقوله: (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ) .
أي الله سبحانه، وقيل: إن الإنسان، من قوله: (يوم تشهد عليهم) .
قوله: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ) .
أي لأجل حب المال. "لشديد" بخيل، المضاف محذوف، واللام
متعلق بقوله "لشديد".
قول: (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ) .
بعث وقلب وأثير ما في القبور أي من في القبور، والتقدير أفلا يعلم أن
ربهم، وقوله: (إِذَا بُعْثِرَ) لا يكون ظرفاً "ليعلم " لاختلاف الزمانين، ولا
ظرفاً "لبعثر"، لأن المضاف لا يعمل في المضاف إليه، ولا ظرفاً لـ " خير" لأن ما بعد أن لا يتقدم عليه، فالعامل فعل مضمر، أي يعلم الله (إِذَا بُعْثِرَ) .
والمعنى: يجازي إذا بعثر، لأن علم الله أيضاً لا يختص بزمان دون زمان.
و" يومئذ" " و "إذا" أحدهما بدل من الآخر.
العجيب: قول من قال: تقديره وحصل ما في الصدور يومئذ، لأن
إن "يدفعه.
العجيب: "ما في الصدور" صدور الكتاب - والله أعلم -.(2/1379)
سورة القارعة
قوله تعالى: (الْقَارِعَةُ (1) .
الجمهور: على أنها القيامة، وقيل: الصيحة من قوله: (يسمعون
الصيحة بالحق) .
الغريب: هي النار.
ورفعها بالابتداء. (مَا الْقَارِعَةُ (2)
الخبر، وهي جملة، وقيل: القارعة، مبتدأ ما القارعة منزل منزلة الوصف، أي العظيمة. (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)
اعتراض " يَوْمَ " خبر المبتدأ، أي يقع فيه.
الغريب: النحاس: الْقَارِعَةُ رفع بفعل مضمر، أي سيأتي، وهو
العامل في يوم، يكون خبره، وهو رفع في المحل نصب في اللفظ لأن الظرفية
غلبت عليه أو لإضافته إلى الجملة.
قوله: (مَوازِينه) جمع ميزان وله كفتان وعمود وجمع
لاختلاف الموزونات وقيل: جمع موزون.
الغريب: جمع ميزان، والميزان للوزن.
والمعنى: من عظم قدره عند الله، وضده من خفت موازينه.
قوله: (راضية) .(2/1381)
أي مرضية، وقيل: ذات رضى، وقيل: راض صاحبها، كيوم صائم
وليل قائم، وقيل: رضيت صاحبها، فقرت.
الغريب: كاملة.
قوله: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) .
أي مسكنه جهنم، وهاوية من أوصافها.
الغريب: النحاس: (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) معناه هلك لأن أم الشيء أصله
ومعظمه.
ومن الغريب: قتادة وعكرمة: أم رأسه هاوية، أي منحدرة في النار
من أعلى إلى أسفل.
العجيب: هو من قول العرب هوت أمه، يقال: لمن وقع في أمر
عظيم كربه.(2/1382)
سورة التكاثر
قوله تعالى: (أَلْهَاكُمُ) .
أي ألهاكم عن الله التكاثر بالأموال والأولاد والتفاخر بالآباء والأجداد.
قوله: (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) .
اي متم، وقيل: زرتم المقابر، أي ذكرتم موتاكم في تكاثركم
وتفاخركم.
الغريب: زرتم في المقابر، الفعل مجهول، والمقابر ظرف، وروي
أن النبي - عليه السلام - قرأ هذه السورة وقال: " ابن آدم يقول مالي
مالي، وإنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو أعطيت
فأمضيت ولو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما ثالثاً ولا يملأ جوف
ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ".
قوله: (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) .
التكرار للتأكيد، وقيل: الأول: للكفار، والثاني: للمؤمنين.
وقيل: الأول في القبر والثاني في القيامة. وعن علي - رضي الله عنه - أنه(2/1383)
قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت" ألهاكم التكاثر - إلى قوله -
(كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3)
لأنه وعيد بعذاب القبر.
قوله: (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) .
جوابه محذوف، أي لشغلكم عن التكاثر، ثم قال: (لترون
الجحيم) أي والله لترون الجحيم، وهو قبل الدخول، (ثم لترونها عين
اليقين) أي عياناً لستم عنها بغائبين.
العجيب: "علم اليقين "، قسم، " لترون " جواب القسم، والتقدير.
وعلم اليقين لترون الجحيم، فحذف الواو ونصب لأن الاسم بعد حذف
الجار في القسم يكون منصوباً إلا لفظ الله، فإنه يجوز فيه الجر والنصب بعد
حذف الواو.
قوله: (عن النعيم) .
أي عن السمع والبَصر، من قوله: (كل أولئك كان عنه
مسؤولاً) ، وقيل: هو خطاب للكفار من قوله: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا)
ابن مسعود: عن الصحة والأمن فلم أفنيتموها، وعن علي - رضي الله عنه - خبز الشعير والماء البارد.(2/1384)
سورة العصر
قوله تعالى: (وَالْعَصْرِ) .
هو الدهر، وقيل: صلاة العصر.
الحسن: أحد طرفي النهار.
والعرب تسمي الغداة والعشي العصرين، واليوم والليل العصرين، والشتاء
والصيف العصرين. وعن علي - رضي الله عنه -: ونوائب العصر. وقيل: أهل العصر.
قوله: (إِنَّ الْإِنْسَانَ) .
هو جواب القسم، والإنسان عام، ولهذا جاز استثناء الجمع منه
بقوله: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) ".
قوله: (لَفِي خُسْرٍ (2)
أي هلاك، وقيل: خسروا أهاليهم ومنازلهم في الجنة، وقيل: في عقوبة.
الغريب: في خسر من عمره، فقد قال بعض الصالحين: يا ابن آدم.
أنت في هدم عمرك منذ ولدت من بطن أمك، وقيل: الإنسان إذا تنفس
تنقص. أبو أمامة عن أي بن كعب قال: قرأت هذه السورة على رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أقسم ربك بآخر النهار إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ أبو جهلٍ ".(2/1385)
قوله: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) أبو بكر، (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) عمر، (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ) عثمان (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) علي - رضي الله عنهم أجمعين.(2/1386)
سورة الهمزة
قوله تعالى: (لِكُلِّ هُمَزَةٍ)
هذا بناء للمبالغة في الفعل، وإذا أسكنت العين صار وصفا للمفعول
مع المبالغة نحو ضُحَكة للفاعل، وضُحْكة للمفعول، والهمَزة الذي يعيب
بالغيب، واللمزة يعيب في الوجه.
الغريب: الهمز باليد، واللمز باللسان.
قوله: (الَّذِي جَمَعَ مَالًا) .
مبتدأ، "يحسب" خبره، ويجوز أن يكون خبراً، أي: هو الذي
جمع مالاً، ويجوز أن يكون نصباً على الذم، أعني الذي جمع، ويجوز أن
يكون خفضاً بدل من كل، والتقدير: ويل للذي جمع، ولا يجوز أن يكون
وصفاً لما قبله، لأن ما قبله نكرة وهو معرفة، ولا يجوز أن يكون بدلًا من
همزة لمزة، لأنه يصير ويل لكل الذي جمع، وهذا لا يستقيم.
قوله: (وعدده) أي أعده للدهر، وقيل: أكثره، لأن في تكثير عينه تكثير
عدده، وقيل أحصاه مرة بعد أخرى وحفظ عدده.
الغريب: الحسن، صنفه إبلا وغنماً وعقارا وأرضاً وذهباً وفضة.
قوله: (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) .(2/1387)
ليطرحن في النار، وقرىء في الشاذ (لينبذانِّ) أي هو وماله، وقرىء
(لينبذُنَّ الهمزة واللمزة والذي جمع ماله ".
قوله: (في عُمُدٍ ممددة) .
جمع عمود، وعَمَد جمع عماد، كإهاب وأَهَب، وهي محمية يعذبون
بها، وقيل: النار مطبقة عليهم بعَمَد، وفي بمعنى الباء.
الغريب: في عمد بين عمد، كما تقول: فلان في القوم، أي
بينهم، وقيل: مع عمد.
ومن العجيب: الحسن، في عمد ممدة، أي في دهر طويل لا
انقطاع له. ومن العجيب: في عمد ممددة هي محمية تطرح على الأبواب
إذا أغلقت، فيمد عليهم لييأسوا من الخروج.(2/1388)
سورة الفيل
قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) .
مفعولا ترى الجملة، وكيف مفعول فعل، لأن الاستفهام لا يعمل فيه
ما قبله، وأصحاب الفيل هم قوم من الحبشة، ملكهم أبرهة بن الصياح
الملقب باشرم، وكنيته أبو يكسوم، وقيل: أبرهة دون الملك الأعظمٍ
بالحبشة، وكان الملك النجاشي واسمه أصْحمة ومعناه العطية، بنى بيتا
باليمن، ودعا الناس إلى الحج إليه، وهَم بتخريب الكعبة، ليصرف الناس
عن الكعبة إلى بنائه، وكان اسم بنائه القُلَّيس، وقيل: ماسرجسان، واسمه
بالعربية الهيكل، وكان معه اثنا عشر فيلاً، وفيها واحد كبير لم
ير مثله، وكان اسمه محمود وكنيته أبو العباس، فلما وصل إلى ذي المجاز
امتنعت الفيلة من التوجه نحو مكة، وإذا صرفت عنها إلى غيرها
أسرعت مشياً، وقيل: لم يكن معه إلا فيل واحد، وهو أبو العباس، ثم تهيأ أبرهة للدخول وعبأ الجيش، وهيأ الفيلة، فأنشأ الله من
شاطىء البحر طيراً سود صفار المناقير خضر الأعناق في مناقيرها وأظافيرها
ثلاثة أحجار، فلما بلغت عسكر القوم ركدت فوق رؤوسهم، فلما توافت
الرعايا كلها أهالت ما في مناقيرها على من تحتها، مكتوب على كل حجر
اسم من يقتل به، فجعل الحجر يقع على رأس صاحبه، فيصل إلى(2/1389)
جوفه، وكانت الحجارة أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة لا تُصيب منهم
أحداً إلا هلك، وليس كلهم تصيب، وقيل: (يفْلت منهم إلا أبو
يكسوم، فسار وطائر يطير فوقه ولا يشعر به حتى دخل على النجاشي فأخبره
ما أصابهم، فلما استتم كلامه أتاه الطائر فرماه به فسقط فمات، فرأى
النجاشي كيف كان هلاك أصحابه.
قوله: (طيراً أبابِيل) .
أبو عبيدة: جماعات في تفرقة. الزجاج: جماعة من هاهنا
وجماعة من هاهنا -
الغريب: قتادة: كثيرة.
العجيب، هي العنقاء المعرب.
قوله: (بحجارة من سجيل) .
قيل هو معرب، وقيل: من السجل وهو الشديد، وقيل: السجيل:
اسم من أسماء الدنيا، وقيل: من سجين فقلبت النون لاما.
قوله: (كعصف مأكول) .
العصف: ورق الزرع. قتادة: هو التبن، وقيل: هي ما على
حب الحنطة من القشور.
قوله: (مأكول) أي أكلته الدواب، فراثته من الروث فأنتنه.
وقيل: مأكول من شأنه أن يؤكل.
العجيب: ما ذكر في بعض التفسير: أن العصف هو العفص
والمأكول الذي في ثقب، وهو غلط بعيد.(2/1390)
سورة قريش
قوله تعالى: (لِإِيلَافِ) .
في هذه اللام خمسة أقوال، أحدها: أنه للتعجب، أي اعجبوا
لإيلاف قريش، رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة رب هذا البيت.
الثاني: اللام متصل بالسورة الأولى وهو للصيرورة والعاقبة، أي أهلكهم ليألف قريش، الثالث: اللام متصل بالسورة الأولى، وهي لام كي التي تسمى لام العلة، وزيفه بعضهم، وقال: أهلكهم أكثرهم.
الرابع: اللام متصل بما بعده. أي فليعبدوا رب هذا البيت (لإيلاف قريش) ، أي لما أنعم من إيلافهم.
العجيب: الخامس: اللام بمعنى الكاف، فليعبدوا رب هذا البيت.
عبادة كما يألفون الرحلتين. وروى عن الكسائي: ترك التسمية بين السورتين على أن اللام متصل بما قبله.
قوله: وردت من هنا وهي زائدة "قريش" قيل هو: من القرش وهو
الكسب وكانوا يأكلون من كسبهم فسموا به، وقيل: من القرش وهو الجمع ولتجمعهم بعد التفرق سموا به، وقيل: إن معاوية سأل ابن عباس عن(2/1391)
معنى قريش، فقال هي دابة تسكن البحر، من أعظمها دابة، وأنشد:
وقريش هي التي تسكُن البحرَ. . . بها سُميت قريشٌ قريشاً
تأكل الغَث والسمينَ ولا. . . تترك يوما لذي الجناحين ريشا
قوله: (إِيلَافِهِمْ) .
بدل من الأول (رحلة) منصوب به وهو مفعول به، وفيه لغتان: أَلِفَ وله
مصدران إِلْفاً وإلافاً. وألَّفَ يؤلِّف إيلافاً.
قوله: (رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ) أي رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة
الصيف إلى الشام، وبهما كانت تقوم معايشهم، فمن الله عليهم بذلك.
الغريب: ابن عباس، لم يكونوا في راحة لا في شتاء ولا صيف، فلما
آمنوا كفوا مؤنة الرحلتين.
العجيب: نهاهم عن الرحلتين وأمرهم أن يعبدوا رب هذا البيت عبادة
كما ألفوا الرحلتين.
قوله: (مِنْ جُوعٍ) .
أي من بعد جوع، فحذف المضاف، وقيل: من بمعنى عن. قال
سيبويه: الفرق بينهما أن "عن" تقتضي حصول جوع فزال بالإطعام، و "من" تقتضي المنع من لحوق الجوع، فعلى هذا يجوز أن يكون المعنى: أطعمهم فلم يلحقهم جوع.
قوله: (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) أي خرف العدو. وقيل: خرف أبرهة.
وهذا على من قال: السورة متصلة بالأولى.(2/1392)
الغريب: آمنهم من الجذام الذي وقع وراء مكة.
العجيب: عن علي - رضي الله عنه - آمن قريشاً أن لا تكون الخلافة
إلا فيهم.(2/1393)
سورة الماعون
قوله تعالى: (بالدينِ) .
أي بدين محمد - عليه السلام -، والتكذيب به، نبه المخبر بصحته
إلى الكذب فيما أخبر به. ابن عيسى: الدين: الجزاء بعد الموت.
والتكذيب بالجزاء من أضر الأشياء، لأنه يقوم به الداعي إلى الخير
والصارف عن الشر.
قوله: (فذلك) .
الفاء تدل على أن ذلك سبب الدع وترك الحض.
قوله: (فويلٌ) ، دخول الفاء يدل على أنهم المذكورون قبل.
لكن وضع المصلين موضع الكناية، أي فويل لهم.
الغريب: عن الحسن، أنه قال: الحمد لله الذي قال: عن صلاتهم.
ولم يقل في صلانهم.
قوله: (ويمنعون الماعونَ) .
هو الزكاة، وقيل: ما يبذله الجيران بعضهم لبعض، وقيل: ما فيه منفعة
مثل الفأس والقدر والدلو، وقيل: الماء. قال:(2/1395)
يمج صبيرُه الماعونَ صبا
الصبير: السحاب، والماعون الماء، واصل المعن القليل.
وقيل: أصله من مَعَنَ الشيءُ أي سهل، والماعون: المال.
الغريب: الماعون: تقول العرب: ضربت الناقة حتى أعطت ماعونها
أي حتى انقادت. - والله أعلم -.(2/1396)
سورة الكوثر
قوله تعالى: (الكوثر) .
هو فوعل، من الكثرة، والكوثر: الرجل الكثير الخير. قال:
وأنت كثير يا بن مروان طيبٌ. . . وكان أبوكَ ابن العقائل كوثرا
ابن عباس: نهر في بطنان الجنة يجري على الياقوت، حافتاه ذهب
وفضة، وماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، تربته أطيب من
المسك، على حافتيه من الآنية عدد النجوم، وعن النبي - عليه السلام -:
"الكوثر الحوض ".
الغريب: عن عائشة: من أحب أن يسمع خريره فليجعل أصبعيه في
أذنيه.
ومن الشرب: الحسن، الكوثر: القرآن. عكرمة النبوة
وقيل: الإسلام.
قوله: (وانحر) .(2/1397)
أي ضحيتك يوم النحر. علي: هو وضع اليمين على اليسرى.
وقيل: ارفع يديك إلى نحرك عند التكبير، وقيل: استقبل القبلة بنحرك في
الصلاة.
الغريب: هو كناية عن القبول، تقول سألته مسألة فوضع يده على
نحره، أي قبله.
العجيب: انحر قربانك لله لا للأوثان. ومن العجيب: صل وانحر.
وكان قبل ذلك ينحر ويصلي يوم العيد.(2/1398)
سورة الكافرون
روي عن النبي - عليه السلام - أنه قال: "نابذوا عند الموت، فقالوا: يا رسول الله، كيف ننابذ؟ ، قال. اقرؤوا قل يا أيها الكافرون ".
وروي أن ابن مسعود دخل المسجد، والنبي - عليه السلام - جالس، فشرع في الصلاة، فقال له: " يا بن مسعود نابذ، فقرأ (قل يا أيها الكافرون) . ثم قال له في الركعة الثانية: أخلص، فقرأ (قل هو الله أحد) ، فلما سلم قال: يا ابن مسعود: سل تجب".
وفي الحديث أن هاتين السورتين يقال لهما المقشقشتان. أي تبريان
من الشرك والذنوب، ومن قولهم: تقشقش المريض إذا صح. وهذه السورة
نزلت في قوم بأعيانهم منهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود
ابن المطلب، جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، فأنزل الله هذه السورة، ونفى عنه عبادة الأصنام في الحال والمآل.
وعنهم عبادة الله في الحال والمآل، فكان كما أخبر، لأنهم ماتوا على الكفر.
فصارت إحدى معجزات النبي - عليه السلام -، ومثله في البقرة "سواء
عليهم" نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته أعلمه الله أنهم لا يؤمنون.
فكان كما أعلم، وقيل: هو عام لجميع الكفار، وفيه معنى الشرط، أي إن
عبدتم الله بشرط أن أعبد آلهتكم فلم تعبدوه، لأني لا أعبدها أبدا. وعلى
هذين القولين لا تكون السورة منسوخة.
الغريب: لا يجوز نسخها لأنها خبر، والنسخ يرد على الأمر والنهي وما(2/1399)
بمعناها، وقيل: معنى قوله (لكم دينكم ولي دين) أي جزاء أعمالكم
وجزاء عملي، وهذا لا ينسخ. وذهب جماعة إلى أنها منسوخة بآية السيف.
قوله: (قل)
صار مَتْلوَّا في السور الأربع لأنها نزلت جواباً.
قوله: (لا أعبد ما تعبدون) ، أكثر المفسرون القول في تكرار
هذه الآيات وقيل: التكرار تأكيد يحسم أطماعهم من عبادته آلهتهم، وقيل:
لأن - القوم كرروا فيه مقالهم كرة بعد كرة. وقيل: الأول في سنة والثاني في سنة، لأنهم قالوا نعبد إلهك سنة وتعبد آلهتنا سنة، وقيل: بين نزوليهما
زمان، فصار كتكرار القصص في سائر القرآن. وقيل: الأول للحال والثاني
للماضي. وقيل الأول للحال والثاني للاستقبال، وقيل: الأول عبادة التوحيد والثاني عبادة الطاعة. وقيل: "مَا" في الأول بمعنى الذي والثاني بمعنى
المصدر، أي لا معبوداً واحد ولا عبادتنا واحدة. هذا هو المليح من الأقوال.
وقيل: الأول لفظ الفعل، والفعل يدل على جزء من الزمان، وذكر الباقي
بلفظ الاسم ليعم الأزمة كلها.
الغريب: في هذا التكرار اختصار وإيجاز هو الإعجاز، لأنه سبحانه
نفى عن النبي - عليه السلام - عبادة الأصنام في الماضي والحال والاستقبال، ونفى عن الكفار المذكورين عبادة الله في الأزمة الثلاثة، فكان القياس
يقتضي تكرار هذه اللفظة ست مرات بذكر لفظي الزمان الموجود، وهو
الحال، وكان أولى بذكر لوجوده، واقتصر من الماضي على المسند إليهم.
وهو قوله (ولا أنا عابد ما عدتم) ، واقتصر من المستقبل على المسند
إليه، وهو قوله: (ولا أنتم عابدون ما أعبد) ، واسم الفاعل في الأول
بمعنى الحال، والثاني بمعنى الماضي، والثالث بمعنى الاستقبال.
قوله، (لَكم دينكم) ، الكفر. (ولي دين) الإسلام. و "مَا" في
الآيتين بمعنى "من" وذكر بلفظ "مَا" للتقابل والازدواج.(2/1400)
سورة النصر
قوله: (إذا جاءَ نَصرُ اللهِ) .
أي إذا جاءك نصر الله إياك على من عاداني (فسبح) ، لأن إذا
تضمن معنى الشرط، وهو منصوب بجاء، فاقتضى جوابا، وقوله: "فسبح"
جوابه. وقيل: جزاؤه مضمر، أي إذا جاء ورأيت دنا رحيلك، والفاء في
"فسبح" لعطف جملة على جملة الفاعل القول للتعقب، وهو جزاء الشرط.
قوله: (يدخلون) إن جعلت رأيت من رؤية العين، فيدخلون
حال، وإن جعلته بمعنى العلم، فهي جملة في محل نصب، وقوله "أفواجا)
نصب على الحال من المضمر في "يدخلون".
قوله: " فسبح بحمد ربك ".
أي سبحه بالتحميد: وقيل: الباء للسبب، أي احمده لتكون مسبحاً.
الغريب: الباء للحال، أي سبحه حامداً.
ولما نزلت هذه السورة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى الله إلي نفسي "
وعاش بعد السورة سنة.
وعن علي - رضي الله عنه - أنه قال:(2/1401)
"لما نزلت هذه السورة مرض - عليه السلام - فخرج إلى الناس فخطبهم
ووعظهم، ثم دخل المنزل وتوفي - عليه السلام -.
وتسمى هذه السورة سورة التوديع.(2/1402)
سورة المسد
قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) .
أي خسرت وهلكت، والتباب، الخسار والهلاك، (وما كيد فرعون
إلا في تباب) أي خسار وهلاك.
الغريب: صفرت يده من كل خير.
قوله: (يدا أبي لهب)
قيل: المراد باليد العمل، لأنه بها يكون، وقيل:
اليدان استعارة وصلة، والمراد تب هو، وقيل: ماله وملكه.
قوله: (أَبِي لَهَبٍ)
لس في القرآن كنية غير هذه. وكني بها لتلهب وجنتيه، وكان اسمه عبد
العزى، واعترض بعض الملحدين، فقال: نسبتم الأب إلى من ليس به بابن
لا يصح. واعترض آخر، وقال: إنما تذكر الكنية للتعظيم، وهذا موضع
تحقير.
الجواب عن الأول: إن الكنى كالأعلام لا يراعى فيها المعاني لأن
الغرض منها التعريف فحسب، كالرجل يسمى كافوراً أو عنتراً أو أسدا أو
كلباً، وهذه كلها منقولة من الجنس، أو تكون مقولة من الوصف، كشجاع
وجواد وحسن، ثم لا يراعى في المسمين بها تحقيق شيء من ذلك، وقد
يكون مرتجلا لا يعرف له معنى كعطفان، كذلك الكنى. والجواب عن
الاعتراض الثاني: أن اسمه كان عبد العزى، والله سبحانه لم يرتض ذلك،(2/1403)
والثاني أن المراد به النار، فكأنه قال أبو النار تسمية بما يؤول إليه فتكون
النهاية في الحقارة.
قال الشيخ: ويحتمل أنه سبحانه إنما ذكر أبا لهب لتبنى
عليه، (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) - والله أعلم -.
قوله: (وتب)
قيل الأولى جار مجرى الدعاء، والثاني إخبار أي وقد
تب، وقد توكيد أي تبت يدا أبي لهب وتب أبو لهب.
العجيب: مجاهد: وتب ابنه.
قوله: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ) .
"مَا" الأولى تحتمل النفي والاستفهام، والثانية تحتمل خمسة أوجه:
الاستفهام والنفي والمصدر، أي ماله وكسبه، والموصولة، أي ماله والذي
كسبه والنكرة أي ماله وشيء كسبه.
العجيب: هو بمعنى "من" أي ابنه لأن ولد الرجل من كسب أبيه.
قوله: (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) .
هي أم جميل أخت أبي سفيان، وهي التي قالت: في محمد - عليه
السلام - مذمما أبينا، ودينه قلينا، وأمره عصينا.
و"حمالة الحطب" كناية عن المشي بالنميمة. وقيل: كانت تحمل الحطب والشوك وتلقيه في طريق النبي - عليه السلام - ليتأذى به. وقيل: كانت تحمل الحطب على ظهرها بحبل في عنقها. فأخبر الله بخسيس حالها.
العجيب: تحمل الحطب في نار جهنم.
الغريب: قال الشيخ: يحتمل أن الحطب كناية عن الوزر والذنب،(2/1404)
"وامرأته" رفع بالابتداء "حمالة الحطب" خبره، "في جيدها" حال، "حبل"
رفع بالظرف - "من مسد" صفة حبل، ويجوز أن يرتفع حبل بالابتداء، "من
مسد" صفته، "في جيدها" خبره، والجملة حال من الضمير في حمالة الحطب
ومن نصب "حمالة الحطب" نصبه على الذم "وامرأته" رفع بالعطف على
الضمير في "سيصلى" والحائل قام مقام التأكيد بالضمير المنفصل.
الغريب: الواو للحال: والجملة إلى آخر السورة في محل نصب.
فيكون ذلك في النار.
والمسد كل ما أحكم فتله. وذكر في التفاسير أنه سلسلة من حديد.
تدخل في فمها وتخرج من دبرها ويلوى سائرها في عنقها.
وجاء أيضاً أنها كانت تحتطب بحبل من ليف، فوضعته ليلة على دكان فأتاها جبريل فخنقها بحبل حزمتها فقتلها.
وقيل: - وهو الغريب -: المسد قلادة من ودع، جمع ودعة، وهن
هنات صغار تخرج من البحر.
العجيب: المسد: شجر بمكة، وكانت تحتطب فيه. يكون التقدير:
حمالة الحطب من مسد في جيدها حبل.(2/1405)
سورة الإخلاص
عن النبي - عليه السلام -: "من قرأ سورة الإخلاص، فقد قرأ ثلث
القرآن وذلك أن القرآن كله يشتمل على ثلاثة أشياء: الأول، توحيد الله
وذكر صفاته. والثاني: تكاليف الشرع من الأمر والنهي. والثالث: قصص
الأنبياء والمواعظ. وسورة الإخلاص مشتملة على ذكر التوحيد بطريق
الإجمال، ولذلك من قراها أعطي من الأجر ما لو قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فإنما قرأ القرآن كله. وتسمى هذه السورة نسبة الرب سبحانه.
لما جاء في الخبر: صحبه سبعون ألف ملك كلما مروا بأهل سماء سألوهم
عما معهم، فقالوا نسبة الرب، وذلك ان المشركين جاؤوا إلى رسول
الله فقالوا: انسب لنا ربك، فأنزل الله هذه السورة.
قوله: (هو الله أحد) .
هو كناية عن الله سبحانه، وفد تقدم ذكره في سؤال الكفار حين قالوا
انسب لنا ربك، ومحله رفع بالابتداء، والله خبره، وأحد خبر بعد خبر.
ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، أي هو الله هو أحد، ولجرز ان يكون
بدلاً من الخبر، ويجوز أن يكون اسم الله بدلا من هو و "أحد" الخبر، وقيل:(2/1407)
هو كناية عن "الأمر" والشأن، الله مبتدأ أحد خبره. وضعف الفراء، هذا
الوجه، وقال: إنما يكون ذلك مع إن، وكان وظننت، وأجازه غيره.
وقال: ما لم يجوز ذلك في باب الابتداء والخبر، لم يجز في تلك الأبواب.
لأنها تُبنى عليه.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) .
أي لا يماثله ولا يساويه أحد.
الغريب: مجاهد: لا صاحبة له، لأن المرأة كفؤ الرجل.
والمعنى: لا ولد له ولا والد له ولا صاحبة.
واختلفوا في إعراب "وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) .
فذكروا فيه خمسة أوجه.
أحدها: أن التقدير لم يكن له كفواً له، فأحد اسم كان وكفوا خبره وله
حمله وزيادة. والثاني: لم يكن له أحد كفوا، فاحد اسم كان وله الخبر، وكفوا صفة لأحد، فلما تقدم انتصب على الحال، ومثله: لم يكن لعبد الله أحد نظيرا، فلما قدمته قلت: لم يكن لعبد الله نظيراً أحد، هذا لفظ الفراء في معانيه.
والثالث: قال أبو علي في الحجة: يجوز أن يكون له حالًا من كفو
وكان صفة له. فلما تقدم انتصب على الحال. قال: العامل فيه يجوز أن
يكون لم يكن ويجوز أن يكون ما في كفو من معنى المماثلة، قال: وجاز
تقديمه، وإن العامل فيه المعنى، لأنه ظرف، والظروف يتبع فيها.
الرابع: قال البغداديون: في لم يكن الضمير المجهول، وهو الأمر والشأن.
وأحد رفع بالظرف وكفوا نصب على الحال، والعامل فيه له، قال أبو علي: وهذا إذا أفردته عن لم يكن لا يسوغ، قال: ووجه ذلك أن يكون محمولاً(2/1408)
على معنى النفي، فكأنه لم يكن، أحد له كفواً، كما كان قولهم: ليس الطيب إلا المسك، محمولًا على معى النفي، الخامس: له وكفوا خبران عن أحد تقدما عليه.
الغريب: في بعض هذه الوجوه نظر، وذلك فيمن جعل له غير اسم
كان وخبره، لأنه يصير، أجنبياً من كان فلا يجوز كما قلنا في قوله "كان زيدا الحمى تأخذ".(2/1409)
سورة الفلق
سب نزول السورتين: أن غلاماً كان يخدم النبي - عليه السلام -.
فدست إليه اليهود، ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأسه - عليه السلام -
وعدة أسنان من مشط، فأعطاها اليهود، فسحروه فيها، وكان الذي تولى
ذلك لبيد بن أعصم اليهودي، ثم دسها في بئر يقال لها ذروان، فمرض
- عليه السلام - مرضا شديداً، وانتثر شعر رأسه، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه، فبينا هو نائم، أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والأخر عند رجله، فقال الذي عند رجله للذي عند رأسه، ما بال الرجل؟ قال: طب قال وما طب؟ قال: سحره قال. ومن سحره؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: فيم طبه، قال: بمشطه ومشاطه. قال: أين هو، قال: في جف طلعة تحت
راعوفة في بئر ذروان، فانتبه النبي - عليه السلام - وقال: يا عائشة أما علمت أن الله أخبرني بدائي، ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر، فنزحوا ماء البئر، كأنه نقاعة الحنا، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجف، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا وتر فيه وعليه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنزل الله هاتين السورتين إحدى عشرة آية على عند العقد، فجعلوا كلما حلوا عقدة، وجد - عليه السلام - خفة حتى احلوا العقد، فقام كأنما أنشط من عقال. وجعل جبريل - عليه السلام - يقول: بسم الله أرقيك من كل(2/1411)
شيء يؤذيك، ومن حاسد وعين، والله يشفيك. الجف: مر الطلع.
والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه الماثح. والمشاطة: ما يسقط من
الشعر مع المشط. وفي كيفيه ذلك أقوال:
أحدها: أنه إبهام الأذي وتخييل المرض ولا تأثير له.
والثاني: أنه يؤثر كما تؤثر العين في المعيون.
والثالث: أنه بمعونة الجن. وفي سحر النبي - عليه السلام - قولان: قال
بعضهم: سحره لبيد بما سحره، وتقدم ذكره، وعليه جمهور المفسرين.
وأنكر بعضهم وقال: إن الله أنكر على من قال هذا في صفة النبي، حيث
قال: (وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8) .
الغريب: النفاثات: هن السواحر، تنفث في العقد كأنها تنفخ فيها
بشيء تقرأه.
العجيب: أراد بالنفاثات في العقد: النساء اللواتي يسلبن قلوب
الرجال بحبهن. قال أبو تمام:
السالبات الفتى عزيمته بالسـ. . . حر والنافثات في عقد.
قوله: (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) .
هو الليل، والغسق: الظلام. وقيل: الليل، والغسق البرد.
ابن عيسى: الهاجم لضرر من قولهم: غسقت عينه، جرى دمعها، وغسقت
القرحة جرى صديدها. وقيل: الغاسق: القمر.
وروي عن عائشة أنها قالت أخذ النبي - عليه السلام - بيدي ونظر إلى القمر، فقال: تعوذي بالله من هذا، فإنه الغاسق إذا وقب. وقيل هو الشمس.
الغريب: أبو هريرة: الغاسق: الثريا، فإن الأسقام تكثر عند
وقوعها، وترتفع عند طلوعها.(2/1412)
العجيب، في بعض التفاسير: ومن شر الذَّكَرِ إذا اتعظ. وقيل: ولج، وروى هذا القائل استعيذوا بالله من شر الغلمة. وعن أبي هريرة: نعوذ بالله من غلمة لا عدة لها.
وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أعوذ بالله من شر سمعي وبصري وبطني ومنيتي ".
وهذا تفسير يسمج ذكره، لكني أوردته لكونه في عداد العجيب
من الأقوال.
وكل ما وصفته بالعجيب ففيه أدنى خلل ونظر.
قوله: (النَّفَّاثَاتِ) هن بنات لبيد بن الأعصم.
قوله: (حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) .
أي إذا ظهر حسده، لأن حسد الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر منه ذلك
بفعل أو قول.(2/1413)
سورة الناس
قوله تعالى: (برب الناس) .
أي بالله رب الناس، فحذف الموصوف، وصرح بذكر الناس خمس
مرات، وكان القياس أن يصرح بالاسم مرة، ثم يكنى عنه، كغيرها من
الآيات وكغيره من الأسماء، لكن صرح لانفصال كل آية من الأخرى، لعدم
حرف العطف، وقيل: صرح به تعظيماً له وتكرمة. وقيل: لأن كل واحد
من ذلك غير الآخر، فإن المراد برب الناس، الأطفال، ولفظ الرب المنبيء
عن التربية يدل عليه. وبقوله: ملك الناس الشبان، ولفظ الملك المنبيء
عن السياية يدل عليه. وبقوله: إله الناس الشيوخ، ولفظ الإله المنبيء عن
العبادة والتأله يدل عليه. والمراد بقوله: (صدور الناس) الصالحون الأبرار.
فإن الشيطان مولع بإغرائهم. والمراد بقوله: (من الجنة والناس) الطالحون
الأشرار، وعطفه على المعوذ منهم يدل عليه.
قوله: (الْوَسْوَاسِ) .
هو مصدر كالزلزال، والوسواس من الشيطان، وقيل: وهو الغريب:
وسواس الإنسان من نفسه، وهي وسوسته الذي يحدث بها نفسه.
قوله: (الخنَّاس)
هو من الخنوس، وهو التأخر. وجاء في
الحديث: ان الشيطانَ جاثم على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله تنحى وخنس.
وإذا غفل التقم قلبه فحدَّثَه ومنَّاه.(2/1415)
قوله: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6) .
فيه أقوال: أحدها: أن "من الجنة" حال من الوسواس، والمراد ذي
الوسواس ثم وصفه بالخناس، ثم بالذي يوسوس في صدور الناس، ثم
قال: (مِنَ الْجِنَّةِ) ، أي كائنا من الجنة، وذو الحال الوسواس أو الضمير الذي
يوسوس، ثم عطف الناس على الوسواس، أي من شر الوسواس والناس.
الثاني: الْجِنَّةِ متعلق وحال من الناس في قوله: (صدور النَّاسِ) أي
كائنين من الْجِنَّةِ وجعل من الجنة ناسا كما جعل منهم رجالا في قوله
(برجالٍ من الجنِّ) ثم عطفه على الْجِنَّةِ، فقال: (والناسِ) ، أي
في صدور الناس جنيهم وإنسيهم، وعلى هذا يجوز أن يكون من الْجِنَّةِ
والناس متصلاً بالناس الأولى في قوله (برب الناسِ) ، وهذا وجه ثالث.
الرابع: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)
بدل من شر الوسواس، أي من شر الْجِنَّةِ
والناس. الخامس: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) متعلق بالوسواس، أي الوسواس
الواقع من الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ.
السابع: الذي مبتدأ، خبره من الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أي، الذي يوسوس يكون من الْجِنَّةِ ويكون من الناس.
الثامن: من شر الوسواس الذي يوسوسه في صدور الناس، والتقدير، من شر الوسواس الواقع من الْجِنَّةِ الذي يوسوسه في صدور الناس، فحذف العائد، وجاز تذكير الْجِنَّةِ لأنه بمعنى الجِنِّ، ويكون عطفاً على الوسواس كالوجه الأول. - والله أعلم -.
انتهى الجزء الثاني من كتاب غرائب التفسير وعجائب التأويل.
وكان الفراغ من نسخة في يوم السادس والعشرين من شهر شوال سنة
إحدى وستين وسبعمائة.(2/1416)