ـ[معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي]ـ
المؤلف: محيي السنة، أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي (المتوفى: 510هـ)
المحقق: عبد الرزاق المهدي
الناشر: دار إحياء التراث العربي -بيروت
الطبعة: الأولى، 1420 هـ
عدد الأجزاء:5
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي، وضمن خدمة مقارنة التفاسير]
__________
الكتاب مرتبط بنسخة أخرى (ط: دار طيبة) للشاملة، ومصورة(/)
[المجلد الاول]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
كلمة دار إحياء التراث العربي
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهد الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وَاشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) [آل عمران 3: 102] .
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) [النساء: 1] .
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (71) [الأحزاب: 70- 71] .
أما بعد، فيسر دار إحياء التراث العربي أن تقدم للعالم الإسلامي تفسير الإمام البغوي المسمى «معالم التنزيل» لمؤلّفه الإمام أبي مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْفَرَّاءُ البغوي الشافعي (ت 516 هـ) بعد أن عهدت للسيد عبد الرزاق المهدي تحقيقه وتصحيح ألفاظه على نسختين خطّيتين وتخريج أحاديثه والتعليق عليه بما يفيد المطالع فيه.
وقد رقّم السيد عبد الرزاق أحاديث الكتاب بشكل تسلسلي من أوله حتى آخره. وبذل من الجهود الشاقة في تخريج أحاديث الكتاب ما يشكر عليه، فخدمه بما أعانه الله بعد ما حرف همته طوال أربع سنوات لخدمة هذا التفسير الجليل بالمأثور.
قال الإمام علي بن محمد الخازن (ت 725 هـ) في مقدمة تفسيره الصفحة (3) مادحا هذا التفسير:
«من أجلّ المصنفات في علم التفسير وأعلاها، وأنبلها وأسناها، جامعا للصحيح من الأقاويل عاريا عن الشّبه والتصحيف والتبديل» .
هذا وقد وضع السيد عبد الرزاق المهدي مقدمة تناول فيها الحديث عن فوائد تتعلّق بكتب التفسير والمفسرين مع ترجمة للإمام البغوي ودراسة لكتابه، ووصف نسخه الخطية وخطة عمله بالكتاب، ربنا تقبل منّا هذا العمل خالصا لوجهك الكريم، وانفع به عبادك، وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، والعاقبة للمتقين.
دار إحياء التراث العربي(1/5)
مقدمة المحقق
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا.
وَاشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أرسله بالهدى ودين الحق ليظهر، عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الكافرون.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذكره أنزل القرآن مؤلفا منظما، ونزّله بحسب المصالح منجما، وجعله بالتحميد مفتتحا، وبالاستعاذة مختتما.
أوحاه على قسمين متشابها ومحكما، وفصّله سورا وسوره آيات، وميز بينهنّ بفصول وغايات، وما هي إلا صفات مبتدئ مبتدع.
وسمات منشئ مخترع.
فسبحان من المستأثر بالأولية والقدم. ووسم كل شيء سواه بالحدوث والعدم، أنشأه كتابا ساطعا تبيانه، قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ، مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية، مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتب السماوية، معجزا باقيا على وجه كل زمان، أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء، وعن الإتيان بسورة مثله من الخطباء الفصحاء، ثم سهل على الخلق تلاوته.
جعل أمثاله عبرا لمن تدبرها، وأوامره هدى لمن استبصرها، وشرح فيه واجبات الأحكام، وفرّق فيه بين الحلال والحرام، وكرّر فيه المواعظ والقصص للأفهام، وضرب فيه الأمثال وقص فيه غيب الأخبار.
ثم لم يرض منها بردّ حروفه دون حفظ حدوده، ولا بإقامة كلماته دون العمل بمحكماته ولا بتلاوته دون تدبر آياته، ولا بدراسته دون تعلم حقائقه، وتفهم دقائقه.
ولا حصول لهذه المقاصد منه إلا بدراية تفسيره وأحكامه، ومعرفة حلاله وحرامه، وأسباب نزوله وأقسامه، والوقوف على ناسخه ومنسوخه، في خاصه وعامّه، فإنه أرسخ العلوم أصلا، وأسبغها فرعا وفصلا، وأكرمها نتاجا، وأنورها سراجا، فلا شرف إلا وهو السبيل إليه، ولا خير إلا وهو الدال عليه.
من حكم به عدل، ومن تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يمله العلماء، ولا يخلق على كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ.
من علم علمه سبق، ومن قال به صدق، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عمل بما فيه أجر، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صراط مستقيم.
1- أنواع التفاسير:
وقد قيض الله تعالى له رجالا موفقين، وبالحق ناطقين، حتى صنفوا في سائر علومه المصنفات، وجمعوا في سائر فنونه المتفرقات، كُلٌّ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ، وَمَبْلَغِ علمه.
أ- فمنهم من جعل عمدته الحديث والأثر، كالإمام عبد الرزاق بن همام المتوفى سنة (211) والإمام(1/9)
عبد بن حميد المتوفى سنة (249) والإمام أبي جعفر الطبري المتوفى سنة (310) والإمام أبي بكر بن المنذر المتوفى سنة 318 والإمام أبي محمد بن أبي حاتم المتوفى سنة 327 والإمام أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه المتوفى سنة 410، والإمام عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى سنة 597.
- والإمام الحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة (774) .
ب- ومنهم من جعل عمدته مع الحديث والأثر وأخبار الأقدمين وقصص الإسرائيليين، وذلك كالإمام أحمد بن محمد الثعلبي المتوفى سنة 427 وتلميذه علي بن أحمد الواحدي لكن في تفسيره «البسيط» وهو لم يطبع، وأما «الوسيط» وهو مطبوع، فهو مختصر وعبارته موجزة، ومنهم الإمام الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516 وهو الذي نحن في صدده.
ت- ومنهم من جعل عمدته الفقه والأحكام كالإمام إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي المتوفى سنة 282 والإمام عماد الدين بن محمد المعروف ب الكيا الطبري الهرّاسي المتوفى سنة (504 هـ) والإمام أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المعروف بابن العربي المالكي المتوفى سنة (543 هـ) ، والإمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص- المتوفى سنة (370 هـ) .
ث- ومنهم من جمع بين الفقه والحديث وغير ذلك من علوم الشريعة، كالإمام أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد القرطبي المالكي المتوفى سنة (671 هـ) في كتابه «الجامع لأحكام القرآن» .
ج- ومنهم من جعل عمدته اللغة والنحو كالإمام محمود بن عمر الزمخشري في كتابه «الكشاف» المتوفى سنة (538 هـ) .
- والإمام أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفى سنة 745. في كتابه «البحر المحيط» .
ح- ومنهم من جعل عمدته مناسبة الآيات والسور كالإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المتوفى سنة 885 في كتابه «نظم الدرر» .
خ- ومنهم من جعل عمدته المنطق والفلسفة وإثارة الشبه وسرد آراء أهل العلم من أهل السنة والمبتدعة وغيرهم كالإمام فخر الدين محمد بن أبي بكر الرازي المتوفى سنة 666 في كتابه «مفاتح الغيب» .
د- ومنهم من جمع بين الرواية والدراية، وكالإمام محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة (1250 هـ) كما نص على ذلك في مقدمته.
- ولكلّ مزايا وفوائد وحسنات، وأشياء فيها نظر.
ومن الكتب المعتبرة في علم التفسير كتاب «معالم التنزيل» للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة (516 هـ) وهو هذا الكتاب.
وكتابه هذا من أجمل كتب التفسير لسهولة عبارته، واتساق ألفاظه ومعانيه مع ما ضمنه من أحاديث عامتها صحيح أو حسن.
وقد قال الإمام علي بن محمد الخازن المتوفى سنة (725 هـ) في مقدمة تفسيره ص 3 عن هذا التفسير:
«من أجل المصنفات في علم التفسير وأعلاها وأنبلها وأسناها جامعا للصحيح من الأقاويل، عاريا عن الشبه والتصحيف والتبديل، محلّى بالأحاديث النبوية، مطرّزا بالأحكام الشرعية، موشى بالقصص الغريبة وأخبار الماضين العجيبة، مرصعا بأحسن الإشارات، مخرجا بأوضح العبارات، مفرغا في قالب الجمال في أصح مقال، فرحم الله تعالى مصنفه وأجزل ثوابه وجعل الجنة متقلبه ومآبه» . ا. هـ.(1/10)
2
- وسبب تصنيفه لهذا التفسير
هو ما ذكره في المقدمة بقوله: «فَسَأَلَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِي الْمُخْلِصِينَ، وَعَلَى اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ مُقْبِلِينَ كِتَابًا فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ وَتَفْسِيرِهِ، فَأَجَبْتُهُمْ إِلَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ، مُمْتَثِلًا وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ «إِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا» وَاقْتِدَاءً بِالْمَاضِينَ من السلف من تدوين العلم إبقاء على الخلق وَلَيْسَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ مَزِيدٌ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ تَجْدِيدِ مَا طَالَ به العهد وقصر المطالبين فيه الجد والجهد تنبها للمتوفقين وَتَحْرِيضًا لِلْمُتَثَبِّطِينَ فَجَمَعْتُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَسُنِ تَوْفِيقِهِ فِيمَا سَأَلُوا كتابا متوسطا بَيْنَ الطَّوِيلِ الْمُمِلِّ وَالْقَصِيرِ الْمُخِلِّ، أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِمَنْ أقبل على تحصيله مزيدا.
ولما كان هذا الكتاب من الأهمية بمكان، وأنه يتداوله الطلبة وكبار العلماء فقد طبع مرات عديدة، وتلك الطبعات خالية عن التحقيق للنص، وضبط الألفاظ، وتخريج الأحاديث، لذا وقع فيها التصحيف والتحريف والسقط والزيادات.
عدا نسخة مطبوعة في المدينة المنورة في دار طيبة، فقد اعتنى محققوها بتحقيق النص، وذكروا أنهم قابلوها على مخطوطات عديدة، ومع ذلك لا تخلو من تصحيف وأشياء غير ذلك.
وقد خرجت أحاديثها، لكن الغالب في ذلك مجرد العزو من غير بيان درجة الحديث، ولا دراسة الإسناد.
كما فاتهم ترقيم الأحاديث تسلسليا مع أن عامة الأحاديث في هذا التفسير مسندة، فينبغي ترقيمها تبعا لكتب الحديث والتفسير المسندة.
لذا رأيت أن أقوم بهذا العمل المضني الشاقّ، وأصرف همتي إلى تحقيق الكتاب، وتخريج الأحاديث، ودراسة الأسانيد وغير ذلك، وقد وفقني الله إلى ذلك، فقابلت الكتاب على نسختين خطيتين، مع ملاحظة نسخة دار طيبة، ودار المعرفة، واستعنت أيضا بكتب المؤلف مثل كتاب «شرح السنة» و «الأنوار في شمائل النبي المختار» وكتب الحديث المعتبرة التي يروي المصنف من طريقها كصحيح البخاري وغيره، وهذا عند الاضطراب وكثرة الاختلاف، سواء في المتن أو الإسناد، وذلك لإثبات اللفظ الراجح، وكل ذلك ستجده في موضعه إن شاء الله تعالى.
3
- فوائد هامة تتعلق بكتب التفسير والمفسرين
اعلم أخي المسلم أن عامة كتب التفسير قد احتوت على أحاديث ضعيفة وموضوعة، وأخبار إسرائيلية منكرة، وقصص تالفة لا طائل بذكرها، ومن ذلك الحديث الموضوع في فضائل القرآن سورة سورة حيث رواه الثعلبي في تفسيره منجما عند كل سورة ما يناسبها وتبعه على ذلك تلميذه الواحدي وذلك في «الوسيط» وسار على طريقتهما الزمخشري في «الكشاف» وقد نص الأئمة الحفاظ على وضعه.
جاء في «الموضوعات الكبرى» للحافظ ابن الجوزي في (1/ 239- 242) ما ملخصه: أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك، قال: أنبأنا محمد بن المظفر بن بكران. قال: أنبأنا أحمد بن محمد العتيقي. قال:
أنبأنا يوسف بن الدخيل. قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عمرو العقيلي، قال: حدثني علي بن الحسن بن(1/11)
عامر قال: حدثنا محمد بن بكار. قال: حدثنا بزيع بن حسان أبو الخليل. قال: حدثنا عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وعطاء بن أبي ميمونة، كلاهما عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «يا أبي من قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر ... » ، فذكر سورة سورة، وثواب تاليها إلى آخر القرآن.
ثم كرر إسناده إلى أبي بن كعب قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم عرض عليّ القرآن في السنة التي مات فيها مرتين، وقال: إن جبريل أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ وهو يقرئك السلام. فقال أبي: فقلت لما قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم، كانت لي خاصة فخصني بثواب القرآن مما علمك الله وأطلعك عليه. قال: نعم يا أبيّ! أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كأنما قرأ ثلثي القرآن، وأعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة، ومن قرأ آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم، ومن قرأ سورة النساء أعطي من الأجر كأنما تصدق على كل من ورثه ميراثا، ومن قرأ سورة المائدة ... ، الحديث.
قال العلامة ابن الجوزي: وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في «تفسيره» فذكر عند كل سورة منه ما يخصها، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، ولا أعجب منهما، لأنهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن، وهو يعلم أنه حديث محال! ولكن شره جمهور المحدثين فإن من عادتهم تنميق حديثهم ولو بالبواطيل. وهذا حديث فضائل السور مصنوع بلا شك، وقد روى في فضائل السور أيضا ميسرة بن عبد ربه. قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لميسرة من أين جئت بهذه الأحاديث «من قرأ كذا، فله كذا» قال: وضعته حسبة أرغب الناس فيه، ثم أسند ابن الجوزي عن علي بن الحسين قال: سمعت ابن المبارك يقول في حديث أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قرأ سورة كذا فله كذا» قال ابن المبارك: أظن الزنادقة وضعته.
وأسند ابن الجوزي عن محمود بن غيلان سمعت مؤملا يقول: حدثني شيخ بفضائل السور الذي يروى عن أبي بن كعب، فقلت: من حدثك؟ فقال: حدثني شيخ بالمدائن، وهو حي، فصرت إليه، فقلت: من حدثك؟ فقال: حدثني شيخ بواسط وهو حي، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بعبادان، فصرت إليه، فأخذ بيدي فأدخلني بيتا، فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ فقال: لم يحدثني أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوهم إلى القرآن. اهـ باختصار كلام الحافظ ابن الجوزي رحمه الله. وجاء في «مقدمة علوم الحديث» للعلامة ابن الصلاح في «باب معرفة الحديث الموضوع» ص 59. مثال: روينا عن أبي عصمة- وهو نوح بن أبي مريم- أنه قيل له من أين لك عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة. وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عَنْ أَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، في فضل القرآن سورة فسورة. بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأن جماعة وضعوه، وإن أثر الوضع لبين عليه، ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم والله أعلم. اهـ.
قلت: وممن أودعه الزمخشري في «كشافه» وتبعه البيضاوي تنبيه: قول ابن الصلاح «بحث باحث» هو مؤمل كما تقدم آنفا.
وجاء في ألفية العراقي، في بحث «الموضوع» بعد أن ذكر أبيات:(1/12)
نحو أبي عصمة إذ رأى الورى ... زعما نأوا عن القران فافترى
لهم حديثا في فضائل السور ... عن ابن عباس فبئس ما ابتكر
كذا الحديث عن أبي اعتراف ... راويه بالوضع وبئس ما اقترف
وكل من أودعه كتابه ... كالواحدي مخطئ صوابه
وقد شرح ذلك العلامة السخاوي في «فتح المغيث» (1/ 242) وذكر في ذلك كلاما، وأنه أورده الثعلبي والواحدي وابن مردويه، والزمخشري وابن أبي داود. وعلى كل حال هو موضوع، وإن كان له طرق عن أبيّ. اهـ. باختصار.
وجاء في «منهاج السنة» للحافظ ابن تيمية (4/ 4) ما ملخصه: ما ينقله الثعلبي في «تفسيره» لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنه يروي طائفة من الأحاديث الموضوعة كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة وأمثال ذلك اهـ. باختصار.
فتبين بقول هؤلاء الأئمة اتفاق الحفاظ على أن حديث فضائل القرآن سورة سورة إنما هو حديث موضوع مصنوع، وقد أورده الزمخشري في كشافه تبعا للثعلبي والواحدي وغيرهما.
وقد تتبعته وذكرت في المواضع التي فرقه فيها أنه حديث موضوع، والحمد لله تعالى.
فوائد عامة
جاء في كتاب «مقدمة في أصول التفسير» للحافظ الإمام ابن تيمية ما ملخصه:
فصل: في أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بين لأصحابه معاني القرآن قال الله تعالى: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين لهم معانيه كما بين لهم ألفاظه.
ومن التابعين من تلقى القرآن كله عن الصحابة- كما قال مجاهد: عرضت القرآن، على ابن عباس أوقفه عند كل آية منه، وأسأله عنها. ولهذا قال الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. ولذا اعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وأحمد وغيرهم.
والمقصود أن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم السنة.
أ- فصل في اختلاف السلف في التفسير
وهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
كتفسيرهم للصراط المستقيم- بأنه القرآن- أي اتباعه. وقال آخرون: هو الإسلام. فهذان القولان متفقان، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن.
ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. وإذا قال الصاحب: نزلت هذه الآية في كذا، وقال آخر: نزلت في كذا فذكر سببا آخر فيمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب جميعا، ومن التنازع الموجود عنهم: أن يحتمل اللفظ للأمرين. إما لكونه مشتركا في اللغة كلفظ: (قسورة) [المدثر: 51] يراد به الراقي، ويراد به الأسد، ولفظ (عسعس) [التكوير: 17] يراد به إقبال الليل، وإدباره، والأمثلة كثيرة.(1/13)
ب- فصل في نوعي الاختلاف في التفسير
النوع الأول: ما مستنده النقل أو بغير ذلك.
والنقل: إما أن يكون عن المعصوم أو غيره فمنه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف منه ما لا يمكن.
أما ما يحتاج إليه المسلمون فإن الله نصب على الحق فيه دليلا فمثال ما لا يفيد ولا دليل على صحته، اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف، وفي مقدار سفينة نوح، وفي الغلام الذي قتله الخضر واسمه.
فمثل هذا المنقول عن كعب الأحبار، ووهب وابن إسحاق وغيرهم. ممن يأخذ عن أهل الكتاب، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه. إلا بحجة كما ثبت في الصحيح: «إذا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَلَا تَصْدِّقُوهُمْ ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما بباطل فتصدقوه» «فتح الباري» (5/ 323 و8/ 138) «ومسند أحمد» (4/ 136) ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره يشابه المنقول في المغازي والملاحم لذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير، والملاحم، والمغازي، ويروى عنه: ليس لها أصل. أي إسناد.
لأن الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة والشعبي والزهري وابن إسحاق والواقدي ونحوهم.
أما التفسير: فأعلم الناس به أهل مكة، لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء وعكرمة وابن جبير وغيرهم.
والمراسيل: إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا كانت صحيحة اتفاقا.
وللناس في التفسير مذاهب:
الطرف الأول: أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف، فيشك في صحة أحاديث مقطوع بصحتها.
وطرف ثان: يدّعي اتّباع الحديث لكن كلما وجد لفظا في حديث رواه ثقة يجعله دليلا له، ولكنه إذا وجد ما يخالف مذهبه أخذ يتكلف له ويتأوله.
وكما أن هناك أدلة على القطع بصحة الحديث فإن هناك أدلة تقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل. مثل حديث «من صلّى ركعتين يوم عاشوراء له أجر كذا وكذا نبيا» في التفسير من هذه الموضوعات كثير. ومثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل السور سورة سورة، فهو موضوع باتفاق أهل العلم.
والثعلبي: هو في نفسه فيه خير ودين، ولكنه كحاطب ليل ينقل من كتب التفسير الصحيح والضعيف والموضوع.
والواحدي صاحبه، كان أبصر منه بالعربية، لكنه أبعد منه عن اتباع السلف، والبغوي: تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة.(1/14)
ت- فصل: الموضوعات في كتب التفسير كثيرة
منها مثلا حديث علي، وتصدقه بخاتمة في الصلاة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم. ومثل ما روي:
وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: 7] إنه علي، ومثل وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ
[الحاقة: 12] أذنك يا علي!! النوع الثاني: الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال لا من جهة النقل وهذا الخلاف وقع فيه ما بعد تابع التابعين لذا فالتفاسير التي مادتها أقوال الصحابة والتابعين تخلو من هذا الخلاف كتفاسير عبد الرزاق ووكيع بن الجراح وعبد بن حميد وعبد الرحمن بن دحيم، وتفسير الإمام أحمد وإسحاق وبقي بن مخلد وابن المنذر وابن عيينة وسنيد والطبري وابن أبي حاتم وأبي سعيد الأشج وابن ماجه وابن مردويه.
أما ما بعدهم فهما صنفان:
أحدهما: قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها؟! والثاني: قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان ناطقا بالعربية فصيحا بكلامه، من غير ملاحظة المتكلم بالقرآن من هو، والمنزل عليه من هو، والمخاطب به من هو.
- فالأولون: راعوا المعنى الذي ذهبوا إليه، وكثيرا ما يغلطون في صحة المعنى.
- والآخرون: راعوا مجرد اللفظ وهؤلاء كثيرا ما يغلطون في حمل الألفاظ.
والأولون صنفان: تارة يسلبون القرآن ما دل عليه وما أريد به، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه وفي كلا الأمرين يكون ما رأوه باطلا. وكما وقع لهؤلاء في القرآن وقع لهم مقابله في الحديث ومن هؤلاء: الخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة.
فالمعتزلة مثلا من أعظم الناس كلاما وجدالا، وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم، مثل تفسير ابن كيسان وابن علية الذي كان يناظر الشافعي، ومثل كتاب الجبائي والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار الهمذاني والجامع لعلم القرآن لعلي بن عيسى الرماني والكشاف للزمخشري فهؤلاء وأمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة، وأصول المعتزلة خمسة يسمونها: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ. وتوحيدهم هو توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات، وقالوا:
إن الله لا يرى، والقرآن مخلوق، ولا يقوم بالله علم ولا حياة ولا سمع ولا بصر ... إلخ. وأما عدلهم فمضمونه: أن الله لم يشأ جميع الكائنات ولا خلقها كلها، ولا هو قادر عليها كلها وأفعال العباد لم يخلقها، لا خيرها ولا شرها، ولم يرد إلا ما أمر به شرعا، وما سوى ذلك فإنه يقع بغير مشقة.
ومن أصول المعتزلة واتفاقهم مع الخوارج في إنفاذ الوعيد في الآخرة، وأن الله لا يقبل في أهل الكبائر شفاعة، ولا يخرجون من النار.
وقد رد عليهم المرجئة والكرامية والكلابية فأحسنوا في ردهم تارة وأساؤوا تارة.
والمقصود: أن مثل هؤلاء رأوا رأيا فحملوا ألفاظ القرآن عليه، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
ومن هؤلاء من يكون حسن العبادة فصيحا ويدس البدع في كلامه كصاحب «الكشاف» ونحوه وبسبب دخول هؤلاء في الكلام دخلت الرافضة الإمامية والفلاسفة والقرامطة.(1/15)
وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة والرافضة فإنهم فسروا القرآن بأشياء غريبة كقول الرافضة في تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: 1] : هما أبو بكر وعمر، وإِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (55) [التوبة: 55] : هو علي، ويذكرون في ذلك الحديث الموضوع بإجماع أهل اعلم، وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة.
ومما يقارب هذه الوجوه، ما يذكره كثير من المفسرين في مثل: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17) [آل عمران: 17] .
الصابرين: رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم. الصادقين: أبو بكر، القانتين: عمر. المنفقين: عثمان. المستغفرين:
علي.
وفي مثل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أبو بكر أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ عمر رُحَماءُ بَيْنَهُمْ عثمان تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً [الفتح: 29] علي!؟
وأمثال ذلك من الخرافات التي تارة تتضمن تفسير اللفظ بما لا تدل عليه بحال، والصواب أن ما تقدم هي عدة صفات لموصوف واحد عام في كل مؤمن ومن البدع جعلهم اللفظ المطلق العام مختصا في شخص واحد. مثل: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا [المائدة: 55] هو علي، ومثل: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ [الزمر: 33] ، أبو بكر، ومثل: لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ [الحديد: 10] أبو بكر، ونحو ذلك. «وتفسير ابن عطية» وأمثاله، أتبع للسنة من تفسير «الكشاف» وأسلم من البدعة، وتفسير الطبري من أجل التفاسير وأعظمها قدرا.
وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول: فالصوفية مثلا والوعاظ والفقهاء، فقد يفسّرون القرآن بمعان صحيحة لكن القرآن لا يدل عليها، وذلك كالذي يذكره أبو عبد الرحمن السلمي في «حقائق التفسير» .
ث- تفسير القرآن بأقوال الصحابة
وذلك إذا لم تجد التفسير لآية في القرآن ولا في السنة رجعت إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى لما شاهدوه، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح، كالخلفاء الأربعة وابن مسعود، وابن عباس. لذا فغالب ما يرويه إسماعيل السدي الكبير في «تفسيره» إنما عن ابن مسعود وابن عباس، ولكن ينقل عنهم ما يحكونه عن أهل الكتاب أحيانا، وقد أباح ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم «حدثوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ» (هو بعض حديث أخرجه البخاري وأحمد والدارمي والترمذي، ولهذا كان عبد الله بن عمرو، قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما أحيانا.
ج- والإسرائيليات ثلاث أقسام
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق، فهذا صحيح.
الثاني: ما علمنا كذبه لكونه خالف ما عندنا.
الثالث: مسكوت عنه، فلا نكذبه ولا نصدقه، وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك لا فائدة فيه تعود على الدين.
ولذا يختلف علماء أهل الكتاب فيظهر هذا أثناء النقل عنهم مثل: أسماء أصحاب الكهف، ولون(1/16)
كلبهم، وعدتهم، وعصا موسى، وأسماء الطيور التي أحياها إبراهيم عليه السلام ... إلخ، مما أبهمه القرآن لأنه لا فائدة في تعيينه، ونقل الخلاف عنهم جائز كما قال تعالى: سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف: 22] الآية. فقد اشتملت هذه الآية على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن العلم بعدهم لا طائل تحته.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف، وذلك بأن تستوعب الأقوال، ثم ينبه على الصحيح، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف.
ح- فصل في التفسير بأقوال التابعين
وذلك إذا لم نجد في القرآن والسنة ولا عن الصحابة فيرجع في ذلك إلى التابعين كمجاهد بن جبر، فإنه آية في التفسير، وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ البصري، وابن المسيب، وأبي العالية وغيرهم، قال شعبة بن الحجاج: أقوال التابعين في الفروع ليست حجة فكيف تكون حجة في التفسير، وهذا إذا اختلفوا أما إذا اتفقوا فهو حجة.
خ- تفسير القرآن بالرأي
فأما تفسير القرآن بالرأي فحرام، وفي الحديث: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .
وأخرج الترمذي عن جندب مرفوعا: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فأصابه، فقد أخطأ» قال الترمذي:
هذا حديث حسن غريب اهـ وروى أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ عن أبي بكر، وقد سئل عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَفاكِهَةً وَأَبًّا (31) [عبس: 31] فَقَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كتاب الله ما لم أعلم.
وروى أبو عبيد عن عمر أنه تلا هذه الآية وقال: هذه الفاكهة عرفناها فما الأب، ثم رجع إلى نفسه، فقال: إن هذا لتكلف يا عمر.
ولذا روى أبو عبيد عن مسلم بن يسار قال: إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله، وما بعده.
وروى أبو عبيد عن ابن المسيب أنه كان إذا سئل عن الحلال والحرام كان أعلم الناس، وإذا سئل عن آية سكت كأن لم يسمع.
وروى الطبري عن ابن عباس قال: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب في كلامها، ووجه يعرفه كل الناس، ووجه لا يعلمه إلا العلماء، ووجه لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى ذكره اهـ. كلام ابن تيمية من «مقدمة في أصول التفسير» .
وجاء في الأسئلة العشرة والأجوبة الفاضلة للكنوي ص 101: ما ملخصه: وقال ابن تيمية في «منهاج السنة» (414) ما ينقله الثعلبي في تفسيره لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنه يروي طائفة في الأحاديث الموضوعة وهكذا الواحدي تلميذه. وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الثعلبي والنقاش والواحدي وأمثالهم، لكثرة ما يروونه من الحديث. ويكون ضعيفا بل موضوعا.(1/17)
قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في «التعليقات الحافلة» : والثعلبي له تفسير وعرائس المجالس في قصص الأنبياء، وهو مطبوع منتشر، وفيه بلايا وزايا!! وأما الواحدي: فله كتاب أسباب النزول، وهو مطبوع وله في التفسير ثلاثة كتب البسيط والوسيط والوجيز، وهذا الأخير طبع بمصر قال شيخ شيوخنا الكتاني: في تفسير الثعلبي وقصصه أحاديث موضوعة وقصص باطلة. قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة:
ومن الموضوع حديث فضائل السور سورة سورة، ذكره الثعلبي والواحدي في أوائل كل سورة، وذكره الزمخشري في أواخر كل سورة، وهو كذب باتفاق المحدثين.
وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: وقد سلك الحافظ ابن كثير في تفسيره مسلكا حسنا فبين علل الأحاديث وسرد أسانيدها وتكلم على رواتها ومع ذلك فقد ندّ منه بعض الأحاديث فأورده بسنده دون أن ينبه عليه مثال ذلك: حديث ثعلبة عند قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ [التوبة: 75] فذكره بسنده من رواية ابن جرير وابن أبي حاتم، دون أن ينتقد سندها كعادته، وهي قصة تالفة، في إسنادها معان بن رفاعة قال البخاري: منكر الحديث، أي لا يحل الرواية عنه. هكذا يعني البخاري بقوله.
لذا قال ابن حجر: ضعيف جدا.
ومع ذلك يمكن أن نقول: أحسن التفاسير المسندة التي بين أيدينا تفسير ابن كثير ثم قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة: وقال ابن تيمية في كتابه «الرد على البكري» ص 8: إذا كان في تفسيري الثعلبي والواحدي ونحوهما الموضوع في الفضائل والتفسير ما لم يجز الاعتماد عليه فكيف بغيرها كتفسير أبي القاسم القشيري ابن صاحب الرسالة القشيرية. وأبي الليث السمرقندي، وحقائق- التفسير للسلمي فإن فيها ما يعلم أنه من أعظم الكذب؟! مع أن هؤلاء أهل دين وصلاح اهـ.
د- المفسرون المكثرون
1- ابن عباس: هو أكثر الصحابة وأشهرهم تفسيرا للقرآن الكريم كان له مدرسة تخرج منها مجاهد وعكرمة وغيرهما. روى له الأئمة الستة: هو عبد الله بن عباس الإمام البحر عالم العصر، مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وله ثلاث عشرة سنة، وقد دعا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم الله أن يفقهه في الدين، ويعلمه التأويل.
روى الأعمش عن أبي وائل: استعمل علي ابن عباس على الحج فخطب يومئذ خطبة، لو سمعها الترك والروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة النور فجعل يفسرها. توفي بالطائف سنة ثمان وستين اهـ.
«تذكرة الحفاظ» (1/ 40) .
2- الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري: الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد يقال: مولى زيد بن ثابت نشأ بالمدينة، وحفظ القرآن في خلافة عثمان، لازم الجهاد والعلم والعمل حدث عن عثمان والمغيرة وابن عباس، وحدث عنه قتادة وأيوب وابن عون.
وقد أفردت في ترجمته جزءا سميته: الزخرف القصري، توفي سنة 110 وله ثمان وثمانون سنة اهـ. «تذكرة الحفاظ» (1/ 71) .
3- سعيد بن جبير: الكوفي المقرئ الفقيه أحد الأعلام سمع ابن عباس وابن عمر وطائفة، وعنه الأعمش وأيوب قتله الحجاج سنة: 95 لكونه قاتله مع ابن الأشعث وكان ابن عباس إذا حج أهل الكوفة وسألوه يقول: أليس فيكم سعيد بن جبير؟! وكان لا يدع أحدا يغتاب عنده.
4- مجاهد بن جبر: الإمام المخزومي مولاهم المكي المقرئ المفسر الحافظ، سمع سعدا وعائشة وأبا(1/18)
هريرة وابن عمر وابن عباس ولزمه مدة وقرأ عليه القرآن.
روى عنه قتادة والأعمش وخلق.
قال مجاهد: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات، أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت.
روى عنه الأئمة الستة، توفي سنة (103) وقد بلغ ثلاثا وثمانين سنة اهـ. «تذكرة الحفاظ» للذهبي (1/ 92) .
5- عكرمة أبو عبد الله البربري: ثم المدني الهاشمي مولى ابن عباس، روى عن مولاه وعائشة وأبي هريرة، وحدث عنه أيوب والحذاء وخلق، روى له الستة، قال عكرمة: طلبت العلم أربعين سنة. وكان ابن عباس يضع الكبل في رجلي على تعليم القرآن والسنن.
كان الحسن إذا قدم عكرمة البصرة أمسك عن التفسير والفتيا، ما دام عكرمة بالبصرة، قاله قرة بن خالد. توفي سنة 107 بالمدينة اهـ (تذكرة الحفاظ للذهبي) (1/ 95) .
6- قتادة بن دعامة: الحافظ العلامة البصري: الكفيف الأكمه المفسر حدث عن أنس وابن المسيب وخلق وحدث عن شعبة ومعمر.
وقال ابن المسيب: ما أتاني عراقي أحفظ منه.
توفي سنة 118 روى له الستة اهـ. تذكرة الحفاظ (1/ 122) .
7- كعب الأحبار: هو كعب بن ماتع الحميري من كبار أهل الكتاب، أسلم في زمن أبي بكرة، ووفد في خلافة عمر، وأخذ عنه بعض الصحابة والتابعين، توفي في خلافة عثمان، وبعض النقاد في ريب منه، إذ استمر في رواية الإسرائيليات والأباطيل.
8- وهب بن منبه: هو الحافظ الصنعاني عالم اليمن، روى عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وجابر وغيرهم، وعنده علم أهل الكتاب، وحديثه في الصحيحين والسنن إلا ابن ماجه، كان ثقة واسع العلم إلا أن أكثر من رواية الإسرائيليات، توفي سنة (114) .
والآن أذكر جملة من المفسرين ممن تكلم فيهم.
9- مقاتل بن سليمان: هو البلخي المفسر، روى عن مجاهد والضحاك، وعنه علي بن الجعد وآخرون.
قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة.
وقال الشافعي: الناس عيال في التفسير على مقاتل بن سليمان، اهـ الميزان للذهبي (4/ 173) .
10- الضحاك بن مزاحم البلخي: المفسر، قال ابن عدي: إنما عرف بالتفسير، وأما رواياته عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ففيها نظر، ووثقه أحمد وضعفه القطان وكان شعبة ينكر أن يكون لقي ابن عباس، ومع ذلك وثقه يحيى وأحمد وأبو زرعة اهـ الميزان للذهبي (2/ 325) .
11- الكلبي: هو محمد بن السائب المفسر النسابة الأخباري، روى له الترمذي اهـ (الميزان للذهبي) (3/ 556) .
قال الثوري: اتقوا الكلبي. فقيل له: أنت تروي عنه. فقال: أنا أعرف صدقه من كذبه.
قال البخاري: قال المديني: قال الكلبي للثوري: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب- يقصد(1/19)
عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس.
قال ابن عدي: رضوه في التفسير، وأما الحديث فعنده مناكير.
وقال ابن حبان: كان سبائيا يقول بالرجعة لعلي.
وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد: يحل النظر في تفسير الكلبي قالا: لا.
وقال ابن معين: غير ثقة. كذبه الجوزجاني. قال ابن حبان: يروى عن أبي صالح عن ان عباس التفسير، وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به اهـ (الميزان للذهبي) (2/ 556) .
12- جويبر بن سعيد: هو البلخي المفسر صاحب الضحاك روى له ابن ماجه، قال النسائي والدارقطني وغيرهما: متروك.
وقال يحيى القطان: تساهلوا في أخذ التفسير عن القوم لتولعهم في الحديث ثم قال: جويبر والضحاك والكلبي لا يحمد حديثهم ويكتب التفسير عنهم اهـ. (الميزان للذهبي) (1/ 427) .
13- السدي الكبير: روى له مسلم، وأصحاب السنن. وروى عن أنس وجماعة، وعنه الثوري وخلق. وثقه أحمد ولينه ابن معين، وقال ابن عدي: هو عندي صدوق مر النخعي بالسدي، وهو يفسر لهم القرآن فقال: أما إنه يفسر تفسير القوم. اهـ. (الميزان للذهبي) (1/ 236) .
14- السدي الصغير: محمد بن مروان يروي عن الأعمش وغيره، تركوه وبعضهم اتهمه بالكذب، وهو صاحب الكلبي.
قال البخاري: سكتوا عنه اهـ. (الميزان للذهبي) (4/ 32) .
15- النقاش: محمد بن الحسن الموصلي المقرئ المفسر، قرأ بالروايات ورحل. وتعب واحتيج إليه.
قال طلحة بن محمد الشاهد: كان النقاش يكذب في الحديث والغالب عليه القصص.
وقال أبو القاسم اللالكائي: تفسير النقاش المسمى (شفاء الصدور) ، هو إشقاء الصدور اهـ (الميزان للذهبي) (3/ 520) .
16- الثعلبي: هو أحمد بن محمد أبو إسحاق النيسابوري: المفسر كان حافظا واعظا، رأسا في التفسير والعربية متين الديانة توفي سنة (427) هـ (العبر للذهبي) (2/ 255) .
17- الواحدي: هو علي بن أحمد النيسابوري تلميذ الثعلبي وأحد من برع في العلم، كان رأسا في العربية توفي سنة: (468) اهـ. (العبر للذهبي) (2/ 322) .
ذ- أئمة التفسير بالأثر
1- عبد الرزاق الصنعاني: هو ابن همام الحافظ الحميري صاحب التصانيف، روى عن ابن جريج والأوزاعي والثوري وخلق، وعنه أحمد وإسحاق ويحيى، قال الذهبي: قلت: وثقه غير واحد، وحديثه مخرج في الصحاح، وله ما ينفرد به، نقموا عليه التشيع، وما كان يغلو فيه، توفي سنة (211) هـ.
(تذكرة الحفاظ) (1/ 364) .
2- النسائي: هو الإمام الحافظ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحْمَدُ بْنُ شعيب بن علي النسائي- نسبة إلى نسا- بلدة بفارس، له كتاب السنن الكبرى، والمجتبئ والتفسير، وخصائص علي، وغير ذلك من الكتب(1/20)
والمصنفات، توفي سنة (303 هـ) رحمه الله تعالى.
3- محمد بن جرير الطبري: الإمام الفرد الحافظ أبو جعفر، صاحب التصانيف من أهل طبرستان سمع ابن منيع وخلق، وحدث عنه الطبراني وآخرون.
قال ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير، ولكن ظلمته الحنابلة.
له كتاب التاريخ والتفسير والقراءات واختلاف العلماء وتاريخ الرجال وغيرهم، توفي سنة 310 هـ «تذكرة الحفاظ» (2/ 710) .
4- ابن المنذر: الحافظ العلامة الفقيه الأوحد أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ النيسابوري شيخ الحرم صاحب الكتب، لم يؤلف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه وغيره، كان مجتهدا لا يقلد أحدا حدث عنه ابن المقرئ وغيره، وسمع ابن الصائغ وخلقا، توفي سنة 318 هـ (تذكرة الحفاظ) (3/ 772) .
5- ابن أبي حاتم: الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام عبد الرحمن بن الحافظ الكبير أبي حاتم الرازي، ارتحل به أبوه، فأدرك الأسانيد العالية، روى عنه أبو الشيخ ابن حيان، وآخرون توفي سنة (327) له كتاب «الجرح والتعديل» «والتفسير» في عدة مجلدات، «والرد على الجهمية» اهـ (تذكرة الحفاظ) (3/ 829) .
دراسة حول الكتاب ومؤلفه
1- البغوي الإمام المفسر:
- إن الطريقة التي اتبعها المؤلف في هذا التفسير هو أنه يفسر القرآن بالقرآن وبالحديث النبوي، وبالآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، وبأقوال العلماء.
- ويسرد عند كل سورة أو آية ما ورد في فضلها أو تفسيرها أو سبب نزولها.
- ويتعرض للمعنى اللغوي، لكن باختصار. ويتعرض أيضا للقراءات لكن مع الاختصار، وقد تحاشى رحمه الله ما ولع به كثير من المفسرين من مباحث الإعراب والتطويل في ذلك والاستطراد في علوم وأبحاث لا تعلق لها بعلم التفسير.
وربما ذكر الإسرائيليات من غير تعقيب، وأحيانا يورد الإشكال على ظاهر النظم فيجيب عنه، كما أنه ينقل الخلاف عن السلف في التفسير ويذكر الروايات عنهم في ذلك، من غير توهين لرواية أو تصحيح لأخرى.
وقد قال واصفا الطريقة التي سلكها في مقدمته: «فَجَمَعْتُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَسُنِ توفيقه كتابا وسطا بين الطويل المحل وَالْقَصِيرِ الْمُخِلِّ، أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِمَنْ أَقْبَلَ عَلَى تَحْصِيلِهِ مريدا» .
2- البغوي الإمام المحدث:
- إن الصورة التي تركها المصنف من خلال هذا التفسير هي أنه إمام محدث عالم به رواية ودراية.
- أما الرواية فقد أسند أكثر الأحاديث المرفوعة الواردة في هذا التفسير.
- وأما الدراية فقد تحرى في تلك الأحاديث الصحيح ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لذا روى الكثير من طريق البخاري وسائر الكتب المعتمدة.(1/21)
- وقال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في «مقدمة في أصول التفسير» ص 19: والبغوي تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة، والآراء المبتدعة.
- وقال في «الفتاوى» 2/ 193 وقد سئل عن أي التفاسير أقرب إلى الكتاب والسنة: الزمخشري، أم القرطبي، أم البغوي؟ أم غير هؤلاء.
فقال: أما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي، وحذف منه الأحاديث الموضوعة والبدع التي فيه، وحذف أشياء غير ذلك.
- قلت: وعامة ما يرويه صحيح أو حسن.
- وربما روى الضعيف فمن ذلك: الحديث برقم: 17 و43 و58 و80 و106 و120 و157 و233 و414 و446 و450 و653 و1119.
وربما روى الضعيف لكن أشار إلى ذلك حيث ذكره بصيغة التمريض فمن ذلك الحديث 38 و439 و917 ...
- وربما روى الضعيف جدا: فمن ذلك الحديث برقم: 308 و439 و446 و488 و593 و628 و1131 و1144،،،- وربما روى الموضوع أو الباطل وهذا نادر جدا في هذا التفسير: فمن ذلك الحديث برقم: 580 و726 و812 و857 و1094 و891.
- وأكثر ما يقع هذا النوع في أسباب النزول.
- وربما روى حديثا مرفوعا لكن الراجح وقفه: فمن ذلك الحديث برقم: 6 و8 و414 و415 و447 و831 و1119 و1144.
- وربما روى حديثا ضعيف الإسناد لكن له شواهد: فمن ذلك الحديث: 20 و104 و111 و259 و652 و865 و950 و994 ...
- وربما روى حديثا بعضه صحيح، وبعضه ضعيف أو منكر: فمن ذلك الحديث برقم: 41 و45 و629 و1022 و1182.
- وربما روى خبرا وهو منتزع من حديثين. فمن ذلك الحديث 871.
- تنبيه: وما ذكرته من أمثلة على الأحاديث الواهية الواردة في هذا التفسير لا يعني الطعن بهذا الكتاب أو مؤلفه، بل هو حقا أقل التفاسير ذكرا للأحاديث الواهية والمنكرة.
- بل عامة ما ساقه من هذه الأحاديث قد أشار إلى ضعفه فإما جرده عن الإسناد، أو ذكره بصيغة التمريض.
أو ساق ما ورد مرفوعا على أنه موقوف ونحو ذلك.
وقد قال رحمه الله في مقدمته: وما ذكرته مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ عَلَى وِفَاقِ آيَةٍ أَوْ بَيَانِ حُكْمٍ، فَإِنَّ الْكِتَابَ يُطْلَبُ بيانه من السنة، وعليها مَدَارُ الشَّرْعِ وَأُمُورُ الدِّينِ، فَهِيَ مِنَ الْكُتُبِ الْمَسْمُوعَةِ لِلْحُفَّاظِ وَأَئِمَّةِ الحديث.
وقد ساق المصنف عامة الآثار الموقوفة والمقطوعة في أثناء الكتاب بدون إسناد، واكتفى بأنه ساق إسناده إلى هؤلاء الأئمة في أول الكتاب، قصد بذلك الاختصار.(1/22)
- ومع ذلك فقد أورد آثارا عن ابن عباس وغيره من وجوه وطرق ليست في أول الكتاب.
ومما يؤخذ على المصنف رحمه الله نقله عن الكلبي ومقاتل وجويبر وغيرهم ممن هو متروك أو متهم بالكذب، لكن الظاهر أنه تابع غيره، فعامة المفسرين ينقلون عن هؤلاء وغيرهم.
- وأكثر ما نقل عن هؤلاء هو في باب أسباب النزول.
3- البغوي الإمام اللغوي:
إن الصورة التي تركها الإمام البغوي من خلال هذا التفسير هي أنه إمام لغوي، يفسر الآية، ويبين معناها بلفظ موجز سهل، بحيث يفهمه الطالب المتخصص وغير المتخصص.
- وهو يعتمد الاختصار في مباحث النحو والإعراب فكتابه مختصر عن كتابي الثعلبي والواحدي.
- وربما ذكر أقوالا عن أئمة اللغة مع العزو لقائله، وهذا قليل فمن ذلك: عند قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها [البقرة: 26] . فقال فَما فَوْقَها يَعْنِي: الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ فَمَا دُونَهَا كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ: وَأَجْهَلُ.
- وقال في الآية وَإِذْ قالَ رَبُّكَ [البقرة: 31] قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِذَا جَاءَ إِذْ مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيًا كقوله تعالى: وَإِذْ يَمْكُرُ [الأنفال: 30] يريد وإذا مكر، وَإِذَا جَاءَ إِذَا مَعَ الْمَاضِي كَانَ مَعْنَاهُ مُسْتَقْبَلًا، كَقَوْلِهِ: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ [النازعات: 34] وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ أي: يجيء.
- وقال في قول تعالى: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ ... [البقرة: 177] «وَالصَّابِرِينَ» : وَفِي نَصْبِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: نَصْبُهَا عَلَى تطاول الكلام ... وَقَالَ الْخَلِيلُ: نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ.
- وقال عند قوله تعالى: فَرِهانٌ [البقرة: 283] «فرهان» : جَمْعُ رَهْنٍ، مِثْلُ: بَغْلٍ وَبِغَالٍ، وَجَبَلٍ وَجِبَالٍ، وَالرُّهُنُ جَمْعُ، الرِّهَانِ: جَمْعُ الْجَمْعِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ.
- وقال أبو عبيدة وَغَيْرُهُ: هُوَ جَمْعُ الرَّهْنِ أَيْضًا مثل: سقف وسقف.
4- البغوي الإمام الفقيه:
إن الصورة التي تركها المصنف من خلال هذا التفسير هي أنه إمام فقيه لكنه يعتمد الاختصار في ذلك كما ذكر في مقدمته.
- فمن المسائل الفقهية التي سلك فيها الاختصار مسألة السعي بين الصفا والمروة.
- فقال عند قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ... [البقرة: 158] وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَوُجُوبِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ، وَهُوَ قول ابن عمرو وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.
- وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سَيْرَيْنِ وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ دم.
- ثم أسند حديثين دليلا لمن أوجبه.
- ومن ذلك ما ذكره في بحث أكل الميتة ونحو ذلك للمضطر، وذلك عند قوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ... [البقرة: 58] .
- ومن الأبحاث التي اختصر فيها بحث الوصية عند الآية 180 من سورة البقرة ... إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ.(1/23)
- ومن ذلك الكلام على اليمين والكفارة في سورة البقرة لَا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ [البقرة:
225] .
- وربما توسط في الأبحاث الفقهية:
- فمن ذلك ما ذكره عند الْآيَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [البقرة: 178] حيث ذكر بحث القصاص من غير تطويل ولا اختصار.
- ومن ذلك كلامه على الصوم في سورة البقرة آية 183.
- ومن ذلك كلامه على مسألة الخمر وتحريمه في سورة البقرة، آية 219 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ....
- ومن ذلك مسألة الحيض عند قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة: 222] .
ومن ذلك بحث الجماع عند الآية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... [البقرة: 223] .
- ومن ذلك بحث الإيلاء عند الآية لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) ... [البقرة: 226] .
- وربما أطال في بعض الأبحاث:
- ومن ذلك كلامه على الحج في سورة البقرة، آية: 197- 203 الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ....
- ومن ذلك الكلام على الطلاق ودواعيه عند الآيات وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...
[البقرة: 228- 237] .
5
- الإمام البغوي والقراءات:
- إن الصورة التي تركها المؤلف من خلال هذا التفسير هي أنه إمام مقرئ، يعتمد كثيرا ذكر القراءات لكنه اقتصر على القراءات المشهورة المتواترة، وقد قال رحمه الله في مقدمته عن ذلك:
- وقد ذكرت في الكتاب قراءة من اشتهر منهم بالقراءات واختياراتهم ... ثم ذكر القراء المشهورة قراءتهم والمتواترة وقال عقب ذلك: فذكرت قراءة هَؤُلَاءِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بها.
- فمن الأمثلة على اهتمامه بالقراءات:
قوله عند الآية اهْدِنَا الصِّراطَ ... [الفاتحة: 6] .
قرئ بالسين، رواه رويس عَنْ يَعْقُوبَ، وَهُوَ الْأَصْلُ، سُمِّيَ سِرَاطًا لِأَنَّهُ يَسْرُطُ السَّابِلَةَ، وَيُقْرَأُ بِالزَّايِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِإِشْمَامِ الزَّايِ وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ، وَالِاخْتِيَارُ الصَّادُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ لِمُوَافَقَةِ الْمُصْحَفِ.
- وقال عند الآية قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا ... [البقرة: 13] .
- قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ ... «السُّفَهَاءُ أَلَا» بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَمْزَتَيْنِ وَقَعَتَا فِي كَلِمَتَيْنِ اتَّفَقَتَا أَوِ اخْتَلَفَتَا، وَالْآخَرُونَ يُحَقِّقُونَ الْأُولَى، وَيَلِينُونَ الثَّانِيَةَ فِي الْمُخْتَلِفَتَيْنِ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، فَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ مِثْلَ: «هؤلاء- أولياء- أولئك- وجاء أمر ربك» قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَوَرْشٌ وَالْقَوَّاشُ وَيَعْقُوبُ بِتَحْقِيقِ الْأُولَى وَتَلْيِينِ الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ قَالُونُ بِتَلْيِينِ الْأُولَى وَتَحْقِيقِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ مَا يُسْتَأْنَفُ أَوْلَى بِالْهَمْزَةِ مما يسكت عليه.(1/24)
- وقال عند الآية قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً [البقرة: 67] .
قرأ حمزة «هزوا وكفؤا» بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتثقيل، ويترك الهمزة حفص.
- قوله: بالتثقيل: أي بالضم بدل السكون على الحرف قبل الأخير.
- وقال عند الآية وَأَرِنا مَناسِكَنا....
قرأ ابن كثير «أرنا» سَاكِنَةَ الرَّاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو بِالِاخْتِلَاسِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْإِسْكَانِ فِي «حم السَّجْدَةِ» وَأَصْلُهُ: أَرْئِنَا- فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إلى الراء.
- وقال عند الآية فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ... قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ «إِنَّ اللَّهَ» بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى إِضْمَارِ الْقَوْلِ تَقْدِيرُهُ: فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ فَقَالَتْ: إن الله، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ بِإِيقَاعِ النِّدَاءِ عَلَيْهِ، كَأَنَّهُ قَالَ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ، قَرَأَ حَمْزَةُ «يبشرك» وبابه التخفيف كُلَّ الْقُرْآنِ إِلَّا قَوْلَهُ: «فَبِمَ تبشرون» فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى تَشْدِيدِهَا، وَوَافَقَهُ الكسائي هاهنا في الموضعين ...
- وقال عند الآية ... يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ [آل عمران: 75] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ وحمزة «يؤده-، لا يؤده» سَاكِنَةَ الْهَاءِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَالُونُ وَيَعْقُوبُ بِالِاخْتِلَاسِ كَسْرًا، وَالْبَاقُونَ بالإشباع كسرا ...
6
- الإمام البغوي وعقيدته:
- إن الصورة التي تركها الإمام من خلال هذا التفسير هي أنه إمام عالم من أئمة أهل السنة، لكن اضطرب قوله في بحث الصفات، فتارة سلك من مسلك السلف وهو عدم التأويل، وتارة سلك الخلف، وهو التأويل.
- أما ما سلك فيه مسلك السلف فهو قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] فقال رحمه الله: وأوّلت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، فأما أهل السنة يقولون: الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ صِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا كَيْفٍ، يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ الْإِيمَانُ بِهِ، وَيَكِلُ الْعِلْمَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَأَلَ رَجُلٌ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ قَوْلِهِ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ رَأْسَهُ مَلِيًّا وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ ثُمَّ قَالَ:
الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَمَا أَظُنُّكَ إِلَّا ضَالًّا، ثم أمر فأخرج.
- وروي عن الثوري والأوزاعي والليث وابن عيينة وابن الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي جَاءَتْ في الصفات والمتشابهات: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ.
- وأما ما سلك فيه مسلك الخلق، وهو التأويل، فهو قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم:
42] .
فقال رحمه الله: قيل: عن ساق: عن أمر فظيع شديد ...
- وكذا عند قوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ [الفجر: 22] فقال رحمه الله: جَاءَ أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ينزل حكمه.
7- الإمام البغوي المحقق المرجح:
إن الصورة التي تركها المؤلف من خلال هذا الكتاب هي أنه يذكر قولا واحدا، أو أقوالا متعددة في تفسير الآية أو بيان معناها من غير ترجيح مع اختلاف واضطراب تلك الأقوال، وربما رجح وصوب أحد الأقوال، وهو يسير.(1/25)
فمن ذلك:
- قوله عند الآية وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا [البقرة: 34] .
فقال: « ... اسْجُدُوا» : فِيهِ قَوْلَانِ الْأَصَحُّ أَنَّ السُّجُودَ كَانَ لِآدَمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَتَضَمَّنَ مَعْنَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وجل امتثال أَمْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سُجُودَ تَعْظِيمٍ وتحية لا سجود عبادة ...
- وقيل: لَآدَمَ: أَيْ إِلَى آدَمَ، فَكَانَ آدَمُ قِبْلَةً، وَالسُّجُودُ لِلَّهِ تَعَالَى ...
- ومن ذلك قوله عند الآية وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ... [آل عمران: 7] .
- فقال: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَظْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ- الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ (وَالرَّاسِخُونَ) وَاوُ الْعَطْفِ، يَعْنِي أَنَّ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ يَعْلَمُهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَهُمْ مَعَ عِلْمِهِمْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ، وهذا قول مجاهد والربيع ...
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْوَاوَ، وَاوُ الِاسْتِئْنَافِ، وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ....
- قال: وهذا القول أَقْيَسُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الآية.
- وقال عند الآية قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ... [المائدة: 115] واختلف العلماء: هَلْ نَزَلَتْ أَمْ لَا؟ فَقَالَ مجاهد والحسن: لم تنزل، فإن اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَوْعَدَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ خَافُوا أَنْ يَكْفُرَ بَعْضُهُمْ فَاسْتَعْفُوا، وَقَالُوا: لَا نُرِيدُهَا، فَلَمْ تَنْزِلْ.
قال: وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ... وَلَا خُلْفَ فِي خَبَرِهِ ...
8
- الإمام البغوي والإسرائيليات:
- لم يكثر الإمام البغوي من ذكر الإسرائيليات، ومن الأخبار التي أوردها، وهي من أخبار الأقدمين:
- ما ذكره في شأن آدم وحواء ونزولهما من الجنة، وذلك عند قوله تعالى: وَقُلْنَا اهْبِطُوا [البقرة:
36] فقد ذكر أخبارا مختصرة عن أئمة التفسير، ولم يذكر قصصا مطولة كغيره من المفسرين.
- في حين ذكر خبرا مطولا عند قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ [البقرة: 50] . ومصدره كتب الأقدمين، وفيه مبالغات ومجازفات ظاهرة.
- وكذا قصة هاروت وماروت في سورة البقرة، آية: 102.
- ومن ذلك ما ذكره عند قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة: 127] .
- ومن ذلك ما ذكره عند الْآيَةُ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ... [البقرة: 243] حيث نقل عن الكلبي ومقاتل وغيرهما ممن يروي عن أهل الكتاب.
- وكذا عند الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ... [البقرة: 246] .
- وذكر خبرا مطولا في شأن قتل داود لجالوت عند الآية وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ... [البقرة:
251] .(1/26)
- وذكر خبرا مطولا عند الآية أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ... [البقرة: 259] .
- وذكر خبرا عند قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ ... [آل عمران: 52] .
- وذكر خبر نزول المائدة وما فيها وما عليها عند قوله تعالى: قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ...
[المائدة: 115] .
ترجمة الإمام البغوي (436- 516)
1- التعريف به:
هو الإمام الجليل العلامة الحافظ المسند الفقيه المفسر المقرئ، صاحب المصنفات التي اشتهرت في الآفاق، أحد من قام في عصره بنشر علوم الإسلام أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الفراء البغوي.
2- نسبته:
اشتهرت نسبته بالبغوي، وينسب أحيانا بالفراء أو ابن الفراء، نسبة لعمل أو بيع الفراء.
- أما نسبته البغوي، فهي إلى «بغ» أو «بغشور» والنسبة إلى بغشور على غير قياس.
- قال ياقوت الحموي في «معجم البلدان» 1/ 467:
بغشور بليدة بين هراة ومرو الرّوذ، شهر بهم من آبار عذبة، وهم في برية ليس عندهم شجرة واحدة، ويقال لها بغ أيضا، رأيتها في شهور سنة 616 والخراب فيها ظاهر، وقد نسب إليها خلق كثير من الأعيان.
- وقال الفيروزآبادىّ: بغشور ... وهو معرب كوشور، أي الحفرة المالحة.
- وقال الزبيدي في «تاج العروس» 2/ 54:
وهذا تعريف غريب فإن- بغ- بالفارسية البستان، ولا ذكر للحفرة في الأصل، إلا أن يقال: إن أرض البستان دائما تكون محفورة.
3
- ولادته ونشأته وحياته العلمية:
- ولد رحمه الله سنة 433 بذلك جزم ياقوت في «معجم البلدان» 1/ 467.
- نشأ في بلدته بغشور، وبها طلب العلم أولا، فما زال يجد ويجتهد في تحصيل علوم الشريعة، وبخاصة تفقهه بمذهب الشافعي حتى كان يميل فيه إلى الترجيح والتحقيق، من غير تعصب لمذهبه بل كان يطلع على أقوال باقي الأئمة، ويتعرف على أدلتهم.
- ومع ذلك كان يدعو إلى التمسك بالكتاب والسنة.
- ولم يكتف بما حصله من علوم في بلدته بل رحل في طلب المزيد، فرحل إلى مرو الرّوذ فالتقى هناك بالإمام الفقيه القاضي الحسين بن محمد المرورّوذي الشافعي فأخذ عنه، وتفقه عليه، ولازمه زمنا، وروى عنه.
- ثم رحل وطاف بلاد خراسان كطوس وسرخس وغير ذلك، وسمع خلقا كثيرا من الحفاظ الأثبات، وروى عنهم كتب الصحاح والسنن والمسانيد والأجزاء، وجالس علماء اللغة وحمل عنهم الكثير.(1/27)
- وكان البغوي يلقب بمحيي السنة، وركن الدين، وشيخ الإسلام، وقدره عال في الحديث والفقه والتفسير وسائر علوم الإسلام.
4- وفاته:
توفي رحمه الله بمرو الرّوذ في شوال سنة ست عشر وخمسمائة (516) وهو الذي اختاره الذهبي في «التذكرة» (4/ 1258) وياقوت في «معجم البلدان» (1/ 468) وغيرهما، وهو الراجح.
- وقال ابن خلكان في «الوفيات» 2/ 137 توفي سنة 510.
5- شيوخ الإمام البغوي:
منهم: 1- الإمام القاضي أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ بن أحمد المرورّوذي المتوفى سنة 462.
2- أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أحمد المليحي الهروي المتوفى سنة 463. وقدم أكثر عنه في هذا التفسير.
3- أَبُو بَكْرٍ يَعْقُوبُ بْنُ أَحْمَدَ الصيرفي النيسابوري المتوفى سنة 466.
4- أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ المنيعي المتوفى سنة 463.
5- أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الجويني المتوفى سنة 463.
6- أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصمد الترابي المتوفى سنة 463.
7- أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عبد الملك النيسابوري المتوفى سنة 465.
8- أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الملك النيسابوري المتوفى سنة 470.
9- أبو تراب عبد الباقي بن يوسف المتوفى سنة 492.
وغيرهم كثير.
6- تلامذته:
منهم: محمد بن أسعد الطوسي، ومحمد بن محمد الطائي، وهما من أشهر تلامذته، ورواة كتبه، وفضل الله بن محمد النوقاني، والحسن بن مسعود البغوي، وهو أخوه، وأبو مقاتل الديلمي مناور بن فزكوه، وعمر بن الحسن البكري والد الفخر الرازي.
وأسعد بن محمد بن يوسف البامنجي، ومحمد بن عمر الشاشي، وغيرهم.
7- أقوال العلماء فيه:
- قال عنه الإمام الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (4/ 1257) :
- الإمام الحافظ الفقيه المجتهد محيي السنة أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الشافعي ... وبورك له في تصانيفه لقصده الصالح فإنه كان من العلماء الربانيين، كان ذا تعبد ونسك وقناعة باليسير، وكان يأكل كسرة وحدها، فعذلوه، فصار يأكلها بزيت ...
- وقال الذهبي في «العبر» (1/ 406) في وفيات (516 هـ) : والبغوي محيي السنة الحسين بن مسعود المحدث المفسر، صاحب التصانيف وعالم خراسان، ... وكان سيدا زاهدا قانعا ...
- وقال عنه تاج الدين السبكي في «طبقات الشافعية» (7/ 75- 77) كان إماما جليلا ورعا زاهدا فقيها محدثا مفسرا جامعا بين العلم والعمل، سالكا سبيل السلف ... ، له في الفقه اليد الباسطة ...
- وقال عنه ابن كثير في «البداية والنهاية» (12/ 193) :(1/28)
الحسين بن مسعود صاحب التفسير ... اشتغل على القاضي حسين، وبرع في هذه العلوم، وكان علامة زمانه، وكان دينا ورعا زاهدا عابدا صالحا ...
- وقال عنه السيوطي في «طبقات المفسرين» (12- 13) : يلقب بمحيي السنة وركن الدين أيضا، كان إماما في التفسير، إماما في الحديث، إماما في الفقه ... وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة ...
- وقال عنه ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» (4/ 48- 49) : المحدث المفسر صاحب التصانيف وعالم خراسان ... وقال ابن الأهدل: ... وهو صاحب الفنون الجامعة، والمصنفات النافعة مع الزهد والورع والقناعة ...
- وقال عنه ابن تغري بردي في «النجوم الزاهرة» (5/ 223) : الإمام الحافظ المحدث أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ البغوي المعروف بابن الفراء، كان إماما حافظا، رحل إلى البلاد، وسمع الكثير، وحدّث وألّف وصنف، وكان يقال له: محيي السنة.
- وقال عنه ابن خلكان في «الوفيات» (2/ 136) : أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ ... وصنف في تفسير كلام الله تعالى، وأوضح المشكلات من قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، وروى الحديث ودرّس، وكان لا يلقي الدرس إلا وهو على طهارة ...
- وقال عنه طاش كبرى زاده في «مفتاح السعادة» (2/ 102) كان إماما في الفقه والحديث، وكان متورعا ثبتا حجة صحيح العقيدة في الدين.
- وقال الإمام الخازن في مقدمة تفسيره ص (3) : ... الشيخ الجليل والحبر النبيل الإمام العالم محيي السنة، قدوة الأمة، وإمام الأئمة، مفتي الفرق، ناصر الحديث، ظهير الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مسعود البغوي.
8- مؤلفات الإمام البغوي:
1- الأربعون الصغرى- ذكره الذهبي في «سير أعلام النبيلاء» 19/ 439.
2- الأنوار في شمائل النبي المختار- ذكره صاحب «كشف الظنون» (1/ 195) .
3- ترجمة الأحكام في الفروع على مذهب الشافعي- ذكره في «كشف الظنون» (1/ 397) .
4- التهذيب في الفقه- وهو على مذهب الشافعي أيضا. ذكره في «كشف الظنون» (1/ 517) والحموي في «معجم البلدان» (1/ 467) .
5- الجمع بين الصحيحين- ذكره ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (2/ 136) .
6- شرح جامع الترمذي- ذكره بروكلمان في ترجمة الإمام البغوي، وذكر أن منه نسخة في المدينة المنورة «بروكلمان» (6/ 244) .
7- شرح السنة- انظر «كشف الظنون» (3/ 1040- 1041) و «معجم البلدان» (1/ 467) ، وهو كتاب مطبوع متداول.
8- فتاوى البغوي- ذكره السبكي في «الطبقات» (4/ 214) وتوجد منه نسخة في المكتبة السليمانية رقم (675/ 3) .
9- الكفاية في فروع الشافعية- ذكره في «كشف الظنون» (2/ 1499) .
10- الكفاية في القراءة- ذكره في «كشف الظنون» (2/ 1499) .(1/29)
11- المدخل إلى مصابيح السنة- انظر تاريخ الأدب العربي- الترجمة العربية (6/ 235) ، ويوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة قولة بالقاهرة (1/ 94) .
12- مصابيح السنة- وهو مطبوع متداول، انظر «سير أعلام النبلاء» (9/ 440) و «هدية العارفين» (1/ 312) .
13- مشكل القرآن- ذكره ابن الفوطي في ترجمته في «تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب» (4/ 3/ 417) .
14- معالم التنزيل- وهو هذا التفسير الذي نحن في صدده.
15- معجم الشيوخ- ذكره في «كشف الظنون» (1735) السطر 21، وذكره صاحب «هدية العارفين» 312.
وصف مخطوطات الكتاب
لقد اعتمدنا في تحقيقنا لكتاب «معالم التنزيل» للإمام البغوي على نسختين خطيتين.
- الأولى: وهي نسخة كاملة، تتألف من جزأين، الأول من المقدمة ثم سورة الفاتحة وحتى آخر سورة الإسراء.
والثاني: من أول سورة الكهف وحتى آخر الناس. مكتوب بخط واضح مقروء، وربما وقع بياض أو محو أحيانا، سطرتها تتراوح 29 و31 سطرا، في كل سطر ما بين ثلاثة عشر إلى سبعة عشر كلمة، قطعها 30 22 سم. كتب الجزء الأول سنة 1191 وكتب الثاني سنة 1192.
بداية التفسير فيه هذه العبارة:
وقف لله تعالى على جميع طلبة العلم الشريف في سائر الوجوه مع بقاء بيد- هكذا ظاهر هذه العبارة- من كتابة وقراءة ودراسة.
الجزء الأول من تفسير القرآن الكريم للشيخ الإمام البحر الهمام الفقيه المحدث المفسر، ظهير الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مسعود البغوي، قدس الله روحه، ونور ضريحه، ونفعنا به وبعلومه وأنفاسه الطاهرة في الدنيا والآخرة بإذن رب العالمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- وكتب أيضا على هامش الكلام المتقدم: وقف مولانا الشيخ عبد الحي الحنفي، لا يباع، ولا يوهب، ولا يرهن، ولا يخرج من محله إلا لمن ينتفع به، ويعيده إليه.
ثم كتب مقابل العبارة المذكورة: وقف مولانا الشيخ عبد الحي الحنفي مقره ببيته.
- وجعل تحت ذلك ختم، وفيه عبارة غير واضحة.
- وبداية الصفحة الأولى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْعِزَّةِ والبقاء والرفعة والعلا والسّنا، تَعَالَى عَنِ الْأَنْدَادِ وَالشُّرَكَاءِ، وَتَقَدَّسَ عَنِ الْأَمْثَالِ وَالنُّظَرَاءِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نبيه وصفيه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء ...
- وعلى الهامش تصويبات واستدراكات.
- وكتب في آخره: تم الجزء الأول من تفسير سيدنا ومولانا شيخ الإسلام البغوي نفعنا الله ببركاته(1/30)
والمسلمين أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
وكان الفراغ من كتابة هذا الجزء المبارك صبيحة يوم الأحد خامس عشر ربيع الأول سنة 1091 هـ على يد الفقير عبد الرحمن البولاقي الأزهري القلفاط الشافعي.
- والجزء الثاني من هذا المخطوط مطلعه: سورة الكهف مَدَنِيَّةٌ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عبده الكتاب) أثنى عَلَى نَفْسِهِ بِإِنْعَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وخص رسوله بِالذِّكْرِ لِأَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ كَانَ نِعْمَةً عَلَيْهِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ ...
وآخره تفسير سورة الناس، وعقب ذلك: تم كتاب تفسير الإمام القدوة شيخ المحدثين وحجة المحققين الإمام البغوي المعروف بالفرّاء، رحمه الله بالرحمة والرضوان، وأسكنه فسيح الجنان- على يد الفقير إلى الله تعالى أحمد بن عبد الله البدري السيوطي، غفر الله له ولوالديه والمسلمين. بتاريخ يوم الأحد المبارك ثالث شعبان الذي هو من شهور سنة اثنتين وتسعين وألف بحمد الله وعونه وحسن توفيقه وهو حسبنا ونعم الوكيل، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا آمين.
المخطوطة الثانية: وهي نسخة كاملة أيضا، وتتألف من ثلاثة أجزاء.
الأول: من المقدمة وحتى آخر سورة الأنعام.
والثاني: من بداية سورة الأعراف وحتى آخر الفرقان.
والثالث: من بداية سورة الشعراء وحتى آخر سورة الناس. كتبت بخط مقروء لكن وقع في الجزء الثاني محو وبياض في حين وقع في الجزء الثالث سواد في مواضع كثيرة. كتب هذا المخطوط بأجزائه الثلاثة سنة 1193.
الجزء الأول: عدد أوراقه 400، مسطرته 25 سطرا، في كل سطر ما بين 11 إلى 17 كلمة، مقاس (29 21 سم) .
كتب على الصفحة الأولى ما نصه:
الجزء الأول من تفسير القرآن الكريم، للشيخ الإمام البحر الهمام ظهير الدِّينِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مسعود البغوي، قدس الله روحه، ونور ضريحه، ونفعنا به وبعلومه وأنفاسه الطاهرة في الدنيا والآخرة.
آمين، آمين، آمين.
- وقف هذا الكتاب الشريف، وتصدق به ابتغاء وجه الله تعالى والكتاب المكرم الأمير أحمد آغا جاويش تقلجيان، لا يباع ولا يوهب ولا يرهن (فمن بدله بعد ما سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يبدلونه، وإن الله لسميع عليم) سنة 1193.
- وجعل مقره بخزانته بجامع المرحوم شيخون العمري أول وقفه شيخون.
- وبعد ذلك تاريخ غير واضح، وبعد ذلك كلمة غير واضحة أيضا وبداية التفسير ما نصه:
- بسم الله الرّحمن الرّحيم، وبه ثقتي، وهو حسبي ونعم الوكيل، قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ، السَّيِّدُ محيي السنة، ناصر الحديث، مفتي الشرق والغرب أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ ...
- وآخره: (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ) لِأَنَّ مَا هُوَ آتٍ فَهُوَ سَرِيعٌ قريب، قيل: الهلاك في الدنيا، والآخرة العقاب لأعدائه (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) قَالَ عَطَاءٌ: سَرِيعُ الْعِقَابِ لِأَعْدَائِهِ غَفُورٌ لِأَوْلِيَائِهِ، رحيم بهم.(1/31)
- تم الجزء الأول من تفسير الإمام العلامة البغوي رحمه الله، ونفعنا به.
- الجزء الثاني من المخطوط: عدد أوراقه 407 مسطرته 25 سطرا، في كل سطر ما بين 11 إلى 17 كلمة المقاس (21 29 سم) في بدايته محو وبياض في مواضع كثيرة، في الورقة الأولى محو وبياض، والعبارة الظاهرة من ذلك تدل على أنها مكررة عن مطلع الجزء الأول، والواضح من العبارة: باش جاويش تقلجيان، وجعل مقره بخزانة جامع شيخون، وتحت يد إمامه، تقبل الله منه ذلك بتاريخ سنة 1193.
- أوله: سورة الأعراف بسم الله الرّحمن الرّحيم: (المص كِتَابٌ) أَيْ هَذَا كِتَابٌ (أنزل إليك) وهو القرآن....
- وآخره خاتمة سورة الفرقان وهو: (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) وَقِيلَ: اللِّزَامُ عذاب القبر، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. آمين آمين.
- الجزء الثالث من المخطوط: عدد أوراقه 432 المقاس 21 26 مسطرته 22 إلى 25 سطرا، في كل سطر ما بين 10 إلى 17 كلمة على الصفحة الأول ما نصه:
الجزء الثاني من تفسير القرآن للإمام البغوي، نفع الله به في الدنيا والآخرة آمين، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليما، والحمد لله رب العالمين. آمين، آمين.
وقف هذا الجزء وتصدق به ابتغاء لوجه الله تعالى وطلبا لمرضاته الأمير أحمد آغا باش جاويش تقلجيان وجعل مقره في خزانة جامع شيخون وتحت يد إمامه. تقبل الله منه ذلك. بتاريخ سنة 1193.
أول وقف شيخون.
- مطلع هذا الجزء: سُورَةُ الشُّعَرَاءِ، مَكِّيَّةٌ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ مِنْ آخَرِ السُّورَةِ مِنْ قوله (والشعراء يتبعهم الغاوون) وهي مائتان وسبع وعشرون آية ...
- وآخره حديث: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أذن لنبيّ حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن يجهر به» . والله أعلم.
تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه، وحسبنا الله ونعم الوكيل.(1/32)
صفحة عنوان الخطوطة «أ»(1/33)
الصفحة الأولى من المخطوط «أ»(1/34)
الصفحة الثانية من المخطوطة «أ»(1/35)
الصفحة الثالثة من المخطوطة «أ»(1/36)
الصفحة الرابعة من المخطوطة «أ»(1/37)
صفحة العنوان من النسخة «ب»(1/38)
الصفحة الأولى من النسخة «ب»(1/39)
الصفحة الثانية من النسخة «ب»(1/40)
عملنا في هذا الكتاب
لقد اتبعنا في تحقيق هذا الكتاب النفيس الخطوات التالية:
1- طابقنا بين المخطوطتين والنسختين المطبوعتين، وتقدم الحديث عن ذلك، وقد أثبتنا في النص ما هو الراجح مع استدراك لبعض الكلمات أو العبارات، مع التقديم والتأخير أحيانا، وأشرنا إلى الفروق في المخطوط والنسخ غالبا، وربما أهملنا ذلك عند عدم الفائدة لئلا تثقل الحواشي، ويكبر الكتاب بما لا طائل تحته، بل ربما يؤدي ذلك إلى الغرور، وهذا لا يجوز.
- تنبيه: ليعلم أن الحاشية تتألف من قسمين الأول منهما: تخريج الأحاديث مع تصويبات واستدراكات من كتب الحديث والأثر والتراجم والنسخة المطبوعة في دار طيبة ورمزت لها ب «ط» .
- والحاشية الثانية تحتوي على التصويبات والاستدراكات التي مصدرها المخطوطتين.
وسبب ذلك هو أني ابتدأت العمل أولا قبل وصول المخطوطتين فكنت أجد التحريف والسقط ونحو ذلك فأرجع في ذلك إلى كتب المؤلف وسائر كتب الحديث التي يروي المؤلف من طريقها فأصوب وأستدرك، ثم لما جاء المخطوط اضطررنا إلى حاشية ثانية لأن الأولى قد كتبت وسطّرت.
- ويلاحظ أني في الجزء الأول وقبل وصول المخطوط كنتب أقصد بقولي ب «الأصل» النسخة المطبوعة في دار المعرفة، ولكن بعد ذلك أصبحت أعبر عن ذلك بقولي «المطبوع» .
2- خرجنا الأحاديث المرفوعة، وما له حكم الرفع، وما فيه سبب نزول، ونحو ذلك بالعزو إلى كتب المؤلف ثم إلى الطريق التي يروي عنها ثم إلى سائر كتب الحديث والأثر المعتبرة والمشهورة.
3- قمنا بدراسة الأسانيد والتنبيه على حال بعض الرواة ممن هو متكلم فيه، أو كان في الإسناد انقطاع ونحو ذلك من العلل. وأعني بقولي: صحيح على شرط البخاري ومسلم أو أحدهما كون الشيخين أو أحدهما يروي لهؤلاء الرجال، وربما قلت: على شرط الصحيح، ومرادي بذلك أن في الإسناد من هو من رجال البخاري، وآخر من رجال مسلم، وربما بينت ذلك نصّا.
4- ذكرنا للحديث طرقا وشواهد ليتم بذلك الحكم على الحديث هل هو صحيح، أو حسن، أو ضعيف لكن يصح بطرقه وشواهده، أو لا إن كانت طرقه وشواهده واهية جدا.
- وربما أحلت خشية الإطالة إلى بعض الكتب التي قمت بتخريجها.
5- رقمنا الأحاديث المسندة والمعلقة تسلسليا ليكون الترقيم متكاملا.
6- نبهنا على الروايات الإسرائيلية ونحو ذلك مما فيه نكارة، أو مجازفة، أو مخالفة لشريعتنا.
7- خرجنا الآيات الشواهد، وذلك بذكر اسم السورة، ورقم الآية.
8- خرجنا الشواهد الشعرية باختصار، وهي قليلة نسبيا.
9- شرحنا بعض المفردات الغريبة سواء في الشعر أو النثر.
10- ألحقنا الكتاب بفهارس للأحاديث المرفوعة مع ذكر ثبت المصادر والمراجع.(1/41)
11- وضعنا للكتاب مقدمة مع فوائد تتعلق بالتفسير والمفسرين، أضف إلى ذلك ترجمة للإمام البغوي، ودراسة حول هذا الكتاب ومنهج المؤلف.
- وفي الختام وبعد شكر الله تعالى، لا يسعني إلا أن أتوجه بخالص الشكر، وجميل الثناء لكل من كانت له يد مشكورة في هذا العمل الجليل.
- هذا ما وفقني الله تعالى إليه، وأسأله وحده أن يقويني لإتمام مراجعته، وأن يسدد قلمي، ويجنبني الوهم والخطأ، وأسأله تعالى أن يجعل هذا العمل موفقا، وأن ينفع به، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ توكلت وإليه أنيب، وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلّى الله على النبي محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(رب اغفر لي ولوالدي رب ارحمهما كما ربياني صغير) .
وكتبه عبد الرزاق المهدي سورية- دمشق في 5 شعبان/ سنة 1419 هـ الموافق 24/ 12/ 1998 م(1/42)
تفسير البغوي المسمّى معالم التّنزيل للأمام أبي مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الْفَرَّاءُ البغوي الشافعي المتوفى سنة 516 هـ الجزء الأول تحقيق عبد الرّزّاق المهدي دار إحياء التراث العربي بيروت- لبنان(1/43)
المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم [قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ [1] السَّيِّدُ محيي [2] السنة، ناصر الحديث، مفتي الشرق والغرب، أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الفراء البغوي [3] رضي الله عنه وعن والديه] [4] :
الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعِزَّةِ وَالْبَقَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالْعَلَاءِ وَالْمَجْدِ وَالثَّنَاءِ، تَعَالَى عَنِ الْأَنْدَادِ وَالشُّرَكَاءِ، وَتَقَدَّسَ عَنِ الْأَمْثَالِ وَالنُّظَرَاءِ، وَالصَّلَاةُ والسّلام على نبيّه وحبيبه وَصَفِّيِهِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ عَدَدَ ذَرَّاتِ الثَّرَى وَنُجُومِ السَّمَاءِ.
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ السَّلَامِ الْمُؤْمِنِ الْمُهَيْمِنِ الْعَلَّامِ، شَارِعِ الْأَحْكَامِ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، الَّذِي أَكْرَمَنَا بِدِينِ الْإِسْلَامِ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ التَّحِيَّةُ وَالسَّلَامُ، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِكِتَابِهِ الْمُفَرِّقِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى حَبِيبِهِ وَخِيرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَنَامِ، عَدَدَ سَاعَاتِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ وعلى آله وأصحابه، عدد نُجُومِ الظَّلَامِ وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ الْبَرَرَةِ الْكِرَامِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَبَشِيرًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَنَذِيرًا لِلْمُخَالِفِينَ، أَكْمَلَ بِهِ بُنْيَانَ النُّبُوَّةِ، وَخَتَمَ بِهِ دِيوَانَ الرِّسَالَةِ، وَأَتَمَّ بِهِ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَمَحَاسِنَ الْأَفْعَالِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ نُورًا هَدَى بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَأَنْقَذَ بِهِ مِنَ الجهالة، حكم بالفلاح لمن تبعه، وبالخسران لمن أعرض عنه بعد ما سمعه، وأعجز الْخَلِيقَةَ عَنْ مُعَارَضَتِهِ، وَعَنِ الْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ فِي مُقَابَلَتِهِ، ثم سهل عَلَى الْخَلْقِ مَعَ إِعْجَازِهِ تِلَاوَتَهُ وَيَسَّرَ عَلَى الْأَلْسُنِ قِرَاءَتَهُ، أَمَرَ فِيهِ وَزَجَرَ وَبَشَّرَ وَأَنْذَرَ وَذَكَرَ الْمَوَاعِظَ لِيُتَذَكَّرَ، وَقَصَّ عَنْ أَحْوَالِ الْمَاضِينَ لِيُعْتَبَرَ، وَضَرَبَ فِيهِ الْأَمْثَالَ لِيُتَدَبَّرَ، وَدَلَّ عَلَى آيَاتِ التَّوْحِيدِ لِيُتَفَكَّرَ، وَلَا حُصُولَ لِهَذِهِ الْمَقَاصِدِ إِلَّا بِدِرَايَةِ تَفْسِيرِهِ وَأَعْلَامِهِ، وَمَعْرِفَةِ أَسْبَابِ نُزُولِهِ وَأَحْكَامِهِ وَالْوُقُوفِ عَلَى ناسخه ومنسوخه، ومعرفة خاصّه وَعَامِّهِ، ثُمَّ هُوَ كَلَامٌ مُعْجِزٌ وَبَحْرٌ عَمِيقٌ لَا نِهَايَةَ لِأَسْرَارِ علومه، ولا إدراك لِحَقَائِقِ مَعَانِيهِ، وَقَدْ أَلَّفَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ فِي أَنْوَاعِ عُلُومِهِ كُتُبًا كُلٌّ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ وَمَبْلَغِ علمه نظرا
__________
(1) الظاهر أن لفظ «الْإِمَامُ الْأَجَلُّ السَّيِّدُ، مُحْيِي السُّنَّةِ، ناصر الحديث، مفتي الشرق والغرب» من كلام الراوي لهذا التفسير عن الإمام البغوي، أو هو من زيادات النساخ، فإن علماء الإسلام، لا يذكرون مثل هذه الألفاظ في معرض ذكرهم لأنفسهم، والله أعلم.
(2) في الأصل «محي» والتصويب عن باقي النسخ.
(3) قال العلامة ياقوت الحموي في «معجم البلدان» (467- 468) : بغشور: بضم الشين المعجمة، وسكون الواو، وراء:
بليدة بين هراة ومرو الروذ. ويقال لها «بغ» أيضا، وقد نسب إليها خلق كثير من العلماء والأعيان، ومنهم الإمام أَبُو مُحَمَّدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُودٍ الفرّاء البغوي الفقيه صاحب التصانيف التي منها، «التهذيب» في الفقه على مذهب الشافعي، و «شرح السنة» و «تفسير القرآن» وكان يلقّب محيي السنة، ولد سنة 433 وتوفي سنة 516 اهـ باختصار.
(4) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط- أ.(1/45)
للخلق، فَشَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَهُمْ وَرَحِمَ كَافَّتَهُمْ.
فَسَأَلَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِي الْمُخْلِصِينَ- وَعَلَى اقْتِبَاسِ الْعِلْمِ مُقْبِلِينَ- كِتَابًا فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ وَتَفْسِيرِهِ، فَأَجَبْتُهُمْ إِلَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَى فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَيْسِيرِهِ، مُمْتَثِلًا وَصِيَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
ع «1» أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِنَّ رِجَالًا يَأْتُونَكُمْ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ فَإِذَا أَتَوْكُمْ فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا» .
وَاقْتِدَاءً بِالْمَاضِينَ مِنَ السَّلَفِ فِي تَدْوِينِ الْعِلْمِ إِبْقَاءً عَلَى الْخَلَفِ وَلَيْسَ عَلَى مَا فَعَلُوهُ مَزِيدٌ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ فِي كُلِّ زَمَانٍ مِنْ تَجْدِيدِ مَا طَالَ بِهِ الْعَهْدُ، وَقَصُرَ لِلطَّالِبِينَ فِيهِ الْجِدُّ والجهد، تنبيها للمتوقفين وتحريضا
__________
1- ضعيف بهذا اللفظ. أخرجه الترمذي (2650 و2651) وابن ماجه (247 و249 وابن عدي (5/ 79) والطبراني في «الأوسط» (7055) والخطيب في «تاريخ بغداد» (14/ 387) و «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/ 392) ح 5 والرامهرمزي في «المحدث الفاصل» 22 من طرق عن أبي هارون العبدي قال: كنا نأتي أبا سعيد، فيقول: مرحبا بوصية رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الناس لكم تبع وإن رجالا ... » بمثل سياق المصنف، وإسناده ضعيف جدا، فيه أبو هارون اسمه عمارة بن جوين، متروك الحديث، قاله النسائي، وقال أحمد: ليس بشيء، وقال يحيى: ضعيف، وكذبه حماد بن زيد، وقال الذهبي: ليّن بمرة، راجع «الميزان» (6018) . وضعف الترمذي هذا الحديث بقوله: قال علي: قال يحيى بن سعيد: كان شعبة يضعف أبا هارون. وقال البوصيري في «الزجاجة» عمارة بن جوين، ضعيف باتفاقهم. قلت: تقدم أنه ضعيف جدا كما قال الذهبي، وكذبه حماد بن زيد والجوزجاني والسعدي وغيرهم.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه ابن ماجه 248، وفيه المعلى بن هلال، وهو متروك متهم، قال البوصيري في «الزوائد» كذبه أحمد وابن معين وغيرهما، شيخه إسماعيل بن مسلم اتفقوا على ضعفه اهـ. قلت: وله علة ثالثة: الحسن لم يلق أبا هريرة، ولم يسمع منه. وهذا الحديث في ذكر دخول الحسن بيت أبي هريرة. فالحديث لا شيء، وهو شبه موضوع.
- وله شاهد ثالث بمعناه، أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» (24) من طريق رواد بن الجراح عن المنهال بن عمرو عن رجل عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأصحابه: «إنه سيضرب إليكم في طلب العلم، فرحبوا ويسروا وقاربوا» وهذا إسناد ضعيف جدا. رواد بن الجراح، ضعيف، فهذه علة، وفيه راو لم يسمّ، فالحديث بشواهده يرقى إلى درجة الضعيف فحسب لشدة ضعف أسانيده.
- وقد ورد عن أبي سعيد ليس فيه اللفظ المرفوع، أخرجه الحاكم (1/ 88 ح 298) والرامهرمزي 21 كلاهما عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: «مرحبا بوصية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوصينا بكم» وهذا إسناد لا بأس به، رجاله ثقات لكن الجريري اختلط بأخرة، وصححه الحاكم على شرط مسلم! وسكت الذهبي! وعلته اختلاط الجريري قبل موته بثلاث سنين، واسمه سعيد بن إياس. وأخرجه الرامهرمزي 20 من طريق بشر بن معاذ عن أبي عبد الله شيخ ينزل وراء منزل حماد بن زيد عن الجريري به، وإسناده ضعيف، فيه الجريري، وفيه أبو عبد الله جار حماد، وهو مجهول، راجع «الميزان» (3/ 367- 368) وله طريق آخر أخرجه الرامهرمزي في «المحدث الفاصل» برقم 23، وفيه يحيى بن عبد الحميد الحمّاني، كذبه أحمد، وضعفه الجمهور.
- وورد عن أبي الدرداء نحو الوارد عن أبي سعيد من قوله، فقد أخرج الدارمي 1/ 99 عن عامر بن إبراهيم قال: كان أبو الدرداء إذا رأى طلبة العلم قال: مرحبا بطلبة العلم، وكان يقول: إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أوصى بكم، وفيه عامر بن إبراهيم هذا لم أجد له ترجمة. لكن يشهد هذا للوارد عن أبي سعيد دون اللفظ المرفوع.
الخلاصة: اللفظ المرفوع الوارد في هذا الحديث ضعيف، لا يرقى عن درجة الضعف لشدة ضعف رواته، وأما كلام أبي سعيد، فهو من نوع الحسن، ويشهد له الوارد عن أبي الدرداء، والله أعلم.(1/46)
لِلْمُتَثَبِّطِينَ، فَجَمَعْتُ- بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَسُنِ تَوْفِيقِهِ- فِيمَا سَأَلُوا كِتَابًا وَسَطًا بَيْنَ الطَّوِيلِ الْمُمِلِّ، وَالْقَصِيرِ الْمُخِلِّ، أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا لِمَنْ أَقْبَلَ عَلَى تَحْصِيلِهِ مُرِيدًا.
وَمَا نَقَلْتُ فِيهِ مِنَ التَّفْسِيرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَبْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ التَّابِعِينَ، وَأَئِمَّةِ السَّلَفِ مِثْلِ: مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ [1] وَقَتَادَةَ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَالْكَلْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وَمُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالسُّدِّيِّ وغيرهم، فأكثرها مما أخبرنيه الشَّيْخُ أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ [2] الشُّرَيْحِيُّ الْخُوَارَزْمِيُّ فِيمَا قَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، عَنِ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ شُيُوخِهِ [رَحِمَهُمُ اللَّهُ] [3] .
أَمَّا تَفْسِيرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ- الَّذِي قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
ع «2» «اللهمّ علّمه الكتاب» ، وقال:
ع «3» «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» .
قَالَ [4] أَبُو إِسْحَاقَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَامِدٍ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ الطَّرَائِفِيُّ [5] ، ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ صَالِحٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيِّ عَنْ عبد الله بن عباس [6] :
__________
(1) زيد في المطبوع وفي النسخة المصرية، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَيْسَ فِي المخطوط ونسخة «ط» والظاهر أنها مقحمة، ولا تصح، فقد تقدم ذكر أربعة من أئمة التابعين ومشاهيرهم، فلو صح ثبوتها لكان الصواب «رضي الله عنهم» فتنبه، والله أعلم.
(2) في المطبوع «محمد» .
(3) زياد عن «ط» .
2- صحيح. أخرجه البخاري 75 و3756 و270 والترمذي 3824 وابن ماجه 166 وأحمد 1/ 214 وفي «الفضائل» (1835 و1923) وابن حبان 7054 والطبراني في «الكبير» (10588) من طرق عن خالد الحذاء عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال:
ضمني رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، وقال: «اللهم علمه الكتاب» لفظ البخاري بحرفيته. وجعل بعضهم «الحكمة» بدل «الكتاب» هكذا رواية الترمذي وابن حبان وغيرهما. والله أعلم.
3- صحيح، أخرجه البخاري 143 ومسلم 2477 وأحمد (1/ 327) وابن حبان 7053 والطبراني في «الكبير» 11204 كلهم عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يزيد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: من وضع هذا، فأخبر، فقال: «اللهم فقهه في الدين» لفظ البخاري بحروفه. ورواية مسلم «اللهم فقهه» ليس فيه «في الدين» وزاد مسلم بعد «وضوءا» ، «فلما خرج» . والله تعالى أعلم.
(4) وقع في الأصل وبعض النسخ «وقال» والمثبت عن «ط» وهو يوافق باقي ألفاظ المصنف الآتية، مع أن الأولى أن يقال:
«فقال» لأن- أما- حرف شرط وتفصيل- ويقترن جوابها بالفاء. كما هو مقرر في كتب النحو، والآيات في ذلك كثيرة من ذلك قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغى (37) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى (39) وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى (41) [النازعات: 37- 41] وكذلك قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: 17] والآيات في ذلك كثيرة، والله الموفق.
(5) وقع في الأصل وبعض النسخ «الطوائفي» وهو تصحيف ظاهر، والتصويب عن «ط» وكتب التراجم.
(6) هذا الإسناد إلى ابن عباس ضعيف، وله علتان: الأولى: ضعف عبد الله بن صالح. قال عنه الذهبي في «الميزان» 4383، هو صاحب حديث، وله مناكير. قال أحمد: كان أول أمره متماسكا، ثم فسد بأخرة، وقال أبو حاتم: صدوق أمين ما علمته، أخرج أحاديث في آخر عمره أنكروها، نرى أنها مما افتعل خالد بن نجيح، وكان أبو صالح يصحبه، وقال صالح جزرة: كان يحيى يوثقه، وهو عندي يكذب في الحديث وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن حبان: كان في نفسه صدوقا، إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له. سمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة، كان(1/47)
وَقَالَ [1] : أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ [بْنُ مُحَمَّدِ] بْنِ حَبِيبٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرَوَيْهِ [2] الْمَازِنِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سعد [3] بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عطيه بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمِّي الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عطيه، حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عطيه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [4] .
وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّيْسَابُورِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن إِبْرَاهِيمَ الصَّرِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْخَضِرِ الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ السِّنْجِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسين بن واقد [عن أبيه] [5] عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ عن ابن عباس [6] .
__________
يضع الحديث على شيخ عبد الله بن صالح، ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله، ويرميه في داره، فيتوهم أنه خطه فيحدث به. وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث، إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه نمط، ولا يتعمد اهـ. ملخصا، وانظر «المجروحين» (2/ 40- 41) فمن كانت هذه حاله لا يحتج به، وهو ضعيف. وله علة ثانية: وهي الانقطاع بين علي بن أبي طلحة وابن عباس، قال الذهبي في «الميزان» (5870) : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ مجاهد وأبي الودّاك وراشد بن سعد، أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد، فلم يذكر مجاهدا بل أرسله عن ابن عباس قال أحمد: له أشياء منكرات. وقال النسائي: لا بأس به. وقال دحيم: لم يسمع علي بن أبي طلحة التفسير عن ابن عباس.
قال الذهبي: روى معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس تفسيرا كبيرا ممتعا اهـ ملخصا. وقال الحافظ في «تهذيب التهذيب» (7/ 298) : روى عن ابن عباس، ولم يسمع منه، بينهما مجاهد.
الخلاصة: فهذا الإسناد إلى ابن عباس. بهذه السلسلة ضعيف لا يحتج به. [.....]
(1) أي الثعلبي، شيخ شيخ البغوي.
(2) في الأصل «نضروية» والمثبت عن «ط» والمخطوط «أ» .
(3) وقع في كافة نسخ المطبوع «سعيد» والتصويب عن «الأنساب» للسمعاني (4/ 258) والطبري 1036 وكتب التراجم.
(4) هذا الإسناد إلى ابن عباس بهذه السلسلة، ضعيف جدا.
وله ثلاث علل: فيه الحسين بن الحسن بن عطية العوفي، قال الذهبي رحمه الله في «الميزان» (1991) : ضعفه يحيى بن معين وغيره، وقال ابن حبان يروي أشياء، لا يتابع عليها، لا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال النسائي: ضعيف، فهذه علة، وشيخه الحسن بن عطية العوفي. قال عنه الذهبي في «الميزان» (1889) : قال البخاري: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: ضعيف وقال عنه الحافظ في «التقريب» (1256) : ضعيف، فهذه علة ثانية، وشيخه عطية بن سعد العوفي، قال عنه الذهبي في «الميزان» (5667) : تابعي شهير ضعيف، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ضعيف. وقال ابن معين:
صالح، وقال أحمد: ضعيف. وقال أحمد: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنّى بأبي سعيد فيقول: قال أبو سعيد.
قال الذهبي: يوهم أنه الخدري، وقال النسائي وجماعة: ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (7/ 200- 201- 202) ما ملخصه:
قال مسلم بن الحجاج: قال أحمد وذكر عطية العوفي: ضعيف الحديث ثم قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي، ويسأله عن التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يضعفه. قال أحمد: وحدثنا أبو أحمد الزبيري:
سمعت الكلبي يقول: كناني عطية، أبو سعيد، وقال الجوزجاني: مائل. وقال أبو حاتم: ضعيف، يكتب حديثه، وقال ابن حبان: لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل التعجب اهـ. فمن كانت حاله حالة لا يحتج برواياته سواء عن ابن عباس أو غيره، وبهذا يتبين شدة ضعف هذه السلسلة إلى ابن عباس، والله أعلم.
(5) زيادة عن كتب التراجم، علي بن الحسين ليس له رواية عن يزيد النحوي، وإنما يروي عنه بواسطة أبيه، وانظر الكلام الآتي.
(6) هذا الإسناد إلى ابن عباس، بهذه السلسلة لا بأس به. سليمان بن داود السنجي- وسنج من نواحي مرو- صدوق روى له مسلم وغيره، وشيخه علي بن الحسين بن واقد، قال الذهبي في «الميزان» (5824) : قال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
وقال النسائي وغيره: لا بأس به، وذكره العقيلي في «الضعفاء» وقال: مرجئ. وانظر «تهذيب الكمال»(1/48)
وَأَمَّا تَفْسِيرُ مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ [1] الْمَكِّيِّ قَالَ: [أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْأَصْفَهَانِيُّ، قَالَ:
أَنَا] [2] أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَطَّةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ زَكَرِيَّا، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، ثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ [3] .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: قال: ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ النَّيْسَابُورِيُّ، ثَنَا أَبُو [4] عَبْدِ الرَّحْمَنِ [أَحْمَدُ] [5] بْنُ يَاسِينَ بْنِ الْجَرَّاحِ الطبري، أنا أبو محمد بَكْرِ بْنِ سَهْلٍ [6] الدِّمْيَاطِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّنْعَانِيِّ [7] ، عَنِ ابْنِ [8] جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رباح [9] .
__________
(20/ 406/ 4052) ، وشيخه الحسين بن واقد، ثقة له أوهام، روى له مسلم وأصحاب السنن، راجع «تهذيب الكمال» (6/ 491/ 1346) ، وشيخه يزيد النحوي هو ابن أبي سعيد أبو الحسن القرشي ثقة روى له أصحاب السنن، راجع «التقريب» وكتب الرجال، وعكرمة هو أبو عبد الله، مولى ابن عباس، تابعي ثقة ثبت عالم التفسير، روى له الأئمة الستة، راجع «التقريب» (4673) وكتب التراجم. فهذه السلسلة أمثل من سابقتيها.
الخلاصة: هذه الطريق الأخيرة لا بأس بها، وأما التي قبلها، فلا حجة فيها، وكذا التي قبلها واهية، فمن هنا تجد بعض الروايات المنكرة الواردة عن ابن عباس، فهي بسبب هذه الأسانيد، وهناك سلسلة الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والكلبي كذاب متروك، وأبو صالح اسمه باذام، أقر أنه كان يكذب على ابن عباس، وهناك سلسلة جويبر بن سعيد عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس، وهذه واهية ليست بشيء. جويبر متروك، والضحاك لم يلق ابن عباس، فهذه الطرق واهية جدا ليست بشيء. وهي أسوأ حالا من رواية عطية العوفي، ورواية علي بن أبي طلحة. وانظر المقدمة.
والله تعالى أعلم.
(1) وقع في الأصل «خبر» وهو تصحيف من النساخ.
(2) زيادة عن «ط» وبها يستقيم الإسناد، وإلا فهو منقطع. ويلاحظ أن فاعل قال هو الثعلبي رحمه الله، وكذا هو في الأسانيد الآتية، فتدبّر والله الموفق.
(3) الإسناد إلى مجاهد ضعيف، وعلته مسلم بن خالد الزنجي، حيث ضعفه البخاري وأبو حاتم وأبو داود وعلي المديني وغيرهم، واضطرب فيه قول يحيى بن معين، فقد وثقه في رواية، وضعفه في أخرى، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. واختار الذهبي قول من ضعفه. وهو الذي عليه الجمهور، لكن قد روى تفسير مجاهد غير واحد عن ابن أبي نجيح، وهو مطبوع متداول، وروايته أصح ما ورد عن مجاهد في التفسير، وابن أبي نجيح هو عبد الله، ثقة روى له الأئمة الستة، واسم أبيه يسار.
(4) زيد في الأصل بعد- أبو- «القاسم» وهو خطأ.
(5) زيادة عن «ط» .
(6) وقع في نسخ المطبوع بعد «محمد» زيادة «بن» أي: أبو محمد بن بكر بن سهل. والتصويب عن «الميزان» (1/ 345) وكتب التراجم. ووقع أيضا في الأصل «مستهل» وهو تصحيف، والتصويب عن «الميزان» وكتب التراجم، ونسخة «ط» .
(7) في الأصل «الصفاني» والتصويب عن «ط» و «الميزان» وكتب التراجم، وانظر ترجمته فستأتي. [.....]
(8) وقع في الأصل «أبي» بدل «بن» وهو خطأ ظاهر.
(9) هذا الإسناد إلى عطاء ضعيف جدا، له علل: بكر بن سهل أبو محمد الدمياطي، مقارب الحال، قال النسائي: ضعيف اهـ. «الميزان» (1/ 345) باختصار. وشيخه عبد الغني بن سعيد هو الثقفي. قال الذهبي في «الميزان» (2/ 642) :
حدث عنه بكر بن سهل الدمياطي وغيره. ضعفه ابن يونس. وشيخه موسى بن عبد الرحمن الصّنعاني، قال عنه الذهبي في «الميزان» (4/ 211) : ليس بثقة، قال عنه ابن حبان: دجال، وضع على ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس كتابا في التفسير، وقال ابن عدي: منكر الحديث، ويعرف بأبي محمد المفسر، ثم ساق له ابن عدي أحاديث، وقال: هذه بواطيل اهـ. فهذا الطريق إلى عطاء ليس بشيء، واه بمرة، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، ثقة روى له الأئمة الستة.(1/49)
وأما تَفْسِيرُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ [بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد الله الْمُكْتِبِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الصَّلْتِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ شَنَبُوذَ الْمُقْرِئُ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا الْمُسْتَهِلُّ] [1] بْنُ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصَرِيِّ.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: قال: أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ بن محمد الأصبهاني، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَامِدُ بْنُ محمد الْهَرَوِيُّ، ثَنَا أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ الْحَرْبِيُّ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ [2] الْحُسَيْنُ بْنُ محمد المرّوذي [3] ، ثَنَا شَيْبَانُ [4] بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ عَنْ قَتَادَةَ.
وَقَالَ: ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَبِيبِيُّ، أَنَا أَبُو زكريا العنبري، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَوَّارٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ السَّدُوسِيِّ [5] .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ أَبِي الْعَالِيَةِ وَاسْمُهُ رُفَيْعُ بْنُ مِهْرَانَ: قَالَ: ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمُفَسِّرُ أَنَا أَبُو عَمْرٍو [6] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الْعَمْرَكِيُّ بِسَرَخْسَ [7] ، ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبراهيم بن مزيد [8] السّرخسي أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ]
[بْنُ] مُوسَى الْأَزْدِيُّ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ بَشِيرٍ الْهَمَذَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ [10] .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْقُرَظِيِّ: قَالَ: ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بن حبيب [قال] [11] ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْهَرَوِيُّ، ثَنَا رَجَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَرَوِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ [12] .
__________
(1) ما بين المعقوفتين في الأصل «الْبَصْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بن الملكيب، حدثني أبي، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد الصلة المعروف بابن شبود الْمُقْرِئُ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا المنهل» .
وما أثبته هو من نسخة «ط» .
وهذا الإسناد إلى قتادة ضعيف لأجل عمرو بن عبيد، فإنه متروك الحديث، وهو رأس المعتزلة.
(2) وقع في الأصل «محمد» والتصويب عن «التهذيب» (2/ 315) ونسخة «ط» .
(3) وقع في نسخ المطبوع «المروزي» وهو تصحيف، قال الحافظ في «التقريب» (1345) : الحسين بن محمد أبو محمد المرّوذي- بتشديد الراء وبذال معجمة- وانظر: «التهذيب» (2/ 315) .
(4) وقع في الأصل «شبان» وهو تصحيف ظاهر.
(5) الإسناد إلى قتادة من كلا الطريقين حسن.
(6) زيادة عن «ط» .
(7) وقع في الأصل «بن حسن» وهو تصحيف، والتصويب عن «ط» .
(8) في نسخة- ط- «يزيد» بدل «مزيد» .
(9) زيد في الأصل «محمد» بعد «الحسن» والتصويب عن «ط» .
(10) الإسناد إلى أبي العالية فيه لين، عبد الله بن جعفر هو الرازي قال الذهبي عنه في «الميزان» (2/ 404) : قال محمد بن حميد الرازي: سمعت منه عشرة آلاف حديث، فرميت بها، كان فاسقا. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: صدوق. وقال ابن عدي: من أحاديثه ما لا يتابع عليه. وأبوه عيسى بن أبي عيسى أبو جعفر الرازي، قال عنه الذهبي في «الميزان» (3/ 319- 320) : قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد والنسائي: ليس بالقوي، وقال علي المديني: ثقة كان يخلط، وقال الفلاس: سيّئ الحفظ.
(11) زيد في المطبوع بدل قال «عن أبي» وليس في المخطوطتين.
(12) الإسناد إلى محمد بن كعب القرظي ضعيف لضعف أبي معشر واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي، وفيه أيضا مالك بن [.....](1/50)
وَأَمَّا تَفْسِيرُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: قَالَ: أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ أحمد بن كامل بن خَلَفٍ أَنَّ [1] مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ حَدَّثَهُمْ [2] ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ [3] ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ [4] .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: فَقَدْ قَرَأْتُ بِمَرْوَ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، قَالَ: أَنَا أَبُو مَسْعُودٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الْخَطِيبُ الْكُشْمِيهَنِيُّ [5] ، فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ خَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ، قَالَ: أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بن محمد بن معروف الهرمز فرهي [6] ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ الْمُفَسِّرُ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ وصالح بن محمد السمرقنديان، قَالَا: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ [السُّدِّيُّ] [7] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الكلبي [8] أبي النضر عن أبي صالح [9] باذام [10] مَوْلَى أَمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طالب عن ابن عباس [11] .
__________
سليمان الهروي، ضعفه الدارقطني
(1) وقع في الأصل: «بن» والتصويب عن «ط» .
(2) وقع في الأصل «حدثتهم» والتصويب عن «ط» .
(3) وقع في الأصل «الصيرفي» والتصويب عن «ط» وكتب التراجم.
(4) الإسناد إلى زيد بن أسلم ضعيف، لضعف عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسلم.
وبقية رجال الإسناد ثقات، رجال البخاري ومسلم خلا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ فهو من رجال مسلم.
تنبيه: يلاحظ أن هذا الإسناد هو للبغوي، وليس من طريق الثعلبي، لأن المروزي هذا شيخ البغوي.
(5) وقع في الأصل «الكشمهيني» والتصويب عن «ط» و «الأنساب» .
(6) وقع في الأصل «الهرمروزي» والتصويب عن «ط» و «اللباب» (3/ 385) .
(7) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط» وكتب التراجم.
(8) زيد في الأصل «عن» بين «الكلبي» و «أبي النضر» والتصويب عن كتب التراجم.
(9) زيد في نسخ المطبوع «أنا» بين «أبي صالح» و «باذام» والتصويب عن كتب التراجم.
(10) وقع في الأصل «ذاذان» والتصويب عن كتب التراجم. ويقال له أيضا «باذان» بالنون بدل الميم. انظر ترجمته الآتية.
(11) هذا الإسناد إلى ابن عباس بهذه السلسلة مركب مصنوع، وهي سلسلة الكذب على ابن عباس.
وله ثلاث علل:
- الأولى: محمد بن مروان السدي الصغير قال عنه الذهبي في «الميزان» (4/ 32) : تركوه واتهمه بعضهم بالكذب. قال ابن معين: ليس بثقة. وقال البخاري: سكتوا عنه لا يكتب حديثه البتة اهـ. وقال الحافظ في «التقريب» (6284) : متهم بالكذب.
- والثانية: محمد بن السائب الكلبي متروك متهم. قال الذهبي في «الميزان» (3/ 556) ما ملخصه: قال سفيان: قال الكلبي: قال لي أبو صالح انظر كل شيء رويت عني عن ابن عباس فلا تروه. وقال البخاري: تركه يحيى وابن مهدي ثم قال البخاري: قال علي: حدثنا يحيى عن سفيان قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب.
وقال يزيد بن زريع: حدثنا الكلبي- وكان سبائيا- قال أبو معاوية: قال الأعمش اتق هذه السبائية، فإني أدركت الناس، وإنما يسمونهم الكذابين.
وقال ابن حبان: كان الكلبي سبائيا من أولئك الذين يقولون إن عليا لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا، ويملؤها عدلا كما ملئت جورا، وإن رأوا سحابة قالوا أمير المؤمنين فيها.
- وقال التبوذكي: سمعت هماما يقول: سمعت الكلبي يقول: أنا سبائي.
- وقال أحمد بن زهير: قلت لأحمد بن حنبل: يحل النظر في تفسير الكلبي؟ قال: لا.
- وقال عباس الدوري عن ابن معين، قال: الكلبي ليست بثقة، قال الجوزجاني وغيره: كذاب وقال الدارقطني وجماعة:
متروك.(1/51)
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ الهلالي: [قال الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ] [1] ، ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ السدوسي، ثنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ العمركي بن حسن [2] ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ [بْنِ] سَوَّارٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَمِيلٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثَنَا أَبُو معاذ، عن عبيد بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيِّ، عَنِ الضَّحَّاكِ [3] .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ: قَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حامد الوزان، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدُوسٍ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ قُتَيْبَةَ، ثَنَا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ بْنُ صَالِحٍ الْفَرَّاءُ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بن معروف البلخي الأزدي [4] ، أَبُو مُعَاذٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ [5] .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ: قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إبراهيم بن محمد المهرجاني، [قال:] أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الخالق بن الحسن بْنِ مُحَمَّدٍ السَّقْطِيُّ [6] الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي رُؤْبَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن ثابت بن
__________
- وقال ابن حبان: مذهبه في الدين، ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه.
يروي عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس التفسير. وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلى الحرف بعد الحرف، فلما احتيج إليه أخرجت له الأرض أفلاذ كبدها.
- لا يحل ذكره الكتب، فكيف الاحتجاج به.
- والثالثة: أبو صالح واسمه باذام ويقال «باذان» قال الذهبي «الميزان» (1/ 296) ما ملخصه: ضعفه البخاري، وقال النسائي: ليس بثقة، قال ابن معين: ليس به بأس، وقال ابن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يذكر عن سفيان قال: قال الكلبي: قال لي أبو صالح: كلما حدثتك كذب.
وانظر: «تهذيب التهذيب» (1/ 365) .
(1) ما بين المعقوفتين في الأصل «قال: أنا أستاذ إسحاق الثعلبي» وفيه تخليط من النساخ. والعبارة في «ط» «قال: أنا الأستاذ إسحاق الثعلبي» وليست العبارة مستقيمة أيضا، والمثبت من المخطوطتين هو الصواب، فإن البغوي رجع في هذه السلسلة إلى كلام الثعلبي الذي تقدم قبل رواية الكلبي المتقدمة، ويؤيد ذلك هو أن أبا القاسم الحسن بن محمد هو شيخ الثعلبي لا البغوي. راجع الأسانيد المتقدمة، والله أعلم، ويؤيده أيضا الروايات الآتية، فإنها للثعلبي، والله الموفق. [.....]
(2) وقع في الأصل «بن حسن» والمثبت عن «ط» وتقدم مثله آنفا.
(3) الإسناد إلى الضحاك لا بأس به، رجاله ثقات. أبو معاذ هو الفضل بن خالد النحوي، وثقه ابن حبان وعبيد الله سليمان، وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: لا بأس به، ووهاه ابن معين. وأما الضحاك بن مزاحم، فإنه أكثر الرواية عن ابن عباس، وهو لم يلقه. قال الحافظ في «تهذيب التهذيب» : وثقه أحمد ويحيى وأبو زرعة، قال أبو قتيبة عن شعبة، قلت لمشاش الضحاك سمع ابن عباس؟ قال: ما رآه قط. وقال سلمة بن قتيبة: عن شعبة حدثني عبد الملك بن ميسرة قال:
الضحاك لم يلق ابن عباس، إنما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير. وقال علي المديني قال يحيى بن سعيد:
كان الضحاك عندنا ضعيفا اهـ ملخصا. قلت: فمن هذا القبيل، يرد روايات منكرة في التفسير عن ابن عباس، فهي لا تصح عنه ولا تليق به، وإنما نسبت إليه عن طريق الكلبي والضحاك ومقاتل وغيرهما.
(4) زيد في نسخ المطبوع بعد لفظ «الأزدي» - ثنا- وهو خطأ من النساخ، فإن أبا معاذ، هو بكير كما سيأتي.
(5) يزيد بن صالح الفراء. ذكره الذهبي في «الميزان» (4/ 429) ، وقال: قال أبو حاتم: مجهول. قال الذهبي: قلت وثقه غيره اهـ. وشيخه بكير بن معروف هو أبو معاذ قال الذهبي (1/ 351) : وثقه بعضهم، وقال ابن المبارك: ارم به، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، ليس حديثه بالمنكر جدا اهـ. وشيخه مقاتل بن حيان، قال عنه الذهبي رحمه الله في «الميزان» (4/ 171) : كان عابدا كبير القدر، صاحب سنة وصدق، وثقه يحيى وأبو داود وغيرهما، وقال النسائي: لا بأس به، وقال الأزدي: سكتوا عنه. وقال ابن خزيمة: بعضهم كان يروي عن مقاتل بن سليمان- الآتي ذكره- فيوهم أنه ابن حيان، والله أعلم.
(6) وقع في الأصل «السقيطي» والتصويب عن «ط» وكتب التراجم.(1/52)
يَعْقُوبَ الْمَقْرِيُّ [1] أَبُو مُحَمَّدٍ قال: ثنا أَبِي [2] حَدَّثَنِي الْهُذَيْلُ [3] بْنُ حَبِيبٍ أَبُو صَالِحٍ الدَّنْدَانِيُّ [4] ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ [5] .
وَأَمَّا تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: قال: ثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، أَنَا أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بن مُبَارَكٍ الشَّعِيرِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ اللَّبَّادُ [6] ، ثَنَا عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ، عَنْ أسباط عن السُّدِّيِّ] .
وَمَا نَقَلْتُهُ عَنِ «الْمُبْتَدَأِ» لَوَهْبِ [8] بْنِ مُنَبِّهٍ، وَعَنِ الْمَغَازِي لمحمد بن إسحاق:
فَأَخْبَرَنِيهِ أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ، قَالَ: أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنِي أَبُو نعيم
__________
(1) زيد في المطبوع «هكذا المقري» .
(2) وقع في الأصل «أبو محمد» والمثبت عن «ط» .
(3) في الأصل «حدثني أبو الهذيل» والتصويب عن «ط» وكتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «الزيداني» والتصويب عن «ط» وكتب التراجم.
(5) تفسير مقاتل عامته بواطيل، وهو تفسير ساقط. قال الذهبي في «الميزان» (4/ 173) ما ملخصه: مقاتل بن سليمان المفسر أبو الحسن. قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره، لو كان ثقة. وقال وكيع: كان كذابا. وقال البخاري: قال ابن عيينة:
سمعت مقاتلا يقول: إن لم يخرج الدجال في سنة خمسين ومائة، فاعلموا أني كذاب. وقال النسائي: كان يكذب، وقال يحيى: ليس حديثه بشيء. وقال الجوزجاني: كان دجالا جسورا.
(6) وقع في الأصل «اليّاد» والتصويب عن «ط» وكتب التراجم.
(7) عمرو بن طلحة القناد، صدوق من رجال مسلم، وشيخه أسباط هو ابن نصر الهمداني، قال الذهبي في «الميزان» (1/ 175) ما ملخصه: وثقه ابن معين، وتوقف أحمد، وضعفه أبو نعيم، وقال النسائي: ليس بالقوي، وأما السدي، فهو إسماعيل بن عبد الرحمن، قال عنه الذهبي في «الميزان» (1/ 236) ما ملخصه: قال يحيى القطان: لا بأس به، وقال أحمد: ثقة، وقال ابن معين: في حديثه ضعف. وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال الفلاس عن ابن مهدي: ضعيف اهـ. باختصار.
(8) كتاب «المبتدأ» لوهب بن منبه، جميع ما فيه من الإسرائيليات، وهو يتكلم عن بدء خلق السموات والأرض والبشر والشجر وكل شيء. وعامة ما يرويه القصاص وأهل التفسير في بدء الخلق وقصة قابيل وهابيل وقصص نوح والأنبياء وغير ذلك، فإن مصدر ذلك كتاب «المبتدأ» لوهب بن منبه، وأخبار وكتب كعب الأحبار. مع أن وهب بن منبه ثقة في روايته لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم. حيث روى له الشيخان وغيرهما.
قال الذهبي في «الميزان» (4/ 352) ما ملخصه: أبو عبد الله اليماني، صاحب قصص، حديثه عن أخيه همام في الصحيحين، وكان ثقة صادقا، كثير النقل من كتب الإسرائيليات، وروى حماد بن سلمة عن أبي سنان سمعت وهب بن منبه يقول: كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعة وسبعين كتابا من كتب الأنبياء في كلها: من جعل لنفسه شيئا من المشيئة فقد كفر، فتركت قولي اهـ. باختصار. فهذا دليل على كثرة قراءته ومطالعته لكتب الإسرائيليات والأقدمين، وهي كتب محرفة مصحفة، زيد فيها الكثير، نسأل الله السلامة. ثم هذا الكتاب رواه عنه فيما ذكر المصنف عبد المنعم بن إدريس عن أبيه. وعبد المنعم هذا، ذكره الذهبي في «الميزان» (2/ 668) : مشهور قصاص، ليس يعتمد عليه، تركه غير واحد، وأفصح أحمد بن حنبل، فقال: كان يكذب على وهب بن منبه. وقال ابن حبان: يضع الحديث على أبيه وعلى غيره اهـ.
وقال ابن عدي في «الضعفاء» (5/ 337) : عبد المنعم بن إدريس، قال البخاري: ذاهب الحديث، قال ابن عدي:
صاحب أخبار بني إسرائيل كوهب بن منبه وغيره، لا يعرف بالأحاديث المسندة اهـ. وشيخه إدريس بن سنان، قال «الذهبي» (1/ 169) : سبط وهب بن منبه، ضعفه ابن عدي، وقال الدارقطني: متروك.(1/53)
عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ محمد بن إسحاق الأزهر [1] ابن أخت أبي عوانة] [2] ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ [3] بْنِ الْبَرَاءِ الْعَبْدِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ [4] إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ.
وَأَنَا [5] أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الْمَعْقِلِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، أَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ الْمَدَنِيِّ [6] .
وَأَنَا أَبُو سعيد الشريحي، قال: [أنبأنا] أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَقِيلٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو شُعَيْبِ [7] عبد الله بن الحسن الْحَرَّانِيُّ، أَنَا النُّفَيْلِيُّ [8] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
فَهَذِهِ أَسَانِيدُ أَكْثَرِ مَا نَقَلْتُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَهِيَ مَسْمُوعَةٌ مِنْ طُرُقٍ سِوَاهَا، تَرَكْتُ ذِكْرَهَا حَذَرًا مِنَ الْإِطَالَةِ، وَرُبَّمَا حكيت عنهم أو عن غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِينَ قَوْلًا سَمِعْتُهُ بِغَيْرِ هَذِهِ الْأَسَانِيدِ [أَذْكُرُ أَسَانِيدَ] بَعْضِهَا فِي مَوْضِعِهِ مِنَ الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى عزّ وجلّ.
ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ كَمَا أَنَّهُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِاتِّبَاعِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَحِفْظِ حُدُودِهِ، فَهُمْ مُتَعَبَّدُونَ بِتِلَاوَتِهِ وَحِفْظِ حُرُوفِهِ عَلَى سَنَنِ خَطِّ الْمُصْحَفِ. أعني [9] . الْإِمَامِ الَّذِي اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، وَأَنْ لَا يُجَاوِزُوا فِيمَا يُوَافِقُ الْخَطَّ عَمَّا قَرَأَ بِهِ الْقُرَّاءُ الْمَعْرُوفُونَ الَّذِينَ خَلَفُوا الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ، وَاتَّفَقَتِ الْأَئِمَّةُ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْكِتَابِ قِرَاءَاتِ [10]
مَنِ اشتهر منهم بالقراءات وَاخْتِيَارَاتِهِمْ، عَلَى مَا قَرَأْتُهُ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد بن علي المقرئ المروزي [رحمة الله عليه] [11] ، تِلَاوَةً وَرِوَايَةً، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ طَاهِرِ [12] بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ [13] ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مهران بإسناده المذكور، في
__________
(1) في الأصل «راهويه» بدل «الأزهر» والمثبت عن «الأنساب» للسمعاني (1/ 124) . [.....]
(2) انظر «تذكرة الحفاظ» 3/ 780 و «الأنساب» للسمعاني 1/ 124.
(3) وقع في الأصل «حمد» والتصويب عن «ط» و «تاريخ بغداد» (1/ 281) .
(4) تصحف في المطبوع «بني» .
(5) تحول الإمام البغوي هاهنا من الإسناد إلى كتاب «المبتدأ» إلى كتاب «مغازي ابن إسحاق» .
(6) هو مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ. قال الذهبي في «الميزان» في ترجمته (3/ 468- 475) ما ملخصه: وثقه غير واحد، ووهاه آخرون، وهو صالح الحديث، ما له عندي ذنب، إلا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة، والأشعار المكذوبة اهـ.
باختصار شديد. وبهذا يعلم أنه لا يحتج بما ينفرد به في المغازي والسير، ولكن إذا توبع على أصل، علمنا أنه من صالح حديثه كما قال الذهبي رحمه الله، وإلا فهو من مناكيره، والله تعالى أعلم.
(7) وقع في كافة النسخ «أَبُو شُعَيْبِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ» بزيادة «بن» بعد لفظ «شعيب» وهو خطأ، والتصويب عن «الميزان» (2/ 406/ 4266) ، قال الذهبي رحمه الله: عبد الله بن الحسن، أبو شعيب الحراني، معمّر، صدوق اهـ. باختصار.
(8) وقع في الأصل «النقيلي» وهو خطأ ظاهر، والنفيلي: هو عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي بن نفيل، ثقة روى له البخاري وغيره.
راجع «التهذيب» (6/ 15) . وشيخه محمد بن سلمة هو ابن عبد الله الباهلي الحراني، ثقة روى له مسلم وغيره، راجع «تهذيب الكمال» (25/ 289) .
(9) ليس في «ط» .
(10) في الأصل «قراءة» ، والمثبت عن «ط» .
(11) في «ط» «رحمه الله» .
(12) وقع في الأصل «ظاهر» والمثبت عن «ط» والنسخة بهامش الخازن.
(13) في الأصل «الصرفي» وهو تصحيف.(1/54)
كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِكِتَابِ «الْغَايَةِ» [1] ، وَهُمْ: أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيَّانِ، وَأَبُو مَعْبَدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ الدَّارِيُّ الْمَكِّيُّ، وَأَبُو عِمْرَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الشَّامِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو زبان بن العلاء المازني العطار، وَأَبُو مُحَمَّدٍ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ الْبَصْرِيَّانِ، وَأَبُو بَكْرٍ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ الْأَسَدِيُّ، وَأَبُو عُمَارَةَ حَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الزَّيَّاتُ، وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْكِسَائِيُّ الْكُوفِيُّونَ.
فَأَمَّا أَبُو جَعْفَرٍ فَإِنَّهُ أَخَذَ الْقِرَاءَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وغيرهما، وهم قرؤوا عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَأَمَّا نَافِعٌ فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي جعفر القاري، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ [وَشَيْبَةَ بْنِ نِصَاحٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التابعين الذين قرؤوا عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] وَقَالَ الْأَعْرَجُ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى أبيّ بن كَعْبٍ، وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَى المغيرة بن أبي شِهَابٍ [3] الْمَخْزُومِيِّ، وَقَرَأَ الْمُغِيرَةُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ.
وَأَمَّا عَاصِمٌ فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدٍ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] ، قَالَ عاصم: فكنت أَرْجِعُ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَقْرَأُ عَلَى زِرِّ [4] بْنِ حُبَيْشٍ، وَكَانَ زِرٌّ قَدْ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
وَأَمَّا حَمْزَةُ، فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وسليمان بن مهران الْأَعْمَشِ وَحُمْرَانَ [5] بْنِ أَعْيَنَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَرَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ علي، وقرأ سليمان بن [مهران] [6] الْأَعْمَشُ عَلَى يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ، وَقَرَأَ يَحْيَى عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَرَأَ حُمْرَانُ على أبي الأسود الدئلي، وقرأ أبو الأسود عَلَى عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ.
وَأَمَّا الْكِسَائِيُّ، فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ، وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَإِنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي الْمُنْذِرِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخُرَاسَانِيِّ، وَقَرَأَ سَلَّامٌ عَلَى عَاصِمٍ، فَذَكَرْتُ قراءة هَؤُلَاءِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى جَوَازِ الْقِرَاءَةِ بِهَا. وَمَا ذَكَرْتُ مِنْ أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ عَلَى وِفَاقِ آيَةٍ أَوْ بَيَانِ حُكْمٍ، فَإِنَّ الْكِتَابَ يُطْلَبُ بَيَانُهُ مِنَ السُّنَّةِ، وَعَلَيْهِمَا مَدَارُ الشَّرْعِ وَأُمُورُ الدِّينِ، فَهِيَ مِنَ الْكُتُبِ الْمَسْمُوعَةِ لِلْحُفَّاظِ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَأَعْرَضْتُ عَنْ ذكر المناكير
__________
(1) وقع في الأصل «العناية» ، وهو خطأ والتصويب عن «ط» .
(2) ما بين المعقوفتين، مستدرك من «ط» . وانظر «البدور الزاهرة» (ص 6) . [.....]
(3) وقع في الأصل «شعاب» والتصويب عن «الثقات لابن حبان» (5/ 409) ، و «تهذيب التهذيب» (5/ 240) ، وسقط ذكر «أبي» من نسخة «ط» أي وقع فيها «المغيرة بن شهاب المخزومي» .
(4) وقع في الأصل «ذرّ» وهو تصحيف ظاهر، والتصويب عن كتب التراجم.
(5) وقع في الأصل «عمران» ، وهو تصحيف من النساخ، والتصويب عن «ط» وكتب التراجم.
(6) زيادة عن كتب التراجم.(1/55)
وَمَا لَا يَلِيقُ بِحَالِ التَّفْسِيرِ [1] ، فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُبَارَكًا عَلَى مَنْ أَرَادَهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
(فَصْلٌ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ)
«4» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عُثْمَانَ. قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «خَيْرُكُمْ من تعلم القرآن وعلّمه» صَحِيحٌ [أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ] [2] عَنِ الْحَجَّاجِ بن منهال عن شعبة.
__________
(1) هذا في أكثر الأحيان، لكن لا يخلو أيضا من بعض الروايات الغريبة والمنكرة، ولكن إذا ما قورن ذلك بتفسير آخر، فهي قليلة نسبيا، والله أعلم، وسيتم بعون الله تعالى التنبيه على ذلك في مواضعه، والله أعلم.
(2) زيد في المطبوع.
4- صحيح. علي بن الجعد، روى له البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج أمير المؤمنين في الحديث، أبو عبد الرحمن السلمي هو عبد الله بن حبيب، وعثمان هو ابن عفان- رضي الله عنه-.
وهو في «شرح السنة» (1167) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق علي بن الجعد، وهو في «مسنده» (1/ 385- 386) عن شعبة به، ومن طريق علي بن الجعد أخرجه الآجري في «حملة القرآن» 15 وأبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (42) .
- وأخرجه البخاري (5027) وأبو داود (1452) والترمذي (2907) والنسائي في فضائل القرآن (61) وابن أبي شيبة (10/ 502) وأحمد (1/ 58) والدارمي (2/ 437) والطيالسي 73 وابن حبان 118 وابن الضريس في «فضائل القرآن» (132 و133) وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 19) والفريابي في «فضائل القرآن» (11 و12) وابن الأعرابي في «المعجم» (1/ 392) وتمام الرازي في «الفوائد» (4/ 104) وأبو نعيم في «الحلية» (4/ 193- 194) من طريق شعبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 199 والنسائي في «فضائله» 62 وأحمد (1/ 69) والفريابي في «فضائل القرآن» 13 ومحمد بن نصر المروزي في «قيام الليل» (ص 157) والقضاعي في «مسند الشهاب» (1240) والخطيب في «تاريخ بغداد» (4/ 302) وأبو نعيم في «الحلية» (8/ 384) وأبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (43) والبيهقي في «الشعب» (5/ 164) من طرق عن يحيى القطان عن شعبة وسفيان عن علقمة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (5028) والترمذي (2908) وابن ماجه (212) وأحمد (1/ 57) وعبد الرزاق (5995) والنسائي في «فضائل القرآن» (63) ومحمد بن سحنون في «آداب المعلمين» (ص 69) وأبو يعلى الخليلي في «الإرشاد» (2/ 551- 552) والبيهقي في «الشعب» (4/ 489) عن سفيان الثوري عن علقمة به.
- وأخرجه أبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 33- 34) والبيهقي في «الشعب» (4/ 490) من طريق عمرو بن قيس عن علقمة به.
وأخرجه البيهقي في «الاعتقاد» (ص 101) واللالكائي في «أصول الاعتقاد» (2/ 338) من طريق الجراح بن الضحاك عن علقمة به.
- وفي الباب من حديث علي عند الترمذي (2911) وابن أبي شيبة (10/ 503) وابن الضريس (136) والفريابي (19) والآجري في «حملة القرآن» (16) والذهبي في «معجم الشيوخ» (1/ 439) و (2/ 196) والدارمي (2/ 437) وأبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (38) ، وإسناده ضعيف.
- ومن حديث سعد عند ابن ماجه (201) والدارمي (2/ 437) والعقيلي (1/ 218) وابن الضريس (135) وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 26) والآجري في «أخلاق حملة القرآن» (17) وإسناده ضعيف.(1/56)
«5» أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ]
الشَّاشِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الكشي [2] ، ثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمْزَةَ الزَّيَّاتَ عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنِ الْحَارِثِ الأعور، قال:
__________
5- إسناده ضعيف لضعف الحارث، وهو ابن عبد الله الأعور الهمذاني، ضعفه غير واحد، واتهمه الشعبي، وله علة ثانية: ابن أخي الحارث الأعور. لم يسم، قال عنه في «التقريب» مجهول، وله علة ثالثة: أبو المختار هو الطائي: قال الذهبي في «الميزان» (4/ 571) : قال ابن المديني لا يعرف، وقال أبو زرعة: لا أعرفه. قال الذهبي: حديثه في فضائل القرآن العزيز، منكر اهـ. ومراده هذا الحديث، وقد ورد من طرق أخر عن الحارث الأعور، وله شاهد من حديث أبي سعيد وابن مسعود، كما سيأتي، وكلاهما ضعيف وقد رجح ابن كثير وغيره الوقف فيه، والله أعلم.
وهو في «شرح السنة» (1176) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي (2906) وابن أبي شيبة (10/ 482) والدارمي (2/ 435) والبزار في «مسنده» (3/ 71/ 72) والفريابي في «فضائل القرآن» (81) وأبو بكر الأنباري في «إيضاح الوقف والابتداء» (1/ 5- 6) ومحمد بن نصر المروزي في «قيام الليل» (ص 157) ويحيى بن الحسين الشجري في «الأمالي» (1/ 91) والبيهقي في «الشعب» (4/ 496- 497) من طرق عن حمزة الزيات بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات، وإسناده مجهول، وفي حديث الحارث مقال اهـ.
- وورد من طريق سعيد بن سنان البرجمي عن عمرو بن مرة عن سعيد بن فيروز عن الحارث الأعور به. عند الدارمي (2/ 435- 436) والفريابي في «فضائل القرآن» (79) والبزار (3/ 70- 71) وأبو الفضل الرازي (35) .
- وأخرجه أحمد (1/ 91) وأبو يعلى (1/ 302- 303) والبزار (3/ 70) من طريق ابن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي عن الحارث به.
- وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (8/ 321) من طريق أبي هاشم عمن سمع عليا ... وهذا إسناد ضعيف.
وقال الحافظ ابن كثير في «فضائل القرآن» (ص 17- 18) بعد أن ذكر هذه الروايات وتكلم عليها: وقصارى هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي- رضي الله عنه- وقد وهم بعضهم في رفعه، وهو كلام حسن صحيح. اهـ.
- وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 21) وابن الضريس (58) والحاكم (1/ 555) والآجري في «أخلاق حملة القرآن» (11) وابن حبان في «المجروحين» (1/ 100) وأبو الشيخ في «طبقات أصبهان» (4/ 252) وأبو الفضل الرازي (30) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 278) وابن الجوزي في «العلل» (1/ 101- 102) ويحيى بن الحسين الشجري في «الأمالي» (1/ 88) والبيهقي في «الشعب» (4/ 550) .
وإسناده ضعيف فيه إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو لين الحديث والحديث صححه الحاكم وقال الذهبي: إبراهيم بن مسلم ضعيف اهـ.
وقال ابن الجوزي: يشبه أن يكون من كلام ابن مسعود اهـ.
وقال ابن كثير: وهذا غريب من هذا الوجه، وإبراهيم بن مسلم، وهو أحد التابعين، ولكن تكلموا فيه كثيرا، وقال أبو حاتم الرازي: لين ليس بالقوي.
وقال أبو الفتح الأزدي: رفّاع كثير الوهم. قال ابن كثير: فيحتمل- والله أعلم- أن يكون وهم في رفع هذا الحديث، وإنما هو من كلام ابن مسعود، ولكن له شاهد من وجه آخر والله أعلم اهـ.
- والموقوف على ابن مسعود أخرجه الدارمي (2/ 431) والطبراني في «الكبير» (9/ 139) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 272) وأبو الفضل الرازي (31 و32) والبيهقي في «الشعب» (4/ 549) .
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه الطبري (7570) وفيه عطية العوفي، وهو ضعيف. والأشبه في هذه الأحاديث كونها موقوفة على هؤلاء الصحابة- رضي الله عنهم أجمعين- وقد أنكر الذهبيّ رحمه الله هذا الحديث في كونه مرفوعا، وصوب ابن كثير فيه الوقف، وهو الراجح، والله أعلم.
(1) في الأصل «حزيم» والتصويب «شرح السنة» و «ط» .
(2) في الأصل «الشاشي» والتصويب عن «شرح السنة» و «تهذيب التهذيب» . (6/ 402) .(1/57)
مَرَرْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ [بْنِ أَبِي طَالِبٍ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ؟ قَالَ: أو قد فَعَلُوهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ:
أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فتنة، فقلت: فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا تَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لم تنته الجن- أي لم يتوقفوا في قبوله، وأنه كلام الله تعالى إِذْ سَمِعَتْهُ- حَتَّى قَالُوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن: 1. 2] مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» ، خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ.
قَالَ أَبُو عيسى: هذا [حديث] لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوجه، وإسناده مجهول، والحرث فِيهِ مَقَالٌ، «6» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ [السَّمْعَانِيُّ] ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ [1] ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ لَهِيعَةَ يَقُولُ: ثَنَا مِشْرَحُ بْنُ هَاعَانَ [2] قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «لو كان القرآن
__________
6- الراجح وقفه. إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، واسمه عبد الله، وسبب وهنه، أنه احترقت كتبه ثم اختلط بعد ذلك، لكن حسن حديثه غير واحد إن كان من رواية أحد العبادلة عنه، وهذا الحديث قد رواه عنه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِي عند الطحاوي وغيره كما سيأتي، وفيه مشرح بن هاعان مقبول.
- وهو في «شرح السنة» (1175) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (4/ 151 و155) وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 22- 23) وابن عدي (1/ 469) والفريابي (1) و (2) والطبراني في «الكبير» (17/ 309- 310) والطحاوي في «المشكل» (906) وأبو الشيخ في «طبقات أصبهان» (3/ 594- 595) وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» (2/ 323) وتمام الرازي في «الفوائد» (4/ 97) والبيهقي في «الشعب» (5/ 618) وابن الجوزي في «الحدائق» (1/ 498) من طرق عن ابن لهيعة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (4/ 155) والدارمي (2/ 430) وأبو يعلى (1745) والطحاوي في «المشكل» (906) وأبو الفضل الرازي (125) والفريابي (3) والشجري في «الأمالي» (1/ 120) من طرق عن أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يزيد المقرئ عن ابن لهيعة بهذا الإسناد.
وأبو عبد الرحمن المقرئ سمع من ابن لهيعة قبل الاختلاط فروايته عنه صحيحة، والله أعلم. في قول الحافظ عبد الغني بن سعيد وغير واحد، وضعف روايته آخرون، سواء كان قبل الاختلاط وبعده، وهو الصواب راجع «الميزان» وغيره.
- وله شاهد من حديث سهل بن سعد أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (2/ 148) وابن عدي في «الكامل» (1/ 32 و5/ 295) وإسناد ضعيف جدا فيه عبد الوهاب بن الضحاك، وهو متروك.
- ومن حديث عصمة بن مالك أخرجه الطبراني في «الكبير» (17/ 178) وابن عدي (6/ 14) والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/ 618) وإسناده ضعيف لضعف الفضل بن المختار. قال ابن عدي: أحاديثه منكرة عامتها لا يتابع عليها اهـ. قلت: ومما يدل على وهن الحديث هو مناقضته للحسن والمشاهدة، فقد ورد عن عثمان أنه جمع الناس على الأم، وحرق ما سواه من المصاحف. ولعل الراجح كونه من كلام عبد الله بن عمرو بن العاص، وأحسن منه ما رواه مسلم (2865) في حديث طويل «وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظان» والمراد هنا أنه محفوظ في الصدور بحفظ الله تعالى.
(1) في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «الأنساب» و «شرح السنة» .
(2) في الأصل «مسرح بن عاهان» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج والتراجم.(1/58)
فِي إِهَابٍ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ» . قِيلَ مَعْنَاهُ: مَنْ حَمَلَ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
«7» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنَا أبو جعفر الرَّيَّانِيُّ [1] ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ [2] أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ مَأْدُبَةُ اللَّهِ، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدُبَتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حَبْلُ اللَّهِ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ وَالشِّفَاءُ النَّافِعُ، وَعِصْمَةٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَنَجَاةٌ لِمَنْ تَبِعَهُ، لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبُ، وَلَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمُ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَاتْلُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْجُرُكُمْ عَلَى تِلَاوَتِهِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: الم [حَرْفٌ] ولكن الألف واللام والميم.
رواه بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا.
«8» أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ أبي أحمد بن مقوية، أَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بن محمد بن علي الحسني الْحَرَّانِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْآجُرِّيُّ [3] ، ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّنْدَلِيِّ [4] ، ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْهَجَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ.
«9» أَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ [مُحَمَّدٍ] الْقَاضِي، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ بْنِ محمد بن
__________
7- موقوف، ومع ذلك فيه إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو لين الحديث، قال ابن عدي في «الكامل» (1/ 216) : وأحاديثه عامتها مستقيمة المعنى، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ الله، وهو عندي ممكن يكتب حديثه اهـ.
وقد تقدم تخريجه عند رقم: 5. [.....]
(1) في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف.
(2) في الأصل «عوف» والتصويب عن «ط» وعن كتب التراجم.
8- ضعيف. فيه إبراهيم بن مسلم الهجري، قال عنه الحافظ في «التقريب» : لين الحديث، رفع موقوفات اهـ. فالظاهر أنه وهم فيه حيث رفعه.
رواه المصنف من طريق الآجري، وهو عنده في «أخلاق حملة القرآن» (11) عن أبي الفضل الصندلي بهذا الإسناد.
وانظر ما تقدم عند رقم: 5.
(3) في الأصل «الأجدي» والتصويب عن «ط» وعن كتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «الصدلي» والتصويب عن «ط» وكتب التراجم.
9- إسناده صحيح، إبراهيم بن سعد فمن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى نافع بن عبد الحارث، فقد روى له مسلم وأصحاب السنن، وروى له البخاري في «التاريخ» وهو صحابي كما في «التقريب» (7076) .
وهو في «شرح السنة» (1179) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (817) وابن ماجه (218) وأحمد (1/ 25) والدارمي (2/ 443) وابن حبان (772) وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 40- 41) والبيهقي (3/ 89) من طريق معمر.
- وأخرجه أبو يعلى (210) من طريق الحسن بن مسلم أن عمر بن الخطاب استعمل ابن عبد الحارث ... فذكره وإسناده منقطع.
- وأخرجه أبو عبيد (ص 41) من طريق شعيب بن أبي حمزة عن ابن شهاب الزهري بهذا الإسناد موقوفا على عمر. وخالفه مسلم فرواه عن شعيب به مرفوعا، وكرره أبو عبيد من طريق أبي الطفيل أن نافع بن عبد الحارث كان على مكة ...
فذكره ولم يرفعه.
- وأخرجه أبو يعلى (211) من طريق حبيب بن أبي ثابت أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب.... فذكره موقوفا على عمر.(1/59)
بَامُوَيْهِ [1] الْأَصْبِهَانِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى الْقَاضِي الزُّهْرِيُّ بِمَكَّةَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ الصَّائِغُ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ، ثَنَا إبراهيم بن سعيد عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ [2] أَبِي الطُّفَيْلِ، أَنَّ نَافِعَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِعُسْفَانَ، وَكَانَ عُمَرُ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَنِ اسْتَخْلَفْتَ عَلَى أَهْلِ الْوَادِي؟ قَالَ: اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْهِمُ ابْنَ أَبْزَى، قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا، قَالَ عُمَرُ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ رَجُلٌ قارئ القرآن عالم بالفرائض قاض بالكتاب، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إن الله يَرْفَعُ بِالْقُرْآنِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ» .
صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زهير بن حرب. أنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ إبراهيم بن سعد الترابي.
«10» أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، أَنَا جَرِيرٌ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ» .
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حديث حسن صَحِيحٌ.
«11» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنَا أبو جعفر الرَّيَّانِيُّ [3] ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ،
__________
- وأخرجه الأزرقي في «تاريخ مكة» (1/ 152) وأبو الفضل الرازي (63) من طريق داود بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ معمر يحدث عن الزهري به.... فذكره موقوفا على عمر. وخالفه عبد الرزاق فرواه عن معمر به مرفوعا، ومن طريق عبد الرزاق، أخرجه ابن حبان (772) وغيره، فقد رفعه ثلاثة ثقات من أصحاب الزهري، فلا يضرهم مخالفة من خالفهم، والله أعلم.
10- إسناده ضعيف، رجاله ثقات سوى قابوس بن أبي ظبيان، فقد ضعفه غير واحد، وقال ابن حبان: ينفرد عن أبيه بما لا أصل له. راجع «الميزان» 3/ 367.
وهو في «شرح السنة» (1180) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي (2913) وأحمد (2/ 426) والحاكم (1/ 554) (2037) والدارمي (2/ 429) من طرق عن جرير بهذا الإسناد، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: قابوس لين. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح!
(1) في الأصل «ناموية» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(2) وقع في الأصل «وائلة بن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(3) في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «الأنساب» وعن «شرح السنة» وعن «ط» .
11- جيد بطرقه وشواهده. إسناده ضعيف لضعف عبيد الله بن أبي حميد. قال الذهبي في «الميزان» (3/ 5) : يروي عن أبي المليح الهذلي، ضعفه محمد بن المثنى، وقال البخاري منكر الحديث، وقال النسائي متروك اهـ. لكن تابعه غير واحد كما سيأتي.
وأخرجه الطيالسي (1012) وأحمد (4/ 107) والطبري (126) والطبراني في «الكبير» (22/ 185 و186) والطحاوي في «المشكل» (1379) من طرق عن عمران القطان عن قتادة عن أبي المليح بهذا الإسناد. وهذا إسناد حسن في الشواهد.
وقال الهيثمي في «المجمع» (7/ 46) : رواه أحمد، وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه النسائي، وغيره، وباقي رجاله ثقات اهـ. وقد توبع.
- فقد أخرجه الطبراني (22/ 187) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح به، وإسناده ضعيف لضعف سعيد بن بشير الأزدي الشامي. ضعفه الجمهور ووثقه شعبة ودحيم لكن تابعه عمران القطان عند أحمد وغيره كما تقدم.(1/60)
أَنَا أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا سعدان [1] بن يحيى ثنا عبيد اللَّهِ [2] بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أبي الْمَلِيحِ [3] الْهُذَلِيِّ عَنْ وَاثِلَةَ [4] بْنِ الأسقع [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُعْطِيتُ مَكَانَ التَّوْرَاةِ السَّبْعَ الطول [5] ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ الْمِئِينَ، وَأُعْطِيتُ مَكَانَ الزَّبُورِ الْمَثَانِيَ، وَأُعْطِيتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمَ الْبَقَرَةِ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ لَمْ يُعْطَهَا نَبِيٌّ قَبْلِي، وَأَعْطَانِي رَبِّي الْمُفَصَّلَ نَافِلَةً» ، غَرِيبٌ.
(فَصْلٌ فِي فَضَائِلِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ)
«12» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [6] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، ثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى [7] عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمَاهِرِ بِالْقُرْآنِ مَثَلُ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يقرأه وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ» ، صَحِيحٌ. وَقَالَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ: «الَّذِي يَقْرَأُ [القرآن] وهو ماهر به مع السّفرة
__________
- وأخرجه الطبري (129) من طريق لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ أبي بردة عن أبي المليح عن واثلة.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة عند الطبراني في «الكبير» (8003) وفي إسناده ليث بن أبي سليم قال عنه الهيثمي في «المجمع» (11626) : وقد ضعفه جماعة، ويعتبر بحديثه..
- وله شاهد آخر عن أبي قلابة مرسل أخرجه الطبري (127) وابن الضريس في «فضائل القرآن» (157 و299) وإسناده صحيح، فهو مرسل قوي.
- وآخر عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ مرسلا أخرجه أبو عبيد في «فضائله» (ص 120) .
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
(1) في الأصل «سعد: أن ابن يحيى» والتصويب عن «ط» و «تهذيب الكمال» للمزي (11/ 107) . [.....]
(2) في الأصل «عبد الله» والتصويب عن «تهذيب التهذيب» لابن حجر و «تهذيب الكمال» للمزي.
(3) في الأصل «الحاكم» والتصويب عن كتب التخريج والتراجم.
(4) في الأصل «وائلة» والتصويب عن كتب التراجم وكتب التخريج.
12- إسناده صحيح على شرط البخاري، تفرد البخاري عن علي بن الجعد دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
شعبة هو ابن الحجاج.
وهو في «شرح السنة» 1168) بهذا الإسناد.
وهو في مسند علي بن الجعد (1/ 505) عن شعبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (4937) ومسلم (798) وأبو داود (1454) والترمذي (2904) والنسائي في «فضائل القرآن» (70) وابن ماجه (3779) وعبد الرزاق (6016) وابن أبي شيبة (10/ 490) وأحمد (6/ 48 و98 و170) و (239 و266) والدارمي (2/ 444) وإسحاق بن راهويه (3/ 709) وابن الضريس (29 و30 و35) وأبو عبيد (ص 38) وابن عبد البر في «التمهيد» (14/ 134) والفريابي في «فضائل القرآن» (3 و4) وتمام الرازي في «الفوائد» (4/ 96) والخطيب في «تاريخه» (1/ 261) والشجري في «الأمالي» (1/ 72- 73) والبيهقي (2/ 395) من طرق عن قتادة به.
- وأخرجه مسلم (798) وأبو داود (1454) والترمذي (2904) والطيالسي (1499) وأحمد (6/ 48 و192 و239) والدارمي (2/ 444) وابن أبي شيبة (10/ 490) وأبو الفضل الرازي (98) والبغوي (1169) من طرق عن هشام الدستوائي بهذا الإسناد.
(5) في المطبوع «الطوال» .
(6) زيد في الأصل «أنا» بين «أبو محمد» و «عبد الرحمن» .
(7) وقع في الأصل «ذراره بن أبي أوفي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.(1/61)
الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ» [1] .
«13» أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ [الْمُزَنِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ] [2] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، ثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ، ثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، ثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌّ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَلَا طَعْمَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا» .
صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ.
«14» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [3] ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ. يَعْنِي ابْنَ بَهْدَلَةَ عَنْ زِرٍّ [4] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [5] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قال: «يقال يعني لصاحب القرآن اقرأ وارق وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تقرؤها» .
__________
(1) تقدم تخريجه في الذي قبله.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومن «ط» .
13- إسناده صحيح، عفان هو ابن مسلم الباهلي وقتادة هو ابن دعامة السدوسي، وأنس هو ابن مالك رضي الله عنه، وعفان فمن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» (1170) بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (5020 و5059 و5427 و7560) ومسلم (797) وأبو داود (4830) والترمذي (2865) والنسائي (8/ 124 و125) وفي «فضائل القرآن» (106 و107) وابن ماجه (214) وعبد الرزاق (20933) وابن أبي شيبة (10/ 529 و530) وأحمد (4/ 403 و404 و408) وعبد بن حميد في «المنتخب» (ص 198) وابن حبان (770 و771) وأبو الشيخ في «الأمثال» (318) وأبو الفضل الرازي في «فضائله» (92) والرامهرمزي في «الأمثال» (87) وتمام الرازي في «فوائده» (4/ 95) والذهبي في «معجم الشيوخ» (2/ 28) من طرق عن قتادة به.
(3) في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «شرح السنة» و «تهذيب الكمال» 7/ 394.
(4) في الأصل «ذر» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(5) في الأصل «عمر» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
14- صحيح. إسناده حسن لأجل عاصم بن بهدلة، فإنه صدوق يخطئ، أبو نعيم هو الفضل بن دكين الحافظ، وسفيان هو الثوري، وزرّ هو ابن حبيش تابعي كبير، والثلاثة من رجال البخاري ومسلم، وحميد بن زنجويه، ثقة ثبت.
- وهو في «شرح السنة» 1173 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1464 والترمذي 2914 وابن أبي شيبة 10/ 498 وأحمد (2/ 192) وابن حبان (766) والحاكم (1/ 552- 553) والبيهقي (2/ 53) والفريابي في «فضائل القرآن» (60) وأبو عبيد في «فضائله» (ص 37) والآجري في «أخلاق حملة القرآن» (9 و10) وحمزة السمهي في «تاريخ جرجان» (ص 139) وأبو جعفر النحاس في «القطع الائتناف» (ص 85) ومحمد بن نصر المروزي في «قيام الليل» (ص 154) وابن الضريس (111) وأبو الفضل الرازي في «فضائله» (133) من طرق عن عاصم بن بهدلة بهذا الإسناد. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه ابن ماجه (3780) وأحمد (3/ 40) وفي إسناده عطية العوفي، وهو ضعيف، لكن يصلح للاعتبار بحديثه. [.....](1/62)
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ.
«15» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أنا أبو جعفر الرَّيَّانِيُّ [1] ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، ثَنَا النَّضِرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ [أَبِي] [2] كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَّامٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي شافعا لأصحابه، اقرؤوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا يَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ [3] أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا، اقرؤوا الْبَقَرَةَ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حسرة ولا تستطيعها الْبَطَلَةُ» [4] . صَحِيحٌ.
«16» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أنا أبو جعفر الرَّيَّانِيُّ [5] ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ،
__________
15- إسناده صحيح، حميد بن زنجويه ثقة، وكذا من دونه، والنضر بن شميل فمن فوقه رجال البخاري ومسلم خلا أبي سلام، فإنه من رجال مسلم، واسمه ممطور. هشام هو ابن عبد الله الدّستوائي، بفتح الدال مع التشديد.
وهو في «شرح السنة» (87) بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (5/ 249 و257) من طريق هشام الدستوائي بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (804) وأحمد (5/ 249 و254- 255) والطبراني (7543) وابن حبان (116) والحاكم (1/ 564) والبيهقي (2/ 395) والدارمي (2/ 450- 451) والفريابي (26) والحاكم (1/ 564) من طرق عن أبي سلام به.
- وأخرجه عبد الرزاق وأحمد (5/ 251) والطبراني في «الكبير» (8118) من طريق مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثير عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن عن أبي أمامة به.
- وله شاهد من حديث عقبة بن عامر أخرجه أبو داود (1456) وأحمد (4/ 154) وآخر من حديث بريدة وهو الآتي.
1 في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومن «ط» .
(3) قال المصنف في «شرح السنة» (3/ 19) : قال أبو عبيد: الغياية: كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه مثل السحابة والغبرة.
اهـ.
الفرقان والحزقان بمعناهما واحد، وهما قطيعان وجماعتان.
طير صواف: هي من الطيور التي تبسط أجنحتها في الهواء.
تحاجان: تدافعان.
(4) البطلة: السحرة.
5 في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف.
16- إسناده ليّن لأجل بشير بن المهاجر الغنوي، وهو أحد رجال مسلم الذين تكلم فيهم. قال عنه الحافظ في «التقريب» :
صدوق لين الحديث. وقال الذهبي في «الميزان» (1/ 329) وثقه ابن معين وغيره، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أحمد: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال ابن عدي: فيه بعض الضعف اهـ. وبقية رجاله رجال البخاري ومسلم. أبو نعيم هو الفضل بن دكين.
وهو في «شرح السنة» (1185) بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه (3781) وأحمد (5/ 348 و352 و361) والدارمي (2/ 450) وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 36- 37) وابن أبي شيبة (10/ 492- 493) والبزار (3/ 86- 87) وابن الضريس في «فضائل القرآن» (99) والآجري في «أخلاق حملة القرآن» (24) والعقيلي في «الضعفاء» (1/ 144) والحاكم (1/ 556 و560 و567) والمروزي في «قيام الليل» (ص 148- 149) والبيهقي في «الشعب» (4/ 552) وأبو الفضل الرازي (130) وابن الجوزي في «الحدائق» (1/ 500) من طرق عن بشير بن المهاجر به مطوّلا ومختصرا.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (11633) وقال: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح اهـ.
وقال البوصيري في «الزوائد» إسناده صحيح رجاله ثقات اهـ.
ولصدره شاهد من حديث النواس بن سمعان عند مسلم (805) وأحمد (4/ 183) وآخر من حديث ابن عباس عند(1/63)
ثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا بَشِيرُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْغَنَوِيُّ [1] ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْتُهُ يقول: «تعلّموا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وتركها حسرة ولا تستطيعها الْبَطَلَةُ» ، ثُمَّ سَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلَ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ [2] وَإِنَّهُمَا تُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ غَيَايَتَانِ أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَّافَّ، وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَأْتِي صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أعرفك فيقول له: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك بالهواجر وأسهرت ليلتك، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تجارته [3] ، وإني لك [4] اليوم مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ وَيُكْسَى والداه حلّتين لا يقوم لأحدهما [5] أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ لَهُمَا: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ، ثُمَّ يُقَالُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا فَهُوَ في صعود ما دام يَقْرَأُ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا» ، غَرِيبٌ.
«17» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنَا أبو جعفر الرَّيَّانِيُّ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ، ثنا أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ [6] ، ثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ، ومن قرأ آية من
__________
الطبراني (11844) وفيه عاصم بن هلال البارقي وثقه أبو حاتم وغيره وضعفه ابن معين وغيره.
ولعجزه شاهد من حديث أبي أمامة عند الطبراني في «الكبير» (8119) والشجري في «الأمالي» (1/ 82- 83) وأبو الفضل الرازي (122) وابن الضريس في «فضائل القرآن» (92) وإسناده ضعيف.
وآخر من حديث سهل بن معاذ عن أبيه أخرجه أبو داود (1453) والحاكم (1/ 567) والآجري (22) وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: زبّان ليس بالقوي اهـ. وانظر الحديث الآتي برقم: [19-.
- وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة عند الترمذي 2915 والحاكم (1/ 552) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وأخرجه أبو عبيد (ص 35- 36) موقوفا على أبي هريرة.
الخلاصة: حديث الباب فيه لين لأجل بشير الغنوي، لكن توبع على أكثر ألفاظ الحديث كما ترى، فأصل الحديث، والله أعلم.
(1) في الأصل «العنوي» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وكتب التراجم.
(2) في المطبوع: الزهراوين. وهو تصحيف.
(3) كذا وقع في الأصل، وأما في «فضائل القرآن» لأبي عبيد (ص 36- 37) قوله: «وإني اليوم من وراء كل تجارة» وجاء في «فضائل القرآن» لأبي الفضل الرازي (130) «وأنا اليوم لك من وراء كل تجارة» .
(4) في المطبوع «وإنك» .
(5) في المطبوع «لهما» .
(6) في الأصل «عباس» والتصويب عن «ط» وكتب التراجم. [.....]
17- ضعيف.
إسناده ضعيف، له علتان: إسماعيل بن عياش روايته عن غير أهل بلده ضعيفة، وشيخه كوفي، فهذه علة، والثانية:
ضعف ليث بن أبي سليم، فإنه اختلط، فلم يتميز حديثه، فترك، كما في «التقريب» . وبقية رجال الإسناد ثقات، أبو أيوب هو سليمان بن أيوب الدمشقي، وورد من طريق أخرى بسند ضعيف جدا. أخرجه أحمد (2/ 341) من طريق الحسن عن أبي هريرة مرفوعا.
قال الهيثمي في «المجمع» (7/ 162) (11650) : فيه عباد بن ميسرة ضعفه أحمد وغيره، ووثقه يحيى في رواية وضعفه في أخرى، ووثقه ابن حبان اهـ. وله علة ثانية وهي: الانقطاع. الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة، وقد أجاد الحافظ العراقي في «الإحياء» (1/ 280) إذ قال: فيه ضعف وانقطاع اهـ.
الخلاصة: هو حديث ضعيف لضعف إسناديه، والثاني ضعيف جدا، ثم إن المتن غريب.(1/64)
كِتَابِ اللَّهِ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
«18» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْكُوفِيُّ، أَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [1] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلَاثَ خَلِفَاتٍ [2] عظام سمان؟» قلنا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: «فَثَلَاثُ آيَاتٍ يَقْرَؤُهُنَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثِ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ» . صَحِيحٌ.
«19» أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [3] ، ثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ ثَنَا أَبُو الْأَسْوَدِ ثَنَا ابْنُ لهيعه عَنْ زَبَّانَ هُوَ ابْنُ فائد عَنْ سَهْلٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ الْجُهَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَحْكَمَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسُ وَالِدَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تاجا ضوؤه أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهِ؟» .
«20» أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصفار
__________
18- صحيح. إبراهيم بن عبد الله ثقة، وقد توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، وكيع هو ابن الجراح، والأعمش هو سليمان بن مهران، وأبو صالح اسمه ذكوان.
وهو في «شرح السنة» (1172) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو الفضل الرازي في «فضائل القرآن» (102) عن أبي طاهر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (802) وابن ماجه (3827) وابن أبي شيبة (10/ 503) وأحمد (2/ 497) ومحمد بن نصر المروزي في «قيام الليل» (ص 116) والفريابي في «فضائل القرآن» (69 و70) والدارمي (2/ 310) والبيهقي في «الشعب» (5/ 191) من طرق عن وكيع بهذا الإسناد.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) الخلفة: الحامل من الإبل إلى أن يمضي عليها نصف أمدها ثم هي عشار.
(3) في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب» و «تهذيب الكمال» .
19- إسناده ضعيف. فهو مسلسل بالضعفاء: ابن لهيعة هو عبد الله، وزبان بن فائد وشيخه سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، ثلاثتهم ضعفاء، وقد ورد بهذه السلسلة مناكير كثيرة. لكن تقدم برقم (18) لصدره شاهد، والوهن في عجزه فحسب، والله أعلم.
وهو في «شرح السنة» (1174) بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود (1453) وأحمد (3/ 440) وأبو يعلى (1493) والحاكم (1/ 567) والآجري في «أخلاق حملة القرآن» (22) وابن عبد البر في «التمهيد» (14/ 134) وأبو الفضل الرازي في «فضائله» (68) والبيهقي في «الشعب» (4/ 506- 507) من طرق عن زبّان بن فائد به، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: زبّان ليس بالقوي اهـ. وقال الذهبي في «الميزان» (2/ 65) في زبّان بن فائد: ضعفه ابن معين وقال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال أبو حاتم: صالح. وقال الذهبي في سهل بن معاذ (2/ 241) : ضعفه ابن معين، وقال ابن حبان: لا أدري أوقع التخليط منه أو من صاحبه زبان.
20- حديث قوي بمجموع طرقه وشواهده، إسناده ضعيف. له علتان: الأولى: فيه راو لم يسم، والثانية: خيثمة هو ابن أبي خيثمة، قال الذهبي في «الميزان» (1/ 669) ، روى عن الحسن، روى عنه الأعمش، قال ابن معين: ليس بشيء.
وذكره ابن حبان في الثقات اهـ.
والقول فيه قول ابن معين، وهو غير خيثمة بن عبد الرحمن كما نبه عليه الترمذي ونقله المصنف، فذلك ثقة.
وهو في «شرح السنة» (1178) بهذا الإسناد. لكن وقع عنده «خيثمة بن عبد الرحمن» ، وهو خطأ.
وأخرجه الترمذي (2917) وابن أبي شيبة، (1/ 480) وأحمد (4/ 432- 433 و136 و139 و445) والآجري في(1/65)
ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [1] ، ثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ [2] عَنْ رَجُلٍ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ يَقْرَأُ عَلَى قَوْمٍ، فَلَمَّا قَرَأَ، سَأَلَ، فَقَالَ عِمْرَانُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرؤون الْقُرْآنَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ بِهِ» .
رَوَاهُ أَبُو عِيسَى عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حصين، قَالَ: وَقَالَ [3] مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ:
هُوَ خَيْثَمَةُ الْبَصَرِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، وَلَيْسَ هُوَ خَيْثَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
(فَصْلٌ فِي وَعِيدِ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ)
«21» أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ [4] الشَّاشِيُّ، ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ [5] بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا الثوري عن
__________
«أخلاق حملة القرآن» (41 و42) من طرق عن الأعمش بعضهم يقول عن خيثمة أو عن رجل، وبعضهم عن خيثمة عن الحسن، ثم إن الحسن عن عمران منقطع.
- وأخرجه أبو الفضل الرازي 78 من طريق موسى بن أعين عن إدريس الكوفي عن منصور عن رجل به.
- وللحديث شواهد كثيرة منها:
- حديث سهل بن سعد الساعدي أخرجه أبو داود (831) وأبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص 106) وابن حبان (760) والطبراني (6024) من طريق وفاء بن شريح الحضرمي به وإسناده لين وفاء بن شريح، مقبول، لكن يصلح للاعتبار بحديثه.
وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» (813) والطبراني (6021 و6022) وأبو عبيد (ص 106) والآجري (29) من طريق موسى بن عبيدة الربذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدَةَ عن سهل مرفوعا. وفيه موسى الربذي وهو ضعيف.
- وحديث جابر أخرجه أبو داود (830) والآجري (28) وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن أبي شيبة (10/ 480) عن ابن المنكدر مرسلا.
- وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد (18/ 28) وأبو عبيد (ص 106) والبغوي في «شرح السنة» (1177) وإسناده ضعيف.
وأحاديث النهي عن أخذ الأجر على تعليم القرآن كثيرة انظر «فضائل القرآن» لأبي عبيد (ص 105- 108) .
الخلاصة: هو حديث يرقى بمجموع طرقه وشواهده إلى درجة الحسن الصحيح. وهو من أعلام النبوة فإن كثيرا من القراء في أيامنا سواء على الموتى أو الأعراس في البلاد الشامية والمصرية، يتأكلون به.
(1) في الأصل «البولي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتاب «الأنساب» .
(2) في الأصل «حثيمة» والتصويب «ط» وعن «شرح السنة» و «سنن الترمذي» .
21- الراجح وقفه. إسناده ضعيف لضعف عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، ضعفه أحمد، وتركه ابن مهدي والقطان، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، ربما رفع الحديث، وربما وقفه. وهذا الحديث من هذا القبيل حيث اضطرب في رفعه ووقفه كما سيأتي، وخولف حيث رواه غيره موقوفا.
وهو في «شرح السنة» (118) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «تفسيره» (2) من طريق الثوري بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2951 والنسائي في «الكبرى» (8084 و8085) وأحمد 1/ 269 والطبري 73 والبغوي 119 من طرق الثوري به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح! وانظر ما بعده.
(3) كذا في النسخ والمخطوط وإحدى نسخ «الشرح السنة» ، وفي «سنن الترمذي» و «شرح السنة» : «وقال محمود» يعني ابن غيلان.
(4) وقع في الأصل «حزيم» والتصويب عن «تهذيب الكمال» و «تبصير المنتبه» (2/ 528) وغيرهما.
(5) وقع في الأصل «عبيد» وهو تصحيف. [.....](1/66)
عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .
«22» أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُظَفَّرِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ [بْنُ مُحَمَّدِ] [1] بْنِ الْفَضْلِ الْفَقِيهُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ [الْحَسَنِ] الْبَصْرِيُّ، ثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، ثَنَا أَبُو عوانه عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .
«23» أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمُّوَيْهِ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ، أَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، ثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ ثَنَا سُهَيْلٌ أَخُو حَزْمٍ القطعي، ثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ» ، غَرِيبٌ.
وَسُئِلَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَفاكِهَةً وَأَبًّا [عَبَسَ: 31] ، فَقَالَ: وَأَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا أَعْلَمُ؟! وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
لَا تَفْقَهُ كُلَّ الْفِقْهِ حَتَّى تَرَى لِلْقُرْآنِ وُجُوهًا كَثِيرَةً، قَالَ حَمَّادٌ: قُلْتُ لِأَيُّوبَ: مَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ فَجَعَلَ يَتَفَكَّرُ [2] ، فَقُلْتُ: هُوَ أَنْ تَرَى لَهُ وُجُوهًا فَتَهَابَ الْإِقْدَامَ عليه، فقال: هو ذاك.
قال الشيخ [3] الإمام [أبو محمد] [4] رَحِمَهُ اللَّهُ: قَدْ جَاءَ الْوَعِيدُ فِي حَقِّ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ وَذَلِكَ فِيمَنْ قَالَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ، فَأَمَّا التَّأْوِيلُ وَهُوَ صَرْفُ الْآيَةِ إِلَى مَعْنًى مُحْتَمَلٍ موافق ما قبلها
__________
22- ضعيف. والراجح وقفه، إسناده ضعيف لضعف عبد الأعلى كما تقدم.
وقد رواه موقوفا أيضا، وهذا اضطراب منه، وتابعه على رواية الوقف ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف أيضا، لكن يرجح الوقف.
- وهو في «شرح السنة» (117) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2952 وأحمد 1/ 293 و323 و327 والدارمي 1/ 76 وأبو يعلى 2338 من طرق عن أبي عوانة به، وحسنه الترمذي! وكذا البغوي! - وأخرجه الطبري (76) عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مرقوفا. لم يرفعه وكرره (77) من طريق آخر موقوفا على ابن عباس أيضا، وهو أمثل إسنادا من المرفوع.
الخلاصة: هو حديث ضعيف، تفرد به عبد الأعلى، والصواب موقوف، والله أعلم.
23- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف سهيل بن أبي حزم، ويقال: أخو حزم القطعي. جزم الحافظ في «التقريب» بقوله:
ضعيف. وقال البخاري: لم يصح حديثه. أبو عمران اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدي.
وهو في «شرح السنة» (120) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 2952 عن عبد بن حميد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 3652 والنسائي في «الكبرى» (8086) والطبري (80) وابن عدي في «الكامل» (3/ 450) من طريق سهيل بن أبي حزم به. وأعله به، ومع ضعفه حديثه هذا غريب جدا، وقد استغربه المصنف.
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» و «ط» .
(2) في المخطوط- أ- «يفكر» .
(3) في المطبوع وب- «شيخنا» والمثبت عن- أ.
(4) سقط من المطبوع.(1/67)
وَمَا بَعْدَهَا غَيْرِ مُخَالِفٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ فَقَدْ رُخِّصَ فِيهِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ، أَمَّا التَّفْسِيرُ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي أَسْبَابِ نُزُولِ الْآيَةِ وَشَأْنِهَا وَقِصَّتِهَا، فَلَا يَجُوزُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ مِنْ طَرِيقِ النَّقْلِ، وَأَصْلُ التَّفْسِيرِ مِنَ التَّفْسِرَةِ، وَهِيَ الدَّلِيلُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي يَنْظُرُ فِيهِ الطَّبِيبُ فَيَكْشِفُ عَنْ عِلَّةِ الْمَرِيضِ، كَذَلِكَ الْمُفَسِّرُ يَكْشِفُ عَنْ شَأْنِ الْآيَةِ وَقِصَّتِهَا، وَاشْتِقَاقُ التَّأْوِيلِ: مِنَ الْأَوْلِ وهو الرجوع، يقال: أوّلته فأوّل، أَيْ:
صَرَفَتْهُ فَانْصَرَفَ.
«24» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الْهَيْثَمِ التُّرَابِيُّ [1] أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ الْحَدَّادِيُّ أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يحيى
__________
(1) وقع في الأصل «البراني» والتصويب عن «ط» .
24- صدره صحيح، خرجه الشيخان من غير هذا الوجه، وأما لفظ «لكل آية ... » فغريب جدا، والإسناد ضعيف. مغيرة بن مقسم، مدلس وقد عنعن، وجرير بن عبد الحميد تغير حفظ بأخرة، والوهن فقط في عجره.
- وأخرجه الطحاوي في «المشكل» (3095) من طريق جرير بن عبد الحميد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 5149 من طريق المغيرة بن مقسم بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبري 10 من طريق جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حَيَّانَ عمن ذكره عن أبي الأحوص به.
وهذا اضطراب حيث هاهنا فيه راو لم يسمّ.
- وأخرجه ابن حبان 750 من طريق محمد بن عجلان عن أبي إسحاق الهمداني عن أبي الأحوص به. والهمداني إن كان عمرو بن عبد الله السبيعي، فهو ثقة، لكنه مدلس، وقد عنعن وإن كان الهجري، فهو ضعيف. وهو الراجح كونه الهجري، والوهم من أحد رواة ابن حبان.
- وأخرجه الطبري 11 من طريق أبي إسحاق الهجري عن أبي الأحوص به وأبو إسحاق الهجري هو إبراهيم بن مسلم، وفيه لين.
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» (10090) والبزار 2312 والطحاوي في «المشكل» (3077) من طريق محمد بن عجلان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص به، ولم يذكروا أبا إسحاق إلا أن البزار قال عقب روايته: لم يروه هكذا غير الهجري، ولا روى ابن عجلان عن الهجري غيره، ولا نعلمه من طريق ابن عجلان إلا من هذا الوجه اهـ.
وقال الهيثمي في «المجمع» (7/ 152) (11579) : رواه البزار، وأبو يعلى في «الكبير» ، وفي رواية عنده «لكل حرف منها بطن وظهر» .
والطبراني في «الأوسط» باختصار آخره، ورجال أبي يعلى ثقات، ورواية البزار عن محمد بن عجلان عن أبي إسحاق قال في آخرها: لم يرو محمد بن عجلان عن إبراهيم الهجري غير هذا الحديث. قلت: ومحمد بن عجلان إنما روى عن أبي إسحاق السبيعي، فإن كان هو أبا إسحاق السبيعي، فرجال البزار أيضا ثقات اهـ. قلت: لا يليق هذا الحديث بأبي إسحاق السّبيعي، ولو كان عنده لرواه عنه الثقات، لأنه محدث أهل الكوفة، وقد روى له الأئمة الستة، وهو مكثر.
- وأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص (43) عن حجاج عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن مرسلا ومن طريق أبي عبيد أخرجه البغوي في «شرح السنة» (122) ولفظه «ما أنزل الله تعالى آية إلا لها ظهر وبطن، وكل حرف حد، وكل حد مطلع» .
ورواية البغوي « ... ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع» . وهذا مرسل، ومع إرساله علي بن زيد ضعيف.
- وأخرجه أبو عبيد أيضا ص 42 عن حجاج عن المبارك بن فضالة عن الحسن مرسلا. ومرسلات الحسن واهية، لأنه يروي عن كل أحد كما هو مقرر في كتب المصطلح.
الخلاصة: أما صدره، فصحيح، رواه الجماعة عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم، وكذا رواه غير واحد بدون عجزه، وأما عجزه، فغريب، بل هو منكر، ويكفي في غرابته هو أنه لم يروه أحد من الأئمة الستة، والإسناد الأول ضعيف جرير تغير حفظه، ومغيرة مدلس، وقد عنعن، ثم قد روي عن واصل عن رجل لم يسم عن أبي الأحوص كذا رواه الطبري وتقدم. وأما الطريق الثاني: فمداره على أبي إسحاق، وهو الهجري وهو ضعيف ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما. ولا يصح كونه أبي إسحاق السبيعي الهمداني، وقد أخطأ أحد رجال ابن حبان فجعله الهمداني،(1/68)
أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، ثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ وَاصِلِ بْنِ حيان، عن ابن [أبي] [1] الهذيل عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لِكُلِّ آيَةٍ مِنْهَا ظَهْرٌ وَبَطْنٌ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ» ، وَيُرْوَى: «لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ، وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ» [2] .
وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، قِيلَ: الظَّهْرُ لَفْظُ الْقُرْآنِ، وَالْبَطْنُ تَأْوِيلُهُ، وَقِيلَ: الظَّهْرُ مَا حَدَّثَ عَنْ أَقْوَامٍ أَنَّهُمْ عَصَوْا فَعُوقِبُوا، فَهُوَ فِي الظَّاهِرِ خَبَرٌ وَبَاطِنُهُ عِظَةٌ وَتَحْذِيرٌ أَنْ يَفْعَلَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا فعلوا فيحلّ به مثل مَا حَلَّ بِهِمْ، وَقِيلَ: مَعْنَى الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ التِّلَاوَةُ وَالتَّفَهُّمُ، يَقُولُ: لِكُلِّ آيَةٍ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنْ تقرأها كما نزلت [3] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا
[الْمُزَّمِّلِ: 4] ، وَبَاطِنٌ وَهُوَ التَّدَبُّرُ وَالتَّفَكُّرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29] ، ثُمَّ التِّلَاوَةُ تَكُونُ بِالتَّعَلُّمِ، [وَالْحِفْظِ بِالدَّرْسِ] [4] ، وَالتَّفَهُّمُ يَكُونُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَتَعْظِيمِ الْحُرْمَةِ، وَطِيبِ الطعمه، وَقَوْلُهُ: «لِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ» أَرَادَ به: لَهُ [5] حَدٌّ فِي التِّلَاوَةِ وَالتَّفْسِيرِ لَا يُجَاوَزُ، فَفِي التِّلَاوَةِ لَا يُجَاوِزُ الْمُصْحَفَ وَفِي التَّفْسِيرِ لَا يُجَاوِزُ الْمَسْمُوعَ، وَقَوْلُهُ:
«لِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ» ، أَيْ: مِصْعَدٌ يُصْعَدُ إِلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَةِ عِلْمِهِ، وَيُقَالُ: الْمَطْلَعُ الْفَهْمُ، وَقَدْ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى الْمُدَبِّرِ وَالْمُتَفَكِّرِ فِي التَّأْوِيلِ وَالْمَعَانِي ما لا يفتحه [6] عَلَى غَيْرِهِ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي علم عليم، وما توفيقي إلا الله العزيز الحكيم.
__________
وقد صرح البزار بأن محمد بن عجلان روى هذا الحديث الواحد عن أبي إسحاق الهجري، والقول قول البزار، فهو أحد الأئمة الأثبات في معرفة علل الحديث، وكتابه مليء بذكر فوائد في العلل وبيانها. ولا يبعد كون لفظ «لكل آية ... » مدرج من كلام الهجري أو أبي الأحوص، والله أعلم.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من كتب التراجم ومن مصادر التخريج.
(2) هذه الرواية اللبغوي في «شرح السنة» (122) عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الحسن، وهو مرسل، ومع إرساله علي بن زيد ضعيف.
وهذه الزيادة منكرة، والله تعالى أعلم.
(3) في المطبوع «أنزلت» .
(4) زيد في المطبوع.
(5) في المطبوع «من» . [.....]
(6) في المطبوع «يفتح» .(1/69)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
1- سورة الْفَاتِحَةِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ مَعْرُوفَةٌ: فاتحة الكتاب، وَأُمُّ الْقُرْآنِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، سميت فاتحة الكتاب لأنه تعالى بها افتتح القرآن، و [سميت] [1] أم القرآن [2] : لِأَنَّهَا أَصْلُ الْقُرْآنِ، مِنْهَا بُدِئَ الْقُرْآنُ، وَأَمُّ الشَّيْءِ أصله، وَيُقَالُ لِمَكَّةَ: أُمُّ الْقُرَى، لِأَنَّهَا أَصْلُ الْبِلَادِ، دُحِيَتِ [3] الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهَا، وَقِيلَ: لِأَنَّهَا مُقَدِّمَةٌ وَإِمَامٌ لِمَا يَتْلُوهَا مِنَ السُّوَرِ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا في الصحف وَبِقِرَاءَتِهَا [4] فِي الصَّلَاةِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي: لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَسُمِّيَتْ مَثَانِيَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ، فَتُقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتْ مَثَانِيَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَاهَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فدخرها لَهُمْ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَدَنِيَّةٌ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ مَثَانِيَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَّ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الْحِجْرِ:
87] ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَسُورَةُ الْحِجْرِ مَكِّيَّةٌ، فَلَمْ يَكُنْ يَمُنُّ عليه بها قبل نزولها.
[سورة الفاتحة (1) : آيَةً 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
قوله: بِسْمِ اللَّهِ الباء زائدة تَخْفِضُ [5] مَا بَعْدَهَا، مِثْلَ مِنْ وَعَنْ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ [الْبَاءُ] [6] مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، تَقْدِيرُهُ: أَبْدَأُ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ، وَأُسْقِطَتِ الْأَلِفُ مِنَ الِاسْمِ طلبا للخفة لكثرة اسْتِعْمَالِهَا، وَطُوِّلَتِ الْبَاءُ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ: ليكون افتتاح [7] كِتَابِ اللَّهِ بِحَرْفٍ مُعَظَّمٍ.
كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ لِكُتَّابِهِ: طَوِّلُوا الْبَاءَ وَأَظْهِرُوا السِّينَ وَفَرِّجُوا بَيْنَهُمَا وَدَوِّرُوا الميم تعظيما لكتاب الله عزّ وجلّ.
وَقِيلَ: لَمَّا أَسْقَطُوا الْأَلِفَ رَدُّوا طُولَ الْأَلِفِ عَلَى الْبَاءِ لِيَكُونَ دَالًّا عَلَى سُقُوطِ الْأَلِفِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا كُتِبَتِ [8] الْأَلِفُ فِي: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [الْعَلَقِ: 1] رُدِّتِ الْبَاءُ إِلَى صِيغَتِهَا، وَلَا تحذف [9] الألف إذا أضيف
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «الكتاب» .
(3) دحا الله الأرض دحوا: بسطها.
(4) في المخطوط «أ» «ويقرأ بها» .
(5) في المطبوع «يخفض» .
(6) سقط من المطبوع.
(7) في المطبوع زيد «كلام» بعد لفظ «افتتاح» .
(8) في المطبوع «كتب» .
(9) في المطبوع «يحذف» .(1/70)
الِاسْمُ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ وَلَا مَعَ غَيْرِ الْبَاءِ، وَالِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى وَعَيْنُهُ وَذَاتُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى [مَرْيَمَ: 7] ، أَخْبَرَ أَنَّ اسْمَهُ يَحْيَى ثُمَّ نَادَى الِاسْمَ فَقَالَ: يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ [مريم: 12] ، وَقَالَ: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها [يُوسُفَ: 40] وَأَرَادَ [بالأسماء] [1] الْأَشْخَاصَ الْمَعْبُودَةَ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْمُسَمَّيَاتِ وَقَالَ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ [الأعلى: 1] ، وتَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ [الرحمن: 78] ثُمَّ يُقَالُ لِلتَّسْمِيَةِ أَيْضًا اسْمٌ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي التَّسْمِيَةِ أَكْثَرُ مِنَ الْمُسَمَّى، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى التَّسْمِيَةِ مِنَ اللَّهِ لِنَفْسِهِ؟ قِيلَ: هو تعليم للعباد كيف يستفتحون الْقِرَاءَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِهِ، قَالَ الْمُبَرِّدُ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ:
هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ، فَكَأَنَّهُ عَلَا عَلَى مَعْنَاهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ وصار معناه [لا] [2] تَحْتَهُ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ: هو [مشتق] [3] مِنَ الْوَسْمِ وَالسِّمَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ وكأنه علامة لمعناه وعلامة للمسمى، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ يُصَغَّرُ عَلَى سمي، ولو كان من السمت لَكَانَ يُصَغَّرُ عَلَى الْوُسَيْمِ كَمَا يُقَالُ فِي الْوَعْدِ وُعَيْدٌ، وَيُقَالُ فِي تَصْرِيفِهِ: سَمَّيْتُ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْوَسْمِ لَقِيلَ: وَسَمْتُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهِ قَالَ الْخَلِيلُ وَجَمَاعَةٌ: هُوَ اسْمُ عَلَمٍ خَاصٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا اشْتِقَاقَ لَهُ كَأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ لِلْعِبَادِ، مِثْلَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُوَ مُشْتَقٌّ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِهِ فَقِيلَ: مِنْ أَلَهَ إِلَاهَةً أَيْ: عَبَدَ عِبَادَةً، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما «ويذرك وإلا هتك [4] » أي: عبادتك معناه أنه المستحق لِلْعِبَادَةِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ إِلَهٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ [الْمُؤْمِنُونَ: 91] ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ قَوْلِ الْعَرَبِ:
أَلَهْتُ إِلَى فُلَانٍ أَيْ سَكَنْتُ إِلَيْهِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلَهْتُ إِلَيْهَا وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ [5] فَكَأَنَّ الْخَلْقَ يَسْكُنُونَ إِلَيْهِ وَيَطْمَئِنُّونَ بِذِكْرِهِ، يقال: أَلَهْتُ إِلَيْهِ أَيْ: فَزِعْتُ إِلَيْهِ، وقال الشَّاعِرُ:
أَلَهْتُ إِلَيْهَا وَالرَّكَائِبُ وُقَّفٌ [6] وَقِيلَ: أَصْلُ الْإِلَهِ وِلَاهٌ، فَأُبْدِلَتِ الْوَاوُ بِالْهَمْزَةِ مِثْلَ وِشَاحٍ وَإِشَاحٍ، اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْوَلَهِ لِأَنَّ الْعِبَادَ يَوْلَهُونَ إِلَيْهِ، أَيْ يَفْزَعُونَ إِلَيْهِ في الشدائد ويلجؤون إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ كَمَا يَوْلَهُ كُلُّ طِفْلٍ إِلَى أُمِّهِ، وَقِيلَ:
هُوَ مِنَ الْوَلَهِ وَهُوَ ذَهَابُ الْعَقْلِ لِفَقْدِ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْكَ.
قَوْلُهُ: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِمَا، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ مِثْلَ نَدْمَانٍ وَنَدِيمٍ، وَمَعْنَاهُمَا ذُو الرَّحْمَةِ، وَذِكْرُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ تَطْمِيعًا لِقُلُوبِ الرَّاغِبِينَ، وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ إِنْعَامٌ بَعْدَ إِنْعَامٍ وَتَفَضُّلٌ بَعْدَ تَفَضُّلٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فقال: للرحمن معنى العموم، وللرحيم معنى الْخُصُوصِ، فَالرَّحْمَنُ بِمَعْنَى الرَّزَّاقِ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ لِكَافَّةِ الخلق، والرحيم بمعنى العافي [7] فِي الْآخِرَةِ وَالْعَفْوُ فِي الْآخِرَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْخُصُوصِ.
وَلِذَلِكَ قِيلَ فِي الدُّعَاءِ: يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَرَحِيمَ الْآخِرَةِ، فَالرَّحْمَنُ مَنْ تَصِلُ رحمته إلى الخلق على
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع.
(3) سقط من المطبوع.
(4) قراءة حفص ورسم المصحف وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: 127] . [.....]
(5) ذكره ابن منظور في «اللسان» ولم ينسبه لأحد وفيه «إلينا» بدل «إليها» .
(6) هو في «اللسان» بدون نسبة.
(7) في المطبوع «المعافى» .(1/71)
الْعُمُومِ، وَالرَّحِيمُ مَنْ تَصِلُ رَحْمَتُهُ إِلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلِذَلِكَ يُدْعَى غَيْرُ اللَّهِ رَحِيمًا وَلَا يُدْعَى [غير الله] [1] رحمانا، فَالرَّحْمَنُ عَامُّ الْمَعْنَى خَاصُّ اللَّفْظِ، وَالرَّحِيمُ عَامُّ اللَّفْظِ خَاصُّ الْمَعْنَى، والرحمة إرادة الله الْخَيْرَ لِأَهْلِهِ، وَقِيلَ: هِيَ تَرْكُ عُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا وَإِسْدَاءُ الْخَيْرِ إِلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، فَهِيَ عَلَى الْأَوَّلِ صِفَةُ ذَاتٍ وَعَلَى الثَّانِي صِفَةُ فِعْلٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي آيَةِ التَّسْمِيَةِ فَذَهَبَ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَفُقَهَاءُ الْكُوفَةِ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَلَا مِنْ غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ وَالِافْتِتَاحُ بِهَا لِلتَّيَمُّنِ وَالتَّبَرُّكِ، وَذَهَبَ قُرَّاءُ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ إلى أنها [ليست] [2] مِنَ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ سَائِرِ السور، وإنما [3] كُتِبَتْ لِلْفَصْلِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ إِلَّا سُورَةَ التَّوْبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ [4] ، لِأَنَّهَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّ سَائِرِ الْقُرْآنِ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ فَالْآيَةُ الْأُولَى عِنْدَ مَنْ يَعُدُّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَابْتِدَاءُ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ صِرَاطَ الَّذِينَ، وَمَنْ لَمْ يَعُدَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ قَالَ ابْتِدَاؤُهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَابْتِدَاءُ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ، وَاحْتَجَّ مَنْ جَعَلَهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَمِنَ السُّوَرِ بِأَنَّهَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا:
«25» أَخْبَرَنَا [أَبُو الْحَسَنِ] عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ، أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بن يعقوب الأصم، وأنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ عَنِ ابْنِ جريج أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير:
وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) [الْحِجْرِ: 87] . هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ قَالَ أَبِي: وَقَرَأَهَا عَلَيَّ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ حَتَّى خَتَمَهَا ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْآيَةُ السَّابِعَةُ، قَالَ سَعِيدٌ: قرأها عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا قَرَأْتُهَا عَلَيْكَ ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْآيَةُ السَّابِعَةُ، قَالَ ابن عباس: فادخرها [5] لَكُمْ فَمَا أَخْرَجَهَا لِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ.
وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ، احْتَجَّ بِمَا:
«26» ثَنَا أَبُو الْحَسَنِ محمد بن محمد الشيرزي [6] أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو
__________
25- موقوف، فيه عبد المجيد، وهو ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رُوَّادٍ، ضعفه قوم ووثقه آخرون.
هو في «شرح السنة» (581) بهذا الإسناد، ومثل هذا الإسناد لا يحتج به في مثل هذه المواطن.
26- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بكر حميد بن أبي حميد.
وهو في «شرح السنة» (584) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 399 ومالك 1/ 81.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع.
(3) في المطبوع «فإنما» .
(4) زيد في المطبوع «في قول» .
(5) في المطبوع «فذخرها» .
(6) في الأصل «الشيرازي» والتصويب عن «الأنساب» و «شرح السنة» (584) .(1/72)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
مُصْعَبٍ [عَنْ مَالِكٍ] [1] عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: قُمْتُ وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وعثمان بن عفان كلهم [كَانَ لَا يَقْرَأُ] [2] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ.
ع «27» قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يعرف ختم السورة حتى نزلت [3] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَعَنِ ابن عباس [4] قَالَ: كُنَّا لَا نَعْلَمُ فَصْلَ ما بين السورتين حتى تنزل بسم الله الرحمن الرحيم.
ع «28» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْتُبُ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ عَلَى رَسْمِ قُرَيْشٍ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ حَتَّى نَزَلَتْ [5] وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها [هود: 41] ، فكتب باسم اللَّهِ حَتَّى نَزَلَتْ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الْإِسْرَاءِ: 110] ، فَكَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ حَتَّى نزلت آية إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) [النَّمْلِ: 30] فَكَتَبَ مثلها.
[سورة الفاتحة (1) : الآيات 2 الى 3]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ لَفْظُهُ خَبَرٌ كَأَنَّهُ يُخْبِرُ أَنَّ]
الْمُسْتَحِقَّ لِلْحَمْدِ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفِيهِ تَعْلِيمُ الْخَلْقِ، تَقْدِيرَهُ: قُولُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْحَمْدُ يَكُونُ بِمَعْنَى الشُّكْرِ عَلَى النِّعْمَةِ وَيَكُونُ بِمَعْنَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ، يُقَالُ حَمِدْتُ فُلَانًا عَلَى ما أسدى إليّ من نعمة، وَحَمِدْتُهُ عَلَى عِلْمِهِ وَشَجَاعَتِهِ، وَالشُّكْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى النِّعْمَةِ، والحمد أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ إِذْ لَا يُقَالُ: شَكَرْتُ فُلَانًا عَلَى عِلْمِهِ، فَكُلُّ حَامِدٍ شَاكِرٌ وَلَيْسَ كُلُّ شَاكِرٍ حَامِدًا، وَقِيلَ: الْحَمْدُ بِاللِّسَانِ قَوْلًا وَالشُّكْرُ بِالْأَرْكَانِ فِعْلًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً [الْإِسْرَاءِ: 111] ، وَقَالَ: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: 13] ، يعني: اعملوا الأعمال لأجل الشكر، فشكرا مفعولا له وانتصب باعملوا.
قَوْلُهُ: لِلَّهِ اللَّامُ فِيهِ لِلِاسْتِحْقَاقِ كَمَا يُقَالُ الدَّارُ لِزَيْدٍ قَوْلُهُ: رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) ، فَالرَّبُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الْمَالِكِ كَمَا يُقَالُ لِمَالِكِ الدَّارِ: رَبُّ الدَّارِ، وَيُقَالُ: رَبُّ الشَّيْءِ إِذَا مَلَكَهُ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى التَّرْبِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ يُقَالُ: رَبَّ فلان الصنعة [7] يَرُبُّهَا إِذَا أَتَمَّهَا وَأَصْلَحَهَا، فَهُوَ رَبٌّ مِثْلَ طَبَّ وَبَرَّ، فَاللَّهُ تَعَالَى مَالِكُ الْعَالَمِينَ وَمُرَبِّيهِمْ، وَلَا يُقَالُ لِلْمَخْلُوقِ: هُوَ الرَّبُّ مُعَرَّفًا، إِنَّمَا يُقَالُ: رَبُّ كَذَا مُضَافًا، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلتَّعْمِيمِ، وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْكُلَّ، وَالْعَالَمِينَ: جَمْعُ عالم [والعالم جَمْعٌ] [8] لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لفظه، واختلفوا في العالمين.
__________
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب التخريج.
(2) ما بين المعقوفتين في الأصل «كانوا لا يقرؤون» والتصويب عن «الموطأ» و «صحيح مسلم» و «شرح السنة» .
(3) في المطبوع «ينزل» . [.....]
(4) في المطبوع «مسعود» .
(5) في المطبوع «نزل» .
(6) في المطبوع «عن» بدل «أن» .
(7) في المطبوع «الضيعة» .
(8) زيد في المطبوع.
27- ع أخرجه أبو داود 788 والحاكم 1/ 231 عن ابن عباس به، وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وله علة فقد كرره الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس، وصدره «كان المسلمون لا يعلمون ... » ليس فيه ذَكَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، وهو أقرب، وإسناده صحيح والله أعلم. وانظر «تفسير الشوكاني» (22) بتخريجي.
28- ع يأتي في سورة النمل: [30) إن شاء الله تعالى.(1/73)
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْجِنُّ والإنس، لأنهم مكلفون بِالْخِطَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الْفُرْقَانِ: 1] : وَقَالَ قَتَادَةُ ومجاهد والحسن: جميع المخلوقين، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا [الشعراء: 23. 24] ، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَلَامَةِ، سُمُّوا بِهِ لِظُهُورِ أَثَرِ الصَّنْعَةِ فِيهِمْ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ [1] : هُمْ أَرْبَعُ أُمَمٍ: الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْعِلْمِ، وَلَا يُقَالُ للبهائم: عالم لأنها [لا تعلم و] [2] لَا تَعْقِلُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَبْلَغِهِمْ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ [3] : لِلَّهِ أَلْفُ عَالَمٍ سِتُّمِائَةٍ فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُمِائَةٍ فِي الْبَرِّ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لِلَّهِ ثَمَانُونَ أَلْفَ عَالَمٍ، أَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَحْرِ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا فِي الْبَرِّ، وَقَالَ وَهْبٌ:
لِلَّهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَالَمٍ، الدُّنْيَا عَالَمٌ مِنْهَا وَمَا الْعُمْرَانُ فِي الْخَرَابِ إِلَّا كَفُسْطَاطٍ [4] فِي صَحْرَاءَ، وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: ولا يُحْصِي عَدَدَ الْعَالَمِينَ أَحَدٌ إِلَّا الله، قال: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: 31] .
[سورة الفاتحة (1) : آية 4]
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
قَوْلُهُ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ، قَرَأَ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ مالِكِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ «مَلِكِ» قَالَ قَوْمٌ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ مِثْلَ فَرِهِينَ وَفَارِهِينَ وَحَذِرِينَ وحاذرين، ومعناهما الربّ، [كما] [5] يُقَالُ:
رَبُّ الدَّارِ وَمَالِكُهَا، وَقِيلَ: المالك [6] هُوَ الْقَادِرُ عَلَى اخْتِرَاعِ الْأَعْيَانِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: «مَالِكٌ» أَجْمَعُ وأوسع لأنه يقال: مالك العبيد [7] وَالطَّيْرِ وَالدَّوَابِّ، وَلَا يُقَالُ مَلِكُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مالك لِشَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَقَدْ يَكُونُ مَلِكَ الشَّيْءَ وَلَا يَمْلِكُهُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: مَلِكُ أَوْلَى لِأَنَّ كل ملك ملك، وليس كل ملك مَلِكًا، وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِسَائِرِ الْقُرْآنِ، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [المؤمنون: 116] والْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [الحشر: 23] ومَلِكِ النَّاسِ (2) [النَّاسِ: 2] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَاضِي يوم الحساب، [قال مجاهد: والدين: الْحِسَابُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم: 30] أي الحساب المستقيم] [8] ، وقال قتادة: الدين [الحساب] [9] ، وَيَقَعُ عَلَى الْجَزَاءِ فِي الْخَيْرِ والشر جميعا، كما يُقَالُ: كَمَا تَدِينُ تُدَانُ.
قَالَ محمد بن كعب القرظي: مالك [10] يَوْمٍ لَا يَنْفَعُ فِيهِ إِلَّا الدّين، وقال يمان بن رئاب: الدِّينُ الْقَهْرُ، يُقَالُ دِنْتُهُ فَدَانَ، أَيْ: قَهَرَتْهُ فَذَلَّ، وَقِيلَ: الدِّينُ الطَّاعَةُ، أَيْ: يَوْمَ الطَّاعَةِ، وَإِنَّمَا خَصَّ يَوْمَ الدِّينِ بِالذِّكْرِ مَعَ كَوْنِهِ مَالِكًا لِلْأَيَّامِ كُلِّهَا لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ يَوْمَئِذٍ زَائِلَةٌ فَلَا مُلْكَ وَلَا أَمْرَ إِلَّا لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ [الْفُرْقَانِ: 26] ، وَقَالَ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غَافِرٍ: 16] ، وَقَالَ: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الِانْفِطَارِ: 19] .
عمرو بن العاص، والسرادق من الأبنية.
__________
(1) في المطبوع «عبيد» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) أثر سعيد بن المسيب وما بعده متلقى عن أهل الكتاب لا حجة فيه.
(4) الفسطاط: مجتمع أهل الكورة (أي المدينة) - وعلم مصر العتيقة التي بناها عمرو بن العاص والسرادق من البنية.
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيد في المخطوط «ومالك» .
(7) في المطبوع «العبد» . [.....]
(8) سقط من المطبوع.
(9) في المطبوع «الجزاء» .
(10) في المطبوع «ملك» .(1/74)
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو: «الرَّحِيمِ مَلِكِ» بِإِدْغَامِ الْمِيمِ فِي الْمِيمِ، وَكَذَلِكَ يُدْغِمُ كُلَّ حَرْفَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مَخْرَجٍ وَاحِدٍ أَوْ قَرِيبَيِ الْمَخْرَجِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَرْفُ سَاكِنًا أَوْ مُتَحَرِّكًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ الْأَوَّلُ مُشَدَّدًا أَوْ منونا أو منقوصا أو [تاء الخطاب أو مفتوحا] [1] قبله ساكن في [2] غير المثلين فإنه لا يدغمها وَإِدْغَامُ الْمُتَحَرِّكِ يَكُونُ فِي الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ، وَافَقَهُ حَمْزَةُ فِي إِدْغَامِ الْمُتَحَرِّكِ فِي قَوْلِهِ بَيَّتَ طائِفَةٌ [النِّسَاءِ: 81] وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) [الصافات: 1. 3] ووَ الذَّارِياتِ ذَرْواً (1) [الذاريات: 1] ، وأدغم التَّاءَ فِيمَا بَعْدَهَا مِنَ الْحُرُوفِ وافقه حمزة برواية رجاء وخلف والكسائي [فِي إِدْغَامِ الصَّغِيرِ، وَهُوَ إِدْغَامُ الساكن في المتحرك برواية جابر وخلف] [3] إِلَّا فِي الرَّاءِ عِنْدَ اللَّامِ وَالدَّالِ عِنْدَ الْجِيمِ، وَكَذَلِكَ لَا يدغم حمزة الدَّالَ عِنْدَ السِّينِ وَالصَّادِ وَالزَّايِ، وَلَا إِدْغَامَ لِسَائِرِ الْقُرَّاءِ إِلَّا في أحرف معدودة.
[سورة الفاتحة (1) : آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
قوله: إِيَّاكَ، إِيَّا كَلِمَةُ ضَمِيرٍ خُصَّتْ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْمُضْمَرِ، وَيُسْتَعْمَلُ مُقَدَّمًا عَلَى الْفِعْلِ، فَيُقَالُ: إِيَّاكَ أَعْنِي وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ مُؤَخَّرًا إِلَّا مُنْفَصِلًا فَيُقَالُ: مَا عَنَيْتُ إِلَّا إِيَّاكَ.
قَوْلُهُ: نَعْبُدُ أَيْ: نُوَحِّدُكَ وَنُطِيعُكَ خَاضِعِينَ، وَالْعِبَادَةُ الطَّاعَةُ مَعَ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَبْدًا لِذِلَّتِهِ وَانْقِيَادِهِ يُقَالُ: طَرِيقٌ مُعَبَّدٌ أَيْ: مُذَلَّلٌ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، نَطْلُبُ مِنْكَ الْمَعُونَةَ عَلَى عِبَادَتِكَ وَعَلَى جَمِيعِ أُمُورِنَا.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ قَدَّمَ ذِكْرَ الْعِبَادَةِ عَلَى الِاسْتِعَانَةِ والاستعانة تكون قبل العبادة، [قيل] [4] هذا [5] يَلْزَمُ مَنْ يَجْعَلُ الِاسْتِطَاعَةَ قَبْلَ الفعل، ونحن نحمد الله ونجعل التوفيق والاستطاعة [6] مَعَ الْفِعْلِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التقديم والتأخير، ويقال: الاستطاعة نَوْعُ تَعَبُّدٍ فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ جُمْلَةَ الْعِبَادَةِ أَوَّلًا، ثُمَّ ذَكَرَ مَا هو من تفاصيلها [7] .
[سورة الفاتحة (1) : آية 6]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
قَوْلُهُ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) ، اهْدِنَا: أرشدنا، وقال [8] أبيّ بْنُ كَعْبٍ: ثَبِّتْنَا، كَمَا يُقَالُ لِلْقَائِمِ: قُمْ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ، أَيْ: دُمْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَهَذَا الدُّعَاءُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ عَلَى الْهِدَايَةِ، بِمَعْنَى التَّثْبِيتِ وَبِمَعْنَى طَلَبِ مَزِيدِ الْهِدَايَةِ، لِأَنَّ الْأَلْطَافَ وَالْهِدَايَاتِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَتَنَاهَى عَلَى مَذْهَبِ أهل السنة.
الصِّراطَ: و «السراط» [9] قرئ بالسين رواه رويس [10] عَنْ يَعْقُوبَ وَهُوَ الْأَصْلُ سُمِّيَ سِرَاطًا لِأَنَّهُ يَسْرُطُ السَّابِلَةَ، وَيُقْرَأُ بِالزَّايِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِإِشْمَامِ الزَّايِ وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ، وَالِاخْتِيَارُ الصَّادُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْقُرَّاءِ لِمُوَافَقَةِ الْمُصْحَفِ.
__________
(1) العبارة في المطبوع «مفتوحا أو تاء الخطاب» .
(2) في المطبوع «من» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المطبوع «فلهذا» .
(6) في المطبوع «الاستعانة» .
(7) في المخطوط- أ- ب «فضائلها» .
(8) زيد في المطبوع «علي» .
(9) في المطبوع «وصراط» .
(10) وقع في كافة النسخ «أويس» وهو تصحيف، والتصويب عن «البدور الزاهرة» ص (2) .(1/75)
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وجابر: هُوَ الْإِسْلَامُ وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ، وقال ابن مسعود: هو القرآن.
ع «29» وروي عن علي مَرْفُوعًا «الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ كِتَابُ اللَّهِ» .
وقال سعيد بن جبير: طَرِيقُ الْجَنَّةِ، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: طَرِيقُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ: طَرِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ أَبُو العالية والحسن: رسول الله وَصَاحِبَاهُ [1] ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ الطَّرِيقُ الواضح.
[سورة الفاتحة (1) : آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أَيْ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: مَنَنْتَ عَلَيْهِمْ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَقِيلَ: هُمْ كُلُّ مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ [النِّسَاءِ: 69] الْآيَةَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ قَوْمُ مُوسَى وَعِيسَى عليهما السلام قبل أن يغيّروا دينهم، وقال عبد الرحمن:
هم النبي وَمَنْ مَعَهُ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هم الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ [زَيْدٍ] [2] : رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وَأَهْلُ بَيْتِهِ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [وَأَهْلُ بَيْتِهِ] [3] .
قَرَأَ حَمْزَةُ «عَلَيْهُمْ وَلَدَيْهُمْ وإليهم» بضم الهاء [4] ، وَيَضُمُّ يَعْقُوبُ كُلَّ هَاءٍ قَبْلَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ تَثْنِيَةً وَجَمْعًا إِلَّا قَوْلَهُ: بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ [الْمُمْتَحِنَةِ: 12] ، وقرأ الآخرون بكسرها [5] ، فَمَنْ ضَمَّ الْهَاءَ رَدَّهَا إِلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهَا مَضْمُومَةٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، ومن كسر [6] فلأجل الياء الساكنة والياء أخت الكسرة، وَضَمَّ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ كل ميم جمع [ضما]]
مُشْبِعًا فِي الْوَصْلِ إِذَا لَمْ يَلْقَهَا سَاكِنٌ، فَإِنْ لَقِيَهَا سَاكِنٌ فلا يشبع، ونافع يخفف [8] ، وَيَضُمُّ وَرْشٌ عِنْدَ أَلِفِ الْقَطْعِ، وإذا لقته [9] ألف وصل وقبل الهاء كسرة أَوْ يَاءٌ سَاكِنَةٌ ضَمَّ الْهَاءَ والميم حمزة والكسائي وكسر هما أبو عمرو، كذلك يَعْقُوبُ إِذَا انْكَسَرَ مَا قَبْلَهُ، والآخرون [يقرؤون] [10] بضم الميم وكسر الهاء لِأَجْلِ الْيَاءِ أَوْ لِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا وَضَمُّ الْمِيمِ عَلَى الْأَصْلِ.
قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يعني: غير صِرَاطَ الَّذِينَ غَضِبْتَ عَلَيْهِمْ، وَالْغَضَبُ هُوَ إِرَادَةُ الِانْتِقَامِ مِنَ الْعُصَاةِ، وَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَلْحَقُ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا يَلْحَقُ الْكَافِرِينَ.
وَلَا الضَّالِّينَ أَيْ: وَغَيْرِ الضَّالِّينَ عَنِ الْهُدَى، وَأَصْلُ الضَّلَالِ الْهَلَاكُ والغيبوبة، يقال: ضل
__________
29- ع انظر الحديث المتقدم برقم: 5، والراجح فيه الوقف. [.....]
(1) زيد في المطبوع «وآله» .
(2) في الأصل «زيدان» وهو تصحيف.
(3) زيد في المطبوع.
(4) في المطبوع «هاءاتها» .
(5) في المطبوع «بكسر هما» .
(6) في المطبوع «كسرها» .
(7) سقط من المطبوع.
(8) في المطبوع «يخير» .
(9) في المطبوع «تلقته» .
(10) زيد في المطبوع.(1/76)
الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا هَلَكَ وَغَابَ، وَ «غَيْرِ» هَاهُنَا بِمَعْنَى لَا، وَلَا بِمَعْنَى غَيْرِ، وَلِذَلِكَ جاز العطف [عليها] [1] ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ غَيْرُ مُحْسِنٍ وَلَا مُجْمِلٍ، فَإِذَا كَانَ غَيْرَ بِمَعْنَى سِوَى، فَلَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عليها بلا، لا يَجُوزُ فِي الْكَلَامِ: عِنْدِي سِوَى عَبْدِ اللَّهِ وَلَا زَيْدٍ، وَقَرَأَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنه [2] : «غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ» ، وَقِيلَ: الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ: هُمُ الْيَهُودُ. وَالضَّالُّونَ: هُمُ النَّصَارَى. لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ بِالْغَضَبِ، فَقَالَ: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ [الْمَائِدَةِ: 60] ، وَحَكَمَ عَلَى النَّصَارَى بِالضَّلَالِ فَقَالَ: وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ [الْمَائِدَةِ: 77] .
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ بِالْبِدْعَةِ وَلَا الضَّالِّينَ عَنِ السُّنَّةِ، وَالسُّنَّةُ لِلْقَارِئِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ من قراءة الفاتحة: «آمين» ، مفصولا عن الفاتحة بسكتة، وهو مخفف ويجوز مَمْدُودًا وَمَقْصُورًا، وَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاسْتَجِبْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: مَعْنَاهُ كَذَلِكَ يَكُونُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: هُوَ طَابَعُ الدُّعَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ خَاتَمُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ يَدْفَعُ بِهِ الْآفَاتِ عَنْهُمْ، كَخَاتَمِ الْكِتَابِ يَمْنَعُهُ مِنَ الْفَسَادِ وَظُهُورِ مَا فِيهِ.
«30» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ بن الْقَاضِي، وَأَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ قَالَا:
أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فَقُولُوا: آمِينَ، فَإِنَّ الملائكة يقولون [3] : آمِينَ، وَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: آمِينَ، فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه» صحيح.
__________
30- صحيح. محمد بن يحيى هو الذهلي خرج له البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، عبد الرزاق هو ابن همام صاحب المصنف، ومعمر هو ابن راشد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، وابن المسيب هو سعيد، وهذا إسناد كالشمس.
وهو في «شرح السنة» (590) بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «المصنف» (2644) عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 780 و782 و6402 ومسلم 410 وأبو داود 936 والترمذي 250 والنسائي 2/ 144 وابن ماجه 852 ومالك 1/ 87 والشافعي في «المسند» (1/ 76- 77) وأحمد 2/ 233 وابن خزيمة 569 وابن حبان 1804 والبيهقي 2/ 57 من طرق كلهم من حديث أبي هريرة.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع تقديم وتأخير هاهنا مخلّ بالمعنى.
(3) في المطبوع «تقول» وفي- ب- «تقولون» . [.....](1/77)
(فصل في فضائل [1] فاتحة الكتاب)
«31» أَنَا أَبُو الْحَسَنِ [2] أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَيَّالِيُّ [3] أَنَا أَبُو نَصْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ الْخُزَاعِيُّ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو [4] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ [5] الْوَهَّابِ، ثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ [6] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ هُوَ أَخُو إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ [7] الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَصَاحَ به فقال: «تعال يَا أُبَيُّ» فَعَجِلَ أُبَيٌّ فِي صِلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا مَنَعَكَ يَا أُبَيُّ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ، أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ» [الْأَنْفَالِ: 24] ؟ قَالَ أُبَيٌّ: لَا جَرَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا تَدْعُونِي إِلَّا أَجَبْتُكَ وإن كنت مصليا، قال [8] : «تحب أَنْ أُعَلِّمَكَ سُورَةً لَمْ يَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفرقان [9] مِثْلُهَا» ؟ فَقَالَ أُبَيٌّ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَقَالَ: «لَا تَخْرُجْ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ حَتَّى تَعْلَمَهَا» ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا بَلَغَ الْبَابَ لِيَخْرُجَ قَالَ لَهُ أُبَيٌّ: السُّورَةَ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَقَفَ فَقَالَ: «نَعَمْ! كَيْفَ تَقْرَأُ فِي صَلَاتِكَ» ؟ فَقَرَأَ أُبَيٌّ أُمَّ الْقُرْآنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ وَلَا فِي الفرقان [10] مثلها وإنما هي السبع من [11] الْمَثَانِي الَّتِي آتَانِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ» ، هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
__________
31- صحيح، خالد بن مخلد، روى له البخاري، وفيه ضعف لكن توبع، وشيخه روى له الشيخان، والعلاء من رجال مسلم، وأبوه روى له الشيخان.
وهو في «شرح السنة» (1183) بهذا الإسناد. وقال البغوي: هذا حديث صحيح.
- وأخرجه الترمذي 2875 من طريق قتيبة عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ العلاء به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ووافقه البغوي.
- وورد بنحوه مختصرا من طريق عبد الحميد بن جعفر عن العلاء بهذا الإسناد. أخرجه الترمذي 3125 والنسائي 2/ 139 وأحمد 5/ 114 والحاكم 1/ 557 وابن خزيمة 500 وابن حبان 775 وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وأخرجه مالك 1/ 83 عن العلاء عن أبي سعيد مولى عامر بن كريز مرسلا.
- وفي الباب من حديث أبي سعيد بن المعلى أخرجه البخاري 4474 و4647 و4703 و5006 وأبو داود 1458 والنسائي 2/ 139 وابن ماجه 3785 والطيالسي 2/ 9 وأحمد 3/ 211 و450 وابن حبان 777 والطبراني 22/ (303) والبيهقي 2/ 368، وانظر «فتح الباري» (8/ 157) .
(1) في المطبوع «فضل» .
(2) في «شرح السنة» «أبو الحسين» .
(3) وقع في الأصل «الكتاني» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» .
(4) في الأصل «عمر» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(5) في الأصل «عبد الله الوهّاب» والتصويب عن «شرح السنة» .
(6) في الأصل «القطراني» والتصويب عن «شرح السنة» وكتاب «الأنساب» للسمعاني.
(7) في الأصل «ابن العلاء» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(8) في المخطوط «فقال» والمثبت عن «شرح السنة» والمطبوع.
(9) في المطبوع «القرآن» .
(10) في المطبوع «القرآن» .
(11) لفظ «من» مثبت في المطبوع و «شرح السنة» .(1/78)
«32» أخبرنا أبو بكرة مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ، أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خالد أنا إسحق بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ [1] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عباس قَالَ بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ جِبْرِيلُ إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا [2] مِنْ فَوْقِهِ: فرفع جبريل بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ مَا فُتِحَ قَطُّ، قَالَ: فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ، فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَخَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لن تَقْرَأَ حَرْفًا مِنْهُمَا إِلَّا أُعْطِيتَهُ» ، صحيح.
«33» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ محمد الشّيرزي [3] حدثنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فهي [خداج، هي خداج] [4] خداج غير تمام» ، قال: فقلت: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَحْيَانًا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ؟ فَغَمَزَ [5] ذِرَاعِي وَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا يَا فَارِسِيُّ [6] فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نصفين، فنصفها [7] لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: «اقرؤوا يَقُولُ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) يَقُولُ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، يقول الْعَبْدُ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، يَقُولُ اللَّهُ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، يَقُولُ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، يَقُولُ الْعَبْدُ: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، يَقُولُ اللَّهُ عزّ وجلّ: هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي [8] مَا سَأَلَ، يَقُولُ الْعَبْدُ: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، يَقُولُ اللَّهُ: فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ» .
صَحِيحٌ. [وأخرجه مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ] [9] .
__________
32- حديث صحيح، رجاله رجال مسلم، أبو الأحوص هو سلام بن سليم الكوفي.
وهو في «شرح السنة» (1194) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 806 والنسائي 2/ 138 والحاكم 1/ 558- 559 وابن حبان 778 والطبراني في «الكبير» 12255 من طرق عن عمار بن رزيق بهذا الإسناد.
33- إسناده صحيح على شرط مسلم. أبو مصعب هو أحد الأئمة ممن روى موطأ الإمام مالك بن أنس، وهو مطبوع.
وهو في «شرح السنة» (579) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 84) عن العلاء به.
- وأخرجه مسلم 395 وأبو داود 821 والترمذي 2953 والنسائي 2/ 135- 136 وابن ماجه 838 و3784 وعبد الرزاق 2767 و2768 وابن أبي شيبة 1/ 360 وأحمد 2/ 241 و457 و460 وابن خزيمة 490 وابن حبان 776 من حديث أبي هريرة رواه بعضهم. مطوّلا، وبعضهم مختصرا. [.....]
(1) في الأصل «ذريق» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج والتراجم.
(2) في المطبوع «نقضا» .
(3) وقع في النسخ، «الشيرازي» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنوار» (373) .
(4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(5) غمزه بيده: شبه نخسه.
(6) في المطبوع «يا قارئ» .
(7) في المطبوع «نصفها» .
(8) في المطبوع «فلعبدي» .
(9) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» .(1/79)
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)
2- سُورَةِ الْبَقَرَةِ
[سُورَةُ الْبَقَرَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ وَسَبْعُ آيَاتٍ] [1]
[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 2]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)
الم قَالَ الشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ: الم وَسَائِرُ حُرُوفِ الْهِجَاءِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ الله بِعِلْمِهِ، وَهِيَ سِرُّ الْقُرْآنِ، فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِظَاهِرِهَا وَنَكِلُ الْعِلْمَ فِيهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَفَائِدَةُ ذِكْرِهَا طَلَبُ الْإِيمَانِ بِهَا.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [2] : فِي كُلِّ كِتَابٍ سِرٌّ وَسِرُّ الله فِي الْقُرْآنِ أَوَائِلُ السُّوَرِ.
وَقَالَ عَلِيٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] : أَنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ هَذَا الْكِتَابِ حُرُوفُ التَّهَجِّي.
وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: كُنْتُ أَسْأَلُ الشَّعْبِيَّ عَنْ فَوَاتِحِ السُّوَرِ فَقَالَ: يَا دَاوُدُ إِنَّ لِكُلِّ كِتَابٍ سِرًّا وَإِنَّ سِرَّ الْقُرْآنِ فَوَاتِحُ السُّوَرِ فَدَعْهَا، وَسَلْ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: [هِيَ] [3] مَعْلُومَةُ الْمَعَانِي، فَقِيلَ: كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا مِفْتَاحُ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كهيعص (1) [مريم: 1] ، الكاف من كاف، وَالْهَاءُ مِنْ هَادٍ وَالْيَاءُ مِنْ حَكِيمٍ [4] وَالْعَيْنُ مِنْ عَلِيمٍ وَالصَّادُ مِنْ صَادِقٍ، وَقِيلَ فِي المص (1) [الأعراف: 1] أَنَا اللَّهُ الْمَلِكُ الصَّادِقُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ فِي الم: الْأَلِفُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّهِ وَاللَّامُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ اللَّطِيفِ وَالْمِيمُ مِفْتَاحُ اسْمِهِ الْمَجِيدِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: الْأَلِفُ آلَاءُ اللَّهِ وَاللَّامُ لُطْفُهُ وَالْمِيمُ مُلْكُهُ، وَرَوَى سَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى الم أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ، وَمَعْنَى المص أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وأفضل، وَمَعْنَى الر: أَنَا اللَّهُ أَرَى، وَمَعْنَى المر [الرعد: 1] أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ وَأَرَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: وَهَذَا حَسَنٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ تَذْكُرُ حَرْفًا مِنْ كَلِمَةٍ تُرِيدُهَا كقولهم:
قلت لها قفي فقالت [5] قَافْ
أَيْ: وَقَفْتُ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هِيَ أَسْمَاءُ الله تعالى مقطعة لو أحسن النَّاسُ تَأْلِيفَهَا لَعَلِمُوا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ، أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ المر وَحم وَن فَتَكُونُ الرَّحْمَنَ، وَكَذَلِكَ سَائِرُهَا إِلَّا أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى وَصْلِهَا.
وَقَالَ قَتَادَةُ: هَذِهِ الْحُرُوفُ أَسْمَاءُ الْقُرْآنِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ: هِيَ أَسْمَاءُ السُّوَرِ، وبيانه أن
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط وحده «حليم» .
(5) زيد في المطبوع وحده «في» . [.....](1/80)
الْقَائِلَ إِذَا قَالَ قَرَأْتُ المص عَرَفَ السَّامِعُ أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِالمص.
وَرُوِيَ عَنِ ابن عباس: أَنَّهَا أَقْسَامٌ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: إِنَّمَا أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ لِشَرَفِهَا وفضلها لأنها مباني كتبه المنزلة ومبادئ أسمائه الحسنى.
ذلِكَ الْكِتابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) قوله: ذلِكَ الْكِتابُ أَيْ: هَذَا الْكِتَابُ وَهُوَ الْقُرْآنُ، وَقِيلَ: هَذَا فِيهِ مُضْمَرٌ أَيْ هَذَا ذَلِكَ الْكِتَابُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: كَانَ اللَّهُ قَدْ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْزِلَ عَلَيْهِ كِتَابًا لَا يَمْحُوهُ الْمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، فَلَمَّا أَنْزَلَ [1] الْقُرْآنَ قَالَ: هَذَا ذَلِكَ الْكِتَابُ الَّذِي وَعَدْتُكَ أَنْ أُنْزِلَهُ عَلَيْكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَعَلَى لِسَانِ النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلِكَ، وَهَذَا لِلتَّقْرِيبِ وَذَلِكَ لِلتَّبْعِيدِ.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ قَبْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ سُوَرًا كَذَّبَ بِهَا الْمُشْرِكُونَ ثُمَّ أَنْزَلَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَقَالَ: ذَلِكَ الْكِتَابُ يَعْنِي مَا تقدم [سورة] [2] الْبَقَرَةَ مِنَ السُّوَرِ، لَا شَكَّ فِيهِ، وَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ كَمَا يُقَالُ لِلْمَخْلُوقِ [خَلْقٌ] [3] ، وَهَذَا الدِّرْهَمُ ضَرْبُ فُلَانٍ، [أَيْ] [4] : مضروبه، وأصل الكتاب الضَّمُّ وَالْجَمْعُ، وَيُقَالُ لِلْجُنْدِ كَتِيبَةٌ، لِاجْتِمَاعِهَا وَسُمِّيَ الْكِتَابُ كِتَابًا لِأَنَّهُ جمع حرف إلى أحرف. قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا رَيْبَ فِيهِ، أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ من عند الله وَأَنَّهُ الْحَقُّ وَالصِّدْقُ، وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ: لَا ترتابوا فيه لقوله تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [الْبَقَرَةِ: 197] ، أَيْ: لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ فِيهِ بِالْإِشْبَاعِ فِي الْوَصْلِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَاءِ كِنَايَةٍ [5] قَبْلَهَا سَاكِنٌ يُشْبِعُهَا وَصْلًا مَا لَمْ يَلْقَهَا [6] سَاكِنٌ، ثُمَّ إِنْ كَانَ السَّاكِنُ قَبْلَ الهاء ياء يشبعها بالكسر ياء، وإن كان غيرها يُشْبِعُهَا بِالضَّمِّ وَاوًا، وَوَافَقَهُ حَفْصٌ فِي قَوْلِهِ: فِيهِ مُهاناً [الْفُرْقَانِ: 69] فأشبعه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، يُدْغِمُ الْغُنَّةَ عِنْدَ اللَّامِ وَالرَّاءِ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، زَادَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ عِنْدَ الْيَاءِ، وَزَادَ حَمْزَةُ عِنْدَ الْوَاوِ، وَالْآخَرُونَ لَا يُدْغِمُونَهَا، وَيُخْفِي أَبُو جَعْفَرٍ النُّونَ وَالتَّنْوِينَ عِنْدَ الْخَاءِ وَالْغَيْنِ، هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، أَيْ: هُوَ هُدًى، أَيْ: رُشْدٌ وَبَيَانٌ لِأَهْلِ التَّقْوَى، وَقِيلَ:
هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: هَادِيًا تَقْدِيرُهُ لَا رَيْبَ [7] فِي هِدَايَتِهِ لِلْمُتَّقِينَ، وَالْهُدَى مَا يَهْتَدِي بِهِ الْإِنْسَانُ، لِلْمُتَّقِينَ، أَيْ: للمؤمنين قال ابن عباس: الْمُتَّقِي مَنْ يَتَّقِي الشِّرْكَ وَالْكَبَائِرَ وَالْفَوَاحِشَ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الِاتِّقَاءِ، وأصله الحجز بين شيئين، وَمِنْهُ يُقَالُ: اتَّقَى بِتُرْسِهِ أَيْ: جَعَلَهُ حَاجِزًا بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ ما يقصده.
ع «34» وَفِي الْحَدِيثِ: كُنَّا إِذَا احْمَرَّ [8] الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.
__________
34- صحيح. هو طرف حديث أخرجه مسلم 1776 ح 79 والبيهقي في «الدلائل» (5/ 134- 135) عن البراء به. وفيه «إذا احمرّ البأس» بدل «إذا اشتد» .
- وله شاهد من حديث علي أخرجه أحمد 1/ 86 وأبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ص (57) وأبو يعلى 302 و412 وإسناده صحيح.
(1) زيد في المطبوع وحده «الله» والمثبت عن المخطوط وط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) سقط من المطبوع.
(4) زيد في المطبوع.
(5) في المطبوع كتابة.
(6) في المطبوع «يلها» .
(7) زيد في المطبوع «فيه» .
(8) في المطبوع «اشتد» .(1/81)
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
ي: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ جَعَلْنَاهُ حَاجِزًا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعَدُوِّ، [فَكَأَنَّ الْمُتَّقِي يَجْعَلُ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ وَالِاجْتِنَابَ عما بهاه حَاجِزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَذَابِ] [1] ، قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عنه] لكعب الأحبار: حدثنا عن اتقون، فَقَالَ: هَلْ أَخَذْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهِ؟ قَالَ: حَذِرْتُ وَشَمَّرْتُ [2] ، قال كعب [3] : وذلك التقوى، [وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: التَّقْوَى أَنْ لَا تَرَى نَفْسَكَ خَيْرًا مِنْ أحد. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: التَّقْوَى تَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَأَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، فَمَا رَزَقَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ، وَقِيلَ: هُوَ الِاقْتِدَاءُ [4] بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
ع «35» وَفِي الْحَدِيثِ: «جِمَاعُ التَّقْوَى» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ» [النَّحْلِ: 90] الْآيَةَ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: الْمُتَّقِي الَّذِي يَتْرُكُ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حذرا مما به بأس، وَتَخْصِيصُ الْمُتَّقِينَ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفٌ لَهُمْ أو لأنهم هم المنتفعون بالهدى] [5] .
[سورة البقرة (2) : آية 3]
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ مَوْضِعُ الَّذِينَ خَفْضٌ، نَعْتًا لِلْمُتَّقِينَ (يُؤْمِنُونَ) يصدقون، ويترك همزه أَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ، وَالْآخَرُونَ يَهْمِزُونَهُ، وَكَذَلِكَ يَتْرُكَانِ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ [نَحْوَ] [6] يُؤْمِنُ وَمُؤْمِنٌ إِلَّا أَحْرُفًا مَعْدُودَةً، وَحَقِيقَةُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِالْقَلْبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يُوسُفَ: 17] أَيْ: بِمُصَدِّقٍ لَنَا.
وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ: الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ وَالْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ وَالْعَمَلُ بِالْأَرْكَانِ، فَسُمِّيَ الْإِقْرَارُ وَالْعَمَلُ إِيمَانًا لِوَجْهٍ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لِأَنَّهُ مِنْ شَرَائِعِهِ، وَالْإِسْلَامُ هُوَ الْخُضُوعُ وَالِانْقِيَادُ فَكُلُّ إِيمَانٍ إِسْلَامٌ وَلَيْسَ كُلُّ إِسْلَامٍ إِيمَانًا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَصْدِيقٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا [الْحُجُرَاتِ: 14] ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قد يكون [مسلما] [7] فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُصَدِّقٍ فِي الباطن ويكون مُصَدِّقًا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُنْقَادٍ في الظاهر، وقد اختلف [في] [8] جَوَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمَا [9] حِينَ سَأَلَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ مَا:
«36» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ [بْنِ عَلِيِّ بْنِ] ...
__________
35- لا أصل له في المرفوع، وإنما هو من كلام بعض أهل التفسير، ويأتي في سورة النحل.
36- إسناده صحيح. عيسى بن أحمد العسقلاني ثقة، وقد توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (2) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 8 وأبو داود 4695 و4697 والترمذي 2610 والنسائي 8/ 97 وابن ماجه 63 والطيالسي 21 وابن أبي شيبة 11/ 44- 45 وأحمد 1/ 52 و53 و107 وابن حبان 168 وابن مندة في «الإيمان» (1- 8 و185 و186) من طرق عن كهمس بهذا الإسناد.
وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري 50 و4777 وغيره.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع «وتشمرت» .
(3) كعب هو ابن ماتع الحميري، ويعرف ب- كعب الأحبار- عامة رواياته من الإسرائيليات. [.....]
(4) وقع في الأصل «اقتداء» والمثبت عن «ط» .
(5) في المطبوع تقديم وتأخير في النص.
(6) زيد في المطبوع.
(7) في المطبوع «مستسلما» .
(8) سقط من المطبوع.
(9) في المخطوط «فيها» .(1/82)
بَوَيْهٍ [1] الزَّرَّادُ الْبُخَارِيُّ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْخُزَاعِيُّ، ثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ الشَّاشِيُّ، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ الْعَسْقَلَانِيُّ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا كَهَمْسُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ- يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ- معبد الجهني، [قال] خرجت أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نُرِيدُ مَكَّةَ فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ [عما] يقول هَؤُلَاءِ، فَلَقِينَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عمر فاكتنفته أنا وصاحبي- اكتنفوا أي: أحاطوا- أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ سَيَكِلُ الْكَلَامَ إليّ فقلت: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظهر قبلنا أناس يتقفّرون [2] هَذَا الْعِلْمَ وَيَطْلُبُونَهُ، يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ إِنَّمَا الْأَمْرُ أُنُفٌ [3] ، قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَإِنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، ثُمَّ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ:
بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ مَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ فَأَقْبَلَ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكْبَتُهُ تَمَسُّ رُكْبَتَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ]
، فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَتَعَجَّبْنَا مِنْ سُؤَالِهِ وَتَصْدِيقِهِ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وَبِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ» ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ: فَمَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: «ما المسئول عنها بأعلم مِنَ السَّائِلِ» ، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي بُنْيَانِ الْمَدَرِ» [5] ، قَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَالِثَةٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ الرَّجُلُ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذَلِكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ، وَمَا أَتَانِي فِي صُورَةٍ إِلَّا عَرَفْتُهُ فِيهَا إِلَّا فِي صُورَتِهِ هَذِهِ» [6] .
فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْإِسْلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْمًا لِمَا ظَهَرَ مِنَ الْأَعْمَالِ، وَالْإِيمَانَ اسْمًا لما بطن من الاعتقاد، [7] وذلك لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَيْسَتْ مِنَ الْإِيمَانِ، والتصديق [8] بِالْقَلْبِ لَيْسَ مِنَ الْإِسْلَامِ، بَلْ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِجُمْلَةٍ هِيَ كُلُّهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَجِمَاعُهَا الدِّينُ، وَلِذَلِكَ قال: «ذاك جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ» ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ [الْأَعْمَالَ مِنَ] [9] الإيمان، ما:
__________
(1) وقع في الأصل «محمد التوبة» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» و «الأنوار» رقم (80) .
(2) وقع في الأصل «يتفقرون» والتصويب من «صحيح مسلم» .
ومعنى «يتقفّرون العلم» : يطلبونه ويتتبعونه- وقيل: معناه يجمعونه.
(3) وقع في الأصل «أفق» والتصويب من «صحيح مسلم» .
و «إن الأمر أنف» أي مستأنف، لم يسبق به قدر، ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه.
(4) زيد في المطبوع الإسلام.
(5) في «القاموس» : المدر: قطع الطين اليابس، والمدن، والحضر.
(6) زيد في المطبوع هاهنا «قال الفراء» .
(7) زيد في المطبوع «ليس» .
(8) في المطبوع «وتصديق» . [.....]
(9) زيد في المطبوع.(1/83)
«37» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الشاه، ثنا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى ثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ عن جرير الرازي، عَنْ سُهَيْلِ [1] بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» .
[وَقِيلَ] [2] الْإِيمَانُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَمَانِ فَسُمِّيَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ يُؤَمِّنُ نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى مُؤْمِنٌ لِأَنَّهُ يُؤَمِّنُ الْعِبَادَ مِنْ عَذَابِهِ.
بِالْغَيْبِ، وَالْغَيْبُ: مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ، فَقِيلَ لِلْغَائِبِ: غَيْبٌ، كَمَا قِيلَ لِلْعَادِلِ:
عَدْلٌ، وَلِلزَّائِرِ: زَوْرٌ، وَالْغَيْبُ مَا كَانَ مَغِيبًا عَنِ [3] الْعُيُونِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْغَيْبُ هَاهُنَا كُلُّ مَا أُمِرْتَ بِالْإِيمَانِ بِهِ فِيمَا غَابَ عَنْ بَصَرِكَ من الْمَلَائِكَةِ وَالْبَعْثِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ.
وَقِيلَ: الْغَيْبُ هَاهُنَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ. وَقَالَ الحسن: الآخرة. وَقَالَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَابْنُ جريج: الوحي، نَظِيرُهُ: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ [النَّجْمِ: 35] ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِالْقَدَرِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ: كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرْنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وما سبقوا بِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّ أَمْرَ مُحَمَّدٍ كَانَ بَيِّنًا [4] لِمَنْ رَآهُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا آمَنَ أَحَدٌ قَطُّ إِيمَانًا أَفْضَلَ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ: الم (1) ذلِكَ الْكِتابُ، إِلَى قوله: الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 1- 5] ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَوَرْشٌ: يُؤْمِنُونَ، بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ، وَكَذَلِكَ يترك أبو جعفر كُلِّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ إِلَّا فِي أَنْبِئْهُمْ [البقرة: 33] ، ويُنَبِّئُهُمُ [المائدة: 14] ، ونَبِّئْنا [يوسف: 36] ، وَيَتْرُكُ أَبُو عَمْرٍو كُلَّهَا إِلَّا أن يكون علامة للجزم نحو نَبِّئْهُمْ [القمر: 28] ، وأَنْبِئْهُمْ [البقرة: 33] ، وتَسُؤْهُمْ [آل عمران: 120] ، وتَسُؤْكُمْ [المائدة: 101] ، وإِنْ نَشَأْ [الشعراء: 4] ، ونُنْسِها [البقرة: 106] ، ونحوها أو يكون خروجها مِنْ لُغَةٍ إِلَى أُخْرَى نَحْوَ: مُؤْصَدَةٌ [البلد: 20] ، ووَ رِءْياً [مريم: 74] ، وَيَتْرُكُ وَرْشٌ كُلَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ كانت قبل فاء الفعل، إلا: تُؤْوِي [5] [الأحزاب: 51] وتُؤْوِيهِ [6] [المعارج: 13] ، وَلَا يَتْرُكُ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ إلا: الرُّؤْيَا [الإسراء: 60] ، وَبَابَهُ إِلَّا مَا كَانَ عَلَى وزن فعلي [7] .
قوله: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ، أَيْ: يُدِيمُونَهَا وَيُحَافِظُونَ عَلَيْهَا فِي مَوَاقِيتِهَا بِحُدُودِهَا وَأَرْكَانِهَا وَهَيْئَاتِهَا، يُقَالُ: قَامَ بِالْأَمْرِ وَأَقَامَ الأمر إذا أتى به معطيا حقوقه، أو المراد بِهَا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، ذُكِرَ بِلَفْظِ
__________
37- صحيح. خلف ثقة، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال مسلم جرير الرازي هو ابن عبد الحميد.
وهو في «شرح السنة» (17) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 35 وأبو داود 4676 والترمذي 2614 والنسائي 8/ 110 وابن ماجه 57 والبخاري في «الأدب المفرد» (598) وأحمد 2/ 379 و414 والطيالسي 2402 وابن حبان 166 و191 وابن مندة في «الإيمان» (147) و170 و171 وابن أبي شيبة 11/ 40 والبغوي 17 والآجري في «الشريعة» (110) من طرق كلهم من حديث أبي هريرة وفي رواية لمسلم وغيره «الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة ... » .
(1) في الأصل «سهل» والتصويب عن «شرح السنة» و «كتب التراجم» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «من» .
(4) في المطبوع «بيننا» .
(5) في المخطوط «يؤتي» .
(6) في المخطوط «تؤتيه» .
(7) في المطبوع «فعل» .(1/84)
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
الواحد كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ [الْبَقَرَةِ: 213] ، يَعْنِي: الْكُتُبَ، وَالصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ: الدُّعَاءُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ [التَّوْبَةِ: 103] ، أَيِ: ادْعُ لَهُمْ، وَفِي الشَّرِيعَةِ اسْمٌ لِأَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَقُعُودٍ وَدُعَاءٍ وَثَنَاءٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الْأَحْزَابِ: 56] الْآيَةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الرَّحْمَةُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنَ الْمُؤْمِنِينَ الدُّعَاءُ.
قوله: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ، أَيْ: أَعْطَيْنَاهُمْ، وَالرِّزْقُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ حَتَّى الْوَلَدِ وَالْعَبْدِ، وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ: الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ.
يُنْفِقُونَ: يَتَصَدَّقُونَ، قَالَ قَتَادَةُ: يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَأَصْلُ الْإِنْفَاقِ: الْإِخْرَاجُ عَنِ الْيَدِ وَالْمُلْكِ، وَمِنْهُ نِفَاقُ السوق، لأنه يخرج فِيهِ السِّلْعَةُ عَنِ الْيَدِ، ومنه نَفَقَتِ الدَّابَّةُ: إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهَا، فَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مشركي العرب.
[سورة البقرة (2) : آية 4]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
قوله: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ. وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ: من التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَسَائِرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَتْرُكُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَقَالُونُ [وَأَبُو عَمْرٍو] [1] وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ ويعقوب كلّ مدّ يقع بين [2] كَلِمَتَيْنِ، وَالْآخَرُونَ يَمُدُّونَهَا، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [3] .
قوله: وَبِالْآخِرَةِ، أي: بالدار الآخرة، سميت الدنيا دنيا: لدنوها من الآخرة، وسميت الآخرة آخرة: لتأخرها وكونها بعد [فناء] [4] الدنيا. هُمْ يُوقِنُونَ، أي: يستيقنون أنها كائنة، مِنَ الْإِيقَانِ وَهُوَ الْعِلْمُ.
وَقِيلَ: الْإِيقَانُ وَالْيَقِينُ عِلْمٌ عَنِ اسْتِدْلَالٍ، وَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى اللَّهُ مُوقِنًا وَلَا عِلْمُهُ يَقِينًا إِذْ لَيْسَ عِلْمُهُ عَنِ اسْتِدْلَالٍ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 5 الى 9]
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (9)
قَوْلُهُ: أُولئِكَ، أَيْ: أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ، وَأُولَاءِ: كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الْكِنَايَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ نَحْوُ: هُمْ، وَالْكَافُ لِلْخِطَابِ، كَمَا فِي حَرْفِ ذَلِكَ. عَلى هُدىً، أي: [على] [5] رُشْدٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ. مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ: النَّاجُونَ وَالْفَائِزُونَ فَازُوا بِالْجَنَّةِ وَنَجَوْا مِنَ النَّارِ، وَيَكُونُ الْفَلَاحُ بِمَعْنَى البقاء، أي: الباقون [6] فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَأَصْلُ الْفَلَاحِ: الْقَطْعُ وَالشَّقُّ، وَمِنْهُ سُمِّي الزَّرَّاعُ: فَلَّاحًا، لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ، وَفِي الْمَثَلِ: الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُفْلَحُ [أَيْ: يشق] [7] ، فهم المقطوع لَهُمْ بِالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع «كل» .
(3) في المطبوع «الكتب» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المطبوع. [.....]
(6) في المطبوع «باقون» .
(7) سقط من المخطوط.(1/85)
قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا: يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْيَهُودَ. وَالْكُفْرُ هُوَ [1] الْجُحُودُ، وَأَصْلُهُ: من السَّتْرُ وَمِنْهُ: سُمِّيَ اللَّيْلُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْأَشْيَاءَ بِظُلْمَتِهِ.
وَسُمِّي الزَّرَّاعُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْحَبَّ بِالتُّرَابِ، وَالْكَافِرُ [2] يَسْتُرُ الْحَقَّ بِجُحُودِهِ، وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: كُفْرُ إِنْكَارٍ، وَكُفْرُ جَحُودٍ، وَكُفْرُ عِنَادٍ، وكفر نفاق، فكفر الإنكار هو أَنْ لَا يَعْرِفَ اللَّهَ أَصْلًا وَلَا يَعْتَرِفَ بِهِ [3] ، وَكُفْرُ الْجَحُودِ هُوَ أَنْ [4] يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ ولا يعترف بلسانه ككفر إبليس [لعنه الله] [5] وَكُفْرِ الْيَهُودِ [6] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [الْبَقَرَةِ: 89] ، وَكُفْرُ الْعِنَادِ هُوَ أَنْ يَعْرِفَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَيَعْتَرِفَ بِلِسَانِهِ وَلَا يَدِينُ بِهِ كَكُفْرِ أَبِي طَالِبٍ حَيْثُ يَقُولُ:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمَّدٍ ... مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ الْبَرِيَّةِ دِينًا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ ... لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينًا
وَأَمَّا كُفْرُ النِّفَاقِ فَهُوَ أَنَّ يُقِرَّ بِاللِّسَانِ وَلَا يَعْتَقِدَ بِالْقَلْبِ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ سَوَاءٌ فِي أَنَّ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى بِوَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُغْفَرُ لَهُ. قَوْلُهُ: سَواءٌ عَلَيْهِمْ: مُتَسَاوٍ لَدَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ: خَوَّفْتَهُمْ وَحَذَّرْتَهُمْ، وَالْإِنْذَارُ: إِعْلَامٌ مَعَ تَخْوِيفٍ وَتَحْذِيرٍ، فكل مُنْذِرٍ مُعَلِّمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُعَلِّمٍ مُنْذِرًا، وَحَقَّقَ [7] ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الْهَمْزَتَيْنِ فِي أَأَنْذَرْتَهُمْ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَمْزَتَيْنِ تَقَعَانِ فِي أَوَّلِ الْكَلِمَةِ، وَالْآخَرُونَ يُلَيِّنُونَ الثَّانِيَةَ، أَمْ: حَرْفُ عَطْفٍ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، لَمْ: حرف جزم لا يلي إِلَّا الْفِعْلَ، لِأَنَّ الْجَزْمَ يَخْتَصُّ بِالْأَفْعَالِ. تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ: وَهَذِهِ الآية [نزلت] [8] فِي أَقْوَامٍ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الشَّقَاوَةِ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ سَبَبَ تَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ فقال:
خَتَمَ اللَّهُ، أي: طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلَا تعني خَيْرًا وَلَا تَفْهَمُهُ، وَحَقِيقَةُ الْخَتْمِ: الِاسْتِيثَاقُ مِنَ الشَّيْءِ كَيْلَا يَدْخُلَهُ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجَ عَنْهُ مَا فِيهِ وَمِنْهُ الْخَتْمُ عَلَى الْبَابِ، قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَيْ: حَكَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ بِالْكُفْرِ لما سبق من علمه الأوّل فِيهِمْ، وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ: جَعَلَ عَلَى قُلُوبِهِمْ عَلَامَةً تَعْرِفُهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِهَا، وَعَلى سَمْعِهِمْ، أَيْ: عَلَى مَوْضِعِ سَمْعِهِمْ فَلَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ، وَأَرَادَ عَلَى أَسْمَاعِهِمْ كَمَا قَالَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَإِنَّمَا وَحَّدَهُ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَالْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ. وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ: هَذَا ابْتِدَاءُ كَلَامٍ، غِشَاوَةٌ أَيْ: غِطَاءٌ فَلَا يَرَوْنَ الْحَقَّ.
وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو [وَحَمْزَةُ] [9] وَالْكِسَائِيُّ: أَبْصارِهِمْ بِالْإِمَالَةِ وَكَذَلِكَ كَلُّ أَلِفٍ بَعْدَهَا رَاءٌ مَجْرُورَةٌ فِي الْأَسْمَاءِ كَانَتْ لَامَ الْفِعْلِ يُمِيلَانِهَا [10] ، وَيُمِيلُ حَمْزَةُ مِنْهَا [مَا يَتَكَرَّرُ] [11] فِيهِ الرَّاءُ «كَالْقَرَارِ» وَنَحْوِهِ، زَادَ الْكِسَائِيُّ إِمَالَةَ (جَبَّارِينَ، وَالْجَوَارِ، [وَالْجَارِ وَبَارِئِكُمْ] [12] وَمَنْ أَنْصَارِي، وَنُسَارِعُ) وَبَابِهِ، وَكَذَلِكَ يميل هؤلاء كل ألف [هي] [13] بِمَنْزِلَةِ لَامِ الْفِعْلِ أَوْ كَانَ عَلَمًا لِلتَّأْنِيثِ إِذَا كَانَ قَبْلَهَا رَاءٌ، فَعَلَمُ التَّأْنِيثِ مِثْلُ:
(الْكُبْرَى، وَالْأُخْرَى) ، وَلَامُ الْفِعْلِ مِثْلُ: (تَرَى، وفترى) ، يكسرون الراء منها [14] .
__________
(1) في المطبوع «عن» .
(2) في المطبوع «فالكافر» .
(3) زيد في المطبوع «وكفر به» .
(4) زيد في المطبوع: لا.
(5) سقط من المطبوع.
(6) سقط من المخطوط.
(7) في المطبوع: «خقق» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط.
(10) في المخطوط «يميلانه» .
(11) العبارة في المطبوع «ما» .
(12) ما بين المعقوفتين في المطبوع «مأواكم» . [.....]
(13) سقط في المطبوع.
(14) في المخطوط «فِيهَا» .(1/86)
وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ، أَيْ: فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْقَتْلُ وَالْأَسْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابُ الدَّائِمُ فِي الْعُقْبَى، والعذاب: كل ما يعيي [1] الْإِنْسَانَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، قَالَ الْخَلِيلُ [بن أحمد] : الْعَذَابُ مَا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَنْ مُرَادِهِ، وَمِنْهُ الْمَاءُ الْعَذْبُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْعَطَشَ.
قَوْلُهُ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي ابن [2] سَلُولٍ وَمُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَجَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَأَصْحَابِهِمْ، حَيْثُ أَظْهَرُوا كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ لِيَسْلَمُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَاعْتَقَدُوا خِلَافَهَا، وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّاسُ: جَمْعُ إِنْسَانٍ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ عُهِدَ إِلَيْهِ فَنَسِيَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [طه: 115] ، وَقِيلَ: لِظُهُورِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ [آنَسْتُ] [3] ، أَيْ: أَبْصَرْتُ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَيْ: بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.
يُخادِعُونَ اللَّهَ، أي: يخالفون الله، وأصل الخداع [4] فِي اللُّغَةِ الْإِخْفَاءُ، وَمِنْهُ الْمَخْدَعُ لِلْبَيْتِ الَّذِي يُخْفَى فِيهِ الْمَتَاعُ، والمخادع يظهر خلاف ما يضمر، والخداع [5] مِنَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ خادِعُهُمْ
[النِّسَاءِ:
142] ، أَيْ: يُظْهِرُ لَهُمْ وَيُعَجِّلُ لَهُمْ مِنَ النَّعِيمِ فِي الدُّنْيَا خِلَافَ مَا يَغِيبُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ:
أَصْلُ الخداع [6] : الْفَسَادُ. [مَعْنَاهُ: يُفْسِدُونَ مَا أَظْهَرُوا مِنَ الْإِيمَانِ بِمَا أَضْمَرُوا مِنَ الْكُفْرِ] [7] ، وَقَوْلُهُ:
وَهُوَ خادِعُهُمْ
، أَيْ: يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ نَعِيمَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُصَيِّرُهُمْ إِلَيْهِ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ: يُخادِعُونَ اللَّهَ، وَالْمُفَاعَلَةُ لِلْمُشَارَكَةِ وَقَدْ جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمُخَادَعَةِ؟ قِيلَ: قَدْ تَرِدُ الْمُفَاعَلَةُ لَا عَلَى مَعْنَى الْمُشَارِكَةِ كَقَوْلِكَ: عَافَاكَ اللَّهُ وَعَاقَبْتُ [8] فُلَانًا وَطَارَقْتُ النَّعْلَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ يُخَادِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ [الْأَحْزَابِ:
57] ، أَيْ: أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، وَقِيلَ: ذِكْرُ اللَّهِ هَاهُنَا [9] تَحْسِينٌ، وَالْقَصْدُ بِالْمُخَادَعَةِ الَّذِينَ آمَنُوا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ [الْأَنْفَالِ: 41] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَفْعَلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ مَا هُوَ خِدَاعٌ فِي دِينِهِمْ. وَالَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ: وَيُخَادِعُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ إِذَا رَأَوْهُمْ آمَنَّا وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، وَما يَخْدَعُونَ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: «وَمَا يُخَادِعُونَ» [10] كَالْحَرْفِ الْأَوَّلِ وَجَعَلُوهُ مِنَ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ [11] بِالْوَاحِدِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَما يَخْدَعُونَ عَلَى الْأَصْلِ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، لِأَنَّ وَبَالَ خِدَاعِهِمْ رَاجِعٌ إِلَيْهِمْ لأن الله يُطْلِعُ [12] نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِفَاقِهِمْ فَيُفْتَضَحُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْتَوْجِبُونَ الْعِقَابَ فِي الْعُقْبَى، وَما يَشْعُرُونَ، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَخْدَعُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَنَّ وَبَالَ خداعهم يعود عليهم [13] .
__________
(1) تثبت ألف- ابن- إن وقع بين علمين، لكن أحدهما هاهنا مذكر والثاني مؤنث وسلول جدة أبي. وقد ثبتت الألف في القرآن الكريم في «عيسى ابن مريم» فتنبه، والله الموفق.
(2) في المطبوع «يعني» .
(3) سقط من المطبوع.
4 في المخطوط «الخدع» .
5- في المخطوط «الخدع» .
6- في المخطوط «الخدع» .
(7) العبارة في المخطوط [معناه: ما يفسدون من ظهور الإيمان وإضمار الكفر] .
(8) في المطبوع «وعافيت» .
(9) في المخطوط «هنا» .
(10) وقع في الأصل «يخدعون» والتصويب من «م» و «كتب القراءات» .
(11) في المطبوع «يختص» .
(12) في المخطوط «أطلع» . [.....]
(13) في المخطوط «إليهم» .(1/87)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)
[سورة البقرة (2) : الآيات 10 الى 14]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (14)
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: شَكٌّ وَنِفَاقٌ، وأصل المرض الضعف، سمي الشَّكُّ فِي الدِّينِ [1] مَرَضًا لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الدِّينَ كَالْمَرَضِ يُضْعِفُ الْبَدَنَ، فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً، لِأَنَّ الْآيَاتِ كَانَتْ تَنْزِلُ تَتْرَى آيَةً بَعْدَ آيَةٍ، كُلَّمَا كَفَرُوا بِآيَةٍ ازْدَادُوا كُفْرًا وَنِفَاقًا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة: 125] ، قرأ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ فَزادَهُمُ، بِالْإِمَالَةِ، وَزَادَ حَمْزَةُ إِمَالَةَ (زَادَ) حَيْثُ وقع، (وزاغ، وخاب، وخاف، وحاق، وضاق، وطاب) ، وَالْآخَرُونَ لَا يُمِيلُونَهَا، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مُؤْلِمٌ يَخْلُصُ وَجَعُهُ إِلَى قُلُوبِهِمْ، بِما كانُوا يَكْذِبُونَ [مَا لِلْمَصْدَرِ، أَيْ: بِتَكْذِيبِهِمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فِي السِّرِّ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ] [2] يَكْذِبُونَ بِالتَّخْفِيفِ، أَيْ: بِكَذِبِهِمْ إِذْ قَالُوا: آمَنَّا وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ قرأ الكسائي (قيل، وغيض، وجيء، وحيل، وسيق، وسيئت) بروم أوائلهن الضم، ووافق أهل المدينة في (سيئ، وسيئت) وَوَافَقَ ابْنَ عَامِرٍ فِي (سِيقَ، وحيل، وسيء، وَسِيئَتْ) ، لِأَنَّ أَصْلَهَا قُوِلَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ، مِثْلَ قُتِلَ، وَكَذَلِكَ فِي أَخَوَاتِهِ، فَأُشِيرَ إِلَى الضَّمَّةِ لِتَكُونَ دَالَّةً عَلَى الْوَاوِ المنقلبة، و [قرأ] [3] الْبَاقُونَ بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، اسْتَثْقَلُوا الْحَرَكَةَ عَلَى الْوَاوِ، فَنَقَلُوا كَسْرَتَهَا إِلَى فَاءِ الْفِعْلِ وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لكسر مَا قَبْلَهَا.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ: يَعْنِي لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: لِلْيَهُودِ، أَيْ: قَالَ لَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، بِالْكُفْرِ وَتَعْوِيقِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَكْفُرُوا، وَالْكُفْرُ أَشَدُّ فَسَادًا فِي الدِّينِ، قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ: يَقُولُونَ [4] هَذَا الْقَوْلَ كَذِبًا كَقَوْلِهِمْ آمَنَّا وَهُمْ كَاذِبُونَ.
أَلا: كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ يُنَبَّهُ بِهَا الْمُخَاطَبُ، إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ، وَالنَّاسَ بِالتَّعْوِيقِ عَنِ الْإِيمَانِ، وَلكِنْ لَا يَشْعُرُونَ، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ مُفْسِدُونَ، لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِبِطَانِ الْكُفْرِ صَلَاحٌ، وَقِيلَ: لَا يَعْلَمُونَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَيْ: لِلْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: لِلْيَهُودِ، آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَغَيْرُهُ مِنْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقِيلَ: كَمَا آمَنَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَيِ: الْجُهَّالُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَصِحُّ النِّفَاقُ مَعَ الْمُجَاهَرَةِ بِقَوْلِهِمْ: أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟ قِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ هَذَا الْقَوْلَ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَا عِنْدَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لَا يَعْلَمُونَ، أنهم كذلك، والسفيه خَفِيفُ الْعَقْلِ رَقِيقُ الْحِلْمِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: ثَوْبٌ سَفِيهٌ أَيْ: رَقِيقٌ، وقيل: السفيه: الكذاب الذي [يعمل] [5] بِخِلَافِ مَا يَعْلَمُ.
قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ السُّفَهاءُ أَلا بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ هَمْزَتَيْنِ وَقَعَتَا في كلمتين
__________
(1) في المطبوع «الدنيا» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «يقول» .
(5) في المطبوع «يتعمد» .(1/88)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)
اتَّفَقَتَا أَوِ اخْتَلَفَتَا، وَالْآخَرُونَ يُحَقِّقُونَ الْأُولَى وَيَلِينُونَ الثَّانِيَةَ فِي الْمُخْتَلِفَتَيْنِ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ، فَإِنْ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ مِثْلَ: (هَؤُلَاءِ، وَأَوْلِيَاءِ، وَأُولَئِكَ، وَجَاءَ أمر ربك) ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَالْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَرَأَ أبو جعفر وورش [والنواس] [1] ويعقوب بتخفيف [2] الْأُولَى وَتَلْيِينِ الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ قَالُونُ [بتخفيف الثَّانِيَةِ] [3] لِأَنَّ مَا يُسْتَأْنَفُ أَوْلَى بِالْهَمْزَةِ مِمَّا يُسْكَتُ عَلَيْهِ.
وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ إِذَا لَقُوا الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ، قالُوا آمَنَّا كَإِيمَانِكُمْ وَإِذا خَلَوْا رَجَعُوا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الخلوة، وإِلى، بِمَعْنَى: الْبَاءِ، أَيْ: بِشَيَاطِينِهِمْ، وَقِيلَ: إِلَى بِمَعْنَى مَعَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ [النِّسَاءِ: 2] أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ.
شَياطِينِهِمْ، أَيْ: رُؤَسَائِهِمْ وَكَهَنَتِهِمْ، قال ابن عباس: وَهُمْ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ بِالْمَدِينَةِ، وَأَبُو بُرْدَةَ فِي بَنِي أَسْلَمَ، وَعَبْدُ الدَّارِ فِي جُهَيْنَةَ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ فِي بَنِي أَسَدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّوْدَاءِ [4] بِالشَّامِ، وَلَا يَكُونُ كَاهِنٌ إِلَّا وَمَعَهُ [شَيْطَانٌ] [5] تَابِعٌ لَهُ، وَالشَّيْطَانُ الْمُتَمَرِّدُ الْعَاتِي مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَأَصْلُهُ الْبُعْدُ، يُقَالُ: بِئْرٌ شُطُونٌ، أَيْ: بَعِيدَةُ الْعُمْقِ، سُمِّيَ الشَّيْطَانُ شَيْطَانًا لِامْتِدَادِهِ فِي الشَّرِّ وَبُعْدِهِ مِنَ الْخَيْرِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِلَى أَصْحَابِهِمْ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ، أَيْ: عَلَى دينكم إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِمَا نُظْهِرُ مِنَ الْإِسْلَامِ. قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: (مُسْتَهْزُونَ، وَيُسْتَهْزُونَ، وقل استهزؤوا، وَلِيُطْفُوا، وَلِيُوَاطُوا، وَيَسْتَنْبُونَكَ، وَخَاطِينَ، وَخَاطُونَ، وَمُتَّكِينَ وَمُتَّكُونَ فَمَالُونَ، وَالْمُنْشُونَ) [6] بِتَرْكِ الهمزة فيهن.
[سورة البقرة (2) : الآيات 15 الى 19]
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (19)
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، أَيْ: يُجَازِيهِمْ جَزَاءَ اسْتِهْزَائِهِمْ، سُمِّيَ الْجَزَاءُ بِاسْمِهِ لِأَنَّهُ [فِي] [7] مُقَابَلَتِهِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: 40] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ يُفْتَحَ لَهُمْ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَيْهِ سُدَّ عَنْهُمْ وَرُدُّوا إِلَى النَّارِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُضْرَبَ لِلْمُؤْمِنِينَ نور يمشون [به] [8] عَلَى الصِّرَاطِ فَإِذَا وَصَلَ الْمُنَافِقُونَ إِلَيْهِ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، كما قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [9] : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ [الحديد: 13] الآية. وقال الحسن: معناه أن اللَّهُ يُظْهِرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نِفَاقِهِمْ. وَيَمُدُّهُمْ: يتركهم ويمهلهم،
__________
(1) في المطبوع «والقواش» .
(2) في المطبوع «بتحقيق» .
(3) العبارة في المطبوع «بتليين الأولى وتحقيق الثانية» .
(4) في المخطوط «الأسود» .
(5) زيد في المطبوع.
(6) وقع في الألفاظ المتقدمة اضطراب في المطبوع حيث أثبت فوق الواو الهمزة أحيانا وحذفت أحيانا، والصواب بحذفها جميعا كما هو معلوم من قراءة أبي جعفر. والله أعلم.
(7) في المطبوع «ب» بدل «في» .
(8) زيادة عن المخطوط. [.....]
(9) زيد في المطبوع عقب لفظ «تَعَالَى» وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ وقال الله تعالى» .(1/89)
وَالْمَدُّ وَالْإِمْدَادُ وَاحِدٌ، وَأَصْلُهُ الزِّيَادَةُ إِلَّا أَنَّ الْمَدَّ [أَكْثَرُ] [1] مَا يَأْتِي فِي الشَّرِّ، وَالْإِمْدَادُ فِي الْخَيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَدِّ: وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا [مَرْيَمَ: 79] ، وَقَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ [الْإِسْرَاءِ: 6] [وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ] [2] [الطُّورِ: 22] . فِي طُغْيانِهِمْ، أَيْ: في ضلالتهم، وأصل الطغيان:
مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَمِنْهُ: طَغَى الْمَاءُ. يَعْمَهُونَ، أَيْ: يَتَرَدَّدُونَ فِي الضَّلَالَةِ مُتَحَيِّرِينَ [3] .
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى: [أي اشتروا الْكُفْرَ] [4] بِالْإِيمَانِ، فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، أَيْ: مَا رَبِحُوا فِي تِجَارَتِهِمْ، أَضَافَ الرِّبْحَ إِلَى التِّجَارَةِ لِأَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ فِيهَا كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: رَبِحَ بَيْعُكَ وَخَسِرَتْ صَفْقَتُكَ. وَما كانُوا مُهْتَدِينَ: مِنَ الضَّلَالَةِ، وَقِيلَ: مُصِيبِينَ فِي تِجَارَتِهِمْ.
مَثَلُهُمْ: شَبَهُهُمْ، وَقِيلَ: صِفَتُهُمْ، وَالْمَثَلُ قَوْلٌ سَائِرٌ فِي عُرْفِ النَّاسِ [يُعْرَفُ] [5] بِهِ مَعْنَى الشَّيْءِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ السَّبْعَةِ، كَمَثَلِ الَّذِي: يَعْنِي الَّذِينَ بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَنَظِيرُهُ:
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) [الزُّمَرِ: 33] ، اسْتَوْقَدَ ناراً: أَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضاءَتْ النَّارُ مَا حَوْلَهُ، أَيْ: حَوْلَ الْمُسْتَوْقَدِ، وَأَضَاءَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، يُقَالُ: أَضَاءَ الشيء نفسه وأضاء غيره، وهو هنا مُتَعَدٍّ، ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لَا يُبْصِرُونَ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ يَقُولُ مَثَلُهُمْ فِي نِفَاقِهِمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَوْقَدَ نَارًا فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي مَفَازَةٍ فَاسْتَدْفَأَ وَرَأَى مَا حوله فاتقى مما يخاف، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي في ظلمة خائفا مُتَحَيِّرًا، فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ بِإِظْهَارِ كَلِمَةِ الْإِيمَانِ أَمِنُوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَنَاكَحُوا الْمُؤْمِنِينَ وَوَارَثُوهُمْ وَقَاسَمُوهُمُ الْغَنَائِمَ، فَذَلِكَ نُورُهُمْ، فَإِذَا مَاتُوا عَادُوا إِلَى الظُّلْمَةِ وَالْخَوْفِ.
وَقِيلَ: ذَهَابُ نورهم في قبورهم [6] ، وَقِيلَ: فِي الْقِيَامَةِ حَيْثُ يَقُولُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ، وَقِيلَ: ذَهَابُ نُورِهِمْ بِإِظْهَارِ عَقِيدَتِهِمْ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ النَّارَ مَثَلًا، ثُمَّ لَمْ يَقُلْ:
أَطْفَأَ اللَّهُ نَارَهُمْ [7] لَكِنْ عَبَّرَ بِإِذْهَابِ النور عنه، لأن النار نُورٌ وَحَرَارَةٌ فَيَذْهَبُ نُورُهُمْ وَتَبْقَى الْحَرَارَةُ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِضَاءَةُ النَّارِ إِقْبَالُهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْهُدَى، وَذَهَابُ نُورِهِمْ إِقْبَالُهُمْ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَالضَّلَالَةِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَانْتِظَارِهِمْ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ [بِهِ] [8] عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَلَمَّا خَرَجَ كَفَرُوا بِهِ، ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فَقَالَ:
صُمٌّ، أَيْ: هُمْ صُمٌّ عَنِ الْحَقِّ لَا يَقْبَلُونَهُ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلُوا فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا، بُكْمٌ خُرْسٌ عَنِ الْحَقِّ لَا يَقُولُونَهُ [9] ، أَوْ [10] أَنَّهُمْ لَمَّا أَبْطَنُوا خِلَافَ مَا أَظْهَرُوا فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا بِالْحَقِّ، عُمْيٌ، أَيْ: لَا بَصَائِرَ لَهُمْ، وَمَنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ كَمَنْ لَا بَصَرَ لَهُ، فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَنِ الضَّلَالَةِ إِلَى الْحَقِّ.
أَوْ كَصَيِّبٍ، أَيْ: كَأَصْحَابِ صَيِّبٍ، وَهَذَا مَثَلٌ آخَرُ ضَرَبَهُ اللَّهُ تعالى للمنافقين، معناه [11] : إن
__________
(1) في المطبوع «كثيرا» .
(2) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط.
(3) في المخطوط «متحيرون» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) كذا في المطبوع وب- وفي- أ- «يعرفون» .
(6) في المطبوع «القبر» .
(7) في المخطوط «نوره» بدل «نارهم» .
(8) زيادة في المطبوع.
(9) في المخطوط «لا يقبلونه» .
(10) في المخطوط «أي» بدل: أو.
(11) في المطبوع «بمعنى» .(1/90)
شِئْتَ مَثِّلْهُمْ بِالْمُسْتَوْقَدِ، وَإِنْ شِئْتَ [مثّلهم] [1] بِأَهْلِ الصَّيِّبِ، وَقِيلَ: أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ يُرِيدُ، وَكَصَيِّبٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ يَزِيدُونَ [الصافات: 147] ، بِمَعْنَى: وَيَزِيدُونَ، وَالصَّيِّبُ: الْمَطَرُ وَكُلُّ مَا نَزَلْ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الأسفل فهو صيّب [2] ، مِنْ صَابَ يَصُوبُ، أَيْ: نَزَلَ مِنَ السَّماءِ، أَيْ: مِنَ السَّحَابِ.
وقيل: هِيَ السَّمَاءُ بِعَيْنِهَا، وَالسَّمَاءُ كُلُّ مَا عَلَاكَ فَأَظَلَّكَ، وَهِيَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ يَكُونُ وَاحِدًا وَجَمْعًا. فِيهِ، أَيْ: فِي الصَّيِّبِ، وَقِيلَ: في السماء، أي: في السَّحَابِ، وَلِذَلِكَ ذَكَّرَهُ، وَقِيلَ:
السَّمَاءُ تذكّر وتؤنّث، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ [الْمُزَّمِّلِ: 18] ، وَقَالَ: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1) [الِانْفِطَارِ: 1] ، ظُلُماتٌ: جَمْعُ ظُلْمَةٍ وَرَعْدٌ: وهو الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ، وَبَرْقٌ:
وهو النَّارُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ، قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: الرَّعْدُ اسْمُ مَلَكٍ يَسُوقُ السَّحَابَ، وَالْبَرْقُ لَمَعَانُ سَوْطٍ مِنْ نُورٍ، يَزْجُرُ بِهِ الْمَلَكُ السَّحَابَ، وَقِيلَ: الصَّوْتُ زَجْرُ السَّحَابِ، وَقِيلَ: تَسْبِيحُ الْمَلَكِ، وَقِيلَ: الرَّعْدُ نُطْقُ الْمَلَكِ وَالْبَرْقُ ضَحِكُهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الرَّعْدُ اسْمُ الْمَلَكِ، وَيُقَالُ لِصَوْتِهِ أَيْضًا: رَعْدٌ، وَالْبَرْقُ: [مَصَعَ] [3] مَلَكٌ يَسُوقُ السَّحَابَ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: الرعد ملك يزجر [السَّحَابَ] فَإِذَا تَبَدَّدَتْ ضَمَّهَا فَإِذَا اشْتَدَّ غَضَبُهُ طَارَتْ مِنْ فِيهِ النَّارُ فَهِيَ الصَّوَاعِقُ، وَقِيلَ: الرَّعْدُ صوت انخراق [4] الرِّيحِ بَيْنَ السَّحَابِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ: جَمْعُ صَاعِقَةٍ، وَهِيَ الصَّيْحَةُ الَّتِي يَمُوتُ مَنْ يَسْمَعُهَا أَوْ يُغْشَى عَلَيْهِ، وَيُقَالُ لِكُلِّ عَذَابٍ مهلك: صاعقة، وقال: الصَّاعِقَةُ قِطْعَةُ عَذَابٍ يُنْزِلُهَا اللَّهُ على من يشاء.
ع «38» رُوِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ» .
قَوْلُهُ: حَذَرَ الْمَوْتِ، أَيْ: مَخَافَةَ الْهَلَاكِ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، أَيْ: عَالِمٌ بهم وقيل جامعهم قال مُجَاهِدٌ: يَجْمَعُهُمْ فَيُعَذِّبُهُمْ، وَقَيْلَ: مُهْلِكُهُمْ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يُوسُفَ: 66] ، أَيْ: تُهْلَكُوا جَمِيعًا. وَيُمِيلُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ «الْكَافِرِينَ» فِي مَحَلِّ النَّصْبِ [5] وَالْخَفْضِ، وَلَا يُمِيلَانِ:
أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة: 41] .
__________
38- ع ضعيف. أخرجه الترمذي 3446 والنسائي في «الكبرى» (8399 و10764) والبخاري في «الأدب المفرد» (721) وأحمد 2/ 100 وابن السني في «عمل اليوم والليلة» (303) وأبو يعلى 5507 والدولابي في «الكنى» (2/ 117) من حديث ابن عمر، وفي إسناده أبو مطر، وهو مجهول، والحجاج بن أرطأة ضعيف.
وضعف إسناده النووي في «الأذكار» (463) وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلا من هذا الوجه: وهذا توهين منه للحديث.
(1) زيادة عن المخطوط. [.....]
(2) زيد في المطبوع «فعيل» .
(3) في المطبوع «اسم» وفي المخطوط «مضغ» والمثبت عن كتب الحديث والأثر، انظر تفسير الطبري (1/ 87) و «الدر المنثور» (4/ 94) .
(4) في نسخة من المخطوط «انخفاض» ولعل الصواب «انخراق» بالخاء.
(5) في المطبوع «أو» .(1/91)
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)
[سورة البقرة (2) : الآيات 20 الى 23]
يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (23)
يَكادُ الْبَرْقُ، أَيْ: يَقْرُبُ، يُقَالُ: كَادَ يَفْعَلُ إِذَا قَرُبَ وَلَمْ يَفْعَلْ، يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ: يَخْتَلِسُهَا، وَالْخَطْفُ استلاب [1] بسرعة، كُلَّما: [كلّ حَرْفٌ جُمْلَةً، ضُمَّ إِلَى مَا الْجَزَاءِ] [2] فَصَارَ أَدَاةً لِلتَّكْرَارِ، وَمَعْنَاهُمَا [3] مَتَى مَا، أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا، أَيْ: وَقَفُوا مُتَحَيِّرِينَ، فَاللَّهُ تَعَالَى شَبَّهَهُمْ فِي كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ بِقَوْمٍ كانوا في مفازة وسواد فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِيهِ ظُلُمَاتٌ، مِنْ صِفَتِهَا أَنَّ السَّارِيَ [4] لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهَا، وَرَعْدٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَضُمَّ السَّامِعُونَ أَصَابِعَهُمْ إِلَى [5] آذَانِهِمْ مِنْ هَوْلِهِ، وَبَرْقٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ أَنْ يَخْطِفَ أَبْصَارَهُمْ وَيُعْمِيَهَا مِنْ شِدَّةِ تَوَقُّدِهِ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْقُرْآنِ، وَصَنِيعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعَهُ، فَالْمَطَرُ: الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ حَيَاةُ الْجِنَانِ كَمَا أَنَّ الْمَطَرَ [6] حَيَاةُ الْأَبْدَانِ، وَالظُّلُمَاتُ: مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ، وَالرَّعْدُ: مَا خُوِّفُوا بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ، وَذِكْرِ النَّارِ وَالْبَرْقُ مَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى وَالْبَيَانِ والوعد وذكر الجنّة، فالكافرون يَسُدُّونَ آذَانَهُمْ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَخَافَةَ مَيْلِ الْقَلْبِ إِلَيْهِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ، وَالْكُفْرُ مَوْتٌ، يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ أَيِ: الْقُرْآنُ يَبْهَرُ قُلُوبَهُمْ، وَقِيلَ: هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، فَالْمَطَرُ: الْإِسْلَامُ، وَالظُّلُمَاتُ: مَا فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ، وَالرَّعْدُ: مَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْمَخَاوِفِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْبَرْقُ: مَا فِيهِ مِنَ الْوَعْدِ.
يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ [البقرة: 19] ، يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا رَأَوْا فِي الْإِسْلَامِ بَلَاءً وَشِدَّةً هَرَبُوا حَذَرًا مِنَ الْهَلَاكِ [7] ، وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ: جَامِعُهُمْ، يَعْنِي: لَا يَنْفَعُهُمْ هَرَبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ وَرَائِهِمْ يَجْمَعُهُمْ فَيُعَذِّبُهُمْ.
يَكادُ الْبَرْقُ، يَعْنِي: دَلَائِلَ الْإِسْلَامِ تُزْعِجُهُمْ إِلَى النَّظَرِ لَوْلَا مَا سَبَقَ لَهُمْ مِنَ الشَّقَاوَةِ.
كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ، يَعْنِي: أَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا أَظْهَرُوا كَلِمَةَ الْإِيمَانِ آمَنُوا فَإِذَا مَاتُوا عَادُوا إِلَى الظُّلْمَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُلَّمَا نَالُوا غَنِيمَةً وَرَاحَةً فِي الْإِسْلَامِ ثَبَتُوا وَقَالُوا: إِنَّا مَعَكُمْ، وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ، يعني: رأوا شدّة وبلاء قامُوا [أي تأخروا] ووقفوا [أو قعدوا] [8] كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الْحَجِّ: 11] .
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ، أَيْ: بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ الظَّاهِرَةِ، كَمَا ذَهَبَ بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمُ الْبَاطِنَةِ، وَقِيلَ: لَذَهَبَ بِمَا اسْتَفَادُوا مِنَ الْعِزِّ وَالْأَمَانِ الَّذِي لَهُمْ بمنزلة السمع والبصر، إِنَ
__________
(1) في المخطوط «استيلاء» .
(2) العبارة في المخطوط [حرف كل ضم الجزاء] .
(3) في المخطوط «ومعناه» .
(4) السرى: سير عامة الليل.
(5) في المخطوط «في» .
(6) في المطبوع «المطهر» وفي نسخة من المخطوط «كالمطر» .
(7) في المخطوط «البلاء» .
(8) زيادة عن المخطوط.(1/92)
اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: قَادِرٌ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ: «شَاءَ، وَجَاءَ» ، حَيْثُ كَانَ بِالْإِمَالَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ.
قال ابن عباس يا أَيُّهَا النَّاسُ خطاب لأهل [1] مَكَّةَ، وَيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خطاب لأهل الْمَدِينَةِ، وَهُوَ هَاهُنَا عَامٌّ إِلَّا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الصِّغَارُ وَالْمَجَانِينُ. اعْبُدُوا: وَحِّدُوا.
قَالَ ابن عباس: كَلُّ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ من العبادة فمعناه [2] التَّوْحِيدُ.
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ: وَالْخَلْقُ اخْتِرَاعُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَيْ:
وَخَلَقَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ.
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ: لعلكم [3] تنجون مِنَ الْعَذَابِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُونُوا عَلَى رَجَاءِ التَّقْوَى بِأَنْ تَصِيرُوا فِي سَتْرٍ وَوِقَايَةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَحُكْمُ اللَّهِ مِنْ وَرَائِكُمْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ كَمَا قَالَ: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى (44) [طه: 44] ، أَيِ: ادْعُوَاهُ [4] إِلَى الْحَقِّ وَكُونَا [5] عَلَى رَجَاءِ التَّذَكُّرِ، وَحُكْمُ اللَّهِ مِنْ وَرَائِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: لَعَلَّ وَعَسَى حَرْفَا تَرَجٍّ، وَهُمَا مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ.
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً، أَيْ: بِسَاطًا، وَقِيلَ: مَنَامًا، وَقِيلَ: وِطَاءً [6] ، أَيْ: ذَلَّلَهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا حَزْنَةً لا يمكن القرار عليها، وَالْجَعْلُ هَاهُنَا بِمَعْنَى: الْخَلْقِ، وَالسَّماءَ بِناءً، أي: سقفا مَرْفُوعًا، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ، أَيْ: [7] السحاب، ماءً، وهو الْمَطَرَ، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ: من أَلْوَانَ الثَّمَرَاتِ وَأَنْوَاعَ النَّبَاتِ، رِزْقاً لَكُمْ: طَعَامًا لَكُمْ وَعَلَفًا لِدَوَابِّكُمْ، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً، أَيْ:
أمثالا تعبدونهم كعبادة الله.
وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: النِّدُّ الضِّدُّ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَرِيءٌ مِنَ الْمِثْلِ وَالضِّدِّ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنّه واحد خلق [8] هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.
وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ، أي: [9] شك [معناه: وإن كنتم] [10] ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُمْ شَاكُّونَ مِمَّا نَزَّلْنا، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، عَلى عَبْدِنا: مُحَمَّدٍ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] ، فَأْتُوا: أَمْرُ تَعْجِيزٍ، بِسُورَةٍ، وَالسُّورَةُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مَعْلُومَةُ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ، مِنْ أَسْأَرْتُ [11] ، أَيْ: أَفْضَلْتُ [12] وحذفت الْهَمْزَةُ.
وَقِيلَ: السُّورَةُ اسْمٌ لِلْمَنْزِلَةِ الرفيعة، ومنه سور البلد لِارْتِفَاعِهِ، سُمِّيَتْ سُورَةً لِأَنَّ الْقَارِئَ يَنَالُ بِقِرَاءَتِهَا مَنْزِلَةً رَفِيعَةً حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْمَنَازِلَ بِاسْتِكْمَالِهِ سُوَرَ الْقُرْآنِ، مِنْ مِثْلِهِ، أَيْ: مِثْلِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ:
صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ [النُّورِ: 30] ، وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي مَثَلِهِ رَاجِعَةٌ إلى
__________
(1) في المطبوع «أهل» .
(2) في المطبوع «فمعناها» . [.....]
(3) في المطبوع «لكي» .
(4) في المطبوع «ادعوه» .
(5) في المخطوط «وكونوا» .
(6) في القاموس: الوطاء: خلاف الغطاء.
(7) زيد في المطبوع «من» .
(8) في المطبوع «خالق» .
(9) زيد في المطبوع «وإن كنتم في» .
(10) سقط من المطبوع.
(11) في المطبوع «أسارت» والتصويب عن «لسان العرب» (4/ 387) .
(12) كذا في المطبوع و «اللسان» (4/ 387) وهو الصواب.
وفي المخطوط- أ- «أفصلت» وفي- ب- «فصلت» .(1/93)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي: مِنْ مِثْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِّيٌّ لَا يحسن الخط والكتابة. وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ، أَيْ: وَاسْتَعِينُوا بِآلِهَتِكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَاسًا يَشْهَدُونَ لَكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ: أَنَّ مُحَمَّدًا صلّى الله عليه وسلّم تقوّله مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا تَحَدَّاهُمْ عجزوا، فقال:
[سورة البقرة (2) : الآيات 24 الى 25]
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (24) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ (25)
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا، فِيمَا مَضَى وَلَنْ تَفْعَلُوا، أَبَدًا فِيمَا بَقِيَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْإِعْجَازِ، وأن القرآن كان معجزة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ عَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، قوله: فَاتَّقُوا النَّارَ، أَيْ: فَآمِنُوا وَاتَّقُوا بِالْإِيمَانِ النَّارَ، الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: يَعْنِي حِجَارَةَ الْكِبْرِيتِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ الْتِهَابًا، وَقِيلَ: جَمِيعُ [1] الْحِجَارَةِ، وهو دليل على عظم تِلْكَ النَّارِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْأَصْنَامَ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَصْنَامِهِمْ كَانَتْ مَنْحُوتَةً مِنَ الْحِجَارَةِ، كَمَا قَالَ: إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاءِ: 98] ، أُعِدَّتْ: هيّئت لِلْكافِرِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ: أَخْبِرْ، وَالْبِشَارَةُ: كُلُّ خَبَرِ صدق يتغيّر [2] بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِي الْخَيْرِ أَغْلَبُ.
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أَيِ: الْفِعْلَاتِ الصَّالِحَاتِ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ [الَّذِينَ هُمْ] [3] مِنْ أَهْلِ الطَّاعَاتِ، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عفان رضي الله تعالى عَنْهُ: وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، أَيْ: أَخْلَصُوا الْأَعْمَالَ كَمَا قَالَ: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً [الكهف: 110] ، أي: خاليا عن الرِّيَاءِ، قَالَ مُعَاذٌ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْعِلْمُ وَالنِّيَّةُ وَالصَّبْرُ وَالْإِخْلَاصُ.
أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ: جَمْعُ الْجَنَّةِ، وَالْجَنَّةُ: الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ، سُمِّيَتْ بِهَا لِاجْتِنَانِهَا وَتَسَتُّرِهَا بِالْأَشْجَارِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْجَنَّةُ مَا فِيهِ النَّخِيلُ، وَالْفِرْدَوْسُ مَا فِيهِ الْكَرْمُ.
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا، أَيْ: مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا وَمَسَاكِنِهَا الْأَنْهارُ، أَيِ: الْمِيَاهُ فِي الْأَنْهَارِ، لِأَنَّ النَّهْرَ لَا يَجْرِي، وَقِيلَ: مِنْ تَحْتِهَا أَيْ: بأمرهم كقوله [4] تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي [الزُّخْرُفِ: 51] ، أَيْ [5] : بِأَمْرِي، وَالْأَنْهَارُ جَمْعُ نَهْرٍ، سُمِّيَ بِهِ لِسِعَتِهِ وَضِيَائِهِ، وَمِنْهُ النَّهَارُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَجْرِي فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ» [6] .
كُلَّما: مَتَى مَا، رُزِقُوا: أُطْعِمُوا مِنْها أَيْ: مِنَ الْجَنَّةِ، مِنْ ثَمَرَةٍ أي: ثمرة، ومن: صِلَةٌ، رِزْقاً: طَعَامًا، قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ، قبل [7] : رَفْعٌ عَلَى الْغَايَةِ، قَالَ اللَّهُ
__________
(1) في المطبوع «جمع» .
(2) في المطبوع «تتغير» .
(3) زيادة في المطبوع.
(4) في المطبوع «لقوله» . [.....]
(5) سقط لفظ «أي» من المطبوع.
(6) لا أصل له في المرفوع وإنما هو من قول مسروق بن الأجدع كما في «تفسير الطبري» (509) وليس بالمرفوع، فتنبه، والله الموفق
(7) في المطبوع «وقبل» .(1/94)
تَعَالَى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الرُّومِ: 4] ، قِيلَ: مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: الثِّمَارُ فِي الْجَنَّةِ مُتَشَابِهَةٌ فِي اللَّوْنِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الطَّعْمِ، فَإِذَا رُزِقُوا ثَمَرَةً بَعْدَ أُخْرَى ظَنُّوا أَنَّهَا الأولى، وَأُتُوا بِهِ [أي:
الرزق] [1] .
مُتَشابِهاً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ: مُتَشَابِهًا فِي الْأَلْوَانِ مُخْتَلِفًا فِي الطُّعُومِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مُتَشَابِهًا أَيْ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْجَوْدَةِ، أَيْ: كُلُّهَا خِيَارٌ لَا رَذَالَةَ فِيهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ:
يُشْبِهُ ثَمَرَ الدُّنْيَا، غَيْرَ أَنَّهَا أَطْيَبُ، وَقِيلَ: مُتَشَابِهًا فِي الِاسْمِ مُخْتَلِفًا فِي الطَّعْمِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنه: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الجنة [شيء] [2] إلا الأسامي.
«39» أَنَا أَبُو حَامِدٍ [أَحْمَدُ] [3] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ [عَبْدِ اللَّهِ] [4] الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [5] ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَبْزُقُونَ، يُلْهَمُونَ الْحَمْدَ والتسبيح كما يلهمون [6] النَّفَسَ، طَعَامُهُمُ [7] الْجُشَاءُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيها: فِي الجنات [8] أَزْواجٌ: نساء وجوار، يَعْنِي: مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، مُطَهَّرَةٌ: مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ والبصاق والمخاط والمني والولد [والودي] [9] [وَكُلُّ] قَذَرٍ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: فِي الْجَنَّةِ جِمَاعٌ مَا شِئْتَ وَلَا وَلَدَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُنَّ عجائزكم العمص [10] الْعُمْشُ طُهِّرْنَ مِنْ قَذَرَاتِ الدُّنْيَا، وقيل: مطهرة من [11] مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ، وَهُمْ فِيها خالِدُونَ، دائمون [فيها] لا يموتون ولا يخرجون منها.
__________
39- إسناده صحيح على شرط مسلم، سفيان هو ابن سعيد، والأعمش هو سليمان بن مهران، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع الواسطي، وهو في «شرح السنة» (4271) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2835 وأبو داود 4741 والطيالسي 1776 وأحمد 3/ 349 و384 والدارمي 2/ 335 وأبو يعلى 1906 و2052 وابن حبان 7435 وأبو نعيم في «صفة الجنة» (274 و334) والبغوي في «شرح السنة» (4375) والبيهقي في «البعث» (316) من طرق كلهم من حديث جابر، ورواية أبي داود مختصرة جدا.
(1) العبارة في المطبوع «رزقا» .
(2) زيادة عن تفسير الطبري 535.
(3) زيادة عن كتب التراجم.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومن «ط» .
(5) في الأصل «البزي» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وكتاب «الأنساب» .
(6) في المطبوع «تلهمون» .
(7) كذا في الأصل، ورواية مسلم «ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك» ورواية أخرى له «قالوا: فما بال الطعام؟ قال:
جشاء ورشح كرشح المسك» - قوله: «فما بال الطعام» أي أين يذهب- ورواية ابن حبان «طعامهم له جشاء، وريحهم المسك» .
ورواية لأبي نعيم «وإنه يصير طعامهم جشاء، وشرابهم رشح مسك» .
والجشاء: تنفس المعدة من الامتلاء.
وفي النهاية لابن الأثير «الجشّاء» بتشديد الشين: الطحال.
(8) في المطبوع «جنان» .
(9) زيادة عن المخطوط.
(10) في المطبوع «الغمص» . [.....]
(11) في المطبوع «عن» .(1/95)
«40» أَنَا أَبُو عَمْرٍو [1] عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ [2] ، أَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ [3] ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ [4] ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ» .
4»
أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [5] الْمَلِيحِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا فُضَيْلٌ هُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ [تَدْخُلُ] [6] الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُورَةُ وُجُوهِهِمْ مِثْلُ صورة القمر ليلة
__________
(1) في الأصل «أبو عمرو وعبد الواحد» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(2) في الأصل «المليجي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(3) في الأصل «العزيزي» والتصويب عن «ط» وكتاب «الأنساب» للسمعاني.
40- إسناده صحيح على شرطهما. الفربري هو أحد رواة صحيح البخاري. جرير هو ابن عبد الحميد، وعمارة هو ابن القعقاع بن شبرمة. أبو زرعة هو ابن عمرو بن جرير قيل: اسمه هرم، وقيل غير ذلك.
وهو في «شرح السنة» (4269) بهذا الإسناد.
في «صحيح البخاري» (3327) عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 3245 و3246 ومسلم 2834 والترمذي 2537 وعبد الرزاق في «المصنف» (20866) وأحمد 2/ 316 وأبو نعيم في «صفة الجنة» (243) من حديث أبي هريرة.
(4) الألوّة: هو العود الذي يتبخر به- العود الهندي.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) العبارة في المطبوع «من يدخل» .
41- إسناده ضعيف لضعف عطية بن سعد العوفي، وتقدم ذكره في المقدمة، وباقي رجال الإسناد ثقات، علي بن الجعد من رجال البخاري، وشيخه فضيل بن مرزوق، من رجال مسلم. وقد توبع عطية على صدر الحديث، وتفرد ببعض ألفاظ عجزه دون بعض.
- وهو في «شرح السنة» (4270) بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق أبي القاسم البغوي، وهو في «الجعديات» (2005) عن علي بن الجعد بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 2522 و2535 وابن أبي شيبة 15864 (13/ 120) وأبو نعيم في «صفة الجنة» (251) وأحمد 3/ 16 والطبراني في «الأوسط» (919) وابن عدي في «الكامل» (6/ 19) من حديث أبي سعيد الخدري، ومداره على عطية العوفي، وهو ضعيف.
قال الهيثمي في «المجمع» (18716) : وفي إسناده أبي سعيد عطية، والأكثر على تضعيفه اهـ. ومع ذلك قال الترمذي:
حسن صحيح! وورد عجزه بلفظ «يرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة حتى يرى مخها» وهذا ورد من حديث ابن مسعود، أخرجه الترمذي 2533 وابن حبان 7396 بإسناد ضعيف فيه عطاء بن السائب، وقد اختلط. وصوب الترمذي فيه الوقف. وهو الصواب، والغريب في المتن لفظ «على كل زوجة سبعون حلة» فهذا من مناكير عطية العوفي، حيث تفرد به، ولم يتابع عليه. وكذا تفرد بلفظ «دمائهما وحللهما» فهو من منكراته، وقد ورد هذا الحديث عن أبي هريرة مرفوعا، أخرجه البخاري 3254 ومسلم 2834 لكن عجزه عندهما «ولكل واحد منهما زوجتان، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم» فهذا هو الصحيح في هذا [الحديث- والله أعلم.(1/96)
الْبَدْرِ، وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ الْكَوَاكِبِ فِي السَّمَاءِ، لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً يُرَى مُخُّ سوقهن دون لحومهن ودمائهن وحللهن» [1] .
«42» أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا [أَبُو] [2] عَبْدِ الرَّحْمَنِ [3] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطّلعت إلى الْأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا، وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا وَلَنَصِيفُهَا [4] عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فيها» ، صحيح [أخرجه مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمد عن معاوية بن عمرو عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ] [5] .
«43» أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [مُحَمَّدُ] [6] بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ [بْنُ مُحَمَّدِ] [7] بْنِ مُسْلِمٍ [8] أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ [9] أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْفَرَجِ الْحِمْصِيُّ، أَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ عَنِ الضَّحَّاكِ الْمَعَافِرِيِّ [10] عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى حَدَّثَنِي كُرَيْبٌ أَنَّهُ سَمِعَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ:
__________
(1) في المطبوع «لحومها ودمائها وحللها» . وفي «شرح السنة» 4270 «لحومهما ودمائهما وحللهما» .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، واستدرك من «شرح السنة» و «الأنساب» (4/ 97) .
(3) زيد في الأصل بين «عبد الرحمن» و «عبد الله» : «بن أبي شريح أنا» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب» .
(4) النصيف: الخمار- وقد نصفت المرأة رأسها بالخمار، وانتصفت الجارية وتنصفت أي: اختمرت.
(5) زيد في المطبوع، وهو في «شرح السنة» 4272. [.....]
(6) زيد في المطبوع.
(7) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» و «الأنساب» (2/ 113) للسمعاني.
(8) زيد في الأصل بين «مسلم» و «أبو بكر» : «أنا» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب» .
(9) وقع في الأصل «الجوريدي» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» وراجع التعليق على كتاب «الأنساب» (2/ 113) .
(10) في الأصل «المغافري» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وعن كتب التراجم.
42- إسناده صحيح على شرطهما، حميد هو ابن أبي حميد أبو عبيدة البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، كما في «التقريب» .
وهو في «شرح السنة» (4272) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2796 و6568 والترمذي 1651 وأحمد 3/ 141 و263 وأبو نعيم في «صفة الجنة» (380) وأبو يعلى 3775 وابن حبان 7398 من طرق كلهم من حديث أنس، وصدره عند البخاري وغيره «غدوة في سبيل أو روحة، خير من الدنيا وما فيها ... » .
43- إسناده ضعيف، الضحاك المعافري، وثقه ابن حبان وحده، وقال الذهبي في «الميزان» : لا يعرف. وسليمان بن موسى، ضعفه قوم، ووثقه آخرون، وباقي رجال الإسناد ثقات. كريب هو مولى ابن عباس، وهو كريب بن أبي مسلم.
وهو في «شرح السنة» (4282) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه 4332 والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 336) وابن حبان 7381 وأبو نعيم 24 والطبراني في «الكبير» (388) وأبو الشيخ في «العظمة» (601) والرامهرمزي في «الأمثال» (107) والبيهقي في «البعث» (391) والبغوي 4386 من طرق عن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار بهذا الإسناد.
وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد فيه مقال، الضحاك المعافري ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال الذهبي في «طبقات التهذيب» : مجهول. سليمان بن موسى الأموي مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات اهـ.(1/97)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا هَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا، وَهِيَ- وَرَبِّ الْكَعْبَةِ- نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ [1] ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ وَمَقَامُ أَبَدٍ فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ [وَفَاكِهَةٌ] [2] خَضِرَةٌ وَحِبَرَةٌ، وَنِعْمَةٌ فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ» ، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ: «قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، قَالَ الْقَوْمُ: إِنْ شَاءَ الله.
ع «44» وَرَوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ ولا تبلى ثيابهم» .
«45» وأنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ، أَنَا الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ الْحَدَّادِيُّ أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَنَا إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ النعمان بن سعد [3] عن علي قال:
__________
(1) مطّرد: أي جار عليها. من اطّرد الشيء أي تبع بعضه بعضا وجرى.
(2) كذا في الأصل، وأما عند ابن ماجه وغيره، فقد ورد ذكر «الفاكهة» بعد قوله «ونهر مطّرد» .
44- ع حديث جيد قوي بمجموع طرقه وشواهده.
أخرجه الترمذي 2539 والدارمي 3829 وأبو نعيم في «صفة الجنة» (256) من حديث أبي هريرة، ومداره على شهر بن حوشب وهو كثير الإرسال والتدليس، وقد عنعن وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب اهـ.
- وورد من طريق آخر عند أحمد 2/ 295 و415 وابن عدي 5/ 198 والطبراني في «الصغير» (808) وفي «الأوسط» (5418) والبيهقي في «البعث» (463 و465) وفي إسناده عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وهو ضعيف.
وقال الهيثمي في «المجمع» (10/ 399) : وإسناده حسن وفي الصحيح بعضه اهـ.
- وله شاهد من أنس بن مالك أخرجه الطبراني في «الصغير» (1164) وابن أبي داود في «البعث» (65) وأبو نعيم في «الحلية» (3/ 56) والبيهقي في «البعث» (462) .
وفي إسناده هارون بن رئاب، وهو ثقة، لكن مختلف في سماعه من أنس كما في التهذيب.
- وله شاهد آخر من حديث معاذ بن جبل أخرجه الترمذي 2545 وأحمد 5/ 232 و239 و243 وأبو نعيم في «صفة الجنة» (257) وفي إسناده شهر بن حوشب. وهو حسن الحديث في المتابعات.
وقال الترمذي: حسن غريب، وبعض أصحاب قتادة رووا هذا عن قتادة مرسلا، ولم يسندوه اهـ.
- وحديث أبي هريرة حسّنه لشواهده الأرناؤوط في «جامع الأصول» (8081) وهو حديث حسن صحيح، ولأصله شواهد.
45- إسناده ضعيف جدا، فيه عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة الواسطي، وهو ضعيف، متروك الحديث. وشيخه النعمان بن سعد مجهول. والوهن فقط في صدره، أما عجزه فله شواهد.
وهو في «شرح السنة» (4284) بهذا الإسناد. لكن جعله موقوفا.
وورد مرفوعا وأخرجه الترمذي 2550 و2564 وابن أبي شيبة 13/ 100- 101 وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (1/ 156) وأبو يعلى 268 وابن عدي 4/ 305 وأبو نعيم في «صفة الجنة» (418) وابن الجوزي في «الموضوعات» (3/ 256) وفي «العلل المتناهية» (1555) والبيهقي في «البعث» (418) من حديث علي بن أبي طالب، وقال الترمذي: هذا حديث غريب اهـ وكذا استغربه العراقي في تخريج الإحياء 4/ 525، وهذا توهين منهما للحديث.
وقال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، والمتهم به عبد الرحمن بن إسحاق، أبو شيبة الواسطي. قال أحمد: ليس بشيء منكر الحديث، وقال يحيى: متروك اهـ. قلت: الوهن فقط في صدره، وأما عجزه، وهو غناء الحور العين إلخ، فله شواهد لكنها ضعيفة. راجع «الترغيب والترهيب» (4/ 447) فصل «غناء الحور العين» ، وكذا «المجمع» (10/ 419) .
(3) وقع في الأصل «سعيد» والتصويب من كتب التراجم.(1/98)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
[قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [1] : «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا لَيْسَ فِيهَا بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ إِلَّا الصُّوَرَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلَ صُورَةً دخلها [2] ، وإن فيها لمجتمع حور الْعِينِ يُنَادِينَ بِصَوْتٍ لَمْ يَسْمَعِ الخلائق بمثلها [3] : نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَبِيدُ أَبَدًا وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ أَبَدًا، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ [أَبَدًا] [4] ، فَطُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا [وَكُنَّا لَهُ] [5] أَوْ نَحْنُ لَهُ» .
وَرَوَاهُ أَبُو عِيسَى عَنْ هَنَّادٍ وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا وَقَالَ: [هَذَا] [6] حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
«46» أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ [7] بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَصْرِيُّ، أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ]
عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا يَأْتُونَهَا كُلَّ جُمْعَةٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا فَيَرْجِعُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ وَقَدِ ازْدَادُوا حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُ لَهُمْ أهلوهم [9] : وَاللَّهِ لَقَدِ ازْدَدْتُمْ [بَعْدَنَا] حُسْنًا وَجَمَالًا، فَيَقُولُونَ: وَأَنْتُمْ وَاللَّهِ لَقَدِ ازددتم [بعدنا] [10] حسنا وجمالا» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 27]
إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (27)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَما فَوْقَها.
سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالذُّبَابِ وَالْعَنْكَبُوتِ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ [الْحَجِّ: 73] ، وَقَالَ: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ
__________
46- إسناده صحيح على شرط مسلم: ثابت هو ابن أسلم البناني.
وهو في «شرح السنة» (4285) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (2833) عن أبي عثمان بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة 13/ 150 وأحمد 3/ 284 و285 والدارمي 2845 وأبو نعيم 417 والبغوي في «شرح السنة» (15/ 226- 227) والبيهقي في «البعث» (417) من حديث أنس.
(1) زيد في المطبوع، وفي نسخة- ط- وليس هو في المخطوط وشرح السنة لكن يؤيد الأول هو أنه أخرجه الترمذي وابن أبي شيبة وغيرهما مرفوعا كما في التخريج، فالله أعلم. [.....]
(2) في المطبوع «دخل فيها» .
(3) في المطبوع «مثله» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المخطوط.
(6) سقط من المخطوط.
(7) وقع في الأصل «سعد» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» وعن «صحيح مسلم» .
(8) في الأصل «مسلمة» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(9) في المطبوع «أهلهم» .
(10) سقط من المخطوط.(1/99)
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً [العنكبوت: 41] ، قالت اليهود: ماذا [1] أَرَادَ اللَّهُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَسِيسَةِ؟.
وَقِيلَ: قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّا لَا نَعْبُدُ إِلَهَا يَذْكُرُ مِثْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي، أَيْ: لَا يَتْرُكُ وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا [أي] [2] يَذْكُرُ شَبَهًا، مَا بَعُوضَةً، مَا:
صلة، أي: مثلا بالبعوضة، وبعوضة: نَصْبُ بَدَلٍ عَنِ الْمَثَلِ، وَالْبَعُوضُ صغار البق، سمّيت بعوضة لأنها [3] بَعْضُ الْبَقِّ، فَما فَوْقَها، يَعْنِي: الذُّبَابَ وَالْعَنْكَبُوتَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَيْ: فَمَا دُونَهَا، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ جَاهِلٌ، فَيُقَالُ: وَفَوْقَ ذَلِكَ، أَيْ: وَأَجْهَلُ.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا: بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ، يَعْنِي: الْمَثَلُ هُوَ الْحَقُّ: الصِّدْقُ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا؟ أَيْ: بِهَذَا الْمَثَلِ، فَلَمَّا حَذَفَ الألف واللام نصب عَلَى الْحَالِ وَالْقَطْعِ، ثُمَّ أَجَابَهُمْ فقال: يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً من الكفار، وذلك أنهم يكذبون فَيَزْدَادُونَ ضَلَالًا، وَيَهْدِي بِهِ، أَيْ: بهذا المثل كَثِيراً من الْمُؤْمِنِينَ فَيُصَدِّقُونَهُ، وَالْإِضْلَالُ هُوَ الصَّرْفُ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ [4] ، وَقِيلَ: هُوَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: ضَلَّ الْمَاءُ فِي اللَّبَنِ إِذَا هَلَكَ، وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ: الْكَافِرِينَ، وَأَصْلُ الْفِسْقَ: الْخُرُوجُ، يُقَالُ: فَسَقَتِ الرطبة إذا خرجت عن قِشْرِهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: 50] ، أَيْ: خَرَجَ، ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ:
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ: يُخَالِفُونَ وَيَتْرُكُونَ، وَأَصْلُ النَّقْضِ: الْكَسْرُ، عَهْدَ اللَّهِ: أَمْرُ اللَّهِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْمِيثَاقِ بِقَوْلِهِ: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: 172] ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعَهْدَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَسَائِرِ الْأُمَمِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [آلِ عِمْرَانَ: 81] الْآيَةَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعَهْدَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُبَيِّنُوا نَعْتَهُ، مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ:
تَوْكِيدِهِ، وَالْمِيثَاقُ: الْعَهْدُ الْمُؤَكَّدُ، وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، يَعْنِي: الْإِيمَانَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء: 150] ، وَقَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْأَرْحَامَ، وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ: بِالْمَعَاصِي وَتَعْوِيقِ النَّاسِ عَنِ الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْقُرْآنِ، أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ: الْمَغْبُونُونَ، ثُمَّ قَالَ لِمُشْرِكِي العرب على وجه التعجب:
[سورة البقرة (2) : الآيات 28 الى 29]
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ؟ بَعْدَ نَصْبِ الدَّلَائِلِ وَوُضُوحِ الْبَرَاهِينِ [5] ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلَائِلَ [6] فَقَالَ:
وَكُنْتُمْ أَمْواتاً: نُطَفًا فِي أَصْلَابِ آبَائِكُمْ، فَأَحْياكُمْ: فِي الْأَرْحَامِ وَالدُّنْيَا، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عِنْدَ انْقِضَاءِ آجَالِكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ: لِلْبَعْثِ [7] ، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَيْ: تُرَدُّونَ في الآخرة فيجزيكم
__________
(1) في المطبوع «ما» .
(2) زيادة عن المخطوط- أ-.
(3) زيد في المطبوع «كانت» .
(4) كذا في المطبوع ونسخة- ط- وفي المخطوط «بالباطل» .
(5) في المطبوع «البرهان» . [.....]
(6) في المخطوط «الدليل» .
(7) في المخطوط «بالبعث» .(1/100)
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
بِأَعْمَالِكُمْ، قَرَأَ يَعْقُوبُ تُرْجَعُونَ [فِي] [1] كُلِّ الْقُرْآنِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالتَّاءِ عَلَى تَسْمِيَةِ الْفَاعِلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [2] ، لِكَيْ تَعْتَبِرُوا وَتَسْتَدِلُّوا، وَقِيلَ: لِكَيْ تَنْتَفِعُوا، ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ مُفَسِّرِي السَّلَفِ: أَيِ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ: أَيْ أَقْبَلَ عَلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، وَقِيلَ: قَصَدَ لِأَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْضَ أَوَّلًا ثُمَّ عَمَدَ إِلَى خَلْقِ السماء، فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ: [أي] خَلَقَهُنَّ مُسْتَوَيَاتٍ [3] لَا فُطُورَ فِيهَا [4] ولا صدوع، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ وَقَالُونُ (وَهْوَ، وَهْيَ) بِسُكُونِ الْهَاءِ إِذَا كَانَ قَبْلَ الْهَاءِ: وَاوٌ أَوْ فَاءٌ أَوْ لَامٌ، زَادَ الْكِسَائِيُّ وَقَالُونُ [ (ثُمَّ هْوَ) وَقَالُونُ] [5] أَنْ يُمِلَّ هُوَ [البقرة:
212] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 32]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ، أَيْ: وَقَالَ رَبُّكَ وَإِذْ زَائِدَةٌ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ رَبُّكَ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ فَهَذَا سَبِيلُهُ، وَإِذْ وَإِذَا حَرْفَا تَوْقِيتٍ إِلَّا أَنَّ إِذْ لِلْمَاضِي وَإِذَا لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَقَدْ يُوضَعُ أَحَدُهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: إِذَا جَاءَ إِذْ مَعَ الْمُسْتَقْبَلِ كَانَ مَعْنَاهُ مَاضِيًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ [الأنفال: 20] ، يريد وإذ مكر، وَإِذَا جَاءَ [إِذَا] مَعَ الْمَاضِي كانت مَعْنَاهُ مُسْتَقْبَلًا كَقَوْلِهِ: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ [النَّازِعَاتِ: 34] ، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ [النَّصْرِ: 1] ، أَيْ: يَجِيءُ. لِلْمَلائِكَةِ [والملائكة] [6] جَمْعُ مَلَكٍ، وَأَصْلُهُ مَأْلَكٌ مِنَ الْمَأْلَكَةِ وَالْأَلُوكَةِ وَالْأُلُوكِ: وَهِيَ الرِّسَالَةُ، فَقُلِبَتْ فَقِيلَ: مَلْأَكٌ، ثُمَّ حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا لِلْخِفَّةِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَنُقِلَتْ حَرَكَتُهَا إِلَى اللَّامِ: فَقِيلَ: «ملك» وأراد به الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ كَانُوا فِي الْأَرْضِ.
وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَخَلَقَ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ فَأَسْكَنَ الْمَلَائِكَةَ السَّمَاءَ وَأَسْكَنَ الْجِنَّ الأرض فَعَبَدُوا دَهْرًا طَوِيلًا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ ظَهَرَ فِيهِمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ فأفسدوا [واقتتلوا] [7] ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ جُنْدًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُمُ: الْجِنُّ، وَهُمْ خزان الجنان اشتق لهم [اسم] [8] مِنَ الْجَنَّةِ رَأَسَهُمْ إِبْلِيسَ وَكَانَ رَئِيسَهُمْ وَمُرْشِدَهُمْ وَأَكْثَرَهُمْ عِلْمًا، فَهَبَطُوا إِلَى الْأَرْضِ فَطَرَدُوا الْجِنَّ إِلَى شعوب الجبال وَجَزَائِرِ الْبُحُورِ وَسَكَنُوا الْأَرْضَ وَخَفَّفَ الله عنهم العبادة وأعطى اللَّهُ إِبْلِيسَ [مُلْكَ] [9] الْأَرْضِ، وَمُلْكَ السماء الدنيا وخزانة الجنة فكان يَعْبُدُ اللَّهَ تَارَةً فِي الْأَرْضِ وَتَارَةً فِي السَّمَاءِ وَتَارَةً فِي الجنة فدخله العجب، وقال فِي نَفْسِهِ: مَا أَعْطَانِي اللَّهُ هَذَا الْمُلْكَ إِلَّا لِأَنِّي أَكْرَمُ الملائكة عليه، فقال الله له ولجنده:
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع «للحي» .
(3) في- أ- «سويات» .
(4) في- أ- «فيهن» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع وط- «قتلوا» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيادة عن المخطوط.(1/101)
إِنِّي جاعِلٌ [خَالِقٌ] [1] فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، أَيْ: بَدَلًا مِنْكُمْ وَرَافِعُكُمْ إِلَيَّ فَكَرِهُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْوَنَ الْمَلَائِكَةِ عِبَادَةً، وَالْمُرَادُ بِالْخَلِيفَةِ هَاهُنَا آدَمُ سَمَّاهُ خَلِيفَةً لِأَنَّهُ خَلَفَ الْجِنَّ، أَيْ: جَاءَ بَعْدَهُمْ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَخْلُفُهُ غَيْرُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ لإقامة أحكامه وتنفيذ قضاياه، قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها: بِالْمَعَاصِي، وَيَسْفِكُ الدِّماءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَيْ: كَمَا فَعَلَ بَنُو الْجَانِّ فَقَاسُوا الشَّاهِدَ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِلَّا فَهُمْ مَا كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، قَالَ الْحَسَنُ: نَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَهُوَ صَلَاةُ الْخَلْقِ [وَصَلَاةُ الْبَهَائِمِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى الْآدَمِيِّينَ] [2] وَعَلَيْهَا يُرْزَقُونَ.
«47» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا حَبَّانُ [3] بْنُ هِلَالٍ، أَنَا وُهَيْبٌ أَنَا سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الجسري عن ابن الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ [4] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ: أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ» .
وقيل: نحن نُصَلِّي بِأَمْرِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ التَّسْبِيحِ فَالْمُرَادُ مِنْهُ الصَّلَاةُ، وَنُقَدِّسُ لَكَ، أَيْ: نُثْنِي عَلَيْكَ بِالْقُدْسِ والطهارة [عما لا يليق بعظمتك وجلالك] [5] ، وَقِيلَ: وَنُطَهِّرُ أَنْفُسَنَا لِطَاعَتِكَ، وَقِيلَ: وَنُنَزِّهُكَ، وَاللَّامُ: صِلَةٌ، وَقِيلَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِرَاضِ وَالْعُجْبِ بِالْعَمَلِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّعَجُّبِ وَطَلَبِ [وَجْهِ] [6] الْحِكْمَةِ فِيهِ، قالَ اللَّهُ: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ: من الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، وَقِيلَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُطِيعُنِي ويعبدني من الأنبياء والأولياء والصلحاء، وَقِيلَ: إِنِّي [7] أَعْلَمُ أَنَّ فِيكُمْ مَنْ يَعْصِينِي وَهُوَ إِبْلِيسُ، وَقِيلَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُذْنِبُونَ وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ: إِنِّي أَعْلَمُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ كَلُّ يَاءِ إِضَافَةٍ اسْتَقْبَلَهَا أَلِفٌ مَفْتُوحَةٌ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ معدودة، ويفتحون في بعض مواضع عِنْدَ الْأَلِفِ الْمَضْمُومَةِ وَالْمَكْسُورَةِ، وَعِنْدَ غَيْرِ الْأَلِفِ، وَبَيْنَ الْقُرَّاءِ فِي تفصيله اختلاف.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها: سُمِّيَ آدَمَ لِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ آدَمَ اللَّوْنِ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَبُو الْبَشَرِ، فَلَمَّا خَلَقَهُ الله عزّ وجلّ علّمه أسماء الأشياء [كلها] [8] .
وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ قَالُوا لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً لِيَخْلُقْ رَبُّنَا مَا شَاءَ فَلَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا وَإِنْ كَانَ غيرنا أكرم عليه فَنَحْنُ أَعْلَمُ مِنْهُ لِأَنَّا خُلِقْنَا قَبْلَهُ وَرَأَيْنَا مَا لَمْ يَرَهُ،
__________
47- إسناده صحيح على شرط مسلم. وهيب هو ابن خالد الباهلي، وسعيد هو ابن إياس الجريري- بضم الجيم- وأبو عبد الله هو حميري بن بشير مشهور بكنيته.
أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (2731) ح 84 عن زهير بن حرب بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2731 ح 85 والترمذي 3587 وأحمد 5/ 148 و176 من طرق عن سعيد الجريري بهذا الإسناد.
(1) زيادة عن المخطوط وط-.
(2) زيد في المطبوع. [.....]
(3) وقع في الأصل «جينان» والتصويب من كتب «تراجم الرجال» .
(4) في الأصل «عن» والتصويب عن «شرح السنة» و «صحيح مسلم» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) سقط من المطبوع.
(7) في المطبوع «إن» .
(8) زيادة عن المخطوط.(1/102)
قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ بِالْعِلْمِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِنْ كَانُوا رُسُلًا كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ [وَالْجَمَاعَةِ] [1] .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: عَلَّمَهُ اسْمَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْقَصْعَةِ وَالْقُصَيْعَةِ، وَقِيلَ: اسْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: أَسْمَاءَ الْمَلَائِكَةِ، وَقِيلَ: أَسْمَاءَ ذُرِّيَّتِهِ، وَقِيلَ: صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَ آدَمَ جَمِيعَ اللُّغَاتِ ثُمَّ تَكَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ بِلُغَةٍ فَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَاخْتَصَّ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ بِلُغَةٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ، إِنَّمَا قَالَ: عَرَضَهُمْ، وَلَمْ يَقُلْ عَرَضَهَا، لِأَنَّ الْمُسَمَّيَاتِ إذا جمعت [2] مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ يُكَنَّى عَنْهَا بِلَفْظِ مَنْ يَعْقِلُ، كَمَا يُكَنَّى عَنِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِلَفْظِ الذُّكُورِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: خَلَقَ الله كل شيء [من] [3] الْحَيَوَانَ وَالْجَمَادَ ثُمَّ عَرَضَ تِلْكَ الشُّخُوصَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، فَالْكِنَايَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الشُّخُوصِ [4] ، فَلِذَلِكَ قَالَ عَرَضَهُمْ، فَقالَ أَنْبِئُونِي أَخْبَرُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ [أي الموجودات] [5] إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [فِي] [6] أَنِّي لا أخلق خلقا إلّا كنتم أفضل وأعلم منه، قالُوا [7] الْمَلَائِكَةُ إِقْرَارًا بِالْعَجْزِ:
قالُوا سُبْحانَكَ: تَنْزِيهًا لَكَ، لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا، معناه: إنك أَجَلُّ مِنْ أَنْ نُحِيطَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِكَ إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بِخَلْقِكَ الْحَكِيمُ فِي أَمْرِكَ، وَالْحَكِيمُ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا الْحَاكِمُ وَهُوَ الْقَاضِي الْعَدْلُ، وَالثَّانِي الْمُحْكِمُ لِلْأَمْرِ كَيْ لَا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، وَأَصْلُ الْحِكْمَةِ فِي اللُّغَةِ:
الْمَنْعُ فَهِيَ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا مِنَ الْبَاطِلِ، وَمِنْهُ حِكْمَةُ الدَّابَّةِ لِأَنَّهَا تَمْنَعُهَا مِنَ الِاعْوِجَاجِ، فلما ظهر عجزهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 35]
قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34) وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
قالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ، أَخْبِرْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَسَمَّى آدَمُ كُلَّ شَيْءٍ [بِاسْمِهِ] [8] وَذَكَرَ الْحِكْمَةَ الَّتِي لِأَجْلِهَا خُلِقَ، فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يَا مَلَائِكَتِي إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [مَا كَانَ مِنْهُمَا وَمَا يَكُونُ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ لَهُمْ: إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ] [9] .
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو: (إِنِّيَ) ، بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ يفتحون كَلُّ يَاءِ إِضَافَةٍ اسْتَقْبَلَهَا أَلِفٌ قطع مفتوحة إلا أحرفا معدودة، ويفتح نافع و [أبو] [10] عمرو عند الألف المكسورة أيضا إلا أحرفا معدودة، ويفتح نافع عند المضمومة إلا أحرفا معدودة، والآخرون لا يفتحون إلا [في] [11] أحرف معدودة، وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ، قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي قَوْلَهُمْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا، وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ:
قَوْلَكُمْ لَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ خلقا أكرم عليه منّا.
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المخطوط «اجتمعت مع» .
(3) زيادة في المخطوط.
(4) في المطبوع «الخصوص» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيادة عن نسخة- ط-.
(7) في نسخ المطبوع «فقالت» .
(8) زيادة عن المخطوط. [.....]
(9) ما بين المعقوفتين سقط من أحد المخطوطين.
(10) سقط من المطبوع.
(11) زيد في المطبوع.(1/103)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ أَنْ إِبْلِيسَ مَرَّ عَلَى جَسَدِ آدَمَ وَهُوَ مُلْقًى بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ لَا رُوحَ فِيهِ، فَقَالَ:
لِأَمْرٍ مَا خُلِقَ هَذَا، ثُمَّ دَخَلَ فِي فِيهِ وَخَرَجَ مِنْ دُبُرِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ خَلْقٌ لَا يَتَمَاسَكُ لِأَنَّهُ أَجْوَفُ، ثُمَّ قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ فُضِّلَ [الله] [1] هَذَا عَلَيْكُمْ وَأُمِرْتُمْ بِطَاعَتِهِ مَاذَا تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: نُطِيعُ أَمْرَ رَبِّنَا، فَقَالَ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ: وَاللَّهِ لَئِنْ سُلِّطْتُ عَلَيْهِ لَأُهْلِكَنَّهُ وَلَئِنْ سُلِّطَ عَلَيَّ لَأَعْصِيَنَّهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ يَعْنِي: مَا تُبْدِيهِ الْمَلَائِكَةُ مِنَ الطَّاعَةِ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ يَعْنِي إِبْلِيسَ من المعصية.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى جِوَارِ أَلِفِ اسْجُدُوا، وَكَذَلِكَ قَرَأَ قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الْأَنْبِيَاءِ: 112] ، بِضَمِّ الْبَاءِ، وَضَعَّفَهُ النُّحَاةُ جِدًّا وَنَسَبُوهُ إِلَى الْغَلَطِ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ مَعَ [أي من] [2] الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعَ الَّذِينَ كَانُوا سُكَّانَ الْأَرْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الْحِجْرِ: 30] ، وَقَوْلُهُ: اسْجُدُوا، فِيهِ قَوْلَانِ:
الْأَصَحُّ أَنَّ السُّجُودَ كَانَ لِآدَمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَتَضَمَّنَ مَعْنَى الطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِامْتِثَالِ [3] أَمْرِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ سُجُودَ تَعْظِيمٍ وَتَحِيَّةٍ لَا سُجُودَ عِبَادَةٍ، كَسُجُودِ إِخْوَةِ يُوسُفَ لَهُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً [يُوسُفَ: 100] ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَضْعُ الْوَجْهِ عَلَى الأرض إنما كان انحناء، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ.
وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: اسْجُدُوا لِآدَمَ أَيْ: إِلَى آدَمَ فَكَانَ آدَمُ قِبْلَةً وَالسُّجُودُ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا جُعِلَتِ الْكَعْبَةُ قِبْلَةً لِلصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَسَجَدُوا يَعْنِي: الْمَلَائِكَةُ، إِلَّا إِبْلِيسَ، وَكَانَ اسْمُهُ عَزَازِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَبِالْعَرَبِيَّةِ الْحَارِثُ، فَلَمَّا عَصَى [4] غُيِّرَ اسْمُهُ وَصُورَتُهُ، فقيل [له] [5] : إِبْلِيسُ لِأَنَّهُ أَبْلَسَ مِنْ رَحْمَةِ الله تعالى، أي: يئس [منها] [6] .
وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: كَانَ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ مِنَ الْجِنِّ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الْكَهْفِ: 50] ، فَهُوَ أَصْلُ الْجِنِّ كَمَا أَنَّ آدَمَ أَصْلُ الْإِنْسِ، وَلِأَنَّهُ خُلِقَ مِنَ النَّارِ وَالْمَلَائِكَةَ خُلِقُوا مِنَ النُّورِ، وَلِأَنَّ لَهُ ذُرِّيَّةً وَلَا ذُرِّيَّةَ لِلْمَلَائِكَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ خِطَابَ السُّجُودِ كَانَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، وَقَوْلُهُ: كانَ مِنَ الْجِنِّ، أَيْ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: مِنَ الملائكة الذين [كانوا] [7] يَصُوغُونَ حُلِيَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَقِيلَ: إِنَّ فِرْقَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ خُلِقُوا مِنَ النَّارِ سُمُّوا جِنًّا لِاسْتِتَارِهِمْ عَنِ الْأَعْيُنِ، وَإِبْلِيسُ كَانَ مِنْهُمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصَّافَّاتِ: 158] ، وَهُوَ قَوْلُهُمُ:
الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَلَمَّا أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ جُعِلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ، قَوْلُهُ: أَبى أَيِ: امْتَنَعَ فَلَمْ يَسْجُدْ، وَاسْتَكْبَرَ، أَيْ: تَكَبَّرَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ، وَكانَ أي: وصار مِنَ الْكافِرِينَ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:
وَكَانَ فِي سَابِقِ عِلْمِ اللَّهِ [أنه] [8] مِنَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ وَجَبَتْ لَهُمُ الشقاوة.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المخطوط تقديم وتأخير في العبارات هاهنا، وسياق المطبوع وفي نسخة- ط- هو الصواب، والله أعلم.
(4) تحرف في المطبوع «عصى» إلى «أعصى» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) ليست في المخطوط.
(8) زيادة عن المخطوط.(1/104)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
«48» أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ التُّرَابِيُّ أَنَا [1] الْحَاكِمُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِيُّ أَنَا أَبُو يَزِيدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَالِدٍ [2] ، أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَنَا جَرِيرٌ وَوَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي وَيَقُولُ: يَا وَيْلَهْ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ [3] فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَعَصَيْتُ فَلِيَ النَّارُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْنا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ آدَمَ لم يكن [له] [4] فِي الْجَنَّةِ مَنْ يُجَانِسُهُ فَنَامَ نَوْمَةً فَخَلَقَ اللَّهُ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ من قصيراء [أي من] [5] شِقِّهِ الْأَيْسَرِ، وَسُمِّيَتْ حَوَّاءَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ، خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يحسّ بِهِ آدَمُ وَلَا وَجَدَ لَهُ أَلَمًا، وَلَوْ وَجَدَ لَمَا عَطَفَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ قَطُّ، فَلَمَّا هَبَّ مِنْ نَوْمِهِ رَآهَا جَالِسَةً عند رأسه كأحسن ما خَلْقِ اللَّهِ، فَقَالَ لَهَا: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: زَوْجَتُكَ خَلَقَنِي اللَّهُ لَكَ تَسْكُنُ إِلَيَّ وَأَسْكُنُ إِلَيْكَ وَكُلا مِنْها رَغَداً: وَاسِعًا كَثِيرًا، حَيْثُ شِئْتُما: كَيْفَ شِئْتُمَا [وَمَتَى شِئْتُمَا] [6] وَأَيْنَ شِئْتُمَا، وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ، يعني: بالأكل، قال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَقَعَ النَّهْيُ عَلَى جِنْسٍ مِنَ الشَّجَرِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: عَلَى شَجَرَةٍ مَخْصُوصَةٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي تلك الشجرة، فقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَمُقَاتِلٌ: هِيَ السُّنْبُلَةُ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ شَجَرَةُ الْعِنَبِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: شَجَرَةُ التِّينِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: شَجَرَةُ الْعِلْمِ، وَفِيهَا مِنْ كل شيء، وقال علي: شَجَرَةُ الْكَافُورِ، فَتَكُونا: فَتَصِيرَا مِنَ الظَّالِمِينَ، أي: [من] [7] الضَّارِّينَ [8] بِأَنْفُسِكُمَا بِالْمَعْصِيَةِ، وَأَصْلُ الظُّلْمِ: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ [9] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 36 الى 38]
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)
__________
48- إسناده على شرط البخاري، تفرد البخاري عن محمد بن يحيى الذهلي دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، جرير هو ابن عبد الحميد، ووكيع هو ابن الجراح، وأبو معاوية هو محمد بن خازم، الأعمش سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان.
وهو في «شرح السنة» بإثر (654) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 81 وابن ماجه 1052 وأحمد 2/ 443 وابن خزيمة 549 وابن حبان 2759 والبغوي 654.
والبيهقي في «الشعب» (1487) من طرق عن أبي صالح به.
(1) في الأصل «ابن الحاكم» والتصويب عن «شرح السنة» .
(2) في «شرح السنة» : «الخالدي» بدل «بن خالد» . [.....]
(3) في المطبوع «فأطاع» .
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المطبوع، وفي- ط- «من» بدون «أي» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المطبوع «الضاربين» .
(9) في المخطوط «محله» .(1/105)
فَأَزَلَّهُمَا، [أي] [1] : اسْتَزَلَّ [الشَّيْطَانُ] [2] آدَمَ وَحَوَّاءَ، أَيْ: دَعَاهُمَا إِلَى الزَّلَّةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ «فَأَزَالُهُمَا» ، أَيْ: نَحَّاهُمَا الشَّيْطانُ: فَيْعَالُ مِنْ شَطَنَ، أَيْ: بَعُدَ، سُمِّيَ بِهِ لِبُعْدِهِ عَنِ الْخَيْرِ وَعَنِ الرَّحْمَةِ، عَنْها عَنِ الْجَنَّةِ فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ: من النَّعِيمِ، وَذَلِكَ أَنَّ إِبْلِيسَ أَرَادَ أن يدخل [الجنة] [3] لِيُوَسْوِسَ إِلَى [4] آدَمَ وَحَوَّاءَ فَمَنَعَتْهُ الْخَزَنَةُ فَأَتَى الْحَيَّةَ وَكَانَتْ صَدِيقَةً لِإِبْلِيسَ وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ الدَّوَابِّ لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ كَقَوَائِمِ الْبَعِيرِ وَكَانَتْ مِنْ خُزَّانِ الْجَنَّةِ، فَسَأَلَهَا إبليس [لعلمه بصداقتها له] [5] أن تدخله في فَمَهَا فَأَدْخَلَتْهُ وَمَرَّتْ بِهِ عَلَى الخزنة وهم لا يعلمون [به] [6] ، فَأَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا رَآهُمَا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، لِأَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ مِنْهَا وَقَدْ كَانَ آدَمُ حِينَ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ النَّعِيمِ قَالَ: لو أن أخلد، فَاغْتَنَمَ ذَلِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ فَأَتَاهُ الشَّيْطَانُ مِنْ قِبَلِ الْخُلْدِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُ إِبْلِيسُ فَبَكَى وَنَاحَ نِيَاحَةً أَحْزَنَتْهُمَا وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَاحَ، فَقَالَا لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: أَبْكِي عَلَيْكُمَا تَمُوتَانِ فَتُفَارِقَانِ مَا أَنْتُمَا فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمَا فَاغْتَمَّا، وَمَضَى إبليس [عنهما] [7] ثم أتاهما بعد ذلك فقال: يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ وَقَاسَمَهُمَا بِاللَّهِ إِنَّهُ لَهُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَاغْتَرَّا، وَمَا ظَنَّا أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِاللَّهِ كَاذِبًا فبادرت حواء إلى الأكل [من] [8] الشَّجَرَةِ ثُمَّ نَاوَلَتْ آدَمَ حَتَّى أكل [منها] [9] .
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ مَا أَكَلَ آدَمُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَهُوَ يَعْقِلُ وَلَكِنْ حَوَّاءُ سَقَتْهُ الْخَمْرَ حَتَّى [إِذَا] [10] سَكِرَ قَادَتْهُ إِلَيْهَا فَأَكَلَ [11] ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: أَوْرَثَتْنَا تِلْكَ الْأَكْلَةُ حُزْنًا طَوِيلًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِآدَمَ: أَلَمْ يَكُنْ فِيمَا أَبَحْتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الشَّجَرَةِ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَحْلِفُ بِكَ كَاذِبًا، قَالَ: فَبِعِزَّتِي لَأُهْبِطَنَّكَ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ لَا تنال العيش إلا كدّا [12] [ولا تنال من النساء إلا مشقة وتعبا] [13] . فأهبط من الجنة، وكانا يأكلان منها رَغَدًا فَعُلِّمَ صَنْعَةَ الْحَدِيدِ وَأُمِرَ بالحرث فحرث وَزَرَعَ ثُمَّ سَقَى حَتَّى إِذَا بلغ حصد، ثم درسه [14] ثُمَّ ذَرَاهُ ثُمَّ طَحَنَهُ ثُمَّ عَجَنَهُ ثُمَّ خَبَزَهُ ثُمَّ أَكَلَهُ، فَلَمْ يَبْلُغْهُ [15] حَتَّى بَلَغَ [مِنْهُ] [16] ما شاء اللَّهِ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ آدَمَ لَمَّا أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجلّ:
يا آدم مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ زَيَّنَتْهُ لِي حَوَّاءُ، قَالَ: فَإِنِّي أَعْقَبْتُهَا أَنْ لَا تَحْمِلَ إِلَّا كُرْهًا وَلَا تَضَعَ إِلَّا كُرْهًا وَدَمَيْتُهَا [17] فِي الشَّهْرِ مَرَّتَيْنِ، فَرَنَّتْ حَوَّاءُ عِنْدَ ذَلِكَ فَقِيلَ: عَلَيْكِ الرَّنَّةُ وَعَلَى بناتك، فلما أكلا منها فتت [18] عَنْهُمَا ثِيَابُهُمَا وَبَدَتْ سَوْآتُهُمَا وَأُخْرِجَا مِنَ الْجَنَّةِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُلْنَا اهْبِطُوا:
انْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ، يَعْنِي: آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِبْلِيسَ وَالْحَيَّةَ، فَهَبَطَ آدَمُ بسر نديب مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ عَلَى جَبَلٍ يقال
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المخطوط «لآدم» .
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) سقط من المطبوع. [.....]
(8) سقط من المطبوع، وفي المطبوع «أكل «بدل «الأكل» .
(9) في المطبوع «أكلها» .
(10) سقط من المطبوع.
(11) زيد في المخطوط «منها» .
(12) في المطبوع «نكدا» .
(13) زيادة عن المخطوط.
(14) في المطبوع «درس» وفي المخطوط «داسه» .
(15) في المخطوط «يبتلعه» والمثبت عن كتب التخريج والمطبوع.
(16) زيادة عن المخطوط.
(17) في المخطوط «أدميتها» .
(18) في- ط- «تهافتت» .(1/106)
لَهُ نُودٌ [1] ، وَحَوَّاءُ بِجُدَّةَ، وَإِبْلِيسُ بالأبلّة، وَالْحَيَّةُ بِأَصْفَهَانَ، بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ أَرَادَ الْعَدَاوَةَ الَّتِي بَيْنَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَالْحَيَّةِ، وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ [الْأَعْرَافِ: 22] .
«49» أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ [بْنُ] [2] بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ [3] مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عباس قال: لَا أَعْلَمَهُ إِلَّا رَفَعَ الْحَدِيثَ:
«أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ وَقَالَ: مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةَ أَوْ مَخَافَةَ ثَائِرٍ فَلَيْسَ مِنَّا» ، وَزَادَ مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي الْحَدِيثِ: «مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حاربناهنّ» [4] .
ع «50» وَرُوِيَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ البيوت» .
ع «51» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ: مَوْضِعُ قَرَارٍ وَمَتاعٌ بُلْغَةٌ وَمُسْتَمْتَعٌ إِلى حِينٍ: إلى انقضاء آجالكم.
فَتَلَقَّى: تلقن [5] ، وَالتَّلَقِّي: هُوَ قَبُولٌ عَنْ فِطْنَةٍ وَفَهْمٍ، وَقِيلَ: هُوَ التَّعَلُّمُ، آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ آدَمُ بِرَفْعِ الْمِيمِ وَكَلِمَاتٍ بِخَفْضِ التاء، وقرأ ابْنُ كَثِيرٍ (آدَمَ) بِالنَّصْبِ (كَلِمَاتٌ) بِرَفْعِ التَّاءِ، يَعْنِي: جَاءَتِ الْكَلِمَاتُ آدَمَ مِنْ رَبِّهِ وَكَانَتْ سَبَبَ تَوْبَتِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، فقال [6] سعيد بن
__________
(1) في نسخة من المخطوط «نور» . والمثبت عن نسخ المطبوع، و «الدر المنثور» (1/ 116) .
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط» و «أ» و «شرح السنة» .
(3) زيد في الأصل: [محمد بن الصفار حدثنا] بين «أحمد» و «منصور» والتصويب عن «شرح السنة» . [.....]
(4) كذا وقع في الأصل وفي مصنف عبد الرزاق وفي رواية لأبي داود 5249 من حديث ابن مسعود «فمن خاف ثأرهن» .
4 هذه الزيادة لأبي داود.
(5) في المطبوع «تلقى» .
(6) في المطبوع «قال» .
49- صحيح، أحمد بن منصور الرمادي، ثقه حافظ، كما في «التقريب» وقد توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد، وأيوب هو ابن أبي كريمة، وعكرمة هو أبو عبد الله مولى ابن عباس.
وهو في «شرح السنة» (3158) بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 5250 وعبد الرزاق في «المصنف» (19617) وأحمد 1/ 230 من حديث ابن عباس وإسناده صحيح.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود 5248 والحميدي 1156 وأحمد 2/ 247 و432 و250 وابن حبان 5644، وله أيضا شواهد أخرى في الصحيحين.
50- ع صحيح. أخرجه البخاري 3297 و3312 و3313 ومسلم 2233 وأبو داود 5253 وعبد الرزاق 19616 وابن حبان 5643 من طرق من حديث ابن عمر، وفيه قصة.
51- ع صحيح. أخرجه مسلم 2236 وأبو داود 5259 والترمذي 1484 والنسائي في «الكبرى» (8871 و10805 و10808) ومالك 2/ 976- 977 وابن حبان 5637 والطحاوي في «المشكل» (4/ 94- 95) والبغوي 3264 من حديث أبي سعيد الخدري، وله قصة.(1/107)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)
جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: هِيَ قَوْلُهُ: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف: 23] الْآيَةَ.
وَقَالَ [مُجَاهِدٌ] [1] وَمُحَمَّدُ بْنُ كعب القرظي: هو قَوْلُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ رَبِّ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إِنَّكَ أنت الغفور الرَّحِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ رَبِّ عَمِلْتُ سُوءًا وَظَلَمْتُ نَفْسِي فَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: هِيَ أَنَّ آدَمَ قَالَ: يَا رَبِّ أَرَأَيْتَ مَا أَتَيْتُ، أَشَيْءٌ ابْتَدَعْتُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي أَمْ شَيْءٌ قَدَّرْتَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَنِي؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا بَلْ شَيْءٌ قُدَّرْتُهُ عَلَيْكَ قَبْلَ أَنْ أَخْلُقَكَ، قَالَ: يَا رب فكما قدّرته [علّي] [2] [3] فَاغْفِرْ لِي، وَقِيلَ: هِيَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْحَيَاءُ وَالدُّعَاءُ وَالْبُكَاءُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَكَى آدَمُ وَحَوَّاءُ عَلَى مَا فَاتَهُمَا مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ مِائَتَيْ سَنَةٍ وَلَمْ يَأْكُلَا وَلَمْ يَشْرَبَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَلَمْ يَقْرُبْ آدَمُ حَوَّاءَ مِائَةَ سَنَةٍ.
وَرَوَى الْمَسْعُودِيُّ عَنْ يُونُسَ بْنِ خباب [4] وعلقمة بن مرثد قالا: لَوْ أَنَّ دُمُوعَ [جَمِيعِ] [5] أَهْلِ الْأَرْضِ جُمِعَتْ لَكَانَتْ دُمُوعُ دَاوُدَ أَكْثَرَ [6] حَيْثُ أَصَابَ الْخَطِيئَةَ، وَلَوْ أَنَّ دُمُوعَ دَاوُدَ وَدُمُوعَ أَهْلِ الْأَرْضِ جُمِعَتْ لَكَانَتْ دُمُوعُ آدَمَ أَكْثَرَ حَيْثُ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ.
قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: بلغني أن آدم لما أهبط إِلَى الْأَرْضِ مَكَثَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ لا يرفع رأسه [إلى السماء] [7] حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، قَوْلُهُ: فَتابَ عَلَيْهِ: فَتَجَاوَزَ عَنْهُ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ: يَقْبَلُ تَوْبَةَ عِبَادِهِ، الرَّحِيمُ: بخلقه.
قوله تَعَالَى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ، وَقِيلَ: الْهُبُوطُ الْأَوَّلُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ [8] الدنيا، والهبوط الثاني [9] مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ، أَيْ: فَإِنْ يَأْتِكُمْ يَا ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنِّي هُدىً، أَيْ: رُشْدٌ وَبَيَانُ شَرِيعَةٍ، وَقِيلَ: كِتَابٌ وَرَسُولٌ، فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ، قَرَأَ يَعْقُوبُ: فَلا خَوْفٌ بالنصب [في] [10] كل القرآن، والآخرون بالرفع [11] وَالتَّنْوِينِ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا يستقبلهم وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا خَلَّفُوا [12] ، وَقِيلَ: لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [فِي الدُّنْيَا] [13] ، وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ في الآخرة.
[سورة البقرة (2) : الآيات 39 الى 44]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)
__________
(1) سقط من المخطوط والصواب إثباته، فكلا القولين ورد عن مجاهد.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيد في المطبوع «قبل أن تخلقني» وهي غير موجودة في المخطوط ولا في «الدر المنثور» .
(4) في المطبوع «خطاب» وهو تصحيف.
(5) زيادة في نسخ المطبوع.
(6) زيد في المخطوط «من» .
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المخطوط «سماء» . [.....]
(9) في نسخة- ط- الآخر» .
(10) في المطبوع «بالفتح» .
(11) في المطبوع «بالضم» .
(12) في المطبوع «خلقوا» .
(13) سقط من المخطوط.(1/108)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا: جَحَدُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا بِالْقُرْآنِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ: [يَوْمَ الْقِيَامَةِ، هُمْ فِيها خالِدُونَ: لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي إِسْرائِيلَ يَا أَوْلَادَ يعقوب، ومعنى إسرا [1] : عبد [2] ، وَإِيلُ: هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقِيلَ: صَفْوَةُ اللَّهِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: (إسرائيل) بغير همزة، اذْكُرُوا: احْفَظُوا، وَالذِّكْرُ يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَيَكُونُ بِاللِّسَانِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الشُّكْرَ، وَذُكِرَ بِلَفْظِ الذِّكْرِ، لِأَنَّ في الشكر ذكرا وفي الكفر [3] نِسْيَانًا، قَالَ الْحَسَنُ: ذِكْرُ النِّعْمَةِ شُكْرُهَا، نِعْمَتِيَ، أَيْ: نِعَمِي، لَفْظُهَا وَاحِدٌ وَمَعْنَاهَا جَمْعٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: 34] ، الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ، أَيْ: عَلَى أَجْدَادِكُمْ وَأَسْلَافِكُمْ.
قَالَ قَتَادَةُ: هِيَ النِّعَمُ الَّتِي خُصَّتْ بِهَا بَنُو إِسْرَائِيلَ: فلق البحر، وإنجاؤهم مِنْ فِرْعَوْنَ بِإِغْرَاقِهِ، وَتَظْلِيلِ الْغَمَامِ عَلَيْهِمْ فِي التِّيهِ، وَإِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَإِنْزَالِ التَّوْرَاةِ، فِي نِعَمٍ كَثِيرَةٍ لَا تُحْصَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هِيَ جَمِيعُ النِّعَمِ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عِبَادِهِ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِي [أَيْ] : بِامْتِثَالِ أَمْرِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ: بِالْقَبُولِ وَالثَّوَابِ، قَالَ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِهَذَا الْعَهْدِ مَا ذكر في سورة المائدة [في قوله] [4] : وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة: 12] إِلَى أَنْ قَالَ:
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ [الْمَائِدَةِ: 12] ، فَهَذَا قَوْلُهُ: أُوفِ بِعَهْدِكُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ [الْبَقَرَةِ: 63] ، فَهُوَ [5] شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ مقاتل:
هو قَوْلُهُ [تَعَالَى] : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ [الْبَقَرَةِ: 83] .
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَهِدَ اللَّهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لسان موسى [عليه الصّلاة والسّلام] : إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ نبيا أمّيّا من تبعه وصدق بالنور الذي يأتي معه [6] غفرت له ذنوبه [7] وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ، وَجَعَلْتُ لَهُ أَجْرَيْنِ اثْنَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ [آلَ عِمْرَانَ: 187] ، يَعْنِي: أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ: فَخَافُونِي فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، وَأَثْبَتَ يَعْقُوبُ الْيَاءَآتِ المحذوفة في الخط مثل (فارهبون، فاتقون، واخشون) ، والآخرون يحذفونها في [8] الْخَطِّ.
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ يَعْنِي الْقُرْآنَ، مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، أَيْ: موافقا لما معكم من [9] التَّوْرَاةَ فِي التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْأَخْبَارِ وَنَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَرُؤَسَائِهِمْ، وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ، أَيْ: بِالْقُرْآنِ، يُرِيدُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ قُرَيْشًا كَفَرَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ بِمَكَّةَ، مَعْنَاهُ: وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ فتتابعكم اليهود على ذلك فتبوؤوا بآثامكم وآثامهم [لأنكم أصل إضلالهم] [10] ، وَلا تَشْتَرُوا، أَيْ: وَلَا تَسْتَبْدِلُوا بِآياتِي: بِبَيَانِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثَمَناً قَلِيلًا، أي: عوضا يَسِيرًا مِنَ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ وَعُلَمَاءَهُمْ كَانَتْ لَهُمْ مآكل [11] يصيبونها
__________
(1) زيد في المطبوع «إيل» .
(2) زيد في المطبوع «الله» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المخطوط «فهذه» .
(6) في المطبوع «به» .
(7) في المطبوع «ذنبه» .
(8) في نسخ المطبوع «على» .
(9) في المخطوط «يعني» بدل «من» . [.....]
(10) زيادة عن المخطوط.
(11) في المطبوع «مأكلة» .(1/109)
من سفلتهم وجهالهم يأخذون كل عام منهم شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ زُرُوعِهِمْ وَضُرُوعِهِمْ ونقودهم، فخافوا أنهم إن بَيَّنُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَابَعُوهُ أَنْ تَفُوتَهُمْ تلك المأكلة، فغيّروا نعته وكتموا اسمه [عنهم] [1] ، فَاخْتَارُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ: فاخشون.
وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ، أَيْ: لَا تَخْلِطُوا، يُقَالُ: لَبِسَ الثَّوْبَ يَلْبَسُ لُبْسًا، وَلَبِسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ يلبس لبسا، أي: خلط، يقال: لَا تَخْلِطُوا الْحَقَّ الَّذِي أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَاطِلِ الَّذِي تكتبونه بأيديكم من تغيير [صفته] [2] ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ لَا تلبسوا الإسلام باليهودية والنصرانية، قال [3] مُقَاتِلٌ: إِنَّ الْيَهُودَ أَقَرُّوا بِبَعْضِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَمُوا بَعْضًا [4] لِيُصَدَّقُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ الَّذِي تُقِرُّونَ بِهِ [5] بِالْباطِلِ، يَعْنِي: بِمَا تَكْتُمُونَهُ، فَالْحَقُّ بَيَانُهُمْ [6] وَالْبَاطِلُ كِتْمَانُهُمْ، وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ، أَيْ: لَا تَكْتُمُوهُ، يَعْنِي: نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمَوَاقِيتِهَا وَحُدُودِهَا، وَآتُوا الزَّكاةَ أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمُ المفروضة، فهي مأخوذة من زكاة الزَّرْعُ إِذَا نَمَا وَكَثُرَ، وَقِيلَ: مِنْ تَزَكَّى، أَيْ: تَطَهَّرَ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَوْجُودٌ [7] فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّ فِيهَا تَطْهِيرًا وَتَنْمِيَةً لِلْمَالِ، وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ، أَيْ: صَلُّوا مَعَ الْمُصَلِّينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، وَذُكِرَ بِلَفْظِ الرُّكُوعِ لأن الركوع رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْيَهُودِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ركوع، وكأنه قَالَ: صَلُّوا صَلَاةً ذَاتَ رُكُوعٍ، قيل: وإعادته بَعْدَ قَوْلِهِ: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، لِهَذَا أَيْ:
صَلُّوا مَعَ الَّذِينَ فِي صَلَاتِهِمْ [8] رُكُوعٌ، فَالْأَوَّلُ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَهَذَا فِي حَقِّ أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ، وَقِيلَ:
هَذَا حَثٌّ على إقام الصَّلَاةِ جَمَاعَةً كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: صَلُّوا مَعَ [الْمُصَلِّينَ] [9] الَّذِينَ سَبَقُوكُمْ بالإيمان.
أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، أَيْ: بِالطَّاعَةِ، نَزَلَتْ فِي عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَقُولُ لِقَرِيبِهِ [10] وَحَلِيفِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [11] إِذَا سَأَلَهُ عَنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اثْبُتْ عَلَى دِينِهِ فَإِنَّ أَمْرَهُ حَقٌّ، وَقَوْلَهُ صِدْقٌ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِأَحْبَارِهِمْ حَيْثُ أَمَرُوا أَتْبَاعَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالتَّوْرَاةِ، ثُمَّ خَالَفُوا وَغَيَّرُوا نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: تَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ فَلَا تَتَّبِعُونَهُ، وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ: تَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ فِيهَا نَعْتُهُ وَصَفْتُهُ، أَفَلا تَعْقِلُونَ: أَنَّهُ حَقٌّ فَتَتَّبِعُونَهُ [12] ، وَالْعَقْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ عِقَالِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ رُكْبَةُ الْبَعِيرِ فيمنعه عن [13] الشُّرُودِ، فَكَذَلِكَ الْعَقْلُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ من الكفر والجحود، [والمخالفة لما علمه الحق] [14] .
«52» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ [15] بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ، أَنَا أَبُو بكر محمد بن
__________
52- حديث قوي بطرقه، وشواهده، إسناده ضعيف لضعف عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وبقية رجال الإسناد ثقات، عفان هو ابن مسلم بن عبد الله الباهلي، ثقة ثبت روى له الشيخان، وحماد بن سلمة، روى له مسلم دون البخاري.
- وهو في «شرح السنة» (4054) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (14/ 308) وأحمد 3/ 120 و180 و231 و239 كلهم عن علي بن زيد به، وقد توبع ابن زيد، تابعه مالك بن دينار عند ابن حبان 53 وأبي نعيم في «الحلية» (8/ 43- 44) ، وعند ابن حبان المغيرة ختن مالك بن دينار، وهو لين الحديث، وقد توبع في «الحلية» ، وأخرجه البيهقي في «الشعب» (1773) من وجه آخر عن مالك بن دينار عن ثمامة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ، فجعل واسطة بينهما- ثمامة- ومالك سمع من أنس، وأخرجه أبو نعيم 8/ 172 من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى عَنْ ابن الْمُبَارَكِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أنس، فالحديث قوي بطرقه. وفي الباب أحاديث، منها الآتي.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم» .
(3) في المطبوع «وقال» .
(4) في المخطوط «بعضها» .
(5) في المطبوع «تغيرون» .
(6) في المخطوط «إثباتهم» .
(7) في المطبوع «موجودان» .
(8) في المطبوع «صلواتهم» والمثبت عن المخطوط وط-.
(9) زيد في نسخ المطبوع.
(10) في المخطوط «لقرينه» .
(11) في المطبوع «المؤمنين» والمثبت عن المخطوط وط-. [.....]
(12) في المطبوع «فتتبعون» .
(13) في المخطوط «من» .
(14) سقط من نسخ المطبوع.
(15) في المطبوع «عمرو» .(1/110)
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
عَبْدِ اللَّهِ حَفِيدُ الْعَبَّاسِ بْنِ حَمْزَةَ، أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ أَنَا عَفَّانُ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أسري بي رجالا تقرض شفافهم بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءٌ مِنْ أُمَّتِّكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبَرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ» .
«53» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ [بْنُ] [1] عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وائل قال: قال أسامة [بن زيد] [2] :
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فتندلق أقتابه [3] فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ [4] [5] ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» .
وَقَالَ شُعْبَةُ عن الأعمش:
«فيطحن [فيها كطحن] [6] الحمار برحاه» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 45 الى 49]
وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)
__________
53- إسناده صحيح على شرط البخاري، تفرد البخاري عن علي بن عبد الله وهو المديني، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران، وأبو وائل هو شقيق بن سلمة.
وهو في «شرح السنة» (4053) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (3267) عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 7098 ومسلم 2989 وأحمد 5/ 206 من طرق من حديث أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) الأقتاب: الأمعاء.
(4) الرحى: الطاحون.
(5) كذا في المطبوع وشرح السنة، وفي المخطوط «بالرحى» .
(6) في نسخ المطبوع «بها كما يطحن» والمثبت عن المخطوط، وشرح السنة.(1/111)
وَاسْتَعِينُوا: عَلَى مَا يَسْتَقْبِلُكُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، وَقِيلَ: عَلَى طَلَبِ الآخرة، بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ:
[على تمحيض محو الذنوب] [1] أَرَادَ حَبْسَ النَّفْسِ عَنِ الْمَعَاصِي، وقيل: أراد بالصبر: الصَّبْرَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ مجاهد: الصبر [هو] : الصَّوْمُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُزَهِّدُهُ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةَ تُرَغِّبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ بِمَعْنَى «عَلَى» أَيْ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها [التوبة: 132] ، وَإِنَّها، ولم يقل وإنهما، ردّ الكناية إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَيْ: وَإِنَّ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْهُمَا، كَمَا قَالَ: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها [الْكَهْفِ:
33] ، أَيْ: كُلُّ [2] وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ [وَإِنَّهُ لِكَبِيرٌ، وَبِالصَّلَاةِ] [3] وَإِنَّهَا لِكَبِيرَةٌ، فَحَذَفَ أحدهما اختصارا.
وقال المورّج [4] : رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها [التَّوْبَةِ: 34] رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّهَا أَعَمُّ، وَقِيلَ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ الصَّبْرَ دَاخِلٌ فِيهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التَّوْبَةِ: 62] ، ولم يقل يرضوهما، لأن رضى الرسول داخل في رضى الله عزّ وجلّ.
وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ، لَكَبِيرَةٌ، أَيْ: لِثَقِيلَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْخَائِفِينَ، وَقِيلَ: الْمُطِيعِينَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: الْمُتَوَاضِعِينَ، وَأَصْلُ الْخُشُوعِ: السُّكُونُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ [طه: 108] ، فَالْخَاشِعُ سَاكِنٌ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
الَّذِينَ يَظُنُّونَ: يَسْتَيْقِنُونَ، وَالظَّنُّ [5] مِنَ الْأَضْدَادِ يَكُونُ شَكًّا ويقينا، كالرجاء يكون أمنا وخوفا، أَنَّهُمْ مُلاقُوا: معاينوا رَبِّهِمْ: فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ اللِّقَاءِ الصَّيْرُورَةُ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ: فَيَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47) ، أي: عالمي زمانكم، [لا مطلق العالمين] [6] وَذَلِكَ التَّفْضِيلُ وَإِنْ كَانَ فِي حق الآباء ولكن يحصل به الشرف في حق الأبناء.
وَاتَّقُوا يَوْماً: وَاخْشَوْا عِقَابَ [7] يَوْمٍ، لَا تَجْزِي نَفْسٌ: لَا تَقْضِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، أَيْ:
حَقًّا لَزِمَهَا، وَقِيلَ: لَا تُغْنِي، وَقِيلَ: لَا تَكْفِي شَيْئًا مِنَ الشَّدَائِدِ، وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَيَعْقُوبُ [8] بِالتَّاءِ، لِتَأْنِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، لِأَنَّ الشَّفْعَ وَالشَّفَاعَةَ بمعنى واحد
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) زيد في المطبوع «أكل» .
(3) سقط من المخطوط. [.....]
(4) هو الإمام اللغوي مؤرّج بن عمرو السدوسي، أخذ عن الخليل بن أحمد، راجع «الأعلام» للزركليّ (7/ 318) .
(5) زيد في نسخة- ط- «أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، وَأَنَّهُمْ مُحَاسَبُونَ، وَأَنَّهُمْ رَاجِعُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ يصدقون بالبعث، وجعل رجوعهم إلى المحشر رجوعا إليه» .
وقال محققه: ساقط من ب.
قلت: ليس هو في نسخ المخطوط ولا نسخة المطبوع الأخرى، وسيفسر المصنف العبارات الآتية من الآية، مما يدل على عدم ثبوت تلك الزيادة فتأمل، والله أعلم.
(6) زيد عن المخطوط- أ- ب.
(7) في المخطوط «عذاب» .
(8) جعل في نسختي المخطوط «وأهل البصرة» بدل «ويعقوب» والمثبت هو الصواب، حيث رجعت إلى كتب القراءات، فرأيت المثبت هو الصواب.(1/112)
كَالْوَعْظِ وَالْمَوْعِظَةِ، فَالتَّذْكِيرُ عَلَى الْمَعْنَى وَالتَّأْنِيثُ عَلَى اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [يُونُسَ: 57] ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الْبَقَرَةِ: 275] ، أَيْ: لَا تُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ إِذَا كَانَتْ كَافِرَةً وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ، أَيْ: فِدَاءٌ، وسمي به لأنه مثل [المعدل] [1] الْمَفْدِيِّ [2] وَالْعَدْلُ الْمِثْلُ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ: يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ، [يَعْنِي] : أَسْلَافَكُمْ وَأَجْدَادَكُمْ فَاعْتَدَّهَا مِنَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ نَجَوْا بِنَجَاتِهِمْ، مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ: أَتْبَاعِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ، وَفِرْعَوْنُ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الرَّيَّانِ، وَكَانَ مِنَ الْقِبْطِ الْعَمَالِيقِ وَعُمِّرَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، يَسُومُونَكُمْ: يُكَلِّفُونَكُمْ وَيُذِيقُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ: أَشَدَّ الْعَذَابِ وَأَسْوَأَهُ، وَقِيلَ: يَصْرِفُونَكُمْ فِي الْعَذَابِ [مرة هكذا و] [3] مرة هَكَذَا كَالْإِبِلِ السَّائِمَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ جَعْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَدَمًا وَخَوَلًا، وَصَنَّفَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ فَصِنْفٌ يَبْنُونَ، وَصِنْفٌ يَحْرُثُونَ ويزرعون، وصنف يخدمون، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي عمل وضع عليه الجزية.
قال وَهْبٌ: كَانُوا أَصْنَافًا فِي أَعْمَالِ فرعون، فذو والقوة يَنْحِتُونَ السَّوَارِيَ مِنَ الْجِبَالِ حَتَّى قُرِحَتْ أَعْنَاقُهُمْ [وَأَيْدِيهِمْ] [4] وَدَبِرَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ قَطْعِهَا وَنَقْلِهَا، وَطَائِفَةٌ يَنْقُلُونَ الحجارة [والطين يَبْنُونَ لَهُ الْقُصُورَ] [5] ، وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَضْرِبُونَ اللَّبِنَ وَيَطْبُخُونَ الْآجُرَّ، وَطَائِفَةٌ نَجَّارُونَ وَحَدَّادُونَ، وَالضَّعَفَةُ مِنْهُمْ يَضْرِبُ عليهم الخراج، جزية [6] يُؤَدُّونَهَا كُلَّ يَوْمٍ فَمَنْ غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ ضَرِيبَتَهُ غُلَّتْ يَمِينُهُ إِلَى عُنُقِهِ شَهْرًا، وَالنِّسَاءُ يَغْزِلْنَ الْكَتَّانَ وَيَنْسِجْنَ، وقيل: تفسير قوله يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ: ما [7] بعده وهو قوله تعالى: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ، فهو مَذْكُورٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ، وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ يَتْرُكُونَهُنَّ أَحْيَاءً.
وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَحَاطَتْ بِمِصْرَ وَأَحْرَقَتْ كُلَّ قِبْطِيٍّ فِيهَا، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ [8] لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَهَالَهُ ذَلِكَ وَسَأَلَ الْكَهَنَةَ عَنْ رؤياه فقالوا يولد ولد فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ غُلَامٌ يَكُونُ على يديه [9] هَلَاكُكَ وَزَوَالُ مُلْكِكَ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ كُلِّ غُلَامٍ يُولَدُ فِي بني إسرائيل، وجمع القوابل قال لَهُنَّ: لَا يُسْقَطَنَّ عَلَى أَيْدِيكُنَّ غُلَامٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا قُتِلَ وَلَا جَارِيَةٌ إِلَّا تُرِكَتْ، ووكّل بالقوابل [أمناء ينظرون ما يصنع كل حامل من ذكر أو أنثى ويخبرونه] [10] ، فَكُنَّ يَفْعَلْنَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ: إنه قتل فِي طَلَبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ اثني عشر ألف صبي، وَقَالَ وَهْبٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ ذَبَحَ فِي طَلَبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ تسعين ألف وليد، [قال] [11] : ثم أسرع الْمَوْتُ فِي مَشْيَخَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فدخل رؤوس الْقِبْطِ عَلَى فِرْعَوْنَ وَقَالُوا: إِنَّ الْمَوْتَ قَدْ وَقَعَ فِي بَنِي إسرائيل فتذبح صغارهم ويموت في أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ عَلَيْنَا، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَذْبَحُوا سَنَةً وَيَتْرُكُوا سنة فولد هرون في السنة التي
__________
(1) في المطبوع «المعدي» وهو ساقط من- ط- والمثبت عن المخطوطتين.
(2) في المطبوع «والعدل» والمثبت عن المخطوطتين، ونسخة- ط-.
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) سقط من المطبوع.
(6) في المطبوع «ضريبة» .
(7) زيد في المخطوط «ذكره» عقب لفظ «ما» .
(8) في المطبوع «يتعرض» .
(9) في المطبوع «يده» . [.....]
(10) سقط في نسخ المطبوع.
(11) زيد عن المخطوط.(1/113)
وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
لا يذبحون [1] فيها وولد موسى فِي السَّنَةِ الَّتِي يَذْبَحُونَ فِيهَا، وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ، قِيلَ:
الْبَلَاءُ: الْمِحْنَةُ، أَيْ: فِي سَوْمِهِمْ إِيَّاكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ مِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: الْبَلَاءُ: النِّعْمَةُ، أَيْ: فِي إِنْجَائِي إِيَّاكُمْ مِنْهُمْ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْبَلَاءُ يَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَبِمَعْنَى الشِّدَّةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ يَخْتَبِرُ عَلَى النِّعْمَةِ بِالشُّكْرِ، وعلى الشدة بالصبر، قال اللَّهُ تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: 35] .
[سورة البقرة (2) : آية 50]
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)
وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ، قِيلَ: معناه فرقنا لكم [البحر] [2] ، وَقِيلَ: فَرَقْنَا الْبَحْرَ بِدُخُولِكُمْ إِيَّاهُ، وَسُمِّيَ الْبَحْرُ بَحْرًا لِاتِّسَاعِهِ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْفَرَسِ: بَحْرٌ إِذَا اتَّسَعَ فِي جَرْيِهِ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا دَنَا هَلَاكُ فِرْعَوْنَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يسير بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ لَيْلًا فَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أَنْ يُسْرِجُوا [3] فِي بُيُوتِهِمْ إِلَى الصُّبْحِ، وَأَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ وَلَدِ زِنًا فِي الْقِبْطِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَيْهِمْ وَكُلَّ وَلَدِ زِنًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْقِبْطِ إِلَى الْقِبْطِ، حَتَّى رَجَعَ كُلٌّ إِلَى أَبِيهِ، وَأَلْقَى اللَّهُ الْمَوْتَ عَلَى الْقِبْطِ فَمَاتَ كُلُّ بِكْرٍ لَهُمْ فاشتغلوا بدفنهم حتى أصبحوا، حتى طلعت الشَّمْسُ وَخَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سِتِّمِائَةِ أَلْفٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ لَا يَعُدُّونَ ابْنَ الْعِشْرِينَ لِصِغَرِهِ وَلَا ابْنَ السِّتِّينَ لِكِبَرِهِ، وَكَانُوا يَوْمَ دَخَلُوا مِصْرَ مَعَ يَعْقُوبَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ إِنْسَانًا مَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُوسَى سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ وَسَبْعِينَ أَلْفًا.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ قَالَ: كَانُوا سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ، فَلَمَّا أَرَادُوا السَّيْرَ ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ فَلَمْ يَدْرُوا أَيْنَ يَذْهَبُونَ، فَدَعَا مُوسَى مَشْيَخَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَسَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَى إِخْوَتِهِ عَهْدًا أَنْ لَا يَخْرُجُوا مِنْ مِصْرَ حَتَّى يُخْرِجُوهُ مَعَهُمْ فَلِذَلِكَ انْسَدَّ عَلَيْنَا الطَّرِيقُ، فَسَأَلَهُمْ عَنْ مَوْضِعِ قَبْرِهِ فَلَمْ يَعْلَمُوا فَقَامَ مُوسَى يُنَادِي أُنْشِدُ اللَّهَ كُلَّ مَنْ يَعْلَمُ أَيْنَ مَوْضِعُ قَبْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلَا أَخْبَرَنِي بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ [بِهِ] [4] فَصُمَّتْ أذناه عن سماع قَوْلِي، وَكَانَ يَمُرُّ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يُنَادِي [فَلَا] [5] يَسْمَعَانِ صَوْتَهُ، حَتَّى سَمِعَتْهُ عَجُوزٌ لَهُمْ فَقَالَتْ: أَرَأَيْتُكَ إِنْ دَلَلْتُكَ عَلَى قَبْرِهِ أَتُعْطِينِي كُلَّ مَا سَأَلْتُكَ؟ فَأَبَى عَلَيْهَا وَقَالَ حَتَّى أَسْأَلَ رَبِّي، فَأَمَرَهُ الله تعالى بإيتائها سؤالها، فَقَالَتْ: إِنِّي عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ لَا أَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَاحْمِلْنِي وَأَخْرِجْنِي مِنْ مِصْرَ، هَذَا فِي الدُّنْيَا، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تَنْزِلَ [غُرْفَةً مِنَ] [6] الْجَنَّةِ إِلَّا نَزَلْتُهَا مَعَكَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِنَّهُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ فِي النيل، فادع الله تعالى حَتَّى [يَحْسِرَ عَنْهُ]]
الْمَاءَ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى فَحَسِرَ عَنْهُ الْمَاءَ، ودعا الله [8] أَنْ يُؤَخِّرَ طُلُوعَ الْفَجْرِ إِلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ أَمْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحَفَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَاسْتَخْرَجَهُ فِي [9] صُنْدُوقٍ مِنْ مَرْمَرٍ وَحِمَلَهُ حَتَّى دَفَنَهُ بِالشَّامِ، فَفُتِحَ لَهُمُ الطَّرِيقُ فَسَارُوا وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى ساقتهم [10] وهرون على مقدمتهم،
__________
(1) في المخطوط «يذبح» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) أي أمرهم أن يضيئوا السراج.
(4) سقط في المخطوط.
(5) في المطبوع «ولا» .
(6) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «منزلا في» .
(7) في المطبوع «ينحسر» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) في المخطوط «من» .
(10) ساقة الجيش: مؤخّره.(1/114)
وَنَذَرَ [1] بِهِمْ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ قَوْمَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَخْرُجُوا فِي طلب بني إسرائيل حتى [تصيح الديكة] [2] فو الله مَا صَاحَ دِيكٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَخَرَجَ فِرْعَوْنُ فِي طَلَبِ بَنِي إسرائيل، وعلى مقدمة [3] عسكره هَامَانُ فِي أَلْفِ أَلْفِ وَسَبْعِمِائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ فِيهِمْ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ دُهْمِ الْخَيْلِ سِوَى سَائِرِ الشِّيَاتِ [4] .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَانَ فِي عَسْكَرِ فِرْعَوْنَ مِائَةُ أَلْفِ حِصَانٍ أَدْهَمَ سِوَى سَائِرِ الشِّيَاتِ، وَكَانَ فِرْعَوْنُ [يَكُونُ] [5] فِي الدُّهْمِ [6] وَقِيلَ: كَانَ فِرْعَوْنُ فِي سَبْعَةِ آلَافِ أَلْفٍ، وَكَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِائَةُ أَلْفِ نَاشِبٍ وَمِائَةُ أَلْفٍ أَصْحَابُ حِرَابٍ، وَمِائَةُ أَلْفٍ أَصْحَابُ الْأَعْمِدَةِ فَسَارَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حَتَّى وَصَلُوا إلى البحر أو لماء في غاية الزيادة.
ونظروا فَإِذَا هُمْ بِفِرْعَوْنَ حِينَ أَشْرَقَتِ الشَّمْسُ، فَبَقُوا مُتَحَيِّرِينَ فَقَالُوا: يَا مُوسَى كَيْفَ نَصْنَعُ وَأَيْنَ مَا وَعَدْتَنَا؟ هَذَا فِرْعَوْنُ خَلْفَنَا إِنْ أَدْرَكَنَا قَتَلَنَا وَالْبَحْرُ أَمَامَنَا إِنْ دَخَلْنَاهُ غَرِقْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) [الشُّعَرَاءِ: 61. 62] فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ [الشعراء: 63] ، فَضَرَبَهُ فَلَمْ يُطِعْهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ كَنِّهِ، فَضَرَبَهُ وَقَالَ: انْفَلِقْ يَا أَبَا خَالِدٍ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء: 63] ، وَظَهَرَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ طَرِيقًا لِكُلِّ سِبْطٍ طَرِيقٌ، وَارْتَفَعَ الْمَاءُ بَيْنَ كُلِّ طَرِيقَيْنِ كَالْجَبَلِ، وَأَرْسَلَ اللَّهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَلَى قَعْرِ البحر حتى صار [البحر] يَبِسَا فَخَاضَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ كُلُّ سِبْطٍ فِي طَرِيقٍ وَعَنْ جانبيهم الماء كالجبل الضخم لا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَخَافُوا وَقَالَ كُلُّ سِبْطٍ: قَدْ قُتِلَ إِخْوَانُنَا فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جِبَالِ الْمَاءِ أَنْ تَشَبَّكِي فَصَارَ الْمَاءُ شَبَكَاتٍ كَالطَّبَقَاتِ يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَسْمَعُ بَعْضُهُمْ كَلَامَ بَعْضٍ، حَتَّى عَبَرُوا الْبَحْرَ سَالِمِينَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَالْغَرَقِ.
وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ لِمَا وَصَلَ إِلَى الْبَحْرِ فرآه منفلقا قَالَ لِقَوْمِهِ: انْظُرُوا إِلَى الْبَحْرِ انْفَلَقَ مِنْ هَيْبَتِي حَتَّى أُدْرِكَ عبيدي الذين أبقوا مني، ادْخُلُوا الْبَحْرَ فَهَابَ قَوْمُهُ أَنْ يَدْخُلُوهُ، وَقِيلَ: قَالُوا لَهُ: إِنْ كُنْتَ رَبًّا فَادْخُلِ الْبَحْرَ كَمَا دخل موسى، وكان فرعون [راكبا] عَلَى حِصَانٍ أَدْهَمَ، وَلَمْ يَكُنْ في خيل فرعون أُنْثَى فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى وَدِيقٍ [7] ، فَتَقَدَّمَهُمْ وَخَاضَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا شَمَّ أَدْهَمُ فِرْعَوْنَ رِيحَهَا اقْتَحَمَ الْبَحْرَ فِي أَثَرِهَا وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُ [8] ، وَلَمْ يَمْلِكْ فِرْعَوْنُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَرَى فَرَسَ جِبْرِيلَ، وَاقْتَحَمَتِ الْخُيُولُ خَلْفَهُ فِي الْبَحْرِ وَجَاءَ مِيكَائِيلُ عَلَى فَرَسٍ خَلْفَ الْقَوْمِ [يَشْحَذُهُمْ] [9] يسوقهم حَتَّى لَا يَشِذَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ [10] وَيَقُولَ لَهُمُ: الْحَقُوا بِأَصْحَابِكُمْ حَتَّى خَاضُوا كُلُّهُمُ الْبَحْرَ وَخَرَجَ [11] جِبْرِيلُ من البحر
__________
(1) أي أعلم. ووقع في المطبوع «وندر» .
(2) في نسخ المطبوع «يصبح الديك» . [.....]
(3) في المخطوط «مقدمته» دون «عسكره» .
(4) الشيات: جمع الشية: وهي كل لون يخالف معظم لون الفرس.
(5) زيادة عن المخطوط وط-.
(6) الدهم: العدد الكثير- وقيل: الخيل السوداء.
(7) في القاموس: ودق ذات الحافر وداقا: أرادت الفحل- وأتان وفرس وديق وبها وداق وفي المثل: «ودق البعير إلى الماء» يضرب لمن خضع لشيء حرصا عليه- وذات ودقين: الداهية.
(8) هذه الأخبار من الإسرائيليات لا حجة فيها.
(9) سقط من المطبوع.
(10) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «لا يشرد منهم رجل» .
(11) في المطبوع «وخاض» .(1/115)
وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
[وخرج ميكائيل مِنَ الْبَحْرِ] [1] وَهَمَّ أَوَّلُهُمْ بِالْخُرُوجِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَحْرَ أَنْ يأخذهم فالتطم [عليهم] [2] وأغرقهم أَجْمَعِينَ، وَكَانَ بَيْنَ طَرَفَيِ الْبَحْرِ أربعة فراسخ وهو [بحر القلزم طَرَفٌ مِنْ بَحْرِ فَارِسَ] [3] ، قَالَ قتادة: [هو] بَحْرٌ مِنْ وَرَاءِ مِصْرَ يُقَالُ: إِسَافٌ، وَذَلِكَ بِمَرْأًى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إِلَى مَصَارِعِهِمْ، وَقِيلَ: إِلَى إهلاكهم.
[سورة البقرة (2) : الآيات 51 الى 54]
وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)
وَإِذْ واعَدْنا، هذا [4] مِنَ الْمُفَاعَلَةِ الَّتِي تَكُونُ مِنَ الْوَاحِدِ كَقَوْلِهِمْ: عَافَاكَ اللَّهُ وَعَاقَبْتُ اللِّصَّ وَطَارَقْتُ النَّعْلَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: كَانَ مِنَ اللَّهِ الْأَمْرُ وَمِنْ مُوسَى الْقَبُولُ، فَلِذَلِكَ ذُكِرَ بِلَفْظِ المواعدة، وقرأ أبو عمرو وأهل الْبَصْرَةِ «وَإِذْ وَعَدْنَا» مِنَ الْوَعْدِ، مُوسى: اسم عبري عرّب وهو بالعبرانية [موشي ومو الماء وشا الشجر] [5] ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ أُخِذَ مِنْ بَيْنِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ، ثُمَّ قُلِبَتِ الشِّينُ الْمُعْجَمَةُ سِينًا فِي الْعَرَبِيَّةِ، أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، أي: انقضاءها ثلاثون من ذي الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَقَرَنَ [التَّارِيخَ] [6] بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ لِأَنَّ شُهُورَ الْعَرَبِ وُضِعَتْ عَلَى سَيْرِ الْقَمَرِ، [وَالْهِلَالُ إِنَّمَا يُهِلُّ بِاللَّيْلِ] [7] .
وَقِيلَ: لِأَنَّ الظُّلْمَةَ أَقْدَمُ مِنَ الضَّوْءِ، وَخَلْقُ اللَّيْلِ قَبْلَ النَّهَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: 37] ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَا أَمِنُوا مِنْ عَدُوِّهِمْ وَدَخَلُوا مِصْرَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِتَابٌ وَلَا شَرِيعَةٌ يَنْتَهُونَ إِلَيْهِمَا [8] ، فَوَعَدَ الله موسى أن ينزل عليهم التَّوْرَاةَ، فَقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ: إِنِّي ذاهب لميقات ربي [9] آتِيكُمْ بِكِتَابٍ فِيهِ بَيَانُ مَا تَأْتُونَ وَمَا تَذْرُوَنَ، وَوَاعَدَهُمْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثَلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقِعْدَةِ وعشر مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ أَخَاهُ هَارُونَ، فَلَمَّا أَتَى الْوَعْدُ جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَى فَرَسٍ، يُقَالُ لَهُ:
فَرَسُ الْحَيَاةِ لَا يُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا حُيِيَ لِيَذْهَبَ بِمُوسَى إِلَى رَبِّهِ، فَلَمَّا رَآهُ السَّامِرِيُّ وَكَانَ رَجُلًا صَائِغًا مِنْ أَهْلِ بَاجَرْمَى وَاسْمُهُ مِيخَا [10] ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ [11] : كَانَ مِنْ أَهْلِ كَرْمَانَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اسْمُهُ موسى بن ظفر.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَبِيلَةٍ يُقَالُ لَهَا سامرة، ورأى موضع قدم الفرس تخضرّ من ذلك، وَكَانَ مُنَافِقًا أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ، فَلَمَّا رأى جبريل على ذلك الفرس، [فقال: إن لهذا لشأنا وأخذ قَبْضَةً] [12] مِنْ تُرْبَةِ حَافِرِ فَرَسِ جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ عِكْرِمَةُ: أُلْقِيَ في
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع.
(3) في المطبوع [على طرف بحر من بحر فارس] .
(4) في المطبوع «هو» .
(5) ما بين المعقوفتين في المطبوع «الماء والشجر» . [.....]
(6) سقط من المطبوع.
(7) سقط من المخطوط.
(8) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «ينتمون إليها» .
(9) في المطبوع «ربكم» .
(10) في المخطوط «ميحا» وفي «الدر» (4/ 545) «ما جرما» بدل «باجرما» .
(11) في المخطوط «المسيب» وهو خطأ.
(12) العبارة في المطبوع «علم إِنَّ لِهَذَا شَأْنًا فَأَخَذَ قَبْضَةً» .(1/116)
رَوْعِهِ أَنَّهُ إِذَا أُلْقِيَ فِي شيء غيره حيي، وكان بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدِ اسْتَعَارُوا حُلِيًّا كَثِيرَةً مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ [حِينَ أرادوا الخروج من مصر لعلّة عُرْسٍ لَهُمْ فَأَهْلَكَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ] [1] وَبَقِيَتْ تِلْكَ الْحُلِيُّ فِي أَيْدِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَلَمَّا فَصَلَ مُوسَى قال هارون [2] لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: إِنَّ الْحُلِيَّ الَّتِي اسْتَعَرْتُمُوهَا [3] مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ غَنِيمَةٌ لَا تَحِلُّ لَكُمْ فَاحْفِرُوا حُفْرَةً وَادْفِنُوهَا فِيهَا حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى، فَيَرَى فِيهَا رَأْيَهُ.
وَقَالَ [4] السُّدِّيُّ: إِنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَهُمْ أن يلقوها في حفرة [5] ، حَتَّى يَرْجِعَ مُوسَى فَفَعَلُوا، فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْحُلِيُّ صَاغَهَا السَّامِرِيُّ عِجْلًا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَلْقَى فِيهَا [6] الْقَبْضَةَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ تُرَابِ [أَثَرِ] فَرَسِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَخَرَجَ عِجْلًا مِنْ ذَهَبٍ مُرَصَّعًا بِالْجَوَاهِرِ كَأَحْسَنِ مَا يَكُونُ، فخار خَوْرَةً، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ يَخُورُ وَيَمْشِي فَقَالَ السَّامِرِيُّ: هَذَا إِلَهُكُمْ وإله موسى، فنسي، أَيْ: فَتَرَكَهُ هَاهُنَا وَخَرَجَ يَطْلُبُهُ، وَكَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ قَدْ أَخْلَفُوا الوعد فعدّوا اليوم مع الليلة يومين، فلما مضى عِشْرُونَ يَوْمًا وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى وَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ، وَقِيلَ: كَانَ مُوسَى قَدْ وَعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ثُمَّ زِيدَتِ الْعَشَرَةَ فَكَانَتْ فِتْنَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْعَشَرَةِ، فَلَمَّا مَضَتِ الثَّلَاثُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ مُوسَى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَرَأَوُا الْعِجْلَ وسمعوا قول السامري، فعكف ثَمَانِيَةُ آلَافِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى الْعِجْلِ يَعْبُدُونَهُ، وَقِيلَ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ مَعَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُلٍ وَهَذَا أَصَحُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: كُلُّهُمْ عَبَدُوهُ إِلَّا هَارُونَ وَحْدَهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ، أَيْ: إِلَهًا مِنْ بَعْدِهِ، أَظْهَرَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ الذَّالَ مِنْ (أَخَذْتُ، وَاتَّخَذْتُ) ، وَالْآخَرُونَ يُدْغِمُونَهَا، وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ: ضَارُّونَ لِأَنْفُسِكُمْ بِالْمَعْصِيَةِ وَاضِعُونَ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا.
ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ: مَحَوْنَا ذنوبكم، مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: من عِبَادَتِكُمُ الْعِجْلَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
لِكَيْ تَشْكُرُوا عَفْوِي عَنْكُمْ وَصَنِيعِي إِلَيْكُمْ، قِيلَ: الشُّكْرُ هُوَ الطَّاعَةُ بِجَمِيعِ الْجَوَارِحِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، قَالَ الْحَسَنُ: شُكْرُ النِّعْمَةِ ذِكْرُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ [الضُّحَى: 11] .
قَالَ الْفُضَيْلُ: [شُكْرُ كُلِّ نِعْمَةٍ أَنْ لَا يُعْصَى اللَّهُ بَعْدَ تِلْكَ النِّعْمَةِ] [7] ، وَقِيلَ: حَقِيقَةُ الشُّكْرِ الْعَجْزُ عَنِ الشُّكْرِ، حُكِيَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِلَهِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ النِّعَمَ السَّوَابِغَ وَأَمَرَتْنِي بِالشُّكْرِ، وَإِنَّمَا شُكْرِي إِيَّاكَ نِعْمَةٌ مِنْكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مُوسَى تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ الذي لا يفوقه عِلْمٍ [8] ، حَسْبِي مِنْ عَبْدِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَا بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَهُوَ مِنِّي، وَقَالَ دَاوُدُ: سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ اعْتِرَافَ الْعَبْدِ بِالْعَجْزِ عَنْ شُكْرِهِ شُكْرًا، كَمَا جَعَلَ اعْتِرَافَهُ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ مَعْرِفَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَالْفُرْقانَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ التَّوْرَاةُ أَيْضًا ذَكَرَهَا بِاسْمَيْنِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْفُرْقَانُ نَعْتُ الْكِتَابِ، وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ، يَعْنِي: الكتاب الفرقان، أي:
__________
(1) زيد في المطبوع.
(2) وقع في كافة نسخ المطبوع والمخطوط «السامري» وهو سبق قلم من المصنف رحمه الله، والمثبت كتب الحديث والأثر.
والروايات ظاهرة في أن القائل هارون عليه السلام. انظر تفسير الطبري 920 و922 و923 و924 و «الدر المنثور» (4/ 545- 547) .
(3) في المخطوط «استعرتموه» .
(4) في المخطوط «قال» .
(5) في المطبوع «حفيرة» .
(6) في المخطوط «فيه» .
(7) ما بين المعقوفتين هكذا في نسخ المطبوع. وهي في المخطوط [شكر النعمة أن لا يعصي الله بعدها] . [.....]
(8) زيد في المطبوع «شيء من» قبل لفظ «علم» .(1/117)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
الْمُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَقَالَ يَمَانُ بْنُ رَبَابٍ [1] : أَرَادَ بِالْفُرْقَانِ انفراق البحر كما قال [تَعَالَى] : وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، [يعني] : بِالتَّوْرَاةِ.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ: الَّذِينَ عَبَدُوا الْعِجْلَ، يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ: ضَرَرْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ، بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ: إِلَهًا. قَالُوا: فَأَيُّ شَيْءٍ [2] نَصْنَعُ؟ قَالَ: فَتُوبُوا: فَارْجِعُوا إِلى بارِئِكُمْ: خَالِقِكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَتُوبُ؟ قَالَ: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، يَعْنِي: لِيَقْتُلِ الْبَرِيءُ مِنْكُمُ الْمُجْرِمَ، ذلِكُمْ، أَيِ: الْقَتْلُ، خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ، فَلَمَّا أَمَرَهُمْ مُوسَى بِالْقَتْلِ، قَالُوا: نَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ فَجَلَسُوا بِالْأَفْنِيَةِ مُحْتَبِينَ، وَقِيلَ لَهُمْ: مَنْ حلّ حَبَوْتَهُ أَوْ مَدَّ طَرْفَهُ إِلَى قَاتِلِهِ أَوِ اتَّقَاهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَهُوَ مَلْعُونٌ مَرْدُودَةٌ تَوْبَتُهُ، وأصلت [3] القوم عليهم الخناجر وكان الرَّجُلُ يَرَى ابْنَهُ [4] وَأَبَاهُ وَأَخَاهُ وَقَرِيبَهُ وَصَدِيقَهُ وَجَارَهُ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْمُضِيُّ [5] لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالُوا [6] : يَا مُوسَى كَيْفَ نَفْعَلُ؟ فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ [7] ضَبَابَةً وَسَحَابَةً سَوْدَاءَ لَا يُبْصِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَكَانُوا يَقْتُلُونَهُمْ إِلَى الْمَسَاءِ، فَلَمَّا كثر القتل دعا موسى وهرون عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَبَكَيَا وَتَضَرَّعَا وَقَالَا: يَا رَبُّ هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ، الْبَقِيَّةَ الْبَقِيَّةَ، فَكَشَفَ اللَّهُ تَعَالَى السَّحَابَةَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَكُفُّوا عَنِ القتل، فكشف عَنْ أُلُوفٍ مِنَ الْقَتْلَى، يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ عَدَدُ الْقَتْلَى سَبْعِينَ أَلْفًا فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى مُوسَى فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنْ أُدْخِلَ الْقَاتِلَ والمقتول [منهم] [8] الْجَنَّةَ؟ فَكَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ شَهِيدًا، وَمَنْ بَقِيَ مُكَفَّرًا عَنْهُ ذُنُوبُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتابَ عَلَيْكُمْ، أَيْ: فَفَعَلْتُمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ: القابل للتوبة [منكم] [9] الرَّحِيمُ بكم [10] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 57]
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَأْتِيَهُ فِي نَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، فَاخْتَارَ [مُوسَى] سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خيارهم وقال لَهُمْ: صُومُوا وَتَطَهَّرُوا وَطَهِّرُوا ثِيَابَكُمْ فَفَعَلُوا، فَخَرَجَ بِهِمْ مُوسَى إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، فَقَالُوا لموسى: اطلب لنا أن نسمع كلام ربنا، فقال: أفعل فلما دنا موسى مِنَ الْجَبَلِ وَقَعَ عَلَيْهِ عَمُودُ الْغَمَامِ وَتَغَشَّى الْجَبَلَ كُلَّهُ فَدَخَلَ فِي الْغَمَامِ، وَقَالَ لِلْقَوْمِ: ادْنُوَا فدنا القوم حَتَّى دَخَلُوا فِي الْغَمَامِ وَخَرُّوا سُجَّدًا، وَكَانَ مُوسَى إِذَا كَلَّمَهُ رَبُّهُ وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ نُورٌ سَاطِعٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنْ بَنِي آدَمَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَضُرِبَ دُونَهُمُ الْحِجَابُ وَسَمِعُوهُ وَهُوَ يُكَلِّمُ مُوسَى يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ، وَأَسْمَعَهُمُ اللَّهُ: أَنِّي أَنَا اللَّهُ لَا
__________
(1) في المطبوع «ريان» .
(2) في المخطوط «فما» بدل «فأي شيء» .
(3) وقع في الأصل «واصلت» والتصويب من نسخة «ف» .
(4) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «أمه» .
(5) زيد في المخطوط «إليه» .
(6) في المخطوط «فقالوا» .
(7) في المخطوط «إليهم» .
(8) سقط من المطبوع.
(9) سقط من المطبوع.
(10) في المطبوع «بهم» وفي نسخة- ط- «بخلقه» بدل «بكم» .(1/118)
إِلَهَ إِلَّا أَنَا ذُو بَكَّةَ [1] أَخْرَجْتُكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ فَاعْبُدُونِي وَلَا تَعْبُدُوا غَيْرِي، فَلَمَّا فَرَغَ مُوسَى وَانْكَشَفَ الْغَمَامُ أَقْبَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً مُعَايَنَةً، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَجْعَلُ الْعِلْمَ بِالْقَلْبِ رُؤْيَةً، فَقَالَ: جَهْرَةً لِيَعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْعِيَانُ، فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ، أَيِ: الْمَوْتُ.
وَقِيلَ: نَارٌ جَاءَتْ مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرَقَتْهُمْ، وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، أَيْ: يَنْظُرُ بَعْضُكُمْ [إِلَى] [2] بَعْضٍ حِينِ أَخَذَكُمُ الْمَوْتُ، وَقِيلَ: تَعْلَمُونَ، وَالنَّظَرُ يَكُونُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، فَلَمَّا هَلَكُوا جَعَلَ مُوسَى يَبْكِي وَيَتَضَرَّعُ وَيَقُولُ: مَاذَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا أَتَيْتُهُمْ وقد هلك خِيَارَهُمْ؟ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الْأَعْرَافِ: 155] ، فَلَمْ يَزَلْ يُنَاشِدُ رَبَّهُ حَتَّى أَحْيَاهُمُ اللَّهُ تعالى رجلا [3] رجلا، بَعْدَ مَا مَاتُوا يَوْمًا وَلَيْلَةً وينظر بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ كَيْفَ يُحْيَوْنَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
ثُمَّ بَعَثْناكُمْ: أَحْيَيْنَاكُمْ، وَالْبَعْثُ: إِثَارَةُ الشَّيْءِ عَنْ مَحَلِّهِ، يُقَالُ: بَعَثْتُ الْبَعِيرَ وَبَعَثْتُ النَّائِمَ فَانْبَعَثَ، مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ، قال قتادة: أحياهم [الله] [4] لِيَسْتَوْفُوا بَقِيَّةَ آجَالِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ، وَلَوْ مَاتُوا بِآجَالِهِمْ لَمْ يُبْعَثُوا [إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ] [5] لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ، في التيه تقيكم حَرَّ الشَّمْسِ وَالْغَمَامُ مِنَ الْغَمِّ، وَأَصْلُهُ: التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، سُمِّيَ السَّحَابُ غَمَامًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي وَجْهَ الشَّمْسِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي التِّيهِ كُنٌّ [6] يَسْتُرُهُمْ فَشَكَوْا إِلَى مُوسَى فَأَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى غَمَامًا أَبْيَضَ رَقِيقًا أَطْيَبَ مِنْ غَمَامِ الْمَطَرِ، وَجَعَلَ لَهُمْ عَمُودًا مِنْ نُورٍ يُضِيءُ لَهُمُ اللَّيْلَ [7] إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قَمَرٌ، وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى، أَيْ: فِي التِّيهِ، وَالْأَكْثَرُونَ: عَلَى أَنَّ الْمَنَّ هُوَ التَّرَنْجَبِينُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ شَيْءٌ كَالصَّمْغِ كَانَ يَقَعُ عَلَى الْأَشْجَارِ طَعْمُهُ كَالشَّهْدِ، وَقَالَ وَهْبٌ: هُوَ الْخُبْزُ الرُّقَاقُ، قَالَ الزجاج: [8] الْمَنِّ مَا [9] يَمُنُّ اللَّهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ.
«54» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وماؤها شفاء للعين» [10] .
__________
54- إسناده صحيح، رجاله رجال البخاري ومسلم، أبو نعيم هو الفضل بن دكين، وسفيان هو الثوري.
وهو في «شرح السنة» (2890) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (4478) عن أبي نعيم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 4478 و4639 و5708 ومسلم 2049 والترمذي 2068 وأحمد 1/ 178 و187 و188 وأبو يعلى 961 من حديث سعيد بن زيد.
(1) أي: ذو قوة.
(2) في المطبوع «ل» بدل «إلى» . [.....]
(3) في المخطوط «رجلا بعد رجل» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) سقط من المخطوط.
(6) الكن: ووقاء كل شيء وستره والكنان: البيت- والكنة: جناح يخرج من حائط أو سقيفة فوق باب الدار، أو ظلة.
(7) في المخطوط «بالليل» .
(8) زيد في الأصل جملة» .
(9) في المطبوع «من» .
(10) وقع في الأصل «للعي» والتصويب من صحيح البخاري وغيره.(1/119)
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
قالوا: فكان هذا المنّ [يقع] كل ليلة [1] عَلَى أَشْجَارِهِمْ مِثْلَ الثَّلْجِ لِكُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ صَاعٌ، فَقَالُوا:
يَا مُوسَى قَتَلَنَا هَذَا الْمَنُّ بِحَلَاوَتِهِ، فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ أَنْ يُطْعِمَنَا اللَّحْمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ السَّلْوَى وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِهُ السُّمَانَى، وَقِيلَ: هُوَ السُّمَانَى بِعَيْنِهِ، بَعَثَ الله سحابة فأمطرت السماني في عرض ميل [من الأرض] [2] وَطُولِ رُمْحٍ فِي السَّمَاءِ بَعْضُهُ على بعض [3] ، فَكَانَ اللَّهُ يُنْزِلُ عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلَّ صَبَاحٍ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَكْفِيهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمْعَةِ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَكْفِيهِ لِيَوْمَيْنِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْزِلُ يَوْمَ السَّبْتِ. كُلُوا، أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمْ كُلُوا: مِنْ طَيِّباتِ: [من] [4] حَلَالَاتِ، مَا رَزَقْناكُمْ، وَلَا تَدَّخِرُوا لِغَدٍ، فَفَعَلُوا فَقَطَعَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَدَوَّدَ وَفَسَدَ مَا ادَّخَرُوا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، أَيْ: وَمَا بَخَسُوا بِحَقِّنَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بِاسْتِيجَابِهِمْ عَذَابِي، وَقَطْعِ مَادَّةِ الرِّزْقِ الَّذِي كَانَ يُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ بِلَا مُؤْنَةٍ فِي الدُّنْيَا وَلَا حِسَابٍ فِي الْعُقْبَى.
«55» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْبُثِ الطَّعَامُ وَلَمْ يَخْنَزِ [5] اللَّحْمُ، وَلَوْلَا حَوَّاءُ لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا الدهر» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 60]
وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)
قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ، سُمِّيَتِ الْقَرْيَةُ قَرْيَةً لِأَنَّهَا تَجْمَعُ أَهْلَهَا، وَمِنْهُ الْمِقْرَاةُ لِلْحَوْضِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْمَاءَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: هي أريحا وَهِيَ قَرْيَةُ الْجَبَّارِينَ كَانَ فِيهَا قوم
__________
55- إسناده صحيح. أحمد بن يوسف أبو الحسن، من رجال مسلم، وقد توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد.
وهو في «شرح السنة» (2328) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1470 ح 63 من طريق أحمد بن يوسف به.
- وأخرجه البخاري 3399 وأحمد 2/ 315 وابن حبان 4169 من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 3330 من طريق عبد الله عن معمر به، ومسلم 1470 من طريق أبي يونس مولى أبي هريرة عن أبي هريرة به.
وأخرجه أحمد 2/ 304 من طريق خلاس بن عمرو الهجري عن أبي هريرة به.
(1) لفظ «يقع» في المطبوع هاهنا.
(2) سقط من المطبوع.
(3) زيد في المطبوع هاهنا «وقال المؤرج: السلوى والعسل» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) خنز اللحم: إذا أنتن وتغير ريحه. [.....](1/120)
مِنْ بَقِيَّةِ عَادٍ يُقَالُ لَهُمُ: الْعَمَالِقَةُ، وَرَأْسُهُمْ عُوجُ بْنُ عُنُقَ، وَقِيلَ: بَلْقَاءُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بَيْتُ الْمَقْدِسِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الرَّمْلَةُ وَالْأُرْدُنُّ وَفِلَسْطِينُ وَتَدْمُرُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِيلِيَا، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: الشَّامُ، فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً: مُوَسَّعًا عَلَيْكُمْ، وَادْخُلُوا الْبابَ، يَعْنِي: بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْقَرْيَةِ، وَكَانَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ سُجَّداً، أَيْ: رُكَّعًا خُضَّعًا مُنْحَنِينَ.
وَقَالَ وَهْبٌ: فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَاسْجُدُوا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَقُولُوا حِطَّةٌ، قَالَ قَتَادَةُ: حُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا، أُمِرُوا بِالِاسْتِغْفَارِ، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لِأَنَّهَا تَحُطُّ الذُّنُوبَ، وَرَفَعَهَا عَلَى تَقْدِيرِ:
قُولُوا مَسْأَلَتُنَا حِطَّةٌ، نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ: مِنَ الْغَفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ [1] ، فَالْمَغْفِرَةُ: تَسْتُرُ الذُّنُوبَ، وقرأ نَافِعٌ بِالْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِ الْفَاءِ، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا [وفتح الفاء] [2] ، وفي الأعراف [3] قرأا جَمِيعًا وَيَعْقُوبُ بِالتَّاءِ وَضَمِّهَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ فِيهِمَا: بِنَصْبِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ، وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ: ثَوَابًا مِنْ فَضْلِنَا [4] . فَبَدَّلَ: فَغَيَّرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا: أَنْفُسَهُمْ، وَقَالُوا: قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ بَدَّلُوا قَوْلَ الْحِطَّةِ بِالْحِنْطَةِ فَقَالُوا بِلِسَانِهِمْ: حِطَانَا [5] سِمْقَاثَا، أَيْ: حِنْطَةٌ حَمْرَاءُ اسْتِخْفَافًا بِأَمْرِ [6] اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ مجاهد: طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فَأَبَوْا أَنْ يَدْخَلُوهَا سُجَّدًا فَدَخَلُوا يزحفون عَلَى أَسْتَاهِهِمْ مُخَالَفَةً فِي الْفِعْلِ، كَمَا بَدَّلُوا الْقَوْلَ وَقَالُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ.
«56» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ، فبدّلوا فدخلوا يزحفون على أستاههم [7] وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ» ، فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ، قِيلَ:
أَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَاعُونًا فَهَلَكَ مِنْهُمْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ سَبْعُونَ أَلْفًا، بِما كانُوا يَفْسُقُونَ: يَعْصُونَ وَيَخْرُجُونَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى: طَلَبَ السُّقْيَا لِقَوْمِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَطِشُوا فِي التِّيهِ فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ فَفَعَلَ، فَأَوْحَى [الله] [8] إِلَيْهِ كَمَا قَالَ: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ وَكَانَتْ مِنْ آسِ الْجَنَّةِ طولها
__________
56- إسناده صحيح على شرط البخاري، تفرد البخاري عن إسحاق وهو ابن إبراهيم بن نصر البخاري السّعدي، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، عبد الرزاق هو ابن همام صاحب «المصنف» وشيخه معمر هو ابن راشد.
هو في «صحيح البخاري» (4641) عن إسحاق بن نصر بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 3403 و4479 ومسلم 3015 والترمذي 2956 وهمام بن منبه 116 وأحمد 2/ 318 والطبري 1019 وابن حبان 6251 من حديث أبي هريرة.
(1) في المخطوط «والمغفرة» .
(2) زيد في نسخ المطبوع.
(3) في المطبوع «قرأ» وهو خطأ.
(4) في المخطوط «عندنا» .
(5) في المخطوط «هطا» .
(6) في المخطوط «غير ما أمر» بدل «استخفافا بأمر» .
(7) الاست: الورك.
(8) زيد لفظ الجلالة من المخطوط ونسخة- ط- ولفظ «إليه» ليس في المخطوط، وهو مثبت في نسخ المطبوع.(1/121)
عَشَرَةُ أَذْرُعٍ عَلَى طُولِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَهَا شُعْبَتَانِ تَتَّقِدَانِ فِي الظُّلْمَةِ نُورًا، وَاسْمُهَا عَلَّيْقٌ، حملها آدم من الجنة [فنزل بها منها] [1] فَتَوَارَثَهَا الْأَنْبِيَاءُ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَعْطَاهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ مُقَاتِلٌ: اسْمُ الْعَصَا بنعته [2] ، قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَجَرَ، اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ وَهْبٌ: لَمْ يَكُنْ حَجَرًا مُعَيَّنًا بَلْ كَانَ مُوسَى يَضْرِبُ أَيَّ حَجَرٍ كَانَ مِنْ عُرْضِ الْحِجَارَةِ فَيَنْفَجِرُ عُيُونًا، لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ، وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا ثُمَّ تُسِيلُ كُلُّ عَيْنٍ فِي جَدْوَلٍ إِلَى السِّبْطِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَسْقِيَهُمْ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: كَانَ حَجَرًا مُعَيَّنًا بِدَلِيلٍ أنه عرّفه بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ حَجَرًا خَفِيفًا مُرَبَّعًا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ الرَّجُلِ، كَانَ يَضَعُهُ [موسى] [3] فِي مِخْلَاتِهِ فَإِذَا احْتَاجُوا إِلَى الْمَاءِ وَضَعَهُ وَضَرَبَهُ بِعَصَاهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ لِلْحَجَرِ أَرْبَعَةُ وُجُوهٍ لِكُلِّ وَجْهٍ ثَلَاثَةُ أَعْيُنٍ، لِكُلِّ سِبْطٍ عَيْنٌ، وَقِيلَ: كَانَ الْحَجَرُ رخاما [4] ، وقيل: كان من الكدّان [5] ، فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ حُفْرَةً يَنْبُعُ مِنْ كُلِّ حُفْرَةٍ عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ، فَإِذَا فَرَغُوا وَأَرَادَ مُوسَى حَمْلَهُ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ فَيَذْهَبُ الْمَاءُ [منه] ، وَكَانَ يَسْقِي كُلَّ يَوْمٍ سِتَّمِائَةِ ألف [وكان وسعة العسكر اثني عشر ميلا] [6] .
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي وَضَعَ مُوسَى ثَوْبَهُ عَلَيْهِ لِيَغْتَسِلَ فَفَرَّ بِثَوْبِهِ وَمَرَّ بِهِ عَلَى مَلَأٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ رَمَوْهُ بِالْأُدْرَةِ [7] ، فَلَمَّا وقف [الحجر] أتاه جبريل فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ [لك] ارْفَعْ هَذَا الْحَجَرَ فَلِي فِيهِ قُدْرَةٌ وَلَكَ فِيهِ مُعْجِزَةٌ فَرَفَعَهُ وَوَضَعُهُ فِي مِخْلَاتِهِ [8] .
قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ يَضْرِبُهُ مُوسَى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ ضَرْبَةً فَيَظْهَرُ عَلَى مَوْضِعِ كُلِّ ضَرْبَةٍ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ فَيَعْرَقُ [ثم] [9] تفجر [10] الْأَنْهَارُ ثُمَّ تَسِيلُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ يَقُولُونَ: انْبَجَسَتْ وَانْفَجَرَتْ وَاحِدٌ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: انبجست عرقت، وانفجرت سَالَتْ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَانْفَجَرَتْ، أَيْ: فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ أَيْ سَالَتْ، مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً: عَلَى عَدَدِ الْأَسْبَاطِ، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ:
مَوْضِعَ شُرْبِهِمْ، لَا يُدْخِلُ سِبْطٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي شُرْبِهِ [11] ، كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ، أَيْ: وَقُلْنَا لَهُمْ:
كُلُوا مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَاشْرَبُوا مِنَ الْمَاءِ فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ رِزْقِ الله [الذي] يَأْتِيكُمْ بِلَا مَشَقَّةٍ، وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، والعثي: أَشَدُّ الْفَسَادِ، يُقَالُ: عَثَى يَعْثِي عثيا، وَعَثَا يَعْثُو عَثْوًا، وَعَاثَ يَعِيثُ عيثا.
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «بنعته» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع «خاما» .
(5) كذا في الأصل. وفي «القاموس» الكديون: دقاق التراب عليه درديّ الزيت تجلى به الدروع اه- وقيل: هو الحجر الرخو كأنه مدر، وربما كان نخرا. [.....]
(6) سقط من المطبوع.
(7) الآدر: من يصيبه فتق في إحدى خصيتيه- وقيل: الأدرة: انتفاخ الخصية.
(8) في «القاموس» : الخلي: الرطب من النبات واحدته خلاة- والمخلاة: ما وضع فيه.
(9) سقط من المطبوع.
(10) كذا في المطبوع، وفي- ط- «يتفجر» وفي المخطوط «تنفجر» .
(11) في المخطوط «مشربه» .(1/122)
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)
[سورة البقرة (2) : آية 61]
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (61)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا وَسَئِمُوا مِنْ أَكْلِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَإِنَّمَا قَالَ: عَلى طَعامٍ واحِدٍ وَهُمَا اثْنَانِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَنِ الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ كَمَا تُعَبِّرُ عَنِ الْوَاحِدِ بِلَفْظِ الِاثْنَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرَّحْمَنِ: 22] ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِحِ دُونَ الْعَذْبِ، وَقِيلَ: كَانُوا يَأْكُلُونَ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَكَانَا كَطَعَامٍ وَاحِدٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: كَانُوا يَعْجِنُونَ الْمَنَّ بِالسَّلْوَى فَيَصِيرَانِ وَاحِدًا، فَادْعُ لَنا:
فَاسْأَلْ [1] لِأَجْلِنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها، قال ابن عباس: الفوم الْخُبْزُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْحِنْطَةُ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْحُبُوبُ الَّتِي تُؤْكَلُ كُلُّهَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الثوم، وَعَدَسِها وَبَصَلِها، قالَ، لَهُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى: أخسّ وأردأ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ: أَشْرَفُ وَأَفْضَلُ؟ وَجَعَلَ الْحِنْطَةَ أَدْنَى فِي الْقِيمَةِ وإن كانت هِيَ [2] خَيْرًا مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، أَوْ أَرَادَ أَنَّهَا أَسْهَلُ وُجُودًا عَلَى الْعَادَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ رَاجِعًا إِلَى اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُمْ وَاخْتِيَارِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، اهْبِطُوا مِصْراً، يَعْنِي: فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا ذَلِكَ فَانْزِلُوا مِصْرًا مِنَ الْأَمْصَارِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ مِصْرُ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَهُ لَمْ يَصْرِفْهُ [3] ، فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ:
من نَبَاتُ الْأَرْضِ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ: جُعِلَتْ عَلَيْهِمْ، وَأُلْزِمُوا الذِّلَّةُ: الذُّلُّ وَالْهَوَانُ، قيل:
الجزية [4] ، وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ: هُوَ الْكُسْتِيجُ [5] وَالزُّنَّارُ وَزِيُّ الْيَهُودِيَّةِ، وَالْمَسْكَنَةُ: الْفَقْرُ، سُمِّيَ الْفَقِيرُ مِسْكِينًا لِأَنَّ الْفَقْرَ أَسْكَنَهُ وَأَقْعَدَهُ عَنِ الْحَرَكَةِ، فَتَرَى الْيَهُودَ وَإِنْ كَانُوا مَيَاسِيرَ كأنهم فقراء، وقيل:
الذلّة فَقْرُ الْقَلْبِ فَلَا تَرَى فِي أَهْلِ الْمِلَلِ أَذَلَّ وَأَحْرَصَ عَلَى المال من اليهود، وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ:
رَجَعُوا، وَلَا يقال: باء إلّا بالشر، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: احْتَمَلُوا وَأَقَرُّوا به.
ومنه الدعاء: ع «57» «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي» .
أَيْ: أُقِرُّ.
ذلِكَ، أَيِ: الْغَضَبُ، بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ: بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةِ الرَّجْمِ فِي التَّوْرَاةِ، وَيَكْفُرُونَ [6] بِالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ، وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ، تَفَرَّدَ نَافِعٌ بِهَمْزِ النَّبِيِّ وَبَابِهِ، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ:
الْمُخْبِرُ، مِنْ أنبأ ينبئ [ونبأ يُنْبِئُ] ، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ تَرْكُ الْهَمْزَةِ، وَلَهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هُوَ أَيْضًا مِنَ الْإِنْبَاءِ تُرِكَتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالثَّانِي: هُوَ بِمَعْنَى الرَّفِيعِ مَأْخُوذٌ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَهِيَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ (النَّبِيِّينَ) عَلَى الْأَصْلِ، بِغَيْرِ الْحَقِّ، أَيْ: بِلَا جُرْمٍ، فَإِنْ قيل: فلم قال
__________
57- ع صحيح. هو بعض حديث أخرجه البخاري 6306 والنسائي 8/ 289 والترمذي 3393 وأحمد 4/ 122 و124 وابن حبان 932 و933 من حديث شداد بن أوس وصدره «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني، وأنا عبدك ... » .
(1) في المطبوع «فسل» .
(2) في المخطوط وط- «كان هو» .
(3) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي- ط- «يعرفه» وهو خطأ.
(4) في نسخ المطبوع «بالجزية» .
(5) الكستيج: هو خيط غليظ يشدّه الذميّ فوق ثيابه دون الزنار. كذا في «القاموس» .
(6) في المطبوع «ويكفر» والمثبت عن- ط- وهو ساقط من المخطوط.(1/123)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)
بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَقَتْلُ النَّبِيِّينَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِغَيْرِ الْحَقِّ؟ قِيلَ: ذَكَرَهُ وَصْفًا لِلْقَتْلِ، وَالْقَتْلُ تَارَةً يوصف بالحق، وتارة يُوصَفُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ [الأنبياء: 112] ، ذكر الحق وصف للحكم لا أنّ حكمه [تعالى] يَنْقَسِمُ إِلَى الْجَوْرِ وَالْحَقِّ، وَيُرْوَى أَنَّ الْيَهُودَ قَتَلَتْ سَبْعِينَ نَبِيًّا في أول النهار، وقامت إلى [1] سوق بقلها فِي آخِرِ النَّهَارِ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ: يَتَجَاوَزُونَ أَمْرِي ويرتكبون محارمي.
[سورة البقرة (2) : الآيات 62 الى 63]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ سُمُّوا بِهِ لِقَوْلِهِمْ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ، أَيْ: مِلْنَا إِلَيْكَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ هَادُوا، أَيْ: تَابُوا عَنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ مَالُوا عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ دِينِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: لِأَنَّهُمْ يَتَهَوَّدُونَ، أَيْ: يَتَحَرَّكُونَ عِنْدَ قراءة التوراة، ويقولون: إن السموات وَالْأَرْضَ تَحَرَّكَتْ حِينَ آتَى اللَّهُ موسى التوراة، وَالنَّصارى، سمّوا بذلك [2] لِقَوْلِ الْحَوَارِيِّينَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِأَنَّهُمْ نَزَلُوا قَرْيَةً يُقَالُ لَهَا: نَاصِرَةُ، وَقِيلَ لِاعْتِزَائِهِمْ [3] إِلَى نَصِرَةَ وَهِيَ قَرْيَةٌ كَانَ يَنْزِلُهَا [4] عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالصَّابِئِينَ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالصَّابِينَ وَالصَّابُونَ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ، وَالْبَاقُونَ بِالْهَمْزَةِ، وَأَصْلُهُ الْخُرُوجُ، يُقَالُ: صَبَأَ فُلَانٌ أَيْ خَرَجَ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ آخَرَ، وَصَبَأَتِ النُّجُومُ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ مَطَالِعِهَا، وَصَبَأَ نَابُ الْبَعِيرِ إِذَا خَرَجَ، فَهَؤُلَاءِ سُمُّوا بِهِ لِخُرُوجِهِمْ مِنْ دِينٍ إِلَى دِينٍ.
قال عمر بن الخطاب وَابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ قَوْمٌ مِنْ أهل الكتاب، قال عمر: [تحل] [5] ذبائحهم [مثل] [6] ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا مناكحتهم، قال مُجَاهِدٌ: هُمْ قَبِيلَةٌ نَحْوَ الشَّامِ بين اليهود والمجوس، قال الْكَلْبِيُّ: هُمْ قَوْمٌ [بَيْنَ] [7] الْيَهُودِ والنصارى يحلقون أوساط رؤوسهم ويجبّون [8] مذاكيرهم، وقال قتادة: هم قوم يقرون بالله ويقرؤون الزَّبُورَ وَيَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيُصَلُّونَ إِلَى الكعبة أَخَذُوا مِنْ كُلِّ دِينٍ شَيْئًا، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى: انْقَرَضُوا. مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي ابْتِدَاءِ الْآيَةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا قِيلَ: اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى التَّحْقِيقِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا قَبْلَ الْمَبْعَثِ وَهُمْ طُلَّابُ الدِّينِ، مِثْلَ حَبِيبٍ النَّجَّارِ وَقُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ وَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَالْبَرَاءِ السِّنِّيِّ [9] وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ
__________
(1) زيد في المطبوع. [.....]
(2) في المطبوع «به» .
(3) في المخطوط «لاغترابهم» .
(4) في المخطوط «نزل بها» .
5 زيد في المطبوع وحده.
6 زيد في المطبوع وحده.
(7) سقط من المطبوع.
(8) جبّ: قطع.
(9) في المطبوع «الشني، وفي المخطوط البستي» .(1/124)
وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَبَحِيرَا الرَّاهِبِ وَوَفْدِ النَّجَاشِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم وتابعه، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْهُ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالَّذِينَ هادُوا الَّذِينَ كَانُوا عَلَى دِينِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يُبَدِّلُوا، وَالنَّصارى الَّذِينَ كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يُغَيِّرُوا وَمَاتُوا عَلَى ذَلِكَ.
قَالُوا: وَهَذَانِ الِاسْمَانِ لَزِمَاهُمْ زَمَنَ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حَيْثُ كَانُوا عَلَى الْحَقِّ كَالْإِسْلَامِ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصَّابِئِينَ زَمَنَ اسْتِقَامَةِ أَمْرِهِمْ مَنْ آمَنَ، أي: مَاتَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ لِأَنَّ حقيقة الإيمان الموافاة، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ مُضْمَرًا، أَيْ: وَمَنْ آمَنَ بَعْدَكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَذْكُورِينَ بِالْإِيمَانِ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمُ: الَّذِينَ آمَنُوا بِالْأَنْبِيَاءِ الْمَاضِينَ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِكَ.
وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِمُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَالْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ اعْتَقَدُوا الْيَهُودِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيَّةَ بَعْدَ التَّبْدِيلِ، وَالصَّابِئُونَ بَعْضُ أَصْنَافِ الْكُفَّارِ، مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر من هَذِهِ الْأَصْنَافُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، إنما ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِأَنَّ مَنْ يَصْلُحُ [1] لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكِّرِ وَالْمُؤَنَّثِ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: فِي الدُّنْيَا [2] وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ: فِي الآخرة.
وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ: عَهْدَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ، وهو الْجَبَلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: مَا مِنْ لُغَةٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ لُغَةٌ غَيْرُ لُغَةِ الْعَرَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف: 2] ، وإنما هذا وأشباهه وفاق وقع [3] بَيْنَ اللُّغَتَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَبَلًا مِنْ جِبَالِ فِلَسْطِينَ فَانْقَلَعَ مِنْ أَصْلِهِ حتى قام على رؤوسهم، وذلك أن اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أَنْ يَقْبَلُوهَا وَيَعْمَلُوا بِأَحْكَامِهَا، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوهَا لِلْآصَارِ [4] وَالْأَثْقَالِ الَّتِي هِيَ فِيهَا، وَكَانَتْ شَرِيعَةً ثَقِيلَةً، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَلَعَ جَبَلًا عَلَى قَدْرِ عَسْكَرِهِمْ وَكَانَ فَرْسَخًا فِي فرسخ فرفعه فوق رؤوسهم مثل قَامَةِ الرَّجُلِ كَالظُّلَّةِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا التَّوْرَاةَ أَرْسَلْتُ هَذَا الْجَبَلَ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: رَفَعَ اللَّهُ فَوْقَ رؤوسهم الطُّورَ وَبَعَثَ نَارًا مِنْ قِبَلِ وجوههم وأتاهم البحر الملح مِنْ خَلْفِهِمْ، خُذُوا، أَيْ: قُلْنَا لَهُمْ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ: أَعْطَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ: بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ وَمُوَاظَبَةٍ، وَاذْكُرُوا: وادرسوا ما فِيهِ، وقيل: احفظوا وَاعْمَلُوا بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ لِكَيْ تَنْجَوْا مِنَ الْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ فِي الْعُقْبَى، فَإِنَّ قَبِلْتُمْ وَإِلَّا رَضَخْتُكُمْ بِهَذَا الْجَبَلِ وَأَغْرَقْتُكُمْ فِي هَذَا الْبَحْرِ وَأَحْرَقْتُكُمْ بِهَذِهِ النَّارِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنْ لَا مهرب لهم منها قَبِلُوا وَسَجَدُوا، وَجَعَلُوا يُلَاحِظُونَ الْجَبَلَ وهم سجود فصار سنة
__________
(1) في المخطوط «تصلح» .
(2) سقط من المخطوط.
(3) لفظ «وقع» ليس في المخطوط.
(4) الآصار: جمع إصر، وهنا بمعنى: العهد والميثاق.(1/125)
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
في اليهود [1] لا يَسْجُدُونَ إِلَّا عَلَى أَنْصَافِ وُجُوهِهِمْ، وَيَقُولُونَ: بِهَذَا السُّجُودِ رُفِعَ الْعَذَابُ عنّا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 64 الى 67]
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67)
ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ: أَعْرَضْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: مِنْ بَعْدِ مَا قَبِلْتُمُ التوراة، فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ، يَعْنِي: بِالْإِمْهَالِ وَالْإِدْرَاجِ وَتَأْخِيرِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ، لَكُنْتُمْ لَصِرْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ: مِنَ الْمَغْبُونِينَ بِالْعُقُوبَةِ وَذَهَابِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقِيلَ: مِنَ الْمُعَذَّبِينَ فِي الْحَالِ كأنه رحمهم بالإمهال.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ، أَيْ: جَاوَزُوا الْحَدَّ، وَأَصْلُ السَّبْتِ الْقَطْعُ، قِيلَ: سُمِّيَ يَوْمُ السَّبْتِ بِذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ فِيهِ الْخَلْقَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْيَهُودَ أُمِرُوا فِيهِ بِقَطْعِ الْأَعْمَالِ.
وَالْقِصَّةُ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا زَمَنَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا أَيْلَةُ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَيْدَ السَّمَكِ يَوْمَ السَّبْتِ، فَكَانَ إِذَا دَخَلَ السَّبْتُ لَمْ يَبْقَ حُوتٌ فِي الْبَحْرِ إِلَّا اجْتَمَعَ هُنَاكَ حَتَّى يُخْرِجْنَ خَرَاطِيمَهُنَّ مِنَ الْمَاءِ لِأَمْنِهَا [2] ، حتى لا يرى الماء [3] لكثرتها، فإذا مضى [4] السبت تفرّقن ولزمن قعر الْبَحْرِ فَلَا يُرَى شَيْءٌ مِنْهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ [الْأَعْرَافِ:
163] .
ثُمَّ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَسْوَسَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ إِنَّمَا نُهِيتُمْ عَنْ أَخْذِهَا يَوْمَ السَّبْتِ، فَعَمَدَ رِجَالٌ فَحَفَرُوا الْحِيَاضَ حَوْلَ الْبَحْرِ، وَشَرَّعُوا مِنْهُ إِلَيْهَا الْأَنْهَارَ، فَإِذَا كَانَتْ عَشِيَّةُ الْجُمْعَةِ فَتَحُوا تِلْكَ الْأَنْهَارَ فَأَقْبَلَ الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ إِلَى الْحِيَاضِ فَلَا يَقْدِرْنَ [5] عَلَى الْخُرُوجِ لِبُعْدِ عُمْقِهَا وَقِلَّةِ مَائِهَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ أَخَذُوهَا، وَقِيلَ: كَانُوا يَسُوقُونَ الْحِيتَانَ إِلَى الْحِيَاضِ يَوْمَ السَّبْتِ [وَلَا يَأْخُذُونَهَا] [6] ، ثُمَّ يَأْخُذُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، وَقِيلَ: كَانُوا يَنْصِبُونَ الْحَبَائِلَ وَالشُّخُوصَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَيُخْرِجُونَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ زَمَانًا وَلَمْ تنزل عليهم عقوبة، فتجرؤوا عَلَى الذَّنْبِ وَقَالُوا: مَا نَرَى [7] السَّبْتَ إِلَّا قَدْ أُحِلُّ لَنَا، فَأَخَذُوا وَأَكَلُوا وَمَلَّحُوا وَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا وَكَثُرَ مَالُهُمْ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ صَارَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَكَانُوا نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ أَلْفًا، ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ أَمْسَكَ وَنَهَى، وَصِنْفٌ أَمْسَكَ وَلَمْ يَنْهَ، وَصِنْفٌ انْتَهَكَ الْحُرْمَةَ، وَكَانَ النَّاهُونَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَمَّا أَبَى الْمُجْرِمُونَ قَبُولَ نُصْحِهِمْ [8] قَالُوا: وَاللَّهِ لَا نُسَاكِنُكُمْ فِي قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَسَّمُوا الْقَرْيَةَ بِجِدَارٍ [وداموا على ذلك سنين] [9] ولعنهم دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِإِصْرَارِهِمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، فَخَرَجَ النَّاهُونَ ذَاتَ يَوْمٍ مِنْ بَابِهِمْ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمُجْرِمِينَ أَحَدٌ ولم يفتحوا بابهم، فلما أبطؤوا تَسَوَّرُوا عَلَيْهِمُ الْحَائِطَ فَإِذَا هُمْ
__________
(1) كذا في المطبوع، وفي- ط- «سنة لليهود» وفي المخطوط «في اليهود سنة» .
(2) في المطبوع «لا منها» والمثبت عن- ط- وسقط من المخطوط. [.....]
(3) في- ط- «من» بدل «ل» .
(4) في المخطوط «انقضى» .
(5) في المخطوط «فلا يقدرون» .
(6) زيد في نسخ المطبوع.
(7) في المطبوع «ما ندري» .
(8) في المخطوط «نصيحتهم» .
(9) في المطبوع «غيروا بذلك سنتين» وفي نسخة- ط- «وعبروا بذلك سنتين» .(1/126)
جَمِيعًا [1] قِرَدَةً لَهَا أَذْنَابٌ يَتَعَاوَوْنَ.
قَالَ قَتَادَةُ: صَارَ الشُّبَّانُ قِرَدَةً وَالشُّيُوخُ خَنَازِيرَ، فَمَكَثُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ هَلَكُوا، وَلَمْ يَمْكُثْ مَسْخٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَتَوَالَدُوا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً: أَمْرُ تَحْوِيلٍ وَتَكْوِينٍ، خاسِئِينَ:
مبعدين مطرودين، قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ كُونُوا خَاسِئِينَ قِرَدَةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ خَاسِئَاتٍ، وَالْخَسْأُ:
الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ، وَهُوَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ، يُقَالُ: خَسَأْتُهُ خَسْأً فَخَسَأَ خُسُوءًا، مِثْلَ رَجَعْتُهُ رَجْعًا فَرَجَعَ رُجُوعًا.
فَجَعَلْناها، أَيْ: جَعْلِنَا عُقُوبَتَهُمْ بِالْمَسْخِ نَكالًا، أَيْ: عُقُوبَةً وَعِبْرَةً، وَالنَّكَالُ: اسْمٌ لِكُلِّ عُقُوبَةٍ يُنَكَّلُ النَّاظِرُ مِنْ فِعْلِ مَا جُعِلَتِ الْعُقُوبَةُ جَزَاءً عَلَيْهِ، وَمِنْهُ النُّكُولُ عَنِ الْيَمِينِ: وَهُوَ الِامْتِنَاعُ، وَأَصْلُهُ مِنَ النِّكْلِ وَهُوَ القيد، وجمعه يكون أَنْكَالًا، لِما بَيْنَ يَدَيْها.
قَالَ قَتَادَةُ: أَرَادَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، يَعْنِي: مَا سَبَقَتْ [2] مِنَ الذُّنُوبِ، أَيْ: جَعَلْنَا تِلْكَ الْعُقُوبَةَ جَزَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ قَبْلَ [3] نَهْيِهِمْ عَنْ أَخْذِ الصَّيْدِ، وَما خَلْفَها: مَا حَضَرَ [4] مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي أُخِذُوا بِهَا، وَهِيَ الْعِصْيَانُ بِأَخْذِ الْحِيتَانِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ: عُقُوبَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِمْ وَعِبْرَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يستنّوا بسنّتهم، وما الثَّانِيَةُ بِمَعْنَى: مَنْ، وَقِيلَ: جَعَلْنَاهَا أَيْ: جَعَلْنَا قَرْيَةَ أَصْحَابِ السَّبْتِ عِبْرَةً لِما بَيْنَ يَدَيْها، أَيِ: الْقُرَى الَّتِي كَانَتْ مَبْنِيَّةً فِي الحال، وَما خَلْفَها ما يحدث من القرى بُعْدٍ لِيَتَّعِظُوا، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ: فَجَعَلْنَاهَا وَمَا خَلْفَهَا، أَيْ: مَا أُعِدَّ لَهُمْ مِنَ العذاب في الآخرة [نكالا] [5] وَجَزَاءً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا، أَيْ: لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِاعْتِدَائِهِمْ فِي السَّبْتِ، وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ:
لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ فعلهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً: الْبَقَرَةُ هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْبَقَرِ، يُقَالُ: هِيَ مأخوذة من البقر وهي الشق، سمّيت به لأنها تبقر الأرض، أي: تشقّها لِلْحِرَاثَةِ، وَالْقِصَّةُ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ غَنِيٌّ وَلَهُ ابْنُ عَمٍّ فَقِيرٌ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ، فَلَمَّا طَالَ عَلَيْهِ مَوْتُهُ قَتَلَهُ لِيَرِثَهُ وَحَمَلَهُ إلى قرية أخرى وألقاه بفنائها [6] ، ثُمَّ أَصْبَحَ يَطْلُبُ ثَأْرَهُ وَجَاءَ بِنَاسٍ إِلَى مُوسَى يَدَّعِي عَلَيْهِمُ القتل، فسألهم موسى فجحدوا فاشتبه أَمْرُ الْقَتِيلِ عَلَى مُوسَى.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْقَسَامَةِ [7] فِي التَّوْرَاةِ، فَسَأَلُوا مُوسَى أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ بِدُعَائِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِذَبْحِ بَقَرَةٍ، فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً، أَيْ:
تَسْتَهْزِئُ بِنَا نَحْنُ نَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِ الْقَتِيلِ وَتَأْمُرُنَا بِذَبْحِ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ لِبُعْدِ مَا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الظَّاهِرِ وَلَمْ يَدْرُوا مَا الْحِكْمَةُ فيه.
قرأ حمزة «هزءا وكف ءا» بالتخفيف [8] ، وقرأ الآخرون بالتثقيل، ويترك الْهَمْزَةِ حَفْصٌ. قالَ مُوسَى: أَعُوذُ بِاللَّهِ: أَمْتَنِعُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، أَيْ: مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بالمؤمنين، وقيل: من
__________
(1) في المطبوع وحده «جميع» .
(2) في المطبوع وحده «سبق» .
(3) في المخطوط «مثل» .
(4) في المخطوط «حضرت» .
(5) زيادة عن المخطوط وط-.
(6) في المطبوع «بفنائهم» .
(7) في المطبوع وحده «قسامة» . [.....]
(8) أي بسكون الزاي والهمز، والتثقيل يكون بضم الزاي.
جاء في «البدور الزاهرة» (ص 32) : قرأ حفص بالواو بدلا من الهمز وصلا ووقفا مع ضم الزاي. وقرأ خلف بإسكان الزاي مع الهمز وصلا ووقفا، وقرأ حمزة بإسكان الزاي مع الهمز وصلا اهـ. باختصار.(1/127)
الْجَاهِلِينَ بِالْجَوَابِ لَا عَلَى وَفْقِ السُّؤَالِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ لَا عَلَى وَفْقِ السُّؤَالِ جَهْلٌ، فَلَمَّا عَلِمَ الْقَوْمُ أَنَّ ذَبْحَ الْبَقَرَةِ عَزْمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَوْصَفُوهَا [1] ، وَلَوْ أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى أَدْنَى بَقَرَةٍ فَذَبَحُوهَا لَأَجْزَأَتْ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ حِكْمَةٌ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ صَالِحٌ لَهُ ابْنٌ طِفْلٌ وَلَهُ عِجْلَةٌ أَتَى بِهَا إِلَى غَيْضَةٍ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ [2] هذه العجلة لا بني حتى يكبر [3] ، وَمَاتَ الرَّجُلُ فَصَارَتِ الْعِجْلَةُ فِي الْغَيْضَةِ عَوَانًا، وَكَانَتْ تَهْرُبُ مِنْ كُلِّ مَنْ رَآهَا فَلَمَّا كَبُرَ الابن كان بَارًّا بِوَالِدَتِهِ، وَكَانَ يُقَسِّمُ اللَّيْلَ ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ يُصَلِّي ثُلْثًا وَيَنَامُ ثُلْثًا وَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِ أُمِّهِ ثُلْثًا، فَإِذَا أَصْبَحَ انْطَلَقَ فَاحْتَطَبَ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَأْتِي بِهِ إِلَى [4] السُّوقِ، فَيَبِيعُهُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِثُلْثِهِ وَيَأْكُلُ ثُلْثَهُ وَيُعْطِي وَالِدَتَهُ ثُلْثَهُ، فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ يَوْمًا: إِنَّ أَبَاكَ وَرَّثَكَ عِجْلَةً اسْتَوْدَعَهَا اللَّهَ فِي غَيْضَةِ كذا انطلق وَادْعُ إِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْكَ، وَعَلَامَتُهَا أَنَّكَ إِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا يُخَيَّلُ [5] إِلَيْكَ أَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ يَخْرُجُ مِنْ جلدها، وكانت تلك البقرة تُسَمَّى الْمُذَهَّبَةَ لِحُسْنِهَا وَصُفْرَتِهَا، فَأَتَى الْفَتَى الْغَيْضَةَ فَرَآهَا تَرْعَى فَصَاحَ بها، وقال: أعزم عليك بِإِلَهِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَبَضَ عَلَى عُنُقِهَا يَقُودُهَا، فَتَكَلَّمَتِ الْبَقَرَةُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْفَتَى الْبَارُّ بِوَالِدَتِكَ ارْكَبْنِي، فَإِنَّ ذَلِكَ أَهْوَنُ عَلَيْكَ، فَقَالَ الْفَتَى: إِنَّ أُمِّي لَمْ تَأْمُرْنِي بِذَلِكَ، وَلَكِنْ قَالَتْ: خُذْ بِعُنُقِهَا، فَقَالَتِ الْبَقَرَةُ: بِإِلَهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَوْ رَكِبْتَنِي مَا كُنْتَ تقدر عليّ أبدا انطلق [6] ، فَإِنَّكَ لَوْ أَمَرْتَ الْجَبَلَ أَنْ يَنْقَلِعَ مِنْ أَصْلِهِ وَيَنْطَلِقَ مَعَكَ لَفَعَلَ، لِبِرِّكَ بِأُمِّكَ فَسَارَ الْفَتَى بِهَا إِلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهُ [أمه] : إِنَّكَ فَقِيرٌ لَا مَالَ لَكَ فَيَشُقُّ عَلَيْكَ الِاحْتِطَابُ بِالنَّهَارِ وَالْقِيَامُ بِاللَّيْلِ، فَانْطَلِقْ فَبِعْ [هَذِهِ] الْبَقَرَةَ، فقال: بِكَمْ أَبِيعُهَا؟ قَالَتْ: بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ، وَلَا تَبِعْ بِغَيْرِ مَشُورَتِي، وَكَانَ ثمن البقرة ثلاثة دنانير، فانطلق بها [الفتى]]
إلى السوق.
وبعث اللَّهُ مَلَكًا لِيُرِيَ خَلْقَهُ قُدْرَتَهُ، وليختبر الفتى كيف برّه بأمه وَكَانَ اللَّهُ بِهِ خَبِيرًا فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ:
بِكَمْ تَبِيعُ هَذِهِ الْبَقَرَةَ؟ قَالَ: بِثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ وَأَشْتَرِطُ عليك رضا وَالِدَتِي، فَقَالَ الْمَلَكُ: لَكَ سِتَّةُ دَنَانِيرَ وَلَا تَسْتَأْمِرْ وَالِدَتَكَ، فَقَالَ الْفَتَى: لَوْ أَعْطَيْتَنِي وَزْنَهَا ذَهَبًا لم آخذه إلا برضا أمي، فردّها إلى أمه وأخبرها بِالثَّمَنِ، فَقَالَتِ: ارْجِعْ فَبِعْهَا بِسِتَّةِ [8] دَنَانِيرَ عَلَى رِضًى مِنِّي، فَانْطَلَقَ بِهَا إِلَى السُّوقِ، وَأَتَى الْمَلَكَ فَقَالَ:
اسْتَأْمَرْتَ أُمَّكَ؟ فَقَالَ الْفَتَى: إِنَّهَا أَمَرَتْنِي أَنْ لَا أَنْقُصَهَا عن ستة [9] دنانير عَلَى أَنْ أَسْتَأْمِرَهَا، فَقَالَ الْمَلَكُ:
فَإِنِّي أُعْطِيكَ اثْنَيْ عَشَرَ عَلَى أَنْ لَا تَسْتَأْمِرَهَا، فَأَبَى الْفَتَى ورجع إلى أمه فأخبرها بذلك، فَقَالَتْ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِيكَ مَلَكٌ [10] فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ [لِيَخْتَبِرَكَ] [11] فَإِذَا أَتَاكَ فَقُلْ لَهُ: أَتَأْمُرُنَا أَنَّ نَبِيعَ هَذِهِ الْبَقَرَةَ أَمْ لَا؟ فَفَعَلَ فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ وَقُلْ لَهَا: أَمْسِكِي هَذِهِ الْبَقَرَةَ فَإِنَّ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَشْتَرِيهَا مِنْكِ لِقَتِيلٍ يُقْتَلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فلا تبعها إلا بملء مسكها دنانير فأمسكها، وَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ذَبْحَ تِلْكَ الْبَقَرَةِ بِعَيْنِهَا فَمَا زَالُوا [يَسْتَوْصِفُونَ مُوسَى] حَتَّى وصف [12] لهم تلك البقرة [بعينها] [13]
__________
(1) أي طلبوا وصفها، وفي المخطوط «استوصفوه» .
(2) في المطبوع «استودعتك» .
(3) في المطبوع «تكبر» .
(4) زيد في نسخ المطبوع.
(5) في المخطوط «خيل» .
(6) في المطبوع «فانطلق» .
(7) زيد في المطبوع.
8 في المخطوط «عشرة» بدل «ستة» .
9 في المخطوط «عشرة» بدل «ستة» .
(10) في المطبوع «ذلك» بدل «ملك» .
(11) سقط من المطبوع.
(12) في المطبوع «يستوصفونها حتى وصفت» .
(13) زيد في المطبوع وحده. [.....](1/128)
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71)
مُكَافَأَةً لَهُ عَلَى بِرِّهِ بِوَالِدَتِهِ فضلا منه ورحمة [1] ، فذلك قوله تعالى:
[سورة البقرة (2) : الآيات 68 الى 71]
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71)
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ، أَيُ: مَا سنّها قالَ مُوسَى إِنَّهُ يَقُولُ، يَعْنِي: فَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ إِنَّهُ يَعْنِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّها بَقَرَةٌ لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ، أَيْ: لَا كَبِيرَةٌ وَلَا صَغِيرَةٌ، وَالْفَارِضُ: الْمُسِنَّةُ الَّتِي لَا تَلِدُ، يُقَالُ: مِنْهُ فَرَضَتْ تَفْرِضُ فروضا، والبكر: الفتية الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ، وَحُذِفَتِ الْهَاءُ [2] مِنْهُمَا لِلِاخْتِصَاصِ بِالْإِنَاثِ كَالْحَائِضِ، عَوانٌ: وَسَطٌ نِصْفٌ بَيْنَ ذلِكَ، أَيْ: بَيْنِ السِّنِينَ، يُقَالُ: عَوَّنَتِ الْمَرْأَةُ تَعْوِينًا إِذَا زَادَتْ عَلَى الثَّلَاثِينَ، قَالَ الْأَخْفَشُ: [الْعَوَانُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ وَقِيلَ] [3] : الْعَوَانُ الَّتِي نَتَجَتْ مِرَارًا، وَجَمْعُهَا عون، فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ: من ذَبْحُ الْبَقَرَةِ وَلَا تُكْثِرُوا السُّؤَالَ.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شَدِيدَةُ الصُّفْرَةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: صَافٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الصَّفْرَاءُ السَّوْدَاءُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ أَسْوَدُ فَاقِعٌ، إِنَّمَا يُقَالُ أَصْفَرُ فَاقِعٌ، وَأَسْوَدُ حالك وأحمر قانىء وأخضر ناضر وأبيض بقق لِلْمُبَالَغَةِ، تَسُرُّ النَّاظِرِينَ: إِلَيْهَا يُعْجِبُهُمْ حُسْنُهَا وَصَفَاءُ لَوْنِهَا.
قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ: أَسَائِمَةٌ أَمْ عَامِلَةٌ؟ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا، وَلَمْ يَقُلْ تَشَابَهَتْ لِتَذْكِيرِ لَفْظِ الْبَقَرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [الْقَمَرِ: 20] ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ جِنْسُ الْبَقَرِ تَشَابَهَ، أَيِ: الْتَبَسَ وَاشْتَبَهَ أَمْرُهُ عَلَيْنَا فَلَا نَهْتَدِي إِلَيْهِ، وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ: إِلَى وصفها.
ع «58» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «وايم الله لَوْ لَمْ يَسْتَثْنُوا لَمَا بُيِّنَتْ لَهُمْ إِلَى آخِرِ الْأَبَدِ» .
قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ: مُذَلَّلَةٌ بِالْعَمَلِ، يُقَالُ: رَجُلٌ ذلول بيّن الذل ودابة ذلولة بَيِّنَةُ الذُّلِّ، تُثِيرُ الْأَرْضَ: تَقْلِبُهَا لِلزِّرَاعَةِ، وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ، أَيْ: ليست بسانية، مُسَلَّمَةٌ: بَرِيئَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ، لَا شِيَةَ فِيها: لَا لَوْنَ لَهَا سِوَى لَوْنِ جَمِيعِ جِلْدِهَا، قَالَ عطاء: لا عيب فيها، قال مُجَاهِدٌ:
لَا بَيَاضَ فِيهَا وَلَا سَوَادَ، قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ، أَيْ: بِالْبَيَانِ التَّامِّ الشَّافِي الَّذِي لا إشكال فيه،
__________
(1) هذا الخبر من الإسرائيليات لا حجة فيه.
(2) في المخطوط «التاء» .
(3) سقط من المطبوع وحده.
58- ع ضعيف. هو طرف حديث أخرجه الطبري 1246 عن ابن جريج مرسلا و1248 عن قتادة مرسلا وصدره «إنما أمروا بأدنى بقرة ... » وقال ابن كثير في «تفسيره» 1/ 141. هذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة. وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي، وكذا «تفسير الشوكاني» (182) و «تفسير الكشاف» (39) ، والثلاثة بتخريجي. وقد قال الحافظ ابن كثير: أحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة.(1/129)
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
وَطَلَبُوهَا فَلَمْ يَجِدُوا [1] بِكَمَالِ وَصْفِهَا إِلَّا مَعَ الْفَتَى فَاشْتَرَوْهَا بِمَلْءِ مَسْكِهَا ذَهَبًا، فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ: مِنْ غَلَاءِ ثَمَنِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: وَمَا كَادُوا يَجِدُونَهَا بِاجْتِمَاعِ أَوْصَافِهَا، وَقِيلَ: وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ مِنْ شِدَّةِ اضْطِرَابِهِمْ واختلافهم فيها.
[سورة البقرة (2) : الآيات 72 الى 74]
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً: هَذَا أَوَّلُ الْقِصَّةِ، وَإِنْ كان [2] مؤخّرا فِي التِّلَاوَةِ، وَاسْمُ الْقَتِيلِ عَامِيلُ، فَادَّارَأْتُمْ فِيها، أَصْلُهُ تَدَارَأْتُمْ، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ وَأُدْخِلَتِ الْأَلْفُ مثل قوله: اثَّاقَلْتُمْ [التوبة: 38] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ فَاخْتَلَفْتُمْ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: تَدَافَعْتُمْ، أَيْ: يُحِيلُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، مِنَ الدَّرْءِ: وَهُوَ الدَّفْعُ، فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ مُخْرِجٌ، أَيْ: مُظْهِرٌ: مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ، فَإِنَّ الْقَاتِلَ كان يكتم القتل.
قوله عز وجل: فَقُلْنا اضْرِبُوهُ
، يَعْنِي: الْقَتِيلَ، بِبَعْضِها
، أَيْ: بِبَعْضِ الْبَقَرَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذلك البعض، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: ضَرَبُوهُ بِالْعَظْمِ الَّذِي يَلِي الْغُضْرُوفَ وَهُوَ الْمَقْتَلُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: بِعَجْبِ الذَّنَبِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يُخْلَقُ وَآخِرُ مَا يَبْلَى، وَيُرَكَّبُ عليه الخلق [ثانيا وهو البعث] [3] ، وقال الضحاك: بلسانها، قَالَ [4] الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: [هَذَا أَدُلُّ بِهَا] [5] لِأَنَّهُ آلَةُ الْكَلَامِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: بِفَخْذِهَا الْأَيْمَنِ، وَقِيلَ: بِعُضْوٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهِ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَقَامَ الْقَتِيلُ [6] حَيًّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْدَاجُهُ- أَيْ: عُرُوقُ الْعُنُقِ- تَشْخُبُ دَمًا، وَقَالَ: قَتَلَنِي فُلَانٌ ثُمَّ سَقَطَ وَمَاتَ مَكَانَهُ فَحُرِمَ قَاتِلُهُ الْمِيرَاثَ، وَفِي الْخَبَرِ: «مَا وَرِثَ قَاتِلٌ بَعْدَ صَاحِبِ الْبَقَرَةِ» [7] ، وَفِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فضرب فحيي [8] ، كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى
: كَمَّا أَحْيَا عَامِيلَ، وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
، قِيلَ: تَمْنَعُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَعَاصِي، أَمَّا حكم هذه المسألة إذا وجد في [الإسلام] قَتِيلٌ فِي مَوْضِعٍ وَلَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ لَوْثٌ عَلَى إِنْسَانٍ، وَاللَّوْثُ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الْقَلْبِ صِدْقُ الْمُدَّعِي بِأَنِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ فِي بَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ فَتَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ أَنَّ الْقَاتِلَ فِيهِمْ [9] ، أَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ كُلُّهُمْ أَعْدَاءٌ لِلْقَتِيلِ [10] لَا يُخَالِطُهُمْ غَيْرُهُمْ فَيَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، فَادَّعَى الْوَلِيُّ عَلَى بَعْضِهِمْ، يَحْلِفُ الْمُدَّعِي خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى مَنْ يَدَّعِي عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلِيَاءُ جَمَاعَةً تُوَزَّعُ الأيمان عليهم، ثم بعد ما حلفوا أخذوا
__________
(1) في المخطوط «يجدوها» .
(2) في المخطوط «كانت مؤخرة» .
(3) زيد في المطبوع وحده.
(4) في المخطوط «فقال» .
(5) زيد في نسخ المطبوع.
(6) في المخطوط «المقتول» .
(7) لا أصل له في المرفوع.
(8) في المطبوع «فضربت فحيي» .
(9) في المخطوط «منهم» .
(10) في المخطوط «القتيل» . [.....](1/130)
الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إن ادّعوا قتل خطأ [أو شبه عمد] [1] ، وَإِنِ ادَّعَوْا قَتْلَ عَمْدٍ فَمِنْ مَالِهِ، وَلَا قَوَدَ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى وُجُوبِ الْقَوَدِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْثٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ هَلْ يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً أَمْ خَمْسِينَ يَمِينًا فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، وَالثَّانِي يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا تَغْلِيظًا لِأَمْرِ الدَّمَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا حكم للوث، ولا يبدأ [2] بِيَمِينِ الْمُدَّعِي، وَقَالَ: «إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ [3] فِي مَحَلَّةٍ يَخْتَارُ الْإِمَامُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ صُلَحَاءِ أَهْلِهَا فَيُحَلِّفُهُمْ أَنَّهُمْ مَا قَتَلُوهُ وَلَا عَرَفُوا لَهُ قَاتِلًا، ثُمَّ يَأْخُذُ الدِّيَةَ مِنْ سُكَّانِهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْبِدَايَةَ [4] بِيَمِينِ الْمُدَّعِي عِنْدَ وجود اللوث ما:
«59» أخبرنا به عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ:
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ: خَرَجَا إِلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا لِحَاجَتِهِمَا، فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ، فَانْطَلَقَ هُوَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخُو الْمَقْتُولِ وَحُوَيِّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ أَوْ قَاتِلِكُمْ» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ نَشْهَدْ وَلَمْ نَحْضُرْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله فكيف نَقْبَلُ أَيْمَانَ قَوْمٍ كُفَّارٍ؟ فَعَزَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلَهُ مِنْ عِنْدِهِ. [وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: فَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقْلَهُ مِنْ عِنْدِهِ] [5] . قَالَ بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ: قَالَ سَهْلٌ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي فَرِيضَةٌ [6] مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ فِي مِرْبَدٍ [7] لَنَا وَفِي رِوَايَةٍ: لَقَدْ رَكَضَتْنِي نَاقَةٌ حَمْرَاءُ مِنْ تِلْكَ الْفَرَائِضِ فِي مِرْبَدٍ لَنَا [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ] [8] .
وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنَ الْخَبَرِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ ليقوى [9] جَانِبَهُمْ بِاللَّوْثِ، وَهُوَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وُجِدَ قَتِيلًا فِي خَيْبَرَ، وَكَانَتِ الْعَدَاوَةُ ظَاهِرَةً بين الأنصار وأهل خيبر، فكان يغلب على
__________
59- إسناده صحيح. الشافعي هو محمد بن إدريس، ثقة إمام، قد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» (2539) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (2/ 113- 114) عن عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2702 و3173 و6142 و6143 ومسلم 1669 وأبو داود 4520 و423 والترمذي 1422 والنسائي 8/ 8- 12 وعبد الرزاق 8259 والحميدي 403 وابن أبي شيبة 9/ 383 وأحمد 4/ 2 و142 والدارقطني 3/ 108- 110 والطحاوي 3/ 198 والطبراني 5625 و5629 وابن حبان 6009 والبيهقي 8/ 118- 120 من طرق عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ به.
(1) زيد عن المطبوع وحده.
(2) في- ط- «ولا يزيد» .
(3) في المخطوط «المقتول» .
(4) في المخطوط «البداة» .
(5) زيد في المطبوع.
(6) الفريضة: ما فرض في السائمة من الصدقة وقيل: الناقة الهرمة.
(7) المربد: هو الموضع التي تحبس فيه الإبل، وهو مثل الحظيرة للغنم.
(8) زيد عن المخطوط وط-.
(9) في المطبوع «لتقوى» .(1/131)
الظن [1] أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ، وَالْيَمِينُ أَبَدًا تَكُونُ حُجَّةً لِمَنْ يَقْوَى جَانِبُهُ، وَعِنْدَ عَدَمِ اللَّوْثِ يَقْوَى [2] جَانِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْأَصْلَ براءة ذمّته، فكان [3] القول قوله مع يمينه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ، أي: يبست وجفت، [و] [4] جَفَافُ الْقَلْبِ: خُرُوجُ الرَّحْمَةِ وَاللِّينُ عَنْهُ [5] ، وَقِيلَ: غَلُظَتْ، وَقِيلَ: اسْوَدَّتْ، مِنْ بَعْدِ ذلِكَ: مِنْ بَعْدِ ظُهُورِ الدَّلَالَاتِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْنُ لَمْ نَقْتُلْهُ، فَلَمْ يَكُونُوا قَطُّ أَعْمَى قَلْبًا وَلَا أَشَدَّ تَكْذِيبًا لِنَبِيِّهِمْ مِنْهُمْ عند ذلك، فَهِيَ: فِي الْغِلْظَةِ وَالشِّدَّةِ: كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، قِيلَ: أَوْ بِمَعْنَى الواو كقوله: مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصَّافَّاتِ: 147] ، أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ [أَوْ وَيَزِيدُونَ] [6] ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشَبِّهْهَا بِالْحَدِيدِ مَعَ أَنَّهُ أَصْلَبُ مِنَ الْحِجَارَةِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ قَابِلٌ لِلِّينِ، فَإِنَّهُ يَلِينُ بِالنَّارِ، وَقَدْ لَانَ لِدَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالْحِجَارَةُ لَا تَلِينَ قَطُّ، ثُمَّ فَضَّلَ الْحِجَارَةَ عَلَى الْقَلْبِ الْقَاسِي فَقَالَ: وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ، قِيلَ: أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ الْحِجَارَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْحَجَرَ الَّذِي كَانَ يضرب [7] مُوسَى لِلْأَسْبَاطِ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ: أَرَادَ بِهِ عُيُونًا دُونَ [8] الْأَنْهَارِ، وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ: يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَى الْجَبَلِ إِلَى أَسْفَلِهِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ:
وَقُلُوبُكُمْ لَا تَلِينُ وَلَا تَخْشَعُ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، فَإِنْ قِيلَ: الْحَجَرُ جَمَادٌ لَا يَفْهَمُ فَكَيْفَ يَخْشَى؟ قِيلَ: اللَّهُ يُفْهِمُهُ وَيُلْهِمُهُ فَيَخْشَى بِإِلْهَامِهِ، وَمَذْهَبُ أهل السنة والجماعة [أن الله تعالى علّم فِي الْجَمَادَاتِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ، سِوَى العقلاء علما لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ] [9] ، فَلَهَا صَلَاةٌ وَتَسْبِيحٌ وَخَشْيَةٌ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الْإِسْرَاءِ: 44] ، وَقَالَ: وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ [النُّورِ: 41] ، وَقَالَ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [الْحَجِّ: 18] الْآيَةَ، فيجب على المرء الْإِيمَانُ بِهِ وَيَكِلُ عِلْمَهُ إِلَى الله سبحانه وتعالى.
ع «60» وَيُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى ثَبِيرٍ [10] ، والكفار يطلبونه فقال [له] [11] الْجَبَلُ: انْزِلْ عَنِّي فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تُؤْخَذَ عَلَيَّ فَيُعَاقِبُنِي اللَّهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ جَبَلُ حِرَاءٍ: إليّ [إِلَيَّ] [12] يَا رَسُولَ اللَّهِ.
«61» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، ثَنَا السَّيِّدُ [13] أَبُو الحسين محمد بن الحسين [14]
__________
60- ع لم أره مسندا، وهو غريب جدا، وأمارة الوضع لائحة عليه.
61- إسناده على شرط مسلم، تفرد مسلم بالرواية عن سماك بن حرب، وباقي الإسناد على شرطهما. وإبراهيم بن طهمان، توبع.
وهو في «شرح السنة» (3603) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2277 والترمذي 3624 والطيالسي 1907 وابن أبي شيبة 11/ 464 والدارمي 1/ 21 وابن حبان 6482 والطبراني في «الكبير» (1907 و1961 و2028) وفي «الأوسط» (2033) وفي «الصغير» (167) والبغوي 3709 والبيهقي في «الدلائل» (2/ 153) من طرق عن سماك بن حرب به.
(1) في المطبوع «القلب» .
(2) في المطبوع «تقوى» . [.....]
(3) في المطبوع «وكان» .
(4) زيد عن المخطوط.
(5) في المخطوط «ضده» .
(6) سقط من المطبوع.
(7) في نسخ المطبوع «يضرب عليه» .
(8) في المخطوط «غير» .
(9) العبارة في المطبوع «أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِلْمًا فِي الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء، لا يقف عليه غير الله» .
وفي نسخة- ط-: «أن الله خلق عِلْمًا فِي الْجَمَادَاتِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ سِوَى الْعَقْلِ، لَا يَقِفُ عَلَيْهِ غيره» .
(10) ثبير: اسم جبل معروف عند مكة.
(11) زيادة عن المخطوط.
(12) زيادة عن المخطوط.
(13) وقع في الأصل «السدي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(14) وقع في الأصل «حسن» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» .(1/132)
الْعَلَوِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ النَّيْسَابُورِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، أَنَا يحيى بن أبي بكير [1] ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لِأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ، وَإِنِّي لِأَعْرِفُهُ الْآنَ» ، هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ يحيى بن أبي بكير [2] .
وصح عن أنس:
ع «62» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: طلع له أُحُدٍ، فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا ونحبّه» .
ع «63» وَرَوِيِّ [عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ [3] : صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ وَقَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ عَيِيَ فَرَكِبَهَا فَضَرَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَتَكَلَّمُ؟» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وَمَا هُمَا ثَمَّ، وَقَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَاسْتَنْقَذَهَا، فَقَالَ الذِّئْبَ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ، أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ!» فقال: «أو من بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» وما هما ثم] [4] .
ع «64» وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم على حراء هو وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اهْدَأْ- أَيِ: اسْكُنْ- فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صَدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ» ، صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
«65» أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ يَحْيَى بْنُ أحمد بن علي الصائغ [5] ، أنا أبو الحسن
__________
1 وقع في الأصل «بكر» والتصويب من كتب التراجم.
2 وقع في الأصل «بكر» والتصويب من كتب التراجم. [.....]
(3) كذا في نسخ المطبوع، وهو ليس في المخطوط، ولعل الصواب «قال» .
(4) ما بين المعقوفتين مثبت في نسخ المطبوع، وهو ساقط من المخطوط.
(5) في الأصل «الصانع» والتصويب عن «شرح السنة» (3604) و «الأنوار» (35) .
62- ع صحيح. أخرجه البخاري 1481 و4422 ومسلم 1392 وأبو داود 3079 وابن أبي شيبة 14/ 539- 540 وأحمد 5/ 424- 425 وابن خزيمة 2314 وابن حبان 4503 و6501 والبيهقي في «السنن» (4/ 122) و «دلائل النبوة» 50/ 238- 239) من حديث أبي حميد الساعدي، وله قصة وفيه «فلمّا رأى أحدا» بدل «طلع له أحد» .
63- ع صحيح. أخرجه البخاري 2324 و3471 و3663 ومسلم 2388 والترمذي 3677 و3695 والطيالسي 2354 والحميدي 1054 وأحمد 2/ 245- 246 وابن حبان 6485 من طرق من حديث أبي هريرة.
64- ع صحيح. أخرجه مسلم 2417 والترمذي 3696 وأبو داود 4651 والترمذي 3697 والنسائي في «الكبرى» - وفي الباب من حديث أنس عند البخاري 3675 و3699 وأبو داود 4651 والترمذي 3697 والنسائي في «الكبرى» (8135) وأحمد 3/ 112 وأبو يعلى 2910 وابن حبان 3865 والبغوي 3901 ولفظ البخاري وغيره «اثبت أحد، فإن عليك نبي وصدّيق وشهيدان» .
65- ضعيف جدا. الوليد هو ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم وصالح جزرة وغيرهم. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير: كذاب. فهذه علة، وله علة ثانية: عباد بن أبي يزيد مجهول، وفيه إسماعيل بن أبي كريمة السدي الكبير، وهو صدوق عنده مناكير. لكن لا يحتمل مثل هذا.(1/133)
علي بن إسحاق بن خوشنام [1] الرَّازِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ [بْنُ] أَيُّوبَ بْنِ ضُرَيْسٍ الْبَجَلِيُّ [2] الرَّازِّيُّ، أَنَا محمد بن الصباح [3] حدثنا الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنِ السدي عن عباد [4] بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
«كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة فمررنا [5] فِي نَوَاحِيهَا خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ بَيْنَ الْجِبَالِ وَالشَّجَرِ فَلَمْ يَمُرَّ [6] بِشَجَرَةٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» .
«66» أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
«كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ اسْتَنَدَ إِلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السَّارِيَةُ، وَحَنَتْ [7] كَحَنِينِ النَّاقَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَنَقَهَا فَسَكَنَتْ» .
__________
(1) في الأصل «هشام» والتصويب عن «الأنوار» (35) و «شرح السنة» (3604) .
وهو في «شرح السنة» (3604) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 3626 والدارمي 1/ 12 والحاكم 2/ 620 وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (289) من طرق عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم ... ! ووافقه الذهبي ... !؟ مع أن الذهبي ذكر الوليد في «الميزان» ونقل عن الأئمة توهينه، وذكر أيضا عباد بن أبي زيد مع هذا الحديث في «الميزان» (2/ 378/ 4148) وقال: لا يدرى من هو تفرد عنه إسماعيل السدي بحديث ... فذكره.
قلت: ولو صح هذا لورد من طرق صحاح وعن جماعة من الصحابة، ولكن كل ذلك لم يكن، وهو حديث منكر جدا.
وقد ضعفه الترمذي بقوله: غريب.
(2) في المطبوع «وهو بجلي» .
(3) في الأصل «الصاح» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنوار» وعن النسخة «ط» .
(4) في الأصل «عبادة» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(5) في المطبوع «فخرجنا» وفي «شرح السنة» «فرحنا» .
(6) كذا في المطبوع وشرح السنة، وفي المخطوط «فما نمر» .
(7) في المطبوع «وهن» وفي المخطوط «ولها حنين» والمثبت عن- ط- وهذه الألفاظ جميعا ليست في «شرح السنة» . [.....]
66- حديث صحيح مشهور. إسناده صحيح. أبو العباس هو محمد بن يعقوب والربيع هو ابن سليمان المرادي- وهو غير الجيزي، وكلاهما من أصحاب الشافعي، وعبد المجيد من رجال مسلم، وفيه ضعف لكن توبع، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، وأبو الزبير، هو محمد بن مسلم المكي.
وهو في «شرح السنة» (3618) بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (1/ 142- 143) عن عبد المجيد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 918 و3584 و3585 والنسائي 3/ 102 وابن ماجه 1417 وعبد الرزاق 5254 وابن أبي شيبة 11/ 485- 486 وأحمد 3/ 206 و293 و395 و300 وابن حبان 6508 وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (303) والبيهقي 3/ 195 وفي «الدلائل» (2/ 556 و560) من طرق من حديث جابر.
- وفي الباب من حديث أنس أخرجه الترمذي 3631 وابن ماجه 1415 وأبو القاسم البغوي في «الجعديات» (3341) وأحمد 3/ 226 وأبو يعلى 3384 والدارمي 1/ 19 وابن خزيمة 1776 وابن حبان 6507 والبيهقي في «الدلائل» (2/ 559) .
- ومن حديث ابن عمر عند البخاري 3583 والترمذي 505 والدارمي 1/ 15 والبيهقي 3/ 196، وفي الباب أحاديث تبلغ به حد الشهرة. والله أعلم.(1/134)
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)
قَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَنْزِلُ حَجَرٌ من أعلى [1] إلى أسفل [2] إِلَّا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَيَشْهَدُ لِمَا قُلْنَا قَوْلُهُ تَعَالَى:
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) [الْحَشْرِ: 21] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ: بِسَاهٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ: وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَقِيلَ: بِتَارِكِ عُقُوبَةِ مَا تَعْمَلُونَ، بَلْ يُجَازِيكُمْ بِهِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ يعملون بالياء والآخرون بالتاء.
[سورة البقرة (2) : الآيات 75 الى 76]
أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (76)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَفَتَطْمَعُونَ: أَفَتَرْجُونَ؟ يُرِيدُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ: يصدقكم الْيَهُودُ بِمَا تُخْبِرُونَهُمْ بِهِ؟ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ: يُغَيِّرُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ، مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ: عَلِمُوهُ [كَمَا] [3] غَيَّرُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَآيَةِ الرَّجْمِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ: أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ، هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ وَجَمَاعَةٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُقَاتِلٌ:
نَزَلَتْ فِي السَّبْعِينَ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ مُوسَى لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لما رجعوا بعد ما سَمِعُوا كَلَامَ اللَّهِ إِلَى قَوْمِهِمْ رَجَعَ النَّاسُ إِلَى قَوْلِهِمْ، وَأَمَّا الصَّادِقُونَ مِنْهُمْ فَأَدَّوْا كَمَا سَمِعُوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: سَمِعْنَا اللَّهَ يَقُولُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَفْعَلُوا [فَافْعَلُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَفْعَلُوا] [4] ، فَهَذَا تَحْرِيفُهُمْ وهم يعلمون أنه الحق.
قوله عزّ وجلّ: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: يَعْنِي: مُنَافِقِي الْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ إِذَا لَقُوا الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ، قالُوا آمَنَّا: كَإِيمَانِكُمْ، وَإِذا خَلا: رَجَعَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ، كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَوَهْبُ بن يهودا، أو غيرهم مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، لِأَمْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ، قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ: بِمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي كِتَابِكُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا حَقٌّ وَقَوْلَهُ صِدْقٌ، وَالْفَتَّاحُ: الْقَاضِي [5] .
وقال الكسائي: بما بيّنه لكم من العلم بِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْتِهِ، وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ [6] : بِمَا أنزل الله عليكم وأعطاكم، وَنَظِيرُهُ لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [الأعراف: 96] ، أي: أنزلنا، وقال أبو
__________
(1) في المطبوع «الأعلى» .
(2) في المطبوع «الأسفل» .
(3) سقط من المطبوع وحده.
(4) سقط من المطبوع وحده.
(5) وقع في المطبوع «القاض» وفي «ط» . «القاضي» ، وفي «القاموس» : الفتح: الحكم بين خصمين، وفاتح: قاضي.
والفتاح: الحاكم اه ملخصا من مادة- ف ت ح- وهذا يرجح ما في «ط» وأن المراد «القاضي» وانظر القرطبي عند هذه الآية، والله أعلم.
(6) هو محمد بن عمر الواقدي صاحب المغازي، متروك الحديث لا يحتج بما ينفرد به.(1/135)
أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
عُبَيْدَةَ [1] : بِمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وأعطاكم، لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ: ليخاصموكم بِهِ، يَعْنِي: أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَجُّوا بِقَوْلِكُمْ عَلَيْكُمْ، فَيَقُولُوا: قَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ حَقٌّ فِي كِتَابِكُمْ، ثُمَّ لَا تَتَّبِعُونَهُ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ حِينَ شَاوَرُوهُمْ فِي اتِّبَاعِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ حَقٌّ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَتُحَدِّثُونَهُمْ بما فتح الله عليكم [2] ، ليكون لَهُمُ الْحُجَّةُ عَلَيْكُمْ. عِنْدَ رَبِّكُمْ [فِي الدُّنْيَا] [3] وَالْآخِرَةِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ أَخْبَرُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَلَى الْجِنَايَاتِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَذَابِ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ، لِيَرَوُا الْكَرَامَةَ لِأَنْفُسِهِمْ عَلَيْكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ [4] : هُوَ قَوْلُ يَهُودَ قُرَيْظَةَ [قَالَ] [5] بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ حِينَ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا إِخْوَانَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، فَقَالُوا: مَنْ أَخْبَرَ مُحَمَّدًا بِهَذَا؟ مَا خَرَجَ هَذَا إِلَّا مِنْكُمْ، أَفَلا تَعْقِلُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 77 الى 79]
أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)
قوله عزّ وجلّ: أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ: يُخْفُونَ، وَما يُعْلِنُونَ: يُبْدُونَ، يَعْنِي الْيَهُودَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ، أَيْ: مِنَ الْيَهُودِ أُمِّيُّونَ لَا يُحْسِنُونَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ، جَمْعُ: أُمِّيٍّ، مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ كَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مَا انْفَصَلَ مِنَ الْأُمِّ لَمْ يَتَعَلَّمْ [6] كِتَابَةً ولا قراءة.
ع «67» [وروي عن الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ» .
أَيْ: لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أُمِّ الْقُرَى وَهِيَ مَكَّةُ] [7] . لَا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ: «أَمَانِيَ» ، بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ، كُلَّ الْقُرْآنِ، حَذَفَ إِحْدَى الْيَاءَيْنِ تَخْفِيفًا، وقراءة العامّة بالتشديد، وهو جمع: أمنية وهي التلاوة، وقال اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الْحَجِّ: 52] ، أَيْ: فِي قِرَاءَتِهِ، قَالَ أَبُو عبيدة: إلا تلاوة وقراءة عن ظهر القلب لا يقرؤونه مِنْ كِتَابٍ، وَقِيلَ: يَعْلَمُونَهُ حِفْظًا وقراءة، لا يعرفون معناه، قال ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي غَيْرَ عَارِفِينَ بِمَعَانِي الْكِتَابِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ [8] : إِلَّا كَذِبًا وَبَاطِلًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: الْأَمَانِيُّ [9] : الْأَحَادِيثُ الْمُفْتَعَلَةُ، قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
مَا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ، أَيْ: مَا كَذَبْتُ وَأَرَادَ بِهَا الْأَشْيَاءَ الَّتِي كَتَبَهَا عُلَمَاؤُهُمْ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ [10] أضافوها إلى الله مِنْ تَغْيِيرِ نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: هِيَ مِنَ التمنّي وهي أمانيهم
__________
(1) هو الإمام معمر بن المثنى النحوي اللغوي صدوق أخباري توفي سنة 208.
(2) زيد في المطبوع «ليحاجوكم به، يعني» .
(3) زيادة عن المخطوط وط-.
(4) أخرجه الطبري 1350 وهذا مرسل، فهو ضعيف. والمرفوع ورد من قول علي، وهو أصح.
(5) زيد في المطبوع.
(6) في المطبوع وحده «يعلم» .
(7) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط. [.....]
(8) زيد في المطبوع.
(9) في المطبوع «أماني» .
(10) في المخطوط «مما» .
67- ع صحيح. أخرجه البخاري 1913 ومسلم 1080 ح 13 وأبو داود 2319 والنسائي 4/ 39- 40 وفي «الكبرى» (2450) وأحمد 2/ 43 من حديث ابن عمر بأتم منه.(1/136)
الباطلة التي يتمنّونها عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَةِ:
111] ، وَقَوْلِهِمْ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: 80] ، وَقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَةِ: 18] ، فعلى هذا (لا) يكون بِمَعْنَى (لَكِنْ) ، أَيْ: لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ لَكِنْ يَتَمَنَّوْنَ أَشْيَاءَ لَا تَحْصُلُ لَهُمْ، وَإِنْ هُمْ، وَمَا هم إِلَّا يَظُنُّونَ، يعني: وَمَا [هُمْ إِلَّا] [1] يَظُنُّونَ ظَنًّا وَتَوَهُّمًا لَا يَقِينًا، قَالَهُ قَتَادَةُ والربيع، وقال مجاهد: يكذبون.
قوله عزّ وجلّ: فَوَيْلٌ، قَالَ الزَّجَّاجُ: «وَيْلٌ» كَلِمَةٌ تقولها العرب: لكل وَاقِعٍ فِي هَلَكَةٍ، وَقِيلَ:
هُوَ دُعَاءُ الْكُفَّارِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: شِدَّةُ الْعَذَابِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ لَوْ سُيِّرَتْ فِيهِ جِبَالُ الدُّنْيَا لَانْمَاعَتْ [2] ولذابت مِنْ شِدَّةِ حَرِّهِ [3] .
«68» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [4] الْخَلَّالُ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ رِشْدِينِ [5] بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ أَبِي السَّمْحِ [6] عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْوَيْلُ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ يَهْوِي فِيهِ الْكَافِرُ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ قَعْرَهُ، وَالصُّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي فَهُوَ كذلك» ، يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا، وَذَلِكَ أَنَّ أحبار اليهود خَافُوا ذَهَابَ مَأْكَلِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ حِينَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَاحْتَالُوا فِي تَعْوِيقِ الْيَهُودِ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ فَعَمَدُوا إِلَى صِفَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ، وَكَانَتْ صِفَتُهُ فِيهَا: حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الشعر أكحل العينين ربعة [القامة] [7] ، فَغَيَّرُوهَا وَكَتَبُوا مَكَانَهَا طِوَالٌ أَزْرَقُ
__________
(1) في المطبوع «وما يظنون إلا ظنا ... » .
(2) في المخطوط «لماعت» وليس فيه «ولذابت» .
(3) في المطبوع «حرّها» .
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «شرح السنة» (4305) .
(5) في الأصل «راشيد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(6) في الأصل «السمع» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(7) زيد في المطبوع.
68- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف رشدين بن سعد وأبي السمح في روايته عن أبي الهيثم، وأبو السمح اسمه درّاج بن سمعان وأبو الهيثم هو سليمان بن عمرو العتواري.
وهو في «شرح السنة» (4305) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 3164 وأحمد 3/ 75 وأبو يعلى 1383 وابن حبان 7467 والحاكم 4/ 296 و507 والطبري 1387 والبيهقي في «البعث» (513) كلهم من طريق دَرَّاجٍ أَبِي السَّمْحِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ به، وبعضهم اقتصر على ذكر واد الويل فقط، ولم يذكر جبل الصعود.
والحديث صححه الحاكم! ووافقه الذهبي! مع أنه من رواية درّاج عن أبي الهيثم، وهي واهية، قال الذهبي في مواضع أخر في تلخيص المستدرك: دراج ذو مناكير.
وقال في «الميزان» (2/ 24) : قال أحمد: درّاج أحاديثه مناكير. وقال عثمان بن سعيد عن ابن معين: ثقة، قال فضلك الرازي: ما هو ثقة ولا كرامة.
النسائي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف.
وقال الحافظ في «التقريب» في دراج: في روايته عن أبي الهيثم ضعف.
- وضعفه الترمذي بقوله: غريب. وكذا ضعفه ابن كثير في «تفسيره» (1/ 121) بقوله: هذا منكر.(1/137)
وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
سَبْطُ الشَّعْرِ، فَإِذَا سَأَلَهُمْ سَفِلَتُهُمْ عن صفته قرؤوا مَا كَتَبُوا فَيَجِدُونَهُ مُخَالِفًا لِصِفَتِهِ فَيُكَذِّبُونَهُ [وَيُنْكِرُونَهُ] [1] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ، يَعْنِي: [مَا] كَتَبُوا]
بِأَنْفُسِهِمُ اخْتِرَاعًا من تغيير نعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ: من المآكل، ويقال: من المعاصي.
[سورة البقرة (2) : الآيات 80 الى 81]
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (81)
وَقالُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ: لَنْ تُصِيبَنَا النَّارُ، إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً: قَدْرًا مُقَدَّرًا ثُمَّ يَزُولُ عَنَّا الْعَذَابُ [وَيَعْقُبُهُ النَّعِيمُ] [3] ، واختلفوا في هذه الأيام، فقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: كَانَتِ الْيَهُودُ يقولون مدة [4] الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَإِنَّمَا نُعَذَّبُ بِكُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ يَوْمًا وَاحِدًا ثُمَّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ: يَعْنُونَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا الَّتِي عَبَدَ فِيهَا آبَاؤُهُمُ الْعِجْلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنْ رَبَّنَا عَتَبَ عَلَيْنَا فِي أَمْرِنَا فأقسم الله لَيُعَذِّبُنَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَلَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا تَحِلَّةَ الْقِسْمِ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَكْذِيبًا لَهُمْ، قُلْ: يَا مُحَمَّدُ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ، أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ دخلت على ألف الوصل، عَهْداً مُوَثَّقًا أَنْ لَا يُعَذِّبَكُمْ إِلَّا هَذِهِ الْمُدَّةَ، فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ، وعده، وقال ابْنُ مَسْعُودٍ: عَهْدًا بِالتَّوْحِيدِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً [مَرْيَمَ:
87] ، يعني: قَوْلُ [5] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ؟ ثُمَّ قَالَ:
بَلى، وبلى وبل: حَرْفَا اسْتِدْرَاكٍ، وَمَعْنَاهُمَا نَفْيُ الْخَبَرِ الْمَاضِي وَإِثْبَاتُ الْخَبَرِ الْمُسْتَقْبَلِ. مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً، يَعْنِي: الشِّرْكَ وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ «خَطِيئَاتُهُ» بِالْجَمْعِ، وَالْإِحَاطَةُ: الْإِحْدَاقُ بِالشَّيْءِ مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ والربيع وجماعة: هو [6] الشِّرْكُ يَمُوتُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: السَّيِّئَةُ الْكَبِيرَةُ وَالْإِحَاطَةُ بِهِ أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَيَمُوتُ غَيْرَ تَائِبٍ، قَالَهُ عكرمة والربيع بن خيثم.
[قال الواحدي رحمه الله في تفسيره «الوسيط» : المؤمنون لا يدخلون في حكم هذه الآية لأن الله تعالى أوعد بالخلود في النار من أحاطت به خطيئته، وتقدمت منه سيّئة وهي الشرك، والمؤمن وإن عمل الكبائر لم يوجد منه الشرك] [7] . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الذُّنُوبُ تُحِيطُ بالقلب كلما عمل ذَنْبًا ارْتَفَعَتْ حَتَّى تَغْشَى [8] الْقَلْبَ، وهي الرين، قال الكلبي: أو بقته ذُنُوبُهُ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ [يُوسُفَ:
66] ، أَيْ: تَهْلِكُوا، فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 82 الى 84]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «كتبوه» دون- ما-. [.....]
(3) زيادة عن المخطوط، وط.
(4) في المخطوط وط- «هذه» بدل «مدة» والمثبت عن المطبوع والطبري (1412 و1413) .
(5) في المطبوع «قوله» .
(6) في المطبوع «هي» .
(7) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط، وط-.
(8) في المخطوط «يقسى» وفي نسخة «يقسو» والمثبت عن المطبوع و «الدر المنثور» (1/ 164) .(1/138)
ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ: فِي التَّوْرَاةِ وَالْمِيثَاقُ الْعَهْدُ الشَّدِيدُ، لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَمْزَةُ والكسائي لا يعبدون، بالياء، والآخرون بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ [1] تَعَالَى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة: 83] ، معناه أن لا تَعْبُدُوا، فَلَمَّا حَذَفَ (أَنْ) صَارَ الْفِعْلُ مَرْفُوعًا وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كعب:
«لا تعبدوا» ، على النهي، وَبِالْوالِدَيْنِ، أَيْ: وَوَصَّيْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ، إِحْساناً بِرًّا بِهِمَا وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا وَنُزُولًا عِنْدَ أَمْرِهِمَا فِيمَا لَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِي الْقُرْبى، أَيْ: وَبِذِي الْقَرَابَةِ، وَالْقُرْبَى مَصْدَرٌ كَالْحُسْنَى، وَالْيَتامى، جَمْعُ يَتِيمٍ وَهُوَ الطِّفْلُ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ، وَالْمَساكِينِ، يَعْنِي: الْفُقَرَاءَ، وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً: صِدْقًا وَحَقًّا فِي شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ سَأَلَكُمْ عَنْهُ فَاصْدُقُوهُ وَبَيِّنُوا صِفَتَهُ لا تَكْتُمُوا أَمْرَهُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمُقَاتِلٍ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مُرُوهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقِيلَ: هُوَ اللِّينُ فِي الْقَوْلِ وَالْمُعَاشَرَةُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ:
«حَسَنًا» بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ، أَيْ: قَوْلًا حَسَنًا، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ، أَعْرَضْتُمْ عَنِ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ آمَنُوا، وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ، كَإِعْرَاضِ آبائكم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ، أَيْ: لَا تُرِيقُونَ، دِماءَكُمْ، أَيْ: لَا يَسْفِكُ بَعْضُكُمْ دَمَ بَعْضٍ، وَقِيلَ: لَا تَسْفِكُوا دِمَاءَ غَيْرِكُمْ فيسفك دِمَاءَكُمْ فَكَأَنَّكُمْ سَفَكْتُمْ دِمَاءَ أَنْفُسِكُمْ، وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ، [أَيْ] [2] : لَا يُخْرِجُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ دَارِهِ، وَقِيلَ: لَا تُسِيئُوا جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكُمْ فَتُلْجِئُوهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ بِسُوءِ جِوَارِكُمْ، ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ: بِهَذَا الْعَهْدِ أَنَّهُ حَقٌّ وَقَبِلْتُمْ، وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ: الْيَوْمَ عَلَى ذَلِكَ يا معشر اليهود وتعترفون بالقبول.
[سورة البقرة (2) : آية 85]
ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ، يَعْنِي: يَا هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ لِلتَّنْبِيهِ، تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ، بِتَشْدِيدِ الظَّاءِ، أَيْ:
تَتَظَاهَرُونَ، أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الظَّاءِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِتَخْفِيفِ الظَّاءِ فَحَذَفُوا تَاءَ التَّفَاعُلِ وَأَبْقَوْا تَاءَ الْخِطَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَعاوَنُوا [المائدة: 2] ، مَعْنَاهُمَا جَمِيعًا تَتَعَاوَنُونَ، وَالظَّهِيرُ: الْعَوْنُ، بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ: بالمعصية والظلم، وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى، [و] قرأ حَمْزَةُ أَسْرَى، وَهُمَا جَمْعُ:
أَسِيرٍ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، «تَفْدُوهُمْ» : بِالْمَالِ وَتُنْقِذُوهُمْ، [و] قرأ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ
__________
(1) في المطبوع وحده «كقوله» .
(2) زيادة عن المخطوط.(1/139)
أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)
تُفادُوهُمْ، أَيْ: تُبَادِلُوهُمْ، أَرَادَ مُفَادَاةَ الْأَسِيرِ بِالْأَسِيرِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَمَعْنَى الْآيَةِ، قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي التَّوْرَاةِ أَنْ لَا يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلَا يُخْرِجَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ دِيَارِهِمْ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ وَجَدْتُمُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَاشْتَرُوهُ بِمَا قَامَ مِنْ ثَمَنِهِ وَأَعْتِقُوهُ، فَكَانَتْ قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ الْأَوْسِ وَالنَّضِيرُ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، وَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ فِي حَرْبٍ سنين، فيقاتل بنو قريظة مع حلفائهم وبنو النضير مع حلفائهم وإذا غلبوا خرّبوا دِيَارَهُمْ وَأَخْرَجُوهُمْ مِنْهَا، وَإِذَا أُسِرَ رَجُلٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ جَمَعُوا لَهُ حَتَّى يَفْدُوهُ وَإِنْ كَانَ الْأَسِيرُ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَتُعَيِّرُهُمُ الْعَرَبُ وَتَقُولُ [1] : كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتَفْدُونَهُمْ؟
قَالُوا: إِنَّا أُمِرْنَا أَنْ نَفْدِيَهُمْ، فَيَقُولُونَ: فَلِمَ تقاتلوهم؟ قالوا: إنا نستحي أن نستذل [2] حلفاءنا، فعيّرهم الله تعالى، فَقَالَ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَفِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَنَظْمُهَا: وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ، وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ، فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَذَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعَةَ عُهُودٍ: تَرْكَ الْقِتَالِ وَتَرْكَ الْإِخْرَاجِ وَتَرْكَ الْمُظَاهَرَةِ عَلَيْهِمْ مَعَ أَعْدَائِهِمْ وَفِدَاءَ أَسْرَاهُمْ [3] ، فَأَعْرَضُوا عَنِ الْكُلِّ إِلَّا الْفِدَاءَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ: إِنْ وَجَدْتَهُ فِي يَدِ غَيْرِكَ فَدَيْتَهُ وَأَنْتَ تَقْتُلُهُ بِيَدِكَ، فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ، إِلَّا خِزْيٌ: عَذَابٌ وَهَوَانٌ، فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، فَكَانَ خِزْيُ قُرَيْظَةَ الْقَتْلَ وَالسَّبْيَ، وَخِزْيُ النَّضِيرِ الْجَلَاءَ وَالنَّفْيَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إِلَى أَذَرِعَاتٍ وأريحا مِنَ الشَّامِ، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ، وهو عَذَابِ النَّارِ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ بِالْيَاءِ، وَالْبَاقُونَ بالتاء.
[سورة البقرة (2) : الآيات 86 الى 88]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (88)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا: اسْتَبْدَلُوا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ، يُهَوَّنُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ، لَا يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَلَقَدْ آتَيْنا: أَعْطَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ: التَّوْرَاةَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَقَفَّيْنا: وَأَتْبَعْنَا، مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ: رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ، وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ: الدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَاتِ، وَهِيَ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَالْمَائِدَةِ، وَقِيلَ: أَرَادَ الْإِنْجِيلَ، وَأَيَّدْناهُ: قَوَّيْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «الْقُدْسِ» بِسُكُونِ الدَّالِ، وَالْآخَرُونَ بِضَمِّهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ: الرُّعُبِ وَالرُّعْبِ، وَاخْتَلَفُوا فِي رُوحِ الْقُدُسِ، قَالَ الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بالروح [الروح] [4] الذي لا نفخ فيه، [و] القدس هُوَ اللَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَكْرِيمًا وَتَخْصِيصًا [5] ، نَحْوَ: بَيْتِ اللَّهِ، وَنَاقَةِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ: فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا [التَّحْرِيمِ:
12] ، وَرُوحٌ مِنْهُ [النِّسَاءِ: 171] ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْقُدُسِ: الطِّهَارَةَ، يَعْنِي: الرُّوحَ الطَّاهِرَةَ، سَمَّى روحه
__________
(1) في المطبوع «يقولون» .
(2) في المطبوع «تذل» .
(3) في المطبوع «أسرائهم» وفي المخطوط «أساراهم» والمثبت عن- ط-.
(4) زيادة عن نسخة- ط- وفي المخطوط «الروع» .
(5) زيد في المطبوع وحده هاهنا «أي: التي نفخ فيه» .(1/140)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)
قُدُسًا لِأَنَّهُ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ أَصْلَابُ الفحول وَلَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الطَّوَامِثِ، إِنَّمَا كَانَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ: رُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السلام، قيل: وصف جبريل [عليه السلام] بِالْقُدُسِ أَيْ بِالطَّهَارَةِ، لِأَنَّهُ لَمْ يقترف ذنبا، قال الْحَسَنُ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ، وَرُوحُهُ جِبْرِيلُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ [النَّحْلِ: 102] ، وَتَأْيِيدُ عِيسَى بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسِيرَ مَعَهُ حَيْثُ سَارَ حَتَّى صعد به إِلَى السَّمَاءِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رُوحًا لِلَطَافَتِهِ وَلِمَكَانَتِهِ مِنَ الْوَحْيِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ حَيَاةِ الْقُلُوبِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: رُوحُ الْقُدُسِ هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَعْظَمُ الذي كان يحيي به الْمَوْتَى، وَيُرِي النَّاسَ [بِهِ] [1] الْعَجَائِبَ، وقيل: هو الإنجيل جعل [الله] [2] لَهُ رُوحًا كَمَا جَعْلَ الْقُرْآنَ رُوحًا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ، وقال الله تَعَالَى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: 52] ، فلما سمعت الْيَهُودُ ذِكْرَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، قالوا: يَا مُحَمَّدُ لَا مِثْلَ عِيسَى كَمَا تَزْعُمُ عَمِلْتَ، وَلَا كَمَا يقصّ عَلَيْنَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَعَلْتَ، فَأْتِنَا بِمَا أَتَى بِهِ عِيسَى إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ رَسُولٌ بِما لَا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ: تَكَبَّرْتُمْ وَتَعَظَّمْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، فَفَرِيقاً: طَائِفَةً كَذَّبْتُمْ: مِثْلَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ، أَيْ: قَتَلْتُمْ مِثْلَ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَشَعْيَا، وَسَائِرِ مَنْ قتلوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
وَقالُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، قُلُوبُنا غُلْفٌ، جَمْعُ أغلف وهو الذي عليه غشاوة، معناه: عليها غشاوة فلا تسمع ولا تفقه ما يقول، قَالَهُ [3] مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ
[فُصِّلَتْ: 5] ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «غُلُفٌ» بِضَمِّ اللَّامِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْرَجِ، وهي جَمْعُ غِلَافٍ، أَيْ: قُلُوبُنَا أَوْعِيَةٌ لِكُلِّ عِلْمٍ فَلَا [تَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِكَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَعْنَاهُ أَوْعِيَةٌ لِكُلِّ علم فهي لا] [4] تسمع حديثا إلا وعته إِلَّا حَدِيثَكَ لَا تَعْقِلُهُ وَلَا تَعِيهِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ خَيْرٌ لَوَعَتْهُ وَفَهِمَتْهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ: طَرَدَهُمُ اللَّهُ وَأَبْعَدَهُمْ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ، قَالَ قتادة:
معناه لا [5] يُؤْمِنَ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ، لِأَنَّ مَنْ آمَنَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَكْثَرُ مِمَّنْ آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ، أَيْ: فَقَلِيلًا يُؤْمِنُونَ، وَنَصْبُ (قَلِيلًا) عَلَى الْحَالِ، وَقَالَ مَعْمَرٌ: لَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا بِقَلِيلٍ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ وَيَكْفُرُونَ بِأَكْثَرِهِ، أَيْ: فَقَلِيلٌ يُؤْمِنُونَ [وَنَصْبُ (قَلِيلًا) بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَ (مَا) صِلَةٌ عَلَى قَوْلِهِمَا، وَقَالَ الواقدي: معناه لا يؤمنون] [6] لا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلْآخَرِ: مَا أَقَلَّ مَا تَفْعَلُ كَذَا، أَيْ: لَا تَفْعَلُهُ أَصْلًا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 90]
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ (90)
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ مُصَدِّقٌ: مُوَافِقٌ لِما مَعَهُمْ، يَعْنِي:
التَّوْرَاةَ، وَكانُوا، يعني: اليهود، مِنْ قَبْلُ، [أَيْ] : مِنْ قَبْلِ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَفْتِحُونَ:
يَسْتَنْصِرُونَ، عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا: عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أنهم كانوا يقولون إذا أحزنهم أمر أو
__________
1 زيادة عن المخطوط. [.....]
2 زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «قال» .
(4) سقط من المخطوط.
(5) في المخطوط «لن» والمثبت عن المطبوع والطبري (1518 و1519) .
(6) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط.(1/141)
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
دهمهم [1] عَدُوٌّ: اللَّهُمَّ انْصُرْنَا عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ الَّذِي نَجِدُ صِفَتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَكَانُوا يُنْصَرُونَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِأَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: قَدْ أَظَلَّ [2] زَمَانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ بِتَصْدِيقِ مَا قُلْنَا فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَثَمُودَ وَإِرَمَ.
فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَرَفُوا نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ، كَفَرُوا بِهِ: بَغْيًا وَحَسَدًا، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ.
بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، بِئْسَ وَنِعْمَ فِعْلَانِ مَاضِيَانِ وُضِعَا لِلْمَدْحِ وَالذَّمِّ، لَا يَتَصَرَّفَانِ تَصَرُّفَ الْأَفْعَالِ، مَعْنَاهُ: بِئْسَ الَّذِي اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ حِينَ اسْتَبْدَلُوا الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ، وَقِيلَ: الِاشْتِرَاءُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَالْمَعْنَى: بِئْسَ مَا بَاعُوا بِهِ حَظَّ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ [حِينَ] [3] اخْتَارُوا الْكفْرَ وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ لِلنَّارِ، أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، بَغْياً، أَيْ: حَسَدًا، وَأَصْلُ الْبَغْيِ: الفساد، يقال:
بَغَى الْجُرْحُ إِذَا فَسَدَ، وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ، وَأَصْلُهُ الطَّلَبُ، وَالْبَاغِي طَالِبُ الظُّلْمِ وَالْحَاسِدُ يَظْلِمُ الْمَحْسُودَ [جَهْدَهُ طَلَبًا لِإِزَالَةِ] [4] نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ، أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، أَيِ: النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ: مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَرَأَ أهل مكة والبصرة «ينزل» وبابه [5] بالتخفيف، إلا في «سبحان» فِي مَوْضِعَيْنِ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ [الإسراء: 82] وحَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الْإِسْرَاءِ: 93] فَإِنَّ [6] ابْنَ كَثِيرٍ يُشَدِّدُهُمَا، وَشَدَّدَ الْبَصْرِيُّونَ فِي الْأَنْعَامِ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً [الْأَنْعَامِ: 37] ، زَادَ يَعْقُوبُ تَشْدِيدَ بِما يُنَزِّلُ فِي النحل، وافق حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيَّ فِي تَخْفِيفِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ [لقمان: 34] في سورة لقمان وحمعسق، وَالْآخَرُونَ يُشَدِّدُونَ الْكُلَّ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي تَشْدِيدِ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ [الحجر: 21] في الحجر، فَباؤُ: رجعوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ، أي: مع غَضَبٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ: الْغَضَبُ الْأَوَّلُ بِتَضْيِيعِهِمُ التَّوْرَاةَ وَتَبْدِيلِهِمْ [لها] [7] ، وَالثَّانِي: بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الأول بكفرهم بعيسى والإنجيل، وَالثَّانِي بِكُفْرِهِمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْأَوَّلُ بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَالثَّانِي بِالْكُفْرِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِلْكافِرِينَ: الْجَاحِدِينَ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ، عَذابٌ مُهِينٌ:
مُخْزٍ يُهَانُونَ فيه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 91 الى 93]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)
قَوْلُهُ عَزَّ وجلّ: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا،
__________
(1) في «القاموس» : أدهمه: ساءه. ودهمك: غشيك.
(2) في المطبوع وحده «أطل» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) ما بين المعقوفتين في المخطوط «لأنه طالب إزالة» .
(5) في المخطوط «ويائه» وهو خطأ.
(6) في المطبوع وحده «قال» .
(7) سقط من المطبوع.(1/142)
قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)
يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، يَكْفِينَا ذَلِكَ، وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ، أَيْ: بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ [الْمُؤْمِنُونَ: 7] ، أَيْ: سِوَاهُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: بما بعده، وَهُوَ الْحَقُّ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ، مُصَدِّقاً، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، لِما مَعَهُمْ: من التوراة، قُلْ: لهم يَا مُحَمَّدُ فَلِمَ تَقْتُلُونَ، أَيْ: قَتَلْتُمْ، أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ، و (لم) أَصْلُهُ لِمَا، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ فَرْقًا بين الخبر وَالِاسْتِفْهَامِ، كَقَوْلِهِمْ فِيمَ وَبِمَ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: بِالتَّوْرَاةِ، وَقَدْ نُهِيتُمْ فِيهَا عَنْ قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السّلام.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ بِالدَّلَالَاتِ الْوَاضِحَةِ وَالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ، ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ.، [أي: من بعد انطلاقه إلى الجبل] [1] ، وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا، أَيِ: اسْتَجِيبُوا وَأَطِيعُوا، سُمِّيَتِ الطَّاعَةُ وَالْإِجَابَةُ: سمعا على المجاز، لأنها [2] سَبَبٌ لِلطَّاعَةِ وَالْإِجَابَةِ، قالُوا سَمِعْنا: قولك، وَعَصَيْنا: أمرك، وقيل: سمعنا بالآذان [3] ، وَعَصَيْنَا بِالْقُلُوبِ، قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: إِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا هَذَا بِأَلْسِنَتِهِمْ ولكن لما سمعوا وتلقوه بالعصيان نسب ذَلِكَ إِلَى الْقَوْلِ اتِّسَاعًا.
وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ، أَيْ: حب العجل، مَعْنَاهُ: أُدْخِلَ فِي قُلُوبِهِمْ حُبُّ الْعَجَلِ وَخَالَطَهَا، كَإِشْرَابِ اللَّوْنِ لِشِدَّةِ الْمُلَازَمَةِ، يُقَالُ: فُلَانٌ مُشْرَبُ [4] اللَّوْنِ إِذَا اخْتَلَطَ بَيَاضُهُ بِالْحُمْرَةِ، وَفِي الْقِصَصِ: أَنَّ مُوسَى أُمِرَ أَنْ يُبْرَدَ الْعِجْلُ بِالْمِبْرَدِ، ثُمَّ يَذُرَّهُ فِي النَّهْرِ وَأَمَرَهُمْ بِالشُّرْبِ مِنْهُ، فَمَنْ بَقِيَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ حُبِّ الْعِجْلِ ظَهَرَتْ سُحَالَةُ الذَّهَبِ عَلَى شَارِبِهِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوا الْعِجْلَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ: بِئْسَ إِيمَانٌ يأمر بِعِبَادَةِ الْعِجْلِ، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ: بِزَعْمِكُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عزّ وجلّ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 94 الى 96]
قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96)
قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ ادَّعَوْا دَعَاوَى بَاطِلَةً مِثْلَ قَوْلِهِمْ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: 80] ، لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَةِ: 111] ، وَقَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [الْمَائِدَةِ: 18] ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَلْزَمَهُمُ الْحُجَّةَ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ، يَعْنِي: الْجَنَّةَ، خالِصَةً، أَيْ: خَاصَّةً [5] مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ، أَيْ: فَأَرِيدُوهُ أو اسألوه، لِأَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْجَنَّةَ مَأْوَاهُ حَنَّ إِلَيْهَا، وَلَا سَبِيلَ إِلَى دُخُولِهَا إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاسْتَعْجَلُوهُ بِالتَّمَنِّي، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ: فِي قَوْلِكُمْ، وَقِيلَ: فَتُمَنُّوا الْمَوْتَ، أَيِ: ادْعُوَا بِالْمَوْتِ عَلَى الْفِرْقَةِ الكاذبة.
__________
(1) زيد في المطبوع وحده.
(2) في المطبوع «لأنه» . [.....]
(3) في المطبوع «بالأذن» .
(4) في المطبوع «أشرب» .
(5) في المطبوع وحده «خالصة» .(1/143)
قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)
ع 6»
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَغُصَّ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ بِرِيقِهِ وَمَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ يَهُودِيٌّ إلا مات» .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ فِي دَعْوَاهُمْ كَاذِبُونَ، وَأَرَادَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ بما قدّموه من الأعمال، وأضاف [1] العمل إِلَى الْيَدِ [دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ] [2] لِأَنَّ أَكْثَرَ جِنَايَاتِ الْإِنْسَانِ تَكُونُ بِالْيَدِ، فَأُضِيفَ إِلَى الْيَدِ أَعْمَالُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَدِ فِيهَا عَمَلٌ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.
وَلَتَجِدَنَّهُمْ، اللَّامُ لَامُ الْقَسَمِ، وَالنُّونُ تَأْكِيدٌ لِلْقِسْمِ، تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ لَتَجِدَنَّهُمْ يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي:
الْيَهُودَ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، قيل: هو متصل بالأول، أي: وَأَحْرَصَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَقِيلَ: تَمَّ الْكَلَامُ بِقَوْلِهِ: عَلى حَياةٍ، ثم ابتدأ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَأَرَادَ بِالَّذِينِ أَشْرَكُوا الْمَجُوسَ، قَالَهُ [3] أَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ، سُمُّوا مُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ. يَوَدُّ: يُرِيدُ وَيَتَمَنَّى، أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ، يَعْنِي: تَعْمِيرَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَهِي تَحِيَّةُ الْمَجُوسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، يَقُولُونَ:
عِشْ أَلْفَ سَنَةٍ وَكُلُّ أَلْفٍ نَيْرُوزٌ ومهرجان، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: الْيَهُودُ أَحْرَصُ على الحياة من المجوس الذين يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ: بمباعده، مِنَ الْعَذابِ، [أي] : من النَّارِ أَنْ يُعَمَّرَ، أَيْ: طُولُ عمره لا ينقذه [4] من العذاب، و (زحزح) لازم ومتعدّ، يقال: زحزحته، فتزحزح، وزحزحته: فزحزح، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ، [قرأ يعقوب بالتاء والباقون بالياء] [5] .
[سورة البقرة (2) : آية 97]
قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ.
ع «70» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ حِبْرًا مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن صوريا قال
__________
69- ع الراجح وقفه. أخرجه البيهقي في «الدلائل» (6/ 274- 275) عن ابن عباس مرفوعا بأتم منه، وإسناده ضعيف جدا، بل مصنوع فيه الكلبي، وهو محمد بن السائب، وهو متروك متهم، وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس، وقد أقر الكلبي بأن كل ما رواه عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس، كذب. راجع ترجمة في «الميزان» . وقد مر الكلام عليه في المقدمة.
وأخرجه الطبري 1570 عن الأعمش عن ابن عباس موقوفا، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه بين الأعمش وابن عباس، وكرره الطبري 1573 بنحوه عن ابن عباس موقوفا، وفيه محمد بن أبي محمد شيخ ابن إسحاق، وهو مجهول.
- وورد من وجه آخر عن ابن عباس موقوفا أخرجه النسائي في «التفسير» (81) وأحمد 1/ 248 ورجال النسائي ثقات والإسناد متصل.
وانظر ما قاله الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 167) و «الفتح» (8/ 724) وخلاصة القول أنه لم يصح مرفوعا، وإنما هو من كلام ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. والله أعلم، وانظر «تفسير الكشاف» (44) بتخريجي، والله الموفق.
70- ع لم أجده مسندا بهذا التمام. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (41) عن ابن عباس بدون إسناد، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 169) بعد أن زاد نسبته للثعلبي: ولم أقف له على سند، ولعله من تفسير الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس اهـ.
وهذه إشارة إلى وهن الخبر فإن الكلبي متهم كما تقدم. ولبعضه شاهد عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ ابن عباس، أخرجه الطبري 1608 وإسناده لين، وكرره 1609 عن شهر بن حوشب مرسلا، وهو أرجح من الموصول.
(1) في المخطوط «أضافها» بدل و «أضاف العمل» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «قال» .
(4) في المطبوع «يبعده» .
(5) زيد في المطبوع دون المخطوط وط-.(1/144)
مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيّ ملك يأتيك مِنَ السَّمَاءِ؟ قَالَ: «جِبْرِيلُ» ، قَالَ: ذَلِكَ عَدُّونَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَلَوْ كَانَ مِيكَائِيلَ لَآمَنَّا بِكَ، إِنَّ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالْعَذَابِ وَالْقِتَالِ وَالشِّدَّةِ وإنه عادانا مرارا، كان أَشَدِّ ذَلِكَ عَلَيْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّنَا: أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَيُخَرَّبُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: بُخْتُنَصَّرُ، وَأَخْبَرَنَا بِالْحِينِ الَّذِي يُخَرَّبُ فِيهِ، فَلَمَّا كَانَ وَقْتُهُ بَعَثْنَا رَجُلًا مِنْ أَقْوِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي طَلَبِهِ ليقتله، فَانْطَلَقَ حَتَّى لَقِيَهُ بِبَابِلَ غُلَامًا مِسْكِينًا فَأَخَذَهُ لِيَقْتُلَهُ، فَدَفَعَ عَنْهُ جِبْرِيلُ، وَكَبُرَ بُخْتُنَصَّرُ وَقَوِيَ وَغَزَانَا وَخَرَّبَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَلِهَذَا نَتَّخِذُهُ عدوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَتِ الْيَهُودُ إِنَّ جِبْرِيلَ عدوّنا لأنه أمر أن يجعل النُّبُوَّةِ فِينَا فَجَعَلَهَا فِي غَيْرِنَا.
ع «71» وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْضٌ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ، وَمَمَرُّهَا على مدراس الْيَهُودِ، فَكَانَ إِذَا أَتَى أَرْضَهُ يأتيهم ويسمع منهم، فَقَالُوا لَهُ: مَا فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْكَ، إِنَّهُمْ يمرّون بنا [1] فَيُؤْذُونَنَا وَأَنْتَ لَا تُؤْذِينَا وَإِنَّا لِنَطْمَعُ فِيكَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا آتِيكُمْ لِحُبِّكُمْ وَلَا أَسْأَلُكُمْ لِأَنِّي شَاكٌّ فِي دِينِي وَإِنَّمَا أَدْخُلُ عَلَيْكُمْ لِأَزْدَادَ بَصِيرَةً فِي أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَرَى آثَارَهُ فِي كِتَابِكُمْ [وَأَنْتُمْ تَكْتُمُونَهَا] [2] ، فَقَالُوا: مَنْ صَاحِبُ مُحَمَّدٍ الَّذِي يَأْتِيهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ؟ قال: جبريل، فقالوا: ذاك عدوّنا يطلع محمدا على سرّنا، وَهُوَ صَاحِبُ كُلِّ عَذَابٍ وَخَسْفٍ وَسَنَةٍ وَشِدَّةٍ، وَإِنَّ مِيكَائِيلَ إِذَا جاء، جاء بالخصب والسلم، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: تَعْرِفُونَ جِبْرِيلَ وَتُنْكِرُونَ مُحَمَّدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْبِرُونِي عَنْ مَنْزِلَةِ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالُوا: جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يساره، وميكائيل عدو لجبريل، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَهُوَ عَدُوٌّ لِمِيكَائِيلَ، وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لِمِيكَائِيلَ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِجِبْرِيلَ، وَمَنْ كَانَ عَدُوًّا لَهُمَا كَانَ اللَّهُ عَدُوًّا لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ جِبْرِيلَ قَدْ سَبَقَهُ بِالْوَحْيِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيات، فَقَالَ: «لَقَدْ وَافَقَكَ رَبُّكَ يَا عُمَرُ» ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي بَعْدَ ذَلِكَ فِي دِينِ اللَّهِ أَصْلَبَ مِنَ الْحَجَرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ، فَإِنَّهُ، يَعْنِي: جِبْرِيلَ، نَزَّلَهُ، يَعْنِي:
الْقُرْآنَ، كِنَايَةً عَنْ [3] غَيْرِ مَذْكُورٍ، عَلى قَلْبِكَ: يَا مُحَمَّدُ بِإِذْنِ اللَّهِ: بِأَمْرِ اللَّهِ مُصَدِّقاً: مُوَافِقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ، قوله عزّ وجلّ:
[سورة البقرة (2) : الآيات 98 الى 100]
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)
__________
71- ع أخرجه الطبري 1616 عن السدي مرسلا، وأخرجه برقم 1613 عن قتادة مرسلا بنحوه.
- وأخرجه الواحدي في «الأسباب» (40) والطبري 1611 و1612 عن الشعبي عن عمر، وهذا منقطع الشعبي لم يلق عمر.
وهذه المراسيل لعلها تتأيد بمجموعها، اللهم إن لم يكن أخذ بعضهم عن بعض، فعند ذلك لا تتقوى لاتحاد مخارجها.
وأرجح شيء في هذا الباب ما أخرجه الطبري 1608 و1609 وهو أمثل شيء في الباب، فانظره، والله أعلم.
(1) في المطبوع «بها» وفي المخطوط «علينا» والمثبت عن الطبري.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المخطوط «من» . [.....](1/145)
مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ: خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ من جملة الملائكة مع دخولها فِي قَوْلِهِ: وَمَلائِكَتِهِ، تَفْضِيلًا وَتَخْصِيصًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) [الرَّحْمَنِ:
68] ، خَصَّ النَّخْلَ وَالرُّمَّانَ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِمَا فِي ذِكْرِ الفاكهة، [للتفضيل] [1] ، وَالْوَاوُ فِيهِمَا بِمَعْنَى «أَوْ» ، يَعْنِي: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ [فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلْكُلِّ] [2] ، لِأَنَّ الْكَافِرَ بِالْوَاحِدِ كَافِرٌ بِالْكُلِّ، فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ، قَالَ عِكْرِمَةُ: جِبْرُ وميك [3] وإسراف هنّ [4] العبد بالسريانية، قال [5] وَإِيلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَعْنَاهُمَا: عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «جَبْرِيلَ» بِفَتْحِ الْجِيمِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، بِوَزْنِ فَعْلِيلَ، قَالَ حَسَّانٌ:
وَجَبْرِيلٌ رَسُولُ اللَّهِ فِينَا ... وَرُوحُ الْقُدْسِ [6] لَيْسَ لَهُ كَفَاءُ
وقرأ حمزة والكسائي بالهمزة [7] والإشباع وزن (سَلْسَبِيلَ) ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِالِاخْتِلَاسِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الْجِيمِ غَيْرَ مهموز، وميكائيل قرأ أبو عمر وَيَعْقُوبُ وَحَفْصٌ «مِيكَالَ» بِغَيْرِ هَمْزٍ، قَالَ جَرِيرٌ:
عَبَدُوا الصَّلِيبَ وَكَذَّبُوا بمحمد ... وبجبرائيل وَكَذَّبُوا مِيكَالَا
[وَقَالَ آخَرُ] [8] :
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مع نصر جبريل وميكال
وقرأ نافع وأهل المدينة: بالهمز والاختلاس، بوزن ميكاعل، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِالْهَمْزِ وَالْإِشْبَاعِ بِوَزْنِ ميكاعيل [9] ، قال ابن صوريا: ما جئتنا [يا محمد] [10] بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ: وواضحات مُفَصَّلَاتٍ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ: الْخَارِجُونَ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وجلّ.
أَوَكُلَّما، وَاوُ الْعَطْفِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ، عاهَدُوا عَهْداً، يَعْنِي: الْيَهُودَ عَاهَدُوا: لَئِنْ خَرَجَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وسلّم ليؤمنن [11] به، فلما خرج [إليهم مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [12] كَفَرُوا بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا ذَكَّرَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [مِنَ الْمِيثَاقِ] [13] وَعُهِدَ إِلَيْهِمْ فِي مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ، قَالَ مَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ: وَاللَّهِ مَا عُهِدَ إلينا عهدا في محمد، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أَبِي رَجَاءٍ العطاردي «أو كلما عوهدوا» فَجَعَلَهُمْ مَفْعُولَيْنِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: هِيَ الْعُهُودُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْيَهُودِ: أَنْ لَا يُعَاوِنُوا الْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِهِ، فَنَقَضُوهَا كَفِعْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ [الْأَنْفَالِ: 56] ، نَبَذَهُ: طَرَحَهُ ونقضه فَرِيقٌ: طوائف مِنْهُمْ، من الْيَهُودُ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
__________
(1) زيد في المطبوع وحده.
(2) سقط من المخطوط.
(3) في المطبوع «جبير وميت» .
(4) في المطبوع «هي» .
(5) في المطبوع «وآل» .
(6) في المطبوع «القديس» .
(7) وقع في الأصل «بالهمة» والتصويب من النسخة «م» .
(8) سقط في المخطوط.
(9) في المطبوع «ميكاعل» وفي- ط- «ميفاعل» .
(10) زيادة عن المخطوط.
(11) في المطبوع «لتؤمنن» .
(12) زيد في المطبوع وحده.
(13) سقط من المخطوط.(1/146)
وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)
[سورة البقرة (2) : الآيات 101 الى 102]
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102)
وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَقِيلَ: الْقُرْآنَ، كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ الشعبي: كانوا يقرؤون التَّوْرَاةَ وَلَا يَعْمَلُونَ بِهَا، وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَدْرَجُوهَا فِي الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَحَلَّوْهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَمْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَذَلِكَ نَبْذُهُمْ.
وَاتَّبَعُوا، يعني اليهود ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ، أَيْ: مَا تَلَتْ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ الْمُسْتَقْبَلَ مَوْضِعَ الْمَاضِي، وَالْمَاضِي موضع المستقبل، وقيل: ما كانت تَتْلُو، أَيْ: تَقْرَأُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَتَّبِعُ وَتَعْمَلُ بِهِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: تَحَدَّثُ وتتكلم بِهِ، عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ، أَيْ: فِي مُلْكِهِ وَعَهْدِهِ، وَقِصَّةُ الْآيَةِ:
أَنَّ الشَّيَاطِينَ كَتَبُوا السِّحْرَ وَالنِّيرَنْجِيَّاتِ عَلَى لِسَانِ آصَفَ بْنِ بَرْخِيَا: هَذَا مَا عَلَّمَ آصَفُ بْنُ بَرْخِيَا سُلَيْمَانَ الْمَلِكَ، ثُمَّ دَفَنُوهَا تَحْتَ مُصَلَّاهُ حَتَّى نَزَعَ اللَّهُ الْمُلْكَ عَنْهُ، وَلَمْ يَشْعُرْ بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ، فَلَمَّا مَاتَ اسْتَخْرَجُوهَا وَقَالُوا للناس: إنما ملككم [1] سليمان بها [2] فتعلّموها، فَأَمَّا عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَصُلَحَاؤُهُمْ فَقَالُوا:
مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ هذا من علم سليمان، وَأَمَّا السَّفِلَةُ فَقَالُوا: هَذَا عِلْمُ سُلَيْمَانَ وَأَقْبَلُوا عَلَى تَعَلُّمِهِ، وَرَفَضُوا كُتُبَ أَنْبِيَائِهِمْ وَفَشَتِ الْمَلَامَةُ [عَلَى] سُلَيْمَانَ [3] ، فَلَمْ يَزَلْ هَذَا حَالُهُمْ [وَفِعْلُهُمْ] [4] حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ بَرَاءَةَ سُلَيْمَانَ، هَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتِ الشَّيَاطِينُ تصعد إلى السماء، فيستمعون [5] كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ فِيمَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَوْتٍ وَغَيْرِهِ، فَيَأْتُونَ الكهنة ويخلطون بما سمعوا فِي كُلِّ كَلِمَةٍ سَبْعِينَ كِذْبَةً ويخبرونهم بها، فاكتتب الناس ذَلِكَ وَفَشَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أن الجنّ تعلم الْغَيْبَ، فَبَعَثَ سُلَيْمَانُ فِي النَّاسِ، وَجَمَعَ تِلْكَ الْكُتُبَ وَجَعَلَهَا فِي صُنْدُوقٍ وَدَفَنَهُ تَحْتَ كُرْسِيِّهِ، وَقَالَ: لَا أَسْمَعُ أَحَدًا يَقُولُ، إِنَّ الشياطين تعلم [6] الْغَيْبَ إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، فَلَمَّا مَاتَ سُلَيْمَانُ وَذَهَبَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْرِفُونَ أَمْرَ سُلَيْمَانَ وَدَفَنَةُ الْكُتُبِ، وَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ تَمَثَّلَ الشَّيْطَانُ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ فَأَتَى نَفَرًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزٍ لَا تَأْكُلُونَهُ أَبَدًا؟ قَالُوا: نَعَمْ، قال: فاحفروا تحت الكرسي وذهب معهم فأراهم المكان، وقام ناحية فقالوا: ادن، قال: لا ولكني [7] هاهنا، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ فَاقْتُلُونِي وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشَّيَاطِينِ يَدْنُو مِنَ الْكُرْسِيِّ إِلَّا احترق، فحفروا وأخرجوا تلك
__________
(1) في المطبوع «ملكهم» . [.....]
(2) في المطبوع «بهذا» .
(3) في المطبوع وحده «لسليمان» .
(4) زيادة عن المخطوط، وط-.
(5) في المخطوط «فيسمعون» والمثبت عن المطبوع والطبري 1649.
(6) في المطبوع «الشيطان يعلم» والمثبت عن المخطوط والطبري.
(7) في المطبوع «ولكن» .(1/147)
الكتب، فقال الشيطان: إِنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ يَضْبِطُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ وَالطَّيْرَ بِهَذَا، ثُمَّ طار الشيطان وَفَشَا فِي النَّاسِ أَنَّ سُلَيْمَانَ كان ساحرا وأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب، فَلِذَلِكَ أَكْثَرَ مَا يُوجَدُ السِّحْرُ فِي الْيَهُودِ، فَلَمَّا جَاءَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرَّأَ اللَّهُ تَعَالَى سُلَيْمَانَ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ فِي عُذْرِ سُلَيْمَانَ: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ: بِالسِّحْرِ، وَقِيلَ: لَمْ يكن سليمان كافرا يسحر وَيَعْمَلُ بِهِ، وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا، قرأ [ابن عامر] [1] والكسائي وحمزة (ولكن) ، خَفِيفَةَ النُّونِ، (وَالشَّيَاطِينُ) ، رَفْعٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (وَلَكِنَّ) ، مُشَدَّدَةَ النُّونِ (وَالشَّيَاطِينَ) نَصْبٌ، وَكَذَلِكَ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: 17] ، ومعنى وَلكِنَّ نَفْيُ الْخَبَرِ الْمَاضِي وَإِثْبَاتُ الْمُسْتَقْبَلِ، يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، قِيلَ: مَعْنَى السِّحْرِ:
الْعِلْمُ وَالْحِذْقُ بِالشَّيْءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزُّخْرُفِ: 49] ، أَيِ: الْعَالِمُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ السِّحْرَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّمْوِيهِ وَالتَّخْيِيلِ، وَالسِّحْرُ وُجُودُهُ حَقِيقَةً عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأُمَمِ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِهِ كُفْرٌ، حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: السِّحْرُ يُخَيِّلُ وَيُمْرِضُ وَقَدْ يَقْتُلُ، حَتَّى أَوْجَبَ الْقِصَاصَ عَلَى مَنْ قَتَلَ بِهِ، فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يَتَلَقَّاهُ السَّاحِرُ مِنْهُ بِتَعْلِيمِهِ إِيَّاهُ، فَإِذَا تَلَقَّاهُ منه بتعليمه إياه اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي قَلْبِ الْأَعْيَانِ فَيَجْعَلُ الْآدَمِيَّ عَلَى صُورَةِ الْحِمَارِ، وَيَجْعَلُ الْحِمَارَ عَلَى صُورَةِ الْكَلْبِ [2] ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ ذَلِكَ تَخْيِيلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى [طه: 66] ، ولكنه يُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ بِالْأَمْرَاضِ وَالْمَوْتِ وَالْجُنُونِ، وَلِلْكَلَامِ تَأْثِيرٌ فِي الطِّبَاعِ وَالنُّفُوسِ، وَقَدْ يَسْمَعُ الْإِنْسَانُ مَا يَكْرَهُ فَيَحْمَى وَيَغْضَبُ، وَرُبَّمَا يُحَمُّ مِنْهُ، وَقَدْ مَاتَ قَوْمٌ بِكَلَامٍ سَمِعُوهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَارِضِ وَالْعِلَلِ الَّتِي تُؤَثِّرُ فِي الْأَبْدَانِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ، أَيْ: وَيُعَلِّمُونَ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، أَيْ:
إِلْهَامًا وَعِلْمًا، فَالْإِنْزَالُ: بِمَعْنَى الْإِلْهَامِ وَالتَّعْلِيمِ وَقِيلَ: وَاتَّبَعُوا مَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: «الْمَلِكَيْنِ» بِكَسْرِ اللَّامِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا رَجُلَانِ سَاحِرَانِ كَانَا بِبَابِلَ، وَقَالَ الْحَسَنُ:
عِلْجَانِ [3] ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا يُعَلِّمُونَ السِّحْرَ، وَبَابِلُ هِيَ بَابِلُ الْعِرَاقِ، سُمِّيَتْ بَابِلَ لِتَبَلْبُلِ الْأَلْسِنَةِ بِهَا عِنْدَ سُقُوطِ صَرْحِ نُمْرُودَ، أَيْ: تَفَرُّقِهَا، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بَابِلُ أَرْضِ الْكُوفَةِ، وَقِيلَ: جَبَلُ دَمَاوَنْدَ [4] ، وَالْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ: عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِالْفَتْحِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ تَعْلِيمُ السِّحْرِ مِنَ الملكين [5] ؟ قِيلَ: لَهُ تَأْوِيلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا لَا يَتَعَمَّدَانِ التَّعْلِيمَ لَكِنْ يَصِفَانِ السِّحْرَ، وَيَذْكُرَانِ بُطْلَانَهُ وَيَأْمُرَانِ بِاجْتِنَابِهِ، وَالتَّعْلِيمُ: بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ، فَالشَّقِيُّ يَتْرُكُ نَصِيحَتَهُمَا وَيَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْ صَنْعَتِهِمَا، وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَمَنْ شَقِيَ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ مِنْهُمَا [وَيَأْخُذُهُ عَنْهُمَا وَيَعْمَلُ بِهِ] [6] فَيَكْفُرُ بِهِ، وَمِنْ سَعِدَ يَتْرُكُهُ، فَيَبْقَى عَلَى الْإِيمَانِ، وَيَزْدَادُ الْمُعَلِّمَانِ بِالتَّعْلِيمِ عَذَابًا فَفِيهِ ابْتِلَاءٌ لِلْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِ، وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ فَلَهُ الْأَمْرُ وَالْحُكْمُ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: هارُوتَ وَمارُوتَ: هما اسْمَانِ سُرْيَانِيَّانِ وَهُمَا فِي مَحَلِّ الْخَفْضِ عَلَى تَفْسِيرِ الْمَلَكَيْنِ إِلَّا أنهما نصبا لعجمتهما
__________
(1) في نسخ المطبوع «ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» والمثبت عن المخطوط وكتب القراءات.
(2) هذا قول باطل ليس بشيء. والصواب كما قال المصنف: هو تخييل.
(3) العلج: الرجل من كفّار العجم- ومعنى الكافر: الزارع كما في «القاموس» .
(4) في المخطوط «دبناوند» .
(5) في المطبوع «الملئكة» .
(6) سقط من المطبوع وحده.(1/148)
وَمَعْرِفَتِهِمَا، وَكَانَتْ قِصَّتُهُمَا عَلَى مَا:
ع «72» ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ رَأَوْا مَا يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ الخبيثة في
__________
72- ع لا أصل له في المرفوع. وإنما هو من الإسرائيليات.
عزاه المصنف لابن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.
- وورد مرفوعا من وجوه متعددة منها حديث ابن عمر أخرجه الطبري 1691 وابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 86) والذهبي في «الميزان» (3567) من طريق سنيد بن داود عن فرج بن فضالة، عن معاوية بن صالح عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا، وهذا إسناد ساقط. قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح، والفرج بن فضالة قد ضعفه يحيى، وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد، ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، وأما سنيد، فقد ضعفه أبو داود، وقال النسائي:
ليس بثقة اهـ. وقد استغربه ابن كثير في «تفسيره» (1/ 143) جدا.
- وورد من وجه آخر أخرجه أحمد 2/ 134 والبزاز (2938) «كشف» وابن حبان 6186 والبيهقي 1/ 4- 5 كلهم من طريق يحيى بن أبي بكير عن زهير بن محمد عن موسى بن جبير، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعا بنحوه وأتم، وهذا إسناد ساقط، زهير بن محمد مختلف فيه، وقد ضعفه غير واحد، واتفقوا على أنه روى مناكير، والظاهر أن هذا منها، فقد خالفه موسى بن عقبة، وهو أوثق منه وأحفظ، فجعله عن ابن عمر عن كعب الأحبار. كذا أخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» (97) وعنه الطبري 1687 كلاهما عن الثوري، عن موسى بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، وهذا إسناد كالشمس، لا غبار عليه البتة.
وكرره الطبريّ 1688 عن عبد العزيز بن مختار، عن موسى به، وقد قدح في رفع الحديث البزار والبيهقي وغيرهما.
قال البزار عقب الحديث: رواه بعضهم عن نافع، عن ابن عمر موقوفا، وإنما أتى رفع هذا عندي من زهير لأن لم يكن بالحافظ.
وكذا ذكر البيهقي، وهو الذي اختاره ابن كثير في «تفسيره» (1/ 143) والعجب أن البيهقي أخرجه في «الشعب» (163) عن موسى بن جبير، عن موسى بن عقبة به مرفوعا، لكن فيه محمد بن يونس الكديمي، وهو متروك كذاب، والحمل عليه في هذا الحديث.
ثم كرره البيهقي 164 عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، وصوّبه.
- وورد حديث ابن عمر من وجه آخر. أخرجه ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 143) وإسناده ساقط فيه موسى بن سرجس، وهو مجهول، وفيه هشام بن علي بن هشام، وثقه ابن حبان وحده على قاعدته في توثيق المجاهيل، وسعيد بن سلمة، وإن روى له مسلم فقد ضعفه النسائي، وجهله ابن معين.
- ولحديث ابن عمر شاهد من حديث علي أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 185- 186) وقال: موضوع والمتهم به مغيث. قال الأزدي خبيث كذاب.
- وبهذا الإسناد أخرجه ابن مردويه كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 143) وكرره ابن مردويه من وجه آخر، وفيه جابر الجعفي، وهو متروك، وقد كذبه أبو حنيفة رحمه الله.
قال الحافظ ابن كثير: لا يصح، وهو منكر جدا.
- وقد جاء موقوفا ومقطوعا، فقد أخرجه الطبري 1684 عن ابن عباس، وفيه أبو شعبة العدوي، وهو مجهول، وكرره الطبري 1685 عن ابن مسعود وابن عباس، وفيه علي بن زيد ضعيف روى مناكير.
- وكرره برقم 1686 عن علي، وقد استغربه ابن كثير 1/ 143 جدا، وأعله ابن حزم في «الملل» بعمير بن سعيد واتهمه بهذا الحديث، وأنه كذب.
- وكرره الطبري 1687 عن ابن عمر، عن كعب الأحبار، بإسناد كالشمس وقد تقدم.
وكرره 1689 عن السدي قوله و1690 عن الربيع قوله و1692 عن مجاهد قوله، وهو الراجح.
فهو باطل مرفوعا، وإنما هو عن كعب الأحبار، وعنه أخذه مجاهد وغيره، ولا أصل له في المرفوع، ولهذا لم يروه البغوي مرفوعا، وقد قدح بصحته ابن العربي في «أحكام القرآن» حيث قال: إنما سقنا هذا الخبر لأن العلماء رووه ودونوه، وتحقيق القول أنه لم يصح سنده.
أورده القرطبي أيضا في «تفسيره» (2/ 52) حيث قال: هذا كله ضعيف، وبعيد عن ابن عمر وغيره لا يصح منه شيء اهـ. باختصار.
وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي بتخريجي رقم (31) و «تفسير الشوكاني» (200) بتخريجي، والله الموفق.
الخلاصة: هو حديث باطل لا أصل له، والظاهر أنه من أساطير الإسرائيليين وافتراءاتهم، ومصدره كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وغيرهما ممن يروي الإسرائيليات.(1/149)
زَمَنِ إِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَعَيَّرُوهُمْ وَقَالُوا: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلْتَهُمْ فِي الْأَرْضِ [خَلِيفَةً] [1] وَاخْتَرْتَهُمْ، فَهُمْ يَعْصُونَكَ [بأنواع المعاصي] [2] ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْ أَنْزَلْتُكُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَرَكَّبْتُ فِيكُمْ مَا ركبت فيهم لارتكبتم مثل ما ارتكبوا، فَقَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لنا أن نعصيك، قال اللَّهُ تَعَالَى: فَاخْتَارُوا مَلَكَيْنِ مِنْ خِيَارِكُمْ أُهْبِطُهُمَا إِلَى الْأَرْضِ، فَاخْتَارُوا هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَكَانَا مِنْ أَصْلَحِ الْمَلَائِكَةِ وَأَعْبَدِهِمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ: اخْتَارُوا ثَلَاثَةً فَاخْتَارُوا عَزَا [3] وَهُوَ هَارُوتُ وَعَزَايَا وهو ماروت، غيّرا اسْمُهُمَا لَمَّا قَارَفَا الذَّنْبَ [وَعَزَائِيلَ] [4] ، فَرَكَّبَ اللَّهُ فِيهِمُ الشَّهْوَةَ وَأَهْبَطَهُمْ إِلَى الْأَرْضِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَالْقَتْلِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ، فَأَمَّا عَزَائِيلُ فَإِنَّهُ لِمَا وَقَعَتِ الشَّهْوَةُ فِي قَلْبِهِ استقال [5] رَبَّهُ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَأَقَالَهُ، فَسَجَدَ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَزَلْ بَعْدُ مُطَأْطِئًا رَأْسَهُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَإِنَّهُمَا ثَبَتَا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَا يَقْضِيَانِ بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَهُمَا، فَإِذَا أَمْسَيَا ذَكَرَا اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ وَصَعِدَا إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ قَتَادَةُ: فَمَا مَرَّ عَلَيْهِمَا شَهْرٌ حَتَّى افْتَتَنَا، قالوا جميعا، وذلك أنه اختصم إِلَيْهِمَا ذَاتَ يَوْمٍ الزُّهْرَةُ وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ، قَالَ عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَكَانَتْ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، وَكَانَتْ مَلِكَةً فِي بَلَدِهَا، فَلَمَّا رَأَيَاهَا أَخَذَتْ بِقُلُوبَهُمَا، فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ وَانْصَرَفَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَفَعَلَا مِثْلَ ذَلِكَ فَأَبَتْ، وَقَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ تَعْبُدَا مَا أَعْبُدُ وَتُصَلِّيَا لِهَذَا الصَّنَمِ، وَتَقْتُلَا النَّفْسَ وَتَشْرَبَا الْخَمْرَ، فَقَالَا: لَا سَبِيلَ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَانَا عَنْهَا، فَانْصَرَفَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَمَعَهَا قَدَحٌ مِنْ خَمْرٍ وَفِي أَنْفُسِهِمَا مِنَ الْمَيْلِ إِلَيْهَا مَا فِيهَا، فَرَاوَدَاهَا عَنْ نَفْسِهَا فَعَرَضَتْ عَلَيْهِمَا مَا قَالَتْ بِالْأَمْسِ، فَقَالَا: الصَّلَاةُ لِغَيْرِ اللَّهِ عَظِيمٌ وَقَتْلُ النَّفْسِ عَظِيمٌ، وَأَهْوَنُ الثَّلَاثَةِ شُرْبُ الْخَمْرِ فَشَرِبَا الْخَمْرَ فَانْتَشَيَا وَوَقَعَا بِالْمَرْأَةِ، فَزَنَيَا فَلَمَّا فَرَغَا رَآهُمَا إِنْسَانٌ فَقَتْلَاهُ، قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: وَسَجَدَا لِلصَّنَمِ، فَمَسَخَ اللَّهُ الزُّهْرَةَ كَوْكَبًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
جَاءَتْهُمَا امْرَأَةٌ من أحسن الناس [وجها] [6] تخاصم زوجا لها، فَقَالَ أَحَدُهَمَا لِلْآخَرِ: هَلْ سَقَطَ فِي نَفْسِكَ مِثْلُ الَّذِي سَقَطَ فِي نَفْسِي [مِنْ حُبِّ هَذِهِ] [7] ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَهَلْ لَكَ أَنْ تَقْضِيَ لَهَا عَلَى زَوْجِهَا؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، فَسَأَلَاهَا نَفْسَهَا فَقَالَتْ: لا إلا أن تقضيا لي على زوجي، فقضيا لها ثُمَّ سَأَلَاهَا نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا إِلَّا أَنْ تَقْتُلَاهُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ؟ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: أَمَا تَعْلَمُ مَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، فَقَتَلَاهُ ثُمَّ سَأَلَاهَا [8] نَفْسَهَا، فَقَالَتْ: لَا إلّا إِنَّ لِي [9] صَنَمًا أَعْبُدُهُ [10] إِنْ أنتما صلّيتما معي له [11]
__________
(1) زيد في المطبوع. [.....]
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «عزرائيل» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «استقبل» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) زيادة عن المخطوط.
(8) في المطبوع «سألاهم» .
(9) في المطبوع «لنا» .
(10) في المطبوع «تعبده» .
(11) في المطبوع «عنده» .(1/150)
فَعَلْتُ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مِثْلَ القول الأول، وقال صاحبه مثله، فصليا [1] معها فمسخت شهابا. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهَا قَالَتْ لَهُمَا [حِينَ سَأَلَاهَا عن نَفْسَهَا] [2] : لَنْ تُدْرِكَانِي حَتَّى تُخْبِرَانِي بِالَّذِي تَصْعَدَانِ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ، فقالا باسم الله الأعظم [3] ، قالت: فما أنتما بمدركي حَتَّى تُعَلِّمَانِيهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: عَلِّمْهَا، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ [رَبَّ الْعَالَمِينَ] [4] ، قَالَ الْآخَرُ: فَأَيْنَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَعَلَّمَاهَا ذَلِكَ، فتكلّمت به وصعدت إِلَى السَّمَاءِ فَمَسَخَهَا اللَّهُ كَوْكَبًا، وذهب بعضهم إلى أنها هي الزُّهْرَةُ بِعَيْنِهَا، وَأَنْكَرَ الْآخَرُونَ هَذَا وَقَالُوا: إِنَّ الزُّهْرَةَ مِنَ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ السَّيَّارَةِ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا، فَقَالَ: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (16) [التَّكْوِيرِ: 15- 16] ، وَالَّتِي فَتَنَتْ هَارُوتَ وماروت [إنما هي] [5] امْرَأَةٌ كَانَتْ تُسَمَّى الزُّهْرَةَ لِجَمَالِهَا، فَلَمَّا بَغَتْ مَسْخَهَا اللَّهُ تَعَالَى شِهَابًا، قَالُوا: فَلَمَّا أَمْسَى هَارُوتُ وماروت بعد ما قَارَفَا الذَّنْبَ هَمَّا بِالصُّعُودِ إِلَى السَّمَاءِ فَلَمْ تُطَاوِعْهُمَا أَجْنِحَتُهُمَا، فَعَلِمَا مَا حَلَّ بِهِمَا [مِنَ الْغَضَبِ] [6] فَقَصَدَا إِدْرِيسَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَخْبَرَاهُ بِأَمْرِهِمَا وَسَأَلَاهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَا لَهُ: إِنَّا رَأَيْنَاكَ يَصْعَدُ لك من العبادة [7] مِثْلَ مَا يَصْعَدُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الأرض فاشفع [8] لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ إِدْرِيسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَخَيَّرَهُمَا اللَّهُ بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاخْتَارَا عَذَابَ الدُّنْيَا إِذْ عَلِمَا أَنَّهُ يَنْقَطِعُ فَهُمَا بِبَابِلَ يُعَذَّبَانِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ عَذَابِهِمَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: هُمَا مُعَلَّقَانِ بِشُعُورِهِمَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: رؤوسهما منصوبة تَحْتَ أَجْنِحَتِهِمَا، وَقَالَ قَتَادَةُ: كُبِّلَا مِنْ أَقْدَامِهِمَا إِلَى أُصُولِ أَفْخَاذِهِمَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: جُعِلَا فِي جُبٍّ ملئ نارا.
قال عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ: مَنْكُوسَانِ يُضْرَبَانِ بسياط الْحَدِيدِ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَصَدَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ فَوَجَدَهُمَا مُعَلَّقَيْنِ بِأَرْجُلِهِمَا مُزْرَقَّةً أَعْيُنُهُمَا مُسْوَدَّةً جُلُودُهُمَا، لَيْسَ بَيْنَ أَلْسِنَتِهِمَا وَبَيْنَ الْمَاءِ إِلَّا أَرْبَعُ أَصَابِعَ، وَهُمَا يُعَذَّبَانِ بِالْعَطَشِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ هَالَهُ مَكَانُهُمَا، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلَمَّا سُمِعَا كَلَامَهُ قَالَا لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ، قَالَا:
مِنْ أَيِّ أُمَّةٍ [أَنْتَ] ؟ قَالَ: مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، قالا: أو قد بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَا: الْحَمْدُ لله وأظهرا الاستبشار، فقال الرجل: وبم استبشاركما؟ قال: إِنَّهُ نَبِيُّ السَّاعَةِ وَقَدْ دَنَا انقضاء عذابنا. وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ، أَيْ: أحدا ومِنْ صلة حَتَّى: ينصحاه أولا، يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ: ابْتِلَاءٌ ومحنة، فَلا تَكْفُرْ، أي: فلا تَتَعَلَّمِ السِّحْرَ فَتَعْمَلَ بِهِ فَتَكْفُرَ، وَأَصْلُ الْفِتْنَةِ: الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: فَتَنْتُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، إِذَا أَذَبْتُهُمَا بِالنَّارِ لِيَتَمَيَّزَ الْجَيِّدُ مِنَ الرَّدِيءِ، وَإِنَّمَا وَحَّدَ الْفِتْنَةَ وَهُمَا اثْنَانِ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ مَصْدَرٌ، وَالْمَصَادِرُ لَا تُثَنَّى وَلَا تُجْمَعُ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا يَقُولَانِ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرُ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ عَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: فَإِنْ أَبَى إِلَّا التَّعَلُّمَ قَالَا لَهُ: ائْتِ هَذَا الرماد فبل عَلَيْهِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ نُورٌ سَاطِعٌ فِي [9] السَّمَاءِ، فَذَلِكَ نُورُ الْمَعْرِفَةِ، وَيَنْزِلُ شَيْءٌ أَسْوَدُ شِبْهُ الدُّخَانِ حَتَّى يَدْخُلَ مَسَامِعَهُ، وَذَلِكَ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا أَحَدٌ وَيَخْتَلِفُ [فِيمَا] [10] بَيْنَهُمَا شَيْطَانٌ في كل مسألة
__________
(1) في المطبوع وحده «فصلبا» .
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «الأكبر» .
(4) سقط من المطبوع. [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع «العبادات» .
(8) في المطبوع «فاستشفع» .
(9) في المخطوط «إلى» .
(10) زيد في نسخ المطبوع.(1/151)
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)
اخْتِلَافَةً وَاحِدَةً، فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وهو أَنْ يُؤْخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ صاحبه ويبغض كل واحد منهما [1] صَاحِبِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما هُمْ، قِيلَ: أَيِ السَّحَرَةُ، وَقِيلَ:
الشَّيَاطِينُ، بِضارِّينَ بِهِ، أَيْ: بِالسِّحْرِ مِنْ أَحَدٍ، أَيْ: أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ: بِعِلْمِهِ وَتَكْوِينِهِ، فَالسَّاحِرُ يَسْحَرُ وَاللَّهُ يُكَوِّنُ، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَعْنَاهُ إِلَّا بِقَضَائِهِ وقدره وَمَشِيئَتِهِ، وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ، يَعْنِي: السِّحْرَ يَضُرُّهُمْ، وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا، يَعْنِي: الْيَهُودَ، لَمَنِ اشْتَراهُ، أَيِ: اخْتَارَ السِّحْرَ، مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، أي: في الجنة، مِنْ خَلاقٍ مِنْ نَصِيبٍ، وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ: بَاعُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ، حَظَّ أنفسهم حيث اختاروا السحر وَالْكُفْرَ عَلَى الدِّينِ وَالْحَقِّ، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ بعد ما أَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَلِمُوا؟ قِيلَ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ عَلِمُوا، يَعْنِي: الشَّيَاطِينَ، وَقَوْلُهُ:
لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَقِيلَ: كِلَاهُمَا فِي الْيَهُودِ لَكِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوا بِمَا علموا، فكأنهم لم يعلموا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 103 الى 104]
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (104)
وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَاتَّقَوْا: الْيَهُودِيَّةَ وَالسِّحْرَ، لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ: لَكَانَ ثَوَابُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ خَيْرًا لَهُمْ، لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا راعِنا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَ الْمُرَاعَاةِ، أَيْ: أَرْعِنَا سَمْعَكَ، أَيْ: فَرِّغْ سمعك لكل منّا، يقال: أرعى إلى [2] الشيء وأرعاه، أَيْ: أَصْغَى إِلَيْهِ وَاسْتَمَعَهُ، وَكَانَتْ هذه اللفظة سبا قَبِيحًا بِلُغَةِ الْيَهُودِ، وَقِيلَ: كَانَ مَعْنَاهَا عِنْدَهُمُ: اسْمَعْ لَا سَمِعْتَ، وقيل: هي من الرعونة، كانوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُحَمِّقُوا إِنْسَانًا قالوا [له] : راعنا، يعني [3] : يَا أَحْمَقُ فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: كُنَّا نَسُبُّ مُحَمَّدًا سِرًّا فَأَعْلِنُوا بِهِ الْآنَ، فَكَانُوا يَأْتُونَهُ وَيَقُولُونَ: رَاعِنَا يَا مُحَمَّدُ وَيَضْحَكُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَسَمِعَهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَفَطِنَ لَهَا وَكَانَ يَعْرِفُ لُغَتَهُمْ، فَقَالَ لِلْيَهُودِ: لَئِنْ سمعتها من أحد منكم يقولها لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأضربنّ عنقه، فقالوا:
أو لستم تَقُولُونَهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تَقُولُوا راعِنا لكيلا يَجِدَ الْيَهُودُ بِذَلِكَ سَبِيلًا إِلَى شَتْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقُولُوا انْظُرْنا، أَيِ: انْظُرْ إِلَيْنَا، وَقِيلَ: انْتَظِرْنَا وَتَأَنَّ بِنَا، يُقَالُ نَظَرْتُ فُلَانًا وَانْتَظَرْتُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الْحَدِيدِ: 13] ، قَالَ مُجَاهِدٌ: معناها [4] فهمنا، وَاسْمَعُوا: مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَأَطِيعُوا، وَلِلْكافِرِينَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، عَذابٌ أَلِيمٌ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 105 الى 106]
مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إِذَا قَالُوا لِحُلَفَائِهِمْ
__________
(1) في المطبوع «إلى» .
(2) في المطبوع وحده «الله» .
(3) في المطبوع «بمعنى» .
(4) في المطبوع وحده «معناه» .(1/152)
مِنَ الْيَهُودِ: آمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: مَا هَذَا الَّذِي تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ بِخَيْرٍ مما نحن عليه، وَلَوَدِدْنَا لَوْ كَانَ خَيْرًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَكْذِيبًا لَهُمْ مَا يَوَدُّ، [أي] [1] : ما يحب [2] وما يتمنى الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، يَعْنِي الْيَهُودَ، وَلَا الْمُشْرِكِينَ، جَرَّهُ بِالنَّسَقِ عَلَى (مِنْ) أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَيْ: خَيْرٌ وَنُبُوَّةٌ، ومِنْ، صِلَةٌ، وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ: بِنُبُوَّتِهِ، مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَالْفَضْلُ ابْتِدَاءُ إِحْسَانٍ بِلَا عِلَّةٍ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالرَّحْمَةِ الْإِسْلَامُ وَالْهِدَايَةُ، وَقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِ إِسْحَاقَ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بِوُدِّ اليهود ومحبّتهم [3] ، وأمّا المشركون، فإنما لم يقع بِوُدِّهِمْ لِأَنَّهُ جَاءَ بِتَضْلِيلِهِمْ [4] وَعَيْبِ آلهتهم، [فنزلت الآية فيه] [5] .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِأَمْرٍ ثُمَّ يَنْهَاهُمْ عنه، ويأمر بخلاف ما يقوله، [فما يَقُولُهُ] [6] [إِلَّا] مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، يَقُولُ الْيَوْمَ قَوْلًا وَيَرْجِعُ عَنْهُ غَدًا، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ [النحل: 101] ، قالوا إنما أنت مفتر، فأنزل مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها، فبيّن وجه الحكمة في النَّسْخِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَالنَّسْخُ فِي اللُّغَةِ شَيْئَانِ، أَحَدُهُمَا: بِمَعْنَى التَّحْوِيلِ وَالنَّقْلِ، وَمِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ وَهُوَ أَنَّ يُحَوَّلَ مِنْ كِتَابٍ إِلَى كِتَابٍ، فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ كُلُّ الْقُرْآنِ مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ نُسِخَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَالثَّانِي: يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّفْعِ، يُقَالُ: نَسَخَتِ الشَّمْسُ الظِّلَّ، أَيْ: ذَهَبَتْ بِهِ وَأَبْطَلَتْهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَعْضُ الْقُرْآنِ نَاسِخًا وَبَعْضُهُ مَنْسُوخًا، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ، وَهَذَا عَلَى وُجُوهٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَثْبُتَ الْخَطُّ وَيُنْسَخَ الْحُكْمُ، مِثْلَ آيَةِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ، وَآيَةِ عِدَّةِ الْوَفَاةِ بِالْحَوْلِ، وَآيَةِ التَّخْفِيفِ فِي الْقِتَالِ، وَآيَةِ الْمُمْتَحِنَةِ، وَنَحْوِهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ: مَا نُثْبِتُ خَطَّهَا وَنُبَدِّلُ حُكْمَهَا وَمِنْهَا: أَنْ يرفع تِلَاوَتُهَا وَيَبْقَى حُكْمُهَا، مِثْلَ آيَةِ الرجم، ومنها أن يرفع أَصْلًا عَنِ الْمُصْحَفِ وَعَنِ الْقُلُوبِ، كما:
ع «73» رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، قاموا ليلة ليقرؤوا سُورَةً فَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْهَا إِلَّا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَغَدَوْا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تِلْكَ سورة رفعت بتلاوتها وَأَحْكَامُهَا» ، وَقِيلَ: كَانَتْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ مِثْلَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَرُفِعَ أَكْثَرُهَا تِلَاوَةً وَحُكْمًا، ثُمَّ مِنْ نَسْخِ الْحُكْمِ مَا يُرْفَعُ وَيُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، كَمَا أَنَّ الْقِبْلَةَ نُسِخَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْأَقَارِبِ نُسِخَتْ بِالْمِيرَاثِ، وَعِدَّةُ الوفاء نُسِخَتْ مِنَ الْحَوْلِ إِلَى أَرْبَعَةِ أشهر وعشر،
__________
73- ع ضعيف. أخرجه ابن الأنباري في «المصاحف» كما في «تفسير ابن كثير» (4/ 154- 155) ، عن أبيه، عن نصر بن داود، عن أبي عبيد الله، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن يونس وعقيل، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي أمامة ابن سهل بن حنيف.
وفي إسناده عبد الله بن صالح روى مناكير كثيرة بسبب جار له كان يدس في كتبه، وله علة ثانية: أبو أمامة هذا له رؤية، ولم يسمع مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كما في «التقريب» .
(1) زيد في المطبوع وحده.
(2) في المطبوع «ما يجب» وهو تصحيف ظاهر.
(3) زيد في المخطوط وط- هاهنا «فنزلت الآية» والصواب أنه في آخر القول. [.....]
(4) في المطبوع وحده بتفضيحهم.
(5) في المخطوط تقدم مكان العبارة.
(6) سقط من نسخ المطبوع.(1/153)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)
ومصابرة الواحد العشرة [1] فِي الْقِتَالِ، نُسِخَتْ بِمُصَابَرَةِ الِاثْنَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يُرْفَعُ وَلَا يُقَامُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ كَامْتِحَانِ النِّسَاءِ، وَالنَّسْخُ إنما يعرض [2] عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي دُونَ الْأَخْبَارِ، أما الْآيَةِ فَقَوْلُهُ: مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ النُّونِ والسين، مِنَ النَّسْخِ، أَيْ: نَرْفَعُهَا [3] ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ [4] بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ، مِنَ الْإِنْسَاخِ وَلَهُ وَجْهَانِ، أحدهما: نَجْعَلَهُ كَالْمَنْسُوخِ [5] ، وَالثَّانِي: أَنْ نَجْعَلَهُ نُسْخَةً لَهُ، يُقَالُ: نَسَخْتُ الْكِتَابَ، أَيْ: كَتَبْتُهُ، وَأَنْسَخْتُهُ غَيْرِي: إِذَا جَعَلْتُهُ نُسْخَةً لَهُ، أَوْ نُنْسِها، أي: ننسها عن [6] قَلْبِكَ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَتْرُكُهَا لَا نَنْسَخُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التَّوْبَةِ: 67] ، أَيْ: تَرَكُوهُ فَتَرَكَهُمْ، وَقِيلَ: نُنْسِها، أَيْ: نَأْمُرُ بِتَرْكِهَا، يُقَالُ: أَنْسَيْتُ الشَّيْءَ، إِذَا أَمَرْتُ بِتَرْكِهِ، فَيَكُونُ النَّسْخُ الْأَوَّلُ مِنْ رَفْعِ الْحُكْمِ وَإِقَامَةِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، والإنساء يكون نسخا مِنْ غَيْرِ إِقَامَةِ غَيْرِهِ مَقَامَهُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «أو ننسأها» بفتح النون الأولى [7] وَالسِّينِ مَهْمُوزًا، أَيْ: نُؤَخِّرُهَا فَلَا نُبَدِّلُهَا، يُقَالُ: نَسَأَ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ وَأَنْسَأَ اللَّهُ أَجَلَهُ. وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا نَرْفَعُ تِلَاوَتَهَا وَنُؤَخِّرُ حُكْمَهَا كَمَا فَعَلَ فِي آيَةِ الرَّجْمِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّسْخُ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى رَفْعِ التِّلَاوَةِ وَالْحُكْمِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ: أَمَّا مَا نُسِخَ مِنْ آيَةٍ فَهُوَ مَا قَدْ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، جَعَلَاهُ: مِنَ النَّسْخَةِ أَوْ نَنْسَأَهَا أَيْ نُؤَخِّرُهَا وَنَتْرُكُهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فلا تَنْزِلُ. نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها، أَيْ: بِمَا هُوَ أَنْفَعُ لَكُمْ وَأَسْهَلُ عَلَيْكُمْ وَأَكْثَرُ لِأَجْرِكُمْ، لَا أَنَّ آيَةً خَيْرٌ مِنْ آيَةٍ، لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَكُلُّهُ خَيْرٌ، أَوْ مِثْلِها: فِي الْمَنْفَعَةِ وَالثَّوَابِ، فَكُلُّ مَا نُسِخَ إِلَى الْأَيْسَرِ فَهُوَ أَسْهَلُ فِي الْعَمَلِ، وَمَا نُسِخَ إِلَى الْأَشَقِّ فَهُوَ فِي الثَّوَابِ أَكْثَرُ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: مِنَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، لَفْظُهُ اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ تَقْرِيرٌ، أَيْ: إِنَّكَ تَعْلَمُ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 107 الى 108]
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (108)
أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ: يَا مَعْشَرَ الْكُفَّارِ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، مِنْ دُونِ اللَّهِ: مِمَّا سِوَى اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ: قَرِيبٍ وَصَدِيقٍ، وَقِيلَ: [مِنْ] [8] وَالٍ، وَهُوَ الْقَيِّمُ بِالْأُمُورِ، وَلا نَصِيرٍ: نَاصِرٍ يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
قَوْلُهُ: أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ ائْتِنَا بِكِتَابٍ من السماء جملة [واحدة] [9] كَمَا أَتَى مُوسَى بِالتَّوْرَاةِ، فَقَالَ تَعَالَى: أَمْ تُرِيدُونَ، يَعْنِي: أَتُرِيدُونَ، فَالْمِيمُ صِلَةٌ، وَقِيلَ: بَلْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ، سَأَلَهُ قَوْمُهُ [فقالوا] [10] أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: 153] ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا، كَمَا أَنَّ مُوسَى سَأَلَهُ قَوْمُهُ فَقَالُوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً، فَفِيهِ مَنْعُهُمْ عَنِ السؤالات المقترحة بَعْدَ ظُهُورِ الدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ. وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ: يَسْتَبْدِلُ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ: أَخَطْأَ وَسَطَ الطَّرِيقِ، وَقِيلَ: قَصْدَ السبيل.
__________
(1) في المخطوط «للعشر» .
(2) في المطبوع «يعترض» .
(3) في المطبوع «ترفعا» .
(4) في المطبوع «عاصم» .
(5) في المطبوع «في المنسوخ» .
(6) في المخطوط «نثبتها على» .
(7) في نسخ المطبوع «الأول» .
(8) سقط من المطبوع وحده.
(9) زيادة عن المخطوط.
(10) زيادة عن المخطوط.(1/154)
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)
[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، الآية.
ع «74» نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ، قَالُوا لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ: لَوْ كُنْتُمْ عَلَى الْحَقِّ مَا هُزِمْتُمْ فَارْجِعَا إِلَى دِينِنَا فَنَحْنُ أَهْدَى سَبِيلًا مِنْكُمْ، فَقَالَ لَهُمْ عَمَّارٌ: كَيْفَ نَقْضُ الْعَهْدِ فِيكُمْ؟ قالوا:
شديدا، قَالَ: فَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ أَنْ لَا أَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عِشْتُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَبَأَ، وَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَمَّا أَنَا فَقَدَ رضيت بالله تعالى رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِالْقُرْآنِ إِمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إِخْوَانًا، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَصَبْتُمَا الْخَيْرَ وَأَفْلَحْتُمَا» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ، أَيْ: تَمَنَّى وَأَرَادَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً، نَصْبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: يَحْسُدُونَكُمْ حَسَدًا، مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، أَيْ: مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَأْمُرْهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِدْقٌ وَدِينُهُ حَقٌّ، فَاعْفُوا: فَاتْرُكُوا وَاصْفَحُوا، وَتَجَاوَزُوا، فَالْعَفْوُ: الْمَحْوُ، وَالصَّفْحُ: الْإِعْرَاضُ، وَكَانَ هَذَا قَبْلَ آيَةِ الْقِتَالِ، حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ، بِعَذَابِهِ الْقَتْلُ وَالسَّبْيُ لِبَنِي قُرَيْظَةَ وَالْجَلَاءُ وَالنَّفْيُ لِبَنِي النَّضِيرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ أَمْرُهُ بِقِتَالِهِمْ فِي قَوْلِهِ: قاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إِلَى قَوْلِهِ: وَهُمْ صاغِرُونَ [التَّوْبَةِ: 29] ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِعِلْمِهِ وَحُكْمِهِ فِيهِمْ، حَكَمَ لِبَعْضِهِمْ بِالْإِسْلَامِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَالْجِزْيَةِ، إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا: تُسْلِفُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ: طَاعَةٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [تجدوا ثوابه عِنْدَ اللَّهِ] [1] ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْخَيْرِ الْمَالَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [الْبَقَرَةِ: 180] ، وَأَرَادَ: مِنْ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ حَتَّى الثَّمَرَةَ وَاللُّقْمَةَ مِثْلَ أُحُدٍ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 113]
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً، أَيْ: يَهُودِيًّا، قَالَ الْفَرَّاءُ: حَذَفَ الْيَاءَ الزائدة ورجع إلى
__________
74- ع غريب جدا. قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (1/ 176) : لم أجده مسندا، وهو في «تفسير الثعلبي» كذلك بلا سند ولا راو. [.....]
(1) سقط من نسخ المطبوع.(1/155)
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)
الْفِعْلِ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: الْهُودُ: جَمْعٌ هَائِدٍ، مِثْلَ عَائِدٍ وَعُودٍ وَحَائِلٍ وَحُولٍ، أَوْ نَصارى، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَهُودِيًّا [1] وَلَا دِينَ إِلَّا [دِينُ] [2] الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا وَلَا دِينَ إِلَّا [دِينُ] [3] النَّصْرَانِيَّةِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي وَفْدِ نجران [و] كانوا نَصَارَى، اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْيَهُودِ، فَكَذَّبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ، أَيْ: شَهَوَاتُهُمُ الْبَاطِلَةُ الَّتِي تَمَنَّوْهَا عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، قُلْ: يَا مُحَمَّدُ هاتُوا، أَصْلُهُ: آتُوا، بُرْهانَكُمْ: حُجَّتَكُمْ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهِمْ:
بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ، أَيْ: لَيْسَ كَمَا قَالُوا بَلْ الْحُكْمُ لِلْإِسْلَامِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، [أَيْ: أَخْلَصَ دِينَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: أَخْلَصَ عِبَادَتَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: خَضَعَ وَتَوَاضَعَ لِلَّهِ] [4] ، وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِسْلَامُ وَالْخُضُوعُ، وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ إِذَا جَادَ بِوَجْهِهِ فِي السُّجُودِ لَمْ يَبْخَلْ بِسَائِرِ جَوَارِحِهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ: فِي عَمَلِهِ، وَقِيلَ: مُؤْمِنٌ، وَقِيلَ: مُخْلِصٌ، فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
قَوْلُهُ: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ، نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى أَهْلِ نَجْرَانَ، وَذَلِكَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ لِمَا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ فَتَنَاظَرُوا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَتْ لَهُمُ الْيَهُودُ: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ، وَقَالَتْ لَهُمُ النَّصَارَى: مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَكَفَرُوا بِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ، وَكِلَا الفريقين يقرؤون الكتاب، وقيل: مَعْنَاهُ لَيْسَ فِي كُتُبِهِمْ [5] هَذَا الِاخْتِلَافُ، فَدَلَّ تِلَاوَتُهُمُ الْكِتَابَ وَمُخَالَفَتُهُمْ مَا فِيهِ عَلَى كَوْنِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ، كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، يَعْنِي: آبَاءَهُمُ الَّذِينَ مَضَوْا، مِثْلَ قَوْلِهِمْ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي عَوَامُّ النَّصَارَى، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ، كَذَلِكَ قَالُوا فِي نَبِيِّهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَقَالَ عَطَاءٌ: أُمَمٌ كَانَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، مِثْلَ قَوْمِ نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: يَقْضِي بَيْنَ الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ [6] ، فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: مِنَ الدِّينِ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 114 الى 115]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)
قَوْلُهُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ، الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي طَيْطُوسَ بْنِ إِسْبِيسَبَانُوسَ الرُّومِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ غَزَوْا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَتَلُوا مُقَاتَلِتَهُمْ وَسَبَوْا ذَرَّارِيهِمْ وَحَرَّقُوا التَّوْرَاةَ وَخَرَّبُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَقَذَفُوا فِيهِ الْجِيَفَ وَذَبَحُوا فِيهِ الْخَنَازِيرَ، فَكَانَ خَرَابًا إِلَى أَنْ بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَيَّامِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ بُخْتُنَصَّرُ وَأَصْحَابُهُ غَزَوُا الْيَهُودَ وَخَرَّبُوا بيت المقدس،
__________
(1) في المطبوع وحده «هودا» .
2 زيادة في نسخ المطبوع.
3 زيادة في نسخ المطبوع.
(4) زيد في نسخ المطبوع.
(5) في المخطوط «كتابهم» .
(6) زيد في المخطوط «يوم القيامة» .(1/156)
وَأَعَانَهُمْ عَلَى ذَلِكَ النَّصَارَى طَيْطُوسُ [1] الرُّومِيُّ وَأَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الرُّومِ، قَالَ السُّدِّيُّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ قَتَلُوا يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا، وَقَالَ قتادة: حملهم بغض الْيَهُودِ عَلَى مُعَاوَنَةِ بُخْتُنَصَّرَ الْبَابِلِيِّ الْمَجُوسِيِّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ، أَيْ: أَكْفَرُ [وَأَعْتَى] [2] مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ، يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمُحَارِيبَهُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مَوْضِعُ حَجِّ النَّصَارَى وَمَحَلُّ زيارتهم، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَدْخُلْهَا، يَعْنِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ، بَعْدَ عِمَارَتِهَا رُومِيٌّ إِلَّا خائفا لو علم به قتل، وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: لَا يَدْخُلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَحَدٌ مِنَ النَّصَارَى إلا متنكرا [3] لَوْ قُدِرَ عَلَيْهِ لَعُوقِبَ، قَالَ السُّدِّيُّ: [4] : أُخِيفُوا بِالْجِزْيَةِ. وَقِيلَ: هَذَا خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيْ:
أَجْهَضُوهُمْ بِالْجِهَادِ حَتَّى لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا خَائِفًا مِنَ الْقَتْلِ أو السبي، أَيْ: مَا يَنْبَغِي، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ: عَذَابٌ وَهَوَانٌ، قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقَتْلُ لِلْحَرْبِيِّ وَالْجِزْيَةُ للذمي، قال مقاتل والكلبي:
يفتح [5] مدائنهم الثلاث [6] قُسْطَنْطِينِيَّةُ وَرُومِيَّةُ وَعَمُّورِيَةُ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ، وهو النَّارُ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَأَرَادَ بِالْمَسَاجِدِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ مِنْ حَجِّهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، [وَإِذَا منعوا من يعمره بذكره فَقَدْ سَعَوْا فِي خَرَابِهِ] [7] ، أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ، يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ، يَقُولُ أَفْتَحُهَا عَلَيْكُمْ حَتَّى تَدْخُلُوهَا وَتَكُونُوا أَوْلَى بِهَا مِنْهُمْ، فَفَتَحَهَا عليهم.
ع «75» وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي: «أَلَا لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ» ، فَهَذَا خَوْفُهُمْ، وَثَبَتَ فِي الشَّرْعِ أَنْ لَا يُمَكَّنَ مُشْرِكٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ الذُّلُّ وَالْهَوَانُ وَالْقَتْلُ وَالسَّبْيُ والنفي.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ع 7»
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَبْلَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَصَابَهُمُ الضَّبَابُ وَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَتَحَرَّوُا الْقِبْلَةَ وَصَلَّوْا، فَلَمَّا ذَهَبَ الضَّبَابُ اسْتَبَانَ لَهُمْ
__________
75- ع أخرجه البخاري 369 ومسلم 1347 وغيرهما في أثناء حديث ويأتي في مطلع سُورَةِ التَّوْبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
76- ع أخرجه ابن مردويه من حديث الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس بنحوه كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 164) .
وإسناده ساقط لأجل الكلبي وورد بنحوه أخرجه الترمذي 345 وابن ماجه 1020 والطيالسي 1145 والدارقطني (1/ 272) وأبو نعيم (1/ 179) والطبري (1843) و (1845) والبيهقي (2/ 11) من حديث عامر بن ربيعة وفيه أشعث بن سعيد، وبه أعلّه الترمذي، وتوبع عند الطيالسي، وإنما علته عاصم بن عبيد الله، وهو واه.
- وورد من حديث جابر أخرجه الدارقطني (1/ 72) والحاكم (1/ 206) والبيهقي (2/ 10 و12) وإسناده ضعيف لضعف أبي سهل.
- وورد من طرق ضعيفة تبلغ بالحديث درجة الحسن كما قال الحافظ ابن كثير (1/ 163) وانظر مزيد الكلام عليه في تفسير ابن كثير وتفسير الشوكاني 211 وكلاهما بتخريجي، والله الموفق.
(1) في المطبوع «ططوس» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «مستنكرا» .
(4) في المطبوع وحده «سيدى» وفي المخطوط «سدي» وكلاهما خطأ.
(5) في المطبوع «تفتح» . [.....]
(6) في المطبوع «الثلاثة» .
(7) ما بين المعقوفتين في المطبوع «وإذا مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم من أن يعمره يذكر الله فقد سعوا في خرابهم» .(1/157)
وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)
أَنَّهُمْ لَمْ يُصِيبُوا، [وَأَنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِي تَحَرِّيهِمْ] [1] ، فَلَمَّا قَدِمُوا سَأَلُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ فِي الْمُسَافِرِ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ.
«77» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ [أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ] [2] ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ.
وقال عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: [لِمَا] [3] صُرِفَتِ القبلة إلى الكعبة وعيّرت الْيَهُودُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَالُوا: لَيْسَتْ لَهُمْ قِبْلَةٌ [مَعْلُومَةٌ] [4] فَتَارَةً يَسْتَقْبِلُونَ هَكَذَا وَتَارَةً هَكَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ: لِمَا نَزَلَتْ: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِرٍ: 60] ، قَالُوا: أَيْنَ نَدْعُوهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ [البقرة: 115] ، مُلْكًا وَخَلْقًا فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ، يَعْنِي: أَيْنَمَا تُحَوِّلُوا وجوهكم فَثَمَّ، أي: هناك وجه اللَّهِ [5] ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَثَمَّ اللَّهُ يعلم ويرى وَجْهُ صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [الْقَصَصِ: 88] ، أَيْ: إِلَّا هُوَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ، وَالْوَجْهُ وَالْوُجْهَةُ وَالْجِهَةُ: الْقِبْلَةُ، وَقِيلَ: رِضَا اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ، أَيْ: غَنِيٌّ يُعْطِي مِنَ السِّعَةِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: [الْوَاسِعُ] [6] : الْجَوَادُ الَّذِي يَسَعُ عَطَاؤُهُ كُلَّ شَيْءٍ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَاسِعُ المغفرة، عَلِيمٌ بنيّاتهم حيث ما صلوا ودعوا.
[سورة البقرة (2) : آية 116]
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً، قرأ ابن عامر «قالوا» بلا واو، وقرأ الباقون [7] : وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً نَزَلَتْ فِي يَهُودِ الْمَدِينَةِ حَيْثُ قَالُوا عزيز ابْنُ اللَّهِ، وَفِي نَصَارَى نَجْرَانَ حَيْثُ قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَفِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ حَيْثُ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، سُبْحانَهُ، نَزَّهَ وعظّم نفسه.
ع «78» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا محمد بن إسماعيل
__________
77- إسناده صحيح على شرطهما، أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر.
خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 151) عن ابن دينار بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (1096) ومسلم (700) والنسائي (1/ 244 و2/ 61) والشافعي (1/ 66- 67) وأبو عوانة (2/ 343) وأحمد (2/ 46 و66) وابن حبان (2517) والبيهقي (2/ 4) من طرق عن ابن دينار به.
- وورد بنحوه من وجه آخر عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر.
أخرجه مسلم (700) ح (39) وأبو داود 1224 والنسائي (1/ 243 و244) و (2/ 61) وابن خزيمة (1090) وابن الجارود (270) وابن حبان (2421) والبيهقي (2/ 491) .
78- إسناده على شرط البخاري، شعيب هو ابن أبي حمزة، وأبو اليمان هو الحكم بن نافع.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (4482) عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري (3193 و4974) و (4975) والنسائي في «الكبرى» (766 و7667) وأحمد (2/ 393 و394 و350) وابن حبان (267) وابن أبي عاصم في «السنة» (693) و «البغوي» 41.
- وله شاهد آخر من حديث أنس عند ابن خزيمة في «التوحيد» (ص 383- 384) .
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المخطوط.
(3) سقط من المطبوع وحده.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المخطوط «رحمة» .
(6) زيد في نسخ المطبوع.
(7) في المطبوع «الآخرون» .(1/158)
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)
أَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنَا شُعَيْبٌ عَنْ [عَبْدِ اللَّهِ] [1] بْنِ أَبِي حسين [عَنْ] [2] نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا» ، قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: عَبِيدًا وَمُلْكًا [3] ، كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: مُطِيعُونَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُقَاتِلٌ: مُقِرُّونَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: قَائِمُونَ بِالشَّهَادَةِ، وَأَصْلُ القنوت القيام.
ع «79» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» .
وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ خَاصٌّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى عُزَيْرٍ وَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْخَلْقِ، لأن لفظ كل يقتضي الْإِحَاطَةَ بِالشَّيْءِ بِحَيْثُ لَا يَشِذُّ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ سَلَكُوا فِي الْكُفَّارِ طَرِيقَيْنِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَسْجُدُ ظِلَالُهُمْ لِلَّهِ عَلَى كُرْهٍ مِنْهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [الرَّعْدِ: 15] ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، دَلِيلُهُ: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه: 111] ، وَقِيلَ: قانِتُونَ: مُذَلَّلُونَ مُسَخَّرُونَ لِمَا خُلِقُوا لَهُ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 117 الى 119]
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ (119)
قوله عزّ وجلّ: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، أي: مبدعهما ومنشئهما [4] مِنْ غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ، وَإِذا قَضى أَمْراً، أَيْ: قَدَّرَهُ، وَقِيلَ: أحكمه وَأَتْقَنَهُ، وَأَصْلُ الْقَضَاءِ: الْفَرَاغُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَنْ مَاتَ: قُضِيَ عَلَيْهِ لِفَرَاغِهِ مِنَ الدُّنْيَا، وَمِنْهُ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدَرُهُ، لِأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ تقديرا أو تدبيرا، فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ «كُنْ فَيَكُونَ» بِنَصْبِ النُّونِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ إِلَّا فِي آلِ عِمْرَانَ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [آل عمران: 59. 60] ، وَفِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ [الأنعام: 73] ، وإنما نصبها لأن
__________
(1) زيادة عن كتب التراجم.
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» .
(3) في المخطوط «عبدا أو ملكا» . [.....]
(4) في المطبوع «مبدعها ومنشئها» .
79- ع صحيح. أخرجه مسلم 756 والترمذي 387 وابن ماجه 1421 والطيالسي 1777 وأحمد (3/ 302 و314) والحميدي 1276 وابن حبان 1758 والبغوي 659 والبيهقي 3/ 8 من طرق من حديث جابر.
- وله شاهد عند أبي داود 1325 و1449 والنسائي (5/ 58) وأحمد (3/ 411 و412) والدارمي (1/ 331) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حبشي.(1/159)
جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْفَاءِ يَكُونُ مَنْصُوبًا وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى: فَهُوَ يَكُونُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ والمعدوم لا يخاطب؟ قيل: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ مَعْنَاهُ: فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ، أَيْ: لِأَجْلِ تَكْوِينِهِ، فَعَلَى هَذَا ذَهَبَ مَعْنَى الْخِطَابِ، وَقِيلَ: هُوَ وَإِنْ كَانَ مَعْدُومًا ولكنه قُدِّرَ وُجُودُهُ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ كَانَ كَالْمَوْجُودِ، فَصَحَّ الْخِطَابُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْيَهُودُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ:
النَّصَارَى، وَقَالَ قَتَادَةُ: مُشْرِكُو العرب، لَوْلا: هَلَّا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ: عِيَانًا بِأَنَّكَ رَسُولُهُ، وَكُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ لَوْلا فَهُوَ بِمَعْنَى هَلَّا إِلَّا وَاحِدًا وهو قوله: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) [الصَّافَّاتِ: 143، مَعْنَاهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ، أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ: دَلَالَةٌ وَعَلَامَةٌ عَلَى صِدْقِكَ [فِي ادِّعَائِكَ النُّبُوَّةَ] [1] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، أَيْ: كُفَّارُ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، أَيْ: أَشْبَهَ بَعْضُهَا [2] بَعْضًا فِي الكفر والقسوة [والعماوة] [3] وَطَلَبِ الْمُحَالِ، قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ، أَيْ: بِالصِّدْقِ كَقَوْلِهِ: وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ [يُونُسَ:
53] ، أَيْ: صِدْقٌ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بِالْقُرْآنِ دَلِيلُهُ: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ [ق:
5] ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: بِالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ، دَلِيلُهُ: قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ [الْإِسْرَاءِ: 81] ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: مَعْنَاهُ لَمْ نُرْسِلْكَ عَبَثًا إِنَّمَا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ، كَمَا قَالَ: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الْحِجْرِ: 85] ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَشِيراً، أَيْ: مُبَشِّرًا لِأَوْلِيَائِي وَأَهْلِ طَاعَتِي بِالثَّوَابِ الْكَرِيمِ، وَنَذِيراً، أَيْ: مُنْذِرًا مُخَوِّفًا لِأَعْدَائِي وَأَهْلِ مَعْصِيَتِي بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، قَرَأَ نَافِعٌ وَيَعْقُوبُ: «وَلَا تُسْأَلْ» :
على النهي.
ع «80» وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «لَيْتَ شِعْرِي ما فعل بأبواي» ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَقِيلَ: هُوَ على معنى قولهم: لا تَسْأَلْ عَنْ [شَرِّ] [4] فُلَانٍ فَإِنَّهُ فَوْقَ مَا تَحْسَبُ، وَلَيْسَ عَلَى النهي، وقرأ الآخرون وَلا تُسْئَلُ بِالرَّفْعِ، عَلَى النَّفْيِ بِمَعْنَى: وَلَسْتَ بمسؤول عَنْهُمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرعد: 40] ، عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ، وَالْجَحِيمُ مُعْظَمُ النار.
__________
80- ع ضعيف ولم أر من نسبه لابن عباس غير المصنف. وهو بدون إسناده حيث ذكره تعليقا.
- وأخرجه عبد الرزاق في «تفسيره» 126 والطبري 1877 و1878 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعَّبٍ الْقُرَظِيِّ مرسلا. وهو مرسل ضعيف.
- وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 209) وزاد نسبته إلى وكيع وعبد بن حميد وابن المنذر.
وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي ضعيف كما في التقريب، وقال السيوطي في «دره» : هذا مرسل ضعيف الإسناد.
- وورد عن داود بن أبي عاصم مرسلا أخرجه الطبري 1879 وذكره السيوطي في «الدر» وقال: والآخر معضل الإسناد ضعيف لا يقوم به حجة، ولا بالذي قبله حجة اه.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع وحده «بعضهم» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيد في المطبوع.(1/160)
وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
[سورة البقرة (2) : الآيات 120 الى 121]
وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (121)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ [كَانُوا] [1] يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم الهدنة ويطمّعونه أَنَّهُ إِنْ أَمْهَلَهُمُ اتَّبَعُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، مَعْنَاهُ أنك وإن هَادَنْتَهُمْ فَلَا يَرْضَوْنَ [2] بِهَا، وَإِنَّمَا يَطْلُبُونَ ذَلِكَ تَعَلُّلًا وَلَا يَرْضَوْنَ مِنْكَ إِلَّا بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِمْ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَذَا فِي الْقِبْلَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَنَصَارَى نَجْرَانَ كَانُوا يَرْجُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَانَ يُصَلِّي إِلَى قِبْلَتِهِمْ، فَلَمَّا صَرَفَ اللَّهُ الْقِبْلَةَ إلى الكعبة أيسوا منه أَنْ يُوَافِقَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ، إِلَّا بِالْيَهُودِيَّةِ، وَلَا النَّصَارَى إِلَّا بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَالْمِلَّةُ الطَّرِيقَةُ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ، قِيلَ الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ كَقَوْلِهِ: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزُّمَرِ: 65] ، بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ: الْبَيَانِ بِأَنَّ دِينَ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ وَالْقِبْلَةَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهِيَ الْكَعْبَةُ، مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ في أهل السفينة قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ مِنَ الْحَبَشَةِ وَثَمَانِيَةٌ مِنْ رُهْبَانِ الشَّامِ مِنْهُمْ بَحِيرَا، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ ممّن آمَنَ مِنَ الْيَهُودِ عَبْدُ اللَّهِ بن سلام وشعبة بْنُ عَمْرٍو وَتَمَّامُ بْنُ يَهُودَا وَأَسَدٌ وَأُسَيْدٌ ابْنَا كَعْبٍ وَابْنُ يَامِينَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُورِيَا، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: هُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: هُمُ الْمُؤْمِنُونَ عَامَّةً، يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَصِفُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ حَقَّ صِفَتِهِ لِمَنْ سَأَلَهُمْ مِنَ النَّاسِ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: هِيَ عَائِدَةٌ إِلَى الْكِتَابِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: يقرؤونه كَمَا أُنْزِلَ وَلَا يُحَرِّفُونَهُ، وَيُحِلُّونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ وَيُؤْمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ وَيَكِلُونَ علم ما أشكل عليه إِلَى عَالَمِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، قَوْلُهُ: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 122 الى 124]
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (123) وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ: «إِبْرَاهَامَ» بالألف في بعض المواضع، [وهو ثلاثة وثلاثون موضعا، جملته تسعة وتسعون موضعا] [3] ، وَهُوَ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَلِذَلِكَ لَا يجري عليه الصرف، وهو إبراهيم بن تارخ [هو آزر] [4] بْنِ نَاخُورَ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالسُّوسِ مِنْ أَرْضِ الْأَهْوَازِ، وَقِيلَ:
بَابِلَ، وقيل: كوثي، وقيل: كسكر، وقيل: حران، ولكن أباه نقله إلى أرض بابل بأرض نُمْرُودَ بْنِ كَنْعَانَ، وَمَعْنَى الِابْتِلَاءِ: الِاخْتِبَارُ وَالِامْتِحَانُ وَالْأَمْرُ، وَابْتِلَاءُ اللَّهِ الْعِبَادَ لَيْسَ لِيَعْلَمَ أَحْوَالَهُمْ بِالِابْتِلَاءِ لأنه
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع وحده «يرجون» .
(3) زيد في المطبوع وحده.
(4) زيد في المطبوع وحده.(1/161)
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
عَالِمٌ بِهِمْ، وَلَكِنْ لِيَعْلَمَ الْعِبَادُ أَحْوَالَهُمْ حَتَّى يَعْرِفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلِمَاتِ الَّتِي ابْتَلَى الله بها إبراهيم، فقال عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هِيَ ثَلَاثُونَ سَمَّاهُنَّ، شرائع الإسلام لم يُبْتَلَ بِهَا أَحَدٌ فَأَقَامَهَا كُلَّهَا [إِلَّا [1]] إِبْرَاهِيمُ، فَكُتِبَ لَهُ الْبَرَاءَةُ، فقال: وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) [النَّجْمِ: 37] ، عَشْرٌ في براءة: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ [التوبة: 112] إِلَى آخِرِهَا، وَعَشْرٌ فِي الْأَحْزَابِ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ [الأحزاب: 35] إلى آخرها، وَعَشْرٌ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) [الْمُؤْمِنُونَ: 1] الْآيَاتِ، وَقَوْلُهُ: إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) [المعارج: 22] ، في سأل سائل، وَقَالَ طَاوُسٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ابْتَلَاهُ اللَّهُ تعالى بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَالْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ وَالسِّوَاكُ وَفَرْقُ الرَّأْسِ، وَخَمْسٌ في البدن: تقليم الأظفار وَنَتْفُ الْإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالْخِتَانُ والاستنجاء بالماء.
ع «81» وَفِي الْخَبَرِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلُ مَنْ قَصَّ الشَّارِبَ، وَأَوَّلُ مَنِ اخْتَتَنَ، وَأَوَّلُ مَنْ قَلَّمَ الْأَظَافِرَ، وَأَوَّلُ مَنْ رَأَى الشَّيْبَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: يَا ربّ ما هذا؟ قال: الْوَقَارِ، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا.
قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَهَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ وَقَتَادَةُ: مَنَاسِكُ الْحَجِّ، وَقَالَ الْحَسَنُ: ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ: بِالْكَوَاكِبِ وَالْقَمَرِ وَالشَّمْسِ فَأَحْسَنَ فِيهَا النَّظَرَ، وَعَلِمَ أَنَّ رَبَّهُ دَائِمٌ لَا يَزُولُ، وَبِالنَّارِ فَصَبَرَ عَلَيْهَا، وَبِالْهِجْرَةِ وَبِذَبْحِ ابْنِهِ وَبِالْخِتَانِ فَصَبَرَ عَلَيْهَا، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ إِذْ يَرْفَعَانِ الْبَيْتَ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا [الْبَقَرَةِ: 127] الآية، فرفعاه بسبحان اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وقال يَمَانُ بْنُ رَبَابٍ: هُنَّ مُحَاجَّةُ قَوْمِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَحاجَّهُ قَوْمُهُ [الأنعام: 80] إلى قوله: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ [الْأَنْعَامِ: 83] ، وَقِيلَ: هِيَ قَوْلُهُ: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) 78 [الشُّعَرَاءِ: 78] ، إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، فَأَتَمَّهُنَّ، قَالَ قَتَادَةُ أَدَّاهُنَّ وقال الضحاك: قام بهنّ، وقال يمان: عَمِلَ بِهِنَّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً:
يُقْتَدَى بِكَ، [فِي الْخَيْرِ] قالَ إِبْرَاهِيمُ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي. أَيْ: وَمِنْ أولادي أيضا فاجعل أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ [فِي الْخَيْرِ] [2] ، قالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَنالُ: لَا يُصِيبُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، أَيْ: مَنْ كَانَ مِنْهُمْ ظَالِمًا لَا يُصِيبُهُ، قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: عَهْدِي رَحْمَتِي، وَقَالَ السُّدِّيُّ: نُبُوَّتِي، وَقِيلَ: الْإِمَامَةُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: لَيْسَ لِظَالِمٍ أَنْ يُطَاعَ فِي ظُلْمِهِ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَنَالُ مَا عَهِدْتُ إِلَيْكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِمَامَةِ مَنْ كَانَ ظَالِمًا مِنْ وَلَدِكَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْعَهْدِ الْأَمَانَ مِنَ النَّارِ، وَبِالظَّالِمِ الْمُشْرِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ [الأنعام: 82] .
[سورة البقرة (2) : آية 125]
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ، مَثابَةً لِلنَّاسِ: مَرْجِعًا لَهُمْ، قَالَ مجاهد
__________
81- ع أخرجه مالك في «الموطأ» (2/ 922) والبيهقي في «الشعب» (8642 و8640) عن سعيد بن المسيب به قوله.
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع وحده. [.....](1/162)
وسعيد بن جبير: يثوبون [1] إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَيَحُجُّونَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعَاذًا وَمَلْجَأً، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: مَجْمَعًا، وَأَمْناً، أَيْ: مَأْمَنًا يَأْمَنُونَ فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمُشْرِكِينَ فإنهم كانوا لا يَتَعَرَّضُونَ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَيَقُولُونَ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ، وَيَتَعَرَّضُونَ لِمَنْ حَوْلَهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [الْعَنْكَبُوتِ: 67] .
«82» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طاوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حرّمه الله يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ وَلَا يَنَفَّرُ صَيْدُهُ وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهُ» ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لَقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إلا الإذخر» .
وَاتَّخِذُوا، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ عَلَى الْخَبَرِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْخَاءِ عَلَى الْأَمْرِ، مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، قَالَ يَمَانٍ: الْمَسْجِدُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ جَمِيعَ مُشَاهِدِ الْحَجِّ مِثْلَ عرفة والمزدلفة وَسَائِرِ الْمَشَاهِدِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ يُصَلِّي إِلَيْهِ الْأَئِمَّةُ، وَذَلِكَ الْحَجَرُ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ عِنْدَ بِنَاءِ الْبَيْتِ، وَقِيلَ: كَانَ أَثَرُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ بَيِّنًا فِيهِ فَانْدَرَسَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَسْحِ بِالْأَيْدِي، قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالسُّدِّيُّ: أُمِرُوا بِالصَّلَاةِ عِنْدَ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِمَسْحِهِ وَتَقْبِيلِهِ.
«83» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عن [2] حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قَالَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلَاثٍ، أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: قلت يا
__________
82- إسناده على شرط البخاري، حيث تفرد عن علي بن عبد الله، وهو المديني. جرير هو ابن عبد الحميد، ومنصور هو ابن المعتمر، ومجاهد هو ابن جبر، وطاوس هو ابن كيسان، يقال: اسمه ذكوان.
وهو في «شرح السنة» 1996 بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 1587 عن علي بن عبد لله بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 1834 و2783 و3825 و3189 ومسلم 1353 وأبو داود 2018 و2480 والترمذي 1590 والنسائي (5/ 203- 204) و (7/ 146) وأحمد (1/ 315 و359) وابن الجارود 509 والطبراني في «الكبير» (10943 و10944) وابن حبان 3720 والبيهقي (5/ 195 و9/ 16) من طرق من حديث ابن عباس، بعضهم رواه مطولا، وبعضهم مختصرا.
83- إسناده على شرط البخاري، تفرد البخاري بالرواية عن مسدد وهو ابن مسرهد، يحيى هو ابن سعيد القطان، وحميد هو ابن أبي حميد الطويل.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 4483 عن مسدد بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 402 والطحاوي في «المشكل» (4/ 825) وأحمد (1/ 24 و36) وابن حبان 6896 والبغوي 3887 من حديث أنس.
وورد مختصرا من حديث أنس أيضا عند البخاري 4790 و4916 والترمذي 2959 و2960 وابن ماجه 1009 والدرامي (2/ 44) .
(1) وقع في الأصل «بن» والمثبت هو الصواب.
(2) في المخطوط وط- «يأتون» والمثبت عن المطبوع والطبري (1971 و1976) .(1/163)
رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى، وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آيَةَ الْحِجَابِ، قَالَ: وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ نِسَائِهِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ فَقُلْتُ لَهُنَّ: إِنِ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبْدِلَنَّهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْكُنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ [التحريم: 5] الآية.
ع «84» وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَيْضًا عن عمرو بن عون أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى.
وأما بدء قصة المقام:
ع «85» فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لِمَا أَتَى إِبْرَاهِيمُ بإسماعيل وهاجر وضعهما بِمَكَّةَ، وَأَتَتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةٌ وَنَزَلَهَا الْجُرْهُمِيُّونَ وَتَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ مِنْهُمُ امرأة و [قد] [1] ماتت هَاجَرُ، وَاسْتَأْذَنَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ أَنْ يَأْتِيَ هَاجَرَ فَأَذِنَتْ لَهُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ، فَقَدِمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَقَدْ مَاتَتْ هَاجَرُ فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ لِلصَّيْدِ [2] ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ فَيَصِيدُ، فَقَالَ لَهَا إِبْرَاهِيمُ: هَلْ عِنْدَكِ ضِيَافَةٌ؟ قالت: ليس عندي شيء [3] وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ، فَقَالَتْ: نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فأقرئيه [مني] [4] السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ فَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ فَوَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هل جاءك أحد؟ فقالت:
جَاءَنِي شَيْخٌ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، كَالْمُسْتَخِفَّةِ بِشَأْنِهِ، قَالَ: فَمَا قَالَ لَكِ؟ قَالَتْ: قَالَ أَقْرِئِي زَوْجَكِ [مني] [5] السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ فَلْيُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، قَالَ: ذَلِكَ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بِأَهْلِكِ فطلّقها، وتزوّج منهم بأخرى فَلَبِثَ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ سَارَةَ أَنْ يَزُورَ إِسْمَاعِيلَ، فَأَذِنَتْ لَهُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ، فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى بَابِ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَيْنَ صَاحِبُكِ؟ قَالَتْ: ذَهَبَ يَتَصَيَّدُ وَهُوَ يَجِيءُ الْآنَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَانْزِلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ ضِيَافَةٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَجَاءَتْ بِاللَّبَنِ وَاللَّحْمِ، وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ فَدَعَا لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ، وَلَوْ جَاءَتْ يَوْمَئِذٍ بِخُبْزِ بُرٍّ أَوْ شعير أو تمر لَكَانَتْ أَكْثَرَ أَرْضِ اللَّهِ بُرًّا أَوْ شَعِيرًا أَوْ تَمْرًا، فَقَالَتْ لَهُ: انْزِلْ حَتَّى أَغْسِلَ رَأْسَكَ فَلَمْ يَنْزِلْ، فَجَاءَتْهُ بِالْمَقَامِ فَوَضَعَتْهُ عَنْ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَوَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهِ فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ ثم حولته إِلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ فَغَسَلَتْ شَقَّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ، فَبَقِيَ أَثَرُ قَدَمَيْهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: إِذَا جَاءَ زوجك فأقرئيه [مني] [6] السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ: قَدِ اسْتَقَامَتْ عَتَبَةُ بَابِكَ، فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ وَجَدَ رِيحَ أَبِيهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: هَلْ جَاءَكِ أَحَدٌ؟ قَالَتْ: نَعَمْ شيخ [كبير] [7] أَحْسَنُ النَّاسِ وَجْهًا وَأَطْيَبُهُمْ رِيحًا، وَقَالَ لِي كَذَا وَكَذَا، وَقُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَغَسَلْتُ رَأْسَهُ وَهَذَا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ [النَّبِيُّ أَبِي] [8] ، وَأَنْتَ الْعَتَبَةُ أمرني أن أمسكك.
__________
84- ع هو عند البخاري 402 بهذا الإسناد وأتم منه في اللفظ.
85- ع ذكره المصنف موقوفا على ابن عباس، وأخرج البخاري في «صحيحه» 3364 و3365 عن ابن عباس نحوه مطولا فجعل بعضه موقوفا، وبعضه الآخر مرفوعا، راجع صحيح البخاري.
1 سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «يتصيد» .
(3) في المطبوع «ضيافة» .
4 سقط من المطبوع.
5 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
6 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(7) زيد في نسخ المطبوع.
8 سقط من المطبوع. [.....](1/164)
ع «86» وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أيضا عن ابن عباس قال: ثم لبثت عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نبلا تحت دوحة قريبة مِنْ زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي بِأَمْرٍ تُعِينُنِي عَلَيْهِ، قَالَ: أعينك عليه، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنَا بَيْتًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ رفع الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني، فلما ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ، وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولَانِ: رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 127] .
ع «87» وَفِي الْخَبَرِ: «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتَتَانِ من يواقيت الجنة، ولولا مَسَّتْهُ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ لَأَضَاءَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ، أَيْ: أَمَرْنَاهُمَا وَأَوْحَيْنَا [1] إِلَيْهِمَا، قِيلَ: سُمِّيَ إِسْمَاعِيلُ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ يدعو الله أن يرزقه ولد، وَيَقُولَ: اسْمَعْ يَا إِيلُ، وَإِيلُ هو الله، فلما رزق الولد سمّاه بِهِ. أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ، يَعْنِي: الْكَعْبَةَ، أَضَافَهُ إِلَيْهِ تَخْصِيصًا وَتَفْضِيلًا، أَيِ: ابْنِيَاهُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالتَّوْحِيدِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: طَهِّرَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالرِّيَبِ وَقَوْلِ الزور، وقيل: بخّراه وخلّقاه، قاله يمان بن رباب. قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَحَفْصٌ بَيْتِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ الحج [26] ، وزاد
__________
86- ع هو عند البخاري 3364 و3365 وهو بعض المتقدم.
87- ع الراجح وقفه. أخرجه البيهقي (5/ 75) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وفيه « ... ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم» بدل «ولو لامسته أيدي المشركين» من طريق أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس عن الزهري عن مسافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا، ورجاله ثقات، وهو أمثل إسناد في هذا الباب.
- وأخرجه الترمذي 878 وأحمد (2/ 213- 214) وابن خزيمة 2732 وابن حبان 3710 والحاكم من طريق رجاء بن صبيح عن مسافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا.
وفيه: «ولولا أن طمس الله على نورهما» بدل «ولو لامسته أيدي المشركين» .
وفي إسناده رجاء بن صبيح، وقد ضعفه ابن معين وغيره، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في الثقات.
- وأخرجه ابن خزيمة 2731 والحاكم (1/ 456) والبيهقي (5/ 75) عن أيوب بن سويد عن يونس عن الزهري عن مسافع عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو به.
قال الحاكم: هذا حديث تفرد به أيوب بن سويد عن يونس وأيوب ممن لم يحتجا به، إلا أنه من أجلة مشايخ الشام.
وتعقبه الذهبي بقوله: ضعفه أحمد اهـ. وقال في «الميزان» (1/ 287) : ضعفه أحمد وغيره، وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: يتكلمون فيه. وله طريق آخر أخرجه البيهقي (5/ 75) من طريق مسدد عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ عبد الله بن عمرو مرفوعا، ورجاله رجال البخاري لكن فيه عنعنة ابن جريج.
- وفي الباب من حديث أنس عند الحاكم 1678 وفي إسناده داود بن الزبرقان. قال الذهبي في «التلخيص» : داود، قال أبو داود: متروك اهـ.
- ومن حديث ابن عباس عند الترمذي 877 وابن خزيمة 2733 وإسناده ضعيف، فيه عطاء بن السائب، اختلط بأخرة.
وتابعه سعيد بن جبير عند ابن خزيمة 2734 لكن في الطريق أبو الجنيد الحسين بن خالد، وهو ضعيف.
الخلاصة: كل طرقه وشواهده لا تخلو من ضعف، وأمثلها الطريق الأولى عند البيهقي، ولكن الحديث بمجموع هذه الشواهد والطرق يرقى إلى درجة الحسن. وقد صححه الشيخ شعيب في «الإحسان» (9/ 24) لطرقه وكذا صححه الألباني في «صحيح الترمذي» (695 و696) ، ومع ذلك رفعه غريب والأشبه الوقف، وقد أخرجه عبد الرزاق 8921 عن ابن عمرو موقوفا وأخرجه 8915 عن ابن عمرو وكعب الأحبار موقوفا، وهو الراجح. والله أعلم.
(1) في المطبوع «وأوصينا» .(1/165)
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)
حَفْصٌ فِي سُورَةِ نُوحٍ [28] ، لِلطَّائِفِينَ: الدَّائِرِينَ حَوْلَهُ، وَالْعاكِفِينَ: الْمُقِيمِينَ الْمُجَاوِرِينَ، وَالرُّكَّعِ، جَمْعُ رَاكِعٍ، السُّجُودِ: جَمْعُ [1] سَاجِدٍ، وَهُمُ الْمُصَلُّونَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ ومقاتل: (الطائفين) :
هم الغرباء ووَ الْعاكِفِينَ أَهْلُ مَكَّةَ، قَالَ عَطَاءٌ ومجاهد عكرمة: الطَّوَافُ لِلْغُرَبَاءِ أَفْضَلُ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مكة أفضل.
[سورة البقرة (2) : آية 126]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا، يَعْنِي: مَكَّةَ، وَقِيلَ: الْحَرَمَ، بَلَداً آمِناً، أَيْ: ذَا أَمْنٍ يَأْمَنُ فِيهِ أَهْلُهُ، وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ، إِنَّمَا دَعَا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ، وَفِي الْقَصَصِ: أَنَّ الطَّائِفَ كانت من بلاد الشَّامِ بِأُرْدُنَّ، فَلَمَّا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الدُّعَاءَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى قَلَعَهَا مِنْ أَصْلِهَا وَأَدَارَهَا حَوْلَ الْبَيْتِ سَبْعًا ثُمَّ وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا الَّذِي هِيَ الْآنَ فِيهِ فَمِنْهَا أَكْثَرُ ثَمَرَاتِ مَكَّةَ، مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ: دَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، قالَ اللَّهُ تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ فَأُمَتِّعُهُ خَفِيفًا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ، وَالْبَاقُونَ مُشَدَّدًا، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، قَلِيلًا، أَيْ: سَأَرْزُقُ الْكَافِرَ أَيْضًا قَلِيلًا إِلَى مُنْتَهَى أَجَلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الرِّزْقَ لِلْخَلْقِ كَافَّةً مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِالْقِلَّةِ لِأَنَّ مَتَاعَ الدُّنْيَا قَلِيلٌ، ثُمَّ أَضْطَرُّهُ، أَيْ: أُلْجِئُهُ فِي الْآخِرَةِ: إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، أَيِ: الْمَرْجِعُ يَصِيرُ إِلَيْهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وُجِدَ عِنْدَ الْمَقَامِ كِتَابٌ فِيهِ: أَنَا اللَّهُ ذُو بَكَّةَ صَنَعْتُهَا يَوْمَ خَلَقْتُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَحَرَّمْتُهَا يَوْمَ خلقت السموات وَالْأَرْضَ، وَحَفَفْتُهَا بِسَبْعَةِ أَمْلَاكٍ [2] حُنَفَاءَ، يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنْ ثَلَاثَةِ سُبُلٍ، مُبَارَكٌ لَهَا فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ.
[سورة البقرة (2) : آية 127]
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ، قَالَ الرُّوَاةُ [3] : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ مَوْضِعَ الْبَيْتِ قَبْلَ الْأَرْضِ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَكَانَتْ زُبْدَةً بَيْضَاءَ عَلَى الْمَاءِ فَدُحِيَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهَا، فلما أهبط الله آدم إِلَى الْأَرْضِ اسْتَوْحَشَ، فَشَكَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ مِنْ يَاقُوتَةٍ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ لَهُ بَابَانِ مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ بَابٌ شَرْقِيٌّ وَبَابٌ غَرْبِيٌّ، فَوَضَعَهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَقَالَ: يَا آدَمُ إِنِّي أَهْبَطْتُ لَكَ بَيْتًا تَطُوفُ بِهِ كَمَا يُطَافُ حول عرشي وتصلّي عِنْدَهُ كَمَا يُصَلَّى عِنْدَ عَرْشِي، وَأَنْزَلَ الْحَجَرَ وَكَانَ أَبْيَضَ فَاسْوَدَّ مِنْ لَمْسِ الْحُيَّضِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَتَوَجَّهَ آدَمُ مِنْ أَرْضِ الْهِنْدِ إِلَى مَكَّةَ مَاشِيًا، وَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا يَدُلُّهُ عَلَى الْبَيْتِ، فَحَجَّ الْبَيْتَ وَأَقَامَ الْمَنَاسِكَ، فَلَمَّا فَرَغَ تَلَقَّتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَقَالُوا [4] : بَرَّ حَجُّكَ يَا آدَمُ، لَقَدْ حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه [5] : حَجَّ آدَمُ أَرْبَعِينَ حَجَّةً مِنَ الهند إلى
__________
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «أفلاك» .
3 لا يصح من هذه الأقوال شيء عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مصدرها كتب الأقدمين لا حجة فيها، وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/ 163- 165) ما ملخصه: لم يرد في خبر صحيح عن المعصوم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ البيت كان مبنيا قبل إبراهيم الخليل عليه السلام اهـ. قلت: بل هو معارض بحديث أبي ذر في «الصحيحين، بأنه أول مسجد وضع، ثم المسجد الأقصى» ، وأن ما بينهما أربعين عاما، وسيأتي.
(4) في المخطوط «وقالت» .
5 لا يصح من هذه الأقوال شيء عن الصادق المصدوق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا مصدرها كتب الأقدمين لا حجة فيها، وقال الحافظ ابن كثير في «البداية والنهاية» (1/ 163- 165) ما ملخصه: لم يرد في خبر صحيح عن المعصوم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ البيت كان مبنيا قبل إبراهيم الخليل عليه السلام اهـ. قلت: بل هو معارض بحديث أبي ذر في «الصحيحين، بأنه أول مسجد وضع، ثم المسجد الأقصى» ، وأن ما بينهما أربعين عاما، وسيأتي.(1/166)
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
مَكَّةَ عَلَى رِجْلَيْهِ، فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَيَّامِ الطُّوفَانِ فَرَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ ملك ثم لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وَبَعَثَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى خَبَّأَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فِي جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ صِيَانَةً لَهُ مِنَ الْغَرَقِ، فَكَانَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ خَالِيًا إِلَى زَمَنِ إِبْرَاهِيمَ، ثُمَّ إِنَّ الله تعالى أمر إبراهيم بعد ما وُلِدَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ بِبِنَاءِ بَيْتٍ يُذْكَرُ فِيهِ، فَسَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَوْضِعَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ السِّكِّينَةَ لِتَدُلَّهُ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، وَهِيَ رِيحٌ خَجُوجٌ [1] لَهَا رَأْسَانِ شِبْهَ الْحَيَّةِ، فَأُمِرَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَبْنِيَ حَيْثُ تَسْتَقِرُّ السِّكِّينَةُ، فَتَبِعَهَا إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أتيا مكة، فتطوّقت السكينة على موضع البيت، كتطوّق الجحفة. هَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ، وَقَالَ ابن عباس [2] : بعث الله سَحَابَةً عَلَى قَدْرِ الْكَعْبَةِ فَجَعَلَتْ تَسِيرُ وَإِبْرَاهِيمُ يَمْشِي فِي ظِلِّهَا إِلَى أَنْ وَافَقَ مَكَّةَ، وَوَقَفَتْ عَلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ، فَنُودِيَ مِنْهَا [يا] [3] إبراهيم أن ابن على [قدر] [4] ظِلِّهَا لَا تَزِدْ وَلَا تَنْقُصْ، وَقِيلَ: أَرْسَلَ اللَّهُ جِبْرِيلَ لِيَدُلَّهُ على موضع البيت، فذلك قوله تَعَالَى: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ [الحج: 26] ، فَبَنَى إِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ الْبَيْتَ، فَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِيهِ وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحَجَرَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ، يَعْنِي أُسُسَهُ، وَاحِدَتُهَا:
قَاعِدَةٌ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: جُدُرُ الْبَيْتِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا بُنِيَ الْبَيْتُ مِنْ خمسة أجبل طور سينا وَطُورِ زَيْتَا وَلُبْنَانَ وَهُوَ جَبَلٌ بِالشَّامِ وَالْجُودِيِّ وَهُوَ جَبَلٌ بِالْجَزِيرَةِ، وَبَنَيَا قَوَاعِدَهُ مِنْ حِرَاءَ وَهُوَ جَبَلٌ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَى إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَوْضِعِ الْحَجَرِ، الْأَسْوَدِ، قَالَ لِإِسْمَاعِيلَ: ائْتِنِي بِحَجَرٍ حَسَنٍ يَكُونُ لِلنَّاسِ عَلَمًا فَأَتَاهُ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: ائْتِنِي بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا، فَمَضَى إِسْمَاعِيلُ يَطْلُبُهُ فَصَاحَ أَبُو قُبَيْسٍ: يَا إِبْرَاهِيمُ إِنَّ لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةً فَخُذْهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فوضعه مكانه [الآن] [5] ، وَقِيلَ [6] : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَنَى فِي السَّمَاءِ بَيْتًا وَهُوَ الْبَيْتُ المعمور، ويسمّى ضراح، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَبْنُوا الْكَعْبَةَ فِي الْأَرْضِ بِحِيَالِهِ عَلَى قَدْرِهِ وَمِثَالِهِ، وَقِيلَ [7] : أَوَّلُ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ آدَمُ، وَانْدَرَسَ زَمَنَ الطُّوفَانِ، ثُمَّ أَظْهَرَهُ اللَّهُ لِإِبْرَاهِيمَ حَتَّى بناه، رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: وَيَقُولَانِ: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا بِنَاءَنَا، إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ، لِدُعَائِنَا الْعَلِيمُ: بنياتنا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 128 الى 129]
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)
رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ: مُوَحِّدَيْنِ مُطِيعَيْنِ مُخْلِصَيْنِ خَاضِعَيْنِ لَكَ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا، أَيْ: أَوْلَادِنَا أُمَّةً: جَمَاعَةً، وَالْأُمَّةُ: أَتْبَاعُ الْأَنْبِيَاءِ، مُسْلِمَةً لَكَ: خَاضِعَةً لَكَ، وَأَرِنا عَلِّمْنَا وَعَرِّفْنَا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ سَاكِنَةَ الرَّاءِ، وَأَبُو عَمْرٍو بِالِاخْتِلَاسِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الْإِسْكَانِ فِي حم السَّجْدَةِ، وَأَصْلُهُ: أَرْئِنَا، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ طَلَبًا للخفة، ونقلت حركته إِلَى الرَّاءِ، وَمَنْ سَكَّنَهَا قَالَ:
ذَهَبَتِ الْهَمْزَةُ فَذَهَبَتْ حَرَكَتُهَا، مَناسِكَنا: شَرَائِعَ دِينِنَا وَأَعْلَامَ حَجِّنَا، وَقِيلَ: مَوَاضِعَ حَجِّنَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَذَابِحَنَا، وَالنُّسُكُ: الذَّبِيحَةُ، وَقِيلَ: مُتَعَبَّدَاتِنَا، وَأَصْلُ النُّسُكِ: الْعِبَادَةُ، وَالنَّاسِكُ: الْعَابِدُ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى دُعَاءَهُمَا فَبَعَثَ جِبْرِيلَ فَأَرَاهُمَا الْمَنَاسِكَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، فَلَمَّا بَلَغَ عَرَفَاتٍ قَالَ: عَرَفْتَ يَا إِبْرَاهِيمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَسَمَّى الْوَقْتَ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعَ عَرَفَاتٍ. وَتُبْ عَلَيْنا، تَجَاوَزْ عَنَّا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
__________
(1) في المطبوع وحده «خجول» .
2 انظر الهامش السابق.
3 زيادة عن المخطوط.
4 زيادة عن المخطوط.
5 زيادة عن المخطوط.
6 انظر الهامش السابق. [.....]
7 انظر الهامش السابق.(1/167)
رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ، أَيْ: فِي الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ مِنْ ذرية إبراهيم وإسماعيل، وقيل: في أَهْلِ مَكَّةَ، رَسُولًا مِنْهُمْ، أَيْ: مُرْسَلًا مِنْهُمْ، أَرَادَ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
«88» حَدَّثَنَا السَّيِّدُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الْمُوسَوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ الْبَلْخِيُّ، أَنَا الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ حَمَدُ [1] بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَطَّابِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَكِّيِّ أَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ أَنَا عمي أنا معاوية بن [2] صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ [3] هِلَالٍ السُّلَمِيِّ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ:
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي: أَنَا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ» .
وَأَرَادَ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا فَإِنَّهُ دَعَا أَنْ يَبْعَثَ فِي بَنِي إِسْمَاعِيلَ رَسُولًا مِنْهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا عَشَرَةً: نُوحٌ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَلُوطٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَإِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَمُحَمَّدٌ صلوات الله عليهم أجمعين. يَتْلُوا: يَقْرَأُ عَلَيْهِمْ آياتِكَ، كِتَابَكَ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالْآيَةُ مِنَ الْقُرْآنِ كَلَامٌ مُتَّصِلٌ إِلَى انْقِطَاعِهِ، وَقِيلَ هِيَ جَمَاعَةُ حُرُوفٍ، يُقَالُ خَرَجَ الْقَوْمُ بِآيَتِهِمْ، أَيْ:
بِجَمَاعَتِهِمْ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالْحِكْمَةَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فَهْمَ الْقُرْآنِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ:
مَوَاعِظَ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ. [و] [4] قَالَ [ابْنُ] [5] قُتَيْبَةَ: هِيَ الْعِلْمُ والعمل [به] ، وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ حَكِيمًا حَتَّى يَجْمَعَهُمَا، وَقِيلَ: هِيَ السُّنَّةُ [6] ، وَقِيلَ: هي [الأحكام و] [7] القضاء، وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ الْفِقْهُ، قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ: كُلُّ كَلِمَةٍ وَعَظَتْكَ أَوْ دَعَتْكَ إِلَى مَكْرُمَةٍ أَوْ نَهَتْكَ عَنْ قَبِيحٍ فَهِيَ حِكْمَةٌ، وَيُزَكِّيهِمْ، أَيْ: يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالذُّنُوبِ، وَقِيلَ: يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ [8] أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ:
__________
88- حديث صحيح بشواهده، إسناده ضعيف لضعف ابن أخي ابن وهب، واسمه أحمد بن عبد الرحمن، وفيه سعيد بن سويد، وثقه ابن حبان، وترجمه البخاري وأبو حاتم من غير جرح أو تعديل، وقال البزار: لا بأس به. وشيخه عبد الأعلى، وثقه ابن حبان وحده، وهو مقبول، ولم ينفرد بهذا المتن كما سيأتي.
وهو في «شرح السنة» 3520 بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (4/ 127- 128) والبخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 68) وابن حبان 6404 وابن أبي عاصم في «السنة» 409 والبيهقي في «الدلائل» (1/ 80 و2/ 30) من طرق عن سعيد بن سويد به، وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في «المجمع» (8/ 223) : رواه أحمد بأسانيد، وأحد أسانيده رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد، وقد وثقه ابن حبان.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه الطيالسي 1140 وأحمد (5/ 262) وابن سعد (1/ 102) والطبراني 7729 والبيهقي في «الدلائل» (1/ 84) وإسناده ضعيف لضعف فرج بن فضالة، والسياق لأحمد، وقال الهيثمي في «المجمع» (8/ 222) : إسناد أحمد حسن.
- وورد عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنِ نفر من الصحابة مرفوعا أخرجه الحاكم (2/ 600) والطبري 2075 والبيهقي في «الدلائل» (1/ 83) وإسناده قوي كما قال الحافظ ابن كثير في «البداية» (2/ 275) وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن في أقل تقدير بل هو صحيح، والله أعلم، وانظر «الكشاف» 55 للزمخشري بتخريجي.
(1) في الأصل «أحمد» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» و «كتب التراجم» .
(2) وقع في الأصل «عن» والمثبت هو الصواب.
(3) وقع في الأصل «عن» والمثبت هو الصواب.
4 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
5 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.
(6) زيد في المطبوع وحده عقب السنة «والأحكام» .
(7) زيادة عن المخطوط وط.
(8) العبارة في المخطوط «يأخذ زكاة أموالهم» .(1/168)
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)
يَشْهَدُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعَدَالَةِ إِذَا شَهِدُوا لِلْأَنْبِيَاءِ بِالْبَلَاغِ مِنَ التَّزْكِيَةِ وَهِيَ التَّعْدِيلُ، إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْعَزِيزُ: الَّذِي لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: الْمُنْتَقِمُ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ [آلِ عِمْرَانَ: 4] ، وَقِيلَ: الْمَنِيعُ الَّذِي لَا تَنَالُهُ الْأَيْدِي وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ، وَقِيلَ: الْقَوِيُّ، وَالْعِزَّةُ الْقُوَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا [يس: 14] ، أَيْ: قَوَّيْنَا، وَقِيلَ: الْغَالِبُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ [ص: 23] ، أَيْ: غَلَبَنِي، وَيُقَالُ فِي الْمَثَلِ: مَنْ عَزَّ بَزَّ، أَيْ: مَنْ غَلَبَ سَلَبَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 131]
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131)
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ دَعَا ابْنَيْ أَخِيهِ سَلَمَةَ وَمُهَاجِرًا إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ لَهُمَا: قَدْ عَلِمْتُمَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي التَّوْرَاةِ: إِنِّي بَاعِثٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ نَبِيًّا اسْمُهُ أَحْمَدُ فَمَنْ آمَنَ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ، فَأَسْلَمَ سَلَمَةُ وَأَبَى مُهَاجِرٌ أَنْ يُسْلِمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ، أَيْ: يَتْرُكُ دِينَهُ وَشَرِيعَتَهُ، يُقَالُ: رَغِبَ فِي الشَّيْءِ إِذَا أَرَادَهُ، وَرَغِبَ عَنْهُ إِذَا تَرَكَهُ، وَقَوْلُهُ وَمَنْ: لفظة استفهام ومعناه التَّقْرِيعُ وَالتَّوْبِيخُ، يَعْنِي: مَا يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: خَسِرَ نَفْسَهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ضَلَّ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَهْلَكَ نَفْسَهُ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ وَالزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ جَهَّلَ [1] نَفْسَهُ، وَالسَّفَاهَةُ: الْجَهْلُ وَضَعْفُ الرَّأْيِ، وَكُلُّ سَفِيهٍ جَاهِلٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَبَدَ غَيْرَ اللَّهِ فَقَدْ جَهَّلَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا، وَقَدْ جَاءَ: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ [2] ، وَفِي الْأَخْبَارِ [3] : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى دَاوُدَ: اعْرِفْ نَفْسَكَ وَاعْرِفْنِي، فَقَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعْرِفُ نَفْسِي وَكَيْفَ أَعْرِفُكَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: اعْرِفْ نَفْسَكَ بِالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ وَالْفَنَاءِ، وَاعْرِفْنِي بِالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْبَقَاءِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: مَعْنَاهُ سَفِهَ في نفسه، ونَفْسَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: نَصْبٌ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: نَصْبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَكَانَ الْأَصْلُ سَفِهَتْ نَفْسُهُ، فَلَمَّا أَضَافَ الْفِعْلَ إِلَى صاحبها خرجت النفس مفسّرة لِيَعْلَمَ مَوْضِعَ السَّفَهِ، كَمَا يُقَالُ: ضقت به ذرعا أو ضَاقَ ذَرْعِي بِهِ، وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا: اخْتَرْنَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ، يَعْنِي: مَعَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّالِحِينَ.
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ، أَيِ: اسْتَقِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاثْبُتْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
قَالَ لَهُ ذلك حِينَ خَرَجَ مِنَ السَّرَبِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَخْلِصْ دِينَكَ وَعِبَادَتَكَ لِلَّهِ، وقال عطاء: أسلم نفسك إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفَوِّضْ أُمُورَكَ إِلَيْهِ، قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ، أَيْ: فَوَّضْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَقَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَسْتَعِنْ بِأَحَدٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حين ألقي في النار.
__________
(1) زيد في المخطوط وحده «عمل» .
(2) هو خبر إسرائيلي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: موضوع. انظر «كشف الخفاء» (2/ 262/ 2532) .
(3) في المخطوط- أ- «الخبر» .(1/169)
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
[سورة البقرة (2) : الآيات 132 الى 133]
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)
وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: و «أوصى» بِالْأَلِفِ، وَكَذَلِكَ [هُوَ] [1] فِي مَصَاحِفِهِمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ وَوَصَّى مُشَدَّدًا، وَهُمَا لُغَتَانِ مِثْلَ أَنْزَلَ وَنَزَّلَ مَعْنَاهُ: ووصى إِبْرَاهِيمُ [بَنِيهِ] [2] وَوَصَّى يَعْقُوبُ بَنِيهِ، قال الكلبي ومقاتل: يعني كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: إِنْ شِئْتَ رَدَدْتَ الْكِنَايَةَ إِلَى الْمِلَّةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنْ شِئْتَ رَدَدْتَهَا إِلَى الْوَصِيَّةِ، أَيْ: وَصَّى إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ الثَّمَانِيَةَ: إِسْمَاعِيلَ وَأُمُّهُ هَاجَرُ الْقِبْطِيَّةُ وَإِسْحَاقَ وَأُمُّهُ سارة، وستة أمهم قنطورا بِنْتُ يَقْطَنَ الْكَنْعَانِيَّةُ، تَزَوُّجَهَا إِبْرَاهِيمُ بَعْدَ وَفَاةِ سَارَةَ، وَيَعْقُوبُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَالْعِيصُ كَانَا تَوْأَمَيْنِ فَتَقَدَّمَ عِيصُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ، وَخَرَجَ يَعْقُوبُ عَلَى أثره آخذه بِعَقِبِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَ يَعْقُوبُ لِكَثْرَةِ عَقِبِهِ، يَعْنِي وَوَصَّى أَيْضًا يَعْقُوبُ بَنِيهِ الِاثْنَيْ عَشَرَ يَا بَنِيَّ، مَعْنَاهُ أَنْ يَا بَنِيَّ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى: اخْتَارَ لَكُمُ الدِّينَ، أَيْ: دِينَ الْإِسْلَامِ، فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، مُؤْمِنُونَ، وَقِيلَ: مُخْلِصُونَ، وَقِيلَ:
مُفَوِّضُونَ، وَالنَّهْيُ فِي ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَقَعَ عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا نُهُوا فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ تَرْكِ الْإِسْلَامِ [3] ، مَعْنَاهُ:
دَاوِمُوا عَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى لَا يُصَادِفَكُمُ الْمَوْتُ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَعَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَّهُ قَالَ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، أَيْ: مُحْسِنُونَ بِرَبِّكُمُ الظَّنَّ.
«89» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ [4] بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَقُولُ: «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عزّ وجلّ» .
قوله تعالى: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ، يَعْنِي: [أَكُنْتُمْ شُهَدَاءَ يُرِيدُ] [5] مَا كُنْتُمْ شُهَدَاءَ حُضُورًا إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ، أَيْ: حِينَ قَرُبَ يَعْقُوبُ مِنَ الْمَوْتِ، قِيلَ [6] : نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ حِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم:
__________
89- حديث صحيح. إسناده ضعيف لأجل أبي جعفر الرازي، وهو عيسى بن أبي عيسى، وقد توبع، وباقي رجال الإسناد ثقات، الأعمش هو سليمان بن مهران، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع، روى له الشيخان وهو في «شرح السنة» 1449 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2877 وأبو داود 3113 وابن ماجه 4167 والطيالسي 1779 وأحمد (3/ 293) و330 وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 87) و (8/ 221) وابن حبان (636 و638) والبيهقي (3/ 378) من طرق عن جابر به. [.....]
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع.
(3) العبارة في المخطوط «وإنما هو في الحقيقة على ترك الإسلام» .
(4) في المخطوط «قبل أن يقبض» والمثبت في نسخ المطبوع وشرح السنة.
(5) زيد في نسخ المطبوع.
(6) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 69 بدون إسناد، فلا حجة فيه البتة.(1/170)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)
أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ يَعْقُوبَ يَوْمَ مَاتَ أَوْصَى بَنِيهِ بِالْيَهُودِيَّةِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الْخِطَابُ لِلْيَهُودِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: لِمَا دَخَلَ يَعْقُوبُ مِصْرَ رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ وَالنِّيرَانَ، فَجَمَعَ وَلَدَهُ وَخَافَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: إِذْ قالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قَالَ عَطَاءٌ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا حَتَّى يُخَيِّرَهُ [1] بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، فَلَمَّا خَيَّرَ يعقوب قال: يا ربّ أَنْظِرْنِي حَتَّى أَسْأَلَ وَلَدِي وَأُوصِيَهُمْ، فَفَعَلَ [اللَّهُ] [2] ذَلِكَ بِهِ، فَجَمَعَ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَقَالَ لَهُمْ: قَدْ حَضَرَ أَجَلِي فَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ، وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ عَمًّا لَهُمْ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْعَمَّ أَبًا كَمَا تُسَمِّي الخالة أما.
ع «90» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» .
ع «91» وَقَالَ فِي عَمِّهِ الْعَبَّاسِ: «رُدُّوا عَلَيَّ أَبِي فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ تَفْعَلَ بِهِ قُرَيْشٌ مَا فَعَلَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ» ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ. إِلهاً واحِداً نَصْبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: إِلهَكَ، وقيل: نعبد [3] إِلَهًا وَاحِدًا، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 134 الى 135]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (134) وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (135)
تِلْكَ أُمَّةٌ: جَمَاعَةٌ، قَدْ خَلَتْ: مَضَتْ، لَها مَا كَسَبَتْ: مِنَ العمل، وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ [من القول والعمل]]
وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ، يَعْنِي: يُسْأَلُ كُلٌّ عَنْ عَمَلِهِ لَا عَنْ عَمَلِ غَيْرِهِ.
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ يَهُودِ الْمَدِينَةِ: كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَمَالِكِ بْنِ الصَّيْفِ وَوَهْبِ بْنِ يَهُودَا وَأَبِي يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ، وَفِي نصارى نَجْرَانَ السَّيِّدِ وَالْعَاقِبِ وَأَصْحَابِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ خَاصَمُوا الْمُسْلِمِينَ فِي الدِّينِ كُلُّ فِرْقَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا أَحَقُّ بِدِينِ اللَّهِ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ:
نَبِيُّنَا مُوسَى أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا التَّوْرَاةُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ، وَكَفَرَتْ بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَتِ النصارى نبيّنا [عيسى] [5] أَفْضَلُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا الْإِنْجِيلُ أَفْضَلُ الْكُتُبِ، وَدِينُنَا أَفْضَلُ الْأَدْيَانِ وَكَفَرَتْ [بموسى والتوراة و] [6] بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِلْمُؤْمِنِينَ كُونُوا عَلَى دِينِنَا فَلَا دِينَ إِلَّا ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، بَلْ نَتَّبِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: اتَّبَعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ بَلْ نكون
__________
90- ع صحيح. هو بعض حديث أخرجه البخاري 1468 ومسلم 983 وأبو داود 1623 والنسائي (5/ 33) وابن حبان 3273 والدارقطني (2/ 123) والبغوي 1578 والبيهقي (6/ 164- 165) عن أبي هريرة قال: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم عمر على الصدقة، فقيل: ما منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ينقم ابن جميل ... » فذكره.
91- ع مرسل. أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (8/ 40/ 34) ح 4 عن عكرمة مرسلا، ورجال الإسناد ثقات، وتمامه «دعاهم إلى الله فقتلوه، أما والله لئن ركبوها لأضر منّها عليهم» فهذا مرسل، والمرسل من قسم الضعيف عند أهل الحديث.
(1) في المطبوع «خيره» .
(2) زيد في نسخ المطبوع.
(3) في المطبوع «نعرفه» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) سقط من نسخ المطبوع. [.....](1/171)
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَحَذَفَ عَلَى فَصَارَ مَنْصُوبًا، حَنِيفاً، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ عِنْدَ نُحَاةِ الْبَصْرَةِ، وَعِنْدَ نُحَاةِ الْكُوفَةِ نَصْبٌ عَلَى الْقَطْعِ، أراد به ملة إبراهيم الحنيف، فلما أسقطت الألف واللام لم تتبع النكرة المعرفة فَانْقَطَعَ مِنْهُ [1] ، فَنُصِبَ [قَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَنِيفِيَّةُ اتِّبَاعُ إِبْرَاهِيمَ فِيمَا أَتَى بِهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي صَارَ بِهَا إِمَامًا لِلنَّاسِ] [2] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْحَنِيفُ الْمَائِلُ عَنِ الْأَدْيَانِ كلها إلا دِينِ الْإِسْلَامِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَنَفِ وَهُوَ مَيْلٌ وَعِوَجٌ يَكُونُ فِي الْقَدَمِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْحَنِيفُ هُوَ الْحَاجُّ الْمُخْتَتِنُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا كَانَ مَعَ الْحَنِيفِ الْمُسْلِمِ فَهُوَ الْحَاجُّ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُسْلِمِ فَهُوَ الْمُسْلِمُ [3] ، قَالَ قَتَادَةُ: الْحَنِيفِيَّةُ الْخِتَانُ وَتَحْرِيمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَإِقَامَةُ الْمَنَاسِكِ، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ عَلَّمَ الْمُؤْمِنِينَ طَرِيقَ الإيمان، فقال جلّ ذكره:
[سورة البقرة (2) : الآيات 136 الى 137]
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137)
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا، يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ، وَهُوَ عَشْرُ صُحُفٍ، وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ، يَعْنِي: أَوْلَادَ يَعْقُوبَ، وَهُمُ اثْنَا عَشَرَ سِبْطًا: وَاحِدُهُمْ: سِبْطٌ، سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وُلِدَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَسِبْطُ الرَّجُلِ: حَافِدُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سِبْطَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَسْبَاطُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَالْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ، مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَالشُّعُوبِ مِنَ الْعَجَمِ، وَكَانَ فِي الْأَسْبَاطِ أَنْبِيَاءٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ [آل عمران:
199] ، وَقِيلَ: هُمْ بَنُو يَعْقُوبَ مِنْ صُلْبِهِ صَارُوا كُلُّهُمْ أَنْبِيَاءَ. وَما أُوتِيَ مُوسى، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ، وَعِيسى، يَعْنِي: الْإِنْجِيلَ، وَما أُوتِيَ: أُعْطِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، أَيْ:
نُؤْمِنُ بِالْكُلِّ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَنُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ.
«92» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا محمد بن
__________
92- إسناده صحيح. على شرط البخاري.
وهو في «شرح السنة» 125 بهذا الإسناد.
خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 4485 عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 4485 و7362 و7542 والنسائي في «الكبرى» 11387 والبيهقي في «الشعب» 5207 من حديث أبي هريرة.
- وفي الباب من حديث أبي نملة عند أبي داود 3644 وعبد الرزاق 20059 وأحمد (4/ 136) وابن حبان 6257 والطبراني في «الكبير» (22/ 874- 879) والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/ 380) وابن الأثير في «أسد الغابة» (6/ 315) والمزي في «تهذيب الكمال» في ترجمة أبي نملة.
(1) في المخطوط «عنه» .
(2) زيد في نسخ المطبوع.
(3) في المخطوط «المختتن» .(1/172)
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)
إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
كان أهل الكتاب يقرؤون التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ» الْآيَةَ.
فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ، أَيْ: بِمَا آمَنْتُمْ بِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يقرؤها ابن عباس، و (المثل) صِلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] ، أَيْ: لَيْسَ هُوَ كَشَيْءٍ [1] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا بِجَمِيعِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ، أَيْ: أَتَوْا بِإِيمَانٍ كَإِيمَانِكُمْ وَتَوْحِيدٍ كَتَوْحِيدِكُمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا مِثْلَ مَا أَمِنْتُمْ، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مَرْيَمَ: 25] ، وَقَالَ أَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ: مَعْنَاهُ فَإِنْ آمَنُوا بِكِتَابِكُمْ كَمَا آمَنْتُمْ بِكِتَابِهِمْ: فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ، أَيْ: فِي خِلَافٍ وَمُنَازَعَةٍ، قَالَهُ [2] ابْنُ عَبَّاسٍ وعطاء، يقال: شَاقَّ مُشَاقَّةً إِذَا خَالَفَ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ آخِذٌ فِي شِقٍّ غَيْرِ شِقِّ صَاحِبِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي [هُودٍ: 89] ، أَيْ: خِلَافِي، وَقِيلَ: فِي عَدَاوَةٍ، دليله قوله تعالى:
ِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ
[الْأَنْفَالِ: 13] ، أَيْ عَادُوا اللَّهَ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ، أَيْ يَكْفِيكَ شَرَّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَقَدْ كُفِيَ بِإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ، وَقَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُوَ السَّمِيعُ: لأقوالهم، الْعَلِيمُ بأحوالهم [3] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 138 الى 140]
صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (138) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140)
صِبْغَةَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ: دِينَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ صِبْغَةً لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الدِّينِ عَلَى الْمُتَدَيِّنِ، كَمَا يَظْهَرُ أَثَرُ الصَّبْغِ عَلَى الثَّوْبِ [4] ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمُتَدَيِّنَ يَلْزَمُهُ وَلَا يُفَارِقُهُ كَالصَّبْغِ يَلْزَمُ الثَّوْبَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِطْرَةَ اللَّهِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ، وَقِيلَ: سُنَّةَ اللَّهِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْخِتَانَ لِأَنَّهُ يَصْبُغُ صَاحِبَهُ بِالدَّمِ، وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ أَنَّ النَّصَارَى إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ فَأَتَى [5] عَلَيْهِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ غَمَسُوهُ فِي مَاءٍ لَهُمْ أَصْفَرُ، يُقَالُ لَهُ: المعمودية، وَصَبَغُوهُ بِهِ لِيُطَهِّرُوهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ مَكَانَ الْخِتَانِ، فَإِذَا فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ قَالُوا: الْآنَ صَارَ نَصْرَانِيًّا حَقًّا، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ دِينَهُ الْإِسْلَامُ لَا مَا يَفْعَلُهُ النَّصَارَى، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، يَعْنِي: الْزَمُوا دِينَ اللَّهِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: هِيَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً: دِينًا، وَقِيلَ: تَطْهِيرًا، وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ: مُطِيعُونَ.
قُلْ: يَا مُحَمَّدُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، أَيْ: فِي دِينِ اللَّهِ، والمحاجة:
المجادلة [6] لِإِظْهَارِ الْحُجَّةِ، وَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا مِنَّا وَعَلَى ديننا، وديننا أقدم فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، فَقَالَ الله: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ، أَيْ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ فِي اللَّهِ فَإِنَّهُ رَبُّنَا
__________
(1) عبارة المخطوط «ليس كهو شيء» .
(2) في المطبوع «قال» :.
(3) في المخطوط «لأقوالكم- بأحوالكم» .
(4) في المطبوع وحده «أثر الثوب على الصبغ» .
(5) في المطبوع «وفاتت» .
(6) زيد في نسخ المطبوع «في الله» .(1/173)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143)
وَرَبُّكُمْ، وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ، أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءُ عَمَلِهِ، فَكَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ أَوْلَى بِاللَّهِ، وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ، وَأَنْتُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: الْإِخْلَاصُ أَنْ يُخْلِصَ الْعَبْدُ دِينَهُ وَعَمَلَهُ فَلَا يُشْرِكَ بِهِ فِي دِينِهِ وَلَا يُرَائِيَ بِعَمَلِهِ، قَالَ الفضيل: ترك العمل من أجل [1] النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ مِنْ أَجْلِ النَّاسِ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُعَافِيَكَ الله منهما.
قال الله تَعَالَى: أَمْ تَقُولُونَ، يَعْنِي: أَتَقُولُونَ [صيغته] [2] صِيغَةُ اسْتِفْهَامٍ، وَمَعْنَاهُ التَّوْبِيخُ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ بِالتَّاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ، وَقَالَ بَعْدَهُ: قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: يَقُولُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ: يَا مُحَمَّدُ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِدِينِهِمْ أَمِ اللَّهُ؟ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا. وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ: أَخْفَى شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ تعالى، وَهِيَ عِلْمُهُمْ بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَبَنِيهِ كَانُوا مُسْلِمِينَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ وَرَسُولٌ أَشْهَدَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 141 الى 143]
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143)
تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (141) ، كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ: الْجُهَّالُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ، أي شيء صَرَفَهُمْ وَحَوَّلَهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، يَعْنِي: بَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَالْقِبْلَةُ فِعْلَةٌ مِنَ الْمُقَابَلَةِ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَمُشْرِكِي مَكَّةَ، طَعَنُوا فِي تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى مَكَّةَ فَقَالُوا لِمُشْرِكِي مَكَّةَ: قَدْ تَرَدَّدَ عَلَى مُحَمَّدٍ أَمْرُهُ فَاشْتَاقَ إِلَى مَوْلِدِهِ وَقَدْ تَوَجَّهَ نَحْوَ بَلَدِكُمْ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى دِينِكُمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ: ملكا وَالْخَلْقُ عَبِيدُهُ، يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً، نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ، قَالُوا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: مَا تَرَكَ مُحَمَّدٌ قِبْلَتَنَا إِلَّا حَسَدًا وَإِنَّ قِبْلَتَنَا قِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَقَدْ عَلِمَ مُحَمَّدٌ أَنَّا عَدْلٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّا عَلَى حَقٍّ وَعَدْلٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً أَيْ [3] : وَهَكَذَا، وَقِيلَ: الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، وهي مَرْدُودَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا [البقرة: 130] ، أَيْ: كَمَا اخْتَرْنَا إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتَهُ واصطفيناهم، كذلك جعلناكم أمة، وَسَطاً، أَيْ: عَدْلًا خِيَارًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قالَ أَوْسَطُهُمْ [الْقَلَمِ: 28] ، أَيْ: خَيْرُهُمْ وَأَعْدَلُهُمْ، وَخَيْرُ الْأَشْيَاءِ أَوْسَطُهَا، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي أَهْلَ دِينٍ وَسَطٍ بَيْنِ الْغُلُوِّ وَالتَّقْصِيرِ لِأَنَّهُمَا
__________
(1) في المطبوع «لأجل» .
(2) سقط من المطبوع.
(3) العبارة في المخطوط، وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً أَيْ: وَهَكَذَا. وَقِيلَ: الْكَافُ لِلتَّشْبِيهِ، أَيْ كَمَا اخْتَرْنَا إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتَهُ واصطفيناهم كذلك جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا، مَرْدُودَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا [وسطا] أي عدلا وخيارا» .(1/174)
مذمومان في الدين.
«93» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَعْشَرٍ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْوَرَّاقُ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، أَنَا أَبُو الصَّلْتِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَمَا تَرَكَ شَيْئًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كانت الشمس على رؤوس النخل وأطراف الحيطان [1] ، قال: «إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا، أَلَا وَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُوُفِّي سَبْعِينَ أُمَّةً هِيَ آخِرُهَا وَأَخْيَرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى» ، قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْهُمْ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ:
قُلْتُ لِعَطَاءٍ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ؟ قَالَ: أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُهَدَاءُ عَلَى مَنْ يَتْرُكُ الْحَقَّ مِنَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ: مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ شَهِيداً: مُعَدِّلًا مُزَكِّيًا لَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْمَعُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ لِكُفَّارِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ: ألم يأتكم نذير؟
فَيُنْكِرُونَ وَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ، فَيَسْأَلُ اللَّهُ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَنْ ذَلِكَ فَيَقُولُونَ:
كَذَبُوا قَدْ بَلَّغْنَاهُمْ، فَيَسْأَلُهُمُ [2] الْبَيِّنَةَ- وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ إِقَامَةً لِلْحُجَّةٍ- فَيُؤْتَى بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَشْهَدُونَ لَهُمْ أنهم بَلَّغُوا فَتَقُولُ الْأُمَمُ الْمَاضِيَةُ مِنْ أين علموا [ذلك و] [3] إنما أَتَوْا بَعْدَنَا؟ فَيَسْأَلُ هَذِهِ الْأُمَّةَ فَيَقُولُونَ:
أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا وَأَنْزَلْتَ عليه كتابا أخبرتنا فيه بتبليغ الرُّسُلِ وَأَنْتَ صَادِقٌ فِيمَا أَخْبَرْتَ، ثُمَّ يُؤْتَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسْأَلُ عَنْ حَالِ أُمَّتِهِ فَيُزَكِّيهِمْ وَيَشْهَدُ بِصِدْقِهِمْ.
«94» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أخبرنا محمد بن إسماعيل [البخاري] ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا أبو أسامة حدثنا الْأَعْمَشُ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ يَا رَبِّ، فَيَسْأَلُ أُمَّتَهُ هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا جَاءَنَا مِنْ نَذِيرٍ، فَيُقَالُ: مَنْ شُهُودُكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَيُجَاءُ بِكُمْ فَتَشْهَدُونَ» ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا
__________
93- إسناده ضعيف لضعف أبي الصلت وعلي بن زيد. أبو الصلت هو عبد السلام بن صالح الهروي. أبو نضرة هو منذر بن مالك. وصدره إلى قوله: «في مقامه ذلك» محفوظ حيث أخرجه البخاري 6604 ومسلم 2891 وغيرهما من حديث حذيفة، وله شواهد أخرى راجع الإحسان (15/ 6- 7- 8) بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤط، وأما أثناؤه، فله شواهد ستأتي في موضعها إن شاء الله، وأما عجزه، فسيأتي تخريجه برقم 428 وهو هناك بالإسناد المذكور هاهنا، ولعجزه شاهد أيضا من حديث معاوية بن حيدة وهو الآتي برقم 427، والله تعالى أعلم. [.....]
94- إسناده صحيح، محمد بن إسماعيل هو البخاري إمام فن علم الحديث. أبو أسامة اسمه حماد بن أسامة، مشهور بكنيته، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان.
خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 7349 عن إسحاق بن منصور بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 3339 و4487 و7349 والترمذي بإثر 2961 وابن ماجه 4284 وأحمد (3/ 58) وابن حبان 7216 والطبري 2165 و2166 مختصرا ومطوّلا كلهم من حديث أبي سعيد الخدري.
(1) الحائط: البستان.
(2) في المطبوع وحده «فيسأل» .
(3) ما بين المعقوفتين في المطبوع «أو» .(1/175)
شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها، أي: تحويلها، يعني عن بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِلْجَعْلِ مَحْذُوفًا عَلَى تَقْدِيرِ: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا مَنْسُوخَةً، وَقِيلَ مَعْنَاهُ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْكَعْبَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران: 110] ، أَيْ: أَنْتُمْ، إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَّا لِنَعْلَمَ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَشْيَاءِ كُلِّهَا قَبْلَ كَوْنِهَا؟ قِيلَ: أَرَادَ بِهِ الْعِلْمَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا هُوَ عَالِمٌ بِهِ فِي الْغَيْبِ، إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بما يوجد معناه لنعلم الْعِلْمَ [1] الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ عَلَيْهِ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، وَقِيلَ: إِلَّا لِنَعْلَمَ، أَيْ: لِنَرَى وَنُمَيِّزَ مَنْ يَتَّبِعُ الرسول في القبلة [التي أردناها في أزلنا] [2] ، مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ، فَيَرْتَدُّ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْقِبْلَةَ لَمَّا حُوِّلَتِ ارْتَدَّ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إلى [دين] [3] الْيَهُودِيَّةِ، وَقَالُوا:
رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى دِينِ آبَائِهِ» [4] ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: مَعْنَاهُ إِلَّا لِعِلْمِنَا مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، كَأَنَّهُ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ سَبَبٌ لِهِدَايَةِ قَوْمٍ وَضَلَالَةِ قَوْمٍ، وَقَدْ يَأْتِي لَفْظُ الِاسْتِقْبَالِ بِمَعْنَى الْمَاضِي، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: 91] ، أَيْ: فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ [5] ؟ وَإِنْ كانَتْ، أي: وقد كانت، أي [6] تولية القبلة، وَقِيلَ: الْكِتَابَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَقِيلَ: إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَإِنْ كَانَتِ التَّحْوِيلَةُ لَكَبِيرَةً: ثَقِيلَةً شَدِيدَةً، إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، أَيْ: هَدَاهُمُ اللَّهُ، قَالَ سيبويه: وَإِنْ تأكيد شبيه باليمين، وَلِذَلِكَ دَخَلَتِ اللَّامُ فِي جَوَابِهَا، وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
ع «95» وَذَلِكَ أَنَّ حُيَيَّ بْنَ أَخْطَبَ وَأَصْحَابَهُ مِنَ الْيَهُودِ، قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَخْبِرُونَا عَنْ صَلَاتِكُمْ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِنْ كَانَتْ هُدًى، فَقَدْ تَحَوَّلْتُمْ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ ضَلَالَةً فَقَدْ دِنْتُمُ اللَّهَ بِهَا؟ وَمَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَيْهَا فَقَدْ مَاتَ عَلَى الضَّلَالَةِ، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِنَّمَا الْهُدَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَالضَّلَالَةُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، قَالُوا: فَمَا شَهَادَتُكُمْ عَلَى مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى قِبْلَتِنَا، وَكَانَ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ إلى الكعبة مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، مِنْ بَنِي النَّجَّارِ وَالْبَرَاءُ بْنُ معرور من بني سلمة، وكانا مِنَ النُّقَبَاءِ، وَرِجَالٌ آخَرُونَ، فَانْطَلَقَ عشائرهم إلى
__________
(1) كذا في نسخ المطبوع. وفي المخطوط «العمل» .
2 سقط من نسخ المطبوع.
3 سقط من نسخ المطبوع.
(4) لا أصل له بهذا اللفظ، ولم يلتحق باليهودية من المسلمين أحد، بل ولم يرتد أحد من المسلمين بسبب تحول القبلة، وقد أخرج الطبري 2210 عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ؟ فقال عطاء: يبتليهم ليعلم من يسلم لأمره. قال ابن جريج: بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا: مرة هاهنا ومرة هاهنا اهـ.
ومرسل ابن جريج هذا ليس بشيء، قال أحمد: بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج، أحاديث موضوعة، كان لا يبالي من أين يأخذها. راجع «الميزان» (2/ 659) .
(5) في المخطوط «قتلتم» دون «فلم» .
(6) في المطبوع وحده «أو» .
95- ع لم أره مسندا بهذا السياق. وبنحوه أخرج أبو داود 4680 والترمذي 2964 والطيالسي 2673 وأحمد (1/ 295 و304) والدارمي (1/ 281) والطبري 2224 والحاكم (2/ 269) والطبراني 11729 عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا توجه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، فكيف الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ وإسناده حسن لأجل سماك بن حرب، وقد توبع.
فقد ورد من حديث البراء بن عازب وفيه: «مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ، وَقُتِلُوا، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ» أخرجه البخاري 40 و4486 ومسلم 525 والترمذي 340 وابن ماجه 1010 وأحمد (4/ 283) وابن حبان 1716، وفي الباب أحاديث.(1/176)
قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَرَفَكَ [اللَّهُ] [1] إِلَى قِبْلَةِ إِبْرَاهِيمَ، فَكَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.
يَعْنِي: صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.
قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَابْنُ عامر وحفص «لرؤوف» مشبعا عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ، لِأَنَّ أَكْثَرَ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى فَعُولٍ وَفَعِيلٍ، كَالْغَفُورِ وَالشَّكُورِ [وَالرَّحِيمِ وَالْكَرِيمِ] [2] وَغَيْرِهَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ يُلِينُ الْهَمْزَةَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالِاخْتِلَاسِ عَلَى وَزْنِ فَعُلٍ، قَالَ جَرِيرٌ:
[تَرَى] [3] لِلْمُسْلِمِينَ عليك حقا ... كفعل الوالد [4] الرؤوف الرحيم
والرأفة: أشد الرحمة.
[سورة البقرة (2) : آية 144]
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)
قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ، هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً فِي التِّلَاوَةِ فَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّهَا رَأْسُ الْقِصَّةِ، وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنْ أُمُورِ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ بِمَكَّةَ إِلَى الْكَعْبَةِ فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المدينة أمره أَنْ يُصَلِّيَ نَحْوَ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى تَصْدِيقِ الْيَهُودِ إِيَّاهُ إِذَا صَلَّى إِلَى قِبْلَتِهِمْ مَعَ مَا يَجِدُونَ مِنْ نَعْتِهِ فِي التَّوْرَاةِ، فَصَلَّى بَعْدَ الْهِجْرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وكان يجب أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ قِبْلَةَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلام، ع «96» وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ من أجل الْيَهُودِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دِينِنَا وَيَتَّبِعُ قِبْلَتَنَا، فَقَالَ لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «وَدِدْتُ لَوْ حَوَّلَنِي اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَإِنَّهَا قِبْلَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ» ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ وَأَنْتَ كَرِيمٌ عَلَى رَبِّكَ فَسَلْ أَنْتَ رَبَّكَ فَإِنَّكَ عِنْدَ الله عزّ وجلّ بمكان، فعرج جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدِيمُ النَّظَرَ إِلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أَنْ يَنْزِلَ جِبْرِيلُ بِمَا يُحِبُّ مِنْ أَمْرِ الْقِبْلَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ.
فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً، فَلْنُحَوِّلُنَّكَ إِلَى قِبْلَةٍ تَرْضاها، أَيْ: تُحِبُّهَا وَتَهْوَاهَا، فَوَلِّ، أَيْ: حَوِّلْ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أَيْ: نَحْوَهُ، وَأَرَادَ بِهِ الْكَعْبَةَ، وَالْحَرَامُ: الْمُحَرَّمُ، وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ، مِنْ بَرٍّ [أَوْ بَحْرٍ] [5] شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ: فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، عند الصلاة.
__________
96- ع ضعيف. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (1/ 186) من حديث ابن عباس، وفي إسناده الواقدي وهو ضعيف متروك، وقد ذكره الواحدي في «الوسيط» (1/ 229) و «الأسباب» بإثر 73 فقال: قال المفسرون ... فذكره.
- وفي الباب من حديث البراء بن عازب عند ابن ماجه 1010.
قال البوصيري في «الزوائد» : حديث البراء صحيح رجاله ثقات اهـ.
وله علة وهي أن الجماعة رووه بغير هذا السياق، وليس فيه جبريل، ولا مخاطبة رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم له، ولعل الوهن فيه بسبب عنعنة أبي إسحاق السبيعي، فإنه مدلس، وقد عنعن. وشيخ ابن ماجه وهو علقمة بن عمرو صدوق يغرب.
(1) سقط من المطبوع وحده.
(2) سقط من المخطوط. [.....]
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المطبوع «الواحد» والمثبت عن «الوسيط» (1/ 228) وديوان جرير 608.
(5) العبارة في المطبوع «أو نحو» .(1/177)
«97» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ:
سمعت ابن عباس قَالَ:.
لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قِبَلِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ: «هَذِهِ الْقِبْلَةُ» .
«98» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَى أَجْدَادِهِ أَوْ قَالَ أَخْوَالِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّهُ صَلَّى أَوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ، وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ، فَمَرَّ على أهل مسجد وَهُمْ رَاكِعُونَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَتِ الْيَهُودُ قَدْ أَعْجَبَهُمْ إذا كان يصلّي قبل بيت المقدس، وأهل الْكِتَابِ، فِلَمَّا وَلَّى وَجْهَهُ قِبَلَ الْبَيْتِ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالَ الْبَرَاءُ فِي حَدِيثِهِ هَذَا: أَنَّهُ مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ رِجَالٌ وَقُتِلُوا فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ [البقرة: 143] .
وَكَانَ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ فِي رَجَبٍ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ قَبْلَ قِتَالِ بدر بشهرين.
ع «99» قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ بَنِي سلمة، وقد صلّى بأصحابه
__________
97- إسناده على شرط البخاري، تفرد البخاري بالرواية عن إسحاق بن نصر البخاري السعدي، ومن فوقه على شرطهما. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز.
وهو في «شرح السنة» 449 بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 398 عن إسحاق بن نصر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1330 من طريق محمد بن بكر عن ابن جريج به.
- وفي الباب من حديث أسامة بن زيد عند مسلم 1330 والنسائي (5/ 220- 221) وعبد الرزاق 9056 وابن حبان 3208 والطبري 2257 و2260 والبيهقي (2/ 328) .
98- إسناده صحيح على شرط البخاري. زهير هو ابن معاوية، وأبو إسحاق هو السبيعي، اسمه عمرو بن عبد الله الهمداني.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 40 عن عمرو بن خالد بهذا الإسناد وأخرجه البخاري 399 و4486 و4492 و7252 ومسلم 525 والترمذي 340 و2962 والنسائي (2/ 60) وابن ماجه 1010 والطيالسي 719 وابن أبي شيبة (1/ 334) وأحمد 4/ 283 وأبو عوانة 1/ 393 و394 وابن حبان 1716 والدارقطني (1/ 273) والبغوي في «شرح السنة» 445 والبيهقي (2/ 2) من طرق عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ به.
99- ع ضعيف بهذا اللفظ.
عزاه المصنف لمجاهد وغيره، وإسناده إلى مجاهد في مقدمة الكتاب، وفيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، ومع ذلك هو مرسل. وذكره ابن سعد في «الطبقات» (1/ 186) بقوله: «ويقال: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم ركعتين ... » فذكره بدون إسناده.
- وكذا ذكره ابن كثير في «تفسيره» (1/ 195) بقوله: وذكر غير واحد من المفسرين أن تحويل القبلة نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم.... فذكره.
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف (1/ 202) : أخرجه الواقدي في المغازي، ونقله عنه ابن سعد ثم أبو الفتح اليعمري اهـ. والواقدي متروك الحديث، وهذا المتن بهذا اللفظ منكر ضعيف. والصحيح ما بعده.(1/178)
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، فَتَحَوَّلَ فِي الصَّلَاةِ وَاسْتَقْبَلَ الْمِيزَابَ [1] ، وَحَوَّلَ الرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ مَسْجِدَ الْقِبْلَتَيْنِ.
وَقِيلَ: كَانَ التَّحْوِيلُ خَارِجَ الصَّلَاةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، وَأَهْلُ قُبَاءٍ وَصَلَ إِلَيْهِمُ الْخَبَرُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.
«100» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ السَّامِرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ مَالِكٍ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ:
بَيْنَا النَّاسُ بقباء في صلاة الصبح إذا جَاءَهُمْ آتٍ وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا، وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ.
فَلَمَّا تَحَوَّلَتِ الْقِبْلَةُ قَالَتِ الْيَهُودُ: يَا مُحَمَّدُ مَا هُوَ إِلَّا شَيْءٌ تَبْتَدِعُهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ فَتَارَةً تُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَتَارَةً إِلَى الْكَعْبَةِ، وَلَوْ ثَبَتَّ عَلَى قِبْلَتِنَا لَكُنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَنَا الَّذِي نَنْتَظِرُهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى:
وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ، يَعْنِي: أَمْرَ الْكَعْبَةِ، الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، ثُمَّ هَدَّدَهُمْ فَقَالَ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالتَّاءِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَنَّكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ تَطْلُبُونَ مَرْضَاتِي وَمَا أَنَا بِغَافِلٍ عَنْ ثَوَابِكُمْ [2] وَجَزَائِكُمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: مَا أَنَا بِغَافِلٍ عَمَّا يَفْعَلُ الْيَهُودُ فَأُجَازِيهِمْ في الدنيا وفي الآخرة.
[سورة البقرة (2) : آية 145]
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، قَالُوا: ائْتِنَا بِآيَةٍ على ما تقول، قال اللَّهُ تَعَالَى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ: مُعْجِزَةٍ، مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، يَعْنِي:
الْكَعْبَةَ، وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، لِأَنَّ الْيَهُودَ تَسْتَقْبِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ الْمَغْرِبُ، وَالنَّصَارَى تَسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقَ، وَقِبْلَةُ الْمُسْلِمِينَ الْكَعْبَةُ.
«101» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ محمد الجراحي [3] ،
__________
(1) وقع في الأصل «الميزان» والمثبت هو الصواب.
(2) في المخطوط «توليتكم» .
(3) في المطبوع «بن الجراح» بدل «الجراحي» والمثبت عن «شرح السنة» ووقع في المخطوط «الخزاعي» .
100- إسناده صحيح. أبو مصعب أحد الأئمة الذين رووا الموطأ عن مالك وهو من فوقه رجال البخاري ومسلم، وهو إسناد كالشمس.
وهو في «شرح السنة» 446 بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 195) عن ابن دينار به.
وأخرجه البخاري 403 و4488 و4490 و4491 و4494 و7251 ومسلم 526 والنسائي (2/ 61) والشافعي (1/ 64) وابن أبي شيبة (1/ 335) وأحمد (2/ 16 و26 و105) والدارمي 281 وأبو عوانة (1/ 394) وابن حبان 1715 والبيهقي (2/ 2 و11) من طرق من حديث ابن عمر.
101- حديث حسن بشواهده وطرقه. إسناده لا بأس به لأجل عبد الله بن جعفر المخرمي. وباقي رجال الإسناد ثقات.
وهو في «شرح السنة» 447 بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» 344 عن الحسن بن بكر بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 342 و343 وابن ماجه 1011 من وجه آخر عن أبي معشر نجيح عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا بلفظ: «ما بين المشرق والمغرب قبلة» وعلّقه النسائي (4/ 172) وقال: أبو معشر ضعيف، مع ضعفه اختلط وعنده مناكير.
وقال الترمذي عقب الروآية الأولى والثانية: أبو معشر اسمه نجيح قال البخاري: لا أروي عنه شيئا. ثم قال الترمذي: قال البخاري. وحديث الأخنسي أقوى من حديث أبي معشر وأصح اهـ.
- وحديث الأخنسي في الروآية الثالثة للترمذي.
- وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني (1/ 270) والبيهقي (2/ 9) وصححه الحاكم (1/ 205) وقال: على شرطهما! وسكت الذهبي! مع أن فيه شعيب بن أيوب تفرد عنه أبو داود، وهو ثقة، لكنه مدلس ثم ساقه الحاكم من وجه آخر عن ابن عمر وقال: هذا حديث صحيح وقد أوفقه جماعة على ابن عمر، ووافقه الذهبي سكوتا.
- وفي «نصب الرآية» (1/ 303) قال الزيلعي: هذا الحديث تكلم فيه أحمد وقوّاه البخاري. وقال ابن أبي حاتم في «العلل» 528: قال أبو زرعة: هذا حديث فيه وهم. بل هو موقوف على ابن عمر اهـ. قلت: قد ورد من حديث أبي هريرة، من طريقين، أحدهما يقرب من الحسن بمفرده.
- لذا صححه الألباني في الإرواء (2/ 102) لهذه الطرق، ومع ذلك لا يبلغ درجة الصحة فهو معلول. بعضهم أعله بالإرسال وبعضهم أعله بالوقف، وحسبه أن يكون حسنا، وقد ورد عن عمر قوله، أخرجه مالك (1/ 201) .(1/179)
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا الْمُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن جعفر المخرميّ [1] ، عَنْ عُثْمَانَ الْأَخْنَسِيِّ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ما بين المشرق والمغرب [قبلة] [2] » .
وَأَرَادَ بِهِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَرَادَ بِالْمُشْرِقِ: مَشْرِقَ الشِّتَاءِ في أقصر يوم من السَّنَةِ، وَبِالْمَغْرِبِ:
مَغْرِبَ الصَّيْفِ فِي أَطْوَلِ يَوْمٍ مِنَ السَّنَةِ، فَمَنْ جَعَلَ مَغْرِبَ الصَّيْفِ فِي هَذَا الوقت عن [3] يمينه ومشرق الشتاء عن يَسَارِهِ كَانَ وَجْهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ. وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ: مُرَادَهُمُ، الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُمَّةُ، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ، من الْحَقِّ فِي الْقِبْلَةِ، إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 148]
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ، يَعْنِي: مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، يَعْرِفُونَهُ، يَعْنِي: يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ: مِنْ بَيْنِ الصِّبْيَانِ، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ فَكَيْفَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يَا عُمَرُ لَقَدْ عَرَفْتُهُ حِينَ رأيته كما أعرف [4] ابْنِي، وَمَعْرِفَتِي بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدُّ مِنْ مَعْرِفَتِي بابني، فقال عمر: وكيف ذَلِكَ؟ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ حَقٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ نَعَتَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِنَا، وَلَا أَدْرِي مَا تَصْنَعُ النِّسَاءُ، فَقَالَ عُمَرُ: وَفَّقَكَ اللَّهُ يَا ابْنَ سَلَامٍ فَقَدْ صَدَقْتَ [5] ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ
__________
(1) وقع في الأصل «المخزومي» وكذا في تفسير ابن كثير (1/ 164) والتصويب من سنن الترمذي و «التقريب» لابن حجر.
و «شرح السنة» .
(2) لفظ «قبلة» في نسخ المطبوع في أول الأثر، والمثبت عن المخطوط وكتب الحديث وشرح السنة.
(3) في المطبوع «على» . [.....]
(4) في المطبوع «عرفت» .
(5) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (1/ 271) ونسبه للثعلبي من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن ابن عباس، وإسناده ساقط، لكن ورد من وجوه أخر واهية.(1/180)
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ، يَعْنِي: صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرَ الْكَعْبَةِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ.
ثُمَّ قَالَ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، أَيْ: هَذَا الْحَقُّ، خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، وَقِيلَ: رفع بإضمار فعل، أي:
جاء الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ: الشَّاكِّينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ
، أَيْ: لِأَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ قِبْلَةٌ، وَالْوِجْهَةُ: اسْمٌ لِلْمُتَوَجَّهِ إِلَيْهِ، وَمُوَلِّيها
، أي: مستقبلها، ومقبل عليها، يُقَالُ: وَلَّيْتُهُ، وَوَلَّيْتُ إِلَيْهِ إِذَا أقبلت عليه، وَوَلَّيْتُ عَنْهُ إِذَا أَدْبَرْتُ عَنْهُ، قَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مُوَلِّيهَا وَجْهَهُ، وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَعْنِي [اللَّهُ تعالى] [1] :
مُوَلِّي الْأُمَمِ إِلَى قِبْلَتِهِمْ، وَقَرَأَ ابن عامر: «هو مُوَلَّاهَا» ، أَيِ: الْمُسْتَقْبِلُ مَصْرُوفٌ إِلَيْهَا، اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ
، أَيْ: إِلَى الْخَيِّرَاتِ، يُرِيدُ بَادَرُوا بِالطَّاعَاتِ، وَالْمُرَادُ: الْمُبَادَرَةُ إِلَى القبول، يْنَ ما تَكُونُوا
: أنتم وأهل الكتاب، أْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً
: يَوْمَ الْقِيَامَةِ فيجزيكم بأعمالكم [إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فشر] [2] ،نَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 149 الى 150]
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) ، قَرَأَ أبو عمرو بالياء، و [قرأ] [3] الباقون بِالتَّاءِ.
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ لِتَأْكِيدِ [4] النَّسْخِ، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَوَجْهِ قَوْلِهِ: إِلَّا فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِذَا تَوَجَّهْتُمْ إِلَى غَيْرِهَا، فَيَقُولُونَ: لَيْسَتْ لَكُمْ قِبْلَةٌ، إِلَّا الذين ظلموا [منهم] [5] وهم قُرَيْشٌ وَالْيَهُودُ، فَأَمَّا قُرَيْشٌ فَتَقُولُ:
رَجَعَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا الْحَقُّ وَأَنَّهَا قِبْلَةُ آبَائِهِ، فَكَذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى دِينِنَا [وما نحن عليه] [6] ، وَأَمَّا الْيَهُودُ، فَتَقُولُ: لَمْ يَنْصَرِفْ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ عِلْمِهِ أنه حَقٌّ إِلَّا أَنَّهُ يَعْمَلُ بِرَأْيِهِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْمُخَاصَمَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي صَلَاتِهِمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: مَا دَرَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قَبِلَتُهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ نَحْنُ، وَقَوْلُهُ:
إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، وهم مُشْرِكُو مَكَّةَ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لِمَا صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ [7] إِلَى الْكَعْبَةِ: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ تَحَيَّرَ فِي دِينِهِ وَسَيَعُودُ إِلَى مِلَّتِنَا كَمَا عَادَ إِلَى قِبْلَتِنَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَعَلَى هَذَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ صَحِيحًا، وَقَوْلُهُ: إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، يَعْنِي: لَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ عَلَيْكُمْ إِلَّا
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) سقط من نسخ المطبوع.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «لتأييد» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) سقط من نسخ المطبوع.
(7) في المطبوع «قبلتهم» .(1/181)
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)
مشركو قُرَيْشٍ فَإِنَّهُمْ يُحَاجُّونَكُمْ فَيُجَادِلُونَكُمْ وَيُخَاصِمُونَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَالظُّلْمِ، وَالِاحْتِجَاجُ بِالْبَاطِلِ يُسَمَّى:
حُجَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الشُّورَى: 16] ، وَمَوْضِعُ الَّذِينَ خَفْضٌ كَأَنَّهُ قَالَ: [سوى] [1] إلا الَّذِينَ ظَلَمُوا، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ، وَقَالَ الفراء: نصب [على] الاستثناء، قَوْلُهُ تَعَالَى:
مِنْهُمْ، يَعْنِي: مِنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ وَلَكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا يُجَادِلُونَكُمْ بِالْبَاطِلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ [النِّسَاءِ: 157] ، يَعْنِي: لَكِنْ يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ، فَهُوَ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: مَا لَكَ عِنْدِي حَقٌّ إِلَّا أَنْ تظلمني، قَالَ أَبُو رَوْقٍ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ، يَعْنِي: الْيَهُودَ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ الْكَعْبَةَ [قبلة] [2] لإبراهيم، وَوَجَدُوا فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مُحَمَّدًا سَيُحَوَّلُ إِلَيْهَا، فَحَوَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إليها لئلا يكون لهم حجة فيقولوا: إِنَّ النَّبِيَّ الَّذِي نَجِدُهُ فِي كِتَابِنَا سَيُحَوَّلُ إِلَيْهَا وَلَمْ تُحَوَّلْ أَنْتَ، فَلَمَّا حُوِّلَ إِلَيْهَا ذَهَبَتْ حُجَّتُهُمْ، إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا، يَعْنِي: إِلَّا أَنْ يَظْلِمُوا فَيَكْتُمُوا مَا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَوْلُهُ [3] إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا لَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ، وَلَكِنْ إِلَّا فِي مَوْضِعِ وَاوِ الْعَطْفِ، يَعْنِي: وَالَّذِينَ ظَلَمُوا أَيْضًا لَا يَكُونُ لَهُمْ حُجَّةٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَكُلُّ أَخٍ مُفَارِقُهُ أَخُوهُ ... لَعَمْرِ أَبِيكَ إِلَّا الْفَرْقَدَانِ
مَعْنَاهُ: وَالْفَرْقَدَانِ أَيْضًا يَتَفَرَّقَانِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: فَتُوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ- يَعْنِي لليهود- عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ فَيَقُولُوا: لِمَ تَرَكْتُمُ الْكَعْبَةَ وَهِيَ قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنْتُمْ عَلَى دِينِهِ وَلَا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَهُمْ مُشْرِكُو مَكَّةَ فَيَقُولُونَ لِمَ تَرَكَ مُحَمَّدٌ قِبْلَةَ جَدِّهِ وَتَحَوَّلَ عَنْهَا إِلَى قِبْلَةِ الْيَهُودِ؟ فَلا تَخْشَوْهُمْ: فِي انْصِرَافِكُمْ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَفِي تَظَاهُرِهِمْ عَلَيْكُمْ بِالْمُجَادَلَةِ، فَإِنِّي وَلِيُّكُمْ أُظْهِرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ وَالنُّصْرَةِ، وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ، [عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ] [4] ، وَلِكَيْ أُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ بِهِدَايَتِي إِيَّاكُمْ إِلَى قِبْلَةِ إبراهيم، فتتمّ به لكم الملة الحنيفية، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: تَمَامُ النِّعْمَةِ الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ، قَالَ سَعِيدُ بن جبير: [و] لا يتم [نعمته] [5] على المسلم إلا أن يدخل الْجَنَّةَ، وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ: لِكَيْ تَهْتَدُوا مِنَ الضَّلَالَةِ، وَلَعَلَّ وَعَسَى مِنَ الله واجب.
[سورة البقرة (2) : الآيات 151 الى 152]
كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (152)
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ، هذه الكاف للتشبيه، تحتاج إلى شيء ترجع إليه، فقال بعضهم: يرجع إِلَى مَا قَبِلَهَا، مَعْنَاهُ: وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رسولا منكم، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِدَعْوَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [الْبَقَرَةِ: 128] ، وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [الْبَقَرَةِ: 129] ، فَبَعَثَ اللَّهُ الرَّسُولَ، وَهُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَوَعَدَ إِجَابَةَ الدعوة الثانية أن يجعل من [6] ذُرِّيَّتِهِ أُمَّةً مُسْلِمَةً، يَعْنِي: كَمَا أجبت [7] دعوته ببعث الرسول، كذلك أَجَبْتُ [8] دَعْوَتَهُ بِأَنْ أَهْدِيَكُمْ لِدِينِهِ وَأَجْعَلَكُمْ مُسْلِمِينَ، وَأُتِمَّ نِعْمَتِيَ عَلَيْكُمْ بِبَيَانِ شَرَائِعِ الْمِلَّةِ الْحَنِيفِيَّةِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالْكَلْبِيُّ: هِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا بَعْدَهَا وَهُوَ قَوْلُهُ: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، معناه:
__________
(1) سقط من المخطوط.
(2) سقط من المطبوع.
(3) في المطبوع «قبله» .
(4) زيد في نسخ المطبوع.
(5) في المطبوع «نعمة» . [.....]
(6) في المطبوع وحده «في» .
7 في المطبوع «أجيبت» .
8 في المطبوع «أجيبت» .(1/182)
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ فَاذْكُرُونِي، وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَالْعَرَبِ، يَعْنِي: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ رَسُولًا مِنْكُمْ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، قِيلَ: الْحِكْمَةُ السُّنَّةُ، وَقِيلَ: مَوَاعِظُ الْقُرْآنِ، وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، من الْأَحْكَامَ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ.
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أذكركم بمعونتي، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:
[اذْكُرُونِي بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وقيل] [1] : اذْكُرُونِي فِي النِّعْمَةِ وَالرَّخَاءِ أَذْكُرْكُمْ في الشدّة والبلاء، بيانه: فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) [الصَّافَّاتِ: 144] .
«102» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ منه، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنَّ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعَا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» .
«103» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاضِي، وَثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الدِّمَشْقِيُّ، أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَنَا مُنْذِرُ بْنُ زياد عن صخر بن
__________
102- إسناده على شرط البخاري ومسلم. عمر بن حفص هو ابن غياث من رجال البخاري ومسلم، وكذا من فوقه، الأعمش هو سليمان بن مهران، وأبو صالح اسمه ذكوان مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» 1244 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 7405 عن عمر بن حفص بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري 7505 و7537 مختصرا ومسلم 2675 والترمذي 3603 وابن ماجه 3822 وأحمد (2/ 251 و413 و516 و534) وابن خزيمة في «التوحيد» (ص 7) وابن حبان 811 والبيهقي في «الشعب» 550 وفي «الأسماء والصفات» من طريق أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به.
103- أصل المتن محفوظ.
إسناده ضعيف جدا. فيه منذر بن زياد الطائي، وهو متروك الحديث، وكذبه الفلاس. وقد ساق هذا الحديث بسياق غريب.
وورد بنحوه أخرجه عَبْدِ الرَّزَّاقِ (20575) عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قتادة عن أنس مرفوعا ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (3/ 138) والبيهقي في «الأسماء والصفات» 625 والبغوي في «شرح السنة» 1243 وصححه.
- وأخرجه البخاري (7536) والطيالسي (2012) وأحمد (3/ 124) و (127 و230) و (272) وأبو يعلى (3180) من طريق شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ به مختصرا، وكذا أخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (960) ولفظ البخاري «إذا تقرب إليّ العبد شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ باعا، وإذا أتاني مشيا أتيته هرولة» هذا لفظ البخاري بحروفه.
(1) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وحده، ومع ذلك هو الصواب كما يدل عليه سياق الطبري 2318 والوسيط للواحدي (1/ 234) .(1/183)
جُوَيْرِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنْسٍ [بن مالك] [1] قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَدَ أَنَامِلِي هَذِهِ الْعَشْرِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنْ ذَكَرَتْنِي فِي نَفْسِكَ ذَكَرْتُكَ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَتْنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُكَ فِي مَلَأٍ خير منه [2] ، وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي شِبْرًا دَنَوْتُ مِنْكَ ذِرَاعًا وَإِنْ دَنَوْتَ مِنِّي ذِرَاعًا دَنَوْتُ مِنْكَ بَاعًا وَإِنْ مَشَيْتَ إِلَيَّ هَرْوَلْتُ إِلَيْكَ، وَإِنْ هَرْوَلْتَ إِلَيَّ سَعَيْتُ إِلَيْكَ، وَإِنْ سَأَلْتَنِي أَعْطَيْتُكَ، وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْنِي غَضِبْتُ عَلَيْكَ» .
«104» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بن عبيد اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عبيد الله [3] ، عَنْ أُمِّ [4] الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ» .
«105» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا عبد الرحمن أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ البغوي أخبرنا علي بن
__________
104- حديث حسن صحيح. إسناده ضعيف لضعف يحيى بن عبيد الله، وهو ابن الضحاك الحراني ابن امرأة الأوزاعي، لكن لم يتفرد به حيث تابعه غير واحد.
أم الدرداء هي الصغرى اسمها هجيمة، ثقة في عداد التابعين.
هو في «شرح السنة» (1235) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه (3792) وأحمد (2/ 540) والحاكم (1/ 496) من طريقين عن الأوزاعي بهذا الإسناد، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص 87) من طريق ابن جابر والأوزاعي قالا: حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة عن أبي هريرة به.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 510 من طريق ابن جابر يقول: حدثني إسماعيل بن عبيد الله عن كريمة بنت الحسحاس المزنية أنها قالت: حدثنا أبو هريرة ونحن في بيت هذه- يعني أم الدرداء.
- قال:.... فذكره. وأخرجه البيهقي 509 من وجه آخر عن إسماعيل بن عبيد الله بالإسناد المتقدم.
الخلاصة: روي من عدة طرق عن الأوزاعي، والأوزاعي فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، فهو حديث حسن أو صحيح. والله أعلم.
105- حديث صحيح. إسناده حسن، إسماعيل بن عياش حسن الحديث في روايته عن أهل بلده، وهذا منها. فإن شيخه شامي، ولم ينفرد به بل تابعه غير واحد.
وهو في «شرح السنة» 1238 بهذا الإسناد.
أخرجه الترمذي 3375 وابن ماجه 3793 وأحمد (4/ 190) وابن حبان 814 والحاكم (1/ 495) من طريق معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس به. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، واستغربه الترمذي ومعاوية بن قيس، صدوق له أوهام وقد خرج له مسلم، وشيخه ثقة.
وأخرجه أحمد (4/ 188) من طريق علي بن عياش عن حسان بن نوح عن عمرو بن قيس به.
- وله شاهد من حديث معاذ بن جبل عن ابن السني في «اليوم والليلة» 2 وابن حبان 818 والطبراني في «الكبير» (20/ 93 و107 و108) من طرق.
وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، صدوق يخطئ، وقال الهيثمي في «المجمع» (10/ 74) : رواه الطبراني بأسانيد، وفي هذه الطريق خالد بن يزيد عبد الرحمن بن أبي مالك، ضعفه جماعة، ووثقه أبو زرعة وغيره، وبقية رجاله ثقات. ورواه البزار من غير طريقه، وإسناده حسن اهـ.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، وقد صححه الشيخ شعيب في «الإحسان» والله الموفق.
(1) سقط من المطبوع.
(2) في المطبوع «منهم» .
(3) وقع في الأصل «عبد» والتصويب من كتب الحديث وكتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «أبي» والمثبت من «ط» ومن «شرح السنة» .(1/184)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)
الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ [1] ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ السَّكُونِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ [2] المازني قَالَ:
جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ، يَعْنِي: وَاشْكُرُوا لِي بِالطَّاعَةِ وَلَا تَكْفُرُونِي بِالْمَعْصِيَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ، فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ كَفَرَهُ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 153 الى 154]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) : بِالْعَوْنِ وَالنُّصْرَةِ.
وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ، نَزَلَتْ فِي قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، سِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مَاتَ فَلَانٌ وَذَهَبَ عَنْهُ نَعِيمُ الدُّنْيَا وَلَذَّتُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتٌ [أي هم أَمْوَاتٌ] [3] ، بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لَا تَشْعُرُونَ كَمَا قَالَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) [آلِ عِمْرَانَ: 169] ، قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ الشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى تُعْرَضُ أَرْزَاقُهُمْ عَلَى أَرْوَاحِهِمْ فَيَصِلُ إِلَيْهِمُ الرَّوْحُ وَالْفَرَحُ، كَمَا تُعْرَضُ النَّارُ عَلَى أَرْوَاحِ آلِ فِرْعَوْنَ غُدْوَةً وعشية، فيصل إليهم الوجع.
[سورة البقرة (2) : الآيات 155 الى 156]
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ، أَيْ: وَلَنَخْتَبِرَنَّكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، وَاللَّامُ: لِجَوَابِ القسم [المحذوف] [4] ، تَقْدِيرُهُ: وَاللَّهِ لِنَبْلُوَنَّكُمْ، وَالِابْتِلَاءُ [مِنَ اللَّهِ] [5] لِإِظْهَارِ الْمُطِيعِ مِنَ الْعَاصِي، لَا لِيَعْلَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ عالما به، بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي خَوْفَ الْعَدُوِّ، وَالْجُوعِ، يَعْنِي: الْقَحْطَ، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ: بِالْخُسْرَانِ وَالْهَلَاكِ، وَالْأَنْفُسِ، يَعْنِي: بِالْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، وَقِيلَ: بِالْمَرَضِ وَالشَّيْبِ [6] ، وَالثَّمَراتِ، يَعْنِي: بالجوائح فِي الثِّمَارِ، وَحُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْخَوْفُ خَوْفُ اللَّهِ تعالى، والجوع
__________
(1) وقع في الأصل «عباس» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» .
(2) وقع في الأصل «بشير» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» . [.....]
(3) سقط من نسخ المطبوع.
(4) زيد في نسخ المطبوع.
5 في المخطوط «والتشتيت» .
6 في المخطوط «والتشتيت» .(1/185)
صِيَامُ رَمَضَانَ، وَنَقْصٌ مِنَ الْأَمْوَالِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ، وَالْأَنْفُسُ الْأَمْرَاضُ، وَالثَّمَرَاتُ مَوْتُ الْأَوْلَادِ، لِأَنَّ وَلَدُ الرَّجُلِ ثَمَرَةُ قَلْبِهِ.
«106» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ قَالَ: دَفَنْتُ ابْنِي سِنَانًا وَأَبُو طَلْحَةَ الْخَوْلَانِيُّ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ الْخُرُوجَ أَخَذَ بِيَدِي فَأَخْرَجَنِي فَقَالَ: أَلَا أبشرك؟ حدثني الضحاك [بن عبد الرحمن بن عَرْزَبٍ] [1] عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا مَاتَ ولد العبد قال الله لِمَلَائِكَتِهِ: أَقَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ:
أَقَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ قَالُوا: اسْتَرْجَعَ وَحَمِدَكَ، قَالَ: ابْنُوا لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ» .
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ: عَلَى الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا، ثُمَّ وَصَفَهُمْ فَقَالَ:
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ: عَبِيدًا وَمِلْكًا، وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ: فِي الْآخِرَةِ.
«107» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ [أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَاضِرُ بْنُ المورّع [2] أخبرنا [سعد بن] [3] سعيد عن
__________
106- إسناده ضعيف، أبو سنان هو عيسى بن سنان القسملي الفلسطيني، ضعفه ابن معين وأحمد وغيرهما، ولينه الذهبي، وشيخه أبو طلحة الخولاني شبه مجهول، وثقه ابن حبان وحده، وقال عنه الحافظ: مقبول. أي حيث يتابع. ولم أجد من تابعه.
وهو في «شرح السنة» 1543 بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 1021 والطيالسي 508 وأحمد (4/ 415) ونعيم بن حماد في «زوائد الزهد» 108 وابن حبان 2948 من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سنان به.
(1) وقع في الأصل «عن عروة» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التخريج.
107- إسناده صحيح على شرط مسلم، مولى أم سلمة هو ابن سفينة، كذا سماه مسلم وغيره. وقال الحافظ في التقريب:
جزم ابن منده بأنه عمر اهـ. أي عمر بن سفينة.
- وهو في «شرح السنة» 1456 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 918 وأحمد (6/ 309) والبيهقي في «الشعب» 9697 من طريق سعد بن سعيد عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أفلح عن ابن سفينة مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سلمة به.
- والحديث ورد من طرق كثيرة. فقد أخرجه أبو داود 3119 والنسائي في «عمل اليوم والليلة» 1072 وابن سعد في «الطبقات» (8/ 89- 90) وأحمد (6/ 313) والطبراني (13/ 506 و507) من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ البناني عن ابن عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أبيه عن أم سلمة به.
وابن عمر بن أبي سلمة وثقه ابن حبان وقال الحافظ في «التقريب» : مقبول.
- وأخرجه أحمد (4/ 27- 28) من طريق يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمر بن أبي عمرو عن المطلب عن أم سلمة عن أبي سلمة به.
وهذا إسناد قوي رجاله ثقات.
(2) وقع في الأصل «الموزع» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «التقريب» .
(3) ما بين المعقوفتين مستدرك من «صحيح مسلم» ومن «ط» ومن «شرح السنة» .(1/186)
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
عُمَرَ [1] بْنِ كَثِيرِ بْنِ [2] أَفْلَحَ أَخْبَرَنَا مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ عَبْدًا فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ أَجِرنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخَلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ، وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا منها» ، قالت [3] : فلما تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ عَزَمَ اللَّهُ لِي فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخَلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، [قالت] [4] :
فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ فِي الْمُصِيبَةِ مَا أُعْطِيَ هَذِهِ الْأُمَّةُ، يَعْنِي: الِاسْتِرْجَاعَ، وَلَوْ أُعْطِيَهَا أَحَدٌ لَأُعْطِيَهَا يَعْقُوبُ عَلَيْهِ السلام، ألا تسمع إلى قوله تَعَالَى فِي قِصَّةِ [5] يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
يَا أَسَفى عَلى يُوسُفَ [يوسف: 84] .
[سورة البقرة (2) : آية 157]
أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
أُولئِكَ: أَهْلُ هَذِهِ الصِّفَةِ: عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، صَلَوَاتٌ: أَيْ: رَحْمَةٌ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الله رحمة [6] ، و «رحمة» ذكرها الله تأكيدا، وجمع [7] الصَّلَوَاتِ، أَيْ رَحْمَةٌ [بَعْدَ رَحْمَةٍ] [8] ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ: إِلَى الِاسْتِرْجَاعِ، وَقِيلَ: إِلَى الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَقِيلَ: إِلَى الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: نِعْمَ الْعَدْلَانِ وَنِعْمَتِ الْعِلَاوَةُ فَالْعَدْلَانِ: الصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ، وَالْعِلَاوَةُ الْهِدَايَةُ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلَاءِ وَأَجْرِ الصَّابِرِينَ، مِنْهَا مَا:
«108» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحُبَابِ [9] سَعِيدَ [10] بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خيرا يصب منه» .
«109» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا [أَحْمَدُ] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
__________
108- إسناده صحيح. مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الرحمن تفرد عنه البخاري دون مسلم.
وهو في «شرح السنة» 1414 بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 941) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري 5645 والنسائي في «الكبرى» 7478 وأحمد (2/ 237) وابن حبان 2907 والقضاعي في «الشهاب» 344.
109- إسناده صحيح على شرط البخاري.
(1) وقع في الأصل «عمرو» والتصويب من كتب التخريج.
(2) وقع في الأصل «أنا أفلح» والتصويب من «صحيح مسلم» وكتب التراجم.
(3) في المطبوع «أم سلمة» . [.....]
(4) سقط من المطبوع.
(5) زيد في المطبوع وحده «فقد» .
(6) في المطبوع «الرحمة والرحمة» .
(7) في المطبوع وط «وجميع» والمثبت عن المخطوط والوسيط.
(8) سقط من المطبوع.
(9) وقع في الأصل «الحبال» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(10) في الأصل «سعد» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» ومصادر التخريج.(1/187)
يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو [1] أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ [2] وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» .
«110» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبِيدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَتِ امْرَأَةٌ بِهَا لَمَمٌ [3] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ يَشْفِيَنِي، قَالَ: «إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكِ وَإِنْ شِئْتِ فَاصْبِرِي وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ» ، قَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ.
«111» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ خَلَفُ بن عبد الرحمن [بن
__________
- وهو في «شرح السنة» 1415 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» (5641 و5642) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (2/ 303) و (3/ 18 و48) وابن حبان 2905 من طريق زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بن عمرو بن حلحلة به.
وقد توبع مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ، فقد أخرجه مسلم 2573 والبيهقي (3/ 373) من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار به.
وأخرجه الترمذي 966 وأحمد (3/ 4) و (61 و81) من حديث أبي سعيد الخدري. فقط ليس فيه ذكر أبي هريرة، وفي الباب من حديث عائشة أخرجه البخاري 5640 ومسلم 2572.
(1) وقع في الأصل «عمر» والتصويب من كتب التراجم.
(2) الوصب: المرض وقيل: المرض اللازم- والنصب: التعب.
(3) اللمم: طرف من الجنون يلم بالإنسان أي: يقرب منه ويعتريه.
110- إسناده حسن، رجاله ثقات معروفون، سوى محمد بن عمرو وهو حسن الحديث كما قال الذهبي رحمه الله في «الميزان» (3/ 673) خرج له البخاري ومسلم متابعة، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، قيل اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل، روى له الشيخان.
هو في «شرح السنة» 1418 بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (2/ 441) وابن حبان 2909 من طريق محمد بن عبيد عن محمد بن عمرو.
وأخرجه البزار 772 من طريق عمرو بن خليفة عن محمد بن عمرو به.
وأخرجه الحاكم (4/ 218) من طريق عبد العزيز بن مسلم عن محمد بن عمرو به وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
وقال الهيثمي في «المجمع» (2/ 307) : رواه البزار وإسناده حسن اهـ. قلت: ومداره على محمد بن عمرو بن علقمة الليثي، وهو صدوق له أوهام كما في «التقريب» وهو حسن الحديث كما قال الذهبي آنفا والله أعلم.
111- حديث حسن. إسناده ضعيف، لأجل يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو متهم بسرقة الحديث. ما روى له أحد من الأئمة الستة، حيث لم يذكره الذهبي في «الكاشف» ، وذكره في «الميزان» و «المغني» و «ديوان الضعفاء» ، ولم يذكر له راو من الأئمة الستة، وإنما ذكره مسلم في صحيحه (2/ 155) ، ولم يخرج له، فوقع في «التقريب» [رم-، ولم ينفرد به، حيث تابعه غير واحد.
وهو في شرح السنة 1428 بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 2398 وابن ماجه 4023 وأحمد (1/ 185) وابن حبان 2901 والحاكم (1/ 41) من طرق عن حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة به. وعاصم حسن الحديث.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
وأخرجه أحمد (1/ 172 و173 و180) والدارمي (2/ 320) والحاكم (1/ 41) والبيهقي (3/ 372) عن عاصم به ولصدره شواهد كثيرة، وكذا لعجزه شواهد، وأما أثناؤه فهو حسن إن شاء الله تعالى، والله أعلم. وانظر الحديث 114.(1/188)
مُحَمَّدِ بْنِ علي بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ] [1] بْنِ أَبِي نِزَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ النَّضْرَوِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَجْدَةَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ، قَالَ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَشَدِّ النَّاسِ بَلَاءً قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يَبْتَلِي اللَّهُ الرَّجُلَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ هُوِّنَ عَلَيْهِ، فَمَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى الْأَرْضِ وما له ذَنْبٍ» .
«112» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عن سعد [2] بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ عظم الجزاء [3] مع عظم البلاء، وإنّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِي فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» .
«113» أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ [4] بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ [5] أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة قال:
__________
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» 1428. [.....]
(2) في الأصل «سعيد» والتصويب عن «شرح السنة» ومصادر التخريج.
(3) زيد في المطبوع «عند الله» والصواب ما في المخطوط وشرح السنة.
(4) وقع في الأصل «زيد» والتصويب من كتب التراجم والتخريج.
(5) في الأصل «وعن» والتصويب من كتب التخريج.
112- إسناده ضعيف لأجل سعد بن سنان، ويقال: سنان بن سعد. ضعفه الدارقطني، وقال النسائي: منكر الحديث. وقال الجوزجاني أحاديثه واهية. ونقل ابن القطان أن أحمد يوثقه.
- وهو في «شرح السنة» 1429 بهذا الإسناد، وأخرجه الترمذي 2396 وابن ماجه 4031 والقضاعي 1121 من طريق الليث بن سعد عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه اهـ.
ولفظ «فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابتلاهم» له شواهد كثيرة منها ما أخرجه أبو يعلى 4222 من طريق مجاهد بن موسى الختّليّ عن السهمي عن سليمان الحضرمي به مختصرا، والحضرمي لا يعرف وله شواهد أخرى، وأما صدره وعجزه، فلم أجده عند غيره، والله أعلم.
113- حديث جيد. إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو، وباقي الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» 1430 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2399 وأحمد (2/ 287) و450 وابن حبان 2913 و2924 والحاكم (1/ 346) والبغوي 1436 من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
وأخرجه مالك (1/ 236) بلاغا عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا به، وهذا وإن كان منقطعا، إلا أنه يشهد لما قبله، لاختلاف مخرجه، فالحديث يرقى إلى الجودة، والله أعلم.(1/189)
إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158)
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ» .
«114» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو [عَلِيٍّ] [1] إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ تُفِيئُهُ [2] ، وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الأرز لَا تَهْتَزُّ [3] حَتَّى تُسْتَحْصَدَ» .
«115» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْعِيزَارِ بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ عُمَرَ [4] بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: «عجبا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ اللَّهَ وَصَبَرَ، فَالْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ حَتَّى يُؤْجَرَ فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِي امرأته» .
[سورة البقرة (2) : آية 158]
إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158)
__________
114- إسناده صحيح. أحمد بن منصور الرمادي فمن دونه ثقات. وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. معمر هو ابن راشد، والزهري هو محمد بن مسلم وابن المسيب هو سعيد.
- وهو في «شرح السنة» 1431 بهذا الإسناد.
و «مصنف عبد الرزاق» 20307 عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 2809 والترمذي 2866 وأحمد (2/ 283- 284) وابن حبان 2915 والبغوي 1437 من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5644 و7466 وأحمد (2/ 523) من طريق آخر عن أبي هريرة بنحوه.
- وله شاهد من حديث كعب بن مالك أخرجه البخاري 5643 ومسلم 2810 والدارمي (2/ 310) والرامهرمزي في «الأمثال» 37.
(1) ما بين المعقوفتين مستدرك من «ط» ومن «شرح السنة» .
(2) تفيئه: تميله.
(3) في المطبوع وحده «تهتم» .
(4) في الأصل «عمرو» والتصويب عن «شرح السنة» ومصادر التخريج.
115- إسناده صحيح. العيزار بن حريث، من رجال مسلم، وباقي الإسناد على شرطهما، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السّبيعي.
- هو في «شرح السنة» 1534 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20310 عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه الطيالسي 211 وعبد الرزاق في «المصنف» 20310 وأحمد (1/ 173) و (177 و182) والطبراني في «الأوسط» 6119 والبيهقي (3/ 375) و (376) من طريق عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص عن أبيه.
- وقال الهيثمي في «المجمع» (7/ 209) : رواه أحمد بأسانيد، ورجالها رجال الصحيح- وقال في موضع آخر (10/ 95) : رواه أحمد بأسانيد والطبراني في «الأوسط» والبزار وأسانيد أحمد رجالها رجال الصحيح، وكذلك بعض أسانيد البزار اهـ.(1/190)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، الصَّفَا جَمْعُ: صَفَاةٍ، وَهِي الصَّخْرَةُ الصُّلْبَةُ الْمَلْسَاءُ، يقال صفاة وصفى، مِثْلَ: حَصَاةٌ وَحَصَى وَنَوَاةٌ وَنَوَى، وَالْمَرْوَةُ: الْحَجَرُ الرَّخْوُ، وَجَمْعُهَا: مَرَوَاتٌ، وَجَمْعُ الْكَثِيرِ: مَرْوٌ، مِثْلَ: تَمْرَةٍ وَتَمَرَاتٍ وَتَمْرٌ، وَإِنَّمَا عَنَى بِهِمَا الْجَبَلَيْنِ الْمَعْرُوفَيْنِ بِمَكَّةَ فِي طَرَفَيِ الْمَسْعَى، وَلِذَلِكَ أَدْخَلَ فِيهِمَا الْأَلِفَ وَاللَّامَ، وَشَعَائِرُ اللَّهِ أَعْلَامُ دِينِهِ، أَصْلُهَا مِنَ الْإِشْعَارِ، وَهُوَ الْإِعْلَامُ، وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ مَعْلَمًا لِقُرْبَانٍ [1] يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَذَبِيحَةٍ فَهُوَ شَعِيرَةٌ، فَالْمَطَافُ وَالْمَوْقِفُ والمنحر [2] كلها شعائر لله [3] وَمِثْلُهَا الْمَشَاعِرُ، وَالْمُرَادُ بِالشَّعَائِرِ [4] هَاهُنَا: الْمَنَاسِكُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ أَعْلَامًا لِطَاعَتِهِ فَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ مِنْهَا حَتَّى يُطَافَ بِهِمَا جَمِيعًا، فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ، فَالْحَجُّ فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ، وَالْعُمْرَةُ: الزِّيَارَةُ، وَفِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ الْمَشْرُوعَيْنِ: قَصْدٌ وَزِيَارَةٌ، فَلا جُناحَ عَلَيْهِ، أَيْ: لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَأَصْلُهُ مِنْ جَنَحَ، أَيْ: مَالَ عَنِ الْقَصْدِ، أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، أَيْ: يَدُورَ بِهِمَا، وَأَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ. وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ صَنَمَانِ أَسَافُ وَنَائِلَةُ، وَكَانَ أَسَافُ عَلَى الصَّفَا وَنَائِلَةُ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ تَعْظِيمًا لِلصَّنَمَيْنِ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِمَا [5] ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَكُسِرَتِ الْأَصْنَامُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَحَرَّجُونَ عَنِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِأَجْلِ الصَّنَمَيْنِ، فَأَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ وَوُجُوبِ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ تَطَوُّعٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سَيْرَيْنِ وَمُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ دَمٌ، وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِمَا:
«116» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الخلال، أخبرنا أبو
__________
116- حديث حسن. إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن المؤمّل، لكن لم ينفرد به، تابعه غير واحد كما سيأتي، وباقي رجال الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» 1914 بهذا الإسناد.
- وفي «مسند الشافعي» (1/ 351- 352) عن عبد الله بن المؤمل بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (6/ 421) والدارقطني (2/ 256) والحاكم (4/ 70) والطبراني (24/ 225- 227) والبيهقي (5/ 98) من حديث حبيبة بنت أبي تجراة، وإسناده ضعيف، لضعف عبد الله بن مؤمل سكت عليه الحاكم. وقال الذهبي: لم يصح.
وضعّف إسناده ابن حجر في «تخريج الكشاف» (1/ 209) وقال الزيلعي في «نصب الراية» (3/ 55) : ورواه إسحاق وابن عدي، وأعله ابن عدي بابن مؤمل، ونقل عن أحمد وابن معين والنسائي تضعيفه. وقال ابن القطان: قد اضطرب فيه ابن المؤمل اضطرابا كثيرا، وذلك دليل على سوء حفظه، وقلة ضبطه اهـ. ملخصا.
- وله شاهد من حديث صفية بنت شيبة أخرجه الطبراني في «الكبير» (24/ 323) وإسناده ضعيف فيه المثنى بن الصباح ضعيف وفيه إرسال أيضا.
- وورد عن صفية بنت شيبة عن امرأة أخبرتها ... أخرجه أحمد (6/ 437) ، وإسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي، وبه أعله الهيثمي في «المجمع» (3/ 248/ 5523) وجهالة الصحابي لا تضر.
(1) في المطبوع «لقربات» . [.....]
(2) في المطبوع «والنحر» .
(3) سقط لفظ الجلالة من المخطوط. وهو في- ط- «الله» .
(4) في المطبوع «بالمشاعر» .
(5) في المخطوط والوسيط «يمسحونهما» .(1/191)
الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المؤمل [1] الْعَائِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ [2] ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ:
أَخْبَرَتْنِي بِنْتُ أَبِي تِجْرَاةَ اسْمُهَا حَبِيبَةُ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ. قَالَتْ:
دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ دَارَ آلِ أَبِي حُسَيْنٍ نَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَرَأَيْتُهُ يَسْعَى وَإِنَّ مِئْزَرَهُ لَيَدُورُ مِنْ شِدَّةِ السَّعْيِ، حَتَّى لَأَقُولُ: إِنِّي لِأَرَى رُكْبَتَيْهِ [3] ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ» .
«117» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ [4] مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ:
قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، فَمَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ، كَانَتْ: فَلَا جَنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ [5] ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ [6] أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ
__________
- وقد توبع فقد أخرجه الطبراني (24/ 206- 207) عن صفية عن تملّك العبدرية، وإسناده ضعيف لضعف المثنى بن الصباح وقال الهيثمي 5522: وثقه يحيى في رواية، وضعفه جماعة، وله علة ثانية: وهي مهران بن أبي عمر، قال الزيلعي في «نصب الراية» (3/ 56- 57) : قال البخاري: في حديثه اضطراب، وللحديث طريق حسن، أخرجه الدارقطني (2/ 255) والبيهقي (5/ 97) كلاهما عن ابن المبارك أخبرني معروف بن مشكان. قال: أخبرني منصور بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ صفية قالت: أخبرني نسوة من بني عبد الدار اللاتي أدركن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم ... الحديث. قال الزيلعي (3/ 56) : قال صاحب «التنقيح» - ابن عبد الهادي: إسناده صحيح، ومعروف بن مشكان باني كعبة الرحمن صدوق لا نعلم من تكلم فيه، ومنصور هذا ثقة، مخرّج له في الصحيحين.
- وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الأوسط» 5028 وإسناده ضعيف جدا، فيه المفضل بن صدقة قال الهيثمي في «المجمع» 5527: متروك.
- لكن الحديث بطرقه وشواهده يصير حسنا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا سيما وقد قال الحافظ في «الفتح» عقب حديث 1643:
له طرق أخرى في صحيح ابن خزيمة، وعند الطبراني عن ابن عباس وإذا انضمت إلى الأولى قويت، والعمدة في الوجوب «خذوا عني مناسككم» اهـ.
(1) وقع في الأصل «نوفل» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» وكتب التخريج والتراجم.
(2) وقع في الأصل «محيص» والتصويب من كتب التراجم.
(3) في المطبوع «ركبته» .
(4) تحرف في المطبوع إلى «الحسين» .
(5) القديد: موضع بين مكة والمدينة كما في «اللسان» .
(6) في المطبوع «يتحرون» .
117- إسناده صحيح على شرطهما، عروة هو ابن الزبير.
وهو في «شرح السنة» 1913 بهذا الإسناد.
وفي «الموطأ» (1/ 373) عن هشام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1970 ومسلم 1277 وأبو داود 1901 وابن ماجه 2986 وابن خزيمة 2769 وابن حبان 3839 من طريق هشام بن عروة عن عروة عن عائشة.
- وأخرجه البخاري 1643 ومسلم 1277 والترمذي 2965 والنسائي (5/ 237- 238) والحميدي 219 وأحمد (6/ 144) وابن حبان 3840 من طريق الزهري عن عروة عن عائشة.(1/192)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163)
الْإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ الْآيَةَ.
وقال عَاصِمٌ [1] : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ.
«118» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّفَا يَقُولُ: «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ» ، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، وَقَالَ: كَانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ [2] وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ، يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَدْعُو وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: كَانَ إِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا مَشَى حَتَّى إذا نصبت قدماه في بطن الوادي سعى [3] حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ.
قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَجَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ وَعَلَيْهِ عباءتان قطوانيتان فطاف بالبيت، ثُمَّ صَعِدَ الصَّفَا وَدَعَا ثُمَّ هبط إلى المسعى [4] وَهُوَ يُلَبِّي فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لبّيك، قال الله تعالى: لبيك عبدي، أنا معك وسامع لك وناظر إليك، فَخَرَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَاجِدًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَجَزْمِ الْعَيْنِ، [وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا [الْبَقَرَةِ: 184] ، بِمَعْنَى: يتطوع، ووافق يعقوب في الأول وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّاءِ] [5] ، وَفَتْحِ الْعَيْنِ فِي الْمَاضِي، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ ومن [6] تطوّع بالطوف بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ فَمَنْ تَطَوَّعَ، أَيْ: زَادَ فِي الطَّوَافِ بَعْدَ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ: مَنْ تَطَوَّعَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بَعْدَ أَدَاءِ الْحَجَّةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ: أَرَادَ سَائِرَ الْأَعْمَالِ، يَعْنِي: فِعْلَ غَيْرِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ وَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَغَيْرِهَا [7] مِنْ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ، مُجَازٍ لِعَبْدِهِ بِعَمَلِهِ، عَلِيمٌ: بِنِيَّتِهِ، وَالشُّكْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعْطِيَ لِعَبْدِهِ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّ، يشكر اليسير ويعطي الكثير.
[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 163]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163)
__________
118- إسناده صحيح على شرط مسلم. محمد هو ابن علي بن الحسين- وهو- محمد الباقر- هو وابنه من رجال مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 1912 بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 372) من طريق جعفر بن محمد بهذا الإسناد. وأخرجه مسلم 1218 وأبو داود 1905 وابن ماجه 3074 والدارمي 1793 من طريق حاتم بن إسماعيل عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبيه به مطوّلا في أثناء حديث صفة حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 3967 من طريق الليث عن ابن الهادي عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2967 من طريق سفيان عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد مختصرا.
(1) عاصم هو ابن سليمان الأحول أحد الأئمة الثقات.
وزيد في المخطوط «أبو» قبل «عاصم» وهو خطأ. [.....]
(2) زيد في المطبوع «يحيي ويميت» دون المخطوط وشرح السنة.
(3) في المطبوع «يسعى» .
(4) في المطبوع «السعي» .
(5) ما بين المعقوفتين زيد في نسخ المطبوع.
(6) في المطبوع «فإن» .
(7) في المطبوع «وغيره» .(1/193)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ، نَزَلَتْ فِي عُلَمَاءِ اليهود [حين] [1] كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةَ الرَّجْمِ وَغَيْرَهُمَا من [سائر] [2] الْأَحْكَامِ الَّتِي كَانَتْ فِي التَّوْرَاةِ، أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ، وَأَصْلُ اللَّعْنِ الطَّرْدُ وَالْبُعْدُ، وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ، أَيْ: يَسْأَلُونَ اللَّهَ أَنْ يَلْعَنَهُمْ وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ اللَّاعِنِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: جَمِيعُ الْخَلَائِقِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: جَمِيعُ عباد الله، وقال ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا تَلَاعَنَ اثْنَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجَعَتِ تِلْكَ اللَّعْنَةُ عَلَى [3] الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَتَمُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِفَتَهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اللَّاعِنُونَ: الْبَهَائِمُ تَلْعَنُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ إِذَا اشْتَدَّتِ السَّنَةُ وَأَمْسَكَ الْمَطَرُ، وَقَالَتْ [4] : هَذَا مِنْ شُؤْمِ ذُنُوبِ بَنِي آدَمَ، ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ:
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا: مِنَ الكفر، وَأَصْلَحُوا: أسلموا أو أصلحوا الْأَعْمَالَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ، وَبَيَّنُوا: مَا كَتَمُوا، فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ: أتجاوز عنهم [جميع سيئاتهم] [5] وَأَقْبَلُ تَوْبَتَهُمْ، وَأَنَا التَّوَّابُ: الرَّجَّاعُ بِقُلُوبِ عِبَادِي الْمُنْصَرِفَةِ عَنِّي إِلَيَّ، الرَّحِيمُ: بِهِمْ بَعْدَ إِقْبَالِهِمْ عَلَيَّ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ، أَيْ: لَعْنَةُ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هَذَا يوم القيامة يوقف الكافر فليعنه اللَّهُ ثُمَّ تَلْعَنُهُ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ يَلْعَنُهُ النَّاسُ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَالْمَلْعُونُ هُوَ [6] مِنْ جُمْلَةِ النَّاسِ، فَكَيْفَ يَلْعَنُ نَفْسَهُ؟ قِيلَ: يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الْعَنْكَبُوتِ: 25] ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَلْعَنُونَ الظَّالِمِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَمَنْ يَلْعَنُ الظَّالِمِينَ وَالْكَافِرِينَ وَهُوَ مِنْهُمْ فَقَدْ لَعَنَ نَفْسَهُ.
خالِدِينَ فِيها مُقِيمِينَ فِي اللَّعْنَةِ وَقِيلَ فِي النَّارِ، لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ لَا يُمْهَلُونَ وَلَا يُؤَجَّلُونَ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا يُنْظَرُونَ فَيَعْتَذِرُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) [الْمُرْسَلَاتِ: 36] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) ، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا رَبَّكَ وَانْسُبْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ وَسُورَةَ الْإِخْلَاصِ، وَالْوَاحِدُ:
الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا شَرِيكَ لَهُ.
«119» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أبو جعفر
__________
119- إسناده لين، عبيد الله بن أبي زياد، غير قوي قال أحمد: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس بقوي، وقال مرة: ليس به بأس، وفي رواية ثالثة: ليس بثقة. وقال يحيى: ضعيف، وقال القطان: كان وسطا، لم يكن بذاك، وفيه شهر بن حوشب، كثير الإرسال والتدليس، لكن رواياته عن أسماء مقبولة.
1 زيادة عن المخطوط.
2 زيادة عن المخطوط.
(3) في المطبوع «عن» .
(4) في المخطوط «وقال» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المخطوط «نفسه» بدل «هو» .(1/194)
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
الرَّيَّانِيُّ [1] أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أخبرنا مكي [2] بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عبيد [3] اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا قَالَتْ:
سَمِعْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اسم الله الأعظم: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) ، واللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» [البقرة: 255] .
[سورة البقرة (2) : آية 164]
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)
قَالَ أَبُو الضُّحَى: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يَقُولُ: إِنَّ إِلَهَكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، ذَكَرَ السَّمَاوَاتِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَالْأَرْضَ بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ كُلَّ سماء مِنْ جِنْسٍ آخَرَ، وَالْأَرْضُونَ كُلُّهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهُوَ التُّرَابُ، فَالْآيَةُ فِي السَّمَاوَاتِ: سُمْكُهَا وَارْتِفَاعُهَا مِنْ غَيْرِ عَمَدٍ وَلَا عِلَاقَةٍ، وما يرى فِيهَا مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ، وَالْآيَةُ فِي الْأَرْضِ: مَدُّهَا وَبَسْطُهَا وسعتها وما يرى فِيهَا مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَالْجِبَالِ وَالْبِحَارِ وَالْجَوَاهِرِ وَالنَّبَاتِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ، أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا فِي الذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ يَخْلُفُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، إِذَا ذَهَبَ أَحَدُهُمَا جَاءَ الْآخَرُ [خَلْفَهُ] [4] ، أَيْ: بَعْدَهُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً [الْفُرْقَانِ: 62] ، قَالَ عَطَاءٌ:
أَرَادَ اخْتِلَافَهُمَا فِي النُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَاللَّيْلُ جَمْعُ لَيْلَةٍ، وَاللَّيَالِي جَمْعُ الْجَمْعِ، وَالنَّهَارُ جمع نُهُرٌ، وَقَدَّمَ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ فِي الذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: 37] ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، يَعْنِي: السُّفُنَ وَاحِدُهُ وَجَمْعُهُ سَوَاءٌ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ يُؤَنَّثُ، وَفِي الْوَاحِدِ يُذَكَّرُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَاحِدِ وَالتَّذْكِيرِ: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)
[الصَّافَّاتِ: 140] ، وَقَالَ فِي الْجَمْعِ وَالتَّأْنِيثِ: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يُونُسَ: 22] ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ الْآيَةُ في الفلك: تسخيرها وجريها عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ، وَهِي مُوقَرَةٌ لَا تَرْسُبُ تَحْتَ الْمَاءِ، بِما يَنْفَعُ النَّاسَ، يَعْنِي: رُكُوبَهَا وَالْحَمْلَ عَلَيْهَا فِي التِّجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ وَأَنْوَاعِ الْمُطَالِبِ، وَما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ ماءٍ، يَعْنِي: الْمَطَرَ، قِيلَ: أَرَادَ بِالسَّمَاءِ السَّحَابَ، يَخْلُقُ اللَّهُ الْمَاءَ فِي السَّحَابِ ثُمَّ من السحاب
__________
- وهو في «شرح السنة» 1254.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 2383 من طريق مكي بن إبراهيم وأبي عاصم بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 1496 والترمذي 3478 وابن ماجه 3855 وأحمد (6/ 461) والدارمي (2/ 450) من طريق عبيد اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شهر بن حوشب به وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ. وحسّن إسناده الأرناؤوط في «جامع الأصول» (4/ 172) والألباني في «صحيح أبي داود» 1327. [.....]
(1) وقع في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتاب «الأنساب» للسمعاني.
(2) وقع في الأصل «بكر» والتصويب عن «شرح السنة» و «شعب الإيمان» .
(3) وقع في الأصل «عبد» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(4) زيادة عن المخطوط.(1/195)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)
ينزل [إلى الأرض] [1] ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ السَّمَاءَ الْمَعْرُوفَةَ، يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى الْمَاءَ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّحَابِ ثُمَّ مِنَ السَّحَابِ يَنْزِلُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَحْيا بِهِ، أَيْ: بِالْمَاءِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، أي: بعد يبسها وَجُدُوبَتِهَا، وَبَثَّ فِيها، أَيْ: فَرَّقَ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الرِّيحِ بِغَيْرِ أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ، وَكُلُّ رِيحٍ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ فِيهَا أَلِفٌ وَلَا لَامٌ، اخْتَلَفُوا فِي جَمْعِهَا وَتَوْحِيدِهَا إِلَّا فِي الذَّارِيَاتِ: الرِّيحَ الْعَقِيمَ [الذَّارِيَاتِ: 41] ، اتَّفَقُوا عَلَى تَوْحِيدِهَا، وَفِي الْحَرْفِ الْأَوَّلِ مِنْ سُورَةِ الرُّومِ: الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ [الرُّومِ: 46] ، اتَّفَقُوا عَلَى جَمْعِهَا، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ سَائِرَهَا عَلَى الْجَمْعِ، والقراء مختلفون فيها، والريح تذكر وتؤنث، وَتَصْرِيفُهَا أَنَّهَا تَتَصَرَّفُ إِلَى الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ، وَالْقَبُولِ وَالدَّبُّورِ وَالنَّكْبَاءِ، وَقِيلَ: تَصْرِيفُهَا أَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ لَيِّنًا، وتارة تكون عاصفا، [وتارة النكباء المزاج المختلفة] [2] ، وتارة تكون حارّا، وتارة باردا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَعْظَمُ جُنُودِ اللَّهِ الرِّيحُ وَالْمَاءُ، وَسُمِّيَتِ الرِّيحُ رِيحًا لِأَنَّهَا تُرِيحُ النُّفُوسَ، قَالَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي: مَا هَبَّتْ رِيحٌ إِلَّا لِشِفَاءِ سَقِيمٍ أَوْ لِسَقَمِ صَحِيحٍ، وَالْبِشَارَةُ فِي ثَلَاثٍ مِنَ الرِّيَاحِ: فِي الصَّبَا وَالشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ، أَمَّا الدَّبُّورُ فَهِي الرِّيحُ الْعَقِيمُ، لَا بِشَارَةَ فِيهَا، وَقِيلَ: الرِّيَاحُ ثَمَانِيَةٌ، أَرْبَعَةٌ لِلرَّحْمَةِ، وَأَرْبَعَةٌ لِلْعَذَابِ، فأما التي للرحمة: فالمبشرات وَالنَّاشِرَاتُ وَالذَّارِيَاتُ وَالْمُرْسَلَاتُ، وَأَمَّا الَّتِي لِلْعَذَابِ: فَالْعَقِيمُ وَالصَّرْصَرُ فِي الْبَرِّ وَالْعَاصِفُ وَالْقَاصِفُ فِي الْبَحْرِ.
وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ، أَيِ: الْغَيْمِ الْمُذَلَّلِ، سُمِّيَ سَحَابًا لِأَنَّهُ يَنْسَحِبُ، أَيْ: يَسِيرُ فِي سُرْعَةٍ كَأَنَّهُ يَسْحَبُ أَيْ يَجُرُّ، بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، فَيَعْلَمُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ خَالِقًا وَصَانِعًا، قَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: ثَلَاثَةٌ لَا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ تَجِيءُ: الرَّعْدُ وَالْبَرْقُ والسحاب.
[سورة البقرة (2) : آية 165]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (165)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ، يعني: المشركين، مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً، أَيْ: أَصْنَامًا يَعْبُدُونَهَا. يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ، أَيْ يُحِبُّونَ آلِهَتَهُمْ كَحُبِّ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُحِبُّونَ الْأَصْنَامَ كَمَا يُحِبُّونَ اللَّهَ لِأَنَّهُمْ أَشْرَكُوهَا مَعَ اللَّهِ، فَسَوَّوْا بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ أَوْثَانِهِمْ فِي الْمَحَبَّةِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، أَيْ: أَثْبَتُ وَأَدُومُ عَلَى حبّه من المشركين، لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَارُونَ عَلَى اللَّهِ مَا سِوَاهُ، وَالْمُشْرِكُونَ إِذَا اتَّخَذُوا صَنَمًا ثُمَّ رَأَوْا أَحْسَنَ مِنْهُ، طَرَحُوا الْأَوَّلَ وَاخْتَارُوا الثَّانِيَ، قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْكَافِرَ يُعْرِضُ عَنْ مَعْبُودِهِ فِي وَقْتِ الْبَلَاءِ وَيُقْبِلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ فَقَالَ: فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [الْعَنْكَبُوتِ: 65] ، وَالْمُؤْمِنُ لَا يُعْرِضُ عَنِ اللَّهِ [كما أخبر الله عنهم] [3] فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَأْمُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ أَحْرَقَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى رُؤْيَةِ الْأَصْنَامِ أَنْ يَدْخُلُوا جَهَنَّمَ مَعَ أَصْنَامِهِمْ، فَلَا يدخلون [فيها ويمتنعون منها] [4] لِعِلْمِهِمْ أَنَّ عَذَابَ جَهَنَّمَ عَلَى الدَّوَامِ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ بَيْنَ أَيْدِيَ الْكُفَّارِ: إِنْ كُنْتُمْ أَحِبَّائِي فَادْخُلُوا جَهَنَّمَ، فَيَقْتَحِمُونَ فِيهَا فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَبَّهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ أَحَبُّوهُ، وَمَنْ شَهِدَ لَهُ الْمَعْبُودُ بِالْمَحَبَّةِ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ أَتَمُّ، قَالَ اللَّهُ تعالى:
__________
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيادة عن المخطوط.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.(1/196)
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [الْمَائِدَةِ: 54] . قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ وَلَوْ تَرَى بِالتَّاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وجواب وَلَوْ هَاهُنَا مَحْذُوفٌ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ [الرعد: 31] الآية، يَعْنِي: لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنُ، فَمَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ مَعْنَاهُ: وَلَوْ تَرَى يَا مُحَمَّدُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ [1] فِي شِدَّةِ الْعَذَابِ، لَرَأَيْتَ أَمْرًا عَظِيمًا، قِيلَ: مَعْنَاهُ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ: أَيُّهَا الظَّالِمُ لَوْ تَرَى الذين ظلموا، أي: أشركوا فِي شِدَّةِ الْعَذَابِ [2] ، لَرَأَيْتَ أَمْرًا عظيما [3] ، وَمَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ مَعْنَاهُ: وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ عِنْدَ رؤية العذاب، أي: ولو رَأَوْا شِدَّةَ عَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ، لَعَرَفُوا مَضَرَّةَ الْكُفْرِ، وَأَنَّ مَا اتَّخَذُوا مِنَ الْأَصْنَامِ لَا يَنْفَعُهُمْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِذْ يَرَوْنَ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا، الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ، أَيْ: بِأَنَّ القوّة لله جميعا معناه: [أن العذاب لمّا رآه المشركون، أي لما عاينوه ولم تنفعهم آلهتهم وتنقذهم منه] [4] ، رأوا وَأَيْقَنُوا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ أَنَّ الْقُوَّةَ وأَنَّ اللَّهَ بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَالْكَلَامُ تَامٌّ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ، مَعَ إضمار الجواب.
[سورة البقرة (2) : الآيات 166 الى 167]
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (166) وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ، هَذَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ حِينَ يَجْمَعُ اللَّهُ الْقَادَةَ وَالْأَتْبَاعَ، فَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هم الشياطين يتبرؤون مِنَ الْإِنْسِ، وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ، أَيْ: عنهم الْأَسْبابُ، أي: الوصلات [5] الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، من القرابات والصداقات، وصارت مخالطتهم [6] عَدَاوَةً، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْأَرْحَامُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ [الْمُؤْمِنُونَ: 101] ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانُوا يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً (23) [الْفُرْقَانِ: 23] ، وَأَصْلُ السَّبَبِ مَا يُوصَلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ ذَرِيعَةٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ مَوَدَّةٍ وَمِنْهُ، يُقَالُ لِلْحَبْلِ: سَبَبٌ، وَلِلطَّرِيقِ: سَبَبٌ.
وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا، يَعْنِي: الْأَتْبَاعَ لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً، أَيْ: رَجْعَةً إِلَى الدُّنْيَا، فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ، أَيْ: مِنَ الْمَتْبُوعِينَ، كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا: الْيَوْمَ، كَذلِكَ، أَيْ: كَمَا أَرَاهُمُ الْعَذَابَ، كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ، وقيل: كتبرّئ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، يُرِيهِمُ اللَّهُ: أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ: نَدَامَاتٍ عَلَيْهِمْ، جَمْعُ حَسْرَةٍ، قِيلَ: يُرِيهِمُ [اللَّهُ] [7] مَا ارْتَكَبُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ فَيَتَحَسَّرُونَ لِمَ تحملوها [8] ، وَقِيلَ: يُرِيهِمْ مَا تَرَكُوا مِنَ الْحَسَنَاتِ، فَيَنْدَمُونَ عَلَى تَضْيِيعِهَا، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: إِنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ [وعبدوا] [9] الْأَوْثَانَ رَجَاءَ أَنْ تُقَرِّبَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَمَّا عُذِّبُوا عَلَى مَا كَانُوا يَرْجُونَ ثَوَابَهُ تَحَسَّرُوا وَنَدِمُوا، قَالَ السُّدِّيُّ: تُرْفَعُ لَهُمُ الْجَنَّةُ فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَإِلَى بيوتهم [وقصورهم] [10] فِيهَا لَوْ أَطَاعُوا اللَّهَ فَيُقَالُ لهم: تلك مساكنكم لو
__________
(1) في المخطوط «يعني أشرك» بدل «أنفسهم» .
(2) في المطبوع وحده «العقاب» .
(3) في المطبوع وحده «فظيعا» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «الصلات» .
(6) كذا في المطبوع والمخطوط. وفي- ط- «مخالّتهم» . [.....]
(7) زيادة من المخطوط وط.
(8) في نسخ المطبوع «عملوا» .
(9) سقط من المطبوع.
(10) زيادة عن المخطوط.(1/197)
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)
أَطَعْتُمُ اللَّهَ، ثُمَّ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فَذَلِكَ حِينَ يَنْدَمُونَ وَيَتَحَسَّرُونَ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ [بكفرهم وموتهم عليه] [1] .
[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 170]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (169) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً، نَزَلَتْ فِي ثَقِيفٍ وَخُزَاعَةَ وَعَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَبَنِي مُدْلِجٍ فِيمَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، وَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ والحام، والحلال مَا أَحَلَّهُ الشَّرْعُ طَيِّبًا، قِيلَ: مَا يُسْتَطَابُ وَيُسْتَلَذُّ، وَالْمُسْلِمُ يَسْتَطِيبُ الْحَلَالَ وَيَعَافُ [2] الْحَرَامَ، وَقِيلَ: الطَّيِّبُ [الطَّاهِرُ] [3] ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ بِضَمِّ الطَّاءِ، والباقون بسكونها، خُطُواتِ الشَّيْطانِ آثَارُهُ وَزَلَّاتُهُ، وَقِيلَ: هِيَ النذور فِي الْمَعَاصِي، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هِيَ الْمُحَقَّرَاتُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: طُرُقُهُ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ:
بَيِّنُ الْعَدَاوَةِ [وَقِيلَ: مُظْهِرُ الْعَدَاوَةِ] [4] وَقَدْ أَظْهَرَ عَدَاوَتَهُ بِإِبَائِهِ السجود لآدم وغروره إيّاه، حين [5] أخرجه من الجنّة، و (أبان) [6] يَكُونُ لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا، ثُمَّ ذَكَرَ عَدَاوَتَهُ فَقَالَ:
إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ، أَيْ: بِالْإِثْمِ، وَأَصْلُ السُّوءِ مَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ سَاءَ يسوء سوءا وَمَسَاءَةً، أَيْ: أَحْزَنَهُ، وَسَوَّأْتُهُ فَسَاءَ أَيْ: حَزَّنْتُهُ فَحَزِنَ، وَالْفَحْشاءِ: الْمَعَاصِي وَمَا قَبُحَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالسَّرَّاءِ]
وَالضَّرَّاءِ، رَوَى بَاذَانُ [8] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْفَحْشَاءُ مِنَ الْمَعَاصِي مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ، وَالسُّوءُ مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَا حَدَّ فِيهِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ الزِّنَا، وَقِيلَ: هِيَ الْبُخْلُ، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ، من تحريم الحرث والأنعام.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، قِيلَ: هَذِهِ قِصَّةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ فِي لَهُمُ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مذكور.
ع «120» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ وَمَالِكُ بن عوف: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا.
أَيْ: مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آباءنا فهم كانوا أفضل وَأَعْلَمَ مِنَّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَقِيلَ: الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا وَهِيَ نَازِلَةٌ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عَائِدَةٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً [الْبَقَرَةِ: 165] ، قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنا، أَيْ: مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آباءَنا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ في تحليل ما حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنَ الْحَرْثِ
__________
(1) سقط من نسخ المطبوع.
(2) في المطبوع وحده «ويخاف» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في نسخ المطبوع «حتى» .
(6) في المخطوط «أبي» .
(7) في المخطوط «كالبأساء» .
(8) وقع في الأصل «روي بإذن» والمثبت هو الصواب.
120- ع ضعيف. أخرجه الطبري 2454 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بن أبي محمد عن عكرمة، أو عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابن عباس به، وإسناده ضعيف لجهالة محمد بن أبي محمد.(1/198)
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
وَالْأَنْعَامِ وَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ، وَالْهَاءُ وَالْمِيمُ عائدتان إِلَى النَّاسِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ بَلْ نَتَّبِعُ بِإِدْغَامِ اللَّامِ فِي النُّونِ، وَكَذَلِكَ يُدْغِمُ لَامَ هَلْ وَبَلْ فِي التَّاءِ وَالثَّاءِ وَالزَّايِ وَالسِّينِ وَالصَّادِ وَالطَّاءِ وَالظَّاءِ، وَوَافَقَ حَمْزَةُ في الثاء [1] والسين، وما أَلْفَيْنا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا مِنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ، قَالَ تَعَالَى: أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ، أَيْ: كَيْفَ يَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمْ، وَآبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئاً؟ الواو فِي أَوَلَوْ وَاوُ الْعَطْفِ، وَيُقَالُ لها أيضا: وَاوُ التَّعَجُّبِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا أَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ لِلتَّوْبِيخِ، وَالْمَعْنَى: أَيَتَّبِعُونَ آبَاءَهُمْ وَإِنْ كَانُوا جُهَّالًا لَا يَعْقِلُونَ [شَيْئًا، لَفْظُهُ] [2] عَامٌّ وَمَعْنَاهُ الْخُصُوصُ، أَيْ: لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ [3] الدِّينِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِلُونَ أمر الدنيا، وَلا يَهْتَدُونَ، [لاتباع محمد لعدم عقلهم] [4] ، ثُمَّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا فَقَالَ جلّ ذكره:
[سورة البقرة (2) : الآيات 171 الى 172]
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (171) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)
وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لَا يَسْمَعُ، وَالنَّعِيقُ وَالنَّعْقُ: صَوْتُ الرَّاعِي بِالْغَنَمِ، مَعْنَاهُ:
مَثَلُكَ يَا مُحَمَّدُ وَمَثَلُ الْكُفَّارِ فِي وَعْظِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ [كَمَثَلِ الرَّاعِي الَّذِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ] [5] ، وَقِيلَ: مَثَلُ وَاعِظِ الكفار وداعيهم كَمَثَلِ الرَّاعِي يَنْعِقُ بِالْغَنَمِ وَهِيَ لَا تَسْمَعُ، إِلَّا دُعاءً صَوْتًا وَنِداءً، فَأَضَافَ الْمَثَلَ إِلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ كَمَا في قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يُوسُفَ: 82] ، مَعْنَاهُ: كَمَا أَنَّ الْبَهَائِمَ تَسْمَعُ صَوْتَ الرَّاعِي وَلَا تَفْهَمُ وَلَا تَعْقِلُ مَا يُقَالُ لَهَا، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَا يَنْتَفِعُ بِوَعْظِكَ إِنَّمَا يَسْمَعُ صَوْتَكَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قِلَّةِ عَقْلِهِمْ وَفَهْمِهِمْ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ، كَمَثَلِ الْمَنْعُوقِ بِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ مِنَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إِلَّا الصَّوْتَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى لِلْمَنْعُوقِ بِهِ وَالْكَلَامُ خَارِجٌ عَنِ النَّاعِقِ، وَهُوَ فَاشٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ [و] يقلبون الكلام لا تضاح [6] الْمَعْنَى عِنْدَهُمْ، يَقُولُونَ: فُلَانٌ يَخَافُكَ خوف [7] الأسد، أي: كخوفه الْأَسَدِ، وَقَالَ تَعَالَى: مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ [الْقَصَصِ: 76] ، وَإِنَّمَا الْعُصْبَةُ تَنُوءُ [8] بِالْمَفَاتِيحِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَاءِ الْأَصْنَامِ الَّتِي لَا تَفْقَهُ وَلَا تَعْقِلُ كَمَثَلِ النَّاعِقِ بِالْغَنَمِ، فَلَا يُنْتَفَعُ مِنْ نَعِيقِهِ بِشَيْءٍ، غَيْرَ أَنَّهُ فِي غِنَاءٍ مِنَ الدُّعَاءِ وَالنِّدَاءِ، كَذَلِكَ الْكَافِرُ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُعَاءِ الْآلِهَةِ وَعِبَادَتِهَا إِلَّا الْعَنَاءُ وَالْبَلَاءُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ [فَاطِرٍ: 14] ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي دُعَاءِ الْأَوْثَانِ، كَمَثَلِ الَّذِي يَصِيحُ فِي جَوْفِ الْجِبَالِ، فَيَسْمَعُ صَوْتًا يُقَالُ لَهُ الصَّدَى [9] لَا يَفْهَمُ مِنْهُ شَيْئًا، فَمَعْنَى الْآيَةِ: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ مِنْهُ النَّاعِقُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً. صُمٌّ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِمَنْ [يَسْمَعُ، وَلَا يَعْقِلُ] [10] : كَأَنَّهُ أَصَمُّ، بُكْمٌ، عَنِ الْخَيْرِ لَا يَقُولُونَهُ، عُمْيٌ، عَنِ الْهُدَى لَا يُبْصِرُونَهُ، فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ.
__________
(1) زيد في- ط- «والتاء» وجعل في المخطوط «التاء» بدل «الثاء» . [.....]
(2) ليس في المخطوط.
(3) في المخطوط «أمر» .
(4) سقط من نسخ المطبوع.
(5) سقط من المخطوط.
(6) في نسخ المطبوع «الإيضاح» .
(7) في المطبوع «كخوف» .
(8) في المطبوع «لتنوء» .
(9) في المطبوع «الصداء» .
(10) العبارة في المطبوع [لا يسمع ولا يعمل] .(1/199)
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ: حَلَالَاتِ مَا رَزَقْناكُمْ.
«121» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ [1] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الله طيب [و] [2] لَا يَقْبَلُ إِلَّا الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً [الْمُؤْمِنُونَ: 51] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رَزَقْناكُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ [3] السَّفَرَ [أشعث أغبر] [4] يمدّ يديه [5] إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ» .
وَاشْكُرُوا لِلَّهِ: عَلَى نِعَمِهِ، إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، ثم بيّن المحرّمات فقال:
[سورة البقرة (2) : آية 173]
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173)
إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ، قَرَأَ أبو جعفر الْمَيْتَةَ كُلِّ الْقُرْآنِ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْبَاقُونَ يُشَدِّدُونَ الْبَعْضَ، وَالْمَيْتَةُ: كُلُّ مَا لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ مِمَّا يُذْبَحُ، وَالدَّمَ، أراد به الدم الجاري، يدل عليه قوله تعالى:
أَوْ دَماً مَسْفُوحاً، وَاسْتَثْنَى الشَّرْعُ مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكَ وَالْجَرَادَ، وَمِنَ الدَّمِ الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ فَأَحَلَّهَا.
«122» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو العباس
__________
(1) زيد في الأصل [و] بين «أبو محمد» و «عبد الرحمن» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» .
2 ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب» والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
3 ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب» والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
4 ما بين المعقوفتين من المخطوط و «شرح السنة» عقب لفظ «يا رب» والمثبت عن المطبوع وصحيح مسلم وباقي كتب الحديث.
(5) في المطبوع و «شرح السنة» «يده» والمثبت عن المخطوط وكتب الحديث. [.....]
121- إسناده صحيح، علي بن الجعد روى له البخاري، وفضيل بن مرزوق روى له مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. أبو حازم اسمه سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» 2021 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1015 والترمذي 2989 وأحمد (2/ 328) و (400) من طريق فضيل بن مرزوق بهذا الإسناد.
122- اللفظ المرفوع ضعيف والصواب موقوف، لكن له حكم الرفع. إسناده ضعيف لضعف عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسلم، فإنه ليس بشيء، لكن لم ينفرد به، فقد تابعه غير واحد.
وهو في «شرح السنة» 2897 بهذا الإسناد.
وأخرجه الشافعي في «مسنده» (2/ 173) وعبد بن حميد في «المنتخب» (280) وأحمد (2/ 97) وابن ماجه 3314 وابن حبان في «المجروحين» (2/ 58) وابن عدي (4/ 271) والبيهقي (9/ 257) كلهم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابن عمر مرفوعا، وإسناده ضعيف، لضعف عبد الرحمن، وبه أعله ابن عدي وابن حبان وغيرهما، ولم ينفرد به، فقد تابعه أخوه عبد الله بن زيد ...
- أخرجه الدارقطني (4/ 371- 372) وعبد الله أحسن حالا من أخيه وهو صدوق، وفيه لين كما في «التقريب» وقد ضعفه قوم، ووثقه آخرون، وتابعهما أسامة بن زيد عند ابن عدي (1/ 397) وأسامة ضعيف، وتابعهم سليمان بن بلال عند ابن عدي (4/ 186) وقال ابن أبي حاتم في «العلل» : (2/ 17/ 1524) : سئل أبو زرعة عن حديث رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «أحلت.....» ورواه عبد الله بن نافع الصباح عن أسامة بن زيد عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ورواه القعنبي عن أسامة وعبد الله ابني زيد عن أبيهما عن ابن عمر(1/200)
الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، الْمَيْتَتَانِ: الْحُوتُ وَالْجَرَادُ، وَالدَّمَانِ: أَحْسَبُهُ قَالَ:
الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ» .
وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَرَادَ بِهِ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِاللَّحْمِ لِأَنَّهُ مُعْظَمُهُ، وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَيْ: مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالطَّوَاغِيتِ، وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ [لأن المشركين] [1] كانوا إذا ذبحوا لآلهتهم [شيئا] [2] يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِذِكْرِهَا، فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى قِيلَ لِكُلِّ ذَابِحٍ وَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ بِالتَّسْمِيَةِ: مُهِلٌّ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ: وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، قَالَ: مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ، فَمَنِ اضْطُرَّ، بكسر النون وأخواته، عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، وَوَافَقَ أَبُو عَمْرٍو إِلَّا فِي اللَّامِ وَالْوَاوِ مِثْلُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الْإِسْرَاءِ: 110] ، وَيَعْقُوبُ إِلَّا فِي الْوَاوِ، وَوَافَقَ ابْنُ عَامِرٍ فِي التَّنْوِينِ، وَالْبَاقُونَ كُلُّهُمْ بِالضَّمِّ، فَمَنْ كَسَرَ قَالَ لِأَنَّ الْجَزْمَ يُحَرَّكُ إِلَى الْكَسْرِ، وَمَنْ ضَمَّ فَلِضَمَّةِ أَوَّلِ الْفِعْلِ، نَقَلَ حَرَكَتَهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا، وَأَبُو جَعْفَرٍ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَمَعْنَاهُ فَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى أكل الميتة، أَيْ: أُحْوِجَ وَأُلْجِئَ إِلَيْهِ، غَيْرَ، نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَقِيلَ: عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِذَا رَأَيْتَ (غَيْرَ) يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا «لَا» [3] فَهِيَ حَالٌ، وَإِذَا صَلَحَ فِي مَوْضِعِهَا «إِلَّا» فَهِيَ اسْتِثْنَاءٌ، باغٍ وَلا عادٍ، أَصْلُ الْبَغْيِ: قَصْدُ الْفَسَادِ، يُقَالُ:
بَغَى الْجُرْحُ يَبْغِي بَغْيًا إِذَا تَرَامَى إِلَى الْفَسَادِ، وَأَصْلُ الْعُدْوَانِ: الظُّلْمُ وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، يُقَالُ: عَدَا عَلَيْهِ عَدْوًا [4] وَعُدْوَانًا إِذَا ظَلَمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: غَيْرَ باغٍ، أي: غير خَارِجٍ عَلَى السُّلْطَانِ، وَلا عادٍ، [أي: ولا] [5] متعد عَاصٍ بِسَفَرِهِ، بِأَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ الطريق أو الفساد فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أن
__________
موقوفا قال أبو زرعة: الموقوف أصح اهـ.
وأشار إلى ذلك ابن عدي فقال (4/ 86) عقب الرواية: وأما ابْنِ وَهْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بلال عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أحلت....» وقال: وهذا إسناد صحيح، وهو في معنى المسند. وقد رفعه أولاد زيد عن أبيهم، ثم كرره عن أولاد زيد عن زيد عن ابن عمر مرفوعا. وقال: أولاد زيد كلهم ضعفاء، جرحهم يحيى بن معين. وكان علي المديني وأحمد بن حنبل يوثقان عبد الله بن زيد. وذكر نحو هذا ابن عدي (1/ 397) لكن وقع عنده عمر بدل ابن عمر، سواء الموقوف أو المرفوع، ولعل هناك سقطا، فالصواب كونه عن ابن عمر سواء المرفوع أو الموقوف، وبكل حال قد صح موقوفا، وله حكم الرفع لأنه مثل: «أمرنا ونهينا وحرّم علينا وأحل لنا» وأشباه ذلك فله حكم الرفع عند جمهور أهل العلم، كما هو مقرر في كتب هذا الفن، فالحديث حسن إن شاء الله.
- ورأيت له شاهدا من حديث أبي سعيد لكنه ضعيف أخرجه الخطيب في «تاريخه» (13/ 245) وأعله بمسور بن الصلت، ونقل عن النسائي قوله: متروك.
وقال: قال الدارقطني: ضعيف.
وانظر «تفسير الشوكاني» 254 و «الكشاف» 76 والقرطبي 796.
ونقل الزيلعي في «نصب الراية» (4/ 202) عن ابن عبد الهادي قوله: هو موقوف في حكم الرفع، وقال مثل ذلك الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (1/ 26) . والله أعلم.
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع.
(3) تحرف «لا» في المطبوع إلى «إلا» .
(4) في المخطوط «عداوة» .
(5) سقط من المطبوع.(1/201)
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)
يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ إِذَا اضْطُرَّ إِلَيْهَا، وَلَا أَنْ يَتَرَخَّصَ بِرُخَصِ الْمُسَافِرِ [1] حَتَّى يَتُوبَ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، لأن [في إِبَاحَتَهُ] [2] لَهُ إِعَانَةٌ لَهُ عَلَى فَسَادِهِ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْبَغْيَ وَالْعُدْوَانَ رَاجِعَانِ إِلَى الْأَكْلِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِهِ، فَقَالَ الْحَسَنُ وقتادة: غَيْرَ باغٍ [لا] [3] يأكله مِنْ غَيْرِ اضْطِرَارٍ وَلا عادٍ، أَيْ: لَا يَعْدُو لِشِبَعِهِ، وَقِيلَ: غَيْرَ باغٍ، أَيْ: غَيْرَ طَالِبِهَا وَهُوَ يَجِدُ غَيْرَهَا، وَلا عادٍ، أَيْ: غَيْرَ مُتَعَدٍّ مَا حُدَّ له، [ولا يَأْكُلُ] [4] حَتَّى يَشْبَعَ، وَلَكِنْ يَأْكُلُ منها قوتا مقدار ما يسدّ [5] به رَمَقَهُ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ غَيْرَ باغٍ، أَيْ: مُسْتَحِلٍّ لَهَا، وَلا عادٍ، أَيْ: مُتَزَوِّدٍ مِنْهَا، وَقِيلَ: غَيْرَ باغٍ، أَيْ: غَيْرَ مُجَاوِزٍ لِلْقَدْرِ الَّذِي أُحِلَّ لَهُ، وَلا عادٍ، أَيْ: لَا يُقَصِّرُ فِيمَا أُبِيحَ لَهُ فَيَدَعُهُ، قَالَ مَسْرُوقٌ: مَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ حَتَّى مَاتَ دَخْلَ النَّارَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مِقْدَارِ مَا يَحِلُّ لِلْمُضْطَرِّ أَكْلُهُ مِنَ الْمَيْتَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِقْدَارُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَالْقَوْلُ الْآخَرُ: يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: غَيْرَ باغٍ مُفَارِقٍ لِلْجَمَاعَةِ، وَلا عادٍ مُبْتَدِعٍ مُخَالِفٍ لِلسُّنَّةِ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لِلْمُبْتَدِعِ فِي تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَكْلِهَا، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ، لِمَنْ أَكَلَ فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ، رَحِيمٌ، حَيْثُ رخّص للعباد في ذلك.
[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 175]
إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (174) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ وَعُلَمَائِهِمْ، كَانُوا يُصِيبُونَ مِنْ سَفَلَتِهِمُ الْهَدَايَا وَالْمَآكِلَ وَكَانُوا يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ النبيّ المبعوث منهم، ولما بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِمْ، خَافُوا ذَهَابَ مَأْكَلِهِمْ وَزَوَالَ رِيَاسَتِهِمْ، فَعَمَدُوا إِلَى صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيَّرُوهَا، ثُمَّ أَخْرَجُوهَا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا نَظَرَتِ السَّفَلَةُ إِلَى النَّعْتِ الْمُغَيَّرِ وَجَدُوهُ مُخَالِفًا لِصِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَتَّبِعُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتَهُ، وَيَشْتَرُونَ بِهِ، أَيْ: بِالْمَكْتُومِ ثَمَناً قَلِيلًا، أَيْ: عِوَضًا يَسِيرًا، يَعْنِي: الْمَآكِلَ الَّتِي يُصِيبُونَهَا مِنْ سَفَلَتِهِمْ، أُولئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ، يَعْنِي: إِلَّا مَا يُؤَدِّيهِمْ إِلَى النَّارِ وَهُوَ الرِّشْوَةُ وَالْحَرَامُ وَثَمَنُ الدِّينِ، فَلَمَّا كَانَ يُفْضِي ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ فَكَأَنَّهُمْ أَكَلُوا النَّارَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا فِي بُطُونِهِمْ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أَيْ: لَا يُكَلِّمُهُمْ بِالرَّحْمَةِ وَبِمَا يَسُرُّهُمْ، إِنَّمَا يُكَلِّمُهُمْ بِالتَّوْبِيخِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ [6] يَكُونُ عَلَيْهِمْ غَضْبَانَ، كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا إِذَا كَانَ عَلَيْهِ غَضْبَانَ، وَلا يُزَكِّيهِمْ، أَيْ: لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ الذُّنُوبِ [والخطايا] [7] ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ (175) ، قَالَ عطاء
__________
(1) في المخطوط «المسافرين» .
(2) المطبوع «إباحة الميتة» وفي- ط- «إباحته» .
(3) في المطبوع «يأكله» ليس فيه «لا» .
(4) في المطبوع «فيأكل» .
(5) في المطبوع «يمسك» .
(6) في المطبوع «أن» والمثبت عن- ط- وهو غير موجود في المخطوط. [.....]
(7) سقط من المطبوع.(1/202)
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (176) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
والسدي: هو ما الاستفهام معناه: ما الذي صبّرهم [1] ؟ وأي شيء صبّرهم عَلَى النَّارِ حَتَّى تَرَكُوا الْحَقَّ واتّبعوا الباطل؟ قال الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: وَاللَّهِ مَا لَهُمْ عَلَيْهَا مِنْ صَبْرٍ، وَلَكِنْ مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يُقَرِّبُهُمْ إلى النار؟ وقال الْكِسَائِيُّ: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى [عَمَلِ] [2] أَهْلِ النَّارِ، أَيْ: مَا أَدْوَمَهُمْ عليه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 176 الى 177]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (176) لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ، يَعْنِي: ذَلِكَ الْعَذَابَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَأَنْكَرُوهُ وَكَفَرُوا بِهِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ ذلِكَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحَلُّهُ نَصْبٌ، مَعْنَاهُ: فِعْلُنَا ذَلِكَ بِهِمْ، بِأَنَّ اللَّهَ، أَيْ: لِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ذَلِكَ أَيْ فعلهم الذين يَفْعَلُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالِاخْتِلَافِ وَالِاجْتِرَاءِ عَلَى اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [الْبَقَرَةِ: 6. 7] ، وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ: فَآمَنُوا بِبَعْضٍ وَكَفَرُوا بِبَعْضٍ، لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ، أَيْ: فِي خِلَافٍ وَضَلَالٍ بَعِيدٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ: لَيْسَ الْبِرَّ بِنَصْبِ الرَّاءِ، وَالْبَاقُونَ بِرَفْعِهَا، فَمَنْ رَفَعَهَا جَعَلَ الْبِرَّ اسْمَ لَيْسَ وخبره في قَوْلُهُ: أَنْ تُوَلُّوا، تَقْدِيرُهُ:
لَيْسَ البرّ توليتكم وجوهكم، ومن نصب جعل أَنْ تُوَلُّوا في موضع الرفع على [أنه] [3] اسم ليس تقديره: توليتكم وجوهكم البرّ كله كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا [الْجَاثِيَةِ: 25] ، وَالْبِرُّ:
كُلُّ عَمَلِ خَيْرٍ يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ [4] : عَنَى بِهَا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تُصَلِّي قِبَلَ الْمَغْرِبِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالنَّصَارَى قِبَلَ الْمَشْرِقِ، وَزَعَمَ كُلُّ فَرِيقٍ منهم أن البرّ في [تلك الجهة] [5] ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْبِرَّ غَيْرُ دِينِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَلَكِنَّهُ مَا بَيَّنَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: الْمُرَادُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ إِذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصَلَّى الصَّلَاةَ إِلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَتْ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَتْ له الجنّة، فَلَمَّا [6] هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَتِ الْفَرَائِضُ، وحدّت [7] الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الْقِبْلَةُ إِلَى الْكَعْبَةِ، أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: لَيْسَ الْبِرَّ، أي: [كل البر] [8] أَنْ تُصَلُّوا قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا تَعْمَلُوا [عَلَى] [9] غَيْرِ ذَلِكَ، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ، وَلكِنَّ الْبِرَّ، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَلكِنَّ، خَفِيفَةَ النُّونِ الْبِرَّ، رُفِعَ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ الْبِرِّ، قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، جَعَلَ مَنْ وَهِيَ اسم خبر للبرّ هو فعل، ولا
__________
(1) زيد في المطبوع «على النار» .
(2) سقط من المطبوع وحده.
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المخطوط «بعضهم» .
(5) في المطبوع «ذلك» .
(6) في المطبوع «ولما» .
(7) في المطبوع «وحددت» .
(8) في المطبوع «كله» .
(9) ليس في المخطوط.(1/203)
يُقَالُ: الْبِرُّ زِيدَ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهِ، قِيلَ: لَمَّا وَقَعَ مَنْ فِي مَوْضِعِ [1] الْمَصْدَرِ جَعَلَهُ خَبَرًا لِلْبِرِّ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الِاسْمَ خَبَرًا لِلْفِعْلِ، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
لَعَمْرُكَ مَا الْفِتْيَانُ أَنْ تَنْبُتَ اللِّحَى ... وَلَكِنَّمَا الْفِتْيَانُ كُلُّ فَتًى نَدِيِّ
فجعل نبات اللحية خَبَرًا لِلْفَتَى، وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، تقديره [2] : وَلَكِنَّ الْبِرَّ [بِرُّ] [3] مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، فَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْأَوَّلِ عَنِ الثَّانِي كَقَوْلِهِمُ: الْجُودُ حَاتِمٌ، أَيِ: الْجُودُ جُودُ حَاتِمٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: 163] ، أَيْ: ذوو دَرَجَاتٍ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: وَلَكِنَّ الْبَارَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى [طه: 132] ، أَيْ: لِلْمُتَّقِي، وَالْمُرَادُ مِنَ الْبِرِّ هَاهُنَا الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ: كُلِّهِمْ، وَالْكِتابِ، يَعْنِي: الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ، وَالنَّبِيِّينَ: أجمع، وَآتَى الْمالَ، أي: أَعْطَى الْمَالَ عَلى حُبِّهِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْكِنَايَةِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: إِنَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى الْمَالِ أَيْ: أَعْطَى الْمَالَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ الْمَالَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنْ تُؤْتِيَهُ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ.
«123» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا [مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [4] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، ثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ أَنَا أَبُو زُرْعَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلَا تُمْهِلْ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ» .
وَقِيلَ: هي عائدة إلى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَيْ: عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى، ذَوِي الْقُرْبى: أَهْلَ الْقَرَابَةِ.
«124» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ محمد الجراحي،
__________
123- إسناده صحيح على شرطهما، محمد بن إسماعيل هو البخاري، وموسى بن إسماعيل هو المنقري، عبد الواحد هو ابن زياد، أبو زرعة ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي، قيل اسمه: هرم، وقيل: عبد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: جرير.
وهو في «شرح السنة» 1665 بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» 1419 عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2748 ومسلم 1032 وأبو داود 2865 والنسائي (5/ 68) وابن ماجه 2706 وأحمد (2/ 25) و231 و415 و447 وابن خزيمة 2454 وابن حبان 3312 والبيهقي (4/ 189- 190) من طرق عن عمارة بن القعقاع بهذا الإسناد.
124- حديث صحيح. إسناده لين لأجل الرّباب وهي بنت صليح، حيث وثقها ابن حبان وحده، وقال الحافظ: مقبولة. أي إن توبعت، وقد تابعها ابن سيرين على المتن، وللحديث شواهد. قتيبة هو ابن سعيد، عاصم هو ابن النضر.
- وهو في «شرح السنة» 1678 بهذا الإسناد.
- وهو في «جامع الترمذي» 658 عن قتيبة بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي (5/ 92) وابن ماجه 1844 وأحمد (4/ 17 و18 و214) والحميدي 823 والدارمي (1/ 397) وابن خزيمة 2385 وابن حبان 3344 والطبراني (6206- 6211) . والبيهقي (4/ 174) من طرق عن حفصة بنت سيرين بهذا الإسناد.
(1) في المطبوع «موقع» .
(2) في المطبوع «معناه» . [.....]
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المخطوط.(1/204)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ [1] بْنِ عَامِرٍ، يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، و [هي] [2] على ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي الْمُسَافِرَ الْمُنْقَطِعَ عَنْ أَهْلِهِ يَمُرُّ عَلَيْكَ، وَيُقَالُ لِلْمُسَافِرِ: ابْنُ السَّبِيلِ لِمُلَازَمَتِهِ الطَّرِيقَ، وَقِيلَ: هُوَ الضَّيْفُ يَنْزِلُ بالرجل.
ع «125» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» .
وَالسَّائِلِينَ، يَعْنِي: الطَّالِبِينَ.
«126» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زيد بن أسلم عن ابن بُجَيْدٍ [3] الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بُجَيْدٍ، عَنْ جَدَّتِهِ وَهِيَ أم بجيد:
__________
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حديث حسن.
- وأخرجه الطبراني 6204 و6205 عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ سلمان عامر به.
- ويشهد له حديث زينب زوجة عبد الله بن مسعود وفيه «لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة» .
أخرجه البخاري 1466 ومسلم 10000 ح 45.
- وفي الباب من حديث أبي أمامة عند الطبراني في «الكبير» 7834 «إن الصدقة على ذي قرابة يضعف أجرها مرتين» .
قال الهيثمي في «المجمع» (3/ 117) : فيه عبد الله بن زحر، وهو ضعيف اهـ.
- وحديث أبي طلحة الأنصاري «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذي الرحم صدقة وصلة» .
أخرجه الطبراني 4723 وقال الهيثمي (3/ 116) : وفيه من لم أعرفه.
125- ع صحيح. أخرجه البخاري (6018 و6136) ومسلم 47 وابن أبي شيبة (8/ 546) وأحمد (2/ 433 و463) وابن مندة في «الإيمان» 299 و300 وابن حبان 506 وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» 323 من طرق من حديث أبي هريرة.
126- إسناده صحيح، رجاله ثقات، عبد الرحمن بن بجيد، ثقة، له رؤية، وذكره بعضهم في الصحابة. وجدته أم بجيد، صحابية.
وهو في «شرح السنة» 1667 بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (2/ 923) عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (6/ 435) والبخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 262) والنسائي (5/ 81) وابن حبان (3374) والطبراني في «الكبير» (24/ 555) والبيهقي (4/ 177) والبغوي 1673 من طريق مالك عن زيد بن أسلم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1667 والترمذي 665 والنسائي (5/ 86) والطيالسي 1659 وأحمد (3/ 382 و382) والبخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 262) وابن خزيمة 2473 وابن حبان 3373 والحاكم (1/ 417) والبيهقي (4/ 177) من طرق عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن بجيد بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح اهـ.
- وأخرجه أحمد (6/ 435) والبخاري في «تاريخه» (5/ 263) والطبراني (24/ 557 و558) من طريق زيد بن أسلم عن عمرو بن معاذ عن جدته.
(1) وقع في الأصل «سليمان» والتصويب من كتب التخريج وكتب والتراجم.
(2) سقط من المطبوع.
(3) وقع في الأصل «أبي نجيد» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.(1/205)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رُدُّوا السَّائِلَ وَلَوْ بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إِنْ لَمْ تَجِدِي شَيْئًا إِلَّا ظِلْفًا مُحْرَقًا فَادْفَعِيهِ إِلَيْهِ» [1] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفِي الرِّقابِ، يَعْنِي: الْمُكَاتِبِينَ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: عِتْقُ النَّسَمَةِ وَفَكُّ الرَّقَبَةِ، وَقِيلَ: فِدَاءُ الْأُسَارَى، وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ: وَأَعْطَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ:
فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَفِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّاسِ، إِذا عاهَدُوا، يَعْنِي: إِذَا وَعَدُوا أَنْجَزُوا، وَإِذَا حَلَفُوا وَنَذَرُوا أَوْفَوْا، [وَإِذَا عَاهَدُوا أَوْفَوْا] [2] ، وَإِذَا قَالُوا صَدَقُوا وَإِذَا ائْتُمِنُوا أَدَّوْا، وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ قَوْلِهِ: وَالْمُوفُونَ، قِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى خبر، ومعناه: وَلَكِنَّ ذَا الْبِرِّ: الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُوفُونَ بعهدهم، وقيل: تقديره: [3] هم والموفون [بعهدهم] [4] كَأَنَّهُ عَدَّ أَصْنَافًا، ثُمَّ قَالَ: هُمْ وَالْمُوفُونَ كَذَا، وَقِيلَ: رَفْعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ، يَعْنِي: وَهُمُ الْمُوفُونَ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّابِرِينَ، وَفِي نَصْبِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: نَصْبُهَا عَلَى تَطَاوُلِ الْكَلَامِ، وَمِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ أَنْ تُغَيِّرَ الْإِعْرَابِ إِذَا طَالَ الْكَلَامُ وَالنَّسَقُ، وَمِثْلُهُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء: 162] ، وفي سورة المائدة: وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى [المائدة: 69] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَعْنِي الصَّابِرِينَ، وَقِيلَ: نَصْبُهُ نَسَقًا عَلَى قَوْلِهِ ذَوِي الْقُرْبى، أَيْ: وَآتَى الصَّابِرِينَ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ، وَالْعَرَبُ تَنْصِبُ الْكَلَامَ عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ كَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِفْرَادَ الْمَمْدُوحِ وَالْمَذْمُومِ، فَلَا يُتْبِعُونَهُ أَوَّلَ الْكَلَامِ وَيَنْصِبُونَهُ، فَالْمَدْحُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النِّسَاءِ: 162] ، وَالذَّمُّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا [الْأَحْزَابِ: 61] ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي الْبَأْساءِ، أَيِ: الشِّدَّةِ وَالْفَقْرِ، وَالضَّرَّاءِ: الْمَرَضِ وَالزَّمَانَةِ، وَحِينَ الْبَأْسِ، أَيِ: الْقِتَالِ وَالْحَرْبِ.
«127» أَخْبَرَنَا الْمُطَهَّرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو ذَرٍّ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّالِحَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ [5] ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَكُونُ أَحَدٌ أَقْرَبَ إلى العدوّ منه،
__________
(1) هذه الرواية لأبي داود والترمذي وغيرهما.
(2) زيد في نسخ المطبوع.
(3) في المطبوع وحده «تقديرهم» .
(4) زيادة من المخطوط.
(5) وقع في الأصل «حبان» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
127- صحيح. إسناده ضعيف، سماع زهير من أبي إسحق بعد الاختلاط، لكن توبع. حارثة بن مضرّب ثقة، ومن دونه رجال الصحيح، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله، وزهير هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة. وقد توبع.
- وهو في «شرح السنة» 3591 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو الشيخ في «أخلاق النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (ص 57) من طريق عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ عن علي بن الجعد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى 302 من طريق هشام بن عبد الملك عن زهير بن معاوية بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (1/ 86) وأبو الشيخ (ص 57) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق بهذا الإسناد، وقد صحح الشيخان رواية إسرائيل عن جده.
وله شاهد من حديث البراء «كنا والله إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وإن الشجاع منا الذي يُحَاذِي بِهِ- يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلّم» أخرجه مسلم 1776. [.....](1/206)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178)
يَعْنِي: إِذَا اشْتَدَّ الْحَرْبُ.
أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا: فِي إِيمَانِهِمْ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ: محارم الله.
[سورة البقرة (2) : آية 178]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (178)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالْكَلْبِيُّ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي حَيَّيْنِ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ اقْتَتَلُوا في الجاهلية قبيل الْإِسْلَامِ بِقَلِيلٍ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا قَتْلَى وَجِرَاحَاتٍ لَمْ يَأْخُذْهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ، قَالَ قتادة ومقاتل بْنُ حَيَّانَ: كَانَتْ بَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، قالوا جميعا [1] : وكان لِأَحَدِ الْحَيَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ طُولٌ فِي الْكَثْرَةِ وَالشَّرَفِ، وَكَانُوا يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ بِغَيْرِ مُهُورٍ، فَأَقْسَمُوا لَنَقْتُلَنَّ بِالْعَبْدِ مِنَّا الْحُرَّ مِنْهُمْ، وَبِالْمَرْأَةِ مِنَّا الرَّجُلَ مِنْهُمْ، وَبِالرَّجُلِ مِنَّا الرجلين منهم، وبالرجلين منّا أربعة رجال مِنْهُمْ، وَجَعَلُوا جِرَاحَاتِهِمْ ضِعْفَيْ جِرَاحَاتِ أُولَئِكَ، فَرَفَعُوا أَمْرَهُمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَأَمَرَ بالمساواة [بينهم] ، فَرَضُوا وَأَسْلَمُوا، قَوْلُهُ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ، فِي الْقَتْلى، وَالْقِصَاصُ: الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَةُ فِي الْجِرَاحَاتِ وَالدِّيَاتِ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ إِذَا اتَّبَعَهُ، فَالْمَفْعُولُ بِهِ يَتْبَعُ مَا فُعِلَ بِهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ الْمُمَاثَلَةَ فَقَالَ: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى، وَجُمْلَةُ الْحُكْمِ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا تَكَافَأَ الدَّمَانِ مِنَ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ، أَوِ الْعَبِيدِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، أَوِ الْأَحْرَارِ مِنَ الْمُعَاهِدِينَ أَوِ الْعَبِيدِ مِنْهُمْ، قُتِلَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمُ الذَّكَرُ إِذَا قتل بالذكر والأنثى، وَتُقْتَلُ الْأُنْثَى إِذَا قَتَلَتْ بِالْأُنْثَى وَبِالذَّكَرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَلَا وَالِدٌ بِوَلَدٍ وَلَا مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ، وَيُقْتَلُ الذِّمِّيُّ بِالْمُسْلِمِ وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ العلم من الصحابة [والتابعين] [2] وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
«128» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: «سَأَلْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه هل عندكم مِنَ [3] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: لا والذي فلق الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، إِلَّا أَنْ يُؤْتِيَ اللَّهُ عَبَدًا فَهْمًا فِي القرآن، وما في الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال:
[العقل] [4] فكاك الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» .
__________
128- إسناده صحيح. مطرف هو ابن عبد الله بن الشّخّير، الشعبي هو عامر بن شراحيل، أبو جحيفة هو وهب بن عبد الله.
وهو في «شرح السنة» 2524 بهذا الإسناد.
وهو في «مسند الشافعي» (2/ 346- 347) عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 111 و3047 و6915 والترمذي 1412 والنسائي (8/ 23 و24) وابن ماجه 2658 وعبد الرزاق (10/ 18508) والطحاوي في «المشكل» (3/ 192) وابن الجارود 794 والبيهقي (8/ 28) من طريق الشعبي عن أبي جحيفة به.
(1) في المطبوع «جمعا» .
(2) زيادة من المخطوط.
(3) العبارة في المطبوع «هل عندك عن» .
(4) زيادة عن المخطوط.(1/207)
ع «129» ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ في المساجد ولا يقاد الوالد بالولد [1] » .
وَذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ إلى أن المسلم يقتل بالكافر الذمي، وَإِلَى أَنَّ الْحُرَّ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يُوجِبِ الْقِصَاصَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ، وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ، رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَتَلَ سَبْعَةً أَوْ خَمْسَةً بِرَجُلٍ قَتَلُوهُ غِيلَةً، وَقَالَ:
لَوْ تَمَالَأَ عَلَيْهِ أَهْلُ صَنْعَاءَ لَقَتَلْتُهُمْ بِهِ جَمِيعًا [2] ، وَيَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الْأَطْرَافِ كَمَا يَجْرِي فِي النُّفُوسِ، إِلَّا فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ الصحيح السّويّ يقتل بالمريض والزّمن، وَفِي الْأَطْرَافِ لَوْ قَطَعَ يَدًا شلاء أو ناقصة
__________
129- ع حسن بشواهده. أخرجه الترمذي 1041 وابن ماجه 2661 والدارمي 2268 والدارقطني (3/ 141) وأبو نعيم (4/ 18) والبيهقي (8/ 39) وابن الجوزي في «التحقيق» 1765 والجصاص في «أحكامه» (1/ 178- 179) والطبراني 10846 من طريق إسماعيل بن مسلم عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ طاوس عن ابن عباس مرفوعا بأتم منه.
وإسناده ضعيف، لضعف إسماعيل بن مسلم، وبه أعله الترمذي، ونقل الزيلعي في «نصب الراية» (4/ 340) عن ابن القطان، قوله: إسماعيل بن مسلم ضعيف. قال الزيلعي: تابعه قتادة وسعيد بن بشير وعبيد الله بن الحسن العنبري، فحديث قتادة أخرجه البزار في «مسنده» عنه عن عمرو بن دينار به.
- قلت: ومتابعة سعيد بن بشير عند الحاكم (4/ 369) .
وسكت عليه الحاكم، وكذا الذهبي، وسعيد ضعيف، ومتابعة عبيد الله بن الحسن العنبري عند الدارقطني (3/ 142) والبيهقي (8/ 39) وهو معلول، فيه أبو حفص التمار، وهو ضعيف جدا.
فحديث ابن عباس بطرقه يبقى ضعيفا لشدة وهن هذه الطرق.
- وله شاهد من حديث عمر أخرجه الترمذي 1400 وابن ماجه 2662 وأحمد (1/ 49) والدارقطني (3/ 140) وابن أبي عاصم في «الديات» (ص 97) وابن الجوزي في «التحقيق» 1763 وإسناده ضعيف فيه الحجاج مدلس، وقد عنعن، ولم ينفرد به فقد تابعه ابن لهيعة على عمرو عند أحمد (1/ 22) لكن في سماع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب ريب، ونفاه أبو حاتم في «المراسيل» 114 وتابعهما محمد بن عجلان، عند ابن الجارود 788 والدارقطني (3/ 140- 141) والبيهقي (8/ 38- 39) وفي «المعرفة» 4830 كلهم عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وقال البيهقي في «المعرفة» : هذا إسناد صحيح ووافقه الحافظ في «تلخيص الحبير» (4/ 16) .
- وله طريق آخر فقد أخرجه الجصاص في «أحكام القرآن» (1/ 178) من طريق عبد الله بن سنان عن إبراهيم بن رستم عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب عن عمر به مرفوعا، وفيه إبراهيم بن رستم وهو صدوق حسن الحديث، وفيه إرسال بين ابن المسيب وعمر.
- وورد من وجه آخر أخرجه البيهقي في «السنن» (8/ 39) وعلقه في «المعرفة» (6/ 161) عن الحكم بن عتيبة عن رجل يقال له عرفجة عن عمر مرفوعا، وإسناده ضعيف لجهالة عرفجة هذا، لكن هذه الطرق تتقوى بمجموعها.
- وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه ابن الجوزي في «التحقيق» 1762 من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وإسناده ضعيف لأجل ابن لهيعة، وضعفه ابن الجوزي به، وتابعه يحيى بن أبي أنيسة عند الدارقطني (3/ 141) لكن يحيى هذا متروك الحديث.. وانظر مزيد الكلام عليه في «أحكام القرآن» 71 لابن العربي بتخريجي.
(1) موقوف صحيح. أخرجه مالك (2/ 871) والدارقطني (2/ 202) والبيهقي (8/ 41) عن سعيد بن المسيب «أن عمر قتل خمسة، أو سبعة ... » فذكره وسنده صحيح. وهو في موطأ محمد برقم 671.
- ورواه البخاري 6896 «أن غلاما قتل غيلة فقال عمر: لو اشترك ... » الأثر.
ثم علقه بقوله، وقال مغيرة بن حكيم عن أبيه: «إن أربعة قتلوا صبيا فقال عمر: ... » مثله.
(2) في المطبوع «بالولد الوالد» .(1/208)
الإصبع [1] لَا تُقْطَعُ بِهَا الصَّحِيحَةُ الْكَامِلَةُ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْقِصَاصَ فِي الْأَطْرَافِ لَا يَجْرِي إِلَّا بَيْنَ حُرَّيْنِ أَوْ حُرَّتَيْنِ، وَلَا يَجْرِي بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلَا بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ الطَّرَفُ فِي الْقِصَاصِ مَقِيسٌ عَلَى [2] النَّفْسِ.
«130» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ [3] أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ السَّهْمِيَّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ [بْنِ مَالِكٍ] [4] [بْنِ النَّضْرِ] :
أَنَّ الرُّبَيِّعَ عَمَّتَهُ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَطَلَبُوا إِلَيْهَا الْعَفْوَ فَأَبَوْا فَعَرَضُوا الْأَرْشَ فَأَبَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبَوْا إِلَّا الْقِصَاصَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ، فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ، لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ فَعَفَوْا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، أَيْ: تُرِكَ لَهُ وَصُفِحَ عَنْهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِصَاصُ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَرَضِيَ بِالدِّيَةِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، قَالُوا: الْعَفْوُ أَنْ يَقْبَلَ الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَقَوْلُهُ: مِنْ أَخِيهِ، أَيْ: مِنْ دَمِ أَخِيهِ، وَأَرَادَ بِالْأَخِ: الْمَقْتُولَ، وَالْكِنَايَتَانِ [5] فِي قَوْلِهِ: لَهُ وفي:
أَخِيهِ، تَرْجِعَانِ إِلَى مِنْ وَهُوَ القاتل، و [في] [6] قوله شَيْءٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ إِذَا عَفَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ لِأَنَّ شَيْئًا مِنَ الدَّمِ قَدْ بَطَلَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ، أَيْ: عَلَى الطَّالِبِ لِلدِّيَةِ أَنْ يَتَّبِعَ بِالْمَعْرُوفِ فَلَا يُطَالِبُ بِأَكْثَرِ مِنْ حَقِّهِ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ، أَيْ: عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ أَدَاءُ الدِّيَةِ بِالْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ مُمَاطَلَةٍ، أَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْإِحْسَانِ فِيمَا لَهُ وَعَلَيْهِ، وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ:
أَنَّ وَلِيَّ الدَّمِ إِذَا عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ، فَلَهُ أَخْذُ الدِّيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْقَاتِلُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا دِيَةَ له إلا برضى الْقَاتِلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَحُجَّةُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ مَا:
«131» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو العباس
__________
130- إسناده على البخاري، حميد هو ابن أبي حميد الطويل أبو عبيدة.
- وهو في «شرح السنة» 2523 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 4500 عن عبد الله بن منير بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2703 و4499 و6894 ومسلم 1675 وأبو داود 4595 والنسائي (8/ 26 و27 و28) وابن ماجه 2649 وأحمد (3/ 128 و167) من حديث أنس بن مالك بن النضر.
131- حديث صحيح. إسناده صحيح، الشافعي هو محمد بن إدريس ومن دونه ثقات، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن.
- هو في «شرح السنة» 1997 بهذا الإسناد.
- وهو في «مسند الشافعي» (1/ 295) عن مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فديك بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 4504 و4496 والترمذي 1406 وابن ماجه 2623 والدارمي 2262 وأحمد (6/ 385) والدارقطني
(1) في المطبوع «بالإصبع» .
(2) في المطبوع «عن» .
(3) وقع في الأصل «منيرة» والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.
(4) زيادة يقتضيها السياق. [.....]
(5) في المخطوط «والكناية» .
(6) زيادة عن المخطوط.(1/209)
وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثُمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ كَانَ حَتْمًا فِي التَّوْرَاةِ عَلَى الْيَهُودِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَخْذُ الدِّيَةِ، وَكَانَ فِي شَرْعِ النَّصَارَى الدِّيَةُ وَلَمْ يكن لهم [فيها] [1] القصاص، فخيّر الله هَذِهِ الْأُمَّةَ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَبَيْنَ الْعَفْوِ عَنِ الدِّيَةِ تَخْفِيفًا مِنْهُ وَرَحْمَةٌ، فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ، فَقَتَلَ الْجَانِيَ بَعْدَ الْعَفْوِ وَقَبُولِ الدية، فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ، وهو أَنْ يُقْتَلَ قِصَاصًا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ حَتَّى لَا يَقْبَلَ [2] الْعَفْوَ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَصِيرُ كَافِرًا بِالْقَتْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَهُ بَعْدَ الْقَتْلِ بِخِطَابِ الْإِيمَانِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ، وَأَرَادَ بِهِ أُخُوَّةَ الْإِيمَانِ، فَلَمْ يَقْطَعِ الْأُخُوَّةَ بينهما بالقتل.
[سورة البقرة (2) : الآيات 179 الى 180]
وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ، أَيْ: بَقَاءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاصِدَ لِلْقَتْلِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ يُقْتَلُ، يَمْتَنِعُ عَنِ الْقَتْلِ، فَيَكُونُ فِيهِ بَقَاؤُهُ وَبَقَاءُ مَنْ هَمَّ بِقَتْلِهِ، [وَقِيلَ فِي الْمَثَلِ: الْقَتْلُ أَنْفَى لِلْقَتْلِ] [3] ، وَقِيلَ مَعْنَى الْحَيَاةِ: سَلَامَتُهُ مِنْ قِصَاصِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا اقْتُصَّ مِنْهُ في الدنيا حيي فِي الْآخِرَةِ، وَإِذَا لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا اقْتُصَّ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ، يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، أَيْ: تَنْتَهُونَ عَنِ القتل مخافة القود.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ، أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمْ، إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ، أي: جاء أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَآثَارُهُ مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَمْرَاضِ، إِنْ تَرَكَ خَيْراً، أَيْ: مَالًا، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة: 272 و273] ، الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فريضة في ابتداء الإسلام
__________
(3/ 95- 96) والطحاوي في «المشكل» 4903 وفي «المعاني» (3/ 327) والشافعي (2/ 99) والبيهقي (8/ 52) كلهم من حديث أبي شريح الخزاعي، وإسناده صحيح على شرط البخاري، وصححه السهيلي في «الروض الأنف» نقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» (4/ 351) ووافقه.
- وورد بألفاظ متقاربة، ذكرها الزيلعي، راجع «نصب الراية» إن شئت.
- وله شاهد أخرجه البخاري 112 و2434 و6880 ومسلم 1355 وأبو داود 5405 والترمذي 1405 و2667 وأبو عوانة (4/ 43- 44) والنسائي في «الكبرى» 5855 والطحاوي في «المعاني (3/ 174) وفي «المشكل» (4901) و (4902) وابن حبان 3715 والدارقطني (3/ 96- 97) والبيهقي (8/ 53) من طرق كلهم من حديث أبي هريرة. وصدره «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الفيل...... فمن قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النظرين، إما أن يعقل، وإما أن يقاد أهل القتيل ... »
الحديث.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) زيد في المطبوع «بعد» .
(3) ليس في المخطوط.(1/210)
لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ عَلَى مَنْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ، ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ المواريث [1] .
«132» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ، أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ [2] عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ:
كُنْتُ آخِذًا بِزِمَامِ نَاقَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كلّ ذي حقّ حقّه، فلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» .
فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ وُجُوبَهَا صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ الَّذِينَ يَرِثُونَ، وَبَقِيَ وجوبها في حق [الأقارب] [3] الَّذِينَ [لَا] [4] يَرِثُونَ مِنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقَارِبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ، قَالَ طَاوُسٌ: مَنْ أَوْصَى لِقَوْمٍ سَمَّاهُمْ وَتَرَكَ ذَوِي قَرَابَتِهِ مُحْتَاجِينَ، انْتُزِعَتْ مِنْهُمْ وَرُدَّتْ إِلَى ذَوِي قَرَابَتِهِ، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ الْوُجُوبَ صَارَ مَنْسُوخًا فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَهِيَ مستحبة فِي حَقِّ الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ.
«133» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ [5] أَخْبَرَنَا زَاهِرُ [6] بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا [أَبُو] [7] إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَ رَأْسِهِ» . قَوْلُهُ تَعَالَى: بِالْمَعْرُوفِ، يُرِيدُ: يُوصِي بالمعروف فلا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يُوصِي للغني
__________
132- حديث صحيح. إسناده لا بأس به لأجل شهر بن حوشب، وحديثه حسن في المتابعات، وللحديث شواهد تبلغ حد الشهرة، قتادة هو ابن دعامة السدوسي.
- وهو في «شرح السنة» 1454 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2121 والنسائي (6/ 247) وابن ماجه 2712 والطيالسي 1217 وسعيد بن منصور 428 وأحمد (4/ 4/ 186- 187 و238) والدارمي 3142 وأبو يعلى 1508 من طريق شهر بن حوشب بهذا الإسناد. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
- وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه أبو داود 3565 والترمذي 2120 وابن ماجه 2713 وسعيد بن منصور 427 والطيالسي 1127 وأحمد (5/ 267) والبيهقي (6/ 264) ، وله شواهد أخرى راجع «نصب الراية» (4/ 403- 404) .
133- إسناده صحيح على شرطهما. نافع هو أبو عبد الله مولى ابن عمر.
- وهو في «شرح السنة» 1451 بهذا الإسناد.
- وفي «الموطأ» (2/ 761) عن نافع به.
وأخرجه البخاري 2738 ومسلم 1627 وأبو داود 2862 والترمذي 974 والنسائي/ 6/ 238) وابن ماجه 2699 والطيالسي 1841 وأحمد (2/ 10 و57) والدارمي (2/ 402) وابن الجارود 946 وابن حبان 6024 والدارقطني (4/ 150- 151) والجصاص في «أحكامه» (1/ 3/ 20- 21) والبغوي 1457 والبيهقي (6/ 271- 272) من طرق عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعا به.
- وأخرجه مسلم 2627 وعبد الرزاق 16326 والنسائي (8/ 239) وأحمد (2/ 4) وابن حبان 6025 والبيهقي (6/ 272) من طرق عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به.
(1) في المطبوع «الميراث» .
(2) في المخطوط «غنيم» وهو تصحيف.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المطبوع «السرخسي» والمثبت عن «شرح السنة» .
(6) في المطبوع «طاهر» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» . [.....]
(7) زيادة عن «شرح السنة» .(1/211)
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)
وَيَدَعُ الْفَقِيرَ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْوَصِيَّةُ لِلْأَخَلِّ فَالْأَخَلِّ، أَيِ: الْأَحْوَجِ فَالْأَحْوَجِ.
«134» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ [1] الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ [2] الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ [3] أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ [4] اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَأَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَعْدِ [5] [بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عامر بن سعد] [6] عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ [7] قَالَ:
جَاءَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوصِي بِمَالِي كُلِّهِ، قَالَ: «لَا» قُلْتُ: فَالشَّطْرِ، قَالَ:
«لَا» قُلْتُ: فَالثُّلُثِ، قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عالة يتكفّفون الناس بأيديهم» .
[فقوله: «يتكفّفون الناس» ، أي: يسألون الناس الصدقة بأكفّهم] [8] .
وَعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُوصِيَ، قَالَتْ: كَمْ مَالُكَ؟
قَالَ: ثَلَاثَةُ آلَافٍ، قَالَتْ: كَمْ عِيَالُكَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ، قَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ: إِنْ تَرَكَ خَيْراً، وَإِنَّ هَذَا شيء يسير فاتركه لِعِيَالِكَ. وَقَالَ عَلَيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمْسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالرُّبْعِ، وَلَأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبْعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُوصِيَ بِالثُّلُثِ، فَمَنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فَلَمْ يَتْرُكْ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يُوصِي بِالسُّدْسِ أَوِ الْخُمْسِ أَوِ الرُّبْعِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنَّمَا كَانُوا يُوصُونَ بِالْخُمْسِ أَوِ الرُّبْعِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: حَقًّا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقِيلَ: عَلَى الْمَفْعُولِ، أَيْ: جَعَلَ الْوَصِيَّةَ حَقًّا، عَلَى الْمُتَّقِينَ: الْمُؤْمِنِينَ.
[سورة البقرة (2) : آية 181]
فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (181)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ بَدَّلَهُ، أَيْ: غيّر الوصية عن الْأَوْصِيَاءِ أَوِ الْأَوْلِيَاءِ أَوِ الشُّهُودِ، بَعْدَ ما سَمِعَهُ، أي: بعد ما سَمِعَ قَوْلَ الْمُوصِي، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْكِنَايَةَ مَعَ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ مُؤَنَّثَةً، قيل: الكناية راجعة إلى
__________
134- إسناده على شرطهما، سفيان هو ابن سعيد.
- وهو في «شرح السنة» 1452 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2742 و5354 ومسلم 1628 والنسائي (6/ 242) وعبد الرزاق 16358 وأحمد (1/ 172 و173) من طريق سفيان الثوري بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6733 ومسلم 1628 والترمذي 2116 والنسائي (6/ 241- 242) وابن ماجه 2708 وأحمد (1/ 179) والحميدي 66 وأبو يعلى 747 وابن حبان 4249 والطحاوي في «المعاني» (4/ 379) وابن الجارود 947 والبيهقي (6/ 268) و269 من طريق سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن عامر بن سعد به.
(1) في الأصل «الحسين الخيري» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(2) في الأصل «رحيم» والتصويب من «شرح السنة» و «سير أعلام النبلاء» (16/ 36- 37) .
(3) وقع في الأصل «عروة» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(4) في الأصل «عبد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(5) وقع في الأصل «سعيد» وهو تصحيف والتصويب من كتب التراجم.
(6) وقع في الأصل «سعيد» وهو تصحيف.
(7) هو سعد بن أبي وقاص.
(8) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط.(1/212)
فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
الْإِيصَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الْبَقَرَةِ: 275] ، رَدَّ الْكِنَايَةَ إِلَى الْوَعْظِ، فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ، وَالْمَيِّتُ بَرِيءٌ مِنْهُ، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ، لِمَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي، عَلِيمٌ: بِتَبْدِيلِ الْمُبَدِّلِ أَوْ سَمِيعٌ لِوَصِيَّتِهِ عَلِيمٌ بنيّته.
[سورة البقرة (2) : الآيات 182 الى 183]
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (182) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ خافَ، أَيْ: عَلِمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: 229] ، أَيْ: عَلِمْتُمْ، مِنْ مُوصٍ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً [الشُّورَى: 13] وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ [الْعَنْكَبُوتِ: 8] ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الصَّادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ [النِّسَاءِ: 11] ، جَنَفاً، أَيْ: جَوْرًا وَعُدُولًا عَنِ الْحَقِّ، وَالْجَنَفُ: الْمَيْلُ، أَوْ إِثْماً، أَيْ: ظُلْمًا، وقال السُّدِّيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالرَّبِيعُ: الْجَنَفُ: الْخَطَأُ، وَالْإِثْمُ: الْعَمْدُ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا حَضَرَ مَرِيضًا وَهُوَ يُوصِي فَرَآهُ يَمِيلُ إِمَّا بِتَقْصِيرٍ أَوْ إِسْرَافٍ أَوْ وَضْعِ الْوَصِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْعَدْلِ وَيَنْهَاهُ عَنِ الْجَنَفِ، فَيَنْظُرُ [للموصى له] [1] والورثة، وقال الآخرون: إِنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ إِذَا أَخْطَأَ الْمَيِّتُ فِي وَصِيَّتِهِ أَوْ جَارَ مُتَعَمِّدًا [2] فَلَا حَرَجَ عَلَى وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ أَوْ وَالِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصْلِحَ بَعْدَ مَوْتِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ، وَيَرُدَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْعَدْلِ وَالْحَقِّ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، أَيْ: لا حَرَجَ عَلَيْهِ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، وَقَالَ طَاوُسٌ:
جَنَفَةٌ تَوْلِيجَةٌ [3] ، وَهُوَ أَنْ يُوصِيَ لِبَنِي بَنِيهِ، يريد ابنه أو لولد [4] ابْنَتِهِ وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ ابْنَتَهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَوْصِيَاءُ يُمْضُونَ وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ بَعْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [البقرة: 181] الْآيَةَ، وَإِنِ اسْتَغْرَقَ الْمَالَ كُلَّهُ، وَلَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ، ثُمَّ نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: فَعَجَزَ الْمُوصِي أَنْ يُوصِيَ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ كَمَا أَمَرَ الله تعالى، وعجز الوصي أَنْ يُصْلِحَ، فَانْتَزَعَ اللَّهُ تَعَالَى ذلك منهم، ففرض الفرائض.
ع «135» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لِيَعْمَلُ أَوِ الْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً، ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ» ، قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إلى قوله: غَيْرَ مُضَارٍّ [النساء: 11، 12] .
__________
135- ع أخرجه أبو داود 2867 والترمذي 2117 وابن ماجه 2704 وأحمد (2/ 278) والبيهقي (6/ 271) من حديث أبي هريرة، وإسناده لا بأس به. شهر بن حوشب صدوق كثير الأوهام، روى له البخاري ومسلم مقرونا، وقد أدرك أبا هريرة، وصرّح بالتحديث فحديثه هنا حسن أو يقرب من الحسن إن شاء الله، وجزم الألباني بضعفه في «ضعيف ابن ماجه» 2704؟!.
وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
وانظر مزيد الكلام عليه في تفسير ابن كثير بتخريجي عند سورة النساء آية 13.
(1) في المخطوط، وط- «للموصي» .
(2) في المطبوع «معتمدا» .
(3) في المطبوع «توجيهه» . [.....]
(4) في المطبوع «ولد» .(1/213)
أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ، أَيْ: فرض وأوجب [و] الصوم وَالصِّيَامُ فِي اللُّغَةِ: الْإِمْسَاكُ، يُقَالُ: صَامَ النَّهَارُ إِذَا اعْتَدَلَ وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، لِأَنَّ الشَّمْسَ إِذَا بلغت كبد السماء كأنها وقفت وأمسكت عن السير سريعة، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [مَرْيَمَ: 26] ، أَيْ: صَمْتًا، لِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ عَنِ الْكَلَامِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ: الصَّوْمُ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مَعَ النِّيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ. كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ: من الْأَنْبِيَاءِ وَالْأُمَمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا التشبيه، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ صَوْمُ مَنْ قَبَلْنَا مِنَ الْعَتَمَةِ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، كَمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَرَادَ أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى النَّصَارَى، كَمَا فُرِضَ عَلَيْنَا، فَرُبَّمَا كَانَ يَقَعُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ، وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي أَسْفَارِهِمْ وَيَضُرُّهُمْ فِي مَعَايِشِهِمْ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُ عُلَمَائِهِمْ وَرُؤَسَائِهِمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا صِيَامَهُمْ فِي فَصْلٍ مِنَ السَّنَةِ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَجَعَلُوهُ فِي الرَّبِيعِ وَزَادُوا فِيهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَفَّارَةً لِمَا صَنَعُوا، فصار أربعين [يوما] [1] ، ثم إن ملكا لهم [2] اشْتَكَى فَمَهُ، فَجَعَلَ لِلَّهِ عَلَيْهِ إِنْ هُوَ بَرِئَ مِنْ وَجَعِهِ أَنْ يَزِيدَ فِي صَوْمِهِمْ أُسْبُوعًا فَبَرِئَ، فَزَادَ فِيهِ أُسْبُوعًا، ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الْمَلِكُ وَوَلِيَهُمْ مَلِكٌ آخَرُ فَقَالَ: أَتِمُّوهُ خَمْسِينَ يَوْمًا [3] ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَصَابَهُمْ مَوْتَانِ فَقَالُوا: زيدوا في صيامكم، فزادوا فيه عَشْرًا قَبْلُ وَعَشْرًا بَعْدُ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَيُقَالُ مِنْ شَعْبَانَ، وَيُقَالُ مِنْ رَمَضَانَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّصَارَى فُرِضَ الله عَلَيْهِمْ شَهْرُ رَمَضَانَ فَصَامُوا [قَبْلَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا وَبَعْدَهَا يَوْمًا] [4] ، ثُمَّ لم يزل الْآخَرُ يَسْتَنُّ بِسُنَّةِ الْقَرْنِ الَّذِي قَبْلَهُ حَتَّى صَارُوا إِلَى خَمْسِينَ يَوْمًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، يَعْنِي:
بِالصَّوْمِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ وَصْلَةٌ إِلَى التَّقْوَى، لِمَا فِيهِ مِنْ قَهْرِ النَّفْسِ وَكَسْرِ [ها وترك] [5] الشهوات، وقيل:
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ تَحْذَرُونَ [عَنِ الشَّهَوَاتِ مِنَ الْأَكْلِ والشرب والجماع] [6] .
[سورة البقرة (2) : آية 184]
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)
أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ، قِيلَ: كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَاجِبًا، وَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَصَامُوا كَذَلِكَ مِنَ الرَّبِيعِ إِلَى شَهْرِ رَمَضَانَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ نُسِخَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَا نُسِخَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ أَمْرُ الْقِبْلَةِ وَالصَّوْمِ، وَيُقَالُ: نَزَلَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرٍ وَأَيَّامٍ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الهجرة.
«136» حدثنا أَبُو الْحَسَنِ الشِّيرَزِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الهاشمي أخبرنا أبو
__________
136- إسناده صحيح على شرطهما، عروة هو ابن الزبير.
- وهو في «شرح السنة» 1696 بهذا الإسناد.
(1) زيادة من المخطوط.
(2) في المخطوط وط «ملكتهم» .
(3) انظر «التاريخ الكبير» للبخاري 2/ 1/ 254 و «مجمع الزوائد» 3/ 139 حديث دغفل بن حنظلة.
(4) العبارة في المطبوع وحده «قبله يوما وبعده يوما» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) ما بين المعقوفتين في المخطوط عقب لفظ «الشهوات» .(1/214)
مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ:
كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قريش في الجاهلية، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يصومه فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ هُوَ الْفَرِيضَةَ، وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ: شَهْرُ رَمَضَانَ، وَهِيَ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَنَصَبَ أَيَّاماً عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ: فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، وَقِيلَ: عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقِيلَ: عَلَى هُوَ خَبَرُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ، أَيْ: فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أَيْ: فعليه عدّة [من أيام أخر] [1] ، وَالْعَدَدُ وَالْعِدَّةُ وَاحِدٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أَيْ: غَيْرِ أَيَّامِ مَرَضِهِ وَسَفَرِهِ، وأُخَرَ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ، لَكِنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ، فَلِذَلِكَ نُصِبَتْ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ وَحُكْمِهَا، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَغَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مُخَيَّرِينَ بَيْنَ أَنْ يصوموا وبين أن يفطروا ثمّ [2] يفتدوا، خَيَّرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَمْ يَتَعَوَّدُوا الصَّوْمَ، ثُمَّ نَسَخَ التَّخْيِيرَ وَنَزَلَتِ العزيمة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ خَاصَّةٌ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي يُطِيقُ الصَّوْمَ، وَلَكِنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ، رُخِّصَ لَهُ فِي أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ، ثُمَّ نُسِخَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هَذَا فِي الْمَرِيضِ الَّذِي بِهِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لِلصَّوْمِ، خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يصوم وبين أن يفطر أو يفدي، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ لِلَّذِينِ [لَا]]
يُطِيقُونَ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، وَمَعْنَاهُ: وَعَلَى الَّذِينَ كَانُوا يُطِيقُونَهُ فِي حَالِ الشَّبَابِ فعجزوا عنه في حال الْكِبَرِ فَعَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ بَدَلَ الصَّوْمِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِهَا، أَيْ: يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ، وَتَأْوِيلُهُ: عَلَى الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ، وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ، فَهُمْ يُكَلَّفُونَ الصَّوْمَ وَلَا يُطِيقُونَهُ، فَلَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وَيُطْعِمُوا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَجَعَلَ الْآيَةَ مُحْكَمَةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ مُضَافًا، وَكَذَلِكَ فِي المائدة: كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ [المائدة: 95] ، أَضَافَ الْفِدْيَةَ إِلَى الطَّعَامِ، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا لِاخْتِلَافِ اللَّفْظَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَبَّ الْحَصِيدِ [ق: 9] ، وَقَوْلِهِمْ: المسجد الْجَامِعِ، وَرَبِيعُ الْأَوَّلِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: فِدْيَةٌ، وكَفَّارَةٌ منوّنة، وطَعامُ، رفع، وقرأ مِسْكِينٍ بِالْجَمْعِ هُنَا، أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَالْآخَرُونَ عَلَى التَّوْحِيدِ، فَمَنْ جَمَعَ نَصَبَ النُّونَ، وَمَنْ وَحَّدَ خَفَضَ النُّونَ وَنَوَّنَهَا، وَالْفِدْيَةُ: الْجَزَاءُ، وَيَجِبُ أَنْ يُطْعِمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مسكينا مدّا من الطعام
__________
- وهو في «الموطأ» (1/ 299) عن هشام به.
وأخرجه البخاري 3831 و5404 ومسلم 1125 وأبو داود 2442 والترمذي 753 وعبد الرزاق 7844 و7845 وابن أبي شيبة (3/ 55) وأحمد (6/ 162) وابن خزيمة 3080 والدارمي (2/ 23) وابن حبان 3621 والبغوي في «شرح السنة» 1702 والبيهقي (4/ 288) من طرق عن هشام بن عروة به.
- وأخرجه البخاري 1592 و1893 و2001 و4502 ومسلم 1125 ح 114- 116 وعبد الرزاق 7842 والشافعي (1/ 262- 263) وأحمد (6/ 244) والطحاوي (2/ 74) والبيهقي (4/ 288 و290) من طرق عن عروة عن عائشة.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «أو» .
(3) زيادة عن المخطوط.(1/215)
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَطْلٌ وَثُلُثٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، هَذَا قَوْلُ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ، وَقَالَ بَعْضُ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: عَلَيْهِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ لِكُلِّ يَوْمٍ يُفْطَرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نِصْفُ صَاعٍ مِنَ قمح أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: مَا كَانَ الْمُفْطِرُ يَتَقَوَّتُهُ يَوْمَهُ الَّذِي أَفْطَرَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُعْطِي كُلَّ مِسْكِينٍ عَشَاءَهُ وَسَحُورَهُ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، أَيْ: زَادَ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فَأَطْعَمَ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينَيْنِ فَأَكْثَرَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ، وَقِيلَ: مَنْ زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَأَعْطَى صَاعًا وَعَلَيْهِ مُدٌّ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ، فمن ذَهَبَ إِلَى النَّسْخِ قَالَ مَعْنَاهُ: الصَّوْمُ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْفِدْيَةِ، وَقِيلَ: هَذَا فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ لَوْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ لِمُؤْمِنٍ مُكَلَّفٍ فِي إِفْطَارِ رَمَضَانَ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ، أَحَدُهُمْ: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ، وَالثَّالِثُ: عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءِ، أَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ: فَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا تُفْطِرَانِ وتقضيان، وعليهما مع القضاء الكفارة [1] وهو قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ: فَالْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ، وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الْقَضَاءِ فَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُ مَرَضِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَيَّامَ الصيام فقال:
[سورة البقرة (2) : آية 185]
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
شَهْرُ رَمَضانَ، رَفْعُهُ عَلَى مَعْنَى: هُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُتِبَ عَلَيْكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَسُمِّيَ الشَّهْرُ شَهْرًا لِشُهْرَتِهِ، وَأَمَّا رَمَضَانُ [فقد] [2] قال مجاهد: هو مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، يُقَالُ: شَهْرُ رَمَضَانَ كَمَا يُقَالُ شَهْرُ اللَّهِ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ اسْمٌ لِلشَّهْرِ سُمِّيَ بِهِ مِنَ الرَّمْضَاءِ، وَهِيَ الحجارة المحماة، لأنهم [3] كَانُوا يَصُومُونَهُ فِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ، وكانت ترمض [4] فيه الحجارة من الْحَرَارَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، سُمِّيَ الْقُرْآنُ قُرْآنًا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ السُّوَرَ وَالْآيَ وَالْحُرُوفَ، وَجُمِعَ فِيهِ الْقَصَصُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَأَصْلُ الْقَرْءِ: الْجَمْعُ، وقد تحذف الهمزة فَيُقَالُ: قَرَيْتَ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إِذَا جَمَعْتَهُ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ «الْقُرَانَ» بِفَتْحِ الرَّاءِ غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ الشَّافِعِيُّ، وَيَقُولُ: لَيْسَ هُوَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَلَكِنَّهُ اسْمٌ لِهَذَا الْكِتَابِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، روي عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) [الْقَدْرِ: 1] ، وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدُّخَانِ: 3] ، وَقَدْ نَزَلَ فِي سَائِرِ الشُّهُورِ، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ [الْإِسْرَاءِ: 106] ؟ فَقَالَ: أُنْزِلُ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فِي لَيْلَةِ القدر من شهر رمضان
__________
(1) في المطبوع «الفدية» .
(2) ليس في المخطوط. [.....]
(3) في المطبوع «وهم» .
(4) في «القاموس» : رمض يومنا: اشتد حرّه- وأرمضه: أحرقه وأوجعه.(1/216)
إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُجُومًا فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (75) [الْوَاقِعَةِ: 75] ، قَالَ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: قُلْتُ لِلشَّعْبِيِّ: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أَمَا كَانَ يَنْزِلُ فِي سَائِرِ الشهور [1] ؟ قال: بلى ولكنّ جبريل كَانَ يُعَارِضُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ مَا أنزل الله إِلَيْهِ، فَيُحْكِمُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ وَيُنْسِيهِ مَا يشاء.
ع «137» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «أنزلت [2] صحف إبراهيم فِي ثَلَاثِ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ [شهر] [3] رَمَضَانَ» ، وَيُرْوَى «فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ» ، «وَأُنْزِلَتْ تَوْرَاةُ مُوسَى فِي سِتِّ لَيَالٍ مَضَيْنَ مِنْ [شهر] [4] رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ من رمضان، وأنزل الزبور على داود في ثمان عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِسِتٍّ بَقِينَ بَعْدَهَا» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: هُدىً لِلنَّاسِ: مِنَ الضَّلَالَةِ، وهُدىً فِي محل النصب عَلَى الْقَطْعِ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ مَعْرِفَةٌ و «هدىّ» نَكِرَةٌ، وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى، أَيْ: دَلَالَاتٍ وَاضِحَاتٍ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، والحدود والأحكام، وَالْفُرْقانِ، أي: المفرق [5] بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، أَيْ فَمَنْ كَانَ مُقِيمًا فِي الحضر فأدركه الشهر [فليصمه] [6] ، اختلف أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ الشَّهْرُ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: [لَا] [7] يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ، وَبِهِ قَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، أَيِ: الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَنْشَأَ السَّفَرَ فِي شهر رمضان جاز له الفطر [8] ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَلْيَصُمْهُ، أَيِ: الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَمَنْ لَمْ [9] يَشْهَدْ مِنْكُمُ الشَّهْرَ كُلَّهُ فَلْيَصُمْ مَا شَهِدَ مِنْهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: مَا:
«138» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ [10] عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ [بْنِ عَبْدِ اللَّهِ] [11] بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابن عباس: أن
__________
137- ع متن ضعيف لم أقف عليه مسندا من حديث أبي ذر.
وإنما أخرجه أحمد (4/ 107) والطبراني في «الكبير» (22/ 185) و «الأوسط» 3752 والطبري 2821 من حديث واثلة بن الأسقع وفيه عمران بن داور القطان مختلف فيه، وهو إلى الضعف أقرب، والأشبه فيه الوقف والله أعلم.
قال الهيثمي في «المجمع» (1/ 197) : وفيه عمران بن داور القطان ضعفه يحيى، ووثقه ابن حبّان، وقال أحمد: أرجو أن يكون صالح الحديث، وبقية رجاله ثقات اهـ.
وورد عن جابر من قوله أخرجه أبو يعلى كما في «المجمع» (1/ 197) ح 960، وأعله بضعف سفيان بن وكيع. ولا يصح هذا الخبر مرفوعا، والراجح وقفه.
138- إسناده على شرطهما. ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
- وهو في «شرح السنة» 1760 بهذا الإسناد.
(1) في المخطوط «السنة» .
(2) وقع في الأصل «أنزل» والتصويب من معجم الطبراني وغيره.
3 زيادة عن المخطوط.
4 زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «الفارق» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) سقط من المخطوط.
(8) في المطبوع «أن يفطر» .
(9) في عبارة المخطوط هاهنا تخليط، وعبارة المطبوع وط- المثبتة هي الصواب.
(10) وقع في الأصل «منصور» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» . [.....]
(11) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من كتب التخريج.(1/217)
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ، فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ [1] ثُمَّ أَفْطَرَ وأفطر الناس معه، وكانوا يَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، أَبَاحَ الْفِطْرَ لعذر المرض والسفر، [و] أعاد هَذَا الْكَلَامَ لِيُعْلَمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِي النَّاسِخِ ثُبُوتَهُ فِي الْمَنْسُوخِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرَضِ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى أَنَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَرَضِ يُبِيحُ الْفِطْرَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ طَرِيفُ بْنُ تَمَّامٍ الْعُطَارِدِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ فَقَالَ: إِنَّهُ وُجِعَتْ [2] أُصْبُعِي هَذِهِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: هُوَ الْمَرَضُ الَّذِي يجوز به [3] الصَّلَاةُ قَاعِدًا، وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنَ الصَّوْمِ زِيَادَةُ عِلَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ، وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّهُ إِذَا أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ أَفْطَرَ، وَإِنْ لَمْ يُجْهِدْهُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ، وَأَمَّا السَّفَرُ فَالْفِطْرُ فِيهِ مُبَاحٌ، وَالصَّوْمُ جَائِزٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا يَجُوزُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ، وَمَنْ صام فعليه القضاء.
ع «139» وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» .
وَذَلِكَ عِنْدَ الْآخَرِينَ فِي حَقِّ مَنْ يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ، فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، والدليل مَا:
«140» أَخْبَرَنَا بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا آدَمُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ [4] بْنِ علي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال:
__________
وهو في «الموطأ» (1/ 294) عن ابن شهاب بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 1944 والشافعي (1/ 271) والدارمي (2/ 9) وابن حبان 3563 والطحاوي في «المعاني» (2/ 64) والبيهقي 4/ 240 من طريق مالك بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2954 و4275 و4276 ومسلم 1113 والنسائي (4/ 189) وعبد الرزاق 7762 والطيالسي 2716 والحميدي 514 وابن أبي شيبة (3/ 15) وأحمد (1/ 219 و334) وابن خزيمة 2035 وابن حبان 3555 و3563- 3566 والطحاوي (2/ 64) والبيهقي (4/ 240) و246 من طرق عن الزهري به.
139- ع انظر الحديث الآتي.
140- إسناده على شرط البخاري، آدم هو ابن أبي إياس العسقلاني روى له البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج بن الورد.
- هو في «شرح السنة» 1758 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 1946 عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه ومسلم 1115 وأبو داود 2407 والنسائي (4/ 177) والطيالسي 1721 وأحمد (3/ 299) و (319) و (399
(1) الكديد: عين ماء جارية على اثنين وأربعين ميلا من مكة.
(2) في المخطوط «توجعت» والمثبت هو الصواب كما في القرطبي (2/ 276) .
(3) في المخطوط «تجوز معه» .
(4) في الأصل «الحسين» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» ومصادر التخريج.(1/218)
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فقال: ما هذا؟ قالوا: صَائِمٌ [1] ، فَقَالَ: «لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» .
وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ مَا:
«141» حَدَّثَنَا الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الإسفرايني، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو أمية أخبرنا عبيد [2] اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا الْجَرِيرِيُّ [3] ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ:
كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ، فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَفْضَلِ الْأَمْرَيْنِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْفِطْرُ فِي السَّفَرِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّوْمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالشَّعْبِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَنَسٍ، وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ أَيْسَرُهُمَا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَمَنْ أَصْبَحَ مُقِيمًا صَائِمًا ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَهُوَ [قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ، أَمَّا الْمُسَافِرُ إِذَا أَصْبَحَ صَائِمًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ] [4] بِالِاتِّفَاقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«142» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ
__________
وابن أبي شيبة (3/ 14) والدارمي (2/ 9) وابن خزيمة 2017 وابن حبان 3552 وابن الجارود 399 والطحاوي (2/ 62) والبيهقي (4/ 242 و243) من طرق عن شعبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي (4/ 176) والطحاوي (2/ 62- 63) وابن حبان 355 من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثوبان عن جابر به.
- وأخرجه ابن ماجه 1665 وابن حبان 3548 والطحاوي (2/ 63) والطبراني 13387 و13403 من حديث ابن عمر وقال البوصيري في الزوائد: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات اهـ.
141- صحيح. أبو أمية صدوق، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، محمد بن إبراهيم، عبيد الله القواريري هو ابن عمر. الجريري هو سعيد بن إياس، أبو نضرة هو المنذر بن مالك بن قطعة.
وهو في «شرح السنة» 1756 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1116 ح 96 والنسائي (4/ 188) وأحمد (3/ 12) وابن خزيمة 2030 والبيهقي (4/ 245) من طرق عن الجريري بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1116 ح 65 والترمذي 712 والنسائي (4/ 188) و (189) وأحمد (3/ 50) وابن أبي شيبة (3/ 17) وابن خزيمة 3029 والبيهقي (4/ 244) من طرق عن أبي نضرة به.
- وأخرجه مسلم 1116 والطيالسي 2157 وابن أبي شيبة (3/ 17) وأحمد (3/ 45 و74) وابن حبان 3562 والطحاوي (2/ 68) من طرق عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ به.
142- إسناده صحيح، رجاله ثقات. محمد هو ابن علي بن الحسين رضي الله عنهم.
(1) في المطبوع وحده «هذا صائم» .
(2) وقع في الأصل «عبد» والمثبت هو الصواب.
(3) وقع في الأصل «الحريري» والتصويب من كتب التخريج والتراجم. [.....]
(4) سقط من المخطوط.(1/219)
الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ [1] جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ [2] ، فَصَامَ النَّاسُ مَعَهُ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ، فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَشَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فأفطر بعض الناس، وصام بعض [3] ، فبلغه أن أناسا صَامُوا فَقَالَ: «أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» .
وَاخْتَلَفُوا فِي السَّفَرِ الَّذِي يُبِيحُ الْفِطْرَ، فَقَالَ قَوْمٌ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، بِإِبَاحَةِ الْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «الْعُسْرَ وَالْيُسْرَ» وَنَحْوَهُمَا بِضَمِّ السِّينِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالسُّكُونِ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا خُيِّرَ رَجُلٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَاخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا إِلَّا كَانَ ذَلِكَ أَحَبَّهُمَا [4] إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [الْمَائِدَةِ:
3] ، وَالْوَاوُ فِي قوله تعالى: وَلِتُكْمِلُوا وَاوُ النَّسَقِ وَاللَّامُ لَامُ كَيْ، تَقْدِيرُهُ: وَيُرِيدُ لِكَيْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أي: لتكملوا عدد [5] أَيَّامِ الشَّهْرِ بِقَضَاءِ مَا أَفْطَرْتُمْ فِي مَرَضِكُمْ وَسَفَرِكُمْ، وَقَالَ [عَطَاءٌ] [6] : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ، أَيْ: عَدَدَ أَيَّامِ الشَّهْرِ.
«143» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عمر:
أن رسول الله قَالَ: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين» .
__________
- هو في «شرح السنة» 1761 بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (1/ 268 و269- 270) عن عبد العزيز بن محمد بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1114 ح 91 والترمذي 710 والنسائي (4/ 177) والبيهقي (4/ 241- 246) من طريق عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1114 والطيالسي 1667 والشافعي (1/ 270) والنسائي (4/ 177) والحميدي 1289 وابن خزيمة 2019 و2537 وابن حبان 2706 و3549 والطحاوي (2/ 65) والبيهقي (5/ 256) من طرق من حديث جابر.
143- صحيح. الشافعي ثقة إمام، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وأخرجه البخاري 1907 ومالك (1/ 286) والشافعي (1/ 272) والبيهقي (4/ 205) من طريق مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار به.
- وأخرجه البخاري 1900 و1906 ومسلم 1080 وأبو داود 2320 والنسائي (4/ 134) وابن ماجه 1654 ومالك (1/ 286) وعبد الرزاق 7307 والشافعي (1/ 274) وأحمد (2/ 13) و63 و145 وابن حبان 3593 و3597 والدارقطني (2/ 161) والبغوي في «شرح السنة» 1708 والبيهقي (4/ 204) من طرق من حديث ابن عمر.
(1) وقع في الأصل «بن» والتصويب من كتب التخريج.
(2) تحرف في المخطوط إلى «الغنم» .
(3) في المطبوع «بعضهم» .
(4) في المخطوط «أحب» .
(5) في المطبوع «عدة» .
(6) سقط من المطبوع.(1/220)
«144» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ [1] الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ، صُومُوا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغمي [2] عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ ثُمَّ أَفْطِرُوا» .
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ: وَلِتُعَظِّمُوا اللَّهَ، عَلى مَا هَداكُمْ: أَرْشَدَكُمْ إِلَى مَا رَضِيَ [3] بِهِ مِنْ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَخَصَّكُمْ بِهِ دُونَ سَائِرِ أَهْلِ الْمِلَلِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ تَكْبِيرَاتُ لَيْلَةِ الْفِطْرِ، وَرُوِيَ الشافعي عن ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ، وَشَبَّهَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِهَا إِلَّا مَنْ كَانَ حَاجًّا فَذِكْرُهُ التَّلْبِيَةُ، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ: اللَّهَ على نعمه [التي خصكم بها] [4] ، وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَثَوَابِ الصَّائِمِينَ.
«145» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِرَاجٍ الطَّحَّانُ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عن أبي سُهَيْلٍ [5] نَافِعُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أبيه عن أبي هريرة:
__________
144- حديث صحيح، إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو، فإنه صدوق يهم، روى له أصحاب السنن، والبخاري ومسلم لكن متابعة، كما في «الميزان» و «الكاشف» وغيرهما. ووقع في «التقريب» (ع) أي روى له الجماعة، وهو خطأ، ولم ينفرد به كما سيأتي، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف. قيل: اسمه عبد الله، وقيل: إسماعيل.
- وهو في «شرح السنة» 1713 بهذا الإسناد لكن فيه «عبد الرحيم بن منيب» بدل «محمد بن يحيى» .
- وأخرجه الترمذي 684 والشافعي (1/ 275) وأحمد (2/ 438) و (497) والطحاوي (2/ 84) والبيهقي (4/ 207) من طريق محمد بن عمرو بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1914 ومسلم 1082 وأبو داود 2335 والترمذي 685 والنسائي (4/ 149 و154) وابن ماجه 1650 والشافعي (1/ 275) والطيالسي 2361 وعبد الرزاق 7315 وابن أبي شيبة (3/ 23) وأحمد (2/ 234) و (347) و (408) و (477) و (513) والدارمي (2/ 4) وابن حبان 3586 و3592 والطحاوي (2/ 84) وابن الجارود 378 والبيهقي (4/ 207) من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عن أبي سلمة به.
145- إسناده صحيح، أبو عبيد فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» 1698.
وأخرجه البخاري 1898 ومسلم 1079 والنسائي (4/ 126) و (127) وأحمد (2/ 357) والدارمي (2/ 62) وابن خزيمة 1882 والبغوي في «شرح السنة» 1703. والبيهقي (4/ 202) من طرق عن إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل نافع بن مالك بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1899 و3277 ومسلم 1079 ح 2 وأحمد (2/ 401) وابن أبي شيبة (3/ 1- 2) وابن حبان 3434 من طرق من حديث أبي هريرة.
- وانظر الحديث الآتي.
(1) وقع في الأصل «الحسين» والتصويب عن «شرح السنة» و «سير أعلام النبلاء» (17/ 356) .
(2) في المطبوع «غم» .
(3) في المطبوع «أرضى» . [.....]
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) وقع في الأصل.. أبي سهيل عن نافع، وهو تصحيف والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.(1/221)
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ صُفِّدَتِ [1] الشَّيَاطِينُ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ» .
«146» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ [2] ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ [3] مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ [4] أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر بْنُ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» .
«147» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي نَصْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَوْفَانِيُّ الْهَرَوِيُّ بِهَا، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ التُّجِيبِيُّ [5] الْمِصْرِيُّ بِهَا الْمَعْرُوفُ بأبي النَّحَّاسِ [6] قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَكُمْ أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْعَنَزِيُّ [7] الْبَصْرِيُّ بِمَكَّةَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ الزَّعْفَرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرحمن عن أبي هريرة:
__________
146- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل أبي بكر بن عياش، فإنه صالح الحديث كما قال الذهبي، وهو من رجال البخاري لكن ساء حفظه لما كبر، فانحط حديثه عن درجة الصحيح، وبقية رجاله مشاهير.
وهو في «شرح السنة» 1699 بهذا الإسناد.
وهو في «سنن الترمذي» 682 عن محمد بن العلاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن ماجه 1642 وابن خزيمة 1883 وابن حبان 3435 والحاكم (1/ 421) من طريق أبي كريب بهذا الإسناد، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
ويشهد له ما أخرجه النسائي (4/ 130) وابن أبي شيبة (3/ 1) وأحمد (4/ 311) و (312) و (5/ 411) من طريق عرفجة عن رجل من الصحابة. وإسناده حسن. فإنه من رواية الثوري وشعبة عن عطاء بن السائب، وقد سمعا منه قبل الاختلاط، وجهالة الصحابي لا تضر، فالحديث حسن، ويرقى بالأول إلى درجة الصحيح، والله أعلم.
147- إسناده صحيح، رجاله ثقات، محمد بن الصّباح الزعفراني فمن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
الزهري هو محمد بن مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 1700 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2014 وأبو داود 1372 والنسائي (4/ 156- 157) (2201) - (2203) من طرق عن سفيان بن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2008 و2009 و2014 ومسلم 759 وأبو داود 1371 و1372 والترمذي 808 والنسائي (3/ 201- 202) و (156) وابن ماجه 1326 ومالك (1/ 113) وأحمد (2/ 281) و289 و408 و423 وعبد الرزاق 7719 والدارمي (2/ 26) وابن خزيمة 2202 وابن حبان 2546 والبيهقي (2/ 491 و492) من طرق عن أبي سلمة به.
وبعضهم اقتصر على ذكر «الصيام» والبعض الآخر اقتصر على ذكر «القيام» .
(1) صفّدت: شدّت وأوثقت بالأغلال- والصفد: القيد.
(2) في المطبوع «بن الجراح» .
(3) في المطبوع «عباس» .
(4) وقع في الأصل «المحوبي» والتصويب من «شرح السنة» و «ط» .
(5) وقع في الأصل «النجيبي» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» .
(6) وقع في الأصل «النجاش» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» .
(7) وقع في الأصل «المقبري» والتصويب من «شرح السنة» ومن «ط» .(1/222)
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ [1] ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» .
«148» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ خَلَفُ بْنُ عَبْدٍ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نِزَارٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسَدٍ الصَّفَّارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْعَنَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرِ بْنِ إِيَاسٍ السَّعْدِيُّ أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ زِيَادٍ [عَنْ همام بن يحيى] [2] عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ:
خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ فقال: «أيّها الناس إنه أَظَلَّكُمْ شَهْرٌ عَظِيمٌ» . [وَفِي رِوَايَةٍ: «قَدْ أَطَلَّكُمْ» ، بِالطَّاءِ: أَطَلَّ: أَشْرَفَ] [3] ، شَهَرٌ مُبَارَكٌ، شَهْرٌ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، شهر جعل الله صيامه [وَقِيَامَ لَيْلِهِ تَطَوُّعًا، مَنْ تَقَرَّبَ فيه بخصلة من الْخَيْرِ كَانَ كَمَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فريضة كان كَمَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ] [4] ، وَهُوَ شَهْرُ الصَّبْرِ، وَالصَّبْرُ ثَوَابُهُ الْجَنَّةُ، وَشَهْرُ الْمُوَاسَاةِ [أَيِ الْمُسَاهَمَةِ] [5] وَشَهْرٌ يُزَادُ فِيهِ الرِّزْقُ، من فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ لَهُ مَغْفِرَةً لِذُنُوبِهِ وَعِتْقَ رَقَبَتِهِ [6] مِنَ النَّارِ، وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله ليس كلنا يجد ما يفطّر بِهِ الصَّائِمَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ لِمَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مَذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِمًا سَقَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ بَعْدَهَا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ. [وَمَنْ خَفَّفَ عَنْ مَمْلُوكِهِ فِيهِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَأَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ] [7] ، وَهُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ، فَاسْتَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: خَصْلَتَيْنِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ، وَخَصْلَتَيْنِ لا غنى لكم عَنْهُمَا، أَمَّا الْخَصْلَتَانِ اللَّتَانِ تُرْضُونَ بِهِمَا رَبَّكُمْ فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَتَسْتَغْفِرُونَهُ، وَأَمَّا اللتان لا غنى لكم عَنْهُمَا فَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعُوذُونَ بِهِ مِنَ النَّارِ» .
«149» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ [مُحَمَّدُ بن] محمد بن محمش
__________
148- حديث ضعيف. إسناده ضعيف جدا. عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، ضعيف روى مناكير كثيرة، وقد تفرد في هذا المتن بألفاظ منكرة لا يتابع عليها. وأشار ابن خزيمة لضعفه بقوله: إن صح الخبر. وله علة ثانية، يوسف بن زياد ضعيف جدا، لكن توبع.
وأخرجه ابن خزيمة 1887 عن علي بن حجر بهذا الإسناد، ومن طريقه:
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 3608 وكذا أخرجه البيهقي 3608 من طريق إياس بن عبد الغفار عن علي بن زيد به.
وأخرجه الأصبهاني في «الترغيب» 1753 و1763 من وجه آخر بنحوه عن علي بن زيد بهذا الإسناد.
149- إسناده صحيح. إبراهيم بن عبد الله فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، وكيع هو ابن الجراح، والأعمش سليمان بن مهران، وأبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته وهو في «شرح السنة» 1704 بهذا
(1) زيد في نسخ المطبوع هاهنا «وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذنبه» .
- وليست في المخطوط ولا في شرح السنة وصحيح البخاري ومسلم لذا حذفتها، فهي مقحمة. والله أعلم. [.....]
(2) ما بين المعقوفتين زيادة من «شعب الإيمان» وكتب التراجم.
(3) زيد في نسخ المطبوع دون المخطوط وكتب الحديث الأخرى.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع وحده.
(5) زيد في نسخ المطبوع.
(6) في المطبوع «رقبة» .
(7) زيد في نسخ المطبوع، وليس هو في المخطوط ولا في «الشعب» 3608 للبيهقي.(1/223)
الزِّيَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ الْكُوفِيُّ، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ عَمَلِ ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، قال الله [سبحانه و] تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وأنا أجزي به، يدع طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، وللصائم فَرْحَتَانِ فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيْهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المسك، الصَّوْمُ جُنَّةٌ» [1] .
«150» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، مِنْهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ» .
«151» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن الحارث، أخبرنا
__________
الإسناد.
وأخرجه مسلم 1151 وابن ماجه 1638 وابن أبي شيبة (3/ 5) وأحمد (2/ 443 و477) والبيهقي (4/ 304) عن وكيع عن الأعمش بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1894 و1904 و5927 و7538 ومسلم 1151 والنسائي (4/ 164 و304) ومالك (1/ 310) والطيالسي 2485 وعبد الرزاق 7891 و7893 وابن أبي شيبة (3/ 5) وأحمد (2/ 281) وابن خزيمة 1897 و1900 وابن حبان 3416 و3422 و3423 و3424 والبغوي 1705 والبيهقي (4/ 304) من طرق من حديث أبي هريرة.
150- إسناده صحيح، محمد بن إسماعيل هو البخاري إمام فن علم الحديث، سعيد فمن فوقه رجال البخاري ومسلم. أبو مريم اسمه الحكم بن محمد، وأبو حازم اسمه سلمة بن دينار، ويعرف ب- الأعرج-.
- وهو في «شرح السنة» 1702 بهذا الإسناد.
- وهو في «صحيح البخاري» 3257 عن سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي (4/ 305) من طريق سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1896 ومسلم 1152 والترمذي 765 والنسائي (4/ 168) وابن ماجه 1640 وابن أبي شيبة (3/ 5- 6) وابن خزيمة 1902 وابن حبان 3420 و3421 والبغوي 1703 من طرق عن أبي حازم بهذا الإسناد بألفاظ متقاربة.
151- غير قوي. إسناده ضعيف له علتان: رشدين بن سعد ضعيف ليس بشيء، لكن لم ينفرد به تابعه ابن لهيعة وابن وهب كما سيأتي. والعلة الثانية: حييّ بن عبد الله المصري غير قوي. قال البخاري: فيه نظر، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة. ثم ساق له أحاديثه مناكير، وقال: لا يتابع عليها. راجع «الميزان» (1/ 623) .
- وأخرجه نعيم بن حماد في «زيادات الزهد لابن المبارك» (384) من طريق رشدين بن سعد بهذا الإسناد، ورشدين ضعيف، وتابعه ابن لهيعة عند أحمد (2/ 174) (6589) وتابعهما عبد الله بن وهب عند الحاكم (1/ 554) (2036) وصححه على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! وليس كذلك، حييّ بن عبد الله ما رويا له شيئا، وهو إلى الضعف أقرب.
- وقال المنذري في «ترغيبه» 1436: رواه أحمد. والطبراني في «الكبير» ورجاله محتج بهم في الصحيح! ورواه ابن أبي الدنيا في «كتاب الجوع» وغيره بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. تقدم أنه ليس على شرط مسلم!
(1) زيد في المطبوع وحده «وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم» .
- وهذه الزيادة مقحمة ليست من هذا الحديث، وإنما هي من حديث آخر مستقل، وليست في المخطوط ولا هي في شرح السنة وصحيح مسلم وكتب الحديث.(1/224)
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ رشدين [1] بن سعد عن حييّ [2] بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [3] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [أنه] قَالَ: «الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: رَبِّ إِنِّي مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فيه فيشفعان» .
[سورة البقرة (2) : آية 186]
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [4] قَالَ: قَالَ يَهُودُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: يَا مُحَمَّدُ كَيْفَ يَسْمَعُ رَبُّنَا دُعَاءَنَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ السَّمَاءِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ، وَإِنَّ غِلَظَ كُلِّ سَمَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ؟ فَنَزَلَتْ هذه الآية.
ع «152» وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سَأَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ أَمْ بِعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَالَى: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.
وَفِيهِ إِضْمَارٌ، كَأَنَّهُ قال: فقل لهم [يا محمد] [5] إِنِّي قَرِيبٌ مِنْهُمْ بِالْعِلْمِ لَا يَخْفَى عَلَيَّ شَيْءٌ، كَمَا قَالَ: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] .
«153» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [6] الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا محمد بن
__________
- وقال الهيثمي في «المجمع» (3/ 181) (5081) : رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجال الطبراني رجال الصحيح.
والحديث في «صحيح الترغيب» 973.
(1) وقع في الأصل «راشد» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(2) وقع في الأصل «يحيى» وهو تصحيف والتصويب من كتب التخريج.
(3) وقع في الأصل «عمر» بدل «عمرو» والتصويب من كتب التخريج. [.....]
(4) لا أصل له من كلام ابن عباس، وإنما هو من صنع الكلبي أو شيخه أبي صالح واسمه باذام، فقد أقر الكلبي للثوري بقوله: كل ما حدثتك عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عباس فهو كذب، راجع «الميزان» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.
152- ع هذا مرسل، والإسناد إلى الضحاك ذكره المصنف في أول الكتاب.
- وأخرج ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» (1/ 224) والطبري (2912) من طريق عبدة السختياني عن الصلت بن حكيم بن معاوية بن حيدة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ أَمْ بِعِيدٌ فنناديه؟
فسكت النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزل الله: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي إذا أمرتهم أن يدعوني فدعوني استجبت» وإسناده ضعيف لجهالة الصلت بن حكيم، ذكره ابن أبي حاتم من غير جرح أو تعديل، فلعل هذا الموصول يتأيد بالمرسل المتقدم.
153- إسناده صحيح على شرطهما، عبد الواحد هو ابن زياد العبدي، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وأبو عثمان هو النّهدي اسمه عبد الرحمن بن ملّ.
- وهو في «شرح السنة» 1276 بهذا الإسناد.(1/225)
يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [1] ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ:
لَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، أَوْ قَالَ: لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ، أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ غير قالون وأبي عَمْرٍو بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهِمَا فِي الوصل، والباقون يحذفونها وَصْلًا وَوَقْفًا، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي إِثْبَاتِ الْيَاءَاتِ الْمَحْذُوفَةِ مِنَ الخط وحذفها في التلاوة، وأثبت يَعْقُوبُ جَمِيعَهَا وَصْلًا وَوَقْفًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي الْخَطِّ وَصْلًا وَوَقْفًا، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي، قِيلَ: الِاسْتِجَابَةُ بِمَعْنَى الْإِجَابَةِ، أَيْ: فليجيبوا إليّ بِالطَّاعَةِ، وَالْإِجَابَةُ فِي اللُّغَةِ: الطَّاعَةُ وَإِعْطَاءُ مَا سُئِلَ، فَالْإِجَابَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: الْعَطَاءُ، وَمِنَ الْعَبْدِ: الطاعة، وقيل: فليستجيبوا إليّ، أَيْ: لِيَسْتَدْعُوا مِنِّي الْإِجَابَةَ، وَحَقِيقَتُهُ فَلْيُطِيعُونِي، وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ، لِكَيْ يَهْتَدُوا، فَإِنْ قِيلَ: فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ، وقوله: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] ، وقد ندعوا كَثِيرًا فَلَا يُجِيبُ؟ قُلْنَا: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَتَيْنِ، قِيلَ: مَعْنَى الدُّعَاءِ هَاهُنَا: الطَّاعَةُ، وَمَعْنَى الْإِجَابَةِ؟ الثَّوَابُ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَتَيْنِ خَاصٌّ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُمَا عَامًّا، تَقْدِيرُهُمَا: أجيب دعوة الداعي إِنْ شِئْتُ كَمَا قَالَ: فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ [الأنعام: 41] ، وأجيب دَعْوَةَ الدَّاعِي إِنْ وَافَقَ الْقَضَاءَ، أَوْ أُجِيبُهُ إِنْ كَانَتِ الْإِجَابَةُ خَيْرًا لَهُ، أَوْ أُجِيبُهُ إِنْ لَمْ يَسْأَلْ مُحَالًا.
«154» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ [مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ] السمعاني أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَّانِيُّ [2] ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّ رَبِيعَةَ بن يزيد حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ أبي هريرة:
__________
- وفي «صحيح البخاري» 4205 عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2992 ومسلم 2704 وأبو داود 1528 وابن ماجه 3824 وأحمد (4/ 403) و417 و418 وابن السني في «عمل اليوم والليلة» 518 من طريق عاصم الأحول بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 6384 و6409 و6610 ومسلم 2704 وأبو داود 1526 و1527 والترمذي 3371 و3457 والنسائي في «الكبرى» 10372 وابن ماجه 3824 وأحمد (4/ 399) و (402) و (418) و (419) وأبو يعلى 7252 وابن السني 521 من طرق من حديث أبي موسى الأشعري.
(1) ما بين المعقوفتين زيادة من «شرح السنة» و «صحيح البخاري» .
154- حديث صحيح. إسناده ضعيف لأجل عبد الله بن صالح كاتب الليث، فإنه روى مناكير. لكن تابعه ابن وهب، ومعاوية من رجال مسلم ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو إدريس هو الخولاني اسمه عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ.
وهو في «شرح السنة» 1384 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 2735 والبخاري في «الأدب المفرد» 655 وابن حبان 881 و976 والبيهقي (3/ 353) من طريق ابن وهب عن معاوية بن صالح بهذا الإسناد.
- وورد من طريق آخر عن أبي هريرة مرفوعا ومختصرا دون ذكر الإثم وقطيعة الرحم أخرجه البخاري 6340 وفي «الأدب المفرد» 654 ومسلم 2730 وأبو داود 1484 والترمذي 3378 وابن ماجه 3853 ومالك (1/ 213) وأحمد (2/ 487) و396 وابن حبان 975 والطحاوي في «المشكل» (1/ 374) .
(2) وقع في الأصل «الزياتي» والتصويب من «شرح السنة» ومن «تهذيب الكمال» .(1/226)
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَسْتَجِيبُ اللَّهُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أَوْ يَسْتَعْجِلْ» ، قَالُوا: وَمَا الِاسْتِعْجَالُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ قَدْ دَعَوْتُكَ يَا رَبِّ فَلَا أَرَاكَ تَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ [1] عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَدَعُ الدُّعَاءَ» .
وَقِيلَ: هُوَ عَامٌّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أُجِيبُ، أَيْ: أَسْمَعُ، وَيُقَالُ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ أَكْثَرُ مِنْ إِجَابَةِ [2] الدَّعْوَةِ، فَأَمَّا إِعْطَاءُ الْمُنْيَةِ فَلَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِيهَا، وَقَدْ يُجِيبُ السَّيِّدُ عَبْدَهُ وَالْوَالِدُ وَلَدَهُ ثُمَّ لَا يُعْطِيهِ سُؤْلَهُ، فَالْإِجَابَةُ كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ عِنْدَ حُصُولِ الدَّعْوَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ لَا يُخَيِّبُ [3] دُعَاءَهُ فَإِنْ قَدَّرَ لَهُ مَا سَأَلَ أعطاه، وإن لم يقدّر لَهُ ادَّخَرَ لَهُ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ كَفَّ عَنْهُ بِهِ سوءا [في الدنيا] [4] ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«155» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [5] أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ وَهُوَ [6] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدَّثَهُمْ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ تَعَالَى بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ» .
وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُجِيبُ دُعَاءَ الْمُؤْمِنِ فِي الْوَقْتِ، وَيُؤَخِّرُ إِعْطَاءَ [من يحبّ] [7] مُرَادِهِ لِيَدْعُوَهُ فَيَسْمَعَ صَوْتَهُ، وَيُعَجِّلُ إِعْطَاءَ مَنْ لَا يُحِبُّهُ لِأَنَّهُ يَبْغَضُ صَوْتَهُ، وَقِيلَ: إِنَّ لِلدُّعَاءِ آدَابًا وَشَرَائِطَ وَهِيَ أَسْبَابُ الْإِجَابَةِ، فَمَنِ اسْتَكْمَلَهَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَابَةِ، وَمَنْ أَخَلَّ بِهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ، فلا يستحقّ الإجابة [8] .
__________
155- حديث حسن. إسناده لا بأس به. ابن ثوبان صدوق، وفيه ضعف، لكن توبع ومن دونه.
- وهو في «شرح السنة» 1381 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد (5/ 329) (22279) والترمذي (3573) والبيهقي في «الشعب» 1131 من طريق الفريابي محمد بن يوسف بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه اهـ.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» 147 من هشام بن الغاز عن مكحول بهذا الإسناد.
وقال الهيثمي في «المجمع» (10/ 147) (17201) . وفيه مسلمة بن علي، وهو ضعيف اهـ. قلت: مسلمة هو الخشني متروك ليس بشيء.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري. أخرجه أحمد (3/ 18) والبخاري في «الأدب المفرد» (710) وأبو يعلى 1019 والحاكم (1/ 493) والبزار (3143) و (3144) والبيهقي في «الشعب» 1129. صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في «المجمع» 10/ 148- 149: رواه أبو يعلى بنحوه والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد وأبي يعلى وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير علي بن علي الرفاعي، وهو ثقة اهـ.
(1) حسر واستحسر: إذا أعيا وانقطع عن الشيء.
(2) في المطبوع «استجابة» .
(3) في المطبوع «يجيب» وفي المخطوط «لا يجيب» والمثبت عن- ط-.
(4) زيادة عن المخطوط. [.....]
(5) وقع في الأصل «الزياتي» وهو تصحيف.
(6) زيد في الأصل بعد لفظ وهو: «محمد بن» وهو خطأ من النساخ. والتصويب عن كتب التراجم وشرح السنة.
(7) زيد في المطبوع وحده. وتحرف لفظ «يحب» إلى «يجيب» . والمثبت يقتضيه سياق الكلام الآتي.
(8) في المخطوط «الجواب» .(1/227)
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
[سورة البقرة (2) : آية 187]
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ، فَالرَّفَثُ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ، قَالَ ابْنُ عباس: إن الله حيي كريم يكني، كلما ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَالْإِفْضَاءِ وَالدُّخُولِ وَالرَّفَثُ، فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ الْجِمَاعَ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الرَّفَثُ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرِّجَالُ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ إِذَا أَفْطَرَ الرَّجُلُ حَلَّ لَهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالْجِمَاعُ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، أَوْ يَرْقُدَ قَبْلَهَا، فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ أَوْ رَقَدَ قَبْلَهَا حَرُمَ عَلَيْهِ الطعام والشراب وَالنِّسَاءُ إِلَى اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ، ثُمَّ:
ع «156» إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه واقع أهله بعد ما صَلَّى الْعِشَاءَ فَلَمَّا اغْتَسَلَ أَخَذَ يَبْكِي وَيَلُومُ نَفْسَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكَ مِنْ نَفْسِي هَذِهِ الْخَاطِئَةِ [1] ، إِنِّي رَجَعْتُ إِلَى أهلي بعد ما صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ فَوَجَدْتُ رَائِحَةً طَيِّبَةً فَسَوَّلَتْ لِي نَفْسِي فَجَامَعْتُ أَهْلِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا كُنْتَ جَدِيرًا بِذَلِكَ يا عمر» ، فقام رجال فاعترفوا بِمِثْلِهِ، فَنَزَلَ فِي عُمْرَ وَأَصْحَابِهِ: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ.
أَيْ: أُبِيحُ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ، أَيْ: سَكَنٌ لَكُمْ، وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ، أَيْ: سَكَنٌ لَهُنَّ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها [الْأَعْرَافِ: 189] ، وَقِيلَ:
لا يسكن شيء إلى شَيْءٌ كَسُكُونِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إِلَى الْآخَرِ، وَقِيلَ: سُمِّيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ لِبَاسًا لِتَجَرُّدِهِمَا عِنْدَ النَّوْمِ وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، حَتَّى يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ كَالثَّوْبِ الَّذِي يَلْبَسُهُ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: هُنَّ فِرَاشٌ [2] لكم، وأنتم لحاف لهن، وقال أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ: يُقَالُ لِلْمَرْأَةِ هِيَ لِبَاسُكَ وَفِرَاشُكَ وَإِزَارُكَ، وَقِيلَ: اللِّبَاسُ اسْمٌ لِمَا يُوَارِي الشَّيْءَ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتْرًا لِصَاحِبِهِ عَمَّا لَا يَحِلُّ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:
ع «157» «مَنْ تَزَوَّجَ فَقَدْ أَحْرَزَ [3] ثُلُثَيْ دينه» .
__________
156- ع أخرجه الطبري 2951 من حديث ابن عباس بأتم منه دون قوله، «فقام رجال واعترفوا بمثله» وفي إسناده عطية بن سعد العوفي وهو ضعيف.
وله شاهد من حديث كعب بن مالك أخرجه الطبري 2949 وفي إسناده ابن لهيعة لكن ابن المبارك سمع منه قبل الاختلاط.
157- ضعيف. أخرجه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» 1005 من طريق خالد الحذاء عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسِ بن مالك مرفوعا بلفظ: «من تزوج فقد أحرز نصف دينه، فليتق الله في النصف الباقي» .
قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، وإنما يذكر عنه، وفيه آفات منها يزيد الرقاشي قال أحمد: لا يكتب عنه شيء كان منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث ... اهـ.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» (7643) و (8789) والخطيب البغدادي في «الموضح» (2/ 84) من طرق عن يزيد
(1) في المطبوع «الخطيئة» .
(2) زيد في نسخ المطبوع «واجتماعهما» .
(3) وقع في الأصل «فقد حرز» .(1/228)
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَيْ: تَخُونُونَهَا وَتَظْلِمُونَهَا بِالْمُجَامَعَةِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، قَالَ الْبَرَاءُ: لَمَّا نَزَلَ صَوْمُ رَمَضَانَ، كَانُوا لَا يقربون النساء [في رَمَضَانَ] [1] كُلَّهُ، وَكَانَ رِجَالٌ يَخُونُونَ أَنْفُسَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ، فَتابَ عَلَيْكُمْ: تَجَاوَزَ عَنْكُمْ، وَعَفا عَنْكُمْ: مَحَا ذُنُوبَكُمْ، فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ: جَامِعُوهُنَّ حَلَالًا، سُمِّيَتِ الْمُجَامَعَةُ: مُبَاشَرَةً، لملاصقة بشرة كل واحد منهما صاحبه، وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، أَيْ: فَاطْلُبُوا مَا قَضَى اللَّهُ لَكُمْ، وَقِيلَ: مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، يَعْنِي: الْوَلَدَ، قَالَهُ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ، قَالَ مُجَاهِدٌ: ابْتَغُوا الْوَلَدَ إِنْ لَمْ تَلِدْ هَذِهِ فَهَذِهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: وَابْتَغُوا الرُّخْصَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، بِإِبَاحَةِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، يَعْنِي: لَيْلَةَ الْقَدْرِ، قَوْلُهُ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ، نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ اسْمُهُ أَبُو صِرْمَةَ بْنُ قَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَبُو قَيْسِ بْنُ صِرْمَةَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَبُو قَيْسٍ صرمة بن أنس بن صرمة.
ع «158» وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَلَّ نَهَارَهُ يَعْمَلُ فِي أَرْضٍ لَهُ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا أَمْسَى رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ بِتَمْرٍ، وَقَالَ لِأَهْلِهِ قَدِّمِي الطَّعَامَ، فَأَرَادَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تُطْعِمَهُ شَيْئًا سخنا [2] فَأَخَذَتْ تَعْمَلُ لَهُ سَخِينَةً، وَكَانَ في [ابتداء الأمر] [3] مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَنَامَ حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، فَلَمَّا فَرَغَتْ من طعامه إذا هِيَ بِهِ قَدْ نَامَ، وَكَانَ قد أعيا وكلّ [من العمل] [4] ، فَأَيْقَظَتْهُ فَكَرِهَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ ورسوله وأبى أَنْ يَأْكُلَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا مَجْهُودًا، فَلَمْ يَنْتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أبا قيس ما لك أصبحت [5] طليحا [6] » ، فذكر له حاله فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا، يَعْنِي فِي لَيَالِي الصَّوْمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ.
يَعْنِي: بَيَاضَ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ: سُمِّيَا خَيْطَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَبْدُو فِي الِابْتِدَاءِ مُمْتَدًّا كَالْخَيْطِ.
«159» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أخبرنا محمد بن يوسف
__________
الرقاشي عن أنس مرفوعا.
- وأخرجه الحاكم (2/ 161) (2681) من طريق زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ الرحمن بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قال:
«من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني» . صححه الحاكم، ووافقه الذهبي مع أن في إسناده زهير بن محمد ضعيف في رواية الشاميين عنه وهذا منها ثم إن عمرو بن أبي سلمة التنيسي ضعيف أيضا.
ولفظ الحاكم ذكره ابن حجر في «التلخيص» (3/ 117) وضعّف إسناده.
158- ع خبر قيس بن صرمة، أخرجه البخاري 1915 وأبو داود 2314 والترمذي 2968 والنسائي (4/ 147- 148) وأحمد (4/ 295) والدارمي (2/ 5) وابن حبان (3460) و (3461) والطبري 2939 والبيهقي (4/ 201) من حديث البراء بغير هذا السياق.
159- إسناده صحيح. محمد بن إسماعيل هو البخاري، ومن دونه ثقات، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو حازم هو
(1) زيادة عن كتب التخريج.
(2) في المطبوع «سخينا» . [.....]
(3) في المطبوع «الابتداء» .
(4) زيادة من المخطوط.
(5) في المخطوط وط «أمسيت» لكن سياق الحديث يدل على أنه كان في النهار. وقد وردت روايات تذكر أنه كان في الليل.
(6) الطلح: المهزول- والراعي المعيني.(1/229)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ، ثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ:
أُنْزِلَتْ: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ، وَلَمْ يَنْزِلْ قَوْلُهُ: مِنَ الْفَجْرِ، فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلِهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ، وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ ويشرب حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ: مِنَ الْفَجْرِ، فَعَلِمُوا إِنَّمَا يَعْنِي بِهِمَا: اللَّيْلَ والنهار.
«160» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [1] الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أخبرنا حجاج بْنُ مِنْهَالٍ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عَمَدْتُ إِلَى عِقَالٍ أَسْوَدَ وَإِلَى عِقَالٍ أَبْيَضَ فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وسادتي فجعلت أنظر إليهما في [2] اللَّيْلِ فَلَا يَسْتَبِينُ لِي، فَغَدَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «إِنَّمَا ذَلِكَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» .
«161» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ [3] ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ بِلَالًا يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ» ، قال: وكان ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أصبحت أصبحت.
__________
سلمة بن دينار الأعرج.
هو في «صحيح البخاري» (1917) و (4511) عن ابن أبي مريم بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1091 والنسائي في «التفسير» 42 والطبري 2998 والطبراني في «الكبير» 5791 والبيهقي (4/ 215) والواحدي في «الأسباب» 94 من طريق سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
160- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، هشيم هو ابن بشير السلمي، والشعبي هو عامر بن شراحيل.
وأخرجه البخاري 1916 من طريق حجاج بن منهال بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 4509 ومسلم 1090 وأبو داود 2349 والترمذي 2970 و2971 والنسائي في «التفسير» 41 وأحمد (4/ 377) والطبري 2996 و2997 وابن خزيمة 1925 و1926 والدارمي (2/ 5- 6) والحميدي 916 وابن أبي شيبة (3/ 28) والطبراني في «الكبير» (17/ 176) والبيهقي (4/ 215) من طرق عن عامر الشعبي به.
161- إسناده صحيح على شرطهما. أبو إسحق ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. ابن شهاب هو محمد بن مسلم. وهو في «شرح السنة» 434 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 617 وابن حبان 3469 والطحاوي (1/ 137) والبيهقي (1/ 380) و426- 427 من طريق مالك بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1918 و2656 ومسلم 1092 والترمذي 203 والنسائي (2/ 10) والشافعي (2/ 275) والطيالسي 1819 وابن أبي شيبة (3/ 9) وأحمد (2/ 9) و (57) و (62) والدارمي (1/ 270) وابن خزيمة 401 و1931 وابن حبان 3470 والطحاوي (1/ 137) و (138) والبيهقي (1/ 380) و (382) و (4/ 218) من طرق من حديث ابن عمر.
(1) زيادة من المخطوط.
(2) في المطبوع «وإلى» .
(3) وقع في الأصل «الشهاب» وهو تصحيف.(1/230)
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَجْرَ فَجْرَانِ: كَاذِبٌ وَصَادِقٌ، فَالْكَاذِبُ: يَطْلُعُ أَوَّلًا مُسْتَطِيلًا كذنب السرحان [1] ويصعد إِلَى السَّمَاءِ، فَبِطُلُوعِهِ لَا يَخْرُجُ اللَّيْلُ وَلَا يَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ، ثُمَّ يَغِيبُ فَيَطْلُعُ بَعْدَهُ الْفَجْرُ الصَّادِقُ مُسْتَطِيرًا يَنْتَشِرُ [2] سَرِيعًا فِي الْأُفُقِ، فَبِطُلُوعِهِ يَدْخُلُ النَّهَارُ وَيَحْرُمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ.
«162» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادٌ وَيُوسُفُ [3] بْنُ عِيسَى، قَالَا: أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ أَبِي هِلَالٍ عَنْ سَوَادَةَ [4] بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنِ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ [5] فِي الْأُفُقِ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، فَالصَّائِمُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَيَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَإِذَا غَرَبَتْ حَصَلَ الْفِطْرُ.
«163» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا الْحُمَيْدِيُّ أخبرنا سفيان الثوري أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعَتْ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ، العكوف هو الإقامة على الشيء،
__________
162- حديث صحيح. إسناده لا بأس به لأجل أبي هلال واسمه محمد بن سليم الراسبي، فإنه صدوق فيه لين، وقد توبع كما سيأتي، وباقي الإسناد ثقات، وكيع هو ابن الجراح. هو في «شرح السنة» 436 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 706 من طريق هناد ويوسف بن عيسى بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1094 وأبو داود 2346 وابن أبي شيبة (2/ 154) وأحمد (5/ 13- 14) وابن خزيمة 1929 والطحاوي (1/ 83) والطيالسي 897 و798 والدارقطني (2/ 166) والبيهقي (4/ 215) من طرق عن سوادة بن حنظلة القشيري عن سمرة بن جندب به.
(1) السّرحان: الذئب والأسد.
(2) في المخطوط «منشرا» .
(3) وقع في الأصل «بن» بدل «و» وهو خطأ والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج. [.....]
(4) وقع في الأصل «سواد» وهو تصحيف والتصويب من «شرح السنة» و «سنن الترمذي» .
(5) استطار ضوء الفجر: إذا انبسط في الأفق وانتشر.
163- إسناده صحيح على شرط البخاري الحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي. سفيان هو ابن سعيد.
وهو في «شرح السنة» 1729 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1954 من طريق الحميدي بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1100 وأبو داود 2351 والترمذي 698 وابن أبي شيبة (2/ 148) وأحمد (1/ 28 و35 و48) والدارمي (2/ 7) وابن الجارود 393 والبيهقي (4/ 216) من طريق هشام بن عروة بهذا الإسناد.(1/231)
وَالِاعْتِكَافُ فِي الشَّرْعِ: هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ [تعالى] ، وَهُوَ سُنَّةٌ، وَلَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَيَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْمَسَاجِدِ.
«164» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَعْتَكِفُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا عَرَضَتْ لِلرَّجُلِ مِنْهُمُ الْحَاجَةُ إِلَى أَهْلِهِ خَرَجَ إِلَيْهَا فَجَامَعَهَا ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَرَجَعَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنُهُوا عن ذلك ليلا أو نهارا حَتَّى يَفْرَغُوا مِنَ اعْتِكَافِهِمْ، فَالْجِمَاعُ حَرَامٌ فِي حَالِ الِاعْتِكَافِ، وَيَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ، أَمَّا مَا دُونَ الْجِمَاعِ مِنَ الْمُبَاشَرَاتِ كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ بِالشَّهْوَةِ فَمَكْرُوهٌ، وَلَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَهُوَ أَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، كَمَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الْحَجُّ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَبْطُلُ بِهَا اعْتِكَافُهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ: إِنْ أَنْزَلَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا، كَالصَّوْمِ. وَأَمَّا اللَّمْسُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ التَّلَذُّذُ فَلَا يَفْسُدُ بِهِ الِاعْتِكَافُ، لِمَا:
«165» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اعْتَكَفَ أَدْنَى إِلَيَّ رَأْسَهُ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ: يعني: تلك الأحكام التي ذكرت [1] في الصيام والاعتكاف حدود،
__________
164- إسناده صحيح على شرط البخاري، تفرد البخاري عن عبد الله بن يوسف دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، وعقيل- بالتصغير- هو ابن خالد الأيلي، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
- وهو في «شرح السنة» 1826 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 2026 من طريق عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1172 وأبو داود 2462 وأحمد (6/ 92) والبيهقي (4/ 315 و320) من طريق الليث عن عقيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1172 والترمذي 790 وعبد الرزاق 7682 وأحمد (6/ 168) و (169) و (281) والدارقطني (2/ 201) وابن خزيمة (2223) وابن حبان 3665 والبيهقي (4/ 314) من طرق من حديث عائشة.
165- إسناده على شرطهما. أبو مصعب فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، ومن دونه ثقات، وقد توبعوا.
- وهو في «شرح السنة» 1830 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مالك (1/ 312) من طريق الزهري بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه مسلم (297 ح/ 6) وأبو داود 2467 والترمذي 804 وأحمد (6/ 104) و (262) و (281) وابن خزيمة 2231 وابن حبان 3672 والبيهقي (4/ 315) .
- وأخرجه البخاري 296 و (2028) و (2029) و (2046) ومسلم 297 وأبو داود 2468 و2469 والنسائي (1/ 193) وابن ماجه 633 و1778 وأحمد (6/ 32 و50) و (81 و100 و234) وابن خزيمة (2230 و2232) وابن حبان 3669 و3670 والبيهقي (4/ 316) والبغوي 317 من طرق من حديث عائشة.
(1) في نسخ المطبوع «ذكرها» .(1/232)
وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)
أَيْ: مَا مَنَعَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَ السُّدِّيُّ: شُرُوطُ اللَّهِ، وَقَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ: فَرَائِضُ اللَّهِ وَأَصْلُ الْحَدِّ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْبَوَّابِ: حَدَّادٌ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ، وَحُدُودُ الله ما يمنع النَّاسَ مِنْ مُخَالَفَتِهَا، فَلا تَقْرَبُوها، فَلَا تَأْتُوهَا كَذلِكَ، هَكَذَا يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ، لِكَيْ يَتَّقُوهَا فَيَنْجُوا مِنَ الْعَذَابِ [1] .
[سورة البقرة (2) : آية 188]
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)
قَوْلُهُ تَعَالَى وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ، قِيلَ:
ع «166» نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي امْرِئِ [2] القيس بن عابس الْكِنْدِيِّ ادَّعَى عَلَيْهِ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدَانَ الْحَضْرَمِيُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: «أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ يَمِينُهُ» ، فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [أَمَا إِنْ حلف على مالك] [3] لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ» ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ.
أَيْ: لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أَبَاحَهُ اللَّهُ وَأَصْلُ الْبَاطِلِ:
الشَّيْءُ الذَّاهِبُ، وَالْأَكْلُ بِالْبَاطِلِ أَنْوَاعٌ: قَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْغَصْبِ وَالنَّهْبِ، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ اللَّهْوِ كَالْقِمَارِ وَأُجْرَةِ الْمُغَنِّي وَنَحْوِهِمَا [4] ، وَقَدْ يَكُونُ بِطَرِيقِ الرِّشْوَةِ وَالْخِيَانَةِ، وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ،
__________
166- ع لم أره بهذا التمام، وإنما هو منتزع من حديثين: الأول: أخرجه ابن أبي حاتم كما في «أسباب النزول» للسيوطي 94 عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إن امرأ القيس بن عابس وعبدان بن أشوع الحضرمي اختصما في أرض، وأراده امرؤ القيس أن يحلف ففيه نزلت وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ.
وكذا ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 95 عن مقاتل بن حيان بدون إسناد. وذكر سبب النزول ضعيف، ولا يصح، وأما المرفوع منه فصحيح، وهو الثاني: أخرجه مسلم 139 وأبو داود 3245 و3623 والترمذي 1340 والنسائي في «الكبرى» 5989 والطحاوي في «المعاني» (4/ 148) و «المشكل» (4/ 248) والبيهقي (10/ 144) و254 والبيهقي (10/ 179) من طرق عن أبي الأحوص عن سماك عن علقة بن وائل عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ من حضر موت وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ هَذَا قَدْ غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي كَانَتْ لِأَبِي. فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: هي أرضي أَزْرَعُهَا لَيْسَ لَهُ فِيهَا حَقٌّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم للحضرمي: ألك عليه بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَلَكَ يَمِينُهُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال: لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَلِكَ. فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أدبر: أَمَا لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا، لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ، وَهُوَ عنه معرض» .
- وفي صحيح البخاري 2416 و247 وسنن أبي داود 3243 والترمذي 1269 وابن ماجه 2323 والبيهقي (10/ 179- 180) عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: من حلف على يمين، وهو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله، وهو عليه غضبان. قال: فقال الأشعث: فيّ والله كان ذلك. كان بيني وبين رجل من اليهود أرض، فجحدني، فقدّمته إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ألك بينة؟ قلت: لا. قال لليهودي: احلف. قال: قلت: يا رسول الله إذا يحلف، ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا إلى آخر الآية.
(1) في المخطوط «النار» .
(2) في الأصل «امرؤ» والمثبت هو الصواب.
(3) العبارة في المطبوع [إما أن يحلف على ماله] .
(4) في المطبوع «وغيرهما» وفي المخطوط «ونحوهما» والمثبت عن- ط.(1/233)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
[أَيْ: تُلْقُوا أُمُورَ تِلْكَ الْأَمْوَالِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ أَرْبَابِهَا إِلَى الْحُكَّامِ] [1] ، وَأَصْلُ الْإِدْلَاءِ إِرْسَالُ الدَّلْوِ، وَإِلْقَاؤُهُ فِي الْبِئْرِ، يُقَالُ: أَدْلَى دَلْوَهُ إِذَا أَرْسَلَهُ، وَدَلَاهُ يَدْلُوهُ إِذَا أَخْرَجَهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مَالٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيَجْحَدُ الْمَالَ، وَيُخَاصِمُ فِيهِ [إِلَى] [2] الْحَاكِمِ وَهُوَ [3] يَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّهُ أَثِمَ بِمَنْعِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا تُخَاصِمْ وَأَنْتَ ظَالِمٌ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ أَنْ يُقِيمَ شَهَادَةَ الزُّورِ، وَقَوْلُهُ:
وَتُدْلُوا فِي مَحَلِّ الْجَزْمِ بِتَكْرِيرِ حَرْفِ النَّهْيِ مَعْنَاهُ وَلَا تُدْلُوا بِهَا إلى الحكام، وقيل: معناه لا تَأْكُلُوا بِالْبَاطِلِ وَتَنْسِبُونَهُ إِلَى الْحُكَّامِ، قَالَ قَتَادَةُ: لَا تُدْلِ بِمَالِ أَخِيكَ إِلَى الْحَاكِمِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أنك ظالم [وهو محق] [4] ، فَإِنَّ قَضَاءَهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا، وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ: إِنِّي لَأَقْضِي لَكَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ ظَالِمًا، وَلَكِنْ [لَا يَسَعُنِي إِلَّا أَنْ أَقْضِيَ] [5] بِمَا يَحْضُرُنِي مِنَ الْبَيِّنَةِ، وَإِنَّ قَضَائِي لَا يُحِلُّ لَكَ حَرَامًا.
«167» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ، أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذَنَّهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً: طَائِفَةً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ: بِالظُّلْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ يَقْطَعُ [6] بِهَا مَالَ أَخِيهِ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ: أنكم مبطلون.
[سورة البقرة (2) : آية 189]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، «168» نَزَلَتْ فِي مُعَاذِ بن جبل وثعلبة بن غنمة [7] الْأَنْصَارِيَّيْنِ قَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ما بال الهلال يبدو
__________
167- إسناده صحيح رجاله ثقات، الشافعي هو محمد بن إدريس، والربيع هو ابن سليمان.
- وهو في «شرح السنة» 2500 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مالك (2/ 719) من طريق هشام بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه الشافعي (2/ 178) والبخاري 2680 و7169 والطحاوي (4/ 154) وابن حبان 5070 والبيهقي (10/ 143) و (149) .
- وأخرجه البخاري 2458 و7181 و7185 ومسلم 1713 والترمذي 1339 والنسائي (8/ 233) وابن ماجه 2317 وأحمد (6/ 203) و290 و307 و308 والطحاوي (4/ 154) والدارقطني (4/ 239) وابن الجارود 999 والبيهقي (10/ 43) و (149) من طرق عن عروة به.
168- ع ضعيف جدا. أخرجه أبو نعيم وابن عساكر كما في «أسباب النزول» للسيوطي 97 من طريق مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ السُّدِّيُّ عَنْ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابن عباس، وهذا إسناد ساقط، السدي متروك، والكلبي متهم، وعزاه الواحدي في
(1) سقط من المخطوط. [.....]
(2) سقط من المطبوع.
(3) لفظ «وهو» سقط من المخطوط.
(4) زيادة من المخطوط.
(5) العبارة في المخطوط [لا يمنعني أن أقضي] .
(6) في المطبوع «يقتطع» .
(7) في الأصل «غنم» والمثبت عن «الإصابة» (1/ 209) و «أسباب النزول» وغيرهما.(1/234)
دَقِيقًا ثُمَّ يَزِيدُ حَتَّى يَمْتَلِئَ نُورًا، ثُمَّ يَعُودُ دَقِيقًا كَمَا بَدَأَ وَلَا يَكُونُ عَلَى حَالَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، وَهِيَ جَمْعُ هِلَالٍ، مِثْلُ رِدَاءٍ وَأَرْدِيَةٍ، سُمِّيَ هِلَالًا لِأَنَّ النَّاسَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالذِّكْرِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ، مِنْ قَوْلِهِمُ اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ إِذَا صَرَخَ حِينَ يُولَدُ، وَأَهَلَّ الْقَوْمُ بِالْحَجِّ إِذَا رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ، جَمْعُ مِيقَاتٍ، أَيْ: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَوْقَاتَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ وَآجَالَ الدُّيُونِ وَعَدَدَ النِّسَاءِ وَغَيْرَهَا، فَلِذَلِكَ خَالَفَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّمْسِ الَّتِي هِيَ دَائِمَةٌ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها، ع «168» قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَحْرَمَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، لَمْ يَدْخُلْ حَائِطًا وَلَا بَيْتًا وَلَا دَارًا مِنْ بَابِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ [1] نَقَبَ نَقْبًا [2] فِي ظَهْرِ بَيْتِهِ لِيَدْخُلَ مِنْهُ وَيَخْرُجَ، أَوْ يتخذ سلّما فيصعد منه [ويهبط] [3] ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَبَرِ [4] خَرَجَ مِنْ خَلْفِ الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ وَلَا يَدْخُلُ وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَابِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ إِحْرَامِهِ، وَيَرَوْنَ ذَلِكَ بِرًّا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْحُمْسِ، وَهُمْ قُرَيْشٌ وكنانة وخزاعة [وثقيف وخيثم وَبَنُو عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَبَنُو نضر بن معاوية، سمّوا أحمسا لِتَشَدُّدِهِمْ فِي دِينِهِمْ، وَالْحَمَاسَةُ الشِّدَّةُ والصلابة، قالوا] [5] فَدَخْلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَيْتًا لِبَعْضِ الْأَنْصَارِ، فَدَخْلَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: رِفَاعَةُ بْنُ التَّابُوتِ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ الْبَابِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِمَ دَخَلْتَ مِنَ الباب وأنت محرم» ؟ فقال: رأيتك دخلت [منه] [6] فَدَخَلْتُ عَلَى أَثَرِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إني أحمسي» ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنْ كُنْتَ أَحْمَسِيًّا فإني أحمسي رضيت بهداك وَسَمْتِكَ وَدِينِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية.
ع «169» وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ نَاسٌ مَنَ الْأَنْصَارِ إِذَا أَهَّلُوا بِالْعُمْرَةِ لَمْ يَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ شَيْءٌ، فكان الرَّجُلُ يَخْرُجُ مُهِلًّا بِالْعُمْرَةِ فَتَبْدُو له الحاجة بعد ما يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ، فَيَرْجِعُ وَلَا يَدْخُلُ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ مِنْ أجل سقف الباب [7] أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ، فَيَفْتَحُ الْجِدَارَ مِنْ وَرَائِهِ ثُمَّ يقوم [8] فِي حُجْرَتِهِ فَيَأْمُرُ بِحَاجَتِهِ، حَتَّى
__________
الأسباب 98 للكلبي.
168- ع م ذكره الواحدي في «أسباب النزول» 101 نقلا عن المفسرين بهذا اللفظ.
- وأخرجه عبد بن حميد كما في «أسباب النزول» 101 للسيوطي عن قيس بن جبير النهشلي مختصرا.
- وورد بمعناه من حديث ابن عباس أخرجه الطبري 3092 وفي إسناده عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف، ومن دونه مجاهيل.
- وله شاهد من حديث جابر أخرجه الحاكم (1/ 483) وابن أبي حاتم كما في «الأسباب» 99 للسيوطي. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في «الفتح» (3/ 227) إسناده على شرط مسلم. وهو قوي. وله شاهد مرسل، وهو الآتي.
169- ع أخرجه الطبري 3089 عن الزهري مرسلا بهذا السياق، وهو مرسل يصلح شاهدا لما تقدم.
(1) المدر: المدن والحضر.
(2) النقب: الثقب- ونقب الخف: تخرّق.
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) الوبر: صوف الإبل والأرانب- ووبّر الرجل: تشرّد. أهل الوبر هنا: الذين يعيشون في الخيم.
(5) زيد في المطبوع وهو مثبت في «أسباب النزول» للواحدي 101. [.....]
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع «البيت» .
(8) في المطبوع «يقول» .(1/235)
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلُ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالْعُمْرَةِ فَدَخَلَ حُجْرَةً فَدَخْلَ رَجُلٌ عَلَى أَثَرِهِ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟» قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْتُكَ دَخَلْتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي أَحْمَسُ» [1] ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: وَأَنَا أَحْمَسُ [2] ، يَقُولُ: وَأَنَا عَلَى دِينِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها.
قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ والكسائي وأبو بكر «البيوت، والغيوب، وَالْجُيُوبَ، وَالْعُيُونَ، وَشُيُوخًا» بِكَسْرِ أَوَائِلِهِنَّ، لِمَكَانِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «جِيُوبِهِنَّ» بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ «الْغِيُوبَ» بكسر الغين، وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى، أَيِ: الْبِرُّ بِرُّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها، [أي] : فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
[سورة البقرة (2) : آية 190]
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: فِي طَاعَةِ اللَّهِ، الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفِّ عَنْ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَمَرَهُ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ مِنْهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: [هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، قَاتَلُوا أَوْ لَمْ يقاتلوا بقوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة: 5] ، فَصَارَتْ] [3] هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِهَا [حكما] [4] ، وَقِيلَ:
نُسِخَ بِقَوْلِهِ: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ آيَةً. وَقَوْلُهُ: وَلا تَعْتَدُوا، أي: ولا تَبْدَءُوهُمْ بِالْقِتَالِ، وَقِيلَ: هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ، أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِتَالِ الْمُقَاتِلِينَ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَلا تَعْتَدُوا، أَيْ: لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالرُّهْبَانَ، وَلَا مَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ [5] ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ.
«170» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ محمد بْنُ سَهْلٍ الْقُهُسْتَانِيُّ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي تُرَابٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الطَّرَسُوسِيُّ [6] ، أَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ
__________
170- إسناده صحيح على شرط مسلم لتفرده عن سليمان، يحيى هو ابن عبد الله بن بكير، شعبة هو ابن الحجاج بن الورد.
- وهو في «شرح السنة» 3663 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1731 وأبو داود 2612 و2613 والترمذي 1408 و1617 والنسائي في «الكبرى» 8586 و8680 وابن ماجه 2858 والشافعي (2/ 384) وعبد الرزاق 9428 وأحمد (5/ 352) و (358) والدارمي (2/ 136) وأبو يعلى 1413 والطبراني في «الصغير» (1/ 123) والطحاوي في «المعاني» (3/ 206) و221 وابن الجارود 1042 وابن حبان 4739 والبيهقي (9/ 49) و69 و184 من طرق عن علقمة بن مرثد بهذا الإسناد.
مطولا، وليس عند مسلم وغيره «ولا شيخا كبيرا» .
- أما لفظ المصنف بتمامه فهو عند البزار (2/ 674) والطبراني في «الصغير» (1/ 187) والخطيب في «تاريخه» (4/ 296- 297) من طريق أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي عن عثمان بن سعيد المري عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن أبي بردة وعن أبي موسى مرفوعا بهذا اللفظ.
وأبو إسحاق مدلس وقد عنعنه لكن للحديث شواهد يقوى بها منها حديث أنس عند أبي داود 2614 لكن فيه خالد بن الفرز، وهو لين الحديث.
1 في المطبوع «أحمسي» .
2 في المطبوع «أحمسي» .
(3) زيد في نسخ المطبوع.
(4) زيادة من المخطوط.
(5) في المخطوط «السلم» .
(6) وقع في الأصل «الطوسي» والتصويب من «شرح السنة» و «ط» و «الأنساب» (4/ 62) .(1/236)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ [1] عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَعَثَ جَيْشًا قَالَ: «اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا [2] ، وَلَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا وَلِيدًا ولا شيخا كبيرا» .
ع «171» قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مَعَ أَصْحَابِهِ لِلْعُمْرَةِ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْحُدَيْبِيَةَ فَصَدَّهُمُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَامَهُ ذَلِكَ، عَلَى أَنْ يُخَلُّوا لَهُ مَكَّةَ عَامَ قَابِلٍ [3] ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فلما كان العام المقبل [4] تَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَخَافُوا أَنْ لَا تَفِيَ قُرَيْشٌ بِمَا قَالُوا، وَأَنْ يَصُدُّوهُمْ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَكَرِهَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِتَالَهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْحَرَمِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي مُحْرِمِينَ، الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ، يَعْنِي: قُرَيْشًا وَلا تَعْتَدُوا، فتبدؤوا بالقتال في الحرم [وأنتم] [5] مُحْرِمِينَ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 191 الى 193]
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)
وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ، قِيلَ: نُسِخَتِ الْآيَةُ الْأُولَى بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَأَصْلُ الثقافة: الحذق والبصر بالأمر، وَمَعْنَاهُ: وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ بَصُرْتُمْ [6] مُقَاتَلَتَهُمْ وَتَمَكَّنْتُمْ مِنْ قَتْلِهِمْ، وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ كَمَا أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ، وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ، يَعْنِي: شِرْكُهُمْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ مِنْ قَتْلِكُمْ إِيَّاهُمْ في الحرم والإحرام، تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «وَلَا تَقْتُلُوهُمْ حَتَّى يَقْتُلُوكُمْ فَإِنْ قَتَلُوكُمْ» ، بِغَيْرِ أَلِفٍ فِيهِنَّ مِنَ الْقَتْلِ عَلَى مَعْنَى وَلَا تَقْتُلُوا بَعْضَهُمْ، تَقُولُ الْعَرَبُ: قَتَلْنَا بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْأَلِفِ مِنَ الْقِتَالِ وَكَانَ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، كَانَ لَا يَحِلُّ بِدَايَتُهُمْ بِالْقِتَالِ فِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ، ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة: 193] ، هَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: قَوْلُهُ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ، أَيْ: حَيْثُ أَدْرَكْتُمُوهُمْ فِي الحلّ والحرم، وصارت هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ فِي «بَرَاءَةٌ» ، فَهِيَ نَاسِخَةٌ مَنْسُوخَةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ: هَذِهِ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَلَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِالْقِتَالِ فِي الحرم، كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ.
__________
171- ع ذكره الواحدي 102 في «أسباب النزول» بقوله: قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن ابن عباس بهذا اللفظ، فهو معلق، ومع ذلك الكلبي اسمه محمد بن السائب متروك متهم، وأبو صالح لم يسمع ابن عباس، فالخبر واه بمرة، والوهن فقط في ذكر نزول الآيات، وأما خبر الحديبية فمشهور، وانظر الآتي.
(1) وقع في الأصل «يزيد» والتصويب من كتب الحديث وكتب التراجم.
(2) في المطبوع «تعتدوا» .
(3) في المطبوع «العام القابل» . [.....]
(4) في المطبوع «القابل» .
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) في المطبوع «أبصرتم» والمخطوط «تبصرتم» .(1/237)
الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
فَإِنِ انْتَهَوْا، عَنِ الْقِتَالِ وَالْكُفْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، أَيْ: غَفُورٌ لِمَا سَلَفَ رَحِيمٌ بِالْعِبَادِ.
وَقاتِلُوهُمْ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، أَيْ: شِرْكٌ، يَعْنِي قَاتِلُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا فَلَا يُقْبَلُ مِنَ الْوَثَنِيِّ إِلَّا الْإِسْلَامُ فَإِنْ أبى قتل، وَيَكُونَ الدِّينُ، أي: الطاعة والعبادة لِلَّهِ وحده، فلا يعبد شيء دونه، قَالَ نَافِعٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ فِي فِتْنَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ؟ قَالَ:
يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ دَمَ أَخِي، قَالَ: أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وجلّ [في قوله] [1] : وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات: 9] ، فقال: يَا ابْنَ أَخِي لَأَنْ أُعَيَّرَ [2] بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَا أُقَاتِلَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعَيَّرَ [3] بِالْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً [النِّسَاءِ: 93] ... قَالَ: أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ؟ قَالَ: [قَدْ] [4] فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُونَهُ أَوْ يُعَذِّبُونَهُ، حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ [5] فِتْنَةٌ، وكان الدين لِلَّهِ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عُمَرَ: كَيْفَ تَرَى فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ؟ فَقَالَ: هَلْ تَدْرِي مَا الْفِتْنَةُ؟ كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ الدخول عليهم فتنة، وليس [لكم غنيّ عن الْمُلْكِ] [6] ، فَإِنِ انْتَهَوْا: عَنِ الْكُفْرِ وَأَسْلَمُوا، فَلا عُدْوانَ، فَلَا سَبِيلَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ [القصص: 28] ، أي: فلا سبيل عليّ، وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: الْعُدْوَانُ: الظُّلْمُ، أَيْ: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَا نَهْبَ وَلَا أَسْرَ وَلَا قَتْلَ، إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ بَقُوا عَلَى الشِّرْكِ، [وَمَا يُفْعَلُ بِأَهْلِ الشِّرْكِ] [7] مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَكُونُ ظُلْمًا، وَسَمَّاهُ عُدْوَانًا عَلَى طَرِيقِ المجازات وَالْمُقَابَلَةِ، كَمَا قَالَ: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [البقرة: 194] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: 40] ، وَسُمِّيَ الْكَافِرُ ظَالِمًا لِأَنَّهُ يَضَعُ الْعِبَادَةَ فِي غَيْرِ موضعها.
[سورة البقرة (2) : آية 194]
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)
الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ:
ع «172» نزلت هذه الآية فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَصَالَحَ أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَامَهُ ذَلِكَ وَيَرْجِعَ الْعَامَ المقبل فَيَقْضِيَ [8] عُمْرَتَهُ، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَهُ ذَلِكَ، وَرَجَعَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ.
فَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: الشَّهْرُ الْحَرامُ، يَعْنِي ذَا الْقِعْدَةِ الَّذِي دَخَلْتُمْ فيه مكة، وقضيتم فيه
__________
172- ع مرسل. أخرجه الطبري 3139 عن قتادة مرسلا بأتم منه، وذكره الواحدي 103 عن قتادة بدون إسناد. والوهن فقط في نزول الآية.
1 زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «أعتبر» والمثبت عن- ط-.
3 زيادة عن المخطوط.
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) في المطبوع «تكون» .
(6) العبارة في المطبوع [قتالكم كقتالهم على الملك] وهي في- ط-[وليس بقتالكم على الملك] .
(7) سقط من المخطوط.
(8) في المطبوع «فيقضين» .(1/238)
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
عمرتكم سنة سبع [من الهجرة] [1] ، بِالشَّهْرِ الْحَرامِ، يَعْنِي: ذَا الْقِعْدَةِ الَّذِي صُدِدْتُمْ فِيهِ عَنِ الْبَيْتِ سَنَةَ سِتٍّ، وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ: جَمْعُ حُرْمَةٍ، وَإِنَّمَا جَمَعَهَا لِأَنَّهُ أَرَادَ حُرْمَةَ الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ وَحُرْمَةَ الْإِحْرَامِ، وَالْقِصَاصُ: الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَةُ، وَهُوَ أَنْ يُفْعَلَ بِالْفَاعِلِ مِثْلُ مَا فَعَلَ، وَقِيلَ: هَذَا فِي أمر القتال، معناه: إن بدؤوكم بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَقَاتِلُوهُمْ فِيهِ، فَإِنَّهُ قِصَاصٌ بِمَا فَعَلُوا فِيهِ، فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ، وقاتلوه بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ، سُمِّيَ الْجَزَاءُ بِاسْمِ الِابْتِدَاءِ عَلَى ازْدِوَاجِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.
[سورة البقرة (2) : آية 195]
وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَرَادَ بِهِ الْجِهَادَ وَكُلَّ خَيْرٍ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ إِطْلَاقَهُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْجِهَادِ، وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، قِيلَ: الْبَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: بِأَيْدِيكُمْ زَائِدَةٌ، يُرِيدُ: وَلَا تُلْقُوا أَيْدِيَكُمْ، أَيْ: أَنْفُسَكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ عَبَّرَ بالأيدي عن الأنفس [2] ، كقوله تعالى: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشُّورَى: 30] ، أَيْ: بِمَا كَسَبْتُمْ، وَقِيلَ: الْبَاءُ فِي مَوْضِعِهَا، وفيه حذف، أي: ولا تُلْقُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، أَيِ الْهَلَاكِ، وَقِيلَ: التَّهْلُكَةُ كُلُّ شَيْءٍ يَصِيرُ عَاقِبَتُهُ إِلَى الْهَلَاكِ، أَيْ: وَلَا تَأْخُذُوا فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: التَّهْلُكَةُ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالْهَلَاكُ مَا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَالْعَرَبُ لَا تَقُولُ لِلْإِنْسَانِ:
أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَّا فِي الشر، وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِي الْبُخْلِ في]
ترك الْإِنْفَاقِ، يَقُولُ: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ قَوْلُ حُذَيْفَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَعَطَاءٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ إِلَّا سَهْمٌ أَوْ مِشْقَصٌ [4] وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: إِنِّي لَا أَجِدُ شَيْئًا، وَقَالَ السدي فيها: أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَوْ عِقَالًا وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَلَا تَقُلْ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لَمَّا أَمَرَ الله تعالى بالإنفاق قال رجال: أُمِرْنَا بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [تعالى] ، وَلَوْ أَنْفَقْنَا أَمْوَالَنَا بَقِينَا فُقَرَاءَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ مجاهد فيها: لا يمنعكم مِنْ نَفَقَةٍ فِي حَقٍّ خِيفَةُ الْعَيْلَةِ:
«173» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو غَسَّانَ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الله
__________
173- حديث حسن. إسناده لين. بشار بن أبي سيف الجرمي مقبول كما في «التقريب» أي حيث يتابع، وقد توبع على أصل حديثه، وثقه ابن حبان وحده، وباقي رجال الإسناد ثقات.
- وأخرجه أحمد (1/ 195 و196) وأبو يعلى 878 من طريق واصل مولى أبي عيينة بهذا الإسناد.
وأخرجه الحاكم (3/ 265) من طريق بشار بن أبي سيف بهذا الإسناد وسكت عنه وكذا الذهبي.
- وذكره الهيثمي في «المجمع» (2/ 300) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه بشار بن أبي سيف، ولم أر من وثقه، ولا جرحه، وبقية رجاله ثقات! وتقدم أنه ذكره ابن حبان في الثقات.
- ولصدره شاهد من حديث خريم بن فاتك أخرجه الترمذي 1625 والنسائي في «الكبرى» 4395 و11027 وأحمد (4/ 322) و345 و346 والطبراني 4155 والحاكم (2/ 87) وابن حبان 4647، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ. فهذا شاهد للحديث، وفي الباب أحاديث تشهد لمعناه.
(1) زيادة من المخطوط. [.....]
(2) العبارة في المطبوع [عبر عن الأنفس بالأيدي] .
(3) في المطبوع «و» بدل «في» .
(4) تحرف في المخطوط إلى «شقص» والمشقص: النصل.(1/239)
الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا وَاصِلٌ مَوْلَى أَبِي عُيَيْنَةَ [1] عَنْ بَشَّارِ بْنِ أَبِي سَيْفٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن عن عياض بن غطيف [2] قَالَ: أَتَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعُودُهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاضِلَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَبِسَبْعِمِائَةٍ، وَمَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً عَلَى أَهْلِهِ فَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا» .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: كَانَ رِجَالٌ يَخْرُجُونَ فِي الْبُعُوثِ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ، فَإِمَّا أَنْ يَقْطَعَ بِهِمْ وإما أن يكونوا عِيَالًا، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ، فَلَا يَخْرُجُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا قُوتٍ فَيُلْقِي بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، فَالتَّهْلُكَةُ: أَنْ يَهْلِكَ مِنَ الجوع والعطش أو من المشي، وقيل:
نزلت الآية في ترك الجهاد.
ع «174» قَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ: نَزَلَتْ فِينَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَعَزَّ [دِينَهُ] [3] وَنَصَرَ رَسُولَهُ، قُلْنَا فِيمَا بَيْنَنَا: إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا أَهْلَنَا وَأَمْوَالَنَا حَتَّى فَشَا الْإِسْلَامُ وَنَصَرَ اللَّهُ نبيّه فلو رجعنا إلى أهلنا وَأَمْوَالِنَا فَأَقَمْنَا فِيهَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.
والتهلكة الْإِقَامَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ، فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا بِقُسْطَنْطِينِيَّةَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ، فَتُوُفِّيَ هُنَاكَ وَدُفِنَ فِي أَصْلِ سُورِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، وهم يستسقون به.
ع «175» وَرَوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ» .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: الْإِلْقَاءُ [4] إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: هُوَ الرَّجُلُ يُصِيبُ الذَّنْبَ فَيَقُولُ قَدْ هَلَكْتُ لَيْسَ لِي تَوْبَةٌ، فَيَيْأَسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَيَنْهَمِكُ فِي الْمَعَاصِي، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ [يوسف: 87] ، وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
__________
(1) في الأصل «عتبة» والتصويب عن كتب التخريج والتراجم.
(2) يقال: غضيف، و: غطيف،. ويقال: «غطيف بن عياض» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) في المخطوط «إلا إلقاء» .
174- ع صحيح. أخرجه أبو داود 2512 والترمذي 2972 والطبري 3179 والطيالسي 599 والطبراني 4060 وابن حبان 4711 والحاكم (2/ 275) وابن عبد الحكم في «فتوح مصر» (ص 269- 270) والبيهقي (9/ 99) من طرق عن حيوة بن شريح قال: سمعت يزيد بن أبي حبيب يقول: «حدثني أسلم أبو عمران مولى لكندة قال: كنا بمدينة الروم، فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم، وخرج إليهم مثله أو أكثر، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، فحمل رجل من المسلمين على صفّ الروم حتى دخل فيهم، فصاح به الناس، وقالوا: سبحان الله تلقي بيدك إلى التهلكة؟ فقام أبو أيوب الأنصاري فقال:....» .
وإسناده صحيح، صححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! مع أن مداره على أسلم بن يزيد التّجيبي، ولم يرويا له شيئا، وإنما هو من رجال كتب السنن، وهو ثقة بكل حال. والله أعلم.
175- ع صحيح. أخرجه مسلم 1910 والبخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 192) وأبو داود 2502 والنسائي (6/ 8) وأحمد (2/ 374) والحاكم (2/ 79) وابن الجارود 1036 والخطيب البغدادي في «الموضح» (2/ 443) وابن أبي عاصم في «الجهاد» 43 وأبو نعيم في «الحلية» (8/ 160) والبيهقي (9/ 48) من طريق أبي صالح من حديث أبي هريرة.(1/240)
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)
[سورة البقرة (2) : آية 196]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قَرَأَ عَلْقَمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: «وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ» ، واختلفوا في إتمامها فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَنْ يُتِمَّهُمَا بِمَنَاسِكِهِمَا وَحُدُودِهِمَا وَسُنَنِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ، وأَرْكَانُ الْحَجِّ خَمْسَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ [1] ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَلْقُ الرَّأْسِ أَوِ التَّقْصِيرُ، وَلِلْحَجِّ تَحَلُّلَانِ، وَأَسْبَابُ التَّحَلُّلِ ثَلَاثَةٌ: رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ، وَالْحَلْقُ، فَإِذَا وُجِدَ شَيْئَانِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ، وَبِالثَّلَاثِ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَبَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ يَسْتَبِيحُ جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ إِلَّا النِّسَاءَ، وَبَعْدَ الثَّانِي يَسْتَبِيحُ الْكُلَّ، وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ أَرْبَعَةٌ: الْإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصفا والمروة، والحلق. قال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٌ: تَمَامُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا [مُفْرَدَيْنِ مُسْتَأْنَفَيْنِ] [2] مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ، [وَسُئِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، قَالَ:
أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِكَ] [3] ، وَمِثْلُهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: تمام العمرة أن تعمر فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ كَانَتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ فَهِيَ مُتْعَةٌ [4] ، وعليه فيه الْهَدْيُ إِنْ وَجَدَهُ أَوِ الصِّيَامُ [إِنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ] [5] ، وَتَمَامُ الْحَجِّ أَنْ يُؤْتَى بِمَنَاسِكِهِ كُلِّهَا حتى لا يلزمه عمّا ترك دَمٌ بِسَبَبِ قِرَانٍ وَلَا مُتْعَةٍ، وقال الضحّاك: إتمامهما أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ حَلَالًا وَيَنْتَهِيَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ سفيان الثوري:
[إتمامهما] [6] أَنْ تَخْرُجَ مِنْ أَهْلِكَ لَهُمَا، وَلَا تَخْرُجَ لِتِجَارَةٍ وَلَا لِحَاجَةٍ أخرى، قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْوَفْدُ كَثِيرٌ وَالْحَاجُّ قَلِيلٌ. وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ [عَلَى] [7] مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْعُمْرَةِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى وُجُوبِهَا وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ الْعُمْرَةَ لَقَرِينَةُ الْحَجِّ فِي كِتَابِ اللَّهِ، [قَالَ اللَّهُ تَعَالَى] [8] : وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ ومجاهد والحسن وَقَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ وَبِهِ قال الشعبي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، عَلَى مَعْنَى أَتِمُّوهُمَا إذا دخلتم فيها، أَمَّا ابْتِدَاءُ الشُّرُوعِ فِيهَا فَتَطَوُّعٌ، واحتجّ من لم يوجبها بما:
ع «176» رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعُمْرَةِ أواجبة
__________
176- ع ضعيف. أخرجه الترمذي 931 وأحمد (3/ 316) والدارقطني (2/ 285) وأبو يعلى 1938 والبيهقي (4/ 349) وابن
(1) في المخطوط «الطواف» .
2 ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط، وهو مثبت في المطبوع وكتب الحديث والأثر.
3 ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط، وهو مثبت في المطبوع وكتب الحديث والأثر.
(4) في المطبوع وحده «تمتعه» . [.....]
5 ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط، وهو مثبت في المطبوع وكتب الحديث والأثر.
(6) ليس في المخطوط.
(7) زيد في المطبوع.
(8) زيادة عن المخطوط.(1/241)
هِيَ؟ فَقَالَ: «لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ» .
وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، أَيِ: ابْتَدِئُوهُمَا فَإِذَا دَخَلْتُمْ فيهما فأتّموهما فهو أمر بالإبداء وَالْإِتْمَامِ، أَيْ: أَقِيمُوهُمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ [الْبَقَرَةِ: 187] ، أَيِ: ابْتَدِئُوهُ وَأَتِمُّوهُ.
«177» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ السَّمْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّيَّانِيُّ [1] ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجُوَيْهِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ والذهب والفضة، وليس للحجّة [2] المبرورة جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ» .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ إِلَّا وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ إِنِ اسْتَطَاعَ إِلَى ذَلِكَ سبيلا
__________
حزم في «المحلى» (7/ 36) من طرق عن حجاج بن أرطأة عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جابر به. والحجاج بن أرطأة صدوق، ولكنه كثير الخطأ والتدليس، ولذا ضعفه غير واحد.
- وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
- قال النووي في «المجموع» (7/ 6) : ينبغي ألّا يغتر بكلام الترمذي في «تصحيحه» فقد اتفق الحفاظ على تضعيفه اهـ.
- وقال البيهقي: المحفوظ عن جابر موقوف غير مرفوع، وروي عن جابر مرفوعا بخلاف ذلك، وكلاهما ضعيف اهـ.
وقال الحافظ: والحجاج ضعيف. وانظر كلام ابن حجر في «الفتح» (3/ 597) وذكره في «التلخيص» (2/ 226) باستيفاء وذكر له شواهد ونقل عن الشافعي قوله: ليس في العمرة شيء ثابت بأنها تطوع. وخلاصته كلام ابن حجر أنه حديث ضعيف، ولا يصح من وجه من الوجوه، وانظر تفسير الشوكاني 302.
177- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل عاصم وهو ابن أبي النجود، وباقي الإسناد ثقات، أبو خالد الأحمر اسمه سليمان بن حيان. ابن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد، وشقيق هو ابن سلمة أبو وائل. وعبد الله هو ابن مسعود وللحديث شواهد تقويه.
- وهو في «شرح السنة» 1836 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 810 والنسائي (5/ 115- 116) وأبو يعلى 4976 وابن أبي شيبة (ج 4/ ك 12/ ح 1) وأحمد (1/ 387) وابن خزيمة 2512 وابن حبان 3693 والطبري 3956 والطبراني 10406. وأبو نعيم في «الحلية» (4/ 110) من طرق عن أبي خالد الأحمر به.
وللحديث شواهد.
- منها ما أخرجه أحمد (1/ 25) والحميدي 17 وأبو يعلى 198 وابن ماجه 2887 والطبري 3958 والبيهقي في «الشعب» 4095 من حديث عمر.
- وما أخرجه البزار 1147 من حديث جابر، قال الهيثمي في «المجمع» ورجاله رجال الصحيح خلا بشر بن المنذر، ففي حديثه وهم قاله العقيلي، ووثقه ابن حبان اهـ.
- ومنها ما أخرجه النسائي (5/ 115) والطبراني (11196 و11428) من حديث ابن عباس بإسناد صحيح.
- وما أخرجه عبد الرزاق 8796 وأحمد (3/ 446) و (447) من حديث عامر بن ربيعة وفي إسناده عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف.
الخلاصة: هذه الشواهد ترقى بحديث الباب من درجة الحسن إلى درجة الصحيح، والله أعلم.
(1) في الأصل «الزياتي» والتصويب من «ط» ومن «شرح السنة» و «الأنساب» .
(2) في المطبوع «للحج المبرور» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» .(1/242)
كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ، فمن زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ وَتَطَوُّعٌ، وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ [1] : الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ، فَصُورَةُ الْإِفْرَادِ أَنْ يُفْرِدَ الْحَجَّ، ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ يَعْتَمِرُ، وَصُورَةُ التَّمَتُّعِ: أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ، فَيَحُجُّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَصُورَةُ الْقِرَانِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِلُ عَلَيْهَا الْحَجَّ قَبْلَ أَنْ يَفْتَتِحَ الطَّوَافَ، فَيَصِيرُ قَارِنًا، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعَ ثُمَّ الْقِرَانَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، لِمَا:
«178» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المؤمنين أَنَّهَا قَالَتْ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بالحج [2] ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فَحَلَّ وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الحج والعمرة، فلم [3] يحلّ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ.
«179» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عن جابر وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، وَلَا نَعْرِفُ غَيْرَهُ ولا نعرف العمرة.
__________
178- إسناده صحيح على شرطهما.
- وهو في «شرح السنة» 1867 بهذا الإسناد.
- وأخرجه مالك (1/ 335) من طريق أبي الأسود بهذا الإسناد ومن طريق مالك.
أخرجه البخاري 1562 ومسلم (1211/ ح 118) . وأبو داود 1779 1780 والطحاوي (2/ 140) و (196) .
(1) في المخطوط «أقسام» .
(2) في المطبوع «بحج» .
(3) وقع في الأصل «فلن» والتصويب من «شرح السنة» وكتب الحديث.
179- ضعيف بهذا التمام. إسناده ضعيف لضعف مسلم وهو ابن خالد الزنجي، وباقي رجال الإسناد ثقات، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، محمد هو ابن علي بن الحسين.
وهو في «شرح السنة» 1869 بهذا الإسناد دون قوله «ولا نعرف العمرة» .
وهو في مسند الشافعي (1/ 370) عن مسلم بن خالد الزنجي بهذا الإسناد، بأتم من هذا السياق وهو بهذا اللفظ ضعيف، بل زيادة «ولا نعرف العمرة» منكر. وقد صح الحديث.
- بدون لفظ «ولا نعرف العمرة» أخرجه البخاري 2505 و2506 من طريق ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ جابر، وعن طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم صبح رابعة من ذي الحجة مهلّين بالحج لا يخلطهم شيء، فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة....» .
وأخرجه مسلم 1216 من طريق يحيى بن سعيد عن ابن جريج به بلفظ: «أهللنا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بالحج خالصا وحده....» .
وأخرجه أبو داود 1787 من طريق الأوزاعي عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «أهللنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم بالحج خالصا لا يخالطه شيء....» .
الخلاصة: الوهن فقط في لفظ: «ولا نعرف العمرة» . والله أعلم.(1/243)
ع «180» وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«181» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُلَاسٍ النُّمَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ [1] أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ [قَالَ:] قال أنس بن مالك:
أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ» ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، واحتجّوا بما:
«182» و «183» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله أن [2] ابن عمر قَالَ:
تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الوداع بالعمرة إلى الحج، [وأهدى] [3] فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، [فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ] [4] ، فَكَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لم يكن منكم
__________
180- ع صحيح. أخرجه مسلم 1232 والنسائي (5/ 150) وابن حبان 3933 وابن الجارود 231 والبيهقي (5/ 40) من طريق حميد عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المزني عن أنس قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم يلبي بالحج والعمرة جميعا.
قال بكر: فحدّثت بذلك ابن عمر. فقال: لبى بالحج وحده.
فلقيت أنسا فقال: ما تعدوننا إلا صبيانا! سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يقول: «لبيك عمرة وحجا» .
وفي رواية: «أفرد رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم الحج» بدل «لبى بالحج وحده» . [.....]
181- إسناده صحيح، مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُلَاسٍ الدمشقي. قال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 116) صدوق. ووثقه ابن حبان (9/ 123) ومن فوقه ثقات رجال البخاري ومسلم حميد هو ابن أبي حميد الطويل، مختلف في اسم أبيه.
- وهو في «شرح السنة» 1875.
- وأخرجه مسلم 1251 وأبو داود 1795 والترمذي 821 والنسائي (5/ 150) وابن ماجه 2969 وأحمد (3/ 111 و182 و187 و282) والحاكم (1/ 472) وابن الجارود 430 والبيهقي (5/ 9 و40) والبغوي 1874 من طرق عن أنس.
- وأخرجه مسلم 1251 والنسائي (5/ 150) وابن ماجه 2968 وأحمد (3/ 282) وابن حبان 3930 والبيهقي (5/ 9) من طرق عن يحيى بن أبي إسحاق عن أنس به.
182، 183- إسناده صحيح على شرطهما، محمد بن إسماعيل هو البخاري. ومن دونه ثقات، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، وعقيل- بضم العين- هو ابن خالد الأموي، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
وهو في «شرح السنة» 1870 بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» 1691 و1692 عن يحيى بن بكير بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1227 وأبو داود 1805 والنسائي في «الكبرى» 3712 وأحمد (2/ 140) والبيهقي (5/ 23/ 170) من طريق الليث بهذا الإسناد.
(1) وقع في الأصل «الفراري» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» .
(2) في المطبوع «عن» .
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المخطوط.(1/244)
أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصفا والمروة ويقصّر وليحلل [1] ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ» ، فَطَافَ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ وَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ [2] وَمَشَى أَرْبَعًا فَرَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ [3] ثُمَّ لَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءِ حُرِمَ مِنْهُ، وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ.
وَعَنْ عُرْوَةَ [4] عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال [الشيخ] [5] رضي الله عنه: قد اختلف الرواة فِي إِحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، كما ذكرناه وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ «اخْتِلَافِ الحديث» [6] كَلَامًا مُوجَزًا أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْهُمُ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ، وكلّ كان يأخذ منه [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] أَمَرَ نُسُكِهِ وَيَصْدُرُ عَنْ تَعْلِيمِهِ، فَأُضِيفَ الْكُلُّ إِلَيْهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَذِنَ فِيهَا، وَيَجُوزُ في لغة العرب إضافة الفعل [7] إِلَى الْآمِرِ بِهِ، كَمَا يَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْفَاعِلِ لَهُ، كَمَا يُقَالُ: بَنَى فُلَانٌ دَارًا وَأُرِيدَ أنه أمر ببنائها، وكما:
ع «184» رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا.
وَإِنَّمَا أَمَرَ بِرَجْمِهِ، وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادَ، لِرِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَقَدَّمَهَا عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمْ لِتَقَدُّمِ صحبة جابر لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [8] ، وَحَسَّنَ سِيَاقَهُ لِابْتِدَاءِ قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَآخِرِهَا، وَلِفَضْلِ حِفْظِ عَائِشَةَ، وَقُرْبِ ابْنِ عُمَرَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَالَ الشافعي في «اختلاف الحديث» [9] إِلَى التَّمَتُّعِ، وَقَالَ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا، وَإِنْ كَانَ الْغَلَطُ فِيهِ قَبِيحًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُبَاحٌ، لِأَنَّ الْكِتَابَ ثُمَّ السُّنَّةَ ثُمَّ مَا لا أعلم فيه خلافا يدلّ عَلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ وَإِفْرَادَ الْحَجِّ وَالْقِرَانَ وَاسِعٌ كله، [أي التمتع والإفراد والقران] [10] ، وَقَالَ: مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ عَلَى مَا [لَا] [11] يَعْرِفُ مِنْ أهل العلم الذين أدركوا دور رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَكُونُ مُقِيمًا عَلَى الْحَجِّ إِلَّا وَقَدِ ابْتَدَأَ إِحْرَامَهُ بِالْحَجِّ، قَالَ الشَّيْخُ [12] :
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنِ ابْنِ عمر وعائشة متعارضة، وقد:
ع «185» رُوِّينَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ: أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلى الحج، فتمتع
__________
184- ع يأتي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ الله.
185- ع تقدم برقم 183.
(1) في المطبوع «وليتحلل» .
2 في المطبوع «أشواط» .
3 في المطبوع «أشواط» .
(4) الراوي عن عروة هو الزهري، وعروة هو ابن الزبير. أكثر الرواية عن خالته عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
(5) فِي نسخ المطبوع «شيخنا الإمام» .
6- في المطبوع «الأحاديث» . [.....]
(7) في المخطوط «إضافته» . وفي نسخة ط «إضافة الشيء» .
(8) في المطبوع «النبي» .
9- في المطبوع «الأحاديث» .
(10) زيد في المطبوع وحده.
(11) سقط من المطبوع وحده.
(12) في المطبوع «شيخنا الإمام» .(1/245)
النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سالم عن ابن عمر.
ع «186» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هذه عمرة استمتعنا بها» .
ع «187» وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ [فِي الْمُتْعَةِ] [1] : صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ.
قَالَ الشَّيْخُ [2] الْإِمَامُ: وَمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْنَا لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ [3] ، لَا يُنَافِي التَّمَتُّعَ، لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ كَانَ لِقَصْدِ الْحَجِّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ إِلَى أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَهُ مُتْعَةً. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الإحْصَارِ الَّذِي يُبِيحُ لِلْمُحْرِمِ التَّحَلُّلَ مِنْ إِحْرَامِهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَانِعٍ يَمْنَعُهُ عَنِ الوصول إلى البيت الحرام والمضي فِي إِحْرَامِهِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ ذَهَابِ نفقة أو إضلال رَاحِلَةٍ يُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ، وقالوا: إن [4] الْإِحْصَارَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ: حَبْسُ الْعِلَّةِ أَوِ الْمَرَضِ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، يُقَالُ مِنْهُ: أُحْصِرَ فَهُوَ مُحْصَرٌ، وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسِ عَدُوٍّ أو سجن يقال: حصر فهو محصور [و] إنما جَعَلَ هَاهُنَا حَبْسَ الْعَدُوِّ إِحْصَارًا قِيَاسًا عَلَى الْمَرَضِ إِذْ كَانَ في معناه، واحتجّوا بما:
ع «188» رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ فقد حلّ [و] عليه الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» ، قَالَ عِكْرِمَةُ: فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَا: صِدْقٌ.
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّحَلُّلُ إِلَّا بِحَبْسِ الْعَدُوِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالُوا: الْحَصْرُ وَالْإِحْصَارُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَالَ ثَعْلَبٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ حَصَرْتُ الرَّجُلَ عَنْ حَاجَتِهِ، فَهُوَ مَحْصُورٌ، وَأَحْصَرَهُ الْعَدُوُّ إِذَا مَنَعَهُ عَنِ السَّيْرِ فَهُوَ [5] مُحْصَرٌ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ فِي قِصَّةِ الحديبية [و] كان ذَلِكَ حَبْسًا مِنْ جِهَةِ الْعَدُوِّ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سِيَاقِ الْآيَةِ: فَإِذا أَمِنْتُمْ، وَالْأَمْنُ يَكُونُ مِنَ الْخَوْفِ، وَضَعَّفُوا حَدِيثَ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو بِمَا ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حَصْرَ إِلَّا حَصْرُ الْعَدُوِّ، وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَحِلُّ بِالْكَسْرِ وَالْعَرَجِ إِذَا كَانَ قَدْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي عَقْدِ الإحرام، كما:
__________
186- ع صحيح. أخرجه مسلم 1241 وأبو داود 1790 والنسائي في «الكبرى» 3797 وأحمد (1/ 236 و341) والطبراني 11045 والبيهقي (5/ 18) من حديث ابن عباس.
187- ع صحيح. أخرجه مسلم 1225 والترمذي 823 والنسائي (5/ 152) ومالك (1/ 344) والشافعي (1/ 372- 373) وأبو يعلى 805 وابن حبان 3939 والبيهقي (5/ 17) من طريق الزهري به.
188- ع صحيح. أخرجه أبو داود 1862 و1863 والترمذي 940 والنسائي (5/ 99) وفي «الكبرى» 3844 وابن ماجه 3077 وأحمد (3/ 450) والحاكم (1/ 470) و (483) من حديث عِكْرِمَةَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ عَمْرٍو الأنصاري، صححه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح. وأشار البخاري لصحته فيما نقله عنه الترمذي.
وهو كما قالوا رجاله كلهم ثقات.
(1) سقط من المخطوط.
(2) في المطبوع «شيخنا» .
(3) تقدم برقم 179.
(4) في المخطوط «لأن» .
(5) في المطبوع «هو» . [.....](1/246)
ع «189» رُوِيَ أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ كَانَتْ وَجِعَةً، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» .
ثُمَّ الْمُحْصَرُ يَتَحَلَّلُ بِذَبْحِ الهدي وحلق الرأس، والهدي بشاة وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَمَحِلُّ ذَبْحِهِ حَيْثُ أُحْصِرَ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ الْهَدْيَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِهَا، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ يُقِيمُ عَلَى إِحْرَامِهِ، وَيَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إِلَى الْحَرَمِ وَيُوَاعِدُ مَنْ يَذْبَحُهُ هُنَاكَ ثُمَّ يَحِلُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي الْمُحْصَرِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَفِي قَوْلٍ: لَا بَدَلَ لَهُ فَيَتَحَلَّلُ وَالْهَدْيُ في ذمّته إلى أن يجده، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَهُ بَدَلٌ، فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِيهِ، فَفِي قَوْلٍ: عَلَيْهِ صَوْمُ التَّمَتُّعِ، وَفِي قَوْلٍ: تُقَوَّمُ الشَّاةُ بِدَرَاهِمَ وَيَجْعَلُ الدَّرَاهِمَ طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِطْعَامِ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنَ الطَّعَامِ يَوْمًا كَمَا فِي فِدْيَةِ الطِّيبِ وَاللُّبْسِ، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ إِذَا احْتَاجَ إِلَى سَتْرِ رَأْسِهِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ إِلَى لُبْسِ قَمِيصٍ أَوْ مَرَضٍ فَاحْتَاجَ إِلَى مُدَاوَاتِهِ بِدَوَاءٍ فِيهِ طِيبٌ، فَعَلَ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، وَفِدْيَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّعْدِيلِ فَعَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ يُقَوِّمُ الشَّاةَ بِدَرَاهِمَ، وَالدَّرَاهِمُ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَإِنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ [من الطعام] [1] يَوْمًا، ثُمَّ الْمُحْصَرُ إِنْ كَانَ إحرامه بفرض قد استقرّ عليه فذلك الفرض فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ فَهَلْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
قَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، أَيْ: فَعَلَيْهِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَمَحَلُّهُ رَفْعٌ، وَقِيلَ: مَا فِي مَحَلِّ النَّصْبِ، أَيْ: فاهد مَا اسْتَيْسَرَ، وَالْهَدْيُ جَمْعُ هَدِيَّةٍ وَهِيَ [2] اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُهْدَى إِلَى بَيْتِ اللَّهِ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ، وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ شَاةٌ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْيُسْرِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ:
أَعْلَاهُ بَدَنَةٌ وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ وَأَدْنَاهُ شَاةٌ، قوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، اخْتَلَفُوا فِي الْمَحِلِّ الَّذِي يَحِلُّ الْمُحْصَرُ بِبُلُوغِ هَدْيِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هو ذبحه في الموضع [3] الَّذِي أُحْصِرَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ، وَمَعْنَى مَحِلَّهُ حَيْثُ يَحِلُّ ذَبْحُهُ [وأكله] [4] فيه.
«190» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ فِي قِصَّةِ الحديبية، قال:
__________
189- ع صحيح. أخرجه البخاري 5928 و5089 ومسلم 1189 والترمذي 1941 والنسائي (5/ 68) و (138 و168) وابن ماجه 2936 و2937 وأحمد (1/ 130) و (164) و (202) و (419) والشافعي (1/ 296- 297) والدارمي (2/ 32 و33) والطحاوي (2/ 130) والدارقطني (2/ 234- 235) وابن حبان 3772 و3773 وابن الجارود 420 والطبراني في «الكبير» (24/ 773) و (833) والبيهقي (5/ 221) من طرق عن عائشة به.
190- إسناده صحيح. عبد الله بن محمد هو الجعفي أبو جعفر البخاري، من رجال البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. عبد الرزاق هو ابن همام صاحب المصنف، معمر هو ابن راشد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
وأخرجه البخاري (2731) و (2732) وعبد الرزاق 9720 وأحمد (4/ 328- 331) وابن حبان 4872 والطبراني في «الكبير» (20/ 13 و14 و842) والبيهقي (5/ 215) و (7/ 171) و (10/ 109) من طريق معمر بهذا الإسناد، وقرنوا مع المسور مروان بن الحكم.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المخطوط «وهو» .
(3) في المطبوع «بالموضع» .
(4) سقط من المطبوع وحده.(1/247)
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثم احلقوا» ، فو الله مَا قَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ [ثَلَاثَ] [1] مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أتحب ذلك! [قال: نعم، قالت] [2] اخْرُجْ ثُمَّ لَا تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذلك [و] نَحَرَ بَدَنَهُ وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا [أي: ازدحاما] [3] .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَحِلُّ هَدْيِ الْمُحْصَرِ: الْحَرَمُ، فَإِنْ كَانَ حَاجًّا فَمَحِلُّهُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمِرًا فَمَحِلُّهُ يَوْمَ يَبْلُغُ هَدْيُهُ الْحَرَمَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ، معناه: لا تحلقوا رؤوسكم فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إِلَّا أَنْ تَضْطَرُّوا إِلَى حَلْقِهِ لِمَرَضٍ أَوْ لِأَذًى فِي الرَّأْسِ مِنْ هَوَامٍّ أَوْ صُدَاعٍ فَفِدْيَةٌ، فِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ: فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
«191» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ» ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِقَ وَهُوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ.
وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ أَنَّهُمْ يُحِلُّونَ بِهَا، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزِلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ، فَأَمَرَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ ستة مساكين، أو يهدي شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ، أَيْ: ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، أَيْ: ثَلَاثَةِ آصُعٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، أَوْ نُسُكٍ، وَاحِدَتُهَا نَسِيكَةٌ، أَيْ: ذَبِيحَةٌ أَعْلَاهَا بَدَنَةٌ وَأَوْسَطُهَا بَقَرَةٌ وَأَدْنَاهَا شَاةٌ، أَيَّتَهَا شَاءَ ذَبْحَ، فَهَذِهِ الْفِدْيَةُ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّقْدِيرِ، وَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ أَوْ يَصُومَ أَوْ يَتَصَدَّقَ، وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ طَعَامٍ يَلْزَمُ الْمُحْرِمَ يَكُونُ بِمَكَّةَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، إِلَّا هَدْيًا يَلْزَمُ الْمُحْصَرَ فإنه يذبحه حيث أحصر، أما الصَّوْمُ فَلَهُ أَنْ يَصُومَ حَيْثُ شَاءَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا أَمِنْتُمْ، أي: من خوفكم وبرأتم مِنْ مَرَضِكُمْ، فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمُتْعَةِ فَذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إلى أن معناه: فمن
__________
191- إسناده صحيح على شرط البخاري. ورقاء هو ابن عمر اليشكري، ابن أبي نجيح اسمه عبد الله. وأبو نجيح هو يسار هو في «صحيح البخاري» 4159 عن الحسن بن خلف بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (1817 و1818) و (4191 و5665) ومسلم 1201 والترمذي 953 والطيالسي 1065 والحميدي 710 وأحمد (4/ 242 و243) والطبري 3346 وابن خزيمة (2677 و2678) والدارقطني (2/ 298) والطبراني (19/ 224) و (225 و226 و227) والبيهقي (5/ 55) والواحدي في «أسباب النزول» 112 من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نجيح بهذا الإسناد.
- وأخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 417) عن حميد بن قيس عن مجاهد به، ومن طريقه.
أخرجه البغوي في «شرح السنة» 1987.
(1) سقط من المطبوع.
(2) سقط من المطبوع.
(3) زيد في المطبوع وحده.(1/248)
أُحْصِرَ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَمْ يتحلّل فقدم مكة خرج [1] مِنْ إِحْرَامِهِ [2] بِعَمَلِ عُمْرَةٍ وَاسْتَمْتَعَ بِإِحْلَالِهِ ذَلِكَ، بِتِلْكَ الْعُمْرَةِ إِلَى السنة المقبلة ثُمَّ حَجَّ، فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا بِذَلِكَ الْإِحْلَالِ إِلَى إِحْرَامِهِ الثَّانِي فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ فَإِذَا أَمِنْتُمْ وَقَدْ حَلَلْتُمْ مِنْ إِحْرَامِكُمْ بَعْدَ الْإِحْصَارِ، وَلَمْ تَقْضُوا عُمْرَةً [3] وَأَخَّرْتُمُ الْعُمْرَةَ إِلَى السَّنَةِ الْقَابِلَةِ فَاعْتَمَرْتُمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَلَلْتُمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِإِحْلَالِكُمْ إِلَى الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمْتُمْ بِالْحَجِّ، فَعَلَيْكُمْ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ: هُوَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ مُعْتَمِرًا مِنْ أُفُقٍ [مِنَ] الْآفَاقِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَقَضَى عُمْرَتَهُ وَأَقَامَ حَلَالًا بِمَكَّةَ حَتَّى أَنْشَأَ مِنْهَا الْحَجَّ، فَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُسْتَمْتِعًا بِالْإِحْلَالِ مِنَ الْعُمْرَةِ إِلَى إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، فَمَعْنَى التَّمَتُّعِ: هُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْعُمْرَةِ بِمَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ إِلَى إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، وَلِوُجُوبِ دَمِ [4] التَّمَتُّعِ أَرْبَعُ شَرَائِطَ: أَحَدُهَا أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالثَّانِي أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي مَكَّةَ وَلَا يعود إلى الميقات لإحرامه، والرابع أن يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَمَتَى [5] وُجِدَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ فَعَلَيْهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، وَهُوَ دم شاة ويذبحها يَوْمَ النَّحْرِ، فَلَوْ ذَبَحَهَا قَبْلَهُ بعد ما أَحْرَمَ بِالْحَجِّ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَدِمَاءِ الْجِنَايَاتِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ كَدَمِ الْأُضْحِيَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ: الهدي فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، أَيْ: صُومُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَصُومُ يَوْمًا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ، وَلَوْ صَامَ قَبْلَهُ بعد ما أحرم بالحج جاز، وَلَا يَجُوزُ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ صوم الثلاثة في أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ، أَيْ: صُومُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَهْلِيكُمْ وَبَلَدِكُمْ، فَلَوْ صَامَ السَّبْعَةَ قَبْلَ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَصُومَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الرُّجُوعِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ: ذَكَرَهَا عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا كَانُوا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحِسَابِ فَكَانُوا يَحْتَاجُونَ إِلَى فَضْلِ شَرْحٍ وَزِيَادَةِ بَيَانٍ، وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، يعني: فصيام عشرة أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ، فَهِيَ عَشْرَةٌ كَامِلَةٌ، وَقِيلَ: كَامِلَةٌ فِي الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ، وَقِيلَ:
كَامِلَةٌ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّوْمِ بَدَلَ الْهَدْيِ، وَقِيلَ: كَامِلَةٌ بِشُرُوطِهَا وَحُدُودِهَا، وَقِيلَ: لَفْظُهُ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ أَمْرٌ، أَيْ: فَأَكْمِلُوهَا وَلَا تَنْقُصُوهَا، ذلِكَ، أَيْ: هَذَا الْحُكْمُ، لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُمْ أَهْلُ مَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَقِيلَ:
هُمْ أَهْلُ الحرم، وبه قال طاوس، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَهْلُ عَرَفَةَ وَالرَّجِيعِ وَضَجْنَانَ [وَنَخْلَتَانِ] [6] ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَنْ كَانَ وَطَنُهُ [7] مِنْ مَكَّةَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَهُوَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمْ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ، وَقِيلَ: هُمْ أَهْلُ الْمِيقَاتِ فَمَا دُونَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَدَمُ الْقِرَانِ كَدَمِ التَّمَتُّعِ، وَالْمَكِّيُّ إِذَا قَرَنَ أَوْ تمتع فلا هدي عليه.
__________
(1) في المطبوع «يخرج» .
(2) في المطبوع «إحرام» .
(3) في المطبوع «عمرتكم» .
(4) في المطبوع «هدي» . [.....]
(5) في المخطوط «فمن وجدت فيه» .
(6) سقط من المطبوع.
(7) في المطبوع «وطئه» .(1/249)
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)
ع «192» قَالَ عِكْرِمَةُ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ، فَقَالَ:
أَهَلَّ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَأَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَهْلَلْنَا فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ» ، فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ بالصفا وَالْمَرْوَةِ وَأَتَيْنَا النِّسَاءَ وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ ثُمَّ أَمَرَنَا عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ أَنْ نُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَإِذَا فَرَغْنَا فَقَدْ تَمَّ حَجُّنَا وَعَلَيْنَا الْهَدْيُ.
فَجَمَعُوا بين نُسُكَيْنِ فِي عَامٍ، بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَأَبَاحَهُ لِلنَّاسِ غَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَفَوَاتُهُ يَكُونُ بِفَوَاتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ فَإِنَّهُ يَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ الْعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ مِنْ قَابَلٍ، وَالْفِدْيَةُ وَهِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ كَفِدْيَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ.
«193» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يسار أن هبّار [1] بْنَ الْأَسْوَدِ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَخْطَأْنَا الْعَدَدَ كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ لَهُ عُمْرُ: اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ بِالْبَيْتِ، وَاسْعَوْا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ، ثُمَّ احْلِقُوا وقصروا، ثم ارجعوا فإذا كان العام القابل فَحُجُّوا وَاهْدُوا، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وسبعة إذا رجع.
وَاتَّقُوا اللَّهَ: فِي أَدَاءِ الْأَوَامِرِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ، على ارتكاب المناهي.
[سورة البقرة (2) : آية 197]
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ (197)
قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ، أَيْ: وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، وَهِيَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ: شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ صَحِيحٌ غير مختلف فيه، فَمَنْ قَالَ: عَشْرٌ عَبَّرَ بِهِ عَنِ اللَّيَالِي، وَمَنْ قَالَ تِسْعٌ عَبَّرَ بِهِ عَنِ الْأَيَّامِ، فَإِنَّ آخِرَ أَيَّامِهَا يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ اليوم التَّاسِعِ، وَإِنَّمَا قَالَ: أَشْهُرٌ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهِيَ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ لِأَنَّهَا وَقْتٌ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْوَقْتَ تاما بقليله وكثيره، فتقول [2] : أتيتك يوم
__________
192- ع ذكره البخاري 1572 معلقا عن أبي كامل فضيل بن حسين عن أبي معشر عن عثمان بن غياث عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بأتم منه.
قال الحافظ في «الفتح» (3/ 434) : وصله الإسماعيلي قال: حدثنا القاسم المطرز، حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا أبو كامل- فذكره بطوله- لكنه قال: «عثمان بن سعد» بدل «عثمان بن غياث» وكلاهما بصري، وله رواية عن عكرمة، لكن عثمان بن غياث ثقة، وعثمان بن سعد ضعيف، وقد أشار الإسماعيلي إلى أن شيخه القاسم وهم في قوله: «عثمان بن سعد» ويؤيده أن أبا مسعود الدمشقي ذكر في الأطراف أنه وجده من رواية مسلم بن الحجاج عن أبي كامل، كما ساقه البخاري قال: فأظن البخاري أخذه عن مسلم، لأنني لم أجده إلا من رواية مسلم.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري عند مسلم 1247 وأحمد (3/ 5) و (71 و75) وابن حبان 3793 والبيهقي (5/ 31 و40) .
193- مرسل صحيح. سليمان بن يسار تابعي ثقة ثبت، لكنه لم يدرك عمر بن الخطاب، فالخبر مرسل.
هو في «شرح السنة» 1995 بهذا الإسناد رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (1/ 383) عن نافع به.
(1) وقع في الأصل «هناد» والتصويب عن كتب التخريج.
(2) في المطبوع «فيقول» وزيد في المخطوط عقب «فتقول» «العرب» .(1/250)
الْخَمِيسِ، وَإِنَّمَا أَتَاهُ فِي سَاعَةٍ منه، وتقول [1] : زُرْتُكَ الْعَامَ، وَإِنَّمَا زَارَهُ فِي بَعْضِهِ، وَقِيلَ: الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ، لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ ضَمُّ الشَّيْءِ إِلَى الشَّيْءِ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُسَمَّى الِاثْنَانِ جَمَاعَةً، جَازَ أَنْ يُسَمَّى الِاثْنَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ جَمَاعَةً، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الِاثْنَيْنِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، فَقَالَ: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [التَّحْرِيمِ: 4] ، أَيْ: قَلَبَاكُمَا، وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ: أَرَادَ بِالْأَشْهُرِ شَوَّالًا وَذَا الْقِعْدَةِ وذا الحجّة مكملا [2] ، لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْحَاجِّ أُمُورٌ بَعْدَ عَرَفَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهَا مِثْلُ الرَّمْيِ وَالذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى، فَكَانَتْ فِي حكم الحج، فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، أَيْ: فَمَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَجَّ بِالْإِحْرَامِ وَالتَّلْبِيَةِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وطاوس وَمُجَاهِدٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَقَالَ [3] : يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِالْعُمْرَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّ هَذِهِ الْأَشْهُرَ بفرض الْحَجِّ فِيهَا، فَلَوِ انْعَقَدَ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ لِهَذَا التَّخْصِيصِ فَائِدَةٌ، كَمَا أَنَّهُ عَلَّقَ الصَّلَوَاتِ بِالْمَوَاقِيتِ، ثُمَّ مَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضِ الصَّلَاةِ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهِ لَا يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ عَنِ الْفَرْضِ [4] ، [وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ] [5] ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ فَجَمِيعُ أَيَّامِ السَّنَةِ لها وقت إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَبِّسًا بِالْحَجِّ، روي عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ فَكَانَ إِذَا حُمِّمَ رَأْسُهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ [فِيهِمَا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ كُلَّهَا بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ] [6] ، وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّفَثِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ: هُوَ الْجِمَاعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالرَّبِيعِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الرَّفَثُ غِشْيَانُ النِّسَاءِ وَالتَّقْبِيلُ وَالْغَمْزُ وَأَنْ يُعَرِّضَ لَهَا بِالْفُحْشِ مِنَ الْكَلَامِ، قَالَ حُصَيْنُ بْنُ قَيْسٍ: أَخَذَ ابْنُ عباس رضي الله عنهما بِذَنَبِ بَعِيرِهِ، فَجَعَلَ يَلْوِيهِ وَهُوَ يَحْدُو وَيَقُولُ:
وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا ... إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا
فَقُلْتُ لَهُ: أَتَرْفُثُ وَأَنْتَ محرم؟ قال: إِنَّمَا الرَّفَثُ مَا قِيلَ عِنْدَ النساء [7] ، وقال طاوس: الرَّفَثُ التَّعْرِيضُ لِلنِّسَاءِ بِالْجِمَاعِ وَذِكْرُهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ، وَقَالَ عَطَاءٌ: الرَّفَثُ قَوْلُ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إِذَا حَلَلْتُ أَصَبْتُكِ، وَقِيلَ: الرَّفَثُ الْفُحْشُ وَالْقَوْلُ الْقَبِيحُ، أَمَّا الفسوق فقد قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْمَعَاصِي كلها، وهو قول طاوس وَالْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ والزهري والربيع القرظي، وقال ابن عمر: هو
__________
(1) في المطبوع «ويقولون» .
(2) في المطبوع «كمالا» وفي- ط- «كمّلا» .
(3) زيد في المطبوع وحده عقب «قال» لفظ «سعيد» .
(4) في المطبوع «العرض» وهو تصحيف ظاهر. وفي المخطوط «بالحج» .
(5) سقط من المخطوط.
(6) سقط من المخطوط.
(7) هذا خبر منكر، لا يصح عن ابن عباس. أخرجه الطبري 3577 عن قتادة عن رجل عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عباس، والرجل هو حصين بن قيس الرياحي، أبهمه قتادة لجهالته، وكرره الطبري 3576 من وجه آخر عن حصين به، ومن وجه ثالث برقم 3583 أيضا عن حصين به، وحصين هذا مجهول، تفرد عنه ابنه زياد بن حصين، وسماه في روايته، وأبهمه غيره لجهالته. راجع «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (3/ 195) ، فمثل هذا الخبر لا يفرح به، وبخاصة في مثل هذه المواضع. [.....](1/251)
مَا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ مِنْ قَتْلِ الصَّيْدِ وتقليم الأظفار وأخذ الأشعار وما أشبهها [1] ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ السباب.
ع «194» بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» .
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ التَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ [الْحُجُرَاتِ: 11] .
«195» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا آدم أخبرنا شعبة أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ: الْجِدَالُ أَنْ يُمَارِيَ صَاحِبَهُ وَيُخَاصِمَهُ حَتَّى يُغْضِبَهُ، وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: هُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُهُمُ: الْحَجُّ الْيَوْمَ وَيَقُولَ بَعْضُهُمُ: الْحَجُّ غَدًا، وَقَالَ الْقُرَظِيُّ [2] : كَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا اجْتَمَعَتْ بِمِنًى قَالَ هَؤُلَاءِ: حَجُّنَا أَتَمُّ مِنْ حَجِّكُمْ، وَقَالَ هَؤُلَاءِ: حَجُّنَا أَتَمُّ مِنْ حَجِّكُمْ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَدْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ: «اجْعَلُوا إِهْلَالَكُمْ بِالْحَجِّ عُمْرَةً إِلَّا مَنْ قَلَّدَ الْهَدْيَ» ، قالوا: كيف نجعلها [3] عُمْرَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَهَذَا جِدَالُهُمْ [4] .
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانُوا يَقِفُونَ مَوَاقِفَ مُخْتَلِفَةً: كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أن موقفه موقف إبراهيم، فكانوا يَتَجَادَلُونَ [5] فِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ وَبَعْضُهُمْ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَحُجُّ فِي ذِي القعدة وبعضهم يَحُجُّ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَكُلٌّ يقول: ما فعلته هو [6] الصواب، فقال جلّ
__________
194- ع صحيح. أخرجه البخاري 48 و6044 و7076 ومسلم 64 والترمذي 1983 و2635 والنسائي (7/ 122) وابن ماجه 69 والطيالسي 248 و258 وأحمد (1/ 385) و411 و454 والحميدي 104 وابن حبان 5939 وابن منده 654 و655 و656 والخطيب (3/ 185) وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 34) والبيهقي (8/ 20) من طرق عن أبي وائل عن ابن مسعود به.
195- إسناده صحيح. آدم هو ابن أبي إياس العسقلاني، تفرد عنه البخاري، ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. شعبة هو ابن الحجاج، وسيار بن وردان العنزي. أبو حازم هو سلمة بن دينار.
وهو في «شرح السنة» 1834 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1521 و1819 و1820 ومسلم 1350 والترمذي 811 والنسائي (5/ 114) وابن ماجه 1889 وأحمد (2/ 484) والحميدي 1004 وعبد الرزاق 8800 والطيالسي 2519 والدارمي (2/ 31) وابن خزيمة 2514 وابن حبان 3694 والطبري 3721 و3722 والدارقطني (2/ 284) والبيهقي (5/ 262) وعلي بن الجعد في «مسنده» 926 والبغوي 1834 من طرق عن أبي حازم به.
(1) في نسخ المطبوع «أشبههما» .
(2) تحرف في المخطوط إلى «القرطبي» .
(3) في المطبوع «نجعله» .
(4) المرفوع منه صحيح. ورد في أثناء حديث مطول، وتقدم 182، وأما تفسير الآية فهو من كلام مقاتل وهو ذو مناكير.
(5) في المطبوع «يجادلون» .
(6) في المطبوع «فهو» .(1/252)
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
ذِكْرُهُ: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ، أَيِ: اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْحَجِّ عَلَى مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا اخْتِلَافَ فيه من بعد.
ع «196» وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خلق الله السموات وَالْأَرْضَ» .
قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ وَلَا شَكَّ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَأُبْطِلُ النَّسِيءُ. قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: ظَاهِرُ الْآيَةِ نَفْيٌ، وَمَعْنَاهَا: نَهْيٌ، أَيْ: لَا تَرْفُثُوا وَلَا تَفْسُقُوا وَلَا تُجَادِلُوا كَقَوْلِهِ تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:
2] ، أَيْ: لَا تَرْتَابُوا، وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ، أَيْ: لَا يَخْفَى عَلَيْهِ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى، نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كَانُوا يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجِّ بِغَيْرِ زَادٍ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ مُتَوَكِّلُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ نَحُجُّ بَيْتَ اللَّهِ فَلَا يُطْعِمُنَا؟ فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، وَرُبَّمَا يُفْضِي بِهِمُ الْحَالُ إِلَى النَّهْبِ والغضب، فقال الله جلّ ذكره: وَتَزَوَّدُوا [1] ، أَيْ: مَا تَتَبَلَّغُونَ بِهِ وَتَكْفُونَ بِهِ وُجُوهَكُمْ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: الْكَعْكُ وَالزَّبِيبُ [2] وَالسَّوِيقُ وَالتَّمْرُ وَنَحْوُهَا، فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى مِنَ السُّؤَالِ وَالنَّهْبِ، وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ: يَا ذَوِي الْعُقُولِ.
[سورة البقرة (2) : آية 198]
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ، «197» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنه قَالَ:
كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قرأ ابن عباس كذا.
ع «198» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا قَوْمٌ نَكْرِي فِي هَذَا الْوَجْهِ، يعني: إلى
__________
196- ع صحيح. هو بعض حديث أخرجه البخاري (3197 و4662) و (5550) ومسلم 1679 وأبو داود 1948 وابن ماجه 233 وأحمد (5/ 37 و39 و49) وابن خزيمة 2952 وابن حبان 5974 والبيهقي (5/ 140 و165) والبغوي 1965 من طرق عن ابن سيرين عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بكرة عن أبي بكرة مرفوعا.
(1) صحيح. أخرجه البخاري 1523 وأبو داود 1730 والواحدي 113 من حديث ابن عباس.
(2) في المخطوط «الزيت» .
197- إسناده على شرط البخاري، علي بن عبد الله هو المديني. سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «شرح السنة» 2017 بهذا الإسناد.
- وفي «صحيح البخاري» 2098 عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 1770 و2050 و4519 والواحدي 116 والطبري (3782 و3794) عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابن عباس به.
198- ع أخرجه أبو داود 1733 وأحمد (2/ 155) والحاكم (1/ 449) والطبري 3768 والواحدي 115 من طرق عن أبي(1/253)
مَكَّةَ، فَيَزْعُمُونَ أَنْ لَا حَجَّ لَنَا؟ فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تُحْرِمُونَ كَمَا يُحْرِمُونَ وَتَطُوفُونَ كَمَا يَطُوفُونَ وَتَرْمُونَ كَمَا يَرْمُونَ؟
قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَنْتَ حَاجٌّ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَلَمْ يُجِبْهُ [1] بِشَيْءٍ حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ، أَيْ: حَرَجٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا [رِزْقًا] [2] مِنْ رَبِّكُمْ، يَعْنِي:
بِالتِّجَارَةِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، فَإِذا أَفَضْتُمْ: دَفَعْتُمْ، وَالْإِفَاضَةُ: دَفْعٌ بِكَثْرَةٍ، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ:
أَفَاضَ الرَّجُلُ ماءه، أَيْ: صَبَّهُ، مِنْ عَرَفاتٍ، هِيَ جَمْعُ عَرَفَةَ، جَمْعٌ [3] بِمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ بُقْعَةً وَاحِدَةً، كَقَوْلِهِمْ: ثَوْبُ أَخْلَاقٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى الَّذِي لَأَجْلِهِ سُمِّيَ الْمَوْقِفُ عَرَفَاتٍ، وَالْيَوْمُ عَرَفَةَ، فَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرِي إِبْرَاهِيمَ عليه السلام المناسك ويقول: أعرفت؟ فَيَقُولُ: عَرَفْتُ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَكَانُ عَرَفَاتٍ، وَالْيَوْمُ عَرَفَةَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أهبط [من الجنة] [4] إِلَى الْأَرْضِ وَقَعَ بِالْهِنْدِ وَحَوَّاءُ بِجَدَّةَ، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَطْلُبُ صَاحِبَهُ، فَاجْتَمَعَا بِعَرَفَاتٍ يَوْمَ عرفة وتعارفا، فسمّي اليوم عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ [5] ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَمَّا أَذَّنَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّاسِ بالحج وأجابوا بِالتَّلْبِيَةِ، وَأَتَاهُ مَنْ أَتَاهُ أَمَرَهُ الله [تعالى] أَنْ يَخْرُجَ إِلَى عَرَفَاتٍ وَنَعَتَهَا لَهُ، فَخَرَجَ فَلَّمَا بَلَغَ الْجَمْرَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ اسْتَقْبَلَهُ الشَّيْطَانُ لِيَرُدَّهُ، فرماه بسبع حصيات فكبّر مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ فَطَارَ، فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَةِ الثَّانِيَةِ، فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَطَارَ، فَوَقَعَ عَلَى الْجَمْرَةِ الثَّالِثَةِ، فَرَمَاهُ وَكَبَّرَ فَلَمَّا رَأَى الشَّيْطَانُ أنه لا يطيقه [6] ذَهَبَ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أَتَى ذَا الْمَجَازِ فَلَّمَا نَظَرَ إِلَيْهِ لَمْ يَعْرِفْهُ فَجَازَ، فَسُمِّيَ ذَا الْمَجَازِ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ فَعَرَفَهَا بِالنَّعْتِ، فَسُمِّيَ الْوَقْتُ عَرَفَةَ وَالْمَوْضِعُ عَرَفَاتٍ، حَتَّى إِذَا أمسى ازدلف، [أَيْ: قَرُبَ] [7] إِلَى جَمْعٍ، فَسُمِّيَ الْمُزْدَلِفَةَ [8] . وَرُوِيَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذَبْحِ ابْنِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَوَّى يَوْمَهُ أَجْمَعَ، أَيْ: فَكَّرَ أَمِنَ اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الرُّؤْيَا؟ أَمْ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ فَسُمِّيَ الْيَوْمُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ ثَانِيًا فَلَمَّا أَصْبَحَ عَرَفَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَسُمِّيَ الْيَوْمُ يَوْمَ عَرَفَةَ [9] . وَقِيلَ:
سُمِّيَ بذلك لعلوّ الناس فيه على جباله، والعرب تسمّي ما علا عرفة، ومنه سمّي عرف الديك لعلوه، وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَعْتَرِفُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِذُنُوبِهِمْ، وَقِيلَ [10] : سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنَ الْعَرْفِ، وَهُوَ الطِّيبُ، وَسُمِّيَ مِنًى لِأَنَّهُ يُمَنَّى فِيهِ الدَّمُ، أَيْ: يُصَبُّ فيه فيكون فيه الفروث والدماء فلا يَكُونُ الْمَوْضِعُ طَيِّبًا، وَعَرَفَاتٌ طَاهِرَةٌ عَنْهَا فَتَكُونُ طَيِّبَةً، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ: بِالدُّعَاءِ وَالتَّلْبِيَةِ، عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ، وهو مَا بَيْنَ جَبَلَيِ الْمُزْدَلِفَةِ مِنْ مَأْزِمَيْ [11] عَرَفَةَ إِلَى الْمَحْسَرِ، وَلَيْسَ المأزمان ولا
__________
أمامة التيمي به.
صححه الحاكم! ووافقه الذهبي! ومداره على أبي أمامة، وهو شبه مجهول، وثقه ابن حبان وحده. [.....]
(1) كذا في المطبوع، وفي المخطوط «يجب» وفي «الوسيط» (1/ 303) «فلم يدر» وكذا في الطبري 3768.
(2) سقط من المطبوع وحده.
(3) في المطبوع «جمعت عرفة» .
(4) زيادة من المخطوط.
5 هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
(6) كذا في المخطوط والطبري 3795 وفي نسخ المطبوع «يطيعه» .
(7) زيد في المطبوع.
8 هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
9 هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
10 هذه الأقوال جميعا مصدرها كتب الأقدمين، لا يصح عن الصادق المصدوق في هذا الباب شيء.
(11) في المطبوع «مرمى» وفي المخطوط «وما رمي» والمثبت عن- ط-.(1/254)
المحسر [1] من المشعر الحرام، وَسُمِّيَ مَشْعَرًا مِنَ الشِّعَارِ، وَهِيَ الْعَلَامَةُ لِأَنَّهُ مِنْ مَعَالِمَ الْحَجِّ، وَأَصْلُ الْحَرَامِ مِنَ الْمَنْعِ، فَهُوَ ممنوع [من] [2] أَنْ يُفْعَلَ فِيهِ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ، وَسُمِّيَ الْمُزْدَلِفَةُ جَمْعًا لِأَنَّهُ يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ صَلَاتَيِ [3] المغرب والعشاء، وَالْإِفَاضَةُ مِنْ عَرَفَاتٍ تَكُونُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَمِنْ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِهَا مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، قَالَ طاوس: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدْفَعُونَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ، ومن المزدلفة بَعْدَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ كَيْمَا نُغِيرُ، فَأَخَّرَ اللَّهُ هَذِهِ، وَقَدَّمَ هَذِهِ.
«199» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:
دَفَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشِّعْبِ، نَزَلَ فَبَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَلَمْ يُسْبِغِ الْوُضُوءَ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَقَالَ: «الصَّلَاةُ أَمَامَكَ» ، فَرَكِبَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ، نَزَلَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بينهما شيئا.
ع «200» وَقَالَ جَابِرٌ: دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنِ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وإقامة، ثم ركب [ناقته] [4] الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فاستقبل القبلة ودعاه وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، فَلَمْ يَزَلْ واقفا حتى أسفر جدا، ودفع قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ.
«201» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا محمد بن يوسف أخبرنا
__________
199- إسناده صحيح. أبو إسحق فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. كريب هو ابن أبي مسلم.
- وهو في «شرح السنة» 1930 بهذا الإسناد.
- وفي «الموطأ» (1/ 400- 401) من طريق موسى بن عقبة بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 139 و1672 و1280 وأبو داود 1925 وأحمد (5/ 208) والطحاوي في «المعاني» (2/ 214) وابن حبان 1594 والبيهقي (5/ 122) .
- وأخرجه البخاري 181 و1667 ومسلم 1280 وأبو داود (1921 و1924) والنسائي (5/ 259) وابن ماجه 3019 وأحمد (5/ 199/ 200 و202 و210) والدارمي (2/ 57 و58) وابن خزيمة 973 والطبراني في «الكبير» 386 والبيهقي (5/ 119 و120) من طرق من حديث أسامة بن زيد.
200- ع هو بعض حديث جابر في صفة حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وهو في «شرح السنة» 1928. وهو عند مسلم 1218 وأبي داود 1905 وابن ماجه 1022.
201- م إسناده صحيح على شرطهما، زهير بن حرب هو أبو خيثمة النسائي، جرير هو ابن حازم، يونس هو ابن يزيد والزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
- وهو عند البخاري (1686 و1687) عن زهير بن حرب بهذا الإسناد وأخرجه البخاري (1543 و1544) أيضا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ عن وهب بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (1280 و1281) من طريق كريب عن أسامة بن زيد وابن عباس. وأخرجه البغوي في «شرح السنة» 1943 من طريق الشافعي عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابن عباس قال: أخبرني الفضل.... فذكره. [.....]
(1) في المطبوع «المجسر» .
(2) زيد من المخطوط.
(3) في المطبوع «صلاة» .
(4) زيادة عن المخطوط.(1/255)
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، أَخْبَرَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ الْأَيْلِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ]
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابن عباس أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ كَانَ ردف رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قالا: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ، أَيْ: وَاذْكُرُوهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّعْظِيمِ، كَمَا ذَكَرَكُمْ بِالْهِدَايَةِ، فَهَدَاكُمْ لِدِينِهِ وَمَنَاسِكِ حَجِّهِ، وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ، أَيْ: وقد كنتم [قبل] [2] ، [أي] [3] : وَمَا كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ إِلَّا مِنَ الضَّالِّينَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ [الشُّعَرَاءِ: 186] ، أَيْ: وَمَا نَظُنُّكَ إِلَّا مِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِهِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْهُدَى، وَقِيلَ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ.
[سورة البقرة (2) : آية 199]
ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)
. قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَتْ قُرَيْشٌ وَحُلَفَاؤُهَا وَمَنْ دَانَ بِدِينِهَا وَهُمُ الْحُمْسُ، يَقِفُونَ [4] بِالْمُزْدَلِفَةِ وَيَقُولُونَ: نَحْنُ أَهْلُ اللَّهِ وَقُطَّانُ حَرَمِهِ، فَلَا نُخَلِّفُ الْحَرَمَ وَلَا نَخْرُجُ مِنْهُ، وَيَتَعَظَّمُونَ أَنْ يَقِفُوا مَعَ [سَائِرِ الْعَرَبِ] [5] بِعَرَفَاتٍ، [وَسَائِرُ النَّاسِ كَانُوا يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ] [6] ، فَإِذَا أَفَاضَ النَّاسُ مَنْ عَرَفَاتٍ أَفَاضَ الْحُمْسُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقِفُوا بِعَرَفَاتٍ وَيُفِيضُوا مِنْهَا إِلَى جَمْعٍ مَعَ سَائِرِ النَّاسِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ سُنَّةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَاطَبَ بِهِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَوْلُهُ تعالى: قال مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ مِنْ جَمْعٍ، أَيْ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى، وَقَالُوا: لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ، فَكَيْفَ يُسَوِّغُ أَنْ يَقُولَ:
فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فاذكروا الله ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ عَرَفَاتٍ؟ وَالْأَوَّلُ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ، فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَقِيلَ: ثُمَّ بِمَعْنَى الْوَاوِ، أَيْ:
وَأَفِيضُوا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا [الْبَلَدِ: 17] ، وَأَمَّا النَّاسُ فَهُمُ الْعَرَبُ كُلُّهُمْ غَيْرُ الْحُمْسِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَرَبِيعَةُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: النَّاسُ هَاهُنَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ [النِّسَاءِ: 54] ، وَأَرَادَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَيُقَالُ هَذَا الَّذِي يُقْتَدَى بِهِ وَيَكُونُ لِسَانَ قَوْمِهِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: النَّاسُ هَاهُنَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ، دَلِيلُهُ قِرَاءَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، بالياء، وقال: هُوَ آدَمُ نَسِيَ عَهْدَ اللَّهِ حِينَ أَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ.
«201» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا محمد بن يوسف أخبرنا
__________
201- إسناده صحيح، محمد بن إسماعيل هو البخاري، ومن دونه ثقات، وعبد الله بن يوسف هو التّنّسيي روى له البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- هو في «شرح السنة» 1926 بهذا الإسناد.
- وهو عند البخاري 1666 عن عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (2999 و4413) ومسلم 1286 وأبو داود 1923 والنسائي (5/ 258) و (259) وابن ماجه 3017 وأحمد (5/ 205) و (202 و210) والدارمي 1821 والبغوي 1926 من طرق عن هشام بن عروة به.
(1) وقع في الأصل «عبد» والتصويب من صحيح البخاري.
2 زيادة عن المخطوط.
3 زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «يقعون» .
5 زيد في المطبوع.
6 زيد في المطبوع.(1/256)
فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ كَيْفَ كَانَ [يَسِيرُ] [1] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ.
قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ [2] فَوْقَ الْعَنَقِ.
«202» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُوِيدٍ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مولى المطلب قال: أخبرنا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ مَوْلَى وَالِبَةَ [3] الْكُوفِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ دَفَعَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ زَجْرًا شَدِيدًا وَضَرْبًا لِلْإِبِلِ، فَأَشَارَ بِسَوْطِهِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيضَاعِ» ، وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة البقرة (2) : آية 200]
فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (200)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ، أَيْ: فَرَغْتُمْ مِنْ حَجِّكُمْ وَذَبَحْتُمْ نَسَائِكَكُمْ، أَيْ:
ذَبَائِحَكُمْ، يُقَالُ: نَسَكَ الرَّجُلُ يَنْسُكُ نُسُكًا إِذَا ذَبَحَ نَسِيكَتَهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ بِمِنًى، فَاذْكُرُوا اللَّهَ: بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ إِذَا فَرَغَتْ مِنَ الْحَجِّ وَقَفَتْ عِنْدَ الْبَيْتِ فَذَكَرَتْ مَفَاخِرَ آبَائِهَا، فأمرهم الله بذكره، وقال: فَاذْكُرُونِي [البقرة: 152] ، فإني الَّذِي فَعَلْتُ ذَلِكَ بِكُمْ وَبِآبَائِكُمْ وَأَحْسَنْتُ إِلَيْكُمْ وَإِلَيْهِمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ: مَعْنَاهُ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِ الصِّبْيَانِ الصِّغَارِ الْآبَاءَ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّبِيَّ أَوَّلُ مَا يَتَكَلَّمُ يلهج بذكر أبيه لا يذكر غَيْرِهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: فَاذْكُرُوا اللَّهَ لَا غَيْرَ، كَذِكْرِ الصَّبِيِّ أَبَاهُ، أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً، وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ:
فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ، فَقِيلَ: قَدْ يَأْتِي عَلَى الرَّجُلِ الْيَوْمُ لا يَذْكُرُ فِيهِ أَبَاهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ أَنْ تَغْضَبَ لِلَّهِ إِذَا عُصِيَ أَشَدَّ مِنْ غَضَبِكَ لِوَالِدَيْكَ إِذَا شُتِمَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً، يعني: بل أشدّ، أي: أكثر [4] ذِكْرًا، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا، أَرَادَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى فِي الْحَجِّ إِلَّا الدُّنْيَا، يَقُولُونَ: اللَّهُمَّ أَعْطِنَا غَنَمًا وَإِبِلًا وَبَقَرًا وَعَبِيدًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يقوم فيقول: اللهمّ إِنَّ أَبِي كَانَ عَظِيمَ الْقُبَّةِ كَبِيرَ الْجَفْنَةِ كَثِيرَ الْمَالِ، فَأَعْطِنِي مثل ما أعطيته،
__________
202- إسناده صحيح على شرط البخاري.
وهو في «شرح السنة» 1927 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 1671 عن سعيد بن أبي مريم بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1920 من طريق مقسم عن ابن عباس به.
- وأخرجه النسائي (5/ 257) عن ابن عباس: أن أسامة بن زيد قال: أفاض رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم من عرفة ...
فذكره.
(1) لفظ «يسير» في المطبوع قبل لفظ «رسول» .
(2) نص ناقته: استخرج أقصى ما عندها من السير. [.....]
(3) وقع في الأصل «واثلة» والتصويب من صحيح البخاري وكتب التراجم.
(4) في المطبوع «أكبر» .(1/257)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)
قَالَ قَتَادَةُ: هَذَا عَبْدٌ [1] نِيَّتُهُ الدُّنْيَا لَهَا أَنْفَقَ وَلَهَا عَمِلَ وَنَصَبَ، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ: من حظّ ونصيب.
[سورة البقرة (2) : آية 201]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201)
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (201) ، يَعْنِي:
الْمُؤْمِنِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْحَسَنَتَيْنِ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ، وَفِي الْآخِرَةِ حسنة الجنة والحور العين.
«203» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ [2] أَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطُّوسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ خَلَّادٍ أَنَا الْحَارِثُ بْنُ [أَبِي] أُسَامَةَ أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِي، أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ [3] وَابْنُ لَهِيعَةَ قَالَا: أَخْبَرَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ شَرِيكٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ [4] يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ:
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» .
وَقَالَ الْحَسَنُ: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً الْعِلْمُ وَالْعِبَادَةُ وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً الْجَنَّةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ حيان: «فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً» رِزْقًا حَلَالًا وَعَمَلًا صَالِحًا، «وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» الْمَغْفِرَةُ وَالثَّوَابُ.
«204» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الحارث
__________
(1) تحرف في المخطوط إلى «عند» .
(2) وقع في الأصل «الحنفي» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «الأنوار» .
(3) وقع في الأصل «حياة» والتصويب من كتب التخريج وكتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «الجبلي» والتصويب من «شرح السنة» و «ط» .
203- إسناده صحيح على شرط مسلم، حيوة هو ابن شريح المصري روى له الشيخان، ابن لهيعة هو عبد الله، روى له مسلم متابعة. المقري هو عبد الله بن يزيد.
- وهو في «شرح السنة» 2234 بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (2/ 168) من طريق أبي عبد الرحمن المقري بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 1467 والبيهقي (7/ 80) من طريق حيوة دون ذكر ابن لهيعة بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي (6/ 69) وابن حبان 4031 من طريق المقري عن حيوة وذكر آخر معه عن شرحبيل بهذا الإسناد.
204- حديث ضعيف. إسناده ضعيف جدا، عبيد الله بن زحر ضعفه غير واحد، وشيخه علي بن يزيد الألهاني متروك، والقاسم روى مناكير كثيرة. وهو في «شرح السنة» 3939 بهذا الإسناد. وهو في «الزهد» لابن المبارك 196 «زيادات نعيم بن حَمَّادٌ» عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زحر بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي 2347 من طريق ابن المبارك بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد (21663) (5/ 252) والبيهقي في الشعب 10352 من طريق عبيد الله بن زحر بهذا الإسناد.
- قال الترمذي: وعلي بن يزيد ضعيف الحديث.
- وأخرجه ابن ماجه 4117 من طريق آخر، قال البوصيري في «الزوائد» وإسناده ضعيف، لضعف أيوب بن سليمان.
قال فيه أبو حاتم: مجهول. وتبعه على ذلك الذهبي في الطبقات وغيرها. وصدقة بن عبد الله متفق على تضعيفه اهـ.
وقال العراقي في «الإحياء» (3/ 277) : أخرجه الترمذي وابن ماجه بإسنادين ضعيفين اهـ.
- وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (5/ 252) والبيهقي في «الشعب» 10351 من طريق العلاء بن هلال بن عمر الباهلي عن أبي عن أبيه عن أبي غالب أبي أمامة به. وأعله ابن عدي بالعلاء بن هلال: وهو منكر الحديث، قال أبو حاتم: عنده(1/258)
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ [1] عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي [2] عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَغْبَطُ أَوْلِيَائِي عِنْدِي مُؤْمِنٌ خَفِيفُ الْحَاذِ ذُو حَظٍّ مِنَ الصلاة، أحسن عبادة ربه وأطاعه فِي السِّرِّ وَكَانَ غَامِضًا فِي النَّاسِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا فَصَبَرَ عَلَى ذلك- ثم نفر بيده [3]- فقال: هكذا عُجِّلَتْ مَنِيَّتُهُ [4] ، قَلَّتْ بَوَاكِيهِ، قَلَّ تُرَاثُهُ» .
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي الدُّنْيَا عَافِيَةً وَفِي الْآخِرَةِ عَافِيَةً، وَقَالَ عَوْفٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وَالْقُرْآنَ وَأَهْلًا وما لا فَقَدْ أُوتِيَ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً.
«205» أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ علي الكرماني الطُّوسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُوسُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مَنْصُورٍ السِّمْسَارُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيُّ الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مالك قَالَ:
رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ صَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ، فَقَالَ: «هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ مَا كنت معاقبي [5] بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ [6] لِي فِي الدُّنْيَا، فَقَالَ:
«سُبْحَانَ اللَّهِ لا تستطيعه ولا تطيقه، هلّا قلت: اللهم آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ» .
«206» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إسحاق
__________
عن يزيد بن هارون أحاديث موضوعة. راجع الميزان (3/ 106) وفيه أيضا أبو غالب اسمه حزور، روى مناكير عن أبي أمامة.
- وأخرجه البيهقي في «الشعب» 10357 من طريق الحسن بن أبي جعفر عن ليث عن عبيد الله عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ به.
وفيه الحسن بن أبي جعفر، ضعيف الحديث مع عبادته وفضله كما في «التقريب» والقاسم هو ابن عبد الرحمن قال أحمد بن حنبل: روى عنه علي بن يزيد أعاجيب، ولا أراها إلا من قبل القاسم.
الخلاصة: هو حديث ضعيف، طرقه شديدة الضعف لذا لا ترقى عن درجة الضعف، والمتن غريب بل منكر، والله أعلم.
(1) وقع في الأصل «زجر» وهو تصحيف والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(2) وقع في الأصل «بن» والتصويب من «شرح السنة» و «ط» ومن مصادر التخريج.
(3) في «ط» : «نفض» وفي «شرح السنة» : «نقد» وقال البغوي: نقد بيده أي ضرب.
(4) وقع في الأصل «منية» والتصويب من سنن الترمذي وغيره.
(5) في المطبوع «معاقبني» . [.....]
(6) في المطبوع «فحوّله» .
205- إسناده صحيح على شرطهما، حميد هو ابن أبي حميد، اختلف في اسم أبيه على عشرة أقوال. وثابت هو ابن أسلم هو في «شرح السنة» 1377.
وأخرجه مسلم 2688 والبخاري في «الأدب المفرد» 727 و728 والترمذي 3487 والنسائي في «عمل اليوم والليلة» 1053 وابن أبي شيبة (10/ 261) وأحمد (3/ 107) وابن حبان 936 و941 من طرق عن حميد الطويل بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (2688/ ح 24) وأحمد (3/ 288) من طريق عفان عن حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ به.
- وفي الباب من حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد (1/ 173) ورجاله رجال الصحيح.
206- إسناده صحيح. أبو داود هو سليمان بن داود الطيالسي صاحب المسند، شعبة هو ابن الحجاج، ثابت هو ابن أسلم.(1/259)
أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
الْحَجَّاجِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيُّ [1] ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِشْكَانَ [2] ، أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
«207» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبِيْدٍ مَوْلَى السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ [عَنْ] [3] عَبْدِ اللَّهِ بن السائب أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِيمَا بَيْنَ رُكْنِ بَنِيَ جُمَحَ وَالرُّكْنِ الْأَسْوَدِ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 202 الى 203]
أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ: حَظٌّ مِمَّا كَسَبُوا: مِنَ الْخَيْرِ والدعاء بالثواب وَالْجَزَاءِ، وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ، يَعْنِي: إذا حاسب عبده فَحِسَابُهُ سَرِيعٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى عَقْدِ يَدٍ وَلَا وَعْيِ صَدْرٍ [4] ولا
__________
هو في «شرح السنة» 1376 بهذا الإسناد.
هو عند الطيالسي 2036 من طريق شعبة بهذا الإسناد.
- ومن طريق الطيالسي أخرجه النسائي في «اليوم والليلة» 1054 وأحمد (3/ 209 و277) وابن حبان 937 والبغوي في «شرح السنة» 1382.
- وأخرجه مسلم (2690/ ح 27) والبخاري في «الأدب المفرد» 677 وأحمد (3/ 208) من طريق عبيد الله بن معاذ عن أبيه عن شعبة به.
(1) في الأصل «الداغولي» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط» .
(2) في الأصل «مكان» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» .
(3) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «ط» و «مسند الشافعي» .
(4) في المطبوع «صدور» .
207- جيد. في إسناده عبيد مولى السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ الْمَخْزُومِيِّ، قال عنه الحافظ في «التقريب» مقبول، وقال في «التهذيب» : ذكره ابن حبان في الثقات.
قلت: ذكره ابن قانع وابن مندة وأبو نعيم في الصحابة، وسموا أباه رحيبا اهـ. باختصار. فإن ثبتت صحبته فالحديث صحيح، لأن الصحابة كلهم عدول، وإلا فالإسناد لين، حيث قال عنه الحافظ: مقبول. وباقي الإسناد ثقات.
وهو في «شرح السنة» 1908 بهذا الإسناد.
وفي «مسند الشافعي» (1/ 347) وفي «الأم» (2/ 172- 173) من طريق سعيد بن سالم القداح بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 1892 والنسائي في «الكبرى» 3934 وعبد الرزاق 8963 وأحمد (3/ 411) وابن خزيمة 2721 وابن حبان 3826 والحاكم (1/ 455) والبيهقي (5/ 84) والأزرقي في «تاريخ مكة» (1/ 340) من طرق عن ابن جريج بهذا الإسناد.
وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! مع أن مداره على عبيد مولى السائب بن أبي السائب، ولم يرو له مسلم شيئا، وأخرجه الأزرقي (1/ 340) بسند فيه من يحتاج إلى الكشف عن حاله عن ابن المسيب مرسلا، ولا يصح عن ابن المسيب، فلو صح لرواه عنه غير الأزرقي، وله شاهد موقوف عن عمر أخرجه عبد الرزاق 8966 وآخر عن ابن عمر برقم (8964 و8965) . وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه 2957 وفي سنده ضعف.
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بطرقه وشواهده.(1/260)
إِلَى رَوِيَّةٍ [1] وَلَا فِكْرٍ، قَالَ الْحَسَنُ: أَسْرَعُ مِنْ لَمْحِ الْبَصَرِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إِتْيَانُ الْقِيَامَةِ قَرِيبٌ لِأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ [2] لَا مَحَالَةَ فَهُوَ قَرِيبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى: 17] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ، يَعْنِي: التَّكْبِيرَاتِ أَدْبَارَ الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الْجَمَرَاتِ، يُكَبَّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَوْقَاتِ، فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى وَرَمْيِ الْجِمَارِ، سُمِّيَتْ مَعْدُودَاتٍ لِقِلَّتِهِنَّ كَقَوْلِهِ: دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ [يُوسُفَ: 20] ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ: عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ آخِرُهُنَّ يَوْمُ النَّحْرِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَعَنْ عَلَيٍّ قَالَ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ، وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وهي أيام التشريق.
ع «208» وَرُوِيَ عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ» .
وَمِنَ الذِّكْرِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ التَّكْبِيرُ، واختلفوا فيه فروي عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يُكَبِّرَانِ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ خَلْفَ الصَّلَاةِ وفي المجالس [3] وَعَلَى الْفِرَاشِ وَالْفُسْطَاطِ وَفِي الطَّرِيقِ، ويكبّر الناس بتكبيرهما، ويتلوان هذه الآية، والتكبير أدبار الصلوات [4] مَشْرُوعٌ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي حَقِّ الْحَاجِّ وَغَيْرِ الْحَاجِّ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ فذهب قوم إلى أنه يبتدىء التكبير عقب صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ويختم بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التشريق، يروى ذلك عن عمر وعن عليّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ مَكْحُولٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ رضي الله عنه [وهو المرجح عند الشَّافِعِيِّ] [5] ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يبتدىء التَّكْبِيرُ عَقِيبَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ يوم عرفة، ويختم بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ الله عنه، وقال قوم: يبتدئ التكبير عَقِيبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النحر ويختم بعد [صلاة] [6] الصُّبْحِ مِنْ آخَرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وبه قال مالك والشافعي في أحد قوليه، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِأَنَّ النَّاسَ فِيهِ تَبَعٌ لِلْحَاجِّ، وَذِكْرُ الْحَاجِّ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ التَّلْبِيَةُ، وَيَأْخُذُونَ فِي التكبير يوم النحر من بعد صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَفْظُ التَّكْبِيرِ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ يَقُولَانِ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا نَسَقًا، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ: وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُكَبِّرُ اثنين، يُرْوَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قال تَعَالَى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، أراد من نفر الْحَاجِّ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وذلك أنه على الحاج أن يبيت
__________
208- ع صحيح. أخرجه مسلم 1141 وأبو داود 2813 والنسائي (7/ 170) وأحمد (5/ 75 و76) والطحاوي (2/ 245) والبيهقي (4/ 297) من حديث نبيشة الهذلي.
- وفي الباب من حديث كعب بن مالك عند مسلم 1142.
- وعن بشر بن سحيم عند النسائي (8/ 104) وابن ماجه 1720 والطيالسي 1299 وابن أبي شيبة (4/ 20- 21) والدارمي (2/ 23- 24) والطحاوي (2/ 245) والطبري 3914 والبيهقي (4/ 298) .
(1) في المطبوع «رؤية» .
(2) في المطبوع «آت» .
(3) في المطبوع «المجلس» .
(4) في المطبوع «الصلاة» . [.....]
(5) زيادة عن المخطوط.
(6) زيادة عن المخطوط.(1/261)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204)
بِمِنًى اللَّيْلَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَرْمِي كُلَّ يَوْمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً، عِنْدَ كُلِّ جَمْرَةٍ سَبْعَ [1] حَصَيَاتٍ، ورخّص في ترك البيتوتة لرعاة الْإِبِلِ وَأَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ رَمَى [2] الْيَوْمَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَرَادَ أَنْ ينفر ويدع [3] الْبَيْتُوتَةَ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ، وَرَمَى يَوْمَهَا فَذَلِكَ لَهُ وَاسِعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ حَتَّى يَرْمِيَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ ثم ينفر، [وقوله] وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، يَعْنِي: لَا إِثْمَ عَلَى مَنْ تَعَجَّلَ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي تَعْجِيلِهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ حَتَّى يَنْفِرَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَلَا إثم عليه في تأخيره، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: فَمَنْ تَعَجَّلَ فَقَدْ تَرَخَّصَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِالتَّرَخُّصِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [في ذلك] [4] بِتَرْكِ التَّرَخُّصِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ:
رَجَعَ مَغْفُورًا لَهُ لَا ذَنْبَ عَلَيْهِ تعجل أو تأخر.
ع م «195» كَمَا رَوَيْنَا: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ [5] كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» .
وَهَذَا قَوْلُ عَلَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ. قَوْلُهُ تَعَالَى: لِمَنِ اتَّقى، أَيْ: لِمَنِ اتَّقَى أَنْ يُصِيبَ فِي حَجِّهِ شَيْئًا نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ [6] ، كَمَا قَالَ: «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ» [7] ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا جُعِلَتْ مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ تَعَالَى فِي حَجِّهِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ: لِمَنِ اتَّقَى الصَّيْدَ، لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ صَيْدًا حَتَّى تَخْلُوَ [8] أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَقَالَ أَبُو العالية: ذهب إثمه إِنِ اتَّقَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ، [وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ: تُجْمَعُونَ فِي الْآخِرَةِ يجزيكم بأعمالكم] [9] .
[سورة البقرة (2) : آية 204]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، «209» قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَعَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثَّقَفِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، وَاسْمُهُ أُبَيٌّ، وسمّي الأخنس لأنه [كان] [10] خَنَسَ يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ عَنْ قِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَجُلًا حُلْوَ الْكَلَامِ حُلْوَ الْمَنْظَرِ، وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيجالسه ويظهر الإسلام [عنده] ، ويقول [له] [11] :
إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَيَحْلِفُ بِاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ مُنَافِقًا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِي مَجْلِسَهُ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، أَيْ: تَسْتَحْسِنُهُ وَيَعْظُمُ فِي قَلْبِكَ.
وَيُقَالُ فِي الِاسْتِحْسَانِ أَعْجَبَنِي كَذَا، وَفِي الْكَرَاهِيَةِ وَالْإِنْكَارِ: عَجِبْتُ مِنْ كَذَا، وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما
__________
195- ع م صحيح. وهو مكرر برقم: 195.
209- ضعيف. ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (1/ 427- 428) باختصار شديد عن الكلبي ونسبه لعبد بن حميد وابن المنذر. وهذا ليس بشيء، الكلبي متروك متهم.
وأخرجه الطبري 3964 عن السدي مرسلا، وهذا واه، والخبر غير صحيح.
(1) في المطبوع «بسبع» .
(2) في المطبوع «يرمي» .
(3) في المطبوع «فيدع» .
(4) زيادة عن المخطوط.
(5) زيد في المطبوع وحده عقب لفظ «رجع» : «أي: خرج من ذنوبه» .
(6) في المطبوع «عنها» .
(7) هو المتقدم.
(8) في المطبوع وحده «تنقضي» والمثبت عن المخطوطتين ونسخة- ط-.
(9) سقط من المخطوط.
10 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط. [.....]
11 ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.(1/262)
وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)
فِي قَلْبِهِ، يعني: قول الأخنس الْمُنَافِقِ: وَاللَّهِ إِنِّي بِكَ مُؤْمِنٌ وَلَكَ مُحِبٌّ، وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ، أَيْ:
شَدِيدُ الْخُصُومَةِ، يُقَالُ: لَدَدْتَ يا هذا وأنت تلدّ لددا وَلَدَادَةً، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنَّهُ غَلَبَ عَلَى خَصْمِهِ قُلْتَ: لَدَّهُ يَلِدُّهُ لَدًّا، يُقَالُ: رَجُلٌ أَلَدُّ وَامْرَأَةٌ لَدَّاءُ وَقَوْمٌ لُدٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مَرْيَمَ: 97] ، قَالَ الزَّجَّاجُ: اشْتِقَاقُهُ مِنْ لدّ يدي العنق وهما صفحتان، وَتَأْوِيلُهُ: أَنَّهُ فِي أَيِّ وَجْهٍ أَخَذَ مِنْ يَمِينٍ أَوْ شِمَالٍ، فِي أَبْوَابِ الْخُصُومَةِ غَلَبَ، وَالْخِصَامُ: مَصْدَرُ خَاصَمَهُ خِصَامًا وَمُخَاصَمَةً، قَالَهُ أبو عبيدة، وقال الزجاج:
وهو جَمْعُ خَصْمٍ، يُقَالُ: خَصْمٌ وَخِصَامٌ وَخُصُومٌ، مِثْلُ: بَحْرٍ وَبِحَارٍ وَبُحُورٍ، قَالَ الْحَسَنُ: أَلَدُّ الْخِصامِ، أَيْ: كَاذِبُ الْقَوْلِ، قَالَ قَتَادَةُ: شَدِيدُ الْقَسْوَةِ فِي الْمَعْصِيَةِ، جَدِلٌ بِالْبَاطِلِ يَتَكَلَّمُ بِالْحِكْمَةِ، وَيَعْمَلُ بِالْخَطِيئَةِ.
«210» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى الله تعالى الألدّ الخصم» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 205 الى 207]
وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ (205) وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (207)
وَإِذا تَوَلَّى، أَيْ: أَدْبَرَ وَأَعْرَضَ عَنْكَ، سَعى فِي الْأَرْضِ، أَيْ: عَمِلِ فِيهَا، وَقِيلَ: سَارَ فِيهَا وَمَشَى، لِيُفْسِدَ فِيها، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَطَعَ الرَّحِمَ وَسَفَكَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْنَسَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَقِيفٍ خُصُومَةٌ فَبَيَّتَهُمْ لَيْلَةً فَأَحْرَقَ زُرُوعَهُمْ وَأَهْلَكَ مَوَاشِيَهُمْ، قَالَ مُقَاتِلٌ: خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ مُقْتَضِيًا مَالَا لَهُ عَلَى غَرِيمٍ فَأَحْرَقَ لَهُ كُدْسًا [1] وَعَقَرَ لَهُ أَتَانًا [2] ، وَالنَّسْلُ: نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ، وَالنَّاسُ مِنْهُمْ: وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَإِذا تَوَلَّى، أَيْ: مَلَكَ الْأَمْرَ وَصَارَ وَالِيًا سَعَى فِي الْأَرْضِ، قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ قَالَ: إِذَا ولي يعمل بالعدوان والظلم، فأمسك اللَّهُ الْمَطَرَ [3] وَأَهْلَكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ [4] ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ، أَيْ: لا يرضى
__________
210- إسناده صحيح على شرطهما، أبو عاصم هو الضحاك بن مخلد النبيل. ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز، ابن أبي مليكة هو عبد الله بن عبيد الله.
هو في «شرح السنة» 2493 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 2457 عن أبي عاصم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري (4523 و7188) ومسلم 2668 والترمذي 2976 والنسائي (8/ 247- 248) وأحمد (6/ 55 و63 و205) وابن حبان 5697 والبيهقي (10/ 108) من طرق عن ابن جريج به.
(1) الكدس: الحب المحصود المجموع.
(2) الأتان: الحمارة.
(3) تحرف في المطبوع إلى «المدر» .
(4) الأثر عند الطبري 3988 قال مجاهد: إذا تولى سعى في الأرض بالعدوان والظلم، فيحبس الله بذلك القطر، فيهلك الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الفساد.
- هذا سياق الأثر ذكرته لأن في سياق المصنف غموض، والله الموفق.(1/263)
بالفساد، وقال سعيد بن المسيب: قطع الدراهم مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ.
قَوْلُهُ: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ، أَيْ: خِفِ اللَّهَ، أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، أي: حملته العزة، حمية الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْفِعْلِ بِالْإِثْمِ، أَيْ: بالظلم والعزة والتكبّر وَالْمَنَعَةُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ لِلْإِثْمِ الَّذِي فِي قَلْبِهِ، فَأَقَامَ الْبَاءَ مَقَامَ اللَّامِ، قَوْلُهُ: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ، أَيْ: كَافِيهِ، وَلَبِئْسَ الْمِهادُ، أَيِ: الْفِرَاشُ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُقَالَ لِلْعَبْدِ: اتَّقِ اللَّهَ فَيَقُولُ: عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: اتَّقِ اللَّهَ فَوَضَعَ خَدَّهُ عَلَى الْأَرْضِ تَوَاضُعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، أَيْ: لِطَلَبِ رِضَا اللَّهِ تعالى، وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.
ع «211» رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سَرِيَّةِ الرَّجِيعِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ إِنَّا قَدْ أَسْلَمْنَا، فَابْعَثْ إِلَيْنَا نَفَرًا مِنْ عُلَمَاءِ أَصْحَابِكَ يُعَلِّمُونَنَا دِينَكَ، وَكَانَ ذَلِكَ مَكْرًا مِنْهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ وَمَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَخَالِدَ بْنَ بُكَيْرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ الْبَلَوِيَّ وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بن أبي الأفلح الأنصاري.
ع «212» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ فَسَارُوا فَنَزَلُوا بِبَطْنِ الرَّجِيعِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ومعهم تمر عجوة فأكلوا [وطرحوا النوى] [1] فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَأَبْصَرَتِ النَّوَى فَرَجَعَتْ إِلَى قَوْمِهَا بِمَكَّةَ وَقَالَتْ: قَدْ سَلَكَ هَذَا الطَّرِيقَ أَهْلُ يَثْرِبَ، مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَكِبَ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ مَعَهُمُ الرِّمَاحُ حَتَّى أَحَاطُوا بهم، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه ذكروا [ذلك لِحَيٍّ] مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ: بَنُو لَحْيَانَ [فَنَفَرُوا لَهُمْ] [2] بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ، فَاقْتَفَوْا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فَقَالُوا: تَمْرُ يثرب فاتبعوا آثارهم [فلحقوهم] [3] فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لجؤوا إِلَى فَدْفَدٍ [4] فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَتَلُوا مَرْثَدًا وَخَالِدًا وَعَبْدَ اللَّهُ بن طارق فنثر عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ كِنَانَتَهُ وَفِيهَا سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَقَتَلَ بِكُلِّ سَهْمٍ رَجُلًا مِنْ عُظَمَاءِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ قال: اللهمّ إني قد حَمَيْتُ دِينَكَ صَدْرَ النَّهَارِ فَاحِمِ لَحْمِي آخِرَ النَّهَارِ، ثُمَّ أَحَاطَ [بِهِ] [5] الْمُشْرِكُونَ فَقَتَلُوهُ فَلَمَّا قَتَلُوهُ أَرَادُوا حَزَّ رَأْسِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شُهَيْدٍ، وكانت قد نذرت [على نفسها] [6] حِينَ أَصَابَ ابْنَهَا يَوْمَ أُحُدٍ لَئِنْ قَدَرَتْ عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لتشربن في
__________
211- ع علقه المصنف هاهنا، وإسناده إليهما في أول الكتاب. وانظر ما بعده.
212- ع لم أره بهذا السياق. وأصل الحديث محفوظ دون ذكر نزول الآيات، ودون بعض ألفاظه وقد أخرجه البخاري (3045 و3989) و (4086 و7402) وأبو داود (2660 و2661) والطيالسي 2597 وأحمد (2/ 294) و (295 و310- 311) وعبد الرزاق 9730 وابن حبان 7049 والبيهقي في «الدلائل» (3/ 323- 324) من طرق من حديث أبي هريرة بنحوه دون ذكر عجزه وهو خبر الزبير والمقداد بن عمرو.
وانظر هذا الخبر في «السيرة النبوية» لابن هشام (3/ 134- 146) .
(1) زيادة من المخطوط.
(2) في المطبوع «فتبعوهم» .
(3) زيادة من المخطوط.
(4) الفدفد: الفلاة والمكان الصلب الغليظ، والمرتفع، والأرض المستوية.
(5) في المخطوط «بهم» .
(6) زيادة من المخطوط. [.....](1/264)
قَحْفِهِ الْخَمْرَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ رِجْلًا مِنَ الدَّبْرِ وَهِيَ الزَّنَابِيرُ فَحَمَتْ عَاصِمًا فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَسُمِّيَ حَمِيَّ الدَّبْرِ فَقَالُوا: دَعُوهُ حَتَّى نمسي فتذهب عنه [الدبر] فَنَأْخُذَهُ، فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ سَوْدَاءُ وَأَمْطَرَتْ مَطَرًا كَالْعَزَالِي [1] فَبَعَثَ اللَّهُ الْوَادِيَ غديرا فاحتمل عاصما فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَحَمَلَ خَمْسِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى النَّارِ، وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللَّهَ تَعَالَى عَهْدًا أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا، فكان عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ الدّبر منعته: عَجَبًا لَحِفْظِ اللَّهِ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ، كَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسَّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسَّ مُشْرِكًا أَبَدًا فَمَنَعَهُ اللَّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ عَاصِمٌ فِي حَيَاتِهِ، وَأَسَرَ الْمُشْرِكُونَ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ وَزَيْدَ بْنَ الدَّثِنَةِ فَذَهَبُوا بِهِمَا إِلَى مَكَّةَ، فَأَمَّا خُبَيْبٌ فَابْتَاعَهُ بَنُو الْحَارِثِ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ لِيَقْتُلُوهُ بِأَبِيهِمْ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ الَّذِي قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا، حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ فَاسْتَعَارَ مِنْ بعض بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى لِيَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ، فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ فَمَا رَاعَ الْمَرْأَةَ إِلَّا خُبَيْبٌ قَدْ أَجْلَسَ الصَّبِيَّ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، فَصَاحَتِ الْمَرْأَةُ، فَقَالَ خُبَيْبٌ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ إِنَّ الْغَدْرَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِنَا، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدُ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قُطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ بِالْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ إِنْ كَانَ إِلَّا رِزْقًا رَزَقَهُ اللَّهَ خُبَيْبًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ خرجوا به مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ وَأَرَادُوا أَنْ يَصْلِبُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ، فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلَاةَ، فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: لَوْلَا أَنْ يَحْسَبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ، اللَّهُمَّ احْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ فِي اللَّهِ مَصْرَعِي [2]
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ [3] مُمَزَّعِ
فَصَلَبُوهُ حَيًّا فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ حَوْلِي يُبَلِّغُ سَلَامِي رَسُولَكَ فَأَبْلِغْهُ سَلَامِي، ثُمَّ قَامَ أَبُو سِرْوَعَةَ [4] عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ، وَيُقَالُ: كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُقَالُ لَهُ سَلَامَانُ أَبُو مَيْسَرَةَ مَعَهُ رُمْحٌ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثديّ خُبَيْبٍ فَقَالَ لَهُ خُبَيْبٌ: اتَّقِ اللَّهَ فَمَا زَادَهُ ذَلِكَ إِلَّا عتوا فطعنه فأنفذه [من ظهره] [5] ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، يَعْنِي: سَلَامَانَ، وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَبَعَثَهُ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُسَمَّى نِسْطَاسَ إِلَى التَّنْعِيمِ ليقتله بأبيه، واجتمع [معه] رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ:
أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا عِنْدَنَا الْآنَ بِمَكَانِكَ نضرب عنقه، وأنت فِي أَهْلِكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْآنَ فِي مَكَانِهِ الذي هو فيه تصيبه شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا يُحِبُّ أَحَدًا كَحُبِّ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا، ثم قتله نسطاس، فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْخَبَرُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «أَيُّكُمْ يُنْزِلُ خُبَيْبًا عَنْ خَشَبَتِهِ وَلَهُ الْجَنَّةُ» ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَصَاحِبِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ، فَخَرَجَا يَمْشِيَانِ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنَانِ بِالنَّهَارِ، حَتَّى أَتَيَا التَّنْعِيمَ لَيْلًا وَإِذَا حَوْلَ الْخَشَبَةِ أربعون رجلا من المشركين نيام نَشَاوَى، فَأَنْزَلَاهُ فَإِذَا هُوَ رَطْبٌ يَنْثَنِي لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ شَيْءٌ بعد أربعين يوما
__________
(1) العزالي: مصب الماء من الرواية وغيرها.
(2) في المخطوط «مضجعي» .
(3) الشلو: العضو، والجسد من كل شيء، وكل مسلوخ أكل منه شيء وبقيت منه بقية.
(4) في المطبوع «سرعة» وفي المخطوط «مشروعة» والمثبت عن- ط-.
(5) زيادة من المخطوط.(1/265)
وَيَدُهُ عَلَى جِرَاحَتِهِ وَهِيَ تَبِضُّ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ، فَحَمَلَهُ الزُّبَيْرُ عَلَى فَرَسِهِ وَسَارَا، فَانْتَبَهَ الْكُفَّارُ وَقَدْ فَقَدُوا خُبَيْبًا فَأَخْبَرُوا قُرَيْشًا فَرَكِبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ فَلَمَّا لَحِقُوهُمَا قَذَفَ الزُّبَيْرُ خُبَيْبًا فَابْتَلَعَتْهُ الْأَرْضُ، فَسُمِّيَ بَلِيعَ الْأَرْضِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: مَا جَرَّأَكُمْ عَلَيْنَا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، ثُمَّ رَفَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ وَقَالَ: أَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَأُمِّي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمَطَّلِبِ، وَصَاحِبِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَسَدَانِ رابضان يدفعان عن سبيلهما [1] ، فَإِنْ شِئْتُمْ نَاضَلْتُكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ نَازَلْتُكُمْ، وَإِنْ شِئْتُمُ انْصَرَفْتُمْ، فَانْصَرَفُوا إِلَى مَكَّةَ وَقَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِبْرِيلُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إن الملائكة لتباهي بهذين [الرجلين] مِنْ أَصْحَابِكَ فَنَزَلَ فِي الزُّبَيْرِ وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، حين شريا أنفسهما بإنزال خبيب عن خشبته.
ع «213» وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: نَزَلَتْ فِي صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ، حِينَ أَخَذَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي رَهْطٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَعَذَّبُوهُمْ فَقَالَ لَهُمْ صُهَيْبٌ: إِنِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَضُرُّكُمْ أَمِنْكُمْ كُنْتُ أَمْ مَنْ غَيْرِكُمْ، فَهَلْ لَكَمَ أَنْ تَأْخُذُوا مَالِي وَتَذَرُونِي وَدِينِي فَفَعَلُوا، وَكَانَ شَرَطَ عَلَيْهِمْ رَاحِلَةً وَنَفَقَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَتَلَقَّاهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمْرُ فِي رِجَالٍ، فَقَالَ لَهُ أبو بكر: ربح بيعك أَبَا يَحْيَى، فَقَالَ لَهُ صُهَيْبٌ: وبيعك فلا تخسر [2] ، قَالَ صُهَيْبٌ: مَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: أنزل الله فيك، وقرأ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَطَاءٌ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ مُهَاجِرًا نَحْوَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَنَثَلَ ما فِي كِنَانَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَقَدْ عَلِمْتُمْ إِنِّي لَمِنْ أَرْمَاكُمْ رَجُلًا، وَاللَّهِ لَا أَضَعُ سَهْمًا مِمَّا فِي كِنَانَتِي إِلَّا فِي قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ لَا تَصِلُونَ إِلَيَّ حتى أرمي بكل سهم من كنانتي [رجلا منكم] [3] ثُمَّ أَضْرِبَ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدِي، ثُمَّ افْعَلُوا مَا شئتم [بي] ، وَإِنْ شِئْتُمْ دَلَلْتُكُمْ عَلَى مَالِي بِمَكَّةَ وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي، قَالُوا: نَعَمْ، ففعل ذلك، فأنزل الله [فيه] هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: أَتَدْرُونَ فيم [4] نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ نَزَلَتْ فِي الْمُسْلِمِ يَلْقَى الْكَافِرَ، فَيَقُولُ لَهُ: قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَأْبَى أَنْ يَقُولَهَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُ: وَاللَّهِ لَأَشْرِيَنَّ نَفْسِي لِلَّهِ، فَتَقَدَّمَ فَقَاتَلَ وَحْدَهُ حَتَّى قُتِلَ.
وَقِيلَ: نَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَى مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابتغاء مرضات اللَّهِ يَقُومُ فَيَأْمُرُ هَذَا بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ وَأَخَذَتْهُ العزة بالإثم، قال: [هذا] [5] وأنا أشري نفسي فَقَاتَلَهُ فَاقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ لِذَلِكَ، وَكَانَ عَلِيٌّ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ يقول: اقتتلا وربّ الكعبة، وقال أبو الخليل: سمع عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنْسَانًا يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، فَقَالَ عُمْرُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَامَ رَجُلٌ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فقتل.
__________
213- ع أخرجه الطبري 4005 عن الربيع مرسلا بهذا الخبر دون ذكر اسم صهيب.
- وفي الباب من حديث أنس أخرجه الحاكم (3/ 398) وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وفيه «قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم: ربح البيع أبا يحيى» .
- وورد عن ابن المسيب عن صهيب أخرجه الحاكم (3/ 400) وصححه وسكت عليه الذهبي، وفيه من لم يسم، ومع ذلك ورد من وجوه أخرى يتأيد بها ويعلم أن له أصلا. وانظر «تفسير الشوكاني» 323 و «الكشاف» 114 للزمخشري بتخريجي.
(1) في المطبوع «يدافعان عن شبليهما» .
(2) في المطبوع «فلا تتحسر» .
(3) زيادة عن المخطوط.
(4) في المطبوع «فيمن» .
(5) زيادة عن المخطوط والطبري (4002) .(1/266)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)
«214» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ [أَبِي] [1] شُرَيْحٍ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ أَخْبَرَنَا علي بن الجعد، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ مَنْ قَالَ كَلِمَةَ حق عند سلطان جائر» .
[سورة البقرة (2) : الآيات 208 الى 209]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَالْكِسَائِيُّ السِّلْمِ هَاهُنَا بِفَتْحِ السِّينِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَفِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ] [2] بِالْكَسْرِ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَالْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ، وَفِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَسْرِ، حَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ.
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ النَّضِيرِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ السَّبْتَ ويكرهون لحمات [3] الإبل وألبانها بعد ما أَسْلَمُوا وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ التَّوْرَاةَ كِتَابُ اللَّهِ فَدَعْنَا فَلْنَقُمْ بِهَا فِي صَلَاتِنَا بِاللَّيْلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً، أَيْ: فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَعْمَالِهِمْ كَافَّةً أَيْ جَمِيعًا، وَقِيلَ:
ادْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ إِلَى مُنْتَهَى شَرَائِعِهِ كَافِّينَ عَنِ الْمُجَاوَزَةِ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَصْلُ السِّلْمِ [4] مِنَ الِاسْتِسْلَامِ [5] وَالِانْقِيَادِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِلصُّلْحِ: سِلْمٌ.
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الْإِسْلَامُ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ، فَعَدَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْحَجَّ
__________
214- حديث حسن صحيح. إسناده لين لأجل أبي غالب، واسمه حزور وثقه جماعة وضعفه آخرون. وباقي الأسناد ثقات، حماد بن سلمة من رجال مسلم، وعلي بن الجعد من رجال البخاري.
وهو في «شرح السنة» 2467 بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن ماجه 4012 وأحمد (5/ 251- 256) والطبراني في «الكبير» (8080 و8081) وابن عدي في «الكامل» (2/ 455) والبيهقي في «الشعب» 7581 والقضاعي في «مسند الشهاب» 1288 من طرق عن حماد بن سلمة به.
- وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو داود 4344 والترمذي 2265 وابن ماجه 4011 وفيه عطية العوفي ضعيف، قد حسنه الترمذي واستغربه.
- وقد توبع العوفي فقد أخرجه الحميدي 752 وأحمد (3/ 19- 61) والحاكم (4/ 505- 506) من طريق عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي نضرة عن أبي سعيد.
وعلي هذا غير قوي، لكن يقوي ما قبله، ولذا سكت الحاكم عليه، فقال الذهبي: قلت: علي بن زيد صالح الحديث اهـ.
- وله شاهد آخر من حديث جابر أخرجه الحاكم (2/ 120) وفيه: «سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر، فأمره ونهاه، فقتله» وقال الحاكم: صحيح. وتعقبه الذهبي بقوله: الصفار لا يدري من هو اهـ. ومع ذلك فهو يشهد لما قبله وللحديث شواهد أخرى. انظر «مجمع الزوائد» (7/ 272) .
- وله شاهد آخر من مرسل طارق بن شهاب أخرجه البيهقي 7582 وقال: وهذا شاهد مرسل جيد اهـ. فالحديث بهذه الشواهد يرقى إلى درجة الحسن الصحيح.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(2) زيادة عن نسخة- ط. [.....]
(3) في المطبوع وحده «لحوم» .
(4) في المخطوط «الإسلام» .
(5) في المطبوع وحده «الإسلام» .(1/267)
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)
وَالْعُمْرَةَ وَالْجِهَادَ وَالْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَقَالَ: قَدْ خَابَ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ، وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ، أَيْ: آثَارَهُ فِيمَا زَيَّنَ لَكُمْ مِنْ تَحْرِيمِ السَّبْتِ وَلُحُومِ الْإِبِلِ وَغَيْرِهِ، إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، «215» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ]
أَخْبَرَنَا مُجَالِدٌ [2] عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَتَاهُ عُمْرُ فَقَالَ: إِنَّا نَسْمَعُ أَحَادِيثَ مِنْ يهود تعجبنا أَفَتَرَى أَنْ نَكْتُبَ بَعْضَهَا؟
فَقَالَ: «أَمُتَهَوِّكُونَ أَنْتُمْ كَمَا تَهَوَّكَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي» .
فَإِنْ زَلَلْتُمْ: ضَلَلْتُمْ، وَقِيلَ: مِلْتُمْ، يُقَالُ: زَلَّتْ قَدَمُهُ تَزِلُّ زَلَّا وَزَلَلًا إِذَا دَحَضَتْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي الشِّرْكَ، قَالَ قَتَادَةُ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ سَيَزِلُّ زَالُّونَ مِنَ النَّاسِ، فَتَقَدَّمَ [3] فِي ذَلِكَ وَأَوْعَدَ فِيهِ لِيَكُونَ [لَهُ بِهِ] [4] الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ، أَيِ: الدَّلَالَاتُ الْوَاضِحَاتُ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ: فِي نِقْمَتِهِ، حَكِيمٌ: فِي أَمْرِهِ، فَالْعَزِيزُ: هُوَ الْغَالِبُ الَّذِي لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، وَالْحَكِيمُ: ذُو الْإِصَابَةِ فِي الْأَمْرِ.
[سورة البقرة (2) : الآيات 210 الى 211]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (211)
__________
215- متن حسن. إسناده لين إلى الضعف أقرب لأجل مجالد بن سعيد فإنه غير قوي، وباقي رجال الإسناد ثقات مشاهير.
هشيم هو ابن بشير والشعبي هو عامر بن شراحيل.
- وهو في «شرح السنة» 126 بهذا الإسناد غير أنه قد تحرف فيه «هشيم» إلى «هشام» .
- وأخرجه أحمد (3/ 387) والدارمي (1/ 115) ج 441 وابن أبي عاصم في «السنة» 50 وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (2/ 42) والبزار 124 «كشف» من طرق عن مُجَالِدٌ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ به، ومداره على مجالد بن سعيد، وهو غير قوي وهو إلى الضعف أقرب.
وقال الحافظ في «الفتح» (13/ 284) : رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا اهـ.
- وقد توبع على أصل الحديث.
- فقد ورد بمعناه مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثابت أخرجه أحمد (4/ 265) وابن الضريس في «فضائل القرآن» 90 والطبراني كما في «المجمع» (1/ 173) ح 806 والبيهقي في «الشعب» 5201 ومداره على جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، واتهمه أبو حنيفة.
- وورد من حديث عمر أخرجه أبو يعلى كما في «المجمع» (1/ 173) ح 805 والبيهقي في «الشعب» 5203 من حديث عمر وأعله الهيثمي بعبد الرحمن بن إسحاق، وأنه ضعيف، وتابعه يوسف بن خالد السمتي عند البيهقي لكنه متروك متهم، واكتفى البيهقي بقوله: غيره أوثق منه.
- وورد عن الزهري مرسلا عند البيهقي 5205 ومراسيل الزهري واهية، لأنه حافظ ثبت لا يرسل إلا لعلة.
- وورد عن الحسن مرسلا أخرجه ابن الضريس 89 والمرسل من قسم الضعيف- ومن مرسل أبي قلابة أخرجه البيهقي 5202 فالحديث بهذه الشواهد يرقى إلى درجة الحسن.
وانظر «تفسير الشوكاني» (1891 و1892) و (1893 و1894) و «أحكام القرآن» لابن العربي 26 بتخريجي والله الموفق.
(1) وقع في الأصل «هاشم» والتصويب من «الأنوار» 1235 وكتب التراجم و «ط» .
(2) وقع في الأصل «مخلد» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» .
(3) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «وقدم» .
(4) في المطبوع «لديه» وفي المخطوط «به» والمثبت عن- ط.(1/268)
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ، أَيْ: هل ينتظر [1] التَّارِكُونَ الدُّخُولَ فِي السِّلْمِ وَالْمُتَّبِعُونَ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ، يُقَالُ: نَظَرْتُهُ وَانْتَظَرْتُهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ النَّظَرُ مقرونا [2] بِذِكْرِ الْوَجْهِ أَوْ إِلَى لَمْ يَكُنْ إِلَّا بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ، إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ، جمع ظلة، مِنَ الْغَمامِ، وهو السَّحَابِ الْأَبْيَضِ الرَّقِيقِ سُمِّيَ غَمَامًا لِأَنَّهُ يَغُمُّ، أَيْ يَسْتُرُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ غَيْرُ السَّحَابِ، وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تيههم، وقال مقاتل: كهيئة الضبابة أَبْيَضُ، قَالَ الْحَسَنُ: فِي سُتْرَةٍ مِنَ الْغَمَامِ، فَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ [3] أَهْلُ الْأَرْضِ، وَالْمَلائِكَةُ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِالْخَفْضِ عَطْفًا عَلَى الْغَمَامِ، تَقْدِيرُهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: أَقْبَلَ الْأَمِيرُ فِي الْعَسْكَرِ، أَيْ: مع العسكر، وقرأ الباقون الرفع عَلَى مَعْنَى إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ، وَالْأَوْلَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا شَاكَلَهَا أَنْ يُؤْمِنَ الْإِنْسَانُ بِظَاهِرِهَا وَيَكِلَ عِلْمَهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ اسمه منزّه عن سمات الحدوث [4] ، عَلَى ذَلِكَ مَضَتْ أَئِمَّةُ السَّلَفِ وَعُلَمَاءُ السُّنَّةِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ:
هَذَا من [العلم] [5] المكتوم الذي لا يفسر [والله أعلم بمراده منه] [6] ، وَكَانَ مَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، يَقُولُونَ فيه وفي أمثاله: أَمِرُّوهَا [7] كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ، قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: كُلُّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ فَتَفْسِيرُهُ: قِرَاءَتُهُ وَالسُّكُوتُ عنه [8] ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ [9] ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُضِيَ الْأَمْرُ، أَيْ:
وَجَبَ الْعَذَابُ وَفُرِغَ مِنَ الْحِسَابِ، وَذَلِكَ فَصْلُ اللَّهِ الْقَضَاءُ بِالْحَقِّ بَيْنَ الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ، قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وفتح الجيم.
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ، أَيْ: سَلْ يَا مُحَمَّدُ يَهُودَ الْمَدِينَةِ: كَمْ آتَيْناهُمْ: أَعْطَيْنَا آبَاءَهُمْ وأسلافهم، مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ، [قرأ أهل الحجاز وقتيبة بتشديد الياء والباء، والباقون بتشديد الياء] [10] ، دَلَالَةٍ وَاضِحَةٍ عَلَى نُبُوَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِثْلَ الْعَصَا وَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَغَيْرِهَا، وَقِيلَ: معناه الدلالات التي آتاهم الله فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ يُبَدِّلْ، يعني: يُغَيِّرْ نِعْمَةَ اللَّهِ: كِتَابَ اللَّهِ، وَقِيلَ: عَهْدُ اللَّهُ، وَقِيلَ: مَنْ يُنْكِرُ الدَّلَالَةَ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ.
[سورة البقرة (2) : آية 212]
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212)
__________
(1) في المطبوع والمخطوط «ينتظرون» والمثبت عن- ط.
(2) زيد في نسخة- ط «بذكر الله أو» .
(3) في نسخ المطبوع «إليهم» .
(4) في المطبوع «الحدث» .
5 زيادة من المخطوط.
6 زيادة من المخطوط. [.....]
(7) في المطبوع «أمرها» .
(8) في المطبوع «عليه» .
(9) هذا هو مذهب سلف الأمة رضي الله عنهم، وهو الحق الذي لا مرية فيه، فعليك به، وإياك والأهواء والإحداث في الدين، نسأل الله عز وجل أن يهدينا سنن خير المرسلين.
(10) زيد في المطبوع وحده.(1/269)
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا، الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُزَيِّنَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالتَّزْيِينُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ:
أَنَّهُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ الْحَسَنَةَ وَالْمَنَاظِرَ الْعَجِيبَةَ، فَنَظَرَ الْخَلْقُ [إليها] [1] بأكثر من قدرها فأعجبهم حسنها فَفُتِنُوا بِهَا، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ، قِيلَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ، كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ بِمَا بَسَطَ اللَّهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَيُكَذِّبُونَ بِالْمَعَادِ، وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، أَيْ:
يَسْتَهْزِئُونَ بِالْفُقَرَاءِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالَّذِينِ آمَنُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَعَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَصُهَيْبًا وَبِلَالًا وَخَبَّابًا وَأَمْثَالَهُمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ فِي الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ ضُعَفَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَيَقُولُونَ: انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ [2] يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَغْلِبُ بِهِمْ، وَقَالَ عَطَاءٌ: نَزَلَتْ فِي رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ، سَخِرُوا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، فَوَعَدَهُمُ اللَّهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ أَمْوَالَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ بِغَيْرِ قِتَالٍ، وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا لِفَقْرِهِمْ، وَالَّذِينَ اتَّقَوْا، يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءَ، فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، لِأَنَّهُمْ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَهُمْ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ.
«216» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ [3] أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الدَّبَرِيُّ [4] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَقَفْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْمَسَاكِينَ، وَوَقَفْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ، وَإِذَا أَهْلُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَقَدْ أُمِرَ بِهِ إِلَى النَّارِ» .
«217» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا إبراهيم [5] بن حمزة، حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا» ؟
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شفع أن يشفع، [وإن قال يسمع
__________
216- إسناده صحيح. عبد الرزاق فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، ومن دونه توبعوا. معمر هو ابن راشد، سليمان هو ابن بلال. أبو عثمان هو عبد الرحمن بن ملّ.
- وهو في «شرح السنة» 3959 بهذا الإسناد.
- وهو في «مصنف عبد الرزاق» 20611 عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 5196 و6547 ومسلم 2736 والنسائي في «الكبرى» 9265 وأحمد (5/ 205 و209 و210) والطبراني في (الكبير) 421 والخطيب في «تاريخه» 5/ 149 من طرق عن أبي عثمان النهدي به.
217- إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن إبراهيم، أبو حازم اسمه سلمة بن دينار.
هو في «شرح السنة» 3963 بهذا الإسناد لكن سقط عنده شيخ البخاري إبراهيم بن حمزة.
وأخرجه البخاري (5091 و6447) وابن ماجه 4120 والطبراني 5883 والبيهقي في «الشعب» 10481 من طرق عن ابن أبي حازم به.
(1) زيادة من المخطوط.
(2) في المطبوع وحده «الذي» .
(3) وقع في الأصل «البزار» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» .
(4) وقع في الأصل «الديري» والتصويب عن «شرح السنة» و «ط» .
(5) وقع في المطبوع «إسحاق» وهو سبق قلم، والمثبت عن صحيح البخاري 5091.(1/270)
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
لقوله] [1] ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ [آخَرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [2] : «مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا» ؟
فَقَالَ: يا رسول الله هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا» .
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ، [قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ] [3] : يَعْنِي كَثِيرًا بِغَيْرِ مِقْدَارٍ، لِأَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْحِسَابُ فَهُوَ قَلِيلٌ، يُرِيدُ يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَبْسُطُ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَبِعَةٍ يَرْزُقُهُ فِي الدُّنْيَا وَلَا يُحَاسِبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: هَذَا يَرْجِعُ إِلَى الله، مَعْنَاهُ: يُقَتِّرُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيَبْسُطُ لِمَنْ يَشَاءُ، وَلَا يُعْطِي كُلَّ [4] أَحَدٍ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ بَلْ يعطي الكثير لمن [5] لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلَا يُعْطِي الْقَلِيلَ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ وَلَا يُحَاسَبُ فِيمَا يَرْزُقُ، وَلَا يُقَالُ: لِمَ أَعْطَيْتَ هَذَا وَحَرَمْتَ هَذَا، وَلِمَ أَعْطَيْتَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَيْتَ ذَاكَ، [لا يسأل عما يفعل] [6] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَخَافُ نَفَادِ خَزَائِنِهِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى حِسَابِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا لِأَنَّ الْحِسَابَ مِنَ المعطي إنما يكون لما [7] يخاف من نفاد خزائنه، [والله تعالى خزائنه لا تنقص بكثرة الإنفاق] [8] .
[سورة البقرة (2) : آية 213]
كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)
قَوْلُهُ تَعَالَى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً: عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ آدَمَ وَحْدَهُ كَانَ أُمَّةً وَاحِدَةً، [قَالَ] [9] : سُمِّيَ الْوَاحِدُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ أَصْلُ النَّسْلِ وَأَبُو الْبَشَرِ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى منه حَوَّاءَ وَنَشَرَ مِنْهُمَا النَّاسَ فَانْتَشَرُوا، وَكَانُوا مُسْلِمِينَ إِلَى أَنْ قَتَلَ [قَابِيلُ] [10] هَابِيلَ فَاخْتَلَفُوا، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ، قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: كَانَ النَّاسُ مِنْ وَقْتِ وَفَاةِ آدَمَ إِلَى مَبْعَثِ نُوحٍ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَى مِلَّةِ الْكُفْرِ أَمْثَالَ الْبَهَائِمِ فَبَعَثَ اللَّهُ نُوحًا وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ: كَانَ النَّاسُ مِنْ وَقْتِ آدَمَ إِلَى مَبْعَثِ نُوحٍ، وَكَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ قُرُونٍ، كُلُّهُمْ عَلَى شَرِيعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْحَقِّ وَالْهُدَى، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي زَمَنِ نُوحٍ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ نُوحًا فَكَانَ أَوَّلَ نَبِيٍّ بُعِثَ، ثُمَّ بَعَثَ بَعْدَهُ النَّبِيِّينَ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ أَهْلُ سَفِينَةِ نُوحٍ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ وَفَاةِ نُوحٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمَّةً وَاحِدَةً كُفَّارًا كُلُّهُمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرَهُ مِنَ النَّبِيِّينَ، وَقِيلَ: كَانَ الْعَرَبُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَنْ غَيَّرَهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ حِينَ عُرِضُوا عَلَى آدَمَ وَأُخْرِجُوا مِنْ ظَهْرِهِ، وأقرّوا بالعبودية لله تعالى أُمَّةً وَاحِدَةً مُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا أُمَّةً وَاحِدَةً قَطُّ غَيْرَ [11] ذَلِكَ الْيَوْمِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ آدَمَ، نَظِيرُهُ فِي سُورَةِ يُونُسَ: وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا [12] [يونس: 19] ،
__________
(1) زيادة عن المخطوط وصحيح البخاري 5091.
(2) سقط من المطبوع.
(3) زيادة عن المخطوط ونسخة- ط. [.....]
(4) في المطبوع وحده «لكل» .
(5) في المطبوع «من» .
(6) زيادة عن المخطوط.
(7) في المطبوع «بما» وفي نسخة- ط «لمن» .
(8) زيادة عن المخطوط.
(9) زيد في نسخ المطبوع، ولعله ليس من كلام مجاهد.
(10) زيادة من المخطوط وط.
(11) في المخطوط «من» .
(12) زيد في المخطوط وسائر النسخ في الآية «فبعث الله النبيّين» وهو سبق قلم من المصنف رحمه الله!.(1/271)
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
وَجُمْلَتُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَالرُّسُلُ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالْمَذْكُورُونَ فِي الْقُرْآنِ بِاسْمِ الْعَلَمِ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ نَبِيًّا، مُبَشِّرِينَ: بِالثَّوَابِ مَنْ آمَنَ وَأَطَاعَ، وَمُنْذِرِينَ: مُحَذِّرِينَ بِالْعِقَابِ مَنْ كَفَرَ وَعَصَى، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ، أَيِ: الْكُتُبَ، تَقْدِيرُهُ: [وَأَنْزَلَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ] [1] الْكِتَابَ بِالْحَقِّ: بِالْعَدْلِ وَالصِّدْقِ، لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ لِيَحْكُمَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْكَافِ هَاهُنَا، وَفِي أَوَّلِ آلِ عِمْرَانَ وَفِي النُّورِ مَوْضِعَيْنِ، لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يَحْكُمُ فِي الْحَقِيقَةِ إنما يحكم بِهِ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ، أَيْ: لِيَحْكُمَ الْكِتَابُ، ذَكَرَهُ عَلَى سِعَةِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ [الْجَاثِيَةِ: 29] ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لِيَحْكُمَ كُلُّ نَبِيٍّ بِكِتَابِهِ، فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ، أَيْ: فِي الْكِتَابِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ، أَيْ: أُعْطُوا الْكِتَابَ، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ، يَعْنِي: أَحْكَامَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، قَالَ الْفِرَّاءُ: وَلِاخْتِلَافِهِمْ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا كُفْرُ بَعْضِهِمْ بِكِتَابِ بَعْضٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النِّسَاءِ: 150] ، وَالْآخَرُ: تَحْرِيفُهُمْ كِتَابَ اللَّهِ، قَالَ الله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ [النِّسَاءِ: 46] ، وَقِيلَ: الْآيَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِتَابُهُ، اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْكِتَابِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ، صِفَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُتُبِهِمْ، بَغْياً ظُلْمًا وَحَسَدًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، أي: إلى ما اخْتَلَفُوا فِيهِ، مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ فِيهِمْ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: اخْتَلَفُوا فِي الْقِبْلَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَشْرِقِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى الْمَغْرِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَهَدَانَا اللَّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي الصِّيَامِ [فمنهم من كان يصوم ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، ومنهم من يصوم يوم عاشوراء] [2] ، فَهَدَانَا اللَّهُ لِشَهْرِ رَمَضَانَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَيَّامِ، فَأَخَذَتِ الْيَهُودُ السَّبْتَ، وَالنَّصَارَى الْأَحَدَ، فَهَدَانَا اللَّهُ لِلْجُمُعَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَتِ الْيَهُودُ: كَانَ يَهُودِيًّا، وَقَالَتِ النَّصَارَى: كَانَ نَصْرَانِيًّا، فَهَدَانَا اللَّهُ لِلْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِيسَى فَجَعَلَتْهُ الْيَهُودُ لِفِرْيَةٍ [3] ، وَجَعَلَتْهُ النصارى إلها، فهدانا اللَّهُ لِلْحَقِّ فِيهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
[سورة البقرة (2) : آية 214]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ، قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ حِينَ أَصَابَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَشِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْبَرْدِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَأَنْوَاعِ الْأَذَى كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الْأَحْزَابِ: 10] ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي حَرْبِ أُحُدٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الْمَدِينَةَ، اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الضُّرُّ لِأَنَّهُمْ خَرَجُوا بِلَا مَالٍ وَتَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَآثَرُوا رِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَظْهَرَتِ الْيَهُودُ الْعَدَاوَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَسَرَّ قَوْمٌ النِّفَاقَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ أَمْ حَسِبْتُمْ، معناه: أَحَسِبْتُمْ وَالْمِيمُ صِلَةٌ قَالَهُ الْفَرَّاءُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: بَلْ حَسِبْتُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَظَنَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْ تدخلوا الجنّة، وَلَمَّا يَأْتِكُمْ، أي: ولم يَأْتِكُمْ وَمَا صِلَةٌ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا، شَبَّهَ الَّذِينَ مَضَوْا، مِنْ قَبْلِكُمْ: من النَّبِيِّينَ [4] وَالْمُؤْمِنِينَ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ:
الْفَقْرُ وَالشِّدَّةُ وَالْبَلَاءُ، وَالضَّرَّاءُ: الْمَرَضُ وَالزَّمَانَةُ، وَزُلْزِلُوا، أَيْ: حُرِّكُوا بِأَنْوَاعِ الْبَلَايَا والرزايا
__________
(1) العبارة في المخطوط [وأنزل لكل واحد الكتاب] .
(2) زيادة عن المخطوط، ويدل عليها سياق الطبري 4064 و «الدر المنثور» (1/ 436) .
(3) تصحف في المطبوع إلى «الفرية» .
(4) زيد في نسخ المطبوع.(1/272)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
وَخُوِّفُوا، حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ، مَا زَالَ الْبَلَاءُ بِهِمْ حَتَّى استبطؤوا النصر [من عند الله] [1] ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ، قَرَأَ نَافِعٌ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ بِالرَّفْعِ، مَعْنَاهُ: حَتَّى قَالَ الرَّسُولُ، وَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ الَّذِي يَلِي حَتَّى فِي مَعْنَى الْمَاضِيَ، وَلَفْظُهُ لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ، فلك فيه وجهان [2] :
الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، فَالنَّصْبُ عَلَى ظَاهِرِ الْكَلَامِ لِأَنَّ حَتَّى تَنْصِبُ الْفِعْلَ المستقبل، والرفع مَعْنَاهُ الْمَاضِي، وحَتَّى لَا تَعْمَلُ في الماضي.
[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 216]
يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ، ع «218» نَزَلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا ذَا مَالٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَاذَا [3] نَتَصَدَّقُ وَعَلَى مَنْ نُنْفِقُ؟ فَأَنْزَلَ الله تعالى: يَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ.
وَفِي قَوْلِهِ مَاذَا وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ يكون محله نصبا لقوله: يُنْفِقُونَ، تَقْدِيرُهُ: أَيَّ شَيْءٍ يُنْفِقُونَ، والآخر: أن يكون رفعا ب ما وَمَعْنَاهُ: مَا الَّذِي يُنْفِقُونَ؟ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ، أَيْ: مِنْ مَالٍ، فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ، يُجَازِيكُمْ بِهِ، قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ: كَانَ هَذَا قَبْلَ فَرْضِ الزَّكَاةِ فَنُسِخَتْ بِالزَّكَاةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ، أَيْ: فُرِضَ عَلَيْكُمُ الْجِهَادُ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ عَطَاءٌ: الْجِهَادُ تَطَوُّعٌ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى [النِّسَاءِ: 95] ، وَلَوْ كَانَ الْقَاعِدُ تاركا فرضا لم يكن بعده الْحُسْنَى، وَجَرَى بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَقَالَ: الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.
«219» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ الْخُوَارَزْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
__________
218- ع ضعيف. ذكره السيوطي في «أسباب النزول» 131 ونسبه لابن المنذر عن مقاتل بن حيان، وهذا معضل، ومقاتل ذو مناكير.
وذكره الواحدي في «أسبابه» 128 من رواية أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ معلقا، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس. وعنه الكلبي وهو متروك متهم، والخبر لا يصح. [.....]
219- حديث صحيح. عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ من رجال مسلم، ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هشام، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته، والحديث أورده المصنف في «شرح السنة» (5/ 523) تعليقا وأخرجه مسلم 1910 وأبو داود 2502 والنسائي (6/ 8) ، وأحمد (2/ 374) والبخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 2/ 192) وأبو عوانة في «صحيحه» (5/ 84) والحاكم (2/ 79) وابن أبي عاصم في «الجهاد» 43 وأبو نعيم في «الحلية» (8/ 60) والخطيب البغدادي في «الموضح» (2/ 443) والبيهقي في
(1) زيادة من المخطوط.
(2) في نسخ المطبوع «الوجهان» .
(3) في المخطوط «لماذا» وفي «الوسيط» (1/ 318) «ماذا» .(1/273)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ أُبَيٍّ الْفُرَاتِيُّ [1] ، [أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ] [2] ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عثمان العبدي عَنْ عُمَرَ [3] بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النِّفَاقِ» .
وَقَالَ قَوْمٌ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْجِهَادَ فُرِضَ عَلَى الْكِفَايَةِ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ، مِثْلُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَرَدِّ السَّلَامِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: كَتَبَ اللَّهُ الْجِهَادَ عَلَى النَّاسِ غَزْوًا أو قعدوا، فَمَنْ غَزَا فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ قَعَدَ فَهُوَ عُدَّةٌ إِنِ اسْتُعِينَ بِهِ أَعَانَ وَإِنِ اسْتُنْفِرَ نَفَرَ، وَإِنِ اسْتُغْنِيَ عَنْهُ قَعَدَ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، أَيْ: شَاقٌّ عَلَيْكُمْ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: هَذَا الْكُرْهُ مِنْ حَيْثُ نُفُورُ الطَّبْعِ عَنْهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ مُؤْنَةِ الْمَالِ وَمَشَقَّةِ النَّفْسِ وَخَطَرِ الرُّوحِ، لَا أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: سَمِعْنا وَأَطَعْنا، يَعْنِي: أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ ثُمَّ أَحَبُّوهُ، فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لِأَنَّ فِي الْغَزْوِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا الظَّفَرُ وَالْغَنِيمَةُ وَإِمَّا الشَّهَادَةُ وَالْجَنَّةُ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً، يَعْنِي: الْقُعُودَ عَنِ الْغَزْوِ، وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ: لِمَا فِيهِ مِنْ فَوَاتِ الْغَنِيمَةِ وَالْأَجْرِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ،
[سورة البقرة (2) : الآيات 217 الى 218]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (217) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (218)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ؟
سبب نزول هذه الآية:
ع «220» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ وَهُوَ ابْنُ عَمَّةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْتِ أَبِيهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ، قَبْلَ قِتَالِ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيَّ وَعُكَاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيَّ وَعُتَبَةَ بْنَ غَزَوَانَ السُّلَمِيَّ وَأَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عتبة بن ربيعة وسهيل ابن بَيْضَاءَ وَعَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ وَوَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَخَالِدَ بْنَ بُكَيْرٍ، وَكَتَبَ لِأَمِيرِهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ كِتَابًا وَقَالَ لَهُ: «سِرْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَلَا تَنْظُرْ فِي الْكِتَابِ حَتَّى تَسِيرَ يَوْمَيْنِ، فَإِذَا نَزَلْتَ فَافْتَحِ الْكِتَابَ، وَاقْرَأْهُ عَلَى أَصْحَابِكَ، ثُمَّ امْضِ لِمَا أَمَرْتُكَ وَلَا تَسْتَكْرِهَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ عَلَى السَّيْرِ مَعَكَ» ، فَسَارَ عَبْدُ اللَّهِ يَوْمَيْنِ ثُمَّ نَزَلَ وَفَتَحَ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ بمن تبعك مِنْ أَصْحَابِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بَطْنَ [نَخْلَةَ] [4] فَتَرْصُدَ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ لعلك تأتينا منه بخبر» ، فَلَمَّا نَظَرَ فِي الْكِتَابِ قَالَ: سَمْعًا وَطَاعَةً، ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ ذَلِكَ، وَقَالَ إِنَّهُ نَهَانِي أَنْ أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الشَّهَادَةَ فَلْيَنْطَلِقْ [5] ، وَمِنْ كَرِهَ فَلْيَرْجِعْ، ثُمَّ مَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أحد حتى كان
__________
«الشعب» 4223 وفي «السنن» (9/ 48) من طرق عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المنكدر به.
(1) وقع في الأصل «القرالي» والتصويب من «ط» و «الأنساب» (4/ 353) .
(2) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من بعض النسخ.
(3) وقع في الأصل «عمرو» والتصويب من «ط» ومن مصادر التخريج.
(4) في المطبوع «مكة» .
(5) وقع في الأصل «فلينطق» وهو تصحيف والتصويب من سيرة ابن هشام.
220- ع هو في سيرة ابن هشام (2/ 184) بدون إسناد.
وكذا ذكره الواحدي في أسباب النزول 131 نقلا عن المفسرين وانظر «تفسير الطبري» 4087 و «سنن البيهقي» (9/ 11- 12) .(1/274)
بِمَعْدِنٍ فَوْقَ الْفَرْعِ بِمَوْضِعٍ مِنَ الْحِجَازِ يُقَالُ لَهُ بَحْرَانُ [1] ، أَضَلَّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا يَعْتَقِبَانِهِ فَتَخَلَّفَا فِي طَلَبِهِ، وَمَضَى بِبَقِيَّةِ أَصْحَابِهِ حَتَّى نَزَلُوا بَطْنَ نَخْلَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ مَرَّتْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا [2] وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ الطَّائِفِ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيَّانِ، فَلَمَّا رَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَابُوهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ: إِنَّ الْقَوْمَ قَدْ ذُعِرُوا مِنْكُمْ فَاحْلِقُوا رَأْسَ رَجُلٍ مِنْكُمْ وَلِيَتَعَرَّضْ لهم، فحلقوا رأس عكاشة ثم أشرف [3] عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: قَوْمَ عَمَّارٍ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ فَأَمَّنُوهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ جُمَادَى وَهُوَ مِنْ رَجَبٍ، فَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ وَقَالُوا:
[لَئِنْ] [4] تَرَكْتُمُوهُمُ اللَّيْلَةَ ليدخلن الحرم فليمتنعن مِنْكُمْ، فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ فِي مُوَاقَعَةِ [5] الْقَوْمِ فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّهْمِيُّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَتَلَهُ، فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ أَوَّلُ قَتِيلٍ فِي الْهِجْرَةِ، وَأَدَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى وَرَثَتِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّهُ كَانَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ عَهْدٌ، وَادَعَ أَهْلَ مَكَّةَ سَنَتَيْنِ أَنْ لَا يُقَاتِلَهُمْ وَلَا يُقَاتِلُوهُ وَاسْتَأْسَرَ الْحَكَمَ وَعُثْمَانَ فَكَانَا أَوَّلَ أَسِيرَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَفْلَتَ نَوْفَلٌ فَأَعْجَزَهُمْ وَاسْتَاقَ الْمُؤْمِنُونَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: قَدِ اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ فسفك فيه الدماء وأخذ [فيه] [6] الْحَرَائِبَ، وَعَيَّرَ بِذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ من كان بها مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الصُّبَاةِ اسْتَحْلَلْتُمُ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَقَاتَلْتُمْ فيه وبلغ [ذَلِكَ] [7] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِابْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ: «مَا أَمَرْتُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ» ، وَوَقَفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ السرية وظنوا أن قَدْ هَلَكُوا وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا قَتَلْنَا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ ثُمَّ أَمْسَيْنَا فَنَظَرْنَا إِلَى هِلَالِ رَجَبٍ فَلَا نَدْرِي أَفِي رَجَبٍ أَصَبْنَاهُ أَمْ فِي جُمَادَى، وَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ فَعَزَلَ مِنْهَا الْخُمْسَ فَكَانَ أَوَّلَ خُمْسٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَسَّمَ الْبَاقِيَ بَيْنَ أصحاب السرية فكان أَوَّلَ غَنِيمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَبَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ فِي فِدَاءِ أَسِيرَيْهِمْ، فقال: بل نقفهما [8] حتى يقدم سعد وعتبة [9] وَإِنْ لَمْ يَقْدَمَا قَتَلْنَاهُمَا بِهِمَا، فَلَمَّا قَدِمَا فَادَاهُمَا، فَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ وَأَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا، وَأَمَّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا، وَأَمَّا نَوْفَلٌ فَضَرَبَ بَطْنَ فَرَسِهِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لِيَدْخُلَ الْخَنْدَقَ فَوَقَعَ فِي الْخَنْدَقِ مَعَ فَرَسِهِ فَتَحَطَّمَا جَمِيعًا، فَقَتَلَهُ الله [تعالى] فَطَلَبَ الْمُشْرِكُونَ جِيفَتَهُ بِالثَّمَنِ، فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذُوهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ» ، فَهَذَا سَبَبُ نُزُولِ هذه الآية.
__________
(1) وقع في الأصل «نجران» وهو تصحيف.
(2) الأديم: الطعام المأدوم، والجلد، أو أحمره أو مدبوغه- وأدم الخبز: خلطه بالأدم.
(3) في المطبوع وحده. «أشرفوا» . [.....]
(4) في المطبوع «إن» .
(5) في المطبوع «موافقة» .
(6) زيادة من «أسباب النزول» للواحدي 131 وهو شيخ البغوي، وعنه أخذ البغوي الكثير.
(7) زيادة من المخطوط و «أسباب النزول» 131.
(8) في المطبوع «نبقيهما» وفي- ط «نقفهم» والمثبت عن «أسباب النزول» 131 (ص 72) .
(9) تصحف في المطبوع إلى «عقبة» .(1/275)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ؟ يَعْنِي: رَجَبًا، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِيهِ، قوله تعالى: قِتالٍ فِيهِ، أَيْ: عَنْ قِتَالٍ فِيهِ، قُلْ يَا مُحَمَّدُ: قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ: عَظِيمٌ، تَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا ثُمَّ ابْتَدَأَ، فَقَالَ: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وصدّكم الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَكُفْرٌ بِهِ، أَيْ: كُفْرُكُمْ بِاللَّهِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أي: بالمسجد الْحَرَامِ، وَقِيلَ: وَصَدُّكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ، أَيْ: إِخْرَاجُ أهل المسجد مِنْهُ أَكْبَرُ: أعظم وِزْرًا عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ، أَيِ: الشِّرْكُ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ، أي: أعظم مِنْ قَتْلِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ كَتَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ إِلَى مُؤْمِنِي مَكَّةَ: إِذَا عَيَّرَكُمُ الْمُشْرِكُونَ بِالْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ فَعَيِّرُوهُمْ أَنْتُمْ بِالْكُفْرِ وَإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ وَمَنْعِهِمُ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَلا يَزالُونَ، يَعْنِي:
مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَهُوَ فِعْلٌ لَا مَصْدَرَ لَهُ مِثْلُ عَسَى، يُقاتِلُونَكُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى يَرُدُّوكُمْ:
يَصْرِفُوكُمْ، عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ، جَزْمٌ بِالنَّسَقِ، وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ: بَطَلَتْ أَعْمالُهُمْ: حَسَنَاتُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ، قَالَ أَصْحَابُ السَّرِيَّةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نُؤْجَرُ عَلَى وَجْهِنَا هَذَا وَهَلْ نَطْمَعُ أَنْ يَكُونَ سَفَرُنَا هَذَا غَزْوًا؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا، فَارَقُوا عَشَائِرَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَجاهَدُوا، الْمُشْرِكِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، [في] [1] طاعة الله فَجَعَلَهَا جِهَادًا، أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ، أَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَلَى رَجَاءِ الرحمة، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة البقرة (2) : آية 219]
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، الآية ع «221» نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ومعاذ بن جبل وَنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَإِنَّهُمَا مَذْهَبَةٌ لِلْعَقْلِ مَسْلَبَةٌ لِلْمَالِ، فَأَنْزَلَ الله هذه الآية.
ع «222» وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى مَا قَالَ [2] الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعَ آيات نزلت
__________
221- ع ذكره الواحدي في «أسبابه» 132 بهذا السياق بدون إسناد، وانظر ما يأتي.
222- ع هو منتزع من عدة أحاديث.
الأول: أخرجه الطبري 4149 عن الشعبي قال: نزلت في الخمر أربع آيات: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ فتركوها، ثم نزلت: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً [النحل: 67- فشربوها ثم نزلت الآيتان في المائدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.
(1) زيادة عن المخطوط.
(2) في المطبوع «قاله» .(1/276)
بِمَكَّةَ، وَهِيَ: وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً [النَّحْلِ: 67] ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا وَهِيَ لَهُمْ حَلَالٌ يَوْمَئِذٍ، ثُمَّ نَزَلَتْ فِي مَسْأَلَةِ عُمْرَ وَمُعَاذِ بْنِ جبل: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَقَدَّمَ [1] فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ» ، فَتَرَكَهَا قَوْمٌ لِقَوْلِهِ: إِثْمٌ كَبِيرٌ، وَشَرِبَهَا أقوام لِقَوْلِهِ: وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، إِلَى أَنْ صَنَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ طَعَامًا فَدَعَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُمْ بِخَمْرٍ فَشَرِبُوا وَسَكِرُوا وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ، فَقَدَّمُوا بَعْضَهُمْ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَقَرَأَ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ هَكَذَا إِلَى آخِرِ السُّورَةِ بِحَذْفِ لَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النِّسَاءِ: 43] ، فَحَرَّمَ السُّكْرَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكَهَا قَوْمٌ وَقَالُوا: لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَتَرَكَهَا قَوْمٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَشَرِبُوهَا فِي غَيْرِ حِينِ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ يَشْرَبُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَيُصْبِحُ وَقَدْ زَالَ عَنْهُ السُّكْرُ، وَيَشْرَبُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَيَصْحُو إِذَا جَاءَ وَقْتُ الظُّهْرِ، وَاتَّخَذَ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ صَنِيعًا وَدَعَا رِجَالًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَكَانَ قَدْ شَوَى لَهُمْ رَأْسَ بَعِيرٍ فَأَكَلُوا مِنْهُ وَشَرِبُوا الْخَمْرَ حَتَّى أَخَذَتْ مِنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمُ افْتَخَرُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَانْتَسَبُوا وَتَنَاشَدُوا الْأَشْعَارَ، فَأَنْشَدَ سَعْدٌ قَصِيدَةً فِيهَا هِجَاءٌ لِلْأَنْصَارِ، وَفَخْرٌ لِقَوْمِهِ فَأَخَذَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لحى بعير فَضَرَبَ بِهِ رَأْسَ سَعْدٍ فَشَجَّهُ موضحة فانطلق به سَعْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَكَا إِلَيْهِ الْأَنْصَارِيَّ، فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لنا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِلَى قَوْلِهِ: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:
91] ، وَذَلِكَ بَعْدَ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ بِأَيَّامٍ، فَقَالَ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انْتَهَيْنَا يَا رَبِّ.
قَالَ أَنَسٌ: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ لِلْعَرَبِ عَيْشٌ أَعْجَبَ مِنْهَا، وَمَا حرم عليهم شيء أَشَدَّ مِنَ الْخَمْرِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لمّا نزلت الآية التي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ فخرجنا بالحباب [2] إلى الطريق فمنّا من كسر حبّه، وَمِنَّا مَنْ غَسَلَهُ بِالْمَاءِ وَالطِّينِ، وَلَقَدْ غُودِرَتْ أَزِقَّةُ الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذلك حينا، كلما [3] مُطِرَتِ اسْتَبَانَ فِيهَا لَوْنُ الْخَمْرِ وفاحت منها ريحها.
وعن أنس رضي الله عنه: سمّيت الخمر خَمْرًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَدَعُونَهَا فِي الدِّنَانِ [4] حَتَّى تَخْتَمِرَ وَتَتَغَيَّرَ، وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى صفا صفوها [5] ورسب كدرها.
22»
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف
__________
الثاني: أخرجه الطبري 4154 عن الربيع قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ قَالَ: لَمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: إن ربكم يقدم في تحريم الخمر. قال ثم نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «إن ربكم يقدم في تحريم الخمر» . قال: ثم نزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة: 90- فحرمت الخمر عند ذلك.
وورد من وجوه أخر يأتي في سورة [النساء: 43- و [المائدة: 90-.
223- إسناده على شرطهما، ابن عليّة، هو إسماعيل بن إبراهيم، وهو في صحيح البخاري 4617 عن يعقوب بن إبراهيم بهذا الإسناد.
(1) كذا في نسخ المطبوع، وفي المخطوط «يقدم» .
(2) الحب: الخابية- فارسي معرب. [.....]
(3) في نسخ المطبوع «فلما» .
(4) في المطبوع «الدندان» .
(5) في المطبوع وحده «لونها» .(1/277)
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ [1] قَالَ:
قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ:
مَا كَانَ لَنَا خمر غير [هذا الذي تسمونه الفضيخ] [2] ، وَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلَانًا وَفُلَانًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فقال: [وهل بلغكم الخبر؟ فقالوا: وما ذاك؟ قال:] [3] حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، فَقَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا [4] عَنْهَا وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خبر الرجل.
واختلف العلماء فِي مَاهِيَّةِ الْخَمْرِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ أَوِ الرُّطَبِ الَّذِي اشْتَدَّ وَغَلًا مِنْ غَيْرِ عَمَلِ النَّارِ فِيهِ، وَاتَّفَقَتِ الْأَئِمَّةُ على أن هذه الخمر نجس يحدّ شاربها وَيَفْسُقُ، وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا، وَذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَتَعَدَّى هَذَا، وَلَا يَحْرُمُ مَا يُتَّخَذُ مِنْ غيرها كَالْمُتَّخَذِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ والعسل والفانيذ، إِلَّا أَنْ يُسْكَرَ مِنْهُ فَيَحْرُمُ، وَقَالُوا: إِذَا طُبِخَ عَصِيرُ الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ حَتَّى ذَهَبَ نِصْفُهُ فَهُوَ حلال، لكنه يُكْرَهُ، وَإِنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ قَالُوا: هُوَ حَلَالٌ مُبَاحٌ شُرْبُهُ، إِلَّا أَنَّ السُّكْرَ مِنْهُ حرام، ويحتجّون بما رُوِيَ عَنْ [5] عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ [أنه] [6] كتب إلى بعض عماله [و] أَنِ ارْزُقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ، وَرَأَى أَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ شُرْبَ الطِّلَاءِ عَلَى الثُّلُثِ، وَقَالَ قَوْمٌ: إِذَا طُبِخَ الْعَصِيرُ أَدْنَى طَبْخٍ صَارَ حَلَالًا وَهُوَ قَوْلُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ كُلَّ شَرَابٍ أسكر كثيره فهو خمر وقليله حَرَامٌ يُحَدُّ شَارِبُهُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«224» أخبرنا أبو الحسن السرخسي [حدثنا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ] [7] أَخْبَرَنَا أَبُو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو
__________
- وأخرجه مسلم (1980) ح 4 من طريق ابن علية به.
- وأخرجه البخاري (5580 و5583 و5584) ومسلم (1980) وأبو داود 1673 والنسائي (8/ 287) والحميدي 1210 وأحمد (3/ 217 و227) وعبد الرزاق 16970 والطحاوي في «المعاني» (4/ 214) . وأبو يعلى (3008) والبيهقي (8/ 286) و290 من طرق من حديث أنس.
(1) وقع في الأصل «سهيب» والتصويب من كتب التراجم وكتب التخريج.
(2) ما بين المعقوفتين زيادة عن صحيح البخاري ومسلم.
- والفضيخ: شراب يتخذ من البسر.
(3) ما بين المعقوفتين زيادة عن صحيح البخاري ومسلم.
(4) وقع في الأصل «سألوها» والتصويب عن صحيح البخاري.
(5) في المطبوع «أن» .
(6) سقط من المطبوع.
(7) سقط من المطبوع.
224- إسناده صحيح رجاله رجال البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هو ابن عوف.
وهو في «شرح السنة» 2902 بهذا الإسناد.
وفي «الموطأ» (2/ 845) عن ابن شهاب بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري 5585 ومسلم (2001) ح 67 وأبو داود 3682 والترمذي 1863 والنسائي (8/ 298) وأحمد (6/ 190) والدارمي (2/ 113) وابن حبان 5345 والدارقطني (4/ 251) والطحاوي (4/ 216) والبيهقي (8/ 291) .
- وأخرجه البخاري (242 و5586) ومسلم (2001) ح 69 وأبو داود 3682 والنسائي (8/ 297) وابن ماجه 3386 والطيالسي 1478 وعبد الرزاق 17002 والشافعي (2/ 92) وأحمد (6/ 36 و96 و225) وابن أبي شيبة (8/ 100-(1/278)
مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ:
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِتْعِ [1] ، فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» .
«225» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [2] مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» .
«226» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ القاهر [3] الجرجاني أبا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ [4] ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الْعَتَكِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ [خمر وكل خمر] [5] حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدنيا فمات وهو يدمنها [و] لم يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ» .
«227» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
__________
101) . وابن الجارود 855 والدارقطني (4/ 251) والطحاوي (4/ 216) والبيهقي (1/ 8) و (8/ 291) و (293) والبغوي 3003 من طرق عن الزهري بهذا الإسناد.
225- حديث صحيح. إسناده حسن لأجل داود بن أبي الفرات، ولم ينفرد به، وباقي الإسناد رجاله ثقات.
وهو في «شرح السنة» 2904 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 3681 والترمذي 1865 وابن ماجه 3393 وأحمد (3/ 343) وابن الجارود 860 والطحاوي (4/ 217) والبيهقي (8/ 296) من طرق عن داود بن بكر بهذا الإسناد وتابعه موسى بن عقبة عند ابن حبان 5382، ورجاله ثقات إلى موسى، وموسى من رجال الشيخين، وللحديث شواهد. [.....]
(1) البتع: نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه.
(2) زيد في الأصل «بن» بين «عبد الله» و «محمد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(3) وقع في الأصل «عبد القادر» والتصويب عن «شرح السنة» وبعض النسخ.
(4) زيد في الأصل «أبي» بين «بن» و «سفيان» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» .
(5) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
226- إسناده على شرطهما، مسلم هو صاحب الصحيح، ومن دونه توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو الربيع هو سليمان بن داود العتكي الزّهراني. أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني.
وهو في «شرح السنة» 2907 بهذا الإسناد وصدره «كل مسكر حرام ... » وعند مسلم 2003 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 3679 والترمذي 1861 والنسائي (8/ 296 و297) وأحمد في «الأشربة» 26 وابن حبان 5366 والطحاوي (4/ 216) والدارقطني (4/ 248) والبيهقي (8/ 288) والبغوي 3013 من طرق عن حماد بن زيد به.
227- إسناده صحيح على شرطهما، أبو رجاء اسمه عبد الله بن يونس، يحيى هو ابن سعيد بن فروخ القطان، وأبو حيان هو يحيى بن سعيد بن حيان التيمي، الشعبي هو عامر بن شراحيل.
وهو في «شرح السنة» 2905 بهذا الإسناد.
وهو عند البخاري 5588 عن أحمد بن أبي رجاء بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري (5581 و5589 و7337) ومسلم 3032 وأبو داود 3669 والترمذي 1874 والنسائي (8/ 295) وعبد الرزاق 17049 وابن أبي شيبة (8/ 106) وأحمد في «الأشربة» 185 وابن الجارود 852 والطحاوي (4/ 213(1/279)
مُحَمَّدِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ أبي رجاء أنا يحيى عن أَبِي حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وهي من خمسة أشياء: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ، والخمر: ما خامر العقل.
ع «228» وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الْعِنَبِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ التَّمْرِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْعَسَلِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الْبُرِّ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشَّعِيرِ خَمْرًا» .
فَثَبَتَ أَنَّ الْخَمْرَ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُتَّخَذُ مِنَ الْعِنَبِ أَوِ الرُّطَبِ.
«229» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: إِنِّي وَجَدْتُ من فلان ريح خمر أو شَرَابٍ، وَزَعَمَ أَنَّهُ شَرِبَ الطِّلَاءَ [1] ، وَأَنَا سَائِلٌ عَمَّا شَرِبَ! فَإِنْ كَانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ، فَجَلَدَهُ عُمْرُ الْحَدَّ تَامًّا.
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٍ فِي الطِّلَاءِ فَهُوَ فِيمَا طُبِخَ حَتَّى خَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْكِرًا، سئل ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْبَاذِقِ، فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ الْبَاذَقَ، فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمَيْسِرِ، يَعْنِي: الْقِمَارَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُخَاطِرُ الرَّجُلَ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ فَأَيُّهُمَا قَمَرَ صَاحِبَهُ ذَهَبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ [2] . وَالْمَيْسِرُ: مَفْعِلٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: يَسَرَ لِي الشَّيْءُ إِذَا وَجَبَ يَيْسِرُ يَسْرًا وَمَيْسِرًا، ثُمَّ قِيلَ لِلْقِمَارِ: مَيْسِرٌ، وَلِلْمُقَامِرِ: يَاسِرٌ وَيَسِرٌ، وَكَانَ أَصْلُ الْمَيْسِرِ فِي الْجَزُورِ، وَذَلِكَ
__________
وابن حبان (5353 و5358 و5359 و5388) والدارقطني (4/ 248 و252) والبيهقي (8/ 288) و (289) من طرق عن نافع به.
228- ع صحيح. أخرجه أبو داود 3676 والترمذي 1872 وابن ماجه 3379 وابن أبي شيبة (8/ 113) وأحمد (4/ 267) و (273) وفي «الأشربة» 72 والطحاوي (4/ 213) والحاكم (4/ 148) والدارقطني (4/ 253) والبيهقي (8/ 289) من طرق عن عامر الشعبي به. وهو حديث صحيح لمجيئه عن الشعبي من طرق، والشعبي ثقة ثبت روى له الشيخان، واسمه عامر بن شراحيل.
- وأخرجه أبو داود 3677 وابن حبان 5398 والدارقطني (4/ 252- 253) والبيهقي (8/ 289) من حديث النعمان بنحوه.
(1) الطلاء: الخمر- وهو الشراب المطبوخ من عصير العنب حتى يغلظ.
229- إسناده صحيح على شرطهما، أبو إسحق فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، السائب بن يزيد صحابي صغير.
وأخرجه مالك (2/ 842) من طريق ابن شهاب بهذا الإسناد. وصحح إسناده ابن حجر في «الفتح» (10/ 65) . وعلقه البخاري في «صحيحه» كتاب الأشربة (74) باب (10) فقال: «وقال عمر: وجدت من عبيد الله ريح شراب، وأنا سائل عنه فإن كان يسكر جلدته» .
- وذكره المصنف في «شرح السنة» (6/ 116) عن السائب بن يزيد بدون إسناد.
(2) موقوف صحيح. أخرجه البخاري 5598 عن ابن عباس به.
وقال الحافظ في «الفتح» (10/ 65- 66) : قال المهلب: أي سبق محمد بتحريم الخمر تسميتهم لها الباذق، قال ابن بطال:
يعني بقوله «كل مسكر حرام» والباذق شراب العسل، ويحتمل أن يكون المعنى سبق حكم محمد بتحريم الخمر تسميتهم لها بغير اسمها، وليس تغيير للاسم بمحلل له إذا كان يسكر. قال: وكأن ابن عباس فهم من السائل أنه يرى أن الباذق حلال، فحسم مادته، وقطع رجاءه وباعد منه أصله، وأخبره أن المسكر حرام ولا عبر بالتسمية.
قال ابن التين: يعني أن الباذق لم يكن في زمن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اهـ.(1/280)
أَنَّ أَهْلَ الثَّرْوَةِ مِنَ الْعَرَبِ كَانُوا يَشْتَرُونَ جَزُورًا فَيَنْحَرُونَهَا وَيُجَزِّئُونَهَا عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ يُسْهِمُونَ عَلَيْهَا بعشرة أقداح يقال لها الأزلام والأقلام السبعة، مِنْهَا أَنْصِبَاءُ وَهِيَ الْفَذُّ، وَلَهُ نَصِيبٌ وَاحِدٌ، وَالتَّوْأَمُ وَلَهُ نَصِيبَانِ، وَالرَّقِيبُ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَالْحِلْسُ وَلَهُ أَرْبَعَةٌ، وَالنَّافِسُ وَلَهُ خَمْسَةٌ، وَالْمُسْبِلُ وَلَهُ سِتَّةٌ، وَالْمُعَلَّى وَلَهُ سَبْعَةٌ، وَثَلَاثَةٌ مِنْهَا لَا أَنْصِبَاءَ لَهَا وَهِيَ: الْمَنِيحُ وَالسَّفِيحُ وَالْوَغْدُ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ الْقِدَاحَ فِي خَرِيطَةٍ تسمّى الريابة [1] وَيَضَعُونَهَا عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ عَدْلٍ عندهم يسمى المحيل والمفيض، ثم يحيلها وَيُخْرِجُ قَدَحًا مِنْهَا بِاسْمِ رَجُلٍ منهم، فأيّهم خرج اسمه أَخَذَ نَصِيبَهُ عَلَى قَدْرِ مَا خرج، فَإِنْ خَرَجَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ هذه الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا أَنْصِبَاءَ لَهَا كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا، وَيَغْرَمُ ثَمَنَ الْجَزُورِ كُلَّهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ لَا يَأْخُذُ شَيْئًا وَلَا يَغْرَمُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْقَدَحُ لَغْوًا ثُمَّ يَدْفَعُونَ ذَلِكَ الْجَزُورَ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَلَا يَأْكُلُونَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانُوا يَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ [2]
وَيَذُمُّونَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَيُسَمُّونَهُ الْبَرَمَ، وَهُوَ أَصْلُ الْقِمَارِ الَّذِي كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْعَرَبُ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أنواع القمار كلّها، قال طاوس وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ قِمَارٌ فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ، حَتَّى لَعِبِ الصِّبْيَانِ بِالْجَوْزِ وَالْكِعَابِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ أَنَّهُمَا مِنَ الميسر، قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ:
وِزْرٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَقَوْلِ الْفُحْشِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ إِثْمٌ كَبِيرٌ، بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْبَاءِ، فَالْإِثْمُ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) ؟ [الْمَائِدَةِ: 91] ، وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ، فَمَنْفَعَةُ الْخَمْرِ اللَّذَّةُ عِنْدَ شُرْبِهَا وَالْفَرَحُ وَاسْتِمْرَاءُ الطَّعَامِ، وَمَا يُصِيبُونَ مِنَ الرِّبْحِ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَمَنْفَعَةُ الْمَيْسِرِ إِصَابَةُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ كَدٍّ وَلَا تَعَبٍ، وَارْتِفَاقُ الْفُقَرَاءِ بِهِ، وَالْإِثْمُ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا ذَهَبَ مَالُهُ مِنْ [3] غَيْرِ عِوَضٍ سَاءَهُ ذَلِكَ فَعَادَى صَاحِبَهُ فَقَصَدَهُ بِالسُّوءِ، وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما، قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: إِثْمُهُمَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، [وَقِيلَ: إِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قَبْلَ التحريم] [4] ، هو ما يحصل به مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ؟ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالُوا: مَاذَا نُنْفِقُ؟ فَقَالَ: قُلِ الْعَفْوَ، قَرَأَ أبو عمرو [والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق الْعَفْوَ] [5] بِالرَّفْعِ، مَعْنَاهُ: الَّذِي يُنْفِقُونَ هُوَ الْعَفْوُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى، قُلْ: أَنْفِقُوا الْعَفْوَ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْعَفْوِ، فَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ مَا فَضَلَ عَنِ الْحَاجَةِ، وَكَانَتِ الصَّحَابَةُ يَكْتَسِبُونَ الْمَالَ وَيُمْسِكُونَ قَدْرَ النَّفَقَةِ وَيَتَصَدَّقُونَ بِالْفَضْلِ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ بِآيَةِ الزَّكَاةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ التَّصَدُّقُ عَنْ ظَهْرِ غِنًى حَتَّى لَا يَبْقَى كَلًّا عَلَى النَّاسِ.
«230» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ محمد بن محمش
__________
230- إسناده صحيح. إبراهيم الكوفي فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، وكيع هو ابن الجراح، والأعمش هو سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان.
وهو في «شرح السنة» 1668 بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري 5355 وأحمد (2/ 476 و524) والبيهقي (7/ 466 و471) من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 1426 و5356 والنسائي (5/ 69) وأحمد (2/ 278 و402) وابن حبان (3363 و4242) والبيهقي (4/ 180 و470) من طرق من حديث أبي هريرة.
(1) كذا في المطبوع، وفي- ط «الرّبابة» وفي المخطوط «الريانة» . [.....]
(2) في المطبوع «بذاك» .
(3) في المطبوع «عن» .
(4) زيادة عن المخطوط، ونسخة- ط.
(5) سقط من المخطوط وط.(1/281)
فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْكُوفِيُّ أَنَا وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا إِقْتَارٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان: 67] ، وقال طاوس: مَا يَسُرَ، وَالْعَفْوُ الْيُسْرُ [1] مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ [الْأَعْرَافِ: 199] ، أَيِ: الْمَيْسُورَ [2] مِنْ أَخْلَاقِ النَّاسِ.
«231» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ [بْنُ] [3] أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، أَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ [4] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي دِينَارٌ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ» ، قَالَ:
عِنْدِي آخَرُ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ» ، قَالَ: عِنْدِي آخر، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ» ، قَالَ: عِنْدِي آخر، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ» ، قَالَ: عِنْدِي آخر، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ أَعْلَمُ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّمَا قَالَ كَذَلِكَ عَلَى الْوَاحِدِ وَهُوَ يُخَاطِبُ جَمَاعَةً، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مَعْنَاهَا الْقَبِيلُ، كَأَنَّهُ قَالَ: كَذَلِكَ أَيُّهَا الْقَبِيلُ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ خِطَابَهُ [5] يَشْتَمِلُ عَلَى خِطَابِ الْأُمَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطَّلَاقِ: 1] ، قَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.
[سورة البقرة (2) : آية 220]
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)
فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، قِيلَ: مَعْنَاهُ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدنيا والآخرة [6] ، فتحسبون مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا يُصْلِحُكُمْ فِي مَعَاشِ الدُّنْيَا، وَتُنْفِقُونَ الْبَاقِيَ فِيمَا يَنْفَعُكُمْ فِي الْعُقْبَى، وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مَعْنَاهَا: هَكَذَا يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا والآخرة لعلكم تتفكرون
__________
231- إسناده حسن، محمد بن عجلان، صدوق حسن الحديث، ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، وشيخه روى له الشيخان، سفيان هو ابن عيينة.
هو في «شرح السنة» 1679 بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود 1691 والشافعي (2/ 63- 64) وابن حبان 4233 والحاكم (1/ 415) والبيهقي (7/ 466) من طرق عن سفيان بهذا الإسناد. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه النسائي (5/ 62) وأحمد (2/ 251 و471) وابن حبان 3337 والطبري 4170 والبغوي 1680 من طرق عن ابن عجلان به.
(1) في المخطوط «اليسير» .
(2) في المخطوط «اليسر» .
(3) زيادة عن «شرح السنة» ، وكتب التراجم.
(4) وقع في الأصل «سعد» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التراجم.
(5) في المطبوع وحده «فإنه خطابه» .
(6) تكرر في المطبوع هاهنا جملة ذكرت في أول تفسير «في الدنيا والآخرة» .(1/282)
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُبَيَّنُ اللَّهُ لَكُمْ الْآيَاتِ فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي زَوَالِ الدُّنْيَا وَفَنَائِهَا فَتَزْهَدُوا فِيهَا، وَفِي إِقْبَالِ الْآخِرَةِ وَبَقَائِهَا فَتَرْغَبُوا فِيهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
[الْأَنْعَامِ: 152] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً [النساء: 10] الآية، تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ [1] أَمْوَالِ الْيَتَامَى تَحَرُّجًا شَدِيدًا حَتَّى عَزَلُوا أَمْوَالَ الْيَتَامَى عَنْ أَمْوَالِهِمْ، حَتَّى كَانَ يُصْنَعُ لِلْيَتِيمِ طَعَامٌ [فَيَفْضَلُ] [2] مِنْهُ شَيْءٌ فَيَتْرُكُونَهُ وَلَا يَأْكُلُونَهُ حَتَّى يَفْسُدَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَسَأَلُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، أَيِ: الْإِصْلَاحُ لِأَمْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ وَلَا أَخْذِ عَوِضٍ خَيْرٌ وَأَعْظَمُ أَجْرًا [لِمَا لَكُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ، وَخَيْرٌ لَهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَوَفُّرِ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِمْ] [3] ، قَالَ مُجَاهِدٌ: يُوَسِّعُ عليه مِنْ طَعَامِ نَفْسِهِ وَلَا يُوَسِّعُ مِنْ طَعَامِ الْيَتِيمِ. وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ، هذه إباحة المخالطة، أي: إن تُشَارِكُوهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَتَخْلِطُوهَا بِأَمْوَالِكُمْ فِي [4] نَفَقَاتِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ [5] وَخَدَمِكُمْ وَدَوَابِّكُمْ، فَتُصِيبُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ عِوَضًا عَنْ [6] قيامكم بأمورهم أو تكافئوهم عَلَى مَا تُصِيبُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَإِخْوانُكُمْ، أَيْ: فَهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَالْإِخْوَانُ يُعِينُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُصِيبُ بَعْضُهُمْ من مال [7] بَعْضٍ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ [8] وَالرِّضَا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ: لِأَمْوَالِهِمْ مِنَ الْمُصْلِحِ: لَهَا، يَعْنِي: الَّذِي يَقْصِدُ بِالْمُخَالَطَةِ الْخِيَانَةَ وَإِفْسَادَ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَ الَّذِي يَقْصِدُ الْإِصْلَاحَ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ، أَيْ: لَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ وَمَا أَبَاحَ لَكُمْ مُخَالَطَتَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَ مَا أَصَبْتُمْ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى مَوْبِقًا لَكُمْ، وَأَصْلُ الْعَنَتِ: الشِّدَّةُ وَالْمَشَقَّةُ، وَمَعْنَاهُ: كَلَّفَكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا يَشُقُّ عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ، [أي: عزيز في سلطانه وقدرته على الإعنات، وقيل] [9] :
العزيز الَّذِي يَأْمُرُ بِعِزَّةٍ، سَهَّلَ عَلَى الْعِبَادِ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِمْ، حَكِيمٌ فِيمَا صَنَعَ مِنْ تَدْبِيرِهِ وَتَرْكِ الإعنات.
[سورة البقرة (2) : آية 221]
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ:
ع «232» أن أبا مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ- وقال مقاتل: هو أبو مرثد الغنوي، وقال عطاء: أبو مرثد كناز بن الحصين، وكان شجاعا- بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ لِيُخْرِجَ مِنْهَا نَاسًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ سِرًّا، فَلَمَّا قَدِمَهَا سَمِعَتْ بِهِ امْرَأَةٌ مُشْرِكَةٌ يُقَالُ لَهَا عِنَاقُ، وَكَانَتْ خَلِيلَتَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَتَتْهُ وَقَالَتْ: يَا أَبَا مَرْثَدٍ أَلَا تَخْلُو، فقال
__________
232- ع هذا مرسل. تقدم إسناد المصنف في المقدمة إلى كلّ من مقاتل وعطاء، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» 137 عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عن ابن عباس معلقا. والكلبي متروك متهم.
- وأخرجه الواحدي 135 وابن المنذر وابن أبي حاتم كما في «الدر» (1/ 458 عن مقاتل بن حيان مختصرا.
(1) المخطوط «عن» .
(2) زيادة من المخطوط وط. [.....]
(3) سقط من المخطوط.
(4) في المخطوط «و» بدل «في» .
(5) في المخطوط «ومساكنتكم» .
(6) في المخطوط وط «من» .
(7) في نسخ المطبوع «أموال» .
(8) في المخطوط «الصلاح» .
(9) سقط من المخطوط ونسخة- ط.(1/283)
لَهَا: وَيْحَكِ يَا عَنَاقُ إِنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذلك، فقالت: فَهَلْ لَكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَلَكِنْ أَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَأْمِرُهُ، فَقَالَتْ: أَبِي تَتَبَرَّمُ؟ ثُمَّ اسْتَغَاثَتْ [1] عَلَيْهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبًا شَدِيدًا ثُمَّ خَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ بِمَكَّةَ وَانْصَرَفَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ عَنَاقَ وَمَا لَقِيَ بسببها، فقال: يا رسول الله أتحل لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ.
وَقِيلَ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ فِي حق الكتابيات لقوله تَعَالَى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة: 5] ، [وبخبر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وبإجماع الأمة.
ع «233» روى الحسن عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوجون نساءنا» ] [2] .
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَطْلَقْتُمُ اسْمَ الشرك على من لم يُنْكِرُ إِلَّا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ فَارِسٍ:
لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ الْقُرْآنُ كَلَامُ غَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَرَادَ بِالْمُشْرِكَاتِ الْوَثَنِيَّاتِ، فَإِنَّ عُثْمَانَ تَزَوَّجَ نَائِلَةَ بِنْتَ فُرَافِصَةَ [3] وَكَانَتْ نَصْرَانِيَّةً فَأَسْلَمَتْ تَحْتَهُ، وَتَزَوَّجَ طَلْحَةُ بن عبيد اللَّهِ نَصْرَانِيَّةً، وَتَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ يَهُودِيَّةً. [فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: خَلِّ سَبِيلَهَا، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
أَتَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ؟ فَقَالَ: لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ وَلَكِنِّي أَخَافُ أن تتعاطوا المومسات [4] منهن] [5] ، وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ: بِجِمَالِهَا وَمَالِهَا، نَزَلَتْ فِي خَنْسَاءَ وَلِيدَةٍ سَوْدَاءَ كَانَتْ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ حُذَيْفَةُ: يَا خَنْسَاءُ قَدْ ذُكِرْتِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى عَلَى سَوَادِكِ وَدَمَامَتِكِ فأعتقها وتزوّجها.
ع «234» [و] قال السُّدِّيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ سَوْدَاءَ فَغَضِبَ عَلَيْهَا وَلَطَمَهَا، ثُمَّ فَزِعَ [6] فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فأخبره بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَا هِيَ يَا عبد الله» ؟ فقال: هِيَ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتُحْسِنُ الْوُضُوءَ وَتُصَلِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «هَذِهِ مُؤْمِنَةٌ» ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا لَأُعْتِقَنَّهَا ولأتزوجنّها، ففعل فَطَعَنَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: أَتَنْكِحُ أَمَةً؟
وَعَرَضُوا عَلَيْهِ حُرَّةً مُشْرِكَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية: وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا، هَذَا إِجْمَاعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تَنْكِحَ الْمُشْرِكَ، وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ، يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ، أَيْ: إِلَى الْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ للنار، وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ، أَيْ:
بقضائه وقدره وَإِرَادَتِهِ، وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ، أَيْ: أَوَامِرَهُ وَنَوَاهِيهِ، لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، يَتَّعِظُونَ.
__________
233- ع ضعيف. أخرجه الطبري 4227 من طريق شريك بن عبد الله القاضي عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ الحسن عن جابر مرفوعا، وإسناده ضعيف، له علتان: الحسن لم يسمع من جابر قاله أبو حاتم الرازي وغيره كما في «المراسيل» فهذه علة، والثانية ضعف أشعث بن سوار. فالخبر ضعيف وإن كان معناه صحيحا.
234- ع هذا مرسل، وإسناد المصنف إلى السدي تقدم في أول الكتاب.
وأخرجه الطبري 4228 عن السدي به، وهو ضعيف لإرساله، وورد موصولا عن ابن عباس. وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» 136 وفيه أبو مالك، واسمه غزوان، وهو ثقة، وعنه السدي، وهو صدوق يهم، وضعّفه بعضهم.
وفيه أسباط بن نصر، وهو صدوق إلا أنه كثير الخطأ.
(1) في المطبوع وحده «استعانت» .
(2) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط وط.
(3) تحرّف في المطبوع إلى «فراقصة» .
(4) تصحف في المطبوع إلى «المؤمنات» .
(5) سقط من المخطوط. [.....]
(6) في النسخ «خرج» وفي المخطوط «فرغ» والمثبت عن «أسباب النزول» 136 والطبري 4228.(1/284)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
[سورة البقرة (2) : آية 222]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، «235» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاشَانِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أحمد بن عمر اللُّؤْلُؤِيُّ [1] أَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ، أَنَا مُوسَى بن إسماعيل أنا حماد هو ابن سَلَمَةَ أَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ [2] إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ، فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ الْآيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» ، فقالت اليهود: وما يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بشير إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا، أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ فَتَمَعَّرَ [3] وَجْهُ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [4] ، فَبَعَثَ في آثارهما فسقاهما فعرفنا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا.
قَوْلُهُ تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ، أَيْ: عَنِ الْحَيْضِ، وَهُوَ مَصْدَرٌ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا، كَالسَّيْرِ وَالْمَسِيرِ، وَأَصْلُ الْحَيْضِ الِانْفِجَارُ وَالسَّيَلَانُ، وَقَوْلُهُ: قُلْ هُوَ أَذىً، أَيْ: قَذَرٌ، وَالْأَذَى كُلُّ مَا يُكْرَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ، أراد بالاعتزال ترك الوطء [لهن] ، وَلا تَقْرَبُوهُنَّ، أَيْ: لَا تُجَامِعُوهُنَّ، أما الملامسة والمضاجعة معها فجائز.
«236» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
__________
235- إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو داود هو صاحب السنن، ثابت البناني هو ابن أسلم.
- وهو في «شرح السنة» بإثر 315 بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود (258 و2165) عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 302 والترمذي 2977 والنسائي (1/ 152 و187) وابن ماجه 644 والطيالسي 2052 وأحمد (3/ 31 و246) والدارمي (1/ 245) وأبو عوانة في «صحيحه» (1/ 311) وابن حبان 1362 والبيهقي (1/ 313) من طرق عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد.
236- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، قبيصة هو ابن عقبة السّوائي الكوفي، وسفيان هو ابن سعيد الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر، وإبراهيم هو ابن يزيد بن قيس أبو عمران النخعي، والأسود هو ابن يزيد النخعي، وهذا إسناد كوفي جليل.
هو في «شرح السنة» 318 بهذا الإسناد.
وهو عند البخاري (299- 301) عن قبيصة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم 293 وأبو داود 268 والترمذي 132 والنسائي (1/ 189) وابن ماجه 636 وعبد الرزاق 1237
(1) وقع في الأصل «اللولوي» .
(2) في المطبوع وحده «كانوا» .
(3) في المطبوع «فتغير» .
(4) سقط من المخطوط.(1/285)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا قَبِيصَةُ، أَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، كلانا جنب، وكان يأمرني فأتّزر [1] فَيُبَاشِرَنِي وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
«237» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، أَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أبي سلمة حدثته: أن أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: حِضْتُ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمِيلَةِ [2] فَانْسَلَلْتُ فخرجت منها [3] فأخذت ثياب حيضتي فَلَبِسْتُهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَفِسْتِ» ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ الخميلة.
«238» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ [4] عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنِيفِيُّ [5] أَنَا أَبُو الْحَارِثِ طَاهِرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّاهِرِيُّ أنا [أبو] [6]
__________
والطيالسي 1375 وابن أبي شيبة (4/ 254) وأحمد (6/ 55) و (134 و189 و209) وأبو عوانة (1/ 308) و (309) والدارمي (1/ 242) وابن حبان 1364 وابن الجارود 106 والبيهقي (1/ 310) والبغوي 317 من طرق عن منصور بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 302 ومسلم 293 والنسائي (1/ 151 و189) وابن ماجه 635 وابن أبي شيبة (4/ 254) وأحمد (6/ 170 و174 و206) والدارمي (1/ 422) والحاكم (1/ 172) والبيهقي (1/ 310) من طرق من حديث عائشة بعضهم اقتصر على ذكر المباشرة وبعضهم اقتصر على ذكر الاغتسال.
237- إسناده صحيح على شرط البخاري، شيبان هو ابن عبد الرحمن التميمي النحوي، ويحيى هو ابن أبي كثير الطائي، واسم أبيه: صالح بن المتوكل، وقيل: يسار، وقيل: نشيط، وقيل: دينار وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
هو في «شرح السنة» 3170 بهذا الإسناد.
- وهو عند البخاري 322 عن سعد بن حفص بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 298 و323 و1929 ومسلم 296 والنسائي (1/ 149- 188) وأحمد (6/ 300) والدارمي (1/ 243) وأبو عوانة (1/ 310) وابن حبان 1363 والبيهقي (1/ 311) والبغوي في «شرح السنة» 316 من طرق عن أبي سلمة بهذا الإسناد.
- وأخرجه عبد الرزاق 1235 وأحمد (6/ 294) والدارمي (1/ 243) وابن ماجه 637 عن أبي سلمة عن أم سلمة به.
238- إسناده صحيح، صدقة هو ابن الفضل المروزي روى له البخاري، وكيع هو ابن الجراح، ومسعر هو ابن كدام، وسفيان هو ابن سعيد الثوري، وشريح هو ابن هانئ.
- هو في «شرح السنة» 322 بهذا الإسناد، وتصحف فيه «المقدام» وإلى «المقداد» .
- وأخرجه مسلم 300 والنسائي (1/ 149) وأحمد (6/ 192 و210) وابن خزيمة 110 وابن حبان 1293 من طرق عن وكيع بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو عوانة (1/ 311) وابن خزيمة 110 وابن حبان 1360 من طرق عن مسعر بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود 259 والنسائي (1/ 190) وابن ماجه 643 وعبد الرزاق (388 و1253) والطيالسي 1514 وأحمد (6/ 62 و214) والدارمي (1/ 246) من طرق عن المقدام به.
(1) في المطبوع «أن أتزر» .
(2) الخميلة: ثوب من صوف له خمل.
(3) في المطبوع «منه» .
(4) زيد في الأصل «بن» بين «القاسم» و «عبد الله» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» . [.....]
(5) وقع في الأصل «الحنفي» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» .
(6) ما بين المعقوفتين زيادة من «ط» و «شرح السنة» .(1/286)
مُحَمَّدُ [1] الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَلِيمٍ [2] ، أَنَا أَبُو الْمُوَجِّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، أَنَا صَدَقَةُ أَنَا وَكِيعٌ أَنَا مِسْعَرٌ وَسُفْيَانُ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كنت أشرب وأنا حائض وأناوله لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعٍ فِي وَأَتَعَرَّقُ الْعَرَقَ [3] فَيَتَنَاوَلُهُ فَيَضَعُ فَاهُ فِي مَوْضِعِ فِي.
فَوَطْءُ الْحَائِضِ حَرَامٌ وَمَنْ فَعَلَهُ يَعْصِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُعَزِّرُهُ [4] الْإِمَامُ إِنْ عَلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، مِنْهُمْ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، لِمَا:
«239» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ، أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ أَنَا
__________
(1) زيد في الأصل «بن» بين «محمد» و «الحسن» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» (4/ 198) .
(2) وقع في الأصل «حكيم» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب» (4/ 198) .
(3) العرق: العظم الذي أخذ منه معظم اللحم، وبقي منه قليل يقال: عرقت العظم واعترقته وتعرقته: إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك.
(4) وقع في الأصل «يعززه» وهو تصحيف.
239- غير قوي. إسناده ضعيف لضعف عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ، وفيه أيضا أبو جعفر الرازي واسمه عيسى بن أبي عيسى، وأبو عيسى اسمه ماهان. قال ابن معين: ثقة، وقال أحمد والنسائي: ليس بالقوي وقال الفلاس: سيّئ الحفظ، وكلاهما قد توبع، لكن من تابعهما لا يحتج به.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 316 بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي (1/ 255) وأبو يعلى 3432 والدارقطني (3/ 287) والبيهقي (1/ 317) من طرق عن أبي جعفر الرازي به.
- وأخرجه أحمد (1/ 367) والبيهقي (1/ 316) والدارقطني (3/ 387) وابن ماجه 650 من طرق عن عبد الكريم به.
- وأخرجه أبو داود (264 و2168) والنسائي (1/ 153) وابن ماجه 640 والدارمي (1/ 254) والحاكم (1/ 171- 172) وأحمد (1/ 229- 230) من طرق عن عبد الحميد عن مقسم به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أبو داود 266 والترمذي 136 وأحمد (1/ 272) والدارمي (1/ 254) والبيهقي (1/ 316) من طرق عن مقسم به.
- وأخرجه الدارمي (1/ 254 و255) والبيهقي (1/ 315) و (316) عن ابن عباس موقوفا.
قال الحافظ في «التخليص» (1/ 165) بعد أن ذكر طرقه: وله طرق في السنن غير هذه، لكن شك شعبة في رفعه عن الحكم عن عبد الحميد.
وأما الروايات المتقدمة كلها فمدارها على عبد الكريم بن أبي أمية، وهو مجمع على تركه، إلا أنه توبع في بعضها من جهة خصيف، ومن جهة علي بن بذيمة، وفيهما مقال، وأعلت الطرق كلها بالاضطراب وقد صححه الحاكم وابن القطان وابن دقيق العيد.
وأما تضعيف ابن حزم لمقسم، فقد نوزع فيه، قال فيه أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن أبي حاتم في «العلل» : سألت أبي عنه فقال: اختلف الرواة فيه فمنهم من يوقفه ومنهم من يسنده وقال الشافعي في «أحكام القرآن» لو كان هذا الحديث ثابتا لأخذنا به. انتهى. والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير جدا وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث، والجواب عن طرف الطعن فيه بما يراجع منه. وأقرّ ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان.
وقوّاه في «الإمام» وهو الصواب. فكم من حديث احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا كحديث بئر بضاعة، وحديث القلتين ونحوهما، وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في «شرح المهذب» و «التنقيح» و «الخلاصة» أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه وأن الحق أنه ضعيف باتفاقهم، وتبع النوويّ في بعض ذلك ابن الصلاح، والله أعلم اهـ. باختصار.(1/287)
عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ فِي رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: «إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ صُفْرَةً فَنِصْفُ دِينَارٍ» ، وَيُرْوَى هَذَا موقوفا على ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَوُجُوبَهَا، وَيَمْنَعُ جَوَازَ الصَّوْمِ وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبَهُ، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ ولا يجب [عليها] [1] قَضَاءُ الصَّلَاةِ، وَكَذَلِكَ النُّفَسَاءُ.
«240» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ [بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو] [2] مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدَةَ بن معتّب الضبي أبو عبد الكريم [3] عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ.
وَلَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَلَا الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، وَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا.
«241» أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ [4] ، أَنَا أَبُو داود أنا مسدد
__________
الخلاصة: هو حديث مختلف فيه ما بين مصحح له ومضعف، وما بين مرجح للوقف فيه على ابن عباس، والله أعلم.
240- إسناده صحيح، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، والأسود هو ابن يزيد النخعي.
- وهو في «شرح السنة» 324 بهذا الإسناد.
- وفي «سنن الترمذي» 787 عن علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم (335/ ح 69) وعبد الرزاق 1277 وأبو عوانة (1/ 324) والبيهقي (1/ 308) من طريق معمر عن عاصم الأحول عن معاذة قالت: سألت عائشة....
- وأخرجه البخاري 321 ومسلم 335 وأبو داود 262 و263 والترمذي 130 والنسائي (1/ 191) وابن ماجه 631 وعبد الرزاق 1278 وابن أبي شيبة (2/ 339) و (340) والطيالسي 1570 وأحمد (6/ 94) و120 و143 وأبو عوانة 1/ 1/ 324 و325 وابن حبان 1349 والدارمي 1/ 223 و224 والبيهقي (1/ 308) من طرق عن معاذة عن عائشة به.
(1) زيادة من المخطوط.
(2) وقع في الأصل «سعيد عن عبيدة بن أبي محمد» والتصويب من «ط» و «ف» و «شرح السنة» .
(3) وقع في الأصل «مسهر بن إسماعيل الضبي، أن معقب الضبي عن عبد الكريم» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «سنن الترمذي» وكتب التراجم.
(4) في الأصل «اللولوي» .
241- يشبه الحسن، إسناده لين لأجل جسرة بن دجاجة، فإنها مقبولة، كما في التقريب، وأفلت بن خليفة، ويقال: فليت.
بدل «أفلت» . وهو صدوق، وقد توبع هو ومن دونه.
وهو في سنن أبي داود 232 عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «تاريخه» (2/ 76) والبيهقي في «السنن» (2/ 442) و (443) .
- وورد من حديث أم سلمة أخرجه ابن ماجه 645 وابن أبي حاتم في «العلل» 269 كلاهما عن محدوج الذهلي عن جسرة عن أم سلمة، وإسناده واه فيه محدوج الذهلي لم يوثق، وأبو الخطاب مجهول كما في زوائد البوصيري.
- ومداره على جسرة أيضا. قال الحافظ في «التقريب» جسرة بنت دجاجة مقبولة، ويقال: لها إدراكا. أي صحبة.
- وقال ابن حجر في «تلخيص الحبير» (1/ 140) ما ملخصه: رواه أبو داود عن جسرة عن عائشة وابن ماجه عن جسرة عن أم سلمة، وقال أبو زرعة: الصحيح عن جسرة عن عائشة. قال ابن حجر: وقد ضعف بعضهم هذا الحديث بأن [.....](1/288)
أَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ أَنَا أَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ قَالَ: حَدَّثَتْنِي جَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ:
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى يَطْهُرْنَ، قَرَأَ عَاصِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ بتشديد الطاء والهاء، يعني [1] : يَغْتَسِلْنَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِسُكُونِ الطَّاءِ وضم الهاء مخففا، وَمَعْنَاهُ: حَتَّى يَطْهُرْنَ مِنَ الْحَيْضِ ولينقطع دَمُهُنَّ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ، يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ، فَأْتُوهُنَّ، أَيْ: فَجَامِعُوهُنَّ، مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، أَيْ: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ مِنْهُ وَهُوَ الْفَرْجُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: طَئُوهُنَّ فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، أَيِ: اتَّقُوا الْأَدْبَارَ، وَقِيلَ: مِنْ حيث بمعنى فِي حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى وهو الفرج كقوله عزّ وجلّ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الْجُمُعَةِ: 9] ، أَيْ: فِي يَوْمِ الجمعة، وقيل: فأتوهن من الْوَجْهَ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تأتوهن [فيه] وَهُوَ الطُّهْرُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ:
مِنْ قِبَلِ الْحَلَالِ دُونَ الْفُجُورِ، وَقِيلَ: لَا تَأْتُوهُنَّ صَائِمَاتٍ وَلَا مُعْتَكِفَاتٍ وَلَا مُحْرِمَاتٍ، وَأْتُوهُنَّ وَغِشْيَانُهُنَّ لَكُمْ [2] حَلَالٌ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِمَّا مَنَعَهُ الْحَيْضُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ إِلَّا تَحْرِيمُ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْحَائِضَ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا بِاللَّيْلِ وَنَوَتِ الصَّوْمَ فَوَقْعَ غُسْلُهَا بِالنَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهَا، وَالطَّلَاقُ فِي حَالِ الْحَيْضِ يَكُونُ بِدْعِيًّا وَإِذَا طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَكُونُ بِدْعِيًّا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الحيض وهي عنده عَشَرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا قبل الغسل، وقال مجاهد [3] وطاوس: إذا غسلت فرجها يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غِشْيَانُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّحْرِيمِ مَا لَمْ تَغْتَسِلْ أَوْ تَتَيَمَّمْ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ جَوَازَ وَطْئِهَا بِشَرْطَيْنِ:
بانقطاع الدم والغسل، حَتَّى يَطْهُرْنَ، يَعْنِي: مِنَ الْحَيْضِ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ، يَعْنِي: اغْتَسَلْنَ فَأْتُوهُنَّ، وَمَنْ قَرَأَ يَطَّهَّرْنَ بِالتَّشْدِيدِ فَالْمُرَادُ مِنْ [ذَلِكَ] الْغُسْلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [الْمَائِدَةِ:
6] ، أي: اغتسلوا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَبْلَ الْغُسْلِ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ، قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، قَالَ عَطَاءٌ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَالْكَلْبِيُّ: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ بِالْمَاءِ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَالنَّجَاسَاتِ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يُحِبُّ التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الشِّرْكِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّوَّابِينَ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: التَّوَّابِينَ مِنَ الذُّنُوبِ لَا يَعُودُونَ فِيهَا وَالْمُتَطَهِّرِينَ مِنْهَا لَمْ يُصِيبُوهَا، وَالتَّوَّابُ الَّذِي كُلَّمَا أَذْنَبَ تَابَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً [الإسراء: 25] .
__________
راويه أفلت مجهول الحال، وأما قول ابن رفعة: متروك. فهذا مردود فقد قال أحمد: أفلت ما أرى به بأسا والحديث صححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان اهـ.
قلت: وكذا حسنه الزيلعي في «نصب الراية» (1/ 194) وابن القطان وذكر الزيلعي كلاما طويلا لابن القطان وحاصله أن أفلت قال أبو حاتم عنه: شيخ. وقال أحمد: ما أرى به بأسا اهـ.
وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (1/ 167) .
(1) في المطبوع «حتى» .
(2) في المخطوط «وغشيانكم لهن» .
(3) زيد في المطبوع «وعطاء» .(1/289)
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
[سورة البقرة (2) : آية 223]
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)
قَوْلُهُ تَعَالَى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، «242» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بن الْمُنَادِي أَنَا يُونُسُ، أَنَا يَعْقُوبُ القمّي عن جعفر بن [أبي] [1] الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عن ابن عباس:
جَاءَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قَالَ: «وَمَا الَّذِي أَهْلَكَكَ» ؟ قَالَ: حَوَّلْتُ رَحْلِي الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شيئا، فأوحى اللَّهُ إِلَيْهِ [2] : نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، يَقُولُ:
«أَدْبِرْ وَأَقْبِلْ وَاتَّقِ الدُّبُرَ وَالْحَيْضَةَ» .
«243» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحِيرِيُّ، أَنَا حَاجِبُ [3] بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا إِنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ أَحْوَلَ، فَنَزَلَتْ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
ع «244» وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَأْتُوا النِّسَاءَ إِلَّا عَلَى حَرْفٍ، وَذَلِكَ أَسْتَرُ مَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ، وَكَانَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَخَذُوا بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الحي
__________
242- إسناده حسن، رجاله ثقات، يونس هو ابن محمد المؤدب، ويعقوب هو ابن عبد الله بن سعد أبو الحسن القمّي.
وأخرجه أبو يعلى 2736 وابن حبان 4202 والواحدي 145 من طرق عن يونس بن محمد عن يعقوب القمي بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي 2980 والنسائي في «الكبرى» 8977 وأحمد (1/ 297) والطبري 4347 والطبراني 12317 والبيهقي (7/ 198) من طرق عن يعقوب القمّي به، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
وصححه الحافظ في «الفتح» (8/ 191) وانظر «فتح القدير» للشوكاني 335 بتخريجي.
243- حديث صحيح. عبد الرحيم بن منيب مجهول، لم يرو عنه سوى حاجب بن أحمد، ولم يوثقه أحد، وذكره السمعاني في «الأنساب» على أنه ممن روى عنه حاجب بن أحمد. وبكل حال فقد توبع هو ومن دونه، ابن عيينة هو سفيان.
- وأخرجه البخاري (4528) ومسلم (1435) وأبو داود 2163 والترمذي 2982 وابن ماجه 1925 وأبو يعلى 258 والطحاوي (3/ 40) والبيهقي في السنن 1947 من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه مسلم 1435 والطحاوي (3/ 40) والواحدي 143 و144 والدارمي (1/ 258) و (2/ 145- 146) والبيهقي (7/ 194 و195) من طرق عن محمد بن المنكدر به.
(1) زيادة عن كتب التخريج والتراجم.
(2) في المخطوط «فأنزل الله إليه» .
(3) وقع في الأصل «صاحب» والتصويب عن «أسباب النزول» للواحدي وكتب التراجم.
244- ع حسن. أخرجه أبو داود 4164 والحاكم (2/ 279) والطبري 4340 والواحدي 142 والبيهقي (7/ 195) من طرق ابن إسحاق عن أبان بن صالح عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وإسناده حسن، ابن إسحاق صرح بالسماع من أبان عند الحاكم والبيهقي، ولأصله شواهد تعضده، والله أعلم.(1/290)
مِنْ قُرَيْشٍ يَتَلَذَّذُونَ مِنْهُنَّ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مِنْهُمُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ، فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِ وَقَالَتْ: إِنَّا كُنَّا نُؤْتَى عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ شِئْتَ فَاصْنَعْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَاجْتَنِبْنِي، حَتَّى سَرَى أَمْرُهُمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ الْآيَةَ، يَعْنِي: مَوْضِعَ الْوَلَدِ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ مُقْبِلَاتٍ وَمُدْبِرَاتٍ وَمُسْتَلْقِيَاتٍ.
وأَنَّى حَرْفُ اسْتِفْهَامٍ يَكُونُ سُؤَالًا عَنِ الْحَالِ وَالْمَحَلِّ، مَعْنَاهُ: كَيْفَ شِئْتُمْ وَحَيْثُ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ فِي صِمَامٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ أَنَّى شِئْتُمْ: إِنَّمَا هُوَ الْفَرْجُ، وَمِثْلُهُ [عَنِ الْحَسَنِ، وَقِيلَ: حَرْثٌ] [1] لَكُمْ، أَيْ: مَزْرَعٌ لَكُمْ وَمَنْبَتٌ لِلْوَلَدِ [2] بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ الَّتِي تُزْرَعُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَدْبَارِ، لِأَنَّ مَحَلَّ الْحَرْثِ وَالزَّرْعِ هُوَ الْقُبُلُ لَا الدُّبُرُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: هَذَا فِي الْعَزْلِ، يَعْنِي: إِنْ شِئْتُمْ، فَاعْزِلُوا وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَا تَعْزِلُوا، وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ: حَرْثُكَ إِنْ شِئْتَ فَأَعْطِشْ وَإِنْ شِئْتَ فَارْوِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: تُسْتَأْمَرُ [الْحُرَّةُ فِي الْعَزْلِ وَلَا تُسْتَأْمَرُ] [3] الْجَارِيَةُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَكَرِهَ جَمَاعَةٌ الْعَزْلَ، وَقَالُوا [4] :
هُوَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ.
وَرَوَى عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كُنْتُ أَمْسِكُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ الْمُصْحَفَ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، فَقَالَ: أَتَدْرِي فِيمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ أَتَى امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَيُحْكَى عَنْ مَالِكٍ إِبَاحَةُ ذَلِكَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَقِيَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عمر ما حدثت بحديث نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِإِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ؟ فَقَالَ: كَذَبَ الْعَبْدُ وَأَخْطَأَ إِنَّمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: يُؤْتَوْنَ فِي فُرُوجِهِنَّ مِنْ أَدْبَارِهِنَّ. وَالدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَدْبَارِ مَا:
«245» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطِيبِ، أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَخْبَرَنَا أبو العباس
__________
245- عجزه صحيح لشواهده وطرقه، وأما صدره مع سال السائل، فهو ضعيف لغرابته، إسناده ضعيف، محمد بن علي، وثقه الشافعي كما في «التقريب» وشيخه وثقه الشافعي أيضا في «المسند» لكن كأن الحافظ لم يطلع على توثيق الشافعي له، فقال عنه: مستور. مع أنه روى عنه أربعة، وروى عن خمسة. وفيه أيضا عمرو بن أحيحة، وهو مقبول، أي حيث يتابع.
وهو عند الشافعي (2/ 29) في «المسند» بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» 8992 والطحاوي (3/ 43) والطبراني 3744 والبيهقي (7/ 196) والخطابي في «غريب الحديث» (1/ 376) من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ بهذا الإسناد.
- قال الشافعي بإثره: عَمِّي- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شافع- ثقة. وعبد الله بن علي ثقة.
- وورد من طرق أخرى مختصرا بذكر عجزه فقط.
فقد أخرجه النسائي في «الكبرى» 8988 وابن ماجه 1924 وأحمد (5/ 213) والطبراني 3734 و3735 والبيهقي (5/ 213) و (7/ 197 و198) من طريق عمرو بن شعيب عن هرمي بن عبد الله عن خزيمة بن ثابت به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» 8982 وأحمد (5/ 213) وابن الجارود 728 والطحاوي (3/ 43) والطبراني 3716 والبيهقي (7/ 197) من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يزيد بن عبد الهاد عن عمارة بن خزيمة عن أبيه.
وعمارة ثقة روى له أصحاب السنن وباقي رجال السند رجال الصحيح.
(1) زيادة من المخطوط وط.
(2) في المطبوع وحده «الولد» .
(3) زيادة من المخطوط وط. [.....]
(4) في المطبوع «قال» .(1/291)
الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أنا عَمِّي [1] مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شافع، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ [2] ، عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ:
أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِي أَيِّ الْخُرْمَتَيْنِ، أَوْ فِي أَيِّ الْخَرَزَتَيْنِ أَوْ فِي الْخُصْفَتَيْنِ أَمِنَ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا فنعم، أم مِنْ دُبُرِهَا فِي دُبُرِهَا فَلَا، فإن الله لا يستحيي مِنَ الْحَقِّ، لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَدْبَارِهِنَّ» .
«246» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ أَنَا عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ النَّهَاوَنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيُّ أَنَا عَبْدِ اللَّهِ [بْنِ عُمَرَ] [3] بْنِ أَبَانَ أَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امرأة فِي دُبُرِهَا» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ يَعْنِي: إِذَا أَتَى أَهْلَهُ فَلْيَدْعُ.
«247» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف] [4] أنا
__________
- وأخرجه النسائي 8984 وأحمد (5/ 215) وابن حبان 4198 والطبراني 3741 و3742 و3743 والبيهقي (7/ 197) من طرق عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ عبيد الله بن حصين الوائلي عن هرمي بن عبد الله الواقفي عن خزيمة به. وفي الباب أحاديث كثيرة.
وانظر «فتح القدير» للشوكاني 337 بتخريجي، و «الإحسان» (9/ 513- 517) .
(1) وقع في الأصل «عمر» وهو تصحيف والتصويب من مسند الشافعي.
(2) وقع في الأصل «الحلاج» وهو تصحيف.
246- حديث حسن بشواهده وطرقه، إسناده ضعيف لضعف مسلم بن خالد، وهو الزنجي، وبه أعله ابن عدي، لكن لم ينفرد بهذا المتن، فقد توبع، وللحديث شواهد يحسن بها إن شاء الله.
وأخرجه ابن عدي في «الكامل» (6/ 311) من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أبان وحدثنا علي بن الحسين القاضي حدثنا عبدان الوكيل قال: حدثنا يحيى بن زكريا.... بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» 4751 من طريق يحيى بن زكريا به قال الحافظ في «التلخيص» (3/ 181) : ومسلم فيه ضعف اهـ.
- وورد من طرق عن الحارث بن مخلّد عن أبي هريرة مرفوعا عند أبي داود 2162 والنسائي في «الكبرى» 9015 وابن ماجه 1923 وأحمد (2/ 444) والحارث مجهول كما في «التقريب» وللحديث شواهد.
- منها ما أخرجه الترمذي 1165 والنسائي في «الكبرى» 9001 و9002 وأبو يعلى 2378 وابن أبي شيبة (4/ 251) و (252) وابن حبان (4418) و (4203) وابن عدي (3/ 260) عن حديث ابن عباس مرفوعا وإسناده صحيح.
فائدة: قال الطحاوي في «معاني الآثار» (3/ 46) : فلما تواترت هذه الآثار عن النبي صلّى الله عليه وسلّم بالنهي عن وطء المرأة في الدبر، ثم جاء عن أصحابه وتابعيهم ما يوافق ذلك وجب القول به، وترك ما يخالفه اهـ.
وانظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية بتخريجي، والله أعلم.
(3) زيادة عن الكامل وكتب التراجم.
(4) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» .
247- إسناده صحيح على شرط الشيخين، أبو شيبة والد عثمان اسمه محمد، جرير هو ابن عبد الحميد، منصور هو ابن المعتمر، وسالم هو ابن أبي الجعد، وكريب هو ابن أبي مسلم مولى ابن عباس.(1/292)
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «لو أن أحدهم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ في ذلك لم يضرّه الشيطان أَبَدًا» .
وَقِيلَ: قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ، يَعْنِي: طَلَبَ الْوَلَدِ.
«248» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ [1] ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ [حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنِ جَعْفَرٍ] [2] عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ [3] : صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» .
وَقِيلَ: هُوَ التَّزَوُّجُ بِالْعَفَافِ لِيَكُونَ الْوَلَدُ صالحا.
«249» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [4] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ] [5] أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [6] حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي هريرة
__________
وهو عند المصنف في «شرح السنة» 1324 بهذا الإسناد.
وفي «صحيح البخاري» 6388 من طريق عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 141 و3271 و3283 و5165 و7396 ومسلم 1434 والترمذي 1092 وأبو داود 2161 والنسائي في «الكبرى» 9030 وابن ماجه 1919 وابن أبي شيبة (10/ 394) وأحمد (1/ 217) و (220) و (243) و (283) و (286) وابن حبان 983 والطبراني في «الكبير» 12195 من طرق عن منصور به.
248- إسناده صحيح على شرط مسلم. عبد الرحمن والد العلاء هو ابن يعقوب مولى الحرقة، علي بن حجر- بضم الحاء- روى له الشيخان.
وهو عند المصنف في «شرح السنة» 139 بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم 1631 والترمذي 1376 والنسائي (6/ 251) وابن حبان 3016 من طرق عن علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» 38 ومسلم 1631 وأحمد (2/ 372) والطحاوي في «المشكل» 246 والبيهقي (6/ 278) من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه أبو داود 3880 والطحاوي 1247 والبيهقي (6/ 278) من طرق عن العلاء به.
249- إسناده صحيح، مسدد هو ابن مسرهد، روى له البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، يحيى هو ابن سعيد القطان، وسعيد هو المقبري وأبو سعيد اسمه كيسان. وعبيد الله هو ابن عمر.
- وهو عند المصنف في «شرح السنة» 2233 بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري 5090 ومسلم 466 وأبو داود 2047 والنسائي (6/ 68) وابن ماجه 1858 وأحمد (2/ 428) والدارمي (2/ 133) 134 وابن حبان 4036 والبيهقي (7/ 79- 80) من طرق عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد.
(1) وقع في الأصل «الكشمهيني» والتصويب من «الأنساب» و «شرح السنة» .
(2) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» .
(3) كذا في المطبوع و «شرح السنة» وفي المخطوط «ثلاث» . [.....]
(4) زيادة من المخطوط.
(5) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «ط» وكتب التخريج.
(6) وقع في الأصل «عبد الله» وهو تصحيف.(1/293)