تفسير سورة النور
إعداد موقع المنبر
http://www.alminbar.net/
نشره موقع صيد الفوائد
http://www.saaid.net/
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: الآيات (1-10):
{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءايَاتٍ بَيّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذالِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ }.
أسباب النزول:(1/1)
قوله تعالى: {الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }:
عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً من المسلمين استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول، وكانت تسافح[1]، وتشترط له أن تنفق عليه، قال: فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو ذكر له أمرها، فقال: فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم: {وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}[2]. وفي رواية عنه رضي الله عنه قال: أُنزلت: {وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}[3].(1/2)
وعن عبد الله بن عمرو أيضاً قال: كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلاً يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغيّ بمكة يقال لها: عَناق، وكانت صديقةً له، وإنه كان وعد رجلاً من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط[4] مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عَناق فأبصرت سواد ظلّي بجنب الحائط، فلما انتهت إليّ عرفته، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد، فقالت: مرحباً وأهلاً، هلمّ فبِتْ عندنا الليلة، قلت: يا عناق حرّم الله الزنا، قالت: يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم، قال: فتبعني ثمانية، وسلكت الخندمة[5]، فانتهيت إلى كهفٍ أو غار، فدخلت فجاءوا حتى قاموا على رأسي، فبالوا، فظلَّ بولهم على رأسي، وأعماهم الله عنّي، قال: ثم رجعوا، ورجعت إلى صاحبي فحملته - وكان رجلاً ثقيلاً - حتى انتهيت إلى الإذخر[6]، ففككتُ عنه كَبْلَه[7]، فجعلت أحمله ويعينني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أنكح عناقاً؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد علي شيئاً حتى نزلت: {الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرّمَ ذالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا مرثد، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها إلا زانٍ أو مشرك، فلا تنكحها))[8].
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}:(1/3)
عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((البينة أو حدّ في ظهرك))، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة؟! فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((البينة وإلا حدّ في ظهرك))، فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني صادق، فلينزلنّ الله ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل، وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ}، فقرأ حتى بلغ: {بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله ليعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟))، ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقّفوها، وقالوا: إنها موجبة، قال ابن عباس: فتلكَّأت[9] ونكصت[10]، حتى ظننّا أنها ترجع، ثم قالت: لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين، سابغ الأليتين[11]، خدَلَّج[12] الساقين فهو لشريك بن سحماء))، فجاءت به كذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن))[13].(1/4)
وفي رواية أخرى عن ابن مسعود قال: إنا ليلة الجمعة في المسجد، إذ جاء رجل من الأنصار فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجل فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيض، والله لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت سكت على غيض، فقال: ((اللهم افتح))، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} وذكر الحديث[14].
القراءات:
1- {سُورَةٌ}:
1) {سورةٌ} بالرفع على أنها مبتدأ، وخبرها (أنزلناها)، وهذه قراءة الجمهور.
2) {سورةً} بالنصب على تقدير: أنزلنا سورة، وهي قراءة الحسن بن عبد العزيز وعيسى الثقفي ومجاهد وعيسى الكوفي وطلحة بن مصرّف[15].
2- {وَفَرَضْنَاهَا}:
1) {وفرَضْناها} بفتح الراء وتخفيفها، وهي قراءة الجمهور.
2) {فرّضناها} بتشديد الراء أي: قطعناها، وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو[16].
3- {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى}:
1) {الزانيةُ والزاني} بالرفع، وبها قرأ الجمهور.
2) {الزانيةَ والزاني} بالنصب على إضمار فعل، وهي قراءة عيسى بن عمر.
3) {الزانِ} بدون ياء، وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه[17].
4- {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا}:
1) {ولا تأخذكم} بالتاء، وهي قراءة الجمهور.
2) {ولا يأخذكم} بالياء، وبها قرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه والسلمي وابن مقسم وداود بن أبي هند عن مجاهد[18].
5- {رَأْفَةٌ}:
1) {رأْفة} بسكون الهمزة، وهذه قراءة الجمهور.
2) {رأَفة} بفتح الهمزة، وبها قرأ ابن كثير.
3) {رآفة} بالمد، كفَعالة، وهي قراءة ابن جريج[19].
6- { لاَ يَنكِحُ}:
1) {لا ينكحُ} بالرفع، و (لا) نافية، وقرأ بها الجمهور.(1/5)
2) {لا ينكحْ} بالسكون، و (لا) ناهية، وهي قراءة عمرو بن عبيد[20].
7- {وَحُرّمَ ذالِكَ}:
1) {وحُرم ذلك} بالبناء للمفعول، وهي قراءة الجمهور.
2) {وحَرَّم ذلك} بالبناء للفاعل، أي: حرّم الله ذلك، وهي قراءة أبو البرهسم[21].
8- {الْمُحْصَنَاتِ}:
1) {المحصَنات} بفتح الصاد، وبها قرأ الجمهور.
2) {المحصِنات} بكسر الصاد، وهي قراءة يحيى بن وثاب[22].
9- {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء}:
1) {بأربعةِ شهداء} على إضافة الأربعة إلى الشهداء، وهي قراءة الجمهور.
2) {بأربعةٍ شهداء} بتنوين (أربعة)، وهي إما في موضع جر نعت لأربعة، أو بدل، أو حال من نكرة، أو تمييز، وقرأ بها عبد الله بن مسلم بن يسار وأبو زرعة بن عمرو بن جرير[23].
10- {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء}:
1) {ولم يكن} بالياء، وهذه قراءة الجمهور.
2) {ولم تكن} بالتاء، وقرأ بها بعض القراء[24].
11- {بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء}:
1) {أربعُ شهادات} برفع (أربع) على الابتداء والخبر، وبها قرأ الكوفيون.
2) {أربع شهادات} بنصب (أربع) بتقدير فعليهم أن يشهد أحدهم أربعَ شهادات، وبهذه القراءة قرأ أهل المدينة وأبو عمرو[25].
12- {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ}:
1) {والخامسةُ} بالرفع على الابتداء وبها قرأ الجمهور.
2) {والخامسةَ} بالنصب أي: وتشهد الشهادةَ الخامسة، وبها قرأ أبو عبد الرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص[26].
13- {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ}:
1) {أنّ لعنة الله عليه} بتشديد أنّ، وقرأ بها جمهور القراء.
2) {أنْ لعنة الله عليه} بتخفيف أنْ، وهي قراءة نافع[27].
14- {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا}:
1) {أنّ غضب الله} بتشديد أنّ، وقرأ بها جمهور القراء.
2) {أنْ غضب الله} بتخفيف أنْ، وهي قراءة نافع وغيره[28].
المفردات:
1- {سُورَةٌ}: السورة في اللغة: المنزلة الشريفة الرفيعة، ولذلك سُميّت سورة القرآن، لشرفها وعلو منزلتها، قال زهير بن أبي سلمى:(1/6)
ألم ترَ أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذبُ[29]
2- {وَفَرَضْنَاهَا}: أصل الفَرْض: قطع الشيء الصلب، والتأثير فيه، و{فرَضْناها} بفتح الراء أي: أنزلنا فيها فرائض مختلفة، أما على قراءة {فرّضناها} بتشديد الراء أي: قطَّعناها في التنزيل، وأنزلناها نجماً نجماً، أي: جزءاً بعد جزء، وقسماً بعد قسم، وقيل: {فرّضناها} فصلناها وبينّاها، والمعنى واحد[30].
3- {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى}: الزنا: هو اسم لوطء الرجل امرأة في فرجها من غير نكاح ولا شبهة نكاح، ومن غير ملك ولا شبهة ملك، بمطاوعتها.
وقيل أيضاً: هو إدخال فرج في فرجٍ مشتهى طبعاً، محرّم شرعاً[31].
4- {فَاجْلِدُواْ}: الجَلْد: الضرب على الجْلد، مثل: بَطَنَه ورَأَسَه إذا ضرب بطنه ورأسه[32].
5- {رَأْفَةٌ}: الرأفة: الرقة والرحمة، وقيل: أرقّ الرحمة[33].
6- {طَائِفَةٌ}: الطائفة: هي الفرقة من الناس التي تكون حافة ومحيطة بالشيء، من الطوف، وأقل الطائفة ثلاثة، وقيل: اثنان، وقيل: واحد، وقيل أربعة، وقيل عشرة[34].
7- {الْمُحْصَنَاتِ}: التحصّن: التمنّع، ومنه الحِصْن لأنه يُمتنع فيه، ومنه الحِصان بكسر الحاء للفرس لأنه يمنع صاحبه، والحَصان بفتح الحاء: المرأة العفيفة، فالمحصنة هنا: الحرّة البالغة العفيفة[35].
8- {الْفَاسِقُونَ}: الفِسْق: الخروج، ومنه قولهم: فسقت الرطبة، إذا خرجت عن قشرها[36]، وفسق الرجل: خرج عن الطاعة، وجاوز الحد بالمعصية[37].
9- {تَابُواْ}: التوب في اللغة: ترك الذنب على أجمل الوجوه، وهو أبلغ وجوه الاعتذار، فإن الاعتذار على ثلاثة أوجه: إما أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، أو فعلت وأسأت وقد أقلعت، وفي الشرع: ترك الذنب لقبحه والندم على ما فرط منه، والعزيمة على ترك المعاودة، وتدارك ما أمكنه[38].
المعنى الإجمالي:(1/7)
ينبّه تعالى في بداية هذه السورة على مكانتها وفضلها، وأنه أنزلها وفيها فرائض وأحكام، أو أنه نزلها مقطعة نجماً نجماً في أحكامها، وفيها آيات واضحات الدلالة، لعل العباد يتذكرون، ثم يبدأ في سرد أحكام الزناة، إناثاً وذكوراً، فأمر بجلد كل زانٍ وزانية مائة جلدة، وهو غير المحصن كما بينته السنة المطهرة، على أن لا يرحمهما ولا يشفق عليهما من يقيم الحد، أيَّ رحمة تلجئه إلى ترك الحد والتهاون فيه، وإن كنتم تؤمنون بالله فلتقيموا حدوده وتنفذوا أوامره، آمراً إياهم أن يشهد هذا الحد جماعة من الناس اتعاظاً وعبرة، وفضحاً للزانيين، وقيل: ليدعوا لهما بالتوبة والرحمة، ثم أخبر تعالى أن الزاني لا ينكح في الغالب إلا زانية أو مشركة، والعكس كذلك بالنسبة للزانية، وقيل: بل هو نهي عن أن ينكح العفيف الزانية، وأن تنكح العفيفة الزاني، وهو الأظهر، مؤكداً تحريم ذلك النكاح على المؤمنين حتى يتوب الزناة، ثم ذكر تعالى حكم الذين يرمون المحصنات العفيفات بالزنا، ويُسمى القذف، أن هؤلاء إذا لم يأتوا بأربعة شهداء -والقاذف منهم بالطبع- قد رأوا الفاحشة رأي عين، بأن يروا الفرج في الفرج، ويكونوا جميعاً عدولاً، فإنهم إن لم يشهدوا كلهم يجلدون ثمانين جلدة لكل واحد منهم، بالإضافة إلى عدم قبول شهادتهم، والحكم الثالث أنهم فسقة، حتى يتوبوا إلى الله تعالى مما اقترفوا بحق المقذوف، فإذا تابوا توبة صادقة نصوحاً تاب الله عليهم وغفر ذنبهم، وهو الغفور للذنوب جميعاً، الرحيم بعباده حيث شرع لهم ما يحفظ أعراضهم ويصونها، ثم خصّ بعد ذلك الأزواج الذين يرمون زوجاتهم بالفاحشة، وجعل لهم مخرجاً من إقامة الحد عليهم، فإنهم إذا لم يجدوا شهوداً فقد شرع لهم الحكيم العليم الملاعنة، وهو أن يجتمع بزوجته التي قدفها في مكان شريف كالمسجد ووقت شريف، وقيل: بعد صلاة العصر، بحضور الإمام أو من ينوب عنه، فيقسم الزوج أولاً بالله أربع مرات: إنه من الصادقين، ثم يذكره(1/8)
الإمام بأن الخامسة موجبة، وأنه سيكون بعدها مستحقاً لما ينطق به، فإذا أصر حلّفه الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فإن ذكرها طُلقت منه عند أكثر العلماء، وحُرّمت عليه للأبد، ثم يتجه الإمام إلى الزوجة ويحلفها أربع مرات بالله إن زوجها لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنا، فإذا ذكرتها فعل معها الإمام ما فعل مع الزوج قبل ذكر الخامسة، وهي أن غضب الله عليها إن كان زوجها من الصادقين، فإذا قالتها فقد درأت عن نفسها الحد، ويفرّق بينها وبين زوجها، وينفى الولد إذا وجد حمل عن الزوج، ولا يُنسب إليه، ثم ذكر تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون عليهم من الضيق: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} والجواب محذوف وتقديره: لخرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم، وقيل تقدير المحذوف: لنالَ الكاذب منهما عذاب عظيم، ثم بيّن سبحانه مدى عِظم توبته على من تاب من عباده ولجأ إليه سبحانه ليغفر له الذنوب، وأنه تعالى حكيم فيما شرع لعباده من اللعان وفرض عليهم من الحدود، والحكيم من يضع الأمور في نصابها.
نصوص ذات صلة:
1- في قوله تعالى: {وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ...} الآية دلالة على أهمية إقامة الحدود، وما ينتج عنه من قيام مجتمع مثالي مؤمن طاهر نقي، وقد جاء في السنة المطهرة ما يدل على فضل إقامة حدود الله عز وجل، كالحديث الذي يرويه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حَدٌّ يُعمل في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا ثلاثين صباحاً))[39]. وفي رواية: ((...ثلاثين أو أربعين صباحاً))[40]، وفي رواية: ((...أربعين صباحاً))[41].(1/9)
3- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء...} جاء ذكر هذه الآية في حديث نبوي، وهو ما رواه ابن عباس قال: لما نزلت: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً} قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار: أهكذا نزلت يا رسول الله؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الأنصار، أتسمعون إلى ما يقول سيدكم؟!)) قالوا: يا رسول الله لا تَلُمْه، فإنه رجل غيور، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكراً، وما طلق امرأة له فاجترأ رجل منّا على أن يتزوجها من شدة غيرته، فقال سعد: والله يا رسول الله إني لأعلم إنها حق، وإنها من الله تعالى، ولكني قد تعجبت أني لو قد وجدت لكاعاً[42] تفخذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته... وذكر الحديث بطوله، وفيه قصة هلال بن أمية رضي الله عنه السابقة مع زوجته[43].
الفوائد:
1- في قوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ...} الآية، مجموعة من الفوائد، أهمها:
1) ذكر تعالى الذكر والأنثى هنا وكان يكفي الزاني، قيل: للتأكيد، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا}، ويحتمل أن ذكرهما هنا لئلا يظن ظان أن الرجل لما كان هو الواطئ والمرأة محلّ ليست بواطئة فلا يجب عليها حدّ[44].(1/10)
2) قدّم الله عز وجل ذكر الزانية حيث كان زنا النساء في ذلك الزمان فاشياً منتشراً، وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات وكُنّ مجاهرات، وقيل: لأن الزنى في النساء أعرّ، وهو لأجل الحَبَل أضرّ، وقيل لأن الشهوة في المرأة أكثر وعليها أغلب فصدّرها تغليظاً لتردع شهوتها، وقيل: لأنها هي الأصل إذ الباعث فيها أقوى، ولولا تمكينها له لم يزنِ[45].
3) أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى: {وَاللَاتِى يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ...} [النساء:15]، ولقوله تعالى: { وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَئَاذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا...} [النساء:16] باتفاق أهل العلم[46].
4) نصّت هذه الآية على حكم الزاني غير المحصن بأن يجلد مائة جلدة، وجاء في السنة أنه يُغرّب عاماً عن بلده، وبه أخذ جمهور العلماء خلافاً لأبي حنيفة حيث يرى أن التغريب إلى الإمام إن شاء غرّب وإن شاء لم يغرّب، وحجة الجمهور ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا: إن رجلاً من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أنشدك الله إلاّ قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم الآخر -وهو أفقه منه- : نعم فاقض بيننا بكتاب الله، وأْذنْ لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قُل))، قال: إن ابني كان عسيفاً على هذا فزنى بامرأته، وإني أُخبرتُ أن على ابني الرجم، فافتديت منه بشاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لأقضينّ بينكما بكتاب الله، الوليدة والغنم ردٌّ، وعلى ابنك جلد مائةٍ وتغريب عام، اغْدُ يا أُنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)) قال: فغدا علهيا فاعترفت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجمت[47].(1/11)
أما إن كان مُحصناً؛ وهو الذي وطئ في نكاح صحيح وهو حُرّ بالغ عاقل، فإنه يُرجم بالحجارة حتى يموت، كما في هذا الحديث وغيره من الأحاديث، وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل: لا نجد الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حقٌ على من زنى وقد أحصن إذا قامت البيّنة أو كان الحبل أو الاعتراف، ألا وقد رجم رسول الله ورجمنا بعده[48].
وعلى هذا فجمهور العلماء - ومنهم أبو حنيفة ومالك والشافعي- على أن المحصن يُرجم فقط، وذهب أحمد إلى أنه يُجلد للآية فهي عامة، ويُرجم بما ثبت بالسنة، واستدلوا بفعل علي بن أبي طالب حين أقام الحد على امرأة يقال لها: شرّاحة الهمدانية، فقد جلدها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة، وقال: أجلدها بكتاب الله، وأرجمها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم[49].
وأما المماليك فالحد عليهم نصف الحد على الأحرار خمسون جلدة؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25][50].
5) أجمع العلماء على أن الجلد بالسوط يجب، والسوط الذي يجلد به يكون سوطاً بين سوطين، لا شديداً ولا ليّناً[51].
6) واختلفوا في المواضع التي تُضرب، فقال مالك: الحدود كلها لا تُضرب إلا في الظهر، وكذلك التعزير، وقال الشافعي: جميع الأعضاء إلا الوجه والفرج، وضرب ابن عمر رضي الله عنهما في رجلي أمة زنتْ، وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: يُضرب الرأس وقيل غير ذلك، ولا شك أن حجة من قال: في الظهر هو قوله صلى الله عليه وسلم لهلال في الحديث السابق: ((البيّنة أو حد في ظهرك))[52]، وهي حجة قوية، ولعل الأمر متروك للإمام بما يراه مناسباً. والله أعلم.
7) واختلفوا هل يُضرب قائماً أو قاعداً، والظاهر أن الرجل يُضرب قائماً والمرأة قاعدة ليكون أستر لها[53].(1/12)
8) واختلفوا هل يُجرّد المحدود أم لا، فقيل: يجرّد ويترك على المرأة ما يسترها دون ما يقيها الضرب، وقيل: الإمام مخيّر إن شاء جرّد وإن شاء ترك، ويروى عن ابن مسعود: ((لا يحلّ في هذه الأمة تجريد ولا مدّ))[54].
9) أن يكون الضرب متوسطاً، غير مبرِّح، ولكنه مؤلم، لا يجرح ولا يبضع، قالوا: ولا يخرج الضارب يده من تحت إبطه، أي لا يُري إبطه[55].
10) قال أهل العلم: الحد الذي أوجبه الله في الزنى والخمر والقذف وغير ذلك ينبغي أن يقام بين أيدي الحكام، ولا يقيمه إلا فضلاء الناس وخيارهم؛ لأن الحدود قربة تعبديّة شرعية يجب المحافظة على فعلها وقدرها ومحلها وصالحها، ويختارهم الإمام لذلك، كما كانت الصحابة تفعل، فإن عثمان لم أتي بالوليد وقد سَكِر وصلى بالناس الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟! فقال عثمان لعلي: يا علي قم فاجلده، وأمر علي الحسن ليجلده فلم يقم، فأمر عبد الله بن جعفر، فقام يجلده وعليّ يعد حتى بلغ أربعين، فقال: أمسك، ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكُلٌّ سنّة، وهذا أحبّ إليّ[56].
11) قد عُلم حد الخمر والزنا وغيرهما فلا يجب أن يُتعدى، ولكن للإمام تقديره في حال دون أخرى، فقد رووا أن عمراً أُتي بسكران في رمضان فجلده مائة، ثمانين حد الخمر، وعشرين لهتك حرمة الشهر، ولعب رجل بصبي فضربه الوالي ثلاثمائة سوط أيام الإمام مالك فلم ينكر عليه، فعلى الإمام تقدير الحد بما يرى، بمشورة أهل العلم والفضل[57].(1/13)
12) شروط الإحصان الذي يجب على من توفرت فيه وزنى إقامة الحد هي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والعقد الصحيح، والوطء المباح الذي لا شبهة فيه، وزاد بعضهم أن لا يبطل إحصانهما بالارتداد، وأن يكون كل واحد من الزوجين مساوياً للآخر في شروط الإحصان، فلو تزوج الحر المسلم البالغ العاقل أمة أو صبية أو مجنونة أو كتابية ثم دخل بها فلا يصير محصناً، وهو بعيد[58]. وقال بعضهم: بل يُرجم الكافر لحديث اليهوديين اللذين رجمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم[59].
13) لا يشترط الإحصان في الرقيق، فيقام الحد على من أحصن ومن لم يحصن منهم، لقول علي رضي الله عنه: يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ولم يحصن، فإن أمةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنتْ، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أحسنت))، وفي رواية قال له: ((اتركها حتى تماثل))[60].
14) واختلفوا في العبد هل يُغرّب أو لا؟ والظاهر أنه لا يُغرّب لأنه مال مملوك لسيده، وفي تغريبه إضرار بالمالك وهو لا ذنب له، وهذا دليل على أنه لا يُرجم أيضاً ولو كان محصناً، لأن إهلاكه بالرجم إضرار بمالكه، ويؤيد كل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا زنت الأمة فتبيّن زناها فليجلدها ولا يثرب[61]، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرّب، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شَعَر))[62]، ولم يذكر صلى الله عليه وسلم تغريباً في حقها[63]، مع تكرارها للفعل.(1/14)
15) واختلفوا أيضاً في تغريب الأنثى، فمن قال تُغرّب استدل بعموم أدلة التغريب وظاهرها شمول الأنثى، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عنّي، خذوا عنّي، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيّب بالثيّب جلد مائة والرجم))[64]. واستدل المانعون بالدليل نفسه لقوله صلى الله عليه وسلم: ((البكر بالبكر))، والظاهر أنه شامل للأنثى أيضاً، كما استدل المانعون بأحاديث نهي المرأة عن السفر بدون محرم[65]، والذي يظهر أنها إذا وجدت محرماً متبرعاً للسفر معها وكان محل التغريب محلاً مأموناً لا تخشى فيه فتنة فإنها تُغرّب، وإلا فلا لأن المحرم لا ذنب له، ولا تسافر بدون محرم لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك[66].
16) واختلفوا هل يُحفر للمرجوم أم لا؟ فقد ورد في حديث ماعز عند مسلم أنه لم يُحفر له في رواية[67]، وفي رواية أنه حُفر له[68]، والمثبت مقدم على النافي، ويستوي في ذلك الذكر والأنثى، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بأن يحفر للغامدية رضي الله عنها إلى صدرها لما أراد رجمها، كما في الحديث السابق[69].
17) في قوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مّنَ الْمُؤْمِنِينَ} قيل: شهود الطائفة ليكون أبلغ في زجرهما وأنجع في ردعهما، فإن في ذلك تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة، وقيل: حضور الطائفة للدعاء لهما بالتوبة والرحمة[70].
واختلفوا في عدد هذه الطائفة، والراجح أن أي جماعة تفي بالغرض، ولا دليل على عدد معين[71].
2- في قوله تعالى: {الزَّانِى لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً...}:
1- اختلف أهل التفسير في مراد هذه الآية على أقوال:
الأول: أن المقصد تشنيع الزنى وتبشيع أمره، وأنه محرم على المؤمنين. ونُقل عن ابن عباس وأصحابه أن النكاح في الآية هو الوطء.
الثاني: أنها خاصة بامرأة يقال لها: عَنَاق، وقد تقدم حديث مرثد في قصته معها.
الثالث: أنها خاصة بأم مَهْزول، وقد تقدم حديثها أيضاً.(1/15)
الرابع: أنها نزلت في أهل الصفة، حيث لم يكن لهم في المدينة مساكن ولا عشائر، وهم من المهاجرين، وكان بالمدينة بغايا متعالنات بالفجور، مخاصيب بالكسوة والطعام، فهمّ أهل الصفة أن يتزوجوهن فيأووا إلى مساكنهن ويأكلوا من طعامهن، فنزلت هذه الآية صيانة لهم، ولا يخفى بُعْده.
الخامس: أن المقصود هنا الزاني المحدود والزانية المحدودة، أي: الذين أقيم عليهم الحد، فلا يجوز لزانٍ محدود أن يتزوج إلا محدودة، واستدلوا بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله: ((لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله))[72].
السادس: أنها منسوخة بقوله تعالى بعد آيات من سورة النور نفسها: {وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ...} والظاهر الأول، وقصة عناق سبب نزولها وتشهد للقول الأول، ولا شك أن الحكم عام[73].
2- استدل الإمام أحمد بهذه الآية على أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تُستتاب، فإن تابت صح العقد عليها، وإلا فلا، وكذا لا يصح تزويج المرأة الحرّة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة[74].
3- {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذالِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}:
1) نصت هذه الآية على بيان حكم القاذف للمحصنة، وهي الحرة البالغة العفيفة، وأنه يترتب على قذفه هذا ثلاثة أمور، وذلك إذا لم يأت بأربعة شهداء يشهدون برؤيتهم الواقعة-:
الأول: أن يُجلد ثمانين جلدة هو ومن معه إذا لم يتموا أربعة شهداء.
الثاني: أن ترد شهادته أبداً.
الثالث: أنه فاسق ليس بعدل لا عند الله، ولا عند الناس[75].(1/16)
2) نصّت الآية على قذف الذكور للإناث، وقد أجمعوا على أن قذف الذكور للذكور، أو الإناث للإناث، أو الإناث للذكور لا فرق بينه وبين ما نصّت عليه الآية للجزم بنفي الفارق بين الجميع[76].
3) للقذف عند العلماء شروط تسعة: شرطان في القاذف وهما:
1- العقل. 2- والبلوغ.
وشرطان في المقذوف به:
1- وهو أن يقذف بوطء يلزمه فيه حد؛ كالزنا واللواط.
2- أو بنفيه من أبيه دون سائر المعاصي.
وخمسة في المقذوف:
1- العقل. 2- والبلوغ. 3- والإسلام. 4- والحرية.
5- والعفة عن الفاحشة التي رُمي بها، كان عفيفاً من غيرها أم لا[77].
4) اتفقوا على أنه إذا صرّح بالزنى كان موجباً للحد، فإن عرّض ولم يصرّح، قيل: أوجب وقيل: لا، والصواب: أن التعريض إن كان يُفهم منه معنى القذف فهماً واضحاً من القرائن فإن صاحبه يُحدّ، لأن الجناية على عرض المسلم تتحقق بكل ما يفهم منه ذلك فهماً واضحاً، ولئلا يتذرّع بعض الناس لقذف بعضهم بألفاظ التعريض التي يفهم منها القذف بالزنا، والظاهر أنه على قول من قال: إن التعريض بالقذف لا يوجبه فلا بد من تعزير المعرِّض بالقذف للأذى الذي صدر منه لصاحبه بالتعريض[78].
5) جمهور العلماء على أنه لا حد على من قذف رجلاً من أهل الكتاب أو امرأة منهم، وقال سعيد بن المسيب وابن أبي ليلى والزهري: عليه الحد إن كان لها ولد من مسلم، وفيه قول ثالث وهو أنه إن قذف النصرانية تحت المسلم جُلد. أما إذا قذف النصراني المسلم الحر فعليه ما على المسلم ثمانون جلدة لا خلاف فيه[79].(1/17)
6) جمهور العلماء على أن العبد إذا قذف الحرّ جُلد أربعين جلدة لأنه حدّ يتشطّر كالرق ولقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25]، وروي عن ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز وغيرهما أنه يجلد ثمانين كالحر، لأن الآية في حد الزنا وهو حق لله تعالى، أما القذف فلا يقاس على الزنا لأنه حق لآدمي، والجناية لا تختلف بالرق والحرية، ولو كان يختلف لذكر كما ذُكر في الزنا، كما أن القذف جناية على عرض إنسان معين، والردع عن الأعراض حق للآدمي فيُردع العبد كما يردع الحر، وهو الأظهر والله أعلم[80].
7) أجمعوا على أن الحر إذا قذف العبد فإنه لا يُجلد لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من قذف مملوكه وهو بريء مما قال جُلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال))[81]، ولتباين مرتبتيهما، قالوا: وإنما كان ذلك في الآخرة لارتفاع المِلْك واستواء الشريف والوضيع والحر والعبد، ولم يكن لأحد فضل إلا بالتقوى[82].
8) أن الزنا هو الحكم الوحيد الذي يفتقر إلى أربعة شهداء دون سائر الحقوق؛ رحمة من الله بعباده وستراً لهم[83].
9) يشترط في الشهود الأربعة على واقعة الزنا أن يكونوا جميعاً رجالاً لقوله عز وجل: {فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ} [النساء:15]، وأن يروا الفرج في الفرج كالمرود[84] في المكحلة، وأن تكون رؤيتهم في موطن واحد، وإن اضطرب أحدهم في شهادته جُلد الثلاثة الباقين كما فعل عمر رضي الله عنه في قصة المغيرة، حيث شهد عليه أبو بكرة الثقفي وأخوه نافع وشبل بن معبد وزياد بن أبيه بالزنى، فلما استشهدهم عمر اضطرب زياد فلم يشهد بصراحة الزنى، فجلد عمر الباقين[85].
10) {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذالِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}:(1/18)
اتفق أهل العلم على أن الاستثناء هنا لا يرجع على الجلد لأنه قد حصل، واختلفوا هل يرجع الاستثناء على عدم قبول الشهادة والفسق، فإذا تاب قُبلت شهادته ورُفع عنه الفسق، أم أن الاستثناء يعود على الجملة الأخيرة فيرفع عنه الفسق، ولكن لا تُقبل شهادته أبداً، قال بالأول الجمهور، وبالثاني أبو حنيفة، واستُدل للجمهور بأن تخصيص التقييد بالجملة الأخيرة دون ما قبلها مع كون الكلام واحداً في واقعة شرعية من متكلم واحد خلافُ ما تقتضيه لغة العرب، وبأن التوبة تجبُّ ما قبلها، والزاني نفسه إذا تاب قُبلت توبته، واستدل من خالفهم بقوله تعالى: {أَبَداً} وأن الضمير يعود لأقرب مذكور، والصواب قول الجمهور[86].
11) أن حد القذف لا يُقام على القاذف إلا إذا طلب المقذوف إقامة الحدّ عليه، لأنه حق له[87].
12) من قذف جماعة بكلمة واحدة فعليه حدّ واحد، لأن الحد إنما وجب بإدخال المعرّة والنقص على المقذوفين، فإذا حُدّ حداً واحداً ظهر كذب القاذف، وزالت المعرة، وحصل به شفاء الغيظ بحدّه أما من رمى جماعة بكلمات فإنه يتعدد عليه الحدّ بعدد الكلمات التي قذف بها، لأنه قذف كل واحد قذفاً مستقلاً لم يشاركه فيه غيره، ولو حُدّ حداً واحداً لم يظهر به كذبه على الثاني، ولا تزول عنه به المعرّة[88].
13) ذكر الله تعالى في الآية النساء لأنهن أهمّ، ورميهنّ بالفاحشة أشنع، وأنكر للنفوس، وقذف الرجل داخل في الآية بالمعنى كما تقدم بالإجماع[89].
14) لا شهادة للنساء في الحدود لقوله تعالى: {فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} [النساء:15][90].(1/19)
4- {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ }:
1) في هذه الآيات شرع الله اللعان أو الملاعنة بين الزوجين، إذا رمى الرجل امرأته بالزنا، أو نفى ولده، فيحضر إلى الإمام فيشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به، ثم يوقفه الإمام ويخبره أن الخامسة موجبة لما يقوله، فإذا أصرّ ذكر في الخامسة أن عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين، فإذا قال ذلك بانت منه وحرُمت عليه أبداً، ووقع عليها حد الزنا، ولا يُدرأ عنها إلا أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به، فإذا قالتها فعل معها الإمام كما فعل مع الزوج، فإذا أصرت قالت الخامسة وهي أن غضب الله عليها إن كان صادقاً فيما قال، ثم يُفرق بينهما[91].
2) اللعان يُشرع لكل زوجين حرّين كانا أو عبدين، مؤمنين أو كافرين، فاسقين أو عدلين ولا بد أن يكونا مكلَّفَيْن، ولا لعان بين الرجل وأمَتَه، ولا بينه وبين أم ولده[92].
3) اختُلف في الشهادات المذكورة هنا فقيل:
1- هي شهادات لأن الله سماها كذلك.
2- هي أيمان لقوله تعالى: {أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} فلفظ الجلالة هنا يدل على أنها أيمان.
3- أيمان مؤكدة بلفظ الشهادة.
4- شهادات مؤكدة بلفظ الأيمان.(1/20)
ومحصلة الخلاف، أن من قال: هي شهادات أنه لا يصح عنده اللعان إلا ممن تجوز منه الشهادة، فيشترط في الملاعن والملاعنة العدالة وغيرها من شروط قبول الشهادة، ومن قال: إنها أيمان صح عنده اللعان من كل زوجين ولو كانا لا تصح شهادتهما لفسق أو غيره من مسقطات الشهادة. والظاهر أنها أيمان مؤكدة بالشهادة لقوله تعالى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ}، ولقوله تعالى: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا} [المائدة:107]، والمراد بالشهادة هنا اليمين، وهناك غيرها من الأدلة[93].
4) البدء في اللعان يكون بما بدأ الله به وهو الزوج، ومن بدأ بالمرأة لم يجُز لأنه عكس ما رتبه الله تعالى[94].
5) يفتقر اللعان إلى أربعة أشياء:
1- عدد الألفاظ: وهي أربعة.
2- المكان: ويُقصد به أشرف البقاع، وهو المسجد.
3- الوقت: وقالوا هو بعد صلاة العصر.
4- جمع الناس: بأن يكونوا أربعة أنفس فصاعداً.
فاللفظ وجمع الناس مشروطان، والزمان والمكان مستحبان[95].
6) الجمهور على أن الزوجين إذا تلاعنا نُفي الولد عن الزوج ولن يُنسب إليه، ويفرق بين الرجل والمرأة لا يتناكحان أبداً[96].
7) اختلفوا هل يشترط الرؤية في اللعان أم لا؟ على قولين، فمن لم يشترط الرؤية قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزوج: ((اذهب فأتِ بها))، ولم يكلفه ذكر الرؤية، كما أجمعوا أن الأعمى يلاعن وهو لا يرى، ومن قال لا بد من الرؤية استدل بحديث هلال بن أمية المتقدم وفيه أنه رأى بعينه وسمع بأذنه، وهو نص في أنه لا بد من الرؤية، وأيضاً اشترطوا أن يرى الفرج في الفرج كالمرود في المكحلة، وهو الراجح[97].
8) تجوز ملاعنة الأخرس إذا فُهم عنه ذلك[98].(1/21)
9) إذا قذف الرجل زوجته ثم أبى فقد اختلفوا هل يجب عليه الحد أم لا؟ قال أبو حنيفة: لا حد عليه لأن الله تعالى قد جعل على الأجنبي الحد، وعلى الزوج اللعان، فلما لم ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج، ويسجن الزوج حتى يلاعن؛ لأن الحدود لا تؤخر.
وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء: إذا لم يلتعن الزوج وجب عليه الحد، لأن اللعان له براءة كالشهود للأجنبي، فإن لم يأت الأجنبي بأربعة شهداء حُدّ، فكذلك الزوج إن لم يلتعن، وفي حديث ابن مسعود المتقدم في أسباب النزول ما يدل على ذلك لقول الأنصاري: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ... وهو الراجح[99].
10) في قوله تعالى: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} تخصيص الغضب بالمرأة للتغليظ عليها لكونها أصل الفجور ومادته، ولأن النساء يكثرن اللعن عادة كما جاء في الحديث المتفق عليه[100]، ومع استكثارهن منه لا يكون له في قلوبهن كبير موقع، بخلاف غضب الله تعالى[101].
11) في قوله تعالى: {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}:
استُدل به على جواز الدعاء باللعن على كاذب معيّن، إن كان الداعي صادقاًَ[102].
12) قوله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ}:
قال الزجاج: المعنى: ولولا فضل الله لنال الكاذب منهما عذاب عظيم[103].
[1] تسافح السفّاح: الزنا، يقال: سافحها مسافحة وسفاحاً. الصحاح للجوهري (1/375).
[2] أخرجه أحمد في مسنده (2/159)، وضعّف إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (6480).
[3] أخرجها أيضاً أحمد (2/225)، وضعف إسنادها أيضاً أحمد شاكر في تعليقه على المسند (7099، 7100)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/168)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/422).(1/22)
[4] الحائط: الجدار، ويُطلق على الأرض المحاطة؛ كالحديقة وغيرها، انظر: تهذيب اللغة للأزهري (5/185).
[5] الخَندمة: جبل أوجبال بمكة. انظر: معجم البلدان لياقوت الحموي (2/449).
[6] الإذخر: نبت طيب الريح، كانت قريش تستخدمه في كفن الموتى. انظر: تهذيب اللغة للأزهري (7/322)، وأذاخر: تُنية بين مكة والمدينة، دخل منها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأعلى مكة. انظر: الروض المعطار للحميري (ص 21).
[7] كَبْلَه: الكَبْل - بفتح الكاف وسكون الباء -: القيد الضخم. انظر صحاح الجوهري (5/1808).
[8] أخرجه الترمذي في تفسير القرآن، باب: ومن سورة النور (3177) بهذا اللفظ، وقال: حسن غريب، وأخرجه أيضاً أبو داود في النكاح، باب في قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية} (2051) مختصراً، والنسائي في النكاح، باب تزويج الزانية (3228) بنحو لفظ الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2538). وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/168)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/422).
[9] تلكأت: أي تباطأت وتوقفت، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/422).
[10] نكصت: نكص أي رجع. صحاح الجوهري (3/1060).
[11] سابغ الأليتين: أي عظيم الأليتين تامّهما. انظر: النهاية لابن الأثير (2/338).
[12] خذلج الساقين: أي ممتلئ الساقين. انظر صحاح الجوهري (1/309).
[13] أخرجه البخاري في تفسير القرآن، باب: (ويدرأ عنها العذاب...) (4747). وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/183)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/426-428).
[14] أخرجه مسلم في اللعان، باب: حدثنا زهير بن حرب... (1495).
[15] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/158)، فتح القدير للشوكاني (4/6).
[16] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/158)، فتح القدير (4/6-7).
[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/159-160)، فتح القدير (4/7)، روح المعاني للألوسي (18/76).(1/23)
[18] انظر: روح المعاني (18/83).
[19] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/166)، فتح القدير (4/8).
[20] انظر: روح المعاني (18/87).
[21] انظر: روح المعاني (18/88).
[22] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/172)، فتح القدير (4/12).
[23] انظر: الجامع لأحكام القرآن القرطبي (12/178)، فتح القدير (4/12).
[24] انظر: روح المعاني (18/105).
[25] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/182)، فتح القدير (4/15)، روح المعاني (18/105).
[26] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/183)، فتح القدير (4/15)، روح المعاني (18/106).
[27] انظر: فتح القدير للشوكاني (4/15)، روح المعاني للألوسي (18/106).
[28] انظر: روح المعاني (18/106).
[29] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/158)، فتح القدير (4/605).
[30] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/158)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/1417)، فتح القدير (4/6-7).
[31] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/159)، فتح القدير (4/7)، روح المعاني (18/78).
[32] انظر: فتح القدير (4/7)، روح المعاني (18/77).
[33] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/166)، فتح القدير (4/8).
[34] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/420)، فتح القدير (4/8)، روح المعاني (18/83-84).
[35] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/120) و (12/172)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/424)، فتح القدير (4/12).
[36] انظر: صحاح الجوهري (4/1543)، مفردات الراغب (ص 636).
[37] انظر: فتح القدير (4/13).
[38] انظر: مفردات الراغب (ص 169).
[39] أخرجه أحمد (2/402)، والنسائي في كتاب قطع السارق، باب الترغيب، في إقامة الحد (4904).
[40] أخرجها أحمد (2/362).(1/24)
[41] أخرجها ابن ماجة في الحدود، باب: إقامة الحدود (2538). وصححه الألباني بروايتيه في السلسلة الصحيحة (231)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/166)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/419).
[42] لكاعاً: امرأة لكاع: أي لئيمة، ورجل لُكَع. انظر: صحاح الجوهري (3/1280).
[43] أخرجه أحمد (1/238-239)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على المسند (2131).
[44] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/160).
[45] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/160)، روح المعاني (18/78).
[46] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/82 وما بعدها) و (12/159)، فتح القدير (4/7).
[47] أخرجه البخاري في كتاب الشروط، باب: الشروط التي لا تحل في الحدود (2725)، ومسلم في الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا (1698).
[48] أخرجه البخاري في الحدود، باب: الاعتراف بالزنا (6829) و (6830)، ومسلم في الحدود، باب: مرجم الثيب في الزنى (1691) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[49] أخرجه أحمد (1/93، 107، 140)، وعبد الرزاق (13350)، وصححه الحاكم (4/364-365)، قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (6/248)، وصحح أحمد شاكر إسناده في تعليقه على المسند، رقم (716، 839)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (2340).
[50] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/159-161)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/417-419)، فتح القدير (4/7)، أضواء البيان (6/5، 13-14، 41-48).
[51] انظر: الإجماع لابن عبد البر (ص 161)، رقم (699). الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/161).
[52] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/162)، روح المعاني (18/77-78).
[53] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/162)، روح المعاني (18/78).
[54] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/162)، روح المعاني (18/96).
[55] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/163).(1/25)
[56] أخرجه مسلم في الحدود، باب: حد الخمر (1707).
[57] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/335)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/164).
[58] انظر: روح المعاني (18/80).
[59] أخرجه البخاري في الجنائز، باب: الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد (1329)، و (4556) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[60] أخرجه مسلم في الحدود، باب: تأخير الحد عن النفساء (1705)، وانظر: روح المعاني (18/82).
[61] يثرّب: التثريب: التأنيب والتعيير والاستقصاء في اللّوم، صحاح الجوهري (1/92).
[62] أخرجه البخاري في البيوع، باب: بيع العبد الزاني (2152)، ومسلم: في الحدود، باب: رجم اليهود أهل الذمة في الزنى (1703) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد فهم البخاري عدم نفي الأمة فقال في كتاب الحدود: باب: لا يُثرّب على الأمة إذا زنت ولا تنفى.
[63] انظر: روح المعاني (18/82)، أضواء البيان (6/66-67).
[64] أخرجه مسلم في الحدود، باب: حد الزنا (1690) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
[65] أخرجه البخاري في تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة (1086-1088) عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومسلم في الحج، باب: سفر المرأة مع محرم... (1338) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[66] انظر: روح المعاني (18/82)، أضواء البيان (6/65-66).
[67] صحيح مسلم: كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا (1694) عن بريدة رضي الله عنه.
[68] صحيح مسلم: كتاب الحدود، باب: من اعترف على نفسه بالزنا (1695) عن بريدة رضي الله عنه.
[69] انظر: أضواء البيان (6/49-53).
[70] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/167)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/420)، روح المعاني (18/83).
[71] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/166)، روح المعاني (18/83).(1/26)
[72] أخرجه أبو داود في النكاح، باب في قوله تعالى: {الزاني لا ينكح إلا زانية} (2052)، والحاكم (2/166)، قال ابن العربي: وهذا معنى لا يصح نظراً، كما لا يثبت نقلاً. أحكام القرآن (3/338).
[73] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/336-339)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/167-169) فتح القدير (4/8-9).
[74] انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/421).
[75] انظر: تفسير سورة النور لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص 37-38)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/424).
[76] أضواء البيان (6/89).
[77] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/173).
[78] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/173-174)، أضواء البيان (6/94-99).
[79] انظر: الإجماع لابن عبد البر (ص 162)، رقم (705)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/174)، فتح القدير (4/12).
[80] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/174)، أضواء البيان (6/92-93).
[81] أخرجه البخاري في الحدود، باب: قذف العبد (6858)، ومسلم في الأيمان، باب: التغليظ على من قذف مملوكه بالزنا (1660) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
[82] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/174-175)، أضواء البيان (6/93-94).
[83] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/176).
[84] المِرْوَد: هو الميل الذي يوضع في المكحلة. انظر: عون المعبود على سنن أبي داود لشمس الحق العظيم آبادي (12/72).
[85] انظر: الجامع لأحكام القرآن (5/84) و (12/178)، وسير أعلام النبلاء (3/6، 27-28)، وانظر: كلام المحقق، أضواء البيان (6/15-18).
[86] انظر: تفصيل المسألة: في الجامع لأحكام القرآن (12/178-179)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/424-425)، وفتح القدير (4/13-14)، أضواء البيان (6/89-92).
[87] انظر: أضواء البيان (6/101).
[88] انظر: أضواء البيان (6/104-107).
[89] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/172).(1/27)
[90] انظر: روح المعاني (18/108).
[91] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/185)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/425).
[92] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/186).
[93] انظر: أضواء البيان (6/134-138).
[94] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/191-192).
[95] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/193، 195)، أضواء البيان (6/147).
[96] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/194).
[97] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/185).
[98] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/187).
[99] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/191).
[100] صحيح البخاري: كتاب الحيض، باب: ترك الحائض الصوم (304) عن أبي سعيد، وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان... (80) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[101] انظر: فتح القدير (4/16)، روح المعاني (18/106).
[102] انظر: روح المعاني (18/111).
[103] فتح القدير (4/16).
ثانيا: الآيات (11-26):(1/28)
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلّ امْرِىء مّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَاذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَّوْلاَ جَاءو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِى مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَاذَا سُبْحَانَكَ هَاذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ * ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَاكِنَّ اللَّهَ يُزَكّى مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَلاَ يَأْتَلِ(1/29)
أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ * الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيّبَاتُ لِلطَّيّبِينَ وَالطَّيّبُونَ لِلْطَّيّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }.
أسباب النزول:
1- {إِنَّ الَّذِينَ جَاءوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ...}:(1/30)
نزلت هذه الآيات في حادثة الإفك؛ وهي التي رُميت فيها عائشة رضي الله عنها، الطاهرة المطهرة، الصديقة بنت الصديق بالفاحشة، وقد جاءت لهذه القصة روايات كثيرة، وأشملها وأصحها ما رواه الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص الليثي وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله منه قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها، وبعضهم أوعى من بعض وأثبت له اقتصاصاً، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة، وبعض حديثهم يصدق بعضاً، زعموا أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت معه بعدما أُنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلتُ إلى الرحل، فلمست صدري، فإذا عقد لي من جزع أظفار[1] قد انقطع، فرجعت، فالتمست عقدي، فحبسني ابتغاؤه، فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ولم يغشهن اللحم وإنما يأكلن العلقة[2] من الطعام، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج، فاحتملوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأممت منزلي الذي كنت به فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ يدها(1/31)
فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة فاشتكيت بها شهراً، والناس يفيضون من قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض، إنما يدخل فيسلم، ثم يقول: ((كيف تيكم؟))، لا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت[3] فخرجت أنا وأم مسطح قِبَل المناصع[4] متبرزنا[5] لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التنزّه، فأقبلت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم نمشي، فعثرت في مرطها[6] فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً؟! فقالت: يا هنتاه[7] ألم تسمعي ما قالوا؟! فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال: ((كيف تيك؟)) فقلت: ائذن لي إلى أبوي، قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيت أبوي، فقلت لأمي: ما يتحدث به الناس؟ فقالت: يا بنية هوني على نفسك الشأن، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها، فقلت: سبحان الله ولقد يتحدث الناس بهذا، قالت: فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث[8] الوحي، يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم، فقال أسامة: أهلك يا رسول الله، ولا نعلم والله إلا خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول اله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: ((يا بريرة هل رأيت فيها شيئاً يريبك؟))(1/32)
فقالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمراً أغمصه[9] عليها قط أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين فتأتي الداجن فتأكله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، وقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي))، فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية فقال: كذبت لعمروالله لا تقتله، ولا تقدر على ذلك، فقام أسيد بن حضير فقال: كذبت لعمروالله، والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى همّوا[10] ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فنزل فخفضهم حتى سكتوا وسكت، وبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتين ويوماً، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، قالت: فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل في ما قيل قبلها، وقد مكث شهرا لا يُوحى إليه في شأني شيء، قالت: فتشهد ثم قال: ((يا عائشة، فإنه بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه))، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة، وقلت لأبي: أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله(1/33)
صلى الله عليه وسلم فيما قال، قالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: إني والله لقد علمت أنكم سمعتم ما يتحدث به الناس، ووقر في أنفسكم، وصدقتم به، ولئن قلت لكم: إني بريئة - والله يعلم إني لبريئة - لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني بريئة - لتصدقني، والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف:18]، ثم تحولت على فراشي، وأنا أرجو أن يبرئني الله، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحياً، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله، فوالله ما رام مجلسه، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء[11] حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات، فلما سُري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك فكان أول كلمة تكلم بها أن قال لي: ((يا عائشة احمدي الله فقد برأك الله)) فقالت لي أمي: قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مّنْكُمْ} الآيات، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعدما قال لعائشة، فأنزل الله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ} إلى قوله: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فقال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري فقال: ((يا زينب، ما علمت؟ ما رأيت؟))، فقالت:(1/34)
يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت عليها إلا خيراً، قالت: وهي التي كانت تساميني، فعصمها الله بالورع[12].
2- {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً...}:
عن بعض الأنصار من بني النجار أن أبا أيوب خالد بن زيد الأنصاري قالت له امرأته أم أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا والله، ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خير منكِ، فنزلت[13].
3- {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ}:
وقد نزلت في أبي بكر رضي الله عنه كما مر في حديث الإفك.
القراءات:
1- {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ}:
1) {كِبْرَه} بكسر الكاف، وهي قراءة الجمهور.
2) {كُبْره} بضم الكاف، وقرأ بها حميد الأعرج ويعقوب وغيرهما[14].
2- {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ}:
1) {إذ تَلَقَّونه بألسنتكم} بفتح التاء واللام وتشديد القاف المفتوحة، من التلقّي، وهي قراءة الجمهور.
2) {إذ تَلِقُوْنه بألسنتكم} بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف، من ولق الرجل يلق ولقاً، إذا كذب واستمر عليه، وهي قراءة عائشة رضي الله عنها، وابن يعمر.
3) {إذ تُلْقُونه} بضم التاء وسكون اللام وضم القاف، من الإلقاء، وبها قرأ محمد بن السَّمَيْقع.
4) {إذ تتُلْقُونه} بتاءين، من التلقي، وهي قراءة ابن مسعود وأبيّ رضي الله عنهما.
5) {إذ تَّلقَّونه} مثل قراءة الجمهور، ولكن بإدغام الذال في التاء، وهي قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي.
6) {إذ تلقونه} بإدغام التاء في التاء، وقرأ بها ابن كثير.
7) {إذ تِيلَقونه} بتاء مكسورة بعدها ياء ولام مفتوحة، كأنه مضارع (ولِق)، وقرأ بها يعقوب في رواية المازني.
8) {إذ تَلْقَونه} بفتح التاء والقاف وسكون اللام، وهي رواية عن ابن السميقع.(1/35)
9) {إذ تأْلقونه} بفتح التاء بعدها همزة ولام، من الألق، وهو الكذب، وهي قراءة زيد بن أسلم وأبي جعفر.
10) {إذ تثقفونهم} بتاء بعدها ثاء ثم قاف وفاء، من ثقفت الشيء إذا طلبته فأدركته، وهي مروية عن سفيان بن عينية من قراءة أمه.
11) {إذ تقْفُونه} من قفاه إذا تبعه، وقرأ بها بعض القراء[15].
3- {خُطُواتِ الشَّيْطَانِ}:
1) {خُطُوات الشيطان} بضم الطاء، وهي قراءة الجمهور.
2) {خُطْوات الشيطان} بسكون الطاء، وقرأ بها عاصم والأعمش[16].
4- {مَا زَكَى مِنكُم}:
1) {ما زكى} بتخفيف الكاف، أي: ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رُشداً، وقرأ بها جمهور القراء.
2) {ما زكّى} بتشديد الكاف، أي: ما زكىّ الله وطهّره ولا هدى أحداً منكم، وقرأ بها الحسن وأبو حيوة[17].
5- {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ}:
1) {ولا يأتلِ} وقرأ بها الجمهور.
2) {ولا يتألَّ} مضارع (تألى) بمعنى حلف، وهي قراءة عبد الله بن عباس بن ربيعة وزيد بن أسلم[18].
6- {أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى الْقُرْبَى}:
1) {أن يؤتوا} بالياء، وهي قراءة الجمهور.
2) {أن تؤتوا} بالتاء على الالتفات للخطاب، وبها قرأ أبو حيوة وابن قطيب وأبو البرهسم[19].
7- {وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ}:
1) {وليعفوا وليصفحوا} بالياء في الفعلين، وهي قراءة الجمهور.
2) {ولتعفوا ولتصفحوا} بالتاء في الفعلين، وهي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه والحسن وسفيان بن الحسين وأسماء بنت يزيد[20].
8- {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ}:
1) {تشهد عليهم} بالتاء، وهي قراءة الجمهور.
2) {يشهد عليه} بالياء، وبها قرأ الأعمش وحمزة والكسائي وغيرهم[21].
9- {يُوَفّيهِمُ اللَّهُ}:
1) {يوفيّهم} بالتشديد، وهي قراءة جمهور القراء.
2) {يوفِيهم} بالتخفيف، وهي قراءة زيد بن علي[22].
10- {دِينَهُمُ الْحَقَّ}:
1) {دينهم الحقَ} بنصب (الحق) على أنه صفة لـ(دينهم)، وهذه قراءة الجمهور.(1/36)
2) {دينهم الحقُ} برفع (الحق) على أنه صفة لله عز وجل، وقرأ بها ابن مسعود رضي الله عنه ومجاهد وأبو حيوة[23].
المفردات:
1- {ِالإفْكِ}: الكذب والبهت والافتراء، وأصل الأَفْك بفتح ثم سكون: القلب والصرف؛ لأن الكذب مصروف عن الوجه الذي يحق[24].
2- {عُصْبَةٌ}: أصل العصبة في اللغة: الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض، وهم الجماعة من العشرة إلى الأربعين، وقيل غير ذلك[25].
3- {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}: الشر: ما زاد ضرّه على نفعه، والخير: ما زاد نفعه على ضرّه، قالوا: وإن خيراً لا شرَّ فيه هو الجنة، وشرّاً لا خير فيه هو جهنم[26].
4- {وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ}: الكُبر بالضم، معظم الأمر، وبالكسر البراءة بالشيء، وقيل: الإثم، والجمهور على الأول، أي والذي تحمل معظمه[27].
5- {أَفَضْتُمْ}: الإفاضة: الأخذ في الحديث، يقال: أفاض القوم في الحديث أي أخذوا فيه[28].
6- {هَاذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}: البهتان: هو أن يقال في الإنسان ما ليس فيه[29]، و هو الكذب الذي يبهت سامعه لفظاعته[30].
7- {تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ}: تشيع: أي تفشو وتنتشر، من قوله: شاع الشيء يشيع شيوعاً وشيعاً وشيعاناً: إذا ظهر وانتشر، والفاحشة: الفعل القبيح المفرط القُبْح، وقيل: هو في هذه الآية الزنا، وقيل: القول السيئ[31].
8- {خُطُواتِ الشَّيْطَانِ}: قيل: عمله، وقيل: مسالكه ومذاهبه، وقيل: نزغاته، وقيل: كل معصية هي من خطوات الشيطان[32]. ولا تعارض بين ذلك.
9- {يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ}: الفحشاء تقدم معناها، أما المنكر فهو: ما ينكره الشرع[33].
10- {مَا زَكَى}: أصل الزكاة: النمو الحاصل عن بركة الله تعالى، ويعتبر ذلك بالأمور الدنيوية والأخروية[34]، والتزكية: التطهير[35]، وهو في هذه الآية: الطهارة من أنجاس الشرك والمعاصي[36].(1/37)
11- {وَلاَ يَأْتَلِ}: من الأليّة وهو الحَلْف، ويقال: ائتلى يأتلي إذا حلف، وقيل: معنى {وَلاَ يَأْتَلِ} أي: لا يقصِّر أصحاب الفضل، من الألوْ بوزن الدلو، ومن الأُلوّ بوزن العتوّ، ومنه قوله تعالى: {لاَتَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ لاَيأْلُونَكُمْ خَبالاً} [آل عمران:118]، أي: لا يقصرون في مضرتكم، والأول هو الأصح[37].
12- {وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ}: أصل العفو: من عفتِ الريح الأثر إذا طمسته، ومن عفا الربع أي: درس، فمعنى العفو: محو الذنب كما تعفو الريح الأثر، وكما يعفو الربع إذا درس، والمعنى: فليطمسوا آثار الإساءة بحلمهم وتجاوزهم. والصفح قال بعض أهل العلم: مشتق من صفحة العنق، أي: أعرضوا عن مكافأتهم إساءَتهم حتى كأنكم تَلْوونها بصفحة العنق معرضين عنها[38].
13- {الْغَافِلَاتِ}: هنّ اللاتي غفلن عن الفاحشة بحيث لا تخطر ببالهنّ ولا يفطنّ لها، وفي ذلك من الدلالة على كمال النزاهة وطهارة ما لم يكن في المحصنات، وقيل: الغافلات: السليمات الصدور، النقيّات القلوب[39]، والمعنى واحد.
14- {يَوْمَئِذٍ يُوَفّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ}: التوفية: إعطاء الشيء وافياً، والدين هنا الجزاء، ومنه قولهم: كما تدين تدان، وقوله: {دِينَهُمُ} أي: جزاءهم الذي هو في غاية العدل والإنصاف، والحق أي: الثابت، وقال بعضهم: أي جزاءهم الواجب الذي هم أهله، والأول أصح[40].
المعنى الإجمالي:(1/38)
أنزل الله هذه الآيات في شأن عائشة رضي الله عنها حين رماها أهل الإفك والبهتان بما قالوه من الكذب والفرية، فردّ الله عن عرض نبيه صلى الله عليه وسلم وبرّأ الصديقة بنت الصديق، مبيناً أن الذين جاءوا بهذا الإفك مجموعة منهم من المؤمنين اغتروا بالمنافقين، وهو خير للرسول صلى الله عليه وسلم ولآله والمؤمنين لا شر عليهم، وأن لكل من خاض في هذا الإفك نصيبه من الإثم، وللذي تولى معظمه عذاب أليم عظيم، وهو رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، ثم لامهم وقال: هَلاّ إذا سمعتم هذا الأمر ظننتم ببعضكم البعض خيراً، وبينوا أنه إفك ظاهر لا مجال للشك فيه، ثم أدبهم بأدب قائلاً: هلا جاءوا عليه أربعة شهداء يشهدون بذلك، فإن لم يأتوا بهم - والحال كذلك - فأولئك في حكم الله هم الكاذبون حقاً، الفاجرون يقيناً، ثم بيّن فضله تعالى على عباده ورحمته بهم في الدنيا والآخرة، وأنه لولا ذلك الفضل، وقبوله تعالى لتوبة من اشترك في هذا الأمر لمسّ الخائضين فيه، والمتكلمين به عذاب عظيم، فهم قد تلقوه بألسنتهم وقالوا بأفواههم ما لا يعلمون، وهم يحسبون هذا الأمر هيّناً سهلاً، ولكنه عند الله عظيم عظيم، فإنه تعالى يغار ولا أحد أشد منه غيرة، ثم نبههم إلى أدب ثان فقال: هلاّ إذا سمعتم هذا الإفك، قلتم ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا، وما يليق بنا الكلام بهذا الإفك المبين الظاهر، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح، ثم نهاهم سبحانه أن يعودوا لمثل هذا الأمر أبداً ما دمتم أحياء، إن كنتم تؤمنون بالله وشرعه، وتعظمون رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ويوضّح الله لكن الأحكام الشرعية والحكم القدرية، والله كامل العلم بما يصلح عباده، حكيم عام الحكمة في شرعه وقدره، ثم أدّبهم أدباً ثالثاً فمن سمع شيئاً من الكلام السيئ فقام بذهنه شيء وتكلّم به فلا يكثر منه ولا يشيعه ولا يذيعه، فإن الذين يحبون أن تنتشر وتظهر الفاحشة والمعاصي بأنواعها بين(1/39)
المؤمنين أوعدهم الله عذاباً أليماً في الدنيا بإقامة الحدّ، وفي الآخرة بعذاب الله الذي لا يحُتمل ولا يُطاق، والله يعلم كل شيء، وأنتم لا تعلمون إلا ما قُدّر لكم، فردّوا إليه الأمور ترشدوا، ثم كررّ فضله على عباده سبحانه وأنه رؤوف رحيم، فلولا رحمة الله لما بيّن لكم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، ولما أمهل من خالف أمره إلى حين، ثم حذّر المؤمنين من اتباع مسالك الشيطان وطرقه، ومن يفعل ذلك فإن الشيطان يأمر بما تستفحشه الشرائع والعقول من الآثام والذنوب وما تنكره، وفي هذا تنفير وتحذير من ذلك بأفصح عبارة وأبلغها وأوجزها وأحسنها، مؤكداً فضله على عباده وأنه لولا هذا الفضل لما تطهّر أحد من اتباع خطوات الشيطان، ولكنه سبحانه رحيم بعباده فهو يطهر من يشاء من عباده ممن يعلم صلاحه، ويعلم حبّه لهذه التزكية، وأنه سميع لأقوال عباده، عليم بمن يستحق منهم الهدى والضلال، ثم نهى أولي الفضل والطَّوْل والصدقة والإحسان من الحلف بأن لا ينفقوا على القرابة والمساكين والمهاجرين، وهي نزلت - كما تقدم - في أبي بكر حين حلف أن يقطع نفقته عن مسطح بن أثاثة لما خاض في الإفك، فوجه هؤلاء الفضلاء أن يعفوا ويصفحوا عمن فعل ذلك، مهيّجاً نفوسهم بسؤاله: ألا يحبون أن يغفر الله لهم إذا عفوا عمن أساء إليهم، فإن الجزاء من جنس العمل، فإذا غفروا وعفوا عمن أساء، فإن الله يعاملهم بالمثل فيتجاوز عن سيئاتهم، ثم حذّر سبحانه الذين يرمون الغافلات من المؤمنات بالفاحشة بأنهم لعنوا في الدنيا والآخرة، وأوعدهم عذاباً عظيماً لا طاقة لهم به، مذكّراً إياهم بأن ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم ستشهد عليهم يوم القيامة بما فعلوا بها، عندئذٍ وفي ذلك اليوم فإن الله سيوفيّهم جزاءهم وحسابهم الثابت بعدله الذي لا يقاربه عدل، عندها سيعلمون أن الله هو الحق الظاهر، وأن انحصار الحق في الله تعالى، ثم ذكر عز وجل أن كل خبيث من الرجال والنساء والكلمات والأفعال(1/40)
مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء والكلمات والأفعال مناسب للطيب وموافق له ومقترن به، ومشاكِل له، وأن الطيبين والطيبات كعائشة والمؤمنات المحصنات الغافلات مبرؤون مما يقول أهل الإفك، وعداً إياهم مغفرة تستغرق الذنوب، ورزقاً كريماً في الجنة صادراً من رب كريم، بل أكرم الأكرمين سبحانه وتعالى.
نصوص ذات صلة:
1- قوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}:
ورد في السنة النبوية في معنى هذه الآية أحاديث، منها قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الرجل ليتكلّم بالكلمة ما يتبين فيها يزلّ بها في النار أبعد مما بين المشرق))[41].
2- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِى الَّذِينَ ءامَنُواْ...}:
ورد في السنة المطهرة أحاديث في النهي عن أذية المؤمنين وتتبّع عوراتهم فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تؤذوا عباد الله، ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته))[42].
3- قوله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً...}:
في الآية أن الله يتفضل بتزكية من يشاء من عباده المستحقين للتزكية، وقد جاء هذا الأمر مبيّناً في غير هذا الموضع من كتاب الله تعالى، كقوله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء} [النساء:49]، وقوله تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّواْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم:32][43].(1/41)
4- {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}:
جاء في موضع آخر من كتاب الله عز وجل النهي عن الحلف عن فعل البرّ كقوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ}[44].
5- {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}:
ورد في السنة المطهرة النهي عن قذف المحصنات بأشد عبارة وأعظمها وقرنه بالشرك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قالوا: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))[45].
وفي حديث آخر عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ((إن قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة))[46].
6- قوله تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}:(1/42)
ورد في الحديث الشريف ذكر شهادة أعضاء الإنسان بما عمل، فعن أنس رضي الله عنه قال: كنّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك، فقال: ((هل تدرون مم أضحك؟))، قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي شاهداً إلا منيّ. قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً، وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيُختم على فيه، فيُقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعداً لكُنّ وسحقاً، فعنكنّ كنت أناضل))[47].
الفوائد:
1- قوله تعالى: {لِكُلّ امْرِىء مّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِى تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: المشهور عند المفسرين أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، وهو الذي بدأ به، وكان يشيع الخبر ويستوشيه ويشعله، وممن تحدث فيه حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة ابن خالة أبي بكر الصديق، وقيل: ابن أخته، وحمنة بنت جحش أخت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنهم أجمعين، والمشهور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب حسان ومسطحاً وحمنة الحدّ، ولم يحد عبد الله بن أبي لأن عذابه في الآخرة أكبر، ولأن إقامة الحد إنما هو ليكون كفارة للمسلم في الدنيا، فلذا لم يقم الحد على ابن أبي لئلا يخفَّ عنه العذاب في الآخرة، وقيل: استئلافاً لقومه، واحتراماً لابنه فهو من أجلاء الصحابة، وإطفاء لثائرة الفتنة المتوقعة من ذلك، والتي كان مظهر مبدئها من سعد بن عبادة، كما مرّ في حديث الإفك السابق في أسباب النزول[48].(1/43)
2- قوله عز وجل: {لَّوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَاذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}: قال أهل العلم: هذه الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان ومنزلة الصلاح التي حلّها المؤمن ولُبسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل - وإن شاع - إذا كان أصله فاسداً أو مجهولاً[49].
3- قوله عز وجل: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً...} قال الإمام مالك: من سبّ أبا بكر وعمر أُدب، ومن سب عائشة قُتل؛ لأن الله تعالى يقول: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} فمن سبّ عائشة فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قُتل، وقال أصحاب الشافعي: من سبّ عائشة أُدّب كما في سائر المؤمنين، وليس قوله: {إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} في عائشة لأن ذلك كفر، إنما هو كما قال صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن)) ثلاث مرات، قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه))[50]. ولو كان سلبه الإيمان في سبّ من سبّ عائشة حقيقة لكان سلبه في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))[51] حقيقة، ورد عليهم المالكية بأن عائشة رماها أهل الإفك فبرأها الله، فكل من سبّها بما برأها الله به فهو مكذب لله، ومن كذّب الله فهو كافر، أما لو أن رجلاً سبّ عائشة بغير ما برأها الله به فجزاؤه التأديب[52].(1/44)
4- قول الله تعالى: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءوفٌ رَّحِيمٌ * ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَاكِنَّ اللَّهَ يُزَكّى مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}: لا تعارض بين هذه الآية وبين قوله عز وجل: {قد أفلح من زكاها} ولا قوله: {قد أفلح من تزكى} - على القول بأن معنى تزكى: تطهّر من أدناس الكفر والمعاصي، لا على أن المراد بها خصوص زكاة الفطر - لأن قوله: {من زكاها} أنه لا يزكيها إلا بتوفيق الله وهدايته إياه للعمل الصالح وقبوله منه[53].
5- قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُواْ أُوْلِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُواْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}: في هذه الآية دلالة على أن القذف - وإن كان شيئاً كبيراً - فإنه لا يحبط الأعمال، وأن ما لا يكون ردة من المعاصي لا يحبط العمل كذلك، لأن الله تعالى وصف مسطح بن أثاثة بأنه مهاجر مع أنه حصل منه ما حصل[54].
وفيها أيضاً أن المسلم إذا حلف على أن لا يفعل شيئاً ثم رأى أن فعله أولى أتاه، ثم كفرّ عن يمينه، أو كفّر عن يمينه أولاً ثم أتاه، كما فعل أبو بكر الصديق رضي الله عنه[55]، وقد جاء في هذا الأمر أحاديث مرفوعة وآثار موقوفة[56].(1/45)
6- قوله تعالى: {أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}: في هذه الآية تمثيل ومقابلة، أي: كما تحبون أن يغفر الله لكم ويعفو عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن أساء إليكم ممن هو دونكم، وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: ((من لا يَرْحم لا يُرْحم))[57].
7- {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}: اختُلف في {الْمُحْصَنَاتِ} في هذه الآية:
1) فقيل: هي في عائشة رضي الله عنه خاصة.
2) وقيل: هي في عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
3) وقيل: نزلت في عائشة إلا أنه يراد بها كل من اتصف بهذه الصفة.
4) وقيل: بل هي عامة في جميع الناس القذفة من ذكر أو أنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات.
5) وقيل: بل نزلت في مشركي مكة، لأنهم يقولون للمرأة إذا هاجرت: إنما خرجت لتفْجُر[58].
8- في هذه الآيات كلها بيان لفضل عائشة رضي الله عنها ومكانتها حيث أنزل الله فيها وحياً يُتلى إلى يوم الدين، وعاقب من افترى عليها أشد عقوبة وأنكاها، وعنها رضي الله عنها أنها قالت: خلال سبع لم تكن في أحدٍ من النساء إلا ما آتى الله مريم بنت عمران، والله ما أقول هذا فخراً على أحد من صواحبي، فقال لها عبد الله بن صفوان: وما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: نزل الملك بصورتي، وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين، وأهديت إليه لتسع سنين، وتزوجني بكراً لم يشركه فيّ أحد من الناس، وكان الوحي يأتيه وأنا وهو في لحاف واحد، وكنت أحبَّ الناس إليه، وبنت أحبِّ الناس إليه، وقد نزل فيّ آيات من القرآن، وكادت الأمة تهلك فيّ، ورأيت جبريل ولم يره أحد من نسائه غيري، وقُبض في بيتي لم يَلِهِ أحد غيري والملَك[59]، والأحاديث في فضلها كثيرة مشهورة.(1/46)
[1] الجزع: الخرز اليماني، الواحدة جزعة. النهاية لابن الأثير (1/269)، والأظفار: ذكر ابن الأثير أنه هكذا رُوي والصواب أنه (ظفار) وهو اسم لمدينة لحمير باليمن. انظر: النهاية (3/158).
[2] العُلْقَة: أي البلغة من الطعام. النهاية (3/289-290).
[3] نَقَهتُ: نقه المريض إذا برأ وأفاق. النهاية (5/111).
[4] المناصع: موضع خارج المدينة، كانت النساء يتبرزن فيه بالليل. انظر: معجم البلدان (5/234).
[5] أي: المحل الذي نتبرز ونقضي حاجتنا فيه.
[6] مرطها: المِرْط: كساء للنساء يكون من صوف وربما كان من خزٍ أو غيره. انظر: النهاية (4/319).
[7] هنتاه: أي يا هذه، وقيل معناها: يا بلهاء، كأنها نُسبت إلى قلة المعرفة بمكايد الناس وشرورهم. انظر: النهاية (5/279-280).
[8] استلبث: استفعل من اللَّبْث: وهو الإبطاء والتأخير، أي تأخر الوحي. انظر: النهاية (4/224).
[9] أغمصه: أي أعيبها به وأطعن به عليها. النهاية (3/286).
[10] أي بالقتال.
[11] البرحاء: أي شدة الكرب من ثقل الوحي. النهاية (1/113).
[12] أخرجه البخاري في الشهادات، باب تعديل النساء بعضهم بعضاً (2661)، ومسلم في التوبة، باب: في حديث الإفك... (2770)، وانظر: لمزيد من الروايات: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/197-199)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/430-436).
[13] أخرجه ابن جرير في تفسيره (18/96)، وابن أبي حاتم (8/2546)، والراوي عن أبي أيوب مجهول كما ترى.
[14] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/200)، فتح القدير (4/18-19)، روح المعاني (18/115).
[15] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/197-197، 204)، تفسير القرآن العظيم (3/438-439)، فتح القدير (4/20-21)، روح المعاني (18/119).
[16] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/207)، روح المعاني (18/124).
[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/207)، فتح القدير (4/22)، روح المعاني (18/124).(1/47)
[18] انظر: روح المعاني (18/125).
[19] انظر: فتح القدير (4/25)، روح المعاني (18/125).
[20] انظر: فتح القدير (4/25)، روح المعاني (18/125).
[21] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/210)، فتح القدير (4/26)، روح المعاني (18/130).
[22] انظر: فتح القدير (4/27)، روح المعاني (18/130).
[23] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/210)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/444)، فتح القدير (4/27)، روح المعاني (18/130).
[24] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/198)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/436)، فتح القدير (4/18)، روح المعاني (18/111).
[25] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/198)، فتح القدير (4/18).
[26] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/198)، فتح القدير (4/18).
[27] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/200)، روح المعاني (18/115).
[28] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/203)، فتح القدير (4/20).
[29] فتح القدير (4/21).
[30] المفردات للراغب (ص 148).
[31] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/206)، فتح القدير (4/22).
[32] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/206)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/441).
[33] انظر: فتح القدير (4/22)، روح المعاني (18/124).
[34] انظر: مفردات الراغب (ص 380).
[35] فتح القدير (4/22).
[36] أضواء البيان (6/158).
[37] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/208)، تفسير القرآن العظيم (3/441)، فتح القدير (4/25)، روح المعاني (18/125)، أضواء البيان (6/160-161).
[38] انظر: الجامع (12/209)، فتح القدير (4/25)، أضواء البيان (6/161).
[39] فتح القدير (4/26).
[40] انظر: فتح القدير (4/27)، روح المعاني (18/130)، أضواء البيان (6/166).(1/48)
[41] أخرجه البخاري: في الرقاق، باب حفظ الله إن... (6477)، ومسلم: في الزهد والرقاق، باب التكلّم بالكلمة يهوي بها في النار (2988)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/439).
[42] أخرجه أحمد (5/279)، والترمذي في البر والصلة، باب ما جاء في تعظيم المؤمن (2032) من حديث ابن عمر رضي الله عنه وقال: غريب، والطبراني في الأوسط (2936) بنحوه من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه. قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان وهو ثقة. مجمع الزوائد (8/87)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1655). وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/440).
[43] انظر: أضواء البيان (6/158).
[44] انظر: أضواء البيان (6/161).
[45] أخرجه البخاري في الوصايا، باب قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى..} (2767)، ومسلم في الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (89)، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/443).
[46] أخرجه البزار في مسنده (2929)، وقال: وهذا الحديث لا نعلم أحداً أسنده إلا ليث، ولا عن ليث إلا موسى بن أعين، وقد رواه جماعة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة موقوفاً.
وأخرجه أيضاً الطبراني في الكبير (3/168)، والحاكم (4/573)، قال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وقد يُحسّن حديثه، وبقية رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد (6/279)، وضعّفه الألباني في السلسلة الضعيفة (3185)، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/443).
[47] أخرجه مسلم في الزهد والرقائق، باب: حدثنا أبو بكر بن النضر... رقم (2969)، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/444).
[48] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/200-201)، فتح القدير (4/19).
[49] الجامع لأحكام القرآن (12/203).
[50] أخرجه البخاري في الأدب باب إثم من لا يأمن جاره بوائقه (6016)، عن أبي شريح رضي الله عنه.(1/49)
[51] أخرجه البخاري في المظالم والغضب، باب: النهي بغير إذن صاحبه (2475)، ومسلم في الإيمان، باب: بيان نقصان الإيمان بالمعاصي... (57)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[52] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/366)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/205-206).
[53] انظر: أضواء البيان (6/158-159).
[54] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/264) و (12/208)، روح المعاني (18/126).
[55] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/208).
[56] انظر: صحيح البخاري: كتاب الأيمان، باب: قول الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} (6621-6623)، وكتاب فرض الخمس، باب: ومن الدليل على أن الخمس... (3133)، وصحيح مسلم، كتاب الأيمان، باب ندب من حلق يميناً فرأى غيرها خير منها... (1649-1652)، وكتاب الأشربة، باب إكرام الضيف... (2057).
[57] أخرجه البخاري في الأدب، باب رحمة الولد... (5997)، ومسلم في الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم... (2318)، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
[58] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/209)، فتح القدير (4/26).
[59] أخرجه ابن أبي شيبة (32278)، والطبراني في الكبير (23/31)، قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجال أحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح، مجمع الزوائد (9/241)، وانظر: روح المعاني (8/132).
ثالثاً: الآيات (27-31):(1/50)
{ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَا أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ * قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرّجَالِ أَوِ الطّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْراتِ النّسَاء وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }.
أسباب النزول:
1- {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ...}:(1/51)
عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها: والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، قال: فنزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً...} الآية[1].
2- {وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ...} الآية.
قال مقاتل بن حيّان: بلغنا - والله أعلم - أن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث أن أسماء بنت مرثد كانت في محل لها في بني حارثة، فجعل النساء يدخلن عليها غير متزرات، فيبدو ما في أرجلهن من الخلال، وتبدو صدورهن وذوائبهن، فقالت أسماء: ما أقبح هذا، فأنزل الله تعالى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} الآية[2].
3- {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ}:
عن المعتمر عن أبيه قال: زعم حضرمي أن امرأة اتخذت برتين[3] من فضة، واتخذت جزعاً[4]، فمرّت على قوم، فضربت رجلها فوقع الخلخال[5] على الجزع فصوّت، فأنزل الله {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ} الآية[6].
القراءات:
1- {حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا}:
1) {تستأنسوا}: وهي قراءة الجمهور.
2) {تستأذنوا}: وبها قرأ أبيّ وابن عباس وسعيد بن جبير[7].
2- {وَلْيَضْرِبْنَ}:
1) {ولْيضربن} بسكون اللام، وهي قراءة الجمهور.
2) {ولِيضربن} بكسر اللام على الأصل في لام الأمر، وبها قرأ أبو عمرو، ورويت عن ابن عباس[8].
3- {بِخُمُرِهِنَّ}:
1) {بخُمرُهن} بضم الميم، وبها قرأ جمهور القراء.
2) {بخمْرهن} بسكون الميم، وهي قراءة طلحة بن مصرّف[9].
4- {جُيُوبِهِنَّ}:
1) {جُيوبهنّ} بضم الجيم، وهي قراءة الجمهور.
2) {جِيوبهنّ} بكسر الجيم، وبها قرأ ابن كثير وبعض الكوفيين[10].
5- {غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ}:
1) {غيرِ أولي الإربة} بجر (غير)، وبها قرأ الجمهور.
2) {غيرَ أولي الإربة} بنصبها على الاستثناء، وبها قرأ الجمهور[11].(1/52)
6- {أَوِ الطّفْلِ}:
1) {أو الطفل} اسم جنس بمعنى الجمع، وهي قراءة الجمهور.
2) {أو الأطفال} وهي في مصحف حفصة رضي الله عنها[12].
7- {عَوْراتِ}:
1) {عَوْرات} بسكون الواو لاستثقال الحركة على الواو، وقرأ بها الجمهور.
2) {عَوَرات} بفتح الواو، وقرأ بها ابن عامر، وهي مروية عن ابن عباس[13].
8- {أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ}:
1) {أيّهَ المؤمنون} بفتح الهاء، وهي قراءة جمهور القراء.
2) {أيّهُ المؤمنون} وقرأ بها ابن عامر، ووجهه أن تجعل الهاء من نفس الكلمة، فيكون إعراب المنادى فيها[14].
المفردات:
1- {تَسْتَأْنِسُواْ}: الاستئناس:هو الاستئذان، لأنه تزول به الوحشة، ويُستأنس به[15].
2- {بِخُمُرِهِنَّ}: الخُمُر: جمع خمار: وهو ما يُخمّر به -أي يُغطّى به- الرأس، وهي التي يسميها الناس: المقانع[16].
3- {جُيُوبِهِنَّ}: الجيوب: جمع جَيْب: وهو موضع القطع من الدرع والقميص، وهو مأخوذ من الجَوْب وهو القطع[17].
4- {الإِرْبَةِ}: الإربة: الحاجة، يقال: أرِبْتُ كذا آرِبُ أرَباً، والجمع مآرب، ومنه قوله تعالى: {وَلِىَ فِيهَا مَأَرِبُ أُخْرَى} [طه:18][18].
5- {الطّفْلِ}: الطفل: هو الذي لم يراهق الحُلُم، وهو هنا اسم جنس بمعنى الجمع[19].
6- {عَوْراتِ}: العورات: جمع عورة، وهي في الأصل: كل ما يُحترز من الاطلاع عليه، وغلبتْ في سوأة الرجل والمرأة[20].
المعنى الإجمالي:(1/53)
يرشد الله عباده المؤمنين في هذه الآيات إلى توجيهات ربانية حكيمة، فنهاهم عن دخول بيوت غير بيوتهم بغير استئذان من أهلها وسلام عليهم، وينبههم أن ذلك خير لهم، فإن في عدم الاستئذان مفاسد كثيرة، فإن لم يجدوا فيها أحداً فلا يدخلوها، وإن قيل لهم: ارجعوا، فليرجعوا فالرجوع - في هذه الحالة - أشد تطهيراً للسيئات، وزيادة للحسنات، مذكراً إياهم أنه عليم بكل ما يعملون، مطّلع عليه لا تخفى عليه خافية، وسيجازي كل واحد بعمله، وهذا الحكم في البيوت المسكونة، سواء كان فيها متاع للإنسان الداخل أم لا، وفي البيوت غير المسكونة التي لا متاع فيها للإنسان، وأما البيوت غير المسكونة، وهي فيها متاع للإنسان الداخل، فلا بأس بدخولها والانتفاع بما فيها، مؤكداً علمه سبحانه بكل ما يفعل الإنسان من الأعمال الظاهرة والخفيّة، فلذا شرع لهم ما يحتاجون إليه من الأحكام الشرعية، ومن هذه التوجيهات أمره تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرّم عليهم، فإن وقع شيء من ذلك بغير قصد، فليصرفوا أبصارهم، آمراً إياهم أيضاً بحفظ فروجهم من رؤيتها ومن الزنا والعياذ بالله، مذكراً أن ذلك الحفظ أطهر وأطيب وأنمى لأعمالهم؛ فإن من حفظ فرجه وبصره طهّره من الخبث الذي يتدنس به أهل الفواحش، وزكت أعماله، ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه، بإنارة بصيرته، وحفظه، وعبّر هنا بـ(من) التبعيضيّة لأنه يجوز النظر في بعض الأحوال كالشهادة والخِطبة وغيرها، ثم لما أمر المؤمنين بغض الأبصار، وحفظ الفروج، أمر المؤمنات بذلك، وزاد بأن لا يظهرن زينتهن كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن على اختلاف في بعض أجزاء البدن، ولما كانت الثياب الظاهرة لا بد لها منها استثناها من المنهي عن إظهاره، ثم أمرهن أن يسدلن خمرهن على جيوبهن، وفي هذا كمال الاستتار، خلاف ما كان عليه أهل الجاهلية، ثم كرر الشارع الحكيم النهي عن إظهار الزينة إلا لأزواجهن أو آبائهن أو آباء(1/54)
بعولتهن وإن علوا كالجد وأب الجد الخ، أو إخوانهن أو بني إخوانهن، ويشمل الأشقاء أو لأب أو لأم، وكذلك بني أخواتهن، أو نسائهن، وقيدوهن بالمسلمات، أما الكافرات فلا تظهر زينتها أمامهن، لعدم احتراز الكافرة عن وصف المرأة المسلمة لزوجها، وكذا ما ملكت أيمانهن، وكذا التابعين لهن من الرجال الذين لا شهوة لهم، كالمجنون، والعنّين الذي لا يقدر على إتيان النساء ولا يشتهيهنّ، ونحوهما، وكذا الطفل الذين لم يميزوا؛ لأنهم ليس لهم علم أو إدراك بهذه الأمور ولا شهوة لهم، ولم يذكر العم والخال، لأنهم داخلون ضمن أبنائهم، فكل هؤلاء للنساء أن يبدين الزينة الظاهرة أمامهن، ما عدا الزوج فله أن يرى جسد المرأة كله لأنها محل استمتاعه. ثم نهاهن أن يضربن بأرجلهن الأرض ليُعلم ما يخفين من الزينة وهي الخلخال، فصوته يثير كوامن الشهوة لدى الرجال الأجانب، وبعد أن أوصى تعالى بكل هذه الوصايا العظيمة الرحيمة، وكان لا بد للبشر من الوقوع في التقصير والخطأ والزلل لأنهم بشر، أمرهم تعالى جميعاً بالتوبة والإنابة، وعلّق على ذلك الفلاح في الدنيا والآخرة، فلا فلاح إلا بالتوبة والرجوع عما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً.
نصوص ذات صلة:
1- قوله تعالى: {حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا}:(1/55)
ورد في السنة المطهرة صفة هذا الاستئذان، فعن أبي سعيد الخدري قال: كنت جالساً بالمدينة في مجلس الأنصاري، فأتانا أبو موسى فزعاً أو مذعوراً، قلنا: ما شأنك؟ قال: إن عمر أرسل إلي أن آتية، فأتيت بابه، فسلّمت ثلاثاً فلم يرد علي، فرجعت، فقال: ما منعك أن تأتينا، فقال: إني أتيتك فسلمت على بابك ثلاثاً، فلم يردوا علي، فرجعت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يُؤذن له فليرجع))، قال عمر: أقم عليه البيّنة وإلا أوجعتك، فقال أبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: قلت: أنا أصغر القوم، قال: فاذهب به. وفي رواية أن عمر قال: ألهاني عنه الصفق بالأسواق[21].
2- قوله تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ} الآية.
ورد في السنة النبوية الأمر بغض البصر في أحاديث كثيرة، منها ما رواه أبو سعيد الخدري أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والجلوس في الطرقات)) فقالوا: ما لنا بُدٌّ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، قال: ((فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقه)). قالوا: وما حق الطريق؟ قال: ((غض البصر، وكفّ الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر))[22].
ومنها ما رواه جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة، فأمرني أن أصرف بصري[23].
3- قوله تعالى: {وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ}:
ورد في السنة المطهرة الأمر بحفظ العورات إلا من الزوج أو ما ملكت اليمين، فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنا ما نأتي منها وما نَذَر؟ قال: ((احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك))، قال: قلت: يا رسول الله فإذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: ((إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها))، قلت: فإذا كان أحدنا خالياً؟ قال: ((فالله تبارك وتعالى أحق أن يُستحيى منه))[24].(1/56)
4- قوله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}:
ورد أثر عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية، قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأُوَل، لما أنزل الله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شققن مروطهن فاختمرن بها[25].
5- في قوله عز وجل: {وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}:
ورد في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم توبة خير الخلق عند الله تعالى، فيما يرويه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة))[26]! هذا وهو خير خلق الله، وأعبد البشر لله، وأتقاهم له.
الفوائد:
1- ذكر العلماء - استنباطاً من هذه الآيات ومن الأحاديث - آداب الاستئذان، التي تتلخص في: أن الاستئذان يكون أولاً بالسلام ثلاثاً، ثم يقول: أَدخل؟ وقد ورد في لفظ حديث أبي سعيد السابق لفظه: أأدخل؟ [27]، فإن أُذن له وإلا رجع، وأن يكون الوقوف على الباب إما على اليمين أو اليسار ولا يقابل بل الباب لئلا يُفتح الباب فيطلع على أهل الدار، فإن الاستئذان جعل من أجل البصر، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: اطّلع رجل من جُحْرٍ في حُجَر النبي صلى الله عليه وسلم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدرىً[28] يحُكّ به رأسه، فقال: ((لو علمتُ أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر))[29]، وعلى المستأذن إذا سئل: من؟ أن يذكر ما يُعرف به: كاسمه أو كنيته إن كان يتميز بها فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في دَيْنٍ كان على أبي، فدققت الباب، فقال: ((من ذا؟)) فقلت: أنا، فقال: ((أنا أنا)) كأنه كرهها[30]، فهذا مجمل أحكام الاستئذان[31].(1/57)
2- قالوا: ليس على الزوج إذن إذا دخل على زوجته؛ لأنه يحل له أن يراها على أي هيئة، ولكن كان بعض السلف إذا أراد الدخول على أهله قدّم لذلك بما يشعر به، لئلا يراهم على هيئة لا يحبون أن يراهم عليها، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذا دخل الدار استأنس وتكلم ورفع صوته، وقال الإمام أحمد: إذا دخل الرجل بيته استُحب له أن يتنحنح أو يحرك نعليه، ولهذا جاء في الصحيح النهي عن أن يطرق الرجل أهله ليلاً[32]، وفي الحديث الآخر أنه نهاهم أن يدخلوا على أهلهم بعد عودتهم من سفرٍ وقال: ((لكي تمتشط الشعثة، وتستحدّ[33] المغيبة[34])). وهذا محمول على الأكمل والأفضل[35].
3- في قوله عز وجل: {تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا} اختلفوا: هل السلام قبل الاستئذان أم العكس؟ والصحيح أن يسلم أولاً ثم يستأذن كما ورد في حديث أبي سعيد وغيره كما تقدم[36].
4- قالوا: وإنما خُصّ الاستئذان بثلاث لأن الغالب من الكلام إذا كُرر ثلاثاً سُمع وفُهم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً[37]، وإذا سلّم سلّم ثلاثاً، فإذا لم يؤذن له بعد ثلاث فهم أن رب المنزل لا يريد الإذن له[38].
5- في قوله تعالى: {لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ...}:
اختُلف في هذه البيوت؛ فقيل: هي الفنادق في طرق السابلة، وقيل: هي مساكن لا يسكنها أحد، بل هي موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، وقيل: هي دُور مكة لأنها أُخذت عنوة، وقيل: هي حوانيت القيسريات، وقيل: الخِرب التي يقضي الناس فيها حاجاتهم، والصواب أنها كل منزل ينزله القوم ليلاً أو نهاراً، أو خربة يدخلها لقضاء الحاجة، أو دار ينظر إليها[39].(1/58)
6- ذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة النظر إلى الرجال الأجانب بشهوة أو بغير شهوة، واستدلوا بحديث أم سلمة قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، حتى دخل عليه، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((احتجبا منه))، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال: ((أفعمياوان أنتما لستما تبصرانه؟!))[40].
وقال بعضهم: إذا أمنت الفتنة، أو كان لضرورة جاز، واستدلوا بحديث عائشة عندما سمح لها النبي صلى الله عليه وسلم بأن ترى الحبشة وهم يلعبون بالحراب في المسجد يوم العيد[41]. وبحديث فاطمة بنت قيس عندما أمرها أن تعتد عند ابن أم مكتوم لأنه أعمى لا يراها إذا وضعت ثيابها[42]، فالصواب جواز ذلك إذا أمن الفتنة لضرورة[43].
ومن فوائد هذه الآية أيضاً: قالوا: الزينة على قسمين: خِلْقِيّة، ومكتسبة؛ فالخلقية وجهها، فإنه أصل الزينة، وجمال الخِلقة، ومعنى الحيوانية؛ لما فيه من المنافع وطرق العلوم، وأما الزينة المكتسبة فهي ما تحاوله المرأة في تحسين خلقتها؛ كالثياب والحلي والكحل والخضاب[44].(1/59)
7- في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} اختلفوا في تفسير {مَا ظَهَرَ}، فقال ابن مسعود ومن وافقه: ظاهر الزينة هو الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه: ظاهر الزينة الوجه والكفّان والخاتم، وعلى هذا القول يجوز للمرأة كشف وجهها وكفيها، لأنها هي ما ظهر من الزينة، واستدل هؤلاء بحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقيقة، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا))، وأشار إلى وجهه وكفيه. قال أبو داود: هذا مرسل؛ خالد بن دريك لم يدرك عائشة رضي الله عنها[45]، واستدلوا بغيره من الأدلة، أما أصحاب القول الأول فاستدلوا بالآية هنا: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} وبغيرها، وردوا حديث أسماء لضعفه[46].
والراجح - والله أعلم - عدم جواز ذلك، وخاصة في زمن كهذا الزمن الذي كثر فيه الفساد واستشرى، درءاً للفتنة، وسدّاً للذريعة، على أن القائلين بجواز كشف الوجه والكفين يقولون بأفضلية سترهما، وأنه أكمل وأبعد عن الفتنة وأسبابها.
9- قوله عز وجل: {أَوْ ءابَاء بُعُولَتِهِنَّ} يريد ذكور أولاد الأزواج، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن سفلوا، من ذكران كانوا أو إناث، وكذلك آباء البعولة والأجداد وإن عَلَوْا من جهة الذكران لآباء الآباء، وآباء الأمهات، وكذلك أبناؤهن وإن سفلوا، وكذلك أبناء البنات وإن سفلن، وكذلك أخواتهن، وبنو الإخوة وبنو الأخوات وإن سفلوا[47].
10- قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}:(1/60)
ظاهر الآية أنها يجوز لها أن تظهر على رقيقها ذكراً كان أو أنثى، مسلماً كان أو كتابياً، وهو مذهب جمهور أهل العلم، واستدلوا بحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبدٍ كان قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب إذا قنّعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطّت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: ((إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك))[48].
11- في قوله تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ...} وقوله: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ...} (من) في الآيتين تبعيضيّة، فالمعنى غض البصر على ما يحرم والاقتصار به على ما يحل، وقيل: وجه التبعيض أنه يُعفى للناظر أول نظرة تقع من غير قصد، كما مر في الحديث السابق[49].
12- قوله تعالى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ... لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} قال بعض أهل العلم: ليس في كتاب الله تعالى آية أكثر ضمائر من هذه؛ جمعت خمسة وعشرين ضميراً للمؤمنات من مخفوضٍ ومرفوع[50].
[1] أخرجه الطبري في تفسير هذه الآية (18/110-111)، وانظر: الجامع للقرطبي (12/213)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/448)، روح المعاني (18/133).
[2] ذكره ابن كثير (3/453)، وهو بلاغ بدون إسناد كما ترى.
[3] بُرَتَيْن: مثنى (بُرَة) بتخفيف الراء، وهي حلقة من سوار وقرط وخلخال وما أشبهها. انظر: لسان العرب (1/395) [بري].
[4] جزعاً: تقدم معنى الجزع في حديث الإفك، وأنه نوع من الخرز.
[5] الخلخال: ما تلبسه المرأة في رجلها من حلي. انظر: الصحاح للجوهري (4/1689)، ولسان العرب، مادة [خلل].
[6] أخرجه الطبري في تفسير هذه الآية (18/124)، وظاهره الانقطاع. وانظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/238).
[7] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/213)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/447).(1/61)
[8] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/230)، فتح القدير (4/34-35).
[9] انظر: فتح القدير (4/35).
[10] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/230)، فتح القدير (4/35).
[11] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/236)، فتح القدير (4/36).
[12] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/236)، فتح القدير (4/36).
[13] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/237)، روح المعاني (18/146).
[14] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/238)، روح المعاني (18/147).
[15] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/213)، فتح القدير (4/29)، أضواء البيان (6/167)، تيسير الكريم الرحمن السعدي (5/407).
[16] انظر: مفردات الراغب (ص 298)، الجامع لأحكام القرآن (12/230)، تفسير القرآن العظيم (3/454).
[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/230).
[18] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/234)، فتح القدير (4/36).
[19] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/236).
[20] روح المعاني (18/146).
[21] أخرجه البخاري في البيوع، باب الخروج في التجارة (2062)، ومسلم في الآداب، باب: الاستئذان (2153)، واللفظ له. وانظر أجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/215)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/446).
[22] أخرجه البخاري في المظالم والغضب، باب أفنية الدور.. (2465)، ومسلم في اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات... (2121). وانظر: الجامع لأحكام القرآن (12/223)، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/451).
[23] أخرجه مسلم في الآداب، باب: نظر الفجاءة (2159)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (12/223)، تفسير القرآن العظيم (3/450-451).(1/62)
[24] أخرجه أحمد (5/3)، وأبو داود في الحمام، باب ما جاء في التعري (4017)، والترمذي في الأدب، باب: ما جاء في حفظ العورة (2794)، وقال: حديث حسن، وابن ماجة في النكاح، باب في التستّر عند الجماع (1920)، وصححه الحاكم (4/199)، وحسنه الألباني في إرواء الغليل (1810)، وانظر: تفسير القرآن العظيم (3/451).
[25] أخرجه البخاري في تفسير القرآن، باب وليضربن بخمرهن على جيوبهن. في ترجمة الباب. وانظر: الجامع لأحكام القرآن (12/230)، وتفسير القرآن العظيم (3/454).
[26] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب الاستغفار والإكثار منه (2702).
[27] سنن الترمذي: كتاب الاستئذان والآداب، باب ما جاء في أن الاستئذان ثلاث (2690)، وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر كلدة بن حنبل بقول هذه الكلمة، انظر: سنن الترمذي: الكاب والباب السابقين، حديث رقم (2710). وانظر: صحيح سنن الترمذي (2180)، والسلسلة الصحيحة للألباني (818).
[28] مِدرىً: المدرى - بكسر الميم وإسكان الدال المهملة وبالقصر - هي حديدة يُسوى بها شعر الرأس، وقيل: هو شبه المشط وقيل غير ذلك. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (14/136).
[29] أخرجه البخاري في الاستئذان باب: الاستئذان من أجل البصر (6241)، ومسلم في الآداب، باب: تحريم النظر في بيت غيره (2156).
[30] أخرجه البخاري في الاستئذان، باب: إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا (6250)، ومسلم في الآداب، باب: كراهة قول المستأذن أنا... (2155).
[31] وانظر: تفصيلها في: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/214-215)، تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/447)، روح المعاني (18/135)، أضواء البيان (6/166-167).
[32] أخرجه البخاري في الحج، باب: لا يطرق أهله إذا بلغ المدينة (1801)، ومسلم في الإمارة، باب كراهة الطروق... (715)، وزاد: ((يتخدّنهم أو يلتمس عثراتهم)) عن جابر رضي الله عنه.
[33] أي تحلق شعر العانة.(1/63)
[34] أخرجه البخاري في النكاح، باب: تزويج الثياب (5079)، ومسلم في الرضاع، باب: استحباب نكاح البكر (715) عن جابر رضي الله عنه.
[35] انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/449).
[36] وانظر: روح المعاني (18/134-135)، أضواء البيان (6/173).
[37] أخرجه البخاري في العلم، باب: من أعاد الحديث ثلاثاً ليُفهم عنه (94).
[38] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/215).
[39] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/221).
[40] أخرجه أحمد (6/296)، وأبو داود في اللباس، باب في قوله عز وجل: {وقل للمؤمنات...} (4112)، والترمذي في الأدب، باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال (2778)، وقال: حسن صحيح. وضعفه الألباني في إرواء الغليل (1806).
[41] أخرجه البخاري في الصلاة، باب أصحاب الحراب في المسجد (455)، وفي العيدين، باب: إذا فاته العيد... (988) وغيرها، ومسلم في صلاة العيدين، باب الرخصة في اللعب... (892).
[42] أخرجه مسلم في الطلاق، باب: المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها (1480).
[43] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/227-228)، تفسير القرآن العظيم (3/453).
[44] الجامع لأحكام القرآن (12/229).
[45] أخرجه أبو داود في اللباس، باب فيما تبدي المرأة من زينتها (4104).
[46] انظر لمزيد تفصيل: الجامع لأحكام القرآن (12/228-229)، تفسير القرآن العظيم (3/453-454)، فتح القدير (4/34)، روح المعاني (18/141)، أضواء البيان (6/193-200).
[47] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/232-233).
[48] أخرجه أبو داود في اللباس، باب في العبد ينظر إلى شعر مولاته (4106)، قال الألباني: إسناده جيد. التعليق على مشكاة المصابيح برقم (3120).
[49] انظر: فتح القدير (4/33).
[50] الجامع لأحكام القرآن (12/238).
رابعاً: الآيات (32-34):(1/64)
{وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَءاتُوهُمْ مّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى ءاتَاكُمْ وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحياةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايَاتٍ مُّبَيّنَاتٍ وَمَثَلاً مّنَ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ}.
أسباب النزول:
1- قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}:
قيل: نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له: صبح، وقيل: صبيح، طلب من مولاه أن يكاتبه فأبى، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً فأداها. وقتل بحنين في الحرب. ذكره القشيري وحكاه النحاس[1].
وعن عبد الله بن صبيح عن أبيه قال: كنت مملوكاً لحويطب بن عبد العزى فسألته الكتابة فأبى فنزلت: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ}[2].
2- قوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}:
عن جابر رضي الله عنه قال: كان عبد الله بن أبي بن سلول يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً، فأنزل الله عز وجل: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحياةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[3].(1/65)
وعن جابر رضي الله عنه أيضاً: أن جارية لعبد الله بن أبي بن سلول يقال لها: مسيكة وأخرى يقال لها: أميمة، فكان يكرههما على الزنى، فشكتا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} إلى قوله تعالى: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[4].
وقال السدي: أنزلت هذه الآية الكريمة في عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وكانت له جارية تدعى: معاذة، وكان إذا نزل به ضيف أرسلها إليه ليواقعها إرادة الثواب منه والكرامة له، فأقبلت الجارية إلى أبي بكر رضي الله عنه فشكت إليه، فذكره أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأمره بقبضها فصاح عبد الله بن أبي: من يعذرنا من محمد يغلبنا على مملوكتنا؟! فأنزل الله فيهم هذا[5].
القراءات:
1- {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ}:
1) {عبادكم}: وهي قراءة الجمهور.
2) {عَبيدكم}: بالياء مكان الألف وفتح العين، وهو كالعباد جمع عبد إلا أن استعماله في المماليك أكثر من استعمال العباد فيهم[6].
2- {وَمَن يُكْرِههُنَّ فِإِنَّ اللَّهِ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}:
1) {من بعد إكراههن غفور رحيم}: هذه قراءة الجمهور.
2) {لهن غفور رحيم}: بزيادة (لهن) قرأ بها ابن مسعود وجابر وابن جبير [7].
المفردات:
1- {الأيَامَى}: الأيامى: جمع أيّم بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة والأيم: من لا زوج له من الرجال والنساء، سواء كان قد تزوج قبل ذلك أو لم يتزوج قط. ويقال: رجل أيم وامرأة أيم[8]. وقال القرطبي: واتفق أهل اللغة على أن الأيم في الأصل هي المرأة التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً حكى ذلك أبو عمرو والكسائي وغيرهما[9].(1/66)
2- {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ}: الإماء: المملوكات[10]. ويحتمل أن المراد بالصالحين صلاح الدين، وأن الصالح من العبيد والإماء وهو الذي لا يكون فاجراً زانياً مأمورٌ سيده بإنكاحه جزاء له على صلاحه وترغيباً له فيه، ولأن الفاسد بالزنا منهي عن تزوجه فيكون مؤيداً للمذكور في أول السورة أن نكاح الزاني والزانية محرم حتى يتوب، ويكون التخصيص بالصلاح في العبيد والإماء دون الأحرار لكثرة وجود ذلك في العبيد عادة. ويحتمل أن المراد بالصالحين الصالحون للتزوج المحتاجون إليه من العبيد والإماء، يؤيد هذا المعنى أن السيد غير مأمور بتزويج مملوكه قبل حاجته إلى الزواج، ولا يبعد إرادة المعنيين كليهما والله أعلم[11].
3- قوله تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً}: استعفف وزنه استفعل، ومعناه: طلب أن يكون عفيفاً. ومعنى {لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً} أي: طول نكاح فحذف المضاف، وقيل: النكاح ها هنا ما تنكح به المرأة من المهر والنفقة كاللحاف اسم لما يلتحف به[12].
4- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ}: الكتاب: مصدر كاتب كالمكاتب... وقيل: الكتاب ههنا اسم عين للكتاب الذي يكتب فيه الشيء، وذلك لأنهم كانوا إذا كاتبوا العبد كتبوا عليه وعلى أنفسهم بذلك كتاباً ومعنى المكاتبة في الشرع: أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه منجماً[13] فإذا أداه فهو حر[14].
5- قوله: {إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}: قال بعضهم: أمانة، وقال بعضهم: صدقاً، وقال بعضهم: مالاً، وقال بعضهم: حيلة وكسباً[15]. قال الألوسي: وظاهره الاكتفاء بالقدرة على الكسب وعدم اشتراط الأمانة، وهو قول نقله ابن حجر عن بعضهم[16].
6- قوله: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}:(1/67)
{فَتَيَاتِكُمْ}: أي إمائكم، {عَلَى الْبِغَاء} أن تكون زانية[17]، {تَحَصُّناً} المراد بالتحصن هنا التعفف والتزوج[18].
7- قوله: {لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحياةِ الدُّنْيَا}: وهو ما تكسبه الأمة بفرجها[19].
8- قوله: {وَمَثَلاً مّنَ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ}: أي: من أخبار الأولين الصالح منهم والطالح، وصفة أعمالهم وما جرى لهم وما جرى عليهم، تعتبرونه مثالاً ومعتبراً لمن فعل مثل أعمالهم أن يجازى مثل ما جوزوا[20].
المعنى الإجمالي:
اشتملت هذه الآيات الكريمات على جمل من الأحكام المحكمة والأوامر المبرمة فقوله: {وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} هذا أمر بالتزويج، قال ابن عباس: رغبهم الله في التزويج وأمر به الأحرار والعبيد ووعدهم عليه الغنى فقال: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ}، ومعناه: لا تمتنعوا عن التزويج بسبب فقر الرجل والمرأة، وهذا وعد بالغنى للمتزوجين طلباً رضا الله واعتصاماً من معاصيه. قال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: (أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى). ثم أخبر سبحانه عن عظيم فضله وسعة خيره ومننه فقال: {والله وَاسِع عَليم} أي: كثير الخير عظيم الفضل عليم بمن يستحق فضله الديني والدنيوي أو أحدهما ممن لا يستحق.(1/68)
ثم أرشد الله سبحانه وتعالى من لم يجد طولاً للنكاح أن يستعفف حتى يغنيه الله عز وجل من فضله، وهذا أمر منه سبحانه لكل من تعذر عليه النكاح لأي سبب كان أن يستعفف، ثم أمر الله عز وجل السادة إذا طلب عبيدهم منهم الكتابة أن يكاتبوهم بشرط أن يكون للعبد حيلة وكسب يؤدي إلى سيده المال الذي شارطه على أدائه، ثم أمر بإعانتهم في مال الكتابة إما بأن يعطوهم شيئاً مما في أيديهم - أيدي السادة -، أو يحطوا عنهم شيئاً من مال الكتابة... ولما كان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك وكان سبب نزول قوله تعالى: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحياةِ الدُّنْيَا} فيما ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنها نزلت في عبد الله بن أبي ثم أخبر سبحانه أن إثم هذا الفعل واقع على من أكره جواريه وإماءه فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم، أي: لهن وإثمهن على من أكرههن.
ولما فصل تبارك وتعالى هذه الأحكام وبينها قال: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايَاتٍ مُّبَيّنَاتٍ} يعني: القرآن الكريم {وَمَثَلاً مّنَ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ} أي: خبر عن الأمم الماضية وما حل بهم في مخالفتهم أوامر الله تعالى: {وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ} أي: لمن اتقى الله وخافه قال علي بن أبي طالب في صفة القرآن: (فيه حكم ما بينكم، وخبر ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله)[21].
نصوص ذات صلة:(1/69)
1- {وَأَنْكِحُواْ الأيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} جاء في معنى هذه الآية حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن له وجاء))[22]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم))[23].
واعلم أن قوله في هذه الآية الكريمة: {وَإِمائِكُمْ} بينت آية النساء أن الأمة لا تُزوج للحر إلا بشروط فآية النساء مخصصة لعموم آية النور هذه بالنسبة للإماء وآية النساء المذكورة هي قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [النساء:25][24].
2- قوله تعالى: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} فيه وعد من الله للمتزوج الفقير من الأحرار والعبيد بأن يغنيه الله وقد وعد الله أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في قوله تعالى: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا ءاتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا ءاتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} [الطلاق:7][25].
3- وقوله: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} هذا الاستعفاف المأمور به في هذه الآية الكريمة هو المذكور في قوله: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذالِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30]، وقوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء:32][26].(1/70)
ومما ورد في السنة بخصوص هذه الآية بيان أن الله يعين الناكح يريد العفاف كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة حق على الله عز وجل عونهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح الذي يريد العفاف، والمكاتب الذي يريد الأداء))[27].
4- وقوله: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً}، ومما جاء في المكاتبة حديث بريرة فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أتتها بريرة تسألها في كتابتها فقالت: إن شئت أعطيت أهلك ويكون الولاء لي، وقال أهلها: إن شئت أعطيتها ما بقي -وقال سفيان مرة- إن شئت أعتقتيها ويكون الولاء لنا، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ابتاعيها فأعتقيها فإن الولاء لمن أعتق)) ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: ((ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة مرة))[28].
5- وقوله: {وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}:
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن[29].
6- قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ ءايَاتٍ مُّبَيّنَاتٍ وَمَثَلاً مّنَ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لّلْمُتَّقِينَ}، وقد قال الله في مطلع سورة النور: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا ءايَاتٍ بَيّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
الفوائد:(1/71)
1- اختلف أهل العلم في النكاح: هل هو مباح أو مستحب أو واجب؟ فذهب إلى الأول الشافعي وغيره، وإلى الثاني مالك وأبو حنيفة، وإلى الثالث بعض أهل العلم على تفصيل لهم في ذلك، فقالوا: إن خشي على نفسه الوقوع في المعصية وجب عليه وإلا فلا، والظاهر أن القائلين بالإباحة والاستحباب لا يخالفون في الوجوب مع تلك الخشية، وبالجملة فهو مع عدمها سنة من السنن المؤكدة لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بعد ترغيبه في النكاح: ((ومن رغب عن سنتي فليس مني))[30] ولكن مع القدرة عليه وعلى مؤنه[31].
2- قوله تعالى: {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} هذا وعد تحت مشيئة الباري سبحانه، وقد يوجد كثير من الفقراء لا يحصل لهم الغنى إذا تزوجوا، وقيل: المعنى إنه يغنيه بغنى النفس[32]. وفيه حث على التزوج ووعد للمتزوج بالغنى بعد الفقر[33].
3- المكاتب عبد ما بقي عليه في مال الكتابة شيء لقوله عليه السلام: ((المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم))[34] وأجمع العلماء على أن المكاتب إذا حل عليه نجم من نجومه أو نجمان من نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما على ذلك ثابتين[35].
4- في قوله تعالى: {وَءاتُوهُمْ مّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِى ءاتَاكُمْ} ندب لعامة المسلمين بإعانة المكاتبين بالتصدق عليهم[36].
[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/244).
[2] فتح القدير للشوكاني (4/46).
[3] أخرجه مسلم في كتاب التفسير باب: في قوله تعالى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء) (3029).
[4] أخرجه مسلم في كتاب التفسير باب: في قوله تعالى {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} (3029).
[5] انظر: تفسير ابن كثير (3/300).
[6] روح المعاني للألوسي (18/148).
[7] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/255).
[8] أضواء البيان للشنقيطي (6/214).(1/72)
[9] الجامع لأحكام القرآن (12/239-240)، وانظر: فتح القدير للشوكاني (4/27).
[10] أضواء البيان للشنقيطي (6/216).
[11] تيسير الكريم الرحمن (5/414).
[12] الجامع لأحكام القرطبي (12/243).
[13] منجماً أي مجزءًا بأقساط معلومة الأجل.
[14] فتح القدير (4/29).
[15] تفسير ابن كثير (3/298).
[16] روح المعاني (18/154).
[17] تفسير السعدي (5/417).
[18] فتح القدير (4/29).
[19] فتح القدير (4/30).
[20] تفسير السعدي (5/419).
[21] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/239) وتفسير القرآن العظيم (3/297)، وفتح القدير (4/27) وتيسير الكريم الرحمن (5/414).
[22] أخرجه البخاري في كتاب الصوم باب: الصوم لمن خاف على نفسه العزبة (1905)، ومسلم في النكاح باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد (1400).
[23] أخرجه النسائي في كتاب النكاح باب: كراهية تزويج العقيم (3227) وأبو داود في كتاب النكاح باب النهي عن تزويج من لم يلد من النساء (2050) من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه والحديث قال عنه الألباني (حسن صحيح) كما في صحيح سنن أبي داود برقم (1805) (2/386).
[24] أضواء البيان (6/216).
[25] انظر: أضواء البيان (6/217).
[26] أضواء البيان (6/219).
[27] أخرجه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في المجاهد والناكح والمكاتب وعون الله (1655) وقال: هذا حديث حسن. وأخرجه النسائي في كتاب النكاح باب معونة الله الناكح الذي يريد العفاف (3218)، وابن ماجة في الأحكام باب المكاتب (2518)، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (3045).
[28] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب: ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد (456).
[29] أخرجه البخاري في كتاب البيوع باب ثمن الكلب (2237) ومسلم في كتاب المسافاة باب تحريم ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي (1567).(1/73)
[30] أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب الترغيب في النكاح (5063)، ومسلم في كتاب النكاح باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد (1401).
[31] انظر: فتح القدير (4/28).
[32] انظر: فتح القدير (4/28).
[33] تيسير الكريم الرحمن للسعدي (5/415).
[34] أخرجه أبو داود في كتاب العتق باب: في المكاتب يؤدي بعض كتابته فيعجز أو يموت (3926)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (3323).
([35]) انظر: الجامع لأحكام القرطبي (12/249).
[36] روح المعاني (18/156).
خامساً: الآية (35):
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاْمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلَيِمٌ}.
القراءات:
1- {اللَّهُ نُورُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ}:
1) قرأ بعضهم: {الله منوِّر السماوات والأرض}[1].
2) وقرأ عبد الله بن عياش وأبو عبد الرحمن السلمي: {الله نَوَّر} بفتح النون والواو المشددة[2].
2- {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ}:
1) قرأ بعضهم بضم الدال من غير همزة من الدر أي كأنها كوكب من در.
2) وقرأ بعضهم {دِرّئ} و{دُرّيء} بكسر الدال وضمها مع الهمزة من الدرء وهو الرفع وذلك أن النجم إذا رمي به يكون أشد استنارة من سائر الأحوال[3].
3- {الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ}:
1) قرأ نصر بن عاصم {زَجَاجَة}[4].
4- {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ}:
1) وقد قرئ {توقد} بالتاء الفوقية على أن الضمير راجع إلى الزجاجة دون المصباح وبها قرأ الكوفيون.(1/74)
2) وقرأ شيبة ونافع وأيوب وسلام وابن عامر وأهل الشام وحفص {يُوقَد} بالتحتية مضمومة وتخفيف القاف وضم الدال.
3) وقرأ الحسن والسلمي وأبو عمرو بن العلاء وأبو جعفر {تَوَقّدَ} بالفوقية مفتوحة وفت الواو وتشديد القاف وفتح الدال على أنه فعل ماض من توقد يتوقد[5].
5- {وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}:
1- قرأ الجمهور {تمسسه} بالفوقية لأن النار مؤنثة.
2- وعن ابن عباس أنه قرأ {يمسسه} بالتحتية لكون تأنيث النار غير حقيقي[6].
المفردات:
1- {كَمِشْكَاةٍ}: أي هو موضع الفتيلة من القنديل هذا هو المشهور ولهذا قال بعده {فِيهَا مِصْبَاحٌ}[7] والمشكاة: الكرة في الحائط غير النافذة، وهي أجمع للضوء[8].
2- {الْمِصْبَاحُ}: وهو الزبالة التي تضيء[9] والمصباح الفتيل بناره[10].
3- {الزُّجَاجَةُ}: الزجاجة جسم شفاف يظهر فيه النور أكمل ظهور[11].
4- {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ}: أي من زيت شجرة، فحذف المضاف والمباركة المنماة والزيتون من أعظم الثمار نماءً والرمان كذلك[12].
5- {لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ}: أي ليست في شرقي بقعتها فلا تصل إليها الشمس من أول النهار ولا في غربها فيقلص عنها الفيء قبل الغروب بل هي في مكان وسط تعصرها الشمس من أول النهار إلى آخره فيجيء زيتها صافياً معتدلاً مشرقاً[13].
المعنى الإجمالي:
لما بين سبحانه من الأحكام ما بيّن أردف ذلك بكونه سبحانه في غاية الكمال فقال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ} النور الحسي والمعنوي وذلك أنه تعالى بذاته نور الذي لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه وبه استنار العرش والشمس والقمر والنور وبه استنارت الجنة وكذلك المعنوي يرجع إلى الله فكتابه نور وشرعه نور والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات ولهذا كل محل يفقد نوره فَثّمَّ الظلمة والحصر...(1/75)
ثم ضرب الله مثلاً لذلك فقال: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} {مَثَلُ نُورِهِ} الذي يهدي إليه وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين. {كَمِشْكَاةٍ} أي: كوة {فِيهَا مِصْبَاحٌ} لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق.
ذلك {الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ} من صفائها وبهائها {كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرّىٌّ} أي مضيء إضاءة الدر {يُوقَدُ} ذلك المصباح الذي في تلك الزجاجة الدرية {مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} أي يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون {لاَّ شَرْقِيَّةٍ} فقط فلا تصيبها الشمس آخر النهار {وَلاَ غَرْبِيَّةٍ} فقط فلا تصيبها الشمس أول النهار {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىء وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ} أي من صفائه فإذا مسته النار أضاء إضاءة بليغة {نُّورٌ عَلَى نُورٍ} أي نور النار ونور الزيت.
ووجه هذا المثل الذي ضربه الله وتطبيقه على حالة المؤمن ونور الله في قلبه أن فطرته التي فطر عليها بمنزلة الزيت الصافي. ففطرته صافية مستعدة للتعاليم الإلهية والعمل المشروع فإذا وصل إليه العلم والإيمان اشتعل ذلك النور في قلبه بمنزلة إشعال النار فتيلة ذلك المصباح وهو صافي القلب من سوء القصد وسوء الفهم عن الله إذا وصل إليه الإيمان أضاء إضاءة عظيمة لصفاءه من الكدورات وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية فيجتمع له نور الفطرة ونور الإيمان ونور العلم وصفاء المعرفة نور على نور، ولما كان هذا من نور الله تعالى وليس كل أحد يصلح له ذلك قال: {يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} ممن يعلم زكاءه وطهارته وأنه يزكى معه وينمى {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاْمْثَالَ لِلنَّاسِ} ليعقلوا عنه ويفهموا لطفاً منه بهم وإحساناً إليهم وليتضح الحق من الباطل فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة فيعلمها العباد علماً واضحاً.(1/76)
{وَاللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلَيِمٌ} فعلمه محيط بجميع الأشياء. فلتعلموا أن ضرب الأمثال ضرب من لا يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها وأنها مصلحة للعباد فليكن اشتغالهم بتدبرها وتعقلها لا بالاعتراض عليها ولا بمعارضتها فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون[14].
نصوص ذات صلة:
1- {اللَّهُ نُورُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ}: جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم آذاه أهل الطائف ((أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي غضبك أو ينزل بي سخطك...))[15].
2- وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: ((اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن))[16].
3- جاء في معنى قوله تعالى: {يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله تعالى خلق خلقه في ظلمة ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ فمن أصاب من نوره يومئذٍ اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول: جف القلم على علم الله عز وجل))[17].
الفوائد:
1- النور في كلام العرب: الأضواء المدركة بالبصر واستعمل مجازاً فيما صح من المعاني ولاح فيقال: كلام له نور وفيه: الكتاب المنير فيجوز أن يقال: لله تعالى نور من جهة المدح لأنه أوجد الأشياء ونور جميع الأشياء منه ابتداؤها وعنه صدورها وهو سبحانه ليس من الأضواء المدركة جل وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً[18].(1/77)
2- وقال ابن عباس رضي الله عنه: (في الزيتون منافع يسرج بالزيت، وهو إدام، ودِهان ودباغ، ووقود يوقد بحطبه ونقله، وليس فيه شيء إلا وفيه منفعة حتى الرماد يغسل به الإبرِيِسِم[19]. وهي أول شجرة نبتت في الدنيا وأول شجرة نبتت بعد الطوفان وتنبت في منازل الأنبياء والأرض المقدسة ودعا لها سبعون نبياً بالبركة)[20].
[1] انظر: تفسير ابن كثير (3/301).
[2] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/259).
[3] انظر: تفسير ابن كثير (3/301).
[4] الجامع لأحكام القرآن (12/261).
[5] انظر: فتح القدير للشوكاني (4/33).
[6] فتح القدير (4/33).
[7] تفسير ابن كثير (3/301).
[8] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/257).
[9] تفسير ابن كثير (3/301).
[10] الجامع لأحكام القرآن (12/258).
[11] انظر: فتح القدير (4/33).
[12] الجامع لأحكام القرآن (12/258).
[13] تفسير ابن كثير (3/301).
[14] انظر: تفسير ابن كثير (3/300) وتفسير السعدي (5/419)، وفتح القدير (4/32).
[15] أخرجه ابن عدي في الكامل (6/111) وذكره الطبري في تاريخه (1/554) وأورد القصة ابن إسحاق وذكر الدعاء (2/268) من طريق عبد الله بن جعفر رضي الله عنه.
[16] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب التهجد بالليل (1120)، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (769).
[17] أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (2642)، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (27761) والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (2130).
[18] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/256).
[19] الإبريسم: معرب، وفيه ثلاثة لغات وهو الحرير.
[20] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/258).
سادساً: الآيات (36-38):(1/78)
{فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَاء الزكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاْبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
أسباب النزول:
{يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}:
وقال كثير من الصحابة: نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادروا. ورأى سالم بن عبد الله أهل الأسواق وهم مقبلون إلى الصلاة فقال: هؤلاء الذين أراد الله بقوله {لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} وروى ذلك عن ابن مسعود[1].
وقيل: إن رجلين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما بياعاً فإذا سمع النداء بالصلاة فإن كان الميزان بيده طرحه ولا يضعه وضعاً وإن كان بالأرض لم يرفعه وكان الآخر قَيْناً يعمل السيوف للتجارة فكان إذا كانت مطرقته على السَّنْدَان أبقاها موضوعة وإن كان قد رفعها ألقاها من وراء ظهره إذا سمع الأذان فأنزل الله هذا ثناءً عليهما وعلى كل من اقتدى بهما[2].
القراءات:
1- قال الله تعالى: {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ}:(1/79)
1) {يسَبِّحُ له فيها} قراءة نافع وابن عمر وأبو عمرو وحمزة {يُسَبِّح} بفعل مضمر دلّ عليه الظاهر بمعنى يسبحه رجال فيوقف على هذا على {الآصال}... والوجه الآخر: أن يرتفع {رجالٌ} بالابتداء والخبر {فِى بُيُوتٍ}: أي في بيوت أذن الله أن ترفع. رجال. و{يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا} حال من الضمير في {تُرْفَعَ} كأنه قال: أن ترفع مسبحاً له فيها، ولا يوقف على {الاْصَالِ} على هذا التقدير.
ومن قرأ {يُسَبِّح} بكسر الباء لم يقف على {الاْصَالِ} لأن {يُسَبِّح} بفتح الباء على ما لم يسّم فاعله[3].
المفردات:
1- قال تعالى: {فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ}:
اختلف الناس في البيوت هنا على خمسة أقوال:
الأول: أنها المساجد المخصوصة لله تعالى بالعبادة وأنها تضيء لأهل السماء كما تضيء النجوم لأهل الأرض قاله ابن عباس ومجاهد والحسن.
الثاني: هي بيوت بيت المقدس. الثالث: بيوت النبي صلى الله عليه وسلم.
الرابع: هي البيوت كلها.
الخامس: أنها المساجد الأربعة التي لم يبنها إلا نبي: الكعبة وبيت أريحا ومسجد المدينة ومسجد قباء. والأظهر: القول الأول لما رواه أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب الله عز وجل فليحبني ومن أحبني فليحب أصحابي ومن أحب أصحابي فليحب القرآن ومن أحب القرآن فليحب المساجد فإنهما أفنية الله أبنتيه أذن الله في رفعها وبارك فيها ميمونة ميمون أهلا محفوظ أهلها هم في صلاتهم والله عز وجل في حوائجهم هم في مساجدهم والله من ورائهم))[4][5].
2- {أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ}: {أَذِنَ} معناه أمر وقضى. وحقيقة الإذن العلم والتمكين دون حظر[6]. ومعنى {تُرْفَعَ} تُبنى قاله مجاهد وعكرمة وغيرهما. ومنه قوله تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ} [البقرة:127] وقال الحسن البصري وغيره: معنى ترفع تعظم ويرفع شأنها وتطهر من الأنجاس والأقذار ورجحه الزجاج وقيل بالرفع هنا مجموع الأمرين[7].(1/80)
3- {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ}: أي في البكرات والمشيات. والأصال جمع أصيل وهو آخر النهار[8] وعن ابن عباس: كل تسبيح في القرآن هو الصلاة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أيضاً: يعني بالغدو وصلاة الغداة ويعني بالآصال صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة فأحب أن يذكر بهما عباده[9].
4- {وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ}: أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم[10].
المعنى الإجمالي:
لما ضرب الله تعالى مثل قلب المؤمن وما فيه من الهدى والعلم بالمصباح في الزجاجة الصافية المتوقد من زيت طيب وذلك كالقنديل مثلاً، ذكر محلها وهي المساجد التي هي أحب البقاع إلى الله تعالى من الأرض وهي بيوته سبحانه فأمر بتعاهدها وتطهيرها من الدنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها، ويدخل في رفعها بناؤها وكنسها وتنظيفها وصونها من المجانين والكفرة وأمر أن يذكر فيها اسمه ويدخل فيها كل أنواع الذكر المشروع كالصلاة والتسبيح وقراءة القرآن وغيره من أنواع الذكر كتعلم العلم. ثم صرح الله سبحانه وتعالى عمّارها بالعبادة فقال: {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ * رِجَالٌ} خص سبحانه هذين الوقتين لشرفهما وفضلهما وقد ذهب أكثر المفسرين إلى أن المراد بالتسبيح هنا الصلاة ثم قال الله تعالى موضحاً بعض صفات أولئك الرجال في معرض الثناء عليهم {لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَاء الزكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاْبْصَارُ} فهؤلاء الرجال وإن اتجروا وباعوا واشترط فإن ذلك لا محذور فيه لكنه لا تلهيهم تلك بأن يقدموها ويؤثرها على ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم ونهاية مقصدهم.(1/81)
ولما كان ترك الدنيا شديداً على أكثر النفوس وحب المكاسب محبوباً لها ويشق عليها تركه في الغالب ذكر ما يدعوها إلى ذلك ترغيباً وترهيباً فقال: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاْبْصَارُ} من من شدة هوله وعظم فزعه ثم بين سبحانه جزاء أولئك الرجال الذين لم تشغلهم الدنيا الفانية عن طاعة الله مرضاته وإيثار محابه على محابّ النفس فقال: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}[11].
نصوص ذات صلة:
1- قال الله تعالى: {فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}:
في معنى هذه الآية الكريمة جاءت نصوص كثيرة كلها تحث على بناء المساجد واحترامها وتوقيرها وتطييبها وتبخيرها سنذكر طرقاً من ذلك والله الموفق.
1) عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من بنى مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة)) [12].
2) عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب) [13].
3) عن السائب بن يزيد قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل فنظرت فإذا عمر بن الخطاب فقال: اذهب فأتني بهذين فجئته بهما قال من أنتما؟ أو من أين أنتما؟ قالا من أهل الطائف قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم[14].
2- وقوله تعالى: {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ}:(1/82)
جاءت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة في المساجد مع الجماعة منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة وحط عنه بها خطيئة فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه اللهم صل عليه اللهم ارحمه ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة[15].
أما المرأة فالأفضل في حقها الصلاة في بيتها: فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها))[16].
3- وقوله تعالى: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصلاةِ وَإِيتَاء الزكاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاْبْصَارُ}:
وهذه الآية كقوله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نُودِىَ لِلصلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة:9]، وقوله تعالى: {مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23].
وما دل عليه قوله تعالى: { يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاْبْصَارُ} جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى: {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} [النازعات:8-9]، وقوله تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الاْزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر:18]،وغير ذلك من الآيات[17].(1/83)
4- وقول الله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ...} جاء في معنى هذه الآية قول الحق سبحانه وتعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأعراف:160]، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} [البقرة:261]، وقوله تعالى: {لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35].
الفوائد:
1- قول الله تعالى {رِجَالٌ} فيه إشعار بهمهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عماراً للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه كما قال تعالى: {مّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ}[18].
2- قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إني قمت على هذا الدرج أبايع عليه أربح كل يوم ثلثمائة دينار أشهد الصلاة في كل يوم في المسجد أما إني لا أقول إن ذلك ليس بحلال ولكني أحب أن أكون من الذين قال الله فيهم: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ} ثم قال هم هؤلاء وقال مطر الوراق: كانوا يبيعون ويشترون ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة[19].
3- (اعلم أن تخصيص من يسبح له فيها بالرجال في قوله تعالى: {يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاْصَالِ} يدل بمفهومه على أن النساء يسبحن له في بيوتهن لا في المساجد[20].
4- (إذا قلنا: إن المراد في قوله تعالى: {أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ} بنيانها فهل تزين وتنقش؟ اختلف في ذلك فكرهه قوم وأباحه آخرون. فروى حماد بن سلمة عن أيوب عن ابي قلابة عن أنس وقتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد))[21]... واحتج من أباح ذلك بأن فيه تعظيم المساجد والله تعالى أمر بتعظيمها في قوله تعالى: {فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ}[22] يعني تعظيم.(1/84)
5- (أما تناشد الأشعار فاختلف في ذلك فمن مانع مطلقاً ومن مجيز مطلقاً والأولى التفصيل وهو أن ينظر إلى الشعر فإن كان مما يقتضي الثناء على الله عز وجل أو على رسوله صلى الله عليه وسلم أو الذب عنهما أو يتضمن الحض على الخير والوعظ والزهد في الدنيا والتقلل منها فهو حسن... وما لم يكن كذلك لم يجز لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزين بالباطل ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهَذَر والمساحة منزهة عن ذلك) [23].
6- (وأما النوم في المسجد لمن احتاج إلى ذلك من رجل أو امرأة من الغرباء ومن لا بيت له فجائز لأن في البخاري - وقال أبو قلابة عن أنس: قدم رهط من عكل على النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا في الصفة وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: كان أصحاب الصفة فقراء[24]. وعن ابن عمر أنه كان ينام وهو شاب أعزب لا أهل له في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم[25].
[1] الجامع لأحكام القرآن (12/275).
[2] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/279).
[3] الجامع لأحكام القرآن (12/275)، وانظر: تفسير ابن كثير (3/305)، وفتح القدير (4/34).
[4] الحديث أخرجه ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين (3985) وأخرجه ابن حبان في المجروحين (1271)، وفيه أبو معمر قال ابن حبان: (شيخ يروي عن أنس بن مالك ما لم يحدث ب أنس لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل الانتباه عن أمره) وأورده ابن حجر في لسان الميزان (1173).
[5] الجامع لأحكام القرآن (12/266).
[6] الجامع لأحكام القرآن (12/266).
[7] انظر: جامع البيان للطبري (18/144) وفتح القدير (4/34).
[8] تفسير القرآن العظيم (3/305).
[9] انظر: جامع البيان (18/146).
[10] تفسير القرآن العظيم (3/307).
[11] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/303)، وفتح القدير (4/34)، وروح المعاني (18/178).(1/85)
[12] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب: من بنى مسجداً (450)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: فضل بناء المساجد والحث عليها (533).
[13] أخرجه الإمام أحمد برقم (25854) والترمذي في كتاب الجمعة باب ما ذكر في تطييب المساجد (594) وأبو داود في كتاب الصلاة باب: اتخاذ المساجد في الدور (455) والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (436).
[14] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب رفع الصوت في المساجد (470).
[15] أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب فضل صلاة الجماعة (647)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف (649)، واللفظ للبخاري.
[16] أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة باب التشديد في ذلك (570)، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (533).
[17] انظر: أضواء البيان (6/240).
[18] تفسير القرآن العظيم (3/305-306).
[19] تفسير القرآن العظيم (3/306-307).
[20] انظر: أضواء البيان (6/228)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (12/279).
[21] أخرجه الإمام أحمد برقم (11971) وأبر داود في كتاب الصلاة باب: في بناء المساجد (449)، والنسائي في كتاب المساجد والجماعات باب تشييد المساجد (739).
[22] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/266-267).
[23] انظر: الجامع لأحكام القرآن ( ).
[24] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب نوم الرجال في المسجد.
[25] أخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب: نوم الرجال في المسجد (440)، واللفظ له ومسلم في فضائل الصحابة باب: فقه فضائل عبد الله بن عمر رضي الله عنه (2479).
سابعاً: الآيات (39-42):(1/86)
{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْانُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِى بَحْرٍ لُّجّىّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ * أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}.
أسباب النزول:
قال مقاتل - في قوله: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ} - نزلت في شيبة بن ربيعة بن عبد شمس كان يتدهب متلمساً للدين فلما خرج صلى الله عليه وسلم كفر[1]. وقد قيل: نزلت في عبد الله بن جحش وكان أسلم وهاجر إلى أرض الحبشة ثم تنصر بعد إسلامه[2].
القراءات:
1- {بِقِيعَةٍ}:
1) {بِقِيعَةٍ}: قراءة الجمهور.
2) وقرأ مسلمة بن محارب {بِقِيقات} بتاء طويلة على أنه جمع قيعة.
3) وعنه أيضاً أنه قرأ {بقيعاة} بتاء مدورة ويقف عليها بالهاء[3].
2- {يَحْسَبُهُ الظَّمْانُ مَاء}:
1) {الظمئان}: بالهمز وهذه قراءة بالجمهور.
2) وروي عن نافع وأبي جعفر وشيبة أنهم قرءوا {الظمان} بغير همز[4].
3- {مّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ}:
1) {من فوقه سحابٌ ظلماتٌ}: بالرفع والتنوين وهذه قراءة الجمهور.
2) {سحابُ ظلماتٍ}: بالإضافة والخفض وقرأ بها ابن محيض والبزي عن ابن كير.
3) {سحابٌ ظلماتٍ}: بالجر والتنوين وهذه قراءة قنبل[5].
4- {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ}:(1/87)
1) قرأ الجمهور {والطيرُ صافات} بالرفع للطير والنصب لصافات على أن الطير معطوفة على (مَنْ) وصافات فتصب على الحال.
2) وقرأ الأعرج {والطيرَ} بالنصب على المفعول معه وصافات حال أيضاً.
3) وقرأ الحسن وخارجة عن نافع {والطيرُ صافاتٌ} يرفعهما على الابتداء والخبر مفعول صافات محذوف أي أجنحتها[6].
المفردات:
1- {كَسَرَابٍ}: السراب: ما يرى نصف النهار في اشتداد الحر كالماء في المفاوز يلتصق بالأرض، وسمي السراب سراباً لأنه يسرُب أي يجري كالماء[7].
2- {بِقِيعَةٍ}: القِيعة: جمع القاع مثل: جِيرة وجار والقاع ما انبسط من الأرض واتسع ولم يكن فيه نبت وفيه يكون السراب وأصل القاع الموضع المنخفض الذي يستقر فيه الماء وجمعه قِيعان[8].
3- {الظَّمْانُ}: أي العطشان[9]:
4- {بَحْرٍ لُّجّىّ}: أي عميق[10] وقيل هو منسوب إلى اللجة وهو الذي لا يدرك قعره واللجة معظم الماء[11].
5- {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}: قال أبي بن كعب: الكافر يتقلب في خمس من الظلمات: كلامه ظلمة وعمله ظلمة ومدخله ظلمه ومخرجه ظلمة ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات في النار وبئس المصير[12].
6- {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا}: أي لم يقارب رؤيتها من شدة الظلام[13].
7- {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ}: أي في حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح ألهمها وأرشَدها إليه[14].
8- {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}: يجوز أن يكون المعنى: كلٌ قد علم الله صلاته وتسبيحه أي علم صلاة المصلي وتسبيح المسبح... وقد قيل: المعنى قد علم كل مصل ومسبح صلاة نفسه وتسبيحه الذي كلَّفه[15].
المعنى الإجمالي:(1/88)
(هذان مثلان ضربهما الله سبحانه وتعالى لنوعي الكفار كما ضرب للمنافقين في أول البقرة مثلين نارياً ومائياً فأما المثل (الأول من هذين المثلين فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم الذين يحسبون أن أعمالهم التي قاموا بها مثل الصدقة والصلة وفك العاني وعمارة البيت وسقاية الحاج ستنفعهم عند الله فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يُرى في القيعان من الأرض عن بعد كأنه بحر طام فإذا رأى السراب من هو محتاج إلى الماء يحسبه ماء قَصَدَه ليشرب منه فلما انتهى إليه (لم يجده شيئاً) فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عملاً وأنه قد حصل شيئاً فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش على أفعاله لم يجد له شيئاً بالكلية قد قُبل إما لعدم الإخلاص أو لعدم سلوك الشرع وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب فأما أصحاب الجهل البسيط وهم الطماطم الأغشام المقلدون لأئمة الكفر الصم البكم الذين لا يعقلون فمثلهم كما قال تعالى: { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِى بَحْرٍ لُّجّىّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ...} فاجتمعت فيهم ظلمة البحر اللجي ثم فوقه ظلمة الأمواج المتراكمة ثم فوق ذلك ظلمة السحب المدلهمة ثم فوق ذلك ظلمة الليل البهيم فاشتدت الظلمة جداً بحيث أن الكائن في تلك الحال {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} مع قربها إليه فكيف بغيرها. كذلك الكفار تراكمت على قلوبهم الظلمات فبقوا في الظلمة متحيرين وفي غمرتهم يعمهون وعن الصراط المستقيم مديرون وفي طريق الغي والضلال يترددون. وهذا لأن الله خذلهم فلم يعطهم من نوره {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} لأن نفسه ظالمة جاهلة فليس له من الخير والنور إلا ما أعطاها مولاها ومنحها ربها...(1/89)
ثم نبه سبحانه وتعالى عباده على عظمته وكمال سلطانه وافتقار جميع المخلوقات إليه في ربوبيتها وعبادتها فقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} أي كلٌ له صلاة وتسبيح بحسب حاله اللائقة به فلما بين عبوديتهم وافتقارهم إليه - من جهة العبادة والتوحيد - بين افتقارهم إليه من جهة الملك والتربية والتدبير فقال: {وَللَّهِ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ} خالقهما ورازقهما والمتصرف فيهما في حكمه الشرعي والقدري في هذه الدار وفي حكمه الجزائي بدار القرار بدليل قوله: {وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} أي مرجع الخلق جميعاً ومآلهم ليجاز بهم بأعمالهم)[16].
نصوص ذات صلة:
1- جاء في معنى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْانُ مَاء...}.
قول الله جل ذكره: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً} [الفرقان:23].
وقد ورد في معنى هذا المثل الذي ضربه الله عز وجل حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((... فيدعي اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير ابن الله فيقال لهم كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون؟ فقالوا: عطشنا ربنا فاسقنا فيشار ألا تردون فيمشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار...))[17].
2- وفي قوله تعالى: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ}: نصوص كثيرة تدل عليه وذلك كقول الله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7]، وقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ الههُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23].(1/90)
3- وقد جاء في معنى قول الله عز وجل: {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ}: آيات شتى وذلك كقول الله عز وجل: {مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ} [الأعراف:186].
4- وجاء في معنى قول الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ...} قوله تعالى: {تُسَبّحُ لَهُ السَّمَاواتُ السَّبْعُ وَالاْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}.[الإسراء:44].
الفوائد:
1- قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} قيل إن هذه الآية تشمل الحيوانات والجمادات وأن آثار الصنعة الإلهية في الجمادات ناطق ومخبر باتصافه سبحانه بصفات الجلال والكمال وتنزهه عن صفات النقص وفي ذلك تقريع للكفار وتزيغ لهم حيث جعلوا الجمادات التي من شأنها التسبيح لله سبحانه شركاء له يعبدونها كعبادته عز وجل[18].
2- قال تعالى: {كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}: وفائدة الإخبار بأن كل واحد قد علم ذلك أن صدور هذا التسبيح هو عن علم قد علمّها الله ذلك وألهمها إليه لا أن صدوره منها على طريقة الاتفاق بلا روية وفي ذلك دلالة على بديع صنع الله وعظيم شأنه كونه جعلها مسبحة له عالمة بما يصدر منها غير جاهلة له[19].
3- قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ}:
في إرشاد العقل السليم أن بيان أحوال الكفرة بطريق التمثيل قد تم بقوله: {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} وقوله تعالى: {وَوَجَدَ} الخ بيان لبقية أحوالهم الفارضة لهم بعد ذلك بطريق التكملة لئلا يتوهم أن قصارى أمرهم هو الخيبة والقنوط فقط كما هو شأن الظمآن[20].(1/91)
4- خص الله عز وجل الطير بالذكر مع دخولها تحت من في السموات والأرض لعدم استمرار استقرارها في الأرض وكثرة لبثها في الهواء وهو ليس من السماء ولا في الأرض ولما فيها من الصنعة البديعة التي تقدر بها تارة على الطيران وتارة على المشي بخلاف غيرها من الحيوانات وذكر حالة من حالات الطير وهي كون صدور التسبيح منها حال كونها صافات لأجنحتها لأن هذه الحالة هي أغرب أحوالها فإن استقرارها في الهواء مسبحة دون تحريك لأجنحتها ولا استقرار على الأرض من أعظم صنع الله الذي أتقن كل شيء[21].
5- وقد دلت آيات من كتاب على انتفاع الكافر بعمله في الدنيا دون الآخرة كقوله تعالى: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى:20]، وقوله: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحياةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [هود:15، 16]، وقد بين الله جل وعلا في سورة بني إسرائيل أن ما دلت عليه الآيات من انتفاع الكافر بعمله الصالح في الدنيا أنه مقيد بمشيئة الله تعالى وذلك في قوله تعالى: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا} [الإسراء:18] [22].
[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/282).
[2] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/286)، وانظر: روح المعاني للألوسي (18/181).
[3] انظر: روح المعاني (18/180)، وانظر: فتح القدير (4/39).
[4] انظر: فتح القدير (4/39).
[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/284).(1/92)
[6] انظر: فتح القدير (4/40).
[7] انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (12/282).
[8] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/282).
[9] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/282).
[10] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/308).
[11] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/284).
[12] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/285).
[13] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/308).
[14] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/308).
[15] انظر: الجامع لأحكام القرآن (121/287)، وانظر: أيضاً فتح القدير (4/40).
[16] المعنى الإجمالي مقتبس من الجامع لأحكام القرآن (12/281)، وتفسير القرآن العظيم (3/307)، وروح المعاني للألوسي (18/179)، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي (425).
[17] حديث طويل أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن باب: قوله إن الله لا يظلم مثقال ذرة (4581)، ومسلم في كتاب الإيمان باب معرفة طريق الرؤية (183)، وانظر: تفسير القرآن العظيم (3/308).
[18] انظر: فتح القدير للشوكاني (4/40).
[19] انظر: فتح القدير (4/40-41).
[20] انظر: روح المعاني للألوسي (18/180-181).
[21] انظر: فتح القدير (4/40).
[22] انظر: أضواء البيان (6/242-243).
ثامناً: الآيات (43-46):(1/93)
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالاْبْصَارِ * يُقَلّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِى ذالِكَ لَعِبْرَةً لاوْلِى الاْبْصَارِ * وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلّ شَىْء قَدِيرٌ * لَّقَدْ أَنزَلْنَا ءايَاتٍ مُّبَيّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
القراءات:
1- {ثُمَّ يُؤَلّفُ}:
1) قرأ الجمهور {يؤلف} بالهمز.
2) وقرأ ورش وقالون عن نافع {يولف} بالواو تخفيفاً[1].
2- {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ}:
1) قرأ الجمهور (من خلاله).
2) وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو العالية {من خِلَلِه} على التوحيد[2].
3- {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالاْبْصَارِ}:
1) قرأ الجمهور {سنا برقه} {ويَذْهَبُ} بفتح الياء والهاء، والباء للإلصاق.
2) وقرأ طلحة بن مصرف {سَنَاءُ بُرَقِه} وقرأ الجحدري وابن القعقاع {يُذْهِبُ بالأبصار}[3].
4- {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مّن مَّاء}:
1) قرأ الجمهور {والله خلق} على الفعل.
2) وقرأ يحي بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي: {والله خالق كل}[4].
المفردات:
1- {يُزْجِى سَحَاباً}: أي يسوق إلى حيث يشاء، والريح تزجي السحاب والبقرة تزجي ولدها أي تسوقه[5]. والمعنى: أنه سبحانه يسوق السحاب سوقاً رقيقاً إلى حيث يشاء[6].(1/94)
2- {ثُمَّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ}: أي يجمعه بعد تفرقة[7] فيضم بعضه إلى بعض ويجمعه بعد تفرقة ليقوي ويتصل ويكثف[8].
3- {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً}: أي مجتمعاً يركب بعضه بعضاً والركم جمع الشيء يقال منه: رَكَم الشيء يَرْكُمُه ركماً إذا جمعه وألقى بعضه على بعض وارتَكَم الشيء وتراكم إذا اجتمع. والرُّكْمةَ الطين المجموع والرُّكاَم: الرمل المتراكم وكذلك السحاب وما أشبهه[9].
4- {فَتَرَى الْوَدْقَ}: في الودق قولان: أحدهما: أنه البرق. الثاني: أنه المطر[10]. كما عند جمهور المفسرين[11] (وهو الأصح).
5- {وَيُنَزّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ}: قال بعض النحاة: (من) الأولى لابتداء الغاية والثانية: للتبعيض والثالثة: لبيان الجنس. وهذا إيما يجيء على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله: {مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} معناه أن في السماء جبال برد يُنزل الله منها البرد وأما من جعل ههنا كناية عن السحاب فإن (من) الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضاً لكنها بدل من الأولى والله أعلم[12].
6- {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالاْبْصَارِ}: يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا تبعته وتراءته[13].
7- {يُقَلّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ}: أي يتصرف فيهما فيأخذ من طول هذا في قصر هذا حتى يعتدلا ثم يأخذ من هذا في هذا فيطول الذي كان قصيراً ويقصر الذي كان طويلاً[14].
8- {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ}: الدابة كل ما دب على وجه الأرض من الحيوان يقال: دبّ يَدِب فهو دابّ. والهاء للمبالغة[15].
المغني الإجمالي:(1/95)
يذكر الله سبحانه وتعالى دليلاً آخر من الآثار العلوية فقال جل ثناؤه {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِى سَحَاباً...} أي ألم تشاهد ببصرك عظيم قدرة الباري جل جلاله كيف أنه يسوق السحاب المتفرق في الفضاء حتى يؤلف بينه ويجعله سحاباً متراكماً بعضه فوقه بعض فترى الودق أي المطر يخرج من خلال السحاب نقطاً متفرقة ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر فتمتلئ بذلك الغدران وتتدفق الخلجان وتسيل الأودية وتنبت الأرض من كل زوج كريم وتارة ينزل الله سبحانه من ذلك السحاب بَرَداً يتلف ما يصيبه {فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء} وذلك بحسب اقتضاء حكمه القدري وحكمته التي حمد عليها {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} أي يكاد ضوء برق ذلك السحاب من شدته {يَذْهَبُ بِالاْبْصَارِ} أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفترقين وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر كامل القدرة نافذة المشيئة واسع الرحمة؟ بلى.(1/96)
ثم ساق الله صورة أخرى من صور قدرته الكاملة ومشيئته النافذة فقال جل ذكره {يُقَلّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ...} من حر إلى برد ومن برد إلى حر ومن ليل إلى نهار ومن نهار إلى ليل ويديل الأيام بين عباده إن في ذلك لعبرة وموعظة لذوي البصائر والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات والآيات نظر اعتبار وتفكر والمعرض الجاهل ينظر إليها نظر غفلة بمنزلة نظر البهائم. ثم ينبه الله عباده على ما يشاهدونه أنه خلت جميع الدواب التي على وجه الأرض من ماء أي مادتها كلها الماء فالحيوانات التي تتوالد مادتها ماء النطفة حين يلقح الذكر الأنثى والحيوانات التي تتولد من الأرض لا تتولد إلا من الرطوبات المائية كالحشرات فالمادة واحدة لكن الخلقة مختلفة من وجوه كثيرة فمنهم من يمشي على بطنه كالحية وغيرها ومنهم من يمشي على رجلين كالآدميين وكثير من الطيور ومنهم من يمشي على أربع كبهيمة الأنعام ونحوها فاختلافها -مع أن الأصل واحد - يدل على نفوذ مشيئة الله وعموم قدرته ثم يقرر سبحانه أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم والأمثال البينة المحكمة وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي الألباب والبصائر ولهذا قال: {وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[16].
نصوص ذات صلة:
1- قال الله تعالى: {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً} وذلك كقوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مّنَ السَّمَاء سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} [الطور:44][17].
2- وجاء في معنى قول الله تعالى : {يُقَلّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ} آيات كثيرة منها قوله تعالى: {إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لاَيَاتٍ لاِوْلِى الاْلْبَابِ} [عمران:190][18].
الفوائد:(1/97)
1- في قول الله تعالى: {يُقَلّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ}: (لا يدخل في هذا الجن والملائكة لأنا لم نشاهدهم ولم يثبت أنهم خلقوا من ماء بل في الصحيح أن الملائكة خلقوا من نور والجن خلقوا من نار[19]).[20]
[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288)، وفتح القدير (4/41).
[2] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288)، وفتح القدير (4/41).
[3] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/290).
[4] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/291)، وفتح القدير (4/42).
[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288).
[6] انظر: فتح القدير (4/41).
[7] تفسير القرآن العظيم (3/308).
[8] انظر: فتح القدير (4/41).
[9] انظر: الجامع لأحكام القرآن (288).
[10] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288-289).
[11] انظر: فتح القدير (4/41).
[12] تفسير القرآن العظيم (3/309).
[13] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/309).
[14] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/309).
[15] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/291).
[16] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/287)، وتفسير القرآن العظيم (3/308)، وفتح القدير (4/41)، وتيسير الكريم الرحمن (5/429).
[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/288).
[18] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/309).
[19] الحديث أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق باب: في أحاديث متفرقة (2996) من حديث عائشة رضي الله عنها.
[20] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/291) وَ (10/23).
تاسعاً: الآيات (47-54):(1/98)
{وَيِقُولُونَ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذالِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون * وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلَاغُ الْمُبِين}.
أسباب النزول:
1- قال الله تعالى: {إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}:(1/99)
جاء في سبب نزول هذه الآية: (أن رجلاً من المنافقين اسمه بشر كانت بينه وبين رجل من اليهود خصومة في أ{ض فدعاه اليهود إلى التحاكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المنافق مبطلاً فأبى من ذلك وقال: إن محمداً يحيف علينا فلنحكّم كعب بن الأشرف فنزلت الآية فيه. وقيل: نزلت في المغيرة بن وائل من بني أمية كان بينه وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه خصومة في ماء وأرض فامتنع المغيرة أن يحاكم علياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنه يبغضني فنزلت الآية)[1].
وقيل: (كان الرجل إذا كان بينه وبين رجل منازعة فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو محق أذعن وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيقضي بالحق وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أعرض وقال: انطلقا إلى فلان فأنزل الله هذه الآية)[2].
2- قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ...}:
(لما بين الله كراهة المنافقين لحكم النبي صلى الله عليه وسلم أتوه فقالوا: والله لو أمرتنا أن تخرج من ديارنا ونسائنا وأموالنا لخرجن ولو أمرتنا بالجهاد لجاهدنا فنزلت هذه الآية)[3].
القراءات:
1- {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ}:
1) قرأ الجمهور بنصب (قولَ) على أنه خبر كان واسمها: (أن يقولو).
2) وقرأ علي والحسن وابن أبي إسحاق برفع (قولُ) على أنه الاسم وأن المصدرية وما في حيزها الخبر[4].
2- {لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ}:
1) قرأ الجمهور {ليَحكم بينهم}.
2) وقرأ ابن القعقاع {ليُحكم بينهم} غير مسمى الفاعل[5].
3- {وَيَتَّقْهِ}:
1) قرأ حفص {ويتقْه} بإسكان القاف على نية الجزم.
2) وقرأ الباقون بكسرها {ويتقِه} لأن جزم هذا الفعل بحذف آخره[6].
المفردات:
1- {يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}:(1/100)
أي طائعين منقادين لعلهم أنه عليه السلام يحكم بالحق يقال: أذعن فلان لحكم فلان يذعن إذعاناً[7]. فإذعانه لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق بل لأنه موافق لهواه ولهذا لما خالف الحق قصره عدل عنه إلى غيره[8].
2- {أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ}:
أي يجور في الحكم والظلم وأتى بلفظ الاستفهام لأنه أشد في التوبيخ وأبلغ في الذم[9]. والحيف الميل في الحكم يقال: حاف في قضيته: أي جار فيما حكم به[10].
3- {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ...}:
(ذكر أسلم أن عمر رضي الله عنه بينما هو قائم في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رجل من دهاقين الروم قائم على رأسه وهو يقول: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فقال له عمر: ماشأنك قال: أسلمت. قال: هل لهذا سبب قال: نعم إني قرأت التوراة والزبور والإنجيل وكثيراً من كتب الأنبياء فسمعت أسيراً يقرأ آية من القرآن جمع فيها كل ما في الكتب المتقدمة فعلمت أنه من عند الله فأسلمت: قال ما هذه الآية؟ قال قوله تعالى: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ} في الفرائض {وَرَسُولَهُ} في السنن {وَيَخْشَ اللَّهَ} فيما مضى من عمره {وَيَتَّقْهِ} فيما بقي من عمره {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون} والفائز من نجا من النار وأدخل الجنة)[11].
4- {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}:
طاقة ما قدروا أن يحلفوا[12].
5- {طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ}:
خبر مبتدأ محذوف أي طاعتكم طاعة والجملة تعليل للنهي كأنه قيل لا تقسموا على ما تدّعون من الطاعة لأن طاعتكم معروفة بأنها واقعة باللسان فقط من غير مواطأة من القلب لا يجهلها أحد من الناس[13].
6- {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ}:
{فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ} أي إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة {وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ} أي بقبول ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه[14].
المعنى الإجمالي:(1/101)
يخبر الله تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون يقولون قولاً بألسنتهم {امَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مّنْهُمْ مّن بَعْدِ ذالِكَ} أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون ولهذا قال تعالى: {وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}. وإذا صار بينهم وبين أحد حكومة ودعوا إلى الله ورسوله إذا فريق منهم معرضون يريدون أحكام الجاهلية ويفضلون أحكام القوانين غير الشرعية على الأحكام الشرعية لعلهم أن الحق عليهم أما إذا كان الحق لهم فإنهم يأتون مسرعين منقادين فهم ليسوا بممدوحين في هذه الحال ولو أتوا إليه مذعنين لأن العبد حقيقة من يتبع الحق فيما يحب ويكره وفيما يسره ويحزنه وأما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه وينبذه عند مخالفته فليس بعبد الله على الحقيقة. ثم قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي {أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} أي علة أخرجت القلب عن صحته وأزالت حاسته فصار بمنزلة المريض {أَمِ ارْتَابُواْ} أي شكوّا أو قلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله {أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} أي يحكم عليهم حكماً ظالماً جائراً وإنما هذا وصفهم {بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وأما حكم الله ورسوله ففي غاية العدالة والقسط وموافقة الحكمة وفي هذه الآيات عمن تولى عن الطاعة. ولما ذكر حالة المعرضين عن الحكم الشرعي ذكر حالة المؤمنين الممدوحين فقال {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فهم منقادون لحكم الله ورسوله سواء وافق أهواءهم أو خالفها وحصر الله الفلاح فيهم لأن الفلاح الفوز بالمطلوب والنجاة من المكروه ولا يفلح إلا من حكم الله ورسوله وأطاع الله ورسوله.(1/102)
ولما ذكر الله فضل الطاعة خصوصاً ذكر فضلها عموماً في جميع الأحوال فقال جل ذكره: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون} واشتملت هذه الآية على الحق المشترك بين الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم في الجهاد من المنافقين ومن في قلوبهم مرض وضعف إيمان أنهم يقسمون بالله {لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ} فيما يستقبل يحلفون أنهم ليخرجن وهم على خلاف ذلك قال الله راداً عليهم {قُل لاَّ تُقْسِمُواْ} أي لا نحتاج إلى إقسامكم ولا إلى أعذاركم فإن الله قد نبأنا من أخباركم وطاعتكم معروفة لا تخفى علينا قد كنا نعرف منكم التثاقل والكسل من غير عذر فلا وجه لعذركم وقسمكم. ثم أمر الله عز وجل. جميع الناس أن يطيعوا الله ورسوله ويمتثلوا أوامرهما يجتنبوا فواهيمها وإن تولوا وأعرضوا فإنما على الرسول ما حمل من الرسالة وقد أداها وعليكم ما حملتم من الطاعة والامتثال وأخبر أن الهداية لا سبيل إليها إلا بطاعته وما على الرسول إلا البلاغ المبين[15].
نصوص ذات صلة:
1- قال الله تعالى: {وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} هذه الآية معناها أن المنافقين يستكبرون عن ابتاع الحق والهدى إذا دُعوا إليه وقد ورد في معنى هذه الآية قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً} [النساء:60، 61][16].(1/103)
2- قال تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ}:
وقال الله تعالى عنهم في موضع آخر: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ} [التوبة:96]، وقال جل شأنه: {اتَّخَذْواْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المجادلة:16]، وقد أثبت الله لهم الكذب والافتراء في زعمهم هذا كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [الحشر:11، 12][17].
3- قال تعالى: {فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ} مثل قول الله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} [العنكبوت:18]، وقوله: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد:40]، وقوله: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:22][18].
الفوائد:
1- قال الله تعالى: {لِيَحْكُمَ} ولم يقل (ليحكما) لأن المعنيّ به الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما بدأ بذكر الله إعظاماً واستفتاح كلام[19].
2- القضاء يكون للمسلمين إذا كان الحكم بين المعَاهَد والمسلم ولاحق لأهل الذمة فيه وإذا كان بين ذِقيّين فذلك إليهما فإن جاءا قاضيَ الإسلام فإن شاء حكم وإن شاء أعرضها[20].
3- قال تعالى: {وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ * وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ}:(1/104)
هذه الآية دليل على وجوب إجابة الداعي إلى الحاكم لأن الله سبحانه ذم من دعي إلى رسوله ليحكم بينه وبين خصمه بأقبح الذم فقال: {أَفِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ}[21].
4- قال قتادة في قوله تعالى: {أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ذكر لنا أن عبادة بن الصامت وكان عقبياً بدرياً أحد نقباء الأنصار أنه لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية ألا أنبتك بماذا عليك وبماذا لك؟ قال: بلى قال فإن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثره عليك وعليك أن تقيم لسانك بالعدل وأن لا تنافع الأمر أهله إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحاً فما أُمرت به من شيء يخالف كتاب الله[22].
[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/293).
[2] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/310).
[3] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/296).
[4] انظر: فتح القدير (4/45).
[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/295).
[6] انظر: فتح القدير (4/46).
[7] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/293).
[8] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/310).
[9] انظر: الجامع لأحكام القرآن (294).
[10] انظر: فتح القدير (4/45).
[11] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/295).
[12] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/296).
[13] انظر: روح المعاني للألوسي (18/199).
[14] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/311).
[15] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/292)، وتفسير القرآن العظيم (3/309)، وروح المعاني (18/194)، وفتح القدير (4/44)، وتيسير الكريم الرحمن للسعدي (5/433).
[16] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/310).
[17] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/311).
[18] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/311).
[19] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/293).
[20] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/294).
[21] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/294).
[22] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/310).
عاشراً: الآيات (55-57):(1/105)
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذالِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَاتُواْ الزكاةَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِى الأرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.
أسباب النزول:
1- قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً...}:
إن سبب نزول هذه الآية أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكا جهد مكافحة العدو وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم وأنهم لا يضعون أسلحتهم فنزلت الآية[1]. وقال أبو العالية: مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعد ما أوحي إليه خائفاً هو أصحابه يدعون إلى الله سراً وجهراً ثم أمر بالهجرة إلى المدينة فمكث بها هو وأصحاب خائفون يصبحون في السلام ويمسون فيه فقال رجل: ما يأتي علينا يوم تأمن فيه ونضع عنا السلاح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلبثوا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم مُحتَبياً ليس عليه حديدة))[2] فأنزل الله هذه الآية[3].
قال مالك: نزلت هذه الآية في أبو بكر وعمر: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ...}[4].
القراءات:
1- {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}:(1/106)
1) {اسْتَخْلَفَ}: بفتح التاء واللام على البناء للفاعل وهذه قراءة الجمهور.
2) {اسْتُخْلِف}: بضم التاء وكسر اللام على الفعل المجهول. وهذه قراءة عيسى بن عمر وأبو بكر والمفضل عن عاصم[5].
2- {وَلَيُبَدّلَنَّهُمْ مّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ}:
1) {وليُبَدِّلنهم}: بالتشديد من بدّل وهذه قراءة الجمهور.
2) {وليُبْدِلَنَّهم}: بالتخفيف من أبدل وهي قراءة ابن محيصن وابن كثير ويعقوب وأبو بكر وهي قراءة الحسن واختيار أبي حاتم[6].
وقراءة التشديد أرجح من قراءة التخفيف[7].
3- {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ}:
1) {تَحْسَبَنَّ}: بالتاء خطاباً وهذه قراءة الجمهور.
2) {يَحْسَبنَّ}: بالياء وهذه قراءة ابن عامر وحمزة وأبو حيوة[8].
المفردات:
1- {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ}: أي ليجعلهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف الملوك في مملوكاتهم[9].
2- {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}: كل من استخلفه الله في أرضه فلا يخص ذلك ببني إسرائل ولا أمة من الأمم دون غيرها[10].
3- {وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ}: والمراد بالتمكين هنا: التثبيت والتقرير: أي يجعله الله ثابتاً مقرراً ويوسع لهم في البلاد ويظهر دينهم على جميع الأديان والمراد بالدين هنا: الإسلام كما في قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:2][11].
4- {يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً}:
{يعبدونني}: هو في موضع الحال أي في حال عبادتهم الله بالإخلاص ويجوز أن يكون استئنافاً على طريق الثناء عليهم {لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً} فيه أربعة أقوال: أحدها: لا يعبدون إلهاً غيري. الثاني: لا يراءون بعبادتي أحداً. الثالث: لا يخافون غيري. الرابع: لا يحبون غيري[12].(1/107)
5- {مُعْجِزِينَ}: أي لا يعجزون الله بل الله قادر عليهم وسيعذبهم على ذلك أشد العذاب ولهذا قال تعالى: {وَمَأْوَاهُمُ} أي في الدار الآخرة {النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي بئس المآل مآل الكافرين وبئس القرار وبئس المهاد[13].
المعنى الإجمالي:
هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولادة عليهم وبهم تصلح البلاد وتخضع لهم العباد وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً وحكماً فيهم وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنه فإنه صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام وهكذا أمضى الله وعده في كل فئة أخذت بما أمرت به من الإيمان والعمل الصالح. فهذا من آيات الله العجيبة الباهرة ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله وإنما يسلط الله عليهم الكفار والمنافقين ويُديلُهم في بعض الأحيان بسبب إخلال المسلمين بالإيمان والعمل الصالح. ومن كفر بعد التمكين والسلطة فأولئك هم الفاسقون الذين خرجوا عن طاعة الله وفسدوا وقد ولت هذه الآية أن الله مكن من قبلنا واستخلفهم في الأرض كما قال موسى لقومه {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:129]، ثم أمر الله بإقامة الصلاة بأركانها وشروطها وآدبها ظاهراً وباطناً وبإيتاء الزكاة من الأحوال التي استخلف الله عليها العباد وأعطاهم إياها ثم عطف عليهما الأمر العام فقال: {أَطِيعُواْ اللَّهَ} وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فمن أراد الرحمة فهذا طريقها ومن رجاها من دون إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول فهو متمنٍ كاذب.(1/108)
{لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِى الأرْضِ} فلا يغررك ما مُتعوا به في الحياة الدنيا فإن الله وإن أملهم فإنه لا يهملهم ولهذا قال: {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ} أي بئس مآل الكافرين مآل الشر والحسرة والعقوبة الأبدية[14].
نصوص ذات صلة:
1- قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ}:
وهناك آيات وأحاديث كثيرة تدل على أن طاعة الله بالإيمان والعمل الصالح سبب للقوة والاستخلاف في الأرض ونفوذ الكلمة كقوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِى الأرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} [الأنفال:26]، وقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأرْضِ أَقَامُواْ الصلاةَ وَاتَوُاْ الزكاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاْمُورِ} [الحج:40، 41][15].
ومن الأحاديث: قوله صلى الله عليه وسلم: ((واله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون))[16].
2- قال تعالى: {كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}:
ومن الآيات الموضحة لذلك قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ فِى الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِى الأرْضِ...} [القصص:5، 6].
وقوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:129][17].
3- وقال تعالى: {وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ}:(1/109)
هذا الدين الذي ارتضاه لهم هو دين الإسلام بدليل قوله تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الأسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:2]. وقوله: {إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ} [عمران:19][18].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكنها ما زوي لي منها وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض[19]...))[20].
وعن عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال يا عدي: ((هل رأيت الحيرة)) قلت: لم أرها وقد أنبئت عنها قال: ((فإن طالت بك حياة لتَرَيَّن الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله[21]...)[22].
4- {يَعْبُدُونَنِى لاَ يُشْرِكُونَ بِى شَيْئاً}:
عن معاذ رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار يقال له: عُفير فقال: ((يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله)) قلت الله ورسوله أعلم قال: ((فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً فقلت يا رسول الله: أفلا أبشر الناس قال: لا تبشرهم فيتكلوا))[23].
5- وقال تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مُعْجِزِينَ فِى الأرْضِ}:
ما دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء مبيناً في آيات آخر كقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِى الْكَافِرِينَ} [التوبة:2]، وقوله تعالى: {يُعَذّبُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ * وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِى الأرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء} [العنكبوت:22][24].
الفوائد:
1- قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ...}.(1/110)
قال النحاس: (فكان في هذه الآية دلالة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله جل وعلا أنجز ذلك الوعد)[25].
2- قال ابن العربي: (قال علماؤنا: هذه الآية وعد حق وقول صدق يدل ذلك على صحة إمامه الخلفاء الأربعة لأنه لم يتقدمهم أحد في الفضيلة إلى يومنا هذا فأولئك مقطوع بإمامتهم عليه وصدق وعد الله فيهم وكانوا على الدين الذي ارتضى لهم واستقر الأمر لهم وقاموا بسياسة المسلمين وذبّوا عن حوزة الدين فنفذ الوعد فيهم وصدق الكلام فيهم وإذا لم يكن هذا الوعد بهم فيجز ومنهم تفز وعليهم ورد ففيمن يكون إذن؟ وليس بعدهم مثلهم إلى يومنا هذا ولا يكون فيما بعده[26]. وهذه الحال لم تختص بالخلفاء الأربعة رضي الله عنهم حتى يُخصوا بها من عموم الآية بل شاركهم في ذلك جميع المهاجرين بل وغيرهم[27].
3- اللام في {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ} جواب قسم مضمر لأن الوعد قول مجازهها: قال الله للذين، آمنوا وعملوا الصالحات والله ليستخلفهم في الأرض فيجعلهم ملوكها وسكانها[28].
4- قال الله تعالى: {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ}:
وقيل: لما أن النفوس إلى الحظوظ العاجلة أميل فتصدير المواعيد بها في الاستعمال أدخل والتمكين في الأصل جعل الشيء في مكان ثم استعمل في لازمه وهو التثبيت[29].
5- قال تعالى: {وَلَيُمَكّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَى لَهُمْ}:
في إضافة الدين وهو دين الإسلام إليهم ثم وصفه بارتضائه لهم من مزيد الترغيب فيه والتثبيت عليه ما فيه[30].(1/111)
6- هذا واستدل كثير بهذه الآية على صحة خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم لأن الله تعالى وعد فيها من في حضرة الرسالة من المؤمنين بالاستخلاف وتمكين الدين والأمن العظيم من الأعداء ولا بد من وقوع ما وعد به ضرورة امتناع الخلُف في وعده تعالى ولم يقع ذلك المجموع إلا في عهدهم فكان كل منهم خليفة حقاً باستخلاف الله تعالى إياه حسبما وعد جل وعلا... وأقامها بعض أهل السنة دليلاً على الشيعة في اعتقادهم عدم صحة خلافة الخلفاء الثلاثة ولم يستدل بها على صحة خلافة الأمير كرم الله وجهه لأنها مسلّمة عند الشيعة[31].
7- قال الله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَاتُواْ الزكاةَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}:
هذه الآية الكريمة تدل على أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم سبب لرحمة الله تعالى سواء قلنا إن (لعل) في قوله {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} حرف تعليل أو ترج لأنها إن قلنا: إنها حرف تعليل فإقامة الصلاة وما عطف عليه سبب رحمة الله لأن العلل أسباب شرعية وإن قلنا: إن (لعل) للترجي: أي أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة على رجائكم أن الله يرحمكم بذلك لأن الله ما أطمعهم بتلك الرحمة عند عملهم بموجبها إلا ليرحمهم لما هو معلوم من فضله وكرمه وكون: لعل هنا للترجي إنما هو بحسب علم المخلوقين[32].
[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/297).
[2] الحديث أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان قال: حدثنا القاسم قال: ثنا الحسين قال: ثني حجاج عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية. فذكر الحديث.
[3] انظر: جامع البيان للطبري (18/159)، وتفسير القرآن العظيم (3/312-313).
[4] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/409).
[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/299-300)، وفتح القدير (4/47).
[6] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/300).
[7] انظر: فتح القدير (4/47).(1/112)
[8] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/301)، وأضواء البيان (6/248-249).
[9] انظر: فتح القدير (4/47).
[10] انظر: فتح القدير (4/47).
[11] انظر: فتح القدير (4/47).
[12] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/300).
[13] تفسير القرآن العظيم (3/314).
[14] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/297)، وتفسير القرآن العظيم (3/311)، وروح المعاني (18/201)، وفتح القدير (4/47)، وتيسير الكريم الرحمن (5/439).
[15] انظر: أضواء البيان (6/246).
[16] أخرجه البخاري من حديث خباب بن الأرب في كتاب المناقب باب: علامات النبوة في الإسلام (3612).
[17] انظر: أضواء البيان (6/246).
[18] انظر: أضواء البيان (6/247).
[19] أخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة باب:هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض (2889).
[20] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/312).
[21] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب: علامات النبوة في الإسلام (3595).
[22] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/313).
[23] أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب: الفرس والحمار (2856)، ومسلم في الإيمان باب: الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة (30).
[24] انظر: أضواء البيان (6/248).
[25] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/297).
[26] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (3/409)، والجامع لأحكام القرآن (12/297).
[27] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/298).
[28] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/299).
[29] انظر: روح المعاني (18/203).
[30] روح المعاني (18/203).
[31] روح المعاني (18/205).
[32] انظر: أضواء البيان (6/247).
حادي عشر: الآيات (58-60):(1/113)
{ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مّن قَبْلِ صلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صلاةِ الْعِشَاء ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوفُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذالِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءايَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَاء الَّلَاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرّجَاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ}.
أسباب النزول:
قال مقاتل: (نزلت في أسماء بنت مرثد دخل عليها غلام لها كبير فاشتكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه الآية)[1].
ويروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث غلاماً من الأنصار يقال له مُدْلج إلى عمر بن الخطاب ظهيرة ليدعوه فوجده نائماً قد أغلق عليه الباب فدق عليه الغلام الباب فناداه ودخل فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول علينا في هذه الساعات إلا بإذن ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد هذه الآية قد أنزلت فخر ساجداً شكراً لله[2].
القراءات:
1- قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ}:
1) {الحُلُمَ}: بضم اللام وهذه قراءة الجمهور.
2) {الحُلْمَ}: بتسكين اللام وهذه قراءة الحسن بن أبي الحسن[3].
2- قوله تعالى: {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ}:(1/114)
1) {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ}: هذه قراءة جمهور السبعة. وقرأ الأعمش (عوَرات) بفتح الواو.
2) {ثَلاثَ مَراتٍ}: بالنصب على البدل من الظرف وهذه قراءة حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم[4].
3- قوله تعالى: {أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ}:
1) {أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ}: بغير من.
2) { أَن يَضَعْنَ مِن ثِيَابهنّ}: بزيادة (من) وهذه قراءة ابن مسعود وأبي وابن عباس[5].
4- وقوله تعالى: {وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ}:
1) {يستعففن} بالسين وهذه قراءة الجمهور.
2) {يتعففن}: بغير سين وهذه قراءة ابن مسعود.
المفردات:
1- {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ}: أي إذا دخلوا في حالٍ غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم ولا عليهم إن رأوا شيئاً من غير تلك الأحوال[6]. والعورات: الساعات التي تكون فيها العورة[7].
2- قوله: {وَإِذَا بَلَغَ الأطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ}:
المعنى أن الأطفال أمروا بالاستئذان في الأوقات الثلاثة المذكورة وأبيح لهم الأمر في غير ذلك ثم أمر الله تعالى في هذه الآية أن يكونوا إذا بلغوا الحلم على حكم الرجال في الاستئذان في كل وقت[8].
3- قوله: {كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ}:
يعني كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه[9].
4- قوله: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَاء الَّلَاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً}:
القواعد واحدتهنا قاعد بلا هاء ليدل حذفها على أنه قعود الكبير كما قالوا: ارمأة حامل ليدل بحذف الهاء أنه حمل حَبَل. والقواعد: العُجّز اللواتي قعدت عن التصرف من السنة وقعدن عن الولد والمحيض هذا قول أكثر العلماء[10].
وإنما خص القواعد بذلك الانصراف الأنفس عنهن إذ لا مذهب للرجال فيهن فأبيح لهن ما لم يبح لغيرهن وأزيل عنهن كلفة التحفظ المتعب لهن[11].
5- {غَيْرَ مُتَبَرّجَاتِ بِزِينَةٍ}:(1/115)
أي غير مظهرات ولا متعرضات بالزينة ليُنظَر إليهن فإن ذلك من أقبح الأشياء وأبعده عن الحق. والتبرج: التكشف والظهور للعيون ومنه: روح مشيدة وبروج السماء والأسوار إلى لا حائل دونها يسترها[12].
المعنى الإجمالي:
أمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال (الأول) من قبل صلاة الغداة لأن الناس إذ ذاك يكونون نياماً في فرشهم (الثاني) في وقت القيلولة لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله. (الثالث) من بعد صلاة العشاء لأنه وقت النوم فيؤمر الحزم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال ولهذا قال: {ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} أي أنهم إذا دخلوا في حالٍ غير هذه الأحوال فلا جناح عليكم في تمكينكم إياهم ولا عليهم إن رأوا شيئاً من غير تلك الأحوال لأنه قد أذن لهم في الهجوم ولأنهم طوفون عليكم أي في الخدمة وغير ذلك ولما كانت هذه الآية محكمة وكان عمل الناس بها قليلاً قال ابن عباس رضي الله عنه أترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن وذكر منها {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ...} ثم قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الاْطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ...} يعني إذا بلغ الأطفال منكم الحلم الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث إذا بلغوا الحلم وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال يعني بالنسبة إلى أجانبهم وإلى الأحوال التي يكون الرجل على امرأته وإن لم يكن في الأحوال الثلاث ثم بين الله حكم العُجّز من النساء وهنّ القواعد فقال جل شأنه {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النّسَاء الَّلَاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً...}(1/116)
أي اللاتي قعدن عن الاستمتاع والشهوة فلا يطمعن في النكاح ولا يُطمَعُ فيهن وذلك لكونها عجوزاً لا تُشتَهى ولا تَشتهي فلا إثم ولا حرج عليها أن تضع ثيابها الظاهرة كالخمار ونحوه الذي قال الله فيه للنساء: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فهؤلاء يجوز لهن أن يكشفن وجوههن لأمن المحذور منها وعليها. ولما كان نفي الحرج عنهن في وضع الثياب ربما توهم منه جواز استعمالها لكل شيء فدفع هذا الاحتراز بقوله {غَيْرَ مُتَبَرّجَاتِ بِزِينَةٍ} أي غير مظهرات للناس بالزينة والاستعفاف: طلب العفة بفعل الأسباب المقتضية لذلك والله سميع لجميع الأصوات عليم بالنيات والمقاصد[13].
نصوص ذات صلة:
1- قوله تعالى: {بَعْدِ صلاةِ الْعِشَاء} يريد العتمة وقد جاء النهي عن تسمية صلاة العشاء بالعتمة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون الإبل))[14]. وقد ورد في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى العشاء بالعتمة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ولو يعلموا ما في التجهيز لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا))[15].
(وهذه أخبار متعارضة لا يُعلم منها الأول من الآخر بالتاريخ لكن كل حديث بذاته يبين وقته وذلك أن النهي من النبي صلى الله عليه وسلم عن تسمية صلاة المغرب عشاءً وعن تسمية صلاة العشاء عتمة ثابت فلا مرد له من أقوال الصحابة فضلاً عمن عداهم)[16].(1/117)
وقد قيل: إن هذا النهي عن ابتاع الأعراب في تسميهم العشاء عتمة إنما كان لئلا يُعدل بها عما سمّاها الله تعالى في كتابه، فكأنه نهي إرشاد إلى ما هو الأولى وليس على جهة التحريم ولا على أن تسميتها العتمة لا يجوز ألا ترى أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أطلق عليها ذلك وقد أباح تسميتها بذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. وقيل: إنما نهى عن ذلك تنزيهاً لهذه العبادة الشريفة الدينية عن أن يطلق عليها ما هو اسم لفعله دنيوية وهي الحلْبة التي كانوا يحتلبونها في ذلك الوقت ويسمونها العتمة[17].
2- قال الله تعالى: {وَمِن بَعْدِ صلاةِ الْعِشَاء}:
ولقد جاء في فضل صلاة العشاء عدة أحاديث منها:
أ- عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((من صلى في جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله له بها عتقاً من النار))[18].
ب- وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلى العشاء في جماعة فكأنه قام نصف الليل ومن صلى الله عليه وسلم الفجر في جماعة فكأنه قام الليل كله))[19].
3- قال الله تعالى: {غَيْرَ مُتَبَرّجَاتِ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ}:
جاء في ذم التبرج وإظهار الزينة حديث عظيم فيه وعيد شديد لمن أظهرت مفاتنها للناس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا))[20].
الفوائد:(1/118)
1- (قال العلماء: هذه الآية خاصة والتي قبلها عامة لأنه قال: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا}: ثم خص هنا فقال: {لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فخص في هذه الآية بعض المستأذنين وكذلك أيضاً يتأول القول في الأولى في جميع الأوقات عموماً وخص في هذه الآية بعض الأوقات فلا يدخل فيها عبد ولا أمة)[21].
2- اختلف العلماء في المراد بقوله {لِيَسْتَأْذِنكُمُ} على ستة أقوال:
الأولى: أنها منسوخة.
الثاني: أنها ندب غير واجبة.
الثالث: عني بها النساء.
الرابع: هي في الرجال دون النساء.
الخامس: كان ذلك واجباً إذ كانوا لا غَلَق لهم ولا أبواب ولو عاد الحال لعاد الوجوب.
السادس: أنها محكمة واجبة ثابتة على الرجال والنساء وهو قول أكثر أهل العلم[22].
3- (أدب الله عز وجل عباده في هذه الآية بأن يكون العبيد إذ لا بال لهم والأطفال الذين لم يبلغوا الحلم إلا أنهم عقولا معاني الكشفة ونحوها يستأذنون على أهليهم في هذه الأوقات الثلاثة وهي الأوقات التي تقتضي عادة الناس الانكشاف فيها وملازمة التعري)[23].
4- قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الاْطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ}:
قال: {فَلْيَسْتَأْذِنُواْ} ولم يقل (فليستأذنوكم). وقال في الأولى {لِيَسْتَأْذِنكُمُ} لأن الأطفال غير مخاطبين ولا متعبدين[24].
5- (قيل لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين ما تقولين في الخضاب والصياغ والتمائم والقرطين والخلخال وخاتم الذهب ورقاق الثياب؟ فقالت: يا معشر النساء قصتكن قصة امرأة واحدة أحل الله لكنّ الزينة غير متبرجات لمن لا يحل لكن أن يروا منكن مُحرَّماً)[25].(1/119)
6- (أن السيد وولي الصغير مخاطبان بتعليم عبيدهم ومن تحت ولايتهم من الأولاد العلم بالآداب الشرعية لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ...}[26].
7- جواز كشف العورة لحاجة كالحاجة عند النوم وعند البول والغائط ونحو ذلك[27].
8- الصغير الذي دون البلوغ لا يجوز أن يُمَكّن من رؤية العورة ولا يجوز أن تُرى عورته لأن الله لم يأمر باستئذانهم إلا عن أمر ما يجوز[28].
9- أن ريق الصبي طاهر ولو كان بعد نجاسة كالقيء لقوله تعالى: { طَوفُونَ عَلَيْكُمْ} مع قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الهجرة: ((إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات))[29].
[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/302)، وانظر: تفسير القرآن العظيم (3/315).
[2] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/304).
[3] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/305)، وفتح القدير (4/50).
[4] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/305)، وفتح القدير (4/51).
[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/309).
[6] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/314).
[7] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/305).
[8] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/308).
[9] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/315).
[10] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/309).
[11] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/309).
[12] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/309).
[13] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/302)، وتفسير القرآن العظيم (3/314)، وروح المعاني (18/210)، وفتح القدير (4/50)، وتيسير الكريم الرحمن (5/442).
[14] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب: وقت العشاء وتأخيرها (644).
[15] أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب: الاستهام في الأذان (615)، ومسلم في الصلاة باب: تسوية الصفوف وإقامتها وفضل الأول فالأول (437).(1/120)
[16] أحكام القرآن لابن العربي (3/416).
[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/307).
[18] أخرجه ابن ماجة في كتاب المساجد والجماعات باب صلاة العشاء والفجر في جماعة (798) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد فيه مقال عمارة لم يدرك أنساً ولم يلقه. والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (650).
[19] أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة (656)، وانظر: الحديثين في الجامع لأحكام القرآن (12/307-308).
[20] أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة باب: النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (2128).
[21] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/302).
[22] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/302-303).
[23] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/304).
[24] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/308).
[25] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/310).
[26] انظر: تيسير الكريم الرحمن (5/443).
[27] انظر: تيسير الكريم الرحمن (5/444).
[28] انظر: تيسير الكريم الرحمن (5/444).
[29] أخرجه مالك في الموطأ كتاب الطهارة باب الطهور للوضوء (44)، وأحمد في مسنده برقم (22022) وأبو داود في كتاب الطهارة باب سؤر الهرة (75)، والترمذي في كتاب الطهارة باب ما جاء في سؤر الهرة (92)، والنسائي في كتاب الطهارة باب سؤر الهرة (68)، وابن ماجة في الطهارة وسننها باب الوضوء بسؤر الهرة والرخصة فيه (367) كلمهم من حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي. والحديث صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (80)، وانظر: تيسير الكريم الرحمن (5/444).
ثاني عشر: الآية (61):(1/121)
{لَّيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءابَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيّبَةً كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الاْيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
أسباب النزول:
وردت عدة أقوال في سبب نزول هذه الآية نذكر منها ما يتيسر:
أ- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لما أنزل الله عز وجل: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء:29]، قال المسلمون: إن الله عز وجل قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل وأن الطعام من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد فكف الناس عن ذلك فأنزل الله عز وجل {لَّيْسَ عَلَى الاْعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاْعْرَجِ حَرَجٌ...}[1].
ب- وعن الضماك أنه قال: كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ولا مريض فقال بعضهم: إنما كان بهم التقذر والتقزز وقال بعضهم: المريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح والأعرج المنحبس لا يستطيع المزاحمة على الطعام والأعمى لا يبصر طيب الطعام فأنزل الله {لَّيْسَ عَلَى الاْعْمَى حَرَجٌ...} فمعنى الكلام على تأويل هؤلاء: ليس عليكم أيها الناس في الأعمى حرج أن تأكلوا منه ومعه ولا في الأعرج حرج ولا في المريض حرج...)[2].(1/122)
ج- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان المسلمون يوعبون[3] في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضَمْنَاهم ويقولون: إن احتجتم فكلوا فكانوا يقولون إنما أحلوه لنا عن غير طيب نفس فأنزل الله عز وجل: {وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءابَائِكُمْ}[4].
د- وعن عكرمة وأبي صالح قالا: كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون حتى يأكل الضيف معهم فنزلت رخصة لهم[5].
القراءات:
1- قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ}:
1) {مَلَكْتُم}: بفتح الميم وتخفيف اللام وهذه قراءة الجمهور.
2) {مُلِّكْتم}: بضم الميم وكسر اللام وشدها وهذه قراءة سعيد بن جبير.
2- {مَّفَاتِحهُ}:
1) {مفاتحه}: هذه قراءة الجمهور.
2) {مفاتيحه}: بيان بين التاء والحاء وهذه قراءة سعيد بن جبير.
3) {مفتاحه}: على الإفراد وهذه قراءة قتادة[6].
المفردات:
1- {حَرَجٌ}: أصل الحرج والحِراج مجتمع الشيئين وتُصوّر منه ضيق ما بينهما فقيل للضيق حرج وللإثم حرج[7].
2- {صَدِيقِكُمْ}: الصديق من يصدقك في مودته وتصدقه في مودتك[8].
3- {جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً}: جميعاً: نصب على الحال و (أشتاتاً) جمع شت والشت: المصدر بمعنى التفرق يقال: شت القوم أي تفرقوا والمقصود: إباحة الأكل جميعاً وإن اختلفت أحوالهم في الأكل[9]. وهذه الجملة كلام مستأنف مشتمل على بيان حكم آخر من جنس ما قبله: أي ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم مجتمعين أو متفرقين[10].
4- {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً}:
في البيوت قولان:
أحدهما: أنها البيوت كلها. الثاني: أنها المساجد. والصحيح الأول لعموم القول ولا دليل على التخصيص[11].
المعنى الإجمالي:(1/123)
يخبر تعالى عن منته على عباده وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج بل يسره غاية التيسر فقال: {لَّيْسَ عَلَى الاْعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الاْعْرَجِ حَرَجٌ...} أي ليس على هؤلاء جناح في ترك الأمور الواجبة التي تتوقف على واحد منها وذلك كالجهاد ونحوه مما يتوقف على بصر الأعمى أو سلامة الأعرج أو صحة المريض ولهذا المعنى العام أطلق الكلام في ذلك ولم يقيده {وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ} أي حرج أن تأكلوا من بيوتكم أي بيوت أولادكم وهذا موافق للحديث: ((أنت ومالك لأبيك))[12] {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ} أي البيوت التي أنتم متصرفون فيها بوكالة أو ولاية ونحو ذلك {أَوْ صَدِيقِكُمْ} وهذا الحرج المنفي من الأكل من هذه البيوت كل ذلك إذا كان بدون إذن فبيوت هؤلاء المسمّين قد جرت العادة والعرف بالمسامحة في الأكل منها لأجل القرابة القريبة أو التصرف التام أو الصداقة. فلو قدر في أحد من هؤلاء عدم المسامحة والشح في الأكل المذكور لم يجز الأكل ولم يرتفع الحرج نظراً للحكمة والمعنى. وقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً} أي فكل ذلك جائز أكل أهل البيت الواحد جميعاً أو أكل كل واحد منهم وحده وهذا نفي للحرج لا نفي للفضيلة وإلا فالأفضل الاجتماع على الطعام. {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً...} يشتمل بيت الإنسان وبيت غيره لأن {بُيُوتاً} نكرة في سياق الشرط. فإذا دخلها الإنسان {فَسَلّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ} أي فليسلم بعضكم على بعض لأن المسلمين كأنهم شخص واحد من توادهم وتراحمهم وتعاطفهم. ثم مدح حق السلام فقال: {تَحِيَّةً مّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيّبَةً} أي قد شرعها الله سبحانه وجعلها تحيتكم وجعلها مباركة لاشتمالها على السلامة من النقص وحصول الرحمة والبركة {طَيّبَةً} لأنها من الكلم الطيب المحبوب الذي فيه طيب نفس للمحيا...)[13].
نصوص ذات صلة:(1/124)
قال الله تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيّبَةً}:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت والعشاء))[14].
الفوائد:
1- قوله تعالى: {وَلاَ عَلَى أَنفُسِكُمْ}:
هذا ابتداء كلام أي ولا عليكم أيها الناس ولكن لما اجتمع المخاطب وغير المخاطب غلب المخاطب لينتظم الكلام وذكر بيوت القرابات وسقط منها بيوت الأنباء فقال المفسرون: ذلك لأنها داخلة في قوله تعالى: {مِن بُيُوتِكُمْ} لأن بيت ابن الرجل بيته وفي الحديث: ((أنت ومالك لأبيك))[15] ولأنه ذكر الأقرباء بعد ولم يذكر الأولاد[16].
2- قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحهُ}:
وعند جمهور المفسرين يدخل في الآية الوكلاء والعبيد والأُجراء قال ابن عباس: عني وكيل الرجل على ضيعته وخازنه على ماله فيجوز له أن يأكل مما هو قيم عليه[17].
3- قرن الله عز وجل في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة لأن قرب المودة لصيق. قال ابن عباس في كتاب النقاش: الصديق أوكد من القرابة ألا ترى استعانة الجهمنيّن {وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:110] قلت[18]: ولهذا لا تجوز عندنا شهادة الصديق لصديقه كما لا تجوز شهادة القريب لقريبه[19].
4- قوله تعالى: {تَحِيَّةً} مصدر لأن قوله {فَسَلّمُواْ} معناه فحيوا وصفها بالبركة لأن فيها الدعاء واستجلاب مودة المسلم عليه ووصفها أيضاً بالطّيب لأن سامعها يستطيبها. والكاف من قوله: {كَذَلِكَ} كاف كشبيه {ذَلِكَ} إشارة إلى هذه السنين أي كما بين لكم سنة دينكم في هذه الأشياء يبين لكم سائر ما بكم حاجة إليه في دينكم[20].(1/125)
[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/312)، وجامع البيان (18/168)، وابن كثير (3/317).
[2] انظر: جامع البيان (18/168).
[3] يوعبون: أن يخرجون بأجمعهم في المغازي.
[4] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/312).
[5] انظر: فتح القدير للشوكاني (4/56).
[6] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/315)، وفتح القدير (4/53)، وروح المعاني (18/219-220).
[7] مفردات ألفاظ القرآن للراغبي الأصفهاني (226).
[8] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/316).
[9] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/317).
[10] انظر: فتح القدير (4/53).
[11] أحكام القرآن لابن العربي (3/426).
[12] أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات باب: ما للرجل من مال ولده (2291)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري وله شاهد من حديث عائشة رواه أصحاب السنين الأربعة وابن حبان في صحيحه ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو. والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1855).
[13] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/311)، وتفسير القرآن العظيم (3/316)، وتيسير الكريم الرحمن (5/446).
[14] أخرجه مسلم في كتاب الأشربة باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما (2018).
[15] أخرجه ابن ماجة في التجارات باب: ما للرجل من مال ولده (2291) من حديث جابر بن عبد الله. قال البوصيري في مصباح الزجاجة: هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط البخاري وله شاهد من حديث عائشة رواه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمرو والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (1855).
[16] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/314).
[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/315).
[18] القول للقرطبي رحمه الله.
[19] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/316).
[20] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/319).(1/126)
ثالث عشر: الآيات (62-64):
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَأذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَلا إِنَّ للَّهِ مَا فِى السَّمَاواتِ وَالأرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَاللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيمُ}.
أسباب النزول:
1- قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ ءامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَأذِنُوهُ}:(1/127)
روي أن هذه الآية نزلت ي حفر الخندق حين جاءت قريش وقائدها أبو سفيان وغطفان وقائدها عيينة بن حصن فضرب النبي صلى الله عليه وسلم الخندق على المدينة وذلك في شوال سنة خمس من الهجرة فكان المنافقون يتسللون لواذاً من العمل ويعتذرون بأعذار كاذبة[1]. وقال مقاتل:هم المنافقون كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة ويعني بالحديث الخطبة فيلوذون ببعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى يخرجوا من المسجد وكان لا يصح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعد ما يأخذ في الخطبة وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بأصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بطلت جمعته[2].
القراءات:
1- قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً}:
1) {لِواذا}: بكسر اللام وهذه قراءة الجمهور.
2) {لَواذا}: بفتح اللام وقرأ بها زيد بن قطيب[3].
2- قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء...}:
1) {بينكم}: على الظرفية وهذه قراءة الجمهور.
2) {نبيكم}: بنون مفتوحة وباء مكسورة وياء آخر الحروف مشددة بدل {بينكم} وهذه قراءة الحسن ويعقوب[4].
المفردات:
1- قال تعالى: {وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّى يَسْتَأذِنُوهُ}:
اختلف في الأمر الجامع ما هو؛ فقيل: المراد به ما للإمام من حاجة إلى جمع الناس فيه لإذاعة مصلحة من إقامة سنة في الدين أو لترهيب عدو بإجماعهم وللحروب. وقال مكحول والزهري: الجمعة من الأمر الجامع والحاصل أن الأمر الجامع هو الذي يعم نفعه أو ضررهُ وهو الأمر الجليل الذي يحتاج إلى اجتمع أهل الرأي والتجارب[5].(1/128)
2- قوله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً}: عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد يا أبا القاسم فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم وقال: فقولوا يا نبي الله يا رسول الله وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يُبجل وأن يعظم وأن يسود. فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام معه وعنده كما أمروا بتقديم الصدقة عند مناجاته. القول الثاني في ذلك أن المعنى: أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره فإن دعاءه مستجاب فاحذروا أن يدعوا عليكم فتهلكوا حكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن البصري وعطية العوفي. اهـ[6].
(هذا الوجه الأخير يأباه ظاهر القرآن لأن قوله تعالى: {كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً} يدل على خلافه ولو أراد دعاء بعضهم على بعض لقال: لا تجعلوا دعاء الرسول عليكم كدعاء بعضكم على بعض فدعاء بعضهم بعضاً ودعاء بعضهم على بعض متغايران كما لا يخفى[7].
3- قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً}: التسلل والانسلال: الخروج في خفية يقال: تسلل فلان من بين أصحابه إذا خرج بينهم[8].
{لِوَاذاً}: اللواذ من الملاوذة: وهي أن تستتر بشيء مخافة من يراك ولواذاً مصدر في موضع الحال أي متلاوذين أي يلوذ بعضهم ببعض[9].
4- قال تعالى: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ}: قال ابن عباس: الفتنة هنا القتل. وقبل: الزلازل والأهوال. وقيل: سلطان جائر يُسلط عليهم وقيل: الطبع على القلوب بشؤم مخالفة الرسول[10].
المعنى الإجمالي:(1/129)
هذا إرشاد من الله تعالى لعباده المؤمنين أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمر جامع: أي من ضرورته ومصلحته أن يكونوا فيه جميعاً كالجهاد والمشاورة ونحو ذلك من الأمور فالمؤمن بالله ورسوله حقاً لا يذهب لأمر من الأمور لا يرجع إلى أهله ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم إلا بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم أو نائبه من بعده ثم مدح الله تبارك وتعالى أولئك المؤمنين على فعلهم هذا وعلى أدبهم مع رسوله فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} ولكن هل يأذن لهم أولاً؟ ذكر لإذنه شرطين:
أحدهما: أن يكون لشأن من شئونهم وشغل من أشغالهم.
الثاني: أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة من دون مضرة بالآذن.
ومع هذا إذا استأذن وأذن له بشرطيه أمر الله رسوله أن يستغفر له لما عسى أن يكون مقصراً في الاستئذان.(1/130)
ثم نهى الله عباده أن ينادوا نبيه صلى الله عليه وسلم بمحمد أو بأبي القاسم ونحو ذلك من ألفاظ النداء العارية عن الأدب والاحترام وأمرهم أن يجلوه ويبجلوه ويوقروه في النداء بأن يقولوا: يا نبي الله يا رسول الله. ولما مدح الله المؤمنين بالله ورسوله الذين إذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه توعد من لم يفعل ذلك وذهب من غير استئذان فهو وإن خفي عليكم بذهابه فالله يعلمهم وسيجازيهم على ذلك أتم الجزاء ولهذا قال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وفي نهاية السورة أخبر جل شأنه أنّ له من في السموات والأرض ملكاً وعبيداً يتصرف فيهم بحكمه القدري وحكمه الشرعي {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ} أي قد أحاط علمه بما أنتم عليه من خير وشر وعلم جميع أعمالكم ويوم القيامة يخبرهم بجميع أعمالهم دقيقها وجليلها إخباراً مطابقاً لما وقع منهم ويستشهد عليهم أعضاءهم. ولما قيد علمه بأعمالهم ذكر العموم بعد الخصوص فقال: {وَاللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيمُ}[11].
نصوص ذات صلة:
1- قال تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُمْ بَعْضاً}:
هذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة دلت عليه آيات أخرى من كتاب الله كقوله تعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:2]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ راعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُواْ} [البقرة:105].(1/131)
2- قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}:
جاء في معنى هذه الآية حديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة))[12].
3- قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}:
ومعنى هذه الآية تدل عليه آيات كثيرة من كتاب الله كقوله جل وعلا: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [المطفيين:14]، وقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5]، وقوله تعالى: {فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة:10]، وقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة:125][13].
4- قال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ}:(1/132)
بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه يعلم ما عليه خلقه أي من الطاعة والمعصية وغير ذلك وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية مع أنه معلوم بالضرورة من الدين جاء مبيناً في آيات كثيرة كقوله تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِى شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْءانٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبّكَ مِن مّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِى السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذالِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس:61]، وقوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33]، وقوله: {سَوَاء مّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد:10]، وقوله: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14][14].
5- وقال تعالى: {وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ}:
وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من كونه جل وعلا يخبرهم يوم القيامة بما عملوا جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:12]، وقوله: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياوَيْلَتَنَا مَا لِهَاذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًا وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49][15].
الفوائد:
1- بين سبحانه وتعالى في أول السورة أنه أنزل آيات بينات وإنما النزول على محمد صلى الله عليه وسلم فختم السورة بتأكيد الأمر في متابعته عليه السلام ليعلم أن أوامره كأوامر القرآن[16].(1/133)
2- قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ}:
بهذه الآية احتج الفقهاء على أن الأمر على الوجوب ووجهها أن الله تبارك وتعالى قد حذر من مخالفة أمره وتوعد بالعقاب عليها بقوله: {أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فتحرم مخالفته فيجب امتثال أمره[17].
3- قد دل استقراء القرآن العظيم أن الفتنة فيه أطلقت على أربعة معانٍ:
الأول: أن يراد بها الإحراق بالنار كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُواْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج:10] أي أحرقوهم، وقوله جل وعلا:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} [الذاريات:13].
الثاني: وهو أشهرها إطلاق الفتنة على الاختبار كقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35]، وقوله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً * لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن:16، 17].
الثالث: إطلاق الفتنة على نتيجة الاختبار إن كانت سيئة كقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ} [الأنفال:39]، فقوله: {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي حتى لا يبقى شرك على أصح التفسيرين.
الرابع: إطلاق الفتنة على الحجة كما في قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:23]، أي لم تكن حجتهم كما قال به بعض أهل العلم[18].
4- قال الله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ}:(1/134)
قد للتحقيق كما قال قبلها: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً} وقال تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوّقِينَ مِنكُمْ} [الأحزاب:18]، وقال: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ} [المجادلة:1]، وغيرها. فكل هذه الآيات فيها تحقيق الفعل بغد كقول المؤذن تحقيقاً وثبوتاً: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة[19].
تم بحمد الله وتوفيقه تفسير سورة النور،،،
[1] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/321)، وفتح القدير (4/59).
[2] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/318).
[3] انظر: فتح القدير (4/58)، وروح المعاني (18/226).
[4] روح المعاني (18/225).
[5] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/320)، وفتح القدير (4/57).
[6] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/318).
[7] أضواء البيان (6/252).
[8] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/322)، وفتح القدير (4/58).
[9] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/322)، وفتح القدير (4/58).
[10] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/323).
[11] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/320)، وتفسير القرآن العظيم (3/317)، وقتح القدير (4/57)، وروح المعاني (18/223)، وتيسير الكريم الرحمن (5/451).
[12] أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (9372)، وأبو داود في كتاب الأدب باب: في السلام إذا قام من المجلس (5208)، والترمذي في الاستئذان والآداب باب: ما جاء في التسليم عند القيام وعند العقود (2706)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن. والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (4340)، وانظر: تفسير القرآن العظيم (3/318).
[13] انظر: أضواء البيان (6/255).
[14] انظر: أضواء البيان (6/255).
[15] انظر: أضواء البيان (6/257).
[16] الجامع لأحكام القرآن (12/320).
[17] انظر: الجامع لأحكام القرآن (12/322-323)، وأضواء البيان (6/253).
[18] انظر: أضواء البيان (6/254-255).
[19] انظر: تفسير القرآن العظيم (3/319).(1/135)