مالي أرى السيف في يدك وكان معصوبا بالحرير لكي لا يفلت إذا تعلق به فلما سأله لجلج وقال: قتل ابن ملجم وشبث بن عبرة الأشجعي عليا، فأخذ منه سيفه فضرب عنقه فأصبح قتيلا في الرباب، والمسيب بن خداش قتل مع وردان أيضا.
وولد خزيمة بن لؤي بن عمرو: مالك بن خزيمة وهو ولاد، فولد ولاد: الحارث بن ولاد. وعدي بن ولاد. ومازن بن ولاد. وربيعة بن ولاد. وبغيض بن ولاد. وغياث بن ولاد، منهم أصم بني ولاد الشاعر.
وولد رفاعة بن لؤي بن عمرو: خالد بن رفاعة. وكاهل بن رفاعة.
ونمير بن رفاعة.
وولد ذهل بن تيم بن عبد مناة بن أد:
سعد بن ذهل.
فولد سعد:
ثعلبة بن سعد.
وجشم بن سعد. وبكر بن سعد.
فولد ثعلبة:
امرئ القيس بن ثعلبة.
وعوف بن ثعلبة.
فولد امرؤ القيس:
جلهم.
منهم عمر بن لجأ [1] بن حدير بن مصاد بن ذهل بن تيم بن عبد مناة بن أد الشاعر
الذي كان يهاجي جرير بن عطية بن الخطفى، وكان سبب تهاجيهما أن ابن لجأ أنشد جريرا باليمانية
تجر بالأهون في أدنائها ... جر العجوز جانبي خبائها
[2] فقال له جرير: هلا قلت جر العروس طرفي ردائها، فقال له عمر بن
__________
[1] بهامش الأصل: عمر بن لجأ الشاعر.
[2] في النقائض- ط. ليدن 1905 ص 487: قال عمر في وصف إبله:
كالظرب الأسود من ورائها ... جر العجوز الثني من خفائها(11/276)
لجأ: فأنت الذي تقول:
لقومي أحمي للحقيقة منكم ... وأضرب للجبار والنقع ساطع
وأوثق عند المردفات عشية ... لحافا إذا ما جرد السيف مانع
[1] أرأيت إذا أخذن غدوة ولم يلحقهن إلّا عشيّة وقد نكحن فما غناؤه، فتحا كما إلى عبيد بن غاضرة العنبري وهو مسعود فقضى على جرير، فهجاه بشعر يقول فيه:
منعناكم حتى ابتنيتم بيوتكم ... وأصدر راعيكم بفلج وأوردا
بمرد على جرد مغاوير بالضحى ... إذا ثوب الداعي بصوت ونددا
[2] فأجابه عنه عمر بن لجأ:
هجوت عبيدا أن قضى وهو صادق ... وقبلك ما غار القضاء وأنجدا
وقبلك ما أحمت عدي دبارها ... وأصدر راعيها بنجد وأوردا
أتشتم بدرا في السماء ودونه ... تنائف تثني الطرف أن يتصعدا
هم أخذوا منكم أراب ظلامة ... فلم يبسطوا كفا إليهم ولا يدا
يعني عدي بن جندب من بني العنبر، وأراب: ركية كانت لبني العنبر أولا فتركوها فصارت إلى بني رياح، ثم طلبها الأعور بن بشامة العنبري فظفر بها فقال جرير:
لئن عمرت تيم زمانا بعثره [3] ... لقد لقيت تيم حداء عصبصبا
فلا يضغمن الليث تيما تقره ... وعكل [4] يسمون الفريس المنيّبا
__________
[1] ديوان جرير ص 293. النقائض ص 488.
[2] ديوان جرير ص 146.
[3] بهامش الأصل: بغرة، وهو الذي جاء في ديوان جرير ص 18.
[4] بهامش الأصل: عكلا.(11/277)
فهل لوم تيم لا أبا لك زاجر ... كنانة أو ينهى زهيرا وتولبا
[1] ومات عمر بن لجأ بالأهواز، وقال المدائني قرن جرير بابن لجأ فجعلا يتفاخران وينشدان فقال عمر بن لجأ وقد أقيما على غرائر البر
رأوا قمرا يقارنه حمار ... وكيف يقارن القمر الحمارا
فقال جرير:
يا تيم تيم عدي لا أبالكم ... لا يوقعنكم في سوءة عمر
أحين صرت سماء يا بنى لجأ ... وخاطرت بي عن أحسابها مضر
[2] فقال ابن لجأ:
لقد كذبت وشر القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر
بل أنت نزوة خوار على أمة ... لا يدرك الحلبات اللؤم والخور
[3]
وولد عوف بن ثعلبة:
عامر بن عوف،
منهم قطام بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف،
قتل أبوها وأخوها الأخضر يوم النهروان مع الخوارج، وهي التي خطبها ابن ملجم فاشترطت عليه عبدا وقينة وثلاثة آلاف درهم، وقتل علي بن أبي طالب فقال الشاعر:
لا مهر أغلى من علي وقتله ... وَلا فتك إِلا دون فتك ابْن ملجم
وقد كتبنا خبرها فيما تقدم، وقال ابْن ملجم:
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المصمّم
وقد يجعل البيتان للشاعر الأول
__________
[1] ديوان جرير ص 18- 20 مع فوارق.
[2] ديوان جرير ص 218- 221.
[3] النقائض ص 488.(11/278)
ومنهم: إبراهيم بن يزيد التيمي [1] الفقيه ابن شريك،
وكان يزيد بن شريك أبوه يحدث عن عمر بن الخطاب، وكان إبراهيم يكنى أبا أسماء، مات في حبس الحجاج بن يوسف في سنة أربع وتسعين.
حدثني علي بن محمد المدائني قال: لما انقضى أمر الجماجم بعث الحجاج إلى إبراهيم التيمي، وهو إبراهيم بن يزيد بن شريك فحبسه في المخيّس وكان ممن يذم سيرته.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، ثنا أَبُو أَحْمَدَ بن الزبير عن سفيان عن الشيباني قال: بلغ إبراهيم النخعي أن إبراهيم التيمي يعيب الخوارج في زمن الحجاج، فقال النخعي: إلى من يدعوهم إلى الحجاج؟
حدثني علي بن محمد المدائني عن عامر بن حفص أن الحجاج كتب إلى عامله على الكوفة أن احمل إلي إبراهيم بن يزيد النخعي فحمل إبراهيم التيمي.
وحدثني عمر بْن شبه عَن الأصمعي قَالَ: قَالَ يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج: هاتوا إبراهيم بن يزيد، فقيل له: إنهما إبراهيمان فقال:
هاتوهما جميعا فاستخفى النخعي [2] وأتي بالتيمي، فحبس حتى مات في الحبس.
حدثنا خلف بن هشام البزار وعفان، قالا: ثنا هشيم بن بشير، أنبأ العوام بْن حوشب أنه لما انطلق بإبراهيم التيمي إلى السجن قال له أصحابه:
__________
[1] بهامش الأصل: ابراهيم التيمي.
[2] انظر كتاب المتوارين الذي اختفوا خوفا من الحجاج بن يوسف للأزدي- ط. دمشق 1989 ص 49- 51.(11/279)
هل توصي إِلَى إخوانك بشيء تحب أن نبلغهم إياه عنك، ألك حاجة؟
قَالَ: نعم لا تذكروني عند غير الرب الَّذِي عناه يوسف عليه السلام. قَالَ خلف يقول تدعون اللَّه لي ولا تشفعون لي إِلَى السلطان وإن إِبْرَاهِيم لم يسأل العافية مما هو فيه حَتَّى مات من حبسه وَكَانَ يقول: اللهم هذا بعينك، اللهم قد ترى.
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَن أَبِي سعد قَالَ: دخل عَلَيْنَا إِبْرَاهِيم التيمي السجن فتكلم، فَقَالَ أَهْل السجن مَا يسرنا إنا خارجون منه.
وحدثني بكر بن الهيثم ثم ثنا سفيان بن عيينة قال: بلغني أن إبراهيم التيمي حبس في الديماس، وكان ومن معه في جهد وضيق، وكان التيمي يعزيهم ويصبرهم ويخبرهم ما لهم من الأجر حتى قال بعضهم: لوددت أني في هذا الديماس مع إبراهيم ما عشت.
المدائني عن عامر بن حفص أن إبراهيم التيمي كان يقول: إن قوما يدخلون النار فيتمنون أن يردوا إلى الدنيا ليعملوا فيكونوا مثلكم الآن فاغتنموا هذه المهلة.
الْمَدَائِنِيّ عَن عامر بْن حفص قَالَ: حبس الحجاج إبراهيم بن يزيد التيمي فجاءته ابنته فلم تعرفه حَتَّى كلمها، وَكَانَ الحجاج يطعم أَهْل السجن دقيق الشعير والرماد مخلوطين، ويقال إنه كان يخلط لهم في ذلك الملح أيضا، ومات التيمي فِي السجن، فرأى الحجاج فِي الليلة التي مات فيها إبراهيم قائلا يقول له: مات فِي هذه الليلة رجل من أَهْل الجنة، فلما أصبح قَالَ: من مات الليلة بواسط؟ فقالوا: إبراهيم التيمي فقال: نزغة(11/280)
من نزغات الشيطان، وأمر به فألقي خارجا.
وقال الحسن بن علي الحرمازي: سمعت الفضل بن دكين يقول: قال التيمي: إن الله أنعم على العباد. بحسب قدرته، وكلفهم من الشكر بقدر طاقتهم، فلا أدري أعني إبراهيم بن يزيد أم سليمان بن طرخان التيمي لنزوله بالتيم.
المدائني عن علي بن عبد الله النرسي قال: قال إبراهيم التيمي:
ما عرضت عملي على قولي إلا ظننت أني مكذب. وكان موت إبراهيم في سنة أربع وتسعين.
وقال محمد بن سعد: ومن المحدثين الحارث بن سويد التيمي تيم الرباب، مات في آخر ولاية عبد الله بن الزبير [1] .
وأبو حيان واسمه يحيى بن سعيد بن حيان.
وقال أبو اليقظان: فمن بطون تيم: بنو ولاد، وبنو أيسر وبنو ذهل وبنو وائلة. وبنو نكرة. وبنو شعاعة.
فمن بني أيسر عمر بن لجأ وقد قال جرير لعمر:
أظن الخيل تذعر سرح تيم ... وتعجل زبد أيسر أن يذابا
[2] يعيرهم بأنهم أصحاب شاء وزبد.
وقال: من بني نكرة هبان بن نكرة قاتل القدار سيد عنزة وهو القائل:
أهلكت مهري في الرهان لجاجة ... ومن اللجاجة ما يضر وينفع
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 167.
[2] ديوان جرير ص 28.(11/281)
قال: وانتقل بنو شعاعة فدخلوا في فقيم، فقال الفرزدق لرجل منهم يقال له شماخ بن علقمة:
فلو كان من جهال قومي عذرته ... ولكن عبدا من شعاعة أحمرا
وقال كان عصمة بن أبير سيدا، فلما كان يوم الجمل حمل عتبة بن أبي سفيان ومروان بن الحكم حتى بلغا المدينة فقال جرير:
وفى ابن أبير والرماح شوارع ... بآل أبي العاصي وفاء مشهرا
وبابن أبي سفيان عتبة بعد ما ... رأى حائط الموت الذي كان عسكرا
[1] ومن ولده: منظور بن غالب بن عصمة، وكان سيد التيم، وقال جرير وهو يهجو التيمي:
يغلي الجعالة منظور وثعلبة ... في كل حي أباها منهم نفر
والغائب القهوس المنظور أوبته ... وابنا شعاعة والسفار تنتظر
أعياك آباؤك الأدنون فالتمسن ... هل في شعاعة والأهدام مفتخر
[2] القهوس رجل من التيم وكان ابنه حضر يوم شعب جبلة ففر إلى غطفان، فقالت دختنوس بنت لقيط بن زرارة:
فر ابن قهوس الش ... جاع بكفه رمح متلّ
[3]
يعدو به خاطي البض [4] ... يع كأنه سمع أزل
إنك من تيم فدع ... غطفان إن ساروا وحلّوا
ولقد رأيت أباك وس ... ط القوم يعقد أو يحلّ
__________
[1] ليسا في ديوان جرير المطبوع.
[2] ليسوا في ديوان جرير المطبوع.
[3] متله: زعزعه وحركه. القاموس.
[4] البضيع: البحر، والماء النمير، والعرق، والجنيبة تجنب مع الإبل، والشريك. العين.
القاموس.(11/282)
متقلدا ربق الفرا ... ر كأنه في الجيد غل
والأهدام من التيم صاروا في منقر.
ومن التيم: بنو سبيع وقد دخلوا في بني طهية على نسب فيهم، وفيهم يقول الشاعر:
بنو سبيع ... زمع الكلاب
ليسوا إلى س ... عد ولا الرباب
ولا إلى ... القبائل الرغاب
قال: ومن شعراء التيم: السرندي، وجخدب، وعلفة، وكانوا يجتمعون على جرير فيهجونه مع عمر بن لجأ فقال جرير:
عضّ السرندي على تثليم ناجذه ... من أم علقة بظرا غمه الشعر
وعض علقة لا يألو بعرعرة ... من بظر أم السرندي وهو منتصر
[1] ومن التيم: عاصم بن عبد الله من ولد وائلة، وهو الذي نزل به رجلان من سدوس فأكرمهما، ثم إنهما أتيا بني سدوس فدلاهم عليه وعلى نعمه ونعم التيم، فركبت بنو سدوس وبنو ذهل بن ثعلبة حتى أغاروا على التيم، فاقتتلوا فانهزمت سدوس وألفافهم وقتلتهم التيم قتلا ذريعا وأسروا منهم، وكان ممن أسر خراش أحد الرجلين اللذين نزلا على عاصم، وهذا اليوم الذي يعرف بهبالة. قال عوف بن الخرع:
أبني سدوس هل وجدتم سيئ من ... تبغونه بهبالة والأشعر
فلنعم فتيان الصباح لقيتم ... حيث النساء حواسر في العسكر
وقال ابن لجأ:
لو تخبر الأرض البيان لخبرت ... عما رأيت وما شهدت هبالا
__________
[1] ليسا في ديوان جرير المطبوع.(11/283)
نسب عدي بْن عَبْد مناة بْن أد بْن طابخة
وولد عدي بن عبد مناة بن أد: جل بن عدي. وملكان بن عدي.
وحذيمة بن عدي، وهم أهل بيت يقال لهم بنو أسد بن لحي بن عدي بن عبد مناة.
وقال غير الكلبي: ولد عدي: ملكان. وجل، أمه تملك بنت تيم بن غالب. ولحي. وجذيمة. فأما جذيمة فلا عقب له، وأما بنو لحي فسقطوا إلى عمان، فهم في الأزد، وهم يعرفون نسبهم إذا وقفوا عليه.
وقال المدائني: من بني عدي: الأسود بن كلثوم الناسك، وجّهه ابن عمر إلى بيهق من نيسابور، فأخذ عليه العدو ثلمة دخل منها إلى حائط لبعض أهل بيهق، فقاتل فقتل، وقام بأمر الناس بعده أدهم بْن كلثوم فظفر وفتح بيهق، ولم يدفن أخاه لأنه كان يدعو أن يحشر من بطون الطير والسباع.
قال ابن الكلبي: فولد ملكان بن عدي: ربيعة بن ملكان.
وصعب بن ملكان. فولد ربيعة بن ملكان. ثعلبة، فولد ثعلبة: حارثة بن ثعلبة. وعوف بن ثعلبة. فولد عوف: خلف بن عوف. وكعب بن(11/285)
عوف. فولد كعب بن عوف بن ثعلبة: ساعدة بن كعب.
ومنهم ذو الرمة [1] واسمه غيلان بن عقبة بن بهيس بن مسعود بن حارثة بن عمرو بن ربيعة بن ساعدة بن كعب [بن عوف بن ثعلبة بن ربيعة بن ملكان بن عدي]
الشاعر، وإنما سمي ذو الرمة لقوله:
أشعث باقي رمة التقليد
[2] وكان يكنى أبا الحارث، وكانت له سدرة بالبادية كان يجلس عندها فهي تعرف بسدرة ذي الرمة.
حدثني التوزي عن الأصمعي قال: قال ذو الرمة: لأن يروي شعري صبي أحب إلى من أن يرويه أعرابي بدوي، لأن الصبي إذا ذهب عنه حرف رجع فيه إلى معلمه فذكره إياه، والأعرابي يذهب عنه منه الحرف لعلي قد سهرت في طلبه ليلة، فيجعل مكانه غيره اقتضاء فيفسده.
حدثني أبو عدنان الأعور، ثنا الأصمعي، أخبرني شيخ لنا قال:
رأيت ذا الرمة بمربد البصرة وعليه جماعة من الناس وإذا عليه برد ثمنه مائتا دينار فأنشد قصيدته البائية، فلما أنشد:
تصغي إذا شدها بالرحل جانحة ... حتى إذا ما استوى في غرزها تثب
[3] فقيل له: يا أخا بني تميم ما هكذا قال الراعي ولكنه قال:
ولا تعجل المرء قبل الوراك ... وهي بركبته أبصر
__________
[1] بهامش الأصل: ذو الرمّة الشاعر.
[2] الشطر الثاني للبيت هو: «نعم فأنت اليوم كالمعمود» . وأراد بالأشعث: الوتد، قد شعث رأسه مما يضرب بالحجارة، والرمة قطعة حبل يكون الوتد معلقا بها، والمعمود: الذي أضعفه الوجع أو الأمر. ديوان ذي الرمة- ط. بيروت 1993 ج 1 ص 330.
[3] جانحة لاصقة بالأرض، والغرز: سير كالركاب. ديوان ذي الرمة ج 1 ص 48.(11/286)
وهو إذا قام في غرزها ... كمثل السفينة أو أوقر
ومصغية خدها للزمام ... والرأس منها له أصغر
حتى إذا ما استوى طبقت ... كما أطبق المسحل الأغبر
[1] قال فسكت ساعة كالمفكر ثم قال: إنه نعت ناقة ملك، ونعت ناقة سوقة، فخرج منها على رؤوس من حضر.
وقيل لذي الرمة: لقد خصصت بلال بن أبي بردة بمدحك. فقال:
إنه والله وطأ مضجعي وأكرم مجلسي وأحسن صفدي.
وحدثني علي الأثرم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر الثقفي قال:
أتيت ذا الرمة فذكرت شيئا، فقال: وما عليك إنا والله نأخذ ولا نعطي.
حدثني الأثرم، حدثني الأصمعي عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ: قال ذو الرمة: قاتل الله أمة بني فلان ما أعربها سألتها كيف كان المطر عندكم فقالت: غثنا ما شئنا، وغيث من يلينا.
حدثني الأثرم عن أبي عبيدة قال: أنشد ذو الرمة بلال بن أبي بردة:
رأيت الناس ينتجعون غيثا ... فقلت لصيدح انتجعي بلالا
[2] فقال: يا غلام قد انتجعنا [3] ناقته كما ينتجع الرعي فاعلفها قتا ونوى، فلما خرج من عنده قال: ما أقل فطنته للمديح.
حدثني عافية بن شبيب عن إسحاق بن الموصلي عن الأصمعي، ثنا
__________
[1] ديوان الراعي النميري- ط. بيروت 1980 ص 102- 103. والمسحل: المبرد، والحديدة التي تجعل في فم الفرس ليخضع، وطعن في مسحله إذا أخذ في أمر فيه كلام ومضى فيه مجدا. النهاية لابن الأثير.
[2] ديوان ذي الرمة ج 3 ص 1535.
[3] بهامش الأصل: خ- انتجعتنا.(11/287)
عيسى بن عمر قال: سألت ذا الرمة عن النضناض، فأخرج لسانه فحركه.
وأخبرني الأثرم عن الأصمعي عن عيسى بن عمر عن ذي الرمة بمثله.
وحدثني الأثرم عن الأصمعي عن عيسى قال: سألت ذا الرمة عن شيء من الكلام لا وجه له، فقال: أتعرف اليتن؟ قلت: نعم. قال:
فهذا من الكلام يتن، واليتن أن يخرج رأس المولود بعد رجليه وتخرج رجلاه قبل رأسه.
وقال ابن كناسة: أخبرتني امرأة من أهل البادية أنها رأت مي ذي الرمة تدخل بيتا، فأخبرت أنها مي فجلست على باب بيتها تنتظر أن تراها فدعيت لها فقالت: تعس غيلان فقد شهرني شهره الله، وهي من ولد طلبه بن قيس بن عاصم المنقري، وقالت المرأة: رأيتها فو الله ما أكبرتها حتى تكلمت، فقلت: ما بلغ ذو الرمة نعتها.
وزعموا أم ميا كانت باقية الملاحة، وهي طاعنة في السن، فقالت امرأة من ولد قيس بن عاصم ونحلته ذا الرمة:
على وجه مي مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
ألم تر أن الماء يخبث طعمه ... وإن كان لون الماء في العين صافيا
فامتعض ذو الرمة وحلف بالله ما قاله.
قالوا: وكان ذو الرمة يشبب بخرقاء وهي عامرية وقال:
ومن حاجتي لولا التنائي وربما ... منحت الهوى من ليس بالمتقارب
عطابيل بيض من ربيعة عامر ... عذاب الثنايا مثقلات الحقائب
[1]
__________
[1] العطابيل: الطوال الأعناق من النساء، والحقائب: الأعجاز.(11/288)
يقظن الحمى والرمل منهنّ مخصر [1] ... ويشر بن البان الهجان النجائب
[2] وزعموا أن ذا الرمة شبب بخرقاء وهي مسنة قد بلغت الستين وأدركها القحيف العقيلي، فأرسلت إليه تسأله أن يشبب بها في شعره فقال:
لقد أرسلت خرقاء نحوي جريها ... لتجعلني خرقاء فيمن أضلت
وخرقاء لا تزداد إلا ملاحة ... ولو عمرت تعمير نوح وجلت
[3] وزعموا أن ذا الرمة أنشد قوله:
وعينان قال الله كونا فكانتا ... فعولين بالألباب ما تفعل الخمر
[4] وهو يريد كونا فكانتا فعولين خبر كانتا، فقال له عمرو بن عبيد:
ويحك، قلت عظيما، فقل فعولان بالألباب وظن أنه أراد كونا فعولين فكانتا، فقال ذو الرمة: ما أبالي أقلت هذا أم سبحت، فلما علم ما ذهب إليه عمرو قال: يا سبحان الله لو عنيت ما ظننت لكنت جاهلا.
ورأى جرير ذا الرمة عند بعض الولاة فكلمه بكلمة في أمر السرى والسير فغضب جرير فقال:
وداوية لو ذا الرميمة رامها ... وصيدح أودى ذو الرميم وصيدح
[5] يعني ناقته فخضع له حتى رضي.
وكان لذي الرمة أخ يقال له مسعود بن عقبة وهو القائل:
__________
[1] الحمى: موضع دون مكة ينزلنه في القيظ، وفي الديوان: والرمل منهن مربع، أي يرتبعن في الرمل.
[2] ديوان ذي الرمة ج 1 ص 194.
[3] ليسا في ديوانه المطبوع.
[4] ديوان ذي الرمة ج 1 ص 578.
[5] ليس في ديوان جرير المطبوع.(11/289)
إذا الأمر أغنى عنك حنويه فاجتنب ... معرة أمر أنت عنه بمعزل
وأخ يقال له أوفى بن عقبة هلك قبل ذي الرمة، فلما مات ذو الرمة قال مسعود:
تعزيت عن أوفى بغيلان بعده ... بصبر وجقن العين ملآن مترع
ولم ينسني غيلان من كان قبله ... ولكنّ نك القرح بالقرح أوجع
وأخ له يقال له هشام، وهو الذي قال له رجل: أوصني، فإني أريد مكة، فقال: أوصيك بتقوى الله وأن تصلي الصلوات لوقتها فإنك مصليها لا محالة، وهي لوقتها أفضل وأنفع، وإياك أن تكون كلب رفقتك فإن لكل رفقة كلب ينبح دونها، فإن كان خير شركوه فيه وإن كان شر تقلده دونهم.
وحدثني أبو عدنان عن أبي عبيدة قال: قال ذو الرمة: بلغت نصف عمر الهرم، بلغت أربعين سنة، فما عاش بعد ذلك إلا قليلا فلما احتضر قال:
يا قابض الروح من نفسي لموقتها ... وفارج الكرب أنقذني من النار
[1] ويقال إنه قال حين احتضر:
يا رب قد أشرفت نفسي وقد علمت ... علما يقينا لقد أحصيت آثاري
يا رب فاغفر ذنوبا قد نطقت بها ... رب العباد وزحزحني عن النار
[2] وكان ذو الرمة يقول: أنا أبو الحارث واسمي غيلان.
المدائني قال: قال رجل لذي الرمة وهو يهزأ به: أيدلك الذي تراه على
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] ليسا في ديوانه المطبوع. انظر الأغاني ج 18 ص 44.(11/290)
الشيء الذي لم تره؟ فقال: نعم، نظري إليك يدلني على أن أباك قد ناك أمك.
وَحَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا أَبُو زيد سعيد بن أوس النحوي قال: صلى بنا ابن أخت ذي الرمة المغرب في مسجد بني عدي فقرأ: إن ربهم بهم [1] فأنكرت ذلك في نفسي فلما قال خبير قالها بغير لام.
وحدثني حماد بن إسحاق عن أبيه قال: لما احتضر ذو الرمة قال: هذا والله اليوم لا يوم أقول:
كأني غداة الزرق يا مي مدنف ... أكيد بنفسي قد أتاها حمامها
[2] وولد خلف بن عوف: هلال بن خلف.
فولد هلال: شهاب بن هلال.
وولد حارثة بن ثعلبة بن ربيعة: عمرو بن حارثة المخيط، وهو ثعلبة بن مالك بن معاوية بن عمرو بن حارثة، وابنه خليفة الذي قتل حسان بن الحشرج العنزي يوم أغار قدار العنزي على التيم وعدي، وأسر قدار وبه ضربة فمات في أيديهم، وأسر اللذان العجلي، وابنه مسعدة الذي أسر شيبان بن شهاب جد بني مسمع يوم الخوع [3] ، حين أغارت عدي على بني جحدر من بني قيس بن ثعلبة.
وولد صعب بن ملكان: الحارث. وأمية.
وولد جل بن عدي بن عبد مناة: الدؤل.
__________
[1] سورة العاديات- الآية: 11.
[2] الأغاني ج 18 ص 43 مع فوارق.
[3] خوع: جبل أو موضع قرن خيبر. معجم البلدان.(11/291)
فولد الدؤل بن جل: تميم بن الدؤل. وعوف بن الدؤل.
فولد تميم: مالك بن تميم. وخزيمة بن تميم. وسعد بن تميم. منهم عياش بن عمرو بن مقرد، وله يقول الشاعر:
وما هلكت تيم فأرجو وراية ... ولا رهط عباس بن عمرو بن مقرد
فولد مالك بن تميم: ذكوان. وعامر. وحجر. ونشبه بن مالك بن تميم.
فولد حجر: مالك بن حجر. وسعد بن حجر. وعامر بن حجر، منهم عمر بن حبيب بن عمر بن مجالد بن سليم بن عبد الحارث بن أسد بن كعب بن عدي بن جندل بن عامر بن مالك بن تميم بن الدؤل بن جل، ولي قضاء البصرة لهارون أمير المؤمنين الرشيد، ويكنى أبا حفص.
وولد عوف بن الدؤل بن جل: بكر بن عوف. وجذيمة بن عوف.
وولد خزيمة بن تميم بن الدؤل: عمرو بن خزيمة. وعبيدة بن خزيمة. ومالك بن خزيمة. وسعد بن خزيمة.
فولد عبيدة بن خزيمة: الضريب بن عبيدة. وسعد بن عبيدة.
فمن بني ذكوان بن مالك بن تميم بن الدؤل: عبيدة، وهو أبو سهم- الشاعر- بن حبيب بن كعب بن عامر بن ذكوان. ومنهم حميد بن هلال الفقيه وهو من بني أعصر بن ذكوان، مات أيام خالد بن عبد الله.
ومن بني نشبة بن مالك بن تميم بن الدؤل: زهير بن ذؤيب بن زياد بن حمران بن جسر بن الحارث بن نشبة الذي يقول فيه حنظلة بن عرادة.
فوارس مثل شعبة أو زهير ... ومثل العنبري مجربينا(11/292)
العنبري: رقبة بن الحر. ومنهم: حدير بن علقمة بن ظبيان بن عباد بن ذكوان رئيس بني مالك يوم قاتلوا بني العدوية في يوم الداهنة [1] .
ومن ولده: سويد. وعبد الله. وعصم. وقرة، كانوا في ألفين من العطاء.
ومن بني عدي: ضرار بن ثعلبة المخيط،
غزا طائفة من بني شيبان، وبني عجل وبني عدي والرباب فنذروا بهم فاقتتلوا، فانهزمت بكر بن وائل، وأسر منهم عدة فطال أسارهم، فسألوا أن يمضي معهم من كانوا في يده إلى بلادهم على أن أجاروهم من بكر بن وائل، وضمنوا لهم أن يعيدوهم إلى منازلهم، وكان خليف بن ثعلبة بن المخيط قتل رجلا من بني تيم اللات، فوثبوا به فقتلوه وأخاه، فقال أدهم بن عصيم التيمي.
يرجي عدي أن يؤوب ابن مخيط ... وقد غال جار الوائلي الغوائل
وقال أبو اليقظان: من بني عدي: عمير بن خالد، شهد فتح الأبلة.
ومنهم بنو شهاب كانوا أشرافا في الجاهلية، ويزعمون أنهم ردفوا الملوك في الجاهلية. قال الشاعر:
كأرداف الملوك بني شهاب
وفي منزل كعب بن حسان بن شهاب اختلفت الرباب حتى افترقوا، وكان كعب رأس بني عدي في زمانه، وهو جد عمر بن هبيرة من قبل النساء.
ومنهم: والان كانت له عبادة وفضل وفيه يقول الشاعر:
__________
[1] انفرد البلاذري بذكر هذا اليوم.(11/293)
ولست كوالان الذي ساد بالتقي ... ولست كعمران ولا كالمهلب
[1] ومنهم مسلم بن بديل، كان من وجوه قومه، ومنهم أبو شعل حسان بن عبد الله ويقال أنه أسر شيبان بن شهاب على فرس له.
ومنهم مخيط واسمه ثعلبة بن مالك بن مسعدة، كان مسعدة رئيسا للرباب في الجاهلية وفيه يقول ذو الرمة:
ومسعدة الذي ورد النسارا
[2] وأغارت بنو عدي على بني جحدر من بَنِي قَيْس بْن ثعلبة بْن عكابة بالخوع، فأخذ مسعدة بن مخيط شيبان بن شهاب جد بني مسمع، وقد ذكر ذلك ذو الرمة في شعره، وكان خليفة بن مخيط شريفا وهو قاتل حسان العنزي يوم قدار العنزي.
ومنهم: طلحة بن إياس كان قاضيا لأبي جعفر أمير المؤمنين.
ومنهم: إسحاق بن سويد العدوي. كان فقيها ذا قدر وهو الذي يقول:
برئت من الخوارج لست منهم ... من الغزال منهم وابن باب
[3] وقال أبو اليقظان: حضر من بني عدي مع عائشة أم المؤمنين يوم الجمل عدة وقالوا:
نحن عدي نبتغي عليا ... نحمل ماذيا ومشرفيا
وبيضة والحلق الملويّا
__________
[1] بهامش الأصل: أراد عمران بن الحصين والمهلب بن أبي صفرة.
[2] الشطر الأول: «وجيء بفوارس كبني شهاب» ديوان ذي الرمة ج 2 ص 1384، والنسار جبل ناحية حمى ضرية. معجم البلدان.
[3] بهامش الأصل: الغزال: واصل بن عطاء. وابن باب عمرو بن عبيد بن باب.(11/294)
فقتل منهم بشر كثير.
ومن بني عدي: أبو نعامة عمرو بن عيسى، كان له قدر وصلاح، وفيه يقول الفرزدق:
أظن ابن عيسى لاقيا مثل وقعتي ... بعمرو بن عفرا وهي قاصمة الظهر
تقوفت [1] مال ابني حجين وما هما ... كذي حطم فان ولا ضرع غمر [2]
وكان الفرزدق سأل ابني حجين من بني عدي جائزة، فأشار عليهما عمرو بن عيسى أن يفتلا.
ومن بني عدي أبو قتادة كان له فضل وكان يقول: اللهم ارزقني شهادة تسبق بشراها أذاها وفرحها حزنها تختلني فيها عن نفسي. فغزا سجستان مع عبد الرحمن بن سمرة فأتاه العدو وهو نائم فذبحوه.
ومنهم العلاء بن زياد وكان من عباد الناس ولا عقب له.
ومنهم شويس العدوي الذي يقول: والله لله أحب إلى قلبي من لحم جزور يهيّأ في عشية بمرية، وما أحب الرطانة، ولا انقاض العسرة وما ترقمني إلا الكرم.
ومنهم أبو فرعون الذي كان يسأل بالبصرة، وكان شاعرا، وهو القائل:
أبصرت في النوم بختي ... في سوء زي وسمت
أعمى أصم كئيبا ... أبا بنين وبنت
فقلت أخسست رزقي ... فقال رزقك في إستي
__________
[1] تقوف المال: حجره على أصحابه.
[2] ديوان الفرزدق: ج 1 ص 300.(11/295)
فكيف لي بدواء ... يلين لي بطن بختي
وقال محمد بن سعد: شويس العدوي يكنى أبا الرقاد وكان ممن حضر فتح الأبلة والفرات [1] .
وأبو قتادة العدوي، واسمه تميم بن نذير.
وأبو السوار العدوي واسمه حسان بن حريث.
والعلاء بن زياد بن مطر العدوي مات في ولاية الحجاج.
قال: وحميد بن هلال يكنى أبا نضرة مات في ولاية خَالِد بْن عَبْدِ اللَّهِ القسري فِي العراق.
إسحاق بن سويد العدوي مات في خلافة أبي العباس في الطاعون الذي كان بالبصرة.
وأبو نعامة العدوي عمرو بن عيسى.
قال أبو عبيدة: غزا مسعدة بن المخيط بكر بن وائل فطعنه أبو شعل شيبان بن شهاب العدوي فلما سقط أخذه ربعي بن شهاب العدوي فأسره [2] .
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 7 ص 127.
[2] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله كل حمد وفضل.(11/296)
نسب ثور بْن عَبْد مناة بْن أد بْن طابخة
وولد ثور أطحل بن عبد مناة: ملكان.
وقال هشام: كل شيء في العرب فهو ملكان، بكسر الميم إلا في جرم ملكان بفتح الميم واللام ابن زبان بالفتح.
فولد ملكان: عامر بن ملكان. ومالك بن ملكان.
فولد عامر بن ملكان: ثعلبة. وأسلم.
فولد أسلم بن عامر بن ملكان: عامر بن أسلم. منهم الهيثم بن رزين الذي قدم مع مزرد الكوفة ليسألا قومهما، فأجزلت عطية الهيثم ولم يعط مزرد ما أرضاه فقال مزرد:
أتيت بني عمي فضنوا بمالهم ... علي ومن يجهل فإني عارف
فهلا جمعتم جمع ثور لهيثم ... وأنتم مع الغر الكرام الغطارف
[1] فولد ثعلبة بن عامر بن ملكان: الحارث. وشقرة بضم الشين.
ومنهم: قيار بن حسان بن فزارة بن ربيعة بن أوس بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة الذي ذكره البردخت العكلي. ونزل جرير بن عطية الخطفى بقيار فقال:
__________
[1] ديوان المزرد بن ضرار- ط. بغداد 1962 ص 52- 54.(11/297)
أبلغ جريرا وقيارا وقل لهما ... ألستما تحت خلق الله في النار
مازلت تطلب أوضارا وتلحسها ... حتى وقعت على الثوري قيار
ما ثور أطحل إذ عدوا مساعيهم ... ولا كليب بن يربوع بأخيار
فقال جرير من هذا؟ قالوا: البردخت قال وما البردخت؟ قالوا الفارغ. قال فو الله لأجعلن له بنفسي وشعري شغلا.
ومنهم الربيع بن خثيم [1] الثوري،
ولم ينفذ ابن الكلبي نسبه، وكان عابدا.
فَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ إِذَا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِذْنٌ حَتَّى يَفْرُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، وَكَانَ يَقُولُ لَهُ: لَوْ رَآكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَحَبَّكَ، مَا رَأَيْتُكَ إِلا ذَكَرْتُ الْمُخْبِتِينَ.
حَدَّثَنَا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو بكر بن عَيَّاشٍ عَنْ عِيسَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمَعَنَا رَبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ فَمَرَرْنَا بِحَدَّادٍ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَنْظُرُ إِلَى حَدِيدَةٍ فِي النَّارِ فَنَظَرَ رَبِيعٌ إِلَيْهَا فَتَمَايَلَ لِيَسْقُطَ، فَمَضَى عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى أَتُّونٍ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ فَلَمَّا رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالنَّارُ تَلْتَهِبُ فِيهِ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هنالك ثبورا [2] قَالَ فَصُعِقَ الرَّبِيعُ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ إِلَى أهله، قال: فرابطه عبد الله إلى
__________
[1] بهامش الأصل: الربيع بن خثيم.
[2] سورة الفرقان- الآيتان: 12- 13.(11/298)
الظُّهْرِ فَلَمْ يَفِقْ، ثُمَّ رَابَطَهُ إِلَى الْعَصْرِ فَلَمْ يَفِقْ، فَرَابَطَهُ إِلَى الْمَغْرِبِ فَلَمْ يَفِقْ، ثُمَّ إِنَّهُ أَفَاقَ فَرَجَعَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَى أَهْلِهِ.
وحدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا أبو حيان، حدثني أبي قال: كان الربيع بعد ما سقط شقه يهادي بين الرجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يقولون له: يا أبا يزيد لقد رخص الله لك فلو صليت في بيتك، فيقول إنه كما تقولون ولكني سمعته ينادي حي على الفلاح، فمن سمعه منكم ينادي حي على الفلاح فليجبه إن استطاع ولو زحفا، ولو حبوا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي عن محمد بن طلحة عن زبيد اليامي أن الربيع بن خثيم كان كل غداة إذا انصرف أقبل عليهم بوجهه فقال: قولوا خيرا، افعلوا خيرا، داوموا على صالحة، واستكثروا من الخير، واستقلوا من الشر، لا يتطاولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا بسمعون [1] .
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد القطان، ثنا أبو حيان، حدثني أبي وسعيد بن مسروق عن ربيع بن خثيم قال: لا خير في الكلام بعد أن تسمع التكبير والتسبيح والتمجيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وسؤالك الخير، وتعوذك من الشر.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا أبو حيان، حدثتني أم الأسود بنت هلال قالت: كانت ابنة لربيع تقول لأبيها: يا أبتاه دعني ألعب، فيقول: يا بنية قولي خيرا، فإني لم أسمع الله عز وجل رضي اللعب
__________
[1] سورة الأنفال- الآية: 21.(11/299)
لأحد، فتلقنها أمها فتقول لا تقولي ألعب، قولي أتحدث إلى آل فلان فيتركها.
حدثنا أحمد، ثنا شبابة بن سوار، ثنا يونس، ثنا بكر بن ماعز عن الربيع بن خثيم أن ابنته أتته فقالت: يا أبة أذهب ألعب؟ فسكت عنها، فقال من حوله: سبحان الله لو أمرتها أن تذهب فتلعب فقال: لا والله لا يكتب علي أني أمرتها باللعب.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ نسير بن ذعلوق عن هبيرة بن خزيمة قال: أنا أول من أتى الربيع بن خثيم بقتل الحسين بن علي، فقال: أقتلوه؟ أقتلوه؟ ثم قرأ: قل اللهم فاطر السماوات وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عبادك فيما كانوا فيه يختلفون [1] .
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو النضر عن زكريا بن سلام عن بلال بن المنذر قال: قال رجل: إن لم أستخرج اليوم من ربيع سبة لأحد لا أستخرجها أبدا، فقلت: يا أبا يزيد قد قتل ابن فاطمة قال: فاسترجع ثم تلا: قل اللهم فاطر السماوات والأرض الآية. قال: فقلت:
ما تقول؟ قال: ما أقول: إلى الله إيابهم وعلى الله حسابهم [2] .
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ سُفْيَانُ عَنْ أبيه قال:
قال ربيع: اصطروا هذا القرآن إلى الله ورسوله، قال أحمد بن إبراهيم:
يعني ردوه إلى الله ورسوله.
__________
[1] سورة الزمر- الآية: 46.
[2] انظر سورة الغاشية- الآية: 26.(11/300)
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع وعبد الرحمن عن سفيان عن نسير بن ذعلوق عن إبراهيم التيمي قال: حدثني من صحب الربيع بن خثيم عشرين سنة فما سمع منه كلمة تعاب.
حدثنا أحمد، ثنا عبد الرحمن عن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال: قال فلان: إني لأرى الربيع بن خثيم لم يتكلم منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو بدر عن سفيان عن رجل من بني تيم الله قال: جالست الربيع بن خثيم عشر سنين، فما سمعته يسأل عن شيء من أمر الدنيا إلا مرتين، قال مرة: أحية والدتك؟ وقال مرة أخرى كم لك من مسجد؟
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو السري سهل بن محمود، ثنا عبيد الله الأشجعي عن سفيان الثوري عن الربيع أنه قال: أريدوا الخير، وأكثروا ذكر هذا الموت الذي لم تذوقوا قبله مثله، واعلموا أن الغائب إذا طالت غيبته وحمت جيئته، وانتظره أهله أوشك أن يقدم عليهم.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع بن الجراح، ثنا فطر عن منذر الثوري عن الربيع قال: ليتق أحدكم تكذيب الله إياه بأن يقول: قال الله كذا وكذا فيقول: كذبت لم أقله، ويقول لم يقل الله كذا فيقول: كذبت قد قلته.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا محمد بن عبيد، حدثني أبي عن أم الأسود سرية كانت للربيع بن خثيم قالت: كان يعجب الربيع السكر يأكله، فجاء سائل فناوله منه شيئا فقلت: ما يصنع هذا بالسكر، الخبز(11/301)
خير له. قال: إني سمعت الله عز وجل يقول: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مما تحبون [1] ويقول: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا [2] .
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا خلاد بن يحيى السلمي، ثنا سفيان، أخبرتني سرية الربيع قالت: كان عمل الربيع كله سرا، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه.
حدثنا أحمد، ثنا وكيع، أنبأ الأعمش عن منذر عن الربيع بن خثيم أنه كان يكنس الحش بنفسه فقيل له: إنك تكفى، فقال: إني آخذ بنصيبي من المهنة.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان عن سرية الربيع أنه كان يأمر بالدار فتنظف.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان عن أبيه سعيد بن مسروق عن أبي يعلى عن الربيع قال: ما من غائب ينتظره المؤمن خير له من الموت.
وحدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني يحيى بن معين، ثنا محمد بن فضيل، أنبأ أبي عن سعيد بن مسروق عن ربيع أنه لبس قميصا له سنبلانيا ثمنه ثلاثة دراهم أو أربعة، فكان إذا مد كمه بلغ أظفاره وإذا أرسله بلغ ساعده، قال: فكان يقول إذا رأى بياض القميص: أي عبيد تواضع لربك، ثم يقول: أي لحية أي دمية كيف تصنعان إذا حملت الأرض
__________
[1] سورة آل عمران- الآية: 92.
[2] سورة الإنسان- الآية: 8.(11/302)
والجبال فدكّتا دكّة واحدة [1] . كيف تصنعان إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا.
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا. وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بجهنم [2] .
حدثني أحمد، ثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن بكر بن ماعز قال:
أصاب الربيع الفالج فكان يسيل لعابه، فرآني أنظر إليه فقال: ما تنظر ما أحب أن ما بي بأعتى الديلم على الله.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن نسير قال:
قال رجل للربيع: أوص لي بمصحفك فنظر إلى ابن له صغير فقال:
وأولوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [3] .
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ نسير أن الربيع كان يقول إذا أتوه: أعوذ بالله من شركم، قال ابن مهدي:
يعني من يجلس إليه.
حدثنا أحمد، ثنا عبيد الله بن موسى. أنبأ الأعمش عن منذر عن الثوري أن الربيع بن خثيم قال لأهله: اصنعوا لنا خبيصا فصنعوه، فدعا رجلا كان به خبل فجعل يلقمه ولعابه يسيل، فلما خرج قال أهله: تكلفنا وصنعنا، ثم أطعمته هذا ما يدري هذا ما يأكل، فقال: لكن الله يدري.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن نمير، أنبأ الأعمش عن إبراهيم قال: كان الربيع بن خثيم يزور علقمة وكان في الحي جماعة والطريق في المسجد، فدخل المسجد نساء فلم ينظر إليهنّ الربيع حتى
__________
[1] سورة الحاقة- الآية: 14.
[2] سورة الفجر- الآيات: 21- 23.
[3] سورة الأنفال- الآية: 75.(11/303)
خرجن فقيل له: ألا تستأذن على علقمة فقال: إن بابه مغلق وأنا أكره أن أؤذيه.
حدثنا أحمد، ثنا ابن مهدي عن محمد بن عيينة قال: كان ربيع بن خثيم يقول لعلقمة: ما بالكوفة أحد أزوره غيرك.
حدثنا أحمد، ثنا ابن مهدي، ثنا إسرائيل عن سعيد بن مسروق عن منذر الثوري قال: كان الربيع إذا سجد في الرعد قال: بل طوعا يا ربنا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن أبيه عن أبي يعلى منذر أو بكر بن ماعز عن ربيع قال: إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر.
حدثنا أحمد، ثنا ابن مهدي عن عبد الله بن المبارك قال: كتب الربيع إلى أخ له: أن رم جهازك وافرغ من زادك وكن وصي نفسك ولا تجعل أوصياءك الرجال.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن مفضل بن يونس قال:
ذكر عند الربيع رجل فقال: ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذمها لذم الناس، إن الناس خافوا الله على ذنوب العباد، وأمنوه على ذنوب أنفسهم.
وحدثني بكر بن الهيثم، حدثني عبيد بن جناد قال: بلغني أن الربيع بن خثيم قال أنا أسأل الله حاجة مذ عشرون سنة فما أجابني إليها، وهي تركي ما لا يعنيني.
قال: وبلغني أنه قال: لولا أن أمدح نفسي لذممتها.
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن عمارة بن القعقاع قال: سمعت شبرمه يقول: ما رأيت بالكوفة حيا أكثر(11/304)
فقيها متعبدا من بني ثور.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن العلاء بن المسيب عن أبي يعلى قال: لقد أدركت في بني ثور ثلاثين رجلا ما منهم رجل دون الربيع بن خثيم.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْن مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَان عَنْ أبيه عن أبي يعلى قال: كان الربيع بن خثيم يقول إذا قيل له: كيف أصبحتم؟: أصبحنا ضعفاء مذنبين نأكل أرزاقنا وننتظر آجالنا.
حدثنا أحمد، ثنا عبد الرحمن عن سفيان عن سرية الربيع أن الربيع كان يحب السكر ويحب أن يطعم منه، وكان يتصدق بالرغيف ويقول: إني لأكره أن تكون صدقتي كسرا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا ابن مهدي عن سفيان عن أبيه قال: قيل لأبي وائل: أنت أكبر أم الربيع؟ فقال: أنا أكبر منه سنا وهو أكبر مني عقلا.
حدثنا أحمد، ثنا هشيم عن مغيرة أن الربيع كان له على رجل حق، فكان يأتيه فيقوم على بابه فيقول: أيم فلان. إن كنت موسرا فأد وإن كنت معسرا فإلى ميسرة.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا زيد بن الحباب العكلي عن سفيان عن بعض أصحاب الربيع أن الربيع كان يصلي بالليل في داره فإذا سمع حس أحد يمر في الطريق كف، فإذا علم أنه مضى أخذ في صلاته.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا زيد بن الحباب، أخبرني سعيد بن عبد الله بن الربيع، أخبرتني جدتي أم أبي سرية الربيع أنها قالت له: ألا تنام(11/305)
الليل؟ فقال: وكيف ينام من يخاف البيات؟ وكان لا ينام.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا مؤمل بن إسماعيل، ثنا سفيان عن أبيه عن بكر بن ماعز قال: قال لي الربيع: يا بكر بن ماعز اخزن لسانك إلا مما لك لا عليك، إني اتهمت الناس على ديني فاتهمهم على دينك، أطع الله فيما علمت، وما استؤثر به عليك فكله إلى عالمه، ما كل ما أنزل على محمد أدركتم علمه، وما كل ما تقرأون تدرون ما هو، لأنا عليكم في العمد أخوف مني عليكم في الخطأ، ما ابتغيتم الخير وفررتم من الشر. ما خياركم بخيار الناس ولكنهم خير ممن هو شر منهم، السرائر، السرائر التي تخفى من الناس وهي عند الله بادية. التمسوا دواءكم، وما دواؤكم، أن تتوبوا إلى الله ثم لا تعودوا.
حدثنا أحمد، ثنا يعلى بن عبيد عن أبيه قال: كان للربيع غلام فكان يميل بين أن يعتقه أو يبيعه ويتصدق بثمنه فباعه بألفي درهم ففرقها صررا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا علي بن الحسن عن عبد الله عن سفيان قال: كان الربيع إذا دخل بيته وخلا قال: مرحبا بكاتبي وشاهدي وصاحبي، تعاليا فاكتبا من الكلام الطيب: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا يحيى بن سعيد القرشي، ثنا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: ما جلس ربيع بن خثيم في مجلس ولا على طريق مذ ائتزر وقال: أخاف أن يظلم رجل فلا أنصره، ويفتري رجل على رجل فأكلف الشهادة، أو لا أغض البصر، ولا أهدي السبيل، أو يقع عن حاملة حملها فلا أحمله عليها، أو يسلم فلا أرد السلام.(11/306)
حدثنا أحمد بن شعيب بن حرب عن مالك بن مغول عن الشعبي بمثله قال: فكنا ندخل عليه في بيته أو قال في منزله.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا زهير بن حرب، ثنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مُغِيرَةَ قال: كان الربيع إذا اشتد عليه الحر في جوف الليل ركز رمحه في وسط داره ثم صلى إليه.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان عن أبيه عن منذر عن الربيع أنه أوصى عند موته: هذا ما أقر به الربيع بن خثيم على نفسه، وأشهد الله عليه، وكفى بالله شهيدا، وجازيا لعباده الصالحين، ومثيبا، بأني رضيت بالله ربا، وبمحمد نبيا، وبالإسلام دينا، ورضيت لنفسي ولمن أطاعني بأني أعبده في العابدين وأحمده في الحامدين، وأنصح لجماعة المسلمين.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو أحمد الزبيري عن قيس بن سليم العنبري عن جواب التيمي قال: جاءت أخت الربيع عائدة لبني له فقالت:
كيف أنت يا بني، فجلس ربيع فقال: أأرضعته؟ قالت: لا. قال: فما عليك لو قلت يابن أخي فصدقت.
قال: وكان الربيع يأتي القبور فيقول: يا أهل القبور كنتم وكنا جميعا، وسنكون وأنتم جميعا.
حدثنا أحمد، ثنا عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عَامِرٍ الشعبي قال: دخلنا على الربيع بن خثيم فقال: اللهم لك الحمد كله، وبيدك الخير كله، أسألك من الخير كله، وأعوذ بك من الشر كله.(11/307)
حدثنا أحمد، ثنا بعض أصحابنا عن سفيان أراه عن منذر قال:
ما جلس الربيع مذ ائتزر خارجا إلا مرة، فجاءت بندقة فأصابت جبهته فأدمته، فقال الربيع: اتعظ يا ربيع.
حدثنا أحمد، ثنا وكيع عن سفيان عن منذر عن أبيه عن الربيع في قوله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [1] ، قال: من كل شيء ضاق على الناس.
حدثنا أحمد، ثنا يحيى عن سفيان عن سالم عن منذر قال: كان الربيع إذا رآني تعجبني الكتب قال: ألا أدلك على صحيفة عليها خاتم من محمد صلى الله عليه وسلم. ثم يتلو: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ما حرم ربكم عليكم [2] الآيات.
حدثنا أحمد، ثنا عثمان بن زفر بن مزاحم بن زفر التيمي، ثنا ربيع بن منذر الثوري عن أبيه عن ربيع قال: كل ما لا يبتغى به وجه الله مضمحل.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان عن أبيه قال: كان رجل من الخوارج يجلس إلى الحي فهموا به فقال الربيع: واهجرهم هجرا جميلا [3] .
حدثنا أحمد، ثنا وكيع عن سفيان أن فرسا للربيع سرقت فحمل على مهرها في سبيل الله وقال: اللهم إنه سرقني ولم أكن لأسرقه فأصلحه.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا قبيصة عن سفيان عن أبيه عن بكر بن ماعز قال: بلغ الربيع أن عزرة- أو عروة- يقول: أن جاءت الفتن فقد
__________
[1] سورة الطلاق- الآية: 2.
[2] سورة الأنعام- الآية: 151.
[3] سورة المزمل- الآية: 10.(11/308)
رأينا وجربنا، فقال: أرأيتم إن جاءت صما خرسا عميا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا علي بن الحسن عن عبد الله عن سفيان قال: كان يتبع الربيع يوم الجمعة شباب من الحي إذا راح فيقول بيده:
أعوذ بالله من شركم.
حدثنا أحمد، ثنا علي بن الحسن عن عبد الله عن عيسى بن عمر قال:
ذكروا عند ربيع شيئا من أمر الناس فقال: ذكر الله خير من ذكر الرجال.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ أبيه قال: أغزى علي عليه السلام الربيع الديلم وعقد له عَلَى أربعة آلاف منَ المسلمين.
حدثني بعض أهل قزوين قال: بقزوين مسجد للربيع بن خثيم معروف، وكانت فيه شجرة يزعمون أنه غرس سواكه فأورق وصار شجرة تتمسح بها العامة فقطعها السلطان في أيام عبد الله بن طاهر لئلا يفتن الناس بها.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا سهل بن محمود، ثنا مبارك بن سعيد عن ياسين الزيات قال: جاء ابن الكواء إلى ربيع فقال: دلني على من هو خير منك، فقال: من كان منطقه ذكرا، وصمته فكرا، ومسيره تدبرا، فهو خير مني.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد العزيز بن أبان أبو محمد، ثنا سفيان عن أبي حيان عن أبيه قال: حملت جنازة الربيع مرة [1] ، قال سفيان: من كثرة الزحام.
__________
[1] بهامش الأصل: خ، امرأة.(11/309)
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا جعفر بن عون عن أبي حيان التيمي عن أبيه قال: أوصى الربيع فقال: لا تشعروا بموتي أحدا، وسلوني إلى ربي سلا.
وكان عمرو بن ميمون الأودي قال: لا تخفوا علي موت أخي، فقالوا فإن أخاك أوصى أن لا يشعر بموته أحد فتعهد ذلك، قال عمرو: فبت تلك الليلة على بعض دكاكين بني ثور مخافة أن أسبق به.
حدثني عبد الله بن صالح، ثنا المحاربي عن عبد الملك بن عمير قال:
قيل للربيع بن خثيم في مرضه ألا ندعوا لك طبيبا؟ فقال: أنظروني، وتفكر ثم قال: وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا [1] كان فيهم الداء والدواء فهلك المداوون والمتداوون، لا والله لا تدعون لي طبيبا.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ الربيع في قول الله تبارك وتعالى: اتَّقُوا اللَّهَ حق تقاته [2] قال: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.
حدثنا أحمد، ثنا أبو دَاوُد عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ الربيع في قوله عز اسمه: وآتى المال على حبّه [3] قال: تؤته وأنت شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر.
حدثنا عفان، ثنا سليم بن أخضر، أنبأ ابن عون عن مسلم أبي عبد الله قال: كان ربيع بن خثيم في المسجد ورجل خلفه، فلما ثاروا إلى الصلاة جعل الرجل يقول له: تقدم، فلا يجد الربيع مساغا بين يديه،
__________
[1] سورة الفرقان- الآية: 38.
[2] سورة آل عمران- الآية: 102.
[3] سورة البقرة- الآية: 177.(11/310)
فرفع الرجل يده فوجأ عنق الربيع، وهو لا يعرفه فالتفت الربيع إليه فقال له: رحمك الله رحمك الله، وجعل الرجل يبكي حين عرف ربيعا.
حدثنا أحمد، ثنا عبيد الله بن موسى عن سفيان عن نسير بن ذعلوق قال: كان الربيع يبكي حتى تبتل لحيته من دموعه، ثم يقول: لقد أدركنا قوما ما كنا في جنوبهم إلا لصوصا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا مالك بن إسماعيل النهدي، حدثني سيف بن هارون عن عبد الملك عن عبد خير قال: كنت رفيقا للربيع في غزاة فرجع ومعه رقيق ودواب قال: فمكث قليلا ثم أتيته فلم أحس من ذلك شيئا، فقلت: ما فعل رقيقك ودوابك؟ فلم يجبني، فأعدت عليه فقال: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تحبون.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم قال: قيل للربيع: لو كنت تقول البيت من الشعر فقد كان أصحابك يقولون. فقال: إنه ليس شيء يتكلم به أحد إلا وجده في إمامه وإني أكره أن أجد في إمامي شعرا.
حدثنا إبراهيم، ثنا الحسن بن الربيع عن ابن إدريس عن حصين عن الربيع أنه كان يقول إذا أراد أن يفطر: الحمد لله الذي أعانني فصمت، ورزقني فأفطرت.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا بكير بن محمد بن أسماء بن عبيد عن مسلم الخواص أنه سمعه يقول: كان الربيع قد حفر في داره قبرا، فإذا وجد في قلبه قسوة أو جفوة جاء فاضطجع في القبر، فيمكث فيه ما شاء الله ثم يقول: رب ارجعون، رب ارجعون، رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أعمل(11/311)
صالحا فيما تركت [1] ثم يقول: يا ربيع قد رجعت، قد رجعت، ثم يقوم فيمكث ما شاء الله وذلك يرى فيه.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الله بن جعفر الرقي، ثنا أبو المليح عن يوسف بن الحجاج الأنماطي قال: سمعت الربيع بن خثيم يقول: لأن أقلب بيدي شحم خنزير أحب إلي من أن أقلب بهما كعبي النردشير.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو معاوية محمد بن خازم الضرير عن الأعمش عن أبي رزين عن الربيع في قوله: بَلَى مَنْ كَسَبَ سيئة وأحاطت به خطيئته [2] . قال: مات على المعصية.
وقال محمد بن سعد: كان الربيع يدعى أبا يزيد، ومات في ولاية عبيد الله بن زياد [3] .
ومن بني ثور: بكر بن ماعز وأبو يعلى منذر الثوري.
ومنهم: سفيان بن سعيد [4] بن مسروق بن حبيب بن رافع بن عبد الله بن موهبة بن أبي بن عبد الله بن منقذ بن نصر بن الحارث بن ثعلبة بن ملكان بن ثور بن عبد مناة بن أد،
وأخوه المبارك بن سعيد.
وكان سفيان بن سعيد، وهو الثوري الفقيه يكنى أبا عبد الله، ومات أبوه سعيد في ولاية عَبْد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ العراق ليزيد الناقص.
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي عن بشر بن الحارث العابد قال: قال سفيان بن عيينة، وكان شيخ الناس: الناس ثلاثة. ابن عباس في زمانه،
__________
[1] سورة المؤمنون- الآيتان: 99- 100.
[2] سورة البقرة- الاية: 81.
[3] طبقات ابن سعد ج 6 ص 182، 193.
[4] بهامش الأصل: سفيان الثوري.(11/312)
والشعبي في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه.
وقال عبد الله بن المبارك ليحيى بن سعيد القطان: إذا لقيت سفيان فلا تسأله إلا عن رأيه.
وحدثني أبو الحسن المدائني عن الفضيل بن عياض أنه قال لسفيان الثوري: دلني على رجل صدق أجلس إليه، فقال: تلك ضالة لا توجد.
وقيل لسفيان: إنك لتكثر ذكر شهوتك للموت وقد جاء في ذلك ما تعلم فقال: إن الله ليعلم لأي شيء أشتهيه، أخاف أن أحول عما أنا عليه وأنتقل إلى غيره.
وقال أحمد بن إبراهيم: ثنا وكيع قال: بعث سفيان إلى متطبب بمائه فزعموا أنه قال: إن لم يكن هذا محموما فهو محزون.
قالوا: وكان سفيان يقول: إني لأحزن فأبول دما.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، عن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك عن سفيان قال: ذكر الموت غنى وقال: ما أطاق أحد العبادة إلا بخوف.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، حدثني خلف بن تميم قال: سمعت سفيان الثوري يقول: وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء في بتوت [1] وعباء، وقال: كانوا يحبون الأسفار ويعجبهم أن يموتوا غرباء.
وقال عبد الله بن المبارك: قلت لسفيان إذا كانت الفتنة فأين ترى أنزل؟ فقال: الكوفة أو البصرة.
حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثني حسن بن الربيع عن عبد الله بن المبارك، حدثني عمار بن سيف الضبي قال: شرب سفيان الثوري عندي
__________
[1] البتوت جمع بت وهو كساء غليظ مربع، وقيل طيلسان من خز. النهاية لابن الأثير.(11/313)
دواء فقلت له: أجيئك بعسل أو نبيذ؟ فقال: بعسل.
حدثني أحمد بن إبراهيم، عن حسن عن محمد بن إسماعيل قال:
قلت لسفيان في شيء من الأشياء إذا كان قابل فقال: أتراني يا محمد أعيش إلى قابل إنا لله إذا.
المدائني عن ابن المبارك قال: قال سفيان الثوري: نظام العبادة النصيحة للناس، ونظام الصدقة الرحمة لذوي الخلة، ونظام العلم صدق اللسان، فأي هذه الخلال فقد نظامه بطل فضله.
قال: وقال سفيان: أنا للظالم أرحم مني للمظلوم.
حدثني أبو عمران المقرئ الضرير قال: سمعت ابن عيينة يقول: لله در الثوري، بلغني أنه قال: عجبا لرجل يعرفه صاحبه بمودته ونصيحته ولا يعلم منه إلا خيرا خمسين سنة ثم يأتيه رجل لا يعرفه فيخبره عنه بسوء فيقبله منه ويطرح معرفته.
حَدَّثَنِي بَكْرُ بْنُ الْهَيْثَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يوسف الفاريابي قال: قال سفيان الثوري: لقد صدق جعفر بن عمرو بن حريث حيث قال: لا ينبغي للعاقل أن يسمع من ذي غيبة، فإن المغتاب عندك اليوم مغتاب لك غدا.
حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي وَأَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالا: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الفضل بن دكين قال: سمعت إنسانا سأل سفيان بمكة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في النبيذ؟ فقال: عليك بماء زمزم.
حدثني أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن إبراهيم، ثنا وهب بن إسماعيل الأسدي قال: كنت عند سفيان الثوري فجاء شميط، وكان من أفاضل أهل الكوفة، فسكن السواحل فقال له سفيان: يا أبا(11/314)
عبد الله ذهب الناس وبقينا في حمر دبرة، فقال شميط يا أبا عبد الله إن تكن هذه الدبرة على الطريق فيوشك أن تبلغ يوما، ثم قام فمضى، فقال سفيان: هذا والله خير مني، هذا والله خير مني، قالها ثلاثا. ومات شميط في بعض السواحل.
حدثني أحمد بن إبراهيم، عن عبيد بن جناد قال: سمعت عطاء بن مسلم يقول: كنت أنا وأبو إسحاق الفزاري عند سفيان الثوري ذات ليلة وهو مضطجع، فرفع رأسه إلى أبي إسحاق فقال: إياك والشهرة.
وقال أحمد بن إبراهيم: قيل لسفيان متى يهلك الرجل؟ قال: إذا عرف وشهر.
قال عبيد: وقال عطاء بن مسلم: خرج سفيان من ستر له ذات ليلة وهو مغضب وعليه بت فبسطه ثم اضطجع عليه، وقال: لا تسبوا الأمراء فإني قسمت الساعة شيئا بين أهلي ففضلت بعضهم على بعض، فو الله ما رضي علي الذي فضلته ولا سلمت ممن فضلت عليه.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بَهْرَامَ عَنْ شعيب بن حرب عن سفيان الثوري قال: رضى الناس غاية لا تدرك.
قال: وسمعته يقول: شرار الناس قراؤنا هؤلاء الذين تقارضوا الثناء بينهم.
وقال أبو إسحاق الفزاري: قال سفيان الثوري: إنما يتعلم العلم ليتقى الله به.
وقال سفيان: زينوا الحديث بأنفسكم وورعكم.
وقال سفيان: إن للكذب منازل فأسوأها أثرا وأعظمها ضررا إخلاف المواعيد، واتهام الأبرياء.(11/315)
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا أَبُو نعيم حدثني أبو أحمد الزبيري قال: رأيت الحسن بن صالح بن حي يصلي عند الطشت فجاء سفيان فخلع نعليه، فلما رأى الحسن أخذ نعليه ومضى إلى موضع آخر.
قال أحمد بن إبراهيم: وكان الحسن شيعيا.
وقال أبو نعيم: مات مسعر بن كدام في رجب سنة خمس وخمسين ومائة فما شهد جنازته سفيان ولا شريك، وكان مرجئا.
وقالوا: قال رجل لسفيان: إن بني عمي ربما كسوني ولكنهم يفعلون ويصنعون، فقال سفيان: ما أقبح بالرجل أن يأخذ خرق قومه ثم يذمهم.
قالوا: وكان سفيان يمر بالأشياخ فيقول: ما ينتظرون بالزرع إذا استحصد؟.
حدثني أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ حَرْبٍ قال: قال لي سفيان:
اذهب إلى ذاك- يعني أبا حنيفة- فسله عن عدة أم الولد إذا مات عنها سيدها، فأتيته فسألته فقال: ليس عليها عدة. فأخبرت سفيان بقوله فقال: هذه فتوى يهودي.
وذكروا عن جرير الضبي عن ثعلبة عن سفيان أنه قال: ما ولد في الإسلام مولود أشأم على هذه الأمة من أبي حنيفة.
وَحَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن صَالِح الْعِجْلِيُّ قَالَ: دعي سفيان الثوري وشريك إلى ولاية القضاء فامتنعا فحبسا فأما سفيان فسأل الموكل بهما أن يأذن له في إتيان منزله لحاجة له وحلف له ليعود، فخلف نعليه ومضى فلم يبعد حتى عاد فأخذ نعليه، ثم مضى فاستخفى، وأجاب شريك إلى القضاء فوليه.
قال أبو اليقظان: كان سفيان الثوري ورعا فقيها، وأتى البصرة(11/316)
فتوارى بها، وبها مات متواريا، ودفن عشاء فقال الشاعر.
تحرز سفيان وفر بدينه ... وأمسى شريك مرصدا للدراهم
ويروى: وباع شريك دينه بالدراهم.
حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا سعدويه عن أبي شهاب قال: قدمت مكة فأتيت سفيان وهو مستلق فسلمت عليه فلم يجبني فقلت: إن أهلك بعثوا إليك معي بمزود فيه طعام، فاستوى جالسا فقلت: يقدم عليك رجل من أهل مصرك فيسلم عليك فلا تكلمه حتى إذا ذكر الطعام جلست؟
فقال: لا تلمني يا أبا شهاب فما ذقت ذواقا مذ ثلاث.
حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت سفيان ما لا أحصي يقول: ما من شيء أخوف عندي منه، يعني الحديث.
وروي أنه قال: ليتني لم أكتب من الحديث ما كتبت وأن يدي مقطوعة.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن سفيان قال: ما أعلم عملا أفضل من طلب العلم وحفظه لمن أراد الله به.
حدثني أحمد، ثنا قبيصة قال: سمعت سفيان يقول في قول الله:
له ما بين أيدينا. قال: الآخرة وما خلفنا الدنيا وما بين ذلك [1] النفختين.
قال: وسمعته يقول: خير الدنيا لكم ما لم تبتلوا به. وخير ما ابتليتم به منها ما خرج من أيديكم.
قال أحمد: وثنا وكيع قال: سمعت سفيان يقول: الزهد في الدنيا
__________
[1] سورة مريم- الآية: 64.(11/317)
قصر الأمل ليس بأكل الغليظ، ولبس العباء.
وقال ابن المبارك: قال سفيان: الحزن على قدر البصر، وكان سفيان يقيم أصحابه فيقول: قوموا فصلوا ما دمتم شبانا، وكان سفيان يقول:
لا يعجبني قول الرجل: أمتع الله بك، ولا: وصلك الله.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سجد سفيان على مرفقه، فقلت: إن ابن عمر قال: يومىء فقال: ابن عباس أفقه من ابن عمر.
وقال ابن مهدي: كان سفيان يكره أن يحج الرجل عن الرجل بأجرة.
وقال أبو عاصم النبيل: كنا إذا جلسنا إلى سفيان قال: إن النهار يعمل عمله.
وقال أبو عاصم: أنبأ سفيان قال: كان الرجل لا يطلب الحديث حتى يتعبد قبل ذلك عشرين سنة.
حدثنا أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان في قول الله: إِنِّي أراكم بخير [1] قال رخص الأسعار.
حدثنا أحمد، ثنا قبيصة عن سفيان قال: من أفضل الأعمال إدخال السرور على المسلم.
أحمد عن عبيد الله بن موسى عن سفيان قال: البس من الثياب ما لا تستشهره [2] الفقهاء، ولا يزدريك به السفهاء، وكان يقول: خير الأمور أوساطها.
__________
[1] سورة هود- الآية: 84.
[2] بهامش الأصل: خ تشتهره.(11/318)
وقال أبو نعيم: سمعت سفيان يقول: الإيمان يزيد وينقص.
وكان سفيان يقول: لا يشهد على رجل باسمه أنه في الجنة بَعْد النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ: قال ابن عباس: لا أذكر أحدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
قالوا: وكتب سفيان إلى عباد الخواص: إنك إن اتقيت الله، كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئا، فعليك بتقوى الله، ولزوم العزلة، واشتغل بنفسك عن غيرك، واستأنس بكتاب الله، وتفقد دينك وورعك وأصلح قلبك ونيتك، وأحب المساكين، وأمر بالخير في رفق، فإن قبل منك حمدت الله وإن لا أقبلت على نفسك، ولم تمتهنها لغيرك.
وقد كان ابن مسعود يقول: النجاة في اثنتين: في التقى والنهي، والهلاك في اثنتين: في العجب والقنوط، فسدد واستعن بالله، والسلام.
المدائني عن الثوري قال: كان يقال إذا أراد الله بقوم سوءا جعل هلكتهم في حيلتهم.
وقال سفيان لرجل: أدن مني فلو كنت غنيا ما أدنيتك.
وكان يقول: لأحب الرجل وما يعلم بحبي له.
وقال له رجل: قم إلى. فقال: إن كنت عجليا قمت إليك، وكانت أمه عجلية.
وكان يقول: المال في هذا الزمان سلاح المسلم.
وقال محمد بن عبيد الطنافسي رأيت سفيان يطوف حول البيت وعليه(11/319)
كساء كرا [1] وهطرا [2] وعليه إزار قد تقطع وسطه ولفق طرفاه، فكأني أرى الدرر بين رجليه وهو يطوف.
وروي عن سفيان قال: ما درهم ينفقه المؤمن هو فيه أعظم أجرا من درهم يعطيه صاحب حمام ليخليه له.
وكتب سفيان إلى أخيه مبارك بن سعيد: أما بعد فأحسن القيام على عيالك وليكن الموت من بالك، والسلام.
حدثني أحمد بن إبراهيم عن أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ سفيان أنه صلى على جنازة فكبر الإمام أربعا، ثم توقف ليكبر الخامسة فاعتزل سفيان وجلس.
وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: أكلت مع سفيان ناطفا معقدا بجوز ولوز وخشكنانج [3] فقال: أما إنا لم نصنعه، ولكن أهدي لنا.
حدثنا أحمد، ثنا وكيع عن سفيان قال: بلغنا أن الداذي خمر السند، ولا يشربه إلا الفساق، وقال: إذا غلى النقيع فلا تشربه.
حدثني أحمد بن إبراهيم عن أبي يعقوب الحلبي عن عطاء الحلبي قال: قال لي سفيان الثوري ونحن نطوف بالبيت: يا عطاء احذر الناس، وأنا أيضا فاحذرني.
وقال سفيان: لا تعلم العلم لتباهي به العلماء، وتماري به السفهاء، وتشاكل به الأغنياء أو تستخدم به الفقراء.
وقال عبد الله بن المبارك: سمعت سفيان يقول: ليس هذا بزمان
__________
[1] أي كساء طويلا. اللسان.
[2] هطر: ضرب، وتهطرت البئر: تهورت. القاموس.
[3] ما يشبه الكعك أو «البسكويت» .(11/320)
طلب فضل ولكنه زمان تمسك.
وحدثني عبد الحميد بن واسع عن يحيى بن آدم أن الثوري قال:
ما رأيت كالكلام به شفاء النفوس ودواؤها ونفعها وضررها، ثم قرأ:
فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى [1] .
المدائني قال: قال سفيان: من علمت منه الخير فرأيت منه شرا فأحسن به الظن، ومن علمت منه الشر فرأيت منه خيرا فاتهمه، وقد يقلب الله القلوب.
وحدثني أحمد بن إبراهيم عن أبي نُعيم الفضل بن دُكين قال: خرج سفيان إلى اليمن في مضاربة لرجل، فلقي معمرا، وخرج إلى اليمن في سنة خمسين ومائة أو إحدى وخمسين ومائة، فلقي معن بن زائدة في الطريق فتوارى عنه.
وقال أبو نعيم: أمر المهدي أمير المؤمنين لشريك ولابني حي، ولمسعر، وسفيان الثوري بألفين ألفين فقبلوها إلا سفيان فإنه لم يقبلها، فكلم وخوف فجعلها لأخيه مبارك. وكان لا يقبل من أحد شيئا. وإن دفع إليه مال يقسمه لم يقبله.
حدثنا أحمد، ثنا خلف بن تميم قال: قال سفيان: إني لأعرف حرص الرجل على الدنيا بتسليمه على أهلها.
حدثني أحمد بن إبراهيم، حدثني محمد بن محمد عن عبد الغفار صاحب سفيان قال: جاء رجل إلى سفيان بمكة، فقال: يا أبا عبد الله، أردت الشام فاكتب لي كتابا إلى أبي عمرو الأوزاعي توصية بي، فقال: نعم
__________
[1] سورة طه- الآية: 44.(11/321)
وما أراك تدركه إني رأيت ملكا من الملائكة نزل إلى الشام فاقتلع منها ريحانه فرفعها، وإني أظن أن الرجل قبض، قال: فخرج الرجل فلما شارف الشام بلغته وفاة الأوزاعي.
حدثني أحمد حدثني محمد بن محمد عن محمد بن يوسف قال: اجتمع على سفيان سؤال من الأعراب في طريق مكة فأطعمهم ما في سفرته، وأكبوا عليه فقال: لا جزى الله أبا جعفر عنكم خيرا.
أحمد بن إبراهيم عن خلف بن تميم قال: كان سفيان يتمثل:
أطريف إن العيش كدّر صفوه ... ذكر المنية والقبور الهوّل
دنيا تداولها العباد ذميمة ... شيبت بأكره من نقيع الحنظل
وبنات دهر ما تزال ملمة ... فيها فجائع مثل وقع الجندل
وحدثني بعض أصحابنا أن علي بن الجعد أخبره أن سفيان كان يتمثل بهذا الشعر، وهو فيما يقال لابن شبرمة أو لأبيه شبرمه:
هذا الزمان الذي كنا نحذره ... في قول سعد وفي قول ابن مسعود
إن دام ذا العيش لم نحزن على أحد ... منا بموت ولم نفرح بمولود
وقال الفضل بن دكين: دعا أمير المؤمنين المنصور أبو جعفر سفيان فدفع إليه خاتمه وقال: إنك تزعم أنا لا نعدل فاعمل بالعدل فيما وراء بابنا، فلم يقبل ذلك.
وسأل سفيان وهو بالبصرة عن رجل من أصحابه، فقيل هو على مسائل شريك، وأتاه الرجل فلما رآه قال له: أبعد القرآن والعلم صرت على مسائل شريك؟ فقال: كبرت سني وكثر ديني، فقال: لأن تموت ودينك عليك أحب إلي من أن تقضيه مما تصيبه من مسائل شريك.(11/322)
وقال محمد بن سعد مات سفيان الثوري، ويكنى أبا عبد الله بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة [1] .
وقال الواقدي ولد سفيان سنة سبع وتسعين.
وقال أبو اليقظان خرج بنو ثور من الرباب، وليس بالبصرة منهم اليوم أحد.
وقال محمد بن سعد: ومن بني ثور نسير بن ذعلوق الذي روي عنه الحديث.
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 371.(11/323)
نسب مزينة وهم ولد عمرو بن أد
وولد عمرو بن أد بن طابخة:
عثمان بن عمرو.
وأوس بن عمرو، وأمهما مزينة بنت كلب بن وبرة بها يعرفون.
فولد عثمان بن عمرو بن أد:
لاطم بن عثمان.
وعدار، وحياوه.
وأفرك، وأمهم ابنة قيس بن عيلان بن مضر.
فولد لاطم بن عثمان بن مزينة:
هذمة.
وسعد. وجرس.
فولد هذمة:
ثور بن هذمة.
وعمران بن هذمة.
فولد ثور بن هذمة بن لاطم:
ثعلبة بن ثور.
وعبد بن ثور.
وعامر بن ثور.
فولد ثعلبة بن ثور:
خلاوة.
وعبد الله. وشيبان.
فولد خلاوة بن ثعلبة:
مازن بن خلاوة.
وقرة بن خلاوة.
وخالفة بن خلاوة.
وولد مازن بن خلاوة: نضلة بن مازن. وصبح بن مازن.
والحارث بن مازن.
ونهيك بن مازن. وكلاب بن مازن. وقرة بن مازن،(11/325)
وهم رهط
بلال بن الحارث المزني
الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم [1] .
حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ قَوْمٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ بِلالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ مَعَادِنَ بِنَاحِيَةِ الْفَرْعِ.
وَحَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلامٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمِ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَهُ الْعَقِيقَ أَجْمَعَ [2] .
وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَابْنُ سَهْمٍ الأَنْطَاكِيُّ قَالا: ثنا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ الأَنْطَاكِيُّ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي مَكِينٍ عَنْ أَبِي عِكْرِمَةَ مَوْلَى بِلالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ: أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلالا أَرْضًا فِيهَا جَبَلٌ وَمَعْدَنٌ، فَبَاعَ بَنُو بِلالٍ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَرْضًا مِنْهَا فَظَهَرَ فِيهَا مَعْدَنٌ أَوْ قَالَ مَعْدِنَانِ، فَقَالُوا: إِنَّمَا بِعْنَاكَ أَرْضَ حَرْثٍ وَلَمْ نَبِعْكَ الْمَعَادِنَ، وجاؤوا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فِي جَرِيدَةٍ فَقَبِلَهَا عُمَرُ وَمَسَحَ بِهَا عَيْنَيْهِ، وَقَالَ لِقَيِّمِهِ:
انْظُرْ مَا خَرَجَ مِنْهَا وَمَا أَنْفَقْتَ فَقَاصِهِمْ بِالنَّفَقَةِ، وَرُدَّ عَلَيْهِمُ الْفَضْلَ.
وحدثنا الحسين بن علي العجلي عن يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أقطع عمر بلالا العقيق ما بين أعلاه إلى أسفله [3] .
وكان بلال بن الحارث يكنى أبا عبد الرحمن مات سنة ستين وهو ابن
__________
[1] بهامش الأصل: بلال بن الحارث المزني رحمه الله.
[2] الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 387.
[3] انظر الخراج ليحيى بن آدم ص 93.(11/326)
ثمانين، وكان يسكن جبليهم الأشعر والأجرد، ويأتي المدينة كثيرا، وكان ابنه حسان بن بلال بالبصرة.
وولد صبح بن مازن بن خلاوة: الحارث بن صبح. والحويرث بن صبح. وناشرة بن صبح، وأمهم سبيعة بها يعرفون.
فمن بني صبح: معقل بن سنان بن نبيشة بن سلمى بن سلامان بن النعمان بن صبح، أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم قطيعة.
ومن بني الحارث بن مازن بن خلاوة: زهير بن أبي سلمى [1] الشاعر،
واسم أبي سلمى ربيعة بن رباح بن قرط بن الحارث بن مازن بن خلاوة بن ثعلبة. وابناه كعب بن زهير. وبجير بن زهير الشاعران، وكان خال ربيعة أبي زهير من بني مرة بن غطفان، وهو أسعد بن غدير بن سهم بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان. وكان أسعد خرج في بني مرة ليغير على طي ومعهم أبو سلمى فأصابوا نعما وأموالا، فرجعوا إلى أرضهم فقال ربيعة أبو سلمى لأسعد خاله ولابنه كعب بن أسعد افردا لي سهمي وادفعاه إلي فأبيا ذلك عليه ومنعاه حقه، فلما جن عليه الليل قال لأمه: واللات لتقومن إلى بعير من هذه الإبل فتقعدن عليه أو لأضربن بسيفي ما تحت قرطك، يريد عنقها. فالتزمت سنام بعير منها وركبته وخرج بها وبالإبل حتى انتهى إلى قومه وجعل يقول:
ويل لأجمال العجوز مني ... إذا دنوت ودنون مني
كأنني سمعمع [2] من جنّ
__________
[1] بهامش الأصل: زهير بن أبي سلمى والدكعب.
[2] السمعمع: الصغير الرأس أو اللحية. القاموس.(11/327)
وقال أيضا:
ولتخرجن إبل مجنبة ... من عند أسعد وابنه كعب
الآكلين صريح قومهما ... أكل الحباري برعم الرطب
ثم إن أبا زهير مكث حينا، ثم أقبل بمزينة ليغير على بني ذبيان فلما نظرت مزينة إلى أرض غطفان هابوهم فتطايروا وتركوه فقال:
من يشتري فرسا كخير غزوها ... وأبت عشيرة ربها أن تسهلا
يقول أبيع فرسي إذا أشرفت عشيرتي على القوم فلم ينزلوا إلى السهل وتطايروا، ثم أتى بني عبد الله بن غطفان فكان فيهم.
وقال عبد الله بن عباس قال لي عمر بن الخطاب: أنشدني شعرا لأشعر شعرائكم. قلت: ومن هو؟ قال: زهير. قلت: وبم كان كذاك؟ قال:
كَانَ لا يُعَاظِلُ بَيْنَ الْكَلامِ وَلا يَطْلُبُ حُوشِيَّهُ وَلا يَمْدَحُ الرَّجُلَ إِلا بِمَا يَكُونُ في الرجال.
وحدثني شيخ من مزينة أن أبا سلمى قال لزهير ابنه: يا بني إن المزاح سباب الرضا ويوشك أن يصير غضبا فلا تمزح فيستخف بك أو تكتسب عداوة صديقك، وعليك بأوساط الأمور فإن أطرافها متفاوتة.
وكان كعب بن زهير [1] رحمه الله
أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكساه بردا اشتراه معاوية رحمه الله منه بعشرين ألف درهم، وهو برد الخلفاء، ويقال إن أبا العباس أمير المؤمنين اشترى البرد من قوم من النصارى كان كساهم إياه، وجعله أمنة لهم.
وامتدح كعب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان قبل ذلك بلغ كعبا أنه أبلغ
__________
[1] بهامش الأصل: كعب بن زهير رحمه الله.(11/328)
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ شيء فخافه فقال:
نبئت أن رسول الله أوعدني ... والعفو عند رسول الله مأمول
[1] في قصيدته الطويلة.
وكان عقبة بن كعب شاعرا،
وكان يقال له المضرب لأنه شبب بامرأة من بني أسد فضربه أخوها عدة ضربات بالسيف فلم يمت منها، وأعطي الدية:
وحي ودي قد يعلم الناس أنه ... كريم وما ظني بحب الأباعر
فولد عقبة بن كعب بن زهير: العوام لأم ولد يقال لها عيناء، وشبيبا أمه عربية.
فأما العوام فكان شاعرا،
وكان يتحدث إلى امرأة بني عبس، ثم من بني ملاص يقال لها سوداء فجاء أخ لها يقال له حيان إليه فأوعده، فوثب العوام على حيان فضربه حتى سقط، وأخذه بنو ملاص فجاء أخوه شبيب فقال: أنا أكفل به لكم فقال: يا شبيب إنه الدم، فقال: أنا أذكى دما وأكرم نفسا، فكفلوه وخلوا عن العوام، ولم يكن حيان مات بعد، فلما مات انطلقوا بشبيب إلى أكمة يقال لها نضاد، وكان حيان لأم ولد فأنشأ شبيب يقول لابنته:
إني لأخشى يا علي عليكم ... حوادث هذا الدهر من كل جانب
أحلك بالثغر المخوف مكانه ... أبوك ولم يجمع أداة المحارب
وقال أيضا:
دعيني فقد أبليت صبرا وعفة ... فأسمح للموت الغداة قريني
__________
[1] ديوان كعب بن زهير- ط. بيروت 1987 ص 65.(11/329)
وجدتك لا تدرين ما حم في غد ... ولا ما غد جاء به فذريني
وما كنت أخشى أن تكون منيتي ... أسارا ولا قتلي بقتل هجين
وقال العوام:
سأجزي الزرق زرق بني ملاص ... بيوم نضاد أياما طوالا
ستعلم يا شبيب بلاء سيفي ... وقلب لم أعوده النكالا
كأن سيوف زرق بني ملاص ... تبادر مشرفيا أو هلالا
فليت الأرض فاءت بي إليهم ... وقد غلوا يمينك والشمالا
وانطلق رجل من آل أبي سلمى يقال له العطاف إلى عبد الملك بن مروان فاستعداه، فجعل قتيلا بقتيل. وعداد زهير بن أبي سلمى وولده في بني عبد الله بن غطفان، فربما انتسب بعضهم إليهم.
وولد عبد بن ثور بن هذمة:
كعب بن عبد. وعدية بن عبد، وهم رهط علي بن وهب الشاعر.
وقال هشام ابن الكلبي: وسمعت أيضا من يقول أنه عدية بن كعب بن عبد بن ثور. ووعيش بن عبد بن ثور.
فولد كعب بن عبد بن ثور:
حبشية بن كعب. وخلاوة بن كعب.
وعدية بن كعب. وكعيب بن كعب. وكلفة بن كعب. وفلفلة [1] .
منهم: النعمان بن عمرو بن مقرن [2] بن عائذ بن ميجا بن هجير بن نصر بن حبشية بن كعب،
كانت له صحبة وولاه عمر كسكر، وجوخى، ثم ولاه قتال الفرس بنهاوند، وكان على المسلمين ممن غزاها، وبها
__________
[1] بهامش الأصل: خ، وقلفة.
[2] بهامش الأصل: النعمان بن مقرن رحمه الله.(11/330)
استشهد، فبكى عليه عمر رضي الله تعالى عنه، وإليه نسبت قناطر النعمان بالجبل، وكان يكنى أبا عمرو.
وأخوه سويد قتل معه،
ويكنى أبا عدي.
ومن ولد سويد: معاوية بن سويد يحدث عَنْهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ مجاهد قال: البكاؤون بنو مقرن وهم سبعة [1] .
قال الواقدي: سمعت من يقول أنهم شهدوا الخندق.
قال الواقدي: كان عمرو بن عامر [2] المزني حليف بني عامر بن لؤي، يكنى أبا عبد الله، وقد شهد الخندق، وهو قديم الإسلام أحد البكائين، ومات في أيام معاوية.
ومنهم معبد بن خليد [3] بن إثبة بن سليم بن بردويخ بن كلفة بن كعب،
صحب النبي صلى الله عليه وسلم.
وعبد العزى بن وديعة بن حراق بن لأي بن كعب بن عبد بن ثور بن هذمة الشاعر.
ومعقل بن يسار [4] بن عبد الله بن معبر بن حراق بن لأي بن كعب بن عبد،
ويكنى أبا عبد الله، صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان زياد بن أبي سفيان حفر نهر معقل بالبصرة وأجراه عَلَى يد عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي بكرة أو غيره، فلما فرغ
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 18- 20.
[2] بهامش الأصل: عمرو بن عامر رحمه الله.
[3] بهامش الأصل: معبد بن خليد رحمه الله.
[4] بهامش الأصل: معقل بن يسار رحمه الله.(11/331)
منه وأراد فتحه بعث معقل بن يسار ففتحه ببركاته لأنه مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.
وذكر القحذمي أن زيادا أعطى رجلا ألف درهم وقال له: أبلغ دجلة وسل عن صاحب النهر من هو، فإن قال رجل إنه نهر زياد فاعطه الألف، فبلغ دجلة العوراء ثم رجع، فقال: ما ألفيت أحدا إلا يقول نهر معقل، فقال زياد: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ من يشاء [1] . وقوم يقولون أنه جرى حفره على يدي معقل، والأول أثبت، وإليه نسب هذا الرطب المعقلي لأنه ظهر أول ما ظهر في نخل على الأرضيين التي على ذلك النهر.
ومات معقل بن يسار في أيام معاوية، وولاية عبيد الله بن زياد بعد أبيه، وكان قد انتقل إلى البصرة، وكان معقل عضل أخته أن ترجع إلى زوجها الأول وقد نكحت زوجا غيره ثم طلقها فنزلت فيه: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [2] الآية.
وولد جرس بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد: لحي بن جرس.
منهم شريح [3] بن ضمرة، أول من جاء بصدقة مزينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وولد عبد الله بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم:
عدي بن عبد الله. وعمرو بن عبد الله. وبجالة بن عبد الله. وعيش بن عبد الله.
ولأي بن عبد الله. منهم سنان بن مشنوء بن عمير بن عبيد بن زيد بن رواحة بن زبيبة بن عامر بن عدي بن عبد الله بن ثعلبة، الذي استخلفه
__________
[1] سورة المائدة- الآية: 54.
[2] سورة البقرة- الآية: 232.
[3] بهامش الأصل: شريح بن ضمرة رحمه الله.(11/332)
النعمان بن مقرن على عمله، وسار إلى نهاوند، وكان يومئذ على كسكر وجوخى.
وولد عامر بن ثور بن هذمة:
عوف بن عامر. وعباية بن عامر.
منهم عطية بن مكدم بن عقيل بن وهب بن عمرو بن مرة بن عوف بن عامر بن ثور، كان شريفا بالحجاز.
وولد عمران بن هذمة بن لاطم:
عمرو بن عمران.
وولد عمرو: حجر بن عمرو. ومرة بن عمرو ومازن بن عمرو.
فولد حجر: قيس بن حجر.
وولد مرة بن عمرو بن عمران: غياث بن مرة.
فولد غياث: الكاهن بن غياث وولد بالجزيرة. وخفاف بن غياث.
وعبد فهم بن غياث. وحنظلة بن غياث. ومالك بن غياث. وفجر بن غياث.
منهم: بشر بن عصمة بن مصاد بن جابر بن عبدنهم بن غياث بن مرة بن عمرو بن عمران بن هذمة، شهد صفين مع علي عليه السلام وكان فارسا.
ومسافع بن عمرو بن زهرة بن واهب بن عبدنهم بن غياث الشاعر.
وولد عداء بن عثمان بن مزينة:
معاوية بن عداء.
وسعد بن عداء.
فولد معاوية بن عداء: صعصعة بن معاوية.
فولد صعصعة: عمرو بن صعصعة. وعامر بن صعصعة.
وناشرة بن صعصعة.
فولد عمرو بن صعصعة: بغيض بن عمرو.(11/333)
وولد سعد بن عداء: عامر بن سعد.
وذؤيب بن سعد.
فولد عامر بن سعد بن عداء. سعد بن عامر. فولد سعد: كراثة بن سعد.
وولد ذؤيب بن سعد بن عداء: ثعلبة بن ذؤيب. ورزاح بن ذؤيب.
منهم: خزاعي بن عبدنهم [1] بن عفيف بن سحيم بن ربيعة بن عداء بن ثعلبة بن ذؤيب،
وهو الذي كسر صنم مزينة، ثم لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم مسلما، فكان على قبض مغانم النبي صلى الله عليه وسلم. وأخوه المغفل وابنه عبد الله بن المغفل [2] ، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من الأزد، حين أسلم.
وقال أبو اليقظان: ولى عمر عبد الله بن المغفل عملا، ومات بالبصرة، وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي.
ومنهم: معن بن أوس [3] بن نصر بن زياد بن أسعد بن أسحم بن ربيعة بن عداء بن ثعلبة بن ذؤيب،
وهو الذي يقول في قصيدته اللامية التي أولها:
لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أي كف تبدل
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بودّ آخر الدهر تقبل
__________
[1] بهامش الأصل: خزاعي بن عبدنهم رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: عبد الله بن المغفل رحمه الله.
[3] هو من مخضرمي الجاهلية والإسلام، وله مدائح في جماعة من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الأغاني ج 12 ص 54.(11/334)
وهو القائل أيضا:
ترى حالب المعزى وإن سر قاعدا ... وحالبهن القائم المتطاول
يعني حالب الإبل وقد مدح معن سَعِيد بْن العاص بْن سَعِيد بْن العاص بن أمية.
ودخل معن البصرة فتزوج ابنة عم له يقال لها ليلى، فاستأذنها في إتيان بلاده فأذنت له فأبطأ عليها، فركبت إليه فوجدته في بت وجبة صوف فقالت له: أهذا عيشك الرفيع الذي نزعت إليه؟ فقال لها: لو قد جاء الربيع فرأيت الخزامى والزهرة لرأيت عيشا طيبا، فأمرت فنظف وكسي، ثم إنها رجعت إلى البصرة وقد طلقها وندم.
ومنهم بشر بن المحتفز [1] بن عثمان بن بشر بن أوس بن نصر بن زياد بن أسعد بن أسحم بن ربيعة بن عداء بن ثعلبة بن ذؤيب
وهم بخراسان، وهو ممن رفع عليه أَبُو المختار يزيد بْن قيس بْن يزيد بن الصعو إلى عمر بن الخطاب في قصيدة له فقال:
فأرسل إِلَى الحجاج فاعرف حسابه ... وأرسل إِلَى جزء وأرسل إلى بشر
فقاسمه عمر ماله، وكان بشر بن المحتفز على جنديسابور من كور الأهواز، وكانت لبشر صحبة ورفع عليه عند عمر رضي الله تعالى عنه أنه اتخذ لجنديسابور مسجدا يصعد إليه بدرجة عالية، وأنه لبس البزيون [2] واتخذ الأخلة كما تتخذها العجم، فقال: أما المسجد فإني بنيته فوق ظهر بيت، لأني في بلدة كثيرة الخنازير فكرهت أن تدخل المسجد. وأما البزيون
__________
[1] بهامش الأصل: بشر بن المحتفز رحمه الله.
[2] من أنواع الحرير.(11/335)
فإنه ثوب جميل باق، وأما الأخلة فاتخذتها لأني رجل أفلج الأسنان فالطعام يبقى في أسناني فأخرجه بالخلال، فسكت عمر ولم يغير ذلك عليه.
وكان له ابنان أحدهما: عثمان بن بشر بن المحتفز، والآخر عبد الرحمن، وكان ابن الزبير ولى عبد الله بن خازم خراسان، وبعث بعهده عليها إليه وهو بها، فقال سُلَيْمَان بْن مرثد أحد بني سَعْد بْن مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثعلبة بن عكابة: والله ما ابن الزبير بخليفة مجتمع عليه، وإنما هو رجل عائذ بالبيت، فحاربه في جموعه فظفر ابن خازم، وقتل سُلَيْمَان، قتله قيس بْن عاصم السلمي، واحتز رأسه. واجتمع فل سليمان إلى عمرو بن مرثد أخيه بالطالقان، فسار إليه ابن خازم فقاتله فقتله، وولى ابن خازم ابنه محمد بن عبد الله بن خازم هراة، فهاج بنو تميم بهراة وقتلوا محمدا، فظفر أبوه بعُثْمَان بْن بشر بن المحتفز بالطالقان حين حارب عمرو بن مرثد فقتله صبرا، ويقال إنه ظفر به وبأخيه أيضا فقتلهما.
وكتب عبد الملك إلى ابن خازم بولاية خراسان كتابا، فأمر رسوله بأكله وقال: ما كنت لألقى اللَّه وقد نكثت بيعة ابْنُ حَوَارِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبايعت ابن طريدة، فكتب عَبْد الملك إلى بكير بن وساج بولايته خراسان، وكان بكير قد باينه، وقاتله بقرب مرو فقتل ابن خازم، قتله وكيع بن الدورقية، وأتى بكير بن وساج برأس ابن خازم فبعث به إِلَى عَبْد الملك بن مروان، وقطعت يد ابن خازم، فبعث بها إلى عثمان بن بشر بن المحتفز.
وولد أوس بن مزينة:
سليم بن أوس. وعامر بن أوس.
فولد سليم: محارب بن سليم. وثعلبة بن سليم.
فولد محارب: حلمة.(11/336)
فولد حلمة: خالد بن حلمة. وشيبان بن حلمة.
وولد ثعلبة بن سليم بن أوس: عبادة بن ثعلبة. وذبيان بن ثعلبة.
وعبد الله بن ثعلبة.
منهم إياس بن معاوية [1] بن قرة بن إياس بن هلال بن رئاب بن عبيد بن سوءة بن سارية بن ذبيان بن ثعلبة بن سليم بن أوس بن مزينة،
وكان لإياس بن هلال صحبة، وكانت أم إياس بن معاوية أم ولد، وكان إياس يكنى أبا وائلة. وكان أبوه معاوية بن قرة من خيار أهل البصرة، وكان يكنى أبا إياس.
قال أبو الحسن المدائني: كان إياس بن معاوية قاضيا فقيها قائفا يزكن فلا يخطئ، استقضاه عمر بن عبد العزيز، وأرسل رجلا من أهل الشام وأمره أن يجمع بين إياس والقاسم بن ربيعة الحوشي من بني عبد الله بن غطفان فيولي القضاء أنفذهما، فقدم البصرة فجمع بينهما فقال إياس للشامي: أيها الرجل سل عني وعن القاسم فقيهي المصر الحسن وابن سيرين، فمن أشار عليك بتوليته فوله. وكان القاسم يأتي الحسن وابن سيرين، ولم يكن إياس يأتيهما، فقال القاسم. لا تسألهما عنا فو الله الذي لا إله إلا هو إن إياسا لأفضل مني وأفقه وأعلم بالقضاء، فإن كنت عندك ممن تصدق فإنه ينبغي لك أن تقبل قولي، وإن كنت كذابا فما يحل لك أن توليني، فقال إياس للشامي: إنك جئت برجل فأقمته على شفير جهنم فافتدى نفسه من النار بيمين حلفها كذب فيها يستغفر الله منها وينجو مما
__________
[1] بهامش الأصل: اياس بن معاوية القاضي.(11/337)
يخاف. فقال الشامي: أما إذ فطنت لهذا فإني أوليك فاستقضاه فلم يزل على قضاء البصرة سنة ثم هرب.
المدائني قال: قيل لإياس- وكان إذا تبين له وجه الحكم أمضاه ولم يؤخره-: إن فيك أربع خصال: دمامة، وكثرة كلام، وإعجاب بنفسك، وإنك تعجل بالقضاء، فقال: أما الدمامة فالأمر فيها إلى غيري، وأما كثرة الكلام أفبصواب أتكلم أم بخطأ؟ قالوا: بصواب. قال: فالإكثار من الصواب أمثل من الإقلال. وأما إعجابي بنفسي أفيعجبكم ما ترون مني؟
قالوا: نعم. قال: فأنا أحق بأن أعجب بنفسي. وأما قولكم إني أعجل بالقضاء فكم هذا؟ وعقد بيده خمسة، فقالوا: خمسة. قال عجلتم.
قالوا: هذا أوضح من أن نبطئ فيه. قال: فإني أتبين القضاء فلا أبطئ بإنفاذه ولا أؤخره.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن ابن كناسة قال: لما ولي عمر بن هبيرة العراق أيام يزيد بن عبد الملك دعا إياسا إلى ولاية القضاء فأباه عليه، فضربه أسواطا وأجبره على ولاية الحسبة بواسط.
قالوا: والتقى رجلان على أحدهما مطرف خز، وعلى الآخر كساء أنبجاني، فادعى صاحب الأنبجاني أن المطرف له والإنبجاني لصاحب المطرف. ودعا إياس بمشط وماء فبل رأس كل واحد منهما وقال لأحدهما سرح رأسك فسرح رأسه، فخرج في المشط غفر المطرف، وسرح الآخر فخرج في المشط غفر الأنبجاني فقال له: يا خبيث، الأنبجاني لك فأقر فدفع المطرف إلى صاحبه.
وقال إياس: ما يسرني أني كذبت كذبة لا يطلع عليها في الدنيا(11/338)
ولا أؤخذ بها في الآخرة وأن لي مفروحا به في الدنيا. وقال إياس: لو صحبني رجل فقال: اشترط علي خلة واحدة لا تزيد عليها لقلت: لا تكذبني.
المدائني قال: شهد وكيع بن أبي سود عند إياس شهادة، فقال له:
يا أبا مطرف إنما يشهد الموالي والتجار والسفلة وليس يشهد مثلك من الأشراف فقال: صدقت. فلما انصرف قيل له: إنه لم يجز شهادتك قد قعد عنها. فقال: لو علمت أن هذا هكذا لحبجته [1] بالعصا.
قال: ودخل الحسن على إياس فبكى، فقال: ما يبكيك يا أبا واثلة؟ قال: الحديث الذي جاء « [أن القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة، قاض تعمد الحق فأخطأ فهو في النار وقاض تعمد الجور فهو في النار وقاض تعمد الحق فأصاب فهو في الجنة] » .
قالوا: ورد إياس شهادة رجل من المسلمين فشكا ذلك إلى الحسن فقال الحسن: يا أبا واثلة لم رددت شهادة هذا وهو مسلم وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« [من صلى قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم له ما لنا وعليه ما علينا] » ؟ فقال إياس: يا أبا سعيد إن الله يقول: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشهداء [2] وهذا ممن لا نرضاه فسكت الحسن.
قال: ورأى إياس رجلا فقال له: قد حلقت نصف لحيتك قال:
نعم، ثم قال: فمن أين عرفت ذلك؟ قال باختلاف الشعر.
واختصمت إلى إياس امرأتان في غزل. وكل واحدة منهما تدعيه، فأخذ الغزل منهما وقال لإحداهما: كيف غزلك؟ قالت بالفارسية، وقال
__________
[1] حبج: ضرب. القاموس.
[2] سورة البقرة- الآية: 282.(11/339)
للأخرى: كيف غزلك؟ قالت: منكوس، فنظر إلى الغزل فقال: هو بالفارسية فقالت الأخرى: صدقت هو غزلها ولكنها رهنته عندي.
واختصم إلى إياس امرأتان في كبة غزل فأخذها وقال لإحداهما: على أي شيء كببتها؟ فقالت: على جوزة. وسأل الأخرى فقالت: على خرقة، فأمر بنقض الكبة فوجد الجوزة، فدفعها إلى صاحبتها.
وكان يقول: صاحب المرأة الواحدة إذا حاضت حاض، وإذا مرضت مرض وإذا زارت زار.
قالوا: واستودع رجل رجلا مالا ثم طلبه منه فجحده، فخاصمه إلى إياس، فقال للطالب: أين دفعت إليه المال؟ قال: بموضع كذا ولم يحضرنا أحد. قال: فأي شيء كان في ذلك المكان؟ قال: شجرة. قال: فانطلق إلى ذلك الموضع وانظر فلعل الله أن يوضح لك هناك ما يتبين لك به أمرك، فمضى الرجل. وقال للمطالب: ارجع حتى يجلس خصمك فجلس وإياس يقضي ولا ينظر إليه ساعة، ثم قال: أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة التي ذكر؟ قال: لا. قال: يا عدو الله إنك لخائن حائن. قال: أقلني أقالك الله. فأمر أن يحتفظ به حتى جاء خصمه، فقال: قد أقر لك بحقك فخذه منه.
قال: واستودع رجل رجلا من أمناء إياس مالا وحج، فلما قدم طلبه فجحده، فأتى إياسا فأخبره فقال له إياس: أعلم أن أتيتني؟ قال: لا.
قال: أفنازعته عند أحد؟ قال: لا، قال: فانصرف وعد إلي بعد يوم أو يومين، ودعا إياس أمينه ذاك فقال له: قد اجتمع عندي مال كثير أريد أن أودعك إياه وأوليك أمر أيتام، أفحصين منزلك؟ قال: نعم، قال: فعد(11/340)
إلي يوم كذا واعدد موضعا للمال وقوما يحملونه، وعاد المودع إلى إياس فقال له: انطلق إلى صاحبك فاطلب منه مالك فإن أعطاك إياه وإلا فقل له إني أخبر القاضي خبرك، فأتاه فدفع المال إليه، فرجع إلى إياس فأخبره أنه قبض ماله، وجاء الأمين فزجره إياس وزبره وقال: لا تقربني يا خائن.
واستودع رجل رجلا كيسا فيه دنانير، وغاب فطالت غيبته ففتق المستودع الكيس من أسفله وأخذ الدنانير وصير مكانها في الكيس دراهم وخاطه والخاتم بحاله، فقدم صاحب المال بعد خمس عشرة سنة فطلب ماله فدفع إليه الكيس بخاتمه ففتحه فلم يقبله، وقال: هذه دراهم ومالي دنانير، قال: هكذا كيسك بخاتمك فرافعه إلى عمر بن هبيرة، فقال لإياس: أنظر في أمر هذين. فقال للطالب: ما تقول؟ فقال: أعطيته كيسا فيه دنانير فأعطاني كيسا فيه دراهم فقال إياس، مذ كم سنة؟ قال:
مذ خمس عشرة سنة. فقال للآخر: ما تقول؟ قال: قد دفعت إليه كيسه بخاتمه، قال: فضوا الخاتم، ففضوه ونظروا إلى الدراهم فوجدوا فيها دراهم ضربت بعد الوقت الذي أودع فيه كيسه بعشر سنين وخمس سنين وأقل وأكثر، فقال له: قد أقررت أن الكيس عندك مذ خمس عشرة سنة فاتق الله ولا تظلم الرجل، فأقر بالدنانير فألزمه إياها.
قالوا: وشهد أبوه معاوية ورجل آخر عنده ونفر معهما على رجل بأربعة آلاف درهم لرجل، فقال المشهود عليه: تثّبت في أمري فو الله ما أشهدت الشهود إلا بألفين، فقال إياس لأبيه وللشاهد الآخر: هل كان يوم شهدتما في الصحيفة فضل؟ قالا: نعم كانت طينته في نصف الصحيفة ولم يمكنا أن نكتب شهادتنا فختمنا تلك الطينة، قال: أفكان هذا الرجل يمر(11/341)
بكم فيقول: احفظوا شهاداتكم على فلان بأربعة آلاف؟ قالا: نعم.
قال: اغتركم ودعاه خاليا فقال: يا عدو الله، خدعت قوما مغفلين فكتبت صكا بألفين ووضعت طينا في وسط الصك ثم كتبت في الجانب الآخر من الصحيفة بأربعة آلاف، ثم جعلت تمر بهم فتقول: احفظوا شهاداتكم على فلان بأربعة آلاف، أما والله لأنكلن بك. فقال: أذكرك الله ألا أقلتني ولم تفضحني، وأقر بما صنع فحكم إياس له بألفين.
قالوا: وأتى إياسا دهقان فنازع رجلا عنده فقال له: كأني بك تقدر في نفسك كذا وتريد أن تقول كذا وتحتج بكذا. فقال الدهقان: أقاض أنت أصلحك الله أم عراف؟.
قالوا: ونظر إياس إلى نسوة قد فزعن من بعير، فأشار إليهن فقال:
هذه حامل، وهذه مرضع، وهذه بكر. فسئلن فكان الأمر كما قال: فقيل له: كيف علمت هذا؟ فقال: رأيتهن يمشين فلما فزعن وضعت كل واحدة يدها على أهم المواضع إليها، فوضعت البكر يدها على أسفل بطنها، ووضعت الحامل يدها على بطنها ووضعت المرضع يدها على ثديها.
وكان إياس يقول: شرقي كل بلد أكثر أهلا من غربيّه، ومن قرب منزله من النهر كان أقل آنية ممن بعد عن النهر.
وسمع إياس كلام رجل في سفينة فقال: أنت ابن فلان؟ قال:
نعم، قال: سمعته ينازع رجلا، فشبهت كلامك بكلامه.
وقال لرجل: أنت ابن فلانة؟ قال: نعم. قال: شبهت عينيك بعينيها.
ونازع رجل رجلا عنده، فسأله البينة فقال: يا أبا الرازقي. فقال(11/342)
إياس للشاهد: أرضيت بهذه الكنية؟ قال: نعم هي كنيتي. قال: لهذا لا نرضى بك.
ونازع أيضا عنده رجل رجلا فسأله البينة فنادى شاهدا له: يا أبا الكفور، فقال إياس: مكانك يا أبا الكفور، انصرف عنا، هات غير هذا.
وخاصم رجل إلى إياس رجلا في جارية وقال: هي حمقاء. فقال إياس: لا أعلمه يرد من حمق. قال: إن حمقها كالجنون. فقال لها إياس:
أتذكرين يوم ولدت؟ قالت: نعم. قال: فأي رجليك أطول؟ قالت لإحدى رجليها: هذه. قال: ردوها فإنها مجنونة.
قال: ونظر خالد الحذاء يوما إلى امرأة فأعجبته، فقال لها: يا أمة الله، أفارغة أنت أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة فأتبعها ولقيه رجل فسلم عليه وكلمه وغابت المرأة فاغتم فلقيه إياس فأخبره خبر المرأة فقال: انطلق بنا إلى الموضع الذي رأيتها فيه وامش بين يدي فإذا انتهيت إلى الموضع الذي فقدتها فيه وخفيت عليك فقم بمقدار ما كلمك الرجل، ففعل إياس ذلك المقدار بآيات قرأها، ثم قال له: امض بنا وأعاد ما قرأ فلما انتهى إلى آخره قال له: دخلت هذا الزقاق لا محالة، ولم يكن للزقاق منفذ، فدخل إياس الزقاق على نسوة جلوس فيه فقال: امرأة دخلت قبيل هذا الوقت عليها قميص أحمر وملحفة بيضاء؟ قلن: نعم امرأة لا بأس بها. قال: فلها زوج؟ قلن: لا. قال: فمن وليها؟ فسموه فعرفه فأرسل إليه فدعاه فزوجها من خالد ودخل بها من يومه.
قال: وذكروا ذات يوم تواصل الناس وتقاطعهم، فقال رجل: يا أبا(11/343)
واثلة أخبرني عن رجلين بالمصر صالحين لا يتزاوران ولا يتواصلان؟ فقال إياس: كأنك تسألني عن الحسن وابن سيرين؟ قال: ما أردت غيرهما.
قال: وقال إياس لقوم كانوا يجالسونه من أهل مكة: قدمت بلدكم فعرفت قوما من خياركم وشراركم، قالوا: متى قدمت ومتى عرفتهم؟
فقال: هنا قوم خيار أكفأ منكم قوما، وقوم شرار أكفأ قوما، فعلمت أن خياركم من ألفه خيارنا، وشراركم من ألفه شرارنا.
وقال سلم بن قتيبة: رآني إياس ولا أعرفه ولم يكن رآني قبل ذلك فقال: أأنت ابن قتيبة؟ قلت: نعم. قال: عرفتك بشبه عمك عمرو بن مسلم. قلت: رحمك الله عمي ضخم أمغر [1] ، وأنا رجل آدم نحيف، فقال ليس يعسر هذا إنما يعرف بالقلب.
وقدم إياس مكة فقال لأصحابه: هل لكم في سلم بن قتيبة، وهو إذ ذاك ببئر ميمون، هو الجالس في ظل راحلته فنظروا فإذا هو سلم، فقال سلم لإياس: كيف علمت أني سلم؟ قال: حج إخوانك وألّا فك جميعا وعرفت مذهبك، فعرفت أنك ستتبعهم، ورأيت بعيرا من إبل الملوك عليه رجل من رجال القرى فأوقعت ظني فلم أخطئ.
وكان إياس يقول عرفت الزكن من قبل أمي، وكانت خراسانية فكانت تخبرني أن إخوتها وأهل بيتها يزكنون ويتفرسون، ولقيت قوما بمكة فعرفتهم بشبه أمي وعرفوني فإذا هم من أهل بيتها.
قالوا: وسمع إياس نباح كلب فقال: كأنه مربوط إلى جانب بئر فوجدوا الأمر كما قال، فقال: سمعت لصوته دويا وصدى.
__________
[1] المغرة: طين أحمر، والأمغر الأحمر الشعر والجلد، والذي في وجهه حمرة في بياض صاف.
القاموس.(11/344)
المدائني عن شيخ من باهلة قال: أتيت منزل ثابت البناني فإذا أنا برجل طويل الثوب، طويل الذراع أحمر يلوث عمامته لوثا قد غلب على المجلس فقلت: من هذا فقال رجل: يا أبا واثلة، فعرفت أنه إياس. قال:
فسمعته يقول: تكون غلة الرجل ألفا فينفق ألفا فيصلح أمره وتصلح غلته، وتكون غلته ألفين فينفق ألفين فيصلح أمره وتصلح غلته، وتكون غلته ألفين فينفق ثلاثة آلاف فيوشك أن يبيع العقار في فضل النفقة.
المدائني عن جويرية بن أسماء، حدثني عَبْد اللَّهِ بْن مُعَاوِيَة بْن عَبْدِ اللَّهِ بن جعفر قال: كان إياس لي صديقا، فدخلنا على عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْقَاسِم بْن مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر وعنده جماعة من قريش فتذاكروا السلف، ففضل قوم أبا بكر، وآخرون عمر، وآخرون علي بن أبي طالب، فقال إياس، إن عليا رحمه الله كان يرى أنه أحق الناس بالأمر، فلما بايع الناس أبا بكر ورأى اجتماعهم عليه وأن قد صلح العامة اشترى صلاح العامة بتقصية [1] الخاصة، يعني بني هاشم، قال: ثم ولي عمر ففعل مثل ذلك، فلما قتل عثمان اختلف الناس، وفسدت العامة والخاصة، ووجد أعوانا فقام بالحق ودعا إليه.
قالوا: وتدارأ [2] عنبة بن عُمَر بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن الْحَارِث بْن هشام المخزومي، وخالد بن عرفطة اليشكري فقال عنبة: من قبلنا كان أفضل، وقال خالد: الناس اليوم أفضل، فتراضيا بإياس فقال إياس: أما أنا فقد أدركت أبي وجدي، وكان جدي أفضل من أبي، وأبي أفضل مني.
__________
[1] بهامش الأصل: بتقصيه أمر.
[2] تدارأوا: تدافعوا في الخصومة. القاموس.(11/345)
المدائني عن أبي إسحاق بن حفص قال: رأى إياس في المنام أنه لا يدرك النحر فخرج إلى ضيعة له فمات بها سنة اثنتين وعشرين ومائة.
وكان إياس يقول: الحرير لا يخدعني ولا يخدع ابن سيرين ويخدع الحسن وأبي.
قالوا: وتبصر هلال شهر رمضان جماعة فيهم أنس بن مالك وقد قارب المائة فقال أنس: قد رأيته هو ذاك، وجعل يشير فلا يرونه. ونظر إياس إلى أنس وإذا شعرة من حاجبه قد انثنت، فمسحها اياس وسواها بحاجبه ثم قال: يا أبا حمزة: أرنا موضع الهلال فجعل ينظر ويقول:
ما أراه.
قالوا: ومات معاوية بن قرة أبو إياس وهو ابن ست وسبعين سنة، وقال إياس في العام الذي مات فيه: رأيت كأني وأبي على فرسين فجرينا جميعا فلم أسبقه ولم يسبقني، فعاش أبي ست وسبعين سنة، وأنا فيها، فلما كانت آخر لياليه قال: أتدرون أية ليلة هذه؟ هذه ليلة استكملت فيها عمر أبي. ونام فأصبح ميتا.
الْمَدَائِنِي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِم قَالَ: قال إياس: رأيت حية اتبعها ابن عرس في بستان فلما ألح عليها صعدت في نخلة، فأتبعها فسلكت على سعفه وأتبعها فتعلقت بخوصة وتدلت، فقرض الخوصة فسقطت إلى الأرض ولم تقدر على الحركة، فنزل فقتلها.
ودخل إياس منزل رجل فرأى موضعا من الحائط أو الأرض فقال: في هذا الموضع حية فوجد الأمر كما قال، فسئل عن ذلك فقال: رأيت الحائط أو قال الأرض يابسا كله ورأيت هذا الموضع أقل يبسا، فعلمت أن فيه شيئا يتنفس.(11/346)
وقال إياس لأبان بن الوليد: أنا أغنى منك، فقال أبان: وكيف ولي كذا وكذا، فقال إياس: إن كسبك لا يفضل عن مؤونتك، وكسبي يفضل عن مؤونتي.
ورأى إياس يوما نسوة مقبلات فقال: هذه حامل، وهذه مغيبة أوأيم، وهذه حائض، فنظر فوجد الأمر فيهن على ما ذكر، فقال: أما الحامل فرأيتها أثقلهن وطئا، ورأيت هيئة الأخرى رثة، ورأيت الحائض أقربهن إلى المسجد فتأخرت عنه فصارت أبعدهن منه.
ورأى رجلا يمشي متأبطا شيئا، فقال: معه سكر، وقد ولد له غلام، فوجدوا ذلك كما قال، فسئل فقال: رأيت الذباب قد أطاف به، فقلت معه شيء حلو وهو يشبه أن يكون سكرا، ورأيته نشيطا فرحا، فظننت أنه قد ولد له غلام.
وقد رأى جارية معها طبق مغطى بمنديل فقال: معها جراد، فكان كما قال، فقال: رأيته خفيفا على يدها.
ورأى حمارا عليه حمل ظاهر خفيف، والحمار يطأ وطء مثقل فقال: قد حمل خمرا، فوجد كما قال.
ونظر إلى جنازة فقال: صاحبها حي لم يمت، فوضعت الجنازة فعض إبهام الرجل فإذا هو حي، فردوه فقيل له: كيف علمت؟ فقال: رأيت أصابع قدميه منتصبة والميت لا تنتصب أصابع قدميه، وكان ذلك الميت غريقا.
وأتى يوما بماء فقال: هذا قاطر فوجد كما قال، فقال: رأيته صافيا جدا.(11/347)
وشهد الفرزدق عند إياس بشهادة فقال: قد أجزنا شهادة أبي فراس، ولكن زيدونا شاهدا، فقام الفرزدق مسرورا، فقيل له: إنه والله ما أجاز شهادتك ولو أجازها لم يستزد شاهدا، فقال: ولم لا يرد شهادتي وقد قذفت ألف محصنة وقال:
أتيت إياسا شاهدا فأجازني ... إجازة مقبول الشهادة صادق
وما اعتاض مني شاهدا ليردني ... إياس ولكن أخذه بالوثائق
[1] وكان إياس يقول: الشيبوط [2] من البني. والشيم [3] كالبغل بين الفرس والحمار، وليس ثم نسل به.
وقال رجل لإياس: أنا أعرف مثل ما تعرف، فنظر إياس إلى صدع في الأرض فقال: ما هذا الصدع؟ قال: لا أدري. فقال إياس: فيه دابة، فكان كما قال إياس فقال له إياس: يا بن أخي أن الأرض لا تنصدع إلا عن دابة أو نبات.
وسمع إياس عواء كلب فقال: كان هذا الكلب مربوطا ثم أطلق، أما سمعتموه يأتي صوته من جهة واحدة، ثم اختلف فقرب وبعد حين أطلق.
ونظر إياس إلى رجل في المسجد فقال: هو: غريب، أعور، معلم، قد ذهب له غلام سندي، فوجد كما قال، فقال: إني رأيته كالمتحير فعلمت أنه غريب لا يألف المكان، ويلتفت بجمعه إذا التفت، فقلت
__________
[1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] سمك دقيق الذنب، عريض الوسط.
[3] الشيم: سمك. القاموس.(11/348)
أعور، ورأيته لا يكلم الصبيان فقلت معلم، ورأيته إذا رأى غلاما سنديا تأمله.
وقال إياس: ليس يولد من الحيوان شيء إلا ظاهر الأذنين.
وشرقت لإياس شاة فسمع ثغاء ولدها بعد حين حين فعرفه.
ورأى إياس رجلا فقال: لص سرق الساعة فخذوه، فلم يلبث أن جاء من يطلبه فقال: رأيته دهشا مدلها يكثر الالتفات.
واختصم أهل قريتين في دجاج في قفص فقال لهم: خلوها، ثم قال: هذه دجاجكم وهذه دجاج أهل القرية البعيدة منكم، فقيل له:
كيف علمت؟ قال: رأيت دجاج هذه القرية مطمئنة مستأنسة، ورأيت دجاج الأخرى قد رفعت رءوسها ومدت أعناقها نافرة.
ورأى ديكا ينفر الحب ولا يقرقر فقال: هذا هرم، لأن الهرم إذا ألقي له الحب لم يقرقر والشاب يقرقر ليجمع الدجاج إليه.
وقال إياس: أرسل إلي بلال بن أبي بردة فأتيته فلم يكلمني، وقام وقمت فقال: ما رأيت عند إياس ما يذكرون، فبلغني قوله فقلت:
ما سألني عن شيء. ثم بعث إلى فسألني عن شيء فقلت: لا أدري، فقال: ظن، قلت: لا يجوز الظن، فقال: أو يكون شيء لا يجوز فيه الظن؟ قلت: كم ولدي؟ قال: لا أدري. قلت، ظن. قال: لا يجوز الظن.
وكان لإياس أخ له خزلة [1] ، فعير أبو إياس إياسا به فقال له إياس:
مثل أخي مثل الفرّوح يخرج من البيضة فيأكل ويكفي نفسه، ومثلي مثل
__________
[1] أي تفكك في مشيه النهاية لابن الأثير.(11/349)
الفرخ يخرج ضعيفا محتاجا إلى غيره، ثم يتحرك فيطير وينهض، والدجاجة لا نهوض لها فذلك أنا وأخي.
قالوا: وتزوج المهلب بن القاسم بن عبد الرحمن الهلالي أم شعيب بنت محمد الطاحي، وأمها عكناء بنت أبي صفرة، وكان المهلب بن القاسم ماجنا فشرب يوما وامرأته بين يديه، فناولها القدح فأبت أن تشرب، فقال: أنت طالق إن لم تشربيه، وفي الدار ظبي داجن فعدا فكسر القدح فجحد المهلب طلاقها، ولم يكن لها شهود إلا نساء، فأرسلت إلى أهلها فحولوها فاستعدى ابن القاسم عدي بن أرطأة فردها عليه فخاصمته إلى إياس وهو قاض لعمر بن عبد العزيز، وشهد لها نساء، فقال إياس: لئن قربتها لأرجمنك، فغضب عدي على إياس فقال له عمر بن يزيد الأسيدي، وكان عمر عدوا لإياس، وذلك أنه قضى على ابنه بأرحاء كانت في يده لقوم، فقال عدي لعمر: انظر قوما فيشهدون على إياس أنه قذف المهلب بن القاسم ليحده ويفضحه ويعزله، فأتى بيزيد الرشك، وبابن أبي رباط مولى بني ضبيعة ليلا، فأجمعوا على أن يرسل عدي إلى إياس إذا أصبح فيشهدوا عليه، وكان ربيعة بن القاسم الحوشبي حاضرا فاستحلفه عدي ألا يخبر إياسا بما هم عليه فحلف، وأتى إياسا فقال: جئتك من عند عدي فاحذر الناس، ولم يذكر له شيئا فاستراب إياس الأمر فتوارى، ثم خرج إلى واسط واغتنم عدي فاستقضى الحسن، وكتب إلى عمر يعيب إياسا ويثني على الحسن، وشنع على إياس وقال أنه يقول: إذا كثرت أمطار السنة فهي وبيئة وما علمه بذلك، فكتب عمر إليه: ما رأيت أحدا من أهل زماننا(11/350)
الثناء عليه أحسن منه على إياس، وقد بلغني وصح عندي رضخ [1] من شأنكم، وأقر الحسن
ومنهم: ذو البجادين [2]
رحمه الله تعالى، وهو عبد الله، وكان اسمه قبل إسلامه عبد العزى. وكان أتى عمه وابنته عنده وقد أراد الهجرة، فقال يا عم: إنه قذف في قلبي حب هذا الرجل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا آتيه.
فقال: لئن فعلت لأسلبنك، فأبى إلا أن يفعل فسلبه، فأتى أمه فأعطته بجادها، وهو كساء، فقطعه نصفين فتدرع إحداهما وارتدى الأخرى فسمي ذا البجادين، وأتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو القائل وهو يسوق ناقة النبي صلى الله عليه وسلم:
تعرضي مدارجا وسومي ... تعرض الجوزاء للنجوم
هذا أبو القاسم فاستقيمي
ومن مزينة: بكر بن عبد الله المزني [3]
مات بالبصرة سنة ثماني ومائة.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد، ثنا معاوية بن عمر، وثنا نعيم العجلي عن أبي عقيل عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: إن الدنيا دار فتن بعض أهلها ببعض، وكل امرئ مزين له ما هو فيه، وإن المؤمن من زينت له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفيق من حبها، قد حالت شهوتها بينه وبين لذاذة عيشه، يمسي كئيبا ويصبح حزينا، فطوبى له وماذا يعاين لو قد كشف الغطاء من السرور، وما خير عمر وإن طال يذم آخره، وما يضرك
__________
[1] الرضخ: خبر تسمعه ولا تستيقنه. القاموس.
[2] بهامش الأصل: ذو البجادين رحمه الله.
[3] بهامش الأصل: بكر بن عبد الله المزني.(11/351)
ما ذوى عنك إذا حمدت مغبته، وإن الناس وإن فازوا كلهم وهلكت لم ينفعك ذلك، وإن فزت وهلكوا لم يضرك هلاكهم، وقد هتف الكتاب إليك صارخا بما أنت إليه صائر، فكيف ترقد على هذا العيون، أم كيف يجد قوم لذاذة العيش بعد هذا لولا التمادي في الباطل، والتشايع في القسوة من دون هذا يجزع الصديقون.
حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سلمة، أنبأ حميد قال: كان بكر بن عبد الله المزني يقول: ما أرى التجارب تنفعنا، ولو أن عبدا أقيم في سوق، فقيل لا عيب فيه إلا أن التجارب غير نافعة له ما اشتراه أحد.
أبو الحسن المدائني قال: قال بكر بن عبد الله المزني: التجسس من الخب، والخب من الدناءة والفجور.
وقال: طول الصمت حبسة، وترك الحركة عقلة، وكلام الذي يدل على الخير أفضل من الصمت.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم التستري عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: كانت امرأة متعبدة باليمن، فكانت إذا أمست قالت: يا نفس، الليلة ليلتك لا ليلة لك غيرها فتجتهد، فإذا أصبحت قالت: يا نفس، اليوم يومك لا يوم لك غيره فتجتهد.
وروى أبو هلال الراسبي عن بكر بن عبد الله قال: كان في بني رقاش رجل قال: لا أضحك حتى أعلم أفي الجنة أنا أم في النار.
المدائني عن الضبعي أن بكر بن عبد الله المزني سمع رجلا يقول: دع المراء لقلة خيره، فقال: بل دعه لكثرة شره.
حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا سهل بن محمود أبو السري عن(11/352)
معتمر بن سليمان عن أبيه قال: قال بكر المزني: لو كان الرجل يطوف على المجالس يقول استغفروا لي لكان أحق بذلك من المسكين الذي يطوف عليهم ليعطى ويطعم.
وروى غالب عن بكر بن عبد الله أنه قال: متى شئت أن تلقى عبدا النعمة عليك أسبغ منها عليه وهو أشد تبلغا في شكر الله منك لقيته، ومتى شئت أن تلقى عبدا هو أقل ذنوبا منك وأشد لربه خوفا لقيته.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا غسان بن المفضل الغلابي عن رجل من قريش عن عبد الرحمن بن زياد، وكان من آل زياد، قال: كتب أبي إلى بكر بن عبد الله المزني، وكان جاره: أن ادع الله لي، فكتب إليه بكر: أتاني كتابك تسألني أن أدعو الله لك، وحق لعبد عمل ذنبا لا عذر له فيه، وخاف موتا لا بد له منه أن يكون مشفقا وبدعاء إليه مستغيثا، ولست أرجو أن يستجاب لي بقوة في عمل ولا براءة من ذنب.
حدثنا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الفضل السدوسي، ثنا مرجي بن وداع الراسبي عن غالب القطان قال: كان بكر يقول: ضع كبير المسلمين منك بمنزلة أبيك، وضع تربك منهم بمنزلة أخيك، وصغيرهم بمنزلة ولدك، فأي هؤلاء تحب أن يهتك له ستر؟
وقال: إذا شئت أن تلقى من النعمة عليك أفضل منها عليه، وهو أدأب في الشكر منك وجدته، وإذا شئت أن تلقى من أنت أعظم منه جرما وهو أخوف لله منك لقيته، فلا ترض لنفسك بهذا، وإذا رأيت كبير المسلمين فقل: هذا خير مني، آمن وعمل الصالحات قبلي، وإذا رأيت من هو أصغر منك، فقل: هذا خير مني، كسبت السيئات وعملتها قبل أن(11/353)
يولد هذا، ودع من الكلام ما إن أصبت فيه لم تؤجر، وإن أخطأت أثمت، وإياك وسوء الظن بأخيك.
حدثني أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو النضر عن عقبة بن أبي الصهباء قال: سمعت بكر بن عبد الله يقول: ما قال عبد قط: الحمد لله إلا وجب عليه نعمة بقوله، فما جزاء تلك النعمة؟ جزاؤها أن تقول الحمد لله فتلك نعمة أخرى، فلا تنفد نعم الله.
حدثنا أحمد، ثنا غسان الغلابي عَن عَبْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَن أبي حرة قال: أتينا بكر بن عبد الله نعوده، فأقبل إلينا وهو يهادي بين رجلين، فسلم علينا ثم قال: رحم الله عبدا أعطي قوة فعمل بها في طاعة الله، أو قضي به في ضعف فكف عن محارم الله.
حدثنا محمد بن إبراهيم، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا سلام بن أبي مطيع عن غالب قال: كان بكر بن عبد الله يقول: إذا رأيت من أخيك أمرا تكرهه فلا تكفر به، ولكن احمد الله الذي عافاك مما ابتلاه به.
المدائني عن كهمس قال: سمعت بكر بن عبد الله يقول: يكفيك من الدنيا ما قنعت به ولو كف من تمر وشربة ماء وظل خباء، وكلما فتح عليك من الدنيا شيء ازدادت نفسك له انفتاحا.
حدثنا أحمد، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنِ بكر قال: لا يزال الرجل بخير ما أمسى وأصبح زاريا على نفسه في ذات الله.
قالوا: وذكر بكر يوم عرفة فقال: قد شهدت مشهدا أو رأيت منظرا لولا أني كنت معهم لرجوت أن يغفر لهم.(11/354)
أحمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن المرجى بن غالب بن بكر قال: إذا رأيت الناس يفخمونك فقل: هذا فضل لست له بأهل، وإذا بعدوا عنك وأنكرتهم فقل: هذا ذنب أحدثته ليس منهم أتيت.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا موسى بن إسماعيل عن أبان بن خالد السعدي قال: رأيت على بكر بن عبد الله طيلسانا قومته في نفسي ثلاثمائة درهم ومقطعة من برود من هذه المنزلة قباء ثمنه عشرون ومائة درهم.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا هارون بن عيسى عن حكام الرازي عن سعيد بن سابق عن عاصم الأحول عن بكر بن عبد الله قال: البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية.
حدثنا أحمد، ثنا حماد بن سلمة عن حميد قال: كنا نرجو، أو نرى أن بكر بن عبد الله مجاب الدعوة.
أحمد عن العلاء العطار عن عبد الله بن دينار قال: كان بكر بن عبد الله يمر بالمساكين فيجلس معهم، وإن عليه لثيابا سرية.
قالوا: وكسا بكر رجلا أحد ثوبيه، فقالت له أم ابنه عبد الله بن بكر في ذلك، وكأنها لامته، فبينا هي تحاوره إذ جاءته مولاة له بثوب قد غزلته هدية إليه، فقال: أعطينا خلقا وجاء الله بجديد.
قال المدائني: قال بكر بن عبد الله، ليس الواعظ من جهل أقدار السامعين، وإرادة المريدين.
حدثنا روح بن عبد المؤمن عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: كانت أم بكر بن عبد الله عند رجل غني، وكان أميرا، فكانت تكسوه الثياب الجياد، وكان بكر يكره أن يرد عليها شيئا، فربما بلغت كسوته أربعة آلاف(11/355)
درهم، فكان يلبس تلك الثياب ويجلس مع المساكين بينهم وكان يقول:
أرجو أن أعيش عيش الأغنياء وأموت موت الفقراء، قال: وكذلك مات ما ترك شيئا.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا سهل بن محمود عن زياد بن ربيع عن غالب بن بكر أنه قال: إني لأحب أن أرى الرجل من إخواني حسن السحنة، متوسطا على نفسه وأهله يظن من رآه أن له مالا فيموت فلا يدع مالا، وأكره أن أرى الرجل من إخواني متقشفا مبتئسا سيّئ السحنة مضيقا على نفسه وأهله، ويظن من رآه أنه مقتر، فيموت فيدع مالا كثيرا.
حدثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد بن زيد عن هشام قال: ركب أبا حمزة التمار دين، فأتى بكر بن عبد الله فقال له: مالي أراك مغموما؟ فذكر دينه، فقال: وكم هو؟ قال: أربعمائة درهم، فأخرج إليه أربعمائة درهم وقال: والله ما أملك غيرها.
حدثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا أبو سلمة عن أبان بن خالد قال: رأيت بكر بن عبد الله مخضوبا بسواد.
وروى حماد بن سلمة عن حميد أن بكر بن عبد الله خضب بالسواد، ثم تركه.
وقال بكر: عجبا إني أخطئ إذا شاورت، وأصيب إذا شوورت.
وروى أبو هلال قال: كان بكر يخضب بالسواد حتى احترق وجهه، فتركه وخضب بالحناء.
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صعب عن رجل عن هشام عن بكر قال: خرجت من منزلي فإذا أنا بحمال يحمل كارة وهو(11/356)
يقول: الحمد لله، استغفر الله لا يزيد عليهما، ثم انتهى إلى مكان، فوضع الكارة ليستريح. قال: فقلت له: يا عبد الله سمعتك تقول كلمتين لا تزيد عليهما؟ فقال: وما أعجبك من ذلك أن ابن آدم بين نعمة وذنب، فأنا أحمده على النعمة، واستغفره للذنب. قال بكر: فقلت في نفسي:
لقيت والله يا بكر رجلا أفقه منك.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ علية عن غالب القطان عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: إذا خرجت لحاجة فعرضت لك عيادة مريض أو جنازة فقل: الحمد لله الذي يسرّ لي هذا الخير والأجر.
وكان لجد بكر فيما ذكر أبو اليقظان صحبة، ولا عقب لهم.
وقال غير الكلبي: من مزينة أبو ذرة، ومولاه أرطبان، وكان كثير المال، فولد أرطبان: عونا أبا عبد الله بن عون المحدث، وكان عبد الله يكنى أبا عون، وأم عون بن أرطبان ابنة قارن الطبري.
قال: ومنهم: جسر، وسعر [1] ابنا سنان، كانا من وجوه أهل البصرة ولهما صحبة.
وقال محمد بن سعد: عائذ بن عمرو المزني محدث.
وقال الحسن: كان من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [2] .
__________
[1] لم أجدهما في كتب تراجم الصحابة.
[2] طبقات ابن سعد ج 7 ص 31.(11/357)
نسب حميس بن أد بن طابخة
وولد حميس بن أد: حرب، كانوا مع أبرهة الأشرم فهلكوا يوم الفيل ونجا منهم ستون، فهم إلى اليوم ستون لا يزيدون على ذلك، إذا ولد مولود مات رجل، وهم في بني عبد الله بن دارم وأمهم الخشناء بنت وبرة أخت كلب بن وبرة.
فولد حرب: عوف بن حرب. وبشير بن حرب. وعمرو بن حرب. والأعور بن حرب.
فولد عمرو: برمة بن عمرو. وكعب بن عمرو. وعكابة بن عمرو.
وولد الأعور بن حرب: كلدة. وسفيان. وعبد الله.
وولد كعب بن عمرو: دثار بن كعب، وأمه ابنة تغلب بن وائل أو ابنة وائل.
وقال أبو اليقظان: بنو حميس بالكوفة في بني مجاشع، وبالبصرة في بني عبد الله بن دارم.
ومن بني حميس: المفوف الشاعر الذي يقول:(11/359)
سوار أنت فتى نزار كلها ... تعطي الجزيل ولا ترفقه
وكان المفوف أرسل امرأته من خراسان وأرسل أيضا رجل آخر امرأته، فاخذهما الخوارج فمضى المفوف وصاحبه إلى الخوارج. فأما المفوف فأصاب المحنة فخلي وامرأته، وأما الآخر فأخطأ فقتل.(11/360)
نسب بني ضبة بن أد بن طابخة
وولد ضبة بن أد بن طابخة:
سعد بن ضبة
وسعيد بن ضبة.
وباسل بن ضبة، وهو أبو الديلم فيما يقال.
قال هشام بن محمد الكلبي: حدثني أبي قال: خرج باسل مغاضبا لأبيه فتزوج امرأة من العجم، فولدت له، فيقال إن الديلم ولد باسل هذا، وهم ينسبون إليه. وعمرو بن ضبة درج.
وقال غير الكلبي: وقع بين باسل وبين أخيه سعد شر فاقتتلا فغضب، ووقع بالديلم فعظمه أهلها حتى عبدوا رحله إلى أن ذهب الرحل، ثم جعلوا له مثالا من طين فعبدوه، فبعض من بالديلم من ولده.
وحدثني محمد بن الأعرابي عن المفضل بن محمد الضبي قال: خرج سعد وسعيد ابنا ضبة في طلب إبل لهم، فرجع سعد. ولم يرجع سعيد، وكان ضبة كلما رأى شخصا مقبلا قال أسعد أم سعيد؟ فذهبت كلمته مثلا. فبينا ضبة يسير ومعه الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد في الشهر الحرام إذ أتيا في طريقهما على مكان فقال الحارث لضبة: أترى هذا(11/361)
المكان فإني لقيت به فتى من هيئته كذا وكذا فقتلته وأخذت هذا السيف منه، وإذا صفته صفة سعيد. فقال ضبة: أرني السيف أنظر إليه فناوله إياه فعرفه ضبة، فقال عندها: إن الحديث ذو شجون، أي متشعب كشجون الجبل فذهبت مثلا، ثم ضرب الحارث بالسيف حتى قتله فلامه الناس في ذلك، وقالوا: تقتل في الشهر الحرام؟ فقال: سبق السيف العذل، فذهبت مثلا وقال الفرزدق:
فلا تأمنن الحرب إن استعارها ... كضبة إذ قال: الحديث شجون
[1] وليس لسعيد عقب، وأم ولد ضبة هؤلاء: ليلى بنت لحيان بن هذيل بن مدركة، وقد روى بعض أهل الكذب في أمر سعد وسعيّد حديثا مصنوعا لا نعرفه ولا تعرفه العرب، ولا يرويه أهل العلم.
وولد سعد بن ضبة:
بكر بن سعد
وأمه من إياد. وثعلبة بن سعد.
وصريم بن سعد، وهم أهل أبيات. وأمهم هند بنت ثعلبة بن رومان بن جندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيّئ.
فولد بكر بن سعد بن ضبة:
مالك بن بكر.
وعبد الله بن بكر، وهو عبد مناة، وأمهما الممناة بنت الأوس بن تغلب بن وائل.
فولد مالك بن بكر بن سعد:
ذهل بن مالك،
وأمه هند، وهي الخشبة بنت عبد الله بن قداد من بجيلة، وهي عمة أم خارجة السريعة النكاح. ويقال إنه ذهل بن ثعلبة بن عكابة والله أعلم. والسيد بن مالك.
وعائذ بن مالك. وتيم بن مالك وهما التوأم- وأمهم السؤوم بنت الحارث بن عبد مناة بن كنانة.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 333.(11/362)
فولد ذهل بن مالك بن بكر:
بجالة.
وصبح. وتيم. وخزيمة درج.
فولد بجالة بن ذهل:
كعب بن بجالة.
وضبيعة بن بجالة.
وحنبل بن بجالة. وربيعة درج، وأمهم جرثم بنت ثعلبة بن ذؤيب بن السيد بن مالك.
فولد كعب بن بجالة بن ذهل:
زيد.
وهاجر. وكوز. وعبد الله.
فولد زيد بن كعب بن بجالة:
مالك بن زيد.
وعمرو بن زيد، وأمهما بنت عبد بن عبيد بن نصر بن عائذة بن مالك وهي النعام.
فولد مالك بن زيد بن كعب: قطن. وأفلت.
فولد قطن بن مالك بن زيد: شبابة.
وولد أفلت بن مالك بن زيد: فلان بن أفلت، اسمه فلان.
وربيعة بن أفلت. وعمرو بن أفلت.
فمن بني مالك بن زيد بن كعب بن بجالة بن ذهب بن مالك بن بكر: ضرار بن عمرو، وعمرو هو الرديم بن مالك بن زيد،
رأس فطالت رئاسته وقال لابنته وأنكحها معبد بن زرارة: يا بثينة أمسكي عليك الفضلين: فضل الكلام، وفضل الغلمة.
وشهد ضرار يوم القرنتين [1] ،
وكان خبره أن النعمان بن المنذر جهز أخاه لأمه وهو وبرة بن رومانس بن معقل الكلبي- من بني عبد ود، وأمهما سلمى بنت وائل بن عطية، من أهل فدك وهو الصائغ- في جيش عظيم
__________
[1] بهامش الأصل: يوم القرنتين. والقرنتان موضع على أحد عشر ميلا من فيد للقاصد مكة.
معجم البلدان.(11/363)
جمعهم من معد وغيرهم، وأرسل إلى ضرار بن عمرو الضبي وهو الرديم- سمي رديما لأنه ردم ردما بأرض قومه، ويقال: إنه كان في حرب فسد موضعا فيها عن جماعة من قومه فقيل الرديم والرادم- وكان يومئذ شيخا كبيرا فأتاه في تسعة من ولده كلهم قد رأس، وقاد جيشا وبلي قتاله، وأتاه حبيش بن دلف أحد بني السيد، وكان أحد فرسان العرب المعروفين وكان آدم نحيفا، فبعث معهم عيرا له إلى مكة، وقال لهم النعمان: إذا فرغتم من أمر العير فعليكم ببني عامر فإنهم قريب منكم. فلقوهم حين فرغ الناس من سوق عكاظ، ورجعت قريش إلى مكة، فزعموا أن عبد الله بن جدعان بعث إلى بني عامر من آذنهم بالجيش، فلقوهم بالقرنتين على حذر، ورئيس الناس أخو النعمان والضبيون معه وغيرهم، وبنو عامر متساندون، فلما رأى عامر بن مالك أبو براء ما يصنع ضرار حمل عليه فطعنه فصرعه، وحامى عليه بنوه وأحاطوا به حتى ركب وكان عليه درعان فلم تعمل فيهما الطعنة، ثم حمل على حبيش بن دلف الضبي فأخذه أخذا عن فرسه فافتدى نفسه بأربعمائة بعير، وأسر وبرة أخو النعمان ورجعت عيون النعمان بما لقي ذلك الجيش وأخبر أن أخاه أسر في أول وهلة فلما انصرف ضرار قال له النعمان:
بلغني أن وبرة أسر وأنك قمت بأمر الناس وطعنت فسلمت فكيف هذا؟
قال: نجاني الأجل وإكراهي نفسي على الحق الطوال يعني أمهات أولاده الذين حموه، وافتدى وبرة نفسه من يزيد بن الصعق، وهو كان أسره بألف ناقة صفراء وقينتين وحكمه في أمواله، ومكث يَزِيدَ بْن عَمْرو بْن خويلد بْن نفيل بن عمرو بن كلاب، وهو يزيد بن الصعق. وكان يقال لخويلد:
الصعق، وقعت عليه صاعقة فأحرقته بعد يوم القرنتين، ثم هلك فرثاه(11/364)
طفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب فقال:
إذا أنتم أبتم قبلنا ... إلى الحي فانعوا أبا عابس
يزيد بن عمرو لإخوانه ... وللضيف يطرق والبائس
وللخيل تحسبها شرياتها [1] ... ذي صدور قنا يابس
وقال يزيد بن عمرو بن خويلد وهو الصعق:
تركت أخا النعمان يرسف عانيا ... وجدّعن مرا [2] والملوك الصنائعا
تركنا حبيشا حين لاقاه بأسنا ... يعالج مأسورا لدينا الجوامعا
ويقال إن حبيش بن دلف قتل يوم القرنتين، وهو قول الكلبي، وكان ولد ضرار بن عمرو يوم القرنتين معه وهم ثمانية عشر: حصين بن ضرار. وعمرو بن ضرار. وعبد الحارث بن ضرار. وعامر بن ضرار.
وأدهم بن ضرار. ودلجة بن ضرار. وجبار بن ضرار. ومنذر بن ضرار.
وقبيصة بن ضرار. وحنظلة بن ضرار. وقيس بن ضرار. والحارث بن ضرار. وحسان بن ضرار. وسلمة بن ضرار. وهند بن ضرار. وكان المنذر بن حسان بن ضرار من وجوه أهل الكوفة فخطب إليه عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي ورجل من ضبة فزوج الثقفي، ورد الضبي فقال:
ما كان في القوم الذين تتابعوا ... على اللوم إذ باعوا أمامة من فقر
لقد كنت أدنى لو رعى ذاك منذر ... وأقرب رحما من حليف بني نصر
يريد الذي بين ثقيف وبين نصر بن معاوية.
قالوا: وكان شتير بن خالد بن نفيل بن عمرو بن كلاب، ويقال
__________
[1] الفرس في سيره بالغ فهو شريّ، والشرية: الطريقة والطبيعة ومن النساء اللاتي يلدن الإناث. القاموس.
[2] بهامش الأصل: يعني مرّ بن أد.(11/365)
شتير بن عنبة بن خالد بن نفيل، لقي رجلا من ضبة يقال إنه حصين بن ضرار فأراد شتير أسره فعجل رجل ممن معه فرماه فقتله، وبلغ الخبر ضرار بن عمرو فركب فيمن معه من قومه فسأل عن بني كلاب فأخبر أنهم بغول، وهي من بلاد بني عامر، فأغار عليهم فاقتتلوا فأسر شتير بن خالد، وقتل ابن عم له، وقدم ضرار شتير فضربت عنقه، ويقال إنه قتله عبد الحارث بن ضرار، فقال الفرزدق:
وهن على خدي شتير بن خالد ... أثير عجاج من سنابكها كدر
[1] فولد حصين بن ضرار بن عمرو: زيد الفوارس بن حصين بن ضرار، وأمه زهرة بنت سويد، ضبية، وهرثمة بن حصين وهو أخو زيد لأمه أسرته بنو قيس بن ثعلبة ففداه أخوه زيد، وأدرك الإسلام وهاجر إلى البصرة، وولده بالبصرة كثير.
فقال الذي أسر هرثمة:
أهرثم لا منّا عليك ولا فدى ... أودت ولكن كنت للود راعيا
حبوت بها زيدا على بعد داره ... وما أملت نفسي هناك الأمانيا
ويقال إنه بعث به إلى زيد أخيه بلا فداء.
وأما زيد الفوارس بن حصين بن ضرار صاحب محرق، وخبره أن محرقا الغساني، وهو الحارث بن عمرو بن عامر أخو جفنة بن عمرو، وسمي محرقا لأنه أول من أحرق وعذب بالنار، وكان حرق نخلا باليمامة، جمع جيشا عظيما من أحياء العرب، إياد وغيرها، فمر ببني تميم فاستقبلوه وأعطوه الأتاوة، وهي من كل رجل للسنة جراب من أقط، ونحي من
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 253.(11/366)
سمن، وجزة من صوف، وكبش، ثم مر ببني ضبة فأرادهم على أن يؤدوا مثل ذلك فأبوا ونادوا فيمن غاب عنهم من قومهم فاجتمعوا، وشهد ذلك اليوم زيد الفوارس بن حصين بن ضرار، فاقتتلوا مليا من النهار أشد قتال:
فأسر زيد الفوارس محرقا وأسر هنيء بن حبيش بن دلف أخا محرق، ويقال أسره حبيش نفسه، فلبثا فيهم أياما ثم قدمهما زيد الفوارس فقتلهما واستنقذ قوما من طيّئ كانت لهم به حرمة، وضرب يومئذ زيد على شماله وعلى رجله فلذلك عزم على قتل محرق وأخيه، وفي ذلك يقول ربيعة بن مقروم الضبي الشاعر:
ويوم تخمط الملك ابن عمرو ... كسونا رأسه عضبا شنينا
وقال الفرزدق:
ومحرقا جمعوا إليه يمينه ... بصفاد مغتصب أخوه مكبل
ملكين يوم بزاخة قتلوهما ... وكلاهما تاج عليه مكلل
[1] ويقال لهذا اليوم يوم بزاخة، ولم يجتمع سعد بن زيد مناة بن تميم والرباب على أحد غير زيد الفوارس.
قالوا: وغزا بنو سعد ومعهم بنو ضبة والرباب ورئيسهم زيد الفوارس، بني بكر بن وائل بالخوع فنذرت بهم بكر فاقتتلوا قتالا شديدا، فبينا هم يقتتلون أثبت المسلب أحد بَنِي تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عُكابة بْن صَعب بْن عَلِي بْن بَكْر زيد الفوارس فقصد له فرماه فقتله، وهزموا بكر بن وائل بعد مقتل زيد وقتلوا المسلب قاتل زيد وقتلوا أخاه أبا عمرو، وقتلوا عمرو بن همام، فقال رجل من ضبة.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 158.(11/367)
نحن قتلنا المسلبين كليهما ... وعمرو بن همام وبشر بن حابس
وعمرو بن هند قد تركنا مجندلا ... تعفى عليه العاصفات الروامس
قتلنا عداء خمسة من سراتهم ... بواء فما أوفوا بزيد الفوارس
وأغارت بنو ضبة على ابن سبيع بن الخطيم التيمي، فأتى زيدا فشكا ذلك إليه فلبس لامته وأخذ رمحه ونادي: يال ذهل، وهم قومه، فأجابوه فانتزع الإبل وردها على ابن سبيع.
ومن ولد زيد الفوارس: ضرار بن حصين بن زيد، كان قتيبة ولاه أمر بني تميم بخراسان والبادية. ولحيان بن ضرار أخي زيد الفوارس عقب بالبصرة والكوفة والبادية.
وأما قبيصة بن ضرار فقتله بنو ثعلبة بن سعيد بن ضبة لشر كان بينهم. وقتلت بنو ثعلبة أيضا حكيم بن قبيصة قبل أبيه فقال قبيصة:
فهل أنا إن تركت لكم حكيما ... مضلي الموت يوما إن أتاني
وله عقب بالبصرة والبادية، وفي قبيصة تقول جعدة بنت ضرار أخته.
ما بات من ليلة مذ شد مئزره ... قبيصة بن ضرار وهو موتور
لا تقرب الكلم العوران مجلسه ... ولا يذوق طعاما وهو مستور
ومن ولده بالبادية رجل يقال له عمرو بن الحارث كان له فضل وسؤدد.
وأدرك حنظلة بن ضرار الإسلام وطال عمره حتى أدرك يوم الجمل.
وقيل له: ما بقي منك؟ فقال: أذكر القديم وأنسى الحديث، وآرق في الخلاء وأنام في الملإ.(11/368)
ومنهم: المنذر بن حسان بن ضرار شرك في دم مهران الفارسي يوم النخيلة، في أيام عمر بن الخطاب، فأعطي بعض سلبه.
وسلمة بن عمرو بن ضرار، شهد فتح الري.
ومنهم: عبد الله بن شبرمة [1] بن الطفيل بن هبيرة بن المنذر بن حسان بن ضرار،
ولي قضاء الكوفة وسوادها لأبي جعفر أمير المؤمنين، وكان فقيها نبيلا، وكان صديقا لابن المقفع فزعموا أنه قال: الرائد رائدان:
رائد يكذب، ورائد لا يكذب، فأما الكاذب فسلم بن قتيبة أطلعته مني على خلة فاغفلني، ومر بي ابن المقفع وأنا ملزوم فصفحني ومضى، فقيل لي:
هذا صديقك مر بك وأنت على هذه الحال فلم يعرج عليك. فقلت: أنا به واثق وإن وراء هذا من أمره لخير. فلم ألبث أن أتاني غلامه بحقة فيها حلي ذهب وجوهر ثمين فقال: يقول لك سيدي إني رأيتك على تلك الحال فغمني أمرك، ولم أكن على ثقة من أن هذا في منزلي حتى أخبرني أهلي أنه عندهم وجاؤوا به لي إذ شكوت إليهم اهتمامي بأمرك فبعه واقض دينك، واستعن بباقي ثمنه على دهرك. وكان عبد الله بن شبرمه يكنى أبا شبرمه وهو القائل:
هذا الزمان الذي كنا نحذره ... في قول سعد وفي قول ابن مسعود
إن دام ذا العيش لم نحزن على أحد ... منا يموت ولم نفرح بمولود
فقال ابن شبرمة: مواضع الصمت المحمود قليلة ومواضع الكلام المحمود كثيرة.
وروي عنه أنه قال: عجبا لمن يحتمي من الطعام مخافة الداء كيف لا يحتمي من الذنوب مخافة النار.
__________
[1] بهامش الأصل: ابن شبرمة.(11/369)
وقال: رأس المروءة صلة الرحم، ومن آثر بصلة غير ذوي رحمه ومنعهم فضله كان كمن لبس لباس الرأس في الرجلين ولباس الرجلين في الرأس.
وكان يقول: إياك وعزة الغضب فإنها تحوجك إلى ذلة الاعتذار.
وكان يقول: الرأي ضالة فاستدلل عليها بالمشاورة.
وقال ابن شبرمة: ليس حسدك صاحبك أن تتمنى مثل نعمته، ولكنه أن تتمنى زوالها عنه.
وكان يقول: من حسن خلقه لم تملل معاشرته.
وحدثني عبد الله بن صالح عن أبي زبيد قال: قال ابن شبرمه: ما عرفت من رجل كذبا إلا استوحشت من النظر إليه فضلا عن استماع كلامه وحديثه.
ومات عبد الله بن شبرمه بالكوفة سنة أربع وأربعين ومائة.
وروي عنه أنه قال: ما طولب كريم بمثل التأني والرفق.
والقعقاع بن شبرمه، ويزيد بن القعقاع بن شبرمه.
ومنهم: مثجور بن غيلان بن خرشة بن عمرو بن ضرار بن عمرو،
كان شريفا عالما بأنساب الناس وأيامهم، وكان الحجاج ولاه ابن قباذ، ثم قدم عليه وقد بنى الديماس فقال: أدخلوه إياه حتى ينظر إليه، فأدخلوه فلما خرج منه قال: كيف رأيته؟ قال: مدخل سوء. قال: فلا تعرض نفسك له. قال: والله لا أدخله أبدا. فقال: ارجع إلى عملك، فانكسر عليه خراج من خراجه لاعتلال أهل الخراج فيه عليه وادعائهم مظالم امتنعوا لها من الأداء، فلما انتشر أمره واستبطأه الحجاج هرب إلى جنديسابور بالأهواز(11/370)
فاستخفى عند موسى بن يزيد الأسواري وتزوج ابنة امرأته، وبلغ الحجاج مكانه فبعث في حمله فهرب فأخذ الحجاج موسى فقطع يديه ورجليه، ونجا مثجور فأتى المدينة ونزل قصر المطرف، وهو عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، فبعث الحجاج إلى عثمان بن حيان المري، وهو والي المدينة في طلبه وإشخاصه إليه فبحث عنه، وأخبر أنه في دار المطرف، فهجم في أصحابه فوجد مثجورا يقرأ في مصحف فأفلت من أيديهم فأخذوا امرأته ليقتلوها فصاحت: يا مثجوراه فخرج عليهم مثجور بالسيف وهو يقول:
لقد حذرت لو نجا يوما حذر ... والله ما ينفعني يوما أفر
والموت خير لي من وال أشر
وقاتل حتى قتل، فاحتز عثمان بن حيان رأسه فبعث به إلى الحجاج، فأمر الحجاج بإدخال رأسه الديماس وقال: احنثوه وأمر به بعد ذلك فنصب وصلبت جثة مثجور بالمدينة فقال القلاخ [1] :
أمثال مثجور قليل ومثله ... فتى الصدق إن صفقته كل مصفق
وما كنت أشريه بدنيا كثيرة ... ولا بابن خال بين غرب ومشرق
فإن يأخذوا أوصاله يصلبونها ... فلن يدركوا الأرواح جسم محلق
وادعى المطرف على عثمان بن حيان وأصحابه أنهم حين هجموا أخذوا دروعا له، فقال عثمان: وما دروعك يا منكوح، إنما هي دروع النساء، فلما عزل عثمان اقتص له منه، وقد كتبنا خبر المطرف في نسب ولد عثمان رضي الله تعالى عنه.
__________
[1] هو القلاخ بن حزن المنقري. انظر حماسة أبي تمام ص 556. الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 444.(11/371)
وقال الحجاج لمثجور: أخبرني عن قومك فقال: بنو حنظلة أكرمنا وفودا وأحسبنا جدودا. وبنو عمرو بن تميم أعظمنا أحلاما وأكثرنا حكاما.
قال: فما بقيت لكم معشر الرباب؟ قال: نحن أحدها رماحا وأحسنها صفاحا.
وكانت لمثجور ابنة يقال لها منيعة تحت قتيبة بن مسلم، فأمره الحجاج بطلاقها فطلقها، فتزوجها مخلد بن يزيد بن المهلب فمات قبل أن يبني عليها، ثم تزوجها محارب بن مسلم بن زياد، وكان الحجاج يذكر مثجورا فيقول: لعن الله ابن الحباق، وذلك أن غيلان بن خرشنة أباه كان أثيرا عند الولاة وعند زياد خاصة، فإنه لعنده ذات يوم إذ حبق غيلان، فتغافل القوم عنه، وأقبل زياد عليهم في الحديث، ثم إن غيلان قال ذات يوم لرجل من ثقيف: أشرب الخمر أفسد عينيك؟ قال: لا ولكنه أفسدها حبقك عند أميرك، وكان الأحنف حاضرا فقال له: ذق غيلان.
وكان غيلان بن خرشنة يكنى أبا معدي كرب وكان حلف ألا تتبكر له امرأة بجارية إلا طلقها، فقال فيه بعض من خطب إليه:
أقبلت توضع بكرا لا خطام له ... حسبت ريطة عندي بيضة البلد
انك من خاطب أهل لمشتمة ... إذ هب فلا تخطبن بعدي إلى أحد
وتزوج بعض بنات زياد فجاءته بابنتين في بطن وهما: أم الفضل، وأم عاصم، فدخل على عبيد الله بن زياد وهو كاسف البال فقال له: مالك يا أبا معدي كرب؟ قال: صبحت بابنتين وفارقت أعز أهلي علي فأمر له ولأمرأته وابنتيه بمال.
فأما أم الفضل فتزوجها دَاوُد بْن قحذم، أحد بني قيس بْن ثعلبة، ثم(11/372)
خلف عليها يزيد بن المهلب، فولدت له مخلدا. وأما أم عاصم فتزوجها أبو حاصر الأسيدي، ثم تزوجها عيسى بن خصيلة ثم تزوجها سليمان بن عباد، فمضى بها إلى عمان.
ومنهم الرقاد بن المنذر بن ضرار
الذي يقول فيه الأخضر بن هبيرة بن المنذر:
إني امرؤ عمي الرقاد بن منذر ... وحسان والشيخ الرئيس المخاصم
وكان الرقاد شاعرا.
وولد كوز بن كعب بن بجالة:
منقذ بن كوز.
فولد منقذ: حنين بن منقذ. ومسعود بن منقذ. منهم المسيب [1] بن زهير بن عمرو بن جبيل بن الأعرج بن ربيعة بن مسعود بن منقذ بن كوز صاحب شرط أبي جعفر أمير المؤمنين المنصور، وإليه تنسب المنارة بقرب باب الكوفة ببغداد، وابنه زهير بن المسيب قتل ببغداد، وربط بحبل وجر في الطرق، وذلك في فتنة محمد بن هارون الرشيد المعروف بابن زبيدة، ومحمد وهو المخلوع قتله طاهر بن الحسين حين وجهه إليه المأمون أمير المؤمنين أخوه من خراسان.
وولد هاجر بن كعب بن بجالة:
زيد بن هاجر. وعبيد بن هاجر.
وأسيد بن هاجر.
منهم علقمة بن موهوب بن عبيد بن هاجر كان فارسا من فرسان ضبة في الجاهلية. ووهب بن موهوب وكان مع زيد الفوارس طليعة يوم لقيت طيّئ، وفيهم قيس بن أوس فقال زيد:
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة ولله كل حمد وفضل.(11/373)
دعاني ابن موهوب على شيء بيننا ... فقلت له إن الرماح مصائد
وقلت له كن عن يميني فإنني ... سأكفيك إن زاد المنية زائد
وولد ضبيعة بن بجالة بن ذهل:
هلال بن ضبيعة. وعامر بن ضبيعة. ومرة بن ضبيعة. منهم هبيرة بن الأشعث بن عبد الرحمن بن عصم بن عامر بن هلال بن ضبيعة بن بجالة كان شريفا.
ومنهم معبد بن سعنة من بني هلال بن ضبيعة بن بجالة، وهو ابن رميلة الشاعر، وكان ممن حبس بالمشقر [1] زمن الصفقة [2] ، فهلك هناك وكان كسرى بن هرمز أبرويز كتب إلى باذام صاحبه باليمن في البعثة إليه بما أمكنه من برودها وطرائفها ففعل ووجه إليه بعير فيها طرف وهدايا وجوهر وعنبر، فوثبت عليها بنو تميم فانتهبتها وقتلت من كان يبذرقها من الأساورة، وذلك بحمض، وهو ماء لبني كنانة بن سعد رهط العجاج، وكانت بينهم فيها حرب شديدة. ويقال لليوم أيضا يوم نطاع، ويقال إن كسرى كان بعث أيضا بعير تحمل أشياء من طرف العراق لتباع ويشترى له بثمنها الأدم وغيره مما بالحجاز وما يردها من الشام وغير الشام، فأنهبوها فكتب إلى صاحب البحرين أن إذا كان الزمان الذي يحضر فيه بنو تميم للقاط النخل والثمر أن يجمعهم ويطعمهم حتى إذا أدخلتهم حصن المشقر لم تدع عينا تطرف، ففعل فكان الرجل إذا دخل المشقر أخذ سيفه فلما اجتمعوا صفق عليهم
__________
[1] المشقر: حصن بين نجران والبحرين، وقيل المشقر: حصن بالبحرين عظيم لعبد القيس. معجم البلدان.
[2] يعرف يوم الصفقة أيضا باسم يوم الكلاب الثاني. انظر أخباره في العقد الفريد لابن عبدربه ج 6 ص 68- 75.(11/374)
الباب فقتلوا إلا من نجا ومن استبقي من الغلمان فحملوا إلى كسرى فاستخدمهم.
وولد صبح بن ذهل بن مالك:
عصم بن صبح. وهاشة بن صبح.
وعريف بن صبح. وشفاء بن صبح. وتيم بن صبح. والحارث بن صبح.
وولد تيم بن ذهل بن مالك:
منقذ بن تيم. والحارث بن تيم.
وولد عائذة بن مالك بن بكر:
نصر بن عائذة. وقيس بن عائذة.
منهم شرحاف بن المثلم بن علباء بن قيس بن عائذة، الذي قتل عمارة بن زياد العبسي أخا الربيع بن زياد العبسي، قال الفرزدق:
وهنّ بشرحاف تداركن دالقا ... عمارة عبس بعد ما جنح العصر
[1] وكان يقال لعمارة: دالق.
ومنهم الهويجة بن بجير بن عامر بن سفيان بن أسيد بن زائدة بن حصين بن شبيب بن عبد قيس بن علباء بن عائذة، قتل يوم مؤتة فيقال إن جسده فقد.
وولد السيد بن مالك بن بكر:
ذؤيب بن السيد، فيه العدد.
وغيظ بن السيد. وحيي بن السيد.
فولد ذؤيب بن السيد: ثعلبة بن ذؤيب. وذكوان بن ذؤيب.
وولد ثعلبة بن ذؤيب بن السيد: شيم بن ثعلبة. وحرثان بن ثعلبة.
وعامر بن ثعلبة. وشيبان بن ثعلبة.
فولد شيبان: غضبان بن شيبان. وربيعة بن شيبان. وبلال بن
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 253.(11/375)
شيبان. منهم ظالم بن غضبان الذي يقول له الشاعر الضراري [1] :
إن تك يا ظالم الديان في مدر ... فاننا معشر لا نبتني الطينا
ومنهم زيد بن حصين بن زهير بن نضلة بن خولي بن نضلة بن ظالم، ولي أصبهان، ويقال الري فأتاه ابن عم له ضبي فجفاه فقال:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة ... وإذ نعلاك [2] من جلد البعير
فلست مسلّما مادمت حيا ... على زيد بتسليم الأمير
فسبحان الذي أعطاك ملكا ... وعلمك القعود على السرير
ثم دعاه فوهب له بغلا فقال:
قد قلت لما أتى بالبغل قيمه ... لا بارك الله في زيد وما وهبا
أعطاني البغل لما جئت زائره ... وأمسك الفضة البيضاء والذهبا
وولد حرثان بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد: وائل بن حرثان.
وقثمة بن حرثان. وعنمة بن حرثان وهو أبو عبد الله بن عنمة. وعبد الله الشاعر الذي يقول:
وخيل كريغان الجواد وزعتها ... لها سبل [3] أعراضه تتألق
وولد عامر بن ثعلبة بن ذؤيب: زبان. منهم يعلى بن عامر بن سالم بن أبي سلمى بن ربيعة بن زبان كان على خراج الري.
ومن ولده: المفضل بن محمد بن يعلى الرواية، وهو كوفي، ثم إنه شخص إلى البصرة منتظرا لخروج إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، فلما خرج وقتل هرب، فلم يزل يتنقل في البوادي فكثر كتابه عن العرب، ثم استؤمن
__________
[1] لم أقف على تعريف به بالمصادر المتوفرة.
[2] بهامش الأصل: خفاك.
[3] السبل: المطر، والأنف. القاموس.(11/376)
له فعاد إلى الكوفة، وأتى بغداد، وكان يكنى أبا عبد الرحمن.
وولد ذكوان بن ذؤيب بن السيد: الهون بن ذكوان. وعسير. منهم:
حبيش بن دلف بن الهون الفارس المقتول يوم القرنتين، وابنه هنيء بن حبيش، وكان هنيء فيما يقال أسر الحارث بن عمرو الغساني فقال الفرزدق:
خالي الذي اغتصب الملوك نفوسهم ... وإليه كان حباء جفنة ينقل
[1] ولحبيش عقب الشام، ويقال إن حبيشا نفسه قتل الغساني.
وولد حيي بن السيد بن مالك: كعب بن حيي. وربيعة بن حيي.
والأحوزي بن حيي. وزيد بن حيي.
وولد غيظ بن السيد بن مالك: عمرو بن غيظ. وعامر بن غيظ.
وبالية بن غيظ.
منهم: سهم بن المنجاب بن راشد بن أصرم بن عبد الله بن زياد- أو زياد شك هشام ابن الكلبي- ابن حزن بن بالية. وكان أحد الثلاثة الذين أوصى إليهم زياد بن أبي سفيان حين مات بالكوفة.
ومنهم: ربيعة بن مقروم الشاعر، جاهلي، وهو ممن أوقع به أصحاب كسرى يوم الصفقة، ثم عاش في الإسلام زمانا طويلا.
ومنهم: عياض بن كبير بن جابر الشاعر.
وولد عبد مناة، وهو عبد الله بن بكر بن سعد بن ضبة:
عبد الله بن عبد مناة. ومازن بن عبد مناة. ونصر بن عبد مناة.
منهم: عميرة بن يثربي بن بشر بن وحف بن أمية بن عبد غنم بن
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 158.(11/377)
نصر، قاضي عمر بن الخطاب بالبصرة، وأخوه عمرو بن يثربي قتل يوم الجمل مع عائشة، وهو القائل:
إن يقتلوني فأنا ابْن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي
ثُمَّ ابن صوحان على دين علي
وكان بشر بن وحف بن أمية الذي قتل محلم بن سيار بن الحارث بن ذهل الشيباني.
ومنهم: قيس بن عبد الله بن عسعس بن عمرو بن جساس بن عبد غنم بن نصر الذي يقول:
إني أدين بما دان الشراة به ... يوم النخيلة عند الجوسق الخرب
ومنهم: لبد بن عبد بن عبيد بن نصر بن عامر بن مازن، كان من فرسان ضبة.
ومنهم: جليلة بن ثابت بن عبد العزى بن جلاس بن عامر بن مازن، كان رديفا للملك.
ومنهم: المجذام بن عبد يغوث بن الجلاس بن عامر بن مازن بن عبد مناة، وهو عبد الله بن بكر بن سعد الذي يقول له الشاعر:
لقد لقي المجذام خيلا كثيرة ... فما طعن المجذام فيها ولا قتل
ومنهم: أنيف بن جبلة بن عمرو الشاعر، وهو فارس الشميط، وبعضهم يقول فارس السيط، والأول قول الكلبي.
وولد ثعلبة بن سعد بن ضبة:
ربيعة بن ثعلبة. وكعب بن ثعلبة.
والدؤل بن ثعلبة.
فولد ربيعة بن ثعلبة: كعب بن ربيعة. وبكر بن ربيعة.(11/378)
فولد كعب: ربيعة. ومازن. ومعاوية.
فولد ربيعة بن كعب بن ربيعة: عامر بن ربيعة. وشقرة بن ربيعة.
وزيد مناة بن ربيعة وهو جروة.
فولد عامر بن ربيعة: عمرو بن عامر. ومبذول بن عامر. وهلال بن عامر. فولد عمرو بن عامر بن ربيعة: معاوية بن عمرو. وزيد بن عمرو.
منهم: عبد الحارث بن زيد بن صفوان بن صباح بن طريف بن زيد بن عمرو بن عامر، وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسماه عبد الله.
ومنهم: حويص بن معقل بن صباح الذي يقول:
وجدت الباهلية أرضعتني ... بثدي لا أجد ولا وخيم
ومنهم: مالك بن المنتفق بن معقل بن صباح، كان بينه وبين رجلين من بني هلال بن ضبة يقال لهما: أبو الليل والجلاخ شيء، فقتلاه، ثم هربا فاتبعوهما فأدرك أبو الليل في الحرم فقتل، وأدرك الجلاخ بمصر فقتل فقال الفرزدق:
فلا يصرم الله اليمين التي سقت ... أبا الليل تحت الليل سجلا من الدم
هم فرقوا قبريهما بعد مالك ... ومن يحتمل ضغن العشيرة يندم
[1] وكان الذي قتل أبا الليل خالد بن ثوبان وهو ابن ابنة مالك.
ومنهم: عاصم بن خليفة بن معقل بن صباح، قاتل بسطام بن قيس بن مسعود الشيباني، وكان بسطام غزا بني ضبة، ومعه دليل من بني أسد بن خزيمة، فلما كان ببعض الطريق رأى رؤيا هالته: فقصها على الأسدي فتطير فهرب عنه، ودفع بسطام إلى ألف بعير لمالك بن المنتفق بن
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 200.(11/379)
معقل، وقد فقأ مالك عين فحلها فسر بها واطردها، فاستغاث مالك ببني ضبة فركبوا فلحقوا بسطاما وقد حوى الإبل وكلما اعتاصت عليه ناقة عقرها، فحاربوه ثم إن عاصم بن خليفة بن معقل رمى بنفسه على بسطام، وأخذ الرمح بيديه جميعا فطعنه طعنة لم يخطئ صماليخ [1] إحدى أذنيه، وأنفذ رمحه إلى الناحية الأخرى فخر ميتا. وكان عبد الله بن عنمة الضبي مجاورا في شيبان، ويقال إنه كان معهم في الوقعة فخاف أن يقتلوه فقال:
أحقا آل مرة لن تروه ... تخب به مواشكة ذمول
[2]
فإن يجزع عليه بنو أبيه ... فقد رزئوا ونابهم جليل
بمطعام إذا الأشوال راحت ... إلى الحجرات ليس لها فصيل
يقسم نهبه فينا وندعو ... أبا الصهباء إذ جنح الأصيل
لك المرباع فينا والصفايا ... وحكمك والنشيطة والفضول
الصفي: ما اصطفاه الرئيس، والنشيطة: ما انتشطه وأخذه سوى الصفي، ويروى النشيطة وهو ما كان في الغنيمة وحده مما لا يقسم مثل الجارية والفرس.
وقد قتلت بنو زيد قتيلا ... وما يوفى ببسطام قتيل
وأدرك عاصم الإسلام وله بالكوفة خطة وعقب.
ومنهم: الأضجم بن خناس بن عبيد بن سيف بن عبد الحارث بن طريف بن زيد بن عامر، كان سيدا.
__________
[1] الصملاخ: داخل خرق الأذن. القاموس.
[2] المواشكة: السريعة، والذمول: التي تسير الذميل، وهو سير سريع من سير الإبل. شرح حماسة أبي تمام ج 1 ص 553- 555.(11/380)
وولد شقرة بن ربيعة بن كعب: معاوية بن شقرة. وعمرو بن شقرة. ومنبه بن شقرة. منهم محلم بن سويط بن عبد بن معاوية بن شقرة وهو الرئيس الأول الذي يقول له الفرزدق:
زيد الفوارس وابن زيد منهم ... وأبو قبيصة والرئيس الأول
[1] أبو قبيصة: ضرار بن عمرو، وكناه الفرزدق أبا قبيصة وكنيته أبا عمرو.
ومنهم: معد بن عوف بن هلال بن شأس بن ربيعة بن محلم بن سويط صاحب عذاب الحجاج. ومنهم: الغطمش [2] بن الأعور بن عمرو بن عطية بن سالم بن عبد الله بن وائلة بن معاوية بن شقرة الذي يقول:
عَلَى الجوسق [3] الملعون بالري لا يني ... عَلَى رأسه داعي المنية يلمع
وولد معاوية بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة: قعين بن معاوية. ويقال قعنب بن معاوية، شك ابن الكلبي. وسلول بن معاوية.
وولد مازن بن كعب بن ربيعة بن ثعلبة بن سعد بن ضبة: لأي بن مازن.
فولد لأي: زفر بن لأي. وضبيعة بن لأي.
[سائر رجال بني ضبة]
وقال أبو اليقظان: من ضبة ثم من بني حرثان بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد: المحترب بن أوس احتكم إليه بنو رياح بن يربوع وبنو العنبر في
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 157.
[2] انظر شرح حماسة أبي تمام ج 2 ص 1190 حيث هو أبو الغطمش.
[3] بهامش الأصل بشكل شبه مطموس: يعني جوسقا هزم فيه العدو.(11/381)
ماء، يقال له أراب فقضى به لبني العنبر، وحكم على بني العنبر بإبل يدفعونها إلى بني رياح، فقالت امرأة من بني رياح:
وكانت أراب لنا مرة ... فأضحت أراب بني العنبر
وقال بعض بني العنبر:
أنا ابن جلا ليست علي غضاضة ... إذا السيد ووافتني غدا وبنو ذهل
ومنهم: نواس بن عصمة كان ذا قدر.
قال: ومنهم يزيد بن سفيان الضبي الذي ضربه الحكم بن أيوب عامل الحجاج بسبب تأخيره الصلاة، وإنكار يزيد ذلك وسنذكر خبره مع أخبار الحجاج إن شاء الله. وصاح يزيد أيضا ببلال بن أبي بردة، وبلال يخطب كما فعل بالحكم بن أيوب، فغضب بلال وهم بعقوبته فقال داود بن أبي هند: أصلح الله الأمير، الناس أربع طبقات منهم من دينه أرجح من عقله، ومنهم من عقله أرجح من دينه، ومنهم كامل العقل والدين، ومنهم ناقص العقل والدين، فرأى بلال بالطبقات ما كان يريد، فإنه لم يرد إلا الخير وكف بلال عنه.
ومن بني عامر بن ثعلبة بحير بن دلجة بن عوف، الذي عقر بجمل عائشة يوم الجمل، وذلك أنه كان كل من أخذ بخطام الجمل يومئذ قتل، فأراد أن يبرك لئلا يحتاج إلى الأخذ بخطامه. قال ويقال: إن الذي عقربها رجل من الأنصار.
قال: وكان أخوال الفرزدق من بني شييم وأمه لينة بنت فرطة، قال جرير:
محليه علي بنو شييم ... بأجدع لا يذب عن الدمار(11/382)
ترى الضحاك يمشي مزمهلا ... كأن أباه زيد بني ضرار
[1] وقال أيضا:
وما أم الفرزدق من هلال ... ولا أم الفرزدق من صباح
ولكن أصل أمك من شييم ... فأبصر وشم قدحك في القداح
ألاك الحي ثعلبة بن سعد ... ذوو الأكال والأدم الصحاح
[2] ومنهم: العلاء بن قرظة خال الفرزدق، وكان الفرزدق يقول: أتاني الشعر من قبل خالي، وهو الذي يقول:
إذا ما الدهر جر على أناس ... كلاكله أناخ بآخرينا
فقُل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كَمَا لقينا
ومنهم: حصين بن أصرم الذي قتل أرقم بن الجون الكندي في يوم جبلة، حين شد عوف بن الأحوص الكلابي على معاوية بن الجون فأسره يوم شعب جبلة وهو من بني غيظ بن السيد، وفيه يقول الفرزدق:
ويوما على ابن الجون جالت جيادهم ... كما جال في الأيدي المحزمة السمر
غداة أحلت لابن أصرم طعنة ... حصين عبيطات السدائف والخمر
بها فارق ابن الجون ملكا وسلبت ... نساء على ابن الجون جدعها الدهر
[3] ومنهم: المنجاب بن راشد صاحب حمام منجاب بالبصرة الذي يقول فيه القائل:
يا رب قائلة يوما وقد لغبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب
__________
[1] ليسا في ديوان جرير المطبوع. والمزمهل: المنتصب. القاموس.
[2] ديوان جرير ص 82 مع فوارق.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 253- 254 مع فوارق.(11/383)
وفي مولاه معاذ الأعور بن سعيد يقول الفرزدق:
فتى من بني غيظ كأن جبينه ... حسام جلى عنه فأبلغ صيقل
[1] ومن بني السيد عمرو بن عفرى، وكان عنينا، وكان يتحدث إلى النساء، فبلغ ذلك الحجاج فغضب فقال له مثجور بن غيلان بن خزيمة:
إنه عجيز أصلح الأمير، فأمسك عنه.
وكان عمرو بن عفرى عند بعض أخوة قتيبة، فدخل الفرزدق فلما خرج من عنده قال لعمرو بن عفرى: كم ترى أن نعطيه؟ قال: وما تعطي مثله؟ أعطه مائة درهم، فقال الفرزدق:
نهيت ابن عفرى أن يعفر أمه ... كعفر السلى إذ جررته ثعالبه
ولو كان ضبيا عفوت ولو سرت ... على قدمي حياته وعقاربه
ولكن ديافي أبوه وأمه ... بحوران يعصرن السليط قرائبه
إذا ما أتى الدهنا نعته جبالها ... وقالوا ديافي من الشام جانبه
تعودت مال الباهلي كأنما ... تحوط به المال الذي أنت كاسبه
[2] وقال كانت معاذة بنت ضرار بن عمرو الضبي عند معبد بن زرارة.
قال: ومن بني كوز: عامر بن شقيق وهو الذي طعن الهذيل التغلبي قبل أن يؤسر يوم ذي بهدى [3] ، وفيه يقول الهذيل التغلبي [4] :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... على ظفر من عامر بن شقيق
قال ومن بني ضبيعة بن بجالة: الحر بن منيع بن سعنة كان له قدر
__________
[1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] ديوان الفرزدق: ج 1 ص 46 مع فوارق.
[3] قرية ذات نخل باليمامة. معجم البلدان.
[4] انظر شعر تغلب في الجاهلية لأيمن محمد ميدان- ط. القاهرة 1995 ص 207.(11/384)
وفيه يقول ابن فسوة [1] :
ومختبط مال ابن سعنة ماله ... بلا نسب دان ولا بشفيع
ومنهم الشغافي، وهو أبو عمرو بن حميد بن عبد الله بن بشر بن شغاف بن المقطع بن عمرو بن هلال بن ضبيعة، وقيل إن المقطع غلب على أمة لضرار بن عمرو الضبي، فجاءت بشغاف، فجاء عبد الحارث بن ضرار فضربه ضربات فسمي المقطع.
قال: وكان بدر بن حمراء الضبي ولد: صبح ذا قدر في الجاهلية، وخلف على امرأة الأحنف بعده وبعث إليه:
لأمنعنك من شيء هممت به ... إن الغزال الذي ضيعت مشغول
يقول لا تنتظر أن اطلقها فتتزوجها. فبعث إليه الأحنف:
فلست واجدَ عشب مُؤنقٍ أنِف ... إلّا كثيرًا به الرواد مأكول
ومن بني ضبة: القاسم بن عبد الرحمن بن صديقة، كان بديا عالما بالقضاء، وكان يرى رأي الصفرية، وكان مالك بن المنذر استعمل إسحاق بن يحيى وابن عيسى أحد بني ذهل بن ضبة على فساق أهل البصرة، فأخذ الفرزدق وهو متوار من خالد بن عبد الله القسري، فرفعه إلى خالد فقال الفرزدق:
لو كنت ضبيا عرفت قرابتي ... ولكن زنجيا عظيما مشافره
أناشده بالرحم بيني وبينه ... ويأبى عليه لونه ومناخره
[2]
__________
[1] هو عتيبة بْنَ مِرْدَاسٍ، أَحَدَ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْن تميم، شاعر مقل من الفحول، مخضرم ممن أدرك الجاهلية والإسلام. الأغاني ج 22 ص 227.
[2] ليسا في ديوانه المطبوع.(11/385)
وكان إسحاق أيضا على الفساق زمن سلم بن قتيبة فقتله روح بن حاتم.
ومنهم عبد الرحمن بن مسعود وأمه أم الهيثم من بني ناجية، وهي التي يقول فيها الفرزدق:
يا أخت ناجية بن سامة إنني ... أخشى عليك بني إن طلبوا دمي
[1] ومنهم بكار بن حدير، كان خليفة الحكم بن يزيد، وهو على شرط البصرة.
ومن بني ضبة: البزيغ بن خالد، قتل مع ابن الأشعث في الجماجم، وسمع الحجاج يقول: خليفة أحدكم أكرم عليه من رسوله فقال: لله علي لا أصلي خلفه أبدا، وإن رأيت من يجاهده لأجاهدنه معه فخرج مع ابن الأشعث فقتل.
ومنهم: سلمان بن عامر [2] أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي كان يفعل ويفعل. قال: «كان يقول لا إله إلا الله» ؟ قال: لا. قال:
«فأبوك في النار» . قال: أفرأيت ما كان يفعل؟ قال: «يكافأ به عقبه» .
وسلمان بن عامر الَّذِي روى عَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال: « [صدقة الرجل على قرابته صلة وصدقة] » .
وحدثني عبد الواحد بن غياث عن حماد بن سلمة عن هشيم. وأيوب عن ابن سيرين عن سلمان: وأم مالك بن مسمع عوذة بنت يزيد من بني ثعلبة بن يربوع، وأمها أخت سلمان بن عامر الضبي.
__________
[1] ديوان الفرزدق: ج 2 ص 225.
[2] بهامش الأصل: سلمان بن عامر رحمه الله.(11/386)
قال: ومن بني ذهل: هرثمة الذي يقول له البردخت العكلي:
سبحان من سبح السبع الطباق له ... حتى لهرثمة الذهلي بواب
قال: ومنهم المثلم بن عامر كان فارسا.
قال: ومنهم المسجاح بن سباع الذي قتل ابن الصامت العبسي في الجاهلية.
ومنهم خنبش الذي يقول فيه الفرزدق:
لو أن ما في سفن دارين [1] نسمة ... بني جارم ما طيبت ريح خنبش
[2] وجارم هو تيم اللات بن مالك بن بكر.
ومنهم: المجشر الذي يقول فيه ابن عم له قتله في شر كان بينهما:
فمن يك في قتل المجشر لا مني ... فنفسي في قتل المجشر ألوم
أردت القصاص لا أحاول غيره ... فجار شريخي بكفي مخذم
[3] قال وولد حازم باليمامة كثير، ولهم بالبصرة خطة، وكانوا مجاورين لصالح بن عبد الرحمن فآذوه، فأخرجهم إلى خراسان، فهم بها.
قال ومن ولد عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة: مزيد. وفاتك ابنا لبد وفيهما يقول عدي بن أمية بن عبد غنم بن نصر بن عامر:
أودى بنو لبد وما أودى بهم ... إلا اختلاس أسنة الأبطال
وقراع بيض الدارعين وإنهم ... نزل إذا قال الكماة نزال
والطعن حول المحجرين كأنهم ... أسد العرين حنت على الأشبال
__________
[1] دارين فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك من الهند. معجم البلدان.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.
[3] الشرخ: نصل لم يسق بعد ولم يركب عليه قائمه. وخذم: قطع. القاموس.(11/387)
ومنهم أبو سواج عباد بن خلف بن عبيد بن نصر بن عبد مناة بن بكر بن سعد، وهو الذي سقى صرد بن جمرة اليربوعي المني، وكان صرد بن جمرة رجلا جميلا منيعا له شرف، وكان يتحدث إلى امرأة أبي سواج فكان لا يقدر على منعه، فأمر غلاما له أسود يقال له نبتل فنكح امرأة له، وعزل منيه على نطع، فلما أصبح جعل ذلك المني في عس ثم حلب عليه، وقال لغلامه إذا جاء صرد بن جمرة فاستقى فاسقه ما في هذا العس ففعل، فلما فرغ منه قال: ما لشرابك هذا يتمطط تمططا، ثم انصرف إلى منزله فمات، فقال جرير يعير الأخطل بالخمر، فأجابه الأخطل فقال:
تعيب الخمر وهي شراب كسرى ... ويشرب قومك العجب العجيبا
مني العبد عبد بني سواج ... أحق من المدامة أن تعيبا
[1] وقال الكلبي كان أبو سواج مجاورا لبني يربوع، وقال الفرزدق:
ولئن حبلت لقد شربت رثية ... ما بات يجعل في الوليدة نبتل
[2] الرثية من اللبن رائب يصب عليه حليب.
وقال أبو اليقظان: ومنهم أنيف بن جبلة بن عمرو، وكان يعرف بفارس الشميط ويقال الشيط وله عقب بالبادية.
ومنهم بشر بن وحف بن أمية، كان فارسا، من ولده عمرو بن بشر، كان على الرباب يوم الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها، فقتل علباء بن الهيثم السدوسي، وهند الجملي من مراد، وزيد بن صوحان العبدري، فضربه عمار بن ياسر على رجله، ثم أتي به علي عليه السلام كرم
__________
[1] ديوان الأخطل ص 55- 56.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.(11/388)
الله وجهه، فقتله صبرا فجعل يقول:
إن يقتلوني فأنا ابْن يثربي ... قاتل علباء وهند الجملي
ثُمَّ ابن صوحان على دين علي
وله عقب بالبصرة، وكان ابنه محمد بن عمرو سريا مطعاما ينادي مناديه في كل يوم: هل من آكل مع آكل؟
وأما عميرة بن يثربي فقضى لعبد الله بن عامر على البصرة، ولا عقب له.
ومنهم عدي بن أمية بن عبد غنم بن عصم بن نصر، كان له يوم الجفار غناء ورئاسة.
ومن ولده: بيان بن ضمرة، شهد القادسية له عقب بالكوفة، وبطبرستان والسند.
ومنهم حكيم بن عاصم ولاه المهدي ثغر أرمينية.
ومن بني عبد مناة بن بكر بن سعد: عمير بن الأهلب، شهد الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها وله خبر قد كتبناه.
ومنهم صفوان بن صباح بن طريف كان يقال له سقاء اللبن وكان يباري زرارة بن عدس في سقية اللبن، وابنه زيد بن صفوان، وكان قتل زيد بن همام اليربوعي فقالت ابنة عمرو:
قتيل ما قتيل بني صباح ... إذا افترش النواحي بالنواحي
ألا لا تأخذوا لبنا ولكن ... أذيقوا قومكم حد السلاح
وإن لم تثأروا زيدا بعمرو ... فلا درت لبون بني رباح
وابنه الحصين الذي ذكره الفرزدق فقال: وابن زيد منهم.(11/389)
ومن ضبة: جوين بن ظهير ربع ستين مرباعا، وقسم ألف ناقة وكأسه في يده قبل أن يشربها فقال العلاء بن قرظة خال الفرزدق:
ومنا جوين جاد من غير خبثة ... بستين مرباعا وألف مصمم
فقسم عرجا كأسه فوق كفه ... وآب بنهب كالفسيل المكمم
[1] .
العرج: ألف من الإبل.
ومنهم: الحنتف بن السجف بن بشير بن الأدهم بن صفوان بن صباح قاتل ابني هتيم: عامر، وطارق من بني عامر بن كلاب، فقال الفرزدق:
ونحن قتلنا ابني هتيم وأدركت ... بجيرا بنا ركض الجياد الصلادم
[2] قال: ومنهم مالك بن المنتفق، وكان له طعام يدعو عليه، ولا يدعو عاصم بن خليفة فيمن يدعو، إذ أغار بسطام بن قيس على إبل المنتفق، فحمل عليه عاصم فقتله، وقال للمنتفق: هذا وللطعام لا تدعوني.
وكان مالك يكنى أبا سيف، وكان له ألف بعير.
قال: ولعاصم بن خليفة قاتل بسطام بالكوفة ولد وخطة، وقد حسن إسلامه.
قال: وبنو صباح رماة.
قال والذي قتل المسلمين من بني تيم اللَّه بْن ثعلبة بْن عكابة يزيد الفوارس بن جوين بن الحر بن جوين.
وكان القعقاع بن عمارة من بني ضرار فقيها.
__________
[1] الفسيل: قضبان الكرم للغرس، والفسيلة: النخلة الصغيرة، وكمت النخلة فهي مكموم، والفسيل أشفق عليه فستر حتى يقوى. القاموس.
[2] ديوان الفرزدق: ج 2 ص 315.(11/390)
ومن بني عبد مناة بن بكر بن سعد بن ضبة: جرير بن عبد الحميد المحدث الرازي، انتقل إلى الري، وكان يكني أبا عبد الله ومات بالري.
ومن بني عبد مناة بن بكر بن سعد: سلمة بن راشد، ولاه هارون الرشيد قضاء همذان.
ومن بني عائذة: عمار بن سيف، وكان عابدا، يكنى أبا عبد الرحمن أوصى إليه سفيان الثوري في كتبه، فأنفذ وصيته فمحاها ثم أحرقها.
ومن بني ضبة: هلال بن هرمي كان له قدر عند الحجاج، وولاه جيش بآبي، وكان فرض فرضا من أهل البصرة فكانت الأمهات والأخوات يقلن للفتيان: بآبي بآبي، وأغزاه قلاع فارس.
ومن موالي ضبة: المغيرة بن مقسم، راوية إبراهيم النخعي، وكان أعمى، وهو من موالي عبد مناة. ولا عقب له.
ومن موالي بني ذهل: الفضيل بن غزوان، وابنه محمد بن الفضيل، يكنى أبا عبد الرحمن، مات سنة خمس وتسعين ومائة.
ومن موالي غيلان بن خرشة: محمد بن الطاطري، وكان شجاعا وقع إلى السند متصعلكا، فقاتل العدو، فلما قدم الحكم بن عوانة الكلبي السند قتله وصلبه، وبعث برأسه إلى هشام بن عبد الملك فقال الشاعر:
لوى عنق مصان وما تحت عنقه ... بقصة في جدع وسافر سائره
ومن موالي بني سيابة من بني ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة: أبو الصقير: وكان منزله بقرب منزل الحسن البصري، فمر الحسن بداره وهم يعملون بها فانحنت، فقال: حملت الأرض الجبال الرواسي أفتراها تعجز عن حمل دار أبي الصقير!.(11/391)
ومن موالي بني عائذة: المساور ولي الري فقال فيه الشاعر:
أتيت المساور في حاجة ... فما زال يسعل حتى ضرط
وحك قفاه بكرسوعه ... ومسح عثنونه [1] وامتخط
فأعرضت عن حاجتي رهبة ... لأخرى تقطع شرج السفط
وقال غلطنا حساب الخراج ... فقلت من الضرط جاء الغلط
ومن ضبة: الحر بن منيع أحد بني ذهل بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة منح في يوم مائة لقوح، وأعطى أولادها، ثم أهداها إلى الكعبة حتى لقحت وفصلت من العام المقبل وعليها أجلالها فنحرها وقسم جلالها، وله يقول ابن فسوة التيمي:
لعمرك إن الحر مذ شاب رأسه ... لكالفجر ما يزداد غير سطوع
وما لامرئ فضل إذا كان ذا ندى ... على الحر إن لم يأثم ابن منيع
يقول: ما لأحد عليه فضل ما لم يأثم. وقد أدرك الإسلام.
قال: ومن بني ضبة محرز بن المكعبر الضبي وكانت بنو تميم أغارت على بكر بن وائل يوم الشيطين، فانهزمت بنو تميم حين لقيت بكرا. قال:
فقال بعض العنزيين:
وما كان بين الشيطين ولعلع [2] ... لنسوتنا إلا مناقل أربع
صبحنا به سعدا وعمرا ومالكا ... فطل لهم يوم من الشر أشنع
بدهم كثيف ينشد البلق وسطه ... له عارض منه المنية تلمع
__________
[1] العثنون: اللحية، أو ما فضل منها بعد العارضين، أو ما نبت على الذقن وتحته سفلا.
القاموس.
[2] لعلع جبل كانت به وقعة لهم، ولعلع ماء بالبادية، وقيل لعلع منزل بين البصرة والكوفة. معجم البلدان.(11/392)
فرد عليه محرز بن المكعبر الضبي:
فخرتم بيوم الشيطين وغيركم ... يضر بيوم الشيطين وينفع
فإن يك أقوام أصيبوا بغرة ... فأنتم من الغارات أخزى وأوجع
ومحرز الذي يقول:
كأن دنانيرا على قسماتهم ... وإن كان قد شف الوجوه لقاء
وكانت بكر بن وائل أغارت على إبل للمكعبر، وصرم لبني ضبة، وهم جيران لبني العنبر، فاستغاثوا بمخارق بن شهاب المازني فجمع قومه، وقاتل عن الإبل حتى ردها فقال محرز بن المكعبر:
لولا الإله ولولا سعي كالئها ... وابنا شهاب عفت آثارها المود
[1] وقال أيضا لبني العنبر:
فهلا سعيتم سعي سيد مازن ... وما الناس طرا في الوفاء سواء
كأن دنانيرا على قسماتهم ... وإن كان قد شف الوجوه لقاء
ويقال إنه كان مع بني تميم.
وقال محمد بن سعد: مغيرة بن مقسم مولى ضبة، يكني أبا هاشم توفي سنة ست وثلاثين ومائة [2] .
وعبد الله بن شبرمه، ويكنى أبا شبرمة مات في سنة أربع وأربعين ومائة [3] .
ومن المحدثين أيضا: عمارة بن القعقاع بن شبرمه الضبي. ويزيد بن
__________
[1] المودي: التام السلاح. النهاية لابن الأثير.
[2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 337.
[3] طبقات ابن سعد ج 6 ص 350- 351.(11/393)
القعقاع بن شبرمه الضبي [1] .
وعبيدة بن معتب، يكنى أبا عبد الكريم [2] .
قالوا: وقال المفضل الضبي: كان عامر بن شقيق الضبي ممن طعن الهذيل بن هبيرة التغلبي يوم ذي بهدى [3] قبل أن يؤسر وتجز ناصيته ويخلى سبيله فقال الهذيل:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... على ظفر من عامر بن شقيق
وهل ألقين والحوادث جمة ... يزيدا وعمارا بدار مضيق
هما أثخنا أسري وفازا بخلعتي ... وقد شارك الشطار وابن شريق
يزيد بن حذيفة وعمار بن حذيفة من بني مرة بن عبيد، وهم أخوال جرير، والشطار وابن شريق من بني جشم. وقال جرير:
خالي الذي اعتسر الهذيل وخيله ... تردى بمعترك من الأبطال
[4] وقال المفضل: غزت بنو عامر بن تميم وضبة، وعلى ضبة حسان بن وبرة، وكان أخا النعمان لأمه، وهو كلب [5] عمله أخوه على الرباب، فأسر يزيد بن الصعق حسان، وانهزم القوم فلما رأى ذلك عامر بْن مَالِك بْن جَعْفَر بْن كلاب شد على ضرار بن عمرو الضبي فقال لابنه أدهم بن ضرار:
اغنه عني، فشد عليه فتحول من سرجه إلى جنب الدابة ثم لحقه فقال لأحد
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 351- 352.
[2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 355.
[3] تقدم ذكر هذا اليوم في ص 384.
[4] ليس في ديوان جرير المطبوع.
[5] كذا بالأصول، وسلف للبلاذري ص 363 الحديث عن هذا اليوم، وقال هناك: «أن النعمان بن المنذر جهز أخاه لأمه وهو وبرة بن رومانس بن معقل الكلبي ... » .(11/394)
ابنيه: اغنه عني، ففعل مثل ذلك فقال: ما هذا إلا ملاعب الأسنة، فسمي ملاعب الأسنة، ثم قال له ضرار: أنا أعلم أنك تحب اللبن، ولن تصل إلى مع بني. قال عامر: فأحلني فأحاله على حبيش بن دلف بن الهون، فشد عليه عامر فأسره فأعطاه مائة ناقة، وفدى حسان نفسه من يزيد بألف بعير، وهذا في يوم القرنتين.
وقال الكلبي: قتل حبيش يوم القرنتين.
ومن ضبة: عذام بن شتير.
قالوا: رمى عمر بن هبيرة الفزاري إلى عذام بخاتم له فصه فيروزج، فعقد عذام في الخاتم سيرا وطرحه إلى ابن هبيرة، وإنما أراد ابن هبيرة بعذام قول زياد الأعجم:
لقد زرقت عيناك يابن مكعبر ... كما كل ضبي من اللؤم أزرق
[1] وأراد عذام قول الشاعر:
لا تأمنن فزاريا خلوت به ... على قلوصك واكتبها [2] بأسيار
__________
[1] ليس في شعر زياد الأعجم المطبوع.
[2] كتب السقاء: خرزه بسيرين. القاموس.(11/395)
[الجزء الثاني عشر]
نسب ولد مُرّ [1] بْن أدّ بْن طابخة [بن إلياس بن مضر]
وولد مر بْن أدّ بْن طابخة:
تميم بْن مُرّ،
وأمه الحوأب بِنْت كلب بْن وبرة.
وبكر بْن مر وأمه الشُعيراء بِنْت ضبة بن أدّ، وهم فِي بني مُقاعِس يعرفون بأمهم.
والغوث بْن مرّ، وهو صُوفة، وهو الرَّبيط [2] . كان لا يعيش لأمه ولد فنذرت لئن عاش ولدها لتربطن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيطًا للكعبة، ففعلت وجعلته خادمًا فِي البيت حَتَّى بلغ، ثُمَّ نزعته فسمي الرَّبيط.
وثعلبة بْن مرّ وهو ظاعنة، وله يقول العرب: على كره ظعنت ظاعنة.
ومحارب بْن مر. وعامر بْن مر درج. وكامل بْن مرّ درج. ومازن.
وسلمة وأمهما الحّوْأب بِنْت كلب بْن وبرة، وإليها ينسب الماء الَّذِي يُقَالُ له ماء الحوأب فِي طريق مكة من البصرة. ويقال: ويَعْفُر بْن مرّ. وشبك بن مر. وإراش بن مرّ.
__________
[1] بالأصل: مرة، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه تماشيا مع المسرد العام وما ورد عند ابن الكلبي ج 1 ص 270.
[2] بهامش الأصل: الغوث، وهو صوفة، وهو الربيط أيضا.(12/7)
فأما ظاعنة فإنهم ظعنوا فنزلوا مع بني الْحَارِث بْن ذهل بْن شَيْبَان فَبَدْوهم معهم، وحاضِرهم مع بني عَبْد اللَّه بْن دارم.
وولد ثَعْلَبَة الَّذِي يُقَالُ لولده ظاعنة: فاضل بْن ثَعْلَبَة. وعبد الله.
وأما محارب بْن مرّ فولد: عوف بْن محارب. وأسلم بْن محارب.
فولد عوف: أنمار بن عوف، وهم فِي بني الهُجَيم يقولون أنمار بْن الهُجَيم.
فولد أنمار: ذِياد بْن أنمار. وعمرو بْن أنمار.
وولد أسلم بْن محارب: امرؤ القيس، وهم فِي بني زهير بْن تيم من بني تغلب، ثُمَّ انصرفوا حديثًا إِلَى قومهم.
وأما بنو الغوث بْن مُرّ فإنهم الذين كانوا يجيزون بالحاج حَتَّى فنوا ودرجوا، فتحول ذلك منهم إِلَى كرب بْن صفوان بْن جناب بْن شجنة بن عطارد بْن عوف بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم.
حدثني عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أبيه عَنْ خَرَّبُوذَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «هَلْ بَقِيَ مِنْ صُوفَةِ أَحَدٍ يَدْفَعُ بِالنَّاسِ؟ فَقِيلَ: لا إِلا امْرَأَةٌ.
فَقَالَ: لا يَنْبَغِي لامْرَأَةٍ أَنْ تَدْفَعَ بِالنَّاسِ] » .
قال ابن الكلبي: ومن الغوث بن مر وهو صوفة: آل شرحبيل بن حسنة، وكانوا حلفاء في بني جمح، وقد كان لهم عز وشرف، ولا أعلم لهم بقية.
وقال غير الكلبي: صار بنو الغوث بْن مر، الذين يُقَالُ لهم صوفة، باليمن ولهم هناك عدد، وبالشام منهم قوم، وكان الفرزدق نزل على رَجُل منهم بالشام فقال:(12/8)
تقول ابْنَة الغوثي مالك ههنا ... وأنت عراقي من الشرف جانبه
[1] وكان شرحبيل بْن حَسنة وهي أمه، وأبوه عَبْد اللَّه بْن ربيعة بْن المطاع من مهاجرة الحبشة، ومات بالشام، وكان مِمَّنْ وجهه أَبُو بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ إِلَى ما هناك.
وقال غير الكلبي وهو الواقدي: أَبُوهُ عَبْد اللَّه بْن المطاع وهو من كندة.
وقال الهيثم بْن عدي: هُوَ من حمير، وقال: هُوَ حليف لبني زُهرة، وقول الكلبي أثبت.
وأما يَعْفُر فولد: المَعافر، ويزعمون أنهم الذين باليمن، وإن المعافر كتب على قبره: أَنَا المعافر بْن مر مضري حُرّ ولستُ من حمير يَطرّ.
قال: والمعافر اليوم يقولون: معافر بْن يعفر بْن مالك بْن الْحَارِث بْن مر بْن أدد بْن زَيْد بْن يشجب.
وقال بعض من يُروى عَنْهُ النسب: أم تميم وبكر ابني مر: هند بِنْت اليُهَه بْن النخع وأنشد لبعضهم:
أسعيًا مع النعمان يوم غَوَيتم ... وأمكم هند وأم تميم
ويقال أن أم تميم وبكر: هند بِنْت الْحَارِث بْن كعب. وأصح ذلك أن أم تميم الحوأب بِنْت كلب بْن وبرة.
وكان لمر بْن أد من النساء: برة أم النضر. ومالك، وملكان ابني كنانة بْن مدركة، وهي أم أسد بْن خزيمة، لأنها كَانَتْ تحت خزيمة فخلف عليها كنانة بعد أبيه نكاح مقت.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 84 مع فوارق.(12/9)
وهند بِنْت مُرّ أم بَكْر. وتغلب. والشُخّيص. وعنز بني وائل بْن قاسط بْن هِنْب.
وتُكْمة بِنْت مر، ولدت غطفان. واعصر ابني سعد بْن قَيْس بْن غيلان، وهي أيضًا أم: سليم وسلامان ابني مَنْصُور بْن عكرمة.
وجديلة بِنْت مر وهي أم: نهم. وعَدوان، وإليها ينسبون. وعاتكة وهي أم سعد هُذيم من قضاعة.
وقال أَبُو اليقظان: بَكْر بْن مر هُوَ الشُعيراء، وإنما قيل له الشعيراء لأن أمه هند من النخع كَانَتْ ترقصه وتقول: وابأبي شُعيراتك، ويقال إنه قُتل يوم الجمل من بني الشعيراء أربعة وعشرون مع عَائِشَة رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهَا.
قال: وكان من الشُعيراء: عَائِشَة بِنْت جعدة تحدث عَنْهُ أنه قال:
«كنت فِي قوم مَرَّ بهم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرش عليهم ماء، ودعا لهم، فأصابني من ذلك الماء» . وهو الَّذِي خطب إليه صعصعة بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف بْن قَيْس فأبى أن يزوجه لأنه قال: لا أنزل عن دابتي حَتَّى تزوجني. وكانت جدة الأحنف أم أمه من بني الشعيراء، وأم عامر بْن عَبْد قَيْس العابد من بني الشُعيراء، واسمها الخُضَيراء بِنْت كاهل، ومنازل بني الشعيراء قريبة من البحرين.
ومن بني الشعيراء: أَبُو بَكْر بْن صيفي، كان له قدر، وغزا السند مع ابن يُقَالُ له بَكْر فمات بالسند، فقال الشاعر:
نعى الناعون من بَكْر فتاها ... وسيّدها وسيّد من سواها
أَبَا بَكْر تهلل دمع عيني ... وكيف واستمر بها قذاها(12/10)
فمن للحرب بعدك يا بن صيفي ... ومن للعيس تنفح فِي بُراها [1]
وله عقب.
قال أَبُو اليقظان: وكان من بني ظاعنة- وزعم أن ظاعنة أمهم-:
قتب، وهو أحد من لطم عين المنذر بْن الزبير منتصرًا للبيد بْن عطارد، وذلك أن عمرو بْن الزبير كان لطم عين لبيد، وسنذكر خبره إن شاء اللَّه، وليس قوله إن ظاعنة اسم امْرَأَة بشيء.
وولد تميم بْن مر بْن أد:
زَيْد مناة بْن تميم
وأمه صفية بِنْت القين بْن جِسر. وعمرو بْن تميم. والحارث بْن تميم. ويربوع بْن تميم درج، وأمهم سلمى بِنْت كعب أخت الْحَارِث بْن كعب، ويقال أمهم الذوفاء بِنْت ضَبَّةَ بْن أدّ.
فولد الْحَارِث بْن تميم: شَقِرة واسمه مُعَاوِيَة وإنما سمي شقرة لقوله:
وقد أحمل الرمح الأصم كعوبة ... به من دماء القوم كالشَقِرات
فولد مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن تميم وهو شَقِرة: عوف بْن شقرة.
وجَشم بْن شقرة. ورُمنا بْن شقرة. وكعب بْن شقرة، وهم قليلٌ، حلفاء فِي بني نَهشل، وهم رهط المسيب بْن شريك بْن مَجْرِبة بْن ربيعة المحدث.
ونصر بْن حرب بْن مِجْرِبة بْن ربيعة، وعدادهم من بني نهشل.
ومنهم عَبْد اللَّه بْن سُوَيْد، وهو ابن أم رمثة الشاعر.
قال أَبُو اليقظان: كَانَتْ عند تميم بْن مرّ العَوْراء بِنْت ضبة، فَلَمَّا حملت منه انطلق إلى الكاهن فقال له: إن امرأتي حامل فانظر ما تلد، فرأى صُرَدًا على شجرة يصوت فقال له: يولد لك غلام يكون فِي عقبه قلة إلّا أنه
__________
[1] ناقة ذات براية: ذات شحم ولحم أو بقاء على السير. القاموس.(12/11)
يكون منهم الرجل المشهور، فولدت له الْحَارِث بْن تميم أَبُو شقرة، ثُمَّ حملت الثانية فأتى الكاهن فسأله عما تلد فرأى ضَبُعًا، فقال له: يولد لك غلام فِي عقبه شدة وانتشار، فولدت له عمرًا، ثُمَّ حملت الثالثة فأتى الكاهن فقال ما ترى فنظر فإذا السماء تمطر وَإِذَا الأودية ممتلئة فقال: يولد لك غلام يكون فِي عقبه كثرة وعدد كبير، فولدت زَيْد مناة بْن تميم، ومات تميم فدفن بمّران. وقال جرير بْن عطية:
إني إذا الشاعر المغرور حَرّبني ... جار لقبر على مرّ ان مرموس
قد كان أشوس آباء فأورثنا ... شغبًا على الناس فِي أبنائه الشوس [1]
وقال أَبُو اليقظان: قتل الْحَارِث بْن تميم وائل أَبُو عكل فِي شربة لبن بمكان يُقَالُ له غن، فقال شاعر الرباب:
نَحْنُ قتلنا يوم غن قتيلها ... وقلنا ليأت الدهر ما هُوَ صانع
قال: وقتل مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن تميم وائلًا هَذَا بأبيه وقال:
وقد أحمل الرمح الأصم كعوبة ... به من دماء القوم كالشقرات
ومن بني شقرة: عطية بْن أَبِي، وكان له مال دثر فِي الجاهلية، فأغار عليه القعقاع بْن معبد فاستاق إبله فيقال إن خَالِد بْن مالك النهشلي غُرم ذلك للشقري.
قال: ومنهم خرشة بْن مَسْعُود بْن وثيمة صاحب قلعة خرشة بفسا [2] من فارس وكان ابن الأشعث ولاه در أبجرد، فَلَمَّا قتل ابن الأشعث تحصن فِي القلعة، ثُمَّ أمِّنَ وحمل إلى الحجاج فمات بواسط وولده بنسا [3] .
__________
[1] ديوان جرير ص 250.
[2] فسا أو بسا مدينة نزهة بفارس بينها وبين شيراز أربع مراحل. معجم البلدان.
[3] نسا: مدينة بخراسان بينها وبين نيسابور ستة أيام أو سبعة. معجم البلدان.(12/12)
ومن بني شَقِرة: نصر بْن حرب بْن مجْرِبة بْن ربيعة. وكان حرب بْن مجربة مع خرشة فأخذه الحجاج فألقاه فِي الديماس، ثُمَّ نجا، وكان نصر من قواد أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين، فولاه فارس سنة ثُمَّ عزله.
ومنهم يزيد بْن هُزيل الشَقري، وكان له سروة وقدر، وهو القائل:
قد كنت أدعو اللَّه فِي البيت خاليًا ... ليمكنني من حربه ورجالِ
فأترك فيها ذكر طَلْحَة خاملًا ... ويحمد فيها موقفي وفعالي
يعني طَلْحَة الطلحات.
قال الكلبي: ومنهم عَبْد اللَّه بْن سُوَيْد، وهو ابن أم رمثة الشاعر.
وولد زَيْد مناة بْن تميم ثمانية نفر: سعد بْن زَيْد مناة.
ومالك بْن زَيْد مناة.
وعَرف بْن زَيْد مناة وهو مُكسِّر، وهم فِي بني حمان بْن عَبْد العزي بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة، وثعلبة بْن زَيْد مناة. ومُبَشِّر بْن زَيْد مناة.
وجنح بن زَيْد مناة ويقال جناح درجوا، وأمهم المفداة بنت ثعلبة بن دودان بن أسد. وامرؤ القيس بْن زَيْد مناة، وهم مع بني عوف بْن سعد.
وعامر بْن زَيْد مناة وهم قليل مع بني مجاشع بْن دارم، وأمهم رقاش بِنْت كبير بْن غالب من جرم قضاعة.
وقال أَبُو اليقظان، فَمَنْ ولد عامر بْن زَيْد مناة: عَبْد اللَّه بْن ياسرة الَّذِي غلب على زرنج من سجستان فِي فتنة ابن الزبير، وعثرت به فرسه فِي حرب كَانَتْ بين بني تميم ورجل من الزبيريين ولاه القباع سجستان، فقتل ابن ياسرة فقال فِيهِ الشاعر:
ألا لا فتى بعد ابن ياسرة الفتى ... ولا شيء إلا قد تولى فأدبرا
فتى دارميّ ما تزالُ يَمينه ... تَجودُ بِمعروف وتُنكِرُ مُنْكَرا(12/13)
لكان حصادا للمنايا ازْدَرَعْنَهُ ... فهلا تركْنَ النّبْتَ ما كان أخضرا
فِي أبيات. وقال غيره إنه كان حنظليًا.
فولد مالك بْن زَيْد مناة:
حنظلة بْن مالك.
وربيعة بْن مالك، وهم مع بني نهشل بْن دارم. وقيس بْن مالك. ومعاوية بن مالك، وهما الكردوسان، وهما فِي بني فُقيم بْن جرير بْن دارم، وأمهم النوار بنت جل بْن عدي بْن عَبْد مناة، ويقال إن أم الكردوسين قَيْس ومعاوية: السوداء ابْنَة عمرو بْن تميم.
فولد حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم ثمانية نفر:
مالك بْن حنظلة،
وأمه أسيّة بنت عمرو بن زباية بْن عامر بْن امرئ القيس بْن فُتيَّة بْن النمر بْن وبرة من قضاعة. وقيس بْن حنظلة. ويربوع بْن حنظلة.
وربيعة بْن حنظلة مع بني يربوع. وعمرو بْن حنظلة، وأمهم جندلة بنت فهر بن مالك بن النضر بْن كنانة، وكانت جندلة امْرَأَة جزلة الخلق، وكان زوجها حنظلة شيخًا كبيرًا، فأصابتهم ليلة ريح ومطر وبرق، فخرجت تصلح طنب بيتها وعليها صدار لها، فأكبت على الطنب تصلحه، وبرقت السماء برقة فأبصرها مالك بْن عمرو بْن تميم وهي مُجَبِّيَة [1] فشد عليها فخالطها، فقالت:
يا مالك بْن حنظل لحرها ... شفاؤها من ليلة وَقَرّهَا
فَأَقْبَلَ بنوها وزوجها فقالوا: مالك؟ قالت: لُدِغْتُ. قَالُوا: أَيْنَ قَالَتْ: حيث لا يضع الراقي أنفه. فذهبت مثلًا ومات حنظلة فتزوجها
__________
[1] جبّى تجيبه: وضع يديه على ركبتيه أو على الارض أو انكب على وجهه. والتجبية ان تقوم قيام الراكع. القاموس.(12/14)
مالك بْن عمرو بْن تميم فولدت له نفرًا منهم: مازن. وعمرو. ومرة بْن حنظلة وهو الظُلَيم، وأمه لميس، ويقال لبنى بِنْت الحر بْن مازن بْن كاهل بْن أسد، وأخوه لأمه هَمام بْن مُرة بْن ذُهْلِ بْن شَيْبَان. وغالب بْن حنظلة. وكلفة بْن حنظلة، وأمهما عديّة بنت محضب بْن زَيْد بْن نهد من قضاعة، فالبراجم من بني حنظلة: عمرو، والظليم. وقيس. وكلفة وغالب. قال لهم رَجُل منهم يقال له حارثة بْن عامر بْن عمرو بْن حنظلة:
أيتها القبائل التي ذهب عددها تعالوا فلنتجمع لنكون كبراجم يدي هَذِهِ ففعلوا، فسموا البراجم وهم يدٌ مع بني عَبْد اللَّه بْن دارم. والبراجم ملتقى رؤوس السلاميات إذا قبض القابض كفه شخصت وارتفعت.
فولد مَالِك بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم عشرة نفر:
دارم بْن مالك.
وربيعة بْن مالك. ورازم بْن مالك فِي بني نهشل، وأمهم ابْنَة الأحب بْن مالك بْن عدي بْن مراغم بْن سعد اللَّه بْن فران بْن بلي بْن عمرو بْن الحاف بْن قضاعة. وزيد بْن مالك. والصُدّيّ بْن مالك.
ويربوع بْن مالك، وأمهم العدوية وهي الحرام بِنْت خزيمة بْن تميم بْن الدؤل بْن جَلّ بْن عدي بني عَبْد مناة، بها يعرفون. وأبا سُوَيْد بْن مالك.
وعوف بن مالك وأمهما ملهية بنت عبشمس بن سعد بها يعرفون.
وجُشَيْش بْن مالك وأمه حُظيّ بِنْت ربيعة بْن مالك بْن زَيْد مناة، بها يعرفون وإليها ينسبون. وكعب بْن مالك وأمه الصحاريَّة، وصُحَار هُوَ سعد بْن زَيْد، وجهينة بْن زَيْد، بها يعرفون وهم مع بني فُقَيم.
كان سعد بْن زَيْد وجهينة أول من نزل الصحراء من العرب فهما صُحار، فيقال لربيعة ورزام وكعب بني مالك بْن حنظلة الخِشاب، ويقال(12/15)
لطُهيَّةُ العدوية الجمار، وهم مع بني يربوع، وَفِي ذلك يقول جرير:
أثعلبة الفوارس أو رياحًا ... عدلت بهم طهية والخشابا [1]
فولد دارم بْن مالك: عَبْد اللَّه بْن دارم. ومجاشع بْن دارم.
وسدوس بْن دارم. وخيبري بْن دارم وأمهم ماوية بِنْت ظالم بْن دُنين بْن سعد بْن أشرس بْن زَيْد بْن عمرو.
ومن بني تغلب: نهشل بْن دارم وجرير بْن دارم وأمهما رقاش بِنْت شهبرة بْن قَيْس بْن مالك بْن زَيْد مناة، وأبان بْن دارم، وهم مع بني فقيم.
والجَّوال بْن دارم. وشيطان بْن دارم درجا، وأمهم هند بِنْت الْحَارِث بْن تيم اللَّه بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة. ومناف بْن دارم، وهم مع بني قطن بْن نهشل بْن دارم وأمه ليلى بِنْت لأي بْن عَبْد مناف بْن الْحَارِث بْن سعد هذيم من قضاعة، ويقول بعض العرب لمناف:
إنَّ منافًا نَفَرٌ من عُذره ... دَعِي الجدال واعمدي لثبره
قال فولد جرير بْن دارم: فُقَيم بْن جرير، ويقال إنه كان له فقم وأمه كفافة بِنْت جُلْهُمة بْن عوف بْن عَبشمس من بني سعد، وإخوته لأمه بنو مرة بْن عباد بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة من ربيعة بْن نزار.
فولد فقيم: زهير بْن فُقيم. وعبد اللَّه بْن فقيم. ومرة بْن فقيم.
وَدَحداحة بْن فقيم. ومُظهر بْن فقيم. وخِشنة بْن فقيم، وبعضهم يقول خُشينة والأول أثبت. ومؤالة بْن فقيم. وفيهم يقول الفرزدق:
وَإِذَا دعوت بني فقيم جاءني ... زيد هو العدد الذي لا يعدل [2]
__________
[1] ديوان جرير ص 59.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 156.(12/16)
وولد مناف بْن دارم: لأي بْن مناف. وحصين بْن مناف.
والحارث بْن مناف. وزيد بْن مناف. وحبيش بْن مناف.
وولد سدوس: الْحَارِث بْن سدوس. فولد الْحَارِث نفرًا وأمهم بَسَّة بِنْت سُفْيَان بْن مجاشع بْن دارم وبها يعرفون، يُقَالُ لهم بنو بسَّة.
وولد خَيبري بْن دارم: مُعَرِّض بْن خيبري. وضباب بْن خيبري.
فولد معرض: ثلاثة نفر، وأمهم بسَّة بها يعرفون خلف عليها بعد عمه.(12/17)
نسب بني عَبْد اللَّه بْن دارم
فولد عَبْد اللَّه بْن دارم ستة:
زَيْد بْن عَبْد اللَّه
وأمه الشَنْبَاء من بني عمرو بْن حنظلة. وأمية بْن عَبْد اللَّه. ومعاوية بْن عَبْد اللَّه. وقشة بْن عَبْد اللَّه. ووهب بْن عَبْد اللَّه. وعبد مناة بْن عَبْد اللَّه، وأمهم ليلى بِنْت جَهْوَر بْن غُوَيّ بْن جروة بْن أَسِيد بْن عمرو بْن تميم. وذؤيب بْن عَبْد اللَّه ولم يعرفه الكلبي.
وولد زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن دارم: عدس بْن زَيْد، وحق بْن زَيْد.
ومرة بْن زَيْد. وحارثة بْن زَيْد. وربيعة بْن زَيْد. وجناب بْن زَيْد.
وعبد اللَّه بْن زَيْد. ومالك بْن زَيْد، وأمهم فاطمة بِنْت نهشل بْن دارم.
فالأحلاف من بني دارم: بنو زَيْد بْن عَبْد اللَّه كلهم غير عُدُس بْن زَيْد فإنهم يد مع سائر بني عَبْد اللَّه.
وقال هشام ابن الكلبي: كل عُدس فِي العرب يُقَالُ لهم بضم العين وفتح الدال غير عُدُس بْن زَيْد فإنهم مضموم العين والدال وكل سَدوس فِي العرب فمفتوح السين إلا سُدوس بْن أسمع من طيّئ فإنه مضموم السين.
فَمَنْ بني عَبْد اللَّه بن دارم:
[زرارة بن زيد]
حاجب بْن زرارة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم،
كان شريفًا شهد يوم جَبلة فانهزم فلحقه ذو الرقيبة مالك بْن سلمة بن(12/19)
قشير بْن كعب فقال: استأسر فألقى رمحه واستأسر، وقد كان الزّهدمان وهما: زهدم وقيس ابنا حزن بْن وهب بْن عُوَير بْن رواحة العبسيان. ويقال هما: زهدم وكردم ابنا حَزْن حاولا أن يستأسر لهما فلم يفعل، فَلَمَّا استأسر لذي الرقيبة، وثب زهدم فاعتنقه، فافتدى حاجب نفسه بألف ومائتي ناقة ألف لمالك ذي الرقيبة ومائة لزهدم ومائة لأخيه قَيْس أو كردم. وَفِي ذلك يقول مُعَقِّر بْن أوس بْن حمار البارقي:
هوى زهدم تحت الغُبار لحاجب ... كما انقضَّ أَقْنَى ينفض الطلَّ ماهر
قال: وبقي ذو الرقيبة إِلَى زمن مُعَاوِيَة ومعه ألف امْرَأَة يقلن يا أبتاه ويا عماه.
وكانت جَبلة قبل مولد النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسبع عشرة سنة، وكان الَّذِي هاج يوم جبلة أن بني عبس بْن بغيض خرجوا هاربين من بني ذبيان بْن بغيض وحاربوا قومهم بقوا متلددين متحيرين، فأجارهم الأحوص بْن جَعْفَر بْن كلاب، فلما عرف خبرهم بنو ذبيان استعدوا واجتمعوا وعليهم حصن بْن حذيفة بْن بدر الفزاري، ومعه بنو أسد، وكانوا وبنو ذبيان حلفاء، وكانت بنو عبس قتلت حذيفة بْن بدر يوم الهَباءة، ودست لسانه فِي استه، فكان يطلب بدم أَبِيهِ، وأقبل معهم مُعَاوِيَة بْن شرحبيل الكندي، وكان من ولد الجون، وهو مُعَاوِيَة بْن آكل المرار، وسمي الجون لسواده، وأقبلت بنو حنظلة بْن مالك والرباب عليهم لقيط بْن زرارة يطالبون بدم معبد بْن زرارة، وأَسَرَتْه بنو كلاب يوم رحرحان [1] فمات فِي أيديهم، فاقتتلوا قتالًا شديدا.
__________
[1] رحرحان: اسم جبل قريب من مكة وخلف عرفات. معجم البلدان.(12/20)
قَالُوا: وكان النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا على مضر، [فقال: «اللَّهُمَّ اشدد وطأتك على مضر، اللَّهُمَّ ابعث عليهم سنين كسني يوسف» .] فتوالى القحط عليهم سبع سنين حَتَّى هلكوا. وَفِي ذلك نزلت: يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بدخان مبين [1] .
فَلَمَّا رَأَى حاجب ما نال الناس من الجهد، جمع بني زرارة، ومضى حَتَّى أتى إياس بن قبيصة عامل كسري على الحيرة ومن يليها من العرب، وقيل إنه أتي كسرى نفسه، وقيل إنه أتى رئيس الأساورة الذين على حد العرب والعجم فشكا إليه ما هم فِيهِ من الجهد وإشراف الأموال على العطب، فقال: إنكم معشر العرب أَهْل حرص وغدر، فَإِن أذنْتُ لكم فِي المقام بأطراف الريف لم آمن إفسادكم البلاد وإغارتكم على الرعية.
قال: فَإِنِّي ضامن لأحداثهم. قال: ومن لنا بِذَلِك؟ قال: أرهنك قوسي هَذِهِ. فضحك قوم من الأعاجم فقال إياس، أو الفارسي: إنه والله لا يدعها ولا يؤثر على الوفاء شيئًا إذا رهنها، فقبلت منه القوس، ودخلوا الريف، ودعا رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعرب لما شكوا إليه جهدهم فأخصبت البلاد ونزلت السُّقيا وارتفع القحط.
وقد مات حاجب وارتحلت العرب إِلَى بلادهم، فارتحل عُطارد [2] بْن حاجب إِلَى كسرى لطلب قوس أَبِيهِ، فقال كسرى: ما أنت بالذي وضعتها. قال: أَجَلْ، ولكن أَبِي هلك وقد وفى له قومه، ووفى للملك:
فقال: ردوها عليه، وكساه حلة، ثُمَّ إنه وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم وأهدى
__________
[1] سورة الدخان- الآية: 10.
[2] بهامش الأصل: عطارد بن حاجب، رحمه الله.(12/21)
إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكسوة، فلم يقبلها فباعها من الزبير بْن ياطا اليهودي بأربعة آلاف درهم، وقيل إن عمال كسرى أوفدوه على كسرى، فدفع القوس إليه.
وقال أَبُو الْحَسَن المدائني عن أَبِي اليقظان: كان اسم حاجب زيدًا، وسمي حاجبًا لعظم حاجبيه، وكان يكنى أَبَا عِكْرِشة.
فولد حاجب عُطاردا. وعِكْرِشة. أمهما سلامة. وليلى تزوجها القعقاع بن معبد بن زرارة. وكان عطارد سيدًا فِي الجاهلية والإسلام. قال:
وبقيت القوس عند آل حاجب، وقدم المدينة فجعل يبيع كسوة كسرى التي كساه، فقال عُمَر: يا رسول الله لو اشتريت من هَذِهِ الكسوة؟ فقال:
[ «يا عُمَر تلك ثياب من لا خلاق له» ] وكانت من ثياب العجم، فباعها من الزبير اليهودي.
قَالُوا: وكان لبيد بْن عطارد بْن حاجب شريفًا سيدًا، يكنى أَبَا نعيم، وكان جوادًا كريمًا، وكان مع المصعب بْن الزبير فوفى له، وحبق أَسيد بْن عطارد بْن حاجب فِي مجلس زياد فأمر له بمال، فعَيَّر جرير مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد فقال:
ألقوا السلام إليّ آل عطاردٍ ... وتعاوروا ضرطًا على الدكان [1]
وولد للبيد: عمرو. وإسحاق لأم ولد تدعى كبشة، ولهم عقد بالكوفة. وفيه يقول لقيط بْن عطارد أخوه:
إذا ذكرت نفسي لبيدًا تعرضت ... معاريض من سوء البلاء له عندي
وما كنت أنأى عن لبيدٍ لبغضه ... ولا كان مالي دونه محكم العقد
__________
[1] ديوان جرير ص 471 مع فوارق.(12/22)
لعل لبيدًا إن أتتهُ منيتي ... ومُرَّةَ يومًا أن يسوءهما فقدي
ومُرَّة رَجُل من بني دارم، وكان مُعَاوِيَة وجه لقيط بْن عطارد إِلَى ملك الروم ليرى جماله، ويعرف بيانه وعقله، وكانت أسماء بِنْت عطارد بْن حاجب عند عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر بْن الخطاب، فَلَمَّا قتل يوم صفين خلف عليها الْحُسَيْن بْن علي، وتزوج ليلى بِنْت عطارد عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي ربيعة المخزومي.
وَكَانَ عمير بْن عطارد بْن حاجب سيدًا، ونزل بالكوفة فولده بها.
فولد عمير: مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد، كان سيد أَهْل الكوفة فِي زمانه، وكان صاحب ربع تميم وهمدان حَتَّى مات، وكان على أذربيجان فانهزم إليه ألف رَجُل من بَكْر بْن وائل كانوا فِي بعث فحملهم، حمل ألف بكري على ألف فرس قارح، وكان جوادًا.
وقال الهيثم بْن عدي والمدائني: أتى بنو تميم مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد فِي حَمَالَةٍ، فقال: يقسم على بني عُمَر كذا، وعلى بني حنظلة كذا، وعلى بني سعد كذا، فقال شبث بْن ربعي: بل كلها عليَّ. فَقَالَ ابْن عمير: نِعْمَ العون على المروءة الجدة.
قَالُوا: وتزوج عُبَيْد اللَّه بْن زياد هند بِنْت أسماء بْن خارجة، فعاب ذلك مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد على أسماء فيمن عابه، فزوج أخاه عُثْمَان بْن زياد ابْنَة مُحَمَّد بْن عمير قسرًا.
وحدثني عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن عوانة وغيره. وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عمر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عن عياش قَالا: أذن ابن زياد إذنًا عامًا فزحم غسان بْن نباته أخو الأصبغ بْن نباته المجاشعي عمرو بْن الزبير، فلطم عمرو بن الزبير لبيد بْن عطارد بْن حاجب بْن زرارة، فغضبت له بنو(12/23)
تميم، وكلم الناس لبيدًا فَقَالَ: لا أطلبها أبدًا. وبلغ الخبر أَهْل الكوفة فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن الزبير الأسدي:
لا يَصْرِم اللَّه اليمين التي عَلَتْ ... على البغض والشحناء أنفَ لبيد
فآبَ بنو ولد اسْتَهَا بمضاعف ... من اللطم لا يحصونه بعديد
نمت بك أعراق الزبير وهاشم ... وعمرو نما من خَالِد بْن سَعِيد [1]
وأم عمرو بِنْت خَالِد بْن سَعِيد بْن العاص أَبِي أحيحة. وأم الزبير صفية بِنْت عَبْد المطلب بْن هاشم.
فقال مسكين بْن عامر بْن أنيف الدارمي:
مُعَاذِ اللَّه أن تُلْفَى ركابي ... سراعًا إذ وردن على ضمير
طوال الدهر أو يرضى لبيد ... وكان الضيف محفوفا بخير
سنِلطم منذرًا أو وجه عمرو ... ولو دخلا بيثرب فِي است عير
فَإِن تَكُ لطمة أدركتموها ... فَلَمَّا يدركوا بدم الزبير [2]
وكان المنذر بْن الزبير صديقًا لعبيد اللَّه بْن زياد، فوفد عليه حين ولي الكوفة، فرصده رَجَال من بني تميم منهم:
نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة، ورجل من بني ظاعنة يُقَالُ له قتب وظاعنة أخوه تميم وحاضرتهم مع بني عَبْد اللَّه بْن دارم، وثالث معهم وجاء المنذر بْن الزبير يوم جمعة يريد المسجد فلطمه أحدهم، ثُمَّ الثاني، ثُمَّ الثالث، فدخل المنذر على عُبَيْد اللَّه فَقَالَ له: ما أتيتك حَتَّى ظننت أن الجدران ستلطمني، فأرسل ابن زياد إِلَى مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد، ولم يكن
__________
[1] شعر عبد الله بن الزبير الأسدي- ط. بغداد 1974 ص 73.
[2] لم ترد الأبيات في شعر مسكين المطبوع في بغداد 1970.(12/24)
فيمن لطمه، إلا أنه قد أمرهم بلطمه، فحبسه فِي السجن، وأخذ نعيمًا وأصحابه فضربهم بالسياط، ويقال إنه قطع أيديهم.
وقال ابن الأعرابي: قَالَ المفضل: لما قدم منذر بْن الزبير على ابن زياد بعد لطم عمرو لبيدًا، لطم مُحَمَّد بْن عمير منذرًا، فأخذه ابن الزبير فضربه، وجاءت بنو أسد بْن خزيمة لتلطم تميمًا غضبًا لآل الزبير، لأن أم خويلد بْن أسد بْن عَبْد العزى أَبِي الْعَوَّام. وجده الزبير زهرة بِنْت عَمْرو بْن حنثر من بَنِي كاهل بْن أسد بْن خزيمة، فيقال إنه لم يبق تميمي ظهر لهم إلا لطموه فقال شاعر بني تميم:
ونحن لطمنا منذرًا يوم جمعة ... إذا نهلت مِنَّا الأكف نعيدها
لطمناه حَتَّى أسبلت بدمائها ... خياشيم كَانَتْ مُسْتكنًّا قصيدها
رَأَى منذر دفَّاع موجٍ عَرَمْرَمٍ ... وكثرة أيدٍ لَمْ تجد من يذودها
فقل لبني الْعَوَّام ينهوا سفيههم ... عن الجهل لا تُنكأ بلطم خدودها
وقال بعض بني أسد:
لطمناكم ألفا بلطمة منذر ... بأيد كرام لم تجد من يذودها
ويقال إن عُمَر بْن سعد بْن أَبِي وقاص نازع ابن أم الحكم عند مُعَاوِيَة فأجابه عنه لبيد بْن عطارد، عَنِ ابن أم الحكم وكان ابن أم الحكم مائلًا إلى بني حنظلة، فقام مُعَاوِيَة فدخل إِلَى أهله، فقال عُمَر بْن سعد: يا معاشر قريش أما أحد منكم يكفيني هَذَا الكلب التميمي، فَقَالَ عمرو بْن الزبير لغلام له: ائت صاحب العمامة الحمراء فَاكسر أنفه، ففعل الغلام ذلك، فصاح لبيد: يا أمير المؤمنين أَيُفْعَلُ هَذَا بي فِي دارك؟ فخرج مُعَاوِيَة وأمر بضرب الغلام، فَقَالَ لبيد: ما يقنعني هَذَا. فقال مُعَاوِيَة: أيضربك(12/25)
الغلام وأضرب عَمْرًا؟ لستُ بفاعل، وبلغ الخبر بني تميم ففعلوا بمنذر ما فعلوا.
وقال ابن همام السلولي لعبد اللَّه بْن الزبير، فِي قصيدته التي رفع فيها على العمال يذكر مُحَمَّد بْن عمير لأن ولايته أذربيجان كَانَتْ من قبله.
وآخران من العمال عندهما ... بَعْض المنالة إِن تأخذهما قتل
مُحَمَّد بْن عمير وَالَّذِي كذبت ... بَكْر عَلَيْهِ غداة الروع والوهل
وكان الحجاج بعث إِلَى مُحَمَّد بْن عمير يوم رستاقاباذ يأمره أن ينصره، فقال: لا ناقة لي فِي هَذَا ولا جمل، فلما ظهر قال له: يا بن دُهمان. أنت القائل لا ناقة لي فِي هَذَا ولا جمل، لا جعل اللَّه لك فِي مثلها ناقة ولا جملًا ولا رحلًا، وكان يقال إن عميرًا أَبَاهُ صدر عن عكاظ، فمر ببني دهمان فأخذوا امرأته، ثُمَّ ردوها حاملًا.
وكتب عَبْد الملك إِلَى مُحَمَّد بن عمير: إنك من سراة أَهْل العراق، فاكتب إليّ بسيرة الحجاج، فأتاه بالكتاب وكتب بكل ما أراد فشكره على ذلك.
وقال أَبُو عبيدة: دخل الكوفة قوم من الخوارج مما يلي الحيرة، فأخذوا بأفواه السكك مما يلي الحيرة، وكان حَوشَب بْن يزيد على شرطة الكوفة، فتحصن فِي القصر، وذلك فِي أيام بشر بْن مروان، ويقال فِي أيام الحجاج فحارب الخوارج إياس بْن حصين بْن زياد بْن عُقفان بْن سُوَيْد بْن خَالِد بْن أسامة بْن العنبر بْن يربوع بْن حنظلة بْن مالك فِي بيته وقومه، فقتلهم إلّا من هرب منهم، وهجا جرير بْن عطية مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد، وقد كان(12/26)
مُحَمَّد بْن عمير وهو والي أذربيجان غزا موقان [1] ، وقد جاش أهلها وهاجوا وظاهروا قومًا من الديلم فهزموه، وأخذوا رايته فسار إليهم عَتاب بْن ورقاء وهو على قزوين والري ودستبي، فقتل منهم خلقًا وأسر، وأخذ راية مُحَمَّد بْن عمير فقال جرير:
هَلَّا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عُقفان
ردوا السلاح إليّ آل عطاردٍ ... وتعاوروا ضرطًا على الدكان [2]
فعيره بانهزامه وبضرطة لبيد عند زياد بْن أَبِي سُفْيَان، وقال جرير أيضًا:
ما كان من ملك ولا من سوقةٍ ... رَجُل ينفره على عتاب
أنت استلبت لنا لواء مُحَمَّد ... وأقمت بالجبلين سوق ضراب [3]
وقال بعضهم: كان بنو عقفان مع عتاب فضاربوا وصبروا، وكان لهم غناء.
وقد رُوِيَ فِي تفسير قول جرير فِي مُحَمَّد بْن عمير قول غير هَذَا، وسنذكره فِي خبر يربوع إن شاء اللَّه.
وولد عمير أيضًا: عطارد بْن عمير، وأمه وأم مُحَمَّد بْن عمير واحدة، وهي عمرة بِنْت حنظلة بْن بشر بْن عمرو. والعباس بْن عمير.
وجعفر بْن عمير.
وولد مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد: عمرو بْن مُحَمَّد. وقعقاع بْن مُحَمَّد.
__________
[1] موقان ولاية جبلية فيها قرى ومروج كثيرة، وهي بأذربيجان. معجم البلدان.
[2] ديوان جرير ص 471.
[3] ليسا في ديوان جرير المطبوع.(12/27)
وحصين بْن مُحَمَّد، وكان يُقَالُ فتيان الكوفة ثلاثة: عمرو بْن مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد. وخالد بْن عتاب بْن ورقاء الرياحي. وحوشب بْن يزيد بْن رويم. قال الشاعر:
فلست بمحمود ولا بمحمدٍ ... ولكنما أنت الخِبط الحُباتر [1]
ولست كعتَّاب ولا ابنك كابنه ... إذا الشول [2] أَمْسَتْ وهي حُدْبٌ حَدَائر
وقال الشاعر:
أرى خالدًا يختال مشيًا كأنه ... من البغي فينا معبدٌ أو عُطَارد
ولم يبق لمحمد بْن عمير عقب.
أما عطارد بْن عمير بْن عطارد بْن حاجب فولد: ضرار بْن عطارد، وكان القعقاع بْن ضرار بْن عمير ولي شرطة الكوفة لعيسى بْن مُوسَى، وولي ضرار فسا ودر أبجرد لخالد بْن عَبْد اللَّه، وتزوج مسلمة بْن عَبْد الملك أسماء ابْنَة ضَرّار. وقال ابن شبرمه فِي القعقاع بْن ضرار بْن عطارد بْن عمير:
إني نعي لي قعقاعٌ فأوجعني ... وهل لنا في تميم مثل قعقعاع
وولي عُمَر بْن الْعَبَّاس بْن عمير سجستان لأمير المؤمنين أَبِي العباس وفيه يقول الراجز:
لذي الفعال عُمَر بْن عَبَّاس ... أروع بسَّام كريم المعطاس
فخرج جنده عليه فقتلوه وكانت قوس حاجب عند ولد جعفر بن عمير.
__________
[1] الحبتر: الثعلب والقصير، وأتوا خبطه خبطه: قطعة قطعة، واختبط: سار على هدى. القاموس.
[2] الشول: الإبل التي أتى على حملها أو وضعها سبعة أشهر فجف لبنها، ولحقت بطونها بظهورها. القاموس.(12/28)
ومن ولد حاجب بْن زرارة: قَيْس بْن عُطارد بْن حاجب بْن زرارة، وابنه مَسْعُود بْن قَيْس ولي ولايات، وفيه يقول ابن همام السلولي:
والدارميّ يطوف الهرمزانُ به ... فِي هيئة بُدِّلَتْ من رعيه الإبل
فخرج مع ابن الأشعث، فأخذ أسيرًا، وأُتي به الحجاج فأراد أن يخلي عَنْهُ، فقال يزيد بْن علاقة السكسكي: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لكم براءة في الزبر [1] ؟ فقدمه الحجاج فضرب عنقه.
[عدس بن زيد]
[زرارة بن عدس]
وأما لقيط بْن زرارة بْن عُدُس فكان يكنى أَبَا دَخْتَنُوس،
وكان يأتي كسرى فيحبوه ويكسوه، وسمى ابنته دختنوس باسم امْرَأَة من العجم، وكانت كنيته أولًا أَبَا نهشل أيضًا، وقال أَبُوهُ: لقد عَلَتْ بك الخيلاء، فلو كنت نكحت بِنْت قَيْس بْن مَسْعُود أو أفأت مائة من عصافير الملك ما عدا الكذب، فتزوج ابْنَة قَيْس واعطاه الملك مائة من عصافيره، وفيه يقول مسكين الدارمي:
وذا القرنين آخاه لقيط ... وكان صفيُّهُ دون الرجال [2]
وذو القرنين: المنذر بْن المنذر. وشهد لقيط بْن زرارة يوم شعب جبلة، وكان على تميم والرباب، وأقبل يومئذٍ على برذون مجفف [3] بديباج، وعليه سرج مذهب من سروج كسرى، وكان أول عربي جفف. وجعل يقول:
إن الشُّواء والنَّشيل [4] والرُّغُف ... والقَينةُ الحسناء والكأس الأنف
__________
[1] سورة القمر- الآية: 43.
[2] شعر مسكين الدارمي ص 61.
[3] التجفاف: آل للحرب يلبسه الفرس والإنسان ليقيه في الحرب. القاموس.
[4] النشيل: أخذ اللحم من القدر قبل النضج. النهاية لابن الأثير.(12/29)
وصَفوة القدر وتعجيل الكتف ... للطاعنين الخيل والخيل قطف
عرفتكم فالدمع بالعين يكف ... لفارس أتلفتموه ما خلف [1]
يعني معبد بْن زرارة هلك عند بني عامر وهو فِي أيديهم، وحمي لقيط وبينه وبين شريح بْن الأحوص جرف منكر فجعل شريح يقول له:
إن كنتّ ذا صدق فاقحمه الجُرُف ... وقرب الأشقر حَتَّى تعترف
فجعل لقيط يقول لفرسه: «إنْ تَقَدَّمْ تُنحر، أو تَأَخَّرْ تُعْقَرْ» [2] ، وأقحمه الجرف فطعنه شريح فسقط مرتثًا، ويقال إن الَّذِي طعنه: جَزْء بْن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب، وَإِنَّهُ القائل له: أقحمه الجرف. وقال قوم: إن الَّذِي طعنه عوف بْن المنتفق بْن عامر العقيلي، والأول أثبت، وبنو تميم يقولون إن لقيط اقتحم الجرف فوقصه فرسه.
وقال الكلبي: لما طعنه شريح فارتثَّ جعل يقول عند موته:
يا ليت شعري عنك دختنوس ... إذا أتاها خبر المرموس
أتحلق القرون أم تميس ... لا بل تميس إنها عروس [3]
وجعل بنو عبس يضربونه وهو ميت فبلغ ذلك دختنوس فقالت:
لقد ضربوا وجهًا عليه مهابة ... وما أن تبالي الصخرة الصلد من ردا
فلو أنكم بتم غداة لقيتم ... لقيطًا صبرتم للأسنة والقنا [4]
__________
[1] النقائض ج 2 ص 663.
[2] في النقائض ج 2 ص 664:
أأشقر إن لم تقدم تنحر ... وإن تأخر عن هياج تعقر
[3] النقائض ج 2 ص 665.
[4] النقائض ج 2 ص 665.(12/30)
ويقال إن الرَّبِيع بْن زياد العبسي قال للقيط: إن كنت صادقًا فأوثب فرسك الجرف.
وكانت دختنوس بِنْت لقيط عند عمرو بْن عمرو بْن عُدس، وكان أبرص شيخًا رديء الفم، فوضع رأسه فِي حجرها فسال لعابه فتأففت فقال: أتحبين أن أفارقك؟ قَالَتْ: نعم. فطلقها فنكحها فتى من بني زرارة جسيم وسيم.
ثُمَّ إن بَكْر بْن وائل أغارت على بني دارم فنبهته دختنوس وهي تظن به خيرًا، وكانت قبل ذلك تنهبه للصبوح فيقول: لو لغارة أيقظتني. فَلَمَّا نبهته قَالَتْ: الغارة يا فلان. فجعل يحبق ويقول: الغارة الغارة حَتَّى كاد يموت فضربت العرب به المثل فقالت: أجبن من المنزوف ضرطًا. وأدركتهم الخيل فأخذت دختنوس فحمل عمرو بْن عمرو الأبرص فقتل من القوم ثلاثة، وتخلص دختنوس وانصرف بها وقال:
أيُّ زوجيك وجدت خيرا ... أألعظيم فيشة وأيرا
أم الَّذِي يأتي العدو سيرا
ثُمَّ إنهم أجدبوا فبعثت إِلَى عمرو تطلب منه حلوبة، فقال عمرو لرسولها: قل لها: «الصيفَ ضَيَّعْتِ اللبن» [1] . فذهبت مثلًا.
فَلَمَّا رجع الرَّسُول بالرسالة إليها أحاطت على منكب زوجها وقالت:
هَذَا ومذقه خير.
وحدثني أَبُو عدنان عَن أَبِي زَيْد عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قال: عيّر
__________
[1] أي تركت الشيء في وقته وطلبته في غير وقته. الفاخر للمفضل بن سلمة ط. القاهرة 1960 ص 111.(12/31)
زرارة لقيطًا بالزهو والخيلاء وقال له: لو كنت نكحت ابْنَة قَيْس بْن مَسْعُود وأَفَدْتَ مائة من العصافير ما زدْتَ على ما أنت عليه، فَلَمَّا دخل الشهر الحرام استتبع رجلًا من بني دارم يُقَالُ له قُراد بْن حنيفة فركبا حَتَّى أتيا بني شَيْبَان فوقفا على مجلس بني هَمام بْن مرة فقالا: انعموا صباحًا. فقال القوم:
وأنتما. فقال لقيط: أفيكم قَيْس بْن مَسْعُود؟ فقالوا: هُوَ هَذَا. فقال قَيْس: ما حاجتك؟ قال: جئتك خاطبًا إليك. فغضب قَيْس وقال:
ألا كان هَذَا فِي السر؟ فقال: ولم يا عم، فو الله إنك لرَفْعَةٌ وما بي قصاة، ولئن سارَرْتُكَ لا أخدعُك وإن عالنتك لا أفضحك. قال: من أنت؟
قال: لقيط بْن زرارة. قال: كفؤ كريم أَنِخْ فقد أنكحتُكَ القدور بِنْت قَيْس، وبعث قَيْس إِلَى أمها إني قد أنكحتُ ابنتك لقيط بْن زرارة ولا يجمل بنا أن يبيت فينا عزبًا وله فينا امْرَأَة فَمُرِي بالبلَق [1] أن يضرب ويصلح ما يحتاج إليه، وجلس لقيط مع القوم فتذاكروا الغزو فقال لقيط: الغزو أَحَدُّ للرماح وأَدّرُّ للقاح، والمقام أحبّ إلى النساء وأسمن للجمال، فأعجب قيسًا كلامه، وبعثت أم الجارية بمجمر فيها دخنة وقالت لجاريتها: إن ردَّهَا فَمَا فِيهِ خير، وإن جعلها تحته فَمَا عنده خير، فَلَمَّا جاءته بالمجمر دَخَّنَ شعره من كلا جانبيه ثُمَّ رد المجمر، فقالت المرأة: إنه لخليق للخير، فَلَمَّا أَجَنّ عليه الليل أُدخلت الجارية عليه فِي البَلَق فضمها إِلَى نفسه وطرح عليها خميصته فذهب به النوم، فَلَمَّا رأته الجارية قد نام قامت وذهبت إِلَى أهلها فانتبه فلم يرها فقام وركب وصاحبه راحليتهما سرا ومضيا، فقال القوم حين أصبحوا: غدر بك. فقال: كلا إنه لأكرم من أن يغدر. ومضى حَتَّى أتى
__________
[1] بهامش الأصل: المضرب الكبير.(12/32)
والي الحيرة فأعلمه تزويجه وسأله فأعطاه مائة من الإبل فبعث بها إلى قيس بْن مَسْعُود مع قراد وقال: قل له هَذَا صداق ابنتك، ثُمَّ مضى إِلَى كسرى فأعطاه ديباجًا وجوهرًا، ثُمَّ رجع إِلَى قومه. وجهز قَيْس ابنته وحملها إِلَى لقيط فلم تلد حَتَّى قُتل لقيط يوم جبلة، فبعث إليها أبوها يُقسم عليها ألا تخمش وجهًا ولا تحلق، وأمر فحُملت إليه فقالت حين استقلت بها ناقتها: نِعْم الأحماء كنتم فجعل اللَّه مالكم فِي خياركم، وحَبَّبَ بين نسائكم وعادى بين رجالكم، وزوجها أبوها رجلًا من قومه فجعلت لا تنسى لقيطًا، فقال لها: ما أراك تنسينه؟ فقالت: وكيف أنساه؟ لقد ركب فرسه وأخذ رمحه وخرج يتصيد فعرضت له بقرة فعقرها واشتوى من لحمها، ثُمَّ أقبل فقمت إليه فضمني ضمة وشمني شمة فوجدت منها أطيب رائحة، قال:
ففعل زوجها مثل ذلك فضمها إليه ثُمَّ قال: كيف ترين؟ قَالَتْ: «مرعى ولا كالسعدان وماء ولا كصدى» [1] .
وقال أَبُو عمرو بْن العلاء: كَانَتْ أم دختنوس من بني سحيم من بني حنيفة وتزوج دختنوس عمرو بْن عمرو، وكان عمرو أبرص أبخر يُقَالُ لولده أفواه الكلاب، ثُمَّ تزوجها عمير بْن معبد بْن زرارة، فمات عَنْهَا.
وقال الكلبي: إن القَذُور قَالَتْ: أوصيكم بالغرائب شرا، فو الله ما رَأَيْت مثل لقيط لم يحلق عليه شعر، ولم يخمش وجه.
وأما علقمة بْن زرارة بْن عُدس
فكان رئيسا، وغزا بَكْر بن وائل فقتله
__________
[1] أي لست مثله، والسعدان شيء تعتلفه الإبل، وهو من أفضل مراعيها، وصدّى: ركية لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها. الأمثال لأبي عبيد ص 135. وجاء بهامش الأصل:
صدى: ركية.(12/33)
بنو قَيْس بْن ثَعْلَبَة، فجمع لقيط فغزاهم فقتل أَشْيَم أحد بني عوف بْن مالك بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة وقال:
آليتُ لا آسى على هلْك هالكٍ ... ولا رزء يومٍ بعد يومك علقما
فَإِن يقتلوا مِنَّا كريمًا فإننا ... أَبَأْنَا به مَوْلَى الصعاليك أشيما
جدعنا به أنف اليمامة كلها ... وأصبح عرنين اليمامة أكشما [1]
ومن ولد علقمة بْن زرارة: المأموم بْن شَيْبَان بْن علقمة بْن زرارة، واسم المأموم حنظلة، وأمه كرشة بن حاجب بْن زرارة، والمقعد بْن شَيْبَان بْن علقمة، وأمه ابْنَة عمرو بْن عمرو بْن عُدُس. ويزيد بْن شَيْبَان.
وفيه تقول أمه مَهْدَد، وهي من بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة:
هَلَّا غلام ولدته مَهْدَد ... ليس بمأموم ولا هُوَ مُقْعد
وكان نسابًا عالمًا وكان له قدر وسؤدد.
وفيه يقول أَبُو شذرة الهجيمي:
لقد مات بالقرعاء من آل دارم ... فتى لم يكن فِي أمره بمؤنب
يزيد بْن شَيْبَان بْن علقمة الَّذِي ... إذا قلت ذاك المصطفى لم أُكذَّبِ
وكان يكنى أَبَا حنظلة، وقتل حنظلة بْن شَيْبَان بْن علقمة بْن زرارة يوم خَوٍّ وهو يوم كان بين هَذَا البطن فِيهِ وبين بني عُبَيْد بْن خزيمة بن زرارة قتال بسبب قتل قَيْس بْن ضرار بْن القعقاع بْن معبد المقدام بْن جحش، ويقال ابن جحوش، وهو أثبت. وقتل سبعة عشر رجلًا منهم ابنٌ لمعبد بْن القعقاع وقال ابن أُصَيْلة أحد بني عُبيد:
وسائله عن يوم خَو ولو رأت ... مصارعنا لاستعبرت وأرنّت
__________
[1] الكشم: قطع الأنف. القاموس.(12/34)
قَالُوا: وسمي حنظلة بْن شَيْبَان المأموم لأن إِبْرَاهِيم بْن القعقاع بْن معبد ضربه على رأسه فَأَمَّه.
وكان من ولده: عُثْجِل بْن المأموم أسرته بَكْر بْن وائل يوم الوقيظ، وهو يوم تجمعت فِيهِ بنو ثَعْلَبَة بْن عكابة وبنو عجل وعنزة بْن أسد بْن ربيعة على بني حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، واقتتلوا فطعن بشر بْن العوراء من بني تيم اللات ضرار بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة. وبارز عمرو بْن قَيْس العجلي عثجل بْن المأموم بْن شَيْبَان بْن علقمة بْن زرارة فأسره، وَمَنَّ عليه ففخر بِذَلِك أَبُو النجم العجلي [1] وهو الفضل بْن قدامة فقال:
وهُنَّ يَرْفُضْنَ الحصي المُزمَّلا ... بالقاع إذ بارز عمرو عثجلا
فقال جرير لغمامة بِنْت الطود بْن عُبَيْد بْن خزيمة بن زرارة بن عدس، وكانت أخذت يومئذ:
أغمام لو شهد الوقيظ فوارسي ... ما قيد يعتل عثجل وضرار
وزعموا أن طيسلة العجلي أسر حنظلة المأموم، فاشتراه رَجُل من بني تيم اللات بمائة بعير، ثُمَّ حبسه عنده وقدم به الكوفة ليفاديه وبالكوفة علي بْن أَبِي طَالِب عليه السلام فانتزعه وقال: [لا أسار فِي الْإِسْلَام] .
وتزوج عَبْد اللَّهِ بْن عَبْدِ الْمَلِك بْن مَرْوَان ابنة مُعَاوِيَة بْن يزيد بْن شَيْبَان أخي المأموم، وتزوج إليه مُحَمَّد بْن القاسم بْن مُحَمَّد الثقفي.
وكان لقيط بْن يزيد بْن شَيْبَان بْن علقمة بن زرارة سيد يقري
__________
[1] من رجاز الإسلام الفحول المقدمين، وفي الطبقة الأولى منهم. الأغاني ج 10 ص 150- 161.(12/35)
الأضياف، فقال الشاعر صَدْر بْن الأعور [1] من ولد الْحَارِث بْن زرارة:
فإنك لم تشهد لقيطا وفعله ... وإن أنت أطعمت الأرز مع السمن
يعني لقيط بْن يزيد.
وكان عمير بْن المأموم محدثًا، ولقي الْحُسَيْن بْن علي عليهما السلام، وروى عَنْهُ أحاديث.
وأما أَبُو الْحَارِث بْن زرارة
فكان أصغر ولد زرارة وسبى ابنته أمامة الديان الحارثي فِي الجاهلية، وقال: أتتكم أمامة، وما أمامة، بيضاء كرامة بِخَدّهَا علامة خالٌ لها وشامة، فولدت فِي بني الديان، ولحق عبيدة بْن الْحَارِث ببني الْحَارِث بْن كعب فكان لقيط بْن زرارة ينشده بالموسم فيقول:
يا من أخسّ عندنا عبيده ... وأمه من قيننا تليده
فانصرف من عند بْني الْحَارِث إِلَى حاجب بْن زرارة، فسأله فلم يعطه، فأغار على إبل أكثم بْن صيفي فذهب منها بإبل كثيرة، فأتى أكثم حاجبًا فقال له حاجب: اختر من إبلي عدة إبلك، فاختار ذلك، وانصرف عبيدة إلى بني الْحَارِث، فتزوج امْرَأَة من جَرم، فَمَنْ ولده شريح بْن عامر بْن عَبْد، وهو الأعور، فَلَمَّا ولي الرَّبِيع بْن زياد الحارثي خراسان أتاه فولاه بعض أعمال سجستان، فأصاب مالًا فتزوج ابْنَة ضرار بْن القعقاع، فولدت له صدر الأعور واسمه بشر، وقال رَجُل من بني ضبة يهجو صدرًا واسمه بشر:
أنختُ إِلَى صدر قلوصي وليتني ... نفذت وجاوزت الصدور إلى القفر
__________
[1] سيرد فيما بعد باسم: صدر الأعور دون/ ابن/.(12/36)
نَمَتْ بك للأنساب أمٌ كريمةٌ ... حَصَانٌ ولكن من أَخس أَبَا صدر
فإنك لم تشبه لقيطا وفعله ... وإن أنت أطعمت الأرز مع التمر
وقال الفرزدق يهجوه، وذلك أن رجلًا من البراجم قطع أنف رَجُل من بني تميم فحملت ديته، فأتى صدرًا فلم يعِنْهُ فقال:
لحي اللَّه صدرًا من منادى إِلَى التي ... بأمثالها ضاقت صدور البراجم
فلو كان صدر دارميًا أجابنا ... ولكن صدرًا ليس من صلب دارم [1]
ومن ولد الْحَارِث بْن زرارة: امرئ القيس ويكنى أَبَا شوال وذكره جرير فقال:
أبنو طهيَّة يعدلون فوارسي ... وفوارسًا فيهم أَبُو شوال [2]
وجاء الْإِسْلَام وعنده ابْنَة امرأته فرفع ذلك عوف بْن القعقاع إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، ففرق بينهما.
ومن ولد امرئ القيس هَذَا: عبيدة بْن الرَّبِيع بْن امرئ القيس، وكان اصطحب والفرزدق من القرعاء، فَضَلَّ عبيدة وكان دليل القوم، ثُمَّ وقع على الطريق فساق الفرزدق الإبل وارتجز فقال:
يابن ربيع ما رَأَيْت أحدا ... يبقى على الأيام أو مخلدا
كأنما كان عبيدا إذ هدى ... بالغور حَتَّى أنجدت وأنجدا
قلائصًا إذا علون فدفدا ... يرمين بالطرف النجاد الأبعدا
__________
[1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] ليس في ديوان جرير المطبوع.(12/37)
فإنَّهُنَّ إذ جَعَلْنَ ثهمدا [1] ... ذات اليمين وافترشن الفرقدا [2]
تفوح منهن نعامًا أبدا
وأما خزيمة بْن زرارة،
وبه كان يكنى زرارة، وكان أكبر ولد زرارة، وكان شريفًا، وكان من ولده عَبْد اللَّه بْن خزيمة، وكان حاجب فِي غارة فَعُقِر فرس حاجب فعطف عليه وقال: اركب أَبَا العِكرش فأردفه، فقال عَبْد اللَّه فِي ذلك:
أتنسى إذ عطفت وأنت تدعو ... بذات الرمث إذ سقط اللواء
فَإِن تكفر ولا تشكر بلائي ... فعند اللَّه يلتمس الجزاء
وكان قد وقع بين بني القعقاع بْن معبد بْن زرارة، وبني عُبَيْد بْن خزيمة بْن زرارة وإخوته شرُّ فاقتتلوا بخوّ، فقتل بينهم قتلى، فقتل المخش سيد بني عُبَيْد، فقال شاعر من بني عبيد.
وسائله عن يوم خو ولو رأت ... مصارعنا لاستعبرت وأَرَنَّتِ
همُ وَرَدُوا وِرْدَ الكرام وأنهلوا ... صدور القَنَا بالطعن حَتَّى اسبغلت [3]
عمرت ونفسي بالمخشِّ ضنينة ... حذار الردى لو عُوفِيَتْ حين ضَنَّتِ
فلم تَلْقَ قعقاع لها فِي لقائنا ... هواها ولا من أمرنا ما تَمَنَّتِ
وأُخذ رَجُل من بني خزيمة بْن زرارة يُقَالُ له خزيمة بالمدينة فقدمه مُوَرَّقُ بْن قَيْس بْن عوف بْن قعقاع إِلَى يحيى بْن الحكم وهو على المدينة، فأقاده له فقال مورق:
__________
[1] جاء في ديوان الفرزدق ثمهدا وفي معجم البلدان: ثهمد جبل في ديار بني عامر أو في ديار غني.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 166 مع فوارق.
[3] اسبغل الثوب: ابتل.(12/38)
شفى النفس يوم بالبقيع شهدته ... على آل طودٍ شَرُّهُ متطاول
غداة اجتمعنا عند يحيى أخي التقي ... فكان أَبُو مروان أكرم فاعل
مَشَى بين أعلى منكبيه ورأسِهِ ... طويل نجاد السيف رخو الحمائلِ
يعني الَّذِي ضرب عنق الرجل. والطود هُوَ ابن عُبَيْد بْن خزيمة بْن زرارة بْن عدس، وكان الطود شريفًا.
ومن بني عُبَيْد بْن خزيمة: حنظلة بْن أُصيلة وأمه بِنْت البياع، وله يقول جرير:
قيس تعدّ لك السليل ومعبدا ... وفخرت يا بن أَصيل بالبياع [1]
قيس بْن ضرار بْن معبد بن زرارة والسليل الشيباني، وو أم قَيْس من ولد السليل. وقال الأشهب بْن رميلة فِي يوم خَوّ:
فَإِن الَّذِي مارت [2] بخو دماؤهم ... هُمُ القوم كل القوم يا أم خَالِد
هُمُ ساعد القوم الَّذِي يتقى به ... وما خير كفٍ لا تنوء بساعد
أويت لعبد اللَّه مما أصابها ... وغبت ولم تنفع شهادة شاهد
أسود شرًى لاقت أُسودَ خَفيَّةُ ... تساقوا على لوح دماء الأساود
وأما لبيد بْن زرارة
فولد: صامت بْن لبيد وبقيتهم قليلة.
وأما معبد بْن زرارة
فكان يكنى أبا القعقاع وقد رأس، فأسرته بنو عامر بْن صعصعة يوم رحرحان، فصيروه بالطائف عند أَبِي عقيل جد الحجاج، فكان يؤتى به الموسم فِي كل سنة ليفدى وطلبوا فداءه ألف بعير، فقال لقيط: صبرًا أَبَا القعقاع فإنا لا نقدر على هَذَا. فقال معبد: ما كان
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] مارت: جرت. القاموس.(12/39)
ليلقاني أحد من إخوتي أشد بغضًا لي منك. فمات هزلًا وضعفًا وكانوا يأتونه باللبن فيقول: كيف أقبل قراكم وأنا فِي القَدّ، إني إذًا لمهياف، أي عطشان، فكانوا يعمدون إِلَى شظاظ فيجعلونه بين أسنانه ويوجرونه لئلا يموت ثُمَّ إنه هلك عندهم.
وكان سبب يوم رَحْرَحان [1] أن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب جمع لبني عبس وحاربهم، فاضطرب وزهير بْن جذيمة بْن رواحة العبسي بسيفيهما، وسقط زهير تحت خالد فضربه حندج بْن البكاء فقتله، ومضى خَالِد بْن جَعْفَر إِلَى النعمان فاستجار به خوفا من أن يطلبه قومه بنو عبس بدم زهير، وغضبت غطفان لقتل زهير، فضمن لهم الْحَارِث بْن ظالم أن يفتك بخالد، فقدم على النعمان فحياه وواكله، ثُمَّ إنه دخل على خَالِد فقتله، ثُمَّ جاء إِلَى بني زرارة بْن عدس فكان المتولي لإيوائه معبد بْن زرارة، وكان يحوطه، فَلَمَّا علم الأحوص بْن جَعْفَر بِذَلِك خرج ببني عامر يريد بني دارم ليطلب حارثًا بدم أَخِيهِ خَالِد، فالتقوا برحرحان فاقتتلوا، وطُعِن معبد بْن زرارة فِي كُدْرة الخيل وكبتها، فسند فِي هضبة فأبصره عُضرْوط [2] لعامر والطفيل ابني مالك، وهو رَجُل من غني فحدره إليهما وهو يستدمي، فأَسراه وأثابا الغنوي عشرين بعيرًا، وقال عوف بْن الخَرِع التيمي يعير لقيطًا:
هلا كررت على ابن أمك معبد ... والعامريّ يقوده بصفاد
وذكرت من لبن المحلق [3] شربة ... والخيل تعدو بالصعيد بَدَاد
__________
[1] بهامش الأصل: يوم رحرحان.
[2] الكدرة: المثار من المدر أي الغبار. والعضروط هو التابع أو الأجير. القاموس.
[3] بهامش الأصل: كانت ابلهم موسومة بحلق ذهب.(12/40)
وقال عامر بْن الطفيل:
قضينا الحي من عبس وكانت ... منية معبد فينا هُزالا [1]
فولد معبد بْن زرارة: القعقاع [2] أمه معاذة بِنْت ضرار بْن عمرو الضَّبِّيّ، وعمير بْن معبد. وعدس بْن معبد. وظالم بْن معبد. وناهش بْن معبد. وليس لهم عقب إلا القعقاع، وتزوج دختنوس عمير بْن معبد، وهلك فقالت:
أَعَيْنيْ ألا فابكي عمير بْن مَعْبد ... وكان ضروبًا باليدين وباليد
قَالُوا: وكان القعقاع بْن معبد بْن زرارة يكنى أَبَا الحصين، وكان يأخذ المرباع ونُفِّر القعقاع على خَالِد بْن مالك النهشلي، نفَّره عليه ربيعه بْن جدار الأسدي وكانا تنافرا إليه. ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة وفيه يقول المسيب بْن علس الضبعي:
ولأهدينَّ مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة إِلَى القعقاع
أنت الوفي فلا يُذم وبعضهم ... يودي بذمته عقاب ملاع [3]
وَإِذَا السراة تدافعت أركانها ... فُضِّلْتَ فوق أكفِّهم بذراع
ولذاكُمُ زعمت تميم أنه ... أهلُ السماحة والندى والباع
وأدرك القعقاع بْن معبد الْإِسْلَام، ووفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع خَالِد بْن مالك النهشلي، فقال أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: يا رسول اللَّه استعمل هَذَا، وقال عُمَر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: يا رسول الله استعمل ذاك،
__________
[1] ديوان عامر بن الطفيل- ط. دمشق 1994 ص 199.
[2] بهامش الأصل: القعقاع بن معبد رحمه الله.
[3] الملاع: المفازة لا نبات بها، وقولهم: أودت بهم عقاب ملاع: من نعت العقاب أو هي العقيب التي تصيد الجرذان. القاموس.(12/41)
فاستعمل واحدًا منهما، وزعموا إنه نزلت فيهما: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله [1] ، وذلك أنهما تكلما ورفعا أصواتهما.
فولد القعقاع بْن معبد:
حصين بْن القعقاع وأمه ليلى بِنْت حاجب بْن زرارة. وضرار بْن القعقاع. ونعيم بْن القعقاع. والأهتم بْن القعقاع.
والمجشر بْن القعقاع، وأمهم عُميرة بِنْت عطارد بْن حاجب بْن زرارة.
وعوف بْن القعقاع. ومعبد بْن القعقاع، وشهاب بْن القعقاع. وخولة كَانَتْ عند طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه، فهلك عَنْهَا فتزوجها أَبُو جهم بْن حُذيفة العدوي.
وقال الكلبي: كان يُقَالُ للقعقاع بْن معبد بْن زرارة تيار الفرات لجوده.
وكان حصين بْن القعقاع مخضرمًا، وكان شاعرًا وقتل يوم القادسية، وكان يكنى أبا جهمة، وجهمة ابْنَة له.
وكان ضرار بْن القعقاع سيدًا، ويكنى أَبَا نعيم، ومن ولده:
النجم بْن بسطام.
وأخوه بدر بْن ضرار بْن القعقاع، كان سيدا بالبصرة. وبسطام بْن ضرار القائل:
أَنَا ابن بني زرارة من تميم ... ومن شَيْبَان فِي الحسب الجسيم
وتزوج جَعْفَر بْن سُلَيْمَان بْن علي أم عُمَر بِنْت النجم بْن بسطام، وكانت أم بسطام شيبانية.
وكان نعيم بْن ضرار بْن القعقاع اعتزل الحرب التي كانت بين أهله
__________
[1] سورة الحجرات- الآية: 1.(12/42)
وبين بني عُبَيْد وقال:
لا ينتهي نوكاكم قبل وقعة ... لها فِي وجوه الظالمين وشوم
فيظعن بنت العز عنكم لجهلكم ... ويصبح بيت الذل وهو مقيم
وقال بسطام بْن ضرار بْن القعقاع يعير نعيمًا وأخاه القعقاع بْن ضرار بقعودهما عَنْهُ:
رأيتكما ابني بِنْت سعد بْن صامت ... لئيمين إذْ هز الثقاف قفاكما
تقاعستما عني وقد حمس الوغي ... وأسلمتما عند الحفاظ أخاكما
فإنكما لن تنفعا إن نصرتما ... وإن تخذلاني لا يُضِرْني رداكما
وكان مِمَّنْ لم يحضر تلك الحرب يوم خو قَيْس بْن ضرار بْن القعقاع لأنه هرب إِلَى أخواله بالجزيرة فقال جرير:
وترى القتال مع الكرام محرمًا ... وترى الزناء عليك غير حرام [1]
ومات قَيْس بالجزيرة.
وأما نعيم بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة فقتله بشر بْن مروان بْن الحكم بالكوفة أيام ولايته إياها، لأن حوشب بْن يزيد سعى إليه به، وقد ذكرنا خبره مع خبر بشر بْن مروان.
وولد نعيم: الهلقام بْن نعيم بْن القعقاع قتله الحجاج لخروجه مع ابن الأشعث، ولما أتي به أسيرًا، قال: أخرجت مع هَذَا الحائك بن الحائك؟
فقال الهلقام: خرجت معه لأَلَيِ العراق كما وليته. فقال لحوشب بْن يزيد:
قم فاضرب عنقه فقتله وقد ذكرناه فِي خبر ابن الأشعث فِي أيام عَبْد الملك بن مروان.
__________
[1] ديوان جرير ص 438.(12/43)
وأما الأهتم بْن القعقاع، فَلَه عقب بالبادية.
وأما المجشر بْن القعقاع فكان ناسكًا، وكان له ابن يُقَالُ له سُلَيْمَان.
وأما عوف بْن القعقاع بْن معبد فكان أتْيَهُ الناس، وأعظمهم نخوة وأجفاهم، قال له رَجُل: الطريق يا عَبْد اللَّه، فقال، لهدك [1] عَبْد اللَّه أَنَا إذا. فقال الحجاج: لو أدركته لتقربت إِلَى اللَّه بدمه، وكان مخضرمًا.
ومن ولد عوف هَذَا: القباع بْن عوف وأمه أم النعمان قتله هبيرة بْن ضمضم بْن شريح بْن سِيدان بْن مرة بْن سُفْيَان بْن مجاشع، وذلك أن زياد بْن أَبِي سُفْيَان بعثه إِلَى بني القعقاع ليأخذهم لأنهم قتلوا حكيم بْن برق بقيس بْن عوف بْن القعقاع، وقتل قَيْس فِي حرب كَانَتْ بينهم وبين بني طهيَّة بالقرعاء [2] ، وحكيم بْن برق طهوي فخرج القباع إِلَى هبيرة بالسيف وهو يقول:
أَنَا القباع وابن أم الغمر ... من كان لا يدري فَإِنِّي أدري
هَلْ أَقبلنَّ إن قبلتُ ثأري
وقتله ابن ضمضم فقال الفرزدق:
لعمري وما عمري علي بهينِّ ... لبئس المدى أَجرى إليه ابن ضمضم
غزا من أصول النخل حَتَّى إذا انتهى ... بكنهل [3] أدَّى رمحه شر مغنم
__________
[1] لهده: أثقله، أو دفعه دفعة لذلة، أو ضربه، واللهد: انفراج يصيب الإبل في صدورها، وداء في أرجل الناس وأفخاذهم كالانفراج. القاموس.
[2] القرعاء: منزل في طريق مكة من الكوفة بعد المغيثة وقبل واقصة إذا كنت متوجها إلى مكة.
معجم البلدان.
[3] كنهل: اسم ماء لبني تميم. معجم البلدان.(12/44)
فكنت كذئب السوء لما رَأَى دمًا ... بصاحبه يومًا أحال على الدم [1]
فدفع هبيرة ابنًا له صغيرًا إِلَى عوف بْن القباع فقتله بالقباع فقال الفرزدق:
وضيع أمري الأقعسان فأصبحا ... على ندم والشر يندم جانبه [2]
فليتكما يا بني سُفَيَّنة كنتما ... دمًا عند رجليها يسيل سبائبه [3]
الأقعسان: هبيرة وأخوه الأقعس ابنا ضمضم وسُفَيَّنة أمهما. وليس للقباع عقب.
وهلال بْن عوف بْن القعقاع كان من أعبد أَهْل زمانه وأطولهم صلاة وله عقب بالبصرة.
وكان أُنيف بْن معبد بْن القعقاع فارًا فعرض على الحجاج، فقال الحجاج: هَذَا من أَهْل بيت جفاء. فقال: غيرنا والله أجفى منا. فلم يعاقبه الحجاج.
وكان شهاب بْن القعقاع من نبلاء أصحابه، وكان قاعدًا ذات يوم على ركيَّة فتهدمت فسقط فيها وأخرج ميتًا فقال عوف بْن القعقاع:
يا ليت فوقي يجذب الأسباب ... وعاش فِي أصحابه شهاب
يعني الحبال التي دليت حَتَّى أخرج بها، يقول: ليتني الساقط في البئر.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 178. مع فوارق.
[2] بهامش الأصل: خ- صاحبه.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 43- 44، وسبائبه: طرائقه.(12/45)
خبر زرارة وبني تميم فِي يوم أوارة:
حَدَّثَنَا عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أَبِيهِ وخراش بْن إِسْمَاعِيل وغيرهما قَالُوا: كان عمرو بْن المنذر بْن امرئ القيس، وهو عمرو بْن هند بِنْت الْحَارِث بْن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار الكندي، وعمرو هُوَ مضرط الحجارة، وسمي بِذَلِك لهيبته وشراسته، عاقد طيئًا على ألّا يراعوا ولا يغزوا، وأن عمرًا غزا عَبْد القيس باليمامة لحدث أحدثوه، فرجع على غير ظفر بشيء، فمر بطيء فقال له زرارة بْن عُدُس بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم: أبيت اللعن، أصب من هَذَا الحي شيئًا، فقال: ويلك إن لهم عقدًا، قال: وإن كان. فلم يزل به حَتَّى أصاب نسوة وأذوادًا، فقال قَيْس بْن جروة الأجائي.
تخب بصحراء الثوية ناقتي ... كعدوى رباع قد أَمَخَّتْ نواهقه [1]
إِلَى ابن امرئ القيس بْن هند تزوره ... وأَخْلِقْ به ألا تُذَمَّ خلائقه
فإنّ نساءً عين ما قيل باطل ... غنيمة سوء وسطهن مهارقه [2]
فأقسمت لا أحتل إلا بصهوة ... حرام عليَّ رَمْلُهُ وشقائه [3]
وإن لم يغير بعض ما قد صنعتم ... لأَنْتَحيَنْ للعظم [4] ذو أنت عارقه [5]
فسمي عارقًا بهذا البيت فَلَمَّا بلغ عمرًا هَذَا الشعر غزا طيئًا، فأسر ناسًا منهم فاستوهبهم حاتم الطائي، فوهبهم له.
__________
[1] النواهق: عظمان في الساق، والمراد إنها سمينة.
[2] المهارق: الصحائف، وهو حرير يسقى صمغا، ويصقل ثم يكتب فيه.
[3] الشقائق: قطع غلاظ بين جبال الرمل واحدتها شقيقة.
[4] ذو بلغة طيّئ: الذي.
[5] النقائض ج 3 ص 1081- 1082.(12/46)
وَكَانَ المنذر بْن ماء السماء، وَهِيَ أمه من النمر بْن قاسط، وهو أَبُو عمرو مضرط الحجارة وضع ابنًا له يُقَالُ له مالك، ويقال أسعد، عند زرارة، وكان صغيرًا فَلَمَّا صار رجلًا، خرج ذات يوم يتصيد فأخفق، فمر بإبلٍ لسويد بْن ربيعة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم، وكانت عنده ابْنَة زرارة بْن عُدس، فأمر مالك، ويقال أسعد، ببكرة منها فنحرت وسويد نائم، فَلَمَّا انتبه شد على ابن المنذر فضربه بعصا على رأسه فقتله، وخرج هاربًا إِلَى مكة فحالف بني نوفل بْن عَبْد مناف بْن قصي، فَلَمَّا بلغ عمرو بْن المنذر قتل أَخِيهِ فاضت عيناه وبكى، وبلغ ذلك زرارة فهرب وركب عمرو فِي طلبه فلم يقدر عليه فأخذ امرأته وهي حبلى فقال: ما فعل زرارة الغادر الفاجر المنتن؟ فقالت: إن كان ما علمته لطيب العرق سمين المزق لا ينام ليلة يخاف، ولا يشبع ليلة يُضاف، فبقر بطنها وانصرف، فقال قوم لزرارة: ما أنت والله قتلت أخا عمرو بْن هند فَأْتِهِ فأصْدِقْهُ فَإِن الصدق نجاة، وهو نافع عنده فأتاه زرارة فاعتذر إليه وأخبره الخبر فأمره أن يجيء بسويد فقال: قد لحق بمكة. قال: فأحضرني ولده من ابنتك فأتاه بهم فأمر بأحدهم أن يقتل فجعل يتعلق بجده زرارة فقال زرارة: يا بعضي سَرِّح بعضًا فذهبت مثلًا. وقتلوا أجمعون، وآلى عمرو بْن هند بآليةٍ ليحرقن من بني دارم مائة رَجُل، فخرج يريدهم، وبعث على مقدمته عمرو بْن ثَعْلَبَة بْن مِلْقَط الطائي، فوجد القوم قد نذروا به، فأخذ منهم ثمانية وتسعين رجلا بأسفل أوارة من ناحية البحرين، ولحقه عمرو بْن هند فِي الناس حَتَّى انتهى إِلَى زرارة، فضربت له قبة، وأمر بأخدود فَخُدَّ لهم، وأضرمت النار حَتَّى إذا تلظت قذف بالثمانية والتسعين الرجل فيها فاحترقوا وأقبل راكب من(12/47)
البراجم من بني كلفة بْن حنظلة، وقد رَأَى الدخان فأناخ بعيره وأقبل فاستطعم فقال عمرو بْن هند: مِمَّنْ أنت؟ قال: من البراجم. فقال عُمَرو: إن الشقي راكب البراجم فذهبت مثلًا، ورمى به فِي النار، فاحترق فهجت العرب بني تميم، وقال قائلهم:
ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبون الطعاما
وأقام عمرو بْن هند ثلاثًا لا يرى أحدًا فَقِيل له: أَبَيْتَ اللَّعن، لو تحللت بامرأة منهم فقد أحرقت تسعة وتسعين، فدعا بامرأة من بني نهشل بْن دارم فقال لها إني لأظنك أعجمية فقالت:
ما أَنَا بأعجمية.
وإني لابنة ضمرة بْن جَابِر ... ساد معدًا كابرا عن كابر
وإني لأخت ضمرة بْن ضمرة ... إذا البلاد لُفَّتْ بغمرة
فقال: والله لولا مخافة أن تلدي مثلك لصرفت النار عنك. قَالَتْ:
أما والذي أسأله أن يضع وسادك، ويخفض عمادك، ويصغر حصاتك، ويسلبك ملكك ما قتلت إلّا نسيًّا أعلاها ثدي وأسفلها حليّ، قال: فأمر بها فقذفت فِي النار، فقال ابن الصعق:
وَفَتْ مائة من آل دارم عنوة ... ووفاهموها البرجمي المخيب
وقال لقيط بْن زرارة يعير بني مالك بخدمتهم الملك وإحراقه إياهم:
فأبلغ لديك بني مالك ... مغلغلة وسراة الرباب
فَإِن امرأ أنتم حوله ... يحفون قبته فِي القباب(12/48)
يهين سراتكم عامدًا ... ويقتلكم مثل قتل الكلاب
فلو كنتم إبلًا أملحت ... لقد نزعت للمياه العذاب
ولكنكم غنم تسترى [1] ... ويترك سائرها للذئاب [2]
وقال الأعشى:
من مبلغ عمرا فإنّ الم ... رء لم يخلق صبارة
وحوادث الأيام لا يبق ... ى لها إلا الحجارة
ها إن عجرة أم ... هـ بالسفح أسفل من أواره
فاقتل زرارة لا أرى ... في القوم أوفى من زرارة [3]
[سائر بني زرارة]
ومن بني عَبْد اللَّه بْن دارم ثُمَّ من بني مُعَاوِيَة بْن عَبْد اللَّه: أسماء بْن سُمَيّر، قتله عمرو بْن هند يوم أوارة، ولهم بقية.
ومن بني ذؤيب بْن عَبْد اللَّه: ربيعة بْن ذؤيب، وكان ذا رَأَى، وهو الَّذِي بعثه حاجب بفدائه إِلَى مالك ذي الرقيبة القشيري، وهو ألف بعير فرد مالك على ربيعة منها ثلاثمائة.
ولغثة، وأمية ابني عَبْد اللَّه بْن دارم بقية، ولوهب بقية أيضًا.
وقال أَبُو اليقظان: ولد زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن دارم: عَبْد اللَّه بْن زَيْد، فصار ولد عَبْد اللَّه بْن زَيْد بهجر، وقدموا البصرة فكانوا فيهم، ثُمَّ جاء صعب بْن نهشل أحد بني عَبْد اللَّه بْن دارم فِي أيام مروان بْن مُحَمَّد الجعدي بكتابه إِلَى سلم بْن قُتَيْبَة أن يلحقهم ببني عَبْد اللَّه بن دارم، فقال رؤبة بن
__________
[1] استريتهم: اخترتهم. القاموس.
[2] النقائض ج 2 ص 1081- 1087
[3] انظر ديوان الأعشى ص 75- 79.(12/49)
العجاج:
أشهد بالله العزيز العالم ... ما جاء صعب بحديث آثم
فالحقن دارمًا بدارم [1]
وقال شاعرهم:
فَمَا هجر أمُّ علمت ولا أبٌ ... فانسب إلا للكريم ابن دارم
فلحقوا به فهم فيهم.
ومن بني زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن دارم: خُليد عَينين، كان ينزل أرضًا يُقَالُ لها عَينان، وهو القائل:
أيها المُوقِدان شبا سناها ... إن للضيف طارفي وتلادي
واسعراها حَتَّى أرى فِي سناها ... ناهضًا باديًا كصفر الجراد
وعرض خليد عينين لما قال جرير للصلتان العبدي:
أقول ولم أملك أمال ابن حنظل ... مَتَى كان حكم اللَّه فِي كرب [2] النخل [3]
فقال خليد:
أي نَبِيَّ كان من غير قرية ... وما الحكم يا بن اللؤم إلا مع الرسل
فقال الشاعر:
ذَرَنَّ الفخر يا بن أبي خليد ... وأد خراج رأسك كل عام
لقد علقت يمينك رأس ثور ... وما علقت يمينك من لجام
وقال جرير أيضا:
__________
[1] لم ترد هذه الأبيات في ديوان رؤبة المطبوع.
[2] الكرب: اصول السعف الغلاظ العراض. القاموس.
[3] ليس في ديوان جرير المطبوع.(12/50)
كم عمة لك يا خليد وخالةٍ ... خُضْرٌ نواجذها من الكراث
نشأت بمنبته فطاب لشمها ... ونأت عن القيصوم والجثجاث [1]
فلم يجبه خليد فسقط.
ومنهم قراد بْن حنيفة بْن عَبْد مناة بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه كان شاعرًا، وهو الَّذِي خرج مع لقيط بْن زرارة حين توجه إِلَى قَيْس بْن مَسْعُود لخطبة ابنته، وقد كتبنا خبره وفيه يقول لقيط:
أُنظر قُراد بنفسي أنت معترضًا ... عرض الشقائق هَلْ عاينت أظعانا
وهو قراد مية بِنْت زَيْد امْرَأَة من رهطه، كَانَتْ عند حاجب بْن زرارة، فقال لحاجب: طلقها فَإِنِّي رَأَيْت منها شيئًا لا أحب معه أن تكون عندك فطلقها حاجب فتزوجها قراد، وأنشأ يقول:
وطلق حاجب فِي غَيْر شيءٍ ... حليلته لينكحها قراد
فأصبح زوجها قد كان منها ... مكان السيف من جفن الغماد
وقال قراد أيضًا:
تمنى حاجب وأخوه عمرو ... لقائي بالمغيب ليقتلاني
وما أجرمت شيئًا غير أني ... وصلت حبال مُكملة حصان
يخوفنيكما عمرو بْن قَيْس ... كأني من طهيَّة أو أبان
فلو لم يخش غيركما عدوًا ... لأصبح آمنا صعب المكان
وقال قراد أيضا:
__________
[1] ليسا في ديوان جرير المطبوع، والجثجاث: كالقيصوم لطيب رائحته، وهو نبات سهلي ربيعي، وقيل هو يشبه الشجر أخضر ينبت بالقيظ له زهرة صفراء. معجم أسماء النباتات الواردة في تاج العروس.(12/51)
ألا تنهى عباية أو عُليم ... بني الطُوبان عن ظلم الصديق
هُمُ نذروا دمي من غير جرمٍ ... ولم يرعوا مراقبة الرفيق
إذا ما نطفة في قعر حوض ... فلا إلى هاب من الشقيق
عباية وعُليم من بني عمرو بْن عمرو بْن عُدُس. والطُوبان من بني مرة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم أم بني عمرو بْن عمرو. وقوله: إذا ما نطفة يعني الماء، إنهم لا يسقونه شقيقًا، ولا أحدًا، وهم يعابون بِذَلِك فقتله حاجب بْن زرارة لما ركبه به فِي امرأته، فتحالفت عند ذلك قبائل عَبْد اللَّه:
مُرَّة، ومالك، وحارثة، ومعاوية، وحِقّ وجَناب وقُثَّة، ووهب، وأمية على بني عُدُس بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه، فقالوا لحاجب: أرضهم من حقهم وأعطهم رجلًا يقتلونه بقُراد، فدفع إليهم امرئ القيس بْن أَبِي الْحَارِث بْن زرارة فقال حنيفة أبو قراد: هَذَا والله القريب الرحم، القليل الجرم، وخلى سبيله.
ومن بني مالك بْن زيد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم: عُبيد اللَّه بْن مضارب بْن حَيّان وكان لسنًا عالمًا، وكان فِي حرب عدي بْن أرطاة الفزاري على بعض بني تميم وَفِي ذلك يقول قدامة بْن عَبْد الرَّحْمَن الهلالي:
لقد كثرت عهود الناس حَتَّى ... تخوفنا من الحدث العظيم
وعبد اللَّه والي أمر بَكْر ... وأنت ولي عهد بني تميم
عَبْد اللَّه بْن كليب السدوسي على بَكْر بْن وائل. وقال المِرْقال، وهو زياد، مَوْلَى لبني عمرو بْن عمرو، وكان مكاتبًا، وكان أتى ابن مضارب فسأله فلم يعطه، وأتى الفرزدق فأعطاه جملا:
إن تجف عني يا بن حيان يَكْفني ... وإياك حمال المئين ابن غالب(12/52)
فتى كان خيرًا من أبيك عُصارة ... إذا عصر العيدان يا بن مضارب
دَفُوعٌ عن الأحساب معترف له ... حقون دم المولى بحمل الرغائب
حباني لما جئت والمرء راجل ... بأصهب وجاف أمام الركائب
ومنهم خَالِد بْن علقمة الشاعر الَّذِي يُقَالُ له الطيتان، وهي أمه طائية.
ومن بني مرة: زَيْد بْن عَبْد اللَّه بْن دارم. وعروة بْن شراحيل، كان شاعرًا وهو القائل:
على باب مسروح تبغون حاجبًا ... كما يبتغي الرعيان تالية الغنم
مسروح عبدٌ كان لحاجب يقيم قراه لمن ضافه، وهجا القعقاع بْن معبد فقال:
تَخَلَّجُ كالمجنون أَوْ بِكَ عرة ... كأنك قد قبضتني فِي شمالكا
وكاين ترى من طاعم لا تعوله ... ومن ذي غنًى ما ناله فضل مالكا
وَإِنَّكَ لو أحببتني ما نفعتني ... ولو رمت ضرّي ما اتسعت لذلكا
ومن بني حِقّ بْن زَيْد، وكان حق يلقب البضَّاع، فارس مَشول، ولم يكن بالنبيه، وابنته أم شَيْبَان بْن علقمة بْن زرارة بْن عدس، وبقيتهم قليلة.
ومن بني حارثة بْن زَيْد: مرثد أَبُو المأموم بْن غوَّية قتله مرداس بْن حيان، رَجُل من بني مُعَاوِيَة بْن عَبْد اللَّه بْن دارم، فأخذوا الدية، فقال رَجُل يهجو ابنيه:
بني مرثد إنّ الَّذِي تشربونه ... دم غير أن اللون ليس بأحمرا(12/53)
ومن بني ربيعة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم: سُوَيْد بْن زَيْد بْن ربيعة، ويقال سُوَيْد بْن قَيْس بْن ربيعة، وسويد هُوَ الَّذِي ضرب رأس مالك بْن المنذر بن ماء السماء، وهو أخو عمرو بْن هند فأمَّه، فآلى عمرو بْن هند أخوه ليحرقنّ منهم مائة فلحق بمكة، وحالف بني نوفل بْن عَبْد مناف وقد ذكرنا خبره.
ومن ولده: أَبُو إهاب بْن عزيز بْن قَيْس بْن سُوَيْد بْن ربيعة، كان فيمن سرق غزال الكعبة، وله يقول حسان بْن ثابت:
أَبَا إهاب فبيِّن لي حديثكم ... أَيْنَ الغزال عليه الدر من ذهب [1]
وقد كتبنا خبر الغزال فِي حديث أَبِي لهب بن عبد الملطلب بْن هاشم، وآل أَبِي إهاب بمكة إِلَى اليوم، وكان أَبُو إهاب دس للفتك بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلقيه طليب بْن عمير فضربه بِلَحْي جمل فشجه.
وأما عُدُس بْن زَيْد فقتله بنو ثمالة من الأزد.
وقال أَبُو اليقظان: وكان شراحيل بْن عُدُس شريفًا، وَفِي ولده صلاح وبقية حسنة.
منهم وضاح بْن خيثمة بْن يزيد بْن عاصم بْن خيثمة بْن شراحيل، وكان يزيد بْن عاصم مِمَّنْ شهد فتح الأبلة، وكانت من ولد شراحيل امْرَأَة يُقَالُ لها زُنَيْمة أَخَذَ مروان ابنها فحبسه فِي تهمة دم فقالت:
تطاول هَذَا الليل من خشية الردي ... على ضيف مروان الَّذِي فِي الحدائد
تَبيَّنْ هداك اللَّه أن محمدًا ... أبى أن يُقِيد الناس إلا بشاهد
وقال أَبُو اليقظان: ولد عمرو بن عدس: عمرو بن عمرو، واسمه
__________
[1] الشطر الأول في ديوان حسان ج 1 ص 135، 370: «سائل بني الحارث المزري بمعشره» .(12/54)
طارق، وإنما سمي باسم أَبِيهِ بعد موته لشبهه به، وكان عمرو أبرص أبخر، فيقال لولده أفواه الكلاب.
وكان لزرارة موضع من كسرى ووهب له جارية اسمها المذبَّة، فولدت له.
قال هشام الكلبي: ومن ولد عَبْد اللَّه بْن دارم: عروة بْن شراحيل بْن مرة بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم، كان شاعرًا شريفًا.
ومن بني عمرو بن عدس: هلال بْن وكيع بْن بشر بْن عَمْرو بن عمرو بن عدس، قتل يوم الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها.
وعلقمة بن يعسوب بن عباية بن بشر بن عمرو بن عدس وكان شريفا.
ومن بني خزيمة بْن زرارة: الطود بْن عبيد بن خزيمة بن زرارة بن عدس كان شريفًا.
ومن بني مالك بْن زَيْد بْن عَبْد اللَّه: قُراد بْن حنيفة بْن عَبْد مناة بْن مالك بْن زَيْد، وهو خال حاجب، وقتله حاجب لأنه كان يشبب بامرأته، وله يقول لقيط:
انظر قراد وهاتي نظرة جزعا ... عرض الشقائق هَلْ بَيَّنْتَ أظعانا
ومن بني عَبْد اللَّه: الحصين بْن عَبْد اللَّه بْن أَنَس بْن أمية بْن عَبْد اللَّه بْن دارم، وهو حليف لبني مخزوم بمكة.
ومنهم المنذر بن ساوى من بني عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن دارم صاحب هجر، كتب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه يدعوه إِلَى الْإِسْلَام، وكان على العرب من قبل الفرس، وكان يُقَالُ إن عَبْد اللَّه هُوَ الأسبذي. والأسبذ قرية(12/55)
بهجر كانوا ينزلون بها فنسب إليها، ويقال كان من الأسبذين قوم كانوا يعبدون الخيل.
ومن بني عمرو بْن عمرو بْن عُدُس: سماعة بْن عمرو بْن عمرو بْن عدس، كَانَتْ أمه عبسية فقتلت عبس أَبَاهُ، فقتل به منهم خاله فذلك قول مسكين بْن عامر الدارمي:
وقاتل خاله بأبيه مِنَّا ... سماعة لم يبع حسبا بماله
كانوا عرضوا عليه الدية فلم يقبلها.
ومنهم مسكين بْن عامر بْن أنيف بْن شريح بْن عمرو بْن عمرو بْن عدس الشاعر الَّذِي قال:
ناري ونار الجار واحدة ... وإليه قبلي ينزل القدر
ما ضر جارًا لي أجاروه ... ألا يكون لبابه ستر [1]
وكانت امرأته تُماظَّة فقالت له: صدقت إن نارك ونار جارك واحدة لأن النار له وإليه ينزل قدره، فَإِن تفضل عليك أطعمك، وأما قولك:
ما ضر جارًا لي أجاوره ... ألا يكون لبابه ستر
فلو كان لبابه ستر لم ينفعه لأنك تهتكه.
وقال أَبُو اليقظان: كان يُقَالُ لربعي بْن عمرو بْن عمرو مُلاعب الأسنَّة.
قال: وحنظلة بْن بشر بْن عمرو بْن عمرو أسر الحوفزان وجز ناصيته وخلى عَنْهُ بلا فداء [2] .
__________
[1] شعر مسكين الدارمي ص 45.
[2] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث، ولله الحمد.(12/56)
نسب بني مجاشع بْن دارم
وولد مجاشع بْن دارم: سُفْيَان بْن مجاشع. والأبيض بْن مجاشع.
وعامر بْن مجاشع. وشيطان بْن مجاشع درج. والحشر بْن مجاشع درج.
والخيبري درج، وأمهُمْ شَراف بِنْت بَهْدلة بْن عوف بْن كعب بْن سعد.
ويقال هي شراف. وثعلبة بْن مجاشع. والقداح بْن مجاشع. وذريح بْن مجاشع. ونعمان بْن مجاشع. وحرام بْن مجاشع. ومجاشع بْن مجاشع.
وعبد اللَّه بْن مجاشع، وأمهم ابْنَة أحمر بْن بهدلة واسمها الشُريفاء.
والجوّال بْن مجاشع.
قَالُوا: وكان مجاشع بْن دارم بذيئًا، وكان له لسان فقعد ونهشل عند ملك من الملوك فجعل الملك يقبل على نهشل ولا يجد عنده كلامًا، فَلَمَّا خرجا من عنده جعل مجاشع يعلم نهشلًا الكلام فقال نهشل: إني والله ما أستطيع تكذابك، وتأثامك شولان البروق، يعني الناقة التي ضربها الفحل.
فَمَنْ بني مجاشع: الأقرع بْن حابس [1] بْن غفال بْن مُحَمَّد بْن [سُفْيَان بن مجاشع]
__________
[1] بهامش الأصل: الأقرع بن حابس رحمه الله.(12/57)
سُفْيَان بْن مجاشع، واسم الأقرع فراس، وكان في رأسه قرع، وكان حصين بْن القعقاع قال: ما فِي الأرض رَجُل له شرف ولأبيه إلا وأبوه أشرف منه فقال الأقرع: بل أنت أشرف من أبيك. قال: كذبت بل أَبِي أشرف منك ومن أبيك ومني، فغلبه القعقاع. وبلغ الخبر الحصين بْن القعقاع فجاء وهما فِي مجلسهما عند أمير اليمامة فرجز بالأقرع فقال:
يا أقرع بْن حابس قم فاستمع ... ذا الشعرات الزعر والرأس القرع
وكان الأقرع من فرسان بني تميم فِي الجاهلية، فأسره عِمْرَانَ بْن مرة الشيباني يوم سلمان، وكان الأقرع على البراجم يومئذ، فقال جرير يهجو بني مجاشع:
ويلكم يا قضبان الجوفان ... بئس الحماة يوم بطن سلمان
يوم يحوي أقرعيكم عِمْرَانَ [1]
الأقرع ورجل آخر من بني تميم، أو مرثد أخو الأقرع ففدى نفسه ورجع إِلَى قومه يسألهم فِي فدائه، فقبح الحصين بْن القعقاع فعله، وقال وهو يطلب بسبب فدائه ما يجمعه لنفسه فقال:
إذا تسأل القوم سؤالا كالضرع ... جمعًا لما عزمت حَتَّى يجتمع
وكان الأقرع أعرج فقال الحصين:
إنك يا أقيرع القذال ... وأعرج الرجل عن الشمال
تأبي وأدعوك إِلَى الفضال ... حيث يقيس المرء غير آل
مضارب الأعمام والأخوال
يقول إلى المفاضلة أينا أفضل.
__________
[1] ديوان جرير ص 479 مع فوارق كبيرة.(12/58)
قال: وتحاكم إِلَى الأقرع فِي الجاهلية جرير بْن عَبْد اللَّه البجلي والفُرافصة بْن الأحوص الكلبي، فجاء شاعر بجيلة وهو عُمَر بْن الخثارم فجعل يحضض الأقرع، وينتمي إِلَى نزار فقال:
يا أقرع بْن حابس يا أقرع ... إنك إن تَصْرَعْ أخاك تُصرع
وقال أيضًا:
يا بني نزارٍ أنصرا أَخاكما ... إنَّ أَبِي وَجَدْتُه أباكما
لن يُغلبَ اليوم أخٌ والاكما
فحكم الأقرع أن بجيلة أبوهم أنمار بْن نزار بْن معد، وإن قضاعة بْن معد، وأن نزار أشرف من قضاعة، وأن أخسَّ بني نزار أشرف من أفضل قضاعة.
ولما أسلم الأقرع ولاه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض صدقات بني حنظلة، وكان الأقرع فِي وفد بني تميم، فقال له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لقد أبطأ قومك عن الْإِسْلَام» .] فقال: يا رسول اللَّه ما أبطأ قوم عندك منهم ألف رَجُل. يعني مزينة، فقال له النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كيف علمك بقومك» ؟ قال: أَنَا بهم جدُّ عالم: كنانة كاهلها التي تنوء به، وقريش مصابيحها التي تبصر بها وأبصارها التي تنظر بها، وتميم هامتها العظمى، وأسد لسانها الَّذِي تنطق به، وقيس فرسانها وأسنتها التي تطعن بها.
وشهد مع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعض غزواته فأعطاه مائة من الإبل مع المؤلفة قلوبهم، فقال الشاعر- عَبَّاس بْن مرداس [1] :
__________
[1] انظر أخباره وشعره في الأغاني ج 14 ص 302- 320.(12/59)
أتجعل نهبي ونهب العبيد [1] ... بين عيينة والأقرع
وقال أَبُو اليقظان: استعمل عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز الأقرع على بعض خراسان، فسار إِلَى الجوزجان فِي الجيش، فأصيب بعض الجيش فقال ابن الغريزة النهشلي:
سقى صوب السحاب إذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان
إِلَى القصرين مع رُستاق خوت ... أقادهم هناك الأقرعان
الأقرع وأخوه مرثد ابنا حابس ولهما عقب بخراسان.
وكان الأقرع من حكام العرب فِي الجاهلية.
وقال المدائني: وجه الأحنف بْن قَيْس الأقرع بْن حابس فِي خيل وقال: يا بني تميم تعاونوا وتباذلوا تعتدل أموركم، وابدأوا بجهاد بطونكم وفروجكم يصلح لكم دينكم، ولا تغلوا يسلم لكم جهادكم، فسار فلقي العدو بالجوزجان فكانت فِي المسلمين جولة، ثُمَّ كروا فهزموا الكفرة، وفتحوا الجوزجان عنوة، فقال ابن الغريزة النهشلي، وهو كثير بْن عَبْد اللَّه يذكر من استشهد من بني تميم:
سقى صَوْبَ السحاب إذا استهلت ... مصارع فتية بالجوزجان
إِلَى القصرين من رستاق خوتٍ ... أبادهُمُ هناك الأقرعان
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثنا وُهَيْبٌ، ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فَقَالَ:
يَا مُحَمَّدُ إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «ذَلِكُمُ اللَّهُ» .]
ومنهم ناجية بْن عقال بْن محمد بْن سُفْيَان بْن مجاشع،
كان ذا رأي،
__________
[1] كتب فوقها بالهامش: اسم فرسه.(12/60)
وكان من رجال بني تميم فِي الجاهلية، قال الفرزدق:
وناجية الَّذِي كَانَتْ تميم ... تعيش برأيه أنَّى أشارا [1]
ومنهم عِقال بْن شبه بْن عقال بْن صعصعة بْن ناجية الخطيب فِي أيام هشام بْن عَبْد الملك، وعاش إِلَى زمن أمير المؤمنين أَبِي جَعْفَر المنصور، وهو القائل وتكلم عند سليمان بْن علي بالبصرة:
ألا ليت أم الجهم فِي حَيْرةٍ لما ... ترى حيث قمنا بالعراق مقامي
عشية بذ الناس جهري ومنطقي ... وَبَذَّ كلام الناطقين كلامي
وولده خطباء.
وكان صعصعة بْن ناجية [2]
وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم، وهو الَّذِي منع الوئيدة، وكان من خبره أنه أضل ناقتين له، فخرج فِي طلبهما ليلًا، ورفعت له نار فقصدها فجعلت كأنها تبعد عَنْهُ كلما سار، فقال: لئن بلغتها الليلة لا يسألني أحد تنفيس كربة إلّا سارعت إليها. فسار حَتَّى بلغها فوجد عندها صرمًا، وَإِذَا رَجُل من بني الهجيم بْن عمرو بْن تميم فوقف عنده فسلم فقال: من أنت؟ قال: صعصعة بْن ناجية بْن عِقال. قال: مرحبًا بسيدنا وابن سيدنا، انزل ما حاجتك؟ قال: أضللت ناقتين لي مذ الليلة، قال: هما تانك. قال: فَمَا بالي أسمع ضجيج النساء وأرى نارك مذ الليلة لا تطفأ. قال: عندهنّ ما خض لنا تريد أن تضع، قال: فبينا هُوَ كذلك إذ قلن قد جاء قد جاء، يعنين الولد. فصاح بهن الشَّيْخ فقال: والله لئن كان غلامًا فَمَا أدري ما أصنع، وإن كَانَتْ جارية فلا أسمع لها صوتًا ادققن عنقها
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 356.
[2] بهامش الأصل: صعصعة بن ناجية رحمه الله.(12/61)
وادسسنها فِي التراب، فقال صعصعة: ولم تفعل ذلك وتقتل بنتًا رزقها على اللَّه؟ فقال الشَّيْخ: إني أراك بها حفيًا اشترها مني فاشتراها منه باللَّقُوحَين فقال: لا، زدني. فزاده جمله الَّذِي تحته واستعاره منه فبلغ أهله، ثُمَّ دفعه إليه فجاء الْإِسْلَام وقد أحيا صعصعة مائة جارية ومنع أن يُوءَدْنَ وابتاعهن، وَفِي ذلك يقول الفرزدق:
ومنا الَّذِي منع الوائدات ... وأحياء الوئيد فلم يوئد [1]
وكان سُفْيَان بْن مجاشع أتى الشام فسمع راهبًا يذكر أنه يكون من العرب نَبِيَّ يسمى محمدًا، فسمى ابنه محمدًا طمعًا فِي أن يكون النَّبِيّ.
وذكروا أن صعصعة أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأ عليه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا فَلَمَّا انتهى إِلَى قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يره [2] قال صعصعة: حسبي إنّا لنثاب على مثقال ذرة من خير، ونكافأ على مثقال ذرة من شر، فقال لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أَبَرُّ؟ قال: «أمك. قال: ثُمَّ من؟ قال أباك. قال: ثُمَّ من؟
قال: أخاك. قال: ثُمَّ من؟ قال: أدانيك أدانيك» .
وكان شَبَّةُ بْن عقال بْن صعصعة يدعى ظل النعامة لطوله، وفيه يقول جرير:
فضح المنابر حين ألقى قائما ... ظل النعامة شبّة بن عقال [3]
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 173.
[2] سورة الزلزلة- الآيات: 1- 8.
[3] ديوان جرير ص 378 مع فوارق.(12/62)
ومن ولده: يزيد بْن عقال بْن شبة بْن عقال، وولي أذربيجان وغيرها.
وكان لصعصعة بْن ناجية عُبَيْد قيون منهم: وقبان، وجبير، وديسم، فبذلك جعل جرير مجاشعًا قيونًا فقال:
فكيرك أصلح يا بن قين مجاشع ... ودع عنك أسباب العُلى والمكارم [1]
وقال أيضًا:
تصف السيوف وغيركم يعصى بها ... يا بن القيون وذاك فعل الصيقل [2]
وقال ينسب غالبًا أَبَا الفرزدق إِلَى جُبَيْر:
وجدنا جبيرًا أَبَا غالب ... بعيد القرابة من معبد [3]
وقال ينسبهم إِلَى بني وَقَبان:
أبلغ بني وقبان أن حلومهم ... خَفَّتْ فَمَا يربون حبة خردل [4]
فولد صعصعة: غالبًا أمه ليلى بِنْت حابس. وحُرَيثًا، وذُهَيلًا.
وهَمّامًا، وبه سمي الفرزدق. وَعَقيلًا. وعامرًا. وحنظلة.
فأما غالب فكان يكنى أَبَا خطل، وكان سيدًا ببادية تميم، واجتمع ثلاثة نفر من كلب فاختاروا نفرًا من سادات العرب: غالبًا. وطلبة بْن قَيْس بْن عاصم، وعمير بْن السليل فجعلوا لا يأتون رجلًا منهم فيسألونه إلا سألهم عن نسبهم فينصرفون عَنْهُ حَتَّى أتوا غالبًا فأعطاهم ولم يسألهم، ولم يقبلوا منه شيئًا وقالوا: إنما امتحناك وغيرك فوجدناك أفضلهم فقال
__________
[1] ديوان جرير ص 460 مع فوارق واضحة.
[2] ديوان جرير ص 359.
[3] ديوان جرير ص 102. وجاء بهامش الأصل: يعني معبد بن زرارة.
[4] ديوان جرير ص 359.(12/63)
الفرزدق:
وإذ نحبت كلبٌ عن الناس أيهم ... أحق بتاج الماجد المتكرم
على نفر هُمْ من نزار ذؤابة ... وأهل الجراثيم التي لم تُهَدَّم
فلم يَجْلُ عن أحسابهم غير غالب ... جرى بعناني كل أبلج خضرم [1]
وكان غالب أتى علي بْن أَبِي طَالِب عليه السلام والفرزدق معه، فقال له علي: من هَذَا معك؟ قال: ابني وهو شاعر. فقال: [علمه القرآن فإنه خير له من الشعر.] ومات غالب فدفن بكاظمة فاستجار بقبره قوم فِي حمالة، فاحتملها الفرزدق وقال:
فلله عينًا من رَأَى مثل غالب ... قَرَى مائة ضيفًا ولم يتكلم [2]
واستجار بقبره مكاتب لبني منقر فقال:
بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما ... خشيتُ الردى أو أن أُرَدَّ على قَسْر
بقبر امرئ تقري المئين عظامه ... ولم أر إلا غالبًا ميتًا يقري
فقال لي استقدم أَمَامَك إنما ... شكاكك أنْ تلقى الفرزدق بالمصر
فسأل الفرزدق فأعطاه جملًا. وكان ولد غالب أَبِي الفرزدق:
الأخطل، والفرزدق وجعثن، أمهم لينة بِنْت قرظة الضَّبِّيّ.
فأما الأخطل فكان أكبر من الفرزدق، وكان من وجوه قومه، وكان مُحَمَّد بْن الأخطل توجه مع عمه الفرزدق إِلَى الشام فمات فقال الفرزدق:
سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة ... إليّ ولكن كي ليسقاه هامها
فبتُّ أقاسي ليل أقرب من مشي ... أبوه ابن أمي غاب عني نيامها
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 199- 200.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 199.(12/64)
أَلَمْ ترنا رحنا ورحل مُحَمَّد ... خلاء بمذعان مُطَوَّى زمامها
وكان إذا أرض أتاها تزينت ... لرؤيته صحراؤها وأكامها
فَمَا من فتى كُنَّا نبيع محمدًا ... به إنْ أمور الناس غَالَتْ جسامها [1]
وكانت العَليَّة بِنْت الأخطل عند لبطة بْن الفرزدق، فَلَمَّا مات الفرزدق عمها أقامت على قبره سبعة أيام تنحر فِي كل يوم جزورًا.
وأما الفرزدق [2] فاسمه هَمَّام بْن غالب بْن صعصعة بْن ناجية بْن عقال،
وكان قصيرًا غليظًا فشُبِّه بالفرزدقة وهي الجردقة التي تدق ويشربها النساء، ويكنى أَبَا فراس، وكان سبب قوله الشعر أن الأشهب بْن ربيلة النهشلي كان يهجو غالبًا أَبَاهُ، فكان غالب يطلب مصالحته فيأباها، وكان الفرزدق يقول: لربما بكيت من الجزع لأن يهجو الأشهب أبي وقومي فأريد إجابته فلا يتأتى لي الشعر، فقلت أبياتًا فأنشدتها أَبِي فقال: ائت فلانًا فأنشده، فأنشدته فقال: قل يا بني على هَذَا، ثُمَّ لقي أَبِي فقال: يا أَبَا الأخطل إن عاش ابنك كان أشعر العرب، وما هُوَ إلا شيء أعنت به على الأشهب لبغيه عليك.
وجعل الفرزدق يهجو الأشهب، فَلَمَّا أعيا الأشهب، طلب الأشهب الصلح بعد أن كان يُعرض عليه فيأباه فتهدد زَباب بْن رُميلة وأبوه ثور الفرزدق بالقتل، فهرب إِلَى الشام، وإنَّ زبابًا نزل على غدير له فجاءه رَجُل من بني مناف بْن دارم فخاض غديره فضرب زباب عنق بعيره فنفض بالشيخ فسقط أو كاد يسقط، فجاء قوم من بني دارم لينصروا الشيخ، فقاتلهم
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 190- 194 مع فوارق كبيرة.
[2] بهامش الأصل: الفرزدق الشاعر.(12/65)
زباب فضرب أَبَا البدال بشير بْن صبيح وقال:
قلت له تعسًا أَبَا البدال ... تَعَلَّمَنْ والله ما أبالي
ألَّا تؤوب آخر الليالي
فلم يزالوا حَتَّى دُفع إليهم زباب فأوثقوه حَتَّى مات، فَلَمَّا قتل زباب قدم الفرزدق، فقال الأشهب بْن رميلة:
لقد أخزاك فِي بَدَوَاتِ سعد ... وَفِي قَيْس فرارك من زباب
وخرج الأشهب إلى مروان بن الحكم فشكا قتل أخيه فقال: قتل بلا ثبت ولا حق، فوهب له خمسين بعيرا فقال الفرزدق:
ارفق بنفسك يا محرر مالك ... واذكر مقام أخيك يوم الأول
مروان يعلم إذ يسن دياتكم ... خمسين أن دياتكم لم تكمل [1]
وكان الأشهب شاعر تميم حَتَّى علاه الفرزدق.
وكان ولد الفرزدق: لبطة، وسبطة. وخبطة. وركضة. وزمعة.
وكان زمعة شاعرًا وهو القائل:
إني أَنَا ابن غالب بْن صعصعة ... آوي إِلَى رواسخ ممنعة
وكان الفرزدق يقول: سميت باسم همام بْن صعصعة. وهمام الَّذِي يقول أو ابنه إهاب بْن همام:
لعمرو أبيك فلا تكذبي ... لَقَدْ ذهب الخير إلا قليلا
لئن فتن النَّاس فِي دينهم ... وخلَّى ابْن عَفَّان شرًا طويلا
وقال ابن الكلبي: هُوَ لإهاب بْن همام أو لابن الغريزة النهشلي.
قَالُوا: وخرج ركب من بني نهشل ومن بني مرة بن فقيم وأم فقيم
__________
[1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.(12/66)
ونهشل واحدة يريدون البصرة، فمروا بثمد القبينات [1] وغالب أَبُو الفرزدق جالس فأرادوا أن يشربوا فقال لهم غالب: الماء بين أيديكم وهذا ماء قليل فأبوا فمنعهم فأوثقوه وشربوا وبردوا، وبلغ الخبر الفرزدق فتبعهم فِي جماعة فشقَّت أسقية القوم وأداويهم فقال الفرزدق:
لعمرو أبيك الخير ما رغم نهشل ... عليّ ولا حرادتها بكبير
وقد علمتْ يوم القبينات نهشل ... وحراداتها أن قَدْ مُنُوا بعسير
فكم شق من نحي هناك وقربة ... وأجرد ضخم الخصيتين عقير [2]
قَالُوا وكانت جَعْثَن بِنْت غالب، أخت الفرزدق، امْرَأَة صالحة، وكان الفرزدق نزل فِي بني منقر، والحي خلوف، فقامت عجوز منهم توقظ ابنتها فإذا أسود سالخ ممتد معها فاستغاثت بالفرزدق فحثا على الأسود التراب حَتَّى انساب، وغمز الفرزدق الجارية، وقبلها فانتهرته وأمها فقال:
وملتفَّةُ الساقين مرتجَّة السلا ... لهوت بها فبات تحتي فريقها
وأهْوَنُ عيب المنقرية أنها ... شديد ببطن الحنظلي لصُوقها [3]
فأرسل بنو منقر رجلًا منهم يُقَالُ له عمرو بْن مرة، ويقال عِمْرَانَ، وأمروه أن يعرض لجعثن أخت الفرزدق، فخرج حَتَّى أتى منازل آل غالب فلم يزل يُراصد الحرة حَتَّى خرجت لحاجتها وعليها سواد من الليل، فغمز وركها ووضع يده على ساقها وجرها، فصاحت وخرجت الرجال تطلبه، ومرَّ يَمْزَعُ كمزع الظبي، وقال ابن محكان الربيعي يرد على الفرزدق:
__________
[1] الثمد: الماء القليل، وفي معجم البلدان: القبيبات لا القبينات، وكذلك في ديوان الفرزدق «القبييات» .
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 204 مع فوارق وبدون البيت الأخير.
[3] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع. وعجز البيت الأول مختل الوزن.(12/67)
لعمرك إن الجعثن ابْنَة غالب ... لكالراح مشغوف بها من يذوقها
وقال جرير بْن عطية:
يقول المنقري وابركوها ... رخيصٌ مَهْرُ جعثن غير غال
تقول قتلتني ويقول موتي ... وإنْ رغم الفرزدق لا أُبالي
فقد واقعتُ منها وهي تحتي ... عظام البؤس واسعة المبال [1]
وكان جرير هاجى البعيث المجاشعي فاعترضه الفرزدق دون البعيث فهاجاه وقال:
فقلتُ أَظَنَّ ابن الخبيثة أنني ... شغلت عن الرامي الكنانة بالنبل
فإن يك قيدي كان نذرًا نذرته ... فمالي عن أحساب قومي من شغل [2]
وكان الفرزدق قيد نفسه، ونذر ألا يحل قيده حَتَّى يجمع القرآن ويحفظه، وأما رامي الكنانة فهو رَجُل من بني أسد كان فِي نفسه شيء على رَجُل من قَيْس فنصب كنانته، ودعاه إلى أن يرميا الكنانة منتضلين فِي سبق بينهما، فاغتره الأسدي فرماه فقتله فضربه الفرزدق مثلًا، يقول: إنما أردتني لا البعيث كما أراد ذلك الرجل صاحبه لا الكنانة.
وحدثني أَبُو الْحَسَن المدائني قال: أنشد رَجُل الفرزدق شعرًا فقال:
لمن هَذَا الشعر؟ قال: لأمي، فضحك، ثُمَّ قال: كان يُقَالُ إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فاذبح.
قال: وقال الفرزدق لرجل: أتعرفني؟ قال: لا. قال: أما تعرف أَبَا فراس؟ قال: ومن أَبُو فراس؟ قال: الفرزدق. قال: لا أعرف
__________
[1] ليسوا في ديوان جرير المطبوع.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 153.(12/68)
الفرزدق إلا قرصة تجففها النساء ثُمَّ تدق ويشربنها. قال: فضحك وقال:
الحمد لله الَّذِي جعلني فِي بطون نسائكم.
وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب المؤدب قال: سمع الفرزدق امرأتين تقولان: ليتنا وجدنا رجلًا أصم أخرس نُبايتُهُ فنقضي منه أربًا ولا يفشي لنا حديثًا فتركهما، ثُمَّ رآهما فِي عشية ذلك اليوم منصرفتين فدنا منهما فزحمهما، ثُمَّ تخارس وتصام فقالتا: لقد جاءنا ما تمنينا ومضتا به فأقام معهما، ثُمَّ إنه عجز عَنْهُمَا فقالت إحداهما: إنه قد أكسل واصفرت كمرته ولا خير عنده، فدلَّتَاه فِي زنبيل فَلَمَّا صار على الأرض قال: بآبائي أنتما أعود إذا احمرت كمرتي؟ فأيقنتا بالفضيحة. وَفِي ذلك يقول:
هما دلَّتاني من ثلاثين قامة ... كما انقض باز أسحم الريش كاسره
فَلَمَّا استوت رجلاي فِي الأرض قالتا ... أحيُّ يُرجَّى أم قتيل نُحاذره [1]
فبلغ سكينة بِنْت الْحُسَيْن عليه السلام شعره فقالت: قبحه اللَّه ما كان عليه لو ستر على نفسه.
قال: وبلغ امرأته أنه يتعرض للنساء فتنكرت وتعرضت له ليلًا فغمزها، فاتبعته فصار إِلَى بيت مظلم فنال منها وأعطاها مطرفًا كان عليه، فَلَمَّا قضى حاجته قَالَتْ له: يا فاسق هَذَا فعلك؟ فقال لها: وأنت هِيَ أنت، والله على سبيل الحرام ألذ منك على سبيل الحلال. فقالت: اسكت قبحك اللَّه.
وحدثني ابن حبيب عن أَبِي فراس السامي عن أبيه قال: استسقى الفرزدق ماء من دار فخرجت إليه جارية بماء، فَلَمَّا شرب قال لها: يا سيدتي
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 212.(12/69)
قبليني. فقالت: وراءك أوسع. فقال: يا سيدتي إني ميت قَالَتْ: إنْ مِتَّ دفناك فأين تحب أن تدفن؟ قال: فِي حِرك وبطنك جعلني اللَّه فداك.
وحدثني التوزي عن الأصمعي عن سلمة بْن عياش قال: دخلت على الفرزدق وقد قال صدر بيت وعجز عن تمامة، فأجزته فقال: مِمَّنْ أنت؟
قلت: من قريش. قال: كل أير حمار من قريش، من أي قريش؟ قلت:
من بني عامر بْن لؤي. قال: بئس القوم قومك كانوا فِي بعث إِلَى مروان فانتزعني من بين أظهرهم فلم يمنعوني. فقلت: بنو تميم فِي البصرة شرُّ لك من بني عامر بالمدينة، بعث إليك مالك بْن المنذر حرسيا فنزعك من اسطمَّة بني تميم ومعظمهم، فرمى بك فِي سجنه، فلم يمنعك أحد منهم، فسكت.
المدائني أن الفرزدق مر بمسجد الجامرة بالبصرة وفيه جماعة، منهم أَبُو الزرد الحنفي فضجوا من شيء قاله أَبُو الزرد فِي الفرزدق، فقال: يا بني حنيفة ما شيء لم يكن ولا يكون ولو كان حاجيتكم استقام فقالوا: لا ندري فَمَا هُوَ؟ قال: هُوَ حر أم أَبِي الزرد لم يكن له أسنان ولا يكون ولو كَانَتْ لم يستقم.
ودخل الفرزدق المدينة، فنادم قومًا منهم الأحوص وغيره، فإنه لمع فتيان من أهلها يشرب إذ عبث به رجلان فقال أحدهما:
إذا كنت متخذا صاحبًا ... فلا تصحبن امرأً دارميا
وقال الآخر:
ولا سيما من بني غالب ... فلن يوجد الدهر إلا بذيَّا
فقال الفرزدق:(12/70)
أتعلمان بي الهجاء وخلتني ... قد هزني وهجاني الثقلان
زعمت نساؤكما الفوارك إنما ... أيراكما وحراهما مثلان
فلقد زعمن وهنَّ غير كواذب ... إن ليس فوق خصاكما أيران [1]
وحدثني الْحَسَن بْن علي الحرمازي قال: مر الفرزدق بمجلس لبني عتاب بْن أسلب بْن أَبِي العيص بالبصرة، وقد أكل رءوسًا فاستسقى ماء فعمد فتى منهم إلى طلاء رامهرمزي فملأ منه عسا ضخما، ثم حلب عليه وأتاه به فَأَقْبَلَ يخفي الرغوة ويشرب الصريح حَتَّى أتى عليه ثُمَّ قال: جعلني اللَّه فداءك فإنك ما علمتك تخفي الصدقات.
قال: وأتى الفرزدق رجلًا من أخواله من بني ضبة فأعطاه فأكثر فقال: والله ما أدري ما أقول غير أني اسأل اللَّه أن يجعلني فداءك، فزاده فقال: ما أدري ما مكافأتك إلا أني أقتلك فتدخل الجنة وأدخل النار.
فقال: بئست المكافأة هَذِهِ يا أَبَا فراس.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ كناسة قال: قيل للفرزدق مدحت الحجاج فَلَمَّا مات هجوته فقال: إنا نكون مع القوم ما كان الله معهم، فإذا تركهم تركناهم.
وقال المدائني: دخل الفرزدق على بلال بْن أَبِي بردة وعنده ناس من الأشعريين فضحكوا، فقال: يا أَبَا فراس أتدري لم ضحكوا؟ قال: لا.
قال: ضحكوا لجفائك. قال: أصلح الله الأمير، حججت فإذا أَنَا برجل على عاتقه الأيمن صبي وعلى الأيسر صبي وامرأته آخذه بمئزره وهو يقول:
__________
[1] ليسوا في ديوانه المطبوع.(12/71)
أنت وهبت زائدًا ومزيدا ... وكهلة أسلك فيها الأجردا [1]
وجعلت تقول: إذا شئت إذا شئت. فقلت: مِمَّنْ أنت؟ فقال: من الأشعريين. أفأنا أجفى أم ذاك؟ قال بلال: لا حياك اللَّه قد علمتُ أنهم لا يفلتون منك.
وقال الفرزدق لامرأته نوار بِنْت أعين بْن ضُبيعة: كيف رأيتني وجريرًا؟ قَالَتْ: رأيتك ظلمته أولًا ثُمَّ شغرت [2] برجلك آخرًا، ورأيته شاركك فِي مُرّ الشعر وغلبك فِي حلوه.
قَالُوا: ومر الفرزدق على نسوة وهو على بغلة فَلَمَّا دنا منهن، لم تتمالك البغلة ضرطًا فضحكن فالتفت إليهن فقال: لا تضحكن فَمَا حملتني أنثى إلا ضرطت. فقالت إحداهن: ما حملتك أنثى قط أكثر مما حملتك أمك فليت شعري كيف كان ضرطها؟ فَتَشَوَّر [3] .
قال ومر الجسار العنبري بالفرزدق وكانت به سلعة، فقال له الفرزدق: ما هَذَا؟ فقال: ابن المنقري. يريد قول جرير فِي جعثن.
..........
والمنقري يدوسها بالفيشل
قَالُوا: ومر الفرزدق بمضرس بْن ربعي الأسدي وهو ينشد الناس بالمربد:
تحمل من وادي أسيفر حاضره.
..
وقد اجتمعوا عليه، فقال له الفرزدق: يا أخا فقعس ما فعل المعمر؟
__________
[1] ليس في ديوانه مطبوع.
[2] شغر الكلب: جمع احدى رجليه بال أو لم يبل القاموس.
[3] أي خجل القاموس.(12/72)
قال مضرس: بلصاف [1] يبيض فِيهِ الحُمَّر.
أراد الفرزدق قول نهشل بْن حري:
ضمن القيان لفقعس سوءاتها ... إن القيان لفقعس لمعَمَّر
وأراد مضرس قول أَبِي المهوش:
قد كنت أحسبكم أسود خفية ... فإذا لصاف يبيض فيه الحمر
وكان عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز أخرج الفرزدق عن مسجد المدينة أيام ولايته إياها فقال الشاعر:
نفاك الأغر ابن عَبْد الْعَزِيز ... بحقك يُنفَى عن المسجد
فلقي الفرزدق مخنثًا، فقال الفرزدق: إِلَى أَيْنَ راحت عِمَّتُنا؟ فقال:
إلى المسجد الَّذِي نفاها عَنْهُ الأغر.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَنَس قال: دخل الفرزدق الكوفة فأنشد، فرأى الكميت بْن زَيْد يحسن الاستماع وهو غلام فقال الفرزدق: يا غلام أيسرك أني أَبُوك؟ فقال: لا ولكني يسرني أنك أمي فينال أير أَبِي من أطايبك.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الأعرابي قال: دخل أبو شقفل- راوية الفرزدق- على الفرزدق وهو مغموم يكاد يبكي فقال له: مالك أَبَا فراس؟ فقال: أخاف أن يرجزني هَذَا المخنث، وأنا لا أحسن الرجز، يعني جريرًا.
وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب عن خَالِد بْن كلثوم قال: مر بالفرزدق نسوة يزففن عروسًا فأنشأ يقول:
أتتك النساء بأحراحها ... يقدن حرا ضيقا حجره
__________
[1] لصاف ماء بالدو لبني تميم، معجم البلدان مع الحكاية والشعر.(12/73)
إِلَى عاثر كذراع الفنيق ... قليل لذي مثله فتره [1]
فقالت له امْرَأَة من النساء:
وأمك قد لقيت عاثرًا ... فطال بعنبلها [2] فطره [3]
فوجم الفرزدق وسكّت.
وحدثني الحرمازي قال: هجا الفرزدق رجلًا من بني تميم، فجاءت أمه إِلَى قبر غالب فاستجارت به، فقال الفرزدق:
أتتني فعاذت من هجائي بغالب ... فلا وَالَّذِي شق استها لا أضيرها [4]
وقال المدائني: ولي تميم بْن زَيْد القيني ثغر السند، فشخص معه فِي الجند فتى من تميم، ثُمَّ من يربوع يُقَالُ له حبيش، وأمه من طيّئ، إِلَى السند، فأتت الفرزدق فسألته أن يكتب إِلَى تميم فِي إقفاله، وعاذت بقبر غالب أَبِي الفرزدق، فكتب إليه:
أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافي عليه ترابها
فهب لي حبيشًا واتخذ فِيهِ منة ... فحوبة أم ما يسوغ شرابها
تميم بْن زَيْد لا يكونن حاجتي ... بظهر فلا يخفى عليك جوابها
ولا يكثر الترداد فيها فإنني ... ملول لحاجات بطيء طلابها [5]
فلم يدر تميم ما اسم الفتى أهو حُبيش أم حُنيش، فأمر أن يقفل كل من كان اسمه على هَذَا الهجاء مِمَّنْ فِي الجيش، فأقفل ثمانية عشر رجلا.
__________
[1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] العنبلة: البظر، والمرأة الطويلة البظر. القاموس.
[3] فطره: شقه، والفطر: شبه بالمذي في قلته. القاموس.
[4] ليس في ديوانه المطبوع.
[5] ديوان الفرزدق ج 1 ص 85- 86 مع فوارق واضحة.(12/74)
وقال الفرزدق لباب المكاري:
كم من حر يا باب ضخم حملته ... على الرجل فوق الأخدري المخذم [1]
فقال باب بالفارسية: رحم اللَّه النوار لقد حملتها كبيرًا.
المدائني عن بَكْر بْن الأسود قال: لقي الفرزدق خليفة الأقطع، من ولد قَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عُكابة فقال: يا أَبَا فراس من الذي يقول:
هو القين وابن القين لا قين مثله ... لضرب حديد أو لنحت أداهم [2]
فقال الفرزدق: هُوَ الَّذِي يقول:
هُوَ اللص وابن اللص لا لص مثله ... لنقب جدار أو لحل دراهم
حَدَّثَنِي أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قال: لقي الفرزدق ابن عفراء الضَّبِّيّ فاستعتبه الفرزدق فِي شيء بلغه عَنْهُ، فقال ابن عفراء: والله لا أعلم شيئًا يسوءك إلّا فعلته. فقال الفرزدق لمن حضر: اشهدوا على ما يقول. فقال ابن عفراء: نعم فاشهدوا. فقال الفرزدق: فإنه يسوءني أن تنيك أمك فنكها ففضحه وأخزاه.
قَالُوا: وعرض الفرزدق جملًا للبيع فجعل التجار يصوبون فِي الجمل ويصعدون فقال: مهلًا فإنه لا يطلب أحد فِي شيء عيبًا إلّا وجده.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الأعرابي قال: لقي الفرزدق جريرًا فِي بعض السكك بالشام فقال له: يا أَبَا حزرة حَتَّى مَتَى تتمرغ فِي طواعين الشام؟ فقال جرير: إذا سمعت بُسرى القين فأعلم أنه مصبح.
المدائني قال: قال خَالِد بْن صفوان للفرزدق: يا أبا فراس ما أنت
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] الأداهم: القيود.(12/75)
بالذي لما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن [1] فقال الفرزدق: وما أنت بالذي قَالَتِ الفتاة لأبيها: يا أبة اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [2] .
المدائني عن أَبِي بَكْر الهذلي قال: أتى الفرزدق الْحَسَن الْبَصْرِيّ فقال له: يا أَبَا سَعِيد إني قد هجوت إبليس. فقال الْحَسَن: عن لسانه تنطق.
المدائني أن الفرزدق دخل على الهيثم بْن الأسود وعنده حَمْزَة بْن بيض الحنفي فقال: يا أَبَا فراس أيما أحب إليك أن تسبق الخير أم يسبقك؟ فقال الفرزدق: إن سبقته فتُّه وإن سبقني فاتني، ولكني أحب أن نكون معًا لا أسبقه ولا يسبقني، أفاسألك يا بن بيض؟ قال: سل. قال: أيما أحب إليك أن تنصرف إِلَى منزلك فتجد امرأتك قابضة على أير رَجُل، أو تجد رجلًا قابضًا على حرها فتشور ابن بيض وخزي.
وقال الفرزدق: ما أعياني جواب كما أعياني جواب دهقان من أَهْل نهر تيري لقيني فقال: أنت يرزدق الشاعر؟ قلت: أَنَا الفرزدق ويلك. قال:
إن هجوتني أتخرب ضيعتي؟ قلت: لا. قال: أفتموت ابنتي عيشونة؟
قلت: لا. قال: أفتموت حمارتي؟ قلت لا. قال: فَمَنْ رجلي إِلَى عنقي فِي حر أمك. قال: قلت ويلك فلم تركت رأسك؟ قال: لأنظر ما تصنع.
وقال أَبُو عبيدة: أتى الفرزدق عَبْد اللَّه بْن الأهتم يسأله علفًا لبغلته فقال له: يا فرزدق لو كنت قتبًا لكنت ملحاحًا عُقَرة. قال: ولم؟ قال:
__________
[1] سورة يوسف- الآية: 31.
[2] سورة القصص- الآية: 26.(12/76)
لأنك لا تخلو من مساءلة قومك وإخوانك، قال الفرزدق: فو الله ما مالك إلا من ألحف المسائل، فقال عَبْد اللَّه: إني أُلحف ولا أُتلف وأنت تسأل الناس إلحافًا وتبذر إسرافًا. فقال الفرزدق:
لا ترجُ عَبْد اللَّه يومًا فَإِنَّمَا ... أمانيُّ عَبْد اللَّه أضغاث حالم [1]
حَدَّثَنِي أَبُو عدنان، ثنا يزيد بْن هارون عن أَبِي مُوسَى التميمي قال:
لما ماتت النوار امْرَأَة الفرزدق شهد جنازتها الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن والناس معه، فلما أدخلت قبرها قال الْحَسَن للفرزدق: يا أَبَا فراس: ما أعددت لهذا المضجع؟ قال: شهادة أَن لا إله إلا اللَّه مُذ ثمانون سنة، وأنشأ يقول:
أخاف وراء القبر إن لم تُعافِني ... أشد من القبر التهابًا وأضيقا
إذا جاء فِي يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النار مغلول المقلد أزرقا [2]
فبكى الْحَسَن وبكى الفرزدق والناس.
وقال أَبُو عبيدة: حَدَّثَنِي أيوب بْن كُسيب، من آل الخطفي، وأمه ابْنَة جرير بْن عطية، قال: بينا جرير فِي مجلس بفناء داره بحجر إذا راكب قد أقبل فقال له جرير: من أَيْنَ وضح الراكب؟ قال: من العراق، فسأله عن الخبر فَأَخْبَرَه بموت الفرزدق فقال جرير:
مات الفرزدق بعد ما جَدَّعْتُه ... ليت الفرزدق كان عاش قليلا [3]
ثُمَّ أسكت ساعة فظنناه يقول شعرا فدمعت عيناه فقال القوم:
__________
[1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 39، مع فوارق.
[3] ليس في ديوان جرير المطبوع.(12/77)
يا سبحان اللَّه، أتبكي على الفرزدق؟ فقال: والله ما أبكي إلا على نفسي، أما والله إن بقائي خلافه لقليل، إنه قلما كان مثلنا زوجان يجتمعان على خير أو شرٍّ ويتهاديانه إلا كان أمد ما بينهما قريبًا، ثُمَّ أنشأ يقول:
فُجعنا بحمال الديات ابن غالب ... وحامي تميم كلها والمراجم
بكيناك حدثان الفراق وإنما ... بكيناك شجوًا للأمور العظائم
فلا حملتْ بعد ابن ليلى مَهيرة ... ولا مُد أنساع المطي الرواسم [1]
ليلى بِنْت جَابِر جدته. وقال جرير يرثي الفرزدق أيضًا.
فلا حملت بعد الفرزدق مرضع ... ولا ذات بعل من نفاس تَعَلَّت [2]
هُوَ الوافد المحبو والراتق الثأي [3] ... إذا النعل يوما بالعشيرة زلت [4]
قال أَبُو عبيدة: فَمَا بقي جرير بعد الفرزدق إلا قليلًا حَتَّى مات.
وسمعت مُحَمَّد بْن زياد الأعرابي يقول: بقي جرير بعد الفرزدق أربعين يومًا، وكان يوم بلغه موت الفرزدق عند المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي.
وحدثنا أَبُو الْحَسَن عن مسلمة وغيره قَالُوا: لما مرض الفرزدق مرضته التي مات فيها أوصى لمولاة له بثلاثمائة درهم، فَلَمَّا اشتد وجعه أنشأ يقول:
إِلَى من تفزعون إذا حثوتم ... بأيديكم عليَّ من التراب
ومن هَذَا يقوم لكم مقامي ... إذا ما الخصم كلّ عن الجواب [5]
__________
[1] ليسوا في ديوان جرير المطبوع.
[2] تعلت: طهرت.
[3] الثأي: الإفساد، والجراح والقتل ونحوه. القاموس.
[4] ديوان جرير ص 72.
[5] ديوان الفرزدق ج 1 ص 95، البيت الأول فقط.(12/78)
فقالت مولاته التي أوصى لها: نفزع إِلَى اللَّه. فقال: يا زانية، تأخذين مالي وتفزعين إلى غيري، لا تعطوها شيئًا. فلم يلبث أن مات.
وحدثني أَبُو عدنان عن أَبِي اليقظان قال: أَسن الفرزدق حَتَّى قارب المائة فأصابته الدبيلة وهو بالبادية فقُدِم به إِلَى البصرة فأتي برجل من بني قَيْس متطبب فأشار بأن يكوى ويشرب النفط الأبيض فقال: أتعجلون لي النار فِي الدنيا، وجعل يقول:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جَلَّ عن العتاب [1]
قَالُوا: وكانت حُميدة الحمدية من ولد رزام بْن مالك بْن حنظلة تختلف إِلَى الفرزدق ويتهم بها، وهي التي رجمها الحجاج بْن يوسف فِي الزنا، وكان يُقَالُ لزوجها معبد أحد بني سليط فقال جرير يرمي الفرزدق بها:
حميدة كَانَتْ للفرزدق جارة ... ينادم حوطًا عندها والمقطعا [2]
حوط بْن سنان من بني شَيْبَان، وهو الَّذِي رجمت بسببه. وَفِي حميدة يقول الشاعر:
رزاميَّةٌ كان السليطيُّ معبد ... بها معجبًا دلَّا يخاف الدوائرا
وحدثني أَبُو علي الحرمازي قال: تزوج النوار بِنْت أعين بْن ضبيعة بْن ناجية، رَجُل من بني مجاشع، فولدت ابنين، ثُمَّ مات عَنْهَا فخطبها رَجُل من قومها، فبعثت إِلَى الفرزدق: إنك أَوْلى قومي بي فتولَّ تزويجي، فقال: نعم فأشهِدِي أنك قد جعلت أمرك بيدي ففعلت فلما شهد الشهود
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 95.
[2] ديوان جرير ص 264.(12/79)
عليها، قال: اشهدوا إني قد تزوجتها وأصدقتها خمسة آلاف درهم. فأبت أن ترضى به، وقالت: كلمته ليزوجني رجلًا قد رضيته، لم أُوَلِّهِ أمري ليتزوجني. وشكت أمرها إِلَى بني أم النسير، وهم من بني ناجية بْن عقال فأعانوها، وأتت معهم بني عاصم من بني ثَعْلَبَة بْن يربوع فآووها، فقال الفرزدق:
بني عاصم إنْ تُلجِئوها فإنكم ... طلابي للسَّوْءَات دُسْمُ العمائم [1]
وأتاها قوم من ولد ناجية فقالوا: إنا لا نرضى لك به، ونحن نحملك إِلَى ابن الزبير حَتَّى تستعديه عليه ففعلت، فاكتروا لها رجلًا يُقَالُ له زهير من بني عدي، ومضت إِلَى مكة فقال الفرزدق:
أطاعت بني أم النسير فأصبحت ... على قتب يطوي الفلاة دليلها [2]
وقال الفرزدق:
ولولا أن تقول بنو عدي ... أليست أم حنظلة النوار
إِذَا لأتى بَنِي ملكان مني ... بضائع لا يقسمها التجار [3]
ملكان بْن عدي، والنوار بنت جلّ بن عدي أم حنطلة، وقال:
لنفس العبء تحمله زهير ... عَلَى أعجاز صرمته نوار [4]
وَقَالَ أيضًا:
لعمري لقد أردى نوار وساقها ... إِلَى الغور أقوام خفاف عقولها
__________
[1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 60 مع فوارق.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 273 مع فوارق.
[4] ليس في ديوانه المطبوع.(12/80)
معارضة الركبان فِي شهر ناجر ... على قتب يعلو الفلاة دليلها [1]
ثُمَّ تبعها حَتَّى قدم مكة ونزلت النوار بِنْت أعين عَلَى أم هاشم بنت منظور بْن زبان، وهي أم امْرَأَة عَبْد اللَّه بْن الزبير، ونزل الفرزدق عَلَى حَمْزَة بْن عَبْد اللَّهِ بْن الزبير، فجعلت ابْنَة منظور تشفع لها، وجعل بنو عَبْد اللَّه يكلمون أباهم فِي الفرزدق، فرأى أن هوى عَبْد اللَّه فِي النوار فقال:
أما بنوه فلم يَقبل شفاعتهم ... وشُفِّعَتْ بِنْت منظور بْن زبانا
ليس الشفيع الَّذِي يأتيك مؤتزرًا ... مثل الشفيع الَّذِي يأتيك عُريانا [2]
وجعلا يجتمعان عند ابن الزبير فيختصمان فقال الفرزدق:
ما خاصم الأقوام من ذي خصومة ... كَوَرْهَاءَ مَشْنُوءٍ لديها حليلها
فدونكها يا بن الزبير فإنها ... ملقنة يوهي الحجارة قيلها [3]
ثُمَّ قال لها ابن الزبير: إن هَذَا شاعر فإن شئت فرّقت بينكما وضربت عنقه ولم أُسلِّطه على عرضي، وإن شئت زوجتك إياه تزويجًا صحيحًا، وكتبت إلى مصعب بن الزبير أن يعطيك من الصداق ما ترضين به. قَالَتْ:
بل زوجني فزوجها منه، وكتب لها إِلَى مصعب، وقدما إلى منزل الفرزدق فولدت له ولده ثُمَّ إنه طلقها وقال:
ندمتُ ندامة الكُسَعيّ لما ... غَدَتْ مني مطلقة نوار
وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أَخْرَجَهُ الضرار
وكُنتُ كفاقئٍ عينيه عمدًا ... فأصبح لا يضيء له النهار
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 60.
[2] ليسا في ديوانه المطبوع.
[3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 62 مع فوارق.(12/81)
ولو ضَنَّتْ يداي بها ونفسي ... لأصبح لي على القدر الخيار [1]
وماتت عند ولدها فِي منزله بالبصرة، فصلى عليها الْحَسَن بن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ، وذكروا أن الفرزدق وكثير أَتَيَا الأحوص بْن مُحَمَّد. فقالا له: أنشدنا بعض ما أَحدثْتَ فأنشدهما قوله:
يا بيت عاتكة الَّذِي أتجنب ... ذهب الزمان وحبها لا يذهب [2] .
حَتَّى أتى على آخرها فقال الفرزدق لكثير: قاتله اللَّه ما أشعره لولا ما أفْسَدَ من نفسه يعني الخنث والأُبُنَّة. فقال كثير: ليس هَذَا فسادًا، هَذَا خسف إِلَى التخوم. فقال الفرزدق صدقت.
قَالُوا: وأنشد الفرزدق بيت الأخطل:
وإني لقوَّام مَقَاوِمَ لم يكن ... جرير ولا مَوْلَى جرير يقولها [3]
فقال الفرزدق: أَجَلْ إنه ليقوم مقاوم ما أقومها أَنَا ولا جرير. قيل:
يا أَبَا فراس وما هِيَ؟ قال: يقوم عند است القس يأخذ القربان.
المدائني أن الفرزدق أنشد بلال بْن أبي بردة الْأَشْعَرِيّ:
وإن أَبَا مُوسَى خليل مُحَمَّد ... وكفَّاه يُمْنَى للندى وشمالها [4]
فقال بلال: هلكت وخرفت وذهب شِعرك، أَيْنَ هَذَا من شعرك فِي سَعِيد بْن العاص وفلان وفلان فقال: ائتني بحسب كأحسابهم أقول فيك كقولي فيهم، فغضب بلال حَتَّى دعا بطست من ماء فغمس يده فيه، وكلم
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 294 مع فوارق.
[2] كذا بالأصل وفي ديوان الأحوص ص 207:
يا بيت عاتكة الَّذِي أتعزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل
[3] ليس في ديوان الأخطل المطبوع.
[4] ديوان الفرزدق ج 2 ص 107.(12/82)
فِي أمره وقال جلساؤه: ستكفاه. فأمسك عَنْهُ فلم يحل عليه الحول حَتَّى مات.
ولما أنشد جرير قول الفرزدق لعمر بْن لجأ التميمي:
فهل أنتَ إنْ قرما تميم تساميا ... أخا التَّيْم إلا كالشظية [1] فِي العظم [2]
فقال جرير: ما أنصفني فِي شعر قط قبل هَذَا.
حَدَّثَنِي الأثرم عن الأصمعي عن يُونُس قال: قال الفرزدق: أَنَا أشعر الناس ولربما كان قلع ضرس من أضراسي أهون علي من قول بيت.
حَدَّثَنَا الحرمازي قال: أنشد الفرزدق الْحَسَن الْبَصْرِيّ قوله:
فإنك لو رَأَيْت ديار قومٍ ... وجيرانٍ لنا كانوا كرام [3]
فقال الْحَسَن: لو قلت كانوا كرامًا. فقال: إنه لم تلدني ميسانية.
وإنما عَنَيِ الفرزدق: وجيران لنا كرامٌ.
وكان أَبُو الْحَسَن من سبي ميسان.
وكان الكلبي: أنشد عطية بْن جعال بن مجمع بن قطن بن مالك بن عدانة بْن يربوع، وكان نديمًا للفرزدق قوله:
أبني عُدانة إنني حررتكم ... فوهبتكم لعطية بْن جعال
فقال: جزي أخي خيرًا، ثُمَّ أنشد:
لولا عطية لاجتدعت أنوفكم ... من بين ألأم أعين وسبال [4]
فقال عطية: والله لسَرُعَ ما رجع في هبته أبو فراس.
__________
[1] بهامش الأصل: كالوشيظة.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 276.
[3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 290.
[4] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.(12/83)
حدثني أبو عدنان عن أبي عبيدة قال: مات مُحَمَّد بْن يوسف ومحمد بْن الحجاج، فبلغه موتهما فِي وقت واحد فقال الفرزدق وهو عنده:
جناحا عتيق فارقاه كلاهما ... ولو نزعا من غيره لتضعضعا
سَميَّا نبيّ اللَّه سماهما به ... أب لم يكن عند الحوادث أخضعا [1]
فقال له الحجاج: حسبك، فخرج الفرزدق وهو يقول: والله لقد قال لي حسبك، ولو طلب مزيدا عندي ما وجده.
وقالوا: حج الفرزدق فوافق جريرًا وهو محرم فقال له:
إنك لاقٍ بالمحصَّب من مِنى ... فخارًا فخبرني بمن أنت فاخر
أَبِالقَيْسِ قيسٌ أم بأمك تعتزي ... إذا هدرت تلك القروم الهوادر [2]
أم كليب رقاش بِنْت شَهر بْن قَيْس بْن مالك بْن زَيْد مناة، فلم يجبه جرير، وقال: لبيك اللهم لبيك، ومضى فِي تلبيته.
وقال الحرمازي: لما صارت النوار إِلَى مكة قال جَعْفَر بْن الزبير:
ألا أصبحت عرس الفرزدق جامحًا ... ولو رضيت رمح اسْتِهِ لاستقرت
فزبره عَبْد اللَّه بْن الزبير وقال: ما تعرضك للفرزدق. وكان عَبْد اللَّه يكره خلعها منه مخافة أن يهجوه، فلم يزل يداريها حَتَّى رضيت، وأصدق ابن الزبير النوار عَنْهُ خمسة آلاف، ويقال بل ساقه عَنْهُ سلم بن زياد.
وكان الفرزدق يقول: خرجتُ والنوار متباغضين ورجعنا متحابين، وخرجتْ حائلًا ورجعتُ حاملًا.
المدائني قال: تزوج الفرزدق على النوار حدراء بِنْت زِيق بن
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 397- 398.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 350.(12/84)
بسطام بْن قَيْس بْن مَسْعُود الشيباني فقالت له النوار: ويلك تزوجت نصرانية سوداء دقيقة الساقين على مائة بعير؟ وأخذت لحيته فجاذبها وخرج من عندها وقال:
قامت إليّ نوار تنتف لحيتي ... بنتاف جعدة لحية الخشخاش
كلتاهما أسد إذا ما أُغضبتْ ... وَإِذَا رضين فهنَّ خير معاش [1]
الخشخاش رَجُل من عنزهٌ. فقالت جعدة امرِأته: ما يريد الفرزدق مني؟
وقال الفرزدق لنوار يفضل عليها حدراء:
لجارية بين السليل عروقها ... وبين أَبِي الصهباء من آل خَالِد
أحق بإغلاء المهور من التي ... ربت وهي تنزو فِي جحور الولائد [2]
وكانت أم النوار أَمَةٌ أعجمية. وقال:
لعمري لأعرابية فِي مظلة ... تظل بروقي بيتها الريح تخفق
كأَمِّ غزال أو كدرَّة غائصٍ ... تكاد إذا مرت لها الأرض تشرق
أحبُّ إلينا من ضناك ضِفِنَّةٍ [3] ... إذا وضعت عَنْهَا المراوح تعرق
كبطيخة البستان يُعجب لونها ... صحيحا ويبدو داؤها حين تُفلق [4]
وقال أيضًا:
لو أنْ حدراء تجزيني كما زعمت ... أَنْ سوف تفعل من بِذَلِ وإكرام
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 388 مع فوارق.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 154.
[3] الضفنة: الحمقاء الصغيرة.
[4] ديوان الفرزدق ج 2 ص 55.(12/85)
من آل مرة بين المستضاء بهم ... من بين قَيْس بْن مَسْعُود وبسطام [1]
فبعثت النوار إِلَى جرير فشكت الفرزدق إليه فقال:
يا زيق قد كنت من شَيْبَان فِي حسب ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق
أنكحت ويحك قينًا باسته حمم ... يا زيق ويحك إذا بارت لك السوق
يا زيق أنكحت قومًا فِي صدورهم ... غلٌ قديم وَفِي أخلاقهم ضيق
غاب المثنى فلم يشهد بحبهم ... والحوفزان ولم يشهدك مفروق
يا ربٌ قائلة بعد البناء بها ... لا الصهر راضٍ ولا ابن القين معشوق
وقال جرير فِي قصيدة له:
جزى اللَّه زيقًا وابن زيق ملامة ... على أنني فِي ود شَيْبَان راغب
أأهديتَ يا زيق ابن زيقٍ غريبة ... إلى شر من يهدى إليه الغرائب
وما عدلتْ ذات الصليب قبيلة ... عتيبة والردفان منها وحاجب [2]
فأجابه الفرزدق يقول فِيهِ:
فلو كنت من أكفاء حدراء لم تلم ... على دارمي بين ليلى وغالب
فَنَلْ مثلها من مثلهم ثُمَّ لمُهمُ ... بقومٍ أُلي مالٍ مراح وعازب
وإني لأخشى إن خطبت إليهم ... عليك الَّذِي لاقي يسار الكواعب
هُمْ أنكحوا قبلي لقيطًا وأنكحوا ... ضرارًا وهم أكفاؤنا فِي المناصب
ولو تُنكح الشمس النجوم بناتها ... نكحنا بنات الشمس قبل الكواكب
ولَو قبلوا مني عطية سُقْتُهُ ... إِلَى آل زيق من وصيف مقارب [3]
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 201 مع فوارق كبيرة.
[2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان جرير المطبوع.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 97.(12/86)
وحدثني مُحَمَّد بْن أَنَس قال: رَأَى الفرزدق كثير عزة ينشد بالمدينة فحسده فقال: يا فتى أُشبهك بي شعرًا وشكلًا، فهل دخلت أمك البصرة؟
فقال: لا ولكن دخلها أَبِي.
وقال أَبُو عبيدة: ولدت النوار للفرزدق: لبطة. وخبطة. وسبطة.
وركضة. وزمعة.
وقال أَبُو عبيدة قال الحجاج للفرزدق: أتزوجتَ أعرابية على مائة بعير؟ فقال عنبسة بْن سَعِيد: إنما هِيَ إنقاص قيمة البعير منها عشرون درهمًا فقال الحجاج: ليس غير بلال يعطي الفرزدق ألفي درهم.
وقدم الفضيل بْن ديسم بصدقات بَكْر بن وائل، فاشترى الفرزدق مائة بعير بألفي درهم وخمسمائة درهم، ثُمَّ أتى الحجاج فصلى معه الظهر فَلَمَّا رآه قال: مَهِيم؟ فقال: إن الفضيل بْن ديسم العنزي قدم بصدقات بَكْر وقد اشتريت منها مائة بعير بألفين وخمسمائة درهم فأمر الحجاج بدفع مائة بعير إليه، وأثبتها الفضيل، ومنعته النوار أن يسوق المائة كلها فحبس بعضها وساق الباقي يريد به زيقًا، فَلَمَّا وقف على باريَّة زيق وزيق جالس رحب به وقال: انزل فَإِن حدراء قد ماتت، وكان زيق نصرانيًا فقال: قد عرفنا أنه يصيبك فِي دينكم نصف ميراثها، فلم يقبله الفرزدق، وقال الفرزدق شعرًا يقول فِيهِ:
يقولون زُرْ حدراء والتُّرْبُ دونها ... وكيف بشيء وَصْلُه قد تقطَّعا
وأَهوَنُ رزءٍ لامرئٍ غيرُ عاجز ... رزيَّةُ مُرْتَجِّ الرَّوَادِفِ أَفْرَعَا
ولستُ وإن عَزَّتْ عليَّ بجائز ... ترابًا على مرسومة قد تجمّعا [1]
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 422 مع فوارق كبيرة.(12/87)
فأجابه جرير بشعر يقول فِيهِ:
ولما غررتم من إناس كريمة ... لؤمتم وضقتم بالكرائم أَذْرُعَا
فإنك لو عاودت شَيْبَان بعدها ... لأبت بمصلوم الخياشم أجدعا
وحدراء لو لم ينجها اللَّه بُرِّزَتْ ... إِلَى شرِّ ذِي حَرَثٍ دمالا ومزرعا [1]
وقال جرير يدَّعي أن حدراء لم تَمُتْ ولكنهم منعوه إياها:
لئن جمحت عرس الفرزدق والتوى ... بحدراء قوم لم يروه لها أهلا
رأوا أن صهر القين عارٌ عليهم ... وأن لبسطامٍ على دارم فضلا
دَعَتْ يا آل ذهلٍ رغبةً عن مجاشع ... وهل بعدها حدراء داعية ذهلا [2]
قَالُوا: ودفع سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك أسيرًا إِلَى الفرزدق ليقتله فنبا عَنْهُ سيفه فقال جرير:
بسيف أَبِي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم [3]
فقال الفرزدق:
وسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خَالِد [4]
يعني خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب.
قَالُوا: ومرَّ الفرزدق بالبصرة فإذا زياد بْن جَابِر الأعجم ينشد والناس مجتمعون عليه فحسده، وأراد أن يضع منه فسلم عليه فحياه الأعجم، فقال له الفرزدق: ما زالت نفسي تنازعني إِلَى هجاء عبد القيس فقال
__________
[1] ديوان جرير ص 264.
[2] ديوان جرير ص 336- 338 مع فوارق.
[3] ديوان جرير ص 462.
[4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 157.(12/88)
الأعجم: وما يجريك على ذلك؟ فقال: يجريني أن كعبًا الْأَشْعَرِيّ هجاهم فلم يصنع شيئًا، ولم ترد عليه فِي قوله:
إني وإن كنت فرع الأزد قد علموا ... أخزى إذا قلتُ عَبْد القيس أخوالي
بما يضارع ذلك أفيغلبك كعب وأعجز عنك؟ فقال الأعجم: إني باعث إليك بشعر فأجنبي فكتب إليه بهذا الشعر:
ما ترك الهاجون لي إن هجوتهم ... مصحًا أراه فِي أديم الفرزدق
وما تركوا لحمًا يرى فوق عظمةٍ ... لآكِلِهِ أَبْقَوْه للمتعرق
أأحطم ما أبقوا له من عظامه ... وانكت مخ الساق منه وانتقي
فإنا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما تلق فِي البحر يغرق [1]
فَلَمَّا أنشده الفرزدق قال: لا أهجو قومًا هَذَا منهم.
قَالُوا: وتزوج الفرزدق دهيمة وهي من آل الْحَارِث بْن عباد فارس النعامة، فوقع بينها وبين النوار شر، فقال الفرزدق:
سوف تريك النجم والشمس ضحوة ... عقيلة آل الْحَارِث بْن عباد
أبوها الذي أدنى النعامة بعد ما ... أبت وائل فِي الغي غير تماد
أقمت بها مَيْلَ النوار فأصبحت ... مقارنة لي بعد طول بعاد [2]
ثُمَّ إنه طلقها وهجاها فقال:
لها بشر شثن كأن مَضَمَّهُ ... إذا عانقت بعلًا مضم قتاد
وما زلت حَتَّى فرق اللَّه بيننا ... له الحمد منها فِي أذى وَجَهَاد
يجدد لي ذكرى عذاب جهنم ... بلايا تمسيني بها وتغادي [3]
__________
[1] شعر زياد الأعجم ص 151- 152.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 134 مع فوارق كبير.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 179- 180.(12/89)
قَالُوا: واتخذ الفرزدق على النوار جارية سوداء فسماها مكية، ويقال بل أولدها جارية سماها مكية، فكانت إذا حَمَسَ الشر بينه وبين النوار اكتنى بها، وقال:
شاهد إذا ما كنت ذا حميه ... بدارميّ أمه ضبيَّه
سمحمح مثل أَبِي مكيه
ومدح الزنج فقال:
يا رُبَّ خودٍ من بنات الزنج ... تحمل تنورًا شديد الوهج
أغبس مثل القدح الخلنج [1] ... يزداد طيبًا عند طول الهرج
مَحَجْتُها بالعَرْد [2] أَيَّ مَحْجِ [3]
فقالت النوار: ريحها مثل ريحك. وقال للنوار:
إنْ يَكُ خالُها من آلِ حامٍ ... فَحَامٌ كان أكرم من عقال [4]
وغاب الفرزدق فكتبوا إليه يشكونها فقال:
كتبتم إلينا أنها ظلمتكم ... كذبتم وبيت اللَّه بل تظلمونها
فإلا تعدوا أمها من نسائكم ... فَإِن ابن ليلى والدٌ لا يشينها [5]
وقال للنوار وكانت أمها بخارية:
أَغَرَّكِ منها أُدْمَةٌ غريبة ... عَلَتْ لونها إن البخاريّ أحمر [6]
__________
[1] الخلنج: شجر، والغبسة: الظلمة، أو بياض فيه كدرة رماد. القاموس.
[2] العرد: الذكر المنتسر المنتصب. القاموس.
[3] لم ترد هذه الأرجاز بديوان الفرزدق المطبوع.
[4] ديوان الفرزدق ج 2 ص 95 مع فوارق.
[5] ديوان الفرزدق ج 2 ص 342.
[6] ليس في ديوانه المطبوع.(12/90)
يريد مكية.
قَالُوا: ولقي الفرزدق جارية لبني نهشل، فنظر إليها نظرًا شديدًا فقالت: والله لو كان لي ألف حر ما طمعت فِي واحد منها. قال: ولم يا لخناء؟ قالت: لأنك قبيح المنظر سيئ المخبر. قال: أما والله لو جربتني لعفى خبري على منظري، قال: ثُمَّ كشف لها عن مثل ذراع البكر فتضبعت له عن مثل سنام الناب، فعاجلها فقالت: أنكاحًا بنسيئة؟ هَذَا سوء قضية. فقال: ويحك ما معي إلّا جبتي، ثُمَّ تسنمها وقال:
أولجت فيها كذراع البكر ... مد ملك الرأس شديد الأسر
زاد على شبر ونصف شبر ... كأنني أولجته فِي جَمْرِ
يطير عند نفيان الشعر ... نفي شعور الناس يوم النّحْرَ [1]
فِي أبيات فحملت منه وماتت بجمع [2] فقال:
وغمد سلاح قد رزئت فلم أَنُحْ ... عليه ولم أبعثْ عليه البواكيا
وَفِي جوفه من دارم ذو حفيظة ... لو أن المنايا أخرته لياليا
كما مثله فِي مثلها قد وضعته ... وما زلت وثابًا أجر المخازيا [3]
وقال جرير:
وكم لك يا بن القين إن جاء سائل ... من ابن قصير الباع مثلك حامله
أتيت به بعد العشاء ملففًا ... فألقيته للذئب فالذئب آكله
وآخر لم يشعر به قد أضعته ... وأودعته رحمًا كبيرًا غوائله [4]
__________
[1] ليست في ديوانه المطبوع.
[2] جمع: المزدلفة. معجم البلدان.
[3] ليست في ديوانه المطبوع.
[4] ليست في ديوان جرير المطبوع.(12/91)
وقال أَبُو عبيدة وغيره: كان الفرزدق يحلف بطلاق النوار كثيرًا ويحنث فقالت له: يا هَذَا إنك مقيم معي على الحرام. قال: فَمَا ترين؟ قَالَتْ:
أشهد الْحَسَن ومن فِي حلقته على طلاقي، فأتاه وعبيد أَبُو شفقل راويته فقال: يا أَبَا سَعِيد إن النوار طالق مني ثلاثًا، فنظر إليه الْحَسَن، ثُمَّ أكبَّ، ثُمَّ رفع رأسه فقال: قد سمعتُ وسمع القوم ثُمَّ تولى فَلَمَّا بلغ باب المسجد قال: يا أَبَا شفقل، والله ما طلقتها. فقال له: كذبت قد والله طلقتها وذهبت أباطيلك، أتدري من شهد عليك؟ الْحَسَن وجلساؤه. فأنشأ يقول:
ندمت ندمة الكسعي لما ... غدت مني مطلقة نوار
فِي أبيات.
وتزوجت النوار ابن عم لها فَلَمَّا حضرت النوار الوفاة أوصت أن يصلي عليها الْحَسَن فصلى عليها الْحَسَن، وشهد الفرزدق جنازتها، فَلَمَّا دفنت قال الفرزدق: يا أبا سَعِيد يقول الناس شهد هَذِهِ الجنازة خير الناس وشر الناس يعنونك وأياي. فقال لستُ بخير الناس ولستَ بشرِّهم.
وقال أَبُو عبيدة: حضر ابن سِيرِينَ جنازة النوار.
حَدَّثَنِي التوزي عن الأصمعي، ثنا معتمر بْن سليمان عن أَبِي محزوم عن أَبِي شفقل قال قَالَتْ لي النوار: كان بيني وبين هَذَا الشَّيْخ ما علمتَ فكلمه أن يَبين طلاقي فكلمته فقال: لا والله حَتَّى أُشهد الْحَسَن وأصحابه فأتاه فأشهده.
قَالُوا: وتزوج الفرزدق طيبة من بني مجاشع بعد النوار، وبعد أن أسنَّ، وضعف فتركها عند أمها بالبادية ولم يكن صداقها عنده، فكتب إلى(12/92)
أبان بْن الْوَلِيد البجلي، وهو عامل خَالِد بْن عَبْد اللَّه على فارس فأعطاه فمدحه وساق إليها مهرها وقال:
لقد طال ما استودعتُ طيبة أمَّها ... فهذا زمان رُدَّ فِيهِ الودائع [1]
فلما دخلت عليه عجز عَنْهَا فقال:
يا لهف نفسي على أير فجعت به ... حين التقى الركب المحلوق والركب [2]
فقال رَجُل من بني كوز من بني ضبة: عجزت عنها يا أبا فراس، فو الله إني لأحمل عليه جزة صوف ثُمَّ أدرج بها، فقال الفرزدق:
لنعم الأير أيرك يا بن كوزٍ ... يُقِلُّ جفالة الكبش الجزيز [3]
فقال الكوزي: أنشدك اللَّه والرحم. فقال لولا قرابتك لأتممتها عشرًا.
وخاصمته أم طيبة إلى المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي وجرير عنده بالقرب من منزل المهاجر باليمامة، فقال:
إنَّ البلية وهي كل بلية ... شيخ يعلل نفسه بالباطل
ولسوف يقطع حبلها من حبله ... حكم المهاجر بالقضاء العادل [4]
فقال المهاجر حين سمع شعر جرير: لو أتتني الملائكة لقضيت للفرزدق عليها، فلم تمكث معه إلا يسيرًا حَتَّى نشزت.
ورُوِيّ أن نُفيع بْن صَفّار المحاربي تعرَّض بالفرزدق، فرأته أمه، وهو يقول فِيهِ شعرًا، فقالت له: ما هَذَا؟ فأخبرها وقال: هذا شعر أهجو به
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] انظر في ديوان الفرزدق ج 1 ص 98 واسمها فيه «ظبية» .
[3] ليس في ديوانه المطبوع.
[4] ليسا في ديوان جرير المطبوع.(12/93)
كلب تميم. فقالت: يا بني لست والله تُقرن به، وقد عرَّضْتني لما أكره، وأنا غريبة فيكم ولا آمن أن يهجو قومي، فأبى فأتت قبر غالب فاستجارت به، فبلغ ذلك الفرزدق، فأتى القبر وسألها عن خبرها فأعلمته فقال الفرزدق.
وإنّ نفيعا إذ هجاني لحينه ... كباحثة عن شفرة تستثيرها
لئن نافع لم يَرْعَ أرحام أمه ... وكانت كدلوٍ لا يزال يعيرها
لبئس دم المولود بَلَّ ثيابها ... عشية نادى بالغلام بشيرها [1]
حَدَّثَنِي أَبُو مُحَمَّد التوزي عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ العلاء قال:
قال رَجُل للفرزدق: أيما أكبر أنت أم جرير؟ فقال: لقد طعن عليَّ فِي فرجي قبل أن يولد جرير.
وحدثنا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ العلاء قال: قال رَجُل لرؤبة: من كان أشد الشعراء الذين هاجاهم جرير عليه؟ فقال:
الفرزدق.
وحُدثت عن أَبِي عبيدة عن منتجع بْن نبهان عن الأشهب بْن رُمَيْلة قال: جاء الفرزدق إلى ناحيتنا فجعل الصبيان ينظرون إليه وهو على بغلة له، فقال: ما لكم تنظرون إلي يا صبيان نظر التيوس إِلَى مُدى الجزار؟
فصاحوا به: القرد مليح، القرد مليح. فجعل يفر من أيديهم ويضرب بغلته ويقول: عدس.
حَدَّثَنِي الحرمازي عن مشايخه أن الفرزدق قال: ضَوَّال الشعر أحب إلي من ضوّال الإبل.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 367- 370 مع فوارق كبيرة.(12/94)
وحدثني التوزي النحوي عن أَبِي عبيدة قال: كان الفرزدق يختلف إِلَى نبَّاذٍ بالبصرة يُقَالُ له سنان، فغلا التمر فاستخفى سنان من دين عليه فقال الفرزدق:
غلا التمر واستخفى سنان وفَرَّخَتْ ... خفافيش فِي راقودة المُثَلَّم [1]
وحدثني أَبُو عدنان، ثنا الأصمعي قال: كان بالبصرة مَوْلَى لبني حنيفة يكنى أَبَا الخشناء يتولى بعض عمل البريد بالبصرة فمات، فسأله قوم من بني حنيفة أن يرثيه فقال:
ليبك أَبَا الخشناء بغلٌ وبغلةٌ ... ومخلاة سوء قد أُبيد شعيرها
ومجرفة ومروحة ومجسة ... وطير أواريّ [2] تداعت شطورها
وفُرّانِقٌ [3] يبكي على رزق شهره ... ومقرعة صفراء بالٍ سيورها [4]
وحُدثت أن أَبَا عمرو بن العلاء قال: أتاني حماد الراوية فقال: كَلّمْ لي الفرزدق فِي أن يُرَوِّني شعره، فكلمته فقال له الفرزدق: مِمَّنْ أنت؟ قال:
من بني شَيْبَان. قال: أرويت أشعار قومك؟ قال: نعم. فقال: أتروي لفلان شيئًا؟ فذكر شاعرًا لم يعرفه حَمَّاد، ثُمَّ ذكر شاعرًا آخر فقال:
لا أعرفه. فقال: أنت لا تروي أشعار قومك، أفتريد أن تكتب شعري؟
فقال حَمَّاد: فكنت آتيه فَمَا خرجت من عنده قط إلا وأنا سكران فأنشدني:
ومات أَبِي والأقرعان كلاهما ... وعمرو بْن كلثوم شهاب الأراقم [5]
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] الأوار: حر النار والشمس والعطش والدخان. القاموس.
[3] الفرانق: الذي يدل صاحب البريد على الطريق. القاموس.
[4] ليسوا في ديوانه المطبوع.
[5] ديوان الفرزدق ج 12 ص 206 مع فوارق.(12/95)
فقلت له: أخبرني عن أبيك ما كان إذ قرنتهُ بهؤلاء، فقال: كان والله لا يساوي عباءة.
قال: ومر الفرزدق بجندل بْن سُفيح المنقري فصال به جمله فألقى إليه سيفه وقال: عرقبه، فضربه فلم يعرقبه، فقام رَجُل يُقَالُ له حُمَي فعرقبه فقال الفرزدق:
لعمرك ما أدري أعجز بجندل ... عن العَوْد أم لم يَدْرِ أَيْنَ مضاربه
فَمَا كان عند الروع إلا وليدة ... يَنُوسُ لها بظر طويل ذباذبه
أعضّ حميّ ساقة السيف بعد ما ... رَأَى خابطًا يغشى من الموت صاحبه [1]
قال وحج الفرزدق فَلَمَّا قضى حجته أتى المدينة، فدخل على سكينة بِنْت الْحُسَيْن بْن علي مسلِّمًا، فقالت له: يا فرزدق من أشعر الناس؟ قال:
أنا. قالت: كذبت، أشعر منك صاحبك جرير حين يقول:
بنفسي من تجنبه عزيز ... عليَّ ومن زيارته لمام
ومن أُمسي وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام [2]
فخرج ثُمَّ عاد، فقالت له: يا فرزدق من أشعر الناس؟ قال: أَنَا.
قَالَتْ: كذبت. صاحبك أشعر منك حين يقول:
لولا الحياء لعادني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
كَانَتْ إذا هجع الضجيع فراشها ... كُتِم الحديث وعَفَّت الأسرار
لا يبرح القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكرّ عليهم ونهار [3]
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 71 مع فوارق كبيرة.
[2] ديوان جرير ص 416.
[3] ديوان جرير ص 154- 160 مع فوارق.(12/96)
فخرج، ثُمَّ عاد إليها فِي اليوم الثالث وحولها مولدات لها كأنهن التماثيل، فنظر الفرزدق إِلَى جارية منهنَّ فكاد يجن وبهت ينظر إليها، فقالت سكينة:
من أشعر الناس؟ قال: أَنَا. قَالَتْ: كذبت، صاحبك أشعر منك حين يقول:
إن العيون التي فِي طرفها مرض ... قتلننا ثُمَّ لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حَتَّى لا حراك به ... وهن أضعف خلق اللَّه أركانا [1]
فقال: أئذني لي حَتَّى أنشدك أجود من شعره، فلم تفعل. فقال:
يا بِنْت رسول اللَّه ضربت إليك من مكة للسلام عليك فكذبتني ومنعتني أن أنشدك شيئا من شعري، وهذه المنايا تغدو وتروح ولعلي لا أفارق المدينة حَتَّى أموت فَإِن أَنَا متُّ فأمري جعُلتُ فداك أن أُدفن فِي حر هَذِهِ الجارية، يعني التي أعجبته، فضحكت سكينة، ووهبت الجارية له، وقالت:
يا فرزدق أَحْسِنْ صحبتها فقد آثرتك بها على نفسي.
وقالوا: لقي ضرار بْن القعقاع وابن أحوق العنبري الفرزدق فقالا له:
أَجب الأمير الجراح بْن عَبْد اللَّه الحكمي فتعتعاه وزلزلاه، وكان من أجبن الناس حَتَّى إذا كاد يموت ضحكا منه وتركاه فقال:
ما كنت لو فَرَّقْتُماني كلا كما ... لأَجْزَعَ مما تصنعان وأَفْرَقَا
لكنما فرقتماني بضيغمٍ ... إذا علقتْ أَنيابُهُ القَرْنَ مَزَّقَا
لشَرُّ عريفٍ من مَعَدّ ومنكب ... ضرار الخنا والعنبريُّ ابن أحوقا [2]
قَالُوا: ولما ولي يزيد بْن المهلب صلاة العراق وأحداثه، وولي صالح بن
__________
[1] ديوان جرير ص 492 مع فوارق.
[2] ليست في ديوانه المطبوع.(12/97)
عَبْد الرَّحْمَن الخراج لقي رَجُل الفرزدق فقال له: قد ولي يزيد بْن المهلب الصلاة بأهل العراقين، والخراج بهما صالح بْن عَبْد الرحمن. فقال الفرزدق: إنما هُوَ شُرَطِيُّ لمولانا صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن يأمره بحبس من أراد ويجري له ما أراد. فقال الرجل: أما إني سأخبره بمقالتك. فقال الفرزدق:
سيمنع عَبْد اللَّه ظلمي ونهشل ... وضبَّةَ بالبيض الحديث صقالها
ومأمومة فيها الحديد كثيفة ... إذا ما ارجحنَّتْ بالمنايا ظلالها
هنالك لو رام ابن دحمة ظلمنا ... رَأَى لامعات الموت يبرق حالها [1]
قَالُوا: لما مر بنو نهشل وبنو مرة بْن فقيم بْن خازم بأبي الفرزدق بالقبينات فشربوا الماء الَّذِي كان منعهم منه وأوثقوه، فمشى الفرزدق حَتَّى شق أسقيتهم وقربهم وعقر بعض إبلهم تحمل غالب أَبُو الفرزدق يريد كاظمة، فعقروا بعيرًا لغالب عليه معه أم الفرزدق فقال الَّذِي عقره واسمه ذكوان:
لقد عَضّ سيفي ساق عود فتاتهم ... وخَرَّ على ذات الجلاميد غالب
تكدح منه وجهه وجبينه ... فذلك منه إنْ تبينتُ جالب
وقال جرير:
لعمري لقد أخزى أباك بسعيه ... وأَمَّكَ ذكوان الَّذِي لا يصاوله [2]
وكان الفرزدق وأخوه الأخطل غائبين.
ابن الأعرابي قال: تزوج يزيد بْن المهلب عاتكة بِنْت الملاءة، والملاءة أمها، وأبوها الفرات بْن مُعَاوِيَة البكائي. وخرج بها إِلَى واسط فقتل عنها فقال الفرزدق:
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 104- 105 مع فوارق.
[2] ليس في ديوان جرير المطبوع.(12/98)
إذا ما المَزُونيّات أصبحن حُسَّرًا ... يُبكِّينَ أشلاء على عقر بابل
فكن طالبا بنت الملاءة إنها ... تذكر ريعان الشباب المزايل [1]
أَبُو الْحَسَن المدائني قال: استزار يزيد بْن المهلب الفرزدق، ويزيد بجرجان، فأراد الخروج إليه ثُمَّ خافه فأنشأ يقول:
دعاني إِلَى جرجان والري دونه ... أبو خالد إني إذا لزؤور
لأني من آل المهلب ثائر ... بأعراضهم والدائرات تدور
سآبي وتأبى لي تميم وربما ... أبيت فلم يقدر علي أمير [2]
فَلَمَّا بلغ يزيد هَذَا الشعر قال: لقد كنت أعددت له مائة ألف درهم أصله بها. فبلغ الفرزدق قوله فقال: صدق، كان يدفعها إلي، ثُمَّ يدس إلي من يقتلني ويردها عليه.
حَدَّثَنِي عُمَر بْن شبه، حَدَّثَنِي ابن سلام الجمحي قال: قال الفرزدق فِي مديحه لسليمان بْن عَبْد الملك:
وكم أطلقت كفاك من قيد يابس ... ومن عُقَدٍ ما كان يُرْجى انحلالها [3]
وكان الحجاج حبسه زمانًا. قال: فخرجت فرأيت عظمًا فكدتُ أنهشه من القرم [4] .
وحدثنا أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قال: حَدَّثَنِي أعين بْن لَبطة بْن الفرزدق عن أَبِيهِ لبطة قال: دخلت مع أَبِي علي سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك فأنشدت قصيدة أَبِي التي يقول فيها:
__________
[1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 199.
[3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 75- 76. مع فوارق واضحة.
[4] القرم: الشوق إلى اللحم.(12/99)
لئن نفر الحجاج آل معتب ... لقوا دولة كان العدو يدالها
لقد أصبح الأحياء منهم أذلة ... وَفِي الناس موتاهم كلوحًا سبالها
وكنا إذا قُلْنَا اتق اللَّه شمرت ... به عزة ما يستطاع جدالها [1]
فقال سُلَيْمَان: يا فرزدق إذا مدحتني فجود فِي الشعر، فلهزني أَبِي لهزة قعدت منها وأنشد:
طرقت نوار ودون مطرقها ... جذب البرى لنواحل صعر [2]
وفيها يقول:
وإلى سُلَيْمَان الَّذِي سكنتْ ... أروى الهضاب له من الذعر
وتراجع الطراد إذ وثقوا ... بالأمن من رتبيل والشحر [3]
قال أَبُو عُبَيْدة: فَلَمَّا خرج الفرزدق يومئذ من عند سُلَيْمَان قال له رَجُل: يا أَبَا فراس رثيته حين ظننت أن ابنه يثبت على عمله، ثُمَّ هجوته بعد ذلك. فقال: إنما نكون مع القوم ما كان الله معهم، فإذا تركهم من يده تركناهم.
قال: وكان الفرزدق رثى الحجاج، وابنه على صلاة العراق، ويزيد بْن أَبِي مُسْلِم على الخراج، ويزيد ابن أَبِي كبشة على الحرب لأنه لما حضرته الوفاة استخلفهم على ذلك، فقال الفرزدق شعرًا يقول فِيهِ:
فليت الأكف الدافنات ابن يوسفٍ ... تقطعن إذا يحثين فوق السقائف
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 75- 76 مع فوارق واضحة.
[2] البرى: واحدتها برة: حلقة توضع في أنف البعير، والصعر: المائلة خدودها من جذب الأزمة.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 261- 262، ورتبيل لقب ملك سجستان، والشحر: ساحل مهرة باليمن.(12/100)
فما حملت أنثى على الأرض مثله ... ولا خُطَّ نعيٌ فِي بطون الصحائف [1]
وقال أَبُو عبيدة: لما ولي فراس بْن سمي بْن رباط صلاة البصرة طلب الفرزدق، فقال له خلف بْن زياد الْعَمِّيّ، وكانت إليه نقابة بني مالك بْن حنظلة: إن الفرزدق فَرُوقةٌ، وإن بلغه طلبك إياه هرب، فقال: أرسلوا إلى أَبِي فراس من يأتي به، وبلغه الخبر فهرب الفرزدق وقال فراس لخلف: أنت أنذرته، فحبسه وأرسل إِلَى النوار امْرَأَة الفرزدق فحبسها، ولحق الفرزدق بالبادية، ثُمَّ لحق بيزيد بْن عَبْد الملك وقال:
إني حملت الهم حين جمعته ... إليك وحزني للأسير المقيد
سبقت إليك الطالبين وإنهم ... لخلفي وقدامي على كل مرصد [2]
فِي أبيات فكتب يزيد بتخليه خلف والنوار، وإيمان الفرزدق.
وحدثني أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قال: لما ولي عُمَر بْن هبيرة العراق قال الفرزدق:
أمير المؤمنين وأنت عف ... كريم لست بالطمع الحريص
أأطعمت العراق ورافديه [3] ... فزاريًا أَحَذَّ يَدَ القميص
ولم يك قبلها راعي مخاضٍ ... ليأمنه على وركي قلوص
تفهق بالعراق أَبُو المثنى ... وعلم قومه أكل الخبيص [4]
فَلَمَّا حبس خَالِد بْن عَبْد اللَّه عُمَر بْن هبيرة قال الفرزدق:
لقد حَبسَ القسري فِي سجن واسط ... فتى شيظميًا لا ينهنهه الزجر
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 5- 6.
[2] انظر ديوان الفرزدق ج 1 ص 140- 142.
[3] بهامش الأصل: رافديه دجلة والفرات.
[4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 389 مع فوارق.(12/101)
فتى لم توركه الإماء ولم يكن ... غذاءً له لحم الخنازير والخمر [1]
فقال ابن هبيرة: ما رَأَيْت أكرم من الفرزدق مدحني أسيرًا، وهجاني أميرًا.
المدائني قال: كتب بلال بْن أبي بردة إِلَى الشماخ عامله على اليمامة فِي تسخير الإبل فسخر إبلا لابن الفرزدق، فجعل ابن الفرزدق يعقرها، فضربه الشماخ مائة سوط، فاستعدى الفرزدق بلالا، فلم يُعده فقال:
فلو كان من جهال قومي عذرته ... ولكن عبدا من شعاعة أحمرا [2]
وكلم الفرزدق الزَعْل الجرمي فِي حاجة لراويته أَبِي شَفْقَل فلم يقضها فقال:
سل الزعل عن آبائه ثُمَّ قل له ... ألستَ ابن جرم معدن اللؤم والبخل
وما خلت جرمًا يعرفون أباهم ... إذا حُصّلوا يومًا ونُجلوا إِلَى الأصل [3]
فِي أبيات فلام بلال الفرزدق على هَذَا الشعر، فقال: ليس هُوَ لي، وإنما هُوَ من قذائف الشيطان، فقضى بلال حاجته.
وحدثني التوزي عن الأصمعي قال: كان الحجاج يقول: ما أشعر الفرزدق فِي قوله لي:
لا يألف البخل إن النفس باسلة ... والرأي مجتمع والجود منتشر [4]
وحُدثت عن أَبِي بَكْر الهذلي قال: كُنَّا عند الْحَسَن، فجاء رَجُل فقال: يا أَبَا سَعِيد الرجل يقول لا والله وبلى والله لا يعتقد اليمين. فقال
__________
[1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.
[3] ليسا في ديوانه المطبوع، الناجل: الكريم النسل. القاموس.
[4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 349 مع فوارق.(12/102)
الفرزدق: أما سمعت قولي فِي ذلك؟ فقال الْحَسَن: وما قولك؟ فأنشده:
ولست بمأخوذ بلغو تقوله ... إذا لم تعمد عاقدات العزائم [1]
فسكت الْحَسَن ثُمَّ جاء رَجُل فقال: يا أَبَا سَعِيد إنا نكون فِي هَذِهِ المغازي فنصيب المرأة ذات زوج أفيحل غشيانها ولم يطلقها زوجها؟ فقال له الفرزدق: أما سمعت قولي:
وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلالًا لمن يبني بها لم تُطلَّق [2]
فسكت الْحَسَن.
وحدثني بعض أشياخنا قال: دخل الفرزدق على عَبْد الملك، ويقال سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، فقال له: صف لي النساء ما بين عشرين إِلَى مائة سنة، فأنشأ يقول:
مَتَى تلق بِنْت العشر قد نُضَّ [3] ثديها ... كلؤلؤة الغواص يؤنق جيدها
وصاحبة العشرين لا شيء مثلها ... فتلك التي يلهو بها من يفيدها
وبنت الثلاثين الشفاء حديثها ... من الموت لم تهرم ولم يَذو عُودُها
وإن تلق بِنْت الأربعين فغبطة ... وخير نساء الأربعين ولودها
وصاحبة الخمسين فيها بقية ... لنائكها إن شاء صلب عمودها
وصاحبة الستين قد رق جلدها ... وفيها متاع للذي قد يريدها
وصاحبة السبعين لا خير عندها ... ولا لذة فيها لمن يستفيدها
وذات الثمانين التي قد تحشفت ... من الكبر المفني ولاح وريدها
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 307.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 38.
[3] نض الماء: سال قليلا قليلا، والقربة من شدة الملء انشقت، والنض: الإظهار.
القاموس(12/103)
وصاحبة التسعين يرجف رأسها ... إن الليل أرسى قل فِيهِ هجودها
ومن يطلب الأخرى فلا عقل عنده ... تظن بأن الناس طرًا عبيدها [1]
وقال الفرزدق لمخنث: ويلك لم تنتف لحيتك وهي جمال وجهك؟
فقال: يا أَبَا فراس أيسرك أن فِي استك مثلها؟ قال: لا. قال: فشيء لا ترضاه لأستك تأمرني أن أرضاه لوجهي؟
وزعموا أن الفرزدق قال لمجنون رآه: أَتَحْسِبُ؟ قال: نعم. قال:
فخذ ستة ونكتها وخذ سبعة ونكتها وخذ أربعة ونكتها كم معك؟ قال:
سبعة عشر ونكتها ثلاث مرات.
ورآه مجنون بالكوفة وهو يسقي بغلته فعبث بها فزجره، فقال له المجنون: مالك يا كذوب الحنجرة زاني الكمرة.
[سائر رجال بني مجاشع]
ومنهم: حنظَلَة بْن عقال بْن صعصعة وهو الَّذِي يقول:
أعددت للفمِ ... رحيب المَغْلَقِ
تكاد أطراف ... الرغيف تلتقي
على نواحي ... فمه المجردق [2]
لقما بكَفَّي ... دارمي أشدق
وكان أكل عند سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، وكان سُلَيْمَان أكولًا يحب أن يأكل عنده الرجل الأكول، وكان مساور بْن حنظلة بْن عقال على الموصل.
ومنهم: سُبيع بْن ناجية ولم يكن له ذلك الذكر.
ومنهم: حنظلة بْن صعصعة وكان له عقب بأدواء [3] .
__________
[1] ليست في ديوانه المطبوع.
[2] الجردقة: الرغيف. القاموس.
[3] الأدواء: موضع في ديار تميم بنجد. معجم البلدان.(12/104)
ومنهم: عَبْد اللَّه بْن نوح بْن عامر بْن صعصعة بْن ناجية.
ومنهم: البعار الشاعر، وهو علقمة بْن حُوي بْن سُفْيَان بْن مجاشع.
وقال غير الكلبي: هُوَ عَبْد اللَّه بْن عامر بْن صعصعة بْن ناجية، وكان مع ابن الأشعث ثُمَّ إنه غدر به ومال عَنْهُ وضرب رأسه بعمود فِي مجلس رتبيل فشجه حين تبرأ رتبيل منه، وقد كتبنا خبره فيما تقدم.
ومنهم: ضبيعة بْن ناجية بْن عقال، وابنه أعين بْن ضبيعة، وكان أعين دنا من خدر عَائِشَة يوم الجمل فقالت: هتك اللَّه سترك وأبدى عورتك.
ووجهه علي إِلَى البصرة، فنزل الحدَّان على صبرة بْن شيمان فقتل، قتله بنو سعد، وقد ذكرت خبره فيما تقدم. وأعين بْن ضبيعة أَبُو النوار امرأة الفرزدق، وأمها سلافة أم ولد خراسانية.
[عياض بن حمار]
ومنهم فِي رواية أَبِي اليقظان: أَبُو حمار بْن ناجية، وابنه حُمار أَبُو عياض [1] بْن حمار، وهو الَّذِي أهدى إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو مشرك، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لا أقبل زَبْدَ المشركين» .] وروى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ فِي الجاهلية إذا أتى مكة نزل على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال هشام ابن الكلبي هُوَ عياض بْن حمار بْن مُحَمَّد بْن سُفْيَان بْن مجاشع، وفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن يسلم ومعه نجيبة يهديها إليه فقال:
«أسلمت؟ قال: لا. قال: [فَإِن اللَّه نهانا أن نقبل زَبْدَ المشركين» ،] فأسلم فقبلها منه فقال: يا نبي اللَّه الرجل من قومي أسفل مني يشتمني أفأنتصر منه؟ [فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المستبّان شيطانان يتكاذبان» ] .
__________
[1] بهامش الأصل: عياض بن حمار رحمه الله.(12/105)
وكان الزبير سَأَلَ عن عياض يوم الجمل لينزل عليه حين انصرف، فلقي النَعِر بْن زمّام المجاشعي، فسأل عنه فقيل هُوَ بالعرق، فذهب الزبير يريده فقتله ابن جرموز بوادي السباع، وقد روى عياض عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وله صحبه.
ومنهم: عرفجة بْن ناجية ولد: ذؤيب بْن عرفجة،
وكان ذؤيب أسر فِي الجاهلية ففدي بزقَّين من خمر، فعير الفرزدق الخيار بْن سبرة بْن ذؤيب بْن عرفجة بْن ناجية بِذَلِك، وكان الحجاج وجَّهَ الخيار بْن سبرة إِلَى يزيد بْن المهلب لينصرف إليه يعلم حاله وخبره، فأتاه فقال: جئتك من عند قوم أسرجوا ولم يلجموا، فبلغ ذلك ولد المهلب فحقدوا عليه، فولاه الحجاج عُمان فأقام بها عاملًا، فكتب إليه الفرزدق يستهديه جارية فقال:
كتبت إلي تستهدي جوارا ... لقد أنعظتَ من بلد بعيد
فقال الفرزدق:
لقد قال الخيار مقال جهل ... قد استهدى الفرزدق من بعيد
فلولا أن أمك كان جَدِّي ... أباها كنت أخرس بالنشيد
وأن أَبِي ابن عم أبيك لَحّا ... وأنك حين تنسب من أسودي
شَدَدْتُ عليك شدة أعوجي ... يدقُّ شكيم مجدول الحديد [1]
ومات الحجاج والخيار على عُمان، وولي يزيد بْن المهلب العراق فِي أيام سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، فاستعمل زياد بْن المهلب على عُمان فقدمها، وقتل الخيار، فقال الفرزدق:
__________
[1] ليست في ديوانه المطبوع.(12/106)
فلو كنت مثلي يا خيار لشمرت ... بك العيس سير العِوْهَجي وداعر [1]
ألم تكُ فِي أرض المهاري مُسلطًا ... على كل بادٍ من عمان وحاضر
فهلا شددت الحُزْمَ فوق متونها ... بكل علافي من الميس قاتر [2]
وللخيار عقب. فلما قتل هلال بْن أحوز من قتل من آل المهلب، قال جرير يذكر إدراكه بدم الخيار، وغيره مِمَّنْ قتل من آل المهلب:
تركت بقبر للخيار ومالك ... وقبر عدي فِي المقابر أَقبرا
وأدرك ثأر المسمعين بسيفه ... وأغضب فِي قتل الخيار فأنكرا [3]
مالك بْن مسمع، وعدي بْن أرطاة الفزاري والمسمعان: مالك بْن مسمع بْن مالك بْن مسمع، وعبد اللَّه بْن مسمع بْن مالك بْن مسمع.
ومنهم: الحُتات بْن يزيد بْن علقمة بْن حوي بْن سُفْيَان بْن مجاشع،
وهو الَّذِي قال: يا بني مجاشع كونوا كما قال اللَّه فِي كتابه: لا يعجز القوم إذا تعاونوا.
ووفد على مُعَاوِيَة فمات وقد أمر له بصلة فلم يقبضها، وقال الْفَرَزْدَقُ:
أَبُوكَ وَعَمِّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فيحتاز التراث أقاربه
فَمَا بال ميراث الحُتات حويته ... وميراث صخر جامد لك ذائبه [4]
__________
[1] العوهجي وداعر: فحلان.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 237. والعلافي: الرحل، نسبة إلى رجل من قضاعة يقال له علاف، قيل إنه أول من نحت الرحال، وركب عليها، والميس: شجر معروف، والقاتر: الجيد الوقوع على الظهر.
[3] ديوان جرير ص 185 مع فوارق.
[4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 45 مع فوارق.(12/107)
وقد كتبنا الخبر فيما تقدم، وكان اسم الحتات عامرًا، وفيه يقول الأسود بْن يعفر:
وما خلتُني فِي الحنظليين قَعْدَدًا ... فيظلمني يا لهف أمُي عامر
وأسلم الحتات فِي خلافة أَبِي بَكْر ووفد إِلَى عُمَر بْن الخطاب.
وقال سحيم بْن حَفْص: وفد حتات على مُعَاوِيَة مع الأحنف، وجارية بْن قدامة، فأعطى كل واحد منهما مائة ألف، وأعطاه سبعين ألفًا فقبلها، فَلَمَّا كان فِي بعض الطريق قيل له إنهما فضلا عليك بثلاثين ألفًا، فرجع إِلَى مُعَاوِيَة فقال: أعطيت مُخذلًا ومُحرفًا مائة ألف وأعطيتني سبعين ألفًا فقال: يا أَبَا منازل إني اشتريت منهم دينهم لأنهم كانوا من أصحاب علي، وأنت عُثْمَاني فقال: ومني فاشتر ديني فأكمل له مائة ألف درهم، ثُمَّ وفد إليه أيضًا فأعطاه أربعين ألفًا، فمات بالشام فارتجع مُعَاوِيَة المال، فقال فِيهِ الْفَرَزْدَقُ:
أَبُوكَ وَعَمِّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فيحتاز التراث أقاربه
وكان للحتات قطيعة بالبصرة، أتاها ابنه الْمُبَارَك فمرض بها فتطير الحتات فباعها، ومات الْمُبَارَك قبله. وولي عَبْد الملك بْن الحتات عُمان فِي أيام مُعَاوِيَة، وكان علقمة بْن نهاز بْن عَبْد اللَّه بْن الحتات من جند أَبِي جَعْفَر المنصور.
ومنهم: عَبْد اللَّهِ بْن حَكِيم بْن زِيَاد بْن حُوَيّ بْن سُفْيَان،
كان شريفًا، وهو الَّذِي حمل دماء أَهْل البصرة فِي أيام ابن زياد.
وقال أَبُو اليقظان: جعل عَبْد اللَّه بْن حكيم رهينة أيام قتل مَسْعُود فِي ربيعة والأزد، فقال الفرزدق:(12/108)
ومنا الَّذِي أعطى يديه رهينة ... لغاري نزار قبل ضرب الجماجم
كفى كُل أم مَا تخاف عَلَى ابنها ... وهن قيام رافعات المعاصم [1]
وخرج عَبْد اللَّه يوم رُستقاباذ على الحجاج، فقتله الحجاج وصلبه، وله عقب.
وكان من بني حُوَي بْن سُفْيَان [2] أيضًا: حكيم بْن ربيع، كَانَتْ عنده أخت الحَنْتَف بْن السِجف ولا عقب له.
[سفيان بن مجاشع ويوم الكلاب الأول]
وقال ابن الكلبي: كان سُفْيَان بْن مجاشع أول فارس ورد الكلاب الأول، وهو جد الفرزدق، وكان نازلًا فِي بني تغلب مع إخوته لأمه.
وكان سبب الكلاب الأول أن أمر شرحبيل وسلمة ابني الحارث عَميَّ امرئ القيس بْن حجر الكندي تشتت وتفرقت كلمتهما، وكان الْحَارِث فرق بنيه ملوكًا على العرب، فسار شرحبيل ببكر بْن وائل ومن معه من قبائل حنظلة وبني أسيد بْن عمرو، فنزل الكلاب، وهو ماء لبني تميم بين الكوفة والبصرة على بضع عشرة ليلة من اليمامة، وسار سلمة بْن الْحَارِث ببني تغلب وسعد وجماعة من الناس. وجعل السفاح وهو سلمة بْن خَالِد بْن كعب بْن زهير يقول: إن الكلاب ماؤنا فخلوه.
وكان أول من ورد الكلاب من بني تميم سُفْيَان بْن مجاشع، وكان فِي بني تغلب، وكانت بَكْر قتلت له يومئذ ستة بنين، منهم: مرة بْن سُفْيَان، قتله سالم بْن كعب بْن عُمَرو بْن أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان فقال سُفْيَان:
الشَّيْخ شيخ ثكلان ... والورد ورد عجلان
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 318- 321 مع فوارق. وغاري نزار: جيشيها العظيمين.
[2] بهامش الأصل: الكلاب الأول.(12/109)
والجوف جوف حران ... أنعى إليك مرة بْن سُفْيَان
وقتل يومئذ شرحبيل بْن الْحَارِث، جعل سلمة أخوه فِي رأسه مائة من الإبل، قتله أَبُو حنش عُصَم بْن النعمان بْن مالك بْن عتاب بْن سعد بْن زهير، ثُمَّ ندم سلمة فأراد قتل أَبِي حنش فهرب فقال سلمة:
ألا أبلغ بني حنش رسولا ... فما لك لا تجيء إِلَى الثواب
تعلَّم أن خير الناس طرًا ... قتيل بين أحجار الكلاب
وفيه يقول معدي كرب بْن الْحَارِث أخوه:
إنَّ جنبي عن الفراش لناب ... كتجافي الأسر فوق الظراب
من حديث نمى إليّ فم ... اترقأ عيني وما أُسيغ شرابي
مُرَّة كالذعاف أكتمها النا ... س على حرّ ملّة كالشهاب
من شرحبيل إذ تعاوره الأرم ... اح من بعد نعمة وشباب
يا بن أمي لو شهدتك تدعو تميم ... اوأنت غير مجاب
ثُمَّ طاعنت من ورائك حَتَّى ... تبلغ الرحب أو تبز ثيابي
قَالُوا: وكان مرة بْن سُفْيَان يكنى أَبَا سَنْدُوشة، وَفِي سُفْيَان بْن مجاشع يقول الفرزدق:
شيوخ منهم عُدُس بْن زَيْد ... وسفيان الَّذِي ورد الكلابا [1]
ومنهم الْحَارِث بْن شريج بْن يزيد بْن سواد بْن ورد بْن مرة بْن سُفْيَان صاحب العصبية بخراسان
وكان يكنى أَبَا حاتم.
وقال غير الكلبي: هُوَ الْحَارِث بْن عُمير، وكان عطا، شريج سبعمائة درهم، وله دار بالبصرة فِي بني مجاشع، وكان الحارث بن شريج بخراسان،
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 99.(12/110)
فأنكر مظلمة ظلم بها قوم فِي ولاية الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن المري فقال الشاعر:
أبى ابن شريج أن يكون جنيبة ... لمرة إذ صدت وجار أمامها
وولي بعد الجنيد عاصم بْن عَبْد اللَّه الهلالي فخرج عليه الْحَارِث، ثُمَّ صالحه على نفي الظلم والجور، وأن يكون أمرهما واحدًا، إن لم يغير هشام ما أنكر، وقال خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري حين بلغه قتل الْحَارِث بْن شريج
يرجى ابن شرج أن يكون خليفة ... وهيهات أسباب الخلافة من شرج
وحدثني حَمَّاد بْن بَغْسَل عن سلمويه أَبِي صالح قال: قاتل الْحَارِث بْن شريج أسد بْن عَبْد اللَّه أخا خَالِد، ثُمَّ صار إِلَى الترك، فَلَمَّا ولي نصر بْن سيار أَمنَّهُ، فسأله أن يعزل كل عامل جائر كان لمن قبله وله ممن ولاه ففعل، وجعل نصر يقول ما هذا بخير لك يا حارث، ووثب سيار [1] جديع الَّذِي يعرف بالكرماني، فقاتله الحارث فقتله الْحَارِث، وصلبه نصر وعلق مَعَهُ سمكة، ثُمَّ قام علي ابن الكرماني مقام أَبِيهِ فقتل الْحَارِث بْن شريج فقال نصر بْن سيار:
يا مُدخِل الذُّلّ عَلَى قومه ... بُعْدًا وَسُحْقًا لَك من هالك
مَا كَانَت الأزد وأشياعها ... تطمع فِي عمرو ولا مالك
ولا بني سعدٍ إذا ألجموا ... كل طمرٍّ لونه حالك
شؤمك أودى مضرًا كلها ... وغض من قومك بالحارث
قَالُوا: وكان الْحَارِث يقاتل بعمود له فِيهِ اثنا عشر منا من حديد.
__________
[1] كذا بالأصول، وكان على الراوية أن يقول: «ووثب بابن سيّار» .(12/111)
ويقال إِن الْحَارِث قاتل جديعًا فقتله جديع، ثُمَّ وثبت تميم وفيهم ابن الْحَارِث بْن شُريج فقتلوا جديعًا الكرماني.
وذكر أَبُو اليقظان أن لحاتم بْن الْحَارِث عقب.
ومنهم: هُبيرة بْن ضمضم بْن شريج بْن سيدان بْن مرة بْن سُفْيَان، وضمضم بْن ضمضم من بني مرة بْن سُفْيَان، ويقال لهما الأقعسان. وكان هبيرة فِي شُرَط الطُهوي وقد كتبنا خبره.
[هريم بن أبي طحمة]
وقال الكلبي: هُوَ هبيرة بْن ضمضم بْن شريج بْن سيدان بْن مرة.
ومنهم: أَبُو طَحْمَة، واسمه عدي بْن حارثة بْن الشريد بْن مرة بْن سُفْيَان، أدرك الجاهلية، وكان مقيمًا بسفوان.
فولد أَبُو طَحْمة: هُرَيْم بْن أبي طحمة لأم ولد، وكان هريم يكنى أَبَا حَمْزَة، وكان شجاعًا، وكان مع المهلب فِي حرب الأزارقة، وكان بخراسان على لواء بني تميم، وكان مع عدي بْن أرطاة فِي قتال يزيد بْن المهلب.
ولما قدم مسلمة بْن عَبْد الملك والعباس بْن الْوَلِيد لقتال يزيد بْن المهلب. أتتهما بنو تميم وفيهم هريم بْن أَبِي طحمة، فعقد الْعَبَّاس لهريم بْن أَبِي طحمة على بني تميم، فأخذ اللواء وأقحم يوم سَوراء فِي خمس فوارس فقال الفرزدق:
أَحَلَّ هريمٌ يوم سَوراء بالقنا ... نذور نساء من تميم فَحلَّتِ [1]
وكبر هريم، فَصَير اسمه فِي أعوان الديوان، ليرفع عَنْهُ الغزو، فَقِيل له: أتُحْسِنُ أن تكتب؟ فقال: لا اكتب فَإِنِّي أمحو الصحف.
فولد هريم: الترجمان لأم ولد، وكان جميلًا شجاعًا، ويكنى أبا
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 111 مع فوارق.(12/112)
الحكم، وولي الأهواز، وكان على بني حنظلة فِي فتنة ابن سهيل بالبصرة، وله عقب بالبصرة، وقد ذكرنا فتنة ابن سهيل بالبصرة ولا عقب له.
ومنهم: الْحَارِث بْن بَيْبَة بْن قرط بْن سُفْيَان بْن مجاشع،
وكان شريفًا وكان من أرداف الملوك، قال الفرزدق:
أحنظل ما حقا سبابي مقاعسًا ... بأبناء أرداف الملوك الخضارم
ولكن نِصْفا لو سَبَبَتُ وسَبَّني ... بنو عَبْد شمس من مناف وهاشم
أولئك أكفائي فجيئوا بمثلهم ... وأكره أن أهجوا عبيدًا بدارم [1]
وكان الصمة أَبُو دريد بْن الصمة جارًا للحارث، فلم يحمد جواره فقال:
أَذُمُّ العاصمين وإنّ جاري ... من الجيران لا يوفى بزيد
يعني عاصمًا وأزنم ابني عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع، وكان الصمة أغار على بني مالك بْن حنظلة يوم عاقل فَهَزَم جيشه واسره جعد بن شماخ، أحد بني صُدَيّ بْن مالك بْن حنظلة من بني العدوية.
وقال ابن الكلبي: هُوَ الجعد بْن عامر بْن مالك بْن ثَعْلَبَة بْن الصُدي، ثُمَّ إن جعدًا جَزَّ ناصية الصمة، ومَنَّ عليه فأطلقه فقال له: لك عندي ثواب فأتاه يستثيبه فقدَّمَه الصمة فضرب عنقه، وقال: أسأت جواري، ثُمَّ إن الصمة أتى عكاظ بعد ما شاء اللَّه، وحرب بْن أمية بعكاظ يطعم الناس، فدخل وثعلبة بْن الْحَارِث بْن حَصَبَة بْن أزنم بْن عَبيد اليربوعي عليه، فأكلا، وقُدم إليهما تمر فجعل الصمة يأكل ويلقي النوى بين يدي ثَعْلَبَة، فَلَمَّا فرغا قال ثعلبة للصمة: إنه لا نوى بين يديك أفكنت
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 300 مع فوارق كبيرة.(12/113)
تبلع النوى؟ إنك لكبير البطن. فقال الصمة: بطني عظيم من دمائكم، هَلْ لك علم بالجعد بْن شماخ؟ قال: وما ذكرك رجلًا أنعم عليك فكفرته وأتاك لتثيبه فقتلته والله لا رأيتك بغائط من الأرض إلا طلبت دمك، وافترقا.
ثُمَّ إن الصمة أغار بعد زمان على بني حنظلة فهزموه وأسره الْحَارِث بْن بَيْبَة ففدى نفسه منه، ثُمَّ سأله أن يسير به إِلَى بني تميم ليشتري من صار إليهم من أسراء أصحابه، فسار به حَتَّى أناخ فِي بني ثَعْلَبَة بْن يربوع، فَلَمَّا رآه ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن حَصَبَة الَّذِي جرى بينه وبينه عند حرب بْن أمية ما جرى أَخَذَ سيفه ثُمَّ ضرب الصمة به فقتله فقال جرير:
ومنا الذي أبلى صدي بن مالك ... ونفر طيرا عن جُعادة وُقِّعَا
ضربنا عميد الصمتين فأعولت ... نساء على صلب المفارق أنزعا [1]
وقتل يومئذ عارض الجشمي، فذكره جرير، وكانت ابنه الْحَارِث بْن بيبة عند حاجب بْن زُرارة، فولدت له، وكان جلساء لحاجب عنده يوما فبعث إليها: ابعثي إلي بشيء إن كان عندك يؤكل، فقالت: ما عندي شيء، فَلَمَّا قام جلساؤه ودخل عليها أتته بشيء فقال: ما منعك أن تبعثي بهذا إلينا؟ قَالَتْ: كان قليلًا وآثرتك فطلقها، وقال: فضحتني عند القوم.
ومنهم البَعيث الشاعر [2] وهو خِداش بْن بشر بْن أَبِي خَالِد بْن بَيْبَة،
وبعضهم: يقول ابن خَالِد بْن بَيْبَة، وأم البعيث أَمةٌ أصبهانية. قال
__________
[1] ديوان جرير ص 266.
[2] بهامش الأصل: البعيث الشاعر.(12/114)
الفرزدق:
إذا ما أتينا أصبهان وأهلها ... فيوم حجاج فِي البعيث طويل [1]
وسمي البعيث لقوله:
تبعّث مني ما تبعّث بعد ما ... أَمَرَّتْ حبالي كل مرتها شَزْرَا
وكان يُقَالُ هُوَ أخطب بني تميم، وكان مغلبًا عليه جرير.
وكان إِبْرَاهِيم بْن عربي أضرَّ به فِي إبل له، فخرج إِلَى عَبْد الملك، فكتب إِلَى حصين بْن خليد العبسي، وَكَانَ عَلَى بادية قَيْس يأمره أن يأخذ إِبْرَاهِيم بإنصافه ففعل، وقال في البعيث:
لما رَأَيْت الهم صاف كأنه ... أخو لطف دون الوساد كميع [2]
رحلت فجعلت الزيارة إنني ... كذاك لأبواب الملوك قروع
ترى منبر العبدي اللئيم كأنما ... ثلاثة غربان عليه وقوع
وكان البعيث يكنى أَبَا مالك باسم ابن له، وكان له ابن يُقَالُ له أيضًا بَكْر وخرج البعيث إِلَى المدينة، فأقام بها وأرسل مالكًا وبكرًا ابنيه ليرعيا إبله فمرض مالك فثقل، فوجه بَكْر إِلَى أَبِيهِ ليقدم عليه فَلَمَّا قدم عليه وجده قد مات فقال البعيث:
وأرسل بَكْرا مالك لنجيه ... فحاذر ريب الحادثات فلم يبل
حِمامَكَ مهما يقضه اللَّه تلقه ... وإن كان ريث من رفيقك أو عَجَلْ
فوافق مني غصة لا يسيغها ... شراب ولم يُذهب مرارتها العَسَلْ
وكانت ضبة بِنْت البعيث شاعرة، فَلَمَّا مات نعاه رَجُل من عكل
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] الكميع: الضجيع، والقباء. القاموس.(12/115)
فقالت:
نعاه لنا العكلي لا دَرَّ دَرَّهُ ... فيا ليته كَانَتْ به النعل زَلّت
فلن تسمعي صوت البعيث مماريا ... إذا ما خصومات الرجال تَعلَّت
ومن بني قرط: الهَثْهاث، وسمي الهثهاث لأنه كان يُهثهث فِي إبله وكانت كبيرة، واسم الهثهاث الْحَارِث.
فولد الهثهاث: دَلم وله يقول أَبُوهُ فِي سنة هلكت فيها الماشية:
انَهزْ دَلم، هَلَك أصحاب الصَّرم انهز: أي استقِ بالدلو.
وكان الفرزدق تزوج ظبية [1] بِنْت دَلم بْن الهثهاث فعجز عَنْهَا لكبره فأنشأ يقول:
لعمرك إنْ ربي أتاني بظبية ... سريعًا فإنَّ اللَّه بي لرحيم
بممكورة الساقين مهضومة الحشا ... إِلَى الزاد فِي الظلماء غير قروم [2]
وقال حين دخل عليها:
يا لهف نفسي على نعظٍ فجعت به ... حين التقى الركب المحلوق والركب
وخوصم فِي أمرها إِلَى المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي، فلم يحكم على الفرزدق خوفًا من لسانه وأقرها عنده.
وكان علي بْن الهثهاث وأمه ابْنَة البعيث خطب امْرَأَة من بني مجاشع وخطبها غيرة فتزوجها، فقال الفرزدق:
دافع عَنْهَا عَصْقَل وابن عَصْقَل ... بأعناق صهبٍ زحزحت كل خاطب
__________
[1] روى البلاذري من قبل أن اسمها طيبة انظر في ص 92- 93 من هذا الجزء.
[2] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.(12/116)
إذا شفعوا فِي أيمِّ شفعت لهم ... ذراها وضُرَّاتٍ عظام المخالب
دفيعية خور [1] كأنَّ مخاضها ... فحول تسامى أو نخيل رواسب [2]
دفيعية: جنس من الإبل. وكان لقب الهثهاث عَصْقَل. وقال الفرزدق حين دخل بها علي بْن الهثهاث:
رأت من بني الهثهاث قَرمًا كأنه ... حصان يشل القائدين ويدفع [3]
ومنهم: الأصبغ بْن نباتة بْن الْحَارِث، وهو ابن الشام بْن عمرو بْن فاتك بْن عامر بْن مجاشع،
صحب علي بْن أَبِي طَالِب وكان يحدث عَنْهُ.
قال هشام ابن الكلبي: أخبرني أَبِي قال: حدثت الفرزدق حديثا عن الأصبغ ابن نباتة، فقال: ابن الشام. ابن الشام؟ قلت: نعم. قال: كان عالمًا.
وأخوه غسان بْن نباتة الَّذِي دفع عمرو بْن الزبير على باب يزيد بْن مُعَاوِيَة، فلطم عمرو لبيد بْن عطارد بْن حاجب بسببه.
ومن بني قرط بْن سُفْيَان بْن مجاشع: ضرار بْن معبد بْن حويل، كان من قواد أَبِي جعفر المنصور، وحضر وفاته بمكة ودفنه، فلما خرج من قبره من نزل فِيهِ، ألقى ثوبه فِي القبر.
ومن بني عامر بْن مجاشع: عَبْد اللَّه بْن ناشِرة، غلب على سجستان أيام فتنة ابن الزبير، ويقال على زرنج، فانصرف عامل القباع، وهو الْحَارِث بْن أَبِي ربيعة المخزومي- وكان عامله أحد ولد عبد الله بن عامر بن
__________
[1] الخور: النساء الكثيرات الريب لفسادهن، والنوق الغزر.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 91 مع فوارق.
[3] ليس في ديوانه المطبوع.(12/117)
كريز، ثُمَّ إن وكيع بْن أَبِي سود رد الكريزي إِلَى سجستان، وقاتل ابن ناشرة مع الكريزي، فعثر بابن ناشرة فرسه، فاندقت رجله، وقتل وهزم أصحابه، فقال أَبُو حراثة، ويقال ابن عرادة، ويقال الفرزدق:
لعمري لقد هدّت قريش عروشنا ... بأبيض نفّاح العشيَّات أزهرا
فلا صلح حَتَّى تنحط الخيل بالقنا ... بنا وبكم أو نُصدر الأمر مَصَدرا
ألا لافتى بعد ابن ناشرة الفتى ... ولا خير إلا قد تولى فأدبرا
أكان حصادًا للمنايا ازْدَرَعْنَهُ ... فهلا تركتَ النبتَ ما كان أخضرا
فتى حنظلي لا يزال موفقًا ... يجود بمعروف وينكر منكرا
لحى اللَّه قومًا أسلموك وقد رأوا ... عناجيج [1] أعطتها يمينك ضُمَّرا
أما كان فيهم فارس ذو حفيظة ... يرى الموت فِي بعض المواطن أعذرا
يكرُّ كما كرَّ الكليبيُّ مِهْرُهُ ... وَمَا كرَّ إلا خِشيةً أن يُعَيَّرًا [2]
الكليبي ابن عبد الله بن عثمان حامي على ابن ناشرة.
وقال أَبُو اليقظان: انتقلت عامة بادية بني مجاشع إِلَى الشام فقال الفرزدق:
ألا ليت شعري ما أرادت مجاشع ... إِلَى الشام أَمْ ماذا أراد أميرها
هلم إِلَى بئر لكم قد حفرتها ... يزيد على غرف الدلاء غديرها [3]
وقال أيضًا:
إنْ أَبْكِ قومي يا نوار فانني ... أَرى مسجديهم بعدهم كالبلاقع [4]
__________
[1] العناجيج: جياد الخيل والإبل. القاموس.
[2] لم ترد هذه الأبيات في ديوان الفرزدق المطبوع.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 236 مع فوارق كبيرة.
[4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 394.(12/118)
وقال هشام ابن الكلبي: وُلَدِ الحرام بْن مجاشع: عَبْد اللَّه وهو ثعالة.
فولد عَبْد اللَّه: نجيح بْن عَبْد اللَّه.
قال أَبُو المنذر هشام: أنشدني الكسائي النحوي:
أدعُ نجيحًا باسمه لا تَنْسَهْ ... إنَّ نجيحًا هُوَ صبيان السَهْ
المدائني عن سحيم قال: بنو مجاشع يُعابون بالجزيرة، وذلك أن ركبًا منهم فِي الجاهلية مروا وهم عجال على شهاب التغلبي فقال لهم: انزلوا.
قالوا: إنا مستعجلون. فقال: واللَّه لا تجوزوني حَتَّى تصيبوا من قراي، فعمل لهم خزيرة [1] وحملت إليهم وهم على إبلهم فجعلوا يعظمون اللقم وجعلت الخزيرة تسيل على لحالهم، فعُيروا بِذَلِك وسموا الخور لقول الشاعر:
يا قصبًا هَبَّتْ له الدَّبُور ... فهو إذا حرك خوف خور
وقال جرير:
متى تغمز قناة مجاشعيّ ... تجد لحما وليس له عظام [2]
__________
[1] الخزيرة: لحم يقطع صغارا ويصب عليه ماء كثير، فإذا انضج ذر عليه الدقيق. النهاية لابن الأثير.
[2] ديوان جرير ص 423 مع فوارق.(12/119)
نسب بني نهشل بْن دارم
وولد نهشل بْن دارم سبعة نفر: قطن بْن نهشل. وزيد بْن نهشل.
وعبد اللَّه بْن نهشل. وأمهم لُبْنَى بِنْت زَيْد بْن مالك بْن حنظلة. وجندل بْن نهشل. وجرول بْن نهشل. وصخر بْن نهشل. ووبير بْن نهشل، وأمهم تماضر بِنْت بهدلة بْن عوف. ويقال إن أم قطن وزيد ماوية بِنْت منقر من بني تغلب، وأم جندل وجرول وصخر تماضر وأم وبير وهو أُبير لبني بِنْت زَيْد بْن مالك بْن حنظلة ولهم يقول امرؤ القيس بْن حجر:
فأبلغ بني ماوية ابْنَة منقر ... وأبلغ بني لبنى وأبلغ تماضرا [1]
وكانت ماوية أخيذة.
فَمَنْ بني نهشل: خَالِد بْن مالك بْن ربعي بْن سلمى بْن جندل،
ويقال سلم أَبُو غسان التغَلبي، وكان قد غزا بقومه بني سعد، ومعهم غيرهم من بني تميم، وكان بنو تميم يفزعون به صبيانهم، فاقتتلوا قتالًا شديدًا بذي بَهْدي، فهزمت تغلب وأسر الأعيسر، وهو حذيفة بْن يزيد السعدي، ويقال يزيد بْن حذيفة، الهذيل بْن هبيرة، وأسر ابنا ناشرة
__________
[1] ديوان إمرئ القيس ص 114 مع فوارق.(12/121)
النهشليان: شبيبًا ومشولًا ابني الهذيل، فقال الهذيل لبعض من أطاعه:
أنت ابن الغريزة النهشلي، والغريزة تغلبية. فقل له تخلص أسيريك شبيبا ومشولًا، فلم يمكن ابن الغزيرة ذلك فقال الهذيل:
ألكني وَفِر لابن الغريزة عِرضُهُ ... إِلَى خَالِد من آل سلمى بْن جندل
فما ابتغي من مالك بعد دارم ... وما أبتغي في دارم بعد نهشل
وما أبتغي فِي نهشل بعد خَالِد ... لطارق ليل أو أسير مكبل
فاشترى خَالِد ابنيه من ابني ناشرة النهشليين بستين بعيرًا، كل واحد بثلاثين بعيرًا، وبعث بهما إِلَى أبيهما، فوردا عليه وهو أسير بعد، ثم أتاه فداؤه مائة ناقة فدفعها إلى الأعيسر فقبضها وجز ناصيته وخلى سبيله فانطلق الهذيل وابناه، فناصية الهذيل فِي جُونة عند ولد الأعيسر، فإذا كان لهم مأتم ومناحة بالبصرة نصبوها على عود عند بني العَضْبَاء، وهم من ولد الأعيسر، ثُمَّ أَبَّنوا ميتهم، وقالوا: يا بن جزاز النواصي. قال جرير للأخطل:
قُدْنا خزيمة قد علمتم عنوة ... وشتا الهذيل يمارس الأغلالا [1]
وقال أَبُو اليقظان: كان الهذيل بْن هبيرة التغلبي أسر كثير بْن الغريزة النهشلي فمنَّ الهذيل عليه فأسرت بنو سعد الهذيل فاشتراه خَالِد بْن مالك فمنَّ عليه مكافأة له بما صنع، والأول أثبت وأصح.
وقال الأسود بْن يعفر يمدحه:
وخالد يحمد أصحابه ... بالحق لا يحمد بالباطل
وخالد بْن مالك الَّذِي قتل عمرو بْن الأحوص يوم ذي نجَبَ [2]
بأبيه
__________
[1] ديوان جرير ص 363.
[2] بهامش الأصل: يوم ذي نجب.(12/122)
مالك، وكان مالك قتل يوم جبلة، وكان من حديث يوم ذي نجب: أن بني عامر بْن صعصعة استنجدوا ابن الجون الكندي على بني تميم، وشكوا ما نالهم يوم شعب جبلة، وكان يوم ذي نجب بعد جبلة بحول، فوجه معهما جيشًا عليه: عمرو، وحسان ابنا كبشة، فقتل رَجُل من بني حميري بْن رياح عَمْرًا هَذَا، وقتل يومئذ عمرو بْن الأحوص بْن جعفر بْن كلاب، قتله خَالِد بْن مالك بْن ربعي النهشلي، وقال جرير فِي يوم ذي نجب:
فاسأل بذي نَجب فوارس عامر ... واسأل عتيبة يوم جوع ظلال [1]
وكان عتيبة بْن الْحَارِث أغار على بني جَعْفَر فاجتحف أموالهم.
وقال أَبُو عبيدة: قال بنو عامر لمعاوية بْن الجون بْن حجر الكندي:
هَلْ لك فِي إبل عَكَر [2] ، ونساء كالبقر؟ يعنون نساء بني حنظلة، وقتل يومئذ خليف بْن عَبْد اللَّه النميري فقال الأشهب بْن رُميلة:
وغادرنا بذي نجب خليفًا ... عليه سباسب مثل القِرام [3]
وقال جرير:
مِنَّا فوارس ذي بهدي وذي نَجَبٍ ... والمعْلَمُون صباحًا يوم ذي قار [4]
والثبت فِي يوم ذي نجب أن بْني عامر أتوا حسان بْن عمرو بْن مُعَاوِيَة بْن الجون بْن حجر بْن عمرو آكل المرار، فشكوا إليه ما نالهم يوم جبلة، وكان حسان على تميم يوم جبلة، وقالوا له: هَلْ لك فِي إبل عكر ونساء كالبقر؟ فسار معهم، وسار معهم أيضًا مُعَاوِيَة بْن شراحيل بْن
__________
[1] ديوان جرير ص 375 مع فوارق.
[2] العكر: ما فوق خمسمائة من الإبل.
[3] القرام: الستر الأحمر، أو ثوب ملون من صوف فيه رقم ونقوش. القاموس.
[4] ديوان جرير ص 241.(12/123)
أخضر بْن الجون، وكان بنو حجر يُقَالُ لهم بنو كبشة، وهي أم حجر بْن عمرو آكل المرار، وعبد اللَّه بْن مسعود بْن خَالِد بْن مالك بْن ربعي الَّذِي مدحه الحطيئة.
وذكر بعضهم أن خَالِد بْن مالك وفد والقعقاع بْن معبد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال أبو بكر: يا رسول اللَّه وَلِّ هَذَا صدقات قومه. وقال عُمَر: وَلِّ هَذَا صدقات قومه، فأنزل الله تعالى: يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورسوله [1] .
وكانت ليلى بِنْت مَسْعُود بْن خَالِد عند علي بْن أَبِي طَالِب،
فولدت له: عُبَيْد اللَّه، وأبا بَكْر، ثُمَّ خلف عليها عَبْد الله بْن جَعْفَر.
وسعد بْن خَالِد بْن مالك، نزل الكوفة وقد انقرض ولده.
ويزيد بْن مَسْعُود بْن خَالِد كان سيدًا بالبادية، ولم يهاجر إِلَى البصرة، وكان يكنى أَبَا خَالِد وأبا جَيْداء جميعًا، وفيه يقول سُحَيم بْن وَثيْل:
ومن آل مَسْعُود على الباب مدره ... إِلَى القوم قَالُوا يا يزيد بْن خَالِد
وله عقب بالبادية.
وكانت لعباد بْن مَسْعُود بْن خَالِد ابْنَة عند إِبْرَاهِيم بْن عربي، وأخرى عند المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي.
ومن ولد مَسْعُود بْن خَالِد: نَعيم بْن الثَوْلاء بْن مَسْعُود ولي شرطة سُلَيْمَان بْن علي، وإسماعيل بْن علي بالبصرة، والثولاء الَّذِي قتله أمير البصرة فِي الفتنة.
وقال أَبُو اليقظان: ولي زياد نعيم بْن مَسْعُود: فسا، ودرابجرد،
__________
[1] سورة الحجرات- الآية: 1، وتقدم هذا الخبر في ص 42.(12/124)
فقال وهو بفسا، وكتب إِلَى يزيد بْن مَسْعُود:
أَبَا خالدٍ أَسْعِدْ على الشوق ذا هوى ... يذكرَّ أَهْل البدو فهو مريض
ألا ليت شعري هَلْ أَبيتنَّ ليلة ... على قُلص يجري لهنَّ عروض
وأتاه قومه إلى فسا فمات عدة منهم من بني نهشل، فقال قائل منهم:
رأينا الموتَ عند درابجرد ... وعند الموت يستغني الفقير
فلا تغرركم دنيا نعيم ... وفيئوا إنَّ مالكم كثير
وقدم نعيم بدهقان فسا، واسمه أزاذ مَردْ، الَّذِي يُقَالُ له أزاذمرّد بْن الهربذ، فبنى داره بالبصرة، فقال شاعر لبني نهشل:
جاؤوا يسوقون ازاذ مرد ... دهقان فَسَا ودرابجرد
وجاوروا جل كريم جعد ... يمسي على الحي عظيم العَقد
وسأله أَبُو الأسود، وسأل الحصين بْن أَبِي الحر فأعطاه نعيم ومنعه حصين فقال:
نعيم بْن مسعودٍ أحقُّ بما أَتى ... وأنت بما تأتي حقيق كذلكا [1]
وقال أَبُو اليقظان: ولد نعيم: ثولاء. ورابية، أمهما طلبة بِنْت قَيْس بْن عاصم، فأما رابية فلا عقب له، وأما ثولاء فولاه الحجاج جزيرة ابن كاوان والبحرين، ثُمَّ غضب عليه فعزله وحبسه فِي الديماس حَتَّى مات، ويقال بل بعث إليه فقتله.
فولد ثولاء: نُعيمًا، ولي شرط البصرة لإسماعيل بْن علي، وولي ديوان البصرة لأبي جَعْفَر، وكان يكنى أَبَا ثولاء باسم جَدّه، كَانَتْ عنده ابْنَة خزيمة بْن خازم، وكان خليفته ولا عقب له.
__________
[1] ديوان أبي الأسود الدولي ص 142.(12/125)
ومنهم: الأشهب بْن رَمِيلة الشاعر [1] ،
ورَمِيلة أمه، وأبوه ثور بْن أَبِي حارثة بْن عَبْد المنذر بْن جندل، وقدم الأشهب علي زياد فأمر له بثلاثة آلاف درهم.
وقال ابن الكلبي: حضر سلمي بْن جندل بْن نهشل يوم عين أباغ
فأبلى، وذلك حين جهز المنذر، وهو أَبُو النعمان صاحب الحيرة جيشًا فيهم أخلاط من معد ليغزو الْحَارِث بْن أبي شمر، فبعث الْحَارِث ثمانين غلامًا من غسان لهم الذوائب بكتاب كتبه إليه، وأظهر أنهم وفدٌ أوفدهم عليه، فَلَمَّا رآهم المنذر قال: ما تقولون فِي أمهات ولدن مثل هؤلاء، فَحَمُوا وأَنِفُوا لأمهاتهم ونسائهم، وأقبل الْحَارِث بْن أَبِي شمر، والمنذر مسترسل لكتاب الْحَارِث وما أداه إليه الغلمان عَنْهُ، فاقتتلا بعين أباغ، وكان على ميمنة المنذر فروة بْن مَسْعُود بْن عامر بْن أَبِي ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان، فقتل فروة فقال المنذر: كريم صادف مصرعه، فذهبت مثلًا. وشدَّ رَجُل من بني حنيفة يُقَالُ له شهر بْن عمرو، كان مع الْحَارِث بْن أَبِي شمر على المنذر فطعنه تحت إبطه فقتله، وأخذ الناس من كان من أصحاب المنذر من كل وجه، وأسر أكثر بني أسد، وأُسر من بني تميم شأس بْن عبدة أخو علقمة الشاعر، ورجع الْحَارِث، ورأس المنذر معه، وحمى الحنفي وكساه ثيابه وأكرمه، ويقال إن الحنفي كان مع المنذر، فَلَمَّا رَأَى إدبار الأمر عليه قتله، وطلب النابغة الذبياني إليه فِي أسرى بني أسد فشفعه فيهم، وتكلم علقمة بْن عبدة فِي أَخِيهِ وقال قصيدته التي أولها:
طحا بك قلب فِي الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب
__________
[1] ترجم له صاحب الأغاني ج 9 ص 269- 272.(12/126)
وقال فيها:
وَفِي كل حي قد خبطت بنعمة ... فحقَّ لشأس من نداك ذَنُوب [1]
فوهبه له.
وقال الكلبي: لما التقوا شد الغلمان الثمانون على الناس وهم حنقون غايرون لما سمعوا من قول المنذر، فكشفوا أصحاب المنذر، وقتل ابنان للحارث فحملهما أبوهما على بعير، وجعل المنذر بينهما، فجعل الناس يقولون: ما رأينا كاليوم عدلين فقال الْحَارِث: وما العلاوة بأضَل، فذهبت مثلًا.
وقال حسان بْن ثابت وهو عند الْحَارِث بْن أَبِي شمر: إن المنذر خسر وحان، فخرج من داره يريد مساماتك، وو الله لشمالك خير من يمينه، ولقذالك أحسن من وجهه، ولأمك أكرم من أَبِيهِ، فأعجبه قوله فأجازه وكساه.
وقال الأسود بْن يعفر بْن عَبْد الأسود بْن جندل بْن نهشل الشاعر:
وقيس بْن مَسْعُود وقيس بْن خالدٍ ... وفارس يوم العين سلمى بْن جندل
وقال أَبُو اليقظان: مات سلمى بْن جندل بسَلْمان، وهو جبل باليمن فقال الشاعر:
ومات على سَلْمان سلمى بْن جندل ... وذلك ميت لو علمت كريم
ويقال: مات بسلمان ما بين العراق والحجاز.
ومنهم: هَوْذَة بْن جَرْوَل بْن نَهْشَل الشاعر، قتلته كلب. ولهوذة يقول الشاعر:
__________
[1] ديوان علقمة الفحل- ط. حلب 1969 ص 33- 48.(12/127)
أَنَا ابن عَبْد اللَّه وابن نَهْشَلٍ ... من سِر [1] آل هوذة بْن جَرْوَل
الفاعلين الخير إذ قيل افعل
وقال أَبُو اليقظان: من بني جرول: عُبَيْد اللَّه بْن معروف الَّذِي كان بهمذان، وهم أَهْل بيت سادة.
ومن بني وُبير بْن نهشل وهو أُبير: عَبْد الملّكَ بْن معن بْن أبير بْن نهشل، كان من وجوه بني تميم وفيه يقول الفرزدق:
أتشرب يا عوران فضل نبيذهم ... وعندك يا عوران زق موفر
وكان أَبُو محروم من ولد معن، من رجال بني نهشل، ودخل واسطًا فسابَّ المسيح بْن الحواري، فقال المسيح: أَنَا ابن زياد بْن عمرو، وقال أَبُو محروم: أَنَا ابن نهشل بْن دارم. فقال عَبْد اللَّه بْن عياش المنتوف الهَمداني:
هَذَا شرف لم يفتعلاه ولقد ارتفعت يا أَبَا محروم جدًا.
ومنهم أسماء بِنْت مخربة، واسمه عمرو بن جندل بن أبير بْن نهشل، وهي أم أَبِي جهل بْن هشام المخزومي، وكانت عند سُوَيْد بْن ربيعة الدارمي، فهرب إِلَى مكة حين هرب وهي معه، فسقطت إِلَى اليمن فتزوجها هشام بْن المغيرة، فولدت له أبا جهل فسمته عمرًا باسم أبيها، والحارث بْن هشام، ثُمَّ فارقها فتزوجها أَبُو ربيعة بْن المغيرة، وقد ذكرنا خبرها فيما تقدم.
ومنهم: معن بْن عوف بْن مرة بْن وبير، والحصين بْن الجُلاس بن مخربة الشاعر.
__________
[1] السر: محض النسب وأفضله. القاموس.(12/128)
ومنهم: ضمرة بْن ضمرة بْن جَابِر بْن قطن بْن نهشل،
وضمرة هُوَ شقة بْن ضمرة بْن جَابِر، كان شاعرًا.
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ عن المفضل وغيره قَالُوا: كان ضمرة بْن ضمرة يسمى شقة بْن ضمرة، وكان ذا رأي، فبلغ المنذر بْن المنذر ذلك فأحب النظر إليه، فأشخصه إِلَى ما قبله، وكان دميمًا فَلَمَّا دخل شقة على المنذر بْن المنذر أَبِي النعمان بْن المنذر قال له: من أنت؟ قال:
شقة بْن ضمرة. قال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه. يقول: يعجبك أن تسمع بالمعيدي لا أن تراه، ويقال إنه قال: لأن تسمع بالمعيدي خير من أَن تراه، فقال شقة: أبيت اللعن، إن القوم ليسوا بِجُزُر أي بغنم تُجزر، إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه، فإذا نطق نطق ببيان، وَإِذَا قاتل قاتل بجَنَان، والرجال لا تكال بالقُفْزَان، فأعجب المنذر بما سمع من منطقه، فسماه ضمرة باسم أَبِيهِ، وكان أَبُوهُ أثيرًا عنده، وكان من رجالات بني تميم، ثُمَّ قال له: هَلْ عندك يا ضمرة بْن ضمرة علم بالأمور؟ قال: نعم أيها الملك، إني لانقض منها المفتول، وأبرم المسحول، ثُمَّ أجيلها حَتَّى تجول، ثُمَّ أنظر إِلَى ما تؤول، وليس للأمور بصاحب من لم يكن له نظر فِي العواقب، قال: صدقت فأخبرني عن الفقر الحاضر، والعجز الظاهر؟
قال: أما الفقر الحاضر فأن يكون الرجل لا يشبع نفسه، ولو كان من ذهب حَلْسَه، وأما العجز الظاهر أن يكون الرجل قليل الحيلة لازمًا للحليلة، يطيع قولها ويحوم حولها، إن غضبت ترضاها وإن رضيت فداها، فلا كان ذاك فِي الأحياء، ولا ولدت مثله النساء. قال المنذر: لله أبوك، فأخبرني عن السوءة السواء، والداء العَيَاء؟ فقال: أما السوءة السواء، فالحليلة(12/129)
الصخابة، السليطة السبابة، الخفيفة الوثابة، المخوف غيبها، الكثير عيبها، التي تَعْجَب من غير عجب، وتغضب من غير مغضب، فحليلها لا ينعم باله، ولا تحسن حاله، إن كان مُقِلًا عَيَّرَتْهُ بإقلاله، وإن كان ذا مال لم ينتفع بماله، فأراح اللَّه منها أهلها، وأما الداء العَيَاء فجار السوء الَّذِي إن كَلَّمْتَهُ بهتك، وإن قاولته شتمك، وإن غبت عَنْهُ سبعك، فإذا كان ذلك جارك فخلِّ له دارك، وعجل منه فرارك، وإن رضيت بالدار فكن كالكلب الهرار، وأقِرَّ له بالذل والصغار. قال: صدقت أنت ضمرة بْن ضمرة حقا، وجعله من حُدّاثه وسُمَّاره، ودفع إليه إبلًا كَانَتْ له، فكانت فِي يده، وهي هجائنه، وهجائن النعمان ابنه بعده ورثها من أَبِيهِ، وكانت من أكرم الإبل، كَانَتْ حمرًا سود المقل، فأغار يزيد بْن الصعق الكلابي على تلك الهجائن، وهي يومئذ للنعمان وكانت فِي يد ضمرة فأغار ببني دارم على يزيد فاستنقذ الإبل إلا لقائح يسيرة، وأسر قَيْس بْن يزيد حَتَّى افتداه يزيد بباقي الإبل وبمائة من الإبل من عنده سواها، فقال ضمرة:
وطوفوا حولها وتمصروها ... فسوف يصيب غرتها الكفيل
إذا عض الأسار يمين قَيْس ... لدى أبياتنا شفي الغليل
وكان ضمرة نذر ألا يشرب خمرًا، ولا يمس دهنًا، ولا يغسل رأسه حَتَّى يدرك ثأره فقال:
الآن ساغ لي الشراب ولم أكنْ ... آتي التجار ولا أشد تكلمي
ومشت نساء كالنعام عباهل ... من بين عارية الشتاء وأيم
لعب الرماح ببعلها فتركنه ... فِي صدر معتدل القناة مُقوِّم
وجاءت طائفة من بني عطارد إِلَى ضمرة فمنعهم وأحسن جوارهم حَتَّى(12/130)
أمنوا، ثُمَّ جاور فيهم فلم يحسنوا جواره، فقال:
إذا كنت فِي سعد وأمك فيهم ... مقيمًا فلا يغررك خالك من سعد
فَإِن ابن أخت القوم مُصْغٍ أناده [1] ... إذا لم يزاحم خاله بأبٍ جلد
إذا ما دعوا كيسان كان كهولهم ... إِلَى الغدر أمضى من شبابهم المرد
قال: والغدر يسمى عند بني شَيْبَان كيسان.
ومن ولد ضمرة بْن ضمرة: نهشل بْن حَرَي بْن ضمرة الشاعر.
وقال هشام ابن الكلبي: قال حَرَيّ:
يا ضمر أخبرني ولست بفاعلٍ ... وأخوك صادقك الَّذِي لا يكذب
هَلْ فِي القضيَّة أن إذا استغنيتم ... وأمنتم فأنا البعيد الأجنب
وَإِذَا الكتائب بالشدائد مرة ... أحجرتكم فأنا الحبيب الأقرب
ولمالكم طيب المياه وشربها ... ولي الثماد [2] ورعيهن المجدب
وَإِذَا تكون شديدة أدعى لها ... وَإِذَا يحاس الحيس يدعى جُندب
عجبًا لتلك قضية وإقامتي ... فيكم على تلك القضية أعجب
هَذَا لعمركم الصغار بعينه ... لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
وحدثت عن هشام ابن الكلبي أنه قال: إن الَّذِي قيل له أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه الصَّقْعَب بْن عمرو النهدي قال له ذلك النعمان بْن المنذر، وقال أَبُو عُبَيْد القاسم بْن سلام: كان الطائي [3] يرى تشديد الدال فيقول المعيدّي، ولم أسمع هَذَا من غيره، وقال هو تصغير رجل منسوب إلى معدّ.
__________
[1] ناداه: جالسه أو فاخره، وإبل نواد: شاردة، والندوة: الجماعة. القاموس.
[2] الثمد: الماء القليل لا مادة له. القاموس.
[3] في الأمثال لأبي عبيد ص 97 «الكسائي» ، وهذا ما أرجحه.(12/131)
[سائر رجال بني نهشل]
ومنهم: مالك بْن حَري بْن ضمرة قتل يوم صفين.
ومن ولد مخربة: يزيد بْن نهشل، وكان شاعرًا وولي صدقات تيم وعدي وقال:
أحقُّ مالٍ فكلوه يأكل ... أموال تيم وعدي وعُكُلْ
وهلك يزيد بْن نهشل، فرثاه الْحَارِث بْن الأزور أحد بني مخربة فقال:
لعمري لئن أمسى يزيد بْن نهشلٍ ... ثوى جدثًا تسفى عليه البوارح
لقد كان مما يبسط الكف بالندى ... إذا ضنَّ بالخير النفوس الشحائح
فجعنا به يالهف نفسي بعد ما ... جلى الغم صلت عن جبينك واضح
قال أَبُو اليقظان: ومن بني جندل: عجرد، وكان ينزل الكوفة وهو القائل:
فقلت له وأنكر بعض شأني ... أَلَمْ تَعْرِفْ رقاب بني تميم
رقابٌ لم تُقِرَّ بيوم خسفٍ ... أَبيَّاتٌ على الملك الغشوم
ومن بني قطن بْن نهشل: حبيب بْن بُديل بْن قُرَّة بْن عُبيد بْن ربيعة بْن عَبْد عمرو بْن قطن بْن نهشل.
ومن ولده: أَبُو الحجاج بْن الوضاح بْن حبيب بْن بديل.
وقال أَبُو اليقظان: كان حبيب بْن بديل يلي الولايات فِي زمن أَبِي جَعْفَر، قال: وهو من ولد زَيْد بْن قطن بْن نهشل، وكان من صحابة أَبِي جَعْفَر.
ومن بني نهشل: حكيم بْن الْحَارِث بْن نَهيك أحد بني قطن. وكان الْحَارِث يلقب الأصيلع. وقتل حكيم يوم الوقيط، يوم تجمعت قَيْس،(12/132)
وتيم اللَّه ابنا ثَعْلَبَة بْن عُكابة، وعجل ولجيم ابنا صعب بن علي بن بكر، ويقال لهؤلاء اللهازم ليغيروا على بني تميم وهم غارون، فبعث ناشب بْن بشامة العنبري، وهو أسير فِي بني مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة إنه قد أورق العوسج، واشتكى النساء. يعني بأورق العوسج أنه قد تسلحوا لكم، وبقوله اشتكى النساء أنهن قد حرزْنَ الشِّكَاء، فحذرت بنو تميم، فاقتتلوا بالوقيط، فطُعن ضرار بْن القعقاع بْن معبد بْن زرارة، وأُسر فجزت بنو تميم ناصيته وخلوا سربه تحت الليل مُضَارَّة للفرز بْن الأسود بْن شريك، لأنه خاصم فِيهِ وادَّعى أنه مِمَّنْ أسره فقال أَبُو فَدفد التيمي:
هُمُ استنقذوا المأموم من رهط طَيْسَلٍ ... وردوا ضرارًا فِي الغبار المُنَضّح
وقاتل حكيم وهو يرتجز:
ماويَّ لا تراعي ... رحيبة ذراعي
بالكر والإيزاع
فشد عليه وران التيمي فقتله، فقال شاعر من بني نهشل:
أتنسى نهشل ما عند عجلٍ ... وما عند الوران من الذحول
وكان حكيم أثخن فِي القوم يومئذ، وهو يقول:
كَلُّ امرئٍ مُصَبَّح فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى من شراك نعله
فَلَمَّا قتل حكيم رثاه أَبُو الْحَارِث بْن نهيك الأصيلع فقال:
حكيم فِدَى لك يوم الوقيظ ... إذا حضر الموتَ خالي وَعَمّ
تعودتَ خير فعال الرجال ... فَكَّ العُنَاةِ وقتل البُهَمْ
وما أن أتى من بني دارمٍ ... نعِيكَ أشْمَطُ إلَّا وَجَمْ
وفقَّأ عَيْنَيْ بُكاؤُهُما ... وأورث فِي السَّمْع منى صمم(12/133)
فَمَا شاء فليفعل الوائدات ... والدهر بعد فتانا حَكمْ
فتى ما أضَلَّتْ به أُمُّهُ ... من القوم ليلة لا مُدَّ غَمَّ [1]
يجوب البلاد ويهدي الخميس ... ويُصبح كالصَّقْرِ فوقَ العَلَمْ
قال أَبُو اليقظان: لقي الهِذلق بْن نُعيم بْن ربيع بْن عُتيبة بْن الْحَارِث اليربوعي ابن كرشاء أحد بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة واسمه عُلقة، ومعه السليل بْن قَيْس، أخو بسطام بْن قَيْس، وهو ولد ذي الجدّين، فعرضا لابن عتيبة ومعه امرأته ابْنَة ضرار بْن عمرو الضَّبِّيّ، فاستغاث ببني يربوع، فاقتتلوا فأسر ابن كرشاء والسليل بْن قَيْس بْن أُبي النهشلي من بني قطن واحدًا بعد واحد، وقال بعضهم ابن كرشاء شيباني أيضًا فقال فِي ذلك نهشل بْن حري:
وقاظَ ابن ذي الجدَّين وسط بيوتنا ... وكرشاءُ فِي الأغلالِ والحلَقُ الصُّفْرُ
ويومٌ كأنَّ المُصْطَلينَ بِحَرِّهِ ... وإنْ لم تكُن نارٌ وقوفٌ على الجَمْر
صبرنا له حَتَّى نَبُوحَ وإنَّما ... تُفَرَّجُ أيامُ الكريهةِ بالصَّبرِ
وقال قَيْس بْن أُبَيّ:
هَذَا السليل أخو بسطام مُنْعَفِرٌ ... عَانٍ ومِنْ بَعْدِهِ عَلْقُ بْن كرشاء
ولم يزل عتيبة حَتَّى أسر بسطامًا يوم الغبيط [2] ، غَبيط المدرة، وذلك أن بسطام بْن قَيْس ومفروق بْن عُمَر، والحوفزان بن شريك واسمه الحارث، وإنما حفزه قَيْس بْن عاصم بالرمح فِي استه، فسمِّي الحوفزان، وقد أغاروا فِي يوم حدود على ثَعْلَبَة بْن يربوع، وثعلبة بْن حَدِي بْن فزارة،
__________
[1] الغم: الكرب، وغم الهلال: حال دونه غيم رقيق. القاموس.
[2] الغبيط: أرض لبني يربوع بين الكوفة وفيد. معجم البلدان.(12/134)
وثعلبة بْن سعد بْن ذبيان، وكانوا متجاورين، ثُمَّ مروا على بني مالك بْن حنظلة أيضًا فاكتسحوا إبلهم، فركبوا ومعهم عتيبة وفرسان بني يربوع، فاقتتلوا بغبيط المدرة، وألح عتيبة على بسطام بْن قَيْس، فأسر بسطامًا، فافتدى نفسه وذلك قول جرير:
قد ردَّ فِي الغِلِّ بسطامًا فوارسُنا ... واستودعوا نَعْمَهُ فِي آل حَجَّارِ [1]
وكان بسطام أيضًا أسر فِي يوم أعشاش، فلم يَفْدِ نفسه، فأطلقه بنو يربوع، وهذه أَسْرَةٌ قبل أن يأسره عتيبة، وَفِي ذلك يقول جرير:
وعَضَّ ابنُ ذي الجدَّيْن وَسْطَ بيوتنا ... سلاسله والقَدَّ حولًا مُحَرَّمَا [2]
وكانت بَكْر بْن وائل أغارت فِي هَذَا اليوم على بني يربوع فالتقوا بأعشاش.
ومن بني قطن بْن نهشل: كبيش بْن جَابِر بْن قطن، وكان زنى بأَمَةٍ لزرارة يُقَالُ لها رُشيَّة، وكانت أخيذة وكانت كلبية، فولد الكبيش:
برغوث بْن الكبيش. والكلب بْن الكبيش. فتزوج الكلب أم الحطيئة، فقال الحطيئة:
ولقد رأيتكِ فِي النساء فسوءتني ... وأبا بنيكِ فساء فِي المجلس [3]
يعني الكلب ولا عقب له.
ومن بني قطن: الدهماء المُجَلَّلة وسمي بِذَلِك لشدته، وحُسْن شعره، وكان صريعًا. ومنهم أَبُو الغول [4] صاحب ابن المقفع الذي رثاه
__________
[1] ديوان جرير ص 241 مع فوارق.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.
[3] ديوان الحطيئة ص 110.
[4] بهامش الأصل: اسم أبي الغول علباء بن جوشن.(12/135)
وطلق امرأته بعد خمسين سنة فَقِيل طلقتها بعد صحبة خمسين سنة فقال:
والله ما لها ذنب غير طول الصحبة.
ومن بني صخر بْن نهشل: خازم بْن خزيمة بْن عَبْد اللَّه بْن حنظلة بْن نضلة بْن حُرثان بْن مُطلق بْن صخر بْن نهشل القائد، ويكنى أَبَا خزيمة، وهو الَّذِي قتل ملبد بْن حرملة الخارجي، وكان ميمون النقيبة، ولي خراسان، وولي عُمان، ومات ببغداد فعُزي عليه أَبُو جَعْفَر المنصور أمير المؤمنين.
وخزيمة. وعبد اللَّه. وشعيب. وإبراهيم. وموسى بنو خازم بْن خزيمة.
فأما خزيمة فكان يكنى أَبَا الْعَبَّاس، وقد ولي الجسر ببغداد، وكان قصره بباب الجسر.
وقَتَل إِبْرَاهِيم المؤيد بْن طريف الشاري.
وولي مُوسَى واسط وقتله ابن له، وكان عمارة بْن عقيل بْن بلال بْن جرير بْن عطية قدم بغداد فِي خلافة المأمون، فأتى تميم بْن خزيمة فلم يصنع به خيرًا، وأتى خَالِد بْن يزيد بن مزيد فأكرمه، وأعطاه ألف دينار تَعيّنها له فقال:
أأتركُ إنْ قلَّتْ دراهم خالدٍ ... زيارَته إني إذًا للئيم
فليتَ ببُرْدَيهِ لنا كان خَالِد ... وكان لبكر بالثراء تميم
فيصبح فِي قومي أَغَرُّ محجلٌ ... ويصبح فِي بَكْر أَغَمُّ بهيم
ومنهم: أَبُو الغريزة الشاعر، وهو كثير بْن عَبْد اللَّه بْن مالك بْن هبيرة بْن صخر بْن نهشل. وقد أسلم وأدرك معاوية بن أبي سفيان.
والغريزة جدته سبيئة من بني تغلب.(12/136)
وولد أبان بْن دارم: مرة بْن أبان. وربيعة بْن أبان. وسيف بْن أبان. وسعد بْن أبان. وعبد اللَّه بْن أبان. ومعقل بْن أبان. ويسار بْن أبان.
منهم: سورة بْن الحر بْن نافع بْن العرباض بْن ثَعْلَبَة بْن سعد بْن سيف بْن أبان صاحب سمرقند، وكان يكنى أَبَا العلاء، وكان فِي جيش سُفْيَان بْن الأبرد، وهو مقابل قطري بْن الفجاءَة، وكان مع الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بخراسان، فولاه وَقَوَّدَهُ على عشرين ألفًا، ولقي الترك فأخذ عليه الطريق فقتل وقتل أصحابه جميعًا، وكان أخوه سوار بْن الحر مع ابن الأشعث.
ومن بني مناف بْن دارم: حكيم بْن أَبِي كرشاء، كان شاعرًا وأُخذ فِي سَرق بالبصرة، فقدم من البادية أخ له يُقَالُ له الأقرع، فأتى قبر غالب أَبِي الفرزدق فعاذ به، وقال للفرزدق: قد أتيت قبر أبيك فَعُذْتُ به لتكلم فِي حكيم فتكلم فِيهِ، فأخرج فقال الفرزدق:
دعا ابن أَبِي كرشاء دعوة مرهق ... وعاذ بأحجار على قبر غالب
فقلت له صبرًا حكيم فإنني ... سأدفع عنك الشر من كل جانب
دعا ابن حكيم دعوة فبائها ... على كل لص من مناف وحارب [1]
ومن بْني جرير بْن دارم، ثُمَّ من بني زهير بْن فقيم: مُحَمَّد بْن رباط، ويكنى أَبَا رباط، كان على شرط البصرة أيام الحجاج للحكم بْن أيوب، وذلك أنه كان صحب أخت الحجاج زينب من الشام، فأحسن صحبتها، فكلمت الحكم فِيهِ فولاه الشرطة، ومات بالبصرة فجأة فقال الفرزدق:
__________
[1] ليست في ديوان الفرزدق المطبوع.(12/137)
وليلة السبت إذ أَلْقَتْ كلا كلها ... على تميم وقد عَمَّتْ بها مضرا
مُحَمَّد ووكيع ليس بينهما ... عامان يا عجبًا للدهر إذ عثرا [1]
فولد مُحَمَّد بْن رباط: رباطًا، ولقبه دَرْست، وكان درست من وجوه تميم ويكنى أَبَا سَعِيد، ومات بالبصرة.
ومنهم الغَرِق من بني مؤالة، وكان أَبُو مُوسَى استرضع لأبي بردة فيهم، فكان أخا الغرق من الرضاعة، وأم الغرق من بني دَحداحة، وكان أَبُو شيخ بْن الغرق من رجال بني تميم، ووفد على سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، وله عقب.
وشماخ بْن علقمة بْن أَبِي شيخ بْن الغرق، كان من وجوه بني تميم، ووفد على سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وله عقب، وكان بلال بْن أَبِي بردة يكرمه وكان شديد البطش يصارع فصارع رجلًا من عنزة يُقَالُ له جاهل، فقال الشاعر:
إنك قد لاقيت مِنَّا جاهلًا ... لاقيت مِنَّا رجلًا حلالا
أشد منك عُنُقَا وكاهلا
وقال أَبُو اليقظان: يزعمون أن مؤالة بْن فقيم بْن جرير بْن دارم من بني تيم الرِّباب من بطن يُقَالُ لهم بنو شُعاعة، فقال الفرزدق فِي شَمَّاخ:
لو كان من جُهال قومي عذرته ... ولكن عبدا من شعاعة أحمرا [2]
وقال أَبُو اليقظان: ويقال إن أبان بْن دارم من سنبس حي من طيّئ قال الشاعر:
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 312.
[2] ليسا في ديوانه المطبوع.(12/138)
أنتم إذا ما أكلأ الناس من دارمٍ ... وأنتم إذا ما أجدب الناس سنبس
وخططهم بالكوفة، ولم يختط منهم بالبصرة أحد، وكان لهم مسجد بالكوفة كهيئة الصليب فقال الشاعر:
يصلي المسلمون لرب عِيسَى ... ويسجد للصليب بنو أبان(12/139)
نسب بني طُهَيَّةَ وهم ولد أَبِي سُود وغيرهم
وولد أَبُو سود بْن مالك بْن حنظلة: ربيعة بْن أَبِي سُود. وعبد شمس وأمهما ريطة بِنْت قَيْس بْن حنظلة. ومالك بْن أَبِي سود وأمه القِصاف، بها يعرفون.
فولد ربيعة بْن أَبِي سود: شَيْبَان بْن ربيعة. وشهاب بْن ربيعة.
وحُباش بْن ربيعة. وحُبيش بْن ربيعة.
فولد شهاب: زهير بْن شهاب. ومالك بْن شهاب.
فولد زهير: شداد بْن زهير. وشيطان بْن زهير، وهم الذين يُقَالُ لهم بالكوفة بنو شيطان، ومنازلهم فوق الكناسة، وثعلبة بْن زهير. وجعونة بْن زهير، وأمهم ميثاء بِنْت شعبان بْن ربيعة بْن أَبِي سود، وبها يعرفون.
فَمَنْ بني ربيعة بْن أَبِي سود: العدل بْن حكيم بْن عمرو بْن سُلم بْن شَيْبَان بْن ربيعة بْن أَبِي سود الشاعر الَّذِي يقول:
جزى اللَّه عنا آل نتلة صالحًا ... فتى ناشئًا من آل نتلة أو كهلا
ومنهم: عقبة بْن سُنيع [1] بْن نهشل بْن شداد بْن زهير بن شهاب بن
__________
[1] بهامش الأصل: «سنيع» .(12/141)
ربيعة، كان شريفًا ذا مال وقد نكحت إليه قريش، ومن الرواة من يقول سبيع بباء وهو تصحيف.
ومن ولده: يحيى بْن عقبة الَّذِي يقول له جرير:
يا يحيى هَلْ لك فِي حياتك حاجة ... من قبل قارعةٍ وخزيٍ عاجل
أَسلمت أمكَ إذْ يُجَرُّ برجلها ... وتركتها غرضا لكل مناضل [1]
ولد عَبْد شمس بْن أَبِي سود: حنيف بْن عَبْد شمس. ومؤالة.
وعشير بْن عَبْد شمس. وفياض بْن عَبْد شمس، وعوف بْن عَبْد شمس.
وقيس بْن عَبْد شمس. وعمرو بْن عَبْد شمس.
منهم: عامر بْن حُنيف الَّذِي استنقذ حاجب بْن زرارة، وقد أقدم عليه رَجُل ليقتله، فطعن الرجل وأنقذ حاجبًا وذلك قبل أن يستأسر لمالك بْن سلمة بْن قشير ذي الرُّقيبة يوم الشعب.
وولد مالك بْن أَبِي سود: حرملة. ومُرى. والقِصاف الشاعر. منهم عموص الأصلع بْن القصاف.
وولد جشيش بْن مالك بْن حنظلة: عوف بْن جشيش. ودريد بْن جشيش. منهم حصين بن تميم بن أسامة بن زهير بن يزيد، كان على شرط عُبَيْد اللَّه بْن زياد، حين قتل الْحُسَيْن بْن علي عليهما السلام.
وولد عوف بْن مالك بْن حنظلة: سُبيع بْن عوف، فأمه عُناق بِنْت صرمة بْن زَيْد من بني ضبة، وسُعيدة بْن عوف، وأمه فتر بِنْت الربعة بْن رشدان بْن قَيْس بْن جُهينة، وكان اسم رشدان غيان فسماه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رشدان. وأثاثه، وأمه من التيم. وقريع بْن عوف. وحسان بن عوف
__________
[1] ديوان جرير ص 344، البيت الأول من قصيدة.(12/142)
وأمهما حُظي بِنْت ربيعة بْن مالك، خلف عليها بعد أَبِيهِ، والحارث بْن عوف. وربيعة درج.
فولد سعيدة بْن عوف واسمه الْحَارِث: عُبَيْد اللَّه بْن سَعِيدة.
وجشم بْن سعيدة.
انقضى نسب بني طُهيَّة.
وولد ربيعة بْن مالك بْن حنظلة:
العُجَيْف بْن ربيعة. ومالك بْن ربيعة. ووهب بْن ربيعة.
فَمَنْ ولد العجيف: السِجْف ويقال هُوَ السجف بْن سعد بْن عوف بْن زهير بْن مالك بْن ربيعة، كان شريفًا، وانطلق إلى عمر بْن الخطاب متظلمًا من أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُمَا فِي أرض فقال:
يا أمير المؤمنين لقد خيرتُ نفسي لظلم أَبِي مُوسَى إياي ثلاث خصال: قتل نفسي، أو أن ألحق بالمشركين، أو أن آتيك. فقال عُمَر لأبي مُوسَى: ويحك يا أَبَا مُوسَى كدت تكفر الرجل فأنصفه، فَلَمَّا كان يوم الجمل قتل مع عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا.
فولد السجف: الحُنتف بْن السجف وأمه تنهاة بِنْت يزيد من بني غبر، وكان الحنتف يكنى أَبَا عَبْد اللَّه، وكان أثيرًا عند عبيد اللَّه بْن زياد، وبنى له داره فَلَمَّا وقعت فتنة ابن الزبير وسار حبيش بْن دلجة القيني يريد المدينة عقد الْحَارِث بْن عَبْد اللَّه القباع لحنتف لواء فسار إِلَى حبيش فقتله بالربذة وانهزم يومئذ الحجاج بْن يوسف وأبوه، وقد كتبنا خبر يوم الربذة فيما تقدم. وقال الحنتف.(12/143)
ما زال إسْدَائي لَهُم ونسجي ... وعقبتي بالكور [1] بعد السرج
حَتَّى قتلناهم بيوم المرج
يعني مرج راهط، فَلَمَّا كان الحنتف بوادي القرى وهو يريد الشام أتته امْرَأَة بطعام مسموم، وقد دست إليه، فأكل منه فمات بوادي القرى، فقال فِي ذلك رَجُل من رهط الحنتف:
لتَبْكِ تميمٌ شيبها وشبابها ... على حنتف والخيل تُدمى نحورها
وتبك رجال من قريش أصابها ... بيثرب حزن قد أَحَرَّتْ صدورها
وتبكِ اليتامى والأرامل شجوها ... بوادي القرى إذ أحرزته قبورها
فولد الحنتف: أَبَا بَكْر، قتل يوم الزاوية مع ابن الأشعث، ولا عقب له.
ومن بني مالك بْن ربيعة: الْعَبَّاس بْن عَبْد اللَّه، وكان خارجيًا فأخذه عُبَيْد اللَّه بْن زياد فكلمه فِيهِ الحنتف، فقال له عُبَيْد اللَّه بْن زياد: اقعد على است الأرض. فقال الحنتف: وا عجبا وأَيُّ الأرض استها، فأطلقه له.
ومنهم: حرملة بْن زفر [2] بْن شيطان بْن حُبيش بْن حَزْن بْن العُجَيف، وفد إِلَى رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخذ قبضة من تراب من تحت قدمي رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقدم بها على أهله فجعلها فِي صرة، ثُمَّ جعلها فِي مسجده فجعل يصلي عليها.
ومنهم: وبرة بْن زفر بْن شيطان، قتل بالري شهيدًا قديمًا.
ومنهم: عباية العُجيفي الَّذِي قال: لولا سوء الذرية لأمرت ولدي أن
__________
[1] الكور: الرحل، أو بأداته. القاموس.
[2] بهامش الأصل: حرملة بن زفر رحمه الله.(12/144)
يماري بعضهم بعضًا، فإن طول السكت عُقلة للسان.
وولد كعب بْن مالك بْن حنظلة:
مُطيع بْن كعب. وعيلان بْن كعب. ويقال له مُطمع وعيلان. وهلال بْن كعب. ودُكين بْن كعب.
وأجدع بْن كعب. وبشر بْن كعب. وعباد بْن كعب. وغُوَيْث بْن كعب.
وَفِي بني كعب لصوص، قال الشاعر:
إذا كنت ذا مال فلا توله ... سواك إذا جاورت كعب بْن مالك
ذئاب الغضى يمشون كل عشيةٍ ... على جارهم يأتونه بالمهالك
وكان منهم لص يُقَالُ له غويث، وهو الَّذِي يقول فِيهِ الشاعر:
اللَّه نَجَّاكَ من القضيم ... ومن غويث فاتح العكوم [1]
وولد زَيْد بْن مالك:
بَكْر بْن زيد. وحرقة بْن زَيْد. منهم:
شماخ بْن مُظهر بْن مالك بْن زَيْد بْن حنظلة، كان شريفًا.
وسلمى بْن القين [2] بْن عامر بْن بَكْر بْن زَيْد صحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
- يَعْلَى بْن أمية رحمه اللَّه.
ومنهم: يعلي بْن أمية [3] بْن أبي عبيدة بْن همام بْن الْحَارِث بْن بَكْر بْن زَيْد،
الَّذِي ينسب إلى أمه مُنية بِنْت الحارث بْن نُسَيب من بني مازن بْن منصور، وهو حليف لبني نوفل بْن عَبْد مناف، وله خطة بمكة، وأمه عمة عتبة بْن غزوان.
وقال أَبُو اليقظان: كان يَعْلَى من المهاجرين، فَلَمَّا كان يوم فتح مكة جاء بأبيه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: بايعه على الهجرة. فقال رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: [ «لا هجرة
__________
[1] عكم المتاع: شدة بثوب، والعكوم: نمط تجعل المرأة فيه ذخيرتها. القاموس.
[2] بهامش الأصل: سلمى بن القين رحمه الله.
[3] بهامش الأصل: يعلى بن أمية رحمه الله.(12/145)
بعد الفتح» ] فاستشفع بالعباس فقال النبي صلي الله عليه وسلم: [ «أطيع عمي ولا هجرة بعد الفتح» .] والثبت أن الرجل عَبْد الرَّحْمَن بْن صفوان، أتى بأبيه واستشفع بالعباس، فَلَمَّا توفي النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولى أَبُو بَكْر يَعْلَى اليمن، فوليها زمنًا، وتزوج ابْنَة الزبير بْن الْعَوَّام. وكان يَعْلَى عظيم المنزلة من عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وكان يستشيره، وزيد بْن ثابت رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا، فقال الشاعر:
إذا ما دعا يَعْلَى وزيد بْن ثابتٍ ... لأمر ينوب الناس منه خطوب
أشار نظيراه بخير فأصبحوا ... على حكمةٍ يدعى بها فيجيب
وذكروا أن عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ مر بباب عُثْمَان يومًا، فإذا بغلة ليعلى بْن مُنْيَة واقفة كَبْداء [1] عظيمة، فقال: لمن هَذِهِ؟ قيل:
ليعلى. فقال علي ليعلى: لعمري لقد أصاب المال فِي زمن عُثْمَان.
قال ابن سعد: وكان يَعْلَى يفتي بمكة، وروى عن عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وقال أَبُو اليقظان حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك أن يَعْلَى قدم المدينة فأتاه أَبُو سُفْيَان بْن حرب فِي أيام عُثْمَان، فأمر له بعشرة آلاف درهم، فأتى هندا فقال: دونك هَذَا المال وأريني قفاك، فقالت: قفاي خير من قفاك، قفاك أسود وقفاي أبيض، وكان أبو سفيان أسود شديد السواد، وَيَعْلَى الَّذِي أعطى عَائِشَة رَضِيَ اللَّه تعالى جملها عسكرًا، وكان علي يقول: [منيتُ بأطوع الناس، يعني عَائِشَة، وبأيسر الناس يعني يَعْلَى بْن مُنْيَة، وبأسخى الناس يعني طَلْحَة، وبأشجع الناس، يعني الزبير.] وقد ذكرنا ذلك في خبر الجمل.
__________
[1] الكبداء: الضخمة، القاموس.(12/146)
وكان عَبْد اللَّه بْن يَعْلَى بْن منية شاعرًا،
وكانت ابْنَة يَعْلَى بْن منية التي يقول فيها عُمَر بْن أَبِي ربيعة المخزومي:
مررتَ ولم تُلِمْ ... بديباجة الحَرمْ [1]
وعبد اللَّه بْن يَعْلَى الَّذِي يقول: وكانت عنده زينب إحدى بنات طارق من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان وكانت جميلة، فماتت، فقال وكان ينزل عُليب قريبًا من مكة:
أَجَدُّكَ لم ترحل مع الحي زينب ... ألا حَبَّذَا ذاك الحبيب المُغَيَّبُ
بوجهك عن مَسِّ التراب مَضَنَّة ... فلا تبعدي فكل حيّ سيعطب
أأذْهَبُ قد خَلَّيْتُ زينبَ طائعًا ... ونفسي معي لم ألقها حين تذهب
تنكرتِ الأبواب لما دخلتها ... وقالوا ألا قد بانتِ اليوم زينب
وقال أيضًا:
يا رب ذا الحجيج حين نصبوا ... وحين باتوا بمنى وحَصَّبُوا
لا تسقينَّ ملخ وعُليَبُ ... من أَجْلِ مما هنّ ماتت زينب
وباليمن موالٍ ليعلى بْن مُنْيَة، يدعون بني شهاب، لهم هناك خطر.
وقد انتموا إلى العرب.
وقال الكلبي: قتل عُثْمَان، وَيَعْلَى عامله على اليمن، فقدم بالأموال، فأناخ بالأبطح، وقال: من سار إِلَى علي ليقاتله فليأخذ من هَذَا المال.
وولد الصُّدّي بْن مالك بْن حنظلة:
ثَعْلَبَة بْن الصُدَي. وعامر بْن الصدي. وعَيثامة بن الصدي.
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.(12/147)
منهم: الجعد بْن عامر بْن مالك بْن ثَعْلَبَة الَّذِي يقول له جرير بْن عطية:
ومنا الذي أبلى صدي بن مالك ... ونفر طيرًا عن جُعَادة وُقِّعَا [1]
والجعد هُوَ الَّذِي أسر الصمَّة الجشمي يوم عاقل، وكان الصمة أسيرًا فِي بني الجعد، وقد ذكرنا خبره، وقتل ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن حُصْبة بْن أزنم إياه.
ومنهم: المَرَّار بْن منقذ بْن عُبيد بْن عامر بْن الصُدَي بْن مالك بْن حنظلة الشاعر، الَّذِي يقول:
وإنَّ قراب البطن يكفيك مِلْؤُهُ ... ويكفيك سَوآت الأمور اجتنابها
وولد يربوع بْن مالك:
عقيل بْن يربوع.
فولد عقيل: صَبْرَة.
فَمَنْ بني عقيل هَذَا بنو عَرادة وهم موالي عمرو بْن عُبَيْد صاحب الْحَسَن، وليس لعمرو بْن عُبَيْد عقب، ولبني عَرادة عقب بالبصرة، وهم من بني العدوية أيضًا.
ومن بني العدوية: كردم الَّذِي ذكره الفرزدق فقال:
لعمرك ما لُمْنَا حبيب بن محصن ... ولكننا لمنا دعيّ الكرادم [2]
__________
[1] ديوان جرير ص 266.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.(12/148)
نسب بني يربوع بْن حنظلة
وولد يربوع بْن حنظلة ثمانية نفر:
رياح بْن يربوع،
وأمه أم قتال بِنْت عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن لؤي من التيم.
وقال غير الكلبي: أمه الظلفاء من بني تيم الربَاب. وثعلبة بْن يربوع. والحارث بْن يربوع. وعمرو بْن يربوع. وصُبيرة بْن يربوع، وأمهم السعفاء بِنْت غَنم بْن قُتَيْبَة بْن معن، يُقَالُ لبنيها الأحمال. وكليب.
وغُدانة وأمهما رقاش بِنْت شَهْبَرة من قَيْس بْن مالك بْن زَيْد مناة، والعنبر بْن يربوع، وأمه الحرام بِنْت زَيْد بْن بشة بْن العنبر بْن عمرو بْن تميم.
فالأحمال: ثَعْلَبَة، وعمرو، وصبيرة، والحارث، والعُقَد: كليب بْن يربوع، وغدانة والعنبر تعاقدوا على رياح.
فولد رياح بْن يربوع: همام بْن رياح. وهَرْمي بْن رياح.
وحِمْيَري بْن رياح.
وزيد بْن رياح. وعبد اللَّه بْن رياح. ومنقذ بْن رياح. والخمَّة بْن رياح. وجابر بْن رياح. فأم همّام والخمَّة وجابر وعبد اللَّه: تعْجُز بِنْت غالب بْن حنظلة. وأم زَيْد: العجماء بِنْت مُعَاوِيَة بْن شريف بن جروة بن(12/149)
أسيد بْن عمرو بْن تميم. وأم هرمي ومنقذ: ظلامة الفهمية. وأم حميري:
عمرة بِنْت قَيْس بْن حنظلة، وكعب بْن رياح.
فَمَنْ بني حميري: سَحيم بْن وثيل [1] بْن عمرو بْن جوين بْن أهيب بْن حميري الشاعر
الَّذِي يقول:
ألا تحنون من تكبير قوم ... لعلاتٍ وأمكم رقوب
وقال أيضًا:
أرى الدهر والأيام فيها تفرق ... فأول حال الخير ما عشتما معا
وقال أيضًا:
أَنَا ابْن جلا وطلاع الثنايا ... مَتَى أضع العمامة تعرفوني
ألم تَرَ أنني فِي حميريّ ... مكان الليث من وسط العرين
عذرتُ البزل إن هِيَ خاطرتني ... فَمَا بالي وبال بني لبون [2]
فَإِن عُلالتي وحِراء حولٍ ... لذو شق على الضرع الظنون [3]
وماذا يغمز الأقرانُ مني ... وقد جاوزت رأس الأربعين
أخو خمسين مجتمع أشدي ... ونجذني [4] مداورة الشؤون
كريم الخال من سلفي رياح ... كنصل السيف وضاح الجبين
__________
[1] بهامش الأصل: سحيم بن وثيل الشاعر.
[2] البزل: جمع بازل وهو البعير المسن، وخاطرتني: راهنتني، وابن اللبون: ولد الناقة إذا استكمل الثانية ودخل في الثالثة.
[3] العلالة: أن تحلب الناقة أول النهار وآخره، وتحلب وسط النهار، فتلك الوسطى هي العلالة، وحراء: غضاب ذوو غم وهم. والحول: الحركة والحيلة، والشق: المشقة، وفي رواية الأصمعيات «وجراء حولي» . انظر مادتي «حراء وحول» في النهاية لابن الأثير.
[4] نجذني: حنكني وعرفني الأشياء، ومداورة: معالجة.(12/150)
مَتَى أحلل إِلَى قطن وزيد ... وسَلمى تكثر الأصوات دوني [1]
وكان عُثْمَان بْن عفان بعث سَمُرة بْن قَرظ الخفافي على ضوال النَّعم وهوا فيها [2] ، فبلغه أن عند سحيم ناقة منها فخرج فِي طلبها فمنعته أم سحيم منها، فدفعها سمرة وهي عجوز قد سقطت أسنانها فسقطت فادعى سحيم وكان شرسًا على سمرة أنه هتم أسنانها، فعدا على عُبَيْد بْن غاضرة بْن سمرة فكسر أسنانه، فرفعه إِلَى عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ فحبس سحيمًا، وقال عُثْمَان: لأقطعنَّ يده أو يرضيه من فِيهِ. فمشى فِي ذلك يزيد بْن مَسْعُود بْن خَالِد بْن ربعي بْن حَمْدَل فأصلح بينهم، وحمل مائة من الإبل وأخرج سحيمًا فَسُمِّيَ عُبَيْد بْن غاضرة مثغورا، وهو الَّذِي حكم لعمر بْن لجأ على جرير. وقال كعب بْن علفاء أحد بني الهُجيم يهجو سحيما:
هُمُ تركوك أسلح من حباري [3] ... رأت صقرًا وأنفر من ظليم
وكان سحيم يكنى أَبَا الدعاء، وهو مخضرم عاش فِي الجاهلية أربعين سنة، وَفِي الْإِسْلَام ستين سنة، وله عقب، ونافر سحيم بْن وثيل غالبًا أَبَا الفرزدق فِي الْإِسْلَام، فبعضهم يقول نُفر عليه غالب.
وقال الحرمازي: وبنو يربوع يقولون نُفّر سحيم عليه لأن في بني رياح
__________
[1] الأصمعيات- ط. القاهرة 1955 ص 3- 7.
[2] أي العطشى منها أو الضالة الآبقة. القاموس.
[3] الحباري: طائر معروف، وهو اسم جنس يقع على الذكر والأنثى، وقال الجاحظ:
الحباري لها خزانة في دبرها وأمعائها لها أبدا فيها سلح رقيق، فمتى ألح عليها الصقر سلحت عليه، فينتف ريشه كله، وفي ذلك هلاكه. حياة الحيوان للدميري.(12/151)
ردافة الملوك، ولهم ولأخوتهم من بني يربوع كثرة عدد وإنهم ذوو حروب وبأس.
ومنهم عتيبة صائد الفرسان، وَفِي ذلك يقول سحيم شعره النوني.
وقال أَبُو اليقظان: عاقر غالب سحيما بصوءر [1] فغلب سحيمًا فقال الفرزدق:
ما برئت إلا على عرج بها ... عراقيبها مذ عُقِّرت يوم صوأر [2]
ولوثيل يقول متمم بن نويرة:
وقلت لذي الطبيين إذ قال عامدًا ... ليسمعني ما قال أَوْ غير عامد
وأغار قَيْس بْن شرفاء الربعي، من ولد ربيعة بْن نزار، على بني يربوع بالشعب، فاقتتلوا فأسر سحيم بْن وَثيل الرياحي ففي ذلك يقول:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ... ألم تعلموا أني ابن فارس زَهْدَم
وأسر أيضًا متمم بْن نويرة، وكانت الردَافة لبني يربوع بْن حنظلة، ثُمَّ لبني رياح، فطلبها حاجب بْن زرارة للحارث بْن بيبة، وقال للمنذر بْن ماء السماء: هُوَ شيخ بني حنظلة، فأراد المنذر أن يجعل الردافة له ولقومه، فاجتمع بنو يربوع بطرف طَخْفَة [3] عاصين للمنذر، فَسَرَّح إليهم جيشًا فالتقوا بطخفة فاقتتلوا، فهزم أصحاب المنذر، وكانت البراجم مع بني يربوع ليس معهم من تميم غيرهم، وأسر طارق بْن حصبة بْن أزنم قابوس بْن المنذر، فبعثوا به إِلَى المنذر، فأتاهم ثواب من نعم ورقيق،
__________
[1] بهامش الأصل: موضع.
[2] شعر الفرزدق وتفاصيل أخبار هذا اليوم في النقائض ج 1 ص 414- 418.
[3] طخفة: موضع بعد النباج في طريق البصرة مكة، وقيل هو جبل أحمر طويل حذاءه بئار ومنهل. معجم البلدان.(12/152)
وأسراء من بني تميم، وأُسر حسان بْن المنذر أخوه فأدركه عمرو بْن جوين بْن أهيب بْن حميري فأطلقه للمنذر، وقتلت بنو يربوع أَبَا مَنْدُوسة المجاشعي، وكان فِي جيش المنذر، وَفِي ذلك يقول سحيم بْن وَثيل:
أَبِي أنزل الجبار عامل رمحه ... عن السرج حَتَّى خَرَّ بين السنابك
بطخفة إذ مال السروج وذببوا [1] ... عراة على جرد طوال الحوارك
وقال أَبُو عبيدة: صاحب حسان بشر بْن عمرو عم سحيم فصيره [2] إياه، وقال عمرو بْن حَوْط بْن سلمى بْن هَرْمي:
قسطنا يوم طخفة غير شكٍ ... على قابوس أذكره الصياح
لعمرو أبيك والأنباء تنمى ... لنعم الحي فِي الجُلى رياح
أَبَوا دين الملوك فهم لقاح ... إذا هيجوا إلى حرب أشاحوا
وقال سحيم:
وعمَّاي ذادا يوم طخفة عنكم ... أوائل دهم كالسراديخ [3] معلم
وقال جرير:
وحسان أَعْضَضْنَا الحديدَ ابنَ منذرٍ ... وقابوس إذْ لا يدفع الغلَّ مَدْفَعَا [4]
ومنهم حبيب وهو أُعيفر بْن أَبِي عمرو بْن إهاب بْن حميري بْن رياح،
وكان من أحسن الناس وجهًا وهو من الذين كانوا لا يدخلون مكة إلا وعليهم العمائم من جمالهم [5] لا يثب النساء عليهم، وهم الزبرقان بن بدر وهو
__________
[1] ذبب: دفع ومنع، وشفته جفت عطشا، وراكب مذبب: عجل منفرد. القاموس.
[2] صيره: حضره. القاموس.
[3] بهامش الأصل: أصول الجبال، الواحد سرداخ.
[4] ديوان جرير ص 266.
[5] بهامش الأصل: تسمية من كان يدخل مكة معتما لجماله.(12/153)
حُصين أحد بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. وعثمان بْن حنظلة بْن فاتك الأسدي. وأعيفر اليربوعي. وسنيع الطهوي. وبُرجُد أخو بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عكابة، واسم بُرجد قَيْس بْن حسان بْن عمرو بْن مزيد. وزيد الخيل بْن مهلهل الطائي. وعمرو بْن حُمَمة الدوسي. وقيس بْن سلمة بْن شرحبيل الجعفي. وجرير بْن عَبْد اللَّه البجلي. وذو الكلاع وهو سُمَيْفَع بْن ناكور الحميري. وقيس بْن الخطيم الأنصاري. وامرئ القيس بْن حجر الكندي.
ومنهم: مطر بْن ناجية بْن ذروة بْن حطان بْن قَيْس بْن أوس بْن حميري
الَّذِي غلب على الكوفة أيام ابن الأشعث، وقد كتبنا خبره وهرب حين قُتل ابن الأشعث، وفيه وبه يُراد قول الشاعر:
وَفَرَّ الرياحيان إذ حمش [1] الوغى ... مطيرٌ وبرّاد فرارا عذوّرا [2]
يريد الأبرد بْن قُرَّة الرياحي، وكان مع مطر بالكوفة، وبعضهم يقول هُوَ ناجنة- بنون- ولكن الناس صحّفوه وهو بالنون أصح.
[هرمي بن رياح]
ومن بني رياح:
عتاب بْن هرمي بْن رياح وهو الردف [3] ،
ردف للنعمان بْن الشقيقة، وكانت الردافة أن يجلس الملك فيجلس الردف عن يمينه، فإذا شرب شرب الردف قبل الناس، وَإِذَا غزا الملك جلس فِي مجلسه وخلفه على الناس حَتَّى ينصرف من غزاته، وَإِذَا أغارت كتيبة الملك أَخَذَ المرباع وذلك قول جرير:
__________
[1] حمش: غضب. واشتد. القاموس.
[2] العذور: الشديد النفس، والملك الشديد. القاموس.
[3] بهامش الأصل: تفسير الردافة.(12/154)
ربعنا وأردفنا الملوك وظللوا ... وطاب الأجاليب الثمام المُنَزَّعا [1]
وكانت للردف أتاوة يأخذها من جميع مملكة الملك.
وعوف بْن عتاب
كان ردفًا بعد أَبِيهِ،
ثُمَّ يزيد بْن عوف
كان ردفًا للمنذر بْن ماء السماء، وهو جَد النعمان بن المنذر.
[عمرو بن عتاب]
ومنهم: الأحوص بْن عمرو بْن عتاب الشاعر.
وفيهم يقول الفرزدق:
ويردف عتاب الملوك ولم تكن ... لهم عند أبواب الملوك بشاهد [2]
وقال الأحوص عمرو بْن عتاب، وبعضهم يقول الأحوص بْن عمرو، ويرويه عن الكلبي:
فهل رياحٌ وكعبٌ لا أَبَا لكُمُ ... أم هَلْ أَبِي الرَّدْف عتابٌ كمرداس
يحمي ابن فسوة كعبًا وهو مُسْلِمُها ... كعب بْن عمرو وكعب ألأَمُ الناس
كعب بن عمرو بن تميم.
[همام بن رياح]
ومنهم: الأبرد بْن قُرَّة بْن نعيم بْن قعنب فارس العرب،
وقد أَخَذَ المرباع، وكان الأسود بْن نُعيم بْن قعنب قدم المدينة على صهرٍ له من قريش، فوقع بين صهره وبين رَجُل من بني ليث كلام فقتل الأسودَ الليثيُ ثُمَّ هرب حَتَّى أتى ميسان فهلك بها، فقال جرير يرثيه:
أَلَا يا لَقَوْمٍ ما أجَنَّتْ رَكِيَّةٌ ... بميسان يُحْثَى تُرْبُها فَوْقَ أَسْوَدَا
نمته القروم الصِّيدُ من آل قَعْنَبٍ ... وأورثَ مجدًا فِي رياح وسؤددا [3]
__________
[1] ديوان جرير ص 266.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 165.
[3] ديوان جرير ص 94 مع فوارق.(12/155)
وقال أَبُو اليقظان: ومن بني رياح الأبيرد بْن المعذر الشاعر،
وكان من أجمل الناس، وكان يُقَالُ له الصبيح الفصيح، وكان يأتي رَيّا امْرَأَة شبث بْن ربعي الرياحي، وكانت متبدية فِي ماء لبني عجل قرب الكوفة، فتوعدته بنو عجل إن أتاها يتحدث إليها أن يعقروا به، فقال فِي ذلك:
لقد أَوْعَدَتْ بالعقر عجل مطيتي ... وقد علموا أنْ ليس يُفلح عاقره
ولو عقروها خب منهم خبيبة [1] ... أباهِمُه تَدْمَى معًا وأظافره
إذا تركتْ جوف الأساود ناقتي ... فَقُبِّحَ من جوف وقبح حاضره
فساق إليك اللَّه ريا ولم تكن ... بأول أعراب تَبَدَّى مهاجره
ومنهم: الجَنْبَةُ بْن طارق بْن عَمْرو بْن حَوْط بْن سَلمى-
يُقَالُ سلم- ابن هرمي بْن رياح، وكان مؤذنًا لسجاح حين تنبأت.
ومنهم: قعنب بْن عتاب بْن الْحَارِث بْن عمرو بْن همام بْن رياح،
وكان فارسًا وفيه يقول جرير:
جيئوا بمثل قعنب والعلهان ... يوم تَسَدَّى الحكم بن مروان [2]
وقعنب قاتل بجير بْن عَبْد اللَّه بْن سلمة القشيري يوم المروت، وكان خبره أن قعنبًا وبجيرا تلاقيا بعكاظ، فجرى بينهما كلام حَتَّى تلاعنا فحلف قعنب ألا يرى بجيرًا بعد موقفه إلا قتله أو يموت دونه، فضرب الدهر ضربة، ثُمَّ إن بجيرًا أغار على بني العنبر، فاستغاثوا ببني حنظلة، وبني
__________
[1] الخب: ضرب من العدو، أو أن ينقل الفرس أيامنه جميعا وأياسره جميعا، والسرعة، والخبيبة: الشريحة من اللحم، وخب النبات: طال وارتفع، والرجل منع ما عنده.
القاموس.
[2] ديوان جرير ص 488 مع فوارق كبيرة. وسدد تسديدا: قوّمه ووفقه للسداد، أي الصواب من القول والعمل. القاموس.(12/156)
عمرو بْن تميم فركبوا فِي إثر بجير، فكان بينهم قتال، ثُمَّ تتامَوا فطعن نعيم بْن عتاب بْن الْحَارِث بْن عمرو بْن همام المثلم القشيري فصرعه ثُمَّ أسره، ولحق قعنب بْن عصمة بْن عُبَيْد بجيرًا فطعنه فأرداه عن فرسه، فوثب عليه كدام الْمَازِنِيّ من بني عمرو بن تميم فأسره، فرآه قعنب بْن عتاب بْن الْحَارِث وهو فِي يد كدام فحمل عليه، فأراد كدام منعه فقال:
رأسك، فخلّى سبيله فضرب قعنب بجيرًا فأطار رأسه، وقتلت بنو يربوع البُرَيكين: بُرَيْكُ بْن قرط، وعامر بْن قرط، وكان المصفى القشيري قتل عمرو بْن وافد الرياحي، فقتله نعيم بْن عتاب يوم المزوت، وقتل قعنب يوم الصفقة بالمشقر، اعتوره رجلان من بني شن فقتلاه وقال جرير:
وود نساء الدارميين لو رأوا ... عتيبة أو عايّنَّ فِي الخيل قعنبا [1]
وكانت بنو عبس أغارت على بني ربيعة بْن مالك بْن حنظلة، فأتى الصريخ فِي بني يربوع، فركبوا فِي طلب بني عبس، فأدركوهم بذات الجرف، فاقتتلوا فقتلوا شريحًا، وأسروا فروة وزنباعًا ابني الحكم بْن مروان وأسر أسد بْن جناءة السليطي الحكم بن مروان بن زنباع بن جذيمة بْن رواحة العبسي، وقتل عصمة الرياحي من بني عبس سبعين رجلًا، وقال قائل: قتلهم قَعْنَب بْن عتاب بْن الْحَارِث الرياحي، فسمي فِي هَذَا اليوم قَعْنَب المبير، وقد كان العَفَاق بْن الغَلاق بْن قَيْس بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن همام، والغلاق هُوَ الَّذِي ذكره الْحَارِث بْن حلزة فقال:
ثُمَّ خيل من بعد ذاك مع الغلّا ... ق لا رأفة ولا إبقاء [2]
__________
[1] ديوان جرير ص 19.
[2] مختار الشعر الجاهلي- ط. القاهرة 1959 ج 2 ص 350.(12/157)
فِي إبل له، فمر ببني عبس فأخذه شريح وجابر ابنا وهب من بني عوذ بْن غالب فقتلاه، فنذر عصمة ألا يطعم خمرًا، ولا يأكل لحمًا، ولا يقرب امْرَأَة، ولا يغسل رأسه حَتَّى يقتل من بني عبس من قدر عليه، فظفر بشريح وجابر فضرب أعناقهما صبرًا وقال:
اللَّه قد أمكنني من عبس ... سَاغَ شرابي وشفَيْتُ نفسي
وكنت لا أقرب ظهر عرسي ... وكنت لا أشرب صفو الكأس
ولا أبل بالوخاف [1] رأسي
وقال الحطيئة فِي هَذَا اليوم وكان فِي الجيش فهرب:
لقد بلغ الشفاء فخبرونا ... بقتلي من قتلنا من رياح [2]
وقال فِي هَذَا اليوم وهو يوم الجرف، ويوم الصرائم شُمَيْتُ بْن زنباع بْن الْحَارِث بْن ربيعة بْن زَيْد بْن رياح:
سائل بنا عبسًا إذا ما لقيتها ... على أي حي بالصرائم دُلَّتِ
قتلنا بها صبرًا شريحًا وجابرًا ... وقد نهلت منها الرماح وَعَلَّتِ
فأبلغ أَبَا حُمران أنَّ رماحنا ... قَضَتْ وَطَرًا من غالب وتَعَلَّت
أَبُو حمران: عروة بْن الورد العبسي، وقال رافع بْن هريم فِي هَذَا اليوم:
ونحن يوم الجرف جئنا بالحكم ... قسرًا وأسرى حوله لم تُقتسم
وصَدَأ الدرع عليه كالحمم
وقال جرير يفخر على الفرزدق:
__________
[1] وخف الخطمي يخفه: ضربه حتى تلزج، والماء الذي غلب عليه الطين. القاموس.
[2] ديوان الحطيئة ص 204.(12/158)
قُلْ لحفيف القصبات الجوفانْ ... جيئوا بمثل قَعْنَبِ والعَلْهان
والرَّدْفُ عَتَّابٌ غداة السوبان ... أو كأبي حزرة سم الفرسان
وما ابن حنّاءة بالوغل الوان ... ولا ضعيف فِي لقاء الأقران [1]
يوم تسدى الحكم بْن مروان
والعَلْهان عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن عَاصِم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع، وكان انطلق وأخوه علقمة فِي بغاء إبل فأخذهما الغبريون من ربيعة فقتلوا علقمة، ثُمَّ أطلقوا عَبْد اللَّه بعدْ حين، وقَبل إطلاقه ما بلغ بني ثَعْلَبَة بْن يربوع أنهم قد قتلوا علقمة وعبد اللَّه جميعًا، فركبوا فلقوا عَبْد اللَّه فسألوه هَلْ قُتل أخوه، فلم يخبر بِذَلِك لأن القوم شرطوا ذلك عليه حين خلوا سبيله، وبلغ بني غبر وهم أَهْل مُلْهم [2] حينئذ، فتحصنوا فحرقوا نخلهم، فانحدروا فحاربوهم فظفر بنو ثَعْلَبَة وكثر القتلى فِي حائر فِيهِ ماء لهم، فامتنعوا من شرب مائه وذلك فِي يوم شديد الحر، فقال مالك بْن نويرة:
اشربوا فَإِنَّمَا يَعَافُ مثل هَذَا المعزى. فشربوا، وقَتَلَ عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث يومئذ بشرًا وجعل يشرب الدم فسمي العلهان، وهذا اليوم يوم ملهم.
ومن ولده يزيد بْن قعنب بْن عتاب كان فارسًا. ومنهم الحرّ بْن يزيد بْن ناجية بْن قعنب بْن عتاب بْن الْحَارِث بْن عمرو بْن همام، الَّذِي صار مع الْحُسَيْن بْن علي، وكان من قبل من أشد الناس عليه، فقال له الْحُسَيْن: [أنت الحرُّ فِي الدنيا والآخرة.] وقتل معه، وله يقول الشاعر:
لنعمَ الحرُّ حرُّ بني رياح ... وحرُّ عند مختلف الرماح
__________
[1] ديوان جرير ص 479- بيتان فقط مع فوارق كبيرة، وانظر أيضا ص 487- 488.
[2] ملهم وقران قريتان من قرى اليمامة. معجم البلدان.(12/159)
وقد كتبنا خبره فيما تقدم.
ومنهم: شراحيل بْن عمرو بْن همام،
قال الشاعر:
وما الأصم بإخوانٍ فنعرفهم ... ولا ابن عمرو شراحيل بْن همام
الأصم: عَبْد اللَّه بْن رياح.
ومن بني شراحيل: معقل. وعقفان ابنا قَيْس بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن همام بْن رياح. وكان معقل بْن قَيْس يكنى أَبَا رميلة، وكان من رجال أَهْل الكوفة، وكان فيمن وفد مع عمار بْن ياسر إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ مع الهرمزان بفتح تستر، وكان مع علي رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ فوجهه إِلَى بني سامة بْن لؤي، فقتلهم وسباهم. وقد ذكرنا خبره، وقد كان عليُّ صَيَّرَهُ على شرطه، وهلك عقفان فرثاه معقل فقال:
كأني بعد عقفان بْن قَيْس ... نبات الأرض اخطأه السحاب
فأفلح من تخطأت المنايا ... أحبته فساغ له الشراب
ولقي معقل المستورد بْن عُلفة التيمي الحروري فقاتله فقتل كل واحد منهما صاحبه.
ومنهم: عَتاب بْن ورقاء بْن الْحَارِث بْن عُمَرو بْن همام،
كان سخيًا مبرزًا شريفًا، وكان يكنى أَبَا ورقاء.
وقال أَبُو اليقظان: كان الفرخان صاحب الري كفر، فوجه إليه عتاب مُحَمَّد بْن عمير بْن عطارد فهزمه الفرخان وأخذ سريته، فتوجه إليه عتاب بْن ورقاء نفسه فقتله وافتتح الري، فقال جرير لمحمد بْن عمير:
هلا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عقفان
وبنو عقفان من بني الحرام من بني يربوع. والحرام أم بني العنبر بْن(12/160)
يربوع، وكانوا مع عتاب بأصبهان وهو والٍ عليها فِي أيام ابن الزبير، فأتاه الزبير بْن علي السليطي الخارجي فقاتله فقتله.
ووجه الحجاج عتاب بْن ورقاء لقتال شبيب الخارجي فقتله شبيب يوم سوق حَكَمَة [1] ، وكان ابنه خَالِد بْن عتاب على أصبهان.
وقال ابن الكلبي: كان عتاب على الري وأصبهان فِي أيام ابن الزبير، فكفر الفرخان فوجه عتاب إليه مُحَمَّد بْن عمير فهزمه الفرخان، فتوجه إليه عتاب فقتله.
وقد رُوِيَ فِي تفسير بيت جرير فِي قوله.
هلا طعنت الخيل يوم لقيتها.
..
حديث عن أَبِي عبيدة يخالف هَذَا وقد كتبناه فِي نسب بني عَبْد اللَّه بْن دارم. وقال الشاعر يرثي عتابا:
ليبك ابن ورقاء الرياحي إذ ثوى ... بقبر بقفرٍ نائل وطعان
وقائلةٌ هَلْ كان بالمصر حادثٌ ... الا هُلك عتاب هُوَ الحدثان
وكان خَالِد ابنه وأمه ميثاء من أشجع الناس وأسخاهم، وكان يكنى أَبَا سُلَيْمَان، وكان عاملًا على أصبهان والري من قبل بشر بْن مروان، فورد عليه طَلْحَة الطلحات الخزاعي مقبلا من سجستان، فبعث إليه طَلْحَة:
ابعث إلينا بشهدٍ من شهد أرضك فحمل إليه سبعمائة ألف درهم، لم يكن فِي بيت ماله غيرها، فَقِيل: ما يعجب من بعثه إليه بمالٍ إنما يعجب من بعثه بكلٍ ما كان عنده.
وقال أَبُو اليقظان: استهداه شهدًا فبعث إليه بخمسمائة ألف لم يكن
__________
[1] سوق حكمة: موضع بنواحي الكوفة. معجم البلدان.(12/161)
فِي بيت المال غيرها وكتب إليه: قد بعثت بما تشتري به شهدًا، وقيل إن عتابًا نفسه فعل ذلك، وهو قول هشام ابن الكلبي والهيثم بْن عدي.
وهرب خَالِد بْن عتاب من الحجاج لأنه كتب إليه: إنك هربت عن أبيك ليلة شبيب، فكتب إليه قد علم من رآني أني لم أهرب ولكنك وأباك هربتما يوم الربذة من الحنتف بْن السجف، وأنتما على بعير نقب [1] ، فلله أبوك أيكما كان ردف صاحبه.
فقدم خَالِد الشام واستجار بزفر بْن الْحَارِث، فأجاره، ودخل على عَبْد الملك فأعلمه ذلك، فأمضى جواره، فلم يزل مقيمًا عنده حَتَّى مات.
وكان زياد بْن عتاب بْن ورقاء من فرسان تميم وكان مع ابن الأشعث، ولآل عتاب بقية في الكوفة.
[زيد بن رياح]
ومنهم شبث بْن ربعي بْن حُصين بْن عُثيم بْن ربيعة بْن زَيْد بْن رياح بْن يربوع،
وكان فارسًا ناسكًا مع العباد، وكان مع علي رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ ثُمَّ صار مع الخوارج حيث قَالُوا لعلي: قد خلعناك، وأميرنا شبث بْن ربعي. ثُمَّ تاب ورجع، ويقال إنه كان مؤذنًا لسجاح أيضًا قبل رسوخه فِي الْإِسْلَام، وقد ذكرناه فيما تقدم، وكان عَبْد المؤمن بْن شبث مع ابن الأشعث.
ومن ولد شبث: المفضل ويقال الأزهر وهو أَبُو الهندي الفاتك.
قال ابن الكلبي: أَبُو الهندي الأزهر بْن عَبْد العزى بن شبث الذي يقول:
__________
[1] نقب الخف: تخرق، والبعير حفي أو رقت أخفافه. القاموس.(12/162)
سيغني أَبَا الهندي عن وطب [1] سالم ... أباريق لم يعبق بها وضر الرُبْد [2]
مقدمة قَزًّا [3] كأنّ رءوسها ... رؤوس نبات الماء تقرع للرعد
وهو القائل:
خرج الناس على راياتهم ... وأبو الهندي فِي كوه زبان
مجلس يزري بمن حل به ... تُسْتَحَلُّ الخمر فِيهِ والزواني
وسالم مَوْلَى قُدَيد بْن مَنيع المنقري، ولآل شبث عقب بالكوفة.
ومنهم: سلمة بْن ذؤيب الفقيه،
وهو الَّذِي دعا الناس بالبصرة إِلَى بيعة ابن الزبير حين مات يزيد بْن مُعَاوِيَة، وقد كتبنا خبره فيما تقدم، وسلمة من بني زَيْد بْن رياح وأمهم العجماء ينسبون إليها، ولما قدم حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن الزبير البصرة واليًا من قبل أَبِيهِ وقع بين سلمة وبين رَجُل من بني حميري بْن رياح يُقَالُ له عَبْد اللَّه بْن الرَّبِيع كلام، فأغلظ له سلمة فَلَمَّا خرج عَبْد اللَّه من عند حَمْزَة قال لأخ يُقَالُ له جُوَيرية بْن الرَّبِيع: ألا تعجب من ابن العجماء يرد على كلامي ويغلظ لي عند الأمير، والله لأقتلنه، فقال جويرية: وأنا معك. فانطلقا فقعدا على طريق سلمة، فمر بهما ليلًا فوثبا عليه فقتلاه، ثُمَّ هربا إِلَى مكة فأقاما بها يسيرًا، ثم قدما البصرة فتواريا فِي عنزة، ثُمَّ اشتهيا حديث الأبيرد بْن المُعَذّر، أحد بني هرمي بْن رياح، فبعثا
__________
[1] الوطب: سقاء اللبن. القاموس.
[2] الوضر: وسخ اللبن والدسم، أو غسالة السقاء والقصعة ونحوهما، وبقية الهناء وما تشمه من ريح تجدها من طعام فاسد، واللطخ من الزعفران ونحوه. الرّبدة: لون بين السواد ولغبرة. القاموس. النهاية لابن الأثير.
[3] القزّ: إباء النفس الشيء والتباعد من الدنس، والقزاز: الثعبان العظيم أو الحيات لفصار. القاموس.(12/163)
إليه رسولا وقالا له: ادعه ولا تعلمه من نَحْنُ، وقل رَجُل أشتهي مجالستك ومحادثتك، فأدى الرَّسُول الرسالة، فَأَقْبَلَ الأبيرد معه حَتَّى إذا كان ببعض الطريق قال له: لست بماضٍ معك حَتَّى تخبرني من الرجل الَّذِي تدعوني إليه فقال: انتظر حَتَّى أذهب فأستأمره فقعد وذهب الرَّسُول فاستأمرهما فأذنا له فِي إخبار الأبيرد باسميهما ففعل، فَأَقْبَلَ الأبيرد حَتَّى دخل عليهما فرحبا به وأتياه بطعام فأكل، وجاء الشراب فشربوا وتحدثوا وتناشدوا يومهم، وجعل يسألهم عن الدار هَلْ لها مخرج وهل لها مكان تؤتى منه غير المدخل الَّذِي دخل منه فأخبراه بما سَأَلَ عَنْهُ، ثُمَّ انطلق فأخبر ابْنَة سلمة بْن ذؤيب، فأتت حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن الزبير فأعلمته علمها، فبعث الخيل حَتَّى أحاطوا بالدار، ثُمَّ دُخل عليهما فأخذا فذُهب بهما إِلَى حَمْزَة فَلَمَّا قُدما ليقتلا قَالا:
برئ الناس من دمائنا إلا الأبيرد فقتلهما حَمْزَة بيده، فقالت أختهما.
لم أر مثل ابني ربيع تتابعا ... قتيلين من حي كرام بواحد
أمُصلح أَهْل العراق ولم يُقّدْ ... قتيل بعبد اللَّه أمي فاقد
وقال الأبيرد:
لعمري لئن كَانَتْ رياح تفاسدت ... لغيري أجرى فِي القياد وأوضعا
وغيري أخنى فيهم بلسانه ... وصال عليهم باليدين فأوجعا
لعمري لقد كَانَتْ رياح عصابة ... ميامين حكامين فِي الأمر مقنعا
رفدتُ بني العَجْماء نصحي ولم أكن ... أرى فِي كتاب اللَّه أن يُقتلا معا
فِي أبيات.
ومن بني عَبْد اللَّه بْن رياح: القِرْضاب بْن ثوبان، صاحب الماء الَّذِي فِي طريق مكة الذي يقال له القرضابي.(12/164)
ومن بني حميري بْن رياح مِمَّنْ لم يذكره الكلبي: سَيّار بْن سلامة،
كان فقيهًا وخرج مع ابن الأشعث وله عقب بالبصرة.
ومنهم: بنو إهاب وأهَيب،
بطنان بالبصرة، فكان منهم: عقيل بْن سُمَيْر قتل مع ابن الأشعث بالزاوية.
ومن بني حميري بْن رياح: جَزْء بْن سعد بْن عدي بْن زَيْد بْن رياح بْن يربوع،
وكان عظيم القدر فِي الجاهلية، وقد أَخَذَ المرباع وقاد بني يربوع كلها ولم يقدها أحد فيما يقولون غيره.
وقال بعضهم: قادهم فِي يوم ذي نجب، والثبت أنه قادهم يوم غَبيط المدرة، وهو يومٍ فلج، وشهد يوم ذي قارّ الأول، حين أغار بسطام بْن قَيْس على بني يربوع بعد أن أخذ عليه عتيبة بْن الْحَارِث ألا يغزوهم، فأخذ الرَّبِيع بْن عتيبة مائة ناقة، فضمن لابنه أن يعطيه من أول غزاة يغزوها بَكْر بْن وائل مائة ناقة، وكان حُصين أحد بني عامر بْن أَبِي ربيعة بْن ذهل قد اشترى من عتيبة فرسًا فلم يُعطه ثمنه، وجاوره فأكرمه عتيبة، فلم يَرْعَ ذلك، فبلغه أن حصينًا بذي قار فِي جماعة من قومه، فغزاهم فِي بني يربوع، وعليهم جَزْء بْن سعد، فأخذ منه ألف ناقة، وأخذ أيضًا عتيبة ابنته فدفعها إِلَى ابنه الحُلَيس، وكان الهذيل بْن هبيرة التغلبي غزا بني سعد بالرمل، فبينا هُوَ يريدهم إذ دلَّ على بني حميري بْن رياح وكانوا بأراب فشد عليهم فاحتمل من قدر عليه منهم، واخذ امْرَأَة جزء بْن سعد، ثُمَّ أطلقها، وذلك أنها قَالَتْ له: إن جَزْءًا آلى أن لا يجامع امْرَأَة باتت فِي الأسر ليلة. وورد الهذيل الماء وقد سبقه إليه جيش بني رياح وغيرهم من بني يربوع فمنعوه الماء وقاتلوه دونه وقالوا: لن تصل إليه حَتَّى تَرُدَّ ما أخذت،(12/165)
فبعث الهذيل إِلَى جَزْء: إني قد أطلقت امرأتك وابنيها، ثُمَّ إنهم اشتروا من سبيهم، وأطلق الهذيل منهم حَتَّى راح الهذيل وليس فِي يده منهم أحد.
وشهد جزء يوم غبيط المدرة، وهو يوم صحراء فلج، ويقال بطن فلج، وكان فِيهِ رئيس بني يربوع.
وكان من خبر هَذَا اليوم أن بسطام بْن قَيْس بْن مَسْعُود الشيباني، ومفروق بْن عمرو والحارث بْن شريك، وهو الحوفزان غزوا بلاد بني تميم، فأغاروا على بني ثَعْلَبَة بْن يربوع، وثعلبة بْن سعد بْن ضبة، وثعلبة بْن عدي بْن فزارة، وثعلبة بْن سعد بْن ذبيان. وكانت هَذِهِ الثعالب، فأصابوا فيهم واستاقوا إبلًا من بعضهم، ولم يشهدهم عتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب اليربوعي لأنه كان نازلًا فِي بني مالك بْن حنظلة، ثُمَّ إنهم مروا على بني مالك وهم بين صحراء فلج وبين غبيط المدرة، فاكتسحوا إبلهم، فركبت بنو مالك بْن حنظلة وفيهم عتيبة بْن الْحَارِث وأسيد بْن حناءة وجَزْء بْن سعد وهو رئيس بني يربوع، ومعهم مالك بْن نويرة فأدركوهم بغبيط المدرة، فقاتلوهم حَتَّى هزموهم واستنقذوا ما كانوا أخذوا، وقتلت بنو شَيْبَان أَبَا مرحب ربيعة بْن حَصَبَة، ولحق عُتيبة بسطامًا فقال له: يا أبا الصهباء استأسر. قال: ومن أنت؟ قال: عتيبة وأنا خير لك من الفلاة والعطش، فأسر عتيبة بسطامًا، وجاء بجاد أخو بسطام ليكر عليه فقال له بسطام: أَنَا حَنيف إن كررتَ وكان نصرانيًا، وقالت بنو ثَعْلَبَة بْن يربوع لعتيبة: يا أَبَا حزرة إن أَبَا مرحب قد قتل، وقد أسرت بسطاما فاقتله، وقال إني معيل أحب اللبن فانتقل ببسطام إِلَى بني جَعْفَر بْن كلاب لئلا يقتل، وقد كان بسطام قال له: صِرْ بي إلى بني جَعْفَر بْن كلاب أعطك(12/166)
عائرة عينين [1] ، يعني الكثرة، ثُمَّ إنه فدى نفسه بأربعمائة بعير وثلاثين فرسًا، وكان عامر بْن الطفيل يسأل عتيبة فيأذن له فِي منادمة بسطام. ولم يلبث بسطام أن جاء فداؤه فخلى سبيله. وقال جرير:
قد ردَّ فِي الغلِّ بسطامًا فوارسُنا ... واستودعوا نعمه فِي رهط حجار [2]
وقال عتيبة لَجْزء بْن سعد:
أحامي عن ذمار بني أبيكم ... ومثلي فِي غوائبكم قليل
فقال جزء: أي والله وَفِي شواهدنا.
وأغارت طوائف من بني يربوع جُلُّهُم بنو رياح على بني أَبِي ربيعة من ذهل بْن شَيْبَان، وعليهم جزء بْن سعد، وذلك بعين التمر واتبعهم بنو أَبِي ربيعة فأدركوهم فقتلوا مُعَاوِيَة بْن فراس رئيس بني أَبِي ربيعة، فقال سحيم بْن وثيل:
هُمْ قتلوا رئيس بني فراس ... برأس العين فِي الحجج الخوالي
ويقال إن العين من عيون الطَّف بقرب الحيرة.
ومن بني حميري:
حُشَيْش بْن نِمران بْن سيف بن حميري بْن رياح
وكان المُجِبَّة أحد بني ربيعة بْن ذهل بْن شَيْبَان وعمرو بْن القُرَيم أحد بني تيم اللات بن ثعلبة أغار على بني رياح بْن يربوع، فأطرد النَّعَم، فركبت بنو رياح فِي آثارهم فلحقوهم بقُلَّة الحزن- ويقال الحزم- فاقتتلوا فحمل المنهال بْن عصمة بْن عمرو بْن حميري على المجبه فطعنه فقتله، وحمل حشيش بْن نمران على عمرو بن القريم فقتله، واستنفذ السيقة، وانهزم
__________
[1] عليه من المال عائرة عينين، وعيرة عينين: أي كثرة تملأ بصره. القاموس.
[2] ديوان جرير ص 241.(12/167)
الشيبانيون، فقال فِي ذلك شجاع بْن هوذة الرياحي:
فإذا لقيت القوم فاطعن فيهم ... عند اللقاء كطعنة المنهال
ترك المُجِبَّه للضباع مُجَدَّلًا ... والقوم بين سوافل وعَوَال
وقال جرير:
فإنك لو سَأَلت بْنا بجيرًا ... وأصحاب المُجِبَّهِ من عصام [1]
وقال سحيم بْن وثيل:
ونحن تركنا ابن القريم بقُحقُح [2] ... صريعًا ومولاه المُجبَّه للفم
وكان يُقَالُ لهذا اليوم أيضًا يوم قُحقُح.
وقتل حشيش فِي ذي نجب، وهذا اليوم الَّذِي توجه فِيهِ حسان بْن عمرو بْن مُعَاوِيَة بْن الجون بْن حجر بْن عمرو آكل المرار الكندي ومعاوية بْن شرحبيل بْن أخضر بْن الجون إِلَى بني تميم مع وجوه بني عامر: يزيد بْن الصعق، وبني مالك بن جَعْفَر، وقدامة بْن سلمة، وبني قشير لاستغاثتهم بهما، وكان يُقَالُ لولد حجر بْن عمرو آكل المرار بني كبشة، نسبوا إِلَى أم حجر، وهي كبشة بِنْت امرئ القيس بْن عمرو بْن مُعَاوِيَة بْن عمرو بْن الْحَارِث الكندي، وقال امرؤ القيس بْن حجر بْن الْحَارِث بْن عمرو المقصور بْن حجر بْن عمرو آكل المرار:
خالي ابن كبشة قد علمتم فضله ... وأبو يزيد رهطه أعمامي [3]
وكان حسان بْن عمرو بْن الجون على بني تميم يوم شعب جبلة، وجبلة هضبة حمراء، وكان مُعَاوِيَة بْن شُرحبيل بْن أخضر بن الجون يوم شعب جبلة
__________
[1] ديوان جرير ص 403.
[2] عرف ياقوت قحقح بقوله: أرض قتل بها مسعود بن القريم فارس بكر بن وائل
[3] ديوان إمرئ القيس ص 164.(12/168)
مع بني عامر، فاجتمعا فِي يوم ذي نجب على بني تميم، وكان الَّذِي هاج يوم جبلة أن بني عبس بْن بغيض حين خرجوا هاربين من بني ذبيان، وحاربوا قومهم بقوا متلددين متحيرين، فصاروا إِلَى بني عامر، ثُمَّ استعاذوا بالأحوص بْن جَعْفَر، فأجارهم فأشار عليه عوف بْن الأحوص بقتلهم، فأبى أن يطيعه، فاجتمع بنو ذبيان واستعدوا عليهم حصن بْن حذيفة الفزاري ومعه بنو أسد، وأقبل معهم مُعَاوِيَة بْن شرحبيل بْن أخضر بْن الجون- وسمي الجون لشدة سواده- فِي جيش، وأقبلت بنو حنظلة والرباب عليهم لقيط بْن زرارة وأقبل معهم حسان بْن الجون فِي جمع من كندة وغيرهم عظيم، فاقتتلوا فقتل لقيط، وأسر عتيبة بْن الحارث فبال على قَدّه حَتَّى عفن، ثُمَّ تخلص فِي بعض الأشهر الحرم بلا فداء، وكان بخيلًا. وقال جرير فِي يوم ذي نجب:
لقد صدع ابن كبشة إذ أتانا ... حشيش حين ناشته العوالي [1]
وقال بعضهم: وأسر فِي يوم ذي نجب دريد بْن ثَعْلَبَة بْن حصبة بْن أزنم حسان بْن عمرو، ويقال مُعَاوِيَة بْن شرحبيل. والكلبي والمفضل ينكران ذلك. ومن قال إنه أسر حسان احتج بقول جرير يوم واقف الفرزدق بالمربد:
........
أو كدريد يوم شد حسان [2]
وقال من خالفه: ليس هَذَا البيت فِي الشعر.
وقال أبو المهدي الكلابي: الثبت:
__________
[1] ليس بديوانه المطبوع.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.(12/169)
.......
أو كحشيش يوم لاقى حسان
وقال ضمرة بْن ضمرة ليزيد بْن الصَّعِق:
نَحْنُ سراة الجيش يوم النجبة ... يوم ضربناك فويق الرقبة
وكان ثَعْلَبَة بْن الْحَارِث بْن حصبة أسر يزيد بْن الصعق، فرآه فِي يده ثَعْلَبَة بن الحارث بن عمرو بن همام بن رياح فضربه على رأسه فَأَمَّه.
وقال أَبُو عبيدة: قتل حشيشًا عمرو، أحد بني كبشة وأسر دريد حسان. والله أعلم.
وقال أَبُو اليقظان: كبشة أم عمرو بْن الجون. والأول أثبت وهو قول الكلبي.
ومنهم: حميد بْن مشمت،
كان من وجوه بني تميم بخراسان.
ومنهم: هلال بْن زِنباع
جاهلي قتل أَبَاهُ رَجُل من بني حنظلة، فأتى قاتل أَبِيهِ وهو فِي قُبَّة فقطع شرجها بالسيف، ثُمَّ دخل فقتله، فقال الشاعر:
ضربًا وثاج [1] فدت أمي وما ولدت ... لن تَعْدَمُوا ثائرًا مثل ابن زنباع
الداخل البيت لم يأذن قعيدته ... بكل أبيض للأجواز قطاع
ومنهم: برد بْن زياد، صبر مع الْحُسَيْن بْن علي عليهما السلام،
ومع الحر بْن يزيد
حَتَّى قتل. ومنهم: يحيى بْن مبشر، قتل أيضًا فقال أَبُو السفاح:
صلى على يحيى وأشياعه ... رب مليك وشفيع مطاع
فقال جرير:
__________
[1] بهامش الأصل: رياح.(12/170)
صلى الإله عليك يا بن مبشر ... أَنَّى قتلتَ بملتقى الأجناد [1]
وأما الخُمَّة فقليل.
ومن بني كعب بْن رياح:
أَبُو الكيهم، وهو زهير بْن الْحَارِث.
وكان قوم من بني حنيفة وقوم من قَيْس بْن ثَعْلَبَة أغاروا على إبله فأتى الصريخ ببني حميري فركبوا فِي آثارهم فاستنقذوا الإبل، بعد قتال، وكان قتالهم بذي خيم، وزعموا أن الْحَارِث بْن قراد، أحد بني حميري لحق القوم وهو يقول:
أبل أبي الكيهم لا تراعي ... إني أَدِينُ لك باجتماع
إني سأحميك ونعْمَ الراعي
وقال سحيم بْن وثيل:
رددنا لمولاكم زهير لبونه ... وأهلك فيها ابنا حمار وعاصم
ابنا حمار: عدي وعمرو الحنفيان، وعاصم بْن الْحَارِث بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة وكان هؤلاء قد قتلوا يومئذ.
وولد ثَعْلَبَة بْن يربوع:
جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة. وجَهْوَر بْن ثَعْلَبَة، وأمهما النوار بِنْت ضُبيس بْن جارم بن مالك بن بكر بن سعد بن ضبة. وعَزين بْن ثَعْلَبَة. وعبيد بْن ثَعْلَبَة، وأمهما رهم بِنْت مالك بْن حنظلة.
فولد جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع: ذريح بْن جَعْفَر. والكُباس بْن جَعْفَر. وشراحيل بْن جَعْفَر. وحُمرة بْن جَعْفَر. وحصين بْن جَعْفَر.
وربيعة بْن جَعْفَر. وعبدة بْن جَعْفَر، وهؤلاء الثلاثة فِي عُكل. ومالك بْن جَعْفَر وهم فِي سعد بن زيد مناة.
__________
[1] ديوان جرير ص 98.(12/171)
وولد عَزِين بْن ثَعْلَبَة: عَبْد مناف بْن عزين.
وولد عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة: أزنم بْن عُبَيْد. وضباري بْن عُبَيْد. وشداد بْن عُبَيْد. وعاصم بْن عُبَيْد. وعصمة بْن عُبَيْد. وعبدل- لام- بْن عُبَيْد.
وحُبْشي بْن عُبيد. وأسامة بْن عُبَيْد.
فَمَنْ بني ثَعْلَبَة بْن يربوع: عتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب بْن عَبْد قَيْس بْن الكُباس بْن جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة،
وقد رأس وكان يسمى صياد الفوارس، وسُمُّ الفوارس، أسر يوم شعب جبلة فبال على قَدِّهِ حَتَّى عفن، فَلَمَّا دخل الشهر الحرام هرب فأفلت بغير فداء، وكان بخيلًا [1] ، وقتله ذؤاب الأسدي، وذلك الثبت، وبعضهم يقول: قتله المجشر بْن عَبْد عمرو الغاضري وذلك أنهما اختلفا طعنتين، ولكنه لا شك فِي قتل عُتيبة المجشر، وقد ذكرنا مقتله فِي يوم خَوّ، وكان غدارًا.
وقال أَبُو عبيدة: نزل به أَنَس بْن مرداس السلمي فِي صرم من بني سليم، فشد على أموالهم فأخذها وربط رجالهم حَتَّى افتُدوا، فقال عَبَّاس بْن مرداس [2] :
كثر الضجاج وما سمعت بغادرٍ ... كعتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب
وقال المفضل وبعض الكوفيين: أغار عتيبة بْن الْحَارِث فِي بني ثَعْلَبَة بْن يربوع على طوائف من بني كلاب يوم الجونين فأطردوا نعمهم، وكان أَنَس بْن عياض الأصمّ السلمي من بني رِعل مجاورًا فِي بني كلاب، وكان بين بني ثَعْلَبَة بْن يربوع وبين بني رعل عهد ألا يسفك بينهم دم
__________
[1] تقدم هذا الخبر قبل قليل ص 169.
[2] انظر أخبار العباس بن مرداس ونسبه وبعض شعره في الأغاني ج 14 ص 302- 320.(12/172)
ولا يؤكل مال، فَلَمَّا سمع الكلابيون الدعوى ببني ثَعْلَبَة قَالُوا لأنس: قد عرفنا ما بينكم وبين بني ثَعْلَبَة بن يربوع فأدركهم فاحبسهم علينا حَتَّى نلحق، فخرج أَنَس فِي آثارهم فَلَمَّا دنا منهم قال: أَنَا أخوكم وعقيدكم وكنت فِي هؤلاء القوم فأغرتم على إبلي مع ما أغرتم عليه، فقال له عتيبة:
حياك اللَّه خذ إبلك، قال أَنَس: والله ما أعرفها وقد وعدت إخوتي وأهل بيتي أن يتبعوني وهم أعرف بها، فطلع فوارس من بني كلاب فاستقبلهم حنظلة بْن الْحَارِث أخو عتيبة فحمل عليه الحوثرة بْن قَيْس بْن جَزْء بْن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب فقتل حنظلة، وحمل لام بْن سلمة أخو بني ضباري بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة على الحوثرة فأسره ودفعه إِلَى عتيبة فقتله صبرًا، وهزم الكلابيون وأسر أَنَس فأتى به عتيبة فافتدى نفسه منه بمائتين من الإبل، فقال عَبَّاس بْن مرداس:
كثر الضجاج ولا أرى من غادر ... كعتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب
جَلّلت حنظلة الدناءة كلها ... ودنست آخر مدة الأحقاب
فِي أبيات.
وقال عتيبة:
غدرتم غدرة وغدرتُ أخرى ... فَلَيْس إِلَى توافينا سبيل
فلوموا الآن إذْ وَقَعَتَ بقرٍ ... فَمُقْصِرُكُم سواء والمُطِيلُ
ألا أبلغْ بني رِعْلٍ فَإِنِّي ... لكم بمساءةٍ أبدًا كفيل
وحضر عتيبة يوم ذي قار الأول، وقد ذكرنا خبره، وكان قد أَخَذَ حَصِينة بِنْت الحصين أخي بني عامر بْن ربيعة، فدفعها إِلَى ابنه، وكانت مُمْلَكَةً بابن عم لها، فتعلقت بثوب عتيبة وقالت: يا عم أنشدك اللَّه أن(12/173)
يمسني رَجُل غير زوجي، فاذكر يا عم جوازي ولعبي بين أطناب بيتك مع بناتك، فكساها وبعثها مع من بلغها قومها، وأعطى ما صار إليه من الإبل ابنه، ولم يغز عتيبة قط غزاة أسلم منها، وقال عتيبة:
ألم ترني أفأت على ربيع ... جلادًا فِي مباركها وحور
وحضر عتيبة يوم غبيط المدرة فأسر بسطام بْن قَيْس الشيباني وأخذ فداءه. وغزا عتيبة بْن الْحَارِث وأرقم بْن نويرة ودَيسق بْن حطان العاصمي، أحد بني عبيد بن ثعلبة: بكر بن وائل فأخذوا ديسق بن حطان، ثُمَّ أُطلق، فخرج حَتَّى نزل على قَيْس والهرماس الغسانيين فقالا له: أترى فِي الأرض فارسين مثلنا؟ قال: نعم عتيبة بْن الْحَارِث مثلكما وأفضل، فتمنيا أن يلقياه، فَمَا لبثا أن أتاهما النذير فقال: إن عتيبة أَخَذَ نَعَمكما، فركب قَيْس فقال اين عتيبة؟ قال: ها أنا ذا، قال: ابرز. قال عتيبة: فَمَا رَأَيْت فارسًا قط املأ لعيني وقلبي من قَيْس يوم رَأَيْته، قال:
فطعنني بالرمح فحطم قربوس سرجي وأمضاه حَتَّى وجدت برد السنان فِي بطن فخذي، ثُمَّ مضى منحازًا يحسب أنه قد قتلني ومعي رمح مُعَلَّبُ بالقد والعصب [1] كُنَّا نصطاد به الوحش، قال: فرميته بالقرنين [2] ، فَلَمَّا سمع هُويّها حنى لي ظهره يريدني، وبدا لي فرج الدرع فاطعنه فِي عانته وأنفذ رمحي حَتَّى دق مؤخرة السرج، ولحق الهرماس فِي خيله فأتى على قَيْس وقد مات، وكرَّ عتيبة على كردوس آخر على الهرماس فضربه عتيبة بالسيف على البيضة
__________
[1] العصب: ضرب من البرود، والاطافة بالشيء، والعصابة. القاموس.
[2] القرنين: الجعبة. والسيف والنبل، وحبل يجمع به البعيران. القاموس.(12/174)
فمات من ضربته قطع البيضة وهشمها وأَمَّهُ، ويقال لهذا اليوم يوم بَنْهَل، ويوم غول.
وقال عتيبة:
كما لاقى أخا الهرماس مني ... غداة الروع مُدَّرِعًا شليلي
وقال متمم بْن نويرة:
تمنيتما أن تلقياه سفاهة ... فلاقاكما وسط السَّوام المعزب
بودكما يا بني هجيمة أنه ... يكنهك [1] إذ لاقاكما متعتب
وقال جرير:
ومنا رئيس القوم يوم حماهم ... وغادر قيسًا فِي سنان وعامل
يثوب إليه ثابت الطير بعد ما ... كبا فِي نجيع من دم الجوف سائل
على بيضة الهرماس حَتَّى تطايرت ... خذاريف عن قحف من الرأس مائل [2]
وقال جرير:
وساق ابن هجيمة يوم غولٍ ... إِلَى أسيافنا قَدَرُ الحمام [3]
قَالُوا: وقال بسطام بْن قَيْس: ما أَنَا بمنته حَتَّى آسر عتيبة كما أسرني، أو أقتله، فجمع له بَكْر بْن وائل، فركب فِي بني شَيْبَان، وركب معه أبجر بْن جَابِر العجلي والحُطَم من بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة فِي قومه، وكانت عند أبجر أم وهب، وهي من طهية، فبعثت من أنذر بني يربوع وأخبر عتيبة بالخبر فاستعد، وأقبل بسطام فأغار بمن معه على النعم وهو على الماء يصدر
__________
[1] أي يستتر ويستكن. القاموس.
[2] ليست في ديوان جرير المطبوع.
[3] ديوان جرير ص 405.(12/175)
ويرد، فاطردوا نعما كثيرة فَلَمَّا شغل كل امرئ بما فِي يده من الغنيمة، وعلم بنو يربوع أن أحدًا منهم لا يلوي على أَخِيهِ لينجو بما حوى، ركبوا فَلَمَّا رأت بَكْر ما تتابع عليها من الخيل اجتمعت فنادى عميرة بْن طارق: إليَّ يا أبجر فأنت طليق، ومن أتاني من قومك، وكانت أم وهب الطهوية أمه، وكان أبجر قد رباه فقال له: ألهذا كَانَتْ تربيتي إياك، فقتل يومئذ الدعاء وأُسر الحوفزان وأبجر فِي أسرى كثيرة، فأنعمت عليهم بنو يربوع وجزت نواصيهم، وطُعن بسطام طعنة فَفَرَّ على وجهه، فقال عميرة بْن طارق اليربوعي لأبجر:
ولما رَأَيْت القوم جدَّ نفيرهم ... دعوتُ نجيي محرزًا والمثلَّما
فأعرض عني محرز وكأنما ... رَأَى أَهْل أودٍ مَرْصِدًا وسَلَهّمَا
ومحرز والمثلم خالا عميرة ناجاهما فِي إنذار بني يربوع، فأعرض عَنْهُ محرز، وأشار عليه المثلم بما فعل.
وقال جرير بْن عطية:
ومنا الَّذِي ناجى فلم يُخْز رَهْطُهُ ... بأمرٍ قويم محرزا والمثلما [1]
وقالت بنو شَيْبَان:
بالصمْدِ إذ لقوا فوارسًا ... يدعون قيلًا وأيهما
أشيبان لو كان القتال صبرتم ... ولكنَّ سِفْعًا من حريق تَضَرَّما
وقال أيضًا:
وَعَضَّ ابن ذي الجَدَّيْنِ وسْطَ بيوتنا ... سَلَاسِلَهُ والقَدُّ حَوْلًا مُجَرَّمَا
وقال جرير:
__________
[1] ديوان جرير ص 447.(12/176)
فسار الحوفزان وكان يسمو ... وأبجر لا أَلَفُّ ولا بَليْدُ
فَصَبَّحَهم بأسفل ذي طلوح ... ضوامر لا تزاد ولا تَزِيدُ [1]
وقال جرير:
ولما لقينا خيل أبجر أعلنت ... بدعوى لُجيم غير ميل العوائق
فلما رأوا ألّا هوادةَ عندنا ... دَعَوْا بعد كربٍ يا عمير بْن طارق [2]
وهذا اليوم يدعى يوم الصمد، ويوم ذي طلوح.
وأغارت أيضًا بنو شَيْبَان ورئيسهم الحوفزان، وبسطام بْن قَيْس على بني يربوع، ورئيسهم عتيبة بْن الْحَارِث فالتقوا بأعشاش، فأسر بسطام وقُتل رَجُل من آل الحوفزان يُقَالُ له بشر ويلقب خوافي النسر، وكانت تلك الغزاة أول غزاة غزاها بسطام، فأطلقه بنو يربوع، وكانت هَذِهِ أَسْرَةٌ قبل أسرة عتيبة إياه، وقد ذكرناها، وكانت أم عُتيبة مَيَّةُ بِنْت مُعَاوِيَة من بني جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة.
وقال ذو الغِلْصمَة العجلي:
عتيبة صياد الفوارس عُزِّيَتْ ... ظهور جياد بعده وركاب
وقتل ذؤاب عتيبة.
وقد ذكر أَبُو اليقظان أن الحليس بْن عتيبة قتل ذؤابًا، فقال حصين بْن القعقاع:
تذكرت ندماني عتيبة بعد ما ... عصبت رؤوس نسائه بسلاب
قتلوا ذؤابًا بعد مقتل ستةٍ ... فشفى الغليل وريبة المرتاب
__________
[1] ديوان جرير ص 128 مع فوارق.
[2] ديوان جرير ص 309. مع فوارق.(12/177)
وولد عُتيبة:
حَزْرَة بْن عتيبة. وربيع بْن عتيبة، أمهما الحمراء من بني سليط، وكان تزوجها رَجُل من مضر الحمراء، فضرب عليها قبة أدم، فَلَمَّا هلك رجعت إلى أهلها بالقبة فسميت بقبتها: الحمراء. وعُمارة بْن عتيبة. والحليس بْن عتيبة. وهُذيم بْن عتيبة. والأحوص بْن عتيبة.
وضرار بْن عتيبة. ودُعموص بْن عتيبة.
فأما ربيع
فكان فارسًا شجاعًا، وأسره بنو شَيْبَان فركب فرسه ونجا، وقد كتبنا خبره حين رد عليه أَبُوهُ ما أَخَذَ من بني شَيْبَان وذلك فِي يوم ذي قار الأول، وهو قتل قاتل أَبِيهِ.
قَالُوا: بينا بنو ثَعْلَبَة بْن يربوع يسيرون إذا الفُرافصة الكلبي قد أقبل بما صار إليه فِي غزاته بني سليط وغيرهم من بني تميم، وقد انصرف وأكثر جيشه بغنائمهم وتسرعوا إِلَى أهلهم، وبقي النَّعم أشّل [1] فأتاهم راكب من بني الهجيم فقال: هَلْ لكم إِلَى ثلاثمائة بيت ما فيهم فرس غير واحد؟
فتجردوا فِي الخيل وقال ربيع بْن عتيبة: رئسوني عليكم يا بني يربوع ولا نصيب لي فِي الغنيمة ففعلوا، وخرجوا حَتَّى صاروا بالجبانات، قال عميرة بْن طارق اليربوعي: فتداعى الناس وحملنا الخيل على النعم فسقناها، فاتبعونا رجالة، غير شيخ بْن يزيد العجلي فإنه كان على مهرٍ له، فقال ابنا عُتيبة: ربيع ودُعموص: أننطلق قبل أن يعلم هؤلاء القوم من أَخَذَ مالهم، وكانوا قد أخذوا أموال القوم، وأسروا سوادة بْن يزيد أخا شيخ بْن يزيد، وكان فِي الإبل، فكرَّا ولم يلتفتا حَتَّى واقعا القوم فقالا: إننا ابنا عتيبة، فحمل شيخ بْن يزيد عليهما فرسه فانتطح فرساهما وفرسه،
__________
[1] أي متفرقة. النهاية لابن الأثير.(12/178)
فصُرعا فلم يزل ربيع يتقلب على ظهره حَتَّى فات أيدي الرجال، ثُمَّ أَشْلَى فرسه، أي دعاها، فركبها، وأسروا دعموصًا، فاشترك فِيهِ بنو ضبيعة بْن عجل وبنو بجير من ولد ربيعة بْن عجل، فلحق ربيع بعميرة بْن طارق فقال له: إن أخي مقتول. قال عميرة: فكررتُ حَتَّى أقف على القوم، فإذا دعموص موثق، فقام عمرو بْن النهاس العجلي فقال: أنت عميرة؟ قلت:
نعم. قال: فدعاني إِلَى التعاقد على أن يكون كل واحد مِنَّا جارًا لصاحبه ففعلنا ذلك، ونظر عمرو فإذا إبله لم تؤخذ فيما أَخَذَ، قال: فتراخى عني، وأخذ بعضهم فرسًا لي فبلأي ما ردها علي عُمَر، وردها وهو متباطئ وبات دعموص عند بني بجير وغدا عليه بنو ضبيعة فهموا بقتله، قال عميرة: فقلت:
يا قوم إن أخاكم فِي أيدي هؤلاء القوم وقد ذهبوا بالإبل، ولن تعدموا منهم فاتكًا فادفعوا إِلَى دعموصًا وأنا كفيل لكم بإبلكم وأخيكم، وكانوا يبيتون دعموصًا ليلة عند بني ضبيعة وليلة عند بني بُجير، فدفعوا إِلَى دعموصًا، فقلت له: النجاء، وحملته على فرسي وركبت مع عشرة من بني بجير حَتَّى انتهينا إلى بني ثَعْلَبَة بْن يربوع، وكانت بنو عجل قد جزوا ناصية دعموص فردوها إليه ولم يجعلوها عندهم، وردوا الإبل وسوادة بْن يزيد، فقال عميرة بْن طارق فِي أبيات:
ألم تعلما يا بْنَيْ عتيبة مَقْدَمي ... على ساقط بين الأسنَّة مُسْلِم
وكان مع الإبل رَجُل من بني شَيْبَان مبطون فَلَمَّا طردوا به مات.
وكان الفُرافصة غزا بني تميم في جيش من الأزد وطيّئ وربيعة تميم فأوقع ببني سليط وطوائف من تميم وأسر منهم أسرى، فركب نُعيم بْن قعنب الرياحي إليه فِي أمرهم، فوهبهم له إلّا امْرَأَة من بني سليط أخذها رَجُل من(12/179)
بني لام من طيّئ، فسأله إياها نعيم فقال: ذاك إليها فاختارت الطائي، فلعنها نعيم، فولدت نجبة أحد بني أوس بْن حارثة بْن لام، وزعموا أن الفُرافصة أطلق من فِي يده من الأسرى، على أن لا يطلبه بنو سليط بقتلاهم، وكان أَبُو مُلّيْل عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن عاصم فِي الأسرى فأطلقه.
وكان الهِذْلِق بْن نعيم بْن ربيع من سادة قومه وفرسانهم، ولقي هشام بْن عبد الملك ربيع بْن الهِذْلِق، وهشام خليفة، فأعجب به، فخطب إليه ابنته على سَعِيد بْن هشام، فزوجه إياها، وله عقب بالبادية.
وأما حَزْرَة بْن عُتيبة،
فَإِن أباه [1] عتيبة سار فِي جماعة من بني ثَعْلَبَة بْن يربوع، فأتى الشيط وبكر بْن وائل ببطن الشيط، وكان عتيبة وجعًا فقال لحزرة: يا حزرة اركب، وجعله على الحامية فركب وحملوا على البَرْك [2] ، فاستنفروه، ولزموا بطن الوادي يشلّون غنيمتهم، ولُحِق حزرة بْن عتيبة فرمى بحجر فصُرع فأُخذ ورجع فرسه عائرًا، فَلَمَّا فقده أَبُوهُ نزل عن راحلته وكان ركبها لعلَّته وركب فرسه ورجع وهو ينادي: يا حزرة ادْعني الليلة، ادْعني إليك، فَلَمَّا يئس انصرف وبكَّرَ يتبع أثر بني ثَعْلَبَة بشعلة من نار فسميت الليلة ليلة الشعلة، وليلة تبرة، وقال عتيبة:
نَجَّيْتُ نفسي وتركت حزره ... يا لهف نفسي أدركتني حَسَرهْ
هَلْ يُسلم المرء الكريم بكره ... نعم الفتى غادرته بتبره
__________
[1] بالأصل: فإن أبا، وأضيفت الهاء لاستقامة السياق.
[2] البرك: ابل أهل الحواء كلها تروح عليهم بالغة ما بلغت، وإن كانت ألوفا، أو جماعة الإبل الباركة. القاموس.(12/180)
ولحق عتيبة أخريات بَكْر، وهم يظنون أنه منهم، فضرب يد صاحب الشعلة فأسقطها والنار فانثنوا عن اتباعه، وكان عتيبة مطلوبًا بأثارٍ كثيرة، ودماء كبيرة، فَلَمَّا أصبح حزرة دفعوه إِلَى بعض أصحاب الدماء فقتلوه.
وكان عتيبة يكنى أَبَا حزرة. وقال أَبُو اليقظان: قتلته بنو تغلب.
وأما عُمارة بْن عتيبة
فكان شريفًا.
وأما الحُلَيس
فكان فارسًا، فَلَمَّا قتلت بنو أسد عتيبة يوم خو انطلق بنوه فأغاروا على بني أسد، فأخذوا ذؤابًا قاتل أبيهم وهم لا يدرون أنه قاتله، ويقال بل أخذه بعضهم وهو ربيعة، ويقال الحُليس فِي يوم خوّ وذلك أثبت، وقد ذكرنا هَذَا الخبر فِي نسب بني أسد بْن خزيمة.
وقال أَبُو اليقظان: كان ربيعة بْن غسل- ويقال عَسَل والثبت غِسل- اليربوعي صحح عندهم أن ذؤابًا قتل عتيبة.
وأما الأحوص بْن عتيبة
فأدرك الْإِسْلَام، فأسلم وقدم البصرة.
وأما ضرار بْن عتيبة
فكان شريفًا قاد الخيل فِي الجاهلية، وكان عوف بْن القعقاع سار تحت لوائه، وأدرك ضرار الْإِسْلَام فأسلم، وأدرك ضرار خلافة عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ وكلمه فِي ضابئ بْن الْحَارِث حين حبسه أن يطلقه.
فولد ضرار هَذَا: وَزر بْن ضرار. وكِدام بْن ضرار. وكان وَزر شريفًا، وكان نادي الْوَلِيد بْن عَبْد الملك بمكة فِي أشراف من مضر، فأغضبه ذلك، فأمر به فحلقت رؤوسهم ولحاهم فحلق رأسه ولحيته، وقال رَجُل من بني قَيْس بْن عاصم المنقري:
لقد نهيت بني سعد وقلت لهم ... لا يوقعنكم فِي سوءة وزر(12/181)
ما راعني منهم إلا وكلُّهُمُ ... قد جاءنا ما يُرى فِي وجهه شعر
وكان وزر على وفد بني تميم إِلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك من البادية.
وأما كِدام فكانت له فرس يُقَالُ لها قدّام كان يسابق عليها بالبادية، فقالت له امْرَأَة من بني ثَعْلَبَة
قبحت يا كدام من كدام ... وقبحت قدام من قدام
وقبح الفارس واللجام [1]
ومنهم حَبِيبُ بْن خِراش [2] بْن الصامت بْن الكُباس بْن جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع،
وكان حليفًا فِي بني سلمة من الأنصار، وقد شهد بدرًا، ومعه مَوْلَى له يُقَالُ له صامت.
وواقد بْن عَبْد اللَّه [3] بْن عَبْد مناف بْن عرين بْن ثعلبة صاحب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الكلبي: شهد بدرًا وقتل قبل ذلك ابن الْحَضْرَمِيّ فِي يوم نخلة، وكان حليف بني عدي بْن كعب.
قال الواقدي: وأسلم قبل دخول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دار الأرقم، أتى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ الْإِسْلَام فَأَخْبَرَه به، فشهد أن لا إله إلا اللَّه، وكان أحد الرماة، قال الواقدي: وجهه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع عَبْد اللَّه بْن جحش فِي سرية إِلَى نخلة فرمى عمرو بْن الْحَضْرَمِيّ حليف بني عبد شمس فقتله وكان ذلك
__________
[1] بهامش الأصل: آخر المجلد الثامن والثلاثين من الأصل، ولله كل حمد وكمال.
[2] بهامش الأصل: حبيب بن خراش رحمه الله.
[3] بهامش الأصل: واقد بن عبد الله رحمه الله.(12/182)
أول دم أريق فِي الْإِسْلَام بعد الهجرة، وتوفي واقد فِي أول أيام عُمَر، وكان يكنى أَبَا سالم وقد ذكرناه فيما تقدم.
وقال أَبُو اليقظان: هُوَ واقد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أقرم بْن عَبْد مناف، وقع فِي الجاهلية إِلَى بني عدي، وكان عِداده مع بني الخطاب.
ومالك بْن خِطان بْن عاصم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة،
وطارق بْن دَيْسَق بْن عوف بْن عاصم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة الشاعر الَّذِي يقول:
إذا أنت جاورت امرأ السوء لم تزل ... غوائله تأتيك من حيث لا تدري
ومن بني عُبيد: عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث أَبُو مُلَيل، أسرته شَيْبَان فأسر عتيبة بسطاما مكانه فقال:
أبلغ سراة بني شَيْبَان مَألكةً [1] ... إني أبأت بعبد اللَّه بسطاما
وجرير بْن الكلحبة، وهي أمة، وهي من جرم قضاعة، وأبوه هبيرة بْن أقرم بْن حَثمة بْن مناف بْن عرين بْن ثَعْلَبَة، وهو من فرسان تميم فِي الجاهلية وجرير بْن الكلحة القائل:
فقلت لكأس ألجميها فَإِنَّمَا ... حللنا الكثيب من زرود [2] لنفزعا
ومنهم مالك ومتمم ابنا نويرة بْن جمرة بْن شداد بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة الشاعران،
كانا فيمن ارتد فقتلت خيل خَالِد مالكا يوم البطاح، ونجا متمم، فكان يرثيه، وكان الَّذِي قتل مالكًا ضرار بْن الأزور الأسدي من أصحاب خَالِد بْن الْوَلِيد، وقد ذكرنا خبره فِي كتابي الَّذِي ألفتُه فِي أمر البلدان. وَفِي هَذَا الكتاب أيضًا، وكان متمم أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وولاه صدقات
__________
[1] أي رسالة.
[2] زرود: رمال بين الثعلبية والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة. معجم البلدان.(12/183)
بني يربوع بْن حنظلة، فَلَمَّا قُبِضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلى ما كان فِي يده منَ الفرائض وقال: شأنكم بأموالكم. ويقال إنه ولاه صدقات جل بني حنظلة، وله شعر رثى به أخاه، منه قوله:
وكنا كندماني جذيمة حقبة ... منَ الدهر حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالِكًا ... بطول اجتماع لم نَبِتّ ليلة معا
وله ولعمر بْن الخطاب حديث قد كتبناه فِي خبر زَيْد بْن الخطاب، ونسب بني عدي.
وكان مالك يلقب الجفول لكثرة شعره، وهو فارس ذي الخمار، كان يُقَالُ لفرسه ذو الخمار، قال جرير:
عتيبة والأحيمر وابن قَيْس ... وعتَّابٌ وفارس ذي الخمار [1]
ومنهم صُرَد بْن جمرة الَّذِي سقاه أَبُو سراج الضَّبِّيّ المني فمات وقد ذكرنا حديثه فِي نسب بني ضبة بْن أد، وكانت بنو مالك بْن حنظلة والبراجم وعلى بني مالك الأقرع بْن حابس المجاشعي، وعلى البراجم أَبُو جُعل غزوا بَكْر بْن وائل، فَلَمَّا أشرفوا على سلمان نذروا بهم فانصرف القوم إِلَى زبالة، وذلك فِي القيظ، وبدرتهم بَكْر إليها، فسبقوهم وتلاقوا فأسرت بَكْر الأقرع بْن حابس أسره عِمْرَانَ بْن مرة أخو بني هند، وأسر جُعَل البرجمي، فقال ضرار بْن القعقاع يحضّ على الأقرع:
نبئتُ عِمْرَانَ بْن مرة أنه ... أناخ به فوق الكروم وما نزل
فلا يفلتنك العير حَتَّى تمده ... حبائله حولين تلك التي احتبل
__________
[1] ديوان جرير ص 148.(12/184)
فغضب حينئذ بنو يربوع فسار بهم صُرد بْن جمرة حَتَّى لقوهم بسلمان فاستنقذوا من أسروا وما أخذوا.
فأما الأقرع فيقال أنه فدّى نفسه وتخلص، ويقال إن بني يربوع تخلصوه فقال جرير يهجو بني مجاشع:
ويلكم يا قصبات الجوفان ... بئس الحماة يوم جوف سلمان
يوم تسدَّى أقرعيكم عِمْرَانَ [1]
وقال الفرزدق:
تمسح يربوع سبالًا لئيمة ... بها من منَّيِ العبد رطب ويابس [2]
فإذا مسح رَجُل لحيته وأحدهم يراه غضب.
ومنهم مَعْدان بْن عميرة بْن طارق بْن حَصَبَة بْن أزنم بْن عُبيد بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع.
وقِرواش بْن عوف بْن عاصم بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع صاحب داحس.
قال الكلبي: قال اليربوعيون: كَانَتْ جلوى أم داحس لقرواش بْن عوف [3] ، وكان أَبُوهُ ذو العُقال لحوط بْن أَبِي جَابِر أحد بني رياح بْن يربوع، فكان حوط لا يطرقه أحد، وأنهم احتملوا فِي نجعة والفحل مع ابنتين لحوط تقودانه فمرت به جَلوى وديقًا فَلَمَّا انتشاها ودى، فضحك شباب منهم فاستحيت الفتاتان، فأرسلتا مقوده فوثب عليها.
قال: ويقال أن امْرَأَة حوط كَانَتْ ترعى ذا العقال أبا داحس فنزلوا
__________
[1] ديوان جرير ص 487- 488 مع فوارق كبيرة.
[2] ليس بديوان الفرزدق المطبوع.
[3] أنساب الخيل لابن الكلبي- ط. القاهرة 1946 ص 34.(12/185)
على جَلوى عراضًا، فَلَمَّا جاء حوط وكان سيئ الخلق رَأَى عين فرسه فقال:
نازٍ والله، فأخبر الخبر فنادى بني رياح فاجتمعوا إليه فقالوا: والله ما استكرهناه ولا كان نزوه إلا عراضًا فَمَا تريد؟ قال: أريد ماء فرسي، قَالُوا: دونك. فأوثقها حوط ثُمَّ جعل فِي يده ترابًا وماء ثُمَّ سطا عليها فأدخل يده ثُمَّ أخرجها، فاشتملت الرحم على ما فيها، فنتجها قرواش مهرًا فسماه داحسًا لسطوة حوط عليها ودحسه إياها، وخرج داحس كأنه أَبُوهُ.
ثُمَّ إن قَيْس بْن زهير بْن جذيمة أغار على بني يربوع فغنم وسبى، وركب داحسًا فتيان من بني أزنم يُقَالُ لهما ثَعْلَبَة وعبيد ابنا الْحَارِث ونجوا عليه، فَلَمَّا رآه قَيْس بْن زهير تعجب منه وأعجب به فدعا إِلَى أن جعلاه فداء للسبي ففعلا، فصار داحس لقيس بْن زهير، فهذا قول بني يربوع.
وقالت بنو عبس: كان أَبُو داحس فرسًا لبني ضبة بْن أد، لأنيف بْن جبلة، وإنما سُمي ولده داحسًا لأن أمه كَانَتْ لرجل من بني يربوع، فسأل اليربوعي أنيفًا أن ينزيه على فرسه فأبى عليه الضَّبِّيّ فأخذه اليربوعي بعد ذلك فأنزاه عليها، فغضبت بنو ضبة وهَمُّوا باليربوعي فقال لهم: يا قوم خذوا نطفة فرسكم فسطا عليها رَجُل منهم فاكتسح ما فيها، وقد اشتملت رحمها فنتجت مهرًا سمي داحسًا لأنه دحس فِي رحم أمه، فقال اليربوعي واسمه مالك بْن الْحَارِث:
أنيف لقد بخلت بعسب فحلٍ ... على جار لضبة مستزاد
دحست جواده بالكف دحسا ... على ما فِي الجواد من الجواد
ثُمَّ إن صاحب داحس هلك وترك ابنين، فأغار قَيْس بْن زهير على بني(12/186)
يربوع فغنم منهم وسبى وصار إليه الغلامان وداحس فرسهما، ثُمَّ إنهما هربا ومضيا بداحس ففاتا زهيرًا، وكانت أم الغلامين فِي السبي، فَلَمَّا قدمت بنو يربوع للفداء أَبِي قَيْس أن يمضي شيئًا من ذلك أو يقبل لأحد فداء دون أن يردَّ عليه داحس.
ثُمَّ أن قيسًا أنزى داحسًا على فرس له فنتجت مهرة سماها الغبراء، وكان قَيْس خرج معتمرًا وهو فِي جوار بني بدر الفزاري، فوقع إليهم غلام يُقَالُ له جرو بْن الْحَارِث من بني ناشب بْن هدم بْن عوف بْن عود بْن غالب، وكان قد أضل بعيرًا له فقال له حذيفة: يا جرو، أخيل فزارة أكرم أم خيل عبس؟ قال: بل خيل عبس. قال حذيفة: كلاك والله. قال جرو: بلاك والله. قال له حذيفة: هَلْ لك أن أراهنك وأجعل لك خمسة من الإبل إن سبقتني وتجعل لي جزورين أن سبقتك؟ فحمل الغلام فراهنه فقال له: ما أنت وخيلنا وليس لك ولأبيك فرس. وجرت بين حذيفة وقيس بهذا السبب مماحكة حَتَّى تراهنا وكان ذلك سبب الشر بين عبس وذبيان.
وسنذكر أمورهم فِي مواضعها إن شاء اللَّه.
ومن بني الحُمرة بْن جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة: الأسود بْن أوس بْن حمرة
وكان الأسود أتى النجاشي ومعه امْرَأَة له وهي ابْنَة الْحَارِث أحد بني عاصم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة فقال للنجاشي: أفدني ما أستغني به فقال: لأعطينك شيئًا تستغني به فعلَّمه دواء للكلَب فَأَقْبَلَ حَتَّى إذا كان فِي بعض الطرقات مات وأوصى امرأته أن تزوج ابنه قدامة وأن تعلمه دواء الكلب ولا يخرج منهم إِلَى أحد فجاءت فتزوجته وعلمته دواء الكلب، فهم إِلَى اليوم ينتابون فِي ذلك، وداوى بعض ولده ابن فسوة من الكلب فبال مثل النمل فبرئ، وكان الَّذِي(12/187)
داواه ابن المحل بْن الأسود فقال:
لولا دواء ابن المحل وسَبيهِ ... هَرَرْتُ إذا ما الناس هَرَّ كليبها
واخرج بَعْدَ اللَّه أولاد زارع ... مؤلفة أكتافها وجنوبها
ورثى جرير عقبة بْن المحل بْن الأسود فقال:
يا عقب لا عقب لي فِي القوم أبصره ... من الأرامل والأيتام والجار
أمْ مَنْ لبابٍ إذا ما اشتد حاجبه ... أمْ مَن لخصمٍ بعيد الدار مغوار [1]
ومن بني حمرة: طُفيل بْن مرداس،
وكان طُفيل مع أَبِي الضُريس مَوْلَى بني ثَعْلَبَة أيام مصعب بْن الزبير، وأتوا أصبهان فأخرجوا عتاب بْن ورقاء منها، وولى طفيلًا شطر أصبهان من شق التيمرة ففي ذلك يقول أعشى همدان:
أتاك أَبُو الضريس يجر جيشًا ... إمارته وسلطان عظيم
وثعلبة بْن يربوع تسامى ... عليها البيض تبرق كالنجوم
وقال أَبُو اليقظان: كان شهاب جد عتيبة من بني كباس بْن جَعْفَر فارسًا يغير على بني حنيفة، فقال الشاعر:
لعمري لقد كان الرئيس ابن جَعْفَر ... شهاب على أَهْل القرى مثل تُبَّعِ
وقال لبيد:
يحمون محمود الأمور كأنهم ... فِي العز أسرة حاجب وشهاب [2]
وقال جرير فِي عرين بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع:
عَرَفْنَا جعفرًا وَبَنيْ عبيدٍ ... وأنكرنا زعانف آخرينا
__________
[1] ديوان جرير ص 181 مع فوارق كبيرة.
[2] ديوان لبيد ص 23 مع فوارق.(12/188)
عرين من عُرينة لَيس مِنَّا ... برئتُ إِلَى عُرينة من عَرينا [1]
وقال أَبُو اليقظان: ولد متمم بْن نويرة، ويكنى أَبَا نهشل: إِبْرَاهِيم.
وداود، وقال إِبْرَاهِيم فِي سَعِيد بْن العاص:
فدى لسعيد من أمِير وخلةٍ ... ردائي وَمَا ضمت عليه الأنامل
أتاني ورحلي باليمامة أَنَّهُ ... توفي والأخبار حق وباطل
فأصبحت لا أدري أحيُّ بغبطةٍ ... فأفرح أم غالتك بعدي الغوائل
وكان دَاوُد شاعرا، وهو القائل وقدم البصرة فجفاه بشر بْن مروان، فقال:
إن يَجْفِني بشر بْن مروان يكفني ... سَعِيد بْن عمروٍ إنه ابن سَعِيد
يعني سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الأشدق
فتى وجد الخيرات قَدْ قُدِّمَت لَهُ ... مساعي آباء له وجدود
ومن بني ثَعْلَبَة بْن يربوع: يزيد بْن القُحارية،
وهي أَمَة من أَهْل اليمن، وهو يزيد بْن سلمة قاتل عَبْد عمرو بْن بشر بْن مَرْثَد وكان القحارية فِي بني يربوع، ومعهم ضبة وأسد، فانهزموا وانهزم ابن القحارية فلحقه عمرو بْن حسان بْن بشر فطعنه وأسره فمات من جراحه.
وولد غُدانة بْن يربوع:
مالك بْن غُدانة، وثعلبة بْن غُدانة، وإهاب بْن غُدانة. ووهبان بْن غُدانة. وعبيد بْن غُدانة.
فولد مالك بْن غُدانة: عوف بْن مالك. وقطن بْن مالك. وكلب بْن مالك. ورياح بْن مالك. ومُخْدَج بن مالك.
__________
[1] ليسا في ديوانه المطبوع.(12/189)
وولد ثَعْلَبَة بْن غدانة: عَبْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة. وبدر بْن ثَعْلَبَة. وقرط بْن ثَعْلَبَة.
وولد منقذ بْن غدانة: الأحنف.
وولد أهاب بْن غدانة: عائشة.
وولد وهبان بْن غدانة: سَلَمَة.
فَمَنْ بني غدانة: وكيع بْن حسان بْن قَيْس بْن الأسود بْن كلب بْن عوف بْن مَالِك بْن غدانة [1] ،
وكان اسم غدانة فيما يُقَالُ أشرس. ووكيع الَّذِي وثب بقتيبة بْن مُسْلِم فقتله. وكان قُتَيْبَة مستوحشا من سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، وذلك لأنه سعى فِي بيعة عَبْد الْعَزِيز بْن الْوَلِيد فيمن سعى وأراد دفعها عن سُلَيْمَان، فَلَمَّا مات الْوَلِيد قام قُتَيْبَة فخطب الناس، فوقع فِي سُلَيْمَان، ودعا الناس إِلَى خلعه فلم يجيبوه، فشتم بني تميم وبكر بْن وائل والأزد، فأجمعوا على حربه، فطلبوا إِلَى حُضين بْن المنذر الرقاشي أن يتولى أمرهم فأبى ذلك وأشار عليهم بوكيع بْن أَبِي سود وقال: هَذَا أمر لا يقوى عليه غيره، لأنه أعرابي تطيعه عشيرته، وقد قتل قُتَيْبَة من قتل من آل الأهتم فسعوا إلى وكيع فبايعوه، وكان السفير بينه وبينهم حيان مَوْلَى مصقلة بْن هبيرة، فكان قُتَيْبَة يبعث إلى وكيع فيطلي رجله بمغرة ويقول: أَنَا عليل، ثُمَّ إنه دعا بفرسه وأخذ خمار أم ولده فعقده عَلَيْهِ، ولقيه رَجُل يُقَالُ له إدريس فقال له: يا أبا مطرف إنك تريد أمرًا وقد تخاف أمرًا قد أمنك اللَّه منه، والرجل فالله اللَّه. فقال وَكِيع: هَذَا إدريس رَسُول إبليس، أقتيبةُ يؤمنني؟
والله لا آتيه حَتَّى أوتى برأسه. ودلف نحو فسطاط قُتَيْبَة وتلاحق الناس به
__________
[1] بهامش الأصل: يعرف وكيع، بابن أبي سود.(12/190)
وقتيبة فِي أَهْل بيته وقوم وفوا له، فوثبوا عليه فقتلوه، والثبت أن عمود فسطاط قُتَيْبَة وقع على هامته فقتله، وأخذ رأس قُتَيْبَة سَعِيد بْن نجد الْأَزْدِيّ وامتنع من دفع الرأس إلى وكيع فصعد المنبر فقال: أي يوم لم أُرِعْ ولم أُرَعْ.
ثُمَّ نصب خشبا وقال: هذه مراكب لا بد لها من فرسان، وهم الأزد، فأتي بالرأس فبعث به إِلَى سُلَيْمَان مع رَجُل من بني حنيفة.
وحدثني المدائني أن وكيعا شهد عند إياس بْن مُعَاوِيَة فقال له مُعَاوِيَة [1] : يا أَبَا مطرف إنما يشهد الْعَوَّام والتجار وليس يشهد مثلك من الأشراف فقال: صدقت وانصرف فَقِيل له: إنه لم يقبل شهادتك وإنما خدعك فقال: لو علمت لحبجته بالعصا.
ولما احتضر وكيع بعث إليه عدي بْن أرطاة من يعوده فقال له رسوله:
الأمير يقرئك السلام، فقال: أَنَا والله الأمير ولكني مظلوم، فقال له: يقول لك كيف تجدك؟ قال: أجدني وثابًا على العتب. فلم يبلغ الرَّسُول عديًا حَتَّى سمعت الواعية على وكيع.
وحدثني المدائني عن ابن الْمُبَارَك عن جويرية عن ربيعة بْن أَبِي عَبْد الرَّحْمَن أنه قال: إنكم لتسودون من لا يستحق ذلك.
حَدَّثَنِي إياس بْن مُعَاوِيَة قال: قال لي وكيع بْن أَبِي سود: ألا تخبرني عن مُحَمَّد رسول اللَّه من أي قريش هُوَ؟ وقال وكيع لبنيه: يا بني إن قومًا يأتونكم إذا مِتُّ، وقد عَرّضوا نعالهم، وسوَّدوا جباههم، وقصرَّوا ثيابهم، يقولون إن على أبيكم دينًا فاقضوه فلا تفعلوا فَإِن لأبيكم ذنوبًا كلها أعظم من الدين فَمَا أحسن حال أبيكم إن بُلغ به إِلَى الدين، وفيه يقول الفرزدق:
__________
[1] تقدم هذا الخبر، وكان على المصنف أن يقول: «اياس» .(12/191)
ومنا الَّذِي سلَّ السيوف وشامها ... عشية باب القصر من فرغان
عشية لم تستر هوازن عامر ... ولا غطفان عورة ابن دخان [1]
وله يقول الفرزدق أيضًا:
فمات ولم يوتر وما من قبيلة ... من الناس إلا قد أبات على وتر [2]
قَالُوا: وكتب الحجاج إلى قُتَيْبَة: إنه لن يبق بخراسان حمار ينهق غير وكيع بْن أَبِي سود، فإذا أتاك كتابي فاضرب عنقه. فكتب إليه: إنه ليس بخراسان رَجُل أعظم غناء منه فِي محاربة العدو. فكتب إليه أنه ليس بوكيع بْن أَبِي سود. ولكنه وكيع بْن حسان، لص من أَهْل سجستان فإذا جاءك كتابي فَحُلَّ لواءه وقوض بناءَه. وكان وكيع شهد مع قُتَيْبَة قتال الترك فقال له: يا أَبَا مطرف إنما مَثَلُك اليوم مَثَلُ الدرع الحصينة التي يحتاج إليها فِي يومها، وهذا يومك، فحمل وحملوا فانهزم الترك.
وعزل قُتَيْبَة وكيعًا عن الرئاسة، وولاها ضرار بْن حصين الضَّبِّيّ، فكتب يزيد بْن عمير الأسدي إِلَى قُتَيْبَة: إنك عزلت السباع واستعملت الضباع.
وعلا وكيع بْن أَبِي سود المنبر فقال: أَبِي تتمرسون [3] .
...
من ينك العير ينك نياكا
ثم نزل.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 331- 332، وابن دخان قتيبة لأنه من باهلة.
[2] ديوان الفرزدق ج 1 ص 202.
[3] بتاريخ الطبري- ط. دار المعارف ج 6 ص 517: «مثلي ومثل قتيبة كما قال الأول: «من ينك العير بنك نياكا» ، أراد قتيبة أن يقتلني وأنا قتال.(12/192)
وولد وكيع: مُحَمَّد بْن وكيع لأم ولد وقد ولي شرط البصرة ولا عقب له.
وذكروا أن وكيعًا ركب حمارًا لبني هِفان من بني غُدانة فجاء رَجُل من بني هفان يُقَالُ له طعمة فضرب وكيعًا، فبلغ ذلك خاله وهو من بني غُدانة، وكان بالبادية فجاء حَتَّى لقي طعمة فشجه شجات، فطولب بأرشها فأعطاهم الأرش.
وقال أَبُو اليقظان: وكان من بني غُدانة رَجُل يُقَالُ له عطية، ويكنى أَبَا علافة كان ينزل مكة، فتزوج عاتكة بِنْت الْحَارِث بْن أمية الأصغر، فولدت له عَبْد اللَّه وكان شاعرًا، وهو القائل:
وخالي ابن عبلة إذ وارى لحومكم ... بالغوطتين وأنتم غير أبرار
جدي قصي فلن يلقى لكم شبهًا ... مثل النجوم أضاءت ليلة الساري
وله عقب بالبصرة.
ومن بني غُدانة: الرَّبِيع بْن عمرو الأجذم
ولي قتال الأزارقة بعد ابن عبيس فقتل.
ومن بني غدانة: عطية بن جعال بن مجمع بن قطن بْن مالك بْن غُدانة
الَّذِي يقول فِيهِ الفرزدق:
أَبَني غدانة إنني حررتُكُم ... فوهبتكم لعطية بْن جعال
لولا عطية لاجتدعتُ أنوفكم ... من بين ألأم أعين وسبال [1]
فقال عطية: والله ما وهبهم أَبُو فراس لي.
ولعطية عقب بالبادية وبالبصرة وهو القائل:
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 162.(12/193)
رأيتُ المنايا بادياتٍ وَعُوَّدَا ... إِلَى دارنا سهلًا إلينا طريقها
لنا نبعة كَانَتْ تقينا فروعها ... فقد قلعت إلا قليلًا عروقها
وأُحرق ذرَّاع أخوه مع ابن الْحَضْرَمِيّ يوم دار سنبيل بالبصرة، وقد ذكرنا خبر هَذِهِ الدار، وكان عطية يكنى أَبَا الخثماء، وكان شريفًا وفيه يقول جرير بْن عطية:
إنَّ الجواد على المواطن كلها ... وابن الجواد عطية بْن جعال
يَهَبُ النجائب لا يمل عطاءهُ ... والمقربات كأنهنَّ سَعَالي [1]
وكان عطية يهاجي حارثة بْن بدر، فغلب عطية حارثة.
ومن بني غدانة: لعكمص،
وكان شاعرًا يهاجي حارثة بْن بدر، وكان بنو سليط يروون شعرًا لعكمص، فقال حارثة يهجوهم:
أراويةٌ عليَّ بنو سليط ... هجاء الناس يال بني سليط
فَمَا لحمي فتأكله سليط ... شبيهٌ بالذكيِّ ولا العبيط
وللعكمص مسجد بالبصرة فِي بني غدانة، ولا عقب له.
ومنهم: حارثة وذرّاع ابنا بدر بْن حصين بْن قطن بْن مالك بْن غدانة،
وكان حارثة شاعرًا، وكان صديقًا لزياد، فرآه يومًا وبوجهه أثر فقال له: يا أبا العنبس ما هَذَا الأثر بوجهك؟ قال: ركبتُ فرسي الكميت فاعترم بي فسقطت عَنْهُ، فقال: أما لو ركبت الأشهب لسبلت، يعني الماء. وكان حارثة يسامر زيادًا ويحدثه فكان زياد يقول: حارثة جليسي مذ كذا ما أسقط عندي سقطة، ولا رَأَيْت منه زلة، ولا ذكر أحدا بسوء،
__________
[1] ديوان جرير ص 348 مع فوارق كبيرة.(12/194)
ومسايري مذ كذا ما مسَّ ركابه ركابي قط، ومُساودي [1] مذ كذا ما أظهر لي سرًا قط: وقال فِيهِ رَجُل من بني كليب:
شهدت بأن حارثة بن بدر ... غدانيَّ اللهازم والكلام
وسجحة فِي كتاب اللَّه أدنى ... له من نوفل با بني هشام
وكان حَوَّل ديوانه إِلَى قريش، وترك قومه. قوله سجحة يعني سجاح، ويعني بنوفل نوفل بْن عَبْد مناف، وابني هشام بْن مخزوم.
واستعمل زياد حارثة على سُرَّق من الأهواز، فشيعه الناس ومعه أَبُو الأسود الدولي، فَلَمَّا انصرف عَنْهُ مشيعوه قال له أَبُو الأسود:
أحار بْن بدر قَدْ ولِيتَ أمارة ... فكُنْ جُرَذًا فيها تَخُونُ وتَسْرِقُ
فإنَّ جميع الناس إما مُكذب ... يقول بما يهوى وإما مصدق
يقولون أقوالا بظن وشبهة ... فَإِن قيل هاتوا حققوا لم يحققوا
ولا تعجزنْ فالعجز أسوأ مركب ... فحظك من مال العراقين سُرَّقُ [2]
فقال حارثة:
جزاك إله الناس خير جزائه ... فقد قلت معروفًا وأوصيت كافيا
وقال أَبُو اليقظان: كان من ولد عاصم بْن عُبَيْد اللَّه بْن ثَعْلَبَة أَبُو مُلَيل عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث، أسره بسطام بْن قَيْس فأسر عتيبة به بسطاما وقال:
أبلغ سراة بني شَيْبَان مألكةً ... أَنَا أبأنا بعبد اللَّه بسطاما [3]
وهو عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن عاصم بْن عُبَيْد اللَّه بْن ثعلبة بن يربوع،
__________
[1] بهامش الأصل: خ- ومساوري.
[2] ديوان أبي الأسود ص 243 مع فوارق.
[3] تقدم هذا في ص 183.(12/195)
وكان أَبُو مُلَيل وحنظلة بْن بشر بْن عمرو بْن عمرو بْن عُدس، وعبد عمرو بْن شَيْبَان بْن وعلة بْن عوف بْن جارية بْن سليط أسروا الحوفزان يوم الصمْد صَمد طلح، فتخاصموا فِيهِ، فقال الحوفزان: حكمَّوني. ففعلوا فأعطى أَبَا مليل مائة من الإبل، وأعطى عَبْد عمرو مائة من الإبل، وجعل ناصيته لحنظلة بْن بشر، ويقال لهذا اليوم أيضًا يوم ذي طلوح، وهو أيضًا يوم غزت فِيهِ بَكْر بني يربوع، ومعهم قوم من بني تميم، فأنذرهم بهم عميرة بْن طارق بْن خصبة، وكان بجير بْن أَبِي مليل قتل يوم قُشاوة.
وكان خبر يوم قُشاوَة [1]
أن بني شَيْبَان ورئيسهم بسطام بْن قَيْس أغاروا فأخذوا نَعَمَ حجير وشعير ابني سُفْيَان بْن حارثة بْن سليط، فتداركهم فوارس من بني عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة بْن يربوع: مالك بْن حطان بْن عوف بْن عاصم، والأحيمر، وهو ابن الحرمية حُرَيْث بْن عَبْد اللَّه، وأبو مُليل عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث، وبجير بْن أَبِي مُليل، فاقتتلوا فقُتل بُجير وجُرح مالك بْن حِطان وطُعن الأحيمر فخرق بالقنا ونجا، وأسر أَبُو مُليل فكان عند بسطام أسيرًا ما شاء اللَّه فكان إذا أُتي بطعام لم يأكله فقال بسطام: أخاف أن يموت هَذَا فتسبنا به العرب فخلاه وأوثقه [2] ألا يطلب بدماء أصحابه، وقال له:
هَلْ يوفي مُليل ببجير؟ قال: نعم. قال: فهو به، فدفعه إليه، وكان مُليل خرج يطلب إبلًا له فأخذه بنو شَيْبَان قبل ذلك بحول وأبوه لا يعلم مكانه، ويظنه ميتًا، وقال للأحيمر: لك بمالك بْن حطان مائة من الإبل، فتعاقدوا على ذلك، فعاش حُرَيْث الأحيمر حَتَّى هلك فِي أيام عُثْمَان، ومات
__________
[1] بهامش الأصل: يوم قشاوة.
[2] بهامش الأصل: وواثقة.(12/196)
مالك بْن حطان بعد سنة من جراحته، ويقال بل مات فِي أيامه. ومالك الَّذِي يقول:
ولو شهدتني من عُبَيْد عصابة ... كرام لخاضوا الموت حيث أنازل
فَمَا بين من هاب المنية منكم ... ولا بيننا إلا ليال قلائل
واعتذرت سليط فقال مالك بْن نويرة:
لحي اللَّه الفوارس من سليط ... خصوصًا أنهم سلموا وآبوا
أجئتم تبتغون الغدر عندي ... ولم يُخرق لكم فيها إهاب
وقال جرير:
بئس الفوارس يوم نَعْف قُشاوة ... والخيل عادية على بسطام
تركوا الأحيمر يوم خرقه القنا ... ان المحامي يوم ذاك محام [1]
وكان أَبُو عبيدة يقول: أسروا مُليلًا وأبا مُليل يوم قشاوة، وقول الكلبي أثبت.
قال: وكان مالك بْن حِطان اليربوعي ثُمَّ العبيدي فارسًا شاعرًا.
وقال أَبُو اليقظان: ومن بني عاصم بْن عُبَيْد: طارق بْن دَيْسَق بْن عوف وكان شريفًا، وكان يبغي على بني جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة، فقال سحيم بْن وثيل وهو يهجو وزر بْن ضرار بْن عتيبة:
سأحقر ذا الخرطوم من أن أسبَّهُ ... على أن ذا الخرطوم فِي الحيّ بكوس
أإن رفعت عنكم جفان ابن داحس ... وكان لكم فِي باحة الحي مجلس
ألفْتَ بني سيف وقد كنتَ قبلها ... تحُزُّ كما حزَّ المتيح المضرس
بنو سيف من سليط كان قد حالفهم.
__________
[1] ديوان جرير ص 494.(12/197)
قال ومن بني ضباري: عَبْد اللَّه بْن حصن ويكنى أَبَا الشعثاء كان على شرطة زياد، وعبيد اللَّه بْن زياد، وإليه نسبت مقبرة ابن حصن بالبصرة.
وقال فِيهِ الشمردل يرثيه:
إن تفريا يا بنتي حصن وجوهكما ... إلى النحور فقد شواكما [1] القدر
قُوما فَعُدَّا عليه من فضائله ... قولًا يصدّقه البادون والحضر
ولا عقب له.
ومن بني ضباري بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة: الشمردل بْن شريك، ويقال له ابن الخريطة وذلك أنه أخذ وهو صبي فجُعل فِي خريطة فَسُبَّ بِذَلِك، وكان شاعرًا. وهجا رجلا من بني تميم يُقَالُ له زين فقال:
يا زين يا بن مخاضٍ خُلَّ من لَهج ... ألم تَخَفِنْي إذا شمرت عن ساقي
يقول من لهج بالرضاع خلّ ليلا يرضع، فقال زين:
يا بن الخريطة ما فُرِّقْت من فَرَقٍ ... وإن كشفت عن العرقوب والساق
وقال أَبُو اليقظان: غلب على ولد حبيش عُبَيْد، وغيره يقول حُبسى اسم أمهم، واسمها بهان وهي من بني سعد بْن زَيْد مناة وفيها يقول القائل:
ألا قَالَتْ بهان ولم تَأَنَّقْ ... نَعِمْتَ وما يليط بِكَ النعيم
بنونَ وهَجْمَة كَشَّاءَ بَشُّ ... صفايا كثَّة الأوبار كوم
تبكّ الحوض علّاها ونهلى ... وخلف مدادها عطن منيم
إذا اصطكّت تضايق حُجرتاها ... يلاقي العَسْجَديَّةُ واللطيم
وقال المفضل: هَذِهِ الأبيات لعامان بْن كعب بْن عمرو بن سعد،
__________
[1] بهامش الأصل: سواكما.(12/198)
وكان ولد بهان كثيرًا، فقتلهم خَالِد بْن الْوَلِيد يوم البعوضة والبطاح فِي الردة.
وكان منهم بذل بْن نُعيم، وكان شجاعًا فارسًا ولاه عدي بْن أرطاة حرس ناحية الأزد بالبصرة، حين قدمها يزيد بْن المهلب.
وولد العنبر بْن يربوع:
أسامة بْن العنبر. ومالك بْن العنبر، وأمهما خنساء بِنْت مُجَعَّر بْن كعب بْن العنبر بْن عُمَرو.
فولد أسامة: حِقّ بْن أسامة. وخالد بْن أسامة. ومالك بْن أسامة.
ومنهم سجاح التي تنبت وكانت تسمى بِنْت صادر، ويقال هِيَ سجاح بِنْت أوس بْن حق بْن أسامة، وهي امْرَأَة مسيلمة الكذاب، وكان يُقَالُ لولد العنبر: بنو الحرام بْن يربوع نسبوا إِلَى أم العنبر، وهي الحرام بِنْت يزيد بْن نشبة بْن العنبر بْن عمرو بْن تميم.
فولد خَالِد بْن أسامة: سُوَيْد بْن خَالِد.
فولد سُوَيْد: عقفان بْن سُوَيْد، حي بالكوفة. وغُصين ويقال حصين بن سويد.
وولد مالك بْن العنبر بْن يربوع: وضين بْن مالك.
فولد وضين نفرًا درجوا، غير سنان. والمسيب ابني حذيفة.
والفاخر بْن مُحَمَّد بْن عَلوان بْن أوس بْن شقيق بْن زياد بْن عقفان بْن سُوَيْد. وعَلوان بْن غسان بْن عَلوان بْن أوس بْن شقيق، لهم شرف بأصبهان، وعدد.
وقال أَبُو اليقظان: من بني عُقفان: بشر. وشقيق. وذريح، وكانوا مع عتاب بْن ورقاء بالري، فقاتلوا معه، وكان عتَّاب على الري وأصبهان،(12/199)
فبعث مصعب بْن الزبير أَبَا الضُرَيس، مَوْلَى بَنِي عَاصِم بْن عبيد بْن ثعلبة بْن يربوع فأخذها، وطرد عتابًا عَنْهَا. ولهم يقول جرير:
هلا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عقفان [1]
قال: ومن بني عُقفان: عَبْد اللَّه بْن علوان كان له قدر ونبل بهمذان.
ومنهم: عُبَيْد بْن أَبِي سبيع أبو مالك. ومودود ابنا أَبِي سيع، وكان عُبَيْد العامل فِي أمر ابن الأشعث والداخل بين الحجاج ورتبيل حَتَّى سلمه عُبَيْد إلى رسل الحجاج.
وولد الْحَارِث بْن يربوع:
سليط بْن الْحَارِث، واسم سليط كعب بْن الْحَارِث وسمي سليطًا لسلاطة لسانه. وضباب أَهْل بيت فِي بني سليط.
فولد سليط: جارية بْن سليط. وزبيد بْن سليط. وعبد اللَّه بْن سليط. وعفيف بْن سليط. وضباب بْن سليط. منهم أسيد بْن حِناءة بْن حذيفة بْن زبيد بين ضباب بْن سليط وكان من أفرس الناس وأشدهم، وكان يشهد الغارات والوقائع مع عتيبة وغيره وأُسر يوم الصَّرائم [2]- وهو يوم الحرق- الحكم بن مروان العبسي.
[يوم الغبيط]
وخرج الحوفزان وبسطام وهانئ بْن قبيصة متساندين يريدون بني يربوع حَتَّى صاروا إِلَى هضبة الحصى بين الغبيطين، وهما واديان يُقَالُ لهما:
أفاق، وأفيق، فرأوا إبلًا فأرسلوا من جاءهم بها فقال بسطام لراعيها: أنت مِطَوح بْن الحيَّة بْن قرط بْن عاصم بْن عُبَيْد بْن ثَعْلَبَة؟ قال: نعم. فقال:
دُلَّني. قال: إذا جعلت لي الأمان دللتك، فجعل له الأمان على نفسه وإبله
__________
[1] ديوان جرير ص 471.
[2] الصرائم: موضع كانت فيه وقعة بين تميم وعبس. معجم البلدان.(12/200)
فسأله بسطام عما أراد فَأَخْبَرَه بمكان سَرْحٍ سَرْح، وبمجتمع قوم قوم، فقال بسطام: يا بني شَيْبَان أطيعوني وأغيروا من أول الليل. فقال له هانئ بْن قبيصة: يا أَبَا الصهباء انتفخ سحرك [1] لأن عتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب قد هلك بعيره بأسر عتيبة إياه، فقال بسطام: أما إذ عصيتني فأيقن بطعنٍ ينسيك الغنيمة، وأصبحوا فنهضوا من هضبة الحصى يريدون سواد بني يربوع الأعظم، وكانوا بني زبيد رهط أسيد بْن حناءة وغيرهم وركب أسيد فواقفهم وقال: من أنتم؟ قال بسطام: أَنَا بسطام، وقال هانئ: أَنَا هانئ، وقال الحوفزان: أَنَا الحوفزان، وقال مَفْروق: أَنَا مفروق ثُمَّ قَالُوا لأسيد: من أنت؟ قال: أَنَا أسيد بْن حناءة فانكفأوا إِلَى النهب والسبي ونادي أسيد: يا سوء صباحاه، وركض إِلَى بني يربوع ينذرهم ويرسل إِلَى من لم يحضر منهم وتلاقوا فحمل بعضهم على بعض، وقُتل عمارة بْن عتيبة، قتله رَجُل يُقَالُ له فُقْحل، فحمل قعنب بْن عصمة على قاتله فطعنه فدقَّ صلبه فمات فقحل وكثرت الأمداد من بني يربوع، فَلَمَّا رأتهم بَكْر لحق آخرهم بأولهم ليجتمعوا ثُمَّ عطف فارس منهم على عفاق بْن عَبْد اللَّه بْن أَبِي مليل فقتله، فلحق قعنب الرجل فأسره، وأتى به أَبَا مليل فضرب عنقه، وحمل أسيد وقعنب على مفروق فطعناه فمات فِي بني يربوع، وانهزمت بَكْر بْن وائل، ولم يكن لبني يربوع هَمُّ غير بسطام فركض عليه الأحيمر وهو حُرَيْث بْن عَبْد اللَّه ليقتله ببجير بْن أَبِي مليل، وكان قتل يوم قُشاوة وبدم عفاق بْن أَبِي مليل بْن الْحَارِث، وركض عليه الحليس بن عتيبة، فلم يقدروا عليه.
__________
[1] انتفخ سحره: عدا طوره، وجاوز قدره. القاموس.(12/201)
ويقال إن الأحيمر طعن بسطامًا وأسر يومئذ الدَعّاء بْن قَيْس أخو مفروق، أسره أسيد بْن حناءة، وأُسر أحيمر أسره الضريس بْن مسعدة البكري، وأُسر الْعَوَّام بْن عَبْد عمرو الشيباني، أسره عتوه بْن أرقم بْن نويرة، واستنقذوا النهب والسبي.
قال الشاعر وهو متمم بْن نويرة، أو مالك أخوه:
لعمري لنعم الحي أفزع غدوة ... أسيد وقد جاء الصريخ المصدق
دعا دعوة أَهْل الغبيط وقد رَأَى ... شماطيط من خيل يثوب ويلحق
رَأَى غارة تحوي السوام [1] كأنها ... سحين [2] أجراد سابح متورق
وأسر يومئذ هانئ بْن قبيصة ويقال إنه لم يؤسر، وهذا اليوم سمي يوم الغبيط، غير غبيط المدرة، وهو العظالي لأنهم تعاظلوا، ويوم الهضبة.
وأصل التعاظل من تعاظل [3] الكلاب، وقال الشاعر:
قبح الإله عصابة من وائل ... يوم الإفاقة أسلموا بسطاما
خَلَّى غنيمته ونَجَّى نفسه ... ولكان يعرف قبلها أياما
وقال أيضًا:
وفر أَبُو الصهباء إذ حمس الوغى ... وألقى بأبدان السلاح وسلَّما
ولو أن بسطامًا أطيع برأيه ... لأدَّى إِلَى الأحياء بالحنو مغنما
__________
[1] السوام: الإبل الراعية. القاموس.
[2] السحنة: اللون- والمساحنة: الملاقاة، ويوم سحن: يوم جمع كثير. القاموس.
وعجز البيت الأخير مضطرب الوزن.
[3] عظلت الكلاب: ركب بعضها بعضا، والعظال: الملازمة في السفاد من الكلاب والجراد. القاموس.(12/202)
ولكن مفروق القفا وابن عمه ... ألاما [1] فِي الثياب وساءما [2]
فلو أنها عصفورة لحسبتها ... مسومة تدعو عبيدًا وأزنما
وقال متمم بن نويرة:
فلو أن البكاء يرد شيئًا ... بكيت على بجير أو عفاق
ومن ولد أُسيد بْن حناءة: عتيبة بْن أُسَيْد، وكان أغار على بني طهية فِي الْإِسْلَام فأخذ لهم ذودًا [3] ، فقال أبو ذؤيب الطهوي:
لعمري لقد أضحى عتيبة مجمعًا ... على أمر سوء فِيهِ إثم ومغرم
فإنك منها بين شيئين منهما ... مراس القنا يعلو سوافلها الدم
وبين يدٍ فيها ذراع قصيرة ... لها ساعد قد فَلَّها السيف أجذم
فوثب به ذؤيب فضربه بالسيف فقطع يمينه، فتحاكموا إِلَى ابن المحل الجعفري فضمن لأبي ذؤيب إبله وأرضى عتيبة بْن أسيد من يده، وقال ابن المحل:
إن يك ذود قد أصيب فإنني ... حبوتكما ذودًا به غير أحربا
وكان منهم رَجُل يُقَالُ له عُنقوش قتله رَجُل من بني عبس، ثُمَّ أحد بني جذم بْن جذيمة فأكرههم الْوَلِيد بْن عَبْد الملك على أَخَذَ الدية لأنهم أخواله فأخذها بنو زُبيد، ثُمَّ إن رجلًا منهم يكنى أَبَا الخنساء شد على رَجُل من بني جذيمة فقتله، فخرجت بنو زُبيد من البادية خوفًا لجريرته، فلحقوا بالجزيرة فقال غسان السليطي:
__________
[1] لأمه: السهم جعل عليه ريشا، والملأم: المدرع.
[2] سامت الإبل أو الريح: مرت واستمرت. القاموس وعجز البيت الثالث مضطرب الوزن.
[3] الذود: ما بين ثلاثة أبعرة إلى العشرة. أو خمس عشرة أو عشرين، أو ثلاثين. القاموس.(12/203)
فدى لأبي الخنساء رحلي وناقتي ... إذا ذُكرت أخباره بالمواسم
سقيتُ الغلام الجذيميَّ صفيحة ... بمقتل عنقوش غداة الصرَّائم
إذا هَزَّ قضبان الحديد وجُرِّدَتْ ... بأيدي زبيد نكّلَتْ كل ظالم
وإن دماء الحنظليين لم تكن ... تباع إذا بيع المخاض العلاجم
ومنهم ثُمامة بْن سيف بْن جارية بْن سليط، الَّذِي عقد الحلف بين بني يربوع، وأم ثمامة من بني مالك بن عمرو من طيّئ.
ومنهم: المساور بْن رباب وكان جوادًا وكان محالفًا لبني شَيْبَان، وفيه يقول أعشى بني أَبِي ربيعة:
لا يجاوز إِلَى فتى يعتفيه ... حين يلقى المساور بْن رئاب
وقتله الحجاج بْن يوسف فيمن قتل مِمَّنْ خرج عليه وفيه يقول جرير بْن عطية:
وغريبنا قد ساد حَتَّى وائل ... يعطي الجزيل مساور بْن رئاب [1]
ومنهم سُلَيْمَان بْن حبيب ولي كرمان.
والزبير بْن الماحوز، وأخوه عُثْمَان الخارجيان وقد كتبنا أخبار بني الماحوز.
ومن بني سليط: حارثة بْن بدر بْن ربيعة بْن بدر بْن سيف بْن جارية بْن سليط الَّذِي كان يقاتل الخوارج وهو يقول:
كرنبوا ودولبوا ... وحيث شئتم فاذهبوا
فقد أتى المهلب
__________
[1] ديوان جرير ص 52 مع فوارق كبيرة.(12/204)
وهذه رواية هشام ابن الكلبي. وغيره يزعم أن الَّذِي قال هَذَا القول حارثة بْن بدر الغُداني.
ومن بني سليط بْن سليط بْن الْحَارِث بْن يربوع: النطف بْن الخيبري،
واسمه حطان، وإنما سمي النطف لأنه كان فقيرًا، وكان يحمل الماء على ظهره فيقطر الماء فيقول: نطفت القربة وقربتي نطفة.
وكان باذام عامل كسرى باليمن بعث إليه بعير عظيمة تحمل الثياب والعنبر، وكان فيها خرجان فيهما مناطق ذهب وجوهر نفيس، فَلَمَّا كَانَتِ العير بنطاع، ويقال بحمض [1] تداعى إليها بنو تميم، فدعا صعصعة بْن ناجية بْن عقال قومه وشجعهم على أخذها، فشدوا على اللطيمة فانتهبوها بعد قتال لمن عليها، وذلك فِي يوم حَمض ووقع فِي يد النطف خرج فِيهِ جوهر وعنبر، فضربت العرب به المثل فقالوا: أصاب غنم النطف وقد أصاب خرج النطف، ولم يزل النطف يومئذٍ يعطي منذ صار إليه حَتَّى غابت الشمس فقال ابنه:
أَبِي النطف المباري الشمس إني ... عريق فِي السماحة والمعالي
ومن سليط: غسان بْن زهير، وكان شاعرًا وكان يهاجي جريرًا، وهو الَّذِي يقول لجرير:
لعمري لئن كَانَتْ بجيلةُ زانها ... جرير لقد أخزى كليبًا جرير ها
وولد عمرو بْن يربوع:
منذر بْن عمرو. وعُوافه بْن عمرو.
وضمضم بْن عمرو. منهم جناب بن مصاد بن مرارة الذي طال عمره
__________
[1] نطاع: ماءة في بلاد تميم، وهي ركية عذبة الماء غزيرة. ووادي حمض قريب من اليمامة.
معجم البلدان.(12/205)
فقال:
إن جناب بْن مَصَادٍ قد ذهب ... أدرك من طول الحياة ما طلب
ومنهم ربيعة بْن غِسل- وبعض البصريين يخالف ابن الكلبي فيقول:
عِسل بعين غير معجمة- ولي هراة فِي أيام مُعَاوِيَة ويقال إن مُعَاوِيَة ولاه إياها فقال الشاعر:
نادى ابن غسل بني عمرو بْن يربوع ... إِلَى هراة وداعي الخير متبوع
فقرَّطَ الخيل [1] من بلخ أَعنَّتَها ... مستمسك بنواصيها ومصروع
وقال أَبُو اليقظان: كان ربيعة بْن غسل شهد يوم الجمل مع عَائِشَة، فأتي به علي أسيرا فقام رَجُل من طي فقال: دعني أضرب عنقه فأبى ذلك عليُّ، ومنَّ عليه فأتى مُعَاوِيَة. فَلَمَّا ولي مُعَاوِيَة سَعِيد بْن عُثْمَان خراسان صحبة فولاه هراة وكان ربيعة خطب إِلَى مُعَاوِيَة ابنه له وذلك من جنائه ونَوْكِهِ، فدعا له مُعَاوِيَة بشربةٍ من سويق فقال: أحسبك جائعًا، وقال:
هَذَا حظك من الخطبة، فقال ابن له: أَبِي الَّذِي خطب إِلَى مُعَاوِيَة. فَقِيل له: أفزوجه؟ قال: لا. قال فَمَا صنع أبوك شيئًا.
وكان من بني غسل رَجُل يُقَالُ له عُبَيْد اللَّه بْن كليب، ولاه يوسف بْن عُمَر عملًا فَقِيل له: استخر ربك فقال: طال ما استخرت ربي فلم أصب عملًا، فعذَّبه يوسف حين عزله حَتَّى قتله.
ومن بني عمرو بْن يربوع ثُمَّ من بني غسل: أَبُو جُوَالق كان شجاعًا، وخرج مع ابن الأشعث، وفيه يقول الراجز:
__________
[1] أي ألجمها. القاموس.(12/206)
سبعون ألفًا كلهم مُفارق ... مثل الحريش وأبي جوالق
موعدهم بلعلعٍ وبارق
الحريش بْن هلال القريعي، وقاتل أَبُو جوالق الوضِين الشامي، وكان فِي مقدمة الحجاج وكان أَبُو جُوالق فِي مقدمة عطية بْن عمرو العنبري، صاحب مقدمة ابن الأشعث، فقتل أَبُو جُوالق وضينًا فقال الشاعر:
ألهي وضينا ذلك الشامي ... عن الشواء وعن القلي
طعنة واري الزند حنظلي
ومن بني ضمضم بْن عمرو بْن يربوع:
سعد الرابية، وهو سعد بْن شداد، وكان يُتقى لسانه، وكان الأمراء يستخفُّونه، وكان قبل ذلك معلمًا يعلم النحو، وأخذه عن أَبِي الأسود الديلي وفيه يقول الفرزدق:
إني لأبغض سعدا أن أجاوره ... ولن أحبَّ بني عمرو بْن يربوع
قوم إذا اعتصبوا لم يخشهم أحد ... والجار فيهم ذليل غير ممنوع [1]
وقال أَبُو اليقظان: إنما قيل الرابية لأنه كان معلمًا برابية بني تميم فِي الضاحية، وكان عُبَيْد اللَّه بْن زياد طلب غلامًا مولدًا ليشتريه، فقال سعد الرابية: قد أصبته لك هُوَ عندي فانطلق إِلَى ابن له يُقَالُ له يَعْلَى، فقال له: يا بنيَّ إني انطلق بك فأبيعك من الأمير، فإذا أخذت ثمنك، وعلمت أني قد وصلت إِلَى البيت فابك عليهم وقل أَنَا ابنه، فباعه بألف درهم، فَلَمَّا قبض الدراهم، ورجع إِلَى أهله بكى الغلام وقال: أَنَا ابن سعد. فدعا سعدًا فقال له: ويحك إن هَذَا الغلام يزعم أنه ابنك؟ قال: صدق.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 426 مع فوارق.(12/207)
قال: فتبيعنا ابنك؟ قال: فكيف آخذ منكم الدراهم إلّا بأشباه هَذَا، فضحك ورد عليه ابنه وترك له الدراهم.
وهرب سعد من الطاعون الجارف بالبصرة إِلَى بلاد بني يربوع فمات بها وله بالبصرة عقب، وكان يومًا عند زياد، ويقال عند عُبَيْد اللَّه بْن زياد، فاختصم قوم من الطفاوة، وقوم من بني راسب فِي رَجُل فقال هؤلاء: هُوَ مولانا، وقال هؤلاء: هُوَ مولانا، فقال سعد: الحكم فِي هَذَا بيِّنٌ ألقوه فِي الماء فَإِن طاف فهو للطفاوة وإن رسب فهو لبني راسب، فضحك زياد واستطرف ذلك.
وولد صُبير بْن يربوع:
أَبَا سلمى بْن صُبير، ومعشر بْن صُبير.
والأخرم بْن صُبير. وقطن بْن صُبير. وفروة بْن صُبير، وقَنان بْن صُبير.
وسُواءة بْن صُبير. منهم: قطن بْن أَبِي سلمى بْن صبير الشاعر.
قال أَبُو اليقظان: ومنهم سُلَيْمَان بْن عُبَيْد قهرمان هشام بْن عَبْد الملك، ادَّعوه.
ومنهم: ذو الخرق جاهلي وكان شاعرًا.(12/208)
بسم الله الرحمن الرحيم
نسب بني كُليب بْن يربوع بْن حنظلة
وولد كليب بْن يربوع بْن حنظلة بْن مالك: زَيْد بْن كليب.
ومعاوية بن كليب وهما الصِمتان، ومنقذ بن كليب. وعوف بن كليب وكانا تحالفا على الصمتين، وأنس بْن كليب. وقال غير الكلبي: من ولد كليب صبرة بْن كليب.
فَمَنْ بني كليب: جرير بْن عطية [1] بْن الخَطَفَي،
واسمه حذيفة بْن بدر بْن سلمة بن عوف بْن كليب، وأم جرير أم قَيْس بِنْت معيذ، من بني كليب، وولد جرير لسبعة أشهر، وسمي حذيفة بْن بدر: الخطفي لقوله:
يرفعن بالليل إذا ما أسدفا ... أعناق حنان وهامًا رُجَّفا
وعنقًا بعد الكلال خيطفا
وكان عطية أَبُو جرير مضعوفًا قال الفرزدق:
فخرت بشيخ لم يلدك ودونه ... أبٌ لك يخفي شخصه ويضائله [2]
وقال المفضل الضَّبِّيّ: كان الَّذِي هاج الهجاء بين جرير والبعيث بن
__________
[1] بهامش الأصل: جرير الشاعر.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 174.(12/209)
بشر، أن البعيث خرج فِي بغاء إبل له سرقها قوم من بني سليط من بني يربوع يقال لهم بنو ذهيل، فوجدها فِي أيديهم فقالوا: إنما كَانَتْ مع لص فانتزعناها منه، وكان غسان بْن زهير السليطي يهاجي جريرا ففضله البعيث عليه فِي الشرف والشعر، فقال له عطية بْن جِعال العُداني: ما أنت وهذا يا بَعِيث، أتدخل بين بني يربوع؟ وبلغ ذلك جريرا فقال قصيدته التي أولها:
طاف الخيال وأين منك لماما ... فارجع بزورك للسلام سلاما
وقال فيها:
يا عَبْد بيبة [1] ما عذيرك محلبًا ... لتنال عز مجرب وتلاما
نبئت أن مجاشعًا قد أنكروا ... شعرًا ترادف حاجبيك تواما
يا ثلط حامضة تروح أهلها ... من ماسط وتندت القلاما [2]
فبلغ ذلك البعيث فقال لبني الخطفي: عجلتم علي، قَالُوا: بلغ الرجل عنك أمر فَإِن شئت صفحت، وإن شئت قلت كما قيل لك. قال:
بل أصفح، فأقام معهم حينًا ثُمَّ أنه أبقَ له عبدان فلحقا بهجر، فركب عمرو بْن عطية أخو جرير فَرَدَّ عبديه عليه بغير جعالة ففارقهم راضيًا، ولقي قومًا من بني مجاشع فأثنى عندهم على بني الخطفي فقال له رَجُل منهم:
لحسنُ ما جازيتهم على ما قَالُوا ثُمَّ أنشده:
نبئت أن مجاشعا قد أنكروا ... شعرا ترادف حاجبيك تواما
وجعلوا يحرِّبونه حَتَّى غضب وحَرِب فهجا جريرًا بقصيدة أولها:
ألا حييا الربع القواء وسلما.
..
__________
[1] بيبه: جد الفرزدق.
[2] الثلط: سلح البعير، الحامضة: الإبل التي تأكل الحمض. ماسط: ماء ملح لبني طهية، وتندت من التندية، والقلام: نبات كنبات الأشنان. ديوان جرير ص 444.(12/210)
فقالت بنو كليب لعطية بْن الخطفي عم جرير: اركب إِلَى بني مجاشع فاستنههم من أنفسهم فقد قَالُوا كما قيل لهم، فأتاهم فقال: يا بني مجاشع أنتم الأخوة والعشيرة، وقد قلتم كما قيل لكم، فأبى البعيث إلّا هجاء جرير فلجَّا فِي التهاجي، وبلغ الفرزدق خبرهما فغضب لقومه وللبعيث، وكان قد قيَّد نفسه وحلف ألا يحلّ قيوده حَتَّى يجمع القرآن- أي يحفظه- فقال الفرزدق قصيدته التي يقول فيها:
أتتني أحاديث البعيث ودونه ... زرود فشامات الشقيق [1] من الرمل
فقلت أَظَنَّ ابن الخبيثة أنني ... شُغلت عن الرامي الكنانة بالنبل
فإن يك قيدي كان نذرًا نذرته ... فَمَا بي عن أحساب قومي من شغل [2]
ونشب الهجاء بين جرير والفرزدق فقال البعيث:
أشاركتني فِي ثعلب قد أكلته ... فلم يبق إلّا رأسه وأكارعه
فدُونَكَ خصييةِ وما ضمت اسْتُهُ ... فإنك قمام خبيثٌ مراتعه
فزعموا أنهما تهاجيا ثمانيًا وأربعين سنة، ومات جرير بعد الفرزدق بيسير، وله أكثر من ثمانين سنة، وكان تهيأ للشخوص إِلَى هشام بْن عَبْد الملك وقال:
فكيف ولا أشد إليك رحلي ... أروم إِلَى زيارتك المراما [3]
فمات قبل أن يسير، وعلى البصرة يومئذ بلال بْن أَبِي بردة واليًا لخالد بْن عَبْد اللَّه القسري، وكان موت جرير باليمامة وكان يكنى أَبَا حزرة.
__________
[1] الشقيق: كل غلظ بين رملتين معجم البلدان.
[2] ديوان الفرزدق ج 2 ص 153.
[3] ديوان جرير ص 409.(12/211)
حَدَّثَنِي الْحَسَن بْن علي الحرمازي قال: اعترض اللعين المنقري، واسمه منازل بْن ربيعة بين الفرزدق وجرير حين جَدَّ بهما الهجاء فقال:
سأقضي بين كلب بْني كليب ... وبين القين قين بني عِقال
بأن الكلب مطعمه خبيث ... وأن القين يعمل فِي سِفال
فَمَا بُقْيَا عليَّ تركتماني ... ولكن خفتما صرد النبال
فَمَا كان الفرزدق غير قينٍ ... لئيم خاله للؤم تالي
ويترك جدّه الخطفي جرير ... ويندب حاجبًا وبني عقال
فلم يلتفت إليه فسقط.
وحدثني الحرمازي عن أَبِي اليقظان قال: من أول شعر قاله جرير زمن معاوية لأبيه أو جده:
ردي جمال الحيّ ثم تحملي ... فما لك فيهم من مقام ولاليا
وإني لمغرور أعلل بالمني ... ليالي أدعو أن مالك ماليا
بأي نجاد تحمل السيف بعد ما ... قطعت القوى من محمل كان باقيا
بأي سنان تطعن القوم بعد ما ... نزعت سنانًا من قناتك ماضيا [1]
وحدثني التوزي النحوي عَن الأصمعي عَن أَبِي عَمْرو بْن العلاء قَالَ:
كان جرير عندنا فِي مجلسنا، فمرت بنا جنازة فتغرغرت عينه ثُمَّ قال:
شيبتني هَذِهِ الجنائز مذ خمسون سنة فقلنا: يا أَبَا حزرة فَمَا بالك تشتم الناس وتهجوهم وأنت ترى المنايا غادية ورائحة فقال: انهم يبدأوني ثُمَّ لا أغفر ولا أعفو.
وحدثني أَبُو عدنان الْبَصْرِيّ والأثرم والحرمازي فِي إسنادهم، فسقتُ
__________
[1] ديوان جرير ص 501(12/212)
حديثهم، ورددت بعضه على بعض قَالُوا: أقبل جرير حَتَّى قدم على الحكم بْن أيوب بْن أَبِي عقيل الثقفي وهو خليفة الحجاج بالبصرة فقال:
أقبل من نجران أو من ذي خيم ... على قلاص مثل خيطان [1] السَّلَم
قد طويت بطونها طيِّ الأدم ... إذا قطعن علمًا بدا علم
حَتَّى تناهين إِلَى باب الحكم ... خليفة الحجاج غير المتهم
فِي معدن العز وبحبوح الكرم [2]
فلما رآه الحكم استطرفه وأعجب به فكتب إِلَى الحجاج يصفه له فكتب الحجاج إليه فِي إشخاصه إِلَى ما قبله، فأشخص جريرًا، فأكرمه الحجاج وكساه جبة خزّ صبرية، ثُمَّ أرسل إليه بعد أيام فقال: إيه يا عدو نفسه مالك تشتم الناس وتظلمهم فقال: جعلني اللَّه فداء الأمير إنهم والله يظلمونني فانتقم مالي ولفلان وفلان وفلان وفلان، فعدد من هجاه فقال الحجاج: والله ما أدري مالك ولهم، فقال جرير: أما غسان السليطي فإنه رَجُل من قومي هجاني وعشيرتي فقال:
لعمري لئن كَانَتْ بجيلةُ زانها ... جرير [3] لقد أخزى كليبا جرير ها
أَبَا لخطفي وابني مُعيذ ومعرض ... تُسَدّي أمورًا جمةً ما ينيرها
رميت نصالًا عن كليب فقصّرت ... مراميك حتى عاد صفرا جفيرها [4]
__________
[1] خيطان السلم: أغصان السلم.
[2] ديوان جرير ص 424 مع فوارق.
[3] بهامش الأصل: يعني جرير بن عبد الله البجلي الصحابي رضي الله عنه، وتقدم هذا البيت ص 205.
[4] الجفير: جعبة من جلود لا خشب فيها، أو من خشب لا جلود فيها. انظر النقائض ج 1 ص 6- 15.(12/213)
فَمَا يذبحون الشاة إلا بميسر ... طويل تناجيها صغار قدورها
فقال الحجاج: فَمَا قلت له؟ فأنشده:
ألا ليت شعري عن سليط ألم تجد ... سليط سوى غسان جارًا يجيرها
فقد ضمَّنوا الأحساب صاحب سَوْءَةٍ ... يناجي بها قُعسًا خبيثًا ضميرها [1]
قال: ثُمَّ من؟ قال: البعيث اعترض دون غسان السليطي ففضله عليَّ فِي الشرف والشعر، وأعانه، وأنشده بعض شعره، قال: ثُمَّ من؟
قال: الفرزدق أعان البعيث علي: قال: فَمَا قلت له؟ فأنشده:
تمنى رِجَال من تميم لي الردى ... وما ذاد عن أحسابهم ذائد مثلي
ولو شاء قومي كان حلمي فيهم ... وكان علي جهال أعدائهم جهلي
وقد زعموا أن الفرزدق حية ... وما قتَّل الحيات من رَجُل قتلي [2]
قال: ثُمَّ من؟ قال: الأخطل بلغه تهاجينا، فقال لابن له يُقَالُ له مالك: انحدر إِلَى العراق حَتَّى تسمع منهما، وتأتيني بخبرهما وشعرهما، فانحدر مالك حَتَّى لقينا فسمع مِنَّا، ثُمَّ أتى أَبَاهُ فقال له: رَأَيْت جريرا يغترف من بحر، والفرزدق ينحت من صخر، فقال الأخطل: الَّذِي يغرف من بحر أشعرهما ثُمَّ قال:
إني قضيت قضاء غير ذي جنفٍ ... لما سمعت ولما جاءني الخبر
إن الفرزدق قد شالت نعامته ... وعضه حية من فوقه ذكر [3]
ثُمَّ إن بشر بْن مروان ولي الكوفة فقدم الأخطل عليه فرشاه محمد بن
__________
[1] ديوان جرير ص 226 مع فوارق.
[2] ديوان جرير ص 371- 372 مع فوارق.
[3] ليسا في ديوان الأخطل المطبوع.(12/214)
عمير بْن عطارد بألف درهم وبغله وكسوه وزق خمر وقال: لا تعن على شاعرنا، واهج هَذَا الكلب الَّذِي يهجو ابني دارم فإنك قد كنت قضيت له على صاحبنا فقال:
أخسأ جرير إليك إن مجاشعًا ... وأبا الفوارس نهشلًا إخوان
قوم إذا خطرت إليك فحولهم ... جعلوك تحت كلاكل وجران
وَإِذَا وضعت أباك فِي ميزانهم ... رجحوا وشال أبوك فِي الميزان
أجرير إنك وَالَّذِي تسمو به ... كسفيهة فرحت بحدج [1] حصان
وَإِذَا وردت الماء كان لدارم ... عفواته وسهولة الأعطان [2]
فبلغني قوله فقلت أهجو مُحَمَّد بْن عميرة:
ولقد علمنا ما أبوك بدارم ... فالحق بأصلك من بني دهمان
هلا طعنت الخيل يوم لقيتها ... طعن الفوارس من بني عُقفان
ألقوا السلاح إليّ آل عطارد ... وتناوبوا ضرطًا على الدكان
يا ذا العباءة إن بشرًا قد قضى ... ألا تجوز حكومة السكران
فدع الحكومة لستم من أهلها ... إن الحكومة فِي بني شَيْبَان
قتلوا كليبكم بلقحة جارهم ... ورأوا بِذَلِك أرخص الأثمان
كذب الأخيطل إن قومي فيهم ... تاج الملوك وراية النعمان
فاقبض لسانك إنني فِي مشرفٍ ... صعب الذرا متمنع الأركان [3]
فأجابني الفرزدق بكلمة يقول فيها:
__________
[1] الحدج: مركب للنساء كالمحفة. القاموس.
[2] ديوان الأخطل ص 343- 344.
[3] ديوان جرير ص 468- 474 مع فوارق.(12/215)
إن الأراقم لن يضر قديمها ... كلب عوى متهتم الأسنان
ما ضرَّ تغلبَ وائلٍ أهجوتها ... أمْ بُلْتَ حيث تناطح البحران [1]
فنشب الشر بيني وبين الفرزدق وبينه وتهاجينا، وكان الأخطل يقول جرير أغزرنا، والفرزدق أفخرنا، وأما أَنَا فأوصف للخمر وأمدح للملوك قال: ثُمَّ قال: عُمَر بْن لجأ التيمي، دخل على صاحب صدقات بني تيم فانشده لي وهو:
تريدين أن نرضى وأنت بخيلة ... ومن ذا الَّذِي يرضي الإخلاء بالبخل
فقال له: قد أنشدني جرير هَذَا البيت، وذكر أنه له فقال له: إنه سرقه مني. فبينا هُوَ عنده إذ دخلتُ فقال لي صاحب الصدقات: زعم ابن لجأ أنك سرقت هَذَا البيت منه. فقلت: أنا أسرقه منك يا بن لجأ وأنت القائل وقد وصفتَ إبلك فجعلتها كالهضاب:
...
جر العروس الذيل من ردائها
فهلا قلت:
...
جر العروس الذيل من كسائها [2]
قلت: تقوِّيها ولا تضعفها. فقال ابن لجأ: أو لست القائل:
وأوثق عند المردفات عشية ... لحاقا إذا ما جرد السيف لا مع [3]
أَفَيُلحقْنَ عشيةً وقد أُخذن غُدوةً والله ما لُحقنَ حَتَّى فُقِحْن ونُكحن.
قال الحجاج: فَمَا قلت له؟ قال فأنشده:
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 344- 345.
[2] شعر عمر بن لجأ- ط. الكويت 1981 ص 9- 10، 141.
[3] ديوان جرير ص 293.(12/216)
يا تيم تيم عدي لا أبالكم ... لا يوقعنكم في سوءة عمر
أحين صرت سِماما يا بني لجأ ... وخاطرتْ بي عن أحسابها مضر
خلّ الطريق لمن يبنى المنار به ... وابرز ببرزة حيث اضطرك الضرر [1]
قال: فَمَا قال لك؟ فأنشده:
لمارأيت ابن ليلى عند غايته ... فِي كفِّهِ قصبات السَّبْقِ والخطر
هبت الفرزدق واستعقبتني جزعًا ... للموت تَعمد والموت الَّذِي يذر
لقد كذبت وشر القول أكذبه ... ما خاطرت بك عن أحسابها مضر
بل أنت نزوة خوار على أمة ... لا يسبق الحلبات اللؤم والخور [2]
فهذا بدء ما كان بيننا، ثُمَّ أقمنا على غرائر البر وفرن بيننا، فقلت:
رأوا فرسًا مقارنة حمار ... وكيف يقارن الفرس الحمارا [3]
فتبسم الحجاج وقال: ويحك ثُمَّ من؟ قال: سُراقة البارقي حمله بشر بْن مروان على هجائي وتفضيل الفرزدق علي، ثُمَّ بعثه رسولًا إليَّ وأنا لا أعرفه يأمرني بإجابته. فقال: ما الَّذِي قال لك وقلت له؟ فأنشده لسراقة:
أَبلغْ تميمًا غثها وسمينها ... والحكم يَقْصُدُ مَرَّةً ويَجُورُ
إن الفرزدق بَرَّزت حلباتُه ... عفوًا وغُودر فِي الغبار جَرِير
مَا كنتَ أول محمز [4] عثرتْ به ... آباؤه إنَّ اللئيم عثور
هَذَا القضاء البارقي وإنني ... بالميل في ميزانهم لجدير
__________
[1] ديوان جرير ص 218- 221 مع فوارق.
[2] ديوان عمر بن لجأ ص 92- 109 مع فوارق.
[3] ليس في ديوانه المطبوع.
[4] الحمز: حرافة الشيء والقبض واللذعة، والحمازة: الشدة. القاموس.(12/217)
ذهب الفرزدق بالقصائد والعلى ... وابن المراغ مخلَّفٌ محسور
وأنشده فِي جوابه:
يا بِشْرُ حقَّ لوجهك التبشير ... هَلَّا غضبت لَنَا وأنت أمِير
قَدْ كَانَ حقًا أَن تقول لبارقٍ ... يا آل بارق فيم سُبَّ جرير
أمسى سراقةُ قَدْ عَوَى لشقائه ... خَطْبٌ وأمك يا سراق يسير
أسراقُ إنك قد غشيت ببارق ... أمرًا مَطَالِعُهُ عليك وعور
تعطى النِّسَاء مهورهنَّ سياقةً ... ونساء بارق ما لهنّ مهور
إنَّ الدناءةَ والمذلةَ فاعلموا ... قَدَرٌ لأول بارقٍ مقدور
إن الكريمة ينصر الكرم ابنُها ... وابن اللئيمة للئام نصور [1]
وأنشده لنفسه:
يا رُبَّ قائلة تقول وقائلٍ ... أسراقُ إنك قَدْ غويت سراقا
إِن الَّذِينَ عووا عواءك قد لقوا ... مني صواعق تقطع الأعناقا
وَإِذَا لقيتَ مُجيلسًا من بارقٍ ... لاقيتَ أخبثَ مجلسٍ أخلاقا
ولقد هممت بأن أُدمدم بارقًا ... فحفظتُ فيهم عَمَّنَا إسحاقا [2]
وأنشده لسراقة:
لعمري لقد باع الفرزدق عِرضه ... بِوَكْسٍ وهاجى لا كفيًا ولا فحلًا
فإنْ أَهْجُ يربوعًا فَإِنِّي لا أرى ... ليربوعهم يومًا على جُرَذٍ فضلا
قال جرير: ثُمَّ لقيني سراقة، وأنا لا أعرفه، وكنا فِي مجلس فَحَدَّثَ فأعجبني حديثه ونحوه فقلت: من أَنْتَ؟ قَالَ: بَعْض من أخزى اللَّه على
__________
[1] ديوان جرير ص 232- 234 مع فوارق.
[2] ديوان جرير ص 313- 314 مع فوارق.(12/218)
يدك. فقلت: وا سوءتاه، وأيهم أنت؟ قال: سُراقة البارقي قلت:
إنك بدأتني ولا والله لا أسوءك أبدًا ولو علمت أنك كما أرى لصفحت عنك. قال الحجاج: ثُمَّ من؟ قال: البّلْتَع العنبري، واسمه المستنير أعان عُمَر بْن لجأ فقال:
أَتَعِيبُ من رضيت قريش صهره ... وأبوكَ عبدٌ لا يُنَاكَح أوكع [1]
قال: فَمَا قلتَ له؟ فأنشده:
ما مستنير الخبثِ إلا فراشة ... هوَتْ بين مُرْتَجّ من النقع ساطع
نهيتُ بناتِ المستنير عن الخَنَا ... وعن مشيهنَّ الليل بين المزارع [2]
قال: ثُمَّ من؟ قال: عُبَيْد بْن حصين راعي الإبل. قال: وما لك وله؟ قال: قدمتُ البصرة وقد بلغني أنه شرب عند عرادة النميري، وكان عرادة نديمًا للفرزدق وصديقًا، فقال عرادة للراعي: يا أَبَا جندل قل شعرًا تفضل فِيهِ صديقي الفرزدق على جرير فقال:
يا صاحبيَّ دنا الرحيل فَسِيرا ... غلب الفرزدق فِي الهجاء جريرا [3]
فبلغني قوله فلقيته بالمربد فقلت: يا أَبَا جندل إنك شيخ مضر وشاعرها، وبلغني أنك فضلت الفرزدق علي وهو ابن عمي دونك، وكان ابنه جندل واقفا على فرس له، فَأَقْبَلَ يضرب عجز دابة أَبِيهِ وأنا قائم فكادت تقطع رجلي وقال: لا أراك واقفًا على هذا الكلب الكليبي، امض بنا ودعه يعوي. فناديته: يا بن يربوع إن أهلك بعثوك مائرًا، وبئس المائر، لقد مرتهم شرًا، وأنا بعثني أهلي لأقعد بهذا المربد فأسُبُّ من سَبَّهُم وإني اعطي
__________
[1] الأوكع: الطويل الأحمق. القاموس. وجاء بهامش الأصل: أوكع: أحمق.
[2] ديوان جرير ص 288 مع فوارق.
[3] ديوان الراعي ص 139 مع فوارق.(12/219)
اللَّه عهدًا ألا أنام ليلتي حَتَّى أخزيك، فو الله ما أصبحت حَتَّى قلت:
فغضَّ الطْرفَ إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
أَنَا البازي المطل على نميرٍ ... أُتيح من السماء لها انصبابا
أجندلُ ما يقول بنو نمير ... إذ ما الأير فِي است أبيك غابا
علوت عليك ذروة خندفي ... تَرَى من دونها رتبًا صعابا
لنا حوض النبيِّ وساقياه ... ومن ورث النبوة والكتابا
ألسنا أكثر الثَّقَلَيْن رَحْلًا ... ببطن مِنًى وأكثرهم قبابا
إذا غضبت عليك بنوَ تميم ... حسبتَ الناس كلهم غضابا
وَإِنَّكَ لو حملت بنو نمير ... على الميزان ما عدلوا ذبابا
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعبا بلغت ولا كلابا
ولو وضعت فقاح بني نمير ... على خبث الحديد إذًا لذابا [1]
فَلَمَّا بلغ ابنه قولي:
أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير فِي است أبيك غابا
قال: تقول والله شرًا. قال الحجاج: فَمَا قال لك الراعي؟ قال:
قال:
أتاني أن كلب بني كليب ... تَعَرَّضَ حوض دجلة ثُمَّ هابا
أتاك البحر يضرب جانبيه ... تَظَلُّ ترى لجريته عبابا [2]
ثُمَّ كفَّ إذ لم أُجبه فأجاب عَنْهُ الفرزدق، ثُمَّ قال ابنه جندل:
إني أتاني كلام ما غضبتُ له ... وقد أراد به من قال إغضابي
__________
[1] ديوان جرير ص 58- 65.
[2] ديوان الراعي ص 17- 18 مع فوارق كبيرة.(12/220)
جنادف [1] لا حق بالرأس منكبه ... كأنه كودن يوشي بكلاب
من معشر كحلت باللؤم أعينهم ... فقد الرؤوس موالٍ غير صُياب [2]
وقيل لي إن أَبَاهُ قال الأبيات ونحلها إياه فأمسكت عَنْهُمَا. قال: ثُمَّ من؟ قال: الْعَبَّاس بْن يزيد الكندي لما قلت:
إذا غضبتْ عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
قال:
ألا رغمتْ أنوف بني تميم ... إذا كانوا على قوم غضابا
قال: فتركته حينًا، ثُمَّ قدمت الكوفة فأتيت مجلس كندة، فسألتهم أن يكفُّوه فأبوا وقالوا: هُوَ شاعر وأوعدوني به فقلت:
ألا أبلغ بنو حجر بْن وهب ... فَإِن التمر حُلْوٌ فِي الشتاء
عليكم بالنخيل فأصلحوها ... ودار بالمشقر والصفاء [3]
ثُمَّ إنه جاور طيئًا وحملت أخته واسمها هضيبة فقلت:
أعبدًا حلَّ فِي شعبى غريبا ... ألؤما لا أبالك واغترابا
وما خفيت هضيبة حين أَمْسَتْ ... ولا إطعام سخلتها الكلابا
وقد حملت ثمانية وأَوْفَتْ ... بتاسعها وتحسبها كعابا [4]
قال: ثُمَّ من؟ قال: جفنة المزّاني سألني فخيَّرْتُهُ بين أن أَهَبَ له ناقة إذا رجعتْ إبلي أو أكسوه، أو أمدح قومه، فلم يتخير من ذلك شيئًا، وأتي المرار بْن منقذ الغُداني فأعطاه جملًا ثقالًا فقال:
__________
[1] الجنادف: الجافي الجسيم، والغليظ القصير. القاموس.
[2] ديوان الراعي ص 10- 11.
[3] ليسا في ديوان جرير المطبوع.
[4] ديوان جرير ص 55- 57.(12/221)
لعمري للمرار يوم لقيته ... على النأي خير من جرير وأكرم
قال: فَمَا قلت له؟ فأنشده:
لقد بعثت هِزانُ جفنةَ مائرًا ... فآب وأحذى قومه شر مغنم
كأن بني هزان لما رديتهم ... وبارٌ تضاغَتْ تحت جفر مهدم
بني عبد عمر قد فزعْت إليكم ... وقد طال زجري لونها كم تعدّمي [1]
قال: ثم من لله أنت؟ قال: المرار الغداني، بلغني عَنْهُ ما كرهت فقلت:
بني منقذ لا صُلْحَ حَتَّى تضمكم ... من الحرب صَمَّاءُ القناة زَبُون
فَإِن كنتمُ كلبي فعندي شفاؤكم ... وللجن إن كان اعتراك جنون [2]
قال: ثُمَّ من؟ قال: حكيم بْن مُعَاوِيَة وهو ابن معيّة من بني رَبِيعَة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم، وهو أخو غضوب، وكان يفضل الفرزدق علي، وكان مِمَّنْ أعان غسان السليطي أيضًا فلقيته فقلت: يا حكيم ما يدعوك إِلَى ما فعلت؟ فقال: مالك عندي عتبي مما كرهت ولا رجوع إِلَى ما أحببت، فغضبت حَتَّى ما أبصر- وكان يُقَالُ إن جريرا كان إذا غضب ارتفعت وجنته حَتَّى تغطي عينه- وأنشد الحجاج قوله:
سيروا فرب مسبحين وقائل ... هَذَا شقًا لبني ربيعة باق
أبني ربيعة قد أَخَسَّ حظوظكم ... نكد الجدود ودقة الأخلاق
ماذا أردت بذاك حين تَسَعَّرَتْ ... ناري وشمر مئزري عن ساقي
إن القِراف بمنخريك مبين ... وسواد وجهك يا بن أم عفاق [3]
__________
[1] ديوان جرير ص 413 مع فوارق.
[2] ديوان جرير ص 486- 487.
[3] ديوان جرير ص 311 مع فوارق.(12/222)
وقوله:
إذا طلع الركبان نجدًا وغوروا ... بها فازجرا يا بني معيَّة أو دعا
إذا ما أراد ابنا معية نصرة ... لمستنصر لم يدفعا الضيم مدفعا [1]
قال: ثُمَّ من؟ قال: ثُمَّ الدّلِهْمَس، أحد بني ربيعة بْن مالك ويقال إنه قال كناز بْن نفيع، ويقال إنه قال: ثُمَّ ربعي بْن نفيع من بني ربيعة بْن مالك قال:
غضبتَ علينا أن علاك ابن غالب ... فهلا على جَدَّيْكَ فِي ذاك تغضب
هما إذ سَمَتْ بالمرء مسعاة قومه ... أَنَاخَا فَشَدَّا بالعقال المؤدب
ومن يجعل البحر العظيم إذا طما ... كحد ظنونٍ ماؤه يترقب
قال: ولم أعلم لمن هَذِهِ الأبيات، وفكرت فقلت: ما هِيَ إلا لقبضة الكلب- ويقال وطأة الكلب- قال: وكان قبيح الوجه فجمعتهم فِي شعري فقلت:
وأكثر ما كَانَتْ ربيعة أنها ... خباءان شتى لا أنيس ولا قفر
وحالفهم فقر شديد وذلة ... وبئس الحليفان المذلة والفقر [2]
قال الحجاج: ثُمَّ من أيضًا؟ قال: زهير من بني ربيعة، كان يروي شعر الفرزدق غضبًا لحكيم بْن مُعَيَّة فقلت:
يمشي زهير بعد مقتل شيخه ... مَشْيَ المراسل آذَنَتْ بطلاق [3]
قال: ثُمَّ من؟ قال: علقة والسرندي من تيم الرباب أعانا عليّ عمر بن لجأ فقلت:
__________
[1] ديوان جرير ص 285 مع فوارق كبيرة.
[2] ديوان جرير ص 202 مع فوارق.
[3] ديوان جرير ص 311 مع فوارق.(12/223)
وعض السَّرْندي على تثليم ناجذه ... مِنْ أُمِّ علقة بظرا غمه الشعر
وعض علقة لا يألو بِعُرْعُره [1] ... ببظر أم السرندي وهو منتصر [2]
قال: ثُمَّ من؟ قال: الطهوي كان يروي شعر الفرزدق. قال: فَمَا قلت له؟ فأنشده:
أتنسون وهبا يا بني ودج استها ... وقد كنُتُم جيران وَهْب بْن انجرا
أما تَتَّقُونَ الشَّرَ حَتَّى يصيبكم ... ولا تنصرون الأمر إلا مدبرا [3]
قال: ثُمَّ من أخزى اللَّه شَرَّكَ؟ قال: عقبة بْن سُنيع الطهوي نذر دمي حين قلتُ هَذَا الشعر فقلت:
يا عقب يا بن سُنيع ليس عندكم ... مأوى الضريك ولا ذو الراية الغادي
يا عقب يا بن سُنيع بعض قولكم ... إن الرباب لكم عندي بِمِرْصَادِ [4]
وأنشده:
نبئت عُقبة خَصَّافَا تواعَدَني ... يا رب آدر من ميثاء مأفونِ
لو فِي طهيَّة أحلام لما اعترضوا ... دون الَّذِي أَنَا أرميه ويرميني [5]
قال: ثُمَّ من؟ قال: الصَّلْتَان العبدي، اعترض بيني وبين الفرزدق، وادعى أننا حكمناه بيننا فقال:
أَنَا الصّلتان وَالَّذِي قد علمتم ... مَتَى ما يُحَكَّمْ فهو بالحق صادع
__________
[1] العر: الجرب، وتعرعرت واستعرهم الجرب: فشا فيهم. وعرعرة كل شيء: رأسه.
القاموس.
[2] ليسا في ديوان جرير المطبوع.
[3] ليسا في ديوان جرير المطبوع.
[4] ديوان جرير ص 110، مع فوارق.
[5] ديوان جرير ص 484- 485.(12/224)
أتتني تميم حين هاجت قضاتها ... وإني للفصل المبين لقاطع
كما أنفذ الأعشى قضية عامر ... وما من تميم فِي قضائي مراجع
قضاء امرئ لا يرتشي فِي حكومةٍ ... إذا مال بالقاضي الرشا والمطامع
فأقسم لا آلو عن الحق بينهم ... فَإِن أَنَا لم أعدل فقل أنت ظالع
فَإِن يَكُ بحر الحنظليين واحدًا ... فَمَا تستوي حيتانه والضفادع
وما يستوي صدر القناة وزجُّها ... وما يستوي فِي الراحتين الأصابع
وليس الذنابي كالقدامي وريشهُ ... وما يستوي شُمُّ الذُّرا والأكارع
ألا إنما تحظى كليب بشعرها ... وبالمجد تحظى دارم والأقارع
أرى الخطفى بذ الفرزدق شعره ... ولكنَّ خيرًا من كليبٍ مجاشع
فيا شاعرًا لا شاعر اليوم مثله ... جريرًا ولكن فِي كليب تواضع
ويرفع من شعر الفرزدق أنه ... تبوأ بيتًا للخسيسة رافع
يناشدني النصر الفرزدق بعد ما ... أَلَحَّتْ عليه من جرير قيارع
فقلت له إني ونصرك كالذي ... يثبت أنفًا كَشَّمَتْهُ الجوادع
قال جرير: فَلَمَّا شَرَّفَ الفرزدق عليَّ وشَرَّفَ قَوْمَه على قومي أَمسَكَ الفرزدق عَنْهُ وقال: الشِّعْرُ مروءةُ من لا مروءةَ له. وهو أخسُّ حظّ الشريف. وأما أَنَا فقلت:
أقول ولم أملك سوابق عترتي ... مَتَى كان حكم فِي بيوت الهجارس [1]
فلو كنت من رهط المعلى وطارقٍ ... قضيتَ قضاء واضحًا غير لابس [2]
وقلت أيضا:
__________
[1] الهجرس: القرد، والثعلب، والقاموس.
[2] ليسا في ديوان جرير المطبوع.(12/225)
أقول ولم أملك أمال ابن حنظل ... مَتَى كان حكم اللَّه فِي كَرَبِ النخل
فاعترض أحمر بْن عُدانة العبدي فقال:
عَلَامَ تُغَنِّي يا جريرٌ وقد قضى ... أَخو عَصَرٍ أَنْ قَدْ عَلَاكَ الفرزدق
وإن امرأً سَوَّى كليبًا بدارم ... وسَوَّى جريرًا بالفرزدق أحمق
قال الحجاج: فَمَا قلت له؟ فأنشده:
نُبِّئْتُ عيرًا بالعيون [1] يَسُبُّنيِ ... أحيمر فَسَّاء على كرب النخل [2]
فرد علي فقال:
أَعَيَّرتَنَا بالنخل أن كان مالنا ... وَوَدَّ أبوك الكلب أن كان ذا نخل
فأردت أن أهجو بني عُمَر فبلغ ذلك عَبْد الْعَزِيز بْن عمرو بْن مرجوم العصري فأرضاني بصلة وحملان فقلت:
لولا ابن عمرو بْن مرجوم لقد وقعت ... خرساء لا تبتغي سمعًا ولا بصرًا
إني لأرجو وراجي الخير يدركه ... أن ينعش اللَّه فِي الدنيا به عصرا
واعترض دون أحمر بْن عدانة والصلتان خليد عينين [3] فقال:
أي نبيٍّ كان من غير قومه ... وما الحكم يا بن اللؤم إلا مع الرسل
فقلت:
ذَرَنَّ الفخر يا بن أبي خليد ... وأد خراج رأسك كل عام
لقد علقت يمينك رأس ثور ... وما علقت يمينك من لجام [4]
وقلت:
__________
[1] بهامش الأصل: اسم موضع.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.
[3] بهامش الأصل: كان ينزل بين عينين.
[4] ديوان جرير ص 464 مع فوارق.(12/226)
كم عمة لك يا خليد وخالةٍ ... خُضْرٌ نواجذها من الكُرّاث
نبتت بمنبته فطاب لشمها ... ونَأَتْ عن القيصوم والجثجاث [1]
قال: فلم يجبني بشيء، قال جرير: وبرق الصبح فنهض الحجاج ونهضت، وأخبرني بعض جلساء الحجاج بعد ذلك أنه قال: قاتله اللَّه من أعرابي، أيّ جروٍ خِراش هُوَ.
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ عَنِ ابن كناسة قال: سئل الأخطل فَقِيل: أيكم أشعر؟ قال: جرير أغزرنا وأنسبنا، والفرزدق أفخرنا، وأنا أوصف للخمر، وأمدح للملوك.
المدائني قال: بلغ الأخطل قول جرير:
جاريت مضطلع الجراء سماية ... روقًا شبيبته وعمرك فان [2]
قال: صدق إنه لشاب، ولقد أديل نابغة بني جعدة مني حين عيرته الكبر فقلت:
لقد جارى أَبُو ليلى بفخر ... ومنتكث عن التقريب فان
إذا لقي الخيار أكب فِيهِ ... يجر على الجحافل والجران [3]
حدثني أبو عدنان عن أبي عبيدة قال: لما فارق جرير الراعي حين التقيا بالمربد، قال: إنما يكفيني بَزْرٌ بدانق حَتَّى أخزيه وابنه، إن أهلي ساقوا بي رواحلهم حَتَّى وضعوني بقارعة الطريق، والله ما كسبتهم دنيا ولا آخرة، إلا سَبُّ من سبِّهم من الناس فَإِن عبيدًا هَذَا بعثه أهله على رواحلهم من
__________
[1] ليسا في ديوانه المطبوع. وفي القاموس: الجثجاث: نبات.
[2] ديوان جرير ص 472.
[3] ديوان الأخطل ص 345 مع فوارق.(12/227)
أكناف هَبّود [1] يلتمس لهم الميرة، وأيم اللَّه لأوقرنّ رواحلهم خزيا وعارا ثُمَّ أتى رحله فِي دار كَانَتْ فِي موضع دار جَعْفَر بْن سُلَيْمَان اليوم، وكان يسكن غرفة فمكث ليلته لا يهدأ ولا يقر، فيصعد إليه بعض من معه فيقولون:
ما عراك؟ فيقول: خير، ثُمَّ يعود فيعودون فلا يخبرهم حَتَّى انفتح له الهجاء، وبلغ ما أراد، فقال قتلت العبد وأخزيته، فسئل عن أمره كما كان يُسأل فقال: إني كنت أداور هجاء هَذَا العبد النميري حَتَّى أطلعت طلع هجائه، وتَأَتَّى لي ما أردت منه، وأدخلَ طرف ثوبه بين رجليه وهدر وقال:
فضحتُ ابن بزوع وأخزيته، وبزوع أم الراعي، وقال: يا صبي أطفئ السراج وهدأ، حَتَّى إذا أصبح لقي الراعي فِي سوق الإبل فقال له:
أجندل ما تقول بنو نمير ... إذا ما الأير فِي است أبيك غابا
فقال: تقول شرًا، ثُمَّ انشده القصيدة.
حَدَّثَنِي المدائني قال: كان لجرير عَبْد أسود أعجمي يدعى بلقب له فيغضب، فمر ببني نمير فألحوا عليه بلقبه فشكا ذلك إِلَى جرير فحفظه بيته:
فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ من نمير ... فلا كعبًا بلغتَ ولا كلابا
وقال له: إذا مررتَ عليهم فأنشدهم هَذَا البيت. فمر عليهم فدعوه باللقب فأراد أن ينشدهم البيت فنسيه فجلس مفكرًا ثُمَّ رفع رأسه فقال:
غمضوا عيونكم يا أولاد الزنا. فقال شيخ منهم: ويحكم والله ما أراد إلا بيت جرير، فكفوا عَنْهُ أخزاه اللَّه.
ونزل جرير بامرأة من عكل فلم تقره، لأن بنيها كانوا غيبا، فخرج وهو يقول:
__________
[1] هبود: اسم موضع في بلاد تميم، ويقال: عين باليمامة ماؤها ملح. معجم البلدان.(12/228)
ظللنا عند أم أبي كبير ... نداوي الجوع بالماء القراح
فلو كان الَّذِي يسقين عذبًا ... ولكن ماء أحسية مَلَاح [1]
ثُمَّ جاء بنوها فذبحوا له وأكرموه.
المدائني وغيره قَالُوا: لما قَالَ جرير للأخطل:
لا تطلبن خؤولة فِي تغلبٍ ... فالزنج أكرم منهم أخوالا [2]
غضب سنيح العماني مَوْلَى بني ناجية فهجا جريرًا، وفضل عليه الفرزدق، وفخر عليه بالزنج فقال:
إنّ امرأً جعل المراغة وابنها ... مثل الفرزدق خائر قد فالا [3]
إن الفرزدق صخرة عادية ... طالت فَلَيْس تنالها الأوعالا
ما بالُ كلب من كُليب سَبَّنَا ... إن لم يوازن حاجبًا وعقالا
قد قست شعرك يا جرير وشعره ... فَقَصْرتَ عَنْهُ يا جريرِ وطالا
وبنيت بيتك فِي قرار مسائل ... فَجَرَتْ عليك به السيول فمالا
والزنج لو لاقيتهم فِي صفهم ... لاقيتَ ثَمّ حجاجًا أبطالا
فَسَلِ ابن عمروٍ حيث رام رماحهم ... فرأى رماح الزنج ثَمَّ طوالا
فجعوا زيادًا بابنه وتنازلوا ... لما دعوا بنزال حَتَّى زالا
ربطوا خيولهم حوالي دورهم ... وربطت حولك آتنًا وسخالا
كان ابن ندبة فيكم من نجلنا ... وخفافٌ المتحمِّل الأثقالا
وابنا زبيبة عنتر وهِراسة ... ما إن نرى فيكم لهم أمثالا
__________
[1] ليسا في ديوانه المطبوع.
[2] ديوان جرير ص 363.
[3] بهامش الأصل: أي فال رأيه.(12/229)
وسُلَيْكٌ الليث الهزبر إذا عدا ... والقرم عباسٌ عَلَوْكَ فِعالا
هَذَا ابن خازم الكريم وأمه ... عجلى أَبَزّ على العدو قتالا
وبنو الجناب مَطَاعن ومَطَاعم ... عند الشتاء إذا تهب شمالا
فلنحن أنجب منكم لخؤولة ... ولأنت الأم منهم أخوالا
ابن عمرو بْن حَفْص بْن زياد بْن عمرو العتكي كان خليفة أَبِيهِ على شرط البصرة فقاتل رباح شارزنجي، ويقال شارزنجيان، الَّذِي خرج بالفرات، بعثه إليه أَبُوهُ فقتله رباح.
فتى عياذ [1] : سليمان بن عياذ قتل فِي بلاعص من أرض الزنج.
وابن ندبه: يعني خفاف بْن ندبة كَانَتْ أمه سوداء، وعنتر: يريد العبسي، وأخاه سليك بْن سلكة [2] وأمه سوداء. وابن خازم السلمي وأمه عجلى سوداء، وعباس بن مرداس السلمي وإخوته.
وروي عن عكرمة بْن جرير عن أَبِيهِ قال: الفرزدق نبعة الشعر. قال وسئل الأخطل بالكوفة عن جرير فقال: دعوا جريرا أخزاه الله، فإنه كان بلاءً على من صب عليه.
وحدثني عمارة قال: نزل جرير بقوم من كلب فلم يُقْرَ فقال:
وما لُمْنَا عميرة غير أَنا ... نزلنا بالرسيس فَمَا قُرينا
ظللنا مُرْمِلين بسوء حالٍ ... وقد لقيَ المطيُّ كما لقينا [3]
فبلغهم قوله فأتوه وسلّوا سخيمته.
__________
[1] لم يرد ذكره في الأبيات المتقدمة.
[2] المشهور أنه ليس أخا عنترة.
[3] ديوان جرير ص 479 مع فوارق.(12/230)
وأمر سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك الفرزدق أن يضرب عنق أسير، فضربه فنبا سيفه، فقال جرير:
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
ضربتَ به عند الْإِمَام فأرعشت ... يداك وقالوا مخذم غير صارم
عنيف يهز السيف قين مجاشع ... رقيق بأخرات الفؤوس اللوادم [1]
وأتى الفرزدق مسجد بني الهُجيم فأنشد فِيهِ شعرًا، ودخله جرير فأنشد فمنعوه وقالوا: إنما بنيت المساجد للصلاة والقرآن لا للشعر: فقال:
منعتموني ما لم تمنعوا الفرزدق مثله وقال يهجوهم:
إنَّ الهُجيم قبيلة ملعونة ... حصّ اللحى متشابهو الألوان
يتوركون بنيهم وبناتهم ... صُعْرُ الأنوف لريح كل دخان
لو يسمعون بأكلة أو شربة ... بعُمان أصبح جمعهم بعُمان [2]
قَالُوا: وخفة اللحى فِي الهجيم ظاهرة، فَقِيل لبعضهم لقد استويتم فِي لحاكم؟ فقال: إنَّ الفحل واحد.
قَالُوا: وأتى جرير فيروز حصين، ومعه جماعة من بني يربوع، فوقف عليه فقال: يا أبا عُثْمَان إنك تزين العشيرة، وتعين على النائبة، وتحمل الكل، وهؤلاء قومك قد أقحموا، فدعا بكيس فِيهِ ألف درهم فأعطاه إياه فَوَلَّى وهو يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتقي الشتم يشتم [3]
__________
[1] ديوان جرير ص 462 مع فوارق. ولدم: ضرب بشيء ثقيل يسمع وقعه. القاموس.
[2] ديوان جرير ص 479 بدون البيت الثاني مع فوارق.
[3] شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 30.(12/231)
ويروى مثل هَذَا عن الفرزدق أيضًا:
قَالُوا: وشخص جرير إِلَى الشام، فنزل فِي طريقه على رَجُل من بني نمير، فأخرج إليه امرأته فقال: انظر إليها فأبى، فطلب إليه فنظر إليها بمؤخر عينه فقال: أرى كرمًا وخفرًا وجمالًا. قال له: فأين قولك:
ومقرفة اللهازم من نمير ... يشين سواد محجرها النقابا [1]
قال جرير: فَمَا استحييت من شيء قط استحيائي من قوله يومئذ.
وقال مُحَمَّد بْن سلام، أخبرني شعيب بْن صخر عن هارون بْن إِبْرَاهِيم قال: رَأَيْت الفرزدق وجريرًا فِي مسجد دمشق فِي عصابة من خندف، والناس من قَيْس، وموالي بني أمية وغيرهم عنقٌ على جرير يسلمون عليه يا أبا حزرة كيف قدمت أمتع اللَّه بك؟ فيقول: بخير وذاك لمدحه قيسًا وقوله:
«والذرا من قَيْس عيلانا» [2]
وقوله أيضًا:
ويجمعنا والغُرُّ أبناء عمنا ... أبٌ لا نبالي بعده من تعذرا [3]
يعني إِبْرَاهِيم عليه السلام.
وقال جرير لرجل: أنا أشعر أم الفرزدق؟ فقال: أما عند أَهْل العقل الثاقب فالفرزدق، وأما عند الجمهور فأنت. فقال: أَنَا أَبُو حزرة غلبته.
ونزل الفرزدق وجرير على بعض آل مروان، فقال المرواني: ما رَأَيْت أسخى وأفجر من الفرزدق. ولا أبخل وأعف من جرير.
الْمَدَائِنِيّ عَن أَبِي اليقظان عَن جويرية بْن أسماء قال: قلت لنصيب
__________
[1] ديوان جرير ص 62 مع فوارق.
[2] ديوان جرير ص 494 قوله:
أحمي حماي بأعلى المجد منزلتي ... من خندف والذرا من قيس عيلان
[3] ديوان جرير ص 187 مع فوارق.(12/232)
يا أَبَا محجن من أشعر الناس؟ قال: أخو بني تميم. قلت: ثُمَّ من؟ قال:
أَنَا. قلت: ثُمَّ من؟ قال: ابن يسار. فلقيت ابن يسار فقلت: يا أبا فائد من أشعر الناس؟ قال: أخو تميم. قلت: ثُمَّ من؟ قال: ثُمَّ أَنَا. قلت:
ثُمَّ من؟ قال: النُصَيب. فقلت: إنكما لتتقارضان الثناء. فقال:
وما ذاك؟ فحدثته فقال: إنه والله لشاعر كريم.
وحدثني مُحَمَّد بْن حبيب قال: أنشد رؤبة بحضرة جرير، وهو عند والي اليمامة:
والله لولا أن تحش الطُبَّخ ... بي الجحيم حين لا مستصرخُ
لعلم الجهال أني مُفْتخُ [1] ... لهامهم أرضُّه وأشدخُ
ولو رآني الشعراء ذيخوا [2] ... ولو أقول دربخوا لدربخوا [3]
لدستهم كما يداس الفرفخ [4]
فغضب جرير وقال:
يا بن كسوب ما علينا مبذخ ... باست حُبَارى طار عَنْهَا الأفرخ [5]
فتكلم رؤبة بْن العجاج، فقال له: اسكت فو الله لئن أقبلت قِبل أبيك وقَبلك لأرفثن عظامكما، ولأدعن مقطعاتكما هَذِهِ، وهي لا تغني عنكما شيئا، فقام إليه رؤبة فترضاه.
__________
[1] الفتخ: استرخاء المفاصل ولينها. وفتوخ الأسد: مفاصل مخالبه، والفتخ: عرض الكف. العين. القاموس.
[2] أي تذللوا. القاموس.
[3] دربخ: الحمامة تدربخ للذكر عند السفاد، إذا طاوعته. العين للخليل.
[4] الفرفخ: يقال لها بقلة الحمقاء. العين. ولم ترد هذه الأرجوزة في ديوان رؤبة بن العجاج.
[5] ليس بديوانه المطبوع.(12/233)
قَالُوا: واشترى جرير جارية من رَجُل من أهل اليمامة يُقَالُ له زَيْد ففركته [1] ، وكرهت خشونة عيشه فقال:
تكلفني معيشة آل زَيْد ... ومن لي بالمرقق والصناب [2]
وقالت لا تضم كضم زَيْد ... وما ضمي وليس معي شبابي [3]
وقال الفرزدق:
لئن فركتك عجلة آل زَيْد ... وأعوزك المرقق والصناب
لقدمًا كان عيش أبيك مرًا ... خسيسًا ما تعيش به الكلاب [4]
وقال جرير:
تبكي على زَيْد ولم تر مثله ... بريئًا من الحمى صحيح الجوارح
فإن تقصدي فالقصد مني سجية ... وإن تجمحي تلقي لجام الجوامح [5]
فَقِيل له: وما لجامهن؟ قال: هَذَا، أشار إلى سوط معلق فِي البيت.
المدائني عن عَقيل بْن بلال بْن جرير قال: قال جرير وذكر الفرزدق:
ذاك نبعة الشعر، وإن ابن النصرانية لشاعر شرعه.
وسئل عن النابغة الجعدي فقال: سوق خُلقان ترى فيها ثوبا يروعك وآخر تقتحمه عينك.
__________
[1] الفرك: البغضة بين الزوجين.
[2] المرقق: الرقائق، والصناب: صباغ يتخذ من الخردل والزيت.
[3] ديوان جرير ص 42.
[4] ديوان الفرزدق ج 1 ص 106 مع فوارق كبيرة.
[5] ديوان جرير ص 83.(12/234)
وسئل عن ذي الرمة فقال: أبعار ظباء تستنشي رائحة مسك وتَفُتُّ بعرًا.
المدائني عن سُحَيم بْن حَفْص قال: وهب الحجاج لجرير جارية من سبي الديلم مما يلي الري يُقَالُ لها زِرَّة، فسماها أم حكيم، وهي أم نوح بْن جرير، وبلال بْن جرير، فطُلبت من جرير بألفي درهم فلم يبعها وقال:
إذا عرضوا أَلفَيْن يوما تَعَرَّضَتْ ... لأم حكيم حاجة من فؤاديا
لقد زدت أَهْل الري عندي مودةً ... وَحَبَّبتِ أضعافًا إليّ المواليا [1]
وكانت أعجمية اللسان: فعجنت ذات يوم عجينًا فجاءت جرذان فأكلت منه فقالت لولدها: نَحُّوا الجرذان عن عجان [2] أمكم.
وكان ابنها نوح، وذكر أمه: هِيَ أَخِيذَةُ رمح، وهبة ملك، وتربية حنظلي عفيف.
المدائني قال: قال بكير الحمامي لنوح بن جرير: يا بن أم حكيم.
فقال: صدقت أَنَا ابن أم حكيم، أخيذةُ رماح، وابنة دهقان، وعطية ملك ليست كأمك التي تغدو على نور ضأنها بالمروت كأن عقبيها حافرا حمار. قال بكير: أَنَا أعلم بأمك، كَانَتْ أمة للحجاج، فالله أعلم بما عَتبَ فِيهِ عليها حَتَّى حلف ليهبنها لألأم العرب، فلم يدخل عليه أحد ألأم من أبيك، فوهبها له.
وكان نوح يقول: خير الشعر الحَوْليُّ المنقح.
وحدثني الْحَسَن بْن علي الحرمازي عن أَبِي مالك عن أشياخه قالوا:
__________
[1] ديوان جرير ص 496.
[2] العجان: آخر الذكر ممدود في الجلد الذي يستبرئه البائل. العين.(12/235)
ولد جرير: حزرة وبه كان يكنى. وسوادة. وتيحان. وزكريا. أمهم أم حزرة كلبية. وموسى. وعكرمة. وجَعدة بِنْت جرير أمهم أمامة كلبية أيضًا. وبلال. ونوح. أمهما أم حكيم الرازية.
قَالُوا: وكانت لجرير أيضًا: أم غيلان أمها الرازية أو غيرها، وكان بها جنون فتزوجها الأبلق الأُسَيْديُ الكاهن، وذلك أنه داواها مما كان بها فقال الفرزدق:
كيف طلابي أم غيلان بعد ما ... جرى الماء فِي أرحامها وترقرقا
لعمري لقد هانت عليك ظعينة ... فديت برجليها الفرار المربقا
ولو كان ذو الودع ابن ثروان لالتوت ... بها كفه أعني يزيد الهَبَنَّقَا [1]
وقال بعض الشعراء يعير جريرًا:
أهلكت نفسك يا جرير وشنتها ... وجعلت بنتك بُسْلَةً للأبلقَ
وقال عُمَر بْن لجأ:
يا أم غيلام ابركي تناكي ... كما نكحنا قبلها أباك [2]
قال الحرمازي: الفرار: الجمل، يقول: جعلْتَ رجليها فدى لجمل كنت تدفعه إِلَى الأبلق إذا داواها، وقوله أرحامها يريد الرحم وما يليه. ويروى فِي أعفاجها، وقوله، ذو الودع يعني هبنقة القيسي الأحمق، وهو يريد: ابن ثروان يقول: لو كان هبنقة لما سمحت كفه بها، والبُسلة: أجرة الراقي، يُقَالُ: أعط الراقي بُسلته أي أجرته.
حَدَّثَنِي دَاوُد بن عبد الحميد قَالَ: بلغني أن عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان قال
__________
[1] ليست دي ديوانه المطبوع.
[2] ليس في شعره المطبوع.(12/236)
للأخطل: ما أشد ما هجاك به جرير وأَمضَّه لك؟ فقال: تعييره إياي بديني إذ كنت لا أقدر على تعييره بدينه.
وحدثني عَبْد الرَّحْمَن بْن حرزة، من ولد جرير بْن عطية، قال:
اجتمع الفرزدق وجرير والأخطل عند عَبْد الملك بن مروان فقال لهم:
ليصف كل واحد منكم نفسه في شعره فقال الأخطل:
أَنَا القطران والشعراء جربي ... وَفِي القطران للجربى شفاء
[1] وقال الفرزدق:
إن تلك زِقُّ زاملةٍ فشِعْرِي ... لمن هاجيتُه داءٌ عَيَاءُ [2]
وقال جرير:
أنا الموت الذي لا بدّ منه ... فَلَيْس لهاربٍ منه نجاء [3]
ففضل عَبْد الملك بيته على بيتهما.
وحدثني عَبْد الرَّحْمَن بْن حزرة قال: نزل جرير بحي بني قَيْس بْن ثَعْلَبَة من ربيعة، وهم خلوف، فلم يُصب قِرًى فأنشأ يقول:
ظللنا مرملين بشر حالٍ ... وقد لقي المطي كما لقينا [4]
فمضى غلامهم إِلَى الرجال، وهم مجتمعون على رأس أميال من المحلة لأمر حَزَبَهُم، فقال لهم: يا بني قَيْس، قَيْس بْن ثَعْلَبَة أُكِلْتُم، وأخبرهم خبر جرير. فانصرف إليه عدة منهم فذبحوا له ونحروا، وأحسنوا قراه أيامًا وزودوه، فرضي وسار وجعل يقول:
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.
[3] ديوان جرير ص 14.
[4] ديوان جرير ص 479.(12/237)
نزلتُ بخير حي من مَعَدٍ ... فلم أر بالقِرى منهم ضنينا
وَقوا أعراضهم بِقِرى وزادٍ ... معًا وتزودوا مدحًا ثمينا [1]
وحدثني قال: نزل رجل من طيّئ، ثُمَّ بني نبهان، بجرير فقراه، ثُمَّ إنه سأله شيئًا تعذر عليه إعطاؤه إياه، فقال:
لا تَرجُ خيرًا من جرير ولا قرى ... فَشَرُّ مناخ المعتفين جرير
فقال جرير:
وأعور من نبهان أما نهاره ... فأعمى وأما ليله فبصير
رَأَى ضوء نار فاهتدى بضيائها ... عريض أفاعي [2] المنكبين ضرير
فبات بخير ثُمَّ أصبح كافرا ... لفضلي عليه واللئيم كفور [3]
وقال ابن الكلبي قال جرير: الفرزدق أكذبنا، والأخطل أرمانا للفرائص، أما أَنَا فمدينة الشعر.
وقال أَبُو اليقظان: تزوج سَعِيد بْن العاص جعدة بِنْت جرير بْن عطية، وكان حزرة بْن جرير مَهِين النفس ولم يكن شاعرًا، وفيه يقول جرير:
عذاب ما بقيت لكم وبعدي ... قوارص عند حزرة أو بلال [4]
قال ومات سوادة بْن جرير بالشام وكان ضعيفًا، وقدم الشام مع أَبِيهِ فِي بعض قدماته، وفيه يقول جرير:
__________
[1] ليسا في ديوانه المطبوع.
[2] الأفاعي: عروق تتشعب من الحالبين. القاموس.
[3] ديوان جرير ص 202- 203 مع فوارق كبيرة.
[4] ديوان جرير ص 342 مع فوارق واضحة.(12/238)
ذاكم سوادة يُبدي مقلتي لحم ... صقر يصرصر فوق المرقب العالي
ألا تكن لك بالديرين باكيةٌ ... فَرُبَّ باكيةٍ بالرمل معوال
فارقته حين كف الدهر من بصري ... وصرتُ مثل عظام الرمَّة البالي [1]
قال: وكان تيحان بْن جرير ناقص اليدين،
ولم يكن بشيء، وكان زكرياء بْن جرير صالحًا فِي دينه، قال: وكان جرير يحب ابنه مُوسَى وفيه يقول:
أحَبُّ الموقِدينَ إليَّ مُوسَى ... وجعدة لو يضيء لنا الوقود [2]
وكان عكرمة بْن جرير شاعرًا.
وقال أَبُو اليقظان: كان بلال بْن جرير أفضل ولده وأشعرهم، وولي صدقة بني حنظلة، وكان يكنى أَبَا زافر، ورأى فِي منامه كأنه قُطعت من يده أربع أصابع، فقاتل بني ضبة فقتلوا له أربعة بنين، فقال بلال بْن جرير:
صَبَرَتْ كليب للسيوف ومالك ... يوم الصريف [3] وفرّت الأحمال
يعني مالك بْن زَيْد مناة بْن تميم، والأحمال من بني العدوية.
لله أربعة مضوا في ربضة ... إذ غالهم من حَيْنهِم مغتال
ونزل بلال بحماد بْن جندل المنقري، فلم يحسن قراه فقال بلال:
نزلنا بحماد فَهَرَّتْ كلابه ... علينا وكدنا بين بابيه نؤكل
تناومتَ نصف الليل ثُمَّ أتيتنا ... بقعبين من صَبْح وما كدت تفعل
وقد قال فِيهِ نازل كان قبلنا ... إذا اليوم من يوم القيامة أطول
وقتلت بنو حنيفة حمادا في حرب.
__________
[1] ديوان جرير ص 345 مع فوارق.
[2] ديوان جرير ص 116 مع فوارق.
[3] الصريف: موضع من النباج على عشرة أميال، وهو بلد لبني أسيد بن عمرو بن تميم، معترض للطريق مرتفع به نخل. معجم البلدان.(12/239)
قال وكان نوح بْن جرير شاعرًا،
وكان يهاجي بشير بْن دَلجة الكليبي وكان أَبُو الزحف بْن عطاء بْن الخطفي شاعرًا بقي إِلَى زمن مُحَمَّد بْن سليمان بن علي، ودخل عليه البصرة وهو سكران فقال له مُحَمَّد: أنشدني، فلم يحضره شيء فقال:
يا بن سليمان أقلني عثرتي ... يا بن الملوك وأبلعني ريقتي
حَتَّى تجلي عَنْ فؤادي غمتي ... ثُمَّ أجمع الرجاز عِنْدَ صولتي
كُل فزاري دهين اللِمَّةِ ... أو بدوي وذحٍ [1] ذي ثلة
ومن بني كليب بْن يربوع: مُعَيد،
وكان نفر من الأعراب تكامروا [2] ، فغلبهم معيد فقال الشاعر:
والله لولا شيخنا معاد ... لكمرونا اليوم أو أرادوا
وكانت أم جرير ابنته، فكانت الشعراء تعير جريرًا به.
ومنهم: الدَّلْهَمس أحد بني زَيْد بْن كليب،
واسمه كناز، ويقال ربعي، ويقال إن الدلهمس أحد بني ربيعة بْن مالك، وهو قول أَبِي عبيدة ولم يذكره الكلبي، وذكر أَبُو اليقظان أنه من بني زَيْد بْن كليب، قال: وكان من فرسان تميم بالسند وشجعانهم، ومن ولده بالبصرة: عَبَّاس بْن الدلهمس كان شجاعًا.
وقال أَبُو اليقظان: ومن بني زَيْد بْن كليب: شُبَيْل بْن وَفاء،
وكان شاعرًا مخضرمًا، وكان إسلامه إسلام سوء، وكان لا يصوم شهر رمضان فقالت له ابنته تبالة: ألا تصوم؟ فقال:
__________
[1] الوذح: ما تعلق بأصواف الغنم من البعر والبول. القاموس.
[2] الكمرة: رأس الذكر، وتكامروا: نظر أيهم أعظم كمرة. القاموس.(12/240)
تأمرني بالصوم لا درَّ دَرُّهَا ... وَفِي القبر صوم يا تَبال طويل
وقال فِي عتيبة بْن الْحَارِث يمدحه:
إنَّ خليلي خير ما خليل ... عتيبة الوهَّابُ للجزيل
أشجع من ليثٍ أَبِي شُبُول ... بالرمح والترس وبالدخيل [1]
وكان الحطيئة نزل بخالد بْن شبيل فأساء به فانتقل عَنْهُ.
ومن بْني كليب: عَبْد بْن مقلد بْن منقذ بْن كليب،
نزل به الحطيئة منتقلًا من عند خَالِد بْن شُبيل، ومدحه الحطيئة فقال:
جاورتُ آل مقلد فمدحتهم ... إذ لا يكون أخو جوار يحمد [2]
وقال أَبُو اليقظان: مقلد بْن صَبْرة بْن منقذ، والأول قول الكلبي.
ومن بني كليب ثُمَّ أحد بني عُبيد بْن منقذ بْن كليب: عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان،
كان مع ابن ناشرة الحنظلي بسجستان وله يقول الشاعر:
يكرُّ كما كر الكليبي مهره ... وما كر إلا خشية أن يُعيرا
ومنهم: حِقّ بْن مقلد بْن منقذ بْن كليب،
سابَقَ عتيبة بْن الحارث بْن شهاب على فرس له يُقَالُ لها مُوشحة، فسَبق عتيبة فأبى أن يعطيه سبقته، فاستغاث حق ببني رياح، وعدانة، وكليب، فأعانوه وأخذوا له سبقته فقال حق:
دعوت رقاش فاختلفت وجاءت ... إلي ولم يُدّن بنو رياح
تخاطر عن حمولتنا بباز ... حديد الطرف مضطرب الجناح
وشهد حق يوم جبلة فقتل يومئذ:
__________
[1] بهامش الأصل: يعني السيف.
[2] ديوان الحطيئة ص 162.(12/241)
ومنهم: أشيم بْن مقلد وابنه النضاح بْن أشيم بْن مقلد،
وكان النَضّاح مع ناجية بْن عقال، وعُتيبة بْن الْحَارِث بْن شهاب، وقعنب بْن عتاب، وجرير بْن سعد، وأبي مُليل عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث اليربوعي، والنَطف بْن الخيبري وأَسيد بْن حناءة وغيرهم، مِمَّنْ أنتهب ما فِي عير كسرى، وشهد معهم يوم حمض وهو يوم نطاع، وحمض ماء لبني مالك بْن سعد رهط العجاج الراجز، وكان النضاح انطلق يوم الصفقة بأمه ليشهد الطعام، ووضع أمه ناحية، وانطلق يريد الدخول، فَلَمَّا أغلق باب الصفقة وقتل من قتل من بني تميم سعى النضاح على رجليه فحمل أمه ونجا، ثُمَّ أدرك الْإِسْلَام، فأسلم ومر به الحطيئة فِي أيام عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فقال للحطيئة: إن لنا جدة ولك علينا كرامة فمرنا بما تحب نأتِهِ، فقال:
وريت بك زنادي ما قالها لي عربي قبلك، أَنَا أَغْيَرُ الناس قلبًا وأشعر الناس لسانًا، فَانْهُ بنيك أن يُسمعوا بناتي الغناء فإنه حداية الزنا، وكان له سبعة بنين يغنون النصب [1] ، بأصوات حسنة، وحلوق ندية، وكان مع الحطيئة ثلاث بنات وسبعة أبعرة، فقال النضاح: لا أسمعنَّ غناء أحد منكم ولا كلامه ما أقام عندنا، فأقام عنده سنة، فَلَمَّا أراد الرحيل قال الحطيئة للنضاح: زوج ابنك ابنتي، فقال النضاح لابنه كعب: تزوجها، فقال:
والله لو عُرضت علي بشسع نعلي ما أردتها فسكتا، وقال الحطيئة:
جاورت آل مقلد فحمدتهم ... إذ لا يكاد أخو جوار يُحمد
علقوا الأناة فخالطت أحلامهم ... وإذا دعوتهم عجال المرقد
__________
[1] النصب: غناء الركبان والقينات وهو نوع من الغناء للعرب الأولين. معجم الموسيقى العربية ص 103.(12/242)
أزمان من يُرد الصنيعة يصطنع ... فينا ومن يُرِدِ الزهادة يزهد [1]
وقال أيضًا:
لعمرك ما المجاور فِي كليب ... بمقصي فِي المحل ولا مضاع
ويحرم سِرّ جارهم عليهم ... ويأكل جارهم أُنُف القصاع
هُمْ عقدوا لجارهم وليست ... يد الخرقاء مثل يد الصناع
لنعم الحي حي بني كليب ... إذا اختلط الدواعي بالدواعي [2]
ومن ولده: خِطام بْن النضاح
وفيه يقول جرير:
إذ لا يذب عن الحمى متوكل ... والأعنفان ولا ابن أم خطام
يرمي محارم قومه متوكل ... دميت يداه بفالج وجذام [3]
متوكل: رَجُل من بني مقلد وكان زمام بْن خطام بْن النضاح أحسن الناس غناء للنصب، وفيه يقول الصمَّة القشيري:
دعوت زمامًا للهوى فأجابني ... وأيُّ فتى ما يَدْعِيَنَّ زمام
وله عقب بالبصرة.
وقال أَبُو اليقظان: يُقَالُ أن بني مُعَاوِيَة بْن كليب هُمْ من مرَّة غطفان.
ومنهم: بشير بْن دلجة،
كان يهاجي بلال بْن جرير، فقال له بلال:
أَبَا دَلْجَ قدْ أَدْلَجْتَ فِي شَرِّ مُدْلَجٍ ... أما خِفْتَنِي فَادْلجُ إذا لم تُجَرَّحِ
أَنَا ابن جريرٍ يعلم الناس أنني ... شبيهٌ به لا كالحديث الملحلح
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 162 من دون البيت الثاني.
[2] ديوان الحطيئة ص 201 مع فوارق كبيرة.
[3] ديوان جرير ص 420 مع فوارق واضحة.(12/243)
ومن بني كليب: يزيد بْن شراجة،
كَانَتْ له عبادة وفقه ورواية ولا عقب له.
ومنهم الْحَسَن بْن ربعي،
كان مع المهلب، وقتيبة بخراسان، وكان راوية لشعر جرير.
ومن بني كليب، ثُمَّ بني مقلد: بنو مليص،
وليسوا بشيء.
ومن موالي بني كليب: عباد بْن راشد الفقيه.(12/244)
نسب من بقي من ولد حنظلة
وولد قَيْس بْن حنظلة،
وهو من البراجم: جاذل بْن قَيْس. وزيد بْن قَيْس. ومعاوية بْن قَيْس. ومُرة بْن قَيْس.
منهم: ضابئ بْن الْحَارِث بْن أرطاة بْن شهاب بْن عُبَيْد بْن جاذل بْن قَيْس بْن حنظلة،
وكان بنو جرول بْن نهشل وهبوا لضابئ كلبًا طلبه منهم، ثُمَّ ركب إليه جماعة منهم فارتجعوه منه، وكان يقال للكلب قرحان، فَقَالَ فيهم:
تجاوز نحوي ركب قرحان مَهْمَهًا ... تَطلُّ به الوجناء وهي حسير
فأمكم لا تعققوها لكلبكم ... فَإِن عقوق الوالدين كبير
فَمَنْ يَكُ منكم ذا عقول فإنه ... عليم بما تحت النطاق خبير
رددتُ أخاهم فاستمروا كأنما ... حباهم بتاج الهرمزان أمير
فاستعدوا عليه عُثْمَان بْن عفان لما قَالَ فِي أمهم وفيهم: فيقال إنه أدَّبَه وخَلاه، ويقال بَل حبسه ثُمَّ خلاه، فأراد الفتك بعثمان، ففطن به عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ فحبسه حَتَّى مات فِي السجن، ولما أدخل السجن قال:
هممتُ وَلَمْ أفعل وكدْتُ وَليتَني ... فعلتُ فكان المعولات حلائله(12/245)
وَمَا الفتك إلا لامرئ ذي حفيظة ... إِذَا رِيعَ لم ترعد لجبن خصائله
فلا ير من بعدي أمرأ ضيم خطةٍ ... حذار لقاء الموت فالموت نائله
وَمَا الفتك مَا أمرت فِيهِ ولا الَّذِي ... تخبر من لاقيت أنك فاعله
وعمير بْن ضابئ، توطأ عُثْمَان بْن عفان يوم قتل فِي بطنه، ويقال بل توطأه وقد احتمل، فاعترضه قوم من الأَنْصَار فقاتلوا حامليه حَتَّى طرح، فتوطأه عمير حينئذٍ، وقال: مَا رَأَيْت كافرًا ألين بطنًا منه، وَكَانَ عمير أشد الناس على عُثْمَان لما كان منه إِلَى ضابئ أبيه، وجعل عمير يقول حين توطأه: أرني ضابئًا أحْيِي لي ضابئًا. يقول: ليرى فعلي بعثمان.
فَلَمَّا قدم الحجاج واليًا على العراق، وعرض أَهْل الكوفة ليوجههم مددًا للمهلب بْن أَبِي صفرة، وهو يحارب الخوارج، دنا منه عمير بْن ضابئ فقال: أصلح اللَّه الأمير أَنَا شيخ كبير، وابني شاب جلد فاقبله بدلًا مني، فقال: نعم، فَلَمَّا ولى قال له عنبسة بْن سَعِيد: هَذَا الَّذِي جعل يدوس بطن عُثْمَان ويقول: أرني ضابئًا أحيي لي ضابئًا، وحدثه حديثه فدعا به فأمر بقتله فقتل، وجعل الحجاج يقول: هيه أرني ضابئًا أحيى لي ضابئًا، فقال عَبْد اللَّه بْن الزبير الأسدي
تجهزْ فإما أن تزور ابْن ضابئٍ ... عُميرًا وإما أن تزور المهلبا
هما خطتا سوء نجاؤك منهما ... ركوبك حوليا من الثلج أشهبا
فَآضَ ولو كَانَتْ خراسان دونه ... رآها مكان السوق أو هِيَ أقربا [1]
وهذا قول ابن الكلبي فِي نسب ضابئ.
وقال غيره: هُوَ من ولد غالب بْن حنظلة، ولما قتل ابن ضابئ لقي أعرابي رجلًا فقال له رَجُل: ما الخبر فقال: قدم الكوفة رَجُل من شر أحياء
__________
[1] شعر عبد الله بن الزبير الأسدي ص 54- 55.(12/246)
العرب من ثمود، حمش الساقين ممسوح الجاعرتين أخفش العينين، فقتل سيد الحي عمير بْن ضابئ.
وقال أَبُو اليقظان ومن ولد قَيْس بْن حنظلة: ميجاس وكان يهاجي جرير بْن عطية
فقال:
وحظ ابن المراغة من تميم ... كحظ العير من قصب الرهان
وكان عَبْد الملك بْن مروان بعث عبيدًا له من الروم إِلَى أموال كَانَتْ له باليمامة، فنادى بهم الناس وخرجوا على الناس بسيوفهم عاصين، فقاتلهم بنو قَيْس بْن حنظلة فقتلوهم فقال ميجاس:
ألا يا أمير المؤمنين ألم يكن ... لما جاهدت قَيْس بلاء فيعلما
فلا تنس ملقانا من الروم عصبة ... عصوك وولوا لا يبالون محرما
وولد عمرو بْن حنظلة،
وهو من البراجم: مُرَّة بْن عمرو.
وعمرو بْن عمرو. وساطي بْن عمرو. منهم: عَبْد قَيْس بْن خفاف بْن عَبْد جريس بْن مرة بْن عمرو الشاعر، وهو صنم لهم سمي عَبْد جريس به.
وجبيلة بْن عَبْد قيس، وله يقول أَبُوه عَبْد قَيْس:
أجبيل إن أباك كاذبُ يومه ... فإذا دعيتَ إِلَى المكارم فاعجل
والله فَاتَّقِهِ وأوف بنذره ... وَإِذَا حلفتَ بمأثمٍ فتحلل
قال أَبُو اليقظان: أَخَذَ المرباع من بني عمرو بْن حنظلة:
عَبْد قَيْس بْن خفاف، وابنه جبيلة، وادعوا أنه أَخَذَ المرباع منهم ثلاثة وعشرين رجلا فقال لهم لبيد بن عطارد: لئن كان أخذ المرباع منكم هذه لعدّة، ولا يعرف العرب منهم غير اثنين إنكم لأشقى الناس، ولئن ادعيتم كذبًا إنكم لأكذب الناس.(12/247)
قال أَبُو اليقظان: وبنو عمرو يُسمون بنو جريس وقال جرير وقد ولدوه:
أخوالي الشم من عمرو بْن حنظلة ... وما اللئام بنو قَيْس بأخوالي [1]
يعني قَيْس بْن حنظلة. وسُبِيَتْ رابعة بِنْت عَبْد قَيْس فِي الجاهلية، فاستنقذها بنو عمرو بْن عدس، فقال مسكين الدارمي فِي ذلك:
دعتنا الحنظلية إذ لحقنا ... وقد حملت على جمل ثقال
فأدركها ولم يعدل شريح ... وأعوج عند مختلف العوالي [2]
شريح: عُمَر بن عدس وأعوج: ابنه.
وولد ربيعة بْن حنظلة:
عَبْدَة بْن ربيعة. وعدي بْن ربيعة.
وكعب بْن ربيعة، وعامر بْن ربيعة.
فولد عامر بْن ربيعة: مُرَيط بْن عامر. وربيعة بْن عامر، ويربوع بْن عامر، ولبيد بْن عامر، وعبد الْحَارِث بْن عامر. وعبد عوف بْن عامر.
وولد عَبْدَة: زَيْد بْن عَبْدة، ووهب بْن عبدة. وكعب بْن عبدة.
وولد كعب بْن ربيعة: مريط بْن كعب. ومريض بْن كعب.
وربيعة بن كعب. وخالد بن كعب.
وولد عدي بْن ربيعة بْن وائل بْن عُبَيْد بْن قَلع- مفتوحة القاف- بْن مُصرِّح- وبعضهم يقول مُصرَّح- بْن دارم بْن عدي وهم بخراسان.
ومن بني ربيعة: أَبُو بلال مرداس وعروة ابنا أُدّيَّة، وهي أمهما، وأبوهما حُدير بْن عمرو بْن عمرو بْن عَبْد بْن كعب بْن ربيعة بْن حنظلة الخارجيان، وقد كتبنا خبرهما فيما تقدم.
__________
[1] ديوان جرير ص 340.
[2] ديوان مسكين الدارمي ص 63.(12/248)
ومن ولد أَبِي بلال باصطخر جماعة. ومنهم: المغيرة ويزيد. وصخر بنو حَبناء بْن عمرو بْن ربيعة بْن أسيد بْن عَبْد عوف بْن عامر بْن ربيعة بْن حنظلة الشعراء، وقد ذكرنا للمغيرة بْن حبناء خبرًا فيما تقدم، والمغيرة الَّذِي يقول لأخيه صخر:
أبوك أَبِي وأنت أخي ولكن ... تَعاضَلَتِ [1] الطبائع والظروف
وأمك حين تُنْسَبُ أُمُّ صدقٍ ... ولكن ابنها طبع سخيف
وكان بالمغيرة برص، وشهد يوم نسف بخراسان مع قُتَيْبَة، فاستشهد وله عقب.
وكان يزيد من الخوارج وكانت ابنته عيوف مع قطري ولا عقب له، وزعموا أن اسم حبناء جُبَيْر. قال زياد الأعجم:
إنَّ حبناء كان يدعى جبيرًا ... فدعوه للؤمه حبناء [2]
ومنهم أَبُو شهم الخارجي- بشين معجمة- وهو القائل:
لعمرك إني فِي الحياة لزاهد ... وَفِي العيش إن لم ألق أم حكيم
ويروى الشعر لقطري أيضًا.
ومنهم أَبُو حُزابة الشاعر [3] وهو الْوَلِيد بْن حنيفة بْن سُفْيَان بْن مجاشع بْن ربيعة بْن وهب بْن عبدة بْن ربيعة بْن حنظلة الَّذِي يقول..
...
أَنَا أَبُو حزابة الشَّيْخ الفان
وهو الَّذِي بات عند فاجرة بفارس يُقَالُ لها ماهنوش وكانت تؤاجر نفسها بخمسين درهمًا، فأعطاها سرجه فنظر إليه عبد الرحمن بن محمد بن
__________
[1] عضل المكان ضاق، والأرض بأهلها غصت، وأعضل الداء الأطباء: غلبهم.
[2] شعر زياد الأعجم ص 63.
[3] بهامش الأصل: أبو حزابة الشاعر.(12/249)
الأشعث وهو يريد سجستان، أو حين قدم منها فاعترضه أبو حزابة فقال له:
يا بن قريع كندة الأشج ... ألا ترى لفرسي فِي المرج
فِي فتنة الناس وهذا الهرج ... وماهنوش ذهبت بسرجي [1]
فقال: وعلى كم سرجك؟ قال: على خمسين درهمًا، فأمر له بخمسين درهمًا فكان يُقَالُ: علمُه بماهنوش ريبة. وأبو حزابة الَّذِي يقول حين ولي عَبْد اللَّه بْن عَليّ بْن عدي بْن حارثة بْن ربيعة بْنِ عَبْد العزى بْن عَبْد شمس بْن عَبْد مناف سجستان بعد موت طَلْحَة الطلحات.
يا طلحُ يا ليتك عنا تُخْبَرُ ... حين أتانا الجعظري الحيدر
أقل من شبرين حين يُشبر ... قد علم القوم غداة استعبروا
أنْ لم يروا مثلك حين تُقبر ... فقد أتانا جرذ مجمر
مثل أَبِي القمعاء لا بل أقصر ... وخلف يا طلح منك أعور
أَنْكَرَهُ سريرُنا والمنبر ... وقصُرنا والمسجد المطهَّر
وقال أيضًا:
يابن علي بَرِحَ الخفاءُ ... قد علم الجيران والأكفاء
أنك أنت النذل اللقاء ... بنو عليٍّ كلهم سَواء
كَأنَّهم زونية جِراءُ ... أنت لقبر طَلْحَة الفداء [2]
قال أَبُو الْحَسَن المدائني قدم على أَبِي حزابة قوم من أهله من
__________
[1] انظر الأغاني ج 22 ص 265 حيث رواية أخرى للحكاية نفسها. هذا وتقدم هذا الخبر في ج 7 ص 319.
[2] انظر رواية الأغاني ج 22 ص 263- 264 حيث فوارق كبيرة بالشعر والأعلام.(12/250)
الأعراب، فهيأ لهم غداء، وأُتي بالمائدة، فوضعت تحت كوة فِي سطح بيته، ووثب أعرابي من القوم يريد الخلاء، فعمد إِلَى الكوة وهو يحسبها متوضأ، فإذا الَّذِي خرج منه على المائدة، فنحيت ونزل الرجل، فقال:
أَيْنَ غداؤكم؟ فقال أَبُو حزابة أفسده علينا عشاؤك. وكان أَبُو حزابة يقول:
أشقى الفتيان المفلس الطروب.
وقدم أَبُو حُزابة على طَلْحَة الطلحات، وهو طَلْحَة بْن عَبْد اللَّه بْن خلف بْن سعد بْن مُليح بْن عمرو بْن ربيعة الخزاعي، فأخر عطاءه، وأعطى قومًا من خزاعة، فقال لأبي حُزابة: نعطيك من صلاتنا ما أحببت سخية بِذَلِك أنفسنا لك، فقال: لا حاجة لي فيما تعطوني، ولكن أقيموا علي يومين أو ثلاثة أيام وقال:
ما زلت أسعى فِي هواك وابتغي ... رضاك وأعصي فيك قومي الأدانيا
وأبذل نفسي فِي مواطن جمة ... وأرجو وأهلي منك ما لست لاقيا
حفاظًا وإمساكًا لما كان بيننا ... لتجزيني يومًا فَمَا كنت جازيا
أراني إذا استمطرتُ منك سحابة ... لترويني عادت عجاجًا سوافيا
رأيتك ما ينفك منك رغيبة ... تقصر دوني أو تحل ورائيا
وأدليت دلوي فِي دلاء كثيرة ... فَأبْنَ مِلَاءً غير دلوي كما هيا [1]
فبعث إليه بصلته ووهب له جوهرًا فقال:
أرى الناس قد ملوا الفعال ولا أرى ... بني خلف إلا جمام الموارد
إذا نفعوا عادوا لمن ينفعونه ... وَكَأيِنْ ترى من نافع غير عائد
في أبيات.
__________
[1] الأغاني ج 22 ص 260- 261 مع فوارق.(12/251)
وقال رَجُل من قوم أَبِي حزابة:
مالك يا وليد كيف تقضي ... أَنَا الَّذِي سميتك ابن أرضي
قضية إني كذاك أقضي
وقال أَبُو اليقظان: من ولد ربيعة بْن حنظلة: جُبَيْر بْن مريض، كان صاحب الخيل فسابق المرقع بْن العلاء، فسبقه المرقع فقال:
لئن لم يكن فيكن ما أتقي به ... غداة الرهان مسهب بْن مريض
لينقضينْ حد الربيع وبيننا ... من البحر لجُّ لا يخاض عريض
وجَّمْعتُ خيل الناس حَتَّى كأنما ... أرى غنما حولي بهنَّ ربوض
مسهب: فرسه.
قال: ومنهم مُحَمَّد بْن الزبير الحنظلي، كَانَتْ له رواية ومنزلة من عُمَر بْن عبد الْعَزِيز.
وولد الظليم بْن حنظلة،
وهو من البراجم: مرة بْن الظليم.
وشجنة بْن الظليم. وربيعة بْن الظليم. والعنبر بْن الظليم. منهم:
الحكم بْن عَبْد الله بن عطاء الَّذِي يقول:
لو كنتُ جار بني هند تداركني ... عوف بْن نعمان أو عمران أو مطر
قال ابن الكلبي: والناس يروون هَذَا البيت لابن مفرّغ، وليس هُوَ له.
وولد غالب بْن حنظلة:
مُعرض الَّذِي يقول الشاعر فِي ابنته:
ألا ليتني لم أَدْرِ ما ابْنَة مُعرضٍ ... وليت فؤادي لم تصبه سهامها
غذتها ابْنَة الحشحاش وهي رقيقة ... بخير غذاء فهي جم عظامها
ومن ولد غالب بْن حنظلة: عِمْرَانَ بْن الفضيل، ويكنى أَبَا الهذيل.(12/252)
ولما انقضى أمر الجمل خرج حسكة بْن عتاب الحبطي، وعمران بْن الفضيل فِي صعاليك منَ العرب حَتَّى نزلوا زالق من سجستان، وقد كفر أهلها، فأصابوا مالا وخافهم صاحب زرنج فصالحهم ودخلوها فقال الراجز:
بشر سجستان بجوع وحرب ... يا بن الفضيل وصعاليك العرب
لا فضة تقيهم ولا ذهب
والهُذيل بْن عِمْرَانَ بْن الفضيل كان من أشراف أَهْل البصرة،
وَكَانَ ينادم بشر بْن مروان، وكان يُقَالُ له سيد العراق وقال فيه الراجز:
يا أيها السائل فِي الآفاق ... هَذَا الهذيل سيد العراق
وخرج على الحجاج بر ستقاباذ فقتله وصلبه، وقد ذكرنا خبر رستقاباذ فيما تقدم.
وهَيَّاج بْن عِمْرَانَ
الَّذِي يقول له الشاعر:
فمن يك أمسى حامدا لابن عمه ... فإني لهياج بن عمران لائم
وكان هياج على مرو الروذ من قبل سلم بن زياد.
وبسطام بْن عِمْرَانَ
الَّذِي يقول لعمرو بْن غِفري الضَّبِّيّ:
ما بيننا يا عمرو في البيت خلة ... ولكنني فِي السوق خير خليل
وأنت امرؤ نبئتُ أنك تهتدي ... وإن لم يكن لجم بغير دليل
وما لك عندي إن أردت زيارتي ... شراب ولا ظل فأين تقيل
ورآه ابن غِفري فِي السوق يومًا فقال: زعمت أنك فِي السوق خير خليل فاشتر لي هَذَا الجمل فاشتراه له، وكان بسطام أصاب فِي بعض الفتن مالًا فقسمه(12/253)
فِي قومه وله يقول أَبُو حزابة:
هَلْ لك فِي شيخ أتاك مُعْتامْ ... لم يَلْقَ خيرًا بعد عام بسطام
وولد قَيْس بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم
وهو أحد الكردوسين: شَهبرة بْن قَيْس. وسهم بْن قَيْس. وربيعة بْن قَيْس، وسميا الكردوسين لأنهما كانا ينزلان معًا. ومعاوية بْن مالك بْن زَيْد مناة الكردوس الآخر.
وولد ربيعة بْن مالك بْن زَيْد مناة:
كعب بْن ربيعة. وكعيب بْن ربيعة، وأمهم بُنانة بِنْت مُجَفِّر بْن كعب بْن العنبر. وعبيد بْن ربيعة، وأمه مُكرّمة من بني ضبيعة بْن ربيعة. والحارث بْن ربيعة، وأمه السعدية. وعمرو بن ربيعة، وأمه من بني الهجيم
ومنهم علقمة وشأس ابنا عَبَدة بْن ناشرة بْن قَيْس بْن عُبيد بْن ربيعة،
وكان علقمة أشعر أَهْل زمانه، وكان فِي عصر امرئ القيس بْن حجر.
ومنهم أسود بْن عبس بْن أسماء بْن وهب بْن رياح بْن عُوذ بْن منقذ بْن كعب بْن ربيعة بْن مالك،
وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أتيتك أتقرب إليك فسمي المتقرب.
ومنهم حميد بْن الأُرَيقط بْن خَالِد بْن المرقع من ولد كعيب بْن ربيعة بْن مالك،
ويقال إنه من بني حنظلة، وكان قد نزل به ضيف فأكل أكلًا شديدًا فقال:
حميد أتانا وما داناه سحبان وائل ... بيانًا وعلمًا بالذي هُوَ قائل
فَمَا زال عند اللقم حَتَّى كأنه ... من العيّ لما أن تكلم باقل
وكان حميد مع الحجاج. وعَيلان الربعي الراجز من رهط الْحَارِث بْن ربيعة.(12/254)
قال الكلبي: فربيعة بْن مالك بْن زَيْد مناة، وربيعة بْن حنظلة، وربيعة بْن مالك بْن حنظلة يسمون الربائع فِي بني تميم:
ومن بني ربيعة بْن مالك: علقمة بْن سهل الخصي أَبُو الوضاح،
الَّذِي شهد على قُدامة بْن مظعون بشرب الخمر وهو القائل حين احتضر:
يَقُول رجال من صديق وحاسد ... نراك أَبَا الوضاح أصبحت باليا
فلا يعدم البانون بيتًا يكنهم ... وَلا يعدم الميراث بعدي واعيا
وجفت عيون الباكيات وأقبلوا ... إِلَى مَا لهم إذ بِنْت منهم وماليا
حراصًا عَلَى مَا كنت أجمعه لهم ... هنيئًا لهم جمعي فَمَا كنت وانيا
وكان ذا يسار، وَكَانَ أسر باليمن فِي الجاهلية فهرب، ثُمَّ ظفر به فخصي ومات بالبحرين، ويقال إن بني الْحَارِث بْن كعب نفروا به بعيره فسقط فمات.
وكان حَمَّاد بْن سلمة من موالي بني ربيعة.(12/255)
نسب بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم
وولد سعد بْن زَيْد مناة عشرة نفر:
كعب بْن سعد.
والحارث بْن سعد. وعمرو بْن سعد. وعُوافة بْن سعد، وأمهم تَنْهَاه بِنْت الْحَارِث بْن تميم أخت شقرة، واسم شقرة مُعَاوِيَة بْن الْحَارِث بْن تميم. وجشم بن سعد وأمه الورثة بن جشم بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب.
وعبشمس بْن سعد، وأمه الصدوف بِنْت الأحمر بْن الْحَارِث بْن عَبْد مناة بْن كنانة. ومالك بْن سعد. وعوف بْن سعد، وأمهما رُهم بِنْت الخزرج بْنِ زَيْدِ اللاتِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بن كلب. وهبيرة بْن سعد، ونجدة درجا، وأمهما الناقمية وأخوهما لأمهما صعصعة بْن مُعَاوِيَة بْن بَكْر بْن هوازن.
وغُبَر بْن ثَعْلَبَة بْن غنم بْن حُبَيب بْن كعب بن يشكر بْن وائل.
قال هشام ابن الكلبي: أتى ثَعْلَبَة بْن غنم رقاش الناقمية، فأراد أن يتزوجها فَقِيل له: ما ترجو منها؟ فقال: لعلي أتغبر منها غلامًا فتزوجها فولدت له غلامًا فسماه غُبَر، فيقال لهؤلاء كلهم الأبناء غير كعب وعمرو.
فولد كعب بْن سعد: عوف بْن كعب.
وعمرو بْن كعب.
وحرام بْن كعب. وربيعة بن كعب. وعبد العزي بْن كعب. ومالك بْن كعب،(12/257)
وأمهم عُدّيَّة بِنْت مِخضب بْن زَيْد بْن نهد بْن زَيْد بْن قضاعة. وجشم بْن كعب. وعبشمس بْن كعب، ويقال عَبْد شمس بْن كعب وهو الثبت، وأمهما الخذعة بِنْت مُعَاوِيَة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة بْن تميم. والحارث الأعرج أصيبت رجله فِي حربهم فقال شاعرهم:
لا نِعْقِلُ الرِّجُلَ ولا نَدِيها ... حتى نرى داهية تنسيها
وأمه الصماء بِنْت عُتوارة بْن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن.
فمالك وكعب، أو عوف وكعب يُقَالُ لهما المزروعان، سميا بِذَلِك لكثرة عددهما وكثرة أموالهما.
والأجارب سبعة وهم: ولد كعب كلهم غير عمرو، وعوف مخرام، وعبد العزي أَبُو حِمّان، ومالك. وجشم. وعبد شمس والحارث. أجارب وهم البطون.
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ قال: التقت قبائل من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم وقبائل من بني عمرو بْن تميم بتياس [1] لطوائل بينهم، فاقتتلوا فقطع مالك بْن مازن بْن عمرو بْن تميم رَجُل الْحَارِث بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة، فسمي الْحَارِث الأعرج، فطلبت سعد القصاص فأقسم غيلان الْمَازِنِيّ ألا يعقلها ولا يقصها حَتَّى تُحشى عيناه ترابًا وقال:
لا نعقل الرجل ولا نديها ... حتى يروا داهية تنسيها
ثُمَّ التقوا فاقتتلوا فجرحوا غيلان فأثبتوه فجعل يدخل البوغاء [2] فِي عينيه ويقول: تحلل غيل، حتى مات.
__________
[1] تياس: ماء للعرب بين الحجاز والبصرة، وقيل تياس: جبل قريب من أجأ وسلمى جبلي طيّئ، وقيل بل بين البصرة واليمامة، وهو إلى اليمامة أقرب. معجم البلدان.
[2] البوغاء: التربة الرخوة كأنها ذريرة. القاموس.(12/258)
وكان رئيس بني عمرو بْن تميم كعب بْن عمرو ولواؤه مع ابنه ذؤيب بْن كعب بْن عمرو، فقال ذؤيب:
يا كعب إن أخاك مختنق ... إن لم تكن بك مرة كعب
أتجود بالدم ذي المضنة فِي ... الجُلى وتلوي الناب والصقب [1]
يقول: أَبَيْتُم عقل رجل الْحَارِث ووهبت دم غيلان.
الآن إذ أخذت مآخذها ... وتباعد الأسباب والقرب
أنشأت تطلب خطة غبنًا ... وتركتها وَمَسَدّها رأب
جانيك من تجني عليه وقد ... تعدي الصِحاح مبارك الجرب [2]
يريد مباركا ولكنه لا يجري.
قال هشام: ترك كعب دم أَخِيهِ فوهبه، فلذلك قال ابنه ما قال.
قَالُوا: وَفِي يوم تياس قتل بنو مازن قيسًا أَبَا الأحنف.
فولد عُمَرو بْن كعب بْن سعد:
مُقاعس بْن عمرو واسمه الْحَارِث.
ووديعة بْن عمرو، درج، وأمهما الصَّماء بِنْت عُتوارة، خلف عليها بعد أَبِيهِ. فولد مقاعس: عُبيد بْن مقاعس، وأمه تنهاه بِنْت مخدج بْن ثعلبة بْن الْحَارِث بْن مَالِك بْن كنانة: وكان عُبيد محمَّقًا. وصَريم بْن مُقاعس.
وأصرم بْن مقاعس. وعُمير بْن مقاعس.
ورُبَيْع بْن مقاعس،
وأمهم ابْنَة قَيْس بْن حنظلة بْن مَالِك بْن زَيْد مناة.
فَمَنْ بني رُبَيْع: حنظلة بْن عرادة الشاعر الَّذِي يقول:
أَنَا ابن عرادة الحامي ربيعًا ... إذا ما شاعر يوما هجاها
__________
[1] الصقب: ولد الناقة. والناب: الناقة المسنة. والجلّى: الأمر العظيم. القاموس.
[2] انظر النقائض ج 2 ص 1025- 1026.(12/259)
ومرة بْن مِحكان
كان القُباع ضربه فقال:
عمدت فعاقبت امرأً كَانَ ظالمًا ... فألهب فِي ظهري القُباع وأوقدا
سياطًا كأذناب الكلاب معدةً ... إذا أخلق السوط المحدرج [1] جددا
قال أبو اليقظان: كان مرَّة سيد بني رُبَيْع، قتله صاحب شرط مصعب بْن الزبير وكان من أصحاب الجُفرة، وكان شاعرًا وهجاه الفرزدق فقال:
تُرَجِّي رُبَيْع أن تجيء صغارها ... بخير وقد أعيا ربيعًا كبارها
عتلُّون [2] صَخّابو العشيِّ كأنهم ... لدى القوم عرصان شديد نعارها
كأن ربيعًا من حماية منقر ... أتان دعاها فاستجابت حمارها [3]
ومعن بْن مرة بْن محكان الَّذِي يقول فيه أبوه مرة:
فَإِن تحسب الأعداء إن غبت عَنْهُمْ ... وأُورثتَ مَعنا أنَّ حربي كَلَّتِ
وبعث الحجاج بْن يوسف مَعَنَا إِلَى رَجُل جمع جمعًا بأصبهان وخالف، فأتاه فظفر به، ولا عقب لمرة بْن مِحكان.
ومنهم: السموءل بْن حنظلة بن عرادة
وفيه يقول أبوه:
ما للسموأل أبدى اللَّه عورته ... خَلَّى أَبَاهُ طويل الهم وأدلجا
مجع سباتٌ يعاطي الكلب مطعمه ... إذا رَأَى عورةً من جاره ولجا
قال: المجع: الماحق. والسبات: الخبيث المنكر.
ومن بني رُبيع: عَسْعَس بْن سلامة، وكان يكنى أَبَا صفرة،
وكان له بالبصرة قدر وفضل.
__________
[1] حدرج: فتل. القاموس.
[2] العتل: الجافي الغليظ.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 272 مع فوارق.(12/260)
قال أَبُو اليقظان: وكان يُقَالُ لبني دينار من بني ربيع ركبة القلوص، جاؤوا مترادفين على قلوص فدخلوا عُمان، ولا يدري من أين جاؤوا.
ومنهم: خليف بْن عقبة وكان ظريفًا، وإليه تنسب الفالوذجة الخليفية بالبصرة.
فولد عُبيد بْن مُقاعس:
مِنقر بْن عُبيد.
وعوف بْن عُبيد. ومرة بْن عُبيد. وعامر بْن عُبيد، وأمهم نُعْم بْن عُمير بْن عبشمس بْن سعد.
وزيد بْن عُبيد. ونجدة بْن عُبيد. وأسعد بْن عُبيد، وأمهم صفية بِنْت حِمّان بْن عَبْد العزي بْن كعب بْن سعد. وعبد عمرو بْن عُبَيد، وأمه هند بِنْت محلم بْن جشم بْن كعب بْن سعد.
وكان عُبيد بْن مقاعس ضعيف العقل محمقًا.
قال ابن الكلبي: فبنو عُبيد بْن مُقاعس، واسمه الْحَارِث، يدعون اللَّبدُ غير بني منقر، وإنما سموا اللبد لأنهم تلبدوا على بني مرة بْن منقر ومعهم الشُعَيْراء. وبعضهم يقول اللِّبد- بكسر اللام- وقال سمي الْحَارِث بْن عمرو بْن كعب بْن سعد مقاعسًا، وقيل إن بني مقاعس جعلوا شعارهم مُقاعسًا فسموا مُقاعسًا.
وولد منقر بْن عُبَيْد بْن مقاعس: خَالِد بْن منقر الَّذِي قتله بنو شَيْبَان، حين غزوا بني سعد، يوم أداد، فقال أَبُو مسهر أصرم بْن ثَعْلَبَة:
صدمنا تميمًا صدمة طحطحتهم ... وأخرى حككناها بحيِّ إياد
وأوطأت ذلًا منقرًا فِي ديارها ... غداة قتلنا خالدًا بأداد
وأسعد بْن منقر. وجرول بْن منقر. وجندل بْن منقر. وصخر بْن منقر. وفقيم بْن منقر. وعوف بن منقر. ومرة بْن منقر. وصخر بْن منقر. وفقيم بْن منقر. وعوف بْن منقر. ومرة بْن منقر. وأقيش، وأمهم(12/261)
رقاش بِنْت عامر بْن العَصَبَة بْن امرئ القيس بْن زَيْد مناة بْن تميم، وفيهم يقول النابغة:
كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشنِّ [1]
وقال غير ابن الكلبي عني بني أقيش بْن عكل.
وقال غير الكلبي ولد منقر أيضًا: حَزن بْن منقر وهم قوم القُلاخ بْن حزن السعدي الَّذِي يقول:
إني امرؤ لم أتوسع بالكذب ... ولم يكن ذلك من رأي ولُبّ
إن أَبِي حزنا بني لي فِي الحسب ... مساعي الخير فَمَنْ يخبث يطب
وهو القائل أيضًا:
والله لولا النار أن نصلاها ... أو يدعو الناس علينا اللَّه
لما أطعنا لأمير فاها ... ما خطرت سعد على قناها
قال: ومن ولد حزن: محرز بْن حُمران وابنه جَيْهَان بْن محرز، وأمه ابْنَة قَيْس بْن عاصم، وكان محرز وجيهان مع عدي بْن أرطاة الفزاري فِي قتال يزيد بْن المهلب، فحمل رَجُل على جَيْهَان فاستنقذه مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان بْن زياد بْن أَبِي سُفْيَان فقال الفرزدق:
دعا ابن أَبِي سُفْيَان والخيل دونه ... تثير عجاجًا بالسنابك ساطعا
فكر إليه مثل ما كر مخدر ... من الأسد تحمي واردات شوارعا [2]
ومن بني منقر: ورد الطعان بْن حبيب
كان بخراسان.
ومنهم: جَعْفَر بْن جِرْفاس،
كان عابدًا، قال الْحَسَن: «لا أرى مثل
__________
[1] ديوان النابغة الذبيان ص 123.
[2] ليسا في ديوانه المطبوع.(12/262)
جعفر بْن جرفاس. وجعفر بْن زَيْد وهو رَجُل من عبد القيس.
ومن بني منقر: قَيْس بْن عاصم [1] بْن سنان بْن خَالِد بن منقر،
وقد رأس ووفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: [ «هَذَا سيد أَهْل الوبر» ] .
وكان الأحنف بْن قَيْس يقول: إنما تعلمت الحلم من قَيْس بْن عاصم أتي بقاتل ابنه [2] فقال ذعرتم الفتى وأقبل عليه فقال: يا بني لقد نقصت عددك، ووهنت ركنك، وفتت فِي عضدك وأشمتَّ عدوك، وأسأت بقومك، خلوا سبيله. وما حل حبوته ولا تغير وجهه.
وقال أَبُو عبيدة معمر بْن المثنى: جاور قَيْس بْن عاصم ديافي [3] يتجر فِي أرض العرب فربطه، وأخذ متاعه، وشرب شرابه حتى جعل يساور النجم يريد زعم يتناوله ويتناول القمر وقال:
وتاجر فاجر جاء الإله به ... كأن عثنونه أذناب أجمال
ثُمَّ قسم صدقة النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قومه وقال:
ألا أبلغا عني قريشًا رسالة ... إذا ما أتتهم مهديات الودائع
حبوت بما صدقت فِي العام منقرًا ... وآيست منها كل أطلس طامع
وقال غير أَبِي عبيدة كان قَيْس بْن عاصم يكنى أَبَا علي. ولما فعل بالديافي ما فعل وسكر جعل مال نفسه نهبًا فلم تزل امرأته تسكنه حَتَّى نام، فَلَمَّا أصبح وأخبر ما كان منه قال: لا يدخل الخمر بين أضلاعي أبدًا.
وولي قَيْس عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدقات مقاعس والبطون، وكان
__________
[1] بهامش الأصل: قيس بن عاصم المنقري رحمه الله.
[2] القاتل لابنه ابن أخ له. الأغاني ج 14 ص 74.
[3] دوف: الخلط والبل بماء ونحوه، ودياف من قرى الشام، وقيل من قرى الجزيرة. معجم البلدان. القاموس.(12/263)
الزبرقان بْن بدر قد ولي صدقات عوف والأبناء، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد جمع كل واحد من قَيْس والزبرقان صدقات من ولي قَبْضَ صدقته دس إليه الزبرقان فخدعه، فقال: يا أبا علي إن النَّبِيّ قد توفي فهلم نجمع هَذِهِ الصدقة ونجعلها فِي قومنا، فَإِن استقام الأمر لأبي بَكْر وأدت إليه العرب الزكاة جمعناها الثانية وأديناها، فقال: صدقت، ففرق قَيْس الإبل في قومه وانطلق الزبرقان بسبعمائة بعير إِلَى أبي بَكْر وقال:
وفيت بأذواد النَّبِيّ مُحَمَّد ... وكنت امرأً لا أفسد الدين بالغدر [1]
وقال أيضًا:
لقد علمت قَيْس وخندف أنني ... وفيت إذا ما فارس الغدر أنجما [2]
فلما عرف قَيْس بْن عاصم ما كاده به الزبرقان قال: لو عاهد الزبرقان أمه لغدر بها.
وَفِي قَيْس يقول عبدة بْن الطبيب العبشمي:
عليك سلام اللَّه قَيْس بْن عاصم ... ورحمته إن شاء أن يترحما
سلام امرئ جللته منك نعمة ... إذا زار عن سخط بلادك سلما
فَمَا كان قيسٌ هَلْكُهُ هَلْكُ واحدٍ ... ولكنه بنيان قوم تهدما
وحدثني ابن الأعرابي قال: قيل لقيس: بماذا سدت؟ فقال: بثلاث بذل الندى، وكف الأذى، ونصرة المولى.
حَدَّثَنِي العمري عن الهيثم، وذكره أَبُو الحسن المدائني قال: كان
__________
[1] شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم- ط. بيروت 1987 ص 42.
[2] شعر الزبرقان بن بدر ص 55، وفيه «أحجما» . وأنجم المطر وغيره: أقلع. القاموس.(12/264)
قَيْس يقول لبنيه: إياكم والبغي، فَمَا بغى قوم قط إلا قلوا وذلوا، فكان الرجل من بنيه يلطمه بعض قومه فينهى إخوته أن ينصروه.
وروي عن قَيْس بْن عاصم أنه قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرحَّب بي وأدناني فقلت: يا رسول اللَّه، المال الَّذِي لا يكون عليَّ فيه تبعة لضيف إن ضافني ولعيال إن كثروا علي؟ قال: [ «نعم المال الأربعون والكنز الستون، ويل لأصحاب المئين ويل لأصحاب المئين ثلاثًا إلا من أعطى من رسلها، وأطرق فحلها وأفقر ظهورها ومنح غريرتها، وأطعم القانع والمعتر» ] .
فقلت: يا رسول الله ما أركم هذه الأخلاف وأحسنها إنه لا يُحَل بالوادي الَّذِي فِيهِ إبلي من كثرتها قال: «فكيف تصنع فِي الأطراق» ؟ قلت: يغدو الناس فَمَنْ شاء أن يأخذ برأس بعير ذهب به. قال: «فكيف تصنع فِي الأقفار» ؟
قلت: إني لأقفر الناب المدبرة والضرع الصغيرة. قال: «فكيف تصنع فِي المنيحة» ؟ قلت: إني لأمنح فِي السنة المائة. فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، وأعطيت فأمضيت» ،] فقلت: وَالَّذِي بعثك بالحق لئن بقيت لأدعنها قليلًا عددها.
وكان إسلام قَيْس حسنًا، وقيل له بما سدت؟ فقال: ببذل القرى، وترك المراء، وكف الأذى، ونصرة المولى.
قَالُوا: وقيس بْن عاصم الَّذِي حفز الْحَارِث بْن شريك الشيباني بطعنة فِي إسته يوم جَدُود فسمي الحوفزان.
وكان من حديث يوم جدود [1]
أن الحارث بن شريك بن عمرو بن
__________
[1] بهامش الأصل: يوم جدود، وفي معجم البلدان: جدود: اسم موضع في أرض بني تميم قريب من حزن بني يربوع على سمت اليمامة.(12/265)
قَيْس بْن شراحيل بْن مرة بْن هَمام بْن مُرة بْن ذُهْلِ بْن شَيْبَان كَانَتْ بينه وبين سليط من بني يربوع موادعة، ثُمَّ هُمْ بالغدر بهم وجمع بني شَيْبَان وذهلًا واللهازم، وهم بنو قَيْس بْن ثَعْلَبَة، وبنو تيم اللَّه بْن ثَعْلَبَة، وعجل، وعنزة، ثُمَّ غزا وهو يرجو أن يصيب من بني يربوع غِرَّةً، فَلَمَّا أتى بلادهم نذر به عُتيبة بْن الْحَارِث، فنادى فِي بني جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة من بني يربوع فحالوا بين الْحَارِث بْن شريك وبين الماء، فقال لعتيبة: يا أَبَا حزرة قد عرفتم الموادعة بيننا وبين بني سليط، فهل لكم إِلَى أن تسالموا فو الله لا نروع بني يربوع أبدًا.
فأغار الْحَارِث بْن شريك على بني رُبَيع بْن الْحَارِث، وهو مقاعس وإخوته من بني مقاعس، وهم بجدود، فاستغاثوا ببني يربوع فلم يجيبوهم، وقال قَيْس بْن مقلد الكليبي لبني رُبَيع.
أَمِنكُم علينا منذرٌ لعدونا ... وداع لنا يوم الهياج مُندد
فقلت ولم أسرَّ بِذَاك ولم أُسأ ... أَسَعْدُ بْن زَيْد كيف هَذَا التودُّد [1]
فأتى صريخ بني مقاعس بني منقر بْن عُبَيْد فركبوا حَتَّى لحقوا بالحارث بْن شريك وبكر بْن وائل وهم قائلون فِي يوم حار، فَمَا شعر الحوفزان إلّا بالأهتم بْن سُميّ بْن سنان بْن خَالِد بْن منقر، واسم الأهتم سِنان، واقفا على رأسه، فوثب الحوفزان إِلَى فرسه فركبه وقال للأهتم: من أنت؟ قال: أَنَا الأهتم بْن سُميّ وهذه منقر قد أتتك، قال الحوفزان: فأنا الْحَارِث بْن شريك بْن عمرو، وهذه رُبَيْع قد حويتها. فنادى الأهتم: يال سعد ونادى الْحَارِث الحوفزان: يال وائل، وحمل كل واحد على صاحبه
__________
[1] النقائض ج 1 ص 326.(12/266)
ولحق بهم بنو منقر فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه، ونادت نساء بني رُبَيع: يال سعد فاشتد قتال بني منقر لصياحهن، فهزمت بَكْر بْن وائل، وخلوا من كان فِي أيديهم من بني مقاعس ومن أموالهم، وتبعتهم بنو منقر فَمَنْ قتيل وأسير، وأسر الأهتم حُمران بْن عَبْد عمرو، ولم يكن لقيس بْن عاصم همّة إلا الْحَارِث بْن شريك، والحارث على فرس له قارح يدعى الزبد، وقيس بْن عاصم على مهر فخاف أن يسبقه الْحَارِث بْن شريك فحفزه قَيْس بالرمح فِي استه فبحفزته سمي الحوفزان، فنجا، ورجع بنو منقر بأموال بني رُبَيع وسبيهم وبأسارى بَكْر بْن وائل وأسلابهم.
فذكر بعض الرواة أن طعنة الحوفزان انتقضت به بعد سنة فمات، وَفِي هَذَا اليوم يقول قَيْس بْن عاصم:
جزى اللَّه يربوعًا بأسوأ سعيها ... إذا ذكرت فِي النائبات أمورها
ويوم جَدود قد فضحتم ذماركم ... وسالمتم والخيل تدمى نحورها
ستحطم سعد والرباب أنوفكم ... كما حزّ فِي أنف القصيب [1] جريرها
فِي أبيات، وقال الأهتم فِي أسره حمران:
تمطتَّ بحمران المنية بعد ما ... حشاه سنان من شراعة أزرق
دعا يال بَكْر واعتزيت بمنقر ... وكنت إذا لاقيت فِي الحرب أَصْدُق
وقال سوّار بْن حيان المنقري
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة ... سقته نجيعًا من دم الجوف أشكلا
وحمران قسرًا أنزلته رماحنا ... فعالج غلّا في ذراعيه مقفلا
وبنو تميم يزعمون أن الحوفزان أغار على بني رُبَيع بن مقاعس فأصاب
__________
[1] بهامش الأصل: ناقة معتصبة. وفي النقائض ص 327. القضيب: الناقة التي لم ترض.(12/267)
نسوة وهن خلوف وإبلا، فأتى الصريخ بني سعد، فركب قَيْس بْن عاصم فِي بني سعد فأدركوه فاقتتلوا وذلك فِي يوم شديد الحر.
وقال معمر بْن المثنى: التقى مالك بْن مسروق الربيعي، وشهاب بْن ربيعة بْن جَحدر أَبُو السامعة فقال مالك: من أنت؟ قال:
أَنَا شهاب جحدر ... أطعنهم عند الكر
تحت العجاج الأكدر
فقال مالك:
أَنَا ابن مسروق بْن غيلان ... ومعي سنان حران
وإنما جئت الآن ... أقسمت لا ثؤبان
ثُمَّ شد عليه فقتله.
وأغار قَيْس بْن عاصم ببني كعب بْن سعد على اللهازم بالنباج وثيتل، فتخوف أن يكره أصحابه لقاء بَكْر بْن وائل وتناجوا فِي ذلك فشق مزادهم ليلًا لئلا يجدوا بدًا من لقاء القوم، فَلَمَّا فعل أذعنوا للقائهم وصبروا له فأغار عليهم، وكان أشهر يوم لبني سعد ظفرت منه سعد بما شاءت، فقال علي بْن قَيْس بْن عاصم
أَنَا ابن الَّذِي شق المزاد وقد رَأَى ... بثيتل أحياء اللهازم حضّرا
فصبّحهم بالجيش قَيْس بْن عاصم ... وكان إذا ما أورد الأمر أصدرا
وقال سوار بْن حيان:
ومالك من أيام صدق تعدها ... كيوم جواثا والنباج وثيتلا
وقال قَيْس بْن عاصم:
ويوم جواثا والنباج وثيتل ... منعنا تميما أن تباح ثغورها(12/268)
وأغار قَيْس بْن عاصم ببني سعد على عَبْد القيس بجواثا، ويقال كان رئيس بني سعد يومئذ سنان بن خالد، وجواثا من أرض البحرين، فأصابوا ما أرادوا فيما يزعم بنو منقر فقال سوار بْن حيان:
ومالك من أيام صدق تعدها ... كيوم جواثا والنباج وثيتلا
ويقال أرادوا أن يفعلوا ببني تميم كما فعل بهم بالمشقر حين أصفق عليهم بابه فامتنعوا.
قَالُوا: وكان على بني سعد يوم الكلاب الثاني قَيْس بْن عاصم،
فوقع بينه وبين سنان- وهو الأهتم- اختلاف في أمر عبد يغوث بْن وقاص بْن صلاه الحارثي حين أسره ابن أبير التيمي، وهو عصمة بْن أُبير، ودفعه إِلَى الأهتم فِي يوم الكلاب فِي الحرب، ويقال فِي يوم آخر من أيامهم.
ومما يذكر عن قيس أنه قال لولده حين حضرته الوفاة: يا بني إذا متُّ فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم فيستسفه الناس كباركم، وعليكم بإصلاح المال فإنه مَنْبَهَةٌ للكريم وغنًى عن اللئيم، وَإِذَا متُّ فادفنوني فِي ثيابي التي كنت أصلي وأصوم فيها وإياكم والمسألة، فإنها آخر كسب الرجل، وإن امرأً لم يسأل إلَّا ترك مكسبةً، وَإِذَا دفنتموني فاخفوا قبري عن بَكْر بْن وائل فقد كَانَتْ بيننا خُماشات فِي الجاهلية.
فولد قَيْس بْن عاصم:
طَلبة بْن قَيْس، وأمه جميلة بِنْت خُفاف من بني عبشمس بْن سعد. وسُويد بْن قَيْس. وشماخ بْن قَيْس، وغيرهم أمهم ابْنَة فَدَكي بْن أعبد، وكان جميع ولد قَيْس ثلاثة وثلاثين ابنًا، وكان طلبة سخيًا ولما مر بسر بْن أَبِي أرطاة ببلادهم تنحوا عن طريقه فأصاب غيرهم من بني عوف بْن كعب، لأن طلبة نحاهم فقال الشاعر:(12/269)
لعمرو أبيك يا وبر بن قيس ... لقد آويت معترك الملام
ولم تفعل كما فعل ابن قَيْس ... وعرق الصدق بالأقوام نام
سرى بمقاعس وتركت عوفا ... ونمت ولم ينم ليل التمام
وَبَره: رَجُل من بني قريع، ويقال اسمه وَبْر.
وكان مقاتل بْن طلبة شريفًا شاعرًا وقد ذكرنا أمره حين أوفده إِبْرَاهِيم بْن عربي فِي كتابنا هَذَا.
وحدثت أن رجلًا من بني سُحَيم من بني حنيفة تزوج ابْنَة مقاتل، وكان شيخًا يُقَالُ له بدر فزعموا أنه افْتَضَّهَا بأصبعه فخاصمه أبوها وقال:
ما لسُحَيم ناقد اللَّه بينها ... تنيك بأيديها وتعيا أيورها
وقال أَبُو الحويرث السحيمي:
هتكنا عجان المنقرية بالتي ... أبونا لجيم كان لا يستعيرها
ونحن ثقبناها بكل مثقفٍ ... وكل كمهداةٍ بطيءٌ فتورها
مقاتل فاسبرها ببيض نعامة ... فَإِن هِيَ لم تدخل فأنت أميرها
وكان بُردة بْن مقاتل فاجرًا يتعبث بالنساء وهو القائل:
وما العيش إلا فِي الزناء وقهوةٍ ... كَانَتْ لكسرى فِي الزمان الأول
وذكروا أنه عمد إِلَى أمةٍ لبني حمَّان فكان يأتيها فِي سرب له فولدت منه شملة اللص، فطلبه بنو حمان فاشتراه منهم بعشرين بعيرا، فكانت تقول لعمرة امْرَأَة بُردة:
وما ذَنْبُنَا يا عمرو إن كنت عاشقًا ... وبردة عما سَرَّ نفسك طامح
وقتل شملة رَجُل يُقَالُ له سنان بعثه إليه مُحَمَّد بْن سُلَيْمَان بن علي.
وكان هشام بْن طلبة شاعرًا وكان يهجو بني حمان، وهو القائل:(12/270)
كأنّ رؤوس حمَّان بْن كعبٍ ... على الأحفاظ جُعْلانٌ تطير
وقالت امْرَأَة من ولد طلبة تزوجها يزيد بْن هبيرة المحاربي أو غيره، وحملها إِلَى اليمامة:
لقد كنت عن حجر بعيدا فساقني ... صروف النوى والسائقات إلى حجر
يقولون فرش من حرير وإنما ... أرى فرشهم عندي كحامية الجمر
وإني لأستحيي تميمًا وغيرها ... لإنكاحهم إياي عند بني جسر
ومنهم عَبْد اللَّه بْن الأهتم. وعمرو بْن الأهتم [1] بْن سمي بْن سنان بْن خَالِد بْن منقر،
وأم سنان تميمية، وكان الأهتم يكنى أَبَا مالك، وأم سمي من بني أُهيجم ويقال إنها عَفْرة سبيت من الحيرة وهي حامل، قال قَيْس بْن عاصم فِي ذلك:
نَحْنُ سبينا أمكم مقرَّبا ... يوم صبحنا الحيرتين المنون
جاءت بكم عَفْرة من أرضها ... حيرية ليست كما تزعمون
لولا دفاعي كنتم أَعْبُدًا ... منزلها الحيرة فالسيلحون
ووفد عمرو إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْن مُحَارِبٍ عَنْ سَلْمِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُتَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشَنٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الأَهْتَمِ: «أَخْبِرْنِي عَنِ الزِّبْرِقَانِ بن بدر» ؟ قال: مطاع في أدنيه شَدِيدُ الْعَارِضَةِ مَانِعٌ لِمَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ مِنِّي أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَلَكِنَّهُ حَسَدَنِي، فَقَالَ عَمْرٌو: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَزَمْرُ [2]
__________
[1] بهامش الأصل: عمرو بن الأهتم رحمه الله، وقصته مع الزبرقان.
[2] زمر: قليل المروءة. القاموس.(12/271)
الْمُرُوءَةِ، ضَيِّقُ الْعَطَنِ، أَحْمَقُ الْوَالِدِ، لَئِيمُ الْخَالِ، وَمَا كَذَبْتُ فِي الأُولَى وَلَقَدْ صَدَقْتُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَكِنِّي رَضِيتُ فَقُلْتُ أَحْسَنَ مَا أَعْلَمُ، وَسَخِطْتُ فَقُلْتُ أَسْوَأَ مَا أَعْلَمُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشَّعْرِ لَحِكَمًا» ] .
وكانت أم عمرو ابْنَة فَدَكي بْن أَعْبَد.
ووجه الحكم بْن أَبِي العاص الثقفي عَمْرًا إِلَى عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ بفتح راشهر وقيل شهرك، وكان الَّذِي لقيه سوَار بْن همام العبدي وكان على مقدمة الحكم فقال عمرو:
جئت الْإِمَام بإسراع لأخبره ... بالحق من خبر العبدي سوَّار
أخبار أروع ميمون نقيبته ... مستعمل فِي سبيل الله مغوار [1]
وذكروا أن عمرًا كان يدعى فِي الجاهلية المكحل لجماله، وكان من شعراء بني تميم وهو القائل:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ... ولكن أخلاق الرجال تضيق
نمتني فروع من زرارة وابنه ... ومن فدكي والأشد عُروق
دعائم يرفعن الفتى فِي أرومة ... يفاعٍ وبعض الوالدين دقيق [2]
وتزوج الْحَسَن بْن علي رَضِيَ الله عَنْهُمَا أم حبيب بِنْت عمرو لجمال أخيها نُعيم بْن عمرو، فَلَمَّا رآها قبيحة طلقها، وَفِي نعيم يقول عَبْد الرَّحْمَن بْن حسان بْن ثابت:
قل للذي كاد لولا خط لحيته ... يكون أنثى عليها الدّر والمسك
__________
[1] شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم ص 87.
[2] شعر الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم ص 95.(12/272)
هَلْ أنت إلا فتاة الحي إن أمنوا ... شرًا وأنت إذا ما حاربوا دُعَك [1]
وقال الآخر:
حُسَيْن أَبَا الفياض أطول أمَّةً ... وأحسن وجهًا من نعيم الأهاتم
وكان قطن بْن عمرو بن الأهتم
فارسًا شجاعًا، وأخذه عَبْد اللَّه بْن خازم بخراسان فحبسه ثُمَّ اغتيل فهلك فِي محبسه، وفيه يقول الحريش بْن هلال القُريعي:
إذا ذكر القوم الكماة تبادرت ... عيون بني سعد على قطن دما
على فارس لا يسقط الروع رمحه ... إذا كان أصوات الكماة تغمغما
وكان ربعي بْن عمرو من رجال بني تميم، وكان ذا قدر، وفيه يقول إياس بْن قَتَادَة:
وما كان ربعي ليفعل مثلها ... بمثلي ولا عمرو بْن قَيْس بْن عاصم
وكان زياد بْن عمرو
فارسًا شاعرًا، وهو الَّذِي يقول:
لولا طعانيّ بالبُوقان ما رجعتْ ... منها سرايا ابن جزي بأسلاب
وكان بالسند مع جزي بْن جزي الباهلي، ويقال هُوَ عَبْد الرَّحْمَن بْن جزي بن جزي.
ومن بني عمرو بْن الأهتم: أَبُو بَشير وكان يلقب أَبَا الزقاق،
وقال بعضهم اسمه كشير، قتله قُتَيْبَة بْن مُسْلِم بخراسان.
حَدَّثَنَا عَلِي بْن المغيرة الأثرم عَنْ أَبِي عُبَيْدة قال: ولى قُتَيْبَة بْن مسلم عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم، وهو أَبُو خاقان مرو وغزاه، فأتاه أَبُو الزقاق فقال: أنك قَد انبسطت إِلَى عَبْد اللَّه وهو شرير حسود فلا تأمنه على أن
__________
[1] خصم مداعك: ألد. القاموس.(12/273)
يغولك فيفسدنا معشر آل الأهتم عندك فقال له قُتَيْبَة: ما قلت هَذَا إلا حسدا لابن عمك. قَالَ: فليكن عذري عندك محفوظًا، وغزا قُتَيْبَة فكتب عَبْد اللَّه إِلَى الحجاج يسعى به فيما صار إليه من المال فبعث الحجاج بكتابه إِلَى قُتَيْبَة وجاء الرَّسُول حَتَّى نزل السكة بمرو فأحَسَّ عَبْد اللَّه بالشر، فهرب ولحق بالشام فمكث يبيع الخمر والكنانات فِي رزمة على عنقه يطوف بها، ووضع خرقة وقطنه على عينه وعصبها فكان كالأعور، واكتنى أَبَا طيبة، وباع أيضًا الزيت، ولم يزل كذلك حَتَّى هلك الْوَلِيد بْن عَبْد الملك وولي سُلَيْمَان فأمنه فألقى عَنْهُ الدنس والخرقة ثُمَّ قام بخطبة هنأ فيها سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك وقرظة، ووقع فِي الحجاج وقتيبة فتفرق الناس وهم يقولون: أَبُو طيبة الزَّيَّات أخطب الناس.
ولما انتهى كتاب عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه الَّذِي بعث به الحجاج إِلَى قتيبة بعد هرب أَبِي الزقاق وقد فاته عَبْد اللَّه بنفسه عكر على بني عمه فقتلهم، وفيهم شَيْبَة أَبُو شبيب وأبو الزقاق فقال أَبُو الزقاق: اذكر عذري عندك، قال: إنك قدمت رجلا وأخَّرتَ رجلا يا عدو اللَّه وقتله.
ومنهم خَالِد بْن صفوان [1] بْن عَبْد اللَّهِ بْن عمرو بْن الأهتم،
واسمه سنان بْن سُمي بْن سنان بْن خَالِد بْن منقر الخطيب.
وقال غير الكلبي: هُوَ خَالِد بْن صفوان بْن عَبْد اللَّهِ بْن الأهتم، وقول الكلبي أثبت.
وأخوه نعيم بْن صفوان بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن الأهتم، وكان نعيم صاحب شراب وكان يُشار خالدًا أخاه كثيرًا، فقال الْحَسَن الْبَصْرِي: عجبا
__________
[1] بهامش الأصل: خالد بن صفوان.(12/274)
لهذين الرجلين أمالهما من أنفسهما واعظ، ولا ينهاهما من اللَّه زاجر؟
وهجا الفرزدق نعيمًا هَذَا فقال:
ألا أبلغا عني نُعيمًا رسالة ... نعيم بْن صفوان خليع بني سعد
فَمَا أنت بالقاري عرفنا قِراته ... وما أنت فِي الفساق بالحازم الجلد [1]
وكان خَالِد بْن صفوان من أخطب الناس وأبلغهم وأحدثهم، وكان ذا حظ من السلطان ومالٍ، وكان بخيلًا، ويكنى أَبَا صفوان، وأم خَالِد وأخيه نُعيم: أروى بِنْت سُليم مَوْلَى زياد بْن أَبِي سُفْيَان، وقد ولي صفوان أَبُو خَالِد أمر بني تميم أيام مَسْعُود، وكان أيضًا خطيبًا، وأوصى عند موته بمائة وعشرين ألفًا وشهد الْحَسَن وصيته فقال قائل لصفوان: لأي شيء أعددت هَذَا المال وجمعته؟ فقال: لنكبات الزمان، وجفوة السلطان، ومباهاة العشيرة، فقال الْحَسَن: تدعه والله لمن لا يحمدك، وتقدم على من لا يعذرك.
وحدثنا عن هشام ابن الكلبي عن أَبِيهِ أن خَالِد بْن صفوان قال:
الصدق محمود، إلا صدق ذي السعاية فَإِنَّهُ شر مَا يَكُون، أصْدق مَا يَكُون. وقد رُوِيَ ذلك عن ابن شبرمه.
حَدَّثَنَا عَلي بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه المدائني أن خَالِد بْن صفوان قال لبشير بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرةَ: أَنَّ بشيرًا تورَّدَ الأمور جهلًا، وارتكس فيها، فلم يقم عليها صبرًا، ولم يخرج منها عزمًا.
قال: وكان بلال بْن أَبِي بردة أمر بتقنيع خَالِد وحبسه لأنه بلغه عنه أنه
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 172 مع فوارق.(12/275)
قال حين ولي: سحابة صيف عن قليل تقشع فقال: والله لا تقشع أو تصيبه بشؤبوب.
وكان خَالِد يقول: للعدل فِي دار بلال أعز من الكبريت الأحمر فِي دار أَبِي الزرد الحنفي، وأبو الزرد الَّذِي قال له الفرزدق ما قال، وقد ذكرناه فِي خبره.
الْمَدَائِنِي قَالَ: دَخَلَ خَالِد بْن صفوان عَلَى يوسف بْن عمر، وبلال بْن أَبِي بردة يعذب، فقال خَالِد ليوسف: أصلح اللَّه الأمير هَذَا بلال بْن أَبِي بردة بْن أَبِي مُوسَى وكان أَبُو مُوسَى حلاقًا فاكتنى بموساه، وتزوج طهفة بِنْت الدَمُون، وكانت حالكة الجلد قزعة الشعر، وهي أم أَبِي بردة، وكان الدمون مقرًا بولاء الأمير، وكانت أم هَذَا أمة لأبية تخرج إلى الأسواق فيغمز الناس شاكلتها [1] ويشجها أَبُوهُ فِي الدرهم، ويضربها فقال بلال: إن أَبِي تزوج فِي أكفائه من العرب، وإن أَبَا هَذَا وعمه علقا محررتين من محررات أَهْل البصرة فَلَمَّا خاف أهلوهما أن يفضحاهم زوجوهما منهما، فهذا ابن أمة زياد، وابن عمه ابن أمة لآل معمر، وهو يستطيل عليَّ بثلاث خصال: هُوَ مطلق، وأنا أسير، والأمير علي ساخط وهو عَنْهُ راضٍ، وهو بالحيرة على طينته التي ولد عليها فهي تعرفه ويعرفها، فهو كالكلب يجترئ على باب أهله.
قال: ومر خَالِد على أَبِي الجهم القائد وهو على حمار له، فقال له أَبُو الجهم: ما هَذَا يا خَالِد؟ قال: عيرٌ من بنات الكداد [2] محملج الساقين
__________
[1] الشاكلة: شعر المرأة إذا ضفرته خصلتين من مقدم رأسها عن يمين وشمال. القاموس.
[2] بهامش الأصل: الكداد جبل.(12/276)
أصحر السربال [1] ، يحمل الرجلة ويبلغ العقبة، ويمنعني أن أكون جبارًا عنيدًا.
وقال خَالِد: البراذين للجَمال والدعة، والخيل للطلب والهرب، والجمال للدماء [2] وبُعد الأسفار، والبغال للأحمال والأثقال، والحمير للدبيب وخفة المؤونة.
وقال خَالِد: بِتُّ أتمنى ليلتي كلها، فملأت البحر الأخضر من الذهب الأحمر، فإذا الَّذِي يكفيني رغيفان وكوزان وطمران.
وذكر سُلَيْمَان بْن علي أن رجلًا أراد توليته عملًا، فقال خَالِد: والله لو أنه على سويقة البحرين ما أجراها، مع أنه يخلط ذلك بلؤم الحسب، وسوء الأدب، وقلة النشب.
قَالُوا: ولقي خَالِد بْن صفوان ذات يوم روح بْن حاتم بْن قَبِيصَة بْن المهلب، فذكر الدنيا فزهد فيها، ثُمَّ قال لروح بن حاتم: رأيتك فِي شرفك وخطرك وما بسط اللَّه لك من الدنيا تطلبها هَذَا الطلب يا أَبَا خلف فقال له روح: يا أَبَا صفوان ما يرغبني فِي الدنيا إلّا أني وأنا شاب حديث السن لا آتي بابًا من هَذِهِ الأبواب إلّا وجدتك عليه قد سبقتني إليه، وأنت قد جاوزت الستين، ولم يبق منك كبير شيء. فقال: والله لئن قلت ذلك لقد ذهب مني رونق الوجه، وحسام الصلب، وحدة القلب، ولأنا كنت إِلَى الدعة
__________
[1] الأصحر: قريب من الأصهب، والسربال: القميص أو الدرع. ومحملج الساقين:
مفتول الساقين. القاموس.
[2] بهامش الأصل: يعني الديات.(12/277)
والرفاهية، وإلى بيت منضوح [1] وتور [2] من نضوح، وستر مسدول أحوج مني إِلَى ما ترى.
ومدح خَالِد رجلًا فقال: ما رَأَيْت أسكن فؤادًا، ولا أبعد غورًا، ولا آخذ بذنب حجة، قد تقدم رأسها، ولا أعلم بأبنة [3] ، ووصمة فِي كلام منه.
المدائني عن عدي بْن الفضل قال: قال خَالِد: لا تَزَوَّج واحدة فتحيض إذا حاضت، وتَنْفَس إذا نفست، وتعود إذا عادت، وتزور إذا زارت، وتمرض إذا مرضت، ولا تزوج اثنتين فتكون بين شرَّين، ولا تزوج ثلاثًا فتكون بين ثلاث أثافي، ولا تزوج أربعة فيجفرنك [4] ويهرمنك ويفلسنك، فقال له ابن رباط الفقيمي: حرَّمْتَ ما أَحَلَّ اللَّه أجمع. فقال: خير من ذلك: قرصان، وطهران وكوزان، وعبادة الرَّحْمَن.
وقال خَالِد: والله ما تطيب نفسي بإنفاق درهم إلّا درهم قرعت به باب الجنة؟ أو درهم اشتريت به موزًا.
وقال خَالِد: إن الشيطان باختياله ومناصب حباله يخيل بالشبهة، ويكابر بالشهوة، فإذا أعيا مخاتلًا كر مكابرًا.
وكان خَالِد يقول: من كان ماله كفافًا فَلَيْس بغنيٍ ولا فقير لأن النائبة
__________
[1] نضح البيت: رشه. القاموس.
[2] التور: إناء يشرب فيه. القاموس.
[3] أبنه: أتهمه. والأبنة: الحقد والعقدة في العود والابن من الطعام: اليابس. القاموس.
وجاء بهامش الأصل: نائمة.
[4] الجفور: انقطاع الفحل عن الضرائب، ومنه قولهم: الصوم مجفرة للنكاح. القاموس.(12/278)
إذا نزلتْ أجحفتْ بكفافه، ومن كان ماله دون الكفاف فهو فقير، ومن كان ماله فوق الكفاف فهو غني.
وكان خَالِد يقول: لئن يكون لأحدكم جار يخاف أن ينقب عليه بيته خير من أن يكون له جار من التجار لا يشاء أن يعطيه مالًا، ويكتب به عليه صكًا إلا فعل.
الْمَدَائِنِي عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن مُسْلِم قَالَ: مر بخالد رَجُل من آل المهلَّب ورجل من آل المسيح بْن الحواري العتكي، وكانا بخيلين فقال لهما خَالِد:
انزلا نتذاكر المنع فو الله لهو أشد من البذل.
قال: وخرج خَالِد حاجًا، وولى ابنه ربعيًا ماله فأنفق إِلَى قدومه مالًا كثيرًا، فقال وليت ربعيًا مالي فو الله لهو كان فِيهِ أسرع من السوس فِي الصوف فِي الصيف.
وكان خَالِد بْن صفوان يقول: من تزوج امْرَأَة فليتزوجها عزيزة فِي قومها ذليلة فِي نفسها، أدَّبَها الغنى وأخضعها الفقر، حصانًا عن جارها، ما جنة على زوجها.
المدائني عن إِبْرَاهِيم بْن الْمُبَارَك قال: قال أَبُو الْعَبَّاس أمير المؤمنين لخالد بْن صفوان: إن الناس قد أكثروا فِي النساء، فأي النساء أعجب إليك؟ قال: أحبها يا أمير المؤمنين ليست بالصرع الصغيرة، ولا الطاعنة الكبيرة، حسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب، أعلاها عسيب [1] وأسفلها كثيب، غذيت فِي نعيم ثُمَّ أصابتها حاجة، فأدبها النعيم وأذلها الفقر، هَلول على زوجها، حصان من جارها، إذا خلونا كُنَّا
__________
[1] العسيب: الريش طويلا، وجريدة من النخل مستقيمة دقيقة. القاموس.(12/279)
أَهْل دنيا، وَإِذَا افترقنا كُنَّا أَهْل آخرة.
المدائني قال: قال حَفْص بْن مُعَاوِيَة بْن عمرو الغلابي: قلت لخالد:
يا أَبَا صفوان إني لأكره أن تموت وأنت من آيس أَهْل البصرة فلا يبكيك إلا الإماء. قال: فابغني امْرَأَة، قلت: صفها لي أطلبها. قال: أريدها بكرًا كثيب أو ثيبًا كبكر لا صرعا صغيرة ولا مسنَّة كبيرة لم تقرأ فتحنن [1] ولم تفت فتمحن، قد نشأت فِي نعمة وأدركتها خصاصة فأدبها الغنى، وأذلها الفقر، حسبي من جمالها أن تكون فخمة من بعيد، مليحة من قريب وحسبي من حسبها أن تكون واسطة في قومها ترضى مني بالسنة، إن عشت أكرمتها وإن مت أورثتها، لا ترفع رأسها إِلَى السماء بطرًا، ولا تضعه إِلَى الأرض سقوطًا. فقلت: يا أَبَا صفوان الناس فِي طلب هَذِهِ مذ زمان طويل فما يقدرون عليها.
وكان خَالِد يقول: ما الْإِنْسَان لولا اللسان إلا بهيمة مهملة، أو صورة ممثلة.
وقال الهيثم بْن عدي وأبو الْحَسَن المدائني: بينما خَالِد بْن صفوان فِي المسجد بالبصرة، إذ جلس إليه أعرابي من بني العنبر، فقال خَالِد لأصحابه: خير النساء امْرَأَة قد احتنكت فِي سنها واستحكم رأيها، خميص بطنها، طويل جيدها حسن ليتها، عظيم بوصها [2] ، تملأ كف قرينها باللعب الجميش [3] . فقال العنبري: دع عنك من استحكم رأيها، وعليك
__________
[1] قرأت الناقة: حملت والحامل ولدت، والقرء: الحيض، وأقرأت: حاضت. القاموس.
[2] البوصاء: العظيمة العجز. القاموس.
[3] الجمش: المغازلة والملاعبة. القاموس.(12/280)
بها حين نهدت، غراء لا تدري ما يراد بها ثُمَّ أنشد:
عليك أَبَا صفوان إن كنت ناكحًا ... فتاة أناس ذات أتب ومئزر
لها كفل رابٍ وبطن معكَّنٌ ... وأجثم مثل القعب غير منور
فتلك التي إن نلتها كنت سيدًا ... ودع عنك أخرى كالظليم المنفّر
مجربة للباه قد جازت المدى ... وصارت من النسوان لم تتخفر
هِيَ القرن إن صالت فليثُ خَفِيَّة [1] ... وإن سكنت خوفًا فذات تذمر [2]
وكان خَالِد يقول: إن المروءة لو خَفَّ محملها، وقَلَّتْ مؤونتها لما ترك اللئام فيها للكرام بيت ليلة، ولكن ثقل محملها، وعظمت مؤونتها فاجتباها الكرام، وكاع عَنْهَا اللئام.
المدائني قال: قَالَتِ امْرَأَة لخالد بْن صفوان: إنك لجميل، قال:
كيف قلت ذاك فو الله ما فيَّ عمود الجمال ولا رداؤه، ولا برنسه، أما عموده فالطول ولست بالطويل، وأما رداؤه فالبياض، ولست بأبيض، وأما برنسه فسواد الشعر وجعودته، وأنا أصلع، ولكن قولي إنك لحلو.
وقال خَالِد للفرزدق وكان يمازحه: يا أبا فراس ما أنت بالذي لما رأينه أكبرنه وقطّعن أيديهن [3] فقال الفرزدق: ولا أنت يا أبا صفوان بالذي قَالَتِ الفتاة لأبيها: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [4] .
__________
[1] الخفية: الغيضة الملتفة. القاموس.
[2] الذمر: الملامة، والحض، والتهدد، الذمار: ما يلزمك حفظه وحمايته. القاموس.
[3] سورة يوسف- الآية: 31.
[4] سورة القصص- الآية: 26.(12/281)
وذكر خَالِد رجلًا فقال: إنه لممن عرب الله سليقته، وقوّم طريقته، من تنظره النعمة وتطعه، فإنها لتوقره وتذلله.
وكان خَالِد يقول: المزاح سباب النوكي، ولا بأس بالفكاهة ينطلق بها وجه الرجل فِي مجلسه وتخرجه من حال العبوس.
وقال خَالِد لرجل: رحم اللَّه أباك فإنه كان يقري العين جمالًا والسمع بيانًا.
وقال خالد: قدمت الشام فدخلت حمامًا ودخله أَبُو محجن خادم هشام بْن عَبْد الملك معي، ولا أعرفه، فقال: الحمد لله الَّذِي فضلنا على كثير من خلقه. فقلت: ما فِي الأرض شيء له خصيان إلا وهو أفضل منك، فقال: من أنت؟ فأخبرته فخرج قبلي، وأمر خادمًا له فتخلف، فَلَمَّا خرجت ذهب بي إِلَى منزله فأكرمني أَبُو محجن وقربني وقام بحوائجي.
وكان خَالِد يلحن فِي كلامه فَقِيل له: لو نظرت فِي النحو. فقال:
أخاف أن أتفقد أعراب الكلام فينقطع لساني، ويقال قال: أخاف أن آخذ نفسي بالإعراب فينقطع لساني.
قال: وسمع خَالِد رجلًا ينشد قول الشاعر:
إذا حدثتك النفس أنك قادر ... على ما حوتُ أيدي الرجال فجرِّبِ
فقال خَالِد: لا والله ولكن فكذِّب.
وقال أَبُو الْعَبَّاس السفاح يومًا: عليَّ بخالد فَلَمَّا دخل عليه قال: قد وليتَ الخلافة فكنت أهلها وموضعها، رعيت الحق فِي مسارحه وأوردته موارده، فأعطيت كلًا بقسطه من نظرك وعدلك وأدبك ومجلسك، حتى كأنك من كل أحد، أو كأنك لست من أحد، فأعجبه قَوْله، وأمر لَهُ بمال.(12/282)
وقال خَالِد: وفدت على هشام بْن عَبْد الملك فوجدته قد بدا [1] لشرب اللبن وذلك فِي عام قد بَكْر وَسْمِيُّهُ [2] وتتابع وليه [3] ، وأخذت الأرض زخرفها، وأنواع زينتها، فهي كالزرابي المبثوثة والقباطي المنشورة، وكأن ترابها الكافور، فلو ألقيت بضعة لم تترب، وقد ضُربتْ له سرادقات حبره بعث بها يوسف بْن عُمَر من اليمن، فهي تتلألأ كأنها العقيان، فذكرني مسلمة له فأرسل إلي، فدخلت إليه، وَإِذَا تحته أربعة أفرشة موشاة مثلها مرافقها ومخادُّها، وعليه جبة خَزّ، وعمامة خَزّ، فجددت له دعاء، ولم أزل قائمًا حَتَّى أذن لي فِي الجلوس، ثُمَّ نظر إِلَي كالمستنطق لي فقلت: يا أمير المؤمنين أتم اللَّه عليك نعمه، ودفع عنك نقمه هَذَا مقام زيَّن اللَّه به أمري، ورفع قدري وذكري، وأطاب نشري، إذ أراني وجه أمير المؤمنين، ولن أرى لمقعدي هَذَا جزاء هُوَ أفضل من أن أنبه أمير المؤمنين على تفضيل اللَّه إياه ليحمد اللَّه على ما أولاه وأعطاه، ولا أرى موعظة هِيَ أحضر من حديث ملك من سالف الملوك فَإِن أذن لي أمير المؤمنين حدثته، فاستوى جالسًا ثُمَّ قال: هات يا بن الأهتم. فقلت: كان ملك فيما مضى جمع له فتاء السن، وذكاء الشباب، وصحة الطباع، وكثرة المال، وسعة الملك، فأشرف يومًا وذلك بالخورنق [4] فنظر إِلَى ما جمع له فأعجبته نفسه، فقال لمن حضره: هَلْ علمتم أحدًا أوتي مثل ما أوتيت؟ فسكت القوم وفيهم رَجُل من بقايا حملة الحجة، فقال له: إن أذنت تكلمتُ. قال: قل. قال: أرأيت ما جمع الله
__________
[1] خرج إلى البادية.
[2] الوسمي: مطر الربيع. القاموس.
[3] الولي: المطر بعد المطر. القاموس.
[4] من أشهر قصور الحيرة.(12/283)
لك أشيء هُوَ لك لم يزل ولا يزال، أم شيء كان لمن قبلك فزال عَنْهُمْ وصار إليك وكذلك يزول عنك؟ قال: لا بل شيء كان لمن قبلي وهو زائل عني، فقال: لا أراك إلا مفتونًا بشيء تذهب عنك لَذَّتُهُ وتبقى تبعته، تكون فِيهِ قليلًا، وترتهن به طويلًا. فبكى وقال: إِلَى أَيْنَ المهرب، وعلى ماذا يكون المُعَوَّل؟ فقال: إما أن تقيم فِي ملكك فتعمل بطاعة ربك، وإما أن تلقي عليك أمساحًا وتلحق بجبل تعبد فِيهِ ربك حَتَّى يأتيك أجلك، فتكون لك حياة لا موت بعدها، وصحة لا سقم معها. فألقى عليه أمساحًا وتعبد فِي بعض الجبال حَتَّى مات.
قال: وأنشدته قول عدي بْن زَيْد العبادي:
أَيْنَ كسرى كسرى الملوك أن ... وشروان أم أَيْنَ قبله سابور
وأخو الحضر [1] إذ بناه وإذ ... دجلة تجبى إليه والخابور
لم يهبه ريب المنون فزا ... ل الملك عَنْهُ فبابه مهجور
وتفكر رَبُّ الخورنق إذ أش ... رف يومًا وللهدى تفكير
سَرّع جمعُهُ وكثرة ما يمل ... ك والبحر معرضا والسدير
فارعوى مبصرا فقال وما غبط ... ة حيٍّ إلى الممات يصير
ثُمَّ بعد الفلاح والملك والأمّ ... ة وارتهم هناك القبور
ثُمَّ أمسوا كأنهم ورق ج ... فّ فَألْوَتْ به الصَّبَا والدَّبُور [2]
فبكى هشام ونشج، ثُمَّ قام كالمغضب وقام من فِي مجلسه، فقال لي
__________
[1] كانت العرب تسمى ملك الحضر باسم الضيزن، ونشرت في بغداد سنة 1974 دراسة جيدة عن الحضر وآثارها، من اعداد فؤاد سفر، ومحمد علي مصطفى.
[2] ديوان عدي بن زيد ص 84- 92 مع فوارق.(12/284)
حاجبه: يا هَذَا ما أعياك لقد كسبت نفسك شرًا، دعاك أمير المؤمنين لتحدثه وتسره وتلهيه، وقد علمت أنه انفرد بهذا المكان لئلا يرى ولا يسمع شيئًا يكرهه ويؤذيه للعلة التي هُوَ فيها، فَمَا عدوت أن نعيت إليه نفسه وكدرت عليه عيشه. قال: فأقمت أيامًا أتوقع ما أكره وجعل الشاميون يقولون أَيْنَ هَذَا العراقي الأحمق الَّذِي أغضب أمير المؤمنين؟ وجعل هشام يقول: يا مسلمة إنك لا تزال تأتيني بما أكره، ثُمَّ لقيني الحاجب فقال: إن أمير المؤمنين قد ذكرك فقال: لله در ابن الأهتم، وأمر لك بصلة، وأذن لك فِي الانصراف.
وسأل رَجُل خالدًا فأعطاه درهمًا، فقال له: يا سبحان اللَّه أتعطيني درهمًا فقط؟ فقال: يا أحمق أما علمت أن الدرهم عشر العشرة، والعشرة عشر المائة والمائة عشر الألف، والألف عشر دية مُسْلِم.
وقال خَالِد بْن صفوان: وفدت على هشام فدخلت عليه وذلك بعد عزله خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري، فألفيته جالسًا على كرسي فِي بركة ماؤها إِلَى الكعبين، فدعا لي بكرسي فجلست عليه ثُمَّ ساءلني وحادثته طويلا، ثُمَّ إنه أطرق إطراقة ورفع رأسه فقال: يا خَالِد رب خَالِد جلس مجلسك كان ألوط [1] بقلبي وأحب إلي منك. فقلت: يا أمير المؤمنين إن حلمك لا يضيق عَنْهُ، فلو صفحت عن جرمه. فقال: يا خَالِد إن خالدًا أَدَلٌ فأَمَلَّ، وأوجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعًا.
وقال خَالِد بْن صفوان لأمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد- حين أتى البصرة منهزمًا من أَبِي فديك-: الحمد لله الَّذِي خار لنا عليك ولم يخر لك
__________
[1] ألصق.(12/285)
علينا، فقد كنت حريصًا على الشهادة، ولكن اللَّه أبى ذلك ليزين بك مصرنا، ويؤنس بك وحشتنا، ويكشف بك غمتنا.
المدائني عن حَفْص بْن مُعَاوِيَة قال: قال خَالِد: يا جارية اطعمينا جبنًا فإنه يشهي الطعام، ويقوي المعدة، وهو حمض العرب، فقالت:
ما عندنا منه شيء، فقال: لا عليك فإنه ما علمت يقدح الأسنان، ويوكي البطن، ويغير النكهة، وهو بعد من عمل أَهْل الذمة.
قال: ومر خَالِد برجل وهو يأكل جبنًا، فقال: لا تأكله فإنه سهل المدخل، عسر المخرج، ثُمَّ إن الرجل رَأَى خَالِد يأكل جبنًا وقال: يا أَبَا صفوان ألم تنهني عن أكله؟ فقال: إنه يفتق الشهوة ويطعم الخبز، وهو يعد من حمض العرب.
وقال مسلمة بْن عَبْد الملك لخالد بْن صفوان: أخبرني عن الْحَسَن، فقال: كان أشبه الناس سريرة بعلانية، وعلانية بسريرة، وآخذ الناس بما يأمر به، وأتركهم لما ينهى عَنْهُ، وأعظمهم على نفسه سلطانًا، ولم يقم يومًا بإمارة، ولم يُرَ فِي سوق لتجارة، استغنى عما فِي أيديهم من دنياهم، واحتاجوا إليه فيما عنده من أمر دينهم، فقال مسلمة: كيف يهلك قوم مثل هَذَا بين أظهرهم.
وقال مسلمة بْن عَبْد الملك لخالد: أخبرني عن الأحنف، فقال: إن شئت أخبرتك عَنْهُ فِي ثلاث، وإن شئت ففي اثنتين، وإن شئت ففي واحدة. قال: أخبرني عَنْهُ فِي ثلاث. قال: كان لا يجهل، ولا يحرض، ولا يدفع الحق إذا نزل به. قال: فَمَا الاثنتان؟ قال: كان يؤتي الخير، ويوقي الشر، قال: فَمَا الواحدة؟ قال: كان أعظم الناس على نفسه سلطانًا.(12/286)
وقال له بعض عمال البصرة: صف لي الأحنف فقال: إن شئت حدثتك عَنْهُ شهرًا، وإن شئت عشرًا، وإن شئت حذفت الحديث حَذفًا.
قال: فاحذفه. فقال: كان أعظم الناس على نفسه سلطانًا.
أَبُو الْحَسَن المدائني عن علي القرشي قال: كان خَالِد يقول: لا تضع معروفك عند فاحش ولا أحمق ولا لئيم، فَإِن الفاحش يرى إنك إنما فعلت ذلك لخوف شره ضعفًا منك، والأحمق غير عارف بما تُسدي إليه من معروف، واللئيم سبخة لا تُنبت، وإن أنبتت لم يزك منبتها ولم يَنْمُ، وَإِذَا رَأَيْت كريمًا فاصطنع عنده يدًا وازرع معروفًا، واحصد شكرًا، وأنا الكفيل الضامن.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمٍ قَالَ: كان خَالِد يذكر آل المهلب فيقول إن النعم لتقلقل فِي البلاد، فإذا انتهت إِلَى آل المهلب اطمأنت.
وكان خَالِد يذكر شبيب بْن شَيْبَة فيقول: ليس لشبيب صديق في السر، ولاعدو فِي العلانية.
وأراد حَفْص بْن مُعَاوِيَة بْن عمرو الغلابي إتيان الأهواز، فقال لخالد: أوصني، فقال: اتق اللَّه ربك ولتحسن سيمتك [1] ، وعليك بقراءة القرآن فإنه شفاء لما فِي الصدور، ولا تكونن صخابًا ولا عيابًا ولا لعانًا ولا مغتابًا، ولا تكونن فِي الحديث إلا مجيبا، فإنك تأتي قومًا يجهلونك، فمهما تأتهم به يعرفوك به، وينسبوك إليه.
المدائني والهيثم بْن عدي عن عوانة قال: قال بلال بْن أَبِي بردة لخالد بْن صفوان، وهم منحدرون إلى البصرة: هل يستثقل عكابة النميري؟
__________
[1] بهامش الأصل: سمتك.(12/287)
فقال: أوه كدت تصدع قلبي، أحينَ دنونا من آجام البطائح، وعكة البصرة، ومد البحر، والله لهو أثقل علي من شرب التياذريطوس [1] بماءٍ حارٍ، فِي أيام العكاك [2] فِي عقب التخمة، وأوان الحجامة.
وفاخر رَجُل من اليمانية خالدًا على باب الحجاج، فقال خَالِد: مِنَّا النَّبِيّ المرسل، والخليفة المؤمل، وفينا الكتاب المنزل، ولنا البيت المستقبل.
المدائني قال: قال أمير المؤمنين أَبُو الْعَبَّاس لخالد: أليس من العجب أن قوما قُبض نبيهم فلم يُدفن حَتَّى اختلفوا؟! فقال: يا أمير المؤمنين أعجب من هَذَا آدم خلقه اللَّه بيده، وأسكنه جنته، يأكل منها حيث شاء رعدًا ونهاه عن شجرة، وحذره عدوه، وقال: لا يخرجنكما من الجنة فتشقى [3] فرغب عن الجنة وما فيها وأكل من الشجرة، فواقع الخطيئة ثُمَّ تاب اللَّه عليه.
المدائني عن أَبِي مُحَمَّد [4] بْن سعد قال جلس خَالِد إِلَى رَجُل من بني عَبْد الدار بمكة فقال له: من أنت؟ قال: خَالِد بْن صفوان من بني الأهتم، فقال العبدري: أنت يا خَالِد كَمَن هُوَ خَالِد فِي النار، وأنت ابن صفوان والله يقول (صفوان عليه تراب) [5] وأنت ابن الأهتم، والصحيح
__________
[1] من أنواع الأشربه، لكن لم أقف على ذكر له في أي من المعاجم المتوفرة
[2] يوم عكيك: شديد الحر. العين.
[3] سورة طه- الآية: 117.
[4] كذا بالأصل، ولا ترجمة لخالد بن صفوان في طبقات ابن سعد، ووردت هذه الحكاية في ترجمة خالد بن صفوان في بغية الطلب بشكل مخالف بعض الشيء وفيه تفاصيل أكثر. بغية الطلب ص 3049- 3050.
[5] سورة البقرة- الآية: 264.(12/288)
خير من الأهتم، فقال خَالِد: يا أخا بني عَبْد الدار أتتكلم وقد هشمتك هاشم، وأمتك أمية، وخزمتك مخزوم، وجمحت بك جمح، فأنت عَبْد دار قريش تفتح لهم إذا دخلوا وتغلق إذا خرجوا.
المدائني عن أبي إِسْحَاق بْن فايد قال: خطب حَفْص بْن مُعَاوِيَة أروى بِنْت خَالِد، فقال خَالِد: إني لا أرضاك لها، ولا أرضاها لك، لأنك مطلاق مصلاف، وإنها سليطة فلا تتفقان.
وقال خَالِد: لا تطلبوا الحوائج عند غير أهلها، ولا تطلبوها فِي غير حينها، ولا تطلبوا ما لا تستحقون، فَإِن من طلب ما لا يستحق استوجب الحرمان.
قَالُوا: وفاخر خَالِد قومًا من أهل الكوفة، فقال خَالِد: أسفلها [1] قصب، وأوسطها قصب، وأعلاها رطب، ولم يأتها شيء إلّا طائعًا، ولم يخرج منها شيء إلا كارهًا.
وقال خَالِد لغلامه: اشتر لنا موزًا، ولا تشتره أخضر جاسيًا، ولا أسود ذاويا، فأتاه به فقال: لولا إني أعلم أنك قد أكلت منه لأطعمتك واحدة.
وكان خَالِد يقول: عليكم بكسب الدراهم وحفظها فإنها تلبس النرمق [2] ، وتطعم الجرمق [3] ، وتصون الوجه عن المسألة.
وكان خَالِد إذا أخذ جائزة قال للدرهم: أما والله لطال ما غوّرت في
__________
[1] بهامش الأصل: خ- أسفل البصرة.
[2] الترمق: الثياب البيض اللينة. المعرب للجواليقي.
[3] الجرمق: خف صغير، أو ما يلبس فوق الخف، ويتعارض هذا مع ما جاء بالمتن، وعليه لعله تصحيف ترمق وهو اللين أو درمق أي الدقيق المحور، أو من أنواع الطعام المنسوبة للجرامقة. انظر جامع العريب للبشبيشي- ط. القاهرة 1955 ص 77- 88- 90.(12/289)
البلاد وأنجدت أما والله لأطيلنَّ ضجعتك ولأديمنَّ صرعتك.
وقال خَالِد ليحيى بْن حبيب: أعندك مهيرة؟ فقال: عندي اثنتان، فقال خَالِد: كنت أحسب أملك دون هَذَا، وزهدك فوقه.
ونازع خَالِد عبد اللَّه بْن حكيم بْن أَبِي أمية بْن العاص الثقفي، فقال عَبْد اللَّه: أَنَا ابن البيضاء الثقفية، فقال خَالِد: بياضها دل عليها.
قَالُوا: وسمع خَالِد شبيب بْن شَيْبَة يتكلم بواسط فأحسن، فقال خَالِد: نعيت إليّ نفسي إنّا أَهْل بيت لم يمت منا خطيب حَتَّى يكون فينا خطيب يخلفه إذا مات.
وكان خَالِد يقول: اتقوا مجانيق الضعفاء، يعني دعاءهم، وأنشد لعمرو بْن الأهتم:
إذا كنت مرتاد الظلامة فاعتمد ... ذرا الناس واحذر عاجزا ومغمزا [1]
وكان خَالِد يقول: ما أحد يطالبني بظلامة هِيَ أبغض إلي من ظلامة من لا مفزع له إلا اللَّه.
وقال خَالِد: ليست البلاغة بخفة اللسان، وكثرة الهذيان، ولكنها إصابة المعنى، والقصد للحجة.
المدائني أن أَبَا الْعَبَّاس أمير المؤمنين قال لخالد بْن صفوان: أشعرت انا أخذنا سُلَيْمَان بْن حبيب؟ قال: أَيْنَ؟ قال: وجد فِي بئر، فقال خَالِد بْن صفوان: هَذَا الَّذِي خرج رقصًا، ودخل قفصًا وأخذ وَقْصًا [2] .
وقال خالد بْن صفوان: أيغدو إلي رَجُل لا يريد إلا إكرامي فلا أعرف
__________
[1] ليس في ديوان شعره المطبوع.
[2] وقص عنقه: كسرها. القاموس.(12/290)
له حقه؟ إني إذًا لمتخط محاسن الأخلاق إِلَى مساوئها.
وقال هشام بْن عَبْد الملك لخالد: عظني وأوجز: فقال: أنت يا أمير المؤمنين فوق الخلق، كذلك جعلك الله، وليس فوقك إلّا اللَّه، وأنت صائر إِلَى اللَّه.
وقال خَالِد: ما رأينا مثل الأُبلة أقرب مسافة، ولا أعذب نطفة، ولا أخفى لعابد، فقال دُربست بْن رِباط: فعلام تُضرب الآباط إِلَى مكة إذًا؟! وتكلم خَالِد بكلام أحسن فِيهِ، فقرظه بعض من حضر، فقال خَالِد: والله لوددت أني أخرس.
وخاصم رَجُل خالدًا عند بلال فقال: أنت تعيبني فِي كل يوم فقال:
وأنت أيضًا تعيبه، وهذا ذنب لكما جميعا.
ومر خالد بقوم فقالوا: لو جلست إلينا فقال: إنما الجلوس بعد قضاء الحوائج.
وتكلم أعرابي فَقِيل لخالد: ما لك لا تتكلم معه؟ فقال: كيف نجاريهم، وإنما نحكيهم أو نُساميهم، وإنما نسموا بأعراقهم.
وكان خَالِد يقول: فوت الحاجة خير من طلبها إِلَى غير أهلها، وأشد من المصيبة سوء الخلف.
وقال خَالِد: إذا كُفر الإحسان حسن الامتنان.
وقال خَالِد: لأن يكون لي ابن يحب الخمر أحب إلي من ابن يحب اللحم، لأنه مَتَى طلب لحمًا وجده، والخمر ينفد أحيانًا.
وقال رَجُل لخالد: إني لأحبك. فقال: وكيف لا تحبني ولست لي(12/291)
بابن عم ولا جار، ولا مشارك فِي صناعة.
قَالُوا: وقال خَالِد لحفص بْن مُعَاوِيَة: هَلْ لك فِي رقاق من برميسان وصناب [1] من أرض حلوان بينهما دجاجة كأنها أوزة كسكرية، قد سُمِّنَت حَتَّى عمي بصرها، وتجافى جلدها عن لحمها، فصرَّحَتْ عن لحم يقق، وشحم فاقع يذهب فهوهة الجائع؟ فقال حَفْص: أيْ لعمري. قال:
فموعدك يوم السبت البستان، قال: فأتيته فدعا خبازه فجاء بسفرة فيها ما وصف، فَلَمَّا وُضعت السفرة إذا نَحْنُ بأعرابي قد طرأ علينا بغير إذن، أو قال برجل فرّج خُصًّا فِي البستان، ودخل فَلَمَّا نظر إليه خَالِد مقبلًا قال:
والله لهذا الطارئ المتذمر علينا أشد علي من شربة ترنجبين فِي أيام العكاك فِي غَبِّ تخمات بعقب حجامة، ارفع السفرة يا غلام، قال: فَمَا رأيتها، ويقال بل أتى بها بعد انصراف الرجل، وقد ذهبت بشاشتها.
وقال خَالِد: لا يطمع أحد عندي فِي أربع: الفَرْض والقرض والهَرْس، وأن أمشي معه إِلَى سلطان إلا فِي حاجتي، فَقِيل له: ما يرجى منك؟ قال: الماء البارد، وحديث لا ينادى وليده.
قَالُوا: ووصف خَالِد البصرة فقال: تخرج قانصا فيجيء هَذَا بالشبوط والشيْم [2] ، ويجيء هَذَا بالظبي والظليم، ونحن أكثر الناس عاجًا وساجًا وديباجًا، وبرذونًا هملاجًا، وخريدة مغناجًا، ونهرنا عجب أوله الرطب وأوسطه العنب، وآخره القصب، ولنا التمر فِي أقنانه كزيتون الشام فِي أغصانه، تخرج النخلة أسقاطًا وأوساطًا، ثُمَّ تنغلق عن قضبان الفضة
__________
[1] الصناب: صباغ الخردل مع الزبيب والزيت. العين. القاموس.
[2] من أنواع السمك.(12/292)
منظومة باللؤلؤ الرطب، ثُمَّ تصير قضبان ذهب منظومة بالزبرجد الاخضر، ثُمَّ ياقوتًا أصفر وأحمر، ثُمَّ تصير عسلًا. وأما نهرنا العجيب، فَإِن الماء يقبل فِيهِ غضًّا فيفيض متدفقًا، فيغسل نبتها ويبدأ حين يأتينا فِي أوان عطشنا، ويذهب فِي أوان رَيِّنا، فنأخذ منه حاجتنا، ونحن نيام على فرشنا، يقبل الماء وله عُباب وأُباب لا يحجبنا عَنْهُ حجاب، ولا يُتنافس فِيهِ من قِلَّة، ولا يحبس عَنَّا من علو، فقال مسلمة: من أَيْنَ لكم هَذَا ولم تغلبوا عليه ولم تسبقوا إليه؟ قال: ورثناه عن الآباء ونتركه للأبناء ويدفع لنا عَنْهُ رب السماء، وأنشد:
فمهما كان من خير فإنا ... ورثناه أوائل أَوَّلينَا
وإنا موروثون كما ورثنا ... عن الآباء إنْ مِتْنَا بَنِينَا [1]
قَالُوا: وأحضر أمير المؤمنين أَبُو العباس إِبْرَاهِيم بْن مخرمة الكندي وناسًا من بني الْحَارِث بْن كعب أخوال أَبِي الْعَبَّاس، وخالد بْن صفوان فتفاخروا فقال ابن مخرمة: إن أَهْل اليمن ملوك العرب فِي الجاهلية كَانَتْ لهم البدأة، ووراثة الملك، كابرًا عن كابر، وآخرًا عن أول، وغابرًا عن سالف، فمنهم النعمانات والمنذرات والقابوسات، ومنهم عياض صاحب البحر، ومن حَمَتْ لحمه الدُّبُر [2] ومنهم غسيل الملائكة [3] ومن اهتز لموته
__________
[1] الحكاية في بغية الطلب ص 3048، ونسب الشعر لأوس بن مغراء.
[2] هو عاصم بن ثابت قتلته هذيل فيمن قتلت يوم الرجيع. انظر الروض الأنف مع سيرة ابن هشام ج 3 ص 225- 234.
[3] هو حنظلة بن أبي عامر استشهد يوم أحد انظر الاصابة لابن حجر ج 1 ص 360 (1863) .(12/293)
العرش [1] ، ومنهم مكلم الذئب [2] ، ومن كان يأخذ كل سفينةٍ غصبا [3] وليس من شيء له خطر إلّا وينسب إليهم من: فرس رائع، وسيف قاطع، ودرع حصينة، وحُلة مصونة، إن سئلوا أعطوا، وإن نزل بهم ضيف قَرَوا، لا يكاثرهم مكاثر، ولا يفاخرهم مفاخر، فهم العاربة وغيرهم متعربة.
قال أَبُو الْعَبَّاس: ما أحسب التميمي يرضى بهذا. فقال خَالِد:
أخطأ المتقحم بغير علم. ونطق بغير صواب إذ فخر على مضر، ومنهم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والخلفاء من أَهْل بيته، وكيف يفاخر مضر بقوم هُمْ بين راكب عَرد [4] ، وناسج بُرد، وسائس قرد، ودابغ جلد، دلَّ عَلَيْهِم هدهد [5] ، وغرَّقهم فأرة [6] ، ثُمَّ التفت إِلَى الكندي فقال الفخر بالفرس الرائع والسيف [7] القاطع والدرع الحصينة؟ ألا وأي فخرٍ أفخر من مُحَمَّد خير الأنام، وأكرم الكرام، ولله به المنَّة علينا وعليهم، لقد كانوا أتباعه، فِيهِ عرفوا وأكرموا، لنا النَّبِيّ المصطفى والخليفة المرتضى والسؤدد والعلى، ولنا البيت الموضوع، والسقف المرفوع، والمنبر المحضور ولنا زمزم
__________
[1] هو سعد بن معاذ انظر الروض الأنف ج 3 ص 280.
[2] من رعاة أهل المدينة، انظر الخبر في دلائل النبوة لأبي نعيم ص 318- 320.
[3] الاشارة هنا الى ما جاء في الآية 79 من سورة الكهف، وقد اختلف حول تحديد شخصيته.
[4] العرد: الحمار. القاموس.
[5] الاشارة هنا الى ما جاء في الآيات: 20- 44 من سورة النمل.
[6] الاشارة إلى حكاية سبب خراب سد مأرب وسيل العرم.
[7] بالأصل: والفرس، وهو تصحيف.(12/294)
وبطحاؤها وسقايتها فهل يعدلنا عادل أو يبلغ مدحتنا قول قائل. ومنا ابن عَبَّاس عالم الناس، الطيبة أخباره، المتبوعة آثاره، ومنا أسد اللَّه وسيفه [1] ، ومنا الصديق والفاروق وعلي بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، لم يكفر بالله قط، ولم يزغ بباطل عن الحق، وذو النورين عُثْمَان الشهيد.
ثُمَّ قال ابن الأهتم: كيف علمك بلغة قومك، وما اسم الأصابع عندكم؟ قال: الشناتر. قال: فَمَا اسم الأذن؟ قال: الصنارة. قال:
فاللحية؟ قال: الزب. قال خَالِد: فَإِن اللَّه سبحانه وتعالى يقول بلسان عربي مبين فهل سمعته يقول: جعلوا شناترهم في صناراتهم [2] ويقول لا تأخذ بزبي [3] فقال أَبُو الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه تعالى عنه: مالك يا يماني ولرجال مضر، وأمر لخالد بمال وقطيعة بالبصرة.
المدائني أن خالدًا نازع عمرو بْن عُبَيْد الأنصاري وكان بذيئًا يشتم من سأله فلم يعطه، وكان يُقَالُ له ابن أم حكيم وهي أمه التي قامت عَنْهُ فقال لخالد: أنتم كما قال اللَّه: فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد [4] . فقال خالد: ويحك يا بن أم حكيم إنك اعتصمت بخلتين:
الكفر، واللؤم، فبسطت يديك فجعلت شمالك سطحًا، وملأت يمينك سلحا وقلت: املئوا سطحي وإلا رميتكم بسلحي، ويحك يا بن أم حكيم
__________
[1] أسد الله حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم. وسيف الله خالد بن الوليد.
[2] انظر الآية 7 من سورة نوح.
[3] انظر الآية 94 من سورة طه.
[4] سورة الأحزاب- الآية: 19.(12/295)
قال اللَّه سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [1] وأن أم حكيم يرحمها اللَّه كَانَتْ محصنة مؤمنة وما أَنَا بالواثق بغفلتها وهي تغمر كمرة كثير الدهان.
وذكر خَالِد المزاح فقال:
يَصلّ [2] أحدهم صاحبه بأصلب من الجندل.
وينشقه أَحَدَّ من الخردل.
ويفرغ عليه أَحَرّ من المرجل.
ثُمَّ يقول ما زحتك.
قَالُوا: أتى رَجُل من بني تميم خالدًا فسأله فأعطاه دانقًا، فقال له:
إنه لو أعطاك كل رَجُل من بني تميم مثل ما أعطيتك لرحت ذا مال عظيم.
قَالُوا: ودخل خَالِد على أَبِي الْعَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فقال له: يا خَالِد كيف علمك بأخوالي؟ قال: أي أخوالك يا أمير المؤمنين فبكلهم أَنَا عارف؟، قال: أَمَسَّهم بي قرابة وأوجبهم علي حقا، ولد الْحَارِث بْن كعب. قال: يا أمير المؤمنين هناك هامة الشرف، وخرطوم الكرم، وإن فيهم لخصالًا مَا اجتمعت فِي غيرهم من قومهم، إنهم لأحسنهم أممًا وأكرمهم شيمًا، وأوقاهم ذممًا، وأبعدهم هممًا، هُم الجمرة فِي الحرب والرفد فِي الجدب، وهم الرأس وغيرهم العجب [3] . قال: لله درك يا بن صفوان قد وصفت فأحسنت.
__________
[1] سورة النور- الآية: 23.
[2] بهامش الأصل: يصك.
[3] العجب: أصل الذنب، ومؤخر كل شيء. القاموس.(12/296)
وقال خَالِد: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا تمازح الدنيء فيجترئ عليك.
قال أَبُو الْحَسَن: ويقال إن الَّذِي قال هَذَا سَعِيد بْن العاص، وأنشد:
أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
ويقال المتمثل بالبيت مسعر بْن كدام.
وذكر خَالِد أَبَا مُسْلِم فقال:
ألم تر إِلَى هَذَا الَّذِي بدا بالخرق ... ثُمَّ ثنى بالحمق بعد ظلم الخلق
وقال لرجل: قاتله اللَّه أما والله إن قوافيه لقلائد، وإن أنبازه لعلائق، وإنه ليملأ الأذن بيانًا، ويقري العين جمالًا.
وكان خَالِد يقول: أحسن الكلام ما لم يكن بالبدوي المغرب ولا القروي المخدج، ولكن ما شرفت مبانيه ولطفت معانية، ولذ فِي أفواه القائلين، وآنق السامعين، وازداد حسنًا على مر السنين فاجتنته الرواة واقتنته السراة، وكان كعلائق الشعر السائرة، والأخبار الملازمة.
وسمع خَالِد رجلًا من قريش يتكلم فأبلغ وأحسن، فحسده خَالِد فتعرض له وتحكك فِيهِ، فقال له الْقُرَشِيّ: ما أعلم لي يا أَبَا صفوان إليك ذنبًا إلا الاشتراك فِي الصناعة.
وتكلم خَالِد بالبادية فقال: يا أَهْل البادية، ما أحسن بلادكم، وأغلظ عيشكم، وأجفى أخلاقكم، لا تشهدون جمعة ولا تتبغون قاصًا، فقام إليه أعرابي منهم فقال: أما ما ذكرت من خشونة بلدنا وجفاء أخلاقنا فَإِن ذلك كما ذكرت ولكنكم معشر أَهْل الحضر تنقبون الدور، وتنبشون(12/297)
القبور، وتأتون الذكور، فقال خَالِد: اسكت قَبَّح اللَّه ما جئت به.
قال: وخوطب خَالِد فِي ابنه وقيل له: يدك تشتمل على ثلاثين ألفًا، وإنما تُجري على ابنك فِي كل يوم درهما وهو فِي طرفه [1] على ما تعلم، فقال:
دانقان لخبزه ودانقان ثمن دجاجة، ودانقان فاكهة، هَذَا قوت صالح.
قال وذكر خالد بْن صفوان رجلًا فقال: كان والله فريغ المنطق، ذلق اللسان، سهل الجرة، جزل الألفاظ، ثابت الكعدة، رقيق الحواشي خفيف الشفتين، بليل الريق، رحب السرب، قليل الحركات حسن الإشارات، حلو الشمائل، حسن الطلاوة صموتًا قؤولا يهنأ الجرب، ويداوي من الدبر، ويصيب المفاصل، لم يكن بالهذر فِي منطقه، ولا الزّمِر [2] فِي مروءته، ولا الخرق فِي خليقته.
متبوعًا غير تابع، كأنه علم فِي رأسه نار.
وذكر رجلا فقال: كان والله قراءً غير نزَّال، معطاء غير سآل، متبوعًا غير تابع.
وذكر رجلًا فقال: ما كان أفيح صدره، وأبعد ذكره، وأعظم قدره، وأعلى شرفه، وأكثر حامده مِمَّنْ لم يعرفه ومن عرفه، مع سعة الفناء، وعظم الإناء، وكرم الآباء.
وذكر رجلًا فقال: ابن الوجوه الواضحات الصباح، والعقول الراجحات الصحاح، والألسن الخطارة الفصاح، والأنساب الكريمة الصراح، والصدور الرحيبات الفساح والمكارم الثمينة الرباح.
__________
[1] رجل طرف: الرغيب العين الذي لا يرى شيئا إلّا أحب أن يكون له.
[2] الزمر: القليل المروءة. القاموس.(12/298)
وقال الهيثم: لما دخل خَالِد على هشام فجرى ذكر خَالِد القسري، فقال هشام: إن خالدا أدل فأمل، وأوجف فأعجف، ولم يدع لراجع مرجعًا، ولا لعودة موضعُا، قال: ألا أخبرك عنه يا بن صفوان؟ قلت:
نعم يا أمير المؤمنين، قال: إنه ما بدأني بسؤال حاجة مذ قدم العراق حَتَّى أكون أَنَا الَّذِي ابدأه بها، قال خَالِد: فقلت فذلك أحرى أن ترجع له، فقال متمثلًا:
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بشيء آخر الدهر تقبل
ثم قال: ما حاجتك يا بن صفوان؟ قلت: تزيدني فِي عطائي عشرة دنانير. فأطرق ثُمَّ قال: وفيم العبادَة أحدثتها نعينك عليها، أم لبلاء حسن أبليته أمير المؤمنين، أم لماذا يا بن صفوان، إذا يكثر السؤال ولا يحتمل ذلك بيت المال، قال: فقلت: يا أمير المؤمنين وفقك اللَّه وسددك، أنت والله كما قال أخو خزاعة:
إذا المال لم يوجب عليك عطاؤه ... قرابة قربى أو صديق توامقه
منعتَ وبعض المنع حزم وقوة ... ولم يفتلذك [1] المال إلا حقائقه
فَلَمَّا قدم خَالِد البصرة قيل له ما الَّذِي حملك على تزيين الإمساك له، فقال: أحببت أن يمنع غيري فيكثر من يلومه.
وقال خَالِد لابن عم له: كان أبوك آدم الناس وجهًا، وكانت أمك أسوأ الناس خلقا، فأنت جامع لمساوئ أبويك.
وقال خَالِد، ويقال عَبْد اللَّه بْن الأهتم لقوم نازعوه من موالي آل أسيد: إن أحق الناس ألا يتكلم من لم يكن له أصل ثابت ولا فرع نابت،
__________
[1] الفلذ: العطاء بلا تأخير ولا عدة، أو الاكثار منه، أو دفعه. القاموس.(12/299)
وكان ذنبًا تابعًا وخفًا موطوءًا وزمعًا زائدًا، ما قامت النساء عن مثل ابن عَائِشَة [1] رحمه اللَّه، فإنه تفقد أرحامه وأهل قرابته فغسل غثايتها وألحق خسائسها، وبعثهم بالعراق جباة ونكاة، فَلَمَّا خانت جباتها وضعفت نكاتها حدر عليها بشرًا [2] بغير مال محمول، ولا جند مفصول، ولا سيف مسلول، فأتاها حين تضايق حلق البطان مُشْمَعِلًا [3] من الفروع النواضر، والليوث الهواصر، فشذَّب قيادتها وأباح أحميتها، وأذل صعبتها، وسهَّل حزنها، لا كمن اختان الأموال [4] ، وجبن عن القتال، ومنح دبره صدور العوالي ثُمَّ أقبل يُحسن الخمر والخيانة والغدر، ويُقبح الوفاء والنجدة والأمانة، قبحًا لتلك الشفاه الهدر والأعين السحر، والأنوف الجثم، والألوان الحائلة، والشعور القَرِدَة، وقبحا لتلك الأخلاق الشتى أورثتهم عارًا وأكسَّبتهم شنارًا، وأبوا أن يأتوا بخير.
وقال أَبُو الْحَسَن المدائني: سمر خَالِد عند أمير المؤمنين أَبِي الْعَبَّاس ففخر قوم من بَنِي الْحَارِث، وخالد ساكت، فقال أمير المؤمنين: يا بن صفوان مالك لا تقول. قال: هَؤُلاءِ أخوال أمِير الْمُؤْمِنيِنَ. قَالَ: وأنت من أعمامي وليس الأعمام بدون الأخوال. قال: وما أقول لقوم إنما هُمْ بين ناسج بُرد، وسائس قرد، ودابغ جلد، دل عَلَيْهِم هدهد، وغرقتهم فأرة، فضحك أَبُو الْعَبَّاس.
قَالُوا: وشخص خَالِد مع سُلَيْمَان بْن علي إِلَى أَبِي الْعَبَّاس، ومعه
__________
[1] بهامش الأصل: يعني عبد الملك بن مروان.
[2] بهامش الأصل: يعني الحجاج.
[3] المشمعل: الناقة النشيطة، والرجل الخفيف الظريف، أو الطويل. القاموس.
[4] بهامش الأصل: يعني ابن خالد بن أسيد.(12/300)
ابناه: مُحَمَّد، وجعفر ابنا سُلَيْمَان، فنزل خَالِد بين منزليهما فقال له سُلَيْمَان: أَيْنَ نزلت يا أبا صفوان، فقال: بين مُحَمَّد، وجعفر، قال:
فكيف رأيتهما فقال:
أَبُو نافع جار لها وابن برثنٍ ... فيا لك جاري ذلة وصغار [1]
فغضب سُلَيْمَان. وهذا الشعر لابن مفرغ.
وحدثني التوزي عن الأصمعي قال: دخل خَالِد على نسائه فقال:
إنكنَّ لطوال الأعناق، كرام الأخلاق والأعراق، ولكني رَجُل مطلاق، اذهبن فانتنّ طُلاق.
وقال خَالِد: ما أَتَتْ علي ليلة أحب إليّ من ليلة طلقت فيها نسائي، فرجعت والستور قد هتكت، ومتاع البيت قد نقل، وبعثت إليّ بنيتي بسليلة فيها طعامي، وبعثت إلي الأخرى بشيء أنام عليه.
وقال خَالِد لابنه: يا بني كن أحسن ما تكون فِي الناس حالًا، أقل ما تكون فِي الباطن مالًا فإن الكريم من كرمت عند الحاجة طعمته، وإن اللئيم من ساء عند الفاقة أكله.
وحدثنا المدائني قال: كان خَالِد يقول فِي الحجاج: عجبًا لغلام ولد بالطائف، فلم تزل الأمور ترفعه وتخفضه، حَتَّى أتي العراق بلا مال محمول ولا جند مفصول، فأباح أحميتهم، وأناخ بهم [2] ، وأوطأ أصمختهم، وأتته الرجال شلالًا، يؤتى بزيت الشام وصير [3] مصر على البرد طردا.
__________
[1] ديوان يزيد بن مفرغ ص 141.
[2] بهامش الأصل: جمرتهم.
[3] الصير: شبه الصحناء، ويقال كل صحناء صير، والصحناء والصحناة: إدام يتخذ من السمك، مشه، مصلح للمعدة. العين: القاموس.(12/301)
ورأى خَالِد فِي بعض دور أمراء البصرة مالك بْن دينار، ومحمد بْن واسع الْأَزْدِيّ وفرقدا السبخي، فمال إليهم ثُمَّ قال: ما خلطكم بنا عند هَذَا الباب فقد عهدناكم ترغبون عَنْهُ، والله ما يخرج إلينا منكم أحد إلا بشقاء، ولا يدخل مِنَّا أحد إليكم إلا بسعادة، ثُمَّ خاف أن يكونوا قد استغلظوا قوله فعاد إليهم فقال: اللَّه يعلم أن قلبي يحبكم، ولكنا تمرغنا على هَذِهِ الدنيا فتمرغت علينا، وما شبهت بي وبكم إلا الجناح يكون معلقًا بالدار، فَإِن شاء قائل أن يقول ليس منها لخروجه عَنْهَا قال، وإن شاء أن يقول إنه منها لتعلقه بها قال.
وقال أَبُو الْحَسَن: خاصم رَجُل خالدًا إِلَى بلال بْن أَبِي بردة فقضى للرجل على خَالِد، وتحامل عليه، فقام خالد وهو يقول: سحابة صيف عن قليل تقشع. فقال بلال: أما إنها لا تقشع حَتَّى يصيبك منها شُؤبوب بَرَدٍ، فضربه فيما يُقَالُ مائة سوط، وأمر بحبسه، فقال خَالِد: علام تحبسني يا بلال وما جنيت جناية؟ فقال: يخبرك عن ذلك باب مُصْمَت، وأقياد ثقال، وحاجب يُقَالُ له حَفْص.
وقيل لخالد: ما بلغ من زهد الْحَسَن فقال: لم يقلب درهمًا قط ولم ير فِي سوق قط إلا مجتازًا، وكان في نهاره معلمًا، وَفِي ليله زاهدًا عابدًا.
وكان خَالِد يقول وهو غاز إذا سبقه القوم: أهكذا يفعل السراة وأهل المروءة؟ فإذا سبقهم فَقِيل له: تنهى عن شيء وتفعله؟ قال: فلم بذلنا الأموال في فرهة الدواب؟
وخطب خَالِد امْرَأَة من بني سعد فقال لها: أَنَا خَالِد بْن صفوان، والحسب ما علمت، وكثرة المال على ما بلغك، وفيَّ خصال أعلمك بها(12/302)
لتقدمي على معرفة: إنه لا سبيل إِلَى درهمي وديناري، وأنا ملول فربما أَتَتْ علي ساعة لو أن رأسي فِي يدي لطرحته، فقالت: قد فهمت ما ذكرت وهذه خصال مَا كَانَتْ لترضاها بعض بنات إبليس فكيف بنات آدم فارجع موفورًا.
وقال خَالِد: الإماء شر خلف من الحرائر، هن أوسخ رقابًا، وأقل عقولًا، فَقِيل له: فإنك لا تتخذ إلّا الإماء؟ فقال: أما سمعتم قول القائل: خذ من القس بقوله، ولا تأخذ بعمله.
وكان خَالِد يقول: ثلاث أضن بدرهمي فيهن: صداق النساء، وصلة الرحم، وشراء الموز، وأراد رَجُل أن يبني بأهله، فقال له خَالِد:
بالبركة وشدة الحركة والظفر عند المعركة.
وقال خَالِد: كَانَتْ لي امْرَأَة وأنا ملول، فكانت تستخف بي وتقول:
ما أعرف كريمة قوم صبرت على مثل ما أصبر عليه منك، فركبت يومًا مع سُلَيْمَان بْن علي وعناني جديد فاتسخت يدي فجعلت أغسلها من الوسخ وأقول: الحمد لله الَّذِي خلق الْإِنْسَان من طين. فقالت: من طين ليس الَّذِي يخرج منك. فطلقتها فقالت: طلاق وافق مَشِيّه.
وحدثني أَبُو حسن الزيادي عن الْمُبَارَك بْن سَعِيد قال: كان عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز عند بعض بني أمية، وعنده ابن الأهتم فأطرى ابن الأهتم بني أمية فأفرط، فقام عُمَر وهو يقول: من سَرَّهُ أن ينظر إِلَى الأفاك الأثيم، فلينظر إِلَى ابن الأهتم، فَلَمَّا استخلف قال: لا يدخلنَّ علي ابن الأهتم، ولا خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري فإنهما مُقْوِلان، وإن من البيان ما فيه سحر.(12/303)
وأما رَبْعي بْن خالد
فقتله السودان الذين ظهروا بالبصرة فِي أيام سوار بْن عَبْد اللَّه، وله عقب بالبصرة.
وأما عَبْد اللَّه بْن خَالِد
فكان مصابًا، ومات بالبصرة.
ومنهم: شبيب بْن شَيْبَة بْن عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن الأهتم بْن الخطيب،
ويكنى أَبَا معمر، وكان شَيْبَة مِمَّنْ قتله قُتَيْبَة بسبب أَبِي الزقاق. وزعم غير الكلبي أنه شبيب بْن شبَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم، وقول الكلبي أثبت.
وولي شبيب الأهواز لعبد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز ومات ببغداد.
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن المدائني قال: قال شبيب: غم على الحسود أمرك، واكتمه سرك ولا تستشره فيغشك فإنه يظهر بشرًا ويضمر شرًا، ويكرم محضرك، فإذا غبت عابك واغتابك.
قال: وجلس المهدي وهو ولي عهد للناس فسلموا عليه، ودخل شبيب فيمن دخل، فَلَمَّا خرج من عنده قال: رَأَيْت الداخل راجيًا والخارج راضيًا.
قال: ودخل شبيب على المهدي فِي بعض أيامه، وعنده بعض ولده، فقال له: أراك اللَّه فِي بنيك ما أرى أباك فيك، وأرى بنيك فيك ما أراك فِي أبيك.
ودخل شبيب منزله فقال: يا جارية اطعميني شيئًا، فجاءته بطبق فِيهِ قراطيس، فقال: ما هَذَا؟ قَالَتْ: هَذَا الَّذِي خلَّفت عندنا.
وقال شبيب: البلاغة الإيجاز فِي غير عجز، والإطالة فِي غير خطل.
وقال: الرأي ضالة فاستدلل عليها بالمشاورة، وروي ذلك عن ابن شبرمه.(12/304)
وكان شبيب يقول: يحتاج الخطيب إِلَى بلالة الريق، وغموض العروق، وألا يخرج من شيء حَتَّى يتمثل له ما بعده.
وكان شبيب يقول: أحسن الشعر المنظوم، والكلام المنثور، وما ظن السامع أنه قد كان قد سمعه.
وقال شبيب: الْكَفَافُ مَعَ الْقَصْدِ أَكْفَى مِنَ السَّعَةِ مَعَ الإسراف، وروي ذلك أيضًا عن هشام بْن عَبْد الملك.
وحدث شبيب بْن شيبة ابن المقفع فقال: إن أكثم بْن صيفي قال:
البخل فطنة، والسخاء تغافل، فقال ابن المقفع: ولكني أقول: السخاء فطنة، والبخل تغافل، وقال: المودة أشبك الأنساب، والعلم أشرف الأحساب.
ومر ابن المقفع بشبيب وهو عليل فِي دهليزه، فنزل إليه، وكان ابن المقفع على بغل، وجاءت جارية من بعض دور الأشراف عائدة له عن سيدتها، وكان بغل ابن المقفع قد وَدي، فلحظته ثُمَّ قَالَتْ: يا أَبَا مَعْمَر تقول لك سيدتي: كيف أير بغلكم، فَقَالَ ابْن المقفع: كَمَا ترين رحمك اللَّه، وقال شبيب: شغلها ما أهمها عن عيادتنا.
وقال شبيب: حسدت عمرو بْن عُبَيْد على كلمتين سمعتهما منه، شتمه رَجُل وهو ساكت، فَلَمَّا قضى الرجل كلامه قال له عمرو: آجرك اللَّه على الصواب، وغفر لك الخطأ. ويقال إن خَالِد بْن صفوان قال هَذَا القول.
وقال شبيب: حفظ ما فِي يدك أيسر من طلب ما فِي يد غيرك.
وقال الحرمازي: كان ابن لشبيب ماجنًا، ويقال ابن لحضين بْن(12/305)
المنذر، فأخذه شبيب، أو حضين، فحبسه فكتب كتابا على لسان إبليس:
من أَبِي مُرَّة سيد الجن وعظيمهم إِلَى شبيب بْن شَيْبَة، أما بعد: فانك عمدت إِلَى حبيبي وصفيي من البشر من أَهْل هَذَا المصر فحبسته، وأنا أقسم لئن لم تخله وتحسن إليه لأصرعنَّك صرعة تكون غير منتعش منها، ولأهلكنَّ مالك وعيالك. ودس الكتاب فجعله بين كتب أَبِيهِ، فَلَمَّا نظر شبيب فِي كتبه قرأ الكتاب فراعه وجعل يقول: صدق أَبُو مرة لقد أسأتُ ببنيَّ وخلى سبيله وأكرمه.
وروى ابن الْمُبَارَك أو غيره عن شبيب حديثًا، فَقِيل له إنه رَجُل صحب السلطان ويجري معهم فيما يريدون أفتروي عَنْهُ؟ فقال: إن له شرفًا ومروءة، وليس مثله يكذب فِي الحديث المأثور.
ومنهم عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم
قال- أو أَبُوهُ- للأحنف يومًا:
ما أراك تحدث عن أبيك قَيْس بشيء؟ فقال الأحنف: كان أَبِي رَجُل من العرب له صرمة من الإبل يقري منها الضيف ويفعل فيها المعروف ويحيمها برمحه وسيفه ولم يكن أُهيتم سلّاحًا.
ومنهم خاقان بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم،
ويكنى أَبَا عمرو، ولي ميسان من قبل سَعِيد بْن دعلج، وهو أَبُو صبَّاح بْن خاقان.
ودخل عَبْد اللَّه بْن خالد بن صفوان الممرور المسجد، وقد شوه نفسه فِي لبسته، فقال له عَبْد الرَّحْمَن بْن شبيب بْن شَيْبَة: قم فما أحوجك إلى أدب، فقال أحوج إليه مني من اشترى الخمر بماله ثُمَّ شرب حَتَّى أحدث فِي ذيله، وَقاءَ فِي جيبه، يُمسي محمرًا، ويصبح مصفرًا، وكان عَبْد الرَّحْمَن صاحب شراب.(12/306)
ومنهم محرز بْن شهاب بْن محرز بْن سمي بن سنان بن خالد بن منقر،
قتل مع حجر بْن عدي الكندي بمرج عذراء.
ومنهم: حزن بن جزيء بْن جندل بْن منقر،
كان فارس زمانه.
وجرول بْن حزن،
كان فارسًا أيضًا من فرسان الجاهلية.
والقعقاع بْن سُوَيْد بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن بجير بْن أوس بْن سُفْيَان بْن خَالِد،
كان شريفًا بالكوفة، وقد ولي شرط الكوفة.
وقال أَبُو اليقظان: كان القعقاع أعرج، وولاه عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن فِي خلافة عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز شُرط الكوفة، وكان عَبْد الحميد أعرج فقال الشاعر:
ألق العصا ودع التخادع والتمس ... عملًا فهذي دولة العُرْجان
وولي القعقاع بعد ذلك سجستان، وفيه يقول أَبُو خَالِد اليشكري:
توعدني القعقاع فِي غير كنهه ... فقلت له: بَكْر إذا رمتني ترسي
فما أنت يا قعقاع إلا كَمَن مضى ... كأنك يومًا قد نقلت إِلَى الرمس
فَإِن تك قد أوعدتني غير مقصر ... فدونك فاغضب إن غضبتَ على الشمس
وقُديَد بْن مَنيِع بْن مُعَاوِيَة بْن فروة بْن الأحمس بْن عبدة بْن الأحمس بْن عبدة بْن خليفة بْن جرول بْن منقر،
ومنيع الذي يقول:
يبكى علينا ولا نبكي على أحد ... لنحن أغلظ أكبادًا من الإبل
لا شيء أحسن منها إذ تودعني ... وَجَيبها برشاش الدمع مغتسل
وكان من ولد قُدَيد: الأحنف بْن قديد. وعبدة بْن قديد، وكان عبدة جوادًا، وفيه يقول الشاعر:
كذب القائلون قد ذهب الج ... ود ومات الندى بموت الجنيد(12/307)
من أراد الندى وبذل العطايا ... فعليه بعبدة بْن قديد
ويقال إن الَّذِي يقول:
يبكي علينا ولا نبكي على أحد.
..
قديد بْن منيع.
وتزوج أَبُو مُسلم المرزبانة بِنْت قديد، وتزوجها عَبْد الجبار بْن عَبْد الرَّحْمَن.
ومنهم عِصمة، وهو عصمة بْن سنان بْن خَالِد بْن منقر
الَّذِي يقول فِيهِ الشاعر وكان أسره عُصَيمة وخلاه
عصيمة أُجزيه بما قَدَّمَتْ له ... يداه وإلّا أُجْزِ عِصمة أكفر
واللعين المنقري من ولد عِصمة،
واسمه منازل بْن زمعة، ويكنى أَبَا أُكيدر.
ومنهم فدكي بْن أعبد بْن أسعد بْن منقر،
كان فارس بني سعد فِي الجاهلية، وكان فدكي بْن أعبد، وطريف بْن تميم، وأبو الجدعاء الطهوي أغاروا وهم متساندون على طيّئ، فقتلوا عمرو بن ورد رئيس طيّئ، وأسروا منهم ثمانين أسيرًا فيهم حاتم الطائي الجواد، ثُمَّ انصرفوا فأغاروا على بَكْر بْن وائل، فقُتل طريف وأبو الجدعاء، وأفلت فدكي بْن أعبد.
وقد شهد فدكي وقائع وهو القائل:
أَنَا ابن ماوية إذا جدَّ النفر.
..
وله عقب.
ومن بني منقر: عقبة بْن حَبَّار،
وكان بخيلًا، وفيه يقول الشاعر:
لو أن قدرا بكت من طول محبسها ... على الجفوف بكت قدر ابن حبّار(12/308)
ما مسها دسم مذ فُضَّ معدنها ... ولا رأت بعد نار القين من نار
ومن بني مرة بْن عُبَيْد،
مُجّاعة بْن سِعْر بْن يزيد بْن خليفة بْن سنان بْن قطن بْن العجلان بْن مرة بْن عُبَيْد
كان شريفًا، وكان سِعْر مع عَلي بْن أبي طالب عليه السلام، فدخل على هو عنده فالوذج فقال: ما هَذَا؟ قال: هَذَا الَّذِي يقتل عليه بعض قريش بعضًا، فاعتزله ولزم ناحية من البصرة.
وولي مُجاعة عُمَان للحجاج، وولي مكران، وبها مات فقال الشاعر:
ما من مشاهدك الَّتِي شاهدتها ... إلا يزينك ذكرها مُجَّاعا
وكان القاسم بْن مجاعة ولي عُمان فقتله أهلها وصلبوه، فقال الشاعر:
تناوم مُجَّاع وأسلم قاسما ... وما صاحبُ الحاجات بالمتناوم
فبعث الحجاج مَجاعة إِلَى أَهْل عُمان، فقتل منهم مقتله عظيمة فقال مجّاعة
حمدتُ اللَّه حين شفيت نفسي ... فهذا حين ساغ لها الشراب
وولي يوسف بْن عُمَر غضيًا بْن القاسم بْن مُجّاعة عُمان.
ومن بني مرة بْن عُبَيْد فيما ذكر أَبُو اليقظان: الأسود بْن سريع [1]
أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: قد مدحت ربي فقال رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «إن ربي ليحب أن يمدح» .] وكان أول من قصَّ بالبصرة فِي مسجدها.
ومات رَجُل فقال الأسود:
إن تنج منها تنج منها عظيمة.
..
فَقِيل له: أجز يا أبا سريع فقال:
وإلا فإني لا أخالك ناجيا
__________
[1] بهامش الأصل: الأسود بن سريع رحمه الله.(12/309)
وقال أَبُو اليقظان: ومن بني مرة بْن عُبَيْد: مذعور بْن هزال كان له مال وقدر بالأهواز.
ومن بني مرة بْن عُبَيْد عن الكلبي: عُمارة بْن سُلَيْمَان بْن قَيْس بْن عُمارة بْن مرة بْن مرثد بْن حِميري بْن عبادة بْن النزال بْن مرة، كان شريفًا.
وقال أَبُو اليقظان: هُوَ عمارة بْن أَبِي سُلَيْمَان، كان خطيبًا لسنًا بالكوفة، وقد ولي الولايات، ويقال إنه دعيُّ، وله عقب بالكوفة [1]
[الأحنف بن قيس]
قال الكلبي: ومن بني مرة بْن عُبَيْد أخي منقر بْن عُبَيْد: الأحنف واسمه الضحاك بْن قَيْس [2] بْن مُعَاوِيَة بْن حصين بْن حَفْص بْن عبادة بْن النزال بْن مرة بْن عُبَيْد.
وقال غير الكلبي: اسم الأحنف صخر بْن قَيْس، ويُكنى الأحنف أَبَا بحر، ولد: أحنف. والحنف: إقبال إحدى القدمين بأصابعها على الأخرى. وقالت أمه حَبَّة بِنْت عمرو الباهلية، ويقال حُبَّى، وهي ترقصه:
والله لولا حنف برجله ... وضعفه ودقة من هزله
ما كان فِي فتيانكم كمثله
وكان حليمًا. ولما أتى رسول النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني تميم، يدعوهم إِلَى الْإِسْلَام فلم يجيبوه، قال الأحنف: إنه يدعوكم إِلَى مكارم الأخلاق وينهاكم عن ملائمها، فأسلمت بنو تميم، وأسلم ولم يفد على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووفد على عُمَر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ مع وفد من قومه، فقال: يا أمير المؤمنين أتاك وفود
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت عرضا بالأصل الثالث، ولله كل حمد.
[2] بهامش الأصل: الأحنف بن قيس، رحمه الله.(12/310)
العرب، وأهل الأمصار، وقد نزلوا فِي مياه عذبة، وجنان مخصبة فِي مثل حولاء السلي، وحدقة الحمل تأتيهم ثمارهم لم تخضد، وإنا نزلنا فِي سبخة نشاشة مالحة هشاشة، جانب منها البحر الأجاج وجانب الفلاة، فألا تمدنا بفضل عطاء أو زرق نهلك، فحبسه عُمَر عنده حولا حيث أعجب بكلامه ليستبرىء ما عنده فلم ير إلا ما يحب. فقال عُمَر: إنا كُنَّا نحاذر كل منافق عليم، وإني قد خبرتك حولًا فرأيتك ذا جُول [1] ومعقول، وأذن له فقدم البصرة.
وحضر مجلس عمر، فذكر عُمَر بني تميم وقال فيهم، فقال الأحنف:
يا أمير المؤمنين منهم الصالح ومنهم الطالح، فقام الحتات المجاشعي ليتكلم فقال له عُمَر: اجلس فقد كفاكم سيدكم الأحنف.
وَحَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَدِمَ الأَحْنَفُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُمْ رَجُلا رَجُلا، وَالأَحْنَفُ جَالِسٌ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فِي بَتٍّ لا يَتَكَلَّمُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَا لَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ مَفَاتِحَ الْخَيْرِ بِيَدِ اللَّهِ، وَإِنَّ إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ نَزَلُوا مَنَازِلَ الأُمَمِ الْخَالِيَةِ بَيْنَ الْمِيَاهِ الْعَذْبَةِ، وَالْجِنَانِ الْمُلْتَفَّةِ، وَنَزَلْنَا بِسَبْخَةٍ نَشَّاشَةٍ لا يَجِفُّ تُرَابُهَا وَلا يَنْبُتُ مَرْعَاهَا، مَنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ الْبَحْرُ الأُجَاجُ وَمِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ الْفَلاةُ، فَلَيْس لَنَا زَرْعٌ وَلا ضرع، تأتينا منافعنا وميرتنا في مثل مريء النَّعَامَةِ، يَخْرُجُ الرَّجُلُ الضَّعِيفُ فَيَسْتَعْذِبُ الْمَاءَ مِنْ فَرْسَخَيْنِ، وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ كَذَلِكَ فَتَرْبِقُ وَلَدَهَا كَمَا تُرْبَقُ الْعَنْزُ، نَخَافُ بَادِرَةَ الْعَدُوِّ، وَأَكْلَ السَّبْعِ. فَإِلا تَرْفَعْ خَسِيسَتَنَا وَتُجْبِرْ فَاقَتَنَا نَكُنْ كَقَوْمٍ هلكوا.
__________
[1] الجول: العقل والعزم. القاموس.(12/311)
فألحق عُمَرُ ذَرَارِي أَهْلَ الْبَصْرَةِ فِي الْعَطَاءِ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ يَأْمُرُهُ أَنْ يَحْفِرَ لَهُمْ نَهْرًا [1] وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ أَبِيهِ قال: قال الأحنف بْن قَيْس: الرجل الكامل من تحفظ هَفَواته.
حَدَّثَنَا أبو الحسن علي بن محمد المدائني عن كليب بْن خلف قال:
تذاكروا الصمت والمنطق عند الأحنف، فقال قوم: الصمت أفضل، وقال الأحنف المنطق أفضل، لأن فضل الصمت لا يعدو صاحبه، وفضل المنطق ينال من سمعه، وإن ملاقاة الرجال تلقيح لألبابها.
حَدَّثَنِي الحرمازي عن أَبِي الفضل العميّ عن أَبِي عامر العُطاردي قال: قدمت عير للأحنف بْن قَيْس، فخرج يتلقاها ومعه فتى كان يلزمه فيعجبه صمته ويحسب أن ذلك لحسن استماع، فَلَمَّا برز الأحنف إِلَى الجبان نظر الفتى إِلَى غراب محلق فِي السماء فقال: يا أَبَا بحر أيسرك أنك بمكان هَذَا الغراب ولك عشرة آلاف درهم؟ فقال الأحنف: لا يا بني ولرب ناطق هُوَ أعيا من صامت.
المدائني عن جهم بْن حسان قال: حبس مُصعب بْن الزبير قومًا، فقال له الأحنف: أصلح اللَّه الأمير إن كنت حبستهم بباطل فالحق يخرجهم، وإن كنت حبستهم بحق فالعفو يسعهم، قال: صدقت، وأخرجهم.
وقال الأحنف، ورأى من مصعب تجبرًا: عجبًا لمن يتجبر وقد جرى
__________
[1] الخبر بالتفاصيل نفسها في البلدان للبلاذري تحقيق د. سهيل زكار- ط. بيروت 1992 ص 403.(12/312)
فِي مجرى البول مرتين، ويقال إنه مد رجله وهو معه على السرير، فقال هَذَا القول.
المدائني عن كليب بْن خلف وغيره أن الأحنف بْن قَيْس قال: تعلمت الحلم من قَيْس بْن عاصم، أتى مَوْلَى له صائغ وقد ضرب رَجُل يده بسيف فأبانها، والرجل معه، فَلَمَّا نظر إِلَى الرجل قال: قد وهبتك يا هَذَا لله فاتق اللَّه ثُمَّ نظر إِلَى مولاه فقال: يا بني قد غمنا ما أُصبتَ به وأنت فِي عيالنا ما بقيت.
قال: وأتي ذات يوم بابنه مقتولًا وبقاتله، فقال: روعتم الفتى ورعبتموه ثُمَّ أقبل عليه فقال: ما أردت إِلَى ابن عمك وهو عضدك ويدك ونصيرك، والله لقد نقصت عددك، وضعضعت ركنك، وأسخطت ربك، أطلقوه، فأطلقوه وما حَلَّ حبوته ولا قطع كلامه ولا تغير لونه.
المدائني عن عوانة قال: لما نزل أصحاب الْمُخْتَار على حكم المصعب بْن الزبير، شاور الأحنف فِي أمرهم فقال الأحنف: أرى أَن تعفو عَنْهُم فَإِن العفو أقرب للتقوى [1] . فقال أشراف أَهْل الكوفة: لا تعف عن هَذِهِ الموالي واضرب أعناقهم فقد بدا كفرهم، وعظم كبرهم، وقل شكرهم، وضجوا. فَلَمَّا قتلوا قَالَ الأحنف: مَا أدركتم بقتلهم ثأرًا، فليته لا يَكُون فِي الآخرة وبالًا.
المدائني عن كليب وغيره قَالُوا: قال الأحنف: رب غيظ تجرعته مخافة ما هُوَ أشد منه، ومن لم يصبر على كلمة تسوءه سمع سبعًا.
وقال رَجُل للأحنف، ويقال لضرار بْن القعقاع: والله لو قلت واحدة
__________
[1] سورة البقرة- الآية: 237.(12/313)
لسمعت مني عشرًا، فقال: لكنك والله لو قلت عشرًا ما سمعت مني واحدة.
وقيل للأحنف: من السيد؟ قال: الذليل فِي عرضه، الأحمق فِي ماله، المطَّرح لحقده، المعين لعشيرته.
المدائني عن كليب بْن خلف وغيره أن غيلان بْن خرشة الضَّبِّيّ قال للأحنف: يا أَبَا بحر ما بقاء ما فِيهِ العرب قال: ما تقلدوا السيوف واقتطعوا العمائم، وركبوا الخيل، ولم يكونوا فوضى، ولم تأخذهم حمية الأوغاد. قيل وما حمية الأوغاد؟ قال: أن يعدوا الحلم ذلًا، والتعافي فيما بينهم ضيمًا.
المدائني عن كليب بْن خلف وغيره أن غيلان بْن خرشة الضَّبِّيّ قال للأحنف: يا أَبَا بحر ما بقاء ما فِيهِ العرب قال: ما تقلدوا السيوف واقتطعوا العمائم، وركبوا الخيل، ولم يكونوا فوضى، ولم تأخذهم حمية الأوغاد. قيل وما حمية الأوغاد؟ قال: أن يعدوا الحلم ذلًا، والتعافي فيما بينهم ضيمًا.
المدائني عن الهذلي قال: قال الأحنف: ما أحب أن لي بنصيبي من الذل حمر النعم ودهمها، فقال له رَجُل: أنت أعز العرب فقال: إن الناس يرون الحلم ذلًا.
الحرمازي قال: فقد الأحنف بحرًا ابنه يومًا أو يومين، فَلَمَّا رآه قال له: أَيْنَ كنت لله أبوك؟ فقال: كُنَّا نكسح، يريد كُنَّا نشرب. فقال:
وهل جاء ما كنت فِيهِ بخير قط؟
وقيل له: ألا تكون مثل أبيك؟ فقال: أكسل عن ذاك.
وحدثني الحرمازي قال: جرى بين الأحنف وبين رَجُل من الشعراء كلام، فقال له الشاعر: والله لأشتمنك شتما يدخل معك قبرك، فقال:
يا بن أخي إنما يدخل معك قبرك دوني، إن الكلم الصالح يزين صاحبه فِي الدنيا ويلقى خيره في الآخرة، وإن الكلم السيء شين عاجل، وشر آجل.
المدائني أن رجلًا رُفع إِلَى مصعب بْن الزبير، وقد اتهم بسرق أو غيره، وعنده الأحنف بْن قَيْس، فَقِيل للمتهم: أصدق الأمير. فقال(12/314)
الأحنف: بعض الصدق معجزة.
حَدَّثَنِي الحرمازي عن جهم السليطي أن بحر بْن الأحنف قال لجارية أبيه زبراء: يا زانية. فقالت لو كنت زانية لجئت أباك بمثلك، فقال الأحنف لابنه: يا فاسق لقد أفحشت ولَؤُمت، وقال لجاريته، لقد أغرقت فِي النزع وما أبقيت على أختك، وكلاكما مسؤول عن قوله، ومأخوذ به، فاتقيا اللَّه.
وكان بحر بْن الأحنف مضعوفًا، فَقِيل له: ألا تكون مثل أبيك؟
فقال: وأيكم مثل أَبِيهِ؟
وتزوج بحر فولد له سَعِيد بْن بحر.
فتزوج سَعِيد بْن بحر حفصة بِنْت ربعي بْن عمرو بْن الأهتم، فمات ولم يولد له، ولم يبق للأحنف عقب من ذكر ولا أنثى، وكانت للأحنف ابْنَة ماتت.
حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَن عن جَعْفَر بْن سُلَيْمَان الضبعي عن المعلي بْن زياد عن الْحَسَن أن الأحنف خرج فِي وفد تُستر إِلَى عُمَر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ، فلبس الوفد ثيابًا جددًا، ولبس الأحنف بَتًّا، فَلَمَّا رآهم أعرض عن الوفد وأقبل على الأحنف فقال: بكم أخذت البَت؟ قال: بأربعين. قال: فهلا بعشرين وَقَدَّمْتَ الفضل، قال: يا أمير المؤمنين إن قومي حديث عهدهم بالجاهلية فأردت أن يروا للإسلام علي أثرًا حسنًا، فطفق عُمَر يسائل الأحنف، والأحنف يقول: يا أمير المؤمنين أميرنا مجاشع، فلم يكلمهم، فانصرفوا فقال الأحنف: كره أمير المؤمنين زيكم فالقوه بغير هَذَا الزي، فغدوا عليه فِي ثياب الحرب مصدأه، فَأَقْبَلَ على مجاشع فساءله وساءل الوفد ثُمَّ انصرفوا إِلَى أَبِي مُوسَى، واحتبس الأحنف حولًا، ثُمَّ دعاه فقال: إني(12/315)
خفت أن تكون منافقًا فارجع إلي بلدك وقومك فَمَا بهم غنًى عنك، واتق اللَّه ربك.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ حَيَّانَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي الْعَامِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَنْ وَجِّهِ الأَحْنَفَ فِي خَمْسَةِ آلافٍ إِلَى خُرَاسَانَ، فَتُوُفِّيَ عُمَرُ قَبْلَ أَنْ يُسَرِّحَهُ.
المدائني قال: قال المنذر بْن الجارود: أعطي الأحنف ما لم يعطه أحد. وفدنا على مُعَاوِيَة فلم أدع شيئًا من حسن الزي والهيئة إلا اتخذته، وخرج متخففًا رث الهيئة، فكنا إذا نزلنا منزلا أظهرت ما عندي من الهيئة وتلبست، وخرج الأحنف فِي بت، ولا يراني أحد مِمَّنْ لا يعرفنا إلا قال:
هَذَا الأحنف، والأحنف فِي بت ولا أُذكر أَنَا.
المدائني عن بشار بْن عَبْد الحميد عن أَبِي ريحانة قال: وفد هلال بْن وكيع وزيد بْن جُلْبة، والأحنف بْن قَيْس إِلَى عُمَر، فقال هلال بْن وكيع:
يا أمير المؤمنين إنا غُرَّة من وراءنا، ولباب من خلفنا من قومنا، وَإِنَّكَ إن تصرفنا بالزيادة فِي أعطياتنا والفريضة لعيالاتنا يزود الشريف منّا لك تأميلًا، وتكون لذوي الأحساب أبًا بَرًّا، وإلا تفعل تكن مع ما نَمُتُّ بفضله، وندلي بأسبابه كالجب لا يحل ولا يرحل، ثُمَّ نرجع بأُنف مصلومة، وجدود عاثرة فَمَحْنَا وأهلينا بسجل من سجالك مُترع.
وقال زَيْد بْن جُلْبة: يا أمير المؤمنين زود الشريف، وأكرم الحسيب، وأودعنا من أياديك بما يسد الخصاصة، ويجبر الفاقة فإنا بقفّ من الأرض يابس الأكناف، مقشعر الذروة لا شجر فِيهِ ولا زرع، وإنا من العرب إذ أتيناك بمرأى ومستمع.(12/316)
ثُمَّ قال الأحنف: يا أمير المؤمنين إن مفاتيح الخير بيد اللَّه، والحرص قائد الحرمان، فاتق اللَّه فيما ولاك فيما لا يغني عنك يوم القيامة، واجعل بينك وبين رعيتك شيئًا يكفيك وفادة الوفود، واستماحة المستميح، فَإِن كل امرئ يقرى فِي وعائه إلا الغل مِمَّنْ عسى أن تقتحمه الأعين، فكان الأحنف أحمدهم قولًا عند عُمَر.
حَدَّثَنَا عَفَّانُ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَنْبَأَ علي بن زيد أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ أَدْنِ الأَحْنَفَ وَشَاوِرْهُ وَاسْمَعْ مِنْهُ.
المدائني عن سوار بْن عَبْد اللَّه قال: وفد الأحنف على عُمَر فقال له:
أعمك المتشمس؟ قال: نعم.
المدائني عن مسلمة بْن محارب عن عيينة بْن عَبْد الرَّحْمَن الجوشني أن مُعَاوِيَة قال للأحنف: أتراني نسيت لك اعتزالك بالبصرة وقريش تذبح فِي نواحيها كما يذبح الحيران [1] لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر، أو تراني أنسى طلبك الحيل فِي أمر أتانيه اللَّه لتبطله، يعني يوم الحكمين. فقال الأحنف: «صَدَقَني سِنّ بَكْرِهِ» [2] ، لا آتيه فِي حاجة أبدًا.
وعن مسلمة قال: جعل قوم لرجل جُعلًا إن سفَّه الأحنف وأغضبه، فأتاه فقال: لا حياك اللَّه يا أحنف، فلم يجبه، فأعادها مرارًا فلم يجبه، فانصرف الرجل فقال الأحنف: قاتلهم اللَّه لقد علموا أَيْنَ وضعوا خطرهم.
__________
[1] بالأصل: خيزان ولا وجه له، وتقدم الخبر في صفحة 1871 حيران. والحيران الذي لم يهتد إلى سبيله. وبناء عليه جرى التقويم.
[2] صدقني سن بكره، من أمثال العرب في باب تصديق الرجل صاحبه عند اخباره اياه.
الأمثال لأبي عبيد ص 49.(12/317)
قال: وقال الأحنف: ما قست منزلتي عند أحد بمنزلتي فِي نفسي إلا وجدتها دونها.
وسأل الأحنف قوم فقال: إن شئتم أعطيتكم درهمين، وإن شئتم أعطيتكم ألفين، قَالُوا: اختر لنا، فَلَمَّا خرج العطاء حمد اللَّه وألقى لهم درهمين فألقى الناس كلهم درهمين درهمين فقاموا بكساء يحمله أربعة.
وكان الأحنف يقول: لأن أُدعى من بعيد أحب إلي من أن أدفع من قريب.
المدائني عن طُفيل بْن أَبِي حَفْص قال: أتى رَجُل الأحنف فقال: يا أَبَا بحر إني أريد مشاورتك، فَأَقْبَلَ الأحنف عليه فقال الرجل: إيه يا أَبَا بحر.
فقال: منك ينتظر الابتداء بالقول رحمك اللَّه.
وقال الأحنف: ما يسرني أني نزلت بدار معجزة وإني أسمنت وألبست. فَقِيل يا أَبَا بحر وما يراد من دار الجزم [1] غير هَذَا. قال: إني أخاف سوء العادة.
قال: وكان الأحنف إذا أتاه رَجُل وهو فِي مجلس ضَيّق تحفز وتحرك يريه أن يوسع له.
المدائني عن عَبْد اللَّه بْن المغيرة عن عَبْد اللَّه بْن بيان عن الشَّعْبِيّ قال:
قدم مصعب الكوفة بعد قتل الْمُخْتَار فَقِيل: إن أحنف أَهْل البصرة فِي المسجد، فجئنا ننظر إليه، فإذا هُوَ مُحْتَبٍ حمائل سيفه، واضعًا مرفقيه على ركبته، وقد شبَّك أصابعه، وتميم مطيفةً به، وأكب الناس ينظرون إليه.
فأراد قومه على شيء فقالوا: لا. فرفع رأسه إلى النظارة فقال: إن بني تميم
__________
[1] جزم. قطع واليمين أمضاها، والأمر قطعه قطعا لا عودة فيه. القاموس.(12/318)
خيل شَمْس صعاب تضطرب فلا تنقاد لقائدها، فَمَا لبثنا أن كلمهم، فقالوا: نعم، نعم.
حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عن علي بن زيد عن الحسن عَنِ الأَحْنَفِ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَطُوفُ بِالْبَيْتِ زَمَنَ عُثْمَانَ إِذْ جَاءَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ فَقَالَ لِي: أَلا أُبَشِّرُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هَلْ تَذْكُرُ إِذْ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ إِلَى قَوْمِكَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الإِسْلامَ، فَقُلْتَ إِنَّهُ يَدْعُو إِلَى خَيْرٍ، وَمَا أَسْمَعُ إِلا حَسَنًا إِنَّهُ لَيَدْعُو إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَيَنْهَى عَنْ مَلائِمِهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي أَبْلَغْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَكَ فَقَالَ: [ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَحْنَفِ] » . فَكَانَ الأَحْنَفُ يَقُولُ: إِنَّهُ لا رَجَاءَ مَا أَرْجُو.
المدائني عن عُمَر بْن السائب عن سَعِيد بْن كرز قال: قدم الجارود العبدي وافدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر ببلاد بني سعد فوقف على الأحنف طويلًا، ومضى أصحابه فقالوا: لقد طال وقوفك مع هَذَا التميمي؟ فقال:
إني رَأَيْت رجلًا لا ينزل ببلد إلّا ساد أهله.
وقال مُعَاوِيَة: ما شيء يعدل الأناة فقال الأحنف: إلّا فِي ثلاث يا أمير المؤمنين. قال: وما هِيَ؟ قال: تبادر بعملك الصالح أجلك، وتعجل إخراج ميتك وتنكح الكفء إليك. قال: صدقت أَبَا بحر.
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ الْحَسَنِ قال: دخل الأحنف مع عمه على مسيلمة الكذاب فَلَمَّا خرج قال له عمه: كيف رَأَيْته؟ قال: رَأَيْته كذابًا أحمق، فقال عمه: لأعلمنه. قال: إذًا أجحد وأحلف بحقه، فقال الْحَسَن: أمِن والله أَبُو بحر الوحي.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَجْلانِيِّ قَالَ: قيل للأحنف: إنك(12/319)
لتغشى السلطان فتقعد ناحية، فقال: لأن أقعد فأُقَرَّب أحب إلي من أن أقرُبَ فأُبْعَد.
وقالت بنو تميم للأحنف: منتنا عليك أعظم من منتك علينا لأنا سَوَّدْنَاكَ، فقال: ما أعظم منتكم جزاكم اللَّه خيرًا، وهذا شبل بْن معبد البجلي ليس بالمصر من قومه غيره فَمَنْ سوَّده؟! المدائني عن بشار بْن عَبْد الحميد عن أَبِي ريحانة قال: قال الأحنف، وهو بصفين مع علي عليه السلام: ويل للعرب إن غَلَبْنَا أو غُلبنا، قيل:
وكيف ذاك يا أَبَا بحر؟ قال: إن غَلبنا لم يعمل إمام بمعصية إلا قُتل وإن غُلبنا لم يُعَجْ [1] إمام عن معصية.
المدائني عن عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد اللَّه أن الأحنف قال: لا يزال العرب بخير ما تذاكروا الأحساب وأحيوها، وأخذوا بصالح ما كان عليه سلفهم وأغلظوا ولم يكونوا فوضى، وتعايروا الدناءة، وأقالوا الأحياء، وأعفوا الأموات ولم يَعُدّوا الحلم ذلًا.
المدائني عن مسلمة قال: قال رَجُل للأحنف: لم أرك يا أَبَا بحر تمس الحصا. قال: ما فِي مسه أجر، ولا فِي ترك مسه وزر.
المدائني عن عَبْد اللَّه بْن فائد ومسلمة قَالا: قال الأحنف بْن قَيْس:
من كثر مزاحه ذهبت مروءته، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته، ومن أكثر من شيء عرف به.
قَالُوا: وذكر رَجُل من بني تميم عند الأحنف بعيب وتمني موته، فقال
__________
[1] عج: صاح ورفع صوته، والناقة زجرها. القاموس.(12/320)
الأحنف: ما تريدون منه، دعوه يكفي قرنه، ويأكل رزقه، وتحمل الأرض ثقله.
وكان الأحنف يقول: السؤدد كرم الأخلاق، وحسن الفعال.
وكان لقوم قبل قوم دم فصالحوهم على ديتين، فقال الأحنف: إن اللَّه حكم بدية فرضي بها المسلمون وأحقّ ما رَضِيَ به العباد ما أمضى اللَّه به حكمه عليهم، وإنكم إن أبيتم أن ترضوا اليوم بدية، لم يُرض منكم غدًا إلّا بمثل ما طلبتم، فَإِن الأمور تتعاقب، والعز منتقل. فقالوا: الحكم إليك، فأعطاهم دية.
المدائني عن مسلمة عن علي بْن زَيْد أن الأحنف قال: ثلاث ما أقولهن إلا ليعتبر معتبر، إني لا آتي السلطان حَتَّى يرسل إلي، ولا أخلف جليسي بغير ما أحضره به، ولا أدخل نفسي فِي أمر لا أُدخل فِيهِ.
وقال الأحنف: يا بني تميم لا تنقبضوا عن السلطان، ولا تهافتوا عليه، واعلموا أنه من أسرف على السلطان أرداه، ومن تضرع له تخطاه.
وكان يقول: بعض الذل أبقى للأهل والمال.
قال المدائني: كان يُقَالُ: أربعة سادوا ولا مال لهم: وكيع بْن بشر بْن عَمْرو بْن عدس، وابنه هلال بْن وكيع، والأحنف بْن قَيْس، وهلال بْن أحوز ساد بالبشر الحسن.
وقال: فيل لبحر بْن الأحنف: لقد أورثك أبوك شرفًا وذكرًا، فقال: ليته ترك لي مائة ألف درهم، وَإِنَّهُ فِي النار.
المدائني عن مسلمة بْن علقمة الْمَازِنِيّ عن خَالِد الحذاء عن عَبْد اللَّه بْن صعصعة قال: لما حبس ابن الحنفية قال أَبِي: انطلق بنا إِلَى عجوزنا هذه(12/321)
القاعدة على ذيلها، قال: فدخلنا على الأحنف، فقال لأبي: يا أَبَا الْوَلِيد ما كنت لنا بزوَّار فَمَا بدا لك؟ فقال: إن هَذَا الرجل محبوس. فقال يا أَبَا الْوَلِيد ما كنت صَبًّا بآل أَبِي طَالِب فقال: إنه محبوس مظلوم، فذكر الأحنف رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا هدى الله به من الضلالة، وعلم بعد الجهالة، ثُمَّ ذكر أَبَا بَكْر وعمر، واختلاف الناس بعدهما، وذكر عُثْمَان ثُمَّ قال: قد بلونا آل أَبِي طَالِب فلم نجد عندهم إيالة للملك، ولا صيانة للمال، ولا مكيدة فِي الحرب، والأمر ههنا، وأشار إِلَى الشام. قال أَبِي: فَمَا يمنعك؟ قال:
أتيتموني فقلتم: ابن الزبير ابن الزبير، فَلَمَّا بايعت قلتم: انكث، لا أنكث. فخرجنا وأبي يقول: لله در ابن الباهلية، لقد أنجبت أمه.
قَالُوا: وأنشد رَجُل الأحنف:
ولتميم مثلها أو تعترف.
..
فقال: تعترف رحمك اللَّه.
وأنشد رَجُل:
ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما تحبون الطعاما
فقال الأحنف: يا بن أخي قد عرفنا الآية فَمَا الحاجة رحمك اللَّه؟
المدائني عن كليب بْن خلف عن إدريس بْن حسكة قال: قال الأحنف لعلي: يا أمير المؤمنين بلغني أن هَذِهِ الذئاب من الكوفة يأتوا يعنفونك فِي قتل المقاتلة، وسبي الذرية، وقسم الفيء، ولن يكفهم عنك إلا شيء تقذفه في أفواههم، وَفِي بيت المال ههنا شيء فاقذفه فِي أفواههم، وأيم اللَّه لئن رمْتَ ما يريدونك عليه لا يكون الأولى عند الأخرى إلا كلقعة [1]
__________
[1] لقع: مرّ مسرعا، والشيء رمى به، وفلانا بعينه أصابه، والحية لدغت. القاموس.(12/322)
ببعرة.
المدائني عن مُحَمَّد بْن ربيعة أن رجلًا قال للأحنف: لأسبنك سبًا يدخل معك قبرك. فقال: بل يدخل معك قبرك.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَتْ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ قُبَّةٌ لا يَدْخُلُهَا إِلا هَاشِمِيٌّ وَالأَحْنَفُ، وَكَانَ لا يَعْدِلُ بِرَأْيِهِ رَأْيًا فَقَالَ لَهُ: إِنَّا لَوْ رَأَيْنَا أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْكَ بَايَعْنَاهُ، فَلا تَمْحُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ كِتَابِ الْقَضِيَّةِ: فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: قَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَحَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَتَبَ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ الأَحْنَفُ: إِنَّ اللَّهَ أَبَى إِلا أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ رَسُولَهُ، وَأَنْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تُرِيدُ أَخْذَ هَذَا الأَمْرِ بِالسَّيْفِ.
المدائني عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لم يقارف أحد الفتنة إلا وضعته غير الأحنف، ثُمَّ قال: عسى أن يكون قد سبق له من اللَّه شيء.
وقال الْحَسَن: لقد اجتمعت فِي الأحنف خصال: كَفَّ زيادًا عن قتل الحمراء، وتحمل دماء الأزد وربيعة يوم مَسْعُود، فأصلح أمر الناس، وأطفأ النائرة.
وكان الأحنف يقول: استجيدوا النعال فإنها خلاخيل الرجال.
المدائني عن جهم بْن حسان السليطي أن رجلًا قال للأحنف: هَلْ تكون محمدة بغير مَرْزية؟ قال: نعم بالخلق السجيح، والكف عن القبيح.
وقال الأحنف: أدوأ الداء اللسان البذيء والخلق الرديء.
وقال الأحنف: ليس لكذوب مروءة، ولا لبخيل خلة، ولا لحاسد(12/323)
راحة، ولا لسيئ الخلق سؤدد. ولا لملول وفاء.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ قَادِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ، وَقَدْ أَخَذَ النَّاسُ مَجَالِسَهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ بِأَمْرِ مُعَاوِيَةَ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اجْمَعْ شَمْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِيَزِيدَ فَإِنَّهُ أَفْضَلُنَا حِلْمًا، وَأَحْكَمُنَا عِلْمًا، فَقَالَ الأَحْنَفُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: اعْصِ مَنْ يَأْمُرُكَ وَيُشِيرُ عَلَيْكَ، وَلا يَنْظُرُ لَكَ، فَإِنَّكَ أَعْلَمُ بِالْجَمَاعَةِ، وَأَعْرَفُ بِالاسْتِقَامَةِ، فَضَحِكَ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ: حَسْبُكَ رَحِمَكَ اللَّهُ، وَيُقَالُ إِنَّهُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَعْلَمُ بِلَيْلِ يَزِيدَ وَنَهَارِهِ مِنَّا، وَإِنَّا نَخَافُكُمْ إِنْ صَدَقْنَاكُمْ، وَنَخَافُ اللَّهَ إِنْ كَذَبْنَاكُمْ، فَأُسْكِتَ مُعَاوِيَةُ.
وروى حَمَّاد بْن زَيْد عن خَالِد الحذاء عن رَجُل قال: رَأَيْت الأحنف يطوف أيام مَسْعُود فيقول: إنكم تلقون عدوكم فأصدقوهم، فإنهم يألمون كما تألمون.
المدائني عن أَبِي إِسْحَاق قال: ذكروا عند الأحنف رجلًا فقالوا: كان سخيًا، ثُمَّ شحَّ، فقال رَجُل يعذره، والله ما شَحَّ ولكن قعد به ذهاب ماله، فقال الأحنف: إن المروءة لا تستطاع إذا لم يكن ما لها فاضلًا.
المدائني عن جهم بْن حسان قال: كان الأحنف يقول وابن خازم والحريش يقتتلان بخراسان: اللَّهُمَّ اجعل شغل قومي بمحاربة المشركين.
وقال حين قتل ابن خازم أَهْل فرنبا [1] : قبح اللَّه رأي ابن خازم قتل رجالا من بني تميم، لو قتل رَجُل منهم به لكان وفاءً فقتلهم بابنه صبي وغد أحمق لا يساوي علقًا.
__________
[1] كذا بالأصل، ولعل الصحيح فرنباذ، وفرنباذ قرية كبيرة بمرو على خمسة فراسخ، اللباب لابن الأثير.(12/324)
المدائني عن عبد الله بن فائد قال أوقع ابن خازم بربيعة بهراة، وبلغ ذلك أَهْل البصرة فقال الأحنف لوجوه تميم: انطلقوا بنا إِلَى إخواننا من ربيعة نعتذر إليهم، فانطلقوا إِلَى مالك بْن مسمع فحبسهم ببابه ساعة، وكان مع بني تميم مُحَمَّد بْن عمير فنهض لينصرف فلم يدعه الأحنف وقال:
إذا أتيت رجلًا فِي رحله فاصبر حَتَّى يأذن لك، فَإِن الناس أمراء فِي رحالهم، يأذنون إذا شاءوا، وإلا فلا تأتين أحدًا، ثُمَّ أذن لهم فقال الأحنف: والله ما سرنا ما كان من هَذِهِ الوقعة ولقد ساءتنا، فقال مُحَمَّد بْن عمير: ما ساءتنا إذ كَانَتْ، فقال: مالك إن فِي رأسك نُعْرة ولو ساكنتني بالبلد لطيرتها عنك، فأفسد ما جاؤوا له وتهايجا فجعل الأحنف يسكنهما، فقال مُحَمَّد بْن عمير بعد خروجه من عند مالك: فهلا طير نعرة عبد اللَّه بْن الأصبهاني من رأسه حين رجمه فِي داره حَتَّى أَخْرَجَهُ عَنْهَا وصار إِلَى المربد.
المدائني قال: وشي رَجُل برجل عند مصعب بْن الزبير، فأغضب ذلك مصعبًا على الرجل، وجاء الرجل فجعل يتنصل ويعتذر فقال مصعب: كذبت، أبلغني عنك الثقة، فقال الأحنف: إن الثقة لا يُبَلّغ.
قال المدائني: لما كَانَتْ فتنة مَسْعُود أراد الناس أن ينتهبوا دار ابن زياد، فقال الأحنف: يا بني تميم امنعوها فإنها لا تكاد تهلك قرية حَتَّى يهلك الذين بُنيت عليهم وأن هَذِهِ البلدة بُنيت على بني سُميَّة.
المدائني عن يحيى بْن زكريا العُجَيفي قال: رَأَى الأحنف قومًا يسارعون إلى الشر يوم المربد، فقال يا بني تميم إن أقل الناس حياء من الفرار أسرعهم إِلَى الشر.
المدائني عن الْعَبَّاس بْن عامر قال: وفد زياد إِلَى مُعَاوِيَة، ومعه وجوه(12/325)
أهل المصر، وفيهم الأحنف بْن قَيْس، فقال زياد: يا أمير المؤمنين أشخص قومًا إليك الأمل، وأقعد آخرين العذر ولكلٍ من سعة رأيك وفضلك ما يجبر المتخلف ويكافأ به الشاخص، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين ما نعدم منك بلاء، ووعدًا جميلًا، وزياد عاملك المستنُّ برأيك والسالك لمنهاجك فينا فَمَا عسينا أن نقول إلا ما قال زهير فإنه ألقى عن المادحين فضول الكلام حيث يقول:
وما بك من خير أتوه فَإِنَّمَا ... توارثه آباء آبائهم قبل [1]
أخبرنا أَبُو مُحَمَّد التوزي عن الأصمعي عن مبارك بْن فضالة عن يوسف بْن عَبْد اللَّه وهو ابن أخت ابن سِيرِينَ قال: كنت وأنا غلام أحب مجالسة الأحنف، فجالسته فقرأ ذات يوم: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عليه [2] فقلت: يا أَبَا بحر ليس هكذا. فنظر فِي وجهي ثُمَّ سكت فَلَمَّا كان من الغد جئت وأنا كالمستحيي فقال لي: يا بن أخي أشعرت أني نظرت فِي المصحف، فوجدت القول كما قلت.
المدائني قال: بايع قوم رجلًا على أن يأتي الأحنف فيُسمعه ويُؤذيه، فأتاه فأسمعه شرًا فقال له الأحنف: يا هَذَا هَلْ لك فِي غداء قد حضر فإنك تحدو مذ اليوم بجمل ثَقال.
المدائني عن عَبْد اللَّه بْن دينار عن عَبْد اللَّه بْن بَكْر المزني قال: قال أعرابي للأحنف، وسأله فلم ير عنده ما أحب: قبحك الله من سيد قوم،
__________
[1] شرح ديوان زهير ص 115.
[2] سورة البقرة- الآية: 203.(12/326)
وفعل بك وفعل. فلم يجبه فقال الأعرابي: والهفتاه ما منعه من إجابتي إلّا هواني عليه.
وصلى الأحنف على جارية بْن قدامة، ثُمَّ قام على قبره فقال: رحمك اللَّه أَبَا أيوب كنت لا تحسد غنينا ولا تحتقر فقيرنا.
المدائني قال: رَأَى الأحنف امْرَأَة تندب ميتًا فنُهيت فقال للذي نهاها: دعها فإنها تندب عهدًا قريبًا وسفرًا بعيدًا.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ لِلأَحْنَفِ: أَيُّ الطَّعَامِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الزُّبْدُ وَالْكَمَأَةُ وَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمَا لا يَجْتَمِعَانِ إِلا فِي خَصْبٍ.
قَالُوا: وجلس الأحنف على باب زياد، فوضع بعض السقاة عنده قربته وقال: احفظها لي حَتَّى أعود، فأتاه رسول زياد بالإذن فقال: إن عندي وديعة فلن أقوم حَتَّى يرجع صاحبها.
وقال الأحنف: السيد الَّذِي إذا أقبل هابوه وَإِذَا ولى شتموه.
وقيل للأحنف: لقد ساد حضين بْن المنذر وما اتصلت لحيته، فقال الأحنف: السؤدد مع السواد، أي مع الشباب.
وقال الأحنف لابنه: يا بني أتخذ الكذب كنزًا لا تنفقه.
ووجد مُعَاوِيَة على يزيد فِي بعض الأمر، فقال للأحنف، ودخل عليه: ما قولك فِي الولد؟ قال: يا أمير المؤمنين هُمْ عماد ظهورنا، وثمار قلوبنا، ونحن لهم أرض ذليلة، وسماء ظليلة فلا تمنعهم رفدك فيملوا قربك، وتثقل عليهم حياتك، فأعجبه قوله وقال: لقد كنت واجدًا على يزيد فسللت سخيمتي، وأمر له بصلة.(12/327)
المدائني عن عَبْد اللَّه بْن يزيد الأسيدي عن يزيد بْن يزيد بْن جَابِر الْأَزْدِيّ أن الأحنف قال لأبي موسى: إياك أن يقدمك عمرو فِي قول أو مجلس، فإنها خديعة، ولا تبدأه بالسلام، فإنها سنة وليس من أهلها.
وقال الأحنف: لا يهلك من قوم مثل عباد بْن الحصين، إلا أورثهم هلكه ذلة.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَسْمَلِيِّ أَنَّ الأَحْنَفَ قَالَ: جَلَسْتُ بِالْمَدِينَةِ فِي حَلْقَةٍ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ ثَائِرُ الشَّعْرِ فَرَمَوْهُ بِأَبْصَارِهِمْ وَابْتَدَرُوهُ بِالسَّلامِ غَيْرِي فَقَالَ لِي: كَأَنَّكَ غَرِيبٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ الْبَصِيرَةُ، قُلْتُ: أَقُولُ الْبَصْرَةَ وَتَقُولُ الْبَصِيرَةَ؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُه يَقُولُ: [ «يَكُونُ بَعْدِي مِصْرٌ مِنَ الأَمْصَارِ يُقَالُ لَهُ الْبَصِيرَةُ هُمْ أَقْوَمُ أَهْلِ الأَمْصَارِ قِبْلَةً يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ» ،] فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: الأَحْنَفَ. قَالَ: أُحَيْنِفٌ؟ قُلْتُ: أَقُولُ الأحنف وتقول أحينف؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِمَا قُلْتُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [ «أُحَيْنِفُ السَّرَايَا» .] فَلَمَّا قَامَ قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
المدائني عن عَبْد اللَّه بْن أَبِي سُلَيْمَان عن شبيل بْن عزرة قال: هجا ضوء بْن مسلمة الغبري الأحنف فقال:
أما خليلي أَبُو بحرٍ فَإِن له ... عندي محَّبَرةٌ حمرًا حواشيها
كأنَّ أظفاره من حك سُبَّته ... أظفار ختانة كلَّتْ مواسيها
كأنه جيئل عَرْفَاء [1] عارضها ... كلب وشحمتها الدسماء فِي فيها
فشكاه الأحنف إلى عَبْد اللَّه بْن عامر، وقال: صرتُ دَريئة للسفهاء
__________
[1] العرفاء: الضبع لكثرة شعر رقبتها.(12/328)
فقال: لك لسانه يا أَبَا بحر. فعاذ ضوء بمعاوية بْن أبي سُفْيَان فقال:
إليك أمير المؤمنين رحلتها ... على عجل مني تروح وتغتدي
مواشكة تخشى عقاب ابن عامر وترجو معافاة امرئ غير قعدد وقال الأحنف: يا بني نزال إذا أردتم أن تستميلوا قلوب النساء فافحشوا النكاح، وأحسنوا الأخلاق.
المدائني عن مسلمة أن زيادًا كتب إِلَى مُعَاوِيَة يشير عليه بتولية الأحنف أو سنان بْن سلمة بْن المحبق ثغر الهند، بعد مقتل عَبْد اللَّه بْن سوار العبدي فكتب إليه بأي يومي الأحنف نكافئه؟ بيوم خذلانه أمير المؤمنين أو سعيه علينا بصفين. فابعث سنانًا.
قال: وكتب الأحنف إلى مُعَاوِيَة فِي حَطمة كَانَتْ: خبزا خبزًا، تمرًا تمرًا، فَإِن الشبعان لا يجاوز همه سفوان، وإن الجائع لا يجاوز همه عسفان.
المدائني عن كليب قال: لما تم الحلف بين الأزد وربيعة، لقي الأحنف مالك بْن مسمع فقال له: يا أَبَا غسان أحلف فِي الْإِسْلَام؟ فقال:
يا أَبَا بحر كَانَتْ لقمة سبقناك إليها، فقال الأحنف: ما أردتها ولتحلبنها دمًا وغيظًا، لقد حالفت قوما إن تبعتهم استذلوك، وإن خالفتهم غلبوك.
المدائني عن الفضل العجيفي أن الأحنف قال: أخذت الحلم والصبر عن عمي المتشمس بْن مُعَاوِيَة شكوت إليه وجعا فقال: يا بن أخي ذهبت عيني مذ أربعون سنة، فَمَا علم بها، ولا ذكرتها لأحد.
المدائني عن غياث بْن إِبْرَاهِيم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ قال:
وفد الأحنف إِلَى مُعَاوِيَة فمر بالكوفة، وبلغهم أن مُعَاوِيَة أراد تحويل ديوان(12/329)
الأحنف إِلَى الشام، فكتب أَبُو سَمّالٍ [1] الأسدي كتابًا دفعه إِلَى الأحنف، فلما قدم الأحنف على مُعَاوِيَة أَعْطَاه كتاب أَبِي سمال وفيه:
يا ربَّةَ العير رديه لمرتعه ... لا تظعني فتهيجي الناس للظعَنِ
ويروى عن الأحنف أنه قال: لا تؤاخين خَبَّا، ولا تستشيرنَّ عاجزًا، ولا تستعينن كسَلًا.
وقال رَجُل للأحنف: أيقدر أحد أن يكون مثلك؟ فقال: يا بن أخي إن الأمر إِلَى غير العباد، وليس للإنسان ما تمنى.
المدائني عن الفضل بْن سُلَيْمَان العجيفي قال: نظر الأحنف إِلَى خيل لبني مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم فقال: خيل ما تدرك بالثار. فقال شُعْبَة بْن القِلْعَم الْمَازِنِيّ: أما في أبيك فقد أدركت الخيل بثأرها. فقال الأحنف: لشيء ما قيل دع الكلام للجواب، وقال البلتعي:
هُمْ منحوا قيسًا صدور رماحهم ... فَأَتْلَفْنَهُ والحارث بْن حلاس
وقتل قَيْس يوم تياس، قتله بنو مازن.
وقال الأحنف: من قل فهمه كان أكثر قوله وعمله فيما عليه لا له.
هشام ابن الكلبي عن عوانة قال: كان الأحنف يقول: خير ما يؤتى العبد غريزة عقلٍ، فَإِن حرم ذلك، فطول سكوت، فَإِن حرمها، فالموت أستر له.
قَالُوا: ونعي للأحنف حسكة بْن عتاب، فلم يجزع عليه، ونعي شقيق بْن ثور السدوسي فاسترجع وشقَّ عليه، فَقِيل له: نعي حسكة وهو من قومك فلم يعظم ذلك عليك، ونعي رَجُل من بكر بن وائل فجزعت،
__________
[1] بهاشم الأصل: باللام.(12/330)
فقال: إن حسكة كان رجلًا مشنعًا مقدامًا، فلم أكن آمنا أن يجر على قومه جريرة تسوءهم. وكان شقيق رجلًا مسنًا حليمًا ركينًا إن حدث حدث كفَّ قومَه.
وكان الأحنف يقول: أَنَا وشقيق مُسناة بين هذين الحيين يعني تميمًا وبكرًا.
وهجا مرة بْن محكان الربيعي الفرزدق، فغضب وقال شعرًا يقول فِيهِ:
أولئك قوم أطمئن إليهم ... وَأَيْنَفُ [1] أنْ أهجو عُبيدًا بدارم [2]
فقال الأحنف: ما عهدتُ بأبينا عُبيد بأسًا. وعُبيد أخو رُبَيع بْن الْحَارِث بْن كعب بْن سعد، وكان الأحنف يقول: لحديث العاقل أشهى إِلَى من رَثيئة [3] شيبت بعسلة ماذية، وقال المغيرة: هو هُوَ أشهى إلي من ذوبٍ حُلَّ بماء رصفة [4] فِي يوم من شهر ناجر [5] ، وكان الأحنف يقول: وجدت بعض الذل أبقى للأهل والمال.
قَالُوا وكان الأحنف على مقدمة ابن عامر، فوجهه إِلَى قوهستان، فلقي الهياطلة [6] وأهل هراة فَفَضَّ جمعهم، وكان ذلك أول جمعٍ فضّ
__________
[1] بهامش الأصل: آنف.
[2] انظر ديوان الفرزدق ج 2 ص 246، 263 مع فوارق.
[3] رثيئة: اللبن الحليب يصب عليه اللبن الحامض فيروب من ساعته. ألفاظ الأطعمة والأشربة في كتاب الأغاني، اعداد رشيده لقاني- ط. الاسكندرية 1991 ص 70.
[4] الرصفة حجارة مرصوف بعضها إلى بعض في مسيل. القاموس.
[5] النجر: الحرّ. القاموس.
[6] الهياطلة: صنف من الترك.(12/331)
بخراسان، ووجه ابن عامر الأحنف إِلَى جيّ طُخارستان وفتح الحصن الَّذِي يعرف بقصر الأحنف وأمر بالأذان فِيهِ.
وقال الأحنف فِي بعض مغازية قد جفف العدو وهولوا: أيها الناس لا يهولنكم ما ترون من عددهم وعدتهم، واستفتحوا بالدعاء والصبر، ولا يتحركن أحد منكم وإن طعن فِي عينه حَتَّى أهزَّ الراية ثلاثًا فإذا حملت فاحملوا فَمَنْ كان فارسًا فلينظر إِلَى معرفة فرسه، ومن كان راجلًا فلينظر إِلَى موضع سجوده، ولا ترموهم بأبصاركم، وقاتل الأحنف صاحب الصغانيان برمحين وهو يقول:
أَنَا ابن قَيْس تحت ظل الغاية ... لأخلطن راية براية
فهزم جموع الكفر، وكان يحمل ويقول:
إِن عَلَى كُل رئيسٍ حقًا ... أَن يَخْضِبَ الصَّعْدَةَ أو تَنْدَقَّا
وصالح الأحنف أَهْل الفارياب، وأهل الطالقان، وأهدى إليه بعض المزاربة دواب ورقيقًا وثيابًا فقال: ألكل رَجُل من أصحابي مثل هَذَا؟
قَالُوا: لا. فَرَدَّهُ وقال: لا استأثر على أصحابي بشيء.
وكانت آثار الأحنف بخراسان جميلة، وجرت على يده فتوح كثيرة.
وكان نقش خاتم الأحنف: يَعبد اللَّه مخلصًا.
وقال الأحنف يوم مَسْعُود لبني تميم: والله ما غَلَبتُكُم لهم بظفر عندي، وما الظفر إلا أن يصلح اللَّه بيننا ونرجع سالمين.
قَالُوا: وصالح الأحنف أَهْل بلخ، وصالح أَهْل مرو الروذ، ومضى إِلَى خوارزم فأقام حَتَّى هجم عليه الشتاء فاستشار أصحابه فقال له حضين بْن المنذر: قد قال لك عمرو بْن معدي كرب:(12/332)
إذا لم تستطع أمرًا فدعه ... وجاوزه إِلَى ما تستطيع [1]
فارتحل إِلَى بلخ وخليفته بها أسيد بْن المتشمس بْن مُعَاوِيَة ابن عم الأحنف.
ولقي الأحنف طَلْحَة والزبير فقال: ما أقدمكما؟ قَالا: الطلب بدم عُثْمَان، أفبايعت عليًا؟ فقال: أنتما أمرتاني بِذَلِك فقال الزبير: أيها الرجل لست فِي حلو ما ههنا ولا مره، إنما أنت فريسة آكل وتابع غالب، لا أعز اللَّه من نصرت، ستبايع لنا غدًا إذا بايع أَهْل المصر كارهًا. فقال: قد بايعت عليا، ولم أكن لأقاتل رجلًا بايعته، وقد كتبنا خبره مع خبر الجمل.
المدائني عن مسلمة عن السكن بْن قَتَادَة أن زَيْد بْن جُلبة، أحد بني عامر بْن عُبيد بْن الْحَارِث، وأخوه منقر بْن عُبيد، كان مع عَائِشَة فأصيب من بني الشُعيراء، وهم أخوال بشر، فجاء الأحنف إِلَى زَيْد بْن جُلبة يعزيه، فقال زَيْد: ما جئت إلّا شامتًا، فقال: كان هواي مع رَجُل، فكنت أحب ظفره.
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي جُزَيٍّ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ وَقُرَّةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلأَحْنَفِ: بِمَاذَا تَعْتَذِرُ إِلَى اللَّهِ مِنْ تَرْكِكَ جِهَادَ قَتَلَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، أَمِنْ قِلَّةٍ أَوْ لأَنَّكَ غَيْرُ مُطَاعٍ فِي الْعَشِيرَةِ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا طَالَ الْعَهْدُ، وَلا عَهْدِي بِكِ إِلا عَامًا أَوَّلَ وَأَنْتِ تَحُثِّينِي عَلَى جِهَادِهِ. فَقَالَتْ: وَيْحَكَ إِنَّهُمْ مَاصُّوهُ كَمَا يُمَاصُّ الإِنَاءُ ثُمَّ قَتَلُوهُ، فَقَالَ: آخَذُ بِقَوْلِكِ وَأَنْتِ رَاضِيَةٌ وَلا آخَذُ بِهِ وَأَنْتِ سَاخِطَةٌ.
وقال رَجُل من بني الهجيم يكنى أَبَا فوران أصيبت يده يوم الجمل
__________
[1] شعر عمرو بن معد يكرب الزبيدى ص 133.(12/333)
للأحنف: خذلت قومك. فقال الأحنف: لو كنت أطعتني أكلت بيمينك واستنجيت بشمالك وما كنعت [1] يداك.
وحدثني أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قال: حضر الأحنف مجلس زياد، فجرى بينه وبين الحتات المجاشعي كلام، فأسمعه الأحنف وأغلظ له، فَقِيل له: يا أَبَا بحر خرجت إِلَى ما لم يكن من شأنك فأَينَ حلمك؟ فقال:
إنما الحلم عند الحبى [2] ، فأما فِي مجالس السلطان فليس إلا الانتصار.
المدائني عن الهُذلي عَن بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْر قال: كان زيد بْن جُلْبة يحضّ بني سعد على القتال مع عَائِشَة، وكان الأحنف يكفهم عن القتال، وجرى بينه وبين الأحنف كلام، فقال زَيْد: إنما يطاع لذوي الأسنان والقدم والرأي ولا يطاع من لا رأي له، فوثب إليه الأحنف فأخذ بعمامته وتناصيا فَقِيل للأحنف: أَيْنَ حلمك؟ فقال: لو كان مثلي أو دوني لم أفعل هَذَا به وحلمت عَنْهُ.
ودخل رَجُل يُقَالُ له جحش على الأحنف وهو يجبر يد شاة له فقال:
ما هَذَا من عمل السيد، فقال الأحنف:
إن لها رَبًّا صبورًا على القرى ... وليس القرى فِي نفس جحش بِهَيِّنِ
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ السَّكَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ وَفْدًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَدِمُوا عَلَى عُمَرَ، وَفِيهِمُ الأَحْنَفُ، وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ، وَالزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: مَا فِي الأَرْضِ سَعْدِيٌّ إِلا وَدَّ أَنِّي أَبُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ خَالُهُ. فَقَالَ عُمَرُ لِلأَحْنَفِ: مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ المؤمنين إني أواب عشيرتي
__________
[1] الأكنع: الأشل، وكنع عنه: يده أشلها. القاموس.
[2] الحبية والحباء: النصرة والاختصاص. القاموس.(12/334)
وَلا أَكْذِبُهَا، فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ: سَأَلْتَ عَنِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَاجِمَ الْمُرُوءَةِ، أَيْ حَدِيثَ الْعَهْدِ بِالْمُرُوءَةِ، لَئِيمَ الْخَالِ.
وجرى بين الحتات والأحنف كلام فقال له الحتات: إنك ما علمت لضئيل شخت ضعيف، وإن أمك لورهاء. فقال الأحنف: اسكت يا أُديره [1] ، فإنك جلف جاف، وما عندك شيء إلا أنك ابن دارم. فرمى الحتات بثوبه وقال: هَلْ ترون شيئًا؟ فقال غيلان بْن خرشة: أرى نُفَيْخَةً فِي إحدى الخصيتين، فقال: اسكت فإنك عَبْد نصر سيده.
وقال مسلمة بْن محارب: سَأَلَ رَجُل من بني صَريم مُعَاوِيَة حاجة، فأمر بها له، وقالوا: ابن الصَريمي، فقال رَجُل كان يطلب أمرًا فطال مقامة: كلنا صريمي، يُعَرِّضُ بمعاوية، يقول: فَرِقْتَ من الصريمي لأن الخارجي الَّذِي ضربك صريمي. ففطن مُعَاوِيَة وضحك وقال له: أتقِ السلطان فإنهم يغضبون غضب الصبيان، ويصولون صيال الأُسد.
المدائني عن العلاء بْن لبيد قال: قدم وفد من أَهْل العراق على مُعَاوِيَة فقال آذنة: إن أمير المؤمنين يعزم عليكم ألا يتكلم أحد منكم إلّا لنفسه، فدخلوا فقال الأحنف: لولا عزمة أمير المؤمنين لأخبرته أن رادفة ردفتْ، ونازلة نزلتْ، ونائبة نابَتْ، كلهم به فاقة إِلَى رفد أمير المؤمنين. قال:
حسبك يا أَبَا بحر فقد كفيت من غاب وشهد.
المدائني عن مسلمة قال: قال الأحنف: يا أَهْل الكوفة نَحْنُ أغذى منكم تربة، وأكثر منكم ذرية واغنم منكم سرية، وأعظم منكم بحرية.
قَالُوا: وكانت عند الأحنف امْرَأَة، فطلقها فتزوجها بدر بن حمراء
__________
[1] بهامش الأصل: تصغير أدير، وهو المنتفخ الخصيتين.(12/335)
الضَّبِّيّ، فأتاها الأحنف فأرسل إليه بدر:
لا يَشْغَلَنَّكَ عن شيءٍ هممتَ به ... إنَّ الغزال الَّذِي ضَيَّعْتَ مَشغول
فقال الأحنف:
إن كان ذا شغل فالله يحفظه ... فقد لهونا به والحبل موصول
ولستَ واجدَ عشب مُؤنقٍ أنِف ... إلّا كثيرًا به الراعون مأكول
الْمَدَائِنِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زيد عن الْحَسَن أن الأحنف قال: استشارني زياد فِي قتل الموالي من العجم فقال: إني أريد قتل هَذِهِ الحمراء. فقلت: انشدك اللَّه بهم فإنهم قد تحرموا بالإسلام، وشاركناهم فِي الأولاد وخالطونا وخالطناهم، فترك ذلك.
وقال الأحنف: أنقبنا النعال إِلَى زَيْد بْن جُلْبة نتعلم المروءة.
ومر الأحنف وهو يريد مُعَاوِيَة بأهل حَواء [1] فيهم زفر بْن الْحَارِث، فقالوا: مرحبا بسيدنا وشيخنا. فقال لهم: من أنتم؟ قَالُوا: بنو كلاب.
قال: أي بني كلاب؟ قَالُوا: من بني نُفَيل. فقال: أما أَنَا لا نشك، فقال لهم زفر: فماذا أتقول إنا منكم؟ فو الله إنا لأحسن منكم وجوها وأطول منكم أجسامًا. فقال: أَشْبَهْتُم أمكم الناقمية.
المدائني عن عامر بْن حَفْص قال: أتى قوم الأحنف وعميرة بْن مالك الحرشي معهم، فقال له: من أنت يا فتي؟ فَأَخْبَرَه، ثُمَّ عاد فسأله قال:
فقلت: والله لأسألنه عن شيء لا ينكرني بعده أبدًا، فقلت: يا أَبَا بحر أزنيت قط؟ قال: لا ثُمَّ لم يسألني بعدها.
__________
[1] في معجم البلدان: حواء ماء من نواحي اليمامة، وأرجح أنه هنا اسم موقع قريب من قرقيسياء لأن الأحنف كان قادما من العراق يريد دمشق.(12/336)
وكلم الأحنف ابن زياد فِي ابن رأس البغل، وكان محبوسًا فِي خراج فأطلقه، واستأنف به أجلًا، ثُمَّ حمل المال وبعث إِلَى الأحنف بعشرة آلاف درهم وهدايا من عسل وسمن وجوز، فردَّ الدراهم وقال: لا آخذ على المعروف ثمنًا، وقبل الهدايا.
وكان الأحنف يقول: ما جلست قط مجلسًا أخاف أن أُقام عَنْهُ لغيري، إن شر المجالس القُلَعَة.
المدائني عن إِسْحَاق بْن أيوب عن رجاء بْن حَيوة الكندي قال: قال مُعَاوِيَة بْن حديج الكندي لقومه: إن تسويدكم إياي غير عجب لأن لي مالًا وأفضالًا، وليس العجب إلّا من الأحنف فإنه سُود بغير مال.
ولما عقد لمعاوية بْن حُديج على مصر قال له رَجُل: أعطيت شرفًا، فقال له: فَمَنْ أنت؟ قال: من بني تميم. قال: يا أخا بني تميم إن هؤلاء يتبعوني طمعًا فيما ينالون مني، وإنما الَّذِي شرف لغير نيل صاحبكم الأحنف.
وكان ابن زياد حبس عُبَيْد اللَّه بْن الحُر الجعفي، فتكلم فِيهِ الأحنف فأطلقه فأتاه فقال له: أَنَا طليقك عُبَيْد اللَّه بْن الحُر وما أدري ما مكافأتك إلا أن أقتلك فأبوء بإثمك فتدخل الجنة وأدخل النار، فضحك الأحنف وَقَالَ: لا حاجة لنا فِي مكافأتك.
قَالُوا: ولم يتعلق على الأحنف إلّا بست خصال قوله فِي الزبير أنه جمع بين غارين ثُمَّ هُوَ على أن يلحق بأهله، وقوله حين استنصره الْحَسَن: قد بلونا حسنًا وأبا حسن فلم نجد لهما إيالة للملك، ولا صيانة للمال، ولا مكيدة فِي الحرب، ولم يجبه، وقوله للمرأة يوم مَسْعُود: أست المرأة أحق(12/337)
بالمجمر، وقوله للحتات: يا أُدَيْرة، وقوله لقطري حين بَلَغَه خبره: إيه أَبَا نعامة إذا ركب بنات سجاح، وقاد بنات صهال [1] ، وأصبح بأرض وأمسى بأخرى طال أمره، وقوله للرجل الَّذِي لطمه: لم لطمتني؟ فقال: جعلوا لي جعلًا على أن ألطم سيد بني تميم، قال: سيدهم جارية بْن قدامة، فأتى الرجل جارية فلطمه، فقطع جارية بن قدامة يده.
المدائني عن أَبِي الأشهب العطاردي قال: كتب عَبْد الملك إلى الأحنف يدعوه إِلَى بيعته فقال: يدعوني ابن الزرقاء إِلَى ولاية أَهْل الشام، ولوددت أن بيننا وبينهم جبلًا من نار، من أتانا منهم وأتاهم مِنَّا احترق.
وقال الأحنف لابنه: يا بني إذا كنت قليلًا فلا تكن خبيثا.
الْمَدَائِنيّ عَن مسلمة بْن محارب قَالَ: خرج زياد بْن عمرو بْن الأشرف مع المصعب، فَلَمَّا صار إِلَى الكوفة قال للأحنف: يا أَبَا بحر إنَّ عليَّ دينًا، ولي مؤونة، وقد جفاني هَذَا الرجل، وإني لخليق، فكلِّمه ليقضي دَيني، وإلا فَإِن الأرض واسعة كأنه يتهدده بالمصير إِلَى عَبْد الملك، فقال الأحنف:
يا زياد إن مصعبًا وليكم، فأكرم أشرافكم وأحسن إِلَى العامة والخاصة منكم، ولا أراك وأصحابك تنتهون حَتَّى تُدخلوا أنباط الشام، وأقباط مصر عليكم، وأيم اللَّه لئن فعلتم لتُزَمُّنَّ بزمام من تحرك أكبَّهُ لذقنه، ثُمَّ لا تزالون أذلاء ما بقيتم ولا تمنعون ذنب ثعلة [2] ، وكلمه فأمر له بثلاثين ألفًا، فَلَمَّا قدم الحجاج وجاء أَهْل الشام قال زياد: رحم اللَّه أَبَا بحر فقد جاء ما كان يقول.
__________
[1] من خيول العرب.
[2] أنثى الثعالب.(12/338)
وقال رَجُل للأحنف بم سدت قومك، ولست بأجودهم ولا أمجدهم؟ فقال: بتركي ما لا يعنيني كما عناك أمري.
وكان يقول: إن شرار الناس الذين لا يستحيون من الفرار.
المدائني عن وضاح بْن خيثمة قال: مر حارثة بْن بدر الغُداني بالأحنف فقال: يا أبا بحر لولا أنك عجلان لشاورتك فِي مُهم. فقال الأحنف:
أجل، كانوا يقولون لا تشاورنَّ جائعًا حَتَّى يشبع ولا ظمآن حَتَّى ينقع ولا أسيرًا حَتَّى يطلق، ولا مضلًا حَتَّى يجد ولا طالبًا لحاجة حَتَّى ينجح.
قال المدائني عن عوانة: أن مُعَاوِيَة قال للأحنف: ما تعدون المروءة؟
قال: الفقه فِي الدين، وبر الوالدين، وإصلاح المال، فقال مُعَاوِيَة ليزيد ابنه: اسمع ما يقول عمك.
وروى وضاح بْن خيثمة أنه قال: الفقه فِي الدين.
قَالُوا: وكلم الأحنف عُبَيْد اللَّه بْن زياد فِي عمه جَزْء بْن مُعَاوِيَة، فولاه الفرات، فاختان مائة ألف درهم، وبعث بها إِلَى أهله، فأخبر الأحنف ابن زياد بِذَلِك فبعث إليه عُبَيْد الله فأخذ خاتمه وبعث به إلى أهله وقال: حملوا المائة الألف، فحملت إلى دار ابن زياد، فَقَالَ جَزْء للأحنف: لا جزاك اللَّه عن الرحم خيرًا، فقال: وأنت لا جزاك اللَّه عن الأمانة خيرًا.
المدائني عن أَبِي إِسْحَاق المالكي عن شبيل بْن عزرة قال: قال الأحنف: لا أنازع رجلًا إن قال خذوه أُخِذتُ، وإن قلت خذوه لم يؤخذ لي.
وقال الأحنف: السيد، الذليل فِي عرضه، الأحمق فِي ماله، المطرَّح لحقده، المعين للعشيرة.(12/339)
الْمَدَائِنِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: كَانَتْ عُمُومَةُ الأَحْنَفِ:
صَعْصَعَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ، وَجَزْءَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَالْمُتَشَمِّسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ صَعْصَعَةُ لِلأَحْنَفِ: يا بن أَخِي أَتَرَانِي أَخْطُبُ إِلَى قَوْمٍ فَيَرُدُّونِي؟ قَالَ:
نعم، لَوْ أَتَيْتُ بَنِي الشُّعَيْرَاءِ رَدُّوكَ. قَالَ: لا جَرَمَ. قَالَ: لا أَنْزِلُ عَنْ دَابَّتِي حَتَّى آتيهم فأتاهم فوقف على عائشة بن جعدة، وكان عائشة يَقُولُ:
«كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ، فَرَشَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ مَاءً فَأَصَابَنِي» ، فَخَطَبَ صَعْصَعَةُ إِلَيْهِ ابْنَتَهُ فَقَالَ: انْزِلْ فَنَزَلَ، فَأَمَرَ بِدَابَّتِهِ فَضَرَبَ وَجْهَهَا وَطَرَدَتْ حَتَّى وَصَلَتْ إِلَى دَارِ صَعْصَعَةَ فَضَجُّوا لَمَّا لَمْ يَرَوْا صَعْصَعَةَ وَقَالُوا قُتِلَ، فَقَالَ الأَحْنَفُ: كَلا وَلَكِنَّهُ صَنَعَ شَيْئًا نَهَيْتُهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ لِيَسُبَّ بَنِي الشُّعَيْرَاءِ.
وقال الأحنف لجزء بْن مُعَاوِيَة عمه: الزم العفة تلزمك الحرفة، أي العمل.
وقال رَجُل فِي مجلس زياد: ما أطيب ما يؤكل؟ فقال رَجُل مِمَّنْ حضر: تمر نرسيان [1] كأنها بعض آذان النوكي بمثلها زبدًا، فقال الرجل الَّذِي سَأَلَ: أفٍّ ما أطيب هَذَا، فقال الأحنف: رب ملومٍ لا ذنب له.
وقيل للأحنف وعليه ثوب له: أما تَمَلُّ لبسه؟ فقال: رُبَّ مملول لا يستطاع فراقه. ويروى ذلك عن غيره.
قَالُوا: ومر الأحنف بصفوان ابن أخي خَالِد بْن صفوان فقال له:
يا أَبَا بحر اجلس حَتَّى نكشف الملائم ونتذاكر المحارم، وبلغ ذلك أَبَا صفوان، وهو فِي قول الكلبي عَبْد اللَّه بْن عمرو بْن الأهتم، وفي قول غيره
__________
[1] نرسيان: ناحية بالعراق بين الكوفة وواسط. معجم البلدان.(12/340)
عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن الأهتم، فغضب على ابنه وقال: لست راضيًا عنك أو يكلمني فيك أَبُو بحر، فأتى الأحنف فسأله أن يترضى أَبَاهُ فترضاه له. وقال الأحنف: لم أخلف أحدًا قط بغير ما أشهده به، ولم أدخل نفسي فِي شيء من أمور الناس لم أُدخَل فِيهِ.
وأتى الأحنف رَجُل فقال له: قد أتيتك فِي حاجة لا تنكؤك ولا ترزؤك فقال إذا لا تقضى إن مثلي إلا يؤتى إلا فِي حاجة تنكؤه وتزرؤه.
المدائني عن شبيب بْن شبة قال: ذُكر الأحنف عند عمه جَزْء بْن مُعَاوِيَة، فنال منه فبلغه فقال: رُبَّ بعيدٍ لا يُفقد خيره، وقريب لا يُؤمن عيبه.
المدائني عن جهم بن حسان أن الأحنف قال: لأن تحكك فِي بيتي أفعى وأنا أراها أحب إلي من أن أرى أيّمًا أرد عَنْهَا كفؤًا.
المدائني عن الحسن الجفري قال: بال الأحنف يومًا وقريب منه رَجُل، فقال له الأحنف: حرمتني منفعة بولي، بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: [ «كل بائلة نفوخ» ] .
وقال الأحنف: من أراد شراء دار فليستصلح الجار قبل الدار.
العمري عن الهيثم بْن عدي قال: أشرف رَجُل على الأحنف، وهو يعالج طبيخًا فِي قدر صغيرة، وهو يحش تحتها فقال:
قِدْرٌ كَكَفِّ القرد لا مستعيرها ... يُعار ولا مرتابها يتدسَّم
فبلغ ذلك الأحنف فقال: رحمه اللَّه لو شاء قال أحسن من هذا.
قالوا: وقال شاعر للأحنف: رحمه اللَّه لو شاء قال أحسن من هذا.
قالوا: وقال شاعر الأحنف:
إنا أتينا أَبَا بحر وقد جَعَلَتْ ... أيدي سرابيلنا تَنْدَى من النَّجَدِ(12/341)
ولا نرى سيدًا يوُفى بسيدنا ... إذا تَلبَّسَ وَعْثُ الأرض بالجَدَدِ
ألقى المراسي واشتدت عوارضه ... لما رَأَى سوءة تهدي إِلَى اللَبَد
ويقال اللُبد وهو قول الكلبي واللبد من بني عُبَيْد.
المدائني وغيره أن ابن أَبِي عصيفير الثقفي حبس فِي مال عليه، يُقَالُ أن مبلغه مائة ألف درهم، وبلغه أن مصعبًا قد أقبل يريد الكوفة ومعه الأحنف، فوجه إِلَى الأحنف من يَلْقَاه وأقام له النزل حتى ورد الكوفة ومعه الأحنف، فوجه إِلَى الأحنف من يَلْقَاه وأقام له النزل حَتَّى ورد الكوفة ثُمَّ أنزله فِي دار ابن أَبِي عصيفير، فقال الأحنف: فأين أخونا لا نراه فقد برَّ وأكرم فَقِيل: هُوَ محبوس بمال عليه، فكلم مصعبًا فِيهِ، فوهب المال له، ووهب الأحنف مثله، فصرفه الأحنف إِلَى ابن أَبِي عصيفير.
حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن صالح عن أَبِي زبيد عبثر أن الأحنف دخل الكوفة فاستطابها وقال: اللَّهُمَّ إن حضر أجلي فاجعله بالكوفة، فَإِن تربتها كالكافور، فمات بها ودفن، ومات فِي دار ابن أَبِي عصيفير.
قَالُوا: ولما حضرت الأحنف الوفاة قال: لا تند بني نادب، ولا تبكني باكية، وعجلوا إخراجي، ولا تؤذنوا بي أحدًا، فَلَمَّا مات آذنوا المصعب لتقدمه إليهم فِي ذلك، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ بأفواه السكك فلا يدع امرأة تخرج فانتفجت امْرَأَة على حدج [1] لها على دابة، وكانت من بني عبيد وجعل تقول:
قل لأميري مصعب إنني ... سأندب المدفون بالقاع
أَنْدُبُه بالحقِّ لا أتلي ... بخير ما يَنْعَى به الناعي
الأحنف الخير ابن قَيْس ... أبا بحر إذا ما قصّر الساعي
__________
[1] الحدج: مركب للنساء كالمحفة. القاموس.(12/342)
فقال مصعب: دعوها. فَلَمَّا دفن وقفت على قبره فقالت: أيها الناس إنكم خول اللَّه فِي بلاده، وشهوده على عباده، وإنا قائلون خيرًا، ومثنون حسنًا، أنشد اللَّه رجلًا إن قلت حقا إلا صدقني، وإن قلت باطلًا إلا كذبني، ثُمَّ عددت حُلْمه، وفعله فقالوا: صدقت.
وقال المصعب وهو فِي جنازة الأحنف يمشي أمامها متسلبًا: إنا لله وإنا إليه راجعون، مات سيد العرب. فقال رَجُل من بَكْر بْن وائل: حاشي الأمير.
المدائني عَن جويرية بْن أسماء قَالَ: لما مات الأحنف قال مصعب:
اليوم مات الزبير، وجعل يسترجع.
المدائني عن إِبْرَاهِيم بْن يزيد الأسيدي قال: أخبرني من شهد جنازة الأحنف قال: رَأَيْت المصعب فِي الجنازة وقد ألقى عطافه وحمل مقدم السرير يسترجع ويقول: اليوم مات الحلم، وذهب الوفاء.
المدائني عن أَبِي اليقظان عن وضاح بْن خيثمة قال: مروا بجنازة الأحنف على شيخ من بني أسد مسنُّ لا يقدر على النهوض، فقال الشيخ إنا لله هُوَ أمس سيدنا، واليوم جنازةً يُهدى إِلَى حفرته.
قَالُوا: وورد البصرة بوفاة الأحنف رَجُل من بني يشكر، فقال رَجُل من بني سعد:
أماتَ ولم تبك السماء لفقده ... ولا الأرض أو تبدو والكواكب فِي الظهر
كذبت إذن ما أمسكت بطن حاملٍ ... جنينًا ولا أضحى على الأرض من شَعْر
ولما أتيت اليشكري وجدته ... بأمر أَبِي بحر بْن قيسٍ أخا خُبْر
وصلى عليه مصعب، وولي دفنه، ووقف فترحم عليه، ودمعت عينه.(12/343)
وحدثني عَبْد اللَّه بْن صالح عن أشياخه قَالُوا: لما سُوِّي التراب على الأحنف والناس محزونون قَالَتِ امرأة من بني تميم يُقَالُ لها أسماء بِنْت حصن من بني منقر، فقالت: إني معزيتكم عن أَبِي بحر أعظم اللَّه أجوركم فِيهِ، ثُمَّ قَالَتْ: رحمة اللَّه عليك من مُجنّ فِي جنن، إنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل اللَّه الَّذِي فجعنا بفقدك، وابتلانا بفراقك أن يغفر لك يوم حشرك، وأن يفسح لك فِي قبرك، وأن يجعل سبيل الخير سبيلك، ودليل الرشاد دليلك، ثُمَّ التفتت إِلَى الناس فقالت: إن أولياء اللَّه فِي بلاده شهوده على عباده، وإنا قائلون حقًا ومثنون صدقا فإنه لأهل لحسن النثا [1] وطيب الثناء، وأما وَالَّذِي جعله من أجله فِي عدة، ومن الفناء إِلَى مدة، ومن عمره إِلَى نهاية وَفِي المضمار إِلَى غاية لقد عاش حميدا رشيدًا، ومات فقيدًا سعيدًا، ولقد كان عظيم السلم، بسيط الحلم، رفيع العماد، وارى الزناد، منيع الحريم، سليم الأديم، ولقد كان فِي المحافل شريفًا، وعلى الأرامل عطوفًا، وعن الفحشاء عفيفًا ومن الناس قريبًا، وفيهم غريبًا، وإن كان لمسوّدًا، وإلى الخلفاء موفدًا، وإن كانوا لقوله لسامعين ولرأيه متَّبعين، ثُمَّ قعدت فقال من حضر: ما رأينا كاليوم امرأة أبلغ منها فِي قولها، ولا أصدق فِي وصفها.
وكان بحر بْن الأحنف
مضعوفًا، ومات ولا عقب له.
وكان صعصعة بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف،
رأس بني تميم فِي أيام مُعَاوِيَة يعطى العطاء فِي داره، وكان يكنى أَبَا الْوَلِيد وشهد يوم الجفرة على فرس له، فلحق بالبحرين ثُمَّ رجع.
__________
[1] نثا الحديث: حدّث به وأشاعه، والنثا ما أخبرت به عن الرجل من حسن أو سيئ.(12/344)
وكان ابنه مُعَاوِيَة شريفا خطيبًا شاعرًا، ولي البحرين للحكم بْن أيوب فحبسه بمال، وكانت امْرَأَة من بني حنيفة يُقَالُ لها أم فراس غرمت عن بعض بني حنيفة مالًا حبس بسببه مع مُعَاوِيَة، وكان مَوْلَى لبني مسمع يُقَالُ له سنان غرم أيضًا عن رَجُل مِمَّنْ حبس مع مُعَاوِيَة بْن صعصعة فقال مُعَاوِيَة.
ألا ليت لي بالمالكين كليهما [1] ... سنانًا وبالسعدين أم فراس
وألفيت عمرًا ثُمَّ لم احتفل بهم ... ألا إنهم لفوا لكل أناس
فَمَا فِي تميم حافظ لحقيقة ... ولا صابر عند الأمور مُواسي
وكان يكنى أَبَا سنان وله عقب بالأهواز.
وكان جزء بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف ذا قدر،
وولي أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بعض الأهواز، فرفع عليه أبو الْمُخْتَار الكلابي، وبالأهواز نهر يعرف بنهر جزء، وتكلم فِيهِ الأحنف فولي الفرات.
وكان المتشمس بْن مُعَاوِيَة عم الأحنف يفضل على الأحنف فِي حلمه، وأمره أَبُو مُوسَى أن يُفرق خيلا فِي بني تميم فقال له رَجُل من بني سعد:
ما منعك أن تعطيني فرسًا، ووثب عليه فأثر فِي وجهه. فقام إليه قوم ليأخذوه فقال: دعوني وإياه إني لا أُعان على أحد، وانطلق والرجل معه إِلَى أَبِي مُوسَى، فقال له أَبُو مُوسَى: ما هَذَا بوجهك؟ فغيب عَنْهُ، وقال هَذَا ابن عم لي ساخط علي لأني لم أعطه فرسًا، فَإِن كان عندك فرس فاحمله عليه ففعل، وقال إنك لم توبخ مسيئًا بأكثر من الإحسان إليه.
وكان حميري بْن عبادة بْن النزال أسر مليكة بِنْت كرب أم الجارود بْن المعلى وقد أغار بنو سعد على عَبْد القيس بفروق فقال سلامة بْن جندل.
__________
[1] بهامش الأصل: مالك بن ... ومالك بن حنظلة.(12/345)
نعم الفوارس يوم قوِ أدركوا ... ضربًا وطعنًا فِي لكيز مزهق
ترك المعلَّى عُرْسَهُ يوم الضحى ... لهم ونسوتها برهن مغلق [1]
ومن بني النزال: عكراش بْن ذؤيب، شهد الجمل مع عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا، فضرب على أنفه وعاش مائة سنة، ومر به الفرزدق وبنوه يلعبون بين يديه، فقال له: يا أَبَا الصهباء؟ من هؤلاء؟ قال: بني يا أَبَا فراس.
قال: مغبون ورب الكعبة. قال: كلا. قال: أفممعود أنت؟ - والممعود الَّذِي لا يقدر على النكاح إلّا على الشبع- قال: نعم. قال: فذاك إذًا، أي أنك صدقت.
وكان عُبَيْد بْن عكراش من سروات أَهْل البصرة وولي بصنى [2] من السوس، وكان على شرط سَوَّار بْن عَبْد اللَّه العنبري أيام ولي البصرة، وفيه يقول أبو البصير شاعر من الموالي:
قل لسوّار إذا ما جئ ... ته وابن علاثة
زاد في الصنج عبيد الل ... هـ أو تارا ثلاثة
سَنَّ فِي أرض بصنى ... سُنَّةً صارت وراثة
فإذا قُلْت تَعَلَّى ... دينه صار رثاثة
وكان صالح بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن نشيط صاحب الخراج من موالي بني النزال.
ومن بني عَبْد منبه بْن عبادة بْن النزال: فُرعان بْن الأعرف، كان لصًا وهو الَّذِي يقول:
__________
[1] ليسا في ديوان سلامة بن جندل المطبوع.
[2] بصنى: مدينة من نواحي الأهواز صغيرة، وجميع رجالهم ونسائهم يغزلون الصوف وينسجون الأنماط والستور. معجم البلدان.(12/346)
يقول رجالٌ أنَّ فرعان فاجرٌ ... ولله أعطاني بني وماليا
ثمانية مثل الصقور وأربَعًا ... مراضيع قد وَفَّيْنَ شُعْثًا ثمانيا
إذا اصطنعوا لا يخبؤون لغائبٍ ... طعامًا ولا يدعون من كان نائيا
ومن بني عامر بْن عُبَيْد بْن مُقاعس: خليفة بْن عَبْد قَيْس بْن بَوْ،
شهد القادسية مع سعد بْن أَبِي وقاص وقال:
أنا ابن جوّ ومَعي مخراقي ... أَضرِبُ كل قدمٍ وساق
أذكره الموت أَبُو إِسْحَاق
يعني سعد بْن أَبِي وقاص.
وكان خليفة بْن عَبْد قَيْس بْن بو من أصحاب جفرة خَالِد، وهدم مصعب داره، وعقر نخله، وقتل ابنه تلك الأيام الْحَسَن بْن خليفة، ولم يمت خليفة حَتَّى بلغ بنوه وبنو بنيه مائة رَجُل.
وكان من بنيه لصلبه أَبُو ذر،
ولقب أَبَا زر، وكان زانيًا وله يقول الشاعر:
زَنا ابنُ بوِّ أَبُو زَرٍ صراحية ... والله يمقت وجه الأشمط الزاني
وقال أبو زر عند الموت: اسقوني خمرا فقالوا: أتشرب خمرًا عند الموت؟ فأنشأ يقول:
أُلام على شراب الشَّيْخ كسرى ... وقد نحلتُ من العطش الجلود
وإنما نقلتُ كنيته إِلَى أَبِي زر إكرامًا لأبي ذر الغفاري رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ.
وكان سُلَيْمَان بْن خليفة شاعرًا،
وكان مع القاسم بْن سِعر بعُمان،(12/347)
فأخذ أسيرًا، فقال له سُلَيْمَان بْن عياذ: امدحني حَتَّى أخليك فمدحه فخلَّاه، وقال:
لأُجزيَنَّ أَبَا مروان مِدْحَتَهُ ... وخيرُ من أُولي المعروف من شكرا
ردّ الإله به من بعد ما جَشَأَتْ ... نفسي وأَنْبَتَ فوق الهامة الشَّعَرَا
أَبُو مروان: سُلَيْمَان بْن عياد الأزدي.
ومن بني خليفة بْن عَبْد قَيْس بْن بَوّ: مجاعة بْن خَالِد بْن الْحَسَن بْن خليفة،
كان شجاعًا فِي فتنة ابن سهيل بالبصرة.
ومن بني بَوّ: زَيْد بْن جُلْبَة بْن مرداس بْن بَوّ،
كان عظيم القدر سيدًا، وكان على وفد بني تميم حين وفدوا على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وفيهم الأحنف من تحت يده. وكان عُثْمَان رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ حين كتب المصاحف بعث إِلَى زَيْد بْن جُلْبة بمصحف بني تميم، وكان مع ابن عامر بْن كريز له عنده قدر، وكان يلي له، وشهد الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها، ووفد إِلَى مُعَاوِيَة بعد ذلك، ولا عقب له.
ومن بني بَوّ: سلمة بْن علقمة،
من أصحاب ابن سِيرِينَ، وولي صدقة البصرة، وله عقب، وكانت عنده ابْنَة عَبْد الرَّحْمَن بْن سعوة المهدي.
ومن بني عَبْد عمرو بْن عُبَيْد:
سلامة بْن جندل بْن عَبْد عمرو بْن عُبَيْد بْن مقاعس، شاعر مضر فِي زمانه، وأخوه الأحمر الشاعر أيضًا.
وسلامة الَّذِي يقول:
يومان يوم مقاماتٍ وأنديةٍ ... ويوم سير إلى الأعداء تأويب [1]
__________
[1] ديوان سلامة بن جندل- ط. بيروت 187 ص 92. والتأويب: الرجوع، ويقال التأويب: مذ غدوة إلى الليل، ويقال أيضا: التأويب: الامعان في السير الشديد.(12/348)
ومن بني زَيْد بْن عُبَيْد: عمرو بْن أبير بن زيد بن عبيد،
ربع أربعين سنة، وكان يُقَالُ له ذو النعلين.
ومن بني عمير بْن مقاعس:
السُّلَيْك بْن يثربي بْن سنان بْن عمير بْن الْحَارِث،
وهو مقاعس، وأمه السَّلَكَة، وكانت سوداء، وهو الرئبال، وكان يغير وحده، ويقال هُوَ السُّلَيْك بْن سلكة، وأبوه عمرو بْن يثربي بْن عمير.
والأول قول الكلبي وهو أثبت.
وقال أَبُو عبيدة معمر بْن المثنى وغيره: كان سليك بْن سلكة، وأوفى بْن مطر الْمَازِنِيّ من تميم، والمنتشر بْن وهب الباهلي لا يجارون عدوا، يجوع الرجل منهم فيشد على الظبي حَتَّى يأخذ بقرنيه، وكانوا أهدى من القطا، فإذا كان زمن الرَّبِيع جعلوا الماء فِي بيض نعام مثقوب ثُمَّ دفنوه، فإذا كان الصيف وانقطع الغزو وغزا أحدهم جاء حَتَّى يقف على البيضة منها فيستثيرها.
ورأت السليك طلائع جيش لبكر بْن وائل جاؤوا ليغيروا على بني تميم ولا يعلم بهم، فقالوا: إن علم السُّلَيْك بنا أنذر قومه. فبعثوا إليه فارسين على جوادين فَلَمَّا هايجاه خرج يمحص كأنه ظبي فطارداه يومهما وقالا: إذا جاء الليل أعيا وسقط فقصر عن العدو فنأخذه، فَلَمَّا أصبحا وجدا أثره وقد عثر بأصل شجرة فنزا مقدار عشر خُطا، وَإِذَا قوسه قد انحطمت فوجدا قِصْدة منها مُرْتَزَّةً [1] فقالا: ماله قاتله اللَّه ما أشد مَتْنَهُ، فانصرفا وأنذر قومه فكذبوه لبعد الغاية فقال:
يكذبني العمران عمرو بْن جندب ... وعمرو بن سعد والمكذّب أكذب
__________
[1] القصدة: القطعة مما يكسر، ومرتزّة: مثبته. اللسان. القاموس.(12/349)
ثكلتكما إن لم أكن قد رأيتها ... كراديس يهديها إِلَى الحي موكب
كراديس فيها الحوفزان وحوله ... فوارس همَّامٍ مَتَى تُدْعَ يركبوا [1]
فجاء الجيش فأغاروا، ويقال لسُلَيْك: سليك المقانب.
قال قُرّان الأسدي وكان ضرب امرأته بسيف فطلبه بنو عمها فهرب وبلغه أنهم يتحدثون إليها:
لزوار ليلي منكمُ آل برثنٍ ... على الهول أمضى مِنْ سليك المقانب
قَالُوا: وغزا السليك بَكْر بْن وائل، فلم يجد غفلة فأقام يطلبها فنذروا به، فعدا حَتَّى ولج قبة فكيهة من ولد قَيْس بْن ثَعْلَبَة فأجارته، ودعت إخوتها فمنعوه فقال سليك:
لعمرو أبيك والأنباء تنمى ... لنعم الجار أخت بني عوارا
من الخفرات لم تفضح أخاها ... ولم ترفع لأسرتها شنارا [2]
وعوارا ابْنَة عوف بْن ذهل بْن شَيْبَان، كَانَتْ عند مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثَعْلَبَة بْن عكابة، فولدت ولده فهم ينسبون إِلَى عُوارا أمهم.
قَالُوا: وكان السليك لا يغير إلا على أَهْل اليمن، وربما أغار على ربيعة إذا اضطر، وكان لا يغير على مضر، وكان له انقطاع إِلَى عَبْد ملك بْن عَبْد بْن ثَعْلَبَة بْن مازن الخثعمي، وقال غير الكلبي: هُوَ عَبْد مالك بْن مويلك، فأغار مرة على قوم وراء بلاد خثعم ثُمَّ أتى بلاد خثعم فإذا بيت من خثعم أهله خلوف، وفيه امْرَأَة شابة بَضَّة جميلة، فسألها عن الحي فأخبرته
__________
[1] ديوان السليك بن السلكة- ط. بيروت 1994 ص 62.
[2] ديوان السليك ص 74- 75.(12/350)
فتسنمها [1] والتحم المحجة، فأتت الماء فأخبرت القوم بخبره، فركب أَنَس بْن مدركة الخثعمي فظفر به فقتله، فقال عَبْد ملك بْن عَبْد: لتَدِيَنَّهُ، أو لأقتلنَّك يا أَنَس، فقال أَنَس: والله لا أدِيه أبدًا وأنشأ يقول
إني وقتلي سليكًا ثُمَّ أعقله ... كالثور يُضربُ لما عافت البقر
أمشي البراز وسربالي مُضاعفة ... تغشى اليدين وسيفي صارم ذكر
ويروي: «أغشى الحروب» وكان سليك نائمًا فجاء رَجُل فقعد على صدره وقال: استأسر، فقال له سليك: الليل طويل وأنت مقمر [2] . يقول:
اصبر حَتَّى نصبح أو يطلع القمر.
وقال أَبُو عبيدة: خرج سليك ليغير على بني شَيْبَان، فمر ببيت فِيهِ شيخ وامرأته فقال لأصحابه: دعوني حَتَّى أدخل البيت فآتيكم بطعام، فأراح ابن الشَّيْخ إبله فقال: ألا حبستها قليلًا آخر، فقال: إنها أبت العشاء فقال إن العاشية تهيج الآيبة [3] ، وضربه السليك فأطار قحف رأسه واطرد الإبل، وكان الشَّيْخ يزيد بْن رويم الشيباني.
ومنهم ياسين بْن بشر الخارجي
ولم ينفذ ابن الكلبي نسبه.
ومن بني صريم بْن مقاعس:
عَبْد الله بْن إباض الخارجي
صاحب الإباضية، وعبد اللَّه بْن صَفّار الَّذِي نسبت إليه الصفرية، وقوم يقولون هُوَ عَبْد اللَّه بْن صُفَار، وذلك تصحيف، والبُرك، هُوَ عَبْد اللَّه الخارجي، الَّذِي ضرب مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان ففلق إليته، فأُخذ فقطعت يداه ورجلاه، فلما
__________
[1] التسنم: الأخذ مغافصة، أي على حين غرة. والتحم الجرح للبرء. التأم والحرب اشتدت. القاموس.
[2] انظر مجمع الأمثال للميداني. المثل (117) .
[3] انظر مجمع الأمثال للميداني. المثل (2409) .(12/351)
قدم البصرة ولد له، فقال زياد بْن أَبِي سُفْيَان: يولد لهذا الكلب ولا يولد لأمير المؤمنين من ضربته، فقتله وصلبه.
وقال أَبُو اليقظان: من ولد صريم: كَلّوب بْن الريب،
ولي الولايات أيام يوسف بْن عُمَر الثقفي، وله عقب وكان ابنه من وجوه بني سعد أيام ابن سهيل بالبصرة.
ومن بني صَريم: كهمس بْن طلق، خارجي كان مع أَبِي بلال،
وأخوه: عبس بْن طلق، كان من رؤساء بني تميم، وقتله قطري، وهو مع عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد. وَفِي عبس بْن طلق يقول حارثة بْن بدر فِي يوم مَسْعُود:
سيكفيك عبس أخو كهمس ... مطاعنة الأزد بالمربد
ومن بني صَريم: بجير بْن وقاء،
وكان أحد من قتل ابن خازم بخراسان، وهو أيضًا قتل بكير بْن وسَّاج السعدي لما حبسه أبو أمية بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، فجاء أعرابي من رهط ابن وساج، وبجير على شُرط أمية فدنا منه فقتله، ثُمَّ قتل الأعرابي.
ومنهم الصُّدَي بْن الخَلق الصريمي،
تزوج ابنته الأحوص بْن مُحَمَّد الشاعر الْأَنْصَارِيّ، وكان عشقها وفيها يقول:
فمت كمدًا إن كنت للحب ميتًا ... فَلَيْس إِلَى بِنْت الصديِّ سبيل [1]
وَفِي بني صَريم يقول الشاعر:
أصلّي حيث تدركني صلاتي ... وليس اللَّه عند بني صَريم
قيام يطعنون على عليّ ... وكلهم على دين الخطيم
__________
[1] ليس في ديوان الأحوص المطبوع.(12/352)
ومنهم: عمرو بْن السَّكن الصريمي،
كان قاضيًا لأمير المؤمنين هارون الرشيد على الأُبلَّة، وهو من ولد شُعَيل الصريمي، وكان السَّكن على شرط يحيى بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن الْعَبَّاس حين استعرض أَهْل الموصل.
وولد عوف بْن كعب بْن سعد:
عُطارد بْن عوف.
وبَهْدلة بْن عوف.
وجُشم بْن عوف. وبُرِينق بْن عوف وهو برينق وبُرَيْنيق، وأمهم السَعْفاء- بسين غير معجمة- بِنْت غنم بن قتيبة بن معن بن مالك من باهلة، وكانت قبل عوف عند يربوع بْن حنظلة، فولدت له أولادًا فَلَمَّا مات يربوع ونقلها عوف جاء مالك بْن حنظلة فانتزع أولادها منها، وربقهم فِي أرباق الحملان فكانت تبكي أولادها وتقول: وابأبي الأحمال المربقة، فولدها فِي بني يربوع يُقَالُ لهم الأحمال، ويقال لبني السَعْفاء الأجذاع وتنشد:
فلا تبعدَنْ حي الجذاع فإنهم ... كرام ولكني أرى الدهر ضَيَّعا
وقُرَيع بْن عوف. وقُرين بْن عوف. وعلباء بْن عوف، وأمهم مارية بِنْت حَبيب بْن عَمرو بْن كاهل بْن أَسلم بْن تَدول بْن تيم اللَّه بْن رفيدة بْن ثور بْن كلب. فأما علباء فهم أعراب فِي بني قُريع.
فولد بَهْدلة: خلف بْن بهدلة. وحية بْن بهدلة. وعبد مناف بْن بهدلة، وأمهم أمامة بِنْت مُلادس بْن عبشمس بْن سعد بْن عامر بْن بهدلة.
ومرة بْن بهدلة الذين يُقَالُ لهم مرة السيل، نزلوا بطن واد، فجاء سيل فذهب بهم. وأحيمر بْن بهدلة. وعبيد بْن بهدلة، وأمهم من بني عدي بْن عَبْد مناة من الرباب.
فَمَنْ بني بَهْدلة: الزبرقان بْن بدر [1] ،
واسمه حصين بن بدر بن إمرئ
__________
[1] بهامش الأصل: الزبرقان بن بدر رحمه الله.(12/353)
القيس بْن خلف بْن بهدلة بْن عوف بْن كعب بْن أسعد بْن زَيْد مناة بْن تميم، وسمي الزبرقان لجماله، والزبرقان القمر، وكان يدعى قمر نجد، وكان من الذين يدخلون مكة معتمين لئلا يفتنوا النساء.
وقال غير الكلبي: سمي الزبرقان لعمامة كان يصبغها بالصفرة فيقال زبرقها، وأم الزبرقان فيما ذكر أَبُو اليقظان ابْنَة زهير بْن أقيش من عكل.
والزبرقان القائل فِي قصيدة له هجا فيها المخبل:
دفعنا إِلَى النعمان مِنَّا رهينة ... غلامًا غَذَتْهُ بالوفاء بَهادِلُه
نجيب جياد كلما مَدَّ باعَهُ ... إِلَى المجد لم يوجد له من يطاوله
فلا تنتحل ما نَحْنُ فزنا بمجده ... عليك فأحظى الناس بالخير فاعله
ونحن بنو السفعاء ربة أمكم ... لنا دونكم ميراث عوف ونائله
وأنتم بنو القرعاء جاءت بأقرع ... لئام مساعيه إماء حلائله [1]
وكان الَّذِي دفع إِلَى النعمان ابن الشقيقة رهينة ليرعوا ولا يفسدوا لحوق بْن دَهي بْن عامر بْن أحيمر بْن بَهْدلة، فأمر الناس فرعوا.
قَالُوا: ودعا بنو قريع المخبل إِلَى منافرة الزبرقان والتواقف بسوق حجر، وتهيأ الزبرقان ليخرج، فقال المخبل لقومه بني قريع: وإنكم لجادّون أأنا أواقف ابن العكلية، وهو أحسن الناس وجهًا، وأمدُّهم قامة وأفصحهم لسانًا، وأبعدهم صيتًا، ولكن دعوني أُهاديه الشعر فَإِنِّي إن واقفته لم أكن إلا قذاةً فِي نحره.
وقال [2] أَبُو اليقظان: كان رَجُل من بني نمير قتل بعض أخوال
__________
[1] ليست في شعر الزبرقان المجموع.
[2] بالأصل: وكان، وهو تصحيف.(12/354)
الزبرقان، فقتله الزبرقان، وكان النميري يسمى كنازًا فقال الأقرع:
لما تُؤوكِل كنَّاز دلفتُ له ... دليف لا عاجز وانٍ ولا ورع
قَالُوا: واختدع الزبرقان قَيْس بْن عاصم، فلم يسق ما عنده من الصدقة إِلَى أَبِي بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ، وساق الزبرقان إليه صدقة عوف والأبناء، وهم ولد سعد، غير كعب، وعَمْروٌ ابني سعد، وقد كتبنا خبره فِي أمر الصدقة، فيما تقدم.
وَحَدَّثَنِي حَفْص بْن عُمَر عَن الْهَيْثَم بْن عدي عن عَبْد اللَّه بْن عياش الهمداني قال: دخل الزبرقان بْن بدر يوم الجمعة المسجد فأخذ بعضادتي الباب ثُمَّ نادى: السلام عليكم، أيلج الزبرقان فَقِيل له: يا أَبَا شِذرة إن هَذَا موضع لا يُستأذن فيه، فقال: أَيَلجُ مثلي على جماعة مثل هؤلاء لا يعرفون مكانه، وكان يكنى أَبَا شِذرة وأبا عياش، ويقال أيضًا أَبَا عَبَّاس.
وقال الْحَسَن بْن علي الحرمازي: وقعت الحرب بين بني بهدلة وبني عبشمس، وعلى بني بهدلة الزبرقان فقتلوا جميعا غير الزبرقان، وجاء الْإِسْلَام فكفوا عن الحرب فحملت بنو عبشمس فضول الدماء، وودى الزبرقان كنّاز بْن مُعَاوِيَة بْن علاج بْن عمرو بْن كعب بْن عبشمس، وكان قتل زَيْد بْن امرئ القيس بْن خلف بْن بهدلة فقتله الزبرقان، وبسبب قتله تحارب بنو عبشمس وبنو بهدلة.
وحدثني الحرمازي عن أشياخه قال: لقي الزبرقان الحطيئة العبسي فِي عام جدب فقال له: أين تريد يا جرول؟ قال أريد النجعة. قال: فأين أهلك؟ قال: بمكان كذا، فقال الزبرقان: هَلْ تجوعن على التمر واللبن؟(12/355)
فقال الحطيئة: ومن يجوع على هذين. قال الحطيئة: فَلَمَّا أطعمني قلت:
ومن أنت؟ قال فَمَنْ تجد، أَنَا الزبرقان بْن بدر، قال: فتحولت إليه وحولت عناني وبنيت بيتي عند بيته، وجعلت طنبي مع طنبه فأجاعني وأعوى كلبي وذهب لجاريته شيء فاتهمني به، ودخلتْ بيتي ففتشته ونبذتْ ما فِيهِ، فلم يلمها ثُمَّ رحل وتركني فجاء بغيض بْن عامر بْن شماس بْن لأي فضمني إليه فلامه الزبرقان وقومه على ذلك فقلت:
ما كان ذنب بغيض لا أبالكم ... فِي بائس جاء يحدو آخر الناس
لقد مَرَيتكم لو أن درَّتكم ... يومًا يجيء بها مَرِّي وإبساسي
والله ما معشر لاموا أخا ثقةٍ ... من آل لأي وشماس بأكياس
وقلت للزبرقان:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي [1]
فنزاه بيتي هَذَا وأقلقه حَتَّى استعدى علي، وقلت أيضًا فِي شعري:
ألم أك نائيًا فدعوتموني ... فخانتني المواعد والدعاء
وآنيت العشاء إِلَى سهيل ... أو الشعرى فطال بي الإناء
ألم أك جاركم فتركتموني ... لكلبي فِي دياركم عواء
ولما كنتُ جارُهُم حبوني ... وفيكم كان لو شئتم حباء
فلم أقصب لكم حسبًا ولكن ... حَدَوْتُ بحيث يُستمع الحداء
وإني قد عَلِقتُ بحبل قوم ... أعانهم على الحسب الثراء [2]
وقلت أيضا:
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 105- 109 مع فوارق.
[2] ديوان الحطيئة ص 54- 56 مع فوارق.(12/356)
هلا غضبت لرحل ج ... ارك إذ تنبّذه حضاجر [1]
ولقد سبقتهم إل ... يّ فَلِمْ نزعتَ وأنت آخر [2]
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعَجْلِيُّ عَنْ ابن كناسة عن مشايخ من أَهْل الكوفة، أن الحطيئة لما هجا الزبرقان بْن بدر استعدى عليه عُمَر، وكان أشد ما هجاه به عليه قوله:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فقال عُمَر رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ: وما عليك إذا قال لك إنك طاعم كاسٍ، فدعا حسان بْن ثابت، وأمر الزبرقان فأنشده البيت فقال عُمَر:
أتراه هجاه يا حسان؟ قال: لم يهجه يا أمير المؤمنين، ولكنه خري عليه، هذا أشد من الهجاء، فحبس عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الحطيئة حَتَّى بعث إليه مع عياش بْن أَبِي ربيعة المخزومي بأبيات مدحه بها وهي:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخٍ ... حمر الحواصل لا ماءٌ ولا شجر
ألقيتَ كاسبهم فِي قعر مُظلمة ... فاغفر عليك سلام اللَّه يا عُمَر
أنت الْإِمَام الَّذِي من بعد صاحبه ... ألقى إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثرك بها إذ قَدَّمُوكَ لها ... لكنْ لأنفسهم كَانَتْ بك الأثر [3]
فدعا به فقال له: إياك وهجاء الناس وشتيمتهم وخلى سبيله.
وقال الحطيئة لعمر فِي قصيدته التي أولها:
نأَتْكَ أمامة إلَّا سُؤَالا ... وأَبْصَرْت منها بغيب خيالا
إِلَى ملكٍ عادلٍ حكْمُهُ ... فلما وضعنا إليه الرحالا
__________
[1] بهامش الأصل: حضاجر الضبع، شبه أمته بها.
[2] ديوان الحطيئة ص 33- 34.
[3] ديوان الحطيئة ص 164- 165.(12/357)
ضوى قول من كان ذا إحنة ... ومن كان يأمل فيَّ الضلالا
أتتني لسانُ فكذبتها ... وما كنتُ أحذرها أن تقالا
فلا تسمعنْ فيَّ قول العداة ... ولا تُوَكِّلَنِّي هديت الرجالا
فإنك خير من الزبرقان ... أشدُّ نكالًا وخيرٌ فعالا [1]
ويقال قالها قبل حبسه حين بلغه أن الزبرقان يستعدي عليه.
وقوم من بني بهدلة يقولون إن الزبرقان كان قد أحسن قرى الحطيئة، ولكن بغيضًا أطمعه فِي أكثر مما كان فِيهِ، فصار إليه وأعطاه حَتَّى هجا الزبرقان.
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هشام عن أَبِيهِ قال: مرَّ قومٌ من قريش وغيرهم بالزبرقان وهو يلوط حوضًا له ويصلحه، فأرادوا أن يسقوا إبلهم من بئرٍ له فمنعهم ذلك فقال شاعرهم:
وما الزبرقان حين يمنع ماءه ... بمحتسب يقوى ولا متوكل
ولا طَالِب حَمْدًا وقد ظل قائمًا ... يُدَفِّعُ أعضاد الحياض بمعول
وقال أيضًا:
تركنا الزبرقان على حفير ... يُرَقِّع حوض ثُلَّتهِ بكلس
عليك لبان وَطْبِكَ تَدَّوِيه ... وما فِي العسِّ فِي محضٍ وَقَرْسِ [2]
وقال الحرمازي عن أشياخه: أغار بنو عبشمس على بني بهدلة بْن عوف بْن يمان التي عند هجر، فجرحوا أناسًا واطردوا إبلًا وثلاثين فرسًا للزبرقان، فاستعدى الزبرقان العلاء بْن الحضرمي، وهو عامل أبي بكر على
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 67- 71 مع فوارق.
[2] القرس: البرد الشديد. والجامد. القاموس.(12/358)
البحرين فقال له: هات بينه، فلم يجدها، فعرض الزبرقان لرجل من بني مُلادس بْن عبشمس معه مائة وخمسون بعيرًا فجاء به إلى العلاء فأقام عنده البينة أن المُلادسي كان في الجيش، فهرب وأخذ إبله، فوثب ابن عم له على إبل الصدقة فأخذها، فأغلظ العلاء وأصحابه للزبرقان فقال فِي قصيدة أولها:
أبلغْ أَبَا بَكْر وإن كان دونَه ... مهامه تعتال الركاب لياليا
شكاتي إليه لو أتاه مُخَبِّرٌ ... فيُخبره أني لَقِيتُ الدَّواهيا
فَمَا عيش مَنْ لم يَغْنِ عَنْهُ وفاؤه ... ولا عذره لو يملأ العذر واديا
طوى كل معوف وأحضر دونه ... عقارب أخشى لذعها وأفاعيا
تهكَّم أصحاب العلاء شتيمتي ... فمالك يا بن الْحَضْرَمِيّ وماليا
فلو شئتُ لم أحبس بحجر عليكم ... جسام الروايا [1] والجياد المراخيا [2]
وزعموا أن الزبرقان كان فِي جند العلاء بالبحرين، والزبرقان القائل لخالد بن الوليد المخزومي يحرضه:
خاطِرْ على الجُلَّى فإنك أهلها ... حَسَبًا وأَذْك شهابها لا تُخمِدِ
وانْفُذْ فإنك لو قعدت بشاهق ... صعب المرام ممَنَّعٌ لم تَخْلِدِ
وَإِذَا امرؤ أرضاه أدنى سعيه ... نَقَصَتْ مروءتُه إذا لم يَزْدَدِ [3]
والزبرقان الَّذِي يقول:
وقلت لحامل ضَبًّا وضَغْنًا ... تَحَمَّله فَإِن اللَّه حَسْبي
ألم أبذل لكم مالي وودّي ... وأدرأ عنكم دركي وشغبي
__________
[1] بهامش الأصل: الروايا إبل تحمل.
[2] ليس في شعره المجموع.
[3] ليست في شعره المجموع.(12/359)
وأجعل كل معتمد أتاني ... يريد النصر بين حسا وخلب [1]
ونزل ببني عبيد بن مُقاعس فأجلوه وبرُّوه فقال:
إني وجدت عُبيدًا حين زرتهم ... كالرأس يجمع فِيهِ السَّمْعُ والبصر [2]
وقال أَبُو اليقظان: ولد الزبرقان: عياش بْن الزبرقان. والعباس وبه كان يكنى، وغيره يقول يكنى بعياش، وغيرهما. وأمهُمُ ابْنَة صعصعة عمة الفرزدق فكانت تقول: حماري رهن بخمسين بعيرًا لمن جاء بأب كصعصعة، وأخ كغالب وخال كخالي الأقرع بْن حابس، وزوج كزوجي الزبرقان بْن بدر.
وذكر الهيثم بْن عدي أن الزبرقان أتى مُسيلمة بابنه وقال: يا نَبِيَّ اللَّه حَنِّكْهُ، فَحَنَّكَهُ فخرس.
وقال الزبرقان: ما استَبَّ اثنان إلَّا غلب ألأَمَهُما.
فأما عياش بْن الزبرقان فكان شريفًا بالبادية، وهو الَّذِي يقول له جرير بْن عطية:
سأذكر ما قال الحطيئة جاركم ... وأحدِثُ وسمًا فوق وَسْمِ المخبلِ
أعياش قد ذاق العيون مغاضتي ... وأوقدتُ ناري فادن عياش فاصطل [3]
فولد عياش حين أنشد هَذَا البيت: إني إذًا لمقرور.
فولد عياش: غَضِيا، وكان على شرط المدينة لخالد بْن عَبْد الْمَلِك بْن الْحَارِث بْن الحكم بْن أَبِي العاصي، وإنما ولاه الشرط لأن أم عبد الملك بنت
__________
[1] البيت الأخير فقط في شعره ص 36 وفيه «بين حشأ وخلب» .
[2] ليس في شعره المجموع.
[3] ديوان جرير ص 368.(12/360)
الزبرقان بْن بدر، وغضيا القائل:
غريب عن ديار بني تميم ... ولن يُخزي عشيرتي اغترابي
وذكره سهيل المديني فِي شعره وقد كتبنا شعر سهيل المديني فِيهِ فِي خبر هشام بْن عَبْد الملك، وأما عياش فلم يكن بشيء.
وقال المُخَبَّل فِي الزبرقان:
وأبوك بدر كان ينتهس الخُصَى ... وأبي الجواد ربيعة بْن قِبال [1]
فَلَمَّا أُنشد الزبرقان قوله:
كان ينتهس الخصى وأبي ...
قال: شيخان اشتركا فِي ضيعة [2] وصناعة.
وزوَّج الزبرقان أخته خليدة من رَجُل يُقَالُ له هَزّال من بني جشم بْن عوف بْن كعب بْن سعد فقال المخبل:
وانكحت هزّالا خليدة بعد ما ... زعمتَ برأس العين أنك قاتلُه [3]
ثُمَّ مر بها المخبل بعد حين وقد أصابه كسر فجبرت كسره وقامت عليه وبَرَّتْهُ وهو لا يعرفها فَلَمَّا عرفها قال:
لقد ضَلَّ حلمي فِي خليدة ضَلَّةً ... سأعتب قومي بعدها وأتوبُ
وأشهد والمستغفر اللَّه أنني ... كذبتُ عليها والهجاء كذوب
وتزوج إِلَى الزبرقان سعد بْن أَبِي وقاص، والمسور بْن مخرمة الزهري، وعمرو بْن أمية الضمري، والحارث بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بن
__________
[1] المخبل السعدي شاعر فحل من مخضرمي الجاهلية والاسلام، له ترجمة في الأغاني ج 3 ص 189- 199، وورد هذا البيت في ص 193، وصحف اسم «قبال» إلى «قتال» .
[2] في رواية الأغاني «صنعة» .
[3] الأغاني ج 13 ص 192 مع فوارق.(12/361)
عَبْد شمس، وعثمان بْن أَبِي العاص، والحكم بْن أَبِي العاص، وأمية بْن أَبِي العاص الثقفيون. وكان الزبرقان إذا زوج المرأة من بناته دنا من خدرها فقال: أتسمعين لا أعلمن ما طلقت ثلاثًا، كوني أَمَةً لزوجك.
ومن بني بَهْدلة: المغيرة بْن الفَزْع- مُسَكَّنَةُ الزاي- بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن ربيعة بْن جندل بْن ثور بْن عامر بْن أحيمر بْن بهدلة، كان مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن حين خرج بالبصرة،
وكان من أشد الناس فِي أمر إِبْرَاهِيم وأَجَدَّهم، قتله أَبُو الأعور الْكَلْبِيّ، فَقَالَ أَبُو زياد الحذاقي الكلبي، وهو عَبْد اللَّه بْن كليب من ولد الحذاقية.
من مبلغ عليا تميم بأننا ... نصبنا عَلَى الكَلَّاء بالشطِّ معْلَمَا
نصبنا لكم رأس المغيرة بائنا ... وجثمانه بالجذع عُريانَ مُلْجَما
وقد ذكرنا خبره فِي خبر إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه مع أخبار آل أَبِي طَالِب.
ومنهم حنظلة بْن أوس بْن بدر، وهو ابن أخي الزبرقان
وكان شاعرًا، وقطن ومحرز ابنا عَبْد اللَّه بْن أَبِي سويط بْن أحمر بْن بهدلة وكان بنو عبشمس أصابوهما فحماهما الزبرقان.
وولد عُطارد بْن عوف:
مالك بْن عطارد.
وشجنة بْن عطارد.
والحارث بْن عطارد. وعبد الله بْن عطارد، وأمهم صفية بِنْت أُهيب بْن عبشمس بْن كعب.
فَمَنْ بني عطارد: كرب بْن صفوان بْن شجنة
الَّذِي كان يدفع بالناس فِي الجاهلية فِي الموسم، وله يقول الشاعر وهو أوس بْن مَغْراء:
ولا يريمون فِي التعريف موقفهم ... حَتَّى يُقَالُ أجيزوا آل صفوانا
ولهم يقول الراجز:(12/362)
إن لسعد دعوة التعريف
وعوير بْن شجنة
الذي ذكره امرؤ القيس فقال:
عويرٌ وَمَنْ مثل العوير ورهطه ... أَبَرَّ بأيمانٍ وأوفى لجيران [1]
حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جَدّه أن امرأ القيس بْن حجر لما قتلتْ بنو أسد أَبَاهُ، ووهن أمره، وخاف المنذر بْن ماء السماء جعل يحل بقوم قوم فيذم ويحمد، حَتَّى نزل بعوير بْن شجنة، فأحسن قومه جواره فقال فِيهِ ما قال.
[كرب بن صفوان بن شجنة]
حَدَّثَنِي ابن مَسْعُود عن ابن كُناسة عن علمائهم قال: اتفقت العرب على أن جعلوا ولاية الموسم والإفاضة بالناس إلى بني تميم، فكان ذلك إِلَى سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم، ثُمَّ إِلَى حنظلة بْن مالك بْن زَيْد مناة، ثُمَّ إِلَى ذؤيب بْن كعب بْن عمرو بْن تميم، ثُمَّ إِلَى حنظلة بْن مالك بْن زَيْد مناة، ثُمَّ إِلَى ذؤيب بْن كعب بْن عمرو بْن تميم، ثُمَّ إِلَى مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم، ثُمَّ إِلَى مُعَاوِيَة بْن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بْن تميم، ثُمَّ إِلَى الأضبط بْن قُريع بْن عوف بْن كعب بْن سعد ثُمَّ إِلَى صُلصُل بْن أوس بْن مُخاشن بْن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد، ثُمَّ إلى الغَلّاق بْن شهاب ابن لأي من بني عُوافة بْن سعد بْن زَيْد مناة، وكان آخر من أفاض بالناس كرب بْن صفوان بْن شجنة ويقال صفوان بْن جناب بن شجنة بن عطارد بن عوف بْن كعب بْن سعد وهو الَّذِي يقول له أوس بْن مَغْراء:
ولا يريمون فِي التعريف موقفهم ... حَتَّى يُقَالُ أجيزوا آل صفوانا
وبعضهم يقول آل صوفانا، يعني بني صوفة الربيط وهو الغوث بْن مر، وذلك خطأ. وقد كان أَهْل صوفة يجيزون قبل سعد بن زيد مناة،
__________
[1] ديوان امرؤ القيس ص 169 مع فوارق.(12/363)
ولكن الشعر فِي آل صفوان.
وقال أَبُو اليقظان: قال أوس بْن مغراء فِي إفاضة آل صفوان بالناس:
ولا يريمون فِي التعريف موقفهم ... حَتَّى يُقَالُ أجيزوا آل صفوانا
مجدًا بناه لنا قِدْما أوائلنا ... وأورثوه طوال الدهر أُخرانا
وقال أَبُو اليقظان: حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْمُبَارَك أنه لم يحضر معهما أحد فِي بعض السنين إلا امْرَأَة، فأفاضت بالناس.
وقال الكلبي: أقبل كرب بْن صفوان بْن شجنة يريد بني عامر فِي شعب جبلة، فخاف قوم من بني تميم ثُمَّ حنظلة أن ينذرهم بهم، فأخذوا عليه المواثيق والعهود، فمضى حَتَّى أتى بني عامر فسألوه عن الخبر فجعل لا يتكلم فقالوا: هَذَا رَجُل قد أخذت عليه المواثيق والعهود ألا يخبركم بشيء: فقال لست أخبركم بشيء ولكن ائتوا منزلي تجدوا فِيهِ الخبر، فأتوا منزله فإذا خرقة يمانية فيها تراب، وحنظلة قد كسرت، فيها شوك، وَإِذَا وطب معلق فِيهِ لبن، فقال الأحوص بْن جَعْفَر بْن كلاب: يقول إن القوم فِي كثرتهم كالتراب، وإن شوكتهم فِي بني حنظلة، وإن اليمن تجمعهم انظروا ما فِي الوطب فاصطبوه فإذا لبن جبن قَرَصَ، فقال: يقول: القوم منكم على قدر ما بين حلاب اللبن وان يقرص، ففي ذلك يقول عامر بْن الطفيل بعد حين:
ألا أبلغ لديك جموع سعدٍ ... فبيتوا إن نهيّجكم نياما
نصحتم بالمغيب ولم تعينوا ... علينا إنكم كنتم كراما
ولو كنتم مع ابن الجون كنتم ... كَمَن أمسى وأصبح قد ألاما [1]
__________
[1] ديوان عامر بن الطفيل- ط. دمشق 1994 ص 48- 49 مع فوارق.(12/364)
وكان لقيط بْن زرارة بْن عدس يطلب بني عامر بدم معبد بْن زرارة، ويثربي بْن عُدُس، فحشدت معه حنظلة، وبنو ضبة، وتيم، وعدي، وعُكل، وكان حصن بْن حُذيفة بْن بدر يطلب بدم حذيفة ومعه الحليفان:
أسد، وذبيان وكانت بنو عبس قتلت حذيفة يوم الهَبْأة، والهبأة وادٍ فِيه بركة عظيمة، وكان معهم مُعَاوِيَة بْن شرحبيل بْن أخضر بْن الجون، والجون هُوَ مُعَاوِيَة، وسمي جونًا لشدة سواده، وأبوه آكل المرار الكندي، فِي جمع من كندة كثيف فقاتلوا بني عامر، ومعهم بنو عبس يوم شعب جبلة، وكان عرفجة بْن كرب بْن صفوان فارسًا حضر يوم الكلاب الثاني حين اقتتل بنو تميم والرباب وبنو الْحَارِث بْن كعب ومن لافَّهم من قبائل اليمن لطمعهم فِي بني تميم يوم الصفقة، فأصيب يومئذ أنف عرفجة، فاستأذن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد إسلامه فِي أن يتخذ أنفًا من ذهب، وقال إن الفضة تنتن علي فأذن له فِيهِ.
ومنهم: أَبُو رجاء العُطاردي،
واسمه عِمْرَانَ بْن تيم ويقال عِمْرَانَ مِلحان، أسر يوم الكلاب الثاني فجعل بنو الْحَارِث بْن كعب يدفعونه إِلَى نَهْد، وجعلت نهد تدفعه إلى بني الْحَارِث فنجا وأسلم، ولم يزل إمام بني عطارد يصلي على جنائزهم بالبصرة حتى مات في أيام الحجاج بن يوسف بالبصرة فِي قول أَبِي عبيدة، وكان أَبُو رجاء من قراء القرآن، وله اختيار فِي القراءة قد كتبناه.
وحدثني روح بْن عَبْد المؤمن الْمُقْرِئ، حَدَّثَنِي عمي أَبُو هشام عن شيخ من بني تميم قال: أتينا أَبَا رجاء العطاردي، فأذنت لنا ابنته، فدخلنا بيتًا كان فِيهِ ولم نكد نستبينه لضؤولة جسمه، فقالت: ما ترونه فِي زاوية البيت.
فقلنا: لقد كبرت سنك، فقال بصوت ضعيف: أو تستطيلون عمري؟(12/365)
وقال مُحَمَّد بْن سعد: قال يزيد بْن هارون: مات أبو رجاء فِي أيام عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز.
وقال الواقدي: مات سنة سبع عشرة، وروى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ [1] .
وقال أَبُو اليقظان: ومن بني عطارد: شماس بْن دثار،
كان من سادة بني تميم وفرسانهم بخراسان.
ومنهم مُحَمَّد بْن نوح،
كان يقص فِي المسجد الجامع بالبصرة بأمر الأمراء.
وقال أَبُو اليقظان: ومن بني عطارد: أَبُو رجاء عِمْرَانَ بْن تيم،
وكان قارئًا فقيهًا أدرك النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسبي يوم الكلاب الثاني فأعتقه رَجُل من بني عطارد، فروى عن أَبِي رجاء أنه قال: هربنا حيث بلغنا خروج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكنت مع مولاي فنزل بأرض فضاء وحشة، فقال: إني أعوذ بأعز أَهْل هَذَا الوادي من شر أهله، فسمعت القرآن بعد: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجن فزادوهم رهقا [2] فظننت أنها نزلت فِيهِ.
وكبر أَبُو رجاء حَتَّى جاوز المائة، وكان يصلي ببني عطارد وعلى جنائزهم قريبًا من سبعين أو ثمانين سنة، لا يصلي غيره، فلما مات شهد جنازته الفرزدق وهو يقول:
ألم تر أن الناس مات كبيرهم ... ومن قبل ما مات النبي محمد [3]
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 7 ص 139.
[2] سورة الجن- الآية: 6.
[3] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.(12/366)
قَالُوا: وكان عَبْد الرَّحْمَن الإسكاف، مَوْلَى لبني عطارد،
وكان له قدر، ورمى طائرين فشكهما فسُمي الإسكاف، وكان من أشجع الناس تعاورته الأزارقة، فعقروا فرسه فقاتلهم قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا ولم يعنه أحد، فلم يصلوا إِلَى قتله إلّا بعد ساعات، وفيه يقول ابن عصمة المنقري:
بمنزلة ترى الإسكاف فيها ... وَحَمَّتْ بعد للعبدي دارا
وكان ابنه مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَن الإسكاف فيمن قاتل الْمُخْتَار مع مصعب بْن الزبير،
فَلَمَّا قال أَهْل الكوفة لمصعب: اقتل الموالي مِمَّنِ استنزل من القصر من أصحاب الْمُخْتَار قال: ما انصفتمونا، نقاتل عدوكم وتقتلونا، وبالبصرة قصر يعرف بالإسكاف، وكان رَجُل يُقَالُ له صفوان بْن سُلَيْمَان البربار يدعي أنه من عطارد، ولم يكن منهم فهجاه شاعر فقال:
تسميتَ صفوانًا وذاك فَريةٌ ... عليك وعار يا بن أطولها بظرا
رأيتُ شريحًا عند بابك قاعدًا ... ولم أر ثمَّ الزبرقان ولا بدرا
شريح خال له، وهو خال ابن برجان اللص.
ومن بني جشم بْن عوف
فيما ذكر أَبُو اليقظان: حُيَيّ بن هزال الَّذِي يقول:
أَنَا حُيَيٌّ واعتراني أفكلي
[1]
لن يغلب اليوم حباكم قَبلي ... أَنَا ابن ما جعدة بْن جندل
وهو القائل في معاوية:
__________
[1] الأفكل: الرعدة.(12/367)
إذا مات مات العرف وانقطع الندى ... من الناس إلا من قليل مُصَرَّدِ
وهو القائل:
فلا كوفةٌ أمي ولا بصرةٌ أَبِي ... ولا أَنَا يُثنيني عن البغية الكسل
وكان من بني جشم جشم الأعلم، وابنته أم حبيب بِنْت الأعلم، وهي أم مُحَمَّد بْن القاسم الثقفي صاحب السند من قبل الحجاج، فكتب إليه الحجاج: إنك لتذكر أمك، ولو كَانَتِ الفارعة بنت همام ما عدا، والفارعة أم الحجاج.
وقال الكلبي: ولد جشم بْن عوف: أورق، وبعضهم يقول أروق. ومُحَلّم. ونُكرة. فمنهم عَبْد يغوث ابن أورق وكان منيعًا.
وولد قُريع بْن عوف:
جَعْفَر بْن قريع، وهو أنف الناقة، وإنما لقب بِذَلِك لأن قريعا نحر جزورا فقسمها بين نسائه، فقالت أم جَعْفَر بْن قريع رهي الشموس من بني وائل بْن سعد هُذيم من اليمن: انطلق إِلَى أبيك فانظر هَلْ بقي عنده شيء من الجزور، فأتاه فلم يجد عنده إلّا رأس الجزور، فأخذ بأنفه يجره فَقِيل: ما هَذَا بيدك؟ فقال: أنف الناقة، وكانوا يغضبون من اللقب حَتَّى مدحهم الحطيئة فقال:
قومٌ هُمُ الأنفُ والأذناب غيرهم ... ومن يُسَوِّي بأنف الناقة الذنبا [1]
ولما صار مدحًا فخروا به.
والأضبط بْن قريع الشاعر
الَّذِي يقول:
اقبل من الدهر ما أتاك به ... من قرَّ عينًا بعيشه نفعه
يا قوم من عاذري من الخدعة المس ... يئ والصبح لا بقاء معه
ما بال من غيه مصيبك أو ... تملك شيئًا من أمره وزعه
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 17.(12/368)
والخَمَّة بْن قُريع-
بخاء معجمة من فوق- وعبد اللَّه بْن قُريع وحَدَّار بْن قريع- بفتح الحاء- ولوذان بْن قريع ولم يذكرهما الكلبي.
فمنهم: بغيض بْن عامر بْن شماس بْن لأي بْن أنف الناقة، وهو صاحب الحطيئة، وقد ذكرنا خبره وخبر الزبرقان بْن بدر وقال الحطيئة فِيهِ:
بغيض وما سموا بغيضًا لباطلٍ ... ولكنهم كانوا حماة الحقائق [1]
فقال أبو اليقظان: كان الأضبط شريفًا سيدًا فِي الجاهلية، وغضب على قومه فكره جوارهم ففارقهم، وأتى قومًا آخرين فنزل فيهم فآذوه فرجع إِلَى قومه وقال: بكل واد بنو سعد أي أن فِي الناس شرًا كشر بني سعد، وكلم رَجُل امرأته وهو غائب فقالت: لعز على الأضبط بْن قريع، فذهبت مثلًا، وطلق امْرَأَة له فقالت: يا بارد الكمرة. فقال: يا آل قريع أسخنوا الكمرة، فذهبت مثلًا، وله عقب بالبصرة ولهم مسجد بها.
ومنهم الحَرِيش بْن هلال بْن قدامة بْن شماس بْن لأي بْن أنف الناقة، وكان رأسهم أيام المهلب فِي قتال الأزارقة، وكان مع عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي بكرة بسجستان فعفر [2] ابن رتبيل، وحمل عليه الكفار، فأعانته بنو تميم فقال:
سأكرم ما حييت بنو تميم ... وأبذل فيهم ودي ومالي
وهم كروا علي وقد رأوني ... صريعًا بين مختلف العوالي
بضربٍ يمنعون به أخاهم ... وطعن مثل أفواه العزالي [3]
وكان ابن خازم ضربه على رأسه فقال:
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] أي ضرب به الأرض. القاموس.
[3] مصب الماء من الراوية. القاموس.(12/369)
أعاذلُ إني لم أَلِمْ فِي قتالهم ... وقد عَض سيفي كبشهم ثُمَّ صمما
ثُمَّ صالح ابن خازم، وقد وضع على رأسه قطنة فسقطت، فتناولها الحريش فوضعها على الضربة فقال ابن خازم: مسّتك هذه يا بن قدامة ألين من مستك الأولى.
ودخل على الحريش لص إما قتله أو طرده، فسئل الْحَسَن عن لص دخل على رَجُل فقال: إن استطعت فكن مثل الحريش، وخرج مع ابن الأشعث، فقتل بالزاوية، ولم يكن له غير بِنْت تسمى أم عمرو، فتزوجها مروان بْن المهلب ثُمَّ خلف عليها فراس بْن سُمي الفزاري.
ومنهم فارس بْن هَبّود، وهو برثن بْن شهاب بْن النعمان بْن جبيل بْن حَدَّان بْن قُريع، وكان شريفًا قائد بني سعد وفارسهم فِي الجاهلية.
وعلقمة بْن سَبَّاح بْن جبيل بْن حَدَّان بْن قريع،
كان من فرسان بني سعد، وهو قاتل عمرو بْن جُعيد المرادي يوم الكلاب الثاني، ومدحه أوس بْن حجر فقال فِي قصيدة أولها:
وَدَّع لميس وداع الصارم اللاحي ... قد فَتَّكَتْ فِي فسادٍ بعد إصلاح
ابتزَّها اللَّه بلحائي وَقد علِمَتْ ... إني لنفسي إفسادي وإصلاحي
إن أشرب الخمر أو أرزأ لها ثمنًا ... فلا محالة يومًا إنني صاح
أسقي ديار بني عوف وساكنها ... ودار علقمة الخير ابن سبَّاح
ومنهم أوس بْن مَغْراء [1] القريعي الشاعر،
وكان هاجي رجلًا من بني جَعْدة يُقَالُ له السِمط، فاتَّعَدا أن يتواقفا فيتهاجيا فسأل أوس سؤر الذئب الشاعر أن يعينه فقال له: أَنَا معينك بست أرجوزات، فقال: إن عجزت
__________
[1] بهامش الأصل: أوس بن مغراء الشاعر.(12/370)
فأعني. فَلَمَّا توافقا قال:
أَنَا ابن مَغْراء وينميني أَبِي ... إِلَى العلى وحَسَبي ومنصبي
إني بقاعٍ فوق كل مرقب ... ألبس للأعداء جلد الأجرب
وقال أيضًا:
لما رأتْ جَعْدةُ مِنَّا وردا ... صاروا نعاما بالقفار ربدا
كل امرئ يغدو بما أَعَدّا
ويقال إن العجاج أعانه بهذا البيت.
وغزا ذُفافة بْن هَوْذة بْن شِماس القريعي بني عدي
فلحقوه بعد أن اكتسح نعَمَهم، فاقتتلوا فَشَدَّ عوف بْن شريك العدوي على ذفافة فطعنه فقتله، وانهزمت قريع فقال الشاعر:
لاقي ذفافة عوفًا ذا منازلة ... والمشرفيُّ حسامًا غير منثلم
ومنهم المخبَّل، وهو ربيعة بْن عوف بْن قِتال بْن أنف الناقة، وكان يكنى أَبَا يزيد، وكان شاعرًا فِي الجاهلية والإسلام، وهاجر إِلَى البصرة، وقال لابنه شَيْبَان وهاجر معه:
أشيبانُ ما يدريك رُبَّة ليلةٍ ... غَبَقْتُكَ فيها والغبوق حبيب
ولد المخبل بالأحساء كثيرًا.
وقال أَبُو اليقظان، من بني لوذان بْن قريع:
وَكيع بْن عمِيرة، وأمه أمَةٌ من أَهْل دورق، فنسب إليها، ويكنى أَبَا ربيعة، وهو الَّذِي قتل عَبْد اللَّه بن خازم بخراسان، وكان ابن خازم قتل أخًا له يُقَالُ له دُوَيلة، مَوْلَى لبني لوذان، فَلَمَّا قعد على صدر ابن خازم ليقتله قال: يا لثارات دُوَيلة، فنخّم فِي وجهه وقال: لعنك اللَّه، أيُقتل كبش مضر بأخيك علج(12/371)
لا يساوي كفا من نوى. وقال وَكِيع:
ذق يا بن عجلى مثل ما قَدْ أذقتني ... ولا تحسبني كنتُ عن ذاك غافلا
وعَجْلَى أم ابن خازم، وكان وكيع يقول غلبته بفضل الفتاء فقعدت على صدره، وادرك وكيع قُتَيْبَة بْن مُسْلِم، وكان قد وقع بينه وبين رَجُل يُقَالُ له مَيْشار شر فعلاه بمخفقةٍ وقال:
أيا ميشار يا خضف [1] الحمار ... أتوعدني وأنت على جعار
[2]
أَنَا الأسد الَّذِي أُخبرتَ عَنْهُ ... يَشُدُّ على الكتيبة بالنهار
وقال أَبُو الْحَسَن المدائني: كان وكيع ابن الدورقية جافيا عظيم الخلقة، صلى يوما وبين يديه نبتٌ فجعل يأكل منه، فَقِيل له: أتأكل وأنت تصلي؟ فقال: ما كان اللَّه ليحرم نبتًا أنبته بماء السماء على طيب الثرى فِي حال من الأحوال، وكان يشرب الخمر فعوتب على شربها، فقال: أعلى الخمر تعاتبون وهي تجلو بولي حَتَّى تصيره كالفضة، وكان يبول قائمًا، والناس ينظرون إليه.
وقال أَبُو اليقظان: هُوَ الحريش بْن هلال بْن قدامة بْن نُفير بْن لأي، ولم يذكر ابن الكلبي نُفَيرًا.
وقال: وَلَدُ الخمة بْن قريع قليل، وهم بالبادية والبصرة.
قال: ومن ولد ربيعة بْن قريع:
مرة بْن ربيعة
وهو الَّذِي مَحل [3] بالنابغة الذبياني إلى الملك فقال النابغة:
__________
[1] خضف: ضرط. القاموس.
[2] الجعر: ما يبس من العذرة. القاموس.
[3] المحل: المكر والمكيدة. القاموس.(12/372)
لعمري وما عمري علي بهين ... لقد نطقت بُطْلًا علي الأقارع [1]
قال: ومن بني ربيعة الَّذِي يقول:
وما الفقر والإيسار من حيلة الفتى ... ولكن أحاظ قسّمت وجود
ومن بني ربيعة: سؤر الذئب
الذي يقول يوم مسعود:
نَحْنُ قتلنا الأزد يوم المسجد ... والحي من بَكْر بكل مِعْضَد
كأنهم من رامح ومقصد ... بين السواري وطريق المسجد
أعجاز نخل الدَّقَل المُسَنَّد
ومن بني ربيعة: قدامة بْن جراد الشاعر،
وهو الَّذِي لقي دَغْفَل بْن حنظلة النسابة فنسبه حَتَّى بلغ أَبَاهُ، ثُمَّ قال له: قد ولد جراد بْن حمرة رجلين أحدهما شاعر والآخر ناسك صالح، فأيهما أنت؟ فقال: أن الشاعر السفيه، وقد أصبت فيما قلت، فأخبرني متى أموت. فقال: أما فلا علم لي ولا لأحد إلّا اللَّه بْه، وقُدامة القائل لنجدة الحروري:
مَتَى تلقى الحريش حريش سعد ... وعبادًا يقود الدار عينا
تبينَّ أن أُمك لم تُوَرِّكْ ... ولم تُوضِع [2] أمير المؤمنينا
وقال أَبُو اليقظان: من بني حَدّان بْن قُريع: علقمة بْن سَبّاح
الَّذِي مدحه أوس بْن حجر فقال:
اسقي ديار بني عوف وساكنها ... ودار علقمة الخير ابن سباح [3]
__________
[1] ديوان النابغة ص 80.
[2] بهامش الأصل: خ- ترضع.
[3] ديوان أوس بن حجر- ط. دار صادر ص 18، وفيه: «ابن صباح» .(12/373)
ومنهم أَبُو دَهْلَب الراجز وهو القائل:
حنَّتْ قلوصي أمس بالأردُنِ ... حِني فَمَا ظلمت إن تحني
حنَّت بأعلى صوتها المُرنِّ
وكان يزيد بْن مُعَاوِيَة أمره أن يرجز بالأردن.
وولد بِرنيق بْن عوف:
هاجر، وبنو برنيق قليل وليسوا بشيء وهم بالبصرة وهم يُصَغَّروُن فيقال بنو بُرينيق.
وولد عَبْد العزي بْن كعب بْن سعد بْن زَيْد مناة:
حِمان بْن عبد العزى. وحرثان. وجرير. وعوف بني عَبْد العزى. وسمي حمّان حِمانًا وكان اسمه كعب لأنه كان يسوِّد سُفنه [1] ويحممها.
فولد حِمان: مرة بْن حمان. والخيزق بْن حِمان، وبعضهم يقول الخَيْسَق. وهمام بْن حمان. ومخاشن بْن حمان. وعامر بْن حمان، وزعموا أن امْرَأَة نزلت مع زوجها بين بني حمان، فجعلوا يغطون وجوههم بأكفهم وينظرون إليها من خلل أصابعهم ويتعاطسون، فقال الشاعر:
تَعَاطسون جميعًا حال جارتكم ... فكلكم يا بني حمان مزكوم
وكان يُقَالُ: أعلم من تيس بني حمان، وذلك أنه ذُبح ولم تُفْرَ أوداجه فقام فنزا، ومر رَجُل من بني حمان مسنُّ هرم برجل من بني تميم فقال له:
يا حماني ما فعل تيسكم؟ فقال: عند أمك.
ومن بني حمان: نمر بْن مُرة بْن حمان وكان فِيهِ بيت تميم أولًا، منهم:
عمرو بْن مالك، كان أحد بني الخيزق، وكان شريفًا بخراسان وهو الَّذِي
__________
[1] بهامش الأصل: شفته.(12/374)
ذكره ثابت بْن قُطْنَة الْأَزْدِيّ فِي شعره فِي أيام تَرْفُل فقال:
لم يَقْرِها السعديُّ عمرو بْن مالك ... وتَشْعَبُ من سهم المنايا له سَهْما
ومن بني حمان: خَيران وحسان ابنا الوّدَّاء وكانا شريفين، وكان حسان مع سلم بْن زياد بخراسان ودخل على عُبَيْد اللَّه بْن زياد بالبصرة فانتسب له فقال له: أخوك خيران بْن الودَّاء؟ فقال: بل أَنَا أخوه أصلح اللَّه الأمير، وكان أصغر منه. وكان حسان يكنى أَبَا إياد، وشتم حارثة بْن بدر فلم يجبه، وقال إنه لفخر لبني حمان إن أجبتهم. ولا عقب لحسان.
وخاصم بنو نمر بْن مرة بني كليب فِي ركيَّة بالمروت إِلَى المهاجر بْن عَبْد اللَّه الكلابي، وهو على اليمامة، فقال جرير بْن عطية:
نعوذ بالله العزيز القهار ... وبالأمير العدل غير الجبار
من ظلم حمَّان وتحويل الدار ... فسل بني صحب ورهط الجرّار
والمسلمين العظام الأخطار ... والجار قد يعلم أخبار الجار
حفرتها وهي كناس البقار ... ما كان قبل حفرها من محفار [1]
فِي أبيات، وقال:
جاءت بنو نمر كأن عيونهم ... جمر الغضا تبذري وظلام [2]
وكان جَعْفَر بْن ثَعْلَبَة سَأَلَ مُخاشن بْن حمان أن يسقي إبله، قبل إبل نفسه، فأَبى فقال: هوان ما بي عليك مخاشن بْن حمان فذهبت مثلًا.
ومن بني مخاشن: أَبُو نخيلة الراجز [3] ، واسمه معمر، وكني أبا
__________
[1] ديوان جرير ص 191 مع فوارق واضحة.
[2] ديوان جرير ص 420. مع فوارق، والبذري: الباطل. القاموس.
[3] بهامش الأصل: أبو نخيلة الراجز.(12/375)
نخيلة لأنه ولد إِلَى جنب نخلة، وقال فِيهِ الراجز:
إن أَبَا نخلة عبدٌ مالَهُ ... خول إذا ما ذكروا أخواله
تدعى له أم ولا أَبَا له
وولد مالك بْن كعب:
فاضل بْن مالك. وعوف بْن مالك.
والأرواح بْن مالك.
وولد ربيعة بْن كعب:
جُشَم بْن ربيعة. ولأي بْن ربيعة. وعمرو بْن ربيعة. وعمرو وهو المستوغر الَّذِي عُمَر دهرًا، وأدرك الْإِسْلَام وسُميِّ المستوغر لبيت قاله:
ينش الماء فِي الربلات منها ... نشيش الرَّضْف فِي اللبن الوغير [1]
وقال غير الكلبي: اسمه عمير، ويكنى أَبَا بيهس ويزعمون أن المستوغر قال:
إني سئمت من الحياة وطولها ... وعَمِرتُ من عدد السنين مئينا
وثُجَيْر بْن ربيعة.
ومنهم: عمرو بْن جرموز بْن قيس بْن الذيال بْن ضِرار بْن جُشم بْن ربيعة قَاتل الزبير بْن الْعَوَّام رَضِيَ اللَّه تعالى عَنْهُ،
وكان الَّذِي أنذر بالزبير رَجُل من بني حِمَان يُقَالُ له ابن قَرتَنَا، أخبر الأحنف بانصرافه فقال الأحنف ما قَال حَتَّى لحقه ابن جرموز فقتله.
ومنهم قَتَادَة بْن زهير بْن جَي بن سبع بن خثم بن فاتك بن الذيال بْن جشم بْن ربيعة،
ويقال عن غير الكلبي هُوَ نُقادة بْن زهير بْن جيّ بن
__________
[1] الوغير: اللبن يرمى فيه الحجارة المحماة، ثم يشرب. القاموس.(12/376)
سبع بن خثم بن فاتك بن الذيال بْن جشم، وكان سيد بني ربيعة فِي زمانه وقول الكلبي أثبت.
وسوار بْن المضرب الشاعر.
وجارية بْن قدامة [1] بْن الحصين بْن رزاح بْن أَبِي سعد،
واسمه أسعد بْن ثجير بْن ربيعة، وهو الَّذِي بعثه عَلِيّ بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه فِي أثر بسر بْن أَبِي أرطاة، فحرق من كان فِي غير طاعة علي فسمي جارية مُحرقًا، وهو أحرق عَبْد اللَّه بْن الْحَضْرَمِيّ فِي دار سَنْبِيل بالبصرة، وقد كتبنا خبره فيما تقدم.
وقال ابن العَرَنْدَس لعبد اللَّه بْن الْحَضْرَمِيّ:
ينادي الحباقَ وحمَّانها ... وقد حرَّقوا رأسه باللهب
والحباق بنو سعد بْن كعب، وقال الشاعر أيضًا:
فضح الحباق بني ربيعة قعبهم ... لم يملؤوه ورأسه المتثلم
وهم يعيرون بقعب صغير كان لهم.
وأقطع مُعَاوِيَة جارية بن قدامة تسعمائة جريب، وكناه فِي كتابه له بالإقطاع، وكان جارية يكنى أَبَا يزيد وأبا أيوب.
وآلى رَجُل من قَيْس بْن ثَعْلَبَة ليلطمن سيد بني تميم، فلطم الأحنف، فقال له: يا بن أخي ما دعاك إِلَى هَذَا؟ فقال: حلفت لألطمن سيد بني تميم، فقال: ما أَنَا بسيد بني تميم، سيدهم جارية بْن قدامة. فأتى جارية فلطمه، فأمر به فأدخل الدار ثُمَّ دعا بحداد فقطع يده.
وشهد جارية الجمل، وصفين مع علي، وقال له مُعَاوِيَة وهو يمازحه:
__________
[1] بهامش الأصل: جارية بن قدامة.(12/377)
ما كان أهونك على أهلك حين سموك جارية، فقال: أنت أهون على أهلك حين سموك مُعَاوِيَة وإنما المعاوية الكلبة تعاوي الكلاب. فقال مُعَاوِيَة.
ثكلتك أمك. قال: أمّ لم تلدني. قال: لقد هممت أن أسوءك. فقال:
إن السلاح الَّذِي لقيناك به يوم صفين عندنا لم نَبِعْهُ بعد ولم نَهَبْهُ. قال: إنك لتهددني. قال: إن أفعل فقد خلَّفْتُ ورائي رجالًا شدادًا، وسيوفًا حدادا ورماحًا طوالًا، فحلم عَنْهُ مُعَاوِيَة وأعطاه مائة ألف درهم، وقال الشاعر:
ألا فاصبحاني قبل جيش محرق ... وقبل وداعٍ من سليمي مفرق
وهلك جارية بالبصرة فشهد الأحنف جنازته، فقال: يرحمك اللَّه أبا أيوب فو الله ما كنت تحسد شريفنا ولا تحقر ضعيفنا.
ومن ولد جارية: مقاتل بْن الزبير بْن جارية، كان مع سلم بْن زياد بخراسان.
قال أَبُو اليقظان. ومن بني ثجير: مكحول بْن ثجير بْن حذيم، وهو أَبُو الأحمس بْن مكحول صاحب النهر بالبصرة، وكان صاحب خيل وهو القائل:
يلوم على ربط الجياد وصونها ... وأوصى بها اللَّه النَّبِيّ مُحَمَّد [1]
قال أَبُو اليقظان: ومنهم من بني فاتك بْن الديل أو الذيال: شَيْبَان بْن عَبْد شمس، الَّذِي نسبت إليه مقبرة شَيْبَان بالبصرة، وكان يقتل الخوارج، وصَيَّرَهُ زياد على المسجد الجامع وما يليه ليحرس بالليل، فقتله قوم من الخوارج وهو متكئ على باب داره، وقد كتبنا خبره فيما تقدم من كتابنا هَذَا، ويقال إنه كان على شرط زياد، فَلَمَّا قتل شَيْبَان خرج قوم من رهط بني
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت المعارضة بالأصل الثالث، وهو ...(12/378)
ربيعة فقتلوهم فقال الفرزدق:
إباء بشيبان الثوور وقد رَأَى ... بني فاتك هابوا الوشيج المقوَّما [1]
ومن بني شَيْبَان بْن كعب:
الحكم بْن الأعور، وكان ذا قدر وكان مع يزيد بْن المهلب يوم قتل، وله عقب بالبصرة، وكانت للحكم امرأة يُقَالُ لها أم الغلام، وهي من بني سعد، قال الفرزدق:
ذكرتك يا أم الغلام ودوننا ... مصاريع أبواب لهنَّ صريف [2]
ومن بني مالك: الأجرع الَّذِي يقول:
وكعبنا خير الكعوب كعبا ... أكثرهم فوارسًا وركبا
وخيرهم مأثرة وعقبا
وولد: الْحَارِث بْن كعب بْن سعد،
وهو الأعرج قطع رجله غيلان بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم فِي يوم تياس، وقد ذكرنا خبره فِي كتابنا. وكعب بْن الْحَارِث. وعمرو بن الْحَارِث. وجشم بْن الْحَارِث. وعوف بْن الْحَارِث.
منهم: الخطيم بْن مهرب بْن صريم بْن مرة بْن كعب بْن الْحَارِث الأعرج، وكان شريفًا.
ومنهم: زهرة بْن حُوَّية، ويقال زهرة بْن عَبْد اللَّه بْن حُوية، والأول قول ابن الكلبي وهو الثبت.
قال: هُوَ زهرة بْن حوية بْن عَبْد اللَّه بْن قَتَادَة بْن مرثد بْن مُعَاوِيَة بْن قطن بْن مالك بْن أذنم بْن جشم بن الحارث الأعرج، أسلم وشهد القادسية ثُمَّ عاش حَتَّى قتله شبيب الخارجي يوم سوق حكمة مع عتاب بْن ورقاء
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 258.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.(12/379)
الرياحي، وكان زهرة مَرَّ بخيل للقعقاع بْن معبد، فركب فرسًا منها، واتبعه حُصين بْن القعقاع فقارعه حَتَّى خلى له الفرس فقال حصين:
لما رآني ابن الحوّيَّة خافني ... وأيقن أن الموت تحت لبانها
فأجابه زهرة:
تركت ابن قعقاع حصينًا كأنه ... كنانة نبل خرقتها قرانها
ينوء بكفيه إلى صدر مهره ... قد ابتل من نفح الدماء عنانها
قال: والقران سهم إِلَى جنب سهم.
ومن بني الأعرج: مضرحي بْن كلابي، كان شاعرًا وكان مع المهلب بفارس، وهو القائل:
لهان على المهلب ما نلاقي ... إذا ما راح مسرورًا بطينا
يجر السابري ونحن غبرٌ ... كأن جلودنا كُسيت طحينا
ألا ليت الرياح مسخراتٍ، ... بحاجتنا يرحن ويغتدينا
بأن لم يبق غير مغضضات [1] ... تلوح على يلامق [2] قد بَلينا
فكيف لنا بأن نحيا جميعًا ... ويُنشر من مضى من أولينا
ومن بني الأعرج عُلَيْلة أَبُو العلاء الَّذِي يروى عَنْهُ الحديث.
وذكر عليلة أن من بني الأعرج: الأسلع [3] ، وكانت له صحبة، وأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر الأسلع أن يرحل له يومًا، فقال: إني جنبٌ ولا ماء عندي، فنزلت آية التيمم.
__________
[1] الغضاض: العرنين وما ولاه من الوجه. القاموس.
[2] اليلمق: القباء، ج يلامق، فارسي معرب. القاموس.
[3] بهامش الأصل: الأسلع رحمه الله.(12/380)
وكان الأسلع مؤاخيًا لأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، فأخذ بلال بْن أَبِي بردة رجلًا من ولده فِي جناية فانتسب له، فخلى عَنْهُ.
ومن موالي بني الأعرج: عَرَّاف اليمامة، وهو رباح بن كحيلة، وله باليمامة ولد.
فولد حرام بْن كعب:
ربيعة بْن حرام. وعوف بْن حرام. وكعب بْن حرام. ومؤالة بْن حرام. وخارجة بْن حرام. وعمرو بْن حرام. ومالك بن حرام.
فمن بني حرام، رَجُل يُقَالُ له قَتَادَة من أَهْل الكوفة، وكان شازبًا [1] ، وقدم البصرة مع عقبة بْن سلم، وزوَّج رَجُل ابنَه امْرَأَة من بني حرام فولدت له وكان اسمه عُبَيد فعقَّه فقال.
تَظَلَّمني مالي عبيد وعَقَّني ... على حين آضَتْ كالحنيِّ عظامي
وجاء يقول من حرام كأنما ... تسعر فِي بيتي حريق ضرام
لعمري لقد ربيته فرحًا به ... فلا يفرحنْ بعدي امرؤٌ بغلام
انقضى نسب بني كعب بْن سعد
وولد عوافة بْن سعد:
عيص بْن عوافة. والنضر بْن عوافة.
وطارق بن عوافة. والسطّار بن عوافة. منهم: غنمة بْن ربيعة، كَان البيت فيهم بعد بني حمان. وَحُوَي بْن غَنَمة.
ومن بني عوافة: عَتَّاب بْن غَلَّاق بْن شهاب، فرض له عمر بن الخطاب في ألفين وخمسمائة، وكان غلاق بْن شهاب سيدا فِي الجاهلية. وقد
__________
[1] الشازب: الخشن، والضامر اليابس. القاموس.(12/381)
ولد عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز، لان أم عُمَر أم عَاصِم بْنت عَاصِم بْن عُمَر بْن الخطاب وأمها ابْنَة زينب بِنْت غَلَّاق.
وولد عمرو بْن سعد بْن زَيْد مناة:
سلمان بْن عمرو. والحارث بْن عمرو. وولد سلمان بْن عمرو: منقذ بْن سلمان، وعامر بْن سلمان. منهم:
سُعَير بْن الخِمْس بْن عمارة بْن عمرو بْن قَيْس بْن الْحَارِث بْن كعب بْن سلمان بْن عمرو، كان فقيهًا بالكوفة، ومات ودفن فَلَمَّا وضع فِي اللحد تحرك، فأخرج وعاش فولد له ابْنَه قطن بعد ذلك.
ومنهم: الهائلة والبسوس. فأما الهائلة فجعلت تأخذ من وعاء ضيفهم فتجعله فِي وعائها فقال: ما تصنعين؟ فقالت: أهيل من هَذَا فِي هَذَا، فقال: محسنة فهيلي، فمضت مثلًا. واعتزي إليها رَجُل من ولدها فقال: أَنَا ابن الهائلة، فَقِيل أنت ابن اللصة.
وأما البسوس فهي التي يُقَالُ: أشأم من البسوس، صاحبة سراب، التي وقعت الحرب بين ابني وائل بسببها. وكانت الهائلة بِنْت المنقد أم جساس بْن مرة بْن ذهل بْن شَيْبَان.
ومن بني عمرو: عمرو بْن فقعس، وكان عَبْد الرَّحْمَن بْن أم الحكم سبق بين خيل بني حنظلة، وخيل بني سعد، وهو على الكوفة فسبق فرس لعمرو بْن فقعس يُقَالُ له ناضح فقال:
أنَاضح إن الخيل مرسلة غدًا ... ومالك إن لم يجلب اللَّه جالب
فلا تنس تَجْلِيليكَ فِي كل شتوة ... ردائي وإطعامِيكِ والبطنُ ساغب
أَنَاضح شمر للرهان فإنها ... نتاج حفاظ جَمَّعَتْها الحلائب
وسمعت من يقول: ناصح- بصاد غير معجمة-(12/382)
وولد جشم بْن سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم:
كعب بْن جشم، وأمه الرؤوف- على مثال الرعوف- بِنْت بَكْر بْن عَبْد مناة بْن كنانة.
وحرام بْن جشم. وسُوَاءة بْن جشم. وسالم بْن جشم، وأمهم الرباب بِنْت عوف بْن حرب من عائذة قريش.
فولد كعب بْن جشم: ذبيان بْن كعب. ومنقذ بْن كعب. وعباد بْن كعب، أمهم ابْنَة مالك بْن حنظلة بْن مالك. وكعبان بْن كعب، وأمه ابْنَة ليث بْن بَكْر بْن عَبْد مناة بْن كنانة.
فمنهم خَالِد بْن عثم بْن رِجْل بْن ذبيان بْن كعب كان سيد بني سعد فِي زمانه.
وقال هشام ابن الكلبي: صحف شبة بْن إياس بْن شبة بْن عقال فِي رِجل، فقال: خالد بْن عَثْم بْن رَحْل.
وقال أَبُو اليقظان: ولد جُشَم بْن سعد: حَفْص بْن جُشَم.
وعَثَان بْن جُشَم. وسواءة، وحرامًا.
قال: ومن بني جُشَم: بلج بْن نشبة، كان من وجوههم، وهو الَّذِي قال له زياد:
ومحترس من مثله وهو حارس
وإليه نسب حمام بلج بالبصرة، والساج البلجي.
ومنهم: سنان بْن الحَوتكية، تزوج إليه عقيل بْن أَبِي طَالِب.
ومنهم: عمار بْن عَبْد الْعَزِيز، كان فيمن قتل عَبْد الله بْن خازم بخراسان.
ومنهم: عرفجة، ركض فرسه فقتل دهقان دسْتَوَى، ثُمَّ صلى الغداة(12/383)
مع عُبَيْد اللَّه بْن زياد، فاستعدي عليه، فقال عُبَيْد اللَّه: فإنه صلى معي الغداة، فهدر دمه.
ومنهم: نُباتة، عضه كلبُ لبعض قومه فمات فقال الشاعر:
ألم تر أن سيد آل سعد ... نباتة عضة كلب فماتا
فأُعطي بنو نباتة ديته.
ومن بني عمرو بْن سعد: عصام الَّذِي قال الشاعر فِيهِ:
فصبرًا عصامٌ إنه ترياق ... قبلك سنَّ للناس ضرب الأعناقْ
ومن الناس من يقول: هُوَ عِفاق وينشد: صبرًا عِفاق.
ومن بني جُشَم بْن سعد: عتيقة بْن زَيْد، كان من وجوه بني تميم أيام الْمُخْتَار.
ومنهم: خليفة بْن بلاد، ويكنى أَبَا البلاد، الَّذِي يقول:
عجبتُ من نفسي ومن إشفاقها ... ومن طِرادي الطير عن أرزاقها
والموت فِي عنقي وَفِي أعناقها
ومنهم: كليب بْن مالك، كان من أصحاب الجفرة، وكان من ولده رَجُل خرج مَعَ إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن.
ومنهم: زرارة وهلال ابنا أنف الكبش، فأما هلال فقتل أيام المسور، ولم يكن بزرارة بأس. وقال الفرزدق:
رأت لابن أنف الكبش أيرًا وساعدًا ... غليظين إذ مَلَّتْهُما [1] أم جعفر [2]
__________
[1] ملّ القوس أو السهم بالنار: عالجه بها، والشيء في الجمر أدخله. القاموس.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.(12/384)
يقول هَذَا لامرأة كَانَتِ امْرَأَة شبل بْن عَبْد الرَّحْمَن، أخي جبلة بْن عبد الرَّحْمَن.
ومن ولد عوف بْن سعد:
بكير بْن وَسّاج، كان له قدر بخراسان، وهو بعث برأس ابن خازم إِلَى الشام، ثُمَّ إنه حارب بجير بْن وقاء فقتله بجير بْن وقاء الصريمي، وله عقب بخراسان.
ومنهم: نفيع بْن كعب، وفُضالة بْن حابس، اتبعا الزبير بْن الْعَوَّام بوادي السباع حَتَّى قتل.
وولد مالك بْن سعد بْن زَيْد مناة:
سعد بْن مالك. فولد سعد:
ربيعة. وهلال. وحرام. وقنان.
فَمَنْ بني ربيعة بْن سعد:
العجاج بْن رؤبة [1] بْن لبيد بْن صخر بْن كثيف بْن عَميرة بْن حُنَي بْن ربيعة بْن سعد بْن مالك.
ويقال أن اسم العجاج عَبْد اللَّه، وكنيته أَبُو الشعثاء. وابنه رؤبة بْن العجاج الراجز، ويكنى أَبَا الجحاف، وعمَّر رؤبة حَتَّى سقطت أسنانه كبرًا، وابنه القُطامي بْن العجاج، كان راوية عالمًا.
وقيل للعجاج: أما تحسن الهجاء؟ فقال: وهل فِي الدنيا صانع إلا وهو على الفساد أقدر منه على الصلاح، أما أَحسن أن أقول مكان إلا وهو على الفساد أقدر منه على الصلاح، أما أَحسن أن أقول مكان عافاك اللَّه، لا عافاك اللَّه، ومكان يا كريم يا لئيم، وكان يقول: لنا حلم يمنعنا أن نَظْلِم. وعزٌ يمنعنا من أن نُظْلَم.
وروى عن خلف الأحمر قال: قال رَجُل من بني الحرماز: أتى العجاج أَبِي فقال: أتبيعني شاة من غنمك على نَعْتيِ تكن، قال: وما نعتك؟ قال:
__________
[1] بهامش الأصل: العجاج بن رؤبة.(12/385)
حسراءٍ المقدم، شَعْراء المؤخر إذا أقبلت حسبتها نافرًا، وَإِذَا أدبرت حسبتها ناثرًا، يعني عاطسًا. وقوله: حسبتها نافرًا لإشرافها من جميع أقطارها.
ومن بني مالك: توبة بْن مُضَرِّس ويلقب الحَنوف، وكان قدامة بْن حنيفة أحد بني مالك قتل أخا توبة مرداسًا فِي بلاد بني سعد، فاستعدى توبة على قدامة، وعلى البحرين يومئذ حُرَيث بْن جَابِر الحنفي فسأله حُرَيْث أن يعفو فأبى، فحبسه وقيده فقال توبة:
على أيِّ ذنْبٍ يا حُريثُ بْن جابرٍ ... شَدَدْتَ على رجليَّ إذْ جئتُكَ الكَبْلَا
فلو غير مرداس حُريث بْن جَابِر ... لكنتَ بما أُعطيت مِنْ نائلٍ أهلا
وَحَوْمَلُ قد أَيمتها من حليلها ... ففارقها واستبدلتْ من بعده بعلا
وقال أيضًا:
سأترك منهم واحدًا لا أخا له ... كما تركوني واحدًا لا أخًا ليا
فقدم البصرة زمن عُبَيْد اللَّه بْن زياد: فدفع إليه قاتل أَخِيهِ فقتله وقال:
وسائلة عن توبة بْن مُضرسٍ ... وهان عليها ما أصاب به الدهر
لعمر أبيك الخير ما كان إخوتي ... معازيل أبرامًا إذا لم يكن قطر
وفرقهم ريب المنون كأنما ... على الدهر فيهم أن يفرقهم نذر
وقال أيضًا:
تُعزي المصيبات الفتى وهو عاجز ... ويلعب ريب الدهر بالحازم الجلد(12/386)
وكان من مواليهم: مُغِيرَة بْن رستم، وكان على مطبخ الحجاج.
ومن بني مالك بْن سعد: الأغلب بْن سالم وكان من قواد أَبِي جَعْفَر وولي إفريقية، وولى ابنه إِبْرَاهِيم إفريقية للرشيد هارون.
ومنهم: خليل بْن كِرْشاء، كان من قواد أَبِي جَعْفَر.
وولد عبشمس بْن سعد:
كعب. وعوف. ومُلادس. وعمير.
وجُشم. وحارثة. وعبيد. وشَعْل. وعمرو، درج. وخوّات.
والحرَمِز، درجوا ألا بقية دخلوا فِي بني كاهل بْن أسد يقولون: حرمز بْن مازن بْن كاهل بْن أُسد، وهم هؤلاء.
فولد كعب بْن عبشمس: شريط بْن كعب. وعمرو بْن كعب.
وعوف بْن كعب. وجُلهُمة بْن كعب. ومنبه بْن كعب. والسائب، دخلا فِي تنوخ.
وولد عوف بْن عبشمس: الأعور. وجَحوان. والحارث.
والأَجْبَر. وكعب. وعُريان.
وولد مُلادس بْن عبشمس: عمير بْن ملادس. وعتبة بْن ملادس.
وجبل بْن ملادس. وسلمة بْن ملادس. وعبد الْحَارِث بْن ملادس.
وسعد بْن ملادس. وأبان بْن ملادس. وأسعد بْن ملادس.
منهم نميلة بْن مرة بْن عَبْد العزى بْن بشر بْن أوس بْن عمرو بْن حابس بْن مؤالة بْن عُتَيّ بْن عمير بْن ملادس بْن عبشمس، صاحب شرط البصرة أيام إِبْرَاهِيم بْن عَبْد اللَّه بْن حسن، ثُمَّ صار فِي صحابة أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين.(12/387)
ومن بني عبشمس: عُرْقُوب [1] بْن معبد بْن شعيبة بْن خوات بْن عبشمس
الَّذِي يُقَالُ: مواعيد عرقوب، ويقال عرقوب بْن صخر.
وقال هشام بْن مُحَمَّد الكلبي: قال أَبِي مُحَمَّد بْن السائب: ليس هَذَا بشيء، إنما عرقوب رَجُل من العماليق. وبنو سعد يقولون هَذَا.
قال: وكان عرقوب مِمَّنْ يسكن يثرب، وكان له نخل، فوعد رجلًا من العرب نخلة، فَلَمَّا أَطْلَعَتْ، وصار حملها بلحًا، قال: دعها حَتَّى تُزْهَى، فلما أزهت، قال: دعها حَتَّى تلوّن، ثم قال: دعها ترطب، حَتَّى تُزْهَى، فلما أزهت، قال: دعها حَتَّى تُلوّن، ثُمَّ قال: دعها ترطب، فَلَمَّا أرطبت قال: دعها تتمر فَلَمَّا أتمرتْ جَدَّها، فضُرب به المثل فِي خلف المواعيد، فقال الشاعر:
إذا وَعدَتنَا كان أنجز وعدها ... كموعد عرقوب أخاه بيثرب
ومنهم المنخل بْن خُبْليل بْن شراعة بْن حارثة بْن عبشمس،
الَّذِي يُقَالُ فيه: حتى يؤوب المنخل، فقد فلم يعد.
وقال هشام ابن الكلبي: هُوَ عندنا من بني يشكر، وليس من بني سعد، والله تعالى أعلم.
ومنهم: بنو عبقر بْن خُويلد بْن جشم بْن عمرو بْن عبشمس.
قال ابن الكلبي: كانوا أشد العرب فقتلوا ليلة مِغْشَب، كان بينهم وبين مهرة حرب فقتلوهم، وكانوا يدعون جنة عبقر، وبعضهم يقول عبقر موضع.
ومنهم: عَبْد الرَّحْمَن بْن عُبَيْد بْن طارق بْن جَعُونة بن منفّر بْن إط بْن عمرو بْن كعب بْن عبشمس-
وبعضهم يقول أط- كان على شرطة
__________
[1] بهامش الأصل: عرقوب.(12/388)
الحجاج، وولي الكوفة والبصرة، وولاه الحجاج الشرطتين.
وعبد الرحمن الذي قال فيه الحجاج: لأستعلمنّ عليكم رجلًا طويل الجلوس، شديد العبوس، وتولى مَودود ابن أَخِيهِ شرطة الكوفة، ثُمَّ خُلع.
ومنهم: مُحَمَّد بْن الحوثرة بْن نعيم بْن حَثمة بْن عدي بْن سَرْحان بْن كعب بْن عبشمس،
كان على عذاب الحجاج.
وسعر بْن خفاف بْن ظالم بْن الأعور بْن عوف بْن عبشمس
كان سيد بني سعد فِي زمانه حَتَّى مات، وكان جاهليًا.
ومنهم: جَون بْن قَتَادَة بْن الأعور،
كان فيمن شهد الجمل فهرب وهو جَد نميلة بْن خَبّاط، وقال هلال بْن وكيع:
أضربهم بصارمٍ مَيَّاطِ ... إذْ فَرَّ جونٌ وبنو خباط
ونكب الناس عن الصراط
ومنهم: إياس بْن قَتَادَة بْن أوفى بْن مَوْءلة بْن عُتبة بْن مُلادس بْن عبشمس
حامل الديات فِي زمن الأحنف، أيام قاتلوا الأزد فِي يوم مَسْعُود، وهو ابن أخت الأحنف بْن قَيْس، قتلوه فِي أيام مَسْعُود وظنوا أنه عُبَيْد اللَّه بْن زياد فودوه وهو جد، وجبا بْن روّاد الجبلي، وكان يُقَالُ لمسعود قمن [1] العراق، وكان إياس سيد بني تميم بالبصرة، فاجتمعوا إليه لنائبة نابتهم، فدخل منزله ليلبس ثيابه ويركب معهم إلى السلطان فلما نظر في المرواة رَأَى فِي لحيته شمطة فقال: يا جارية خذي إليك، ونزع ثيابه، ثُمَّ قال: يا بني تميم وهبت لكم شبابي فهبوا لي كبرتي، وترك السلطان وصار مؤذنا حتى
__________
[1] القمين: الخليق، الجدير. القاموس.(12/389)
مات، فبلغ ذلك الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن فقال: يرحمه اللَّه، علم أَن القبر يأكل السمن، ولا يأكل الْإِيمَان.
وحدثني شَيْبَان الآجري عن رَجُل عن الْحَسَن قال: إن بعض أَهْل البصرة مِمَّنْ كان يغشى السلطان تركه ورغب عن إتيانه، فقال بنوه: والله لئن تركت السلطان لتموتنَّ هَزْلًا، فقال: والله لأن أموت مؤمنا مهزولا أحب إلي من أن أموت منافقا سمينًا. فقال الْحَسَن: رحمه اللَّه تعالى، علم أن القبر يأكل الشحم، ولا يأكل الْإِيمَان.
وكان إياس قصيرًا فقال:
إنْ أَكُ قَصْدًا فِي الرجال فإنني ... إذا حَلَّ أمر ساحتي لجسيم
ومنهم: عَبْدة بْن الطبيب الشاعر.
قال هشام ابن الكلبي، قال حَمَّاد: كان عبدة حبشيًا.
وقال غير الكلبي: عبدة بْن الطبيب، واسمه يزيد بْن عمرو بْن وَعْلَة بْن أَنَس بْن عبد الله بن عبدنهم بْن جُشم بْن عبشمس، وقيل له الطبيب لأنه قال:
كَفَفْت الأذى عنا بعضب مهند ... وإني لجهل الجاهلين طبيب
ومنهم: زبير بْن طفيل بْن زهير بْن شماس بْن حارثة بْن جَحْوان بْن عوف بْن كعب بْن عبشمس الشاعر،
والمُقْعَد بْن شماس الشاعر، وبعضهم يقول القَعَد بْن شماس. وبدر بْن زَيْد بْن عمرو بْن أسَيد بْن جحوان الَّذِي يقول فِيهِ عبادة بْن المجبر بْن عبشمس:
ألا لا يبعدن اللَّه بدرًا ... إذا هَبَّتْ شآمية شمالا
فَمَا كَانَتْ تستِّر قَدْر بدرٍ ... إذا ضيفانه وضعوا الرحالا(12/390)
وعبد اللَّه بْن المجبر أيضًا.
وولد عمير بْن عبشمس:
أَنَس بْن عمير. ووَبَرَة بْن عمير.
وولد جُشَم بْن عبشمس:
عَبْد العزى. وعبدنهم.
وولد عمرو بْن سعد بْن زَيْد مناة:
سلمان. والحارث. ولُوذان.
فولد سلمان: معبد بْن سلمان. ومنقذ بْن سلمان. وعامر بْن سلمان.
وولد الْحَارِث بْن عمرو بْن سعد: عَامان. وباهلة. وزِبعان. لهم عدد كثير.
وقال أَبُو اليقظان: من بني مُلادس: بشر بْن خباط، وكان يرى رأي الخوارج، فقال زياد: لأردنَّهُ عن رأيه فولاه جنديسابور فترك رأيه. وكان شهد الجمل مع عَائِشَة ففر.
وكانت تيمن بِنْت عَبْد الْعَزِيز بْن بشر عند يزيد بْن عمرو بْن عمير الأُسَيْدي، وكان عَبْد الْعَزِيز أول من بدأ بإنكار أمر حَمْزَة بْن عَبْد اللَّه بْن الزبير، حَتَّى طرد عن الأهواز.
قال: ومن بني عبشمس: بنو الدَوْسَر، أمهم أمة يُقَالُ لها دَوْسَر.
منهم: عبدة الطبيب القائل:
ثَمّت قمنا إلى جُرْدٍ مُسَوَّمَةٍ ... أَعرافُهُنَّ لأيدينا مناديل
سرقة من امرئ القيس حين قال:
نَمُش بأعراف الجياد أكفنا ... [1]
وأنشد عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قصيدته هذه حتى بلغ إلى
__________
[1] الشطر الثاني لهذا البيت:
... إذ نحن قمنا عن شواء مضهب ديوان إمرئ القيس ص 71.(12/391)
قوله:
... ... والعيش شُح وإشفاقٌ وتأميل
فقال عُمَر: صدقت.
ومن بني عبشمس: عمرو بْن عَميرة، الَّذِي يُقَالُ له عمرو القنا، وكان مع الحرورية وكان شجاعًا.
ومن بني عبشمس: عَبْد اللَّه الضعيف، لحق بالخوارج فقال:
لعمرك إني فِي الحياة لزاهد ... وَفِي العيش ما لم أَلْقَ أمَّ حكيم
وقد كتبنا هَذِهِ الأبيات فيما تقدم من أخبار الخوارج.
وقال أَبُو اليقظان: كان يُقَالُ لسعد بْن زَيْد مناة: الغِزْر، سرقت إبله فاتخذ معزى وقال لابنه هبيرة: ارعها فقال: لا أسرحها حَتَّى يمر الضب فِي أثر الإبل الصادرة، فانطلق بها سعد إِلَى عكاظ فقال للناس: خذوها جدع اللَّه أنف من أَخَذَ أكثر من شاة. فَقِيل: تفرقتْ معزى الغِزْر فذهبت مثلًا.
وولد عمرو بْن زَيْد مناة
حصين بن عمرو. ويزيد بن عمرو، وهم بنو الصحصح بالكوفة، وهم ينزلون عند منازل بني نهشل.
وولد امرؤ القيس بن زيد مناة: مالك بْن امرئ القيس.
والحارث بْن امرئ القيس. والعَصَبَة بْن امرئ القيس، وهؤلاء الثلاثة فِي بني صَريم فقال شاعرهم:
إن أَبِي للحارث الخير منهما ... وليس أَبِي بالحارث بْن صريم
فولد الْحَارِث بْن امرئ القيس: عادية. وولد العصبة: عامر بْن العصبة. ويزيد بْن العصبة. وجنادة أيضا.(12/392)
فولد عامر بْن العَصبة: حَيَّةَ بْن عامر. ورُويب بْن عامر. وعوف بْن عامر. وسالم بْن عامر. ومجروف بْن عامر.
فولد مجروف: أيوب، وهم بطن بالكوفة.
فولد أيوب: زَيْد بْن أيوب. وإبراهيم بْن أيوب. وثعلبة بْن أيوب.
منهم: عدي بْن زَيْد بْن حِمان بْن زَيْد بْن أيوب بْن مجروف الشاعر [1] .
[مقتل النعمان]
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَنَس الأسدي عن أَبِيهِ عن ابن الجصاص وعن الكلبي، وحدثني أَبُو عدنان السُّلمي عن أَبِي عبيدة فسقْتُ حديثهم ورددت من بعضه عَلَى بعض أن بني بُقَيْلة كانوا أعداء لعدي بْن زَيْد، وكان عدي من كتاب كسرى وتراجمته وكان ابنه زَيْد، وأخوه أيضًا من تراجمة كسرى وكتابه ويخلفان عديًا إذا غاب عن باب كسرى، وكان بنو بُقَيْلة- واسم بقيلة الْحَارِث بْن سُبَين الْأَزْدِيّ- قد أفسدوا قلب النعمان على عدي بْن زَيْد، وأبلغوه عَنْهُ أشياء محلوا به فيها، وخوفوه أن يفسد حاله عند كسرى، وقدم عدي الحيرة فأخذه النعمان فحبسه، وكتب إِلَى كسرى: إنه شتمك، وعاب سيرتك، وسَخَّفَ شأنك، وحدث بأسرارك. فلم يزل محبوسًا، وكتب كسرى إليه وَوَجَّه رجلًا يقدم به عليه، فرشاه النعمان على أن يقول لكسرى: إني وجدته ميتًا، ففعل الرَّسُول ذلك وقتل النعمان عديا.
لكسرى: إني وجدته ميتًا، ففعل الرَّسُول ذلك وقتل النعمان عديًا.
ولعدي شعر كبير فِي محبسه، فقال ابن عدي وأخوه لكسرى حين قتل النعمان عديًّا: إن عند النعمان نساء لم ير مثلهن، فكتب كسرى إليه فيهن، فكتب النعمان إن فِي بنات الأحرار اللواتي قبل الملك نساء كأنهن المها، يعني البقر الوحشية، وفيهن ما أغنى الملك عن نساء الحيرة السود
__________
[1] بهامش الأصل: أمر عدي بن زيد الشاعر مع النعمان، وأمره.(12/393)
المحاجر، الدقاق السوق، البوادي العراقيب. فَلَمَّا قرأ أخو عدي الكتاب أو ابنه حَرَّفَهُ فقرأ على الملك: إن فِي بقر السواد ما يغني الملك، فغضب من ذلك، وحلف ليقتلنَّه، فَلَمَّا بلغ النعمان ذلك هرب حَتَّى أتى بني عبس فأجاروه.
واستعمل كسرى مكانه إياس بْن قبيصة الطائي، وبعث إليه أنْ أجمع جمعًا واغْزُ النعمان. فعلم أنه ليس له ولا بعبس بكتائب الملك طاقة. فأثنى على بني عبس وقال لهم خيرًا، ثُمَّ صار إلى جبلي طيّئ فجعلوا يتحيفون [1] إبله وماله، فتضعضع أمره، فقالت له المتجردة امرأته: الموت خير لمثلك من حياة دنيَّةٍ، إنَّ مثلك لا يعيش هَذِهِ العيشة بعد المُلْك، وليس لك ذنب إِلَى الملك وقد أسأت فِي فرارك عَنْهُ بَديًا وكان ينبغي لك أن تقيم، فتنضح عن نفسك بحجتك وبراءة ساحتك، فقبل رأيها وأهدى إِلَى كسرى نعامًا وأَقَطًا وسمنًا وخيلًا وإبلا مصيونه وحريرًا، وقدم رسله بِذَلِك فأخبروه بعذره واستأذنوه فِي القدوم عليه، فقبل الهدية وأذن له فِي القدوم، فسار حتى وافى ساباط المدائن، فوجد أخبية قد ضُربت وعند كل خباء جارية مزيَّنَة فلما رَأَى ذلك سُرَّ فَقِيل له: انظر هَلْ ترى فِي هَذِهِ الجواري غِنَى للملك عن بقر السواد؟ فأيقن بالشر، ولقيه زَيْد بْن عدي وأخوه فقالا له: يا نُعيم قد هيأنا لك أخيةً [2] لا يقطعها المهر الأَرَنُّ- أي النشيط- فيقال إنه سقي سُمَّا فمات، ويقال حُبس فأُجيع وأُعطش حَتَّى مات، ويقال ألقي للفيلة فوطئته حَتَّى
__________
[1] تحوفت الشيء. تنقصته. القاموس.
[2] الأخية: عود في حائط أو في حبل، يدفن طرفاه في الأرض، ويبرز طرفه كالحلقة، تشد فيها الدابة. القاموس.(12/394)
مات، فقال سلامة بْن جندل:
هَذَا المُولج النعمان بيتًا سماؤُهُ ... صدور الفُيُول بعد بيتٍ مُسَرْدَق [1]
أي له سرداق.
وقال الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيتُه ... بإمته يُعطي القطوط ويأنق
ويأمر للمحموم فِي كل ليلة ... بِقَتّ وتعليقٍ فقد كاد يُسنق [2]
فذلك لم يمنع من الموت رَبَّهُ ... بساباط حَتَّى مات وهو مُحَزْرَقُ [3]
مُحَزْرق أي مُضَيَّق عليه منقبض، وقال عدي فِي الحبس:
أبلغ النعمان عني مألكًا ... إنني قد طال حبسي وانتظاري
لو بغير الماء حلقي شَرِقٌ ... كنتُ كالغَصَّان بالماء اعتصاري [4]
وقال أيضًا:
ألا من مُبْلغ النعمان عني ... علانيةً وما يُغني السِّرار
بأن المرء لم يُخلق حَديدًا ... ولا هَضَبًا توَقِّلُه الوبار [5]
فهل من خالدٍ إما هلكنا ... وهل فِي الموت يا للنّاس عار [6]
فولد عدي: زَيْد بْن عدي الَّذِي صار مكان أَبِيهِ، وهو كاد النعمان.
ومن ولد عدي بْن زَيْد: سواد بْن زَيْد صاحب السّوادية، وهي قرية
__________
[1] ديوان سلامة بن جندل ص 182.
[2] يسنق: يتخم.
[3] ديوان الأعشى ص 117 مع فوارق.
[4] ديوان عدي بن زيد ص 93.
[5] الوبار: جمع وبر، وهي دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء من دواب الصحراء.
[6] ديوان عدي بن زيد ص 132 مع فوارق.(12/395)
بالكوفة. ومنهم: مقاتل بْن حسان بْن ثَعْلَبَة بْن أوس بْن إِبْرَاهِيم بْن أيوب الَّذِي نُسب إليه قصر ابن مقاتل [1] ، وكان يُقَالُ: بعدَه قصر ابن مقاتل، يريدون مقاتلًا، ويقولون قصر بني مقاتل.
وقال ابن الكلبي لا أعرف في الجاهلية من العرب أيوب ولا إِبْرَاهِيم غير هذين، وإنما سُمِّيا بهذين الاسمين للنصرانية.
وولد رُويبة بْن عامر: عَبْد اللَّه بْن رويبة. وسنان بْن رويبة.
وعمرو بْن رويبة.
وولد عوف بْن عامر: ربيعة بْن عوف. وأهبان.
وولد زَيْد بْن العَصَبَة: الكاهن بْن زَيْد. وخَدَّاج.
وولد عادية بْن الْحَارِث بْن امرئ القيس: سعد بْن عادية.
وسُرَي بْن عادية. وعَزْعزة بْن عادية. وثعلبة بْن عادية. وخالد بْن عادية.
فولد سعد بْن عادية: عامر بْن سعد. ومالك بْن سعد.
فولد مالك بْن سعد: كعب بْن مالك وعزعزة بْن مالك.
وولد مالك بْن امرئ القيس. سلمة بْن مالك. وكعب بْن مالك بْن امرئ القيس: وغضبان بْن مالك.
فولد غضبان: محصن.
وولد كعب: عَبْد اللَّه. وعدوان.
فَمَنْ بني امرئ القيس: مُوسَى بْن كعب بْن عُتيبة بْن عَائِشَة بْن عمرو بْن سُرَي بْن عادية بْن الْحَارِث بْن امرئ القيس،
وهو أحد النقباء فِي دولة بني الْعَبَّاس، وولي السند، وقد ذكرنا خبره فِي أخبار بني العباس،
__________
[1] قصر مقاتل: قصر كان بين عين التمر والشام. معجم البلدان.(12/396)
وابنه عُيينة بْن مُوسَى ولاه أَبُو جَعْفَر المنصور السند.
ومنهم: مَسْعُود بْن وهب، وهو أَبُو سارة [1]
شهد القادسية وهشام- الَّذِي كان ذو الرمة يهجوه- ابن الْحَارِث، والقاسم بْن مجاشع بْن تميم بْن حبيب بْن عُبَيْد بْن عامر بْن عزعزة بْن الْحَارِث بْن امرئ القيس، كان رئيسًا فِي دولة بني الْعَبَّاس، وأخوه مَسْعُود بْن مجاشع، ولاهز بْن قُريظ بْن سُرَي بْن الكاهن بْن زَيْد بْن العَصَبَة، وكان من نقباء خراسان فِي دولة بني الْعَبَّاس فقتله أَبُو مسلم لقوله لنصر بْن سيار إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ ليقتلوك [2] وولاه أَبُو مُسْلِم كرمان، وحَيَّة بْن عَبْد اللَّه بْن حَدْرة بْن النطاق بْن أزهر بْن حية بْن عامر بْن العَصَبَة، كان عظيم القدر فِي دولة بني الْعَبَّاس ودعوتهم، ولاه أَبُو مُسْلِم أيام أَبِي الْعَبَّاس كرمان، وَمَالِك بْن الطواف بْن حضرمي بْن مَالِك بْن كباثة بْن علقمة بْن صخر بْن وهب بْن كعب بْن عبادة بْن العَصَبَة، كان من قواد بني الْعَبَّاس وذوي القِدمة والسابقة فِي دعوتهم. والحسن بْن النضر بْن صُبيح بْن عامر بْن حُميد بْن أَشْيَم، ويقال: أشأم بْن نعيم بْن شَيْبَان بْن وهب بْن كعب بْن عبادة بْن العَصَبَة، وكان وأَبُوه عظيمي الصيت فِي دعوة بني الْعَبَّاس ناصرا لهم من بين أَهْل بيته، فسموه مؤمن آل فرعون.
ومنهم معبد بْن الخليل بْن أَنَس بْن أَحْمَد بْن ظَفَر بْن وبرة. وصالح بْن مُسَرَّح الخارجي وقد ذكرنا خبره.
وقال أَبُو اليقظان: من بني امرئ القيس: موسى بن عبد الرحمن،
__________
[1] بهامش الأصل: وقيل أبو سيارة.
[2] سورة القصص- الآية: 20.(12/397)
كان من سروات قومه، وكان صاحب خيل، ووثب رَجُل من بني بهدلة على مَوْلَى له فقتله، فقتل البهدلي به، ولم يُعف عَنْهُ فقال الفرزدق:
إذا ما لقيت العبد مُوسَى فقل له ... فُديتَ من الآفات مُوسَى بْن سالم [1]
يعني بموسى بْن سالم، أَبَا مُوسَى المحتسب.
وكان ميمون بْن مُوسَى بْن عَبْد الرَّحْمَن صاحب خيل أيضا، وكان له فرس يسمى الكامل فسبق خيل أصحاب الخيل فِي زمن بلال بْن أَبِي بردة، فغضب بلال واغتم وضربه فقال رؤبة:
كيف ترى الكامل يبلى صِدْقا ... ما عُدْنَ إلَّا زادهُنَّ سيقا
بأربع ما يشتكين شقا [2]
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 268.
[2] ديوان رؤبة بن العجاج ص 180 مع فوارق كبيرة.(12/398)
[الجزء الثالث عشر]
بسم الله الرحمن الرحيم
[تتمة نسب إلياس بن مضر]
[طابخة بن إلياس]
[أد بن طابخة]
[مر بن أد]
[نسب تميم بن مر]
نسب بني عَمْرو بْن تميم
وولد عَمْرو بْن تميم بْن مرة عشرة نفر: العنبر. وأُسَيّد. والهُجَيْم، وأمهم أم خارجة وهي عمرة، وهي أم عَدَس بِنْت سعد بْن عَبْد اللَّه بْن قداد البجلي، وهي السريعة النكاح. ومالك بْن عَمْرو. والحارث بْن عَمْرو وهو الحبَط، أكل طعامًا فحبط مِنْهُ وأصابته هيضة [1] . وقُطبة. وبَشَّة. ومُرَّة وهو عجيبة. درجوا، وأمهم هند بِنْت كعب بْن عَمْرو بْن عُلة، أخت الحارث بْن كعب بْن مذحج، والقليب وهم فِي بني سعد، وأمه سلمى بِنْت بَكْر بْن مرة بْن أُدّ وهو الشُعيراء. وبكر ينسب إلى أمه وهي الشعيراء بِنْت ضبه بْن أُدّ. وعِداد بني الشعيراء فِي بني سعد، وكان منهم بطن يعرفون ببني خريج، شهد الربذة مَعَ حنتف بْن السجف رجال منهم فَقَالَ الشَّاعِر:
وفتية من القُليب صبروا ... فيهم أَبُو الجعد وفيهم مِسعَر
قَدْ علم اللَّه بأن قَدْ أعذروا
وكعب بْن عَمْرو.
فولد العنبر بْن عَمْرو بْن تميم:
جندب بن العنبر. ومالك بن العنبر.
__________
[1] الهيضة هنا: قياء وقيام جميعا. القاموس.(13/7)
وكعب بْن العنبر. وعامر. دخل بنو عامر فِي بني مالك بْن العنبر، وأمهم مُفَدَّاة بِنْت سوادة بْن بُهثة من بني ضُبيعة. وبشة بْن العنبر أمه مُفَدَّاة أيضًا وَيُقَال غيرها.
فولد جُندب بْن العنبر:
عدي بْن جُندب، وكعب بْن جندب.
وعُرَيج بْن جُندب وأمهم ماويَّة بِنْت ربيعة بْن عجل.
وقَالَ الكلبي: قَالَ قوم: هِيَ دعة بِنْت مِعْنَج. ومالك. وحَنْجُود وأمهما خُرَينق بِنْت سعد بْن الحارث بْن عَمْرو بْن تميم، وعمرو بْن جُندب، وأمه ماويَّة بِنْت كعب بن سعد بْن زَيْد مناة.
فولد عدي بْن جندب بْن العنبر: جُهْمة. وعُبْدة، أمهما الناقمية وإخوتهم لأمهم صَعْصَعَة بْن معاوية بْن بَكْر بْن هوازن. وغُبَر اليشكري.
وهبيرة، ونجدة ابني سعد بْن زَيْد مناة. والحارث بْن عدي بْن جندب، وأمه عَمِيرة بِنْت أسلم بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم.
فولد جُهمة بْن عدي: الحارث. والمنذر. وسحْمة. ورِزام، أمهم بيضاء بِنْت عُبْدة بْن عدي بْن جُندب بها يعرفون.
فولد الحارث: جَناب بْن الحارث. منهم: شعيب بْن ربيع بْن جُشَيْش بْن مدركة بْن ثعلبة بْن عَمْرو بْن جناب بْن الحارث بْن جُهمة، شهد مَعَ مصعب بْن الزُبَيْر وقائعه، وكانت لَهُ منزلة مِنْهُ.
ومنهم: ناشب- وهو الأعور- بْن بَشامة بْن نَضْلة بْن سنان بْن جناب، كَانَ رئيسًا شريفًا.
قَالُوا: تجمعت اللهازم وهم: قيس، وتيم اللَّه، ابنا ثَعْلَبَة بْن عُكابة بْن صَعب بْن عَلِي بْن بَكْر. وعجل. ولُجيم ابنا صَعب بْن عَلِيِّ بْنِ(13/8)
بَكْر بْن وائل. وعنزة بْن أسد بْن ربيعة على بني حنظلة أَوْ مالك بْن زَيْد مناة بْن تيم ليغيروا عليهم وعلى غيرهم من بني عَمْرو بْن تميم، وهم غارُّون، فرأى ذَلِكَ ناشب بْن الأعور بْن بشامة وهو أسير فِي بني سَعْد بْن مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بن ثعلبة فأرسل إليهم برسالة عَرّض فيها تعريضًا فهمه هُزَيل بْن الأخنس، ونهاهم عن طاعة أخيه همام بْن بشامة وقَالَ: إنه محدود، وأمرهم بركوب الدَهناء ليمتنعوا وأن يتمسكوا بما بينهم وبين بني مالك بْن زَيْد مناة، فأرسل إليهم فيما أرسل بِهِ أَنَّهُ قَدْ أورق العوسج، وتشكى النساء، يَقُولُ أنهم قَدْ تسلحوا لكم واستعدوا كما يستعد النساء بخَرْزِ الشِّكَاء، فحذرت بنو عَمْرو بْن تميم، فركبوا الدهناء وصبَّحَت اللهازم بني حنظلة، فاقتتلوا وذلك يَوْم الوقيظ.
فولد الأعور: قُدامة وإليه أوصى الأعور بْن بشامة فَقَالَ: استوص بإخوتك خيرًا، فلما مات احتوى قدامة عَلَى إبله كلها فجعلها لنفسه وإخوته من أمه، فمشى إخوته لأبيه إلى قومهم فكلموه وقالوا: منعتهم ميراث أبيهم، فَقَالَ: ما هَذَا المال لأبي. فجاءه إخوته لأبيه ليلًا وهم متسلحون فقتلوه، وجاء أخوه لأمه وأبيه خزيمة يبصره ففقأوا عينه، ثُمَّ لحقوا ببني تغلب فهم فيهم.
وقَالَ رَجُل من بني العنبر:
أبلغ خزيمة ما أغنتْ شجاعتُه ... تحت الظلام ولاقى حيَّة الوادي
ومن بني سِنان بْن جناب، ثُمَّ من بني النعمان بْن سنان: رَجُل يُقال لَهُ النعمان، وكان ضرب رأس رَجُل منهم يُقال لَهُ وارد فنبا عَنْهُ السيف فَقَالَ الفرزدق حين نبا سيفه عن رأس الأسير فعّيره جرير بذلك:(13/9)
وسيف بني عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدي ورقاء عن رأس خَالِد [1]
وسيف بني النعمان بالشعب ذي الصفا ... نبا فِي يدي نعمان عن رأس وارد [2]
ومن بني العنبر زِنباع بْن الحارث بْن جُناب وكان أسر عوف بْن مُحلِّم ثُمَّ أطلقه وذلك يَوْم السَّباري، وفي هَذَا اليوم قتل مالك بْن محلم، قتله طريف بن نميم.
ومنهم: غاضرة بْن سمرة بْن قرما بْن جناب، وكان سمرة يلقب خَدَعة، بعثه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصدقات، وابنه عُبَيْد بْن غاضرة الشَّاعِر، وهو أَبُو المنجاب الَّذِي ذكره جرير فِي شعره. وسَمُرَة بْن عَمْرو الَّذِي استخلفه خَالِد بْن الوليد عَلَى اليمامة حين انصرف، وكان يكنى أبا غاضرة، وولاه عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ الهوافي، وهي الضوال، ثُمَّ قدم البصرة فمات بها.
ومنهم: عَبْد اللَّه بْن حَبيب بْن هرم بْن سمرة، وهو صاحب جرير بْن عطية. ووَردان. وجيدة ابنا مخرّم بن مخرمة بْن قرط بْن جناب، وفدا عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأسلما ودعا لهما.
وعطية بْن عَمْرو بْن سحيم بْن حزن بْن هلال بن أرطاة بن عبد الله بن جندب، كَانَ مَعَ ابْنُ الأشعث وفيه يَقُولُ أعشى همدان:
فإذا جعلتَ دروب فارس خلفنا دربًا فدربا ... فابعث عطية فِي الخيول يكبهنَّ عَلَيْهِ كبَّا
وكان عطية صار إلى القلعة التي بفسا مَعَ خرشة بْن مَسْعُود، فأُخذ وبُعث بِهِ إلى البصرة، فصلبه الحجاج عَلَى باب داره.
__________
[1] بهامش الأصل: خالد بن جعفر بن كلاب.
[2] ليسا في ديوانه المطبوع.(13/10)
ومنهم الأخنس بْن قُريط بْن عَبْد مناف بْن جناب، وكان أصلح بين بني عَمْرو، وحنظلة، وسعد، والرباب. ومن: بني المنذر بْن الحارث بْن جهمة بْن عدي: رَقبة بْن الحرّ بْن الحنتف بْن جعونة بْن سحمة بْن المنذر بْن الحارث الَّذِي يَقُولُ فِيهِ ابْنُ عرادة:
فوارس مثل شُعْبَة أَوْ زُهَيْر ... ومثل العنبريِّ مجربينا
شُعْبَة بْن ظهير دارمي، وزهير بْن ذؤيب عدوي، ويقال هو الحنتف بْن زَيْد بْن جعونة. وقَالَ أَبُو الْحَسَن المدائني غزا الحر أبَوْ رَقبة الترك فجعل يُقاتل وهو يرتجز ويقول:
لما تنادوا بجطِّ جطِّ ... من كل تركيٍّ غليظٍ ثَطِّ
كأنما لحيته بخطِّ ... أيقنتُ أني ظافر مشتط
فأصاب أم رقبة، فولدت رقبة، ثُمَّ باعها فاشتراها رَجُل من قومه فولدت لَهُ أيضًا، وكان رقبة يكنى أبا كعب وكان أشد أهل زمانه، وكان يشرب الخمر فكان لا يقاتل أبدًا إلا شاربًا وقَالَ:
ثلاث يطيبن النفوس ورابع ... هو الخيبة الخيباء والحَرَبُ القَسْر
وكان رقبة بخراسان فِي السبعين الَّذِينَ حصرهم ابْنُ خازم، فخرج بسيفه من بين القوم حتَّى نجا.
وكان أوس بْن ثعلبة التيمي من ربيعة أغار عَلَى سَرْح بني تميم بخراسان، فلحقه رقبة وحده فاستنقذ السرح أجمع، وكان يُقال: إِذَا أردتم أن تنظروا إلى رَجُل هُوَ ألف رَجُل، فانظروا إلى رقبة. ومات بخراسان وله بها عقب.
ومنهم المنخّل بْن سبيع الشَّاعِر، وكان يلقب المخبّل، وقَالَ لَهُ رَجُل:(13/11)
لست بمنخل ولكنك مخبَّل، هجا قومًا من بني سعد فقال:
لعمر أبيك إن بني عدي ... لئام النَّاس إنْ ذكر اللئام
يجوع الضيف عندهم لبخلٍ ... ويسقون النبيذ بلا طعام
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الشعر عن غيره.
ومنهم ربيعة بْن رُفيع بْن سَلَمة بْن محلم بْن صلاءة بْن عبده بْن عدي بْن جندب نادى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وراء الحجرات، وإلى رُفيع يُنسب الماء الَّذِي فِي طريق مكَّة من قبل البصرة فيقال الرفيعي وله يَقُولُ الشاعر:
«يا بن رفيع هَلْ لها من نبق
» .
وولده عند هَذَا الماء. وكان خَالِد بْن رُفيع من رجال أهل البادية.
وولد عَمْرو بْن جندب بْن العنبر: عَبْد اللَّه. والحارث. وزبينة.
وربيع. والحويرث. وجابر. أمهم ذغة بِنْت مغنج من أياد التي يُقال أحمق من ذغة، وهذا الصحيح عند هشام ابن الكلبي لا الأول.
فمن بني عَمْرو بْن جندب: طريف بْن تميم بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن جندب الشَّاعِر وهو فارس الأغرّ الَّذِي قتلته بنو شيبان يَوْم مبايض [1] وكان يكنى أبا سَليط، وَيُقَال كَانَ تميم يكنى أبا عَمْرو.
وكان من خبر يَوْم مبايض أن طريف بْن تميم وأبي الجدعاء الطهوي، وفدكي بْن أعبد غزوا طيئًا فظفروا، ثُمَّ غزوا من وجههم ذَلِكَ بَكْر بْن وائل وَقَدْ كلت خيولهم فنهاهم فدكي عن ذَلِكَ فأبوا، فقُتل أَبُو الجدعاء وأُفلت فدكي، وقتل طريف بْن تميم، قتله حَمْصَيْصة، وحمصيصة غلام يومئذ، قَالَ الشَّاعِر من بني أبي ربيعة:
__________
[1] بهامش الأصل: يوم مبايض.(13/12)
خاض العداة إلى طريف فِي الوغى ... حَمصيصة المغوار فِي الهيجاء
وغزا طريف بني شيبان فلقيهم بزرود فغنم منهم فَقَالَ:
لقينا بالأجارع من زرود ... بني شيبان، فالتهموا التهامًا
وأغار عليهم بذات الشقوق فقتل شراحيل بن مرة وقال:
ويوم شراحيل كررت محاميًا ... عَلَى بطلٍ كالليث والقوم شُهَّدُ
نهدتُ بجمع من تميم عرمرم ... عليهم مَعَ الصبح الدلاص المُسَرَّد
وأغار معه النابغة الجعدي عَلَى بني شيبان، فأصاب قومًا من بني الحارث بْن همام، ثُمَّ أصاب بني ربيعة فَقَالَ الجعدي فِي الْإِسْلَام للأخطل:
لئن عيرتني كبري فإني ... من الشبان أيام الخنان
شهدت الحرب إذ دارت رحاها ... لإخوتنا تميم بالزوان [1]
وهو الموضع الَّذِي التقوا فِيهِ.
ومنهم: سُلَيم بْن سعد بْن جَابِر الَّذِي يَقُولُ لَهُ أعشى همدان:
سليم ما أنت بنكس ولا ... دمك لي غاد ولا رائح
ذؤابة العنبر أخبرتها ... والمرء قَدْ يسترفد الصالح
وكان الأعشى نزل بِهِ، ومعه أَحْمَد بْن حمدان المغنيّ، فلما قَالَ هَذِهِ الأبيات أمر أَحْمَد فغنى بها، ولم يزل سليم كَثِير الضيافة والإجارة حتَّى جاء الحجاج، وأخذ النَّاس بالموانيذ [2] ، ولم يكن عنده مال فباعه، واشتراه عتّاب بْن ورقاء الرياحي بسبعين ألفًا وفكه، وكان سليم يلي الولايات، ولقي طريف بني شيبان بثأج [3] ، فقتل طريف جثامة بْن أَبِي عَمْرو بْن عوف بن
__________
[1] ديوان النابغة الجعدي ص 160، البيت الأول فقط.
[2] لعلها جمع منذ، أي بتحديد مواعيد العمل المالي.
[3] ثاج: عين من البحرين على ليال. معجم البلدان.(13/13)
محلم بْن شيبان، وانهزمت شيبان، وأغارت بَكْر بْن وائل عَلَى بني عَمْرو بْن تميم يَوْم الصُلَيب [1] ومعهم ناس من الأساورة فهزمتهم، فقتل طريف رأس الأساورة فَقَالَ:
ولولا طرادي بالصُليب لسوّقَتْ ... نساءُ أناس بين دُرتا وبارق [2]
وولد مالك بْن جندب بْن العنبر: زَبينة بْن مالك بْن عوف بْن مالك.
ونُكرة بْن مالك بْن أسامة. منهم: عَبْد اللَّه. وعمران ابنا منقذ بْن حذيفة بْن جندل بْن عَمْرو بْن أسود بْن أسامة بْن مالك بْن جندب، شهد الجمل مَعَ عليّ عَلَيْهِ السَّلام، وقتل عَبْد اللَّه يَوْم صفين، وشترت عين عِمْرَانَ يَوْم الجمل، وهو الَّذِي اختط خطة بني العنبر بالكوفة. ومنهم: القَشْير بْن يزيد بْن صُبيح، كَانَ مُصعب بعثه عَلَى البحرين.
وولد حُنْجُود: كعب بْن حنجود. والحارث بْن حنجود. فمنهم:
صبَّاح. وزُفر الفقيه ابنا الهُذَيل بْن قيس بْن سليم بْن مُكْمَل بْن ذُهل بْن ذُؤيب بْن جَذيمة بْن عَمْرو بْن حنجود.
ومنهم: يزيد. وعبد اللَّه ابنا جَابِر بْن خيران بْن الأخرم بن ذهل بن ذؤيب بن جذيمة بن عَمْرو بْن حنجود. وكان ممن ادعى قتل مُحَمَّد بْن الأشعث مَعَ الْمُخْتَار يَوْم حَروراء.
ومن ولده: يَحيى الَّذِي يُقال لَهُ بُزرج بْن أبان بْن الحكم بْن مزيد بْن جابر بن خيران وولده بأصبهان.
__________
[1] الصليب: جبل عند كاظمة. معجم البلدان.
[2] بارق ماء بالعراق هو الحدّ بين القادسية والبصرة، وهو من أعمال الكوفة. ودرتا موضع بسواد بغداد. معجم البلدان.(13/14)
ومنهم الشيطان بْن معاوية بْن جون بْن كعب بْن جندب بْن العنبر، كَانَ شديد البطش، وكان رئيسًا وولده يسمونه الشيطان.
ومن ولده: عامر بْن عَبْد قيس [1] بْن ناشب بن اسامة بن خزيمة بن معاوية ابن الشيطان
كَانَ أعبد أهل المشرق، أخذ عطاءه فتصدق مِنْهُ بدراهم، ثُمَّ أتى منزله فوزن الدراهم فوجدها لم تنقص شيئًا، وأتاه مرداس بْن أدَية أَبُو بلال، فسأله الخروج معه وقَالَ: ألا ترى إلى جَزَعِ ولاتِنَا مِنَ أَنْ يُصيّروا للمسلمين سهمًا، فَقَالَ: يا بلال تخشى أن نكون جزعنا.
وذكر عند الْحَسَن فَقَالَ بعض من حضر: لو علمنا أن دراهمنا لا تنقص كدراهم عامر لتصدقنا، فَقَالَ الْحَسَن: إن عامر لم يشترط عَلَى ربه كما اشترطتَ.
وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن لوط بْن يَحيى. وحدَّثني أَبُو مَسْعُود عن ابْنُ عوانة أن عامر بْن عَبْد قيس كَانَ ينكر عَلَى عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ أمره وسيرته، فكان حمران بْن أبان مَوْلَى عثمان يكتب إِلَى عُثْمَان بخبره، فكتب عُثْمَان إِلَى عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كريز فِي حمله إِلَيْه فحمله، فلما قدم عَلَيْهِ رآه، وَقَدْ أَعْظَم النَّاس إشخاصه وإزعاجه عَنْ بلده لعبادته وزهده، ألطفه وأكرمه ورده إِلَى البصرة، وقَالَ غير هَؤُلَاءِ: إنه أشخصه إلى الشام، ورده إلى البصرة.
وقَالَ أَبُو اليقظان: كتب عثمان إلى ابْنُ عامر أنْ سَيِّرْهُ إلى الشام، فَسَيَّرهُ فمات بالشام، ولا عقب لَهُ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدورقي، ثنا اسماعيل بن عليّه، أنبا ابن عون
__________
[1] بهامش الأصل: عامر بن عبد قيس.(13/15)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: أَوَّلُ مَا عُرِفَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ أَنِّي رَأَيْتُ قَوْمًا عَرَضُوا لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَلَّمَهُمْ فِيهِ، ثُمَّ حَوَّلَ وَرِكَهُ وَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ فَقَالَ: كَذَبْتُمْ، وَاللَّهِ لا تَظْلِمُونَ ذِمَّةَ اللَّهِ الْيَوْمَ وَأَنَا شَاهِدٌ.
قَالَ: وبلغني عن عامر أَنَّهُ قَالَ: لا آكل اللحم، ولا السمن، ولا أتزوج النساء، ولا أصلي فِي المسجد، ولا يمس بَشري بشر أحد، وأنا خير من إِبْرَاهِيم، فأتيته فقلت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: أما اللحم فإني رَأَيْت هَؤُلَاءِ أحدثوا فِي الذبائح شيئًا كرهناه، فإذا اشتهينا اللحم بعثنا فاشترينا شاة فذبحناها وأكلنا من لحمها، وأمَّا السمن فإني آكل ما يجيء من هاهنا، وأشار ابْنُ عون إلى البر، ولا آكل من هاهنا وأشار إلى الجبل، وأمَّا قولهم إني لا أصلي فِي المساجد فإني أحضر الجمعة، ثُمَّ اختار أن أصلي هاهنا، وأمَّا قولهم إني لا أتزوج النساء فإنما لي نفس واحدة وَقَدْ كدت أعجز عَنْهَا، وأمَّا قولهم إني قلت: إني خير من إِبْرَاهِيم، فإنما قلت إني أرجو أن يجعلني اللَّه مَعَ الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين [1] .
حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا خلف بْن الوليد عن عباد بْن عباد عن يونس بْن عُبَيْد عَنِ الْحَسَن قَالَ: كان عامر بن عبد قيس إذا صلى الصبح تنحى إلى ناحية من المسجد فجلس فيها، ثُمَّ قَالَ: من أقْرِئُهُ؟. فيأتيه قُوَيم فيقرئهم حتَّى إِذَا طلعت الشمس وأمكنت الصلاة قام فصلى حتَّى ينتصف النهار، ثُمَّ يرجع إلى بيته فيقيل، ثُمَّ يرجع إلى المسجد إِذَا زالت الشمس فيصلي حتَّى يصلي الظهر ثُمَّ يصلي العصر، ثُمَّ يجلس مجلسه ذَلِكَ فِي المسجد ويقول: من أقرئه فيأتيه
__________
[1] سورة النساء- الآية: 69.(13/16)
ناس فيقرئهم حتَّى تغيب الشمس، ويؤمّ لصلاة المغرب فيصليها، ثُمَّ يصلي العشاء الآخرة، ثُمَّ يرجع إلى بيته فيتناول رغيفه فيأكله، ويشرب عَلَيْهِ شربة، ثُمَّ يهجع هجعة خفيفة ثُمَّ يقوم لصلاته حتَّى إِذَا أسحر تناول رغيفه الآخر فأكله، ثُمَّ شرب عَلَيْهِ من الماء، ثُمَّ يخرج إلى المسجد.
حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا مُحَمَّد بْن فضيل بْن غزوان عن العلاء بْن سالم عَمَّن صحب عامرًا أربعة أشهر فلم يره ينام ليلًا ولا نهارًا.
حَدَّثَنَا أحمد بن إبراهيم الدورقي، ثنا وهب بن جرير بْن حازم، ثنا هشام عن الْحَسَن أن عامر بْن عَبْد قيس قَالَ: وجدت عيش النَّاس فِي أربع:
فِي النوم، والنساءَ، والطعام، واللباس. فأما اللباس فو الله ما أبالي ما واريت بِهِ عورتي، وألقيت عَلَى كتفي من صوف أَوْ غيره، وأمَّا النساء فو الله ما أبالي امرأة رَأَيْت أم جدارًا، وأمَّا النوم والطعام فقد غلباني إلى أن أصيب منهما، والله لأضرَّن بهما. فَقَالَ الْحَسَن: فأضرّ والله بهما حتَّى مات.
حَدَّثَنَا أَحْمَد عن وهب عن هشام عن الْحَسَن أن عامر بْن عَبْد قيس قَالَ: والله لأجعلنّ الهمَّ هَمًّا واحدًا.
حَدَّثَنَا عَبْد الصمد بْن عَبْد الوارث عن أَبِي هلال قَالَ: ذكرت الدنيا عند الْحَسَن فَقَالَ: لو شاء اللَّه جعل النَّاس مثل عامر.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الصمد عن أَبِي هلال عن مُحَمَّد بْن سِيرِينَ قَالَ:
قَالُوا لعامر: ألا تزوج؟ فَقَالَ: والله مالي مال ولا نشاط فَبِمَ أَغُرُّ مسلمة؟.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَبْد الصمد عن أَبِي هلال قَالَ: قَالَ حُميد بْن هلال: قَالَ عامر: الدنيا أربع: النوم، والمال، والنساء، والطعام، فأمَّا اثنتين فقد عَزَفتْ نفسي عَنْهُمَا، أما المال فلا حاجة لي فيه، وأما النساء فو الله ما أبالي امْرَأَة رَأَيْت(13/17)
أم جدارًا، ولا أجد بُدًّا من هَذَا الطعام والنوم، وو الله لأضُرَّنَّ بهما جهدي، فكان إِذَا جاء الليل جعله نهارا، قام، وإذا كَانَ النهار جعله ليلًا فقام ونام.
حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا بشر الزهراني عن همام عن قَتَادَة أن عامر بْن عَبْد قيس لما احتضر جعل يبكي، فقيل لَهُ: ما يبكيك؟ قَالَ: ما أبكي جزعًا من الموت، ولا حرصًا عَلَى الدنيا، ولكني أبكي عَلَى ظمأ الهواجر، وعلى قيام ليل الشتاء.
حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْد عن أيوب عن أَبِي قلابة قَالَ: لقي رَجُل منا عامرًا فَقَالَ: ألا تزوج؟ وتلا هَذِهِ الآية: وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [1] . قَالَ فضرب يده وقَالَ: سَمِعْتُ اللَّه يَقُولُ: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون [2] .
قَالَوا: ولما أراد عامر الخروج أتى مُطرفًا فسلم عَلَيْهِ ثُمَّ مضى ورجع فسلم عَلَيْهِ وقَالَ: ما فعلت هَذَا إلا حُبًّا لَكَ، ثُمَّ مضى وعاد فَقَالَ مثل ذَلِكَ، وكان عامر يَقُولُ لنفسه: قُومي يا مأوى كلَّ سوءٍ فَلأرُدَّنَّكِ ولو بمثل زحف البعير.
حَدَّثَنَا أَحْمَد، ثنا عَبْد الصمد بْن عَبْد الوارث عن جَعْفَر عن الجُريري عن أَبِي العلاء أن رجلًا قَالَ لعامر: استغفر لي. فَقَالَ: إنك لتسأل رجلًا عجز عن نفسه، ولكن أطع اللَّه ثُمَّ ادعُه يستجب لَكَ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى عَنْ عَوْنِ بْنِ مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ أَشْيَاخًا يُحَدِّثُونَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ كَانَ لَهُ مَجْلِسٌ يَجْلِسُ فِيهِ إِلَيْهِ، وَفِيمَنْ يَجْلِسُ إِلَيْهِ الحسن، وأنه قعد في بيته
__________
[1] سورة الرعد- الآية: 38.
[2] سورة الذاريات- الآية: 56.(13/18)
فَخَشُوا عَلَيْهِ الزَّيْغَ فَأَتَوْهُ فِي بَيْتِهِ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تَرَكْتَ مَجْلِسَكَ الَّذِي كُنْتَ تَجْلِسُ فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّ مَجْلِسَكُمْ ذَاكَ كَثِيرُ التَّخْلِيطِ وَالأَغَالِيطِ، أَدْرَكْنَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثُونَا أَنَّ أَكْمَلَ النَّاسِ إِيمَانًا أَشَدُّهُمْ مُحَاسَبَةً لِنَفْسِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ ضَحِكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ بُكَاءً فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ فَرَحًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَلُهُمْ حُزْنًا فِي الدُّنْيَا.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عن مُحَمَّد بْن عِيسَى عن فَضالة بْن حصين عن يزيد بْن نَعامة الضبي قَالَ: كتب معاوية إلى عامل البصرة: أما بعد فإذا جاءك كتابي فزوِّج عامر بْن عَبْد قيس من صالح نساء قومه وأصْدِقْها من بيت مال المسلمين، فأرسل إلى عامر فقرأ عَلَيْهِ الكتاب ولم يدعه حتَّى زوجه، وأَدخل عامرًا عليها، فقام إلى مصلاه ولم يلتفت إليها حتَّى إِذَا رَأَى تباشير الصبح قَالَ: يا هَذِهِ ضعي خمارك فلما وضعتْ خمارها قال: أعيدي، ثم قال: هل تدرين لم أمرتك بوضع خمارك؟ لئلا يؤخذ منك شيء أُعطيت.
وكان عامر يَقُولُ فِي كل يَوْم إِذَا أصبح: إن النَّاس غدوا إلى أسواقهم وحاجاتهم، وإن حاجتي إليك أن تغفر لي.
المدائني قَالَ: أُتي عامر بْن عَبْد قيس بعطائه، وهو فِي المسجد فوضعه بين يديه، ثُمَّ رجع إلى منزله، وَقَدْ أُنْسِيَه، فَقَالَ: إني نسيت عطائي فاذهبوا فجيئوا بِهِ، فقيل: إنك تركته فأخِذَ، فَقَالَ: أَوْ يأخذ أحد ما ليس لَهُ؟.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عِيسَى، ثنا فضالة بْن يزيد بْن نعامة قَالَ: لما سُيِّر عامر إلى الشام نزلوا بماء فِي طريق الشام فإذا الأسد قَدْ حال بينهم وبينه، وجاء عامر حتَّى أصاب حاجته من الماءَ فقالوا لَهُ:
خاطرت بنفسك، فَقَالَ: والله إني لأستحيي أن يعلم اللَّه أني أخاف شيئًا غيره.(13/19)
وقَالَ يزيد بْن نعامة: كَانَ عامر مَعَ قتيبة في غزاة بخراسان، فأصاب عامرًا فِي سهمه جارية لها جمال، فأُعطي بها ثمنًا كبيرًا فلم يبعها حتَّى علمها شيئًا من كتاب اللَّه، ثُمَّ أعتقها فَقَالَ أصحابه: لو شئت أن تشتري بثمنها رقيقًا كثيرًا فتعتقهم فَقَالَ: أتعلِّمون ربي الحساب؟
حدثني أَحْمَد عن مُحَمَّد بْن عِيسَى عن فضالة عن يزيد بْن نَعَامَة قَالَ:
قيل لعامر: إنك لترضى بالقليل، فَقَالَ: أنتم والله أرضى بالقليل مني.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ إِلَى عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى عَبْدَ قَيْسٍ: «سَلامٌ عَلَيْكَ إِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَعْهَدُكَ عَلَى أَمْرٍ وَبَلَغَنِي أَنَّكَ تَغَيَّرْتَ فَاتَّقِ اللَّهَ وَعُدْ، وَالسَّلامُ عَلَيْكَ» .
حَدَّثَنَا أَحْمَد عن هاشم بْن القاسم عن الأشجعي عن مُحَمَّد بْن مُسْلِم قَالَ: قَالَ عامر بْن عَبْد قيس: ما أبالي فاتني من الدنيا بعد ثلاث آيات من القرآن، قولُه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مستقرها ومستودعها [1] وقولُه: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فلا ممسك لها [2] وقولُه: وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [3] .
المدائني عن شُعْبَة قَالَ: أتى رَجُل عامر بْن عَبْد قيس فَقَالَ لَهُ: جئتك لتحدثني، قَالَ: أَوْ عهدتني أحب الحديث، إن لي فِي نفسي شغلًا، ثُمَّ أغلق بابه ودخل.
__________
[1] سورة هود- الآية: 6.
[2] سورة فاطر- الآية: 2.
[3] سورة يونس- الآية: 107.(13/20)
قَالَ: ونازع رجلًا فِي شيء فأحسن الاحتجاج عَلَيْهِ فقيل لَهُ: ما كُنَّا نظنك تُحسن هَذَا. فَقَالَ: وكم من شيء أُحسنُه أَنَا أعلم منكم بِهِ.
حَدَّثَنَا عفان، ثنا همام قَالَ: جعل عامر بْن عَبْد قيس يبكي عند الموت فقيل لَهُ: ما يبكيك؟ قَالَ: آية من كتاب اللَّه: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ من المتقين [1] .
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عن سهل بْن محمود عن مُحَمَّد بْن فضيل عن أَبِيهِ عن رَجُل قَالَ: كَانَ عامر بْن عَبْد قيس يَقُولُ: لم أر كالجنة نام طالبها، ولا مثل النار نام هاربها.
وكان إِذَا جاء الليل قَالَ: أَذْهَبَ حر النار النوم، فما ينام حتَّى يصبح، وإذا جاء النهار قَالَ: أَذْهَبَ حر النار النوم، فلا ينام حتَّى يمسي. وكان يَقُولُ إِذَا جاء الليل: من خاف أدلج، ويقول عند الصباح: يحمد القوم السُرى.
وقَالَ يزيد بْن عَبْد اللَّه بن الشخبر: كُنَّا نأتي عامر بْن عَبْد قيس وهو يصلي فِي مسجده فإذا رآنا تجوَّز فِي صلاته ثُمَّ انصرف، وقَالَ: ما تريدون؟
وكان يكره أن يروه يصلي.
وقَالَ مالك بْن دينار: قَالَتِ ابْنَة عامر لأبيها: يا أبتاه مالي أرى النَّاس ينامون ولا أراك تنام؟ فَقَالَ: يا بنتاه إني أخاف البيات.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم عن عليّ بْن إِسْحَاق عن عَبْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن يزيد بْن جَابِر عن بلال بْن سعد أَنَّهُ وشي بعامر بْن عَبْد قيس إلى ابْنُ عامر فقيل لَهُ: إن هاهنا رجلًا يُقال لَهُ ما إِبْرَاهِيم بخير منك، فيسكت، وَقَدْ ترك النساء فكتب فِيهِ إلى عثمان، فكتب: أن انفه إلى الشام على قتب،
__________
[1] سورة المائدة- الآية: 27.(13/21)
فَقَالَ لَهُ ابْنُ عامر: أنت الَّذِي يُقال لَكَ ما إِبْرَاهِيم بخير منك فتسكت؟
فَقَالَ: أما والله ما سكوتي إلا تعجّبٌ. وددت والله أني كنت غبارًا عَلَى قدم إِبْرَاهِيم عليه الصلاة والسلام، وأما النساء فقد علمت أَنَّهُ مَتَى يكن لي امْرَأَة وولد تشعبتِ الدنيا قلبي فأحببت التخلي، فأجلاه على قتب إلى الشام، فلما قدم أنزله معاوية معه فِي الخضراء، وبعث إِلَيْه بجارية، وأمرها أن تُعلمه حاله، فكان يخرج من السحر فلا تراه إلى بعد العتمة، ويبعث إِلَيْه معاوية بطعام فلا يعرض لَهُ، ويجيء معه بكسر فيجعلها فِي ماء، ثُمَّ يأكل منها، ويشرب ثُمَّ يقوم فلا يزال كذلك، ثُمَّ يخرج، فكتب معاوية إلى عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمَا يذكر لَهُ حاله فكتب إِلَيْه: اجعله أول داخل عليك، وآخر خارج، وأمر لَهُ بعشرة من الرقيق، وعشرة من الظهر، فأعلمه معاوية فَقَالَ:
إن عليَّ شيطانًا قَدْ غلبني فكيف أجمع هَذَا عَلَى نفسي، ولي بغلة وإني لأشفق أن يسألني اللَّه عن فضل ركوبي ظهرها.
قَالَ بلال بْن سعد: أخبرني من رآه عَلَى بغلته بأرض الروم يُركبها عُقبه، ويحمل عليها المهاجرين عُقبه وكان إِذَا فصل غازيًا توخى [1] الرفاق، فإذا وافقته رفقة قَالَ: يا هَؤُلَاءِ إني أريد صحبتكم عَلَى أن أكون لكم خادمًا لا ينازعني أحد منكم الخدمة، وأكون مؤذنًا لا ينازعني الأذان أحد، وأُنفق فيكم بقدر طاقتي، فإن نازعه أحد فِي شيء من ذَلِكَ رحل عَنْهُمْ إلى غيرهم.
حَدَّثَنَا أَحْمَد عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمة عن ثابت البناني قَالَ: دخل رجلان عَلَى عامر فكلماه فِي شيء فَقَالَ: فوضا أمركما إلى الله تستريحا.
__________
[1] استوخى القوم: استخبرهم، وتوخى رضاه: تحراه. القاموس.(13/22)
وكان عامر يبكي فيقال لَهُ: ما يبكيك؟ فيقول: ذكر ليلة صبيحتها يَوْم القيامة.
حَدَّثَنَا أَحْمَد عن أَبِي الوليد همام بْن زائدة عن مُجالد عن هشام أن جارية بْن قُدامة جاء إلى عامر ليسلم عَلَيْهِ فوقف عَلَى باب البيت، وعامر يصلي، فسلم عَلَيْهِ فسَبَّحَ بِهِ عامر، فدخل فجلس فِي جانب البيت فنظر فلم ير فِي البيت إلا قلة فلما قضى عامر صلاته قَالَ لَهُ جارية: يا عامر أرضيت من الدنيا بما أرى؟ لقد رضيتَ بالقليل. فَقَالَ لَهُ عامر: يا جارية أنت والله وأصحابك الَّذِينَ رضيتم بالقليل، ثُمَّ نهض لصلاته.
وقَالَ المدائني، رَأَى عامر من قوم ممن يقرأ عَلَيْهِ حرصًا فَقَالَ: نشدتكم اللَّه أن يُعَير بكم قُرَّاءُ القرآن.
المدائني أن عامرًا وصديقًا لَهُ كَانَ يألفه خرجا إلى الحدادين فجعلا ينظران إلى النار وتلك الشرر فيبكيان، ثُمَّ أتيا أصحاب الرياحين والفاكهة ليذكرا الجنة، فجعلا يستغفران ويسألان اللَّه الجنة.
المدائني قَالَ: قَالَ مضارب بْن جزء التميمي لمعاوية: كيف وجدتم من أوفدنا إليكم من قرائنا؟ قَالَ: بنون ويتقنعون، يدخلون بكذب ويخرجون بغش غير رَجُل واحد فإنه كَانَ رَجُل بقيسة [1] ، قُلْنَا من هُوَ؟ قَالَ: عامر بْن عَبْد قيس.
وأمر ابْنُ عامر لعامر بْن عَبْد قيس بمال، فَقَالَ لَهُ: انظر إلى الفقراء الَّذِينَ حول المسجد فاقسمه عليهم فهم أحق بهذا المال مني.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، ثنا بشر بْن عُمَر الزهراني عن همام بن قتادة
__________
[1] أي بقدره ومقياسه. القاموس.(13/23)
أن عامرًا لما احتضر جعل يبكي فقيل لَهُ: مَا يبكيك؟ فَقَالَ: والله مَا أبكي جزعًا من الموت ولا حرصًا عَلَى الدنيا ولكني أبكي عَلَى ظمأ الهواجر، وليل الشتاء.
حَدَّثَنَا أَحْمَد عن رَجُل عن عَبْد الجبار بْن النضر عن بعض مشايخه قَالَ قيل لعامر: أضررت بنفسك، فتناول جلدة ساعده فمدَّها، وقَالَ: والله لئن استطعت لا تنال الأرض من وهمك إلا يسيرا.
ولقي عامر رَجُل فَقَالَ لَهُ: قف أكلمك، فَقَالَ: لولا أنني أبادر لوقفت، قَالَ: وأي شيء تبادر؟ قَالَ: خروج نفسي عافاك اللَّه.
وكان عامر يَقُولُ: لا يزال الرجل بخير ما كَانَ لَهُ واعظ من نفسه وزاجر من عقله ويروى ذَلِكَ عن الْحَسَن أيضًا.
ومنهم: البَلْتَع
الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الفرزدق:
وكيف يصلي العنبري ببلدة ... بها قطعت عَنْهُ سيور التمائم [1]
وكان شاعرًا فَقَالَ للفرزدق:
لقد ذل من يحمي الفرزدق عرضه ... كما ذلت الأخفاف تحت المناسم
ومنهم: هند بْن كثيف بْن أشعث بْن زاهر بْن صابر بْن مالك بْن جندب بن العنبر الشَّاعِر الفارس.
ومنهم: سيار بْن أكلب الشَّاعِر.
ومنهم: القزّاع، وهو عَبْد اللَّه بْن سَوا بْن رفاعة بْن أَبِي عبدة بْن عدي بْن جُندب.
وولد كعب بْن العنبر:
حارثة. ومجفّر، واسمه عبد شمس.
__________
[1] ديوان الفرزدق، ج 2 ص 296 مع فوارق.(13/24)
فولد مجفّر بْن كعب: الحارث. وعبد اللَّه. وزهير. والأحنف. وزيد.
فولد الحارث بْن مجفّر: خلف بْن الحارث. ومُرَحض. ووهب.
وأوس. وعُميرة. وحارثة.
منهم: سوار بن عبد الله بن قدامة بْن عنزة بْن نَقَب- عَلَى مثال فَعَل- ابْن عَمْرو بْن الحارث بْن خلف بْن الحارث بْن مجفر، قاضي البصرة، وَقَدْ كتبنا خبره مَعَ أخبار المنصور أمير المؤمنين، وكان قدامة جدّ سوار أشد النَّاس عبادة، طلب إِلَيْه أَبُو بلال أن يخرج معه، ووصف لَهُ جور عُبَيْد اللَّه بْن زياد، فَقَالَ لَهُ: أَنَا أعرف ما تصف غير أني لا أرى الخروج.
ومنهم حُصين بْن الحرّ بْن مالك بْن الخشخاش بْن جناب بْن الحارث بْن خلف بْن الحارث بْن مجفر، وإليه نسب فيروز حُصين، وكان فيروز غلامًا من الدهاقين، وابنه أَبُو الحر كَانَ مَعَ طالب الحق، وكان الخشخاش بْن جناب أخذ من مالك ألف ناقة ففقأ عين فحلها وحرّمه، ووفد على النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو وابنه مالك بن الخشخاش أبو الحر بْن الخشخاش، وَيُقَال لولد الخشخاش: الخشخاشة.
ومن ولده: عُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن بْن الحصين بْن أَبِي الحر، ولي قضاء البصرة. ومعاذ بْن مُعَاذِ بْن نصر بْن حسان بْن الحر بْن أَبِي الحر بْن الخشخاش بْن جناب.
قَالَ أَبُو اليقظان: قيل فِي بني عدي بْن جُندب من بني العنبر: بنو عدي عدد ركام، وحظ لا ينام، ليسارهم وكثرتهم.
قَالَ: وكان للأعور بْن بشامة ذكر يَوْم وقيظ، وكان فِي الْإِسْلَام، قَالَ:
وقّنع الأعور نميلة النميري، وكان واليًا عَلَى بني عمرو بن تميم، وهرب حتَّى(13/25)
أخذ لَهُ غيلان بْن خرشة من عُبَيْد اللَّه بْن زياد أمانًا فَقَالَ الشَّاعِر:
إني من القوم الَّذِين رماحُهم ... أثارتْ عَلَى وجه النميريّ عثبرا
وكنا إِذَا الجبار صعَّر خده ... أَبَيْنَا عَلَى الجبار أنْ يتجبرا
ومن بني حارثة بْن كعب بْن العنبر رجال بالبادية وبخراسان، وكان منهم: مجاهد بن بَلعَاء، كَانَ من فرسان بني تميم المشهورين، وكان عَلَى خيل بني تميم مَعَ عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر بالبحرين فِي حرب أَبِي فديك الخارجي. ولمجاهد بْن بلعاء عقب.
وكان منهم: بجَالة بْن عَبْدة، كَانَ أعبد النَّاس وأكثرهم تسبيحًا.
ومنهم: التِلَبّ، كَانَ شاعرًا فهجا رجلًا من قومه، واستعدى عَلَيْهِ عُمَر بْن الخطاب فَقَالَ: إنه هجاني. فقيل: ما قَالَ لَكَ؟ فافتعل شعرًا:
إن التلبّ لَهُ أم يمانية ... كأن فسوتها فِي البيت إعصار
نزواء مقبلة قَعساء مدبرة ... كأنما هِيَ زق فِي استه قار
وَقَدْ رُوِيَ عن التِلَبّ بْن ثعلبة الحديث، وأصحاب الحديث يقولون التلب، والتلب سخت أي ضئيل.
وقال أبو اليقظان: كان ثوب بن سُحْمه بْن المنذر بْن الحارث بْن جُهْمة بْن عدي بْن جُنْدب يدعي مُجير الطير، وذلك أَنَّهُ كَانَ يضع السهم فِي الأرض فلا يصاد من تلك الأرض شيء، وكان أسر حاتمًا الطائي فَقَالَ حاتم:
كُنَّا بأرض ما يُعِبّ غداؤها ... إن الغداء بأرض ثوب غاتم [1]
واتبع ثوبًا رجلان من بني القُليب بْن عَمْرو بْن تميم، ومعهما ابنة عم
__________
[1] ليس في ديوان حاتم المنشور. والغتم: شدة الحرّ يكاد يأخذ بالنفس. القاموس.(13/26)
لهما، ومع ثوب أخوه عِلاج، ورجل آخر فصعدوا إلى جبل يريدون أن يصيبوا شيئًا ليأكلوه من الجوع، وتركوا أحد القليبيين والمرأة فاشتد جوع القليبي فوثب عَلَى ابْنَة عمه فذبحها ثُمَّ أورى نارًا، وجعل يأكل لحمها، وجاءه عِلاج بْن سحمة بشاة قَدْ أصابها من الجبل فوجده قَدْ أكل المرأة، وخطب ثوب بعد ذَلِكَ امْرَأَة من قومه فأبت أن تتزوجه، وقالت: أتزوجه وَقَدْ أُكلتْ رفيقته جوعًا؟ فَقَالَ ثوب:
يا بِنْت عميَ ما أدراك ما حسبي ... إِذَا تجنّ خبيث الزاد أضلاعي
إني لذو مرة تخشى نكايته ... عند الصباح بنصل السيف نَزَّاع
وعيرّ بني القليب بذلك رَجُل فِي الْإِسْلَام فَقَالَ:
عجلتم ما صادكم علاج ... من العنوز ومن النعاج
حتَّى أكلتم طَفْلَةً كالعاج
وانطلق ثوب فتزوج امْرَأَة من همدان، فدخل عليها يومًا وبين يديها عنز لها تحلبها، فجعلت تمص لبنها من ضرعها فطلقها وقَالَ:
إني لأكره أن تكون حليلتي ... تدع الإناء وتعتلي [1] للقادم
وقتل ثوبًا جحش بْن علباء الأسدي ثُمَّ الكاهلي فقالت نائحته:
ألم تر أنَّ ثوبًا أسلمَتْهُ ... بنو بيضاء والجبلان سيّ
فإذ أسلمتموه فاخلفوه ... ولن ترضى خلافتكم عَديّ
أضعتم مجدكم فسلبتموه ... وفاز بِهِ الغلام الكاهليّ
فآب لآل جحش ليل صدقٍ ... وآب لأهله ليل قسيّ
فمضى المُؤتِنف بْن ثواب أخوه فقتل رجلًا من بني أسد، وقال:
__________
[1] المعلي: الذي يأتي الحلوبة من قبل يمينها.(13/27)
لسنا بأنكاس نكبُّ من الأسى ... إِذَا أعينُ الأنكاس طال سهودها
وإنا لنلوي بالمغيرة إذ أَتَتْ ... كمثل الجراد لا يطاق عديدها
ونأوي إلى ملمومة ذات حرشفٍ [1] ... تقود المنايا والمنايا تقودها
ولثوب ولد بالبادية، وَيُقَال إنه استلحق رجلًا لم يلده وَإِنَّهُ لم يكن لَهُ عقب.
وكانت لعلاج ابْنَة يُقال لها مَيَّة، وتلقب الكلبة، تزوجها خزيمة بْن النعمان من بني ضُبيعة بْن ربيعة بْن نزار، فهي ولدت بني الكلبة من بني ضبيعة وفيها يَقُولُ علاج أبوها:
فإن تك قَدْ أَلْوَتْ بَميَّةَ غربة ... فقد كَانَ مما لا يُمَلُّ مزارها
دعتها رجال من ضُبيعة كلبة ... وكان يشكي فِي المحل جوارها
وقَالَ شبل بْن عزرة الضبعي يهجو بني الكلبة:
بنو كلبة هرارة وأبوهم ... خزيمة عبدٌ خامل الأصل أَوْكَسُ
فمن بني علاج: كثْوَة قتل يَوْم الصفقة بالمشقر، وَيُقَال بل قتل محجن بْن كثوة فِي هَذَا اليوم، فقالت امرأته وهي من بني العنبر واسمها جميلة.
لو أن انتظارًا جاء يومًا بغائب ... إلى أهله جاء انتظاري بمحجن
وهذا الثبت:
وولد محجن: أُحَيحة، فظنت أمه أَنَّهُ جارية، فأمرت القابلة أن تلقيه فِي حفرة، ثُمَّ تبين أَبُوهُ فإذا هُوَ غلام فعاش حتَّى أسلم وهاجر إلى الكوفة وكان مع علي عليه السلام بصفين.
__________
[1] الملومة: الدرع، والحرشف من الدرع: حبكه. القاموس.(13/28)
قَالُوا: وكان من فرسان بني العنبر: زَيْد بْن جَعُونة من بني المنذر بْن الحارث بن جهمة، وكان الحنتف بْن زَيْد بْن جعونة من أَسَبِّ العرب، فقدم البصرة فِي أيام عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز فاجتمع ودَغفل النسابة عند ابْنُ عامر، فَقَالَ لَهُ دغفل: مَتَى عهدك بسجاح أم صادر؟ فَقَالَ: مالي بها عهد مذ ضلّت أم حلس، جدة لدغفل، فَقَالَ دغفل: أما إن جدتك أم خارجة قيل لها: خطب، فقالت: نكح. فَقَالَ الحنتف:
وَجَدَّتُكَ ام حِلْسٍ قَدْ أَقَرَّتْ ... لأيرٍ بَعْدَ نزوتها فغابا
يُقال إن ضيفًا نزل بهم، فأرادها فامتنعت ثُمَّ أمكنته من نفسها، ثُمَّ قَالَ دغفل: أنشدك اللَّه أنحن أكثر غزوًا فِي الجاهلية أم أنتم؟ قَالَ: بل أنتم فلم تفلحوا ولم تنجحوا.
وزعموا أن الحنتف أقبل بإبله من البادية حتَّى ورد الوَقْباء- ماء لبني مازن- فغرق لَهُ ثلاثة بنين فِي الركيَّة واحدًا بعد واحد، فحلف أن لا ينزل البادية، وقدم البصرة فباع إبله فذكر ذلك المنخل بن سبيع فَقَالَ:
ما أَنَا إن حانت بخبت [1] منيتي ... بأحرز يومًا من سبيع ومن نصر
ولا من أَبِي الشعثاء إذ قدرت لَهُ ... منيته فِي باب محنتك قحر [2]
ولا النفر البيض الَّذِين تتابعوا ... عَلَى بركة الوقباء للموت فِي عشر
وأبو الشعثاء رَجُل من بني جهمة قتله جمل هائج فَقَالَ:
فسيروا فإما حنتف وابن حنتف ... فإنهما غيثان يرجى نداهما
__________
[1] الخبت: الوادي العميق الوطيء، وهو علم بين مكة والمدينة، وخبت أيضا ماء لكلب.
معجم البلدان.
[2] القحر: الشيخ الهرم، والبعير المسن، وفيه بقية. القاموس.(13/29)
ومنهم: عطية بن شبل، أحد بني المنذر، وكان يُقال لَهُ ولعطية بْن عَمْرو العطيتان.
قَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني جُهْمة: بنو عَريب، وهم موصوفون بجودة الرمي، قَالَ الراجز:
نرمي كما يرمي بنو عَريب ... بكل سهم جيد التركيب
ومن بني الحارث بْن جهمة: أَبُو الدرداء، واسمه ميسرة الَّذِي رثي معاوية فَقَالَ:
فهاتيك النجوم وهن خرسٌ ... يَنُحْنَ عَلَى مُعَاوِيَة الشآمي
قَالَ: ومن عُبْدة: عَبْد بْن نعمان، الَّذِي قَالَ فِيهِ سحيم بْن وثيل:
أمستبطئ عَبْد بْن نعمان غارتي ... وما ليل مظلوم كريم بنائم
ومنهم زبيب كَانَ ممن وفد إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونادى من وراء الحجرات، ووفد ابنه عَلَى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك، فَقَالَ أَنَا وافد بني عَمْرو بْن تميم، وهجاه عُبيد بْن غاضرة فَقَالَ:
حسبت طلاء الشام حيث لقيته ... بدومة محض الرائب المتعلق
لقد فضحت عَمْرو القَسومية اسْتُهُ ... بحيث التقى ركبان غرب ومشرق
ومن بني عُبْدة: بنو الطحان، وَقَدْ ذكرهم جرير بن عطية.
قال: ومن بني مالك بن جندب بن العنبر: مودود بْن بشر أَبُو الخنساء.
وكان بسجستان مَعَ ابْنُ الأشعث، فلما هرب ابْنُ الأشعث إلى رتبيل وثب مودود فأخذ زرنج فمنعها، فقاتله عمارة بْن تميم صاحب الحجاج، وهو من لخم، ثُمَّ أمنه عمارة وأمن أصحابه فَقَالَ رَجُل من بني تميم.
لله عينًا من رَأَى مِنْ فوارسٍ ... أكَرُّ عَلَى المكروه منهم وأصبرا(13/30)
فما برحوا حتى أعضّوا سيوفهم ... ذرا الهام منا والحديد المسمَّرا
وقَالَ أَبُو اليقظان أيضًا: كَانَ بعض بْني حُنْجُود من بني العنبر باليمن، وبعضهم بالبادية مَعَ قومهم، والذين صاروا باليمن عَمْرو بْن حنجود، فسمَّه ملك من ملوك اليمن فِي سواك فقتله.
ومن بني حنجود: الهُذيل بْن قيس، ولي أصبهان وغلب عليها، فمن ولده: صَبّاح بْن الهذيل. وزُفَر بْن الهذيل. فأمَّا صباح فولاهُ المنصور أَبوْ جَعْفَر البحرين، وله عقب بالبصرة. وأمَّا زُفَر فكان أعلم أهل الكوفة برأي أَبِي حنيفة، وله كتاب فِي الفقه، وقَالَ المخيسير العنبري:
قَالَتْ سليمة والأخبار نامية ... هل للحوائج يا للناس مردود
هن القواصد من نجد وما عدلتْ ... عن الهذيل أخي عَمْرو بْن حنجود
منا الهذيل وعمرو خير من ذملت ... بِهِ المطايا بنو المسموم فِي العود
قَالَ: ومن بني عُمَرو بْن جندب: رَحْضَة بْن قرط، كَانَ من فرسانهم فِي الجاهلية، فقتله بنو شيبان، فقتلوا بِهِ رجلًا يُقال لَهُ فروة، وقَالَ الَّذِي قتله:
وسخى بنفسي أن فروة لم يرم ... ببطحاء غول مقفعلًا أنامله
وقَالَ أَبُو اليقظان: وكانت للعنبر ابْنَة يُقال لها الهيجمانة عشقها عبشمس بْن سعد، فبسببها وقع الشر بينهم وبين بني سعد حين قُطعت رِجْلُ الحارث بْن كعب الأعرج.
قَالَ: ولم يكن لبشّة بن العنبر إلا ابنة يقال لها الحرام، ولدت فِي بني يربوع.
قَالَ: ومن ولد مالك بْن العنبر:
الكلب الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ لمالك بْن الريب الْمَازِنِي:(13/31)
لا يُعجبنْك الدهر خلَّةَ خارب ... رَأَى اللَّه ثوبي باليًا فكسانيًا
وكان رَأَى عَلَيْهِ كساء باليًا فَقَالَ لَهُ مالك: قَدْ شُهرْتَ بالشعر، وعليك مثل هَذَا الكساء، أفلا تحتال كما يحتال النَّاس، فَقَالَ هَذَا الشعر.
قَالَ ومنهم: البَلْتَع، واسمه مُستنير وهو الَّذِي يَقُولُ لجرير:
أتعيبُ أبلقَ يا جرير وصهره ... وأبوه خير من أبيك وأمنع
أتَعيبُ مَنْ رضيتْ قريش صهره ... وأبوكَ عبدٌ بالخورنق أوكع
وكانت أم غيلان بِنْت جرير عند الأبلق، وقَالَ جرير يهجو البلتع:
وباع أباه المستنير وأمه ... بأسخاب عنزٍ بئس بيع المبايع [1]
وقَالَ أَبُو اليقظان وأبو عبيدة: ولد كعب بْن العنبر: خلفًا- ويلقب خلف مُجفّرًا- وخالفا ابْنُ الكلبي.
وقَالَ أَبُو اليقظان: سمي خلف مجفرًا لأنه كَانَ يقود ظعينته، فرآه رَجُل فِي الجاهلية فَقَالَ لصاحب لَهُ: إن هَذَا رَجُل حَصر فلو حملت عَلَيْهِ لأخذت مِنْهُ الظعينة، فحمل عَلَيْهِ ليأخذها وهو يَقُولُ: خَلِّ عن الظعينة فأنا المغتلم، فحمل عَلَيْهِ خلف فطعنه طعنةً وقَالَ: خذها مني وأنا المُجفر، أي المُذهب للغلمة. فرجع المطعون إلى صاحبه فَقَالَ لَهُ: كلا زعمت أَنَّهُ حَصِر، فمضت مثلًا.
وقَالَ أَبُو اليقظان: أدرك الخشخاش الْإِسْلَام، وأتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:
يا نبي الله ما الَّذِي لا يجني عليّ؟ قَالَ: «لا تجني يمينك عَلَى شمالك» وأسلم.
قَالَ: وكان عليّ بْن الحصين بْن مالك بْن الخشخاش من رؤوس الأباضية الَّذِينَ قتلوا أهل قديد، ثُمَّ قُتل.
__________
[1] ديوان جرير ص 288.(13/32)
قَالَ: وكان عليّ بْن الحصين يلقب أبا القلوص، وفيه يَقُولُ أَبُو الأسود:
نُعيم بْن مسعود أحق بما أتى ... وأنت بما تأتي حقيق كذلكا
وكان أَبُو اليقظان يَقُولُ: نَقْبٌ فيخالف ابْنُ الكلبي ويُصَحّف.
قَالَ ومن بني نَقَب: عَبْد اللَّه بْن قيس بْن نقب، وكان اسمه خيّاط، فسماه عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ عَبْد اللَّه، وكان من الفرسان، وشهد مَعَ سمرة بْن جندب قتالًا بالأهواز فنجا عَبْد اللَّه وجعل سمرة ينادي:
يا عَبْد اللَّه ادْرَأَني، فَقَالَ عَبْد اللَّه: الحَقْ، أكلت أير أبيك.
قَالَ: ومنهم جارية بْن المُشَمِّت، كَانَ فارسًا فِي الجاهلية.
قَالَ: ومن بني نقب: مسعر بْن فدكي، كَانَ مَعَ عليّ عَلَيْهِ السَّلام بصفين وفيه يَقُولُ عَمْرو بْن العاص:
ما يُغْنِيَنْ وردان عنِّي قنبرا ... أَوْ يغنينَّ ابْنُ حُديج مسعرًا
ومنهم: العلاء بْن حَريز، وله عقب بالبصرة.
قَالَ: ومن بني كعب بْن العنبر: بنو المذراع، وكان سَلَمة بْن المذارع مَعَ عَبْد اللَّه بْن الزُّبَيْر، فَقَالَ هشام بْن عروة: ما وُصل إلى عبد اللَّه، حتَّى قُتل سلمة بن المذراع، وكان يَقُولُ:
وأهون ما فينا من الأمر أننا ... إذا ما نزلنا منزل الصبر نصبر
إِذَا حدثتنا بانصرافٍ نفوسُنا ... نقول لها ماذا بساعة منفر [1]
وكان عثمان بْن المذراع قَدْ وُليَ كرْمان، فَقَالَ الشَّاعِر يهجوه، ويفضل عَلَيْهِ الحكم بْن المنذر:
دع الحزم إني لا أرى متلددًا ... أعثمان إنا قَدْ مللنا غدا غدا
__________
[1] ديوان أبي الأسود ص 142.(13/33)
يُسَوُّونَ مذراعًا بغاية منذرٍ ... فباست أَبِي إن لم يكن كَانَ أجودا
فتى لم يزل مذ شبَّ فِي ظل راية ... إِذَا رُفعتْ تجري لها الطير أسعدًا
ومن بني العنبر: وَرد بْن الفِلْق، كَانَ من فرسان خراسان.
قَالَ: وبنو كعب بْن العنبر ينزلون اللُّهابة [1] ، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن الحكم ومرَّ بهم:
قَبَح الإله ولا أقبح غيرهم ... أهل اللُهابة من بني كعب
قوم تظل قلوص جارهم ... عطشى تمصُّ عِلاقة القعب
وَيُقَال اللَّهابة- بالفتح- وكان بينهم وبين بني فُقَيم قتال فِي اللَّهابة أيام مروان بْن الحكم، وهو عَلَى المدينة، فقتل منهم قتلى فأدت إليهم بنو فقيم ثلاثمائة بعير وستة أعبد فَقَالَ الفرزدق:
عقلتم ولم يعقل لكم من أحبكم ... ثلاث هنيدات وستة أعبد [2]
وارتفعوا إلى مروان فقضي باللَّهابة لبني كعب، وأمرهم أن يعوضوا بني فُقيم إبلًا، فَقَالَ الفرزدق:
فآبَ الوفد وفد بني فقيم ... بآلَم ما يؤوب بِهِ الوفود
وآبوا بالقدور معدّليها ... وصارَ الجد للجد السعيد [3]
وكسر بنو كعب رَجُل مالك بْن المخراش سيد بني فُقيم يومئذٍ فقاد [4] بنو فقيم رجلًا من بني كعب يُقال لَهُ عامر ليكسروا رجله، فمروا به على
__________
[1] في معجم البلدان: اللهابة- بالكسر- خبر بالشواجن في ديار ضبة فيه ركايا عذبة تخترقه طريق بطن فلج.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 139 مع فوارق.
[4] بهامش الأصل: خ. فأخذ.(13/34)
أبيات بني دارم فاستغاث بهم، فجاء عتاب بْن عوف بْن القعقاع فطلب إلى بني فقيم فِيهِ وأعطاهم خمسين بعيرًا، فأخذوها وخلوا عن عامر، فَقَالَ الشَّاعِر:
لعمري لنعم الحيّ للباع والندى ... دعا عامرًا إذ غاب عَنْهُ أقاربه
دعا يا آل عَبْد اللَّه دعوة خائف ... لطول أسار أَوْ دم جاء طالبه
أتوه فأعطوا مالهم دون ماله ... وفكّو الفتى الكعبيّ والموت كاربه
ومولى جبرنا فَقْرَهُ بعد عيلةٍ ... كفورٌ إِذَا استغنى وأشكر حالبه
وقَالَ أَبُو اليقظان: أغارت بنو شيبان وبنو عجل عَلَى بني عَمْرو بْن تميم، ورئيسهم عمرو بن جناب بن الحارث بن جهمة، فالتقوا بتِعْشَار [1] فقتل مالك بْن عَبْد اللَّه ذي الجدين، قتله سَلَمة بْن محجن مَوْلَى بني جهمة، وقتل شهاب بْن ذي الجدين قتله الأخنس بْن قُرَيط بْن عَبْد مناف بْن خَباب، فَقَالَ ربيعة بْن طريف بْن تميم:
هُمُ قتلوا فِي يَوْم تِعْشَار مالكًا ... ولم يَكُ فِي شيبان فرع يُماجده
نماه ابْنُ ذي الجدين فِي أرفع العلى ... فمن خير أحياء البرية والده
وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد فِي كتاب طبقات المحدثين: التِلب بْن ثعلبة العنبري [2] .
وقَالَ المدائني طعن بلعاء بْن مجاهد بْن بلعاء الهيثم بْن منخل فِي بعض حروبهم فأراده عن فرسه، فشهر ذَلِكَ، قَالَ: فأتي الهيثم مجاهدا فقال: إنّ
__________
[1] تعشار: موضع بالدهناء، قيل هو ماء لبني ضبة. معجم البلدان.
[2] هو في طبقات ابن سعد ج 7 ص 42: «التلب بن زيد العنبري.(13/35)
ابنك حَدَثٌ فأنا أُحبُّ أن تَدَّعي أني طعنته فقال: إني لأكره أن أسوأ ابني لأنَّه أول مشهد لَهُ، عَلَى أن الادعاء عار.
انقضى نسب بني العنبر
وولد الحَبِط بْن عَمْرو بْن تميم،
وهو الحارث بْن عَمْرو: معاوية.
ومُشادة. وسعد. وكعب. فمنهم: عَبَّاد بْن الحصين بْن يزيد بْن عَمْرو بْن أوس بْن سيف بْن عرْذَم بْن حِلْزة بْن نيار بْن سعد بْن الحَبِط.
وقال هشام بن الكلبي: كان عباد بن الحصين، أَبُو المسور، شريفًا بالبصرة، وابنه عباد بْن المسور بْن عباد.
وكان عباد بْن الحصين الكبير، أحد فرسان تميم فِي الْإِسْلَام، وبه سميت عبّادان [1] التي يرابط بها وكانت كنيته عباد بْن الحصين أَبُو جهضم.
وقَالَ المدائني وغيره: كانت عَبَّادان قطيعة لحُمْران بْن أبان مَوْلَى عُثْمَان من عَبْد الملك، وبعضها من زياد، وكان حُمْران من سبى عين التمر يدعي أَنَّهُ من النمر بْن قاسط، فَقَالَ الحجاج ذات يوم وعنده عباد بْن الحصين: لئن انتمي حُمْران إِلَى العرب ولم يقل أن أباه أُبيّ لأضربن عنقه، فخرج عباد من عند الحجاج مبادرا فأخبر حمران بقوله، فوهب لَهُ غربي النهر، وحبس الشرقي، فنسب إِلَى عباد بْن الحصين. وقَالَ بعضهم إن أول من رابط بعبادان عباد فنسبت إليه.
وقال أبو اليقظان والمدائني: قَالَ عَبْد الملك لرجل من بني تميم: من
__________
[1] بهامش الأصل: عبادان.(13/36)
أشد النَّاس من قومك؟ قَالَ: الحَريش بْن هلال. فَقَالَ عَبْد الملك: لو جئت بحمار الخبطات عباد لاستسمنته.
وكان عباد قَدْ ولي شُرط البصرة أيام ابْنُ الزُّبَيْر، وكان مَعَ مصعب أيام قاتل الْمُخْتَار، وكان مَعَ عُمَر بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن معمر عَلَى بني تميم أيام أَبِي فديك الخارجي، فأبلى بلاء لم يبله أحد، وقَالَ الشَّاعِر:
مَتَى تلق الحريش حريش سعد ... وعبادًا يقود الدارعينا
وكان عباد عَلَى شرط عَبْد الرَّحْمَن بْن سَمُرة الْقُرَشِيّ، فغزا عَبْد الرَّحْمَن كابل فحاصر أهلها حتَّى فتحها.
وكان الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ غازيًا فَقَالَ: ما رَأَيْت أشد بأسًا من عباد بْن الحصين، وعبد اللَّه بْن خازم، أما عباد فبات ليلة عَلَى ثلمة ثلمها المسلمون فِي حائط كابل، فلم يزل يطاعن المشركين حتَّى أصبح، فمنعهم من سدها، وأصبح وهو عَلَى حاله فِي أول الليل، ورُوي عن الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ما كنت أرى أن رجلًا يُعدل بألف فارس حتَّى رَأَيْت عبادًا ليلة كابل.
وأدرك عباد فتنة ابْنُ الأشعث وهو شيخ، وكان أشار عَلَى ابْنُ الأشعث بأشياء منها ألا يأتي رتبيل، وأن ينحاز إلى موضع من المواضع، فخاف الحجاج فأتى ناحية من سجستان فقتله العدو هناك، وله يَقُولُ الفرزدق حين واقف جريرًا بالمربد ففرق عباد بَيْنَهُما.
أفي قَمَلي من كليب يسبني ... أَبُو جهضم تغلي عَلَى مراجله [1]
وَقَدْ ذكرنا أخبارًا لَهُ في مواضع من هذا الكتاب.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 172.(13/37)
وكان ولد عباد: جهضم بْن عباد. وعمر بْن عباد. وداود بْن عباد.
وزياد بْن عباد. وعبيد اللَّه بْن عباد.
فكان جهضم من وجوه بني تميم وفرسانهم، وخرج مَعَ ابْنُ الأشعث، فقتله الحجاج وكانت لَهُ ابْنَة تزوجها يزيد بْن جُديع الكرماني من ولد أَبِي صُفرة.
وكان عُمَر بْن عباد جميلًا. فولد عُمَر: المسور بْن عُمَر بْن عباد، وَقَدْ ذكرنا للمسور أخبارًا والناس ينسبون مسورًا إلى جَدّه، فيقولون مسور بْن عباد وفيه يَقُولُ الراجز:
أنت لها يا مسور بْن عَبّاد ... إِذَا انتُضينَ من جفون الأغماد
وولي المسور بْن عُمَر بْن عباد أمور البصرة وأحداثها لعبد اللَّهِ بْن عُمَر بْن عَبْدِ الْعَزِيز، ثُمَّ وفد إلى يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة بواسط فمات بها وقيل فِيهِ.
يا مسور بْن عُمَر لا تبعد ... من يحمد النَّاس إِذَا لم تحمد
أنت الجواد للأب المسود
ومن الحبطات: حسكة بْن عَتاب، وكان يكنى أبا عتاب، وهو أقدم ذكرًا من عباد، وله عقب بالبصرة. ولما انقضى أمر الجمل خرج حسكة وعمران بْن الفضيل البرجمي فِي صعاليك منَ العرب حتَّى نزلوا زالق من سجستان، وقد نكب أهلها فأصابوا منها مالًا، وخافهم صاحب زرنج فصالحهم ودخلوها فقال الراجز:
بشر سجستان بجوع وحرب ... بابن الفضيل وصعاليك العَرَبْ
لا فضةٌ تُغنيهُمُ ولا ذهب(13/38)
وبعث عليّ عَلَيْهِ السَّلام عَبْد الرَّحْمَن بْن جزء الطائي عَلَى سجستان فقتله حسكه فَقَالَ: لأقتلن منَ الحبطات أربعة آلاف، فقيل لَهُ إن الحبطات لا يكونون خمسمائة. وقَالَ زياد الأعجم.
وجدتُ النِّيب من شر المطايا ... كما الحبطات شر بني تميم
أريد هجاءه فأخاف ربي ... وأعلم أن عبادًا لئيم [1]
وكان من الحبطات فِي الجاهلية رَجُل يُقال لَهُ ربيعة، ففيه يَقُولُ الشَّاعِر:
أبعد ربيعة الحبطي أرجو ... ثراءً أَوْ أدافع ما دهاني
وولد كعب بْن عَمْرو بْن تميم: ذُؤيب بْن كعب. وعوف بْن كعب.
منهم: عتيبة بْن مرداس الشَّاعِر الَّذِي يُقال لَهُ ابْنُ فسوة، وكان هَجَّاءً خبيثًا.
وكان ابْنُ فسوة رجلًا آخر من قومه فأتاه عتيبة فاشترى اللقب مِنْهُ فَقَالَ:
حَوَّلَ مولانا عَلَيْهِ اسم أمنا ... أَلا رُبَّ مَوْلَى ناقص غير زائد
ولابن فسوة عقب بالبادية، وكان أخوه أُدَيهم شاعرًا، وَقَدْ هجاه الفرزدق، وكانت خالة ابْنُ فسوة تهاجي اللعين المنقري فقالت
يذكرني سبالك [2] اسكتيها [3] ... وأنفك بظر أمك يالعين
وهي القائلة:
__________
[1] شعر زياد الأعجم ص 170 مع فوارق كبيرة.
[2] السبال جمع سبلة، والسبلة: الدائرة في وسط الشفقة العليا، أو ما على الشارب من الشعر، أو طرفه، أو مجتمع الشاربين، أو ما على الذقن إلى طرف اللحية كلها، أو مقدمها خاصة.
القاموس.
[3] الأسكتان: شفر الرحم أو جانباه. القاموس(13/39)
أَيْنَ اللعين لا أريد غيره ... أقبل من رهبي يسوق عيْرَهُ
نحوي فما أَحْمَد نحوي سيره ... نايكته فشقَّ بطني [1] أيره
فَقَالَ اللعين: أو شق أيري بظرها.
ومنهم: غُنيم بْن قيس، كَانَ من أصحاب أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِي، وهو ممن أخذ الدرهمين حين فتحت الأبلة، وكان غنيم خطب امْرَأَة خطبها رَجُل من بني مازن، وخطبها قطري بْن الفجاءة فتزوَّجَها الرجل الْمَازِنِي وقَالَ:
دافعتُ عن ليلى خطوبًا كثيرة ... ودافعتُ عن ليلى غُنيمَ بْني كعب
ودافعت عَنْهَا ابن الفجاءة بعد ما ... بدا واضح الأنياب تبرق كالقُلْب
وولد ذُؤيب بْن كعب: عامر بْن ذؤيب. وعمرو بْن ذؤيب. وكاهل بْن ذؤيب. ونمير بْن ذؤيب. ومازن بْن ذؤيب.
وولد عوف بْن كعب: نُمير بْن عوف.
وولد مالك بْن عَمْرو بْن تميم:
مازن بْن مالك. وغيلان بْن مالك.
وغسان بْن مالك. وأسلم، وأمهم جندلة بِنْت فهر بْن مالك بْن النضر بْن كنانة. والحرماز بْن مالك، واسمه الحارث، وأمه ابْنَة سعد بْن زَيْد مناة.
وقَالَ غير ابْنُ الكلبي: أم الحرماز الصَّمَّاء من قُضاعة، وأمَّا غيلان فهو الَّذِي قطع رَجُل الحارث الأعرج بْن كعب بْن سعد فوثبوا عَلَيْهِ فقتلوه.
فولد مازن بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم: حُرْقوص بْن مازن.
وخُزاعي بْن مازن. وَرألان بْن مازن. وأنمار بْن مازن. ورزام بْن مازن.
وزَبينة بن مازن. وقَالَ غير الكلبي: وأثاثة بْن مازن، وهم قليل.
وذكروا أن رألان بن مازن قتل جدّته أم مازن، وهي جنّدلة بنت
__________
[1] بهامش الأصل: بظري.(13/40)
فهر بْن مالك بْن النضر لأن أباه قتل أم رألان فَقَالَ الشَّاعِر:
لا أرى ثائرًا كرألان ... والمرء عَلَى كل حالة محمول
فمن بني جَابِر بْن رألان بْن مازن: المفضل بْن عَاصِم بْن عَبْدِ الرَّحْمَن بْن شداد بْن أَبِي محياة بْن جَابِر بْن زُبيل بْن رألان، وكان يعرف بابن رألان، كَانَ عَلَى شرط البصرة زمن سلم بْن قُتَيْبَة بْن مُسْلِم الباهلي. وقَالَ بعضهم: هُوَ المفضل بْن عروة بْن عَبْد الرَّحْمَن، كَانَ عَلَى شرط سلم بْن قُتَيْبَة حين قاتل سُفْيَان بْن معاوية المهلبي فِي أول دولة بني الْعَبَّاس ومات بالبصرة.
وقَالَ بعضهم: هُوَ الفضل، والأول قول الكلبي، وأبي اليقظان، وهو الثبت.
وكان عاصم بْن المفضل قَدْ ولي شرطة البصرة فِي أيام خزيمة بْن خازم.
ومنهم: فيما ذكر أَبُو اليقظان: عُبَيْد بْن العَيْزَار، وكان فاضلًا فقيهًا، وكان يخرج من منزله فِي ثوبين نظيفين أبيضين، فإذا دخل منزله نزعهما ولبس مسحين واجتهد فِي العبادة تركًا للرياء.
فولد حرقوص بْن مازن: كابية. وعبد شمس. وحُشيش. وزيد مناة.
فمن بني كابية: قطري بن الفجاءة بن يزيد بْن زياد بْن حَنْثَر بْن كابية بْن حُرْقُوص بْن مازن بْن مالك بْن عَمْرو، واسم الفجاءة مازن بْن يزيد، وإنما سمي الفجاءة لأنَّه غاب باليمن دهرًا، ثُمَّ أتاهم فجأة، فلقب الفجاءة، وكان خارجيًا وَقَدْ كتبنا خبره ومقتله فِي كتابنا هَذَا. وكان قطري يكنى أبا نعامة.
ومنهم حَبيب بْن حَبيب بْن مروان بْن عامر بْن ضباري بْن حُجيَّة بْن كابية، أتي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ اسمه فَقَالَ: بغيض. فسماه حبيبا.(13/41)
ومنهم: هلال بْن أحوز بْن أربد بْن محرز بْن لأي بْن سُمَير بْن ضباري بْن حُجيَّة بْن كابية، كَانَ مسلمة بْن عَبْد الملك وجهه فِي طلب بني المهلب بقندابيل فقتلهم، وبعض ولده بخراسان.
وأخوه سلم بْن أحوز كَانَ عَلَى شرط نصر بْن سيار بخراسان، وهو الَّذِي قتل جَهم بْن صفوان الجَرْمي صاحب الجهمية بمرو، وقتل يَحيى بْن زَيْد بْن عليّ بالجوزجان، وقتل مُدرك بْن المهلب، ثُمَّ قُتل بعد بجرجان حيث قدم عَلَيْهِ قحطبة من قبل أبي مُسْلِم، فقتل من بها، وهزمهم.
وكان هلال يكنى أبا بشير، ومات بالشام فصلى عَلَيْهِ هشام بْن عَبْد الملك، وله ولد بالبصرة.
ومنهم: مالك بْن الرَّيْب بْن حَوْط بْن قُرط بْن حُسَيل بْن ربيعة بْن كابية بْن حرقوص، صحب سَعِيد بْن عثمان بْن عفان إلى خراسان، ومات بها وهو القائل:
لعمري لئن غالت خراسان هامتي ... لَقَدْ كنت عن بابي خراسان نائيا
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ مالك بْن الريب لصًا، وخرج إلى خراسان مَعَ سَعِيد بْن عثمان بْن العاص، فلما مرض للموت قَالَ:
لعمري لئن غالت خراسان هامتي ... لَقَدْ كنت عن بابي خراسان نائيا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا ... برابية إني مقيم لياليا
وخطَّا بأطراف الأسنة مضجعي ... وَرُدَّا عَلَى عينيَّ فضل ردائيا
ولا تمنعاني بارك اللَّه فيكما ... من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا
رهينة أحجار وبئر تضمنت ... قرارتها مني العظام البواليا
فِي أبيات.(13/42)
ومنهم: خُفاف بْن هُبيرة بْن مالك بْن عَبْد يغوث بْن سنان بْن كابية، كَانَ أشد فارس خرج من خراسان فِي دولة بني الْعَبَّاس، وكان مَعَ عَبْد اللَّهِ بْن عَلِيّ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَبَّاس، وخالف معه، ثُمَّ ظفر بِهِ أَبو جَعْفَر المنصور فقتله، وَقَدْ ذكرنا خبره فيما تقدم.
ومنهم: سَعِيد بْن مَسْعُود بْن الحكم بْن عَبْد اللَّه بْن مرثد بْن قطن بْن ربيعة بن كابية، كَانَ شريفًا وولاه عدي بْن أرطاة الفزاري عُمان، وولي أيضًا صدقات بَكْر بْن وائل.
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ سَعِيد يكنى أبا الزُّبَيْر، ولي صدقات بَكْر للحجاج، وولي عُمان لعدي، فضرب رجلًا من الأزد خيرًا [1] ، فِي ناقة كانت للأزدي مائة سوط، فأتى الأزدي عُمَر بْن عَبْد العزيز فاستعداه، وأنشده شعر كعب الْأَشْعَرِي:
إن كنت تحفظ ما وُليتَ فإنما ... عمال أرضك بالعراق ذئاب
لن يستقيموا للذي تدعو لَهُ ... حتَّى تقطع بالسيوف رقاب
بأكف منصلتين أهل بصائر ... فِي وقعهنَّ مواعظ وعقاب
لولا قريش نصرها ودفاعها ... ألفيتَ منقطعًا بك الأسباب
فكتب عُمَر إلى عدي: «إن تولتيك سَعِيد بْن مَسْعُود بليَّة، وقَدَرٌ قَدَّرَه اللَّه عليك، فابعث إِلَيْه من يعزله ويحمله إليّ ففعل فأراد ضربه فَقَالَ قمير بْن سَعِيد بْن مَسْعُود ابنه: أَنَا الَّذِي ضربت الرجل، فضرب مائة سوط، فَقَالَ سَعِيد لابنه قمير، وكان يُسمى عبد العزيز: يا عَبْد العزيز أصرر أذنيك
__________
[1] كثير الخير. القاموس.(13/43)
إصرار الفرس الجموح، وعض عَلَى ناجذك واذكر أحاديث غد. وَقَدْ كتبنا هَذَا الخبر فِي أحاديث عُمَر بْن عَبْد العزيز.
وقَالَ الشمردّل بْن شَرِيك يمدح بني الحكم:
ما قصر المجد عنكم يا بني حكم ... ولا تجاوزكم يا آل مَسْعُود
إن تشهدوا يوجد المعروف عندكم ... سهلًا وليس إِذَا غبتم بموجود
وأم قُمير بْن سَعِيد ابْنَة مُرَّة الكَتّان، وكان قمير يكنى أبا الهذيل وكان جلدًا، وهو أوثق بلال بْن أَبِي بردة وحمله إلى يُوسُف بْن عُمَر.
وكان هَدّاب بْن مَسْعُود أخو سَعِيد، وأمه أم ولد، من وجوه بني مازن.
وكان عَمْرو بْن هداب، وأمه أم هاشم بِنْت عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم الباهلي، وكان عَمْرو يكنى أبا أسيد، ولي فارس لمنصور بْن زياد، ولخازم بْن هداب عقب بالأهواز [1] .
ومنهم: مرة بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن ثعلبة بْن مرثد بْن قطن بْن ربيعة بْن كابية، الَّذِي يُقال لَهُ مرة الكتان، كَانَ شريفًا، وكان يلبس الكتان، فأضيف إِلَيْه، وكان مَعَ المهلب فقتلته الخوارج أيام قطري، فلما أُتي برأسه بكى فقيل لَهُ: يا أمير المؤمنين أتبكي عَلَى رَجُل من أَهْل النار؟ فَقَالَ: عَلَى أهل النار فليبك الباكون، وله ولد بفارس يُقال لهم بنو خِداش بْن زُهَيْر بْن مرة.
وقَالَ أَبُو عبيدة: كَانَ مرة الكتان مَعَ عَبْد الْعَزِيز بْن عَبْد اللَّهِ بْن خَالِد بْن أسيد حين قتل.
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت معارضة بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله الحمد.(13/44)
ومنهم: شُعْبَة بْن القِلْعِمْ- مخفف- وبعضهم يَقُولُ: القِلْعِمّ- فيشدد الميم- بْن خفاف بْن عَبْد يغوث بْن سنان بْن ربيعة بْن كابية بْن حرقوص، كَانَ شريفًا فِي زمن زياد، وكان لسنًا، وبعثه الحجاج إلى عَبْد الملك ومعه مال، فهلك بالشام.
فولد شُعْبَة: عَبْد اللَّه. وعمر. وخالدًا.
قَالَ أَبُو الْحَسَن المدائني: نظر الأحنف إلى خيل لبني مازن فَقَالَ: هَذِهِ خيل قلما تُدرك بالثأر، فَقَالَ شُعْبَة: أما فِي أبيك فقد أدركت بثأرها، فَقَالَ الأحنف: لشيء ما قيل: دع الكلام للجواب، وكانت بنو مازن قتلت قيسًا أبا الأحنف فَقَالَ البَلْتَع.
هُمْ منحوا قيسًا صدور رماحهم ... فَأَتْلَفْنَهُ والحارث بْن خِلاس
وقتل قيس يَوْم تَيَّاس.
وقَالَ عَبْد اللَّه بْن شُعْبَة حين احتضر: إنَّ عليّ دينًا، فلا تقضوه، فإن لي ذنوبًا أعظم من الدين فما أحسن حالي إن بُلغ بي إلى الدين، اللهم إن تغفر تَغْفِرْ جَمًّا.
وأبو الهمهام أخو شُعْبَة بن القِلْعِم وكان جافيًا.
حَدَّثَنَا المدائني قَالَ: لما قدم عَبْد اللَّه بْن عَامِر بْن كريز البصرة واليًا أيام عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ صعد المنبر فأرتج عَلَيْهِ فاغتم، فلما كانت الجمعة الأخرى قَالَ لزياد: مُرْ بعض هَؤُلَاءِ يتكلم، فَقَالَ لأبي الهمهام الْمَازِنِي: قم فتكلم وكان جافيًا فصعد المنبر فَقَالَ: الحمد للَّهُ الَّذِي خَلَقَ السموات والأرض فِي ستة أشهر، فقيل لَهُ: إنها ستة أيام. فَقَالَ: ما عَظَّمْتُ من عظمة اللَّه وأمره فهو أفضل.(13/45)
وولاه الحجاج فرات البصرة فاجتمع إِلَيْه أهل البلد لينظر فِي أمر خراجهم فَقَالَ: لستُ من همتكم فِي شيء، ولا بد أن تقشعوا عن جلال [1] من تمر، وقطف بيض لأم الهمهام. فأوقروا لَهُ سفينة تمرًا، وأعطوة عشر قطائف، فترك عمله، وانصرف إلى البصرة.
وكان خَالِد بْن شُعْبَة جميلًا، فكان الحجاج يعجب من جماله وبيانه، وكان أيضًا يعجب بأخيه عُمَر.
وولد خزاعي بْن مازن: جُلّ. وحُجر. وربيعة. وصُعَيْر. منهم:
عباد بْن علقمة بْن جعفى بْن أَبِي رومي بْن حُزابة بْن صُعير بْن خزاعي، وهو الَّذِي يُقال لَهُ عباد بْن أخضر، وأخضر زوج أمه، بعثه عُبَيْد اللَّه بْن زَياد إلى بلال بْن مرداس فقتله وأصحابه بفارس، فلما انصرف عرض لَهُ ناس من الخوارج بالبصرة فقتلوة، وَقَدْ ذكرنا خبره، وقَالَ الشَّاعِر:
لقد كَانَ قتل ابني شُمَيْر خيانةً ... كما قَالَ ذؤبان العراق ابن أخضرا
وقيل انه قتله قوم من أهل البصرة، وقيل قتله الخوارج. وكان عباد بْن عباد سريًا وفيه يَقُولُ اللعين:
أَعَبَّادُ إنَّا إنْ نَزُرْكَ فطالما ... سَمَا لَكَ بيُّوتُ الهمومِ الطوارقِ
وقَالَ آخر:
لا خير فِي نائل الفتيان تسألهم ... إلا سؤالك عباد بْن عباد
وكان معبد بْن علقمة أخو عباد شاعرًا، وقتل قاتل أخيه مَعَ ناس من قومه، وكان مالك بْن الريب حبس فِي سرف [2] بمكة فأخرجه بجاهه، وكان
__________
[1] الجلال: أوعية من خوص. وقشع القوم: فرقهم، وأقشعوا تفرقوا. القاموس.
[2] سرف: موضع على ستة أميال من مكة. معجم البلدان.(13/46)
لمعبد تَيْسٌ يُطْرِقه فَقَالَ حارثة بْن بدر:
يظل التيس عندكم مصونًا ... لينز بِهِ إِذَا ما يُستعار
فَقَالَ معبد:
ألم تر أنَّ حارثة بْن بدر ... يُصلّي وهو أكفر من حمار
وأن المال يَعْرف من بغاه ... وتعرفك البغايا والعقار
ومنهم: حاجب بْن ذبيان، الَّذِي يُقال لَهُ حاجب الفيل، كَانَ فارسًا شاعرًا من فرسان خراسان، وكان ضخمًا فشُبِّه بالفيل فِي عظمه، وهو القائل فِي أمر اللُّهابة- وَيُقَال اللَّهابة- حين أخذت من بني فقيم ودفعت إلى بني كعب من بني العنبر فِي أبيات:
أحنظل إني لم أجد لدليلكم ... يدًا فِي بني كعب تُعينُ ولا رجلًا
هُمْ دفعوكم عن تراث أبيكم ... فلم ترثوا خيلًا ولم ترثوا إبلًا
وبنو ناشرة، من بني أسد من بني كابية فيما يُقال، قَالَ الشَّاعِر:
أنتم بنو كابية بْن حُرقوص ... كلكم هامته كالأفحوص [1]
ومنهم: مخارق بْن شهاب بْن قيس، كَانَ شاعرًا فارسًا فِي الجاهلية. وأغار قوم من بني يربوع، وَيُقَال من بني بَكْر بْن وائل، عَلَى إبل لابن المكعبر الضبي، فاستغاث بمخارق، فَقَالَ لَهُ: والله ما أنت لي بجار، فاطلب إبلك فانصرف عَنْهُ فجعل مخارق يبكي، فقالت لَهُ ابنته: ما يبكيك؟
قَالَ: جاءني رَجُل من شُعراء العرب فسألني إغاثته فأبيت، فأخاف أن يهجوني. قَالَتْ: فأغثه. فاستنجد بني رزام بْن مازن فأجابوه، فأدرك إبله وردها عَلَيْهِ. وقَالَ المخارق لرزام حين أنجدوه:
__________
[1] الأفحوص: مجثم القطا في التراب. القاموس.(13/47)
لنعم بنو الهيجا رزام بْن مازن ... إِذَا أَنَا من خوفٍ شددتُ بهم أزري
وقَالَ أيضًا:
لَعَضَّ الَّذِي أَبْقَى المواسي من امه ... خفيرٌ رآها لم تُشَمِّر وتغضب
فِي أبيات. وقَالَ محرز بْن المكعبر:
فهلا سعيتم سعي عصبة مازن ... وهل أنتم والأكرمون سواء
لهم أَذرعٌ بادٍ نَوَاثر لحمها ... وبعض الرجال فِي الحروب غثاء
كأنَّ دنانيرًا عَلَى قسماتهم ... وإن كَانَ قَدْ شَفَّ الوجوه لقاء
وقَالَ ابْنُ المكعبر:
لولا الإله ولولا سعي كالئها ... وابنا شهابٍ عفا آثَارَهَا المَوْرُ [1]
ومن بني خزاعي بْن مازن: مازن بْن جحش بْن عيثان، رئيس بني عَمْرو بْن تميم يَوْم الدفينة، حين أغاروا عَلَى بني سُليم، فأصابوا بني رِعْل، فَقَالَ حاجِب بْن ذبيان:
بنو مازنٍ قومي ومن يَكُ فاخرًا ... بأيام قومي مازن لا يكذب
فِي أبيات.
وولد أنمار بْن مازن: وهب بْن أنمار. فولد وهب: عُرفطة. وأَذَبَة.
فولد عُرفطة: سَيّار بْن عرفطة. ومعاوية بْن عرفطة. ومُرَيْط بْن عُرفطة.
منهم: أَبُو عَفراء، وهو عُمير بْن سنان بْن عَمْرو بْن الحارث بْن سيار بْن عُرفطة بْن وهب بْن أنمار، كَانَ شاعرًا، وكان مَعَ عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كُريز بسجستان حين ولاه إياها القباع، فِي أيام ابْنُ الزُّبَيْر، فقاتل رَتبيل، فتولى أَبُو عفراء قتل رتبيل بيده فقال:
__________
[1] المور: الموج والاضطراب. القاموس.(13/48)
فلولا ضَرْبَتي رَتْبِيل فاظَتْ ... أَسَارى منكُمُ قَمْلَى السِّبَال
دَلَفْتُ لَهُ برجْل العنز لما ... تواكلت الفوارس والرجال
لأورث مَجْدَهَا أبدًا تميمًا ... إِذَا عُدَّ المآثر والفعال
قَالَ: ورِجْل العنز سيفه، كَانَ فِيهِ أعوجاج، وَيُقَال كَانَ شبيهًا بالسيف من حجارة، وكان يشبه رَجُل العنز، وَيُقَال كَانَ عمودًا يشبه رَجُل العنز، وقَالَ بعضهم: كَانَ فرسًا وذلك باطل؟
وقَالَ ابْنُ الكلبي: كَانَ مَعَ ابْنُ سمرة، والأول أثبت.
ومن بني زَيْد مناة بْن حرقوص بْن مازن: عقبة بْن حرب بْن عَبْد اللَّه بْن مَرْثد بْن أُبيّ بْن زَيْد مناة بْن حرقوص كَانَ من فرسان خراسان فِي دولة [1] بني الْعَبَّاس وكان قائدًا.
ورئاب بْن شداد بن عبد الله بن مرثد بن أبي بْن زَيْد مناة بْن حرقوص، كَانَ من فرسان خراسان، وحوصر بنهاوند فتدلَّى من مدينتها ليلَّا وَقَدْ لبس السلاح فنجا.
ومنهم: سَوَّار بْن الأشعث، كَانَ يلي سجستان، وغَلب عليها فِي أيام الفتنة، هَذَا قول ابْنُ الكلبي:
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ سوّار من أشجع النَّاس وغَلب عَلَى سجستان فِي أيام الفتنة فَقَالَ:
يدعون سَوّارًا إِذَا حمس الوغى ... ولكل يَوْم كريهة سَوَّار
وقتله بحير بْن سَلْهَب العجلي بسجستان، ولقبة بُحَيّر، وهو الَّذِي يَقُولُ:
__________
[1] بهامش الأصل: خ- دعوة.(13/49)
الأنْكَدَان مازن ويربوع ... ها أنَّ ذا اليوم شرّ مجموع
وقال علي بْن مُحَمَّد بْن أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِيّ: ولي خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري الأصْفَح بْن عَبْد اللَّه الكلبي سجستان، فلما قدمها تهيأ للغزو، فأشار عَلَيْهِ البعّار التيمي ألا يفعل، وقَالَ: ليس هَذَا بوقت غزو، فانتظر يأت وقته، فَقَالَ: إنك قَدْ خرفت، وسار حتَّى دخل الشِّعْب الَّذِي يُعرف بشعب الأصفح، وجبل الأصفح، فأخذوا عليه بالشعب، فقتل الأصفح والناس، وأسر سوار بْن الأشعر الْمَازِنِي، فَقَالَ سوار بْن الأصفح:
يا أصفح الخير من للمعتفين غدًا ... إذ غال نفسك والجود المقادير
ومن لعان أسير لافكاك لَهُ ... إِذَا تأَوَّه غَنَّتْهُ المسامير
مُخَرَّقُ الجلد من وقْعِ السلاح بِهِ ... وفي المحامين يَوْم الروع شمِّيرُ
ليت المنية كانت بينَنا قُسِمَتْ ... بالشِّعْبِ يَوْم تُناديكَ الغواوير [1]
فِي أبيات. وتخلص سوار، فلما قتل الوليد بْن يزيد، ووقعت الفتنة، وَلِّي عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ عامل يزيد بْن الوليد الناقص عَلَى العراق: حرب بْن قطن الهلالي سجستان، فمكث شهرين واليًا، ثُمَّ خرج كراهة الفتنة، وولي سجستان بعده سوار بْن الأشعر، فقاتلت بكر بني تميم، وقالوا: ليس سوار بوالٍ. وبعثوا إلى عَبْد اللَّه بْن عُمَر ليبعث إليهم واليًا من قبله، فبعث إليهم سَعِيد بْن عَمْرو الأعور، وهو سَعِيد بْن عَمْرو بْن يَحيى بن سعيد بن العاص الأموي، فرضيت بِهِ بنو تميم وأبته بَكْر، وخرج خارجي من بَكْر بْن وائل بخيل الأصفح فقتله رَجُل من قريش، وجاء برأسه إلى الأعور، فأمر بِهِ فقتل، وضرب عنق رَجُل من بني تميم فاجتمعت عليه تميم
__________
[1] الغار: الجمع الكثير من الناس، والجيش. القاموس.(13/50)
وبكر، وقالوا: أخرج عنا وجمعوا لَهُ نفقته، فخرج عَنْهُمْ، وافتعل بُحير وهو بُحير بْن السلهب العجلي عهدًا عَلَى لسان عَبْد اللَّه بْن عُمَر عَلَى سجستان وكرمان، فوقع الشر، فاقتتلت تميم وعليها سوار بْن الأشعر وبكر وعليها بُحير بْن السلهب ثُمَّ تفرقت تميم عن ابْنُ الأشعر فَحُصر، وقيل إن رجلًا من كلب أقبل في أربعمائة من أهل الشام من السند إلى سجستان، فبعث إلى سوار: إئْذن لنا نكن معك، فأذن لهم، فاستمال بُحير بْن سلهب كلبًا، وجعل للرجل الكلبي مالًا، وصار إليهم بُحير فِي الليل متنكرًا، فطرقوا سوارًا فِي ليلة جمعة فِي دار الإمارة فقتل، واصطلح النَّاس وأمنوا. وقَالَ أَبُو جلدة وكان مَعَ بَكْر:
قَرِّبي يا حُلّيُّ ويحك درعي ... لَقَحَتْ حربُنا وحرب تميم
إخوة فرشوا الذنوب علينا ... من حديث من دهرنا وقديم
ليس من خام عن قراع المنايا ... حين أَبْدَتْ عن ناجذ بكريم
طلبوا صلحنا وَلاتَ أوانٍ ... إنَّ ما يطلبون عند النجوم
فِي أبيات.
وكان لابن الأشعر أربع وتسعون سنة.
ومنهم: شُعبة بْن عثمان بْن كُريم بْن عمرو بْن قَهْزمة بْن خيثمة بْن وقاص بْن بادية بْن زَيْد مناة بْن حرقوص، وهو الَّذِي وجهه عَبْد اللَّه فِي طلب مروان بْن مُحَمَّد الجعدي.
وقال أبو اليقظان: من بني حرقوص: خيثمة بْن مشْجَعَة، ويكنى أبا مطر، وأتى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فحمل عَلَيْهِ بالدّرة فهرب(13/51)
من بين يديه، فقيل لَهُ لم هربت؟ فَقَالَ: وكيف لا أهرب من بين يدي من يضربني ولا أضربه.
ومن بني خزاعي بْن مازن: زُهَيْر- ويلقب السكب- بْن عروة الَّذِي يَقُولُ وكان جاهليًا قديمًا:
إِذَا اللَّه لم يَسْق إلا الكرام ... فأسقى الإله بني حنبل
مُلِتًّا هَزيمًا دَرير السحاب ... شديد الصلاصل والأزمل
تُكَفكِفُهُ بالعشيِّ الجنوب ... وتُفْرِغُهُ هُدَّةُ الشَّمْأل
كأنَّ الرباب دُوَيْنَ السحاب ... نَعَام يُعَلَّق بالأرجل
وقَالَ غير أَبِي اليقظان: ليس هَذَا البيت الأخير لَهُ.
وفيه يَقُولُ حُريث بْن سَلَمة من ولد صعير بْن خزاعي:
أَنَا ابْنُ مُخَفّض والسَّكب خالي ... وما أَنَا من بني رجْل الحمار
ومن ولد خزاعيّ: حُريث بْن مُخَفّض الَّذِي يَقُولُ:
ألم تَرَ قومي إنْ دُعُوا لُمِلِمَّةٍ ... أجابوا وإن أغضب عَلَى القوم يغضبوا
ومن ولد السَّكْب: النَّضْر بْن شُميل بْن خرشة بْن يزيد بْن كلثوم بْن عبدة بْن زُهَيْر السَكب، وكان صاحب قرآن وحديث، وهو من غلمان أَبِي عَمْرو بْن العلاء.
قَالَ ومن بني خزاعي: عمار بْن العُريان، وابنه العلاء، ومعاوية، فأمَّا معاوية فكان سريًا وولي ولايات فِي أيام الحجاج، وقتله يزيد بْن أَبِي مُسْلِم، صاحب الحجاج فِي العذاب ولا عقب لَهُ.
وأمَّا العلاء فولد: أبا عَمْرو [1] ، وأبا سُفْيَان فأمَّا أَبُو عَمْرو فكان عالما
__________
[1] بهامش الأصل: أبو عمرو بن العلاء.(13/52)
بالعربية وقرأ القرآن عَلَى عَبْد اللَّه بْن كَثِير الْمَكِّيّ، وَقَدْ ختم عَلَى مجاهد ختمة.
وكان عَبْد اللَّه بْن كَثِير من غلمان مجاهد، وكان أبو عمرو يسمى زبّان بْن العلاء، وقَالَ الفرزدق:
ما زلت أفتح أبوابًا وأغلقها ... حتَّى أتيت أبا عَمْرو بْن عمار [1]
وكان أَبُو عَمْرو يَقُولُ: لقد علمت من أمر القرآن ما لو كُتب وحمله الْأَعْمَش ما قَويَ عَلَى حمله.
وكان خرج إلى الشام يريد عَبْد الوهاب بْن إِبْرَاهِيم الْإِمَام، فمات بالطريق، ولأبي عَمْرو عقب بالبصرة.
وأمَّا أَبُو سُفْيَان بْن العلاء فكان سريًا، وكان يَقُولُ: من لا يحفظ أخاه بعد موته لا يحفظه فِي حياته، وكان يجري عَلَى عيال قوم من إخوانه بعد موتهم وكان صديقًا لابن المقفع، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
إلى أبي سفيان في قيابه [2] ... جُبْنَ سواد الليل فِي جلبابه
إليك يا خير فتى يُعنى بِهِ
وله عقب بالبصرة، ومن النَّاس من يَقُولُ أن العلاء مَوْلَى لهم.
قَالَ ومن بني رِزام بْن مازن: قَسامة. وعُقبة ابنا زُهَيْر فأمَّا قسامة بْن زُهَيْر فكان من فقهاء أهل البصرة، وقتل بعُمان مَعَ القاسم بْن سِعِن السعدي وله عقب بالبصرة. وأمَّا عقبة بْن زُهَيْر أخو قسامة بْن زُهَيْر فكان من فرسان بني تميم، ويكنى أبا عون وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
قَبَحَ الإله عصابة وَلَحَاهُمُ ... تركوا وراءهم أبا المختار
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] المتقوب: المتقشر، والذي سلخ جلده من الحيات. القاموس.(13/53)
حاشا الغلام الْمَازِنِي فإنه ... يَوْم الحفيظة خلفهم كرار
ومنهم: هلال بْن الأشعر، كَانَ أكولًا، زعموا أَنَّهُ أكل بكرًا، إلا ما حمل منه على ظهره.
قال ومن بني زبينة بْن مازن: عاصم بْن جُويرية، وكان يكنى أبا يسار، وكان سيدًا فِي الجاهلية وفيه قَالَ [1] الشَّاعِر:
وما شهد ابْنُ شُعْبَة ذات غَوْل ... ولا بالجوع جمع أَبِي يسار
وأنت على خوانك مُجْرَهِدُّ [2] ... شديد اللقم مسترخي الإزار
ابْنُ شُعْبَة: يعني عَبْد اللَّه بْن شُعْبَة بْن القِلعم الْمَازِنِي.
قَالَ: ومن بني حُرقوص: شَرْسَفة بْن خليف كَانَ فارسًا فقتل رجلًا من بني يشكر يُقال لَهُ إساف، فقتله بنو يشكر بِهِ، فَقَالَ بعض اليشكريين:
هَلْ فوق فضل إساف فضل سيدكم ... شَرْسَفَّة بْن خليفٍ مُوقد النار
وكان الحارث بْن معاوية بْن شرسفة من رجال بني تميم، وكان عَلَى مقدمة سلم بْن زياد حين ولي خراسان، ومات بالبصرة.
كَانَ عَبْد الكريم بْن عَبْد اللَّه بْن الحارث بْن معاوية بْن شرسفة رئيس بني تميم أيام أغزى أمير المؤمنين أَبُو جَعْفَر الديلم، وله عقب بالبصرة.
قَالَ ومن بني حُشيش بْن حرقوص، وَيُقَال أن اسم حرقوص معاوية:
كَثِير بْن شنظير، وكان يروي عن الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن الْبَصْرِيّ.
قَالَ ومن بني حرقوص: الغُطَرَّق [3] ، وهو الحصين بْن كدير. ونويرة بْن وضاح بْن كُدير. فأمَّا الغُطَرَّق فولاه الحكم بْن أيوب الثقفي عامل الحجاج
__________
[1] بهامش الأصل: يقول.
[2] الجرهد: السيار، النشيط، القاموس.
[3] تقدم خبره في ج 7 ص 323، واسمه هناك «العظرت» وسير ذكره ثانية في 5769.(13/54)
سفوان، وركب إِلَيْه الحكم يومًا ودعا بغدائه الَّذِي حمل معه، وحضر الغُطَرَّق فتغدى معه، وأُتي الحكم بدراجة وكان بخيلًا، فانتزع الغُطَرَّق فخذها فناوله غلامًا لَهُ يُقال لَهُ واقد، فعزله الحكم واستعمل نويرة فَقَالَ نويرة:
قَدْ كَانَ بالعِرق صيد لو رضيتَ بِهِ ... فِيهِ غنًى لَكَ عَن دراجة الحكم
وفي عوارض لا تنفك تأكلها ... لو كَانَ يشفيك أكل اللحم من قرم
وفي وطاب مملاة مثممة [1] ... فيها الشفاء الَّذِي يشفي من السقم
فعزل الحكم نويرة وولى المُحلِّق الضبي فَقَالَ نويرة:
أبا يوسف لو كنت تعلم طاعتي ... ونصحي إذن ما بعتني بالمحلق
ولا اعتلَّ سَرَّاق العرافة صالح ... عليَّ ولا حُمِّلت ذنبَ الغْطَرَّق
وما جعل البازي الَّذِي بات طاويًا ... إلى خَرَبٍ [2] رخو الجناحين مرهق
ولا عقب لنويرة.
ومن بني حرقوص: سعد بْن قَرْحاء، من سادة بني مازن، وكان الأحنف إِذَا غاب عن بني تميم كَانَ مكانه، وكان يُقال لَهُ: رِدف. ولَهُ عقب.
ومن بني عبشمس بن حرقوص: صالح بن كدير، وكان رئيسًا ولاه الحجاج بيت المال وكان يسميه قف الأمانة، وله عقب.
ومن بني مازن: أوفى بْن مطر، كَانَ مثل سليك والمنتشر يغير راجلًا ولا يُلحق، وخرج أوفى فِي عدة من أصحابه فلقوا أعدادهم من بني أسد فشغل كل واحد بقرنه، فجرح أوفى فظنوا أَنَّهُ قَدْ مات ثُمَّ زحف وكان قَدْ نعي فقال:
__________
[1] ثمم: الطعام أكل جيده. القاموس.
[2] الخرب: ذكر الحبارى. القاموس.(13/55)
ألا أبلغا خُلتي جَابِر ... بأن خليلك لم يقتل
تخطأت النبل أحشاءه ... وأخّر يومي فلم يُعجل
إِذَا ما أتيت بني مازن ... فلا تَفْلِ رأسًا ولا تغسل
فليتك لم تك من مازن ... وليتك فِي البطن لم تُقْبَل
وولد الحرماز بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم: بَكْر بْن الحرماز. ونُكرَة بْن الحرماز. وحَدْحَد بْن الحرماز. وعبد اللَّه بْن الحرماز. وجشم بْن الحرماز.
ومحمد بْن الحرماز.
فولد عَبْد اللَّه بْن الحرماز: هُبَل. وأهضم. وجَنْب.
فولد جَنْب: غضبان بْن جنب.
فولد غضبان: مُخاشن.
وولد حدحد بْن الحرماز: حُرقة.
فولد حُرقة: مالك بْن حُرقة. وهلال بْن حرقة.
وولد بَكْر بْن الحرماز: ذؤيب بْن بَكْر. وعمير بْن بَكْر.
فولد عمير بْن بَكْر: أسود بْن عمير.
فولد أسود: صُدَيّ بْن أسود.
فمن بني الحرماز: عَبْد اللَّه الأعور الكذاب، وكان شاعرًا وهو القائل:
لست بكذاب ولا أثّام ... ولا عبَّام [1] ولا مصرام
ولا أحب خلة اللئام ... ولا أكول خبث الطعام
صمام عن ذلكم صمام ... إني لمما يشتكى عرامي
لما يخاف صولة اللهام
__________
[1] العبام: العي الثقيل. القاموس.(13/56)
وهو القائل لمنذر بن الجارود:
يا بن المعلَّى أَجحفتْ إحدى الكبر ... أنت لها منذر من بين البشر
قَدْ أهلكت إن لم تُغَيَّر بِغِيَرْ ... إليك أشكو حاجتي ومفتقر
فِي أبيات. وقَالَ أيضًا:
يا حكم بْن المنذر بن الجارود ... سرادق المجد عليك ممدود
أنت الكريم والجواد المحمود ... والعود قَدْ ينبت فِي أصل العود
وقَالَ في بني الحرماز:
إن بني الحرماز قوم فيهم ... ظلم وإبرار عَلَى أخيهم
فأصبب عليهم شاعرًا يخزيهم ... يعلم فيهم مثل علمي فيهم
وكان جَابِر بْن جحدر سيد بني الحرماز بالبادية وله عدد بها كبير.
وكان منهم: سبرة بْن يزيد، وقَالَ بعض شعرائهم:
لبعض جبال الثلج ألين جانبًا ... لمختبط من سبرة بْن يزيد
وولد غيلان بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم: عَمْرو بْن غيلان.
فولد عَمْرو: عوف بْن عَمْرو.
فولد عوف: بُرمة بْن عوف.
فولد بُرمة: جَابِر بْن برمة. وغُنيم بْن برمة.
وقَالَ ابْنُ الكلبي: ومن بني مالك بْن عَمْرو بْن تميم: فراس. ووحشي ابنا شُعْبَة بْن شماس، وليا سجستان لزياد ولابنه عُبَيْد اللَّه بْن زياد.
وقَالَ غير الكلبي وأبو اليقظان أيضًا: من ولد غسان بْن مالك بْن عَمْرو بْن تميم:(13/57)
صفوان بْن محرز [1] بْن زياد العابد،
وَقَدِ انقرضوا فلم يبق منهم أحد.
ومات صفوان بْن محرز أيام ابْنُ زياد بالبصرة ولا عقب لَهُ. وكان صفوان يعرف بالمازني، وكان نازلًا فيهم.
وحَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم الدورقي فِي إسناده عن صفوان بْن محرز الْمَازِنِي أَنَّهُ قَالَ: كنت امرأ شاعرًا، ثُمَّ أقبلت عَلَى القرآن وتعلمته. قَالَ: وكان لصفوان سَرَبٌ يصلي ويبكي فِيهِ.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم، ثنا عَبْد الرَّحْمَن بْن مهدي عن حَمَّاد بْن زَيْد عن هشام عن الْحَسَن قَالَ: قَالَ صفوان بْن محرز: إِذَا أتيت أهلي فقرَّبوا إليَّ رغيفًا فأكلته وشربت عَلَيْهِ من الماء فعلى الدنيا العفاء.
قَالُوا: وكان لصفوان خص مائل فقيل لَهُ لو دعمته فَقَالَ: أدعمه وأنا أموت غدًا؟
قَالُوا: وأخذ ابْنُ زياد ابْنُ أخ لصفوان فحبسه فِي السجن فتحمل عَلَيْهِ بقوم من الوجوه فلم يجب إلى أخراجه، فَقَالَ صفوان: لأطلبنّ خلاصه فلم يقدر عَلَيْهِ، فتوضأ وصلى ودعا، فلما كَانَ فِي الليل رَأَى ابْنُ زياد رؤيا هالته، فدعا بصاحب شرطته وأمره بفك حديد ابْنُ أخي صفوان وإخراجه، فأخرج من ساعته.
قَالُوا: وكان صفوان إِذَا قرأ: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي منقلب ينقلبون [2] بكى ونشج حتَّى كَاد يموت.
قَالُوا وكان يصبح فيقول: لا أُمسي فيجتهد، ثُمَّ يُمسي فيقول: لا أصبح
__________
[1] بهامش الأصل: صفوان بن محرز.
[2] سورة الشعراء- الآية: 227.(13/58)
فيزداد اجتهادًا فِي العبادة. وكان يَقُولُ: لو تهدد أحدكم السلطان بضرب أَوْ حبس لم ينم ليله خوفًا فكيف بعذاب اللَّه الَّذِي أوعده من عصاه؟ ثُمَّ يخر مغشيًا عَلَيْهِ. ومات فِي ولاية بشر بْن مروان.
وقَالَ أَبُو اليقظان: من ولد غيلان بْن مالك: عاصم بْن دُلف، ويكنى أبا الجرباء، شهد فتح تستر مَعَ مجزأة بْن ثور، وشهد يَوْم الجمل، فقتل يومئذ، وكان مَعَ عَائِشَة، رَضِي اللَّه عَنْهَا وهو القائل:
أَنَا أَبُو الجرباء واسمي عاصمْ ... فاليوم قتلى وغدًا مآتم
وولد الهجيم بْن عَمْرو بْن تميم: عَمْرو بْن الهجيم. وسعد بْن الهجيم. وعامر بْن الهجيم. وربيعة بْن الهجيم وأنمار بْن الهجيم.
فولد عَمْرو بْن الهجيم: الحارث بْن عَمْرو. ومعاوية بْن عَمْرو، ويدعون الحبال. وبُلَيل بْن عَمْرو، وهو قُتَلُ [1] . قَالَ:
وذي نسب ناء بعيد وصلته ... وذي رحم بللتها ببلالها
فسمي بُلَيلًا:
وقَالَ أَبُو عبيدة: هُوَ بلال. وغسان بْن عَمْرو بْن الهجيم. يَقُولُ جرير:
وبنو الهجيم قبيلة ملعونة ... حصّ اللحى متشابهو الألوان
لو يسمعون بأكلة أَوْ شربةَ ... بعُمان أصبح جمعهم بعُمان
يتوركون بناتهم وبنيهم ... يتناعقون تناعق الغربان [2]
وولد الحارث بن عَمْرو: مُليح بن الحارث. وجشم بن الحارث وهو
__________
[1] بهامش الأصل: بضم القاف وفتح التاء.
[2] ديوان جرير ص 479 دون البيت الثالث.(13/59)
البَدْل. وجذيمة بْن الحارث. منهم: الهُملَّع بْن أعفر الشَّاعِر الَّذِي خطب إِلَيْه الزُّبَيْر بْن العوام، فرده وقَالَ:
إني لسمح البيع إن صفقت لها ... يميني وأمست للحواريّ زينب
وولد سعد بْن الهجيم: ثعلبة بْن سعد. والحارث بْن سعد.
وعرعرة بْن سعد. ومُرّن [1] بْن سعد.
فولد ثعلبة: عبدة بْن ثعلبة. وحييّ بْن ثعلبة. وبشر بْن ثعلبة.
وعامر بْن ثعلبة.
منهم: الحكم بْن نَهِيك، ولي كرمان للحجاج بْن يُوسُف، وقتل عَمْرو بْن سَلَمة بْن الحكم بْن نهيك، وكان مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن، قتله عقبة بْن سلم، وكانت لَهُ ابْنَة يُقال لها نَهِيكة، وبعضهم يَقُولُ بَهكنة.
وولد ربيعة بْن الهُجيم: أوس بْن ربيعة. وعوضة بْن ربيعة.
وجعفر بْن ربيعة. منهم أوس بْن غَلْفَاء، وغلفاء هُوَ ربيع بْن أوس بْن ربيعة بْن الهجيم الشَّاعِر فِي الجاهلية، وهو الَّذِي قَالَ يرد عَلَى يزيد بْن الصعق حين قَالَ:
ألا أبلغ لديك بني تميم ... بآية ما يحبون الطعاما
فَقَالَ:
فإنك من هجاء بني تميم ... كمزداد الغرام من الغريم
وهم مَنُّوا عليك فلم تُثبْهُم ... ثواب المرء ذي الحسب الكريم
__________
[1] بهامش الأصل: خ- مرّان.(13/60)
وكان بنو عَمْرو أسروه بضَلْفَع [1] فَقَالَ الشَّاعِر التميمي:
تركت النهاب لأهل النهاب ... وأكرهت نفسي عَلَى ابْنُ الصعق
جعلت ذراعي وشاحًا لَهُ ... وبعض الفوارس لا يعتنق
وَيُقَال أنهم أسروا زرعة بْن الصعق.
وولد أنمار بْن الهَجيم بن عَمْرو بْن تميم: عَمْرو بْن أنمار. منهم جُريَّة وهو كعب بْن أوس بْن عَبْد اللَّه بْن حديدة بْن عَمْرو بْن أنمار سيد بني الهجيم، وكان فارسها فِي الجاهلية.
وولد عامر بْن الهُجيم: رُضيّ بْن عامر. وحبيب بْن عامر، وهو غيث.
ومن بني الهجيم فِي رواية ابْنُ الكلبي: قيس بْن البهيم، وكان أسر زرعة بْن الصعق فِي غارة لبني كلاب عَلَى بني عَمْرو بْن تميم فقال:
تركت النهاب لأهل النهاب ... وأكرهت نفسي عَلَى ابْنُ الصعق
جعلت ذراعي وشاحًا لَهُ ... وبعض الفوارس لا يعتنق
وهذه الرواية خلاف الأولى:
ومنهم واصل بْن عُلَيم، ولي اصطخر لأبي جَعْفَر المنصور أمير المؤمنين، وكان شريفًا.
وقَالَ أَبُو اليقظان: من بني الهُجيم: الترجمان، ويزعمون أَنَّهُ كَانَ يترجم لكسرى، وولده يعابون بذلك.
فولد الترجمان: نَهيك، وكان نهيك نبيلًا شريفًا، وشهد مَعَ مروان بْن الحكم يَوْم مرج راهط، وكان عُمَر بْن الخطاب ولاه ولاية.
فولد نهيك: الحكم بْن نهيك ولاه الحجاج كرمان.
ومن بني سعد بْن الهجيم: سهم بن غالب الخارجي وقد كتبنا خبره في ما تقدم.
__________
[1] ضلفع: اسم موضع باليمن، وقيل ضلفع: قارة طويلة بالقوارة، وهي ماء وبها نخل من خيار دار لبر لبني أسد بين القصيمة وسادة. معجم البلدان.(13/61)
قَالَ: ومن بني الهُجيم: سليم بْن عُبَيْد شهد الجمل مَعَ عَائِشَة، وكان ابنه الحارث بْن سليم، ويكنى أبا خَالِد، من سادة بني تميم سخاء وكرمًا ونبلًا، وهو الَّذِي يَقُولُ فِيه رؤبة:
إنك يا حارث نعم الحارث [1] .
وكان عَلَى مقدمة هلال بْن أحوز حين بُعث إلى آل المهلب وهم بقندابيل، ومات بالبصرة ولا عقب لَهُ.
قَالَ: ومن الحبال من بني الهجيم: أَبُو ثور الشَّاعِر، وفيه يَقُولُ الفرزدق.
أخافُ الجماحَ من عجوز كبيرة ... وهند أَبِي ثور ثلاث روائم [2]
وقَالَ أيضًا:
إِذَا ما دخلتُ الدار دارًا أحبها ... فدار أَبِي ثور عليَّ حرام
إِذَا ما أتاه الزَّوْرُ ظَلَّ يُعِلُّهُ ... نبيذًا جَبَاليًا بغير طعام [3]
ومن بني غيث: الأخرم، وكان سيدًا فِي الجاهلية، وتزوج ابْنَة رَحَضة بْن قُرْط العنبري، فولدت لَهُ عَبْد اللَّه بْن الأخرم وكان سيدًا فَقَالَ لها فِي الجاهلية: غَنِّي، فقالت: إن الحرّة لا تغني. فقال لها: يا بنة رحضة غني فَقَالت:
لستُ من الغيثين غيث بن عامر ... ولا غيث مخزوم الدعيّ لغالب
ولكنني من عصبة عنبرية ... مُعاودة قِدْمًا قراع الكتائب
__________
[1] ديوان رؤبة بن العجاج ص 29.
[2] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.
[3] ديوان الفرزدق ج 2 ص 303.(13/62)
قال ومنهم: سليم بن سعيد، كَانَ سخيًا مطعامًا، ونزل البصرة فِي أول الزمان، وهو الَّذِي يَقُولُ لامرأته بَرْزة:
فكيف بذي القربى وذي الرحم والذي ... أتاني لما لم يجد متأخرًا
لأجبر مِنْهُ عظمه أَوْ أرْيشَهُ ... وَقَدْ جاءني يا بَرْزُ أَشعثَ أَغبرا
فقالت:
زمان لعمري عَضَّ بالناس عارقٌ ... عَلَى العظم معذور بِهِ من تَعَذَّرا
ومات بالبصرة ولا عقب لَهُ.
ومن بني الهجيم: عدي بْن نوفل، نعى رجلًا من قومه إلى أَبِيهِ فَقَالَ أَبُوهُ:
إن الَّذِي ينعى عدى بْن نوفل ... فتى كَانَ فِي الظلماء أروع ماضيًا
أرى الموت يفنينا قرونًا ولا أرى ... قرون لئام النَّاس إلا كما هيا
ومنهم: حنظلة بْن حُباشة، كَانَ من فرسان بني تميم بالبصرة وخراسان زمن الحجاج، وله عقب بالبصرة.
ومن بني الهُجيم: أَبُو تميمة الهجيميّ، كَانَ فقيهًا، وبسببه هجا جرير بني الهجيم، وذلك أَنَّهُ أتاه ينشده شعرًا فقام عَنْهُ وهو يقول: والشعراء يتبعهم الغاوون [1] . واسم أبي تميمة طَريف بْن مجالد، مات سنة سبع وتسعين.
وحدث أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كبير عن عَبْد اللَّه بْن واقد قَالَ: قَالَ أَبُو تميمة الهجيمي: لا دين إلا بمروءة.
وحدَّثني عُبَيْد اللَّه بْن مُعَاذِ قَالَ: قيل لأبي تميمة: كيف أصبحت؟ فقال
__________
[1] سورة الشعراء- الآية: 224.(13/63)
بين نعمتين: ذنب مستور، وثناء من النَّاس لم يبلغه عملي.
ومنهم: أَبُو فُوران، شهد الجمل مع عائشة رضي الله تعالى عنها، فضُربت يداه فَقَالَ لَهُ الأحنف: لو أطعتني لأكلت بيمينك، واستنجيت بشمالك وما كُنِعَتْ يداك.
ومنهم: قُراضة وعمار، كانا نبيلين، وقتلا مَعَ عَائِشَة يَوْم الجمل فَقَالَ الشَّاعِر:
عينيَّ جُودا بدمع منكما جارٍ ... عَلَى قُراضةَ إذْ وَلَّى وعمار
ومنهم: عامر بْن أُبيّ، خرج مَعَ ابن الأشعث، فلما عرض عَلَى الحجاج قَالَ لَهُ: أخَرجتَ عليّ فيمن خرج؟ فَقَالَ: رَأَيْت حميرًا تنهق فنهقتُ معها، فتبسم وخلَّي سبيله، وقَالَ أَيْنَ منزلك فِي بني الهجيم؟ قَالَ: واسط.
فمر بِهِ يومًا فرأى داره عند المقابر، فَقَالَ: ألم تزعم أن منزلك واسط؟ قَالَ:
نعم أنا بين أهل الدنيا وأهل الآخرة، وأمَّا أهل الدنيا فيؤنسونني، وأمَّا أهل الآخرة فيذكرونني.
وتزوج عامر امْرَأَة يُقال لها زهراء تميمية، وكانت قبله عند رَجُل من تميم فَقَالَ زوجها الأول:
إني عَلَى ما كَانَ من صَرْم بيننا ... لآتٍ عَلَى زهراء يومًا فناظر
وكيف نرجّي وصل زهراء بعد ما ... أَتى دون زهراء المليحة عامر
فمن بني الهجيم: نُقَيْر بْن حرملة، كَانَ سيدًا فِي الجاهلية، وله عقب بالبصرة.
ومنهم: قُطَيْبة، وكان شاعرًا، وهو القائل عند الموت:
كيفَ تَرَاني والمنايا تَعْتَرك ... تَجْنَحُ أحيانًا وحينا تَبْتَرك(13/64)
ومنهم: حُريبة الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ:
وعليَّ سابِغَة كأنَّ قَتِيرَهَا ... حَدَقُ الأساود لونها كالمجول [1]
ومن بني هجيم: جُرموز، روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وولد أسيد بْن عَمْرو بْن تميم: جروة بْن أسيد. وعمرو بْن أسيد.
ونمبر بْن أسيد. والحارث بْن أسيد. وعقيل بْن أسيد.
فولد جروة: غُويّ بْن جروة. وشريف بْن جروة.
فولد غويّ: سلامة بْن غوي- وجَهْوَر بْن غوي.
وولد شريف بْن جروة: معاوية.
فولد معاوية: مُخاشنًا.
وولد سلامة: حبيب بْن سلامة. وغويّ بْن سلامة. وصُرَد بْن سلامة.
فولد حبيب بْن سلامة: وَقْدان بْن حَبيب. وعمرو بْن حَبيب.
منهم: أَبُو هالة وهو عند بْن النباش بْن زرارة بْن وقدان، كَانَ زوج خديجة بِنْت خويلد قبل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن ولده: الحارث [2] ابنه، أول من قُتل فِي اللَّه فِي الْإِسْلَام تحت الركن اليماني.
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أَبِيهِ عن جَدّه أن الحارث بْن أَبِي هالة، هند بْن النباش، كَانَ فِي حجر خديجة بِنْت خويلد فأسلم وكان يظهر إسلامه، وينادي بِهِ فجلس يومًا فِي جماعة من قريش وغيرها، فذكروا
__________
[1] المجول: أي أبيض لأن المجول ثوب أبيض يجعل على يد من تدفع إليه القداح إذا تجمعوا.
القاموس.
[2] بهامش الأصل: الحارث بن أبي هالة رحمه الله.(13/65)
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما كرهه، فغضب ووقع بينه وبين رَجُل من سفهائهم شرٌّ، فوثب بِهِ فلم يزل يطأ فِي بطنه حتَّى حمل وقيذًا فمات، قَالَ هشام: وَيُقَال إنه صلى عند الركن، فوثب بِهِ بعض السفهاء فقتله.
قال هشام ابن الكلبي: وولدت خديجة لأبي هالة: هند بْن هند بْن النباش، شهد أحدًا، قَالَ: وبعضهم يَقُولُ شهد بدرًا، ونزل فِي قبره حمزة بْن عَبْد المطلب، وابنه هند بْن هند بْن أَبِي هالة قتل مَعَ ابْنُ الزُّبَيْر، ثُمَّ انقرضوا فلم يبق منهم أحدًا.
وقَالَ أَبُو اليقظان: اسم أَبِي هالة زرارة، مات بمكة فِي الجاهلية.
فولد أَبُو هالة: هندًا [1] ، أمه خديجة بِنْت خويلد: فكان يَقُولُ: أَنَا أكرم النَّاس أبًا، وأمأ، وأخًا، وأختًا، أَبِي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمي خديجة، وأختي فاطمة، وأخي القاسم. ورباه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وولد جُهْوَر بن غويّ بن جروة: حجر بن جهور. وجُهمة بْن جهور. ومُخاشن بْن جهور والأبيض بْن جهور.
فمن بْني مخاشن: حنظلة بْن الربيع [2] بْن رياح بْن مخاشن، صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يُقال لَهُ حنظلة الكاتب، وكان معه خاتم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فزعم بنو تميم أن الجن رثته حين مات.
وكان حنظلة دَيِّنًا، وبقي إلى زمن معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، وكان عند معاوية فحدث معاوية حديثًا فَقَالَ لَهُ حنظلة: ليس الحديث كذا، فانتهره يزيد بْن أسد، جد خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري، وقَالَ: أتردّ على أمير
__________
[1] بهامش الأصل: هند بن أبي هالة رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: حنظلة بن الربيع رحمه الله.(13/66)
المؤمنين؟ فَقَالَ معاوية: دعه فإنه أخي، كَانَ يكتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واكتب لَهُ، فحفظ ونسيت. ولا عقب لَهُ. وبعضهم يزعم أَنَّهُ دُعي فكتب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة واحدة.
وكان لرياح بْن الربيع [1] أخي حنظلة صحبة، وروي أَنَّهُ قَالَ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: للنصارى يَوْم ولليهود يَوْم، فلو كَانَ لنا يا رسول الله يوم؟ فنزلت سورة الجمعة.
ومنهم: أَبُو حَيْدة أكثم بْن صيفي [2] بْن رياح بْن الحارث بن مخاشن بْن جَهْور،
وبعضهم يَقُولُ: هُوَ مُخاشن بْن معاوية بْن شريف بْن جروة، كَانَ عاقلًا، عالمًا شاعرًا وبلغ مائة وتسعين سنة، وَيُقَال مائة وثلاثين سنة.
وقَالَ أَبُو اليقظان: ولد صيفي: أكثم. وربيعة. فأمَّا أكثم فكان يكنى أبا الحَفَّاد، وكان حكمًا فِي الجاهلية، وكان يكنى أيضًا أبا حَيْدة. وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
أيا أبا الحفَّاد أفناك الكِبر ... والدهر صرفان فَحزّ وحَصر
وأدرك مبعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعل يوصي قومه بإتيانه، والسَّبْق إِلَيْه، ولم يسلم. وكان يَقُولُ: كونوا فِي أول هَذَا الأمر، ولا تكونوا فِي آخره، وكونوا عند رأسه، ولا تكونوا عند رجله، وأتوه طوعًا ولا تأتوه كرهًا. وبلغ تسعين ومائة سنة وقيل لَهُ: ما الحزم؟ فَقَالَ: سوء الظن. وقَالَ:
إن امرأ قَدْ عاش تسعين حِجَةً ... إلى مائة لا يسأم العيش جاهل
قال: وله عقب بالكوفة.
__________
[1] بهامش الأصل: رياح بن الربيع رحمه الله.
[2] بهامش الأصل: أكثم بن صيفي.(13/67)
ومنهم حمزة القاري، فيما يُقال، ومات حمزة بالكوفة وله بها عقب.
وقَالَ الكلبي: إن أكثم خرج يريد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فمات قبل أن يصل إليه، فنزلت فيه الآية: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ على الله [1] .
ويروي غيره أن ذَلِكَ العيص بْن فلان، أَوْ فلان بْن العيص، وقَالَ بعضهم: نزلت فِي عدة خرجوا مهاجرين فماتوا فِي الطريق.
وقَالَ أَبُو اليقظان: حنظلة الكاتب بْن ربيعة بْن رياح، وأكثم عمه، وغيره يَقُولُ الربيع.
واستشار بنو تميم والرباب أكثم بْن صيفي بعد يَوْم الصفقة، حين قُتلوا وطمعت فيهم العرب فِي موضع يجتمعون فِيهِ فِي أمرهم، وهو يومئذ شيخ كبير، فنزع أكثم ثيابه وأراهم جسده وقَالَ: إن قلبي قَدْ نحل وضعف كما نحل جسمي وضعف، وإنما هُوَ بضعة مني ولكن ليحضرني ذوو الرأي من كل قبيل منكم وليشيروا بما عندهم فَعَسْيت إِذَا سَمِعْتُ حزمًا أن أعرفه فجاء أهل الرأي منهم، فاجتمعوا وتكلموا وهو ساكت لا يَقُولُ شيئًا حتَّى قام النعمان بْن مالك أحد بني جسّاس التيمي من الرباب فتكلم برأيه فَقَالَ أكثم: صدق أَبو جَوْنَة، فاجتمعوا بالكلاب.
وحدَّثني مُحَمَّد بْن الأعرابي قَالَ: قَالَ أكثم بْن صيفي: البخل فطنة والسخاء تغافل.
قَالَ: ومن سَأَلَ فوق قدره استحق الحرمان.
وقَالَ: الفقر مَعَ المحبة خير من الغنى مع البغضة.
__________
[1] سورة النساء- الآية: 100.(13/68)
وقَالَ: اللجاجة وَحْشَة.
وقَالَ: الحسود لا يسود. وقَالَ أكثم: ما شيء أحق سجن من لسان، وقالها بعده عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود.
وقال أكثم بن صيفي: لكل ساقطة لا قطة. يقول: لكل ساقطة من القول لا قطة يَنُمُّها ويُنَمِّيها.
وقَالَ: المكثار، والمهذار كحاطب الليل، شبهه بحاطب الليل لأنَّه ربما نهشته الأفعى والحية أَوْ لُسِع.
وقَالَ: الصمت يكسب أهله المحبة، وقَالَ: أسوأ اللفظ الإفراط، ويروى ذَلِكَ عن علقمة بْن عُلاثة.
وقَالَ أكثم لابنه: لا تهرف بما لا تعرف.
وقَالَ: الكفاف مَعَ القصد أكفى من سعة مَعَ إسراف.
وقَالَ: لكل شيء زينة، وزينة المنطق الصدق.
وقَالَ لرجل: كفاك أفَنًا [1] كثرة سُرَّارك فِي المجلس.
وكان يَقُولُ: فضل القول عَلَى الفِعْل هُجْنَةٌ [2] .
وحدَّثني ابْنُ الأعرابي قَالَ: مما حفظ عن أكثم: المزاح دائم الجماح.
وحدَّثني عُمَر بن بكير عن مشايخه قال: قال أكثم: ليس لمكذوب رأي.
وقَالَ ابْنُ الأعرابي: قَالَ المفضل: قاله العنبر بْن عَمْرو بْن تميم لابنته الهيجمانة. وذلك أن عبشمس بْن سَعْد بْن زَيْد مناة بْن تميم كان يزورها فنهاه،
__________
[1] المأفون: الضعيف الرأي والعقل والمتمدح بما ليس عنده. القاموس.
[2] الهجنة من الكلام: ما يعيبه، وفي العلم اضاعته. القاموس.(13/69)
فلم يقبل حتَّى وقعت الحرب بين قومه وقومها، فأغار عبشمس فعلمت بِهِ الهيجمانة فأخبرت أباها، وَقَدْ كانت الهيجمانة تحب عبشمس، فَقَالَ لها أبوها:
يا بنيَّة أصدقيني فإنه لا رأي لمكذوب.
وقَالَ أكثم بْن صيفي فِي يَوْم الكلاب: إياكم والصياح، فإنه فشل والمرء يعجز لا محالة، وتثبتوا فإن أحزم الفريقين الركين، ورب عجلة تهب ريثًا وادَّرِعوا الليل فإنه أخفى للويل، ولا جماعة للمختلفين.
وحدَّثني عمر بن بكير عن ابن الكلبي أن رجلًا نازع أكثم، فأربى عَلَيْهِ فِي القول فَقَالَ أكثم: ربما كَانَ السكوت جوابًا، أي إني محتقر لَكَ، فالسكوت جوابك.
وقَالَ أكثم لا تَفْشِ إلى أمَة، ولا تَبُلْ عَلَى أكمة.
وحدَّثني عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: قَالَ أكثم: رب ملوم لا ذنب لَهُ. وَقَدْ ذكر ذَلِكَ عن الأحنف وإنما تمثل بِهِ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْد القاسم بْن سلام قَالَ أكثم: فضل القول عَلَى العمل دناءة [1] ، وقَالَ غيره هجنة.
وقَالَ أَبُو عُبَيْد القاسم بْن سلام: من أمثال أكثم بْن صيفي: المزاحة تذهب المهابة [2] .
وقَالَ أَبُو عُبَيْد: من أمثال أكثم قولُه: الأمور تتشابه مقبلةً ولا يعرفها إلا ذوو الرأي، فإذا أدبرت عرفها العالم والجاهل [3] .
وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أَبِيهِ قَالَ: قَالَ المهلب لبنيه: يا بنيّ
__________
[1] الأمثال لأبي عبيد ص 66 (124) .
[2] الأمثال لأبي عبيد ص 85 (190) .
[3] الأمثال لأبي عبيد ص 105 (252) .(13/70)
أوصيكم بما أوصى بِهِ أكثم بْن صيفي الأسيدي قومه، فإنه قَالَ لهم: يا بني تميم كافئوا على حُسْن الثناء، وأكرموا ذوي المروءات، واحذروا فضول القول، وزلل اللسان فإن اللسان يزلّ فَيْهلك صاحبه، وعليكم فِي حروبكم بالحذر والأناة.
وأمَّا المدائني فأخبرنا عن المهلب أَنَّهُ أوصى بنيه بنحو هَذَا، ولم يذكر أكثم.
وقَالَ أكثم: لا سَرْو لمن قَلّ حياؤه ولا مروءة لمن آثر ماله عَلَى عرضه.
وقَالَ: الحياء فِرندُ [1] الوجه.
وقَالَ لابنه: يا بني لا تكذبنَّ هازلًا، فتكذب جادًا.
وحَدَّثَنَا ابْنُ الأعرابي قَالَ: كَانَ أكثم يَقُولُ: أهنأ المعروف أَعْجَلُه.
وكان يَقُولُ: أرضى النَّاس عندهم أفشاهم معروفًا فيهم [2] .
وحدَّثني أَبُو عدنان عن زَيْد بْن كثوة أن أكثم بْن صيفي قَالَ: لا يحسن المداراة من لم يكظم الغيظ ويصبر عَلَى الأذى.
وقَالَ أكثم: سَامِعَ الغيبة أحد المغتابين.
وقَالَ أكثم: ما اسْتَبَّ اثنان إلا غلب ألأمهما. وروي ذَلِكَ عن الزبرقان بْن بدر أيضًا.
وقَالَ: يركب الصعب من لا ذلول لَهُ، ويأنس بالغريب من لا قريب لَهُ.
وقَالَ أكثم: عدو الرجل جهله، وصديقه عقله.
__________
[1] الفرند: السيف، وجوهره، ووشيه. القاموس.
[2] بهامش الأصل: خ. عندهم.(13/71)
وقَالَ: الوحدة خير من جليس السوء، والخرس خير من الكلام الَّذِي يضر.
ويروي عن أكثم أَنَّهُ قَالَ: من سره بَنُوه ساءته نفسه. وَيُقَال: قاله ضرار بْن عَمْرو الضبي.
وقَالَ أكثم: لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة، ولكل عاقل هفوة.
وقَالَ أكثم: اليسير يجني الكثير.
وقَالَ أيضًا الشر بدؤه صغاره.
وقَالَ شبيب بْن شَيْبَة قَالَ أكثم: إن من ابتغاء الخير اتقاء الشر. وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عن ابْنُ شهاب، فلعله تمثل بِهِ.
وقَالَ أَبُو عُبَيْد من أمثال أكثم قولُه: الشماتة لؤم [1] .
وقَالَ أكثم: حيلة من لا حيلة لَهُ الصبر.
وقَالَ: من لم يأس عَلَى ما فاته أراح نفسه.
وقَالَ: الجوع خير من بعض الخضوع.
وقَالَ عَبْد اللَّه بْن صالح: مما يروى عن أكثم: الحرص محرمة، والجبن مقتله، والخير عادة، والشر لجاجة، والشحيح أعذر من الظالم، والاقتصاد أبقى للجمام.
وقَالَ: لا تؤاخ خَبًّا، ولا تستشر عاجزًا، ولا حسودًا.
وقَالَ: الرجل أليف شكله.
وقَالَ القاسم بْن سلام: من أمثال أكثم: من فسدت عليه بطانته كمن
__________
[1] الأمثال لأبي عبيد ص 160 (459) .(13/72)
غصّ بالماء وتفاقم داؤه بالدواء [1] .
وقَالَ: من جعل لحسن الظن نصيبًا من نفسه أراح قلبه [2] .
وقَالَ أكثم: من ذهب ماله هان عَلَى أهله وقلّ صديقه، وأنكر عقله.
وقَالَ أكثم: رب لائم مليم.
وقَالَ القاسم بْن سلام من أمثال أكثم: الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها [3] . وَيُقَال إن هَذَا قول رَجُل من بني أسد.
وقَالَ أكثم: من ضعف عن كسبه اتكل عَلَى زاد غيره.
وقَالَ أكثم: من العجز والتواني أنتجت الهلكة، والمرء يعجز لا المحالة.
وقَالَ أكثم يصف رفقة: أَنَا كحاقن الإهالة، وهي الودك المذاب، وليس يحقنها الحاذق بأمرها الرفيق حتَّى تبرد، لكيلا تحرق السقاء وتفسده.
وقَالَ أكثم: من الحزم حفظ ما كُلِّفْت وترك ما كُفيتَ.
وقَالَ: إِذَا رُمْتَ المحاجزة فقبل المناجزة. وقَالَ ليس لحريص غني، والنظر فِي العواقب من عزائم العقول.
وقَالَ: خير الأمور خيرها عواقب، وربما نصحك الظنين، وصدقك الكذوب.
وقَالَ: من سَلَك الجَدَد [4] أمِنَ العثار، ومن حذر كَانَ خليقًا للسلامة.
وقَالَ أكثم: الانقباض من النَّاس يكسب العداوة، وإفراط الأنس
__________
[1] الأمثال لأبي عبيد ص 179 (510) .
[2] الأمثال لأبي عبيد ص 184 (529) .
[3] الأمثال لأبي عبيد ص 196 (569) .
[4] بهامش الأصل: الجدد: أرض مستوية لينة.(13/73)
يكسب قرناء السوء.
وقَالَ أكثم: العاقل من أَقْصَر حين أَبْصَر، وكَفَّ حين تَبَيَّن.
وقَالَ أكثم: رأس الحزم المشاورة، فإنها تَخْلُصُ الرأي كما يَخْلُصُ الذهب النار. وقَالَ أكثم: رُبَّ ساعٍ لقاعد وكلأ لم يدلك عَلَيْهِ رائد.
وقَالَ القاسم بْن سلام: قَالَ أكثم بْن صيفي: لم يهلك امرؤ عرف قدره [1] .
ومن قول أكثم: لو سئلت العارية أَيْنَ تذهبين لقالت أكسب أهلي ذمًا، يعني أنهم يعيرون ويقرضون، ثُمَّ يذمون إِذَا طلبوها.
وكان يَقُولُ: إِذَا جاء الحين غطى العين.
ومن أمثاله: سوء الاستمساك خير من حُسْن الصَّرْعَة [2] .
وكان يَقُولُ: ليس من العدل سرعة العذل.
وكان يقول: لا تعذل قبل أن تتبين الذنب.
وقَالَ أكثم: رضا النَّاس غاية لا تُدْرَك.
وقَالَ أكثم: غَثُّكَ خير من سمين غيرك. وقَالَ: المسألة آخر كسب الرجل، وَيُقَال إنه لغيره.
حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن عن عمِّه أَبِي هشام عن أَبِيهِ عن أَبِي رجاء العُطاردي قَالَ: أوصي أكثم بْني أُسَيد فَقَالَ: يا قوم أَحسنوا يُحْسن بكم، واسمحوا يسمح لكم، وعفّوا تعف نساؤكم، واعلموا أن محادثة النساء شعبة من الزنى.
__________
[1] الأمثال لأبي عبيد ص 294 (960) .
[2] الأمثال لأبي عبيد ص 157 (447) .(13/74)
وقَالَ: يا بني أسيد إن من حمل إليكم النميمة حملها عنكم، ومَنِ اغتابَ رجلًا عندكم فلا تأمنوا أن يغتابكم، واعلموا أن إصلاح المال عون عَلَى المروءة وغيظ للعدو، وصيانة عن ذل السؤال.
وقَالَ: شر الأصحاب صاحب لا يقيل العثرة، ولا يقبل المعذرة، وصاحب يمدح فِي المحيَّا ويغمز فِي القفا.
وقَالَ: شرّ ما مني بِهِ النَّاس جارٍ مؤذٍ، وولد عاق، وأَمَةٌ خائنة وعبد آبق سارق، وامرأة عاقر غيري.
وقال أكثم: أسوأ ما في اللئيم أن يمنعك خيره وأحسن ما فِيهِ أن يكف عنك شره.
وحدَّثني أَبُو عدنان السلمي عن أَبِي عبيدة قَالَ: بلغني أن أكثم بْن صيفي كَانَ يَقُولُ: حظك من العدو المكاشرة، وذَنْبُك إلى الحاسد دوام النعمة، وكان يَقُولُ: الحسد كمد، وَقَدْ يروى ذَلِكَ عن قيس بْن زُهَيْر بْن جذيمة العبسي.
وحدَّثني الحرمازي عن رَجُل من آل الأهتم عن شبيب عن أكثم أَنَّهُ قَالَ لابنه: غُمَّ على الحسود أمرك، واكتمه سرك، ولا تستشره فيفسد عليك ويغشك، فإنه يظهر لَكَ خيرًا، ويضمر لَكَ شرًا، ويلقاك بالمكاشرة ويخلفك بالغيبة.
حَدَّثَنِي روح بْن عَبْد المؤمن عن عمِّه عن أَبِيهِ عن أَبِي رجاء عن أكثم أَنَّهُ قَالَ: يا بني أُسَيد إن البَرَّ الوصول من لم يجعل للبعيد حظ القريب، ولم يصل رحمًا بقطيعة أخرى، ويروى ذَلِكَ عن عَمْرو بْن حُرَيْث المخزومي أيضًا.(13/75)
وحدَّثني ابْنُ الأعرابي عن المفضل أن أكثم بْن صيفي كَانَ يَقُولُ:
ما أُحبُّ أن أُكْفَى أمر الدنيا كُلِّه، قيل: ولم ذَلِكَ يا أبا حَيدة؟ قَالَ: لأني أخاف عادة العجز.
وقَالَ أكثم: لا تُؤاخِينَّ خَبًّا. ولا تَسْتَشيرنَّ عاجزًا. ولا تَسْتَعينَنَّ كسلًا، ويروى ذَلِكَ عن بعض العجم ويروى عن الأحنف أيضًا.
وقَالَ أكثم: أَشْبَهَ قَريْن قَريْنَهُ.
وقَالَ: طول العشرة تبدل الأخلاق.
وقَالَ: قَدْ يبلغ القَطُوف [1] الوساع، ويبلغ الخضم [2] بالقضم.
ويروى عن أكثم أَنَّهُ قَالَ: يا بني أُسيد أكثروا التشاور، فَقَلَّمَا يَسْعَدُ برأيه مُسْتَبد، وروى ذَلِكَ رَجُل عن جَعْفَر بْن عَمْرو بْن حُرَيْث، وليس هُوَ عَنْهُ بثبت.
وقَالَ أكثم: أول الحزم المشورة.
حَدَّثَنِي ابْنُ الأعرابي وعباس بْن هشام عن أَبِيهِ قالا: قَالَ أكثم لابنه:
إياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى أَفَنْ، وتجربتهن إلى وَهَنْ، ولا تملك امْرَأَة أمرها ما جاوز نفسها.
وقَالَ أكثم: المشورة مفتاح الرأي.
وقَالَ أكثم لابنه: لا تُماريَنَّ شريفًا، ولا تُجارينَّ لجوجًا، ولا تعاشرنَّ ظالمًا، واعلم أن ترك المراء من الحياء.
وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أبيه عن شرقي بن القطامي قال:
__________
[1] دابة قطوف: ضاق مشيها. القاموس.
[2] الخضم: الأكل بأقصى الأضراس، أو ملء الفم بالمأكول، أو خاص بالشيء الرطب كالقثاء.
القاموس.(13/76)
بلغني أن الشَّعْبِيّ قَالَ: كَانَ أكثم بْن صيفي التميمي يَقُولُ: عليكم بالرفق والأناة فإنهما قائدان إلى الدرك والظَّفَر، وإياكم والعجلة والخرق فإنهما سبب للفوت والحرمان. وقَالَ أكثم لرجل أراد التزويج: عليك بالتثبت فِي أمرك فإلى أن يتزوج العاقل قَدْ وُلد الأحمق، وهو أول من قالها.
وقال الأثرم عن الأصمعي قَالَ أكثم: لكل شيء بذرًا، وبذر العداوة المزاح، والمزاح حمقة تُورث ضغينة.
وحدَّثني ابْنُ الأعرابي أن هَذَا الكلام عن الأسود بْن كراع العكلي.
وحدَّثني ابْنُ الأعرابي عن المفضل قَالَ: قَالَ أكثم بْن صيفي: المزاح دائم الجماح، ورُبَّ مَزْح أدنى أجلًا. أَرِنِي مازحًا أرك جادًّا.
وقَالَ أكثم: من وثق بمحضرك فقد ائتمنك، وكفى بمبلّغ السوء مُسمعًا.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أبي مُجْنب الأعرابي عن أكثم أَنَّهُ قَالَ: سِرُّك دمك فلا تَضَعه إلا عند ثقتك، ولأن تكتمه إياه خير لَكَ.
وحدَّثني ابْنُ الأعرابي عن سَعِيد بْن سلم قَالَ: بلغني عن أكثم بْن صيفي أَنَّهُ قَالَ: لا يَعْدُوَنَّ سرُّكَ صدرَك فإن لكل نصيح نصيحًا، وقلما اشترك فِي السر اثنان إلا فشى. وقَالَ أكثم: الأحمق لا يحجو سرًا.
حَدَّثَنِي أَبُو عدنان عن أَبِي عبيدة قَالَ: قَالَ أَبُو عَمْرو: بلغني عن أكثم بْن صيفي أَنَّهُ قَالَ لابنه: لا تتكلمن فيما جهلت، ولا تَعْجل فِي الكلام بما علمتَ فتُذلَّ نفسك، فإنَّ من إكرام المرء نفسه ألا يتكلم إلا بما أحاط بِهِ علمه.
وحدثني عبد الله بن صالح عن أبي زُبيد عن ابْنُ شبرمه قَالَ: قَالَ(13/77)
أكثم بن صيفي: من من أراد نفسه عَلَى أكثر مما عنده من نطق وعلم أفتضح.
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن حبيب عن ابْنُ الأعرابي قَالَ: قَالَ عامر بْن الظرب العدواني، وَيُقَال أكثم بْن صيفي:
أرى شعرات عَلَى حاجبيّ ... بيضًا نبتن عَلَيْهِ تؤاما
أظلّ أهاهي بهنّ الكلا ... ب أحسبهن صوارا [1] قياما
وأحسب أنفي إذا ما مشيت ... شخصًا أمامي رآني فغاما [2]
وحدَّثني عُمَر بْن بكير عن ابْنُ الكلبي أن أكثم بْن صيفي قَالَ لقومه:
عاشروا النَّاس معاشرة جميلة فإن غبتم حنوا إليكم، وإن متمُّ بكوا عليكم.
وقَالَ أكثم: أَدْوَأُ الداء اللسان البذيء، والخلق الدنيء.
وكان أكثم يَقُولُ: ظاهر العتاب خير من باطن الحقد. وضربة الوادّ خير من تحية الشانئ.
وقَالَ أكثم: ليس النوال بَعْوضٍ من السؤال، والحرمان خير من ندى الفخُور المانّ.
وقَالَ أكثم: من مدحك بما لم تفعله بهتك بما لم تأته.
وقَالَ: شر الرجال المخادع المَلَّاق، وشر النساء الطامحة المعشاق.
وكان أكثم يَقُولُ: أخوك من صدقك.
وقال: إِذَا جاورك الجاهل آذاك، وإذا ناسبك جنى عليك، وإذا عاشرك أَمَلَّكَ وأَنْصَبَكَ.
وقَالَ: أخوك من أهمَّه هَمَّك وشاركك فيما نابك.
__________
[1] الصوار: قطيع البقر. القاموس.
[2] الغيم: العطش، وغام: أقام. القاموس.(13/78)
وقَالَ: الشكر بثلاث خلال: المكافأة بالفعل، وثناء اللسان، وخلوص المودة.
وقَالَ أكثم: لا تُطمعنَّ ذو كبر فِي حُسن ثناء، ولا الملول فِي الإخوان ولا الخَبُّ فِي الشرف.
وقَالَ: الكريم يَوَدُّك فِي لقية واحدة، واللئيم لا يصلك إلا عن رغبة أَوْ رهبة.
وقَالَ: إحسان النشوان أن يكف عنك شره.
وقَالَ: الغريب الناصح قريب، والقريب الغاشّ بعيد.
وقَالَ: من هانت عَلَيْهِ نفسه فلا يأمن بوادر شره.
وقَالَ: لن يهلك امرؤ بعد مشورة. وقَالَ: آفة المروءة الكبر، وآفة السخاء المَنّ، وآفة الرأي العجب.
وقال: لنعم لهو الحرة مغزلها.
وقَالَ: ما أتيت من خير أَوْ شر فأنت أهله دون من تركه.
وقَالَ أكثم: أفضل من السؤال ركوب الأهوال.
وقَالَ: من حَسَدَ النَّاس بدأ بضرّ نفسه، وقَالَ: العديم من احتاج إلى اللئيم.
وقال: ما كُلُّ عثرةٍ تُقَال ولا كُلُّ فرصةٍ تُنَال.
وقَالَ: خَسَر من لم يعتبر.
وقَالَ: لا وفاء لمن ليس لَهُ حياء. وقَالَ: الحرُّ حُرٌّ وإن مَسَّه الضُرّ.
وقَالَ: الحر قَدْ يصافي من لا يصافيه.
وقَالَ: قَدْ يشهر السَّلاح فِي بعض المزاح.(13/79)
وقَالَ: من وفى بالوعد [1] فاز بالحمد.
وقَالَ: الموت يدنو والمرء يلهو، وَقَدْ يخطئه ما يرجو ويأتيه ما لا يرجو.
وقَالَ: الحق أبلج والباطل لجلج.
وقَالَ: اصطنع قومًا تحتج إليهم يومًا.
وقَالَ: طول الغضب يورث الوصب.
وقَالَ: رُبَّ عتق شر من رق.
وقَالَ: الكذب بهت والخلف مقت.
وقَالَ: من لم يكفف أذاه لقي ماساءه.
وقَالَ: الحر يتقاضى فِي الوعد نَفْسَهُ واللئيم يغتنم حبسه.
وقَالَ: ليس بإنسان من لم يكن لَهُ إخوان.
وقَالَ: عليك بالمجاملة لمن لا تدوم لَهُ وصلة.
وقَالَ: فِي الأسفار تبدو الأخبار.
وقالوا: إن أكثم كتب إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أما بعد: فقد أتانا عنك خبر لا ندري ما أصله، فإن كنت أُريتَ فَأَرِنَا، وإن كنتَ عُلِّمتَ فَعَلِّمنا وأشركنا فِي كنزك» . فكتب إِلَيْه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوه إلى الْإِسْلَام، فأوصى أكثم قومه باتباعه وعَظَّمَ أمره، فَقَالَ مالك بْن نُويرة: قَدِ اختلط شيخكم. فَقَالَ أكثم:
ويل الشَجيّ من الخَليّ، أراكم سكوتا وآية إبائه الموعظة الإعراض عَنْهَا، ويلك يا مالك إن الحق إِذَا قام صرع من خالف، فإياك أن تكون ممن يصرعه مُخَالفَةُ الحق.
وقَالَ أكثم: أفضل الأفعال صيانة العرض بالمال.
__________
[1] بهامش الأصل: بالعهد.(13/80)
وقَالَ: ليس من جازى الجهول بذي معقول.
وقال: من جالس الجهال فليستعدد لقيل وقَالَ.
وقَالَ أكثم: إِذَا أردت طرد الحر فسمه الهوان.
وقَالَ: إن للحيطان آذانًا، فانظر أَيْنَ تتكلم.
وقَالَ: من لم يستمع لحديثك فارفع عَنْهُ مؤونة كلامك.
وقَالَ: من عُرف بالصدق جاز كذبه، ومن عُرف بالكذب لم يجز صدقه.
وقَالَ: لو لم تكن الذنوب لم تُعرف فضيلة العفو.
وقَالَ: من كَانَ غضبه لغير علة كَانَ رضاه لغير عتبي.
وقَالَ: الغضب لؤم فَذَرْهُ، والحزن سوء استكانة.(13/81)
وقَالَ: من طلب ما عند البخيل هلك هُزْلًا.
وقَالَ: مجاور الجواد كمجاور البحر، ومجاور البخيل كمن أقام بمفازة لا ماء بها.
وقَالَ: الرزق مقسوم والحريص محروم.
وقَالَ: العلم زينٌ ومنفعة، والجهل شَيْنٌ ومَضَرَّة.
وقال: من لم يَرْتَحْ للثناء فليس لَهُ من المروءة نصيب.
وقَالَ: احذر غضب الحليم وإملال الكريم.
وقَالَ: من عرفتَ كذبه فلا تستدع منطقه.
وقال: العاقل من اتهم نفسه ولم يعجب برأيه.
وقَالَ: العاقل من غلب هواهُ عقله، وملك غضبه، ولم تملكه شهوته.
وقَالَ: من استشاره عدوه فِي صديقه أَمَرَهُ بقطيعته.
وقَالَ: مؤاخاة الكريم غنيمة، ومؤاخاة اللئيم تُكْسِبُ النَّدامة.
وقَالَ: السكوت عن الأحمق جوابه.
وقَالَ: من استطال عليك بذات يده وبخل بفضله، فلا أكثر اللَّه فِي النَّاس مثله.
وقَالَ: الجود محبة، والبخل بُغْضَة.
وقَالَ: من طلب إلى لئيم حاجة فهو كمن التمس السمك فِي المفازة.
وقال: عِدَةُ الكريم مهنأة بالتعجيل، وعدة البخيل تسويف وتعليل.
وقَالَ: الكريم مواسٍ لإخوانه، واللئيم يقطعهم عند سموّ أمره وارتفاع درجته.
وقَالَ: استقل من الأعداء فقليلهم كَثِير، واستكثر من الأصدقاء فكثيرهم قليل.(13/84)
وقَالَ يَوْم الكلاب: الرأي كَثِير، والحزم قليل.
وكان يَقُولُ: أشبع جارك وأجع فارك- الفار: العضل- وقَالَ: القناعة أحد المالين.
وقَالَ: خير الأخلاء الَّذِي يكتم سرك ويحفظ غيبك ويحسن مواساتك ويحتمل دالتك.
وقَالَ: إِذَا صادقت وزير الملك فلا تخشى الملك.
وقَالَ: من آخى الإخوان بالمكر كافأوه بالغدر.
وقَالَ: الحسود يفرح بزلَّتك ويعيب صواب قولك وفعلك.
وقَالَ: غُمَّ عَلَى الحسود أمرك تَسْلَم من مضرته لَكَ.
وقَالَ: من صبر عَلَى سلعة سوء رأى سخنة عين.
وقَالَ: من استطال عَلَى النَّاس بغير سلطان، فليصبر عَلَى الذل والهوان.
وقَالَ: لا تحقر الفقير السَّريّ ولا تُعظمّ الغنى الدنيّ.
وقَالَ: من أغضبتَهُ أنكرتَهُ، ومن عتبتَهُ عطفتَهُ.
وقَالَ: من تَعرَّض لذي دولة انقلب بهزيمة، يعني الحرب.
وقَالَ: النساء لحم عَلَى وَضَمْ إلا من ذَبَّ عَنْهُ منهن.
وقَالَ: ربما قطع السفيه مودة لم تزل، وكسب عداوة لم تكن.
وقَالَ: حَمْل المروءة ثقيل، ومؤونتها شديدة.
وقَالَ: خذلان الجار لؤم، ورجال الشدة قليل، ومن كافأ بالثناء فقد أبلغ فِي الجزاء.
وقَالَ: أحقّ ما صبرت عليه مالا بدّ به.(13/85)
وقَالَ: جرائر الصمت أيسر من جرائر الكلام.
وَقَدْ روى النَّاس عن أكثم أشياء يُقال إنها لغيره، وهي منسوبة إِلَيْه، وفيما ذكرنا مما توخينا تصحيحه عَنْهُ كفاية.
ومنهم: عوف. والقعقاع ابنا صفوان بْن أسيد بْن الحلاحل بن أوس بن مخاشن بن معاوية بن شريف بْن جروة. وَيُقَال ابْنُ مخاشن بْن جَهْوَر بْن غويّ بْن سلامة.
قَالَ ابْنُ الكلبي: وولد غويّ بْن سلامة بْن جروة: ربيعة بْن غويّ.
ونوفل بْن غويّ. ونفيل بْن غوي. وحبثر بْن غوي. ووقدان بْن غوي.
منهم: عَمْرو بْن نوفل الَّذِي أغار عَلَى بني حنيفة باليمامة، فقتل جابرًا، ووهبًا ابني عُبَيْد، فَقَالَ أوس بْن حجر.
عَلَى ابني عُبَيْد قَدْ تركناه ينتحي ... على نافذ فِي صدره غير ناصل [1]
وكان عَمْرو رئيسًا يَوْم طُحَيْل حين أغارت يشكر عَلَى بني عَمْرو بْن تميم.
ومنهم: ربعيّ بْن عامر بْن خَالِد بْن لأي بْن وقدان، الَّذِي يَقُولُ فِيهِ الشَّاعِر:
ألا ربما يُدعى الفتى ليس بالفتى ... ألا إن ربعيَّ بْن كاس هُوَ الفتى
وكاس: أَمَةٌ وإليها ينسب، وكان عليّ كتب إلى عَبْد اللَّه بْن الْعَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمْ وهو عامله بالبصرة يأمره أن يوجِّه إلى سجستان رجلًا صارمًا عاقلًا فِي أربعة آلاف، فوجه ربعي بْن الكاس فِي أربعة آلاف، وخرج معه الحصين بْن أَبِي الحرّ مالك بْن الخشخاش العنبري، وبعث على مقدمته
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.(13/86)
باب بْن ذي الجرة الحميري، واسم باب عَبْد الرَّحْمَن، فلما ورد ربعي سجستان حاربه حسكة بْن عتاب الحبطي، وعمران بْن الفضيل البرجمي، فظفر ربعي وضبط البلد، فيقال إنه قتل حسكة، وَيُقَال إن حسكة هرب فَقَالَ راجزهم:
نَحْنُ الَّذِينَ اقتحموا سجستان ... عَلَى ابْنُ عتّاب وجند الشيطان
إنا وَجَدْنَا فِي مُنير الفُرْقَان ... ألا نُوالي شيعة ابْن عفان
وقَالَ بعض أصحاب حسكة حين قدم ربعي:
نَحْنُ الَّذِينَ بايعوا ابْنُ عتّاب ... ولم نُسَلِّم مُلْكَهُ إلى باب
دون ضراب كصريف الأنياب
ومن بني أُسَيّد سَنَّة بْن خَالِد بْن أُسَيّد بن صرد بن سلامة بن غوي كان رئيسًا مغيرًا، أغار عَلَى بني حنيفة باليمامة فَسَبَى وغنم، وشهد يَوْم طحيل، وكانت المرأة من بني يشكر إِذَا عثرت قَالَتْ: تعس أسَيد وفقدت سَنَّة السيّد، وكانت المرأة من بني أسيد إِذَا عثرت قَالَتْ: تعس غُبَر وفُقدت البقر.
ومنهم: حُجَيْر بْن عُمَيْر بْن مرثد بْن شيطان بْن أنمار بْن صُرد بْن سلامة بْن غويّ، كَانَ شاعرًا.
ومنهم: صفوان بْن صفوان أول قاتل قَتَل فِي اللَّه بعد الهجرة، قتل الحارث بْن أَبِي هالة.
ومنهم: صفوان بْن مالك بْن صفوان، كَانَ من خيار المسلمين المهاجرين رضوان اللَّه تَعَالى عليهم أجمعين.
ومنهم: الحكم بْن يزيد بن عمير بن عبد الله بن مرثد بْن شيطان بْن(13/87)
أنمار، كَانَ عامل ابْنُ هبيرة عَلَى كرمان، فقتله بها تميم بْن عُمَر التيمي- تيم اللات- بْن ثعلبة بْن عكابة.
حَدَّثَنِي المدائني قَالَ: كَانَ الحكم بْن يزيد بْن عمير يكنى أبا عتاب، وكان سخيًا لسنًا خطيبًا شجاعا، وكان مثلا لا يقوم، وكان بخراسان فولي لنصر بْن سيار قَهستان، ووفد إلى هشام بْن عبدِ الملك، وإلى الوليد بْن يزيد، فأثنى عَلَى نصر، وقدم عَلَى يُوسُف بْن عُمَر فصرفه ورده إلى البصرة أيام ابْنُ سهيل، وكان رأسًا من رؤساء بني تميم لا يستغنى عن رأيه، وكان يشهد القتال فِي عدة من أصحابه ومواليه، ثُمَّ وفد إلى يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة فولاه كرمان، فلم يزل بها حتَّى بعث إِلَيْه أَبُو مُسْلِم تميم بْن عَمْرو التيمي- تيم ربيعة بْن نزار- فخرج إِلَيْه الحكم فقاتله: فهزم تميمًا، فلما هزمه قلب تميم فرسه، وهو يَقُولُ: الأمان، فلما دنا منه وأصحابه يظنون أَنَّهُ مستأمن غدر بِهِ فضربه ضربة فقتله، فلما قُتل الحكم ثاب إلى تميم أصحابُه، وله عقب بالبصرة وَقَدْ ولي ولده لصلبه الولايات، وكان أَبُو بَكْر أحد ولد الحكم بْن يزيد شاعرًا راوية، فَقَالَ لَهُ رؤبة بْن العجاج:
لقد خشيتُ أن يكون ساحرًا ... راوية مرَّا وَمرًّا شاعرًا [1]
ومات بالبصرة. ومن ولده أيضًا أَبُو حُلوة، كَانَ لَهُ قدر بالبصرة وهيئة، وبها مات، وله عقب.
ومنهم: عُمَر بن يزيد بن عمير بن عبد الله بْن مرثد بْن شيطان بْن أنمار، أخو الحكم بْن يزيد،
ويكنى عُمَر أبا حَفْص، وكان خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري ولي الشرطة والأحداث بالبصرة مالك بْن المنذر بْن الجارود، فصلى
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.(13/88)
مالك فِي ثوب رقيق فَقَالَ لَهُ البتيّ: لا تصلِّ فِي ثوب رقيق فضربه عشرين سوطًا، وبعث مالك إلى الْحَسَن: لئن جلست في مجلسك لأضربنّك ثلاثمائة سوط، فَقَالَ: يكفيني منها سوطان وجلس فِي بيته.
وكان بين مالك بْن المنذر وبين عُمَر بْن يزيد صداقة فيما يظهر عُمَر ففسدت، لأن عُمَر وشى بِهِ بالكوفة إلى عَبْد الحميد بْن عَبْد الرَّحْمَن عامل عُمَر بْن عَبْد العزيز حتَّى أزعجه من عنده، ووشى بِهِ إِلَى الْعَبَّاس بْن الْوَلِيد بْن عَبْدِ الْمَلِك حتَّى أزعجه، ثُمَّ وشى بِهِ إلى مسلمة بْن عَبْد الملك فلم يقبل قولُه فِيهِ، فلما رَأَى عُمَر أن مسلمة لا يقبل منه صالَحَ مالكًا، فلما ولي مالك أحداث البصرة ذكر عَبْد الأعلى بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز فنفاه من أَبِيهِ، وعنده حينئذ عمر بن يزيد، وحفص بن عمر بن مُوسَى بْن عُبَيْد اللَّه بْن معمر الْقُرَشِيّ وغيرهما، فأتى عُمَر بْن يزيد عَبْد الأعلى فأبلغه ما قَالَ مالك بْن المنذر فِيهِ وقَالَ: أَنَا أشهد لَكَ عَلَيْهِ، فشخص عَبْد الأعلى إلى خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري، وشخص معه عُمَر بْن يزيد، وحفص بْن عُمَر بِنْ مُوسَى فشهدا عَلَى مالك بما سمعا من مالك، فكذبهما خَالِد وتهددهما، وحبس عُمَر بن يزيد عنده، ودس لَهُ شهودًا شهدوا أَنَّهُ شارب خمر فضربه حَدًّا وَحَدرَه إلى مالك، فضربه بالسياط حتَّى وقذه وأثخنه، ثُمَّ أمر بِهِ فحمل إلى السجن فلويت عنقه فمات، وادعى أَنَّهُ مَصَّ خاتمه أنفة فمات، وإنما أشاع عَلَيْهِ ذَلِكَ أصحاب مالك، فلما مات عُمَر بْن يزيد تنمرت بنو تميم وغضبت ربيعة، وحدبت ربيعة عَلَى مالك وتعصبت واشرأب الفريقان لفتنة، فكفوا عَنْهَا.
وحدَّثني عُمَر بْن شبَّة عن أَحْمَد بْن معاوية عن المنتجع قَالَ: دخلت(13/89)
عَلَى عُمَر بْن يزيد بْن عمير السجن فَقَالَ: ما فَعَلَتْ داري؟ قلت: هُدمت.
قَالَ: فَنَخْلي؟ قلت: قُطع، قَالَ: ما أهون ذَلِكَ عليَّ إن سلمتْ نفسي.
وكان الْحَسَن بْن أَبِي الْحَسَن يَقُولُ: قَتَل مالك عُمَر بْن يزيد، قُتل شهيدًا. وكان مالك شاور بَشِيرِ بْنِ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، وعمرو بْن مُسْلِم الباهلي فِي أمر عُمَر، فَقَالَ لَهُ بشير: إن قَتَلْتَه قتلت عصفورًا، وإن تركته تركت أسدًا، وقَالَ لَهُ عَمْرو: اقتله تسترح من شره. فَقَالَ الفرزدق:
لله قومًا شاركوا فِي دمائنا ... وكنا لَهُمْ عونًا عَلَى العثراتِ
فجاهرنا بالغش عَمْرو بْن مُسْلِم ... وأوقد نارًا صاحب النكرات [1]
وقَالَ الفرزدق:
يا آل تميم ألا لله أمكم ... لقد رُميتم بإحدى المصمئلات [2]
فاستشعروا بثبات الذل واعترفوا ... إن لم ترعوا بني أفصى بغارات
أَوْ تقتلوا بفتى الفتيان قاتله ... أَوْ تستباحوا جميعًا غير أشتات
لله در فتى راحوا بِهِ أصلًا ... مهشم الوجه مكسور الثنيات [3]
وكانت عاتكة بِنْت الملاءة امْرَأَة عُمَر بْن يزيد، فخرجت وخرج معها رجال بني تميم إلى هشام، فأمر هشام بحمل مالك إِلَيْه فحمل فأغلظ لَهُ هشام وأمر بحبسه، فمات فِي السجن، فيُقال إن القيسية دسوا إِلَيْه من قتله، وَقَدْ كتبنا خبره تامًا فِي أخبار هشام.
ومنهم أوس بْن حجر بن عتاب بن عبد الله بن عدي بْن نمير بْن أُسَيْد، شاعر مضر، حتَّى نشأ زُهَيْر بْن أَبِي سلمى المزني.
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 116.
[2] المصمئلات: الدواهي.
[3] ديوان الفرزدق ج 1 ص 107- 108 مع فوارق.(13/90)
ومنهم: حسَّان بْن سعد، الَّذِي بنى منارة بني أُسَيْد بالبصرة، وكان شريفًا يلي الأعمال، وله يَقُولُ الشَّاعِر:
إِذَا ما كنت متخذًا خليلًا ... فخالل مثل حسان بْن سعد
فتى لا يرزأ الإخوان شيئًا ... ويرزؤه الخليل بغير كَدِّ
وَيُقَال إن ابنه بناها وهو محمد بن حسان.
ومن ولد أسيد: الكلب بن عمرو بْن عامر الشَّاعِر.
وقَالَ أَبُو اليقظان: من بني أسيد: صبرة بْن جرير، ويكنى أبا حاضر، وكان أَبُوهُ مَعَ زياد حين لجأ إلى داره صبرة بْن شيمان الْأَزْدِيّ، فسماه صبرة باسمه، وكناه بكنيته، وكان ابْنُ شيمان يكنى أبا حاضر، وكان أَبُو حاضر أجمل بني تميم، وله يَقُولُ الأبيرد الرياحي:
أبا حاضر ما بال ثوبيك أصبحا ... عَلَى ابْنَة فَرُّوخ رداء ومئزرا
أبا حاضر من يَزْنِ يُعْرَف زناؤُه ... ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
فروخ: مَوْلَى لبني الحارث بْن كعب، وكان أَبُو حاضر مَعَ الحجاج برستقاباذ وولاه بعد ذَلِكَ اصطخر ثُمَّ غضب عَلَيْهِ فقتله وكان جُفريًا.
فولد أَبُو حاضر: سالمًا. وحاضرًا، وأمهما ابْنَة غيلان بْن خرشة الضبي.
فأمَّا سالم فكان خطيبًا، وفد إلى سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك حين ولي الخلافة، فقام بخطبة قرظه فيها، ولعن الحجاج وذم سيرته، فَقَالَ سُلَيْمَان، لعن اللَّه الحجاج، ثُمَّ أقبل يريد البصرة فمات فِي طريقه.
وأمَّا حاضر بْن أَبِي حاضر فكان ممن خالف يزيد بْن المهلب، فقتله معاوية بْن يزيد بواسط، وله عقب بالبصرة.(13/91)
ومنهم: ما عز بْن مالك، كَانَ زاهدًا.
ومنهم: هارون بْن رئاب كَانَ فاضلًا ولا عقب لَهُ.
ومن بني أسيد: مَرثد بْن صُرَد، أسلم وتوجه نحو البصرة: فمات فِي الطريق، وتوجه ابنه قطن إلى الكوفة فعقبه بها، وصار عَبْد اللَّه بْن مرثد إلى البصرة.
فولد عَبْد اللَّه: عميرًا.
فولد عمير: يزيد بْن عمير، وكان يزيد يكنى أبا الخطاب وكان ذا قدر، ولاه الحجاج شرط البصرة وولاه ولايات ثُمَّ حبسه فَقَالَ الفرزدق.
وإن تميمًا إن تخلصتَ سالمًا ... من السجن لم تُخْلَق صغارًا جدودها
وكم نَذَرَت من صوم شهرِ وحجةٍ ... نساءُ تميم إن أَتاها يَزيدُها [1]
فولد يزيد: عُمَر بْن يزيد، وأم عُمَر فكانت عند عَبْد اللَّه بْن أَبِي عثمان الْقُرَشِيّ. وأمَّا أم الحكم فكانت عند عروة بْن هشام بْن عروة بْن الزُّبَيْر بْن العوام، وأمَّا عُمَر بْن يزيد فقتله مالك بْن المنذر، فحبسه هشام لذلك فمات في حبسه، وكان هشام يَقُولُ: لقد قتله مالك صبيحًا فصيحًا.
وأمَّا أَبُو حلوه فكان لَهُ قدر ومات بالبصرة.
ومنهم حسان بْن سعد الَّذِي قَالَ فِيهِ سحيم بن الأعرف الهُجمي:
إلى حسان من أطرار [2] نجد ... جلبنا العيس ننفخ فِي براها [3]
فما جئناك من عُدْم ولكن ... يهشُّ إلى الإمارة من رجاها
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 1 ص 168.
[2] أي من وديان. القاموس.
[3] البرة: حلقة في أنف البعير. القاموس.(13/92)
نَعُدُّ قرابة ونَعُدُّ صهرًا ... ويَسْعَدُ بالقرابة من رعاها
وله عقب بالكوفة. ومنهم بنو سنة، ولهم بقية بالبادية.
ومنهم الأبلق، وكان طبيبًا كاهنًا فداوى ذا الرمة فَقَالَ فِيهِ:
أعبد أسيديٍّ عَلَيْهِ علامة ... من اللؤْم لا تخفي عَلَى من توسَّما
يداويك من شكواك أم ربك الَّذِي ... شفى كرب أيام النباج [1] وأنعما [2]
وقَالَ فِيهِ الفلتان الدارمي:
هُوَ الأبلق الأسيدي مُبَرّأٌ ... فولدي من حُبّى حواري بني بدر
ومرضت أم غيلان بِنْت جرير بْن عطية، فداواها فزوجها مِنْهُ، فَقَالَ الشَّاعِر:
أخزيتَ نفسكَ يا جرير وشنتها ... وجعلت بنتك بسلة للأبلق
البسلة: كراء الراقي، يُقال أعطاه بَسْلة.
ومرض جرير فَقَالَت أم غيلان للأبلق: قل لجرير إن أم حكيم أم ولدك سحرتك، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، فغضبت أم حكيم وقالت لجرير: والله لا أرضي أَوْ تهجوه فَقَالَ:
يا أبلق السِّحْر إن النَّاس قَدْ علموا ... أنَّ المهاجر يَجْزِي كل كذاب
لو كنت أمَّرْتُ ذا عقل فأرشدني ... يَوْم السقيفة ما دَنَّسْتُ أثوابي
أَوْ كنت صاهرتُ إن الصهر ذو نسب ... فِي مازنٍ أَوْ عديٍّ رهط منجاب [3]
فقال الفرزدق:
__________
[1] بهامش الأصل: النباج: أرض.
[2] ليسا في ديوان ذي الرمة المطبوع.
[3] ليست في ديوان جرير المطبوع.(13/93)
عَلَامَ لُمْتَ التي أقبلت تحملها ... حتَّى اطَّلَعْتَ بها اسكفَّةَ الباب
كلاهما حين جَدَّ الجَرْيُ بَيْنَهُما ... قَدْ أقلعا وكلا أنفيهما راب [1]
ويزعمون أن أبلق قدم البصرة فَقَالَ لقومه: ليضمر لي من شاء منكم شيئًا لأخبره بِهِ، فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن يزيد: قَدْ أضمرت لَكَ وأضمر است أم الأبلق، فَقَالَ لَهُ: ما كنت أظنك تضمر لي مثل هَذَا، وأخبره بِهِ.
قَالَ: وكان من بني أُسَيِّد بخراسان: مُحَمَّد بْن قطن، وله بخراسان عقب.
وقَالَ المفضل الضبي: أَوْس بن حجر بْن عتاب بن عبد الله بن عدي بن نمير بْن أُسَيِّد: بينا أوس بين شرج وناظرة [2] إذ سقط فانكسرت رجله، وإذا جوارٍ من بني أسد فيهن حليمة بِنْت فضالة بْن خَالِد الأسدي، فأعطاها حجرًا وقَالَ قولي لأبيك: يَقُولُ لَكَ ابْنُ هَذَا ائتني فأتاه وآواه حتَّى صلح، وخدمته ابنته فذكرها فِي شعره، ورثى فضالة حين مات.
تم نسب ولد الياس بن مضر
__________
[1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.
[2] شرج وناظرة ماءان لعبس، وقيل غير ذلك. معجم البلدان.(13/94)
بسم الله الرحمن الرحيم نسب قيس
ولد النَّاس بْن مضر:
قيس بْن النَّاس.
ودُهْمان بْن النَّاس، وهم أهل بيت فِي قيس، وأمهما الشقيقة بِنْت الغافق بْن الشاهد بْن عك.
وحَضَن عَيْلان وهو عَبْد كَانَ لمضر عَلَى النَّاس فسُمي النَّاس بِهِ، فقيل قيس عيلان وإنما هُوَ قيس بْن النَّاس، وَيُقَال بل حضن عيلان قيسًا، فقيل قيس بْن عيلان، وقيس عيلان [1] .
فولد قيس بْن عيلان:
سعد بْن قيس.
وخصفه بْن قيس.
وعمرو بْن قيس، وأمهم عمرة بِنْت الياس بْن مضر.
وولد سعد بْن قيس:
غَطَفان بْن سعد.
ومنبه بْن سعد وهو أعصر وإنما عصّره بيت قاله وهو:
قالت عميرة ما لرأسك بعد ما ... نفد الشباب أتى بلون منكر
أعميرُ إن أباك غيَّر لونه ... مَرُّ الليالي وأصِّلاف الأعصر
قَالَ ابْنُ الكلبي: وأعصر يسمى دخانًا، فيقال لغنيّ وباهلة: ابنا دخان.
__________
[1] بهامش الأصل: تم بلغ العرض بالأصل الثالث من أول الكتاب، ولله كل حمد.(13/95)
وقَالَ هشام ابْنُ الكلبي: حَدَّثَنِي رَجُل من غني يُقال لَهُ طارق بْن حمزة قَالَ: كَانَ رَجُل من ملوك اليمن فِي أول الزمان يغير عَلَى معدّ وكان مسورًا، فأغار عليهم ثُمَّ انتهى بجمعه إلى كهفٍ، فدخل فِيهِ ومن معه، وتبعه بنو معد فجعل منبه يدخن عليهم فسمي دخانًا، فهلك الملك وأصحابه، وفي ذَلِكَ يَقُولُ مَنْصُور بْن عكرمة بْن خصفة:
إنا وجدنا أعصر بْن سعد ... متمم البيت رفيع المجد
أهلك ذا الأسوار عن معد
وأم غَطفان تكمة بِنْت مُرّ بْن أدّ بْن طابخة، وأخوه لأمه سُلَيم.
وسلامان ابنا مَنْصُور بْن عكرمة.
فولد غطفان:
ريث بْن غطفان.
وعبد اللَّه بْن غطفان، وهو عَبْد العزى.
قَالَ ابْنُ الكلبي: وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «من أنتم» ؟ قَالُوا: نَحْنُ بنو عَبْد العزى. قَالَ: «بل أنتم بْنو عَبْد اللَّه» . وأمهم أُسيلة بْنت عكابة بْن مصعب بْن عليّ بْن بَكْر بْن وائل.
فولد ريث بْن غطفان:
بغيض بْن ريث.
وأشجع بْن ريث.
وحرب بْن ريث. وأهون بْن ريث، وَيُقَال لبقيتهم بنو مالك بْن أمة بْن أهون وهم مَعَ بني ثعلبة بْن سعد بْن قيس.
ومنهم: مُحَمَّد بْن جبلة بْن أُهبان، كَانَ من أشراف أهل الشام.
ومازن بْن ريث وهم مَعَ بني شمخ بْن فزارة، وأمهم ريطة بِنْت لجيم بْن صَعب بْن عَلِيِّ بْنِ بَكْر بْن وائل.
فولد بَغيض:
ذبيان بْن بغيض.
وأنمار بْن بغيض. وعامر بن(13/96)
بغيض، وأمهم المفدّاة بنت ثعلبة بْن عكابة. وعبس بْن بغيض وأمه ضحام- وهي الخشناء- بِنْت وَبْرَةَ بْنِ تَغْلِبَ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ بْن الحاف بْن قضاعة، وهي أم ضبة بْن أدّ، وأم الحارث بْن كعب.
فولد ذُبيان:
سعد بْن ذبيان.
وفَزارة بْن ذُبيان. واسم فزارة عَمْرو، فضربه أخ لَهُ ففزره فسمي فزارة، والفزر شبيه بالحدبة فِي الصدر والظهر.
وهاربة بْن ذُبيان بطن مَعَ بني ثعلبة بْن سعد ولهم يَقُولُ بشر بْن أَبِي خازم الأسدي:
ولم نغضب لمرَّة إذ تولوا ... فساروا سير هاربة فغاروا [1]
وذلك لحرب كانت بينهم، فرحلوا عن غطفان فنزلوا فِي بني ثعلبة بْن سعد فعدادهم فيهم.
وقال هشام ابن الكلبي: وهم قليل ولم أر هاربيًا قط وفيهم يَقُولُ حُصين بْن الحُمام:
وهاربة البِقْعاء أصبح جمعهم ... أمام جموع النَّاس طرًّا مقدّما
وكان يُقال: هاربة البَقْعاء.
وعامر بْن ذبيان، وهم فِي بني يشكر عَلَى نسب، وهم رهط سويد بْن أَبِي كاهل الشَّاعِر، وَقَدِ انتمى سويد إلى غطفان.
وسلامان بْن ذبيان، وهم فِي بني عبس عَلَى نسب، وَيُقَال لهم بنو ملاص، وأمهم هند بِنْت الأوقص بْن لجيم. قَالَتْ هند وهي ترقّص فزارة:
__________
[1] ديوان بشر بن أبي خازم ص 72.(13/97)
إن تشبه الأوقص أَوْ لجيمًا ... أَوْ تشبه الأحنف أو لُهَيما
تشبه رجالًا يمنعون الضيما
تُريد بالأحنف حنيفة بْن لجيم، وكان اسم حنيفة أُثال فالتقى هُوَ والأحوى بْن عوف العبدي، فضرب الأحوى رَجُل أثال فحنفه، فسمي حنيفة، وضرب أثال يد الأحوى فجذمها فسمي الأجذم [1] .
فولد سعد بْن ذبيان:
عوف بْن سعد.
وثعلبة بْن سعد. وعبد بْن سعد، وهم أهل أبيات مَعَ بني مرة بْن عوف بْن سعد، وهم رهط الْعَبَّاس بْن سعد صاحب شرطة يُوسُف بْن عُمَر الثقفي بالكوفة، وأمهم هُجَيرة بِنْت عبس بْن بغيض.
فولد عوف بْن سعد:
مرة بْن عوف،
وهم بطن. ودُهمان بْن عوف بطن مَعَ بني مرة، وأمهما مُليكة بِنْت حنظلة بْن مالك بْن زَيْد مناة.
فولد مرة بْن عوف:
غيظ بْن مرة،
وفيه العدد. ومالك بْن مرة.
وسهم بْن مرة، وأمهم سلمى بِنْت مالك بْن حنظلة. وصرمة بْن مرة.
والصارد بْن مرة وهو سلامة. وعُصيم، وأمهم الراسبية بِنْت رشدان بْن قيس بْن جُهينة. وكان يُقال لرشدان بْن قيس غيّان «فسماهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني رشدان» .
وخصيلة بْن مرة، وهو عَمْرو، وأمه من بلي، يُقال لها حَرْقفة، وسُمِّي خُصيلة لأن أمه بعثت إِلَيْه وهو يناضل فَقَالَ: بقيت خُصيلة فسمي خُصيلة، وَيُقَال إنها جاءت بخصيلة معها، ولدته من ابْنُ عم لها كانت عنده من بلي.
__________
[1] بهامش الأصل: هو جذيمة.(13/98)
فولد غيظ بْن مرة:
نُشْبَة بْن غيظ.
وعدي بْن غيظ. وأمهما أسماء بِنْت شُيَد بْن رزام بْن مازن بْن ثعلبة بْن سعد. ويربوع بْن غيظ وأمه من بلي. ومرة بْن غيظ.
فولد نشبة:
مرة بْن نشبة.
وعبيد بْن نشبة. وعِمِّيت بْن نشبه.
وزهير بْن نشبة. وقَمّاص بْن نشبة. ومعاوية بْن نشبة. وعمرو بْن نشبة.
وربيعة بْن نشبة.
فمن بني مرة بْن نشبة بْن غيظ بْن مرة بْن عوف: سنان بْن أَبِي حارثة بْن مرة بْن نشبة،
وابنه هَرِم بْن سنان، الَّذِي مدحه زُهَيْر بْن أَبِي سلمى المزني فَقَالَ:
إنَّ البخيل مَلُومٌ حيث كان ولك ... نّ الجوادَ عَلَى علَّاته هرم
هُوَ الجواد الَّذِي يعطيك نائِلُهُ ... عفوًا ويظلم أحيانًا فَيُظَّلَمُ [1]
فقالت عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا لامرأة من ولده: ما الَّذِي كَانَ أبوك أنال زُهَيْر حتَّى مدحه، فقالت: كذا وكذا وأشياء نسيتُها، فَقَالَت: لكنه أبقى لكم ذكرًا لا يُنسى.
وعوف بْن أَبِي حارثة، أغارت هَمْدَان ورئيسهم عَمْرو بْن كعب الأرحبي عَلَى بني مرة بذات الإصاد [2] ، فقتل عوف وأصاب منهم نهبًا فَقَالَ أَبُو سلمى وكان مقيمًا فِي بني مرة:
وأيّ فتى حروب ضيعوه ... بشكته عَلَى ذات الإصاد
وولوا هاربين بكل فج ... كأن خصاهم قطع المزاد
__________
[1] شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 152.
[2] ذات الإصاد: ردهة في ديار عبس وسط هضب القليب، وهضب القليب بنجد جبال صغار. معجم البلدان.(13/99)
وظلوا يأملون لقاء عوفٍ ... ودون لقائه خرط القتاد
وكان سنان أَبُو هرم انطلق فنام تحت شجرة فلدغته حية فقتلته، فطلبه قومه فوجدوه ميتًا، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
إنّ الرزيَّةَ لا رزيَّةَ مثلها ... ما تبتغي غطفان يَوْم أَضَلَّتِ
إنّ الركاب لتبتغي ذا مُرَّةٍ ... بجنوب نخل إِذَا الشهور أُحلَّتِ
وقاتل سنان فِي بني ذبيان بني عامر بساحوق [1] ، فهزم بني عامر، وأُصيب منهم رجال ركبوا الفلاة فهلكوا عطشًا، وخنق نفسه حكم بْن الطفيل أخو عامر بْن الطفيل جزعًا من الأسر.
ومنهم يزيد بْن سنان الشَّاعِر.
وخارجة بْن سنان، وفيه البيت، وإنما سُمِّي خارجة لأن أمه ماتت وهو فِي بطنها فَبُقر واستُخرج فسُمِّي خارجة، وسميت أمه البقيرة.
وقَالَ بعضهم: سمي خارجة: بقير غطفان، لأنه استخرج من بطن أمه بعد ما هلكت فسمي بقيرا، وهو مَكْرُمان سمي بذلك لكرمه وهو القائل:
أَمَا تَرِينيَ ما أَلْهُو إلى أحدٍ ... ولستُ مهتديًا إلا معي هادي
فقد صَبَحْت سوام الحيّ مُشْعلة ... حربًا تَطَلَّعُ من غيب وانجاد [2]
ثمّت أطمعت قِدري غير مُدَّخِرٍ ... أهل المحلَّة من جارٍ ومن جاد
ومنهم الحارث بْن عوف [3] بْن سنان بن أبي حارثة،
جاء الاسلام
__________
[1] قال ياقوت في معجم البلدان: ويوم ساحوق، من أيام العرب.
[2] بهامش الأصل: الغيب المنخفض، والنجد: المرتفع.
[3] بهامش الأصل: الحارث بن عوف رحمه الله.(13/100)
والحارث بْن عوف هَذَا سيّد بني مرة، وكان يكنى أبا أسماء، وهو صاحب الحمالة فِي حرب داحس بين عبس وذبيان، وقَالَ زهير:
سعى ساعيا غيظ بن مرة بعد ما ... تبزل ما بين العشيرة بالدم [1]
وقَالَ النابغة الجعدي:
سعى ساعيًا غيظ بْن مرة بينهم ... سناء ومجدًا آخر الدهر باقيًا [2]
يعني الحارث بْن عوف، وحصين بْن ضمضم بْن جَابِر بْن يربوع، فَقَالَ الشَّاعِر فِي الحارث:
فأصلحها لهم حار بْن عوف ... فحملك فِي العشيرة لا يُعابُ
فأسلم الحارث، وبعث معه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلًا من الأنصار فِي جواره يدعو قومه إلى الْإِسْلَام، فقتله رَجُل من بني ثعلبة يُقال لَهُ مزاحم بْن شِجنة، فبلغ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخبر فَقَالَ لحسان: «قل فِيهِ» ، فَقَالَ:
يا حار من يغدر بذمة جاره ... منكم فإن محمدًا لا يغدر
وأمانةُ المريّ ما استرعيته ... مثل الزجاجة صدعُها لا يُجْبَر
إنْ تغدروا فالغدر منكم عادة ... والغَدرُ ينبت فِي أُصولِ السَّخْبَرِ [3]
فبعث الحارث يعتذر، وبعث بدِيةِ الرجل سبعين بعيرًا فقبلها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودفعها إلى ورثته، وَيُقَال إن الرجل من غير الأنصار، وفيه يَقُولُ الفزاري:
يا حار قَدْ عَجَلَتْ عليكَ منيّة ... فالحمد زادك قد فعلت لتحمدا
__________
[1] شرح ديوان زهير ص 14.
[2] ليس في ديوان النابغة الجعدي المطبوع.
[3] ديوان حسان ج 1 ص 137.(13/101)
ولقد تركت رجال صدق سادةً ... ولأنتَ بعد اللَّه كنتَ السيِّدا
الحارث الوهَّاب أمسى قبره ... قبرًا بمسهكة [1] الرياح مُشَيَّدا
ومن ولد الحارث: الصقر بْن جيدب كَانَ واليًا بالشام لمروان بْن مُحَمَّد الجعدي.
ومنهم: الجنيد بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَمْرو بْن الحارث بْن خليفة بْن سنان بْن أَبِي حارثة،
ولي خراسان والسند، وكان جوادًا، استعمله هشام عَلَى خراسان سنة اثنتي عشرة ومائة، فلقي الترك فحاربهم وظفر بابن ملكهم. وكانت لَهُ مغازٍ.
وفي ولايته انتشرت دعاة بني هاشم ... وقوي أمرهم، ومات الجنيد
بمرو فَقَالَ فِيهِ الشَّاعِر:
ذهبَ الجُودُ والجنيد جميعًا ... فعلى الجود والجنيد السَّلام
وقبل ذَلِكَ ما ولي الجنيد فِي أيام يزيد بْن عَبْد الملك ثغر السند من قبل عُمَر بْن هبيرة، فغزا الكرج، فاتخذ كباشًا نطاحة من خشب، فهدم أسوارها وأصاب غنائم كبيرة منها ومن غيرها، وفيه يَقُولُ جرير بْن عطية:
أصبح زوار الجنيد وصحبه ... يُحَيُّون صَلْتَ الوجه جَمًّا مواهبه [2]
وقَالَ أَبُو الجويرية:
لو كَانَ يقعدُ فوقَ الشَّمْس من كرم ... قوم بأحسابهم أَوْ مجدهم قعدوا
مُحَسَّدُون عَلَى ما كَانَ من كرم ... لا ينزع اللَّه منهم ما له حسدوا
__________
[1] سهكت الريح التراب عن الأرض: أطارته، وريح ساهكة ومسهكة: عاصفة شديدة.
القاموس.
[2] ديوان جرير ص 48.(13/102)
وحدثني المدائني أن الجنيد أعطى زواره بالسند أربعين ألف ألف درهم.
ومنهم: خُريم بْن عَمْرو بْن الحارث بْن خليفة،
الَّذِي يُقال لَهُ خُريم الناعم، وكان يلبس فِي الصيف الخُلْقان، وفي الشتاء الجُدُد.
ومن ولده: أَبُو الهَيْذام، وهو عامر بْن عمارة بْن خريم،
وهو الَّذِي قتل أهل اليمن بالشام بالعصبية، وهو القائل لأمير المؤمنين المنصور وَقَدْ قَالَ لَهُ: ما بالك لا تسألني حوائجك: والله ما أخاف بُخْلَكَ ولا أستقصر عمرك.
وكان أخوه عثمان بْن عمارة بْن خريم
ولي أرمينية وآذربيجان للمهدي، وولي سجستان لأمير المؤمنين الرشيد.
ومنهم شبيب بْن مزيد [1] بْن جَمْرَة بْن عوف بْن أَبِي حارثة الشَّاعِر،
وكان ينسب إلى أمه فيقال شبيب بْن البرصاء، وكانت أدماء فسُمِّيت برصاء بلا برص.
قَالَ ابْنُ الكلبي: هَذَا مقلوب من كلامهم، كما يقولون للمهلكة:
مفازة. وأشباه ذَلِكَ، واسمها أمامة بِنْت الحارث بْن عوف.
وذكر الكلبي أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطبها إلى أبيها فَقَالَ: إن بها برصًا، وهو كاذب ليدفعه عَنْهَا، فلما رجع إلى قُبَّته وجدها برصاء. ولشبيب عقب بالبادية.
ومنهم: عُبيد بْن نشبة بْن مرَّة بْن غيظ بْن مرة، وهو أَبُو الخريف الفاتك،
الَّذِي علَّم الحارث بْن ظالم الفتاكة، وكان أبو الخريف أتى نشبة
__________
[1] بهامش الأصل: شبيب بن البرصاء الشاعر.(13/103)
أباه، وكان فاتكًا فَقَالَ: يا أبه علَّمني الفتاكة، فَقَالَ: إِذَا هَمَمْتَ فافعل، ثُمَّ عاد إِلَيْه فَقَالَ: علمني يا أبه الفتاكة، فضربه بالسيف فجرحه وقَالَ:
يا بنيّ هَذِهِ الفتاكة. فأتى الحارث بْن ظالم أبا الخريف بعد ذَلِكَ فَقَالَ:
علمني الفتك فَقَالَ لَهُ: إِذَا هممت فافعل، ثُمَّ عاد إِلَيْه فَقَالَ: علمني الفتك فشدَّ عَلَيْهِ بالسيف فهرب من بين يديه، فَقَالَ: مالك؟ فَقَالَ: هَذَا الفتك الَّذِي سَأَلت عَنْهُ.
ومنهم: بُكير بْن المغيرة،
وكان يهاجي عقيل بْن علفة.
وولد يربوع بْن غيظ:
جَابِر بْن يربوع. وجذيمة بْن يربوع.
ورياح بْن يربوع وأمهم عمرة بِنْت بَهز، وهو تيم بْن امرئ القيس بْن بهثة بْن سُلَيْم بْن مَنْصُور. وقِتال بْن يربوع وأمه مزنيَّة.
فمن بني يربوع بْن غيظ بْن مُرَّة:
النابغة الشَّاعِر [1] ، وهو زياد بْن معاوية بْن ضباب بْن جَابِر بْن يربوع،
ويكنى أبا أمامة.
وقَالَ ابْنُ هبيرة الفزاري: ما يمنعني من قول الشعر ألا أكون قادرًا عَلَيْهِ لو أردته، لكني رَأَيْته وضع النابغة الذبياني، وكان سيد غطفان.
حَدَّثَنِي أَبُو الوليد الكناني قَالَ: تذاكر جلساء النعمان بْن المنذر عنده الشعر والشعراء، فَقَالَ رَجُل منهم: لقد نبغ فِي بني ذبيان شاعر قلّما سمعت كشعره، فسمي النابغة، واسمه زياد، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
تأَمَّلَ طيرةً سَفَهًا زيادٌ ... لتخبره وما فيها خبير
تَعَلَّمْ أنَّ طير السوء تَغْرِي ... بزاجرها وذلكُمُ الثبور
وروى بعضهم أَنَّهُ سُمّي النابغة بقوله:
__________
[1] بهامش الأصل: النابغة الشاعر الذبياني.(13/104)
وحلت فِي بني القين بْن جسر ... فقد نبغتْ لنا منهم شؤون [1]
والأول أثبت.
قَالَ وبعث النعمان إِلَيْه فسامره، ثُمَّ إن رجلًا من بني قريع وشى بِهِ إلى النعمان وأخبره أَنَّهُ يُشَبِّبُ بالمتجردة جاريته، ونحله هجاء لَهُ، فهرب النابغة وجعل يَقُولُ الشعر فِي الاعتذار إلى النعمان ويكذب الواشي بِهِ فمن قولُه:
ما إن بديتُ بشيء أنت تكرهه ... إذًا فلا رفعتْ سوطي إليَّ يدي [2]
ومنه قولُه:
لئن كنتَ قَدْ بُلِّغْتَ عني خيانة ... لَمُبْلِغُكَ الواشي أَعَقُّ وأكْذَبُ
حَلَفْتُ فلم أترُكْ لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب [3]
قَالَ: وقَالَ عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، أَشْعَرُ شعرائكم الَّذِي يَقُولُ:
حَلَفْتُ فلم أترك لنفسك ريبة ... وليس وراء الله للمرء مذهب
وقَالَ أيضًا:
لعَمَرْي وما عُمْري علي بهين ... لقد نطقت بطلا علي الأقارع
أتاكَ بقول لَهْلَهٍ [4] نَسْجُ كاذبِ ... ولمْ يأت بالحقِّ الَّذِي هُوَ ساطع [5]
وقَالَ أَبُو عدنان السلمي حَدَّثَنِي أَبُو عبيدة عن أَبِي عَمْرو قال كان النابغة قال:
__________
[1] ديوان النابغة الذبياني ص 126.
[2] ديوان النابغة الذبياني ص 36.
[3] ديوان النابغة الذبياني ص 17.
[4] لهله الثوب: هلهله. القاموس.
[5] ديوان النابغة الذبياني ص 80- 81 مع فوارق كبيرة.(13/105)
زعم البوارح أنَّ رحلتها غدًا ... وبذاك خَبَّرَنَا الغُراب الأسود [1]
فدخل الحجاز: فعيب عَلَيْهِ ذَلِكَ، حتَّى سَمِعَ البيت يُغني بِهِ فلما مُدِّدَ عرف أَنَّهُ مُقْوٍ فَغَيَّرَه فَقَالَ:
وبذاك ينعاب الغراب الأسود
وقَالَ ابْنُ الأعرابي عن المفضّل الضبي: كَانَ من حديث النابغة وبدء غضب النعمان عَلَيْهِ أَنَّهُ كانت عند النعمان المتجردة، وكان النعمان قصيرًا، قبيح الوجه، دميمًا أبرش، وكان ماردًا، وكان النابغة أحد جلسائه ومن يسمر عنده، ورجل آخر من بني يشكر يُقال لَهُ المنخل، وكان جميلًا يُتَّهَمُ بالمتجردة، ويُقال أن ابْنَيِ النعمان منها إنَّما هُما من المنخل، وهو القائل:
ولقد دخلتُ عَلَى الفت ... اة الخدرَ فِي اليوم المطير.
فدفعتُها فتدافَعَتْ ... مَشْيَ القطاة إلى الغدير
فزعموا أن النعمان قَالَ يومًا وعنده المتجردة والنابغة: صِفْهَا فِي شعرك يا نابغة، فَقَالَ قصيدته التي أولها:
أَمِنْ آلِ مَيَّةَ رائح أو مُغْتَدِ........ [2]
فَقَالَ المنخل: ما يستطيع أن يَقُولُ هَذَا الشعر إلّا من ذاق أَوْ جَرَّبَ، فَوَقَرَ ذَلِكَ فِي نفس النعمان، ثُمَّ إن قومًا من بني قريع أخبروا النعمان أن النابغة يصف المتجردة، ويذكر منها ما هُوَ مكتوم. وكان للنعمان بواب يُقال لَهُ عصام بْن شَهْبَر، جَرمي فأتى النابغة فَقَالَ لَهُ إن النعمان موقع بك فهرب النعمان إلى غسان بالشام، فكان فيه ومدحهم بقصيدته التي يقول فيها:
__________
[1] ديوان النابغة الذبياني ص 38 مع فوارق.
[2] الشطر الثاني لهذا البيت: عجلان ذا زاد وغير مزود. ديوان النابغة الذبياني ص 38.(13/106)
كِليني لِهَمٍّ يا أميمة ناصب.......... [1]
وفيها يَقُولُ:
حوت بها غسان إِذَا كنت لاحقًا ... بقومٍ وإذ عَيَّتْ عليَّ مذاهبي [2]
وَقَدْ كَانَ النابغة أتى غسان قبل ذَلِكَ عند قتل المنذر أَبِي النعمان بْن المنذر يَوْم عين أباغ، إذ طعنه شمر بْن عَمْرو الحنفي، وَقَدْ ذكرنا خبره يَوْم عين أباغ فِي كتابنا هَذَا، فكلم النابغة الحارث بْن أَبِي شمر في أسارى بني أسد واستشفع بالنعمان بن الحارث بن أبي شمر فأُطلقوا.
وكان حسان بْن ثابت الْأَنْصَارِيّ يحدث قَالَ: لما بلغني زحف المنذر إلى الحارث بْن أَبِي شمر وإيقاعه بِهِ، قَدِمَتْ عَلَيْهِ أهنئه فوجدتُ عنده رجلين فأنشد أحدهما:
كليني لِهَمٍّ يا أميمة ناصب......
حتَّى أتى عليها، ثُمَّ أنشده بعده رَجُل كَانَ على يساره.
طحى بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عَصْر حَانَ مشيب [3]
فاستنشدني فهبت ذَلِكَ لما سمعت من جودة شعرهما، فقال: يا بن القريعة إن كنت منشدًا فأنشد فأنشدته.
أسألت رسم الدار أم لم تسأل....... [4]
لما خرجت من عنده سَأَلت عن الرجلين فقيل: الأول النابغة والثاني علقمة بْن عبدة، فأُعطي علقمة أخاه شأس بْن عبدة، وكان أسيرًا، وقوم
__________
[1] الشعر الثاني هذا البيت: وليل أقاسمه بطيء الكواكب.
[2] ديوان النابغة الذبياني ص 9- 13.
[3] ديوان علقمة الفحل- ط. حلب 1969 ص 33.
[4] الشطر الثاني هذا البيت: بين الجوابي فالبضيع فحومل. ديوان حسان ج 1 ص 74.(13/107)
يظنون أن هَذَا فِي يَوْم حليمة وذلك غلط، ألا ترى أن النابغة قَالَ:
تخيرت من أزمان يَوْم حليمة ... إلى يَوْم قَدْ جرّ بن كل التجارب [1]
وقوم يزعمون أَنَّهُ جرى بين حسان والنابغة كلام فَقَالَ لَهُ حسان: أَنَا أشعر منك. فَقَالَ: كذبتَ لأنك لا تُحْسِنُ أن تَقُولُ مثل قولي:
أتاركة تدللها قطام........ [2]
ومدح النابغة عصام بْن شهبر فَقَالَ:
نفس عصام سَوَّدَتْ عصامًا ... وعلَّمَتْهُ الكَرَّ والإقداما
وجعلته ملكًا هماما [3]
وَيُقَال إن الشعر لغير النابغة.
وبلغ النابغة أن النعمان ثقيل من مرض أشفى مِنْهُ عَلَى الموت، وكان يُحْمَل فِي مرضه ذَلِكَ عَلَى سرير فيما بين قصوره، فَقَالَ:
ألم أُقْسِمْ عليك لتخبرنيِّ ... أمحمولٌ عَلَى النعش الهمام
فإني لا أُلام عَلَى دخولٍ ... ولكن ما وراءك يا عصام
فإنْ يَهْلِكْ أَبُو قابوس يهلك ... ربيع النَّاس والشهر الحرام
وتمسك بعده بذناب عيش ... أجَبَّ الظهر ليس لَهُ سنام [4]
قَالُوا: وجاء النابغة وَقَدْ أجاره منظور بْن أبان، والربيع بْن زياد العبسي، فدخل عَلَى النعمان بْن المنذر، فلما رآه النُّعْمَان قَالَ: أتتك بحائن رجلاه، فقالا: أبيت اللعن إنا قَدْ أجرناه، فأنشده كلماته الثلاث:
__________
[1] ديوان النابغة الذبياني ص 11.
[2] الشطر الثاني لهذا البيت: «وضنا بالتحية والكلام» . ديوان النابغة الذبياني ص 111.
[3] ديوان النابغة الذبياني ص 118.
[4] ديوان النابغة الذبياني ص 110.(13/108)
يا دار مَيَّة بالعلياء فالسَّنَدِ.......... [1]
وقولُه:
أربَعًا جديدًا من سعاد تجنَّب........ [2] ... عفا رسم من فرتنا فالفوارع........... [3]
فرضي عَنْهُ وأمر لَهُ بمائة ناقة من عصافيره، وهي إبل كانت للنعمان.
ويروى أن حسان بْن ثابت كَانَ عند النعمان بْن الحارث بْن أَبِي شمر، فإذا هو يومًا بصوت أجش من وراء القبة وهو يرتجز ويقول:
أَصمُّ أَمْ يسمع رب القُبَّهْ ... يا أَوْهَبَ النَّاس لعَنْسٍ صُلْبَهْ
ذات نجاءٍ فِي يديها حدْبَة [4]
فَقَالَ النعمان حين سمعه: مرحبًا بأبي أمامة أُدخل، فدخل عَلَيْهِ فأنشده:
أتاركة تَدَلُّلها قطام ... وضنًّا بالتحية والسلام
فَقَالَ حسان: لا أدري عَلَى ما أَحْسُدْه أعلى جمال وجهه، أم جودة شعره، أم حباء الملك لَهُ؟
ورآه حسان بعد عام بعكاظ فعرض عَلَيْهِ شعره فَقَالَ: ما سَمِعْتُ شعرًا يَعْدُلُه إلّا شعر هَذِهِ الشيخة السليمية، يعني الخنساء.
وكان النابغة حكم الشعراء، وبعض الناس يزعم أن كنية النابغة أبو ثمامة والأولى أثبت.
__________
[1] الشطر الثاني لهذا البيت: «أقوت وطال عليها سالف الأبد» . ديوان النابغة الذبياني ص 30.
[2] الشطر الثاني لهذا البيت: «عفت روضة الأجداد منها فيثقب» . ديوان النابغة الذبياني ص 22.
[3] الشطر الثاني لهذا البيت: «فجنبا أريك فالتلاع الدوافع» . ديوان النابغة الذبياني ص 78.
[4] ليست في ديوان النابغة الذبياني المطبوع.(13/109)
وحُدثتُ أن المتجردة كانت تحت رَجُل من جُرْهُم، وكانت جميلة فانتزعها النعمان من زوجها، وَيُقَال كانت أَمَةً سبيَّةً.
ومنهم: عَقِيل بْن عُلفة بْن الحارث بْن معاوية بْن ضَباب بْن جَابِر بْن يربوع،
وكان جافيًا تائهًا غيورًا فقيل لَهُ قَدْ عضلت بناتك أفما تخاف عليهن ما تخاف عَلَى النساء؟ فَقَالَ: كلا إني أعريهنّ فلا يظهرن وأجيعهنّ فلا يأشرنَ.
وكانت أم عُلفة بْن عقيل بْن عُلفة جميلة، وكان يُتَّهَمْ بها جحاف بْن زياد أحد بني قتال. فأخذها عقيل فربطها بين أربعة أوتاد، ودهنها بإهالة [1] ، وجعلها فِي قرية نمل فمر بها الجحاف ليلًا فسمع أنينها فاحتملها حتَّى طرحها بفَدَك، فاستعدى عقيل عَلَيْهِ الوالي، فَقَالَ إنها رأتني وَقَدْ كبرت وذهب وفري [2] وكثر بخري، فردها عَلَيْهِ.
وحدَّثني عَبَّاس بْن هشام الكلبي قَالَ: كَانَ عقيل بْن علفة غيورًا، فدخل عَلَى عثمان بْن حيان المُرّي، وهو عامل الوليد بْن عَبْد الملك عَلَى المدينة، فَقَالَ لَهُ: يا عقيل، زوجني ابنتك، فَقَالَ: أبكرة من إبلي؟
قَالَ: أي شيء تَقُولُ ويحك؟ قَالَ: أي شيء قلت أنت؟ قَالَ: قلت زوِّجْني ابنتك. قَالَ: أبكرة من إبلي، قَالَ: أخرجوه عني ملعون خبيث، فخرج وهو يَقُولُ:
كُنَّا بُنو غيظ الرجال فأصبحتْ ... بنو مالك غيظًا وصرنا كمالك
لحى اللَّه دهرًا أَذْهَبَ المالَ كلَّهُ ... وسَوَّدَ أبناء الإماء العواتك
__________
[1] الإهالة: الشحم، أو ما أذيب منه، أو الزيت، وكل ما إئتدم به. القاموس.
[2] بهامش الأصل: ذفري.(13/110)
وكان عثمان بْن حيان أحد بني مالك بْن مُرة وعقيل أحد بني غيظ بْن مرة.
ومنهم: حصين بْن ضمضم بْن ضباب،
الَّذِي ذكره زُهَيْر بْن أَبِي سلمى فِي كلمته التي أَوَّلُها:
أمِنْ أُمِّ أَوْفَى دِمْنَةٍ لم تكلم........... [1]
قَالُوا: واجتمعت عبس وذبيان بقَطَنْ [2] وَيُقَال بذي حُسى [3] وذلك قبل أن تؤدى الحمالات التي تراضوا بها، فنظر الربيع بْن زياد العبسي إلى حصين بْن ضمضم، ومعه فرس لَهُ فَقَالَ لتيحان أحد بني مخزوم بْن مالك بْن غالب بْن قطيعة بْن عبس: قم إلى حصين فناطقه وتأنَّه فإن فِي لسانه حلبسة [4] ، وأقره مني السلام فجعل تيحان يكلمه وهو ساكت حتى دنا منه، فجال حصين فِي متن فرسه، ثُمَّ لحقه فقتله بأبيه ضمضم، وقتل أيضًا ربيعة بْن وهب العبسي بأخيه هرم بْن ضمضم، وكَانَ قاتله الورد بْن عروة، وَيُقَال عنترة قتلهما يَوْم المُريقب حين اقتتلت عبس وفزارة، وعلى عبس الربيع بْن زياد، وعلى فزارة حذيفة بْن بدر، فَقَالَ رَجُل من بني مخزوم:
__________
[1] الشطر الثاني لهذا البيت: «بحومانة الدارج فالمتثلم» . شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 4.
[2] قطن: جبل مستدير ململم يجري من رأسه عيون لبني عبس عن يمين النباج والمدينة.
معجم البلدان.
[3] بالأصل حشى وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه، وذو حسى واد بالشربة من ديار غطفان وقيل هو وادي الهباءة، وكان به يوم من أيام داحس والغبراء لبني ذبيان على عبس. المرصع لابن الأثير.
[4] كذا بالأصل، ولعلها تصحيف «حبسه» فالحلبس: الشجاع. القاموس.(13/111)
سالم الله من تبرأ من غيظ ... وولى آثامها يربوعا
قتلونا بعد المواثيق والعهد ... فما كان جارهم ممنوعا
وتهاجوا فاقتتلوا بقطن، أتى خارجة بْن سنان أبا تيحان بابنه، فَقَالَ:
هَذَا وفاء بابنك فعفا عَنْهُ فافتداه بمائتي بعير فأدى إِلَيْه مائة ثُمَّ حط الْإِسْلَام عَنْهُ مائة ثُمَّ اصطلحوا وتعاقدوا فقال زُهَيْر:
لعمري لنعم الحيّ جَرَّ عليهم ... بما لا يؤاتيهم حصين بْن ضمضم
وكان طوى كشحًا عَلَى مستّكنة ... فلا هُوَ أبداها ولم يتقدم [1]
يعني أمر تيحان.
وقالوا: لما قتلت عبس حذيفة بْن بدر الفزاري يَوْم الهَباءة، غضب سنان بْن أَبِي حارثة المري غضبًا شديدًا، واجتمعت إِلَيْه بنو ذبيان فشكوا مالقوا من بني عبس، وكان سنان معتزلًا الحرب نازلًا فِي بني مرة، فاجتمعت بنو مرة وبنو عَبْد اللَّه بْن غطفان، وبنو ثعلبة فَقَالَ لهم سنان:
لا تعرضوا للإبل والغنيمة، فإن الطمع فَشَل، الضّرَاب قبل النهاب، فأرسلها مثلًا، فنهضوا إلى بني عبس فَقَالَ قيس بن زهير بْن جذيمة لبني عبس: لا أرى لكم لقاء القوم فإنهم موتورون فإن أَبَيْتُم فإن لكل قوم شَرَّةٌ ولكل شرةٍ فترةٌ، فاصبروا لهم، وأقبل سنان فِي جيشه فلقي بني عبس عَلَى ذات الحراج فاقتتلوا قتالًا شديدًا، ونادى عُمارة بْن زياد أخو الربيع: هَلْ من مبارز، فَقَالَ سنان لابنه: بارزه، فنزل عن راحلته وهو يَقُولُ:
يا عين بَكِّي مالكًا ومالكا [2] ... وحَمَلًا عزَّ علينا هالكًا
__________
[1] شرح ديوان زهير ص 21- 22.
[2] بهامش الأصل: مالك بن زهير ومالك بن حذيفة.(13/112)
فَقَالَ الربيع لأخيه عمارة: لا تبارزه فإنه موتور لو طعن بعود سحمه [1] لقتل، فلم يبارزه، ثُمَّ التقى القوم واختلطوا وبدت يومئذٍ نجدة عنترة العبسي، وجعل يرتجز ويقول:
اليوم تبلو كل أنثى بعلها ... والحُرُّ يحميها ويحمي رَحْلَهَا [2]
ثُمَّ حمل فطعن حصين بْن ضمضم فأرداه عن فرسه، وحمل أيضًا عَلَى دريد بْن حصين بْن ضمضم فصرعه، وطعن حصين عنترة، ثُمَّ استقل وَقَدْ دمي وجهه، وحمل عَلَيْهِ فطعن مؤخر سرجه، فأفلت من طعنته فَقَالَ عنترة:
ولقد خشيتُ بأن أموتَ ولم تَدُرْ ... الحربُ دائرة عَلَى ابني ضمضم [3]
وقَالَ سنان:
ابكوا حذيفة بالصفائح والقنا ... وانعوه للبادين والحَضْرِ
وانصرف سنان.
وقَالَ بعضهم: طعن عنترة حصينًا فأرداه فأدْمَى وجهه، فمسح الدم، وشد عَلَى عنترة فطعن مؤخر سرجه فأفلت من طعنته.
وقَالَ المفضل: قتل هرم بْن ضمضم المري، ثُمَّ اصطلح النَّاس ولم يدخل حصين فِي الصلح، وحلف ألا يغسل رأسه حتَّى يقتل ورد بْن حابس، وَيُقَال ورد بْن عَمْرو، أَوْ رجلًا من بني عبس، ثُمَّ من بني غالب وكَتم ذَلِكَ فلم يُطلع عَلَيْهِ أحدًا، وحمل الحمالة الحارث بْن عوف بْن أَبِي
__________
[1] السحمة: السواد، والسحم: شجر.
[2] ليس في ديوان عنترة المطبوع.
[3] ليس في ديوان عنترة المطبوع.(13/113)
حارثة وهَرِم بْن سنان بْن أَبِي حارثة، فلقي الحصين رجلًا من بني عبس فقتله، وبلغ ذَلِكَ الحارث وهرمًا فاشتد عليهما، وأراد بنو عبس قتل الحارث فصالحهم عَلَى الدِّية.
ومنهم: الحارث بْن ظالم بْن جذيمة بْن يربوع بْن غيظ.
حَدَّثَنَا قوم من علمائنا أن زُهَيْر بْن جَذيمة بْن رواحة العبسي تزوج امْرَأَة من بني سُليم بْن مَنْصُور يُقال لها تُماضر بِنْت الشريد، فولدت لَهُ قيس بْن زُهَيْر. وكثير بْن زُهَيْر. ومالك بن زهير. وشأس بْن زُهَيْر. والحارث بْن زُهَيْر. وخداش بْن زُهَيْر. وورقة بْن زُهَيْر. ونهشل بْن زُهَيْر. وعوف بْن زُهَيْر.
وكان النعمان بْن المنذر أرسل إلى زُهَيْر يخطب ابنته، ويسأله أن يبعث إِلَيْه ببعض بنيه، فبعث إليه شأسا، فلما قدم عليه سأش حباه وأكرمه وأحسن جائزته ورده إلى أبيه وعرض عليه أن يوجه معه قوما يبذرقونه فَقَالَ:
لا شيء أمنع لي من نسبتي إلى أَبِي، فورد ماءً من مياه غني بْن أعصر يُقال لَهُ النتأة، فوجد عَلَيْهِ رجلًا من غنيّ فَقَالَ لَهُ شأس: أفي الحوض ماء؟ قَالَ:
ما فِيهِ ما يكفيك. فَقَالَ شأس: والله إن قراكم ما علمتُ لحسن، وإن كلامكم لغليظ. فنكس الغنويّ حين سَمِعَ قولُه، وشم مِنْهُ ريح المسك فرماه بسهم فقتله، وأخذ ثيابه وجميع ما معه، ثُمَّ حفر لَهُ ودفنه، وأخفى ما كَانَ معه، وكان فِيهِ عَيْبَةٌ مملوءة مسكًا وعنبرًا وحُلَلًا وغيرها. وكان الغنوي رياح بْن حراق.
وقَالَ ابْنُ الكلبي: هُوَ رياح بن أخي الأشل، وفحص زُهَيْر حين أبطأ عنه شأس عن خبره، وأُخبر بما انصرف بِهِ من عند النعمان، ولم يَدْر من قتله(13/114)
إلّا أَنَّهُ وقع ظنه عَلَى غنيّ وكلاب، ثُمَّ إنه بعد أشهر أمر أمرأة حازمة من قومه وكانت لسنة شديدة أن تأخذ لحمًا سمينًا فتقدّده، وتخرج بِهِ إلى بني عامر، وغنيّ فتعرض ذَلِكَ عليهم وتقول إني زوجت ابنتي وأنا ابتغي لها طيبًا وثيابًا ففعلت، ثُمَّ إنها وقعت عَلَى امْرَأَة للغنويّ فقالت لها: إن كتمت عليَّ أعطيتُك حاجتك وأخبرتها بأمر شأس وأعطتها مسكًا وثيابًا، وباعتها ذَلِكَ بما معها من اللحم والشحم، وخرجت العبسية حتَّى أخبرت زهيرًا بالأمر، فركب زُهَيْر فقدم عَلَى غنيّ فَقَالَ لهم: إنكم قتلتم شأسًا ابني فقالوا: ومن قتله فأخبرهم، فَقَالَ: أما أن تحيوا شأسًا أَوْ تمكنوني من غني كلها حتَّى أقتلها بِهِ، أَوْ تنصبوا الحرب بيني وبينكم، فَقَالَ خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب، وكان نازلًا يومئذٍ فِي غني، وهم أخواله، أما شأس فقد علمت أَنَا لا نقدر عَلَى إحيائه، وأمَّا غني فإنهم أحرار كرام لا يرضون بها، ولكن الثالثة من إقامة الحرب بيننا وبينك، فلو كنت المُطالَبُ بهذا لم تُعْطِ، وإن السِّلْم أمنٌ ومسننة، فارض بقاتل ابنك أَوْ دِيَته، وكان قاتله مستخفيًا فِي ردهة يأوي إليها، فلم يرض زُهَيْر. وحمل وقومه من بني عبس عليهم، فاقتتلوا قتالًا شديدًا فأكثر زُهَيْر القتل فِي غني وبني عامر، ثُمَّ إن خَالِد بْن جَعْفَر وزهير بْن جذيمة التقيا بعكاظ فجرى بَيْنَهُما كلام فَقَالَ خَالِد: يا زُهَيْر وددت أني عقدت يديّ وراء عنقك فلا نفترق حتَّى يكون الطَّول لأحدنا، فحرض قومه وقَالَ:
بكيتُ عَلَى شأسٍ وأُخبرت أَنَّهُ ... بماء غنيٍّ آخر الليل يُسلَب
وجعل خَالِد يَجمع لبني عبس وقَالَ:
أديروني إدارتكم فإني ... وحَذْفة [1] كالشجا تحت الوريد
__________
[1] حذفة: فرس خالد بن جعفر. القاموس.(13/115)
مكرَّمةٌ أواسيها بقولي ... وألحفها ردائي فِي الجليد
لعل الله يمكنني عليها ... جهارا من زهير أَوْ أسيد
وأسيد أخو زُهَيْر بْن جذيمة.
ثُمَّ غزا خَالِد بني عبس وأَلْفَافَهم، فالتقت الخيلان، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن خالد وصل إلى زُهَيْر، فحمل كل واحد منهما عَلَى صاحبه، واضطربا بسيفيهما، ثُمَّ تعانقا فَخرَّا بين فرسيهما، ووقع زُهَيْر تحت خَالِد، فأقبل ورقاء بْن زُهَيْر فضرب خالدًا عَلَى رأسه ضربة نبت على رأسه، وأقبل حُنْدُج بْن البكَّاء بْنِ عامر بْن رَبِيعَة بْن عامر بْن صعصعة، واسم البكَّاء معاوية، فضرب رأس زُهَيْر بْن جذيمة، فدخل فِيهِ السيف فقتله، وقَالَ ورقاء:
رَأَيْت زهيرًا تحت كلكل خالدٍ ... فأقبلت أسعى كالعَجُول أبادر
إلى بطلين ينهضان كلاهما ... يريدان حد السيف والسيف نادر
ثُمَّ إن خَالِد بْن جَعْفَر علم أَنَّهُ مطلوب بدم زُهَيْر بْن جذيمة، فخرج ومعه أخوه عروة بْن جَعْفَر، وهو الذي يقال له عروة الرحال، حتى قدم عَلَى النعمان بْن المنذر، فاستجاراه فأجارهما وضرب لهما قبة، وكان بعض البصريين يَقُولُ: إن المجير لهما الأسود بْن المنذر، والأول أثبت.
وإن غطفان تناظرت فيما تصنع، فَقَالَ لهم الحارث بْن ظالم المري عليكم بحرب هوازن فقوموا بها، عَلَى أن أقتل خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب بزهير بْن جذيمة، فخرج الحارث حتَّى قدم عَلَى النعمان فدخل عَلَيْهِ وعنده خَالِد وأخوه عروة، وهم يأكلون تمرًا، فَقَالَ لَهُ خَالِد: يا أبا ليلى إن عندك يدًا ينبغي أن تشكرها، فَقَالَ الحارث: وما هِيَ؟ قَالَ: قتلت زهيرًا(13/116)
فصرت سيد غطفان، فَقَالَ: سأشكرك وأشكمك [1] شكم ذاك، وتداخل الحارث غيظ وغضب شديد فنهض إلى منزله فأخرج رحلهُ وقَرَّبَ راحلته ثُمَّ جعل يكدم الرَّحْلَ غيظًا فكلما كسر مِنْهُ كسرة لاكها طويلًا ثُمَّ ألقاها فَقَالَ لَهُ رَجُل كَانَ معه من محارب بْن خصفة: إني أراك تصنع شيئًا عجيبًا، فلما ركب راحلته أقسم عَلَى المحاربي، وكان يُقال لَهُ خراش لينطلقنَّ إلى حيث يشاء فانطلق وتركه، وقَالَ عروة لأخيه خَالِد: ما حملك عَلَى ما قلت للحارث حتَّى أغضبته وأنت تعرف شجاعته وفتكه وشرارته، أما والله إني لأحسبك ستشرب بها كأسًا فَقَالَ خَالِد: وما الَّذِي تخوفني به من الحارث، فو الله لو وجدني نائمًا ما اجترأ عَلَى أن يوقظني، فَقَالَ عروة: الصدق ينبئ عنك لا الوعيد، ودخلا قُبَّتَهُما فأشرجاها عليهما، وأقبل الحارث ليلًا فأناخ راحلته وأتى القبة فقطع شرجها بسيفه، وخالد نائم فَقَالَ لعروة: والله لئن تحركتَ لَأجَأَنَّ بِكَ قبله فسكت وضرب الحارث خالدًا برجله فنبهه ثُمَّ قَالَ:
أتعرفني؟ قَالَ: نعم. قَالَ أَنَا الَّذِي بلغني أنك قلت لأخيك والله لو كنت نائمًا ما اجترأ عَلَى أن يوقظني، ثُمَّ ضربه بسيفه حتَّى قتله، وخرج فركب راحلته وهرب، ودخل عروة عَلَى النعمان فأخبره بما صنع الحارث فأمر بطلبه فلحقه قوم فهابوه وتحاموا عَنْهُ وقالوا: لم نره، ومضى إلى غسان بالشام، فكان فِي جوارهم حينًا، ثُمَّ أتى مكَّة حتَّى استُؤمن لَهُ النعمان فقدم الحيرة.
وبلغ الحارث أن جُمَلَ بِنْت خَالِد قَالت:
يا حارِ لو نبهته لوجدته ... لا طائشًا رعْشًا ولا معزالا
لكن غدرت وكنت عبدًا غادرًا ... فِي الليل تُحسب في الظلام خيالا
__________
[1] الشكم: الجزاء والعطاء، والشكيمة: الأنفة والانتصار من الظلم. القاموس.(13/117)
فقال مجيبًا لها:
يا جُمْلُ قَدْ نبَّهْتُهُ فوجدتُه ... رَخْوَ اليدين إِذَا رَأَى الأبطالا
وقَالَ المفضل الضبي وجُناد، وابن الجصاص الكوفيون فيما ذكر لي عَبَّاس بْن هشام الكلبي عن أَبِيهِ: خرج الحارث إلى غسان فلم يُقْم عندهم إلّا يسيرًا، ثُمَّ أتى مكَّة فنزل عَلَى عَبْد اللَّه بْن جُدعان فأجاره ومَتَّ إِلَيْه بأن مُرَّة بْن عوف من قريش قَالَ:
فما قَوْمي بثعلبة بْن سعد ... ولا بفزارة الشّعرى رقابًا
وقَومي إن سَأَلت بني لؤيٍّ ... بمكة عَلَّمُوا مضَرَ الضِّرابا
ثُمَّ إنه طلب لَهُ الأمان من النعمان فأمنه وقدم، فأقام عنده، فأتت امْرَأَة من قومه، ويقال من بَلي فشكت إِلَيْه قِلَّتَهَا وضعفها، وأن النعمان أخذ منها ومن نساء معها من أهلها مائة ناقة لهنَّ ولأولادهن وقالت: يا أبا ليلى إنَّا نستجير بك مما ركبنا بِهِ من الظلم والأخذ بغير جرم. فلما وردت الإبل الماء خرج وهو يَقُولُ:
أَنَا أَبُو ليلى وسيفي المعلوب ... ونَسَبي فِي الحيِّ غير مأشوب
هل يرجعنّ مالك ضرب تشذيب
ثُمَّ قَالَ لها: لا تَقَعَنَّ عينك عَلَى ناقة تعرفينها إلّا أَخَذْتِها، فأخذت ما رأت وعرفت ما لها، ثُمَّ إنها رأت ناقة للنعمان فأدَّعَتها فَقَالَ الراعي:
كذبت هَذِهِ للملك النعمان. فَقَالَ الحارث للراعي: أرسلها لا أمَّ لَكَ، وأشار إِلَيْه بالسيف فضراط الراعي فَقَالَ الحارث: است البائن أعلم، فذهبتْ مثلًا. والبائن هُوَ الَّذِي يَخُمُّ الناقة والخَمُّ: الحلب- وَيُقَال للذي يمسك الإناء من الجانب الأيمن: المعلى فالمستعلى.(13/118)
ثُمَّ إن الحارث بْن ظالم استنقذ للنسوة جميع إبلهنَّ، وعلم أن النعمان سيطلبه، فهرب، وتوعَّد النعمان من آواه من العرب، فلم يقدم عَلَى إيوائه إلّا زرارة بْن عُدُس فإنه أجاره وآواه، وكان ابْنُ للنعمان عند سلمى بِنْت ظالم امْرَأَة سنان بْن أَبِي حارثة، فعمد الحارث إلى بعض جهاز سنان فأتاها بِهِ وقَالَ: اصنعي ابنك فقد أمرني زوجك أن أحمله إلى أَبِيهِ، وهذه العلامة فدفعته إِلَيْه فقتله، فبلغ غضب النعمان فِي ذَلِكَ ما لم يبلغه فِي شيء قط، وجهز جيشًا كثيفًا مَعَ ابْنُ الخِمْس، وهو أسود بْن عَمْرو، وعمرو هُوَ الخِمْس بْن ربيعة من ولد الحارث بْن بَكْر بْن حبيب من بني تغلب بْن وائل، وبلغ بني عامر ذَلِكَ، فانضموا إلى ابْنُ الخمس طالبين بدم خَالِد بْن جَعْفَر وعليهم الأحوص بن جعفر، فلقوا زرارة ومن معه من تميم ومرة وغيرهم من غطفان، فاقتتلوا أشد قتال وأبرحه، فضرب ابْنُ الخمس رجْلَ الحارث بْن ظالم فأطَنَّها، وشد قيس بن زهير العبسي عَلَى ابْنُ الخمس فضربه، ثُمَّ طعنه فسقط قتيلًا ثُمَّ تحاجزوا، وكان الحارث منسوبًا إلى الوفاء، وأول ما عُرف من وفائه أن رجلًا من بني أسد يقال لَهُ صحان أتاه مستجيرًا بِهِ وأعلمه أن قومًا أغاروا على إبله فاستنقذها لَهُ وأجاره وذلك فِي أول أيامه.
وقَالَ أَبُو عبيدة: لما قتل الحارث خَالِد بْن جَعْفَر، غضب الأسود بْن المنذر وهرب، وكان خَالِد فِي جواره، قَالَ: ما أشد الأشياء عَلَيْهِ؟ فقيل:
أن تؤخذ جاراتهُ وإبلهنَّ وكُنَّ من بَليّ، فوجّه مَنْ ساقَهُن وأموالهنّ، وبلغه الخبر فأتى من وجهه مواضعهنَّ فاستنقذ الإبل وتخلص جاراته، وقتل ابنا للأسود بْن المنذر، ثُمَّ أتى زرارة بْن عُدُس، ووجه النعمان جيشًا عَلَيْهِ ابْنُ الخمس التغلبي فَقَالَ الحارث لزرارة: إنه لا يَسْكن غضب النعمان والأسود(13/119)
عليك إلا أن أخرج من عندك، فأتى مكَّة فأجاره ابْنُ جُدعان ثُمَّ صار إلى جبلي طيّئ لاستبائه مكَّة فأُخذ، وبعث بِهِ إلى النعمان فقتله.
وقَالَ قوم: إنه شهد المعركة لأنَّه ندم عَلَى فراره، فانصرف من مكَّة، فقتله ابْنُ الخمس، وقتل قيسُ بْن زُهَيْر ابْنَ الخمس.
وقَالَ بعض بني كلاب: لما تيقن النعمان أن الحارث هارب، كُلم فِي زرارة، فكف عَنْهُ، وأن الحارث قدم من مكَّة فقصد لابن الخمس وهو نازل فوق الحيرة، فاستأمن إِلَيْه واستجار بِهِ وأمنه، ثُمَّ حمله إلى النعمان فقتله وَقَدْ كَانَ قَالَ لَهُ إن سيفي هَذَا سيف لم يُرَ مثله، ولقد أعطاني بِهِ قيس بْن زُهَيْر مائتي ضروع، فلما قُتل الحارث مضى ابْنُ الخمس إلى قيس بْن زُهَيْر فَقَالَ:
قَدْ أتيتك بسيف الحارث بن ظالم فابتعه مني بما سَأَلْتَهُ أن يبيعك إياه أَوْ بأقل من ذَلِكَ إن أحببت، فأخذه قيس وجعل يهزه ويمسحه ثُمَّ ضرب ابْنُ الخمس بِهِ فقتله:
قَالَ أَبُو عبيدة: لما قصد الحارث ليخلص جاراته وأموالهنّ، وصار إلى موضعهنّ رأى ناقة لبعضهن يُقال لها اللفاع، كانت غزيرة يحلبها حالبان فَقَالَ:
إِذَا سمعتِ حَنَّة اللفاع ... فادْعِي أبا ليلى فلن تُراعى
ذَلِكَ راعيك فنعم الراعي ... يحلبك رحب الصدر والذراع
منصلت بصارم قَطَّاعِ
فعرف الراعي كلامه فحبق فَقَالَ: است البائن أعلم.
وخبر الكوفيين فِي أمر الحارث أثبت عند ابْنُ الأعرابي والأصمعي فيما أخبرني بِهِ أبو عدنان.(13/120)
وقَالَ أَبُو عبيدة: ملأ المفضّل البصرة كذبًا، فَقَالَ أَبُو زَيْد الْأَنْصَارِيّ: هُوَ والله الكاذب لا المفضل.
ومن بني مرة: قيس بْن زَحْل بْن ظالم بْن جذيمة كَانَ شريفًا.
ومنهم: الرباح بْن الأبرد بْن شريان بْن سُراقة بْن سلمى بْن ظالم بْن جذيمة بْن يربوع بْن غيظ بِن مرة،
وبعضهم يَقُولُ: سراقة بْن قيس بْن سلمى.
وكان الرمَّاح [1] بْن ميادة، يكنى أبا شرحبيل، وذكروا أن ميادة كانت أمة لرجل من كلب وكانت تحت عبدٍ لَهُ يُقال لَهُ نَهْبَل، فابتاعها بعض بني ثَرْيان بْن سُراقة من الشام، فلما صاروا إلى ماء لبني سلمى يعرف بالمليحة، ومعهم عليه بنو زُحْل نظر رَجُل من بني سلمى إليها وهي ناعسة تمايل على بعيرها، فقال: ما هَذِهِ؟ قَالُوا: اشتراها بنو ثريان. فَقَالَ: وأبيكم إنها لتميد، فقيل: مَيَّادة، وكانت تسمى جَيَّداء.
وكان الأبرد جافيًا وضيعًا يرعى الإبل، وكان إخوته العوثبان وفريص وناعصة ظرفاء، وكان العوثبان وفريص شاعرين فأرسلوا ميادة ترعى الإبل مَعَ الأبرد، فوقع عليها فحملت فسئلت لمن ولدها فقالت: لأبرد، وسألوا الأبرد فجعل يسكت، فلما ولدت رمّاحًا نشأ [2] نجيبًا كيِّسًا، أَقَرَّ بِهِ أبرد، وولدت ميادة بعد الرماح: ثُرْيان بْن أبرد، وخليل بْن أبرد. وبشر بْن أبرد. ولم ينكح من النساء غيرها، وكانت امْرَأَة صدق لم تُسَبّ إلا بزوجها نهبل. وقَالَ عبد الرحمن بن جهيم الأسدي:
__________
[1] بهامش الأصل: ابن ميادة الشاعر.
[2] بهامش الأصل: فنشأ.(13/121)
لعمري لئن سُبَّتْ حليلة نهبل ... لبئس سباب الناس كَانَ سبابها
ولم تَدْرِ حَمْرَاءُ العَجَانِ أَنَهْبَلٌ ... أبُوهُ أَم المُرِّيُّ تَبَّ تبابها
وقَالَ ابْنُ الأعرابي: كانت ميادة أمة سوداء راعية لأبرد، فوقع عليها، والثبت أن ميادة لما ابْتيعَتْ فقدُم بها وُهبت للأبرد، فأولدها. وَيُقَال بل ابتاعها.
وكان بنو مازن بْن فزارة أخذوا أموال بني الصادر، فَقَالَ ابْنُ ميادة:
ولُأورِدَنَّ عَلَى جماعة مازنٍ ... خيلًا مُقَلَّصَةَ الخَصى ورجالا [1]
فقال رجل من بني مازن:
يا بن الخبيثة يا بن طَلَّةِ نهبل ... هَلَّا جمعت كما زعمتَ رجالًا
أببظر ميدة أم بِخصْييْ نهبل ... أَمْ بالفُسَاةِ تُنَازِلُ الأبطالا
ولئن وردت على جماعة مازن ... تبغي القتال للقين قتالا
وزعموا أن بني مرة يُسمون الفُساة، لأنهم يأكلون التمر، وهم مجاورون لخيبر وفدك، وهم بَيْنَهُما.
وقَالَ أَبُو اليقظان: يُعَيَّر بنو مرة بأكل التمر، وقَالَ سماعة بْن أشول النعامي من بني أسد:
لعل ابن اشبانية عارَضَتْ بِهِ ... رعاء الشويِّ من مريح وعازب
والأشبان: من الصقالبة، ويُروى: لعل ابْنُ فرَّانيةٍ.
وقَالَ بعضهم: كانت أم بني ثَرْيان سلمى بِنْت كعب بْن زُهَيْر بْن أَبِي سَلَمى.
__________
[1] شعر ابن ميادة- ط. دمشق 1983 ص 198.(13/122)
قَالُوا: وكان ابْنُ ميادة سبط الشعر، طويل اللحية، عظيمًا طويلًا، وكان لباسًا.
وقيل لابن ميادة إن فِي شِعرك سَقَطًا فَقَالَ: إنَّما شعري كنبل فِي جفير يُرمى بها الغرض: فطالع، وواقع، وعاضد، وقاصر. فالطالع الذي يعلو الغرض، والواقع الَّذِي يقع بالغرض، والعاضد الَّذِي يقع عن يمين الغرض أَوْ شمالة يَمُرُّ عن عضدك الأيمن والأيسر لا تجاهك وهو شَرُّهَا، والقاصر الَّذِي يقصر دون الغرض ولا يبلغه.
قَالَ المتوكل بْن عَبْد اللَّه الليثي:
الشِّعْرُ لُبُّ المرء يعرضُهُ ... والقولُ مثلُ مَوَاقع النَّبْل
منها المُقَصِّر عن رَميَّتِهِ ... ونَوَافرٌ يَذَهَبْنَ بالخَصْل
وقَالَ الأصمعي: أخبرني طَمّاح وهو ابْنُ أخي ابْنُ ميادة، قَالَ:
أخبرني عمي الرَمّاح قَالَ: علمت أني شاعر حيث واطأتُ الحطيئة فقلت، ووالله ما أعلم أَنَّهُ قَالَه:
فذو العش [1] فالممدور [2] أصبح قاويًا [3] ... تُمَشيّ بِهِ ظلمانه وجآذره [4]
وقَالَ الحطيئة:
...........
تُمَشيّ بِهِ ظلمانه وجآذره [5]
وأدرك ابْنُ ميادة زمن يزيد بْن عَبْد الملك وهشام وبقي إلى زمن
__________
[1] ذو العش: من أودية العقيق من نواحي المدينة. معجم البلدان.
[2] الممدور: موضع في ديار غطفان. معجم البلدان.
[3] أصبح قاويا: أصبح خاليا. القاموس.
[4] شعر ابن ميادة ص 121.
[5] الشطر الأول لهذا البيت: «عفا مساحلا من سليمى فحامره» . ديوان الحطيئة ص 19.(13/123)
المنصور أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين، ومدح ابْنُ ميادة الوليد بْن يزيد بْن عَبْد الملك قبل خلافته بقصيدة أولها:
أشَاقَكَ بالقَلْع الغداةَ رسُوم ... دوارسُ أدنى عهدهُنَّ قديم
يَقُولُ فيها:
فليتَ وليَّ العهد كَانَ مُحَرَّمًا ... عَلَى الموت معقودًا عَلَيْهِ تميم [1]
وقَالَ فِيهِ:
وجدت الوليد بْن اليزيد مباركًا ... شديدًا بأَحناء الخلافة كاهله
قليلُ طعام البطن إلا تَعِلَّةً ... من الصيد أحيانًا كما الصقر آكلُه
يُضيء سراج الملك فوق جبينه ... غداة تنادَتْ بالنجاح قَوَابِلُه
كأنَّ ضياء البدر يدخُل فَرشَهُ ... إِذَا واجَهَتْهُ باللحاف حلائلُه [2]
فأمر لَهُ الوليد بمائة ناقة من صدقات كلب، فأرادوا أن يعطوه إياها من رذال المال، أَوْ يبتاعوا لَهُ من غير إبلهم فَقَالَ:
ألم يَبْلُغْكَ أنَّ رعاة كلب ... أرادوا فِي عطيَّتِكَ ارتدادا
وقالوا أنها صُهْبٌ وزُرْقٌ ... وَقَدْ أُعطيتُها صفرا جعادا [3]
فَقَالَ: انطلق خذها صفرًا جعادًا.
ورثى الوليد حين قتل فَقَالَ:
ألا يا لهفتاه عَلَى وليد ... غداة أصابه القدر المتاحُ
ألا أبكي الوليد فتى قريش ... وأسمحها إذا عدّ السماح
__________
[1] ليسا في شعره المنشور.
[2] شعر ابن ميادة ص 192- 193.
[3] شعر ابن ميادة ص 109- 110.(13/124)
لقد فعلتْ بنو مروان فعلًا ... وأمرًا ما يسوغ لَهُ القُراح [1]
وقَالَ فِي المنصور أمير المؤمنين شعرًا مِنْهُ قولُه:
فَلَأجْلَسنَّ إلى الخليفة إنه ... رَحبُ الفناء بواسعٍ بحباح
فَرَّجْتَ عن مُضَر العريضة هَمَّها ... ونطحتَ عند الموت أي نطاح
ووجدت حين لقيت أكرم فائد ... ووليت حين وليت بالإصلاح
وعفوت عن كسر الجناح ولم تكن ... لتطير ناهضة بغير جناح [2]
ومدح جعفر بن سليمان بْن عليّ، وبني عليّ فَقَالَ:
ولآتينّ بني عليٍّ إنه ... مَنْ يأتِهِمْ يُتَلَقَّ بالأفراح [3]
وقَالَ فِي جَعْفَر بْن سُلَيْمَان:
يا جَعْفَر الخيرات يا جعفرُ ... ليتك لا تَفْنَى ولا تكبرُ
ولا تزال الدهر فِي نعمة ... يغدو عليك المسك والعنبر
الفاعل المعروف فِي قومه ... لا يستوي المعروف والمنكر
قوم إِذَا ما حاربوا صابروا ... وإنما يقدر من يصبر [4]
فَقَالَ لَهُ: كبرت والله يا بن ميادة وكبر شعرك. قَالَ: لا والله لكن عطاياكم نزرت فنزر شعري.
ومدح ابْنُ ميادة المنصور بقصيدة فراح عَلَيْهِ راعي إبله بلبن، فشرب مِنْهُ شربة، ثُمَّ مسح بطنه وقَالَ: سبحان اللَّه، أأفِدُ إلى الخليفة، وَقَدْ كفتني هَذِهِ الشربة، وأنا شيخ كبير؟ فأقام ولم يأته.
__________
[1] شعر ابن ميادة ص 95.
[2] شعر ابن ميادة ص 100.
[3] شعر ابن ميادة ص 100.
[4] شعر ابن ميادة ص 123.(13/125)
ومدح ابْنُ ميادة رياح بْن عثمان المري، فأعطاه شيئًا قليلًا، فَقَالَ لَهُ المنصور- وقدم عَلَيْهِ فمدحه-: أتحب أن أعطيك كما أعطاك ابْنُ عمك؟
فَقَالَ: فأين فضل قريش عَلَى غطفان؟ ولكن أعطني كما أعطاني الوليد ابْن عمك.
ومن جيد شعر ابْنُ ميادة قولُه فِي قصيدته التي مدح بها الوليد بْن يزيد وابنيه:
وما ألحّ عَلَى الإخوان أسألهم ... كما يلح بعظم الغارب القتب
وما أخادع ندماني لأخدعه ... عن ماله حين يسترخي بِهِ اللَّبَبُ
وقَالَ ابْنُ ميادة مجيبًا الخارجي الَّذِي قَالَ:
أحمل رأسًا قَدْ مللتُ حَمْلَهُ [1] . ... تمنى اليماني أن يفارق رأسه
ففارقه فِي غير حمدٍ ولا أجر [2]
وقيل لابن ميادة عند موته: اذكر ربك يا أبا شرحبيل فجعل يَقُولُ:
إِذَا متُّ يا قومي فلا تدفنني ... فأبغض جيران إلى قبور
ولكن دعوني يا بنيَّ تَعُسُّنَي ... ثعالب فِي أوطانها ونسور [3]
ورثاه شماطيط العُقفَاني، وبنو عُقفان من بني عبس وهم فِي مرَّة، وهو القائل:
«أَنَا شماطيط الَّذِي سَمِعْتُ بِهِ» فَقَالَ:
مات من الرَمّاح شعر وشرف ... وكان كالبرديّ والناس حشف
__________
[1] شطر الرجز هذا في ديوان شعر الخوارج ص 142 لخارجية اسمها أم حكيم، ويليه:
وقد مللت دهنه، وغسله ألا فتى يحمل عني ثقله.
[2] ليس في شعره المنشور.
[3] شعر ابن ميادة ص 127.(13/126)
قَالُوا: وكان ابْنُ ميادة يتحدث إلى امْرَأَة من طيّئ تدعى حُسَيْنَة، وكان لها زوج يُقال لَهُ عِيسَى بْن يسار، فأخذوه عندها فجعلت تقاتلهم معه حتى تخلص فَقَالَ:
ستأتينا حُسَيْنَة حيث شئنا ... وإنْ رَغِمَتْ أنوف بني يسار
لقد باتت تعاونني عليهم ... ضحوكُ الحِجْل كاظمة السِّوَار
وقد غادرت عيسى وهو كاب ... يقطع سلحة خلف الجدار [1]
ورثى ابْنُ ميادة امْرَأَة كَانَ يهواها فَقَالَ:
خَلَا منزل الحسناء لستُ بواجدٍ ... بِهِ غيرَ باكٍ من عضاةٍ وحرملِ
تمنيتُ أن تلقى بِهِ أُمُّ جحدرٍ ... وماذا تمنيَّ من صدى تحت جندلِ
فللموتُ خيرٌ من حياة ذميمةٍ ... وللمنع خير من عَنَاءٍ مُطَوَّلِ [2]
واستنشد ابْنُ ميادة شعره رَجُل من بني أمية بالشام فأنشده:
وعلى المليحة من جذيمة فتية ... يتمارضون تمارُضَ الأسد
ظفرون ينصرهم على أعدائهم ... عظم الحلو وصولة الحَدِّ
إنَّا لَنُقْدِم حين لا مُتَقَدِّمٌ ... ونُبَيِّعُ الأموال بالحمد
وترى الملوك الغُرَّ حَوْلَ بيوتنا ... يمشونَ فِي الحلقات والقَدِّ [3]
فَقَالَ لَهُ: كذبت. فَقَالَ لَهُ ابْنُ ميادة: أفي هَذَا وحده يَقُولُ إني أكذب، وفي مدحكم أيضًا، ثم قام فلم يعد إليه.
ولا بن ميادة قوله:
__________
[1] شعر ابن ميادة ص 159.
[2] شعر ابن ميادة ص 212- 213.
[3] شعر ابن ميادة ص 117.(13/127)
لقد زادني ضَنًّا بنفسي أنني ... إِذَا قيلَ أَيْنَ الرأس لم أتأخر [1]
وقَالَ ابْنُ ميادة يفخر فِي شعره:
ونحن بنو ذبيان فِي رأس ربوة ... إلينا تناهي عِزُّ تلك القبائل
هُمْ أنف قيس من يَقُلْ مثلها لهم ... من النَّاس يخلط قول حقٍ بباطل
فَضَلْنَا قريشًا غير رهط مُحَمَّد ... وغير بني مروان أهل الفضائل [2]
فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم بْن هشام: يا ماصّ بظر أمه، أنت فضلتَ قريشًا وجرده فضربه مائة سوط أَوْ أقلّ وزعموا أن الوليد بْن يزيد قَالَ لَهُ: قَدَّمْتَ رهط مُحَمَّد قبلنا، فَقَالَ: ما كنت أظنه يمكن إلا ذاك.
وسأله المنصور عن قول الوليد لَهُ فأخبره، فجعل يتعجب من جهل الوليد.
وقَالَ ابْنُ ميادة:
لو أن جميع الناس كانوا بتلعةٍ ... وجئت بجدي ظالم وابن ظالم
لظلت رؤوس النَّاس خاشعة لنا ... سجودًا عَلَى أقدامنا بالجماجم [3]
وكان ابن ميادة يضرب على كتف أمه ويقول:
إعزيزمي [4] مياد للقوافي ... واستمعيهن ولا تخافي
لتجدن ابنك ذا قذاف [5]
وقال أيضا:
__________
[1] شعر ابن ميادة ص 156.
[2] شعر ابن ميادة ص 206- 207.
[3] شعر ابن ميادة ص 227- 228.
[4] بهامش الأصل: المعزيزم: المجتمع الشديد.
[5] شعر ابن ميادة ص 174.(13/128)
يا رُبَّ خالٍ لأمي غير مُؤْتَشبٍ ... لا يشرب الخمر إلا فِي القوارير
لا يقتني الضأن إلا أن يُذَبِّحهَا ... ولا يروح مَعَ الأقوام في العير [1]
المدائني قَالَ: دخل ابْنُ ميادة عَلَى الوليد بْن يزيد بن عَبْد الملك وعنده شقران مَوْلَى قضاعة، فأغرى بَيْنَهُما فَقَالَ شقران:
سأكعم عن قضاعه كلب قيس ... عَلَى حجر فينصت للكعام
فَقَالَ ابْنُ ميادة: يا أمير المؤمنين اكفف عني غَرْبَ هَذَا الَّذِي ليس لَهُ أصل فأحفره، ولا فرع فأهصره، فَقَالَ الوليد: جزجزت يا أبا شرحبيل فَقَالَ:
فَجَرْنَا ينابيع الكلام وبحره ... وأصبح فِيهِ ذو الرواية يَسْبَحُ
وما الشعر إلَّا شِعرُ قَيْسٍ وخندفٍ ... وقولُ سواهم كلفةٌ وَتَمَلُّحُ [2]
قَالُوا: وكان الحكم الخُضْري من محارب بْن خَصفة يُهاجي ابْنُ ميادة، فرأى ابْنُ ميادة امْرَأَة من رهط حكم فَقَالَ: أتنشدينني شيئًا من شعر الحكم فِي ابْنُ ميادة فأنشدته:
أمياد قَدْ فَلَّلْتِ سيف ابْنِ ظالم ... ببظرك حتَّى أصبح اليوم باليًا
فقال ابْنُ ميادة فِي الحكم:
إِذَا سلْتَ عن أبيات لؤم ودقة ... فَسَلْ عن بيوت الخضر خضر محارب
ترى اللؤم فِي الخضريِّ قَدْ تستبينه ... بمنزلة بين اللحى والحواجب [3]
__________
[1] شعر ابن ميادة ص 160- 161.
[2] شعر ابن ميادة ص 97.
[3] شعر ابن ميادة ص 84.(13/129)
وقَالَ ابْنُ ميادة:
أهديتُ للخضر إذ خَفَّتْ بعوثُهم ... تسعين بابًا قذوفًا تحمل الضمر [1]
فكانوا إِذَا أقبلت عيرٌ قَالُوا لعلها عير ابْنُ ميادة.
وقَالَ الأصمعي: وقف الحكم الخُضري ينشد بمصلى المدينة قصيدته فِي صفة الغيث فلما سَمِعَ قولُه:
ركب البلاد فظل ينهض مُصْعِدًا ... نهض المقيّد فِي الدهاس [2] الموقر [3]
حسده ابْنُ ميادة فَقَالَ: من أنت؟ قَالَ: الحكم الخضري، فَقَالَ: والله ما أنت فِي بيت نسب ولا أرومة شعر، قَالَ: فمن أنت؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ ميادة، قَالَ: قَبَّحَ اللَّه والدين خيرهما ميادة، ولو كَانَ فِي أبيك خير ما انتميت إلى أمك، فنشب الهجاء بينهما. وهاجي ابْنُ ميادة عُلفة بْن عَقيل فأعانه الحكم عليه.
وقال الأصمعي: دعي ابْنُ ميادة فِي دعوة بالحجاز فغدا إليها فوجد البوابين عَلَى الباب يدفعون من لا يعرفون بالسياط، فانصرف ولم يدخل وقَالَ:
لما رأيتُ الأصبحية قَنَّعَتْ ... مفارق شُمْط حيث تُلْوى العمائم
تركتُ دفاع الباب عما وراءه ... وقلت سعيدا من نجا وهو سالم [4]
__________
[1] شعر ابن ميادة ص 145.
[2] دهس: النبت لم يغلب عليه لون الخضرة، والمكان ليس برمل ولا تراب. القاموس.
[3] وقر: الحمل الثقيل، والموقر: المجرب العاقل، والموقر: الموضع السهل عند سفح الجبل القاموس.
[4] شعر ابن ميادة ص 228- 229.(13/130)
وقَالَ الأصمعي: حَدَّثَنِي من سَمِعَ ابْن ميادة يقول: من كرم الدابة صخمها.
وكان ابْنُ ميادة قَالَ لرياح بْن عثمان بْن حيان أيام كَانَ من أمر مُحَمَّد وإبراهيم ابني عَبْد اللَّه بْن حسن ما كَانَ: اتخذ جُنْدَكَ وحرسك من قومك وائْتَمكَ [1] هَؤُلَاءِ العبيد الَّذِين استظهرت بهم عَلَى أمرك وأعطيتهم دراهمك، وأحْذَرْ قُريشًا، فاستخفَّ بقوله، فلما قُتل رياح قَالَ ابْنُ ميادة:
أمرتُكَ يا رياح بأمر حزمٍ ... فقلتَ هشيمةٌ من أرض نجد
وقلتُ لَهُ تَحَفَّظ فِي قريش ... وَدَفِّعْ كل حاشية وَبُرْدِ
وقلتُ لَهُ تحَرَّز من رجالٍ ... عَلَى محبوكة الأوصال جُرد
فَوَجْدًا ما وجدتُ عَلَى رياح ... وما أغنيتُ شيئًا غير وجدي [2]
ومنهم: عَمْرو بْن مُعَوَّذ بْن نَزَّال بْن عُرفطة بْن عنترة بْن زُهَيْر بْن معاوية بْن قتال بْن يربوع،
كَانَ سيد بني قتال.
وولد مالك بْن مرة بْن عوف:
عامر بْن مالك،
والحارث بْن مالك، وهو صوفة.
ومنهم: عَبْد الملك بْن ضبارة، وكان يكنى أبا الهَيذام.
فولد عامر بْن مالك بْن مرة:
ربيعة بْن عامر.
منهم المثلَّم بْن رياح بْن ظالم بْن سعد بْن ربيعة بْن عامر،
كَانَ شريفًا، وجَدُّهُ ظالم الَّذِي بني بُسًّا.
وبُسّ هُوَ بيت كانت غطفان تعبده، قَالَ زُهَيْر بْن جناب:
فحمى بعدها غطفان بُسًّا وماء غطفان والأرض الفضاء.
__________
[1] بهامش الأصل: واترك.
[2] شعر ابن ميادة ص 115- 116.(13/131)
والمثلّم الَّذِي يَقُولُ لَهُ الحارث بْن عوف:
ألا أَبْلِغَا عني المثلَّم آيةً ... وسهلًا فقد نَفَّرْتُما الوحش أجْمَعَا
أبا حشرجٍ إن كنتَ فاعل ما أرى ... أبا حشرجٍ فاحفر لجنبك مضجعًا
فأجابه المثلَّم:
سأكفيكَ جَنبي وَضْعَهُ ووسَادَهُ ... وانصر إن لاقيتُ فِي القوم أشجعا
خلطنا البيوت بالبيوت فأصبحوا ... بني عَمَّنَا من يَرْمِهِم يَرْمِنَا مَعَا
ومنهم: مُسْلم بْن عقبة بْن رياح بْن أسعد بْن ربيعة بْن عامر بْن مالك،
صاحب يَوْم الحَرَّة الَّذِي يدعوه أهل المدينة مُسْرِفًا وَقَدْ كتبنا خبره.
ومنهم: عثمان بْن حَيَّان بْن مَعْبَد بْن شداد بْن نعمان بْن رياح بْن أسعد،
ولي المدينة للوليد بْن عَبْد الملك، وابنه رياح بْن عثمان ولي المدينة لأمير المؤمنين أَبِي جَعْفَر المنصور، وَقَدْ ذكرنا لهما أخبارًا فِي كتابنا هَذَا.
ومنهم: غالب بْن عوف من بني ربيعة بْن عامر بْن مالك بْن مرة،
الَّذِي قطع الحلف بين أسد وذبيان.
وولد سهم بْن مرة:
وائلة بْن سهم. وهلال بْن سهم.
منهم: حصين بْن الحُمام بْن ربيعة بن مُسَاب بْن حزام بْن وائل الشَّاعِر،
وكان وفيًا أراد قومه ظلم قوم جاوروهم من الحُرَقَةِ من جُهينة فَقَالَ:
أَيَا أَخَوَيْنَا من أبينا وأمنا ... مُرْوا مَوْلَيَينا من قضاعة يَذْهَبَا
ومنهم: بَشَامة بْن الغدير الشَّاعِر، وهو بشامة بْن عَمْرو بْن معاوية بْن الغدير بْن هلال بْن سهم بْن مرة.
وكان بشامة رجلًا مُقْعدًا، ولم يكن لَهُ ولد، وكان كثير المال موصوفًا بالحزم وأصالة الرأي، فكانت غطفان تستشيره إذا أرادت الغزو وغيره، وتَصْدُرُ عن رأيه، وتقسم لَهُ من غنائمها أفضل(13/132)
ما يُقسم لأحد ممن يشهد الحرب إِذَا رجعَتْ، وكان أشعر غطفان فِي زمانه، وكان انقطاع زُهَيْر بْن أَبِي سلمى إِلَيْه وكان أهل بيت زُهَيْر فِي غطفان، وأم أَبِي سلمى جدة زُهَيْر ابْنَة سعد بْن الغدير، فلما حَضَرَتْ بشامة الوفاة جعل يقسم ماله فِي أهل بيته، فَقَالَ زُهَيْر: يا خالاه اقسم لي من مالك مثل ما تقسم لغيري فَقَالَ: قَدْ قَسَمْتُ لَكَ أكثره وأطيبه يا بن أخي. قَالَ: وما هُوَ؟ قَالَ: قول الشعر، وهو القائل:
أبلغ حُباشَة أني غير تاركه ... حتَّى أُخَبِّرهُ بعض الَّذِي كانا
قَدْ نأخذ الحق حتَّى لا يجاوزنا ... والحق يحبسنا فِي حيث يلقانا
يَقُولُ: نأخُذُ حَقَّنَا ونُعطي الحق علينا.
قَالَ أَبُو عبيدة: كَانَ لبشامة جيران من جُهينة بْن بدر [1] ، وكان لبني صرمة بْن مرة جيران من بني سَلامان من قُضاعة، فقتل جيران بني صرمة رهطًا من جيران بني سهم بْن مرة، فاحترب الحيان من بني صرمة وبني سهم، وكان رئيس بني سهم حُصين بْن الحُمام المري وكانت بينهم قتلى، فَقَالَ بشامة يحضّ قومه بني سهم فِي قصيدة أولها:
نَأتْكَ أمامةٌ نأيًا طويلًا ... وَحَمَّلَكَ الخُبْثُ وَقْرًا ثقيلا
ونبئت قومي ولم آتهم ... فَبَلّغْ أمَاثِلَ سهمٍ رسولا
بِأنَّ الَّذِي سَامَكمُ قَوْمُكُم ... هُمُ عَدَلُوه إليكم عُدُولا
هوان الحياة وخزي المم ... ات وكُلًا أتاه وخيمًا وبيلا
فإن لم يكن غير إحداهما ... فسيروا إلى الموت سيرًا جميلًا
ولا تقعدوا وبكم منَّةٌ ... كفى بالحوادث للمرء غولا
__________
[1] بهامش الأصل: زيد.(13/133)
وقَالَ فِي ذَلِكَ أيضًا:
يا قومنا لا تَغُروُّنا بداهيةٍ ... فكل ما فعل الأقوام مذكور
يا قومنا لا تَمَنُّوا حربنا سفهًا ... إن السفاه وإن البغيَ مبثور
ومن بني مرة: الصقر بْن عَبْد اللَّه، كَانَ عَلَى الكوفة فِي ولاية عُمَر بْن هبيرة.
ومنهم: عامر بْن ضبارة، كَانَ مَعَ يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة وَقَدْ ذكرنا لَهُ أخبارًا.
ومن بني مرة: الوليد بْن تَليد، كَانَ شريفًا ولاه هشام بْن عَبْد الملك الموصل، وهو فرشها بالحجارة، وكان قبل ذَلِكَ عَلَى شرطة الموصل.
وولد صِرْمَةَ بْن مُرَّة:
ضَرَمة بْن صِرمة. وعبد اللَّه. وزبينة. وعمرا درج.
منهم: هاشم بْن حرملة بْن الأشعر بْن إياس بْن مُرَيط بْن ضَرَمة بْن صِرمة بْن مُرَّة.
وكان حُذيفة بْن بدر جمع لبني عبس، فالتقوا دون الهباءة فِي يَوْم قائظ، ثُمَّ تحاجزوا لشدة الحر، فاستنقع حذيفة وَحَملْ ومالك بنو بدر فِي بركة الهَباءة، فقتل الربيع بْن زياد حَمل بْن بدر، وقتل حذيفة الحارث بْن زُهَيْر بْن جذيمة وعمرو بْن الأسلع جميعًا، وأخذ الحارث سيف حذيفة، وقتل جميع من كَانَ فِي الجفر. وقَالَ عمرو بن الأسلع:
إن السماء وإن الريح شاهدة ... والله يشهد والإنسان والبلد
أني جزيت بني بدر ببغيهم ... على الهباءة قتلا ما به قودا
لما التقينا عَلَى أن جاء جَمَّتها ... والمشرفِيَّةُ في أيماننا تقد
علوته بحسام ثم قلت لَهُ ... خذها حُذَيفُ فأنت السيِّدُ الصَّمَد(13/134)
ومثلوا بحذيفة فَدَسُّوا مذاكيره فِي فمه، وجعلوا لسانه في استه.
وقال عقيل بن علفة يهجوا عويف القوافي:
ويوقد عوف للعشيرة ناره ... فهلا عَلَى جفر الهباءة أوقدا
وعضَّ عَلَى أَيرٍ حذيفة بعد ما ... أُثير عَلَى جفر الهباءة أسودا
وقَالَ قيس بْن زُهَيْر بْن جذيمة العبسي:
أقام عَلَى الهباءة خير ميتٍ ... وأكرمُه حذيفة لا يريم
ولولا ظلمه ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكن الفتى حمل بْن بدر ... بغى والبغي منقصة وشوم
أظن الحلم دل علي قومي ... وقد يستجهل الرجل الحليم
ومارستُ الرجال ومارسوني ... فَمُعْوَجٌّ عليّ ومستقيم
ثُمَّ اصطلحوا، وحملت الحمالة فكان السعادة فيها يُحَمِّلُونها غطفان ممن لم يشهد الحرب، فلذلك قَالَ زُهَيْر:
.......... ... يُنَجَّمُها من ليس فيها بمجرم [1]
وقَالَ أيضًا:
لعمرك ما جَرَّتْ علينا رماحهم ... دم ابْنُ نهيك أَوْ قتيل المثلَّم [2]
يَقُولُ: لم يقاتلوا فتجر عليهم رماحهم دم هذين اللذين قتلهما غيرهم ممن ليس منهم.
وكان أول من سعى فِي الحمالة: حَرْمَلة بن الأشعر المري، فمات فسعى
__________
[1] الشطر الأول لهذا البيت: «تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت» . شرح ديوان زهير ص 17.
[2] شرح ديوان زهير ص 25.(13/135)
فيها هاشم بْن حرملة، فلم يلبث أن قتله قيس الجشمي، وهاشم الَّذِي يُقال لَهُ:
أحيا أباه هاشم بْن حَرْمَلة ... يَوْم الهباتين ويوم اليَعْمله
ترى الملوك حوله مُرَعْبَلَه ... يَقتل ذا الذّنْبِ وَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ
قَالُوا: وكان معاوية بْن عَمْرو بْن الشريد أخو الخنساء الشاعرة، غزا بني مرة وبني فزارة، ومعه خُفاف بْن نُدبة، فقتل هاشم بْن حرملة، ودريد بْن حرملة أخوه: معاويةَ، فَقَالَ خفاف: قتلني الله إن لم أثئر به فشد عَلَى مالك بْن حمار، وكان سيد فزارة فقتله.
وَيُقَال أيضًا: إن معاوية بْن عَمْرو وافي عكاظ فلقي وهو يمشي فِي سوقها أسماء المُرِّيَة، وكانت جميلة بَغِيًّا فدعاها إلى نفسه فامتنعت وقَالَت: أما علمتَ أني عند سيد العرب هاشم بْن حرملة، فَقَالَ: أما والله لأقارعَنَّه عنك، فلما انصرفوا من عكاظ، خرج معاوية غازيًا يريد بني مرة وفزارة ثُمَّ تطيَّر من طير دَوَّمَتْ عَلَيْهِ وعلى أصحابه، فلما كَانَ فِي العام المقبل غزاهم فسنح لَهُ ظبي وغراب فتطيَّر فرجع، وطلبه بنو مرة وفزارة فالتقوا فقُتل معاوية بْن عَمْرو، قتله هاشم بْن حرملة وذلك الثبت فقالت الخنساء
أبعد ابْنُ عَمْرو من آلِ الشريد ... حَلَّتْ بِهِ الأرض أثقالها
سأحمل نفسي عَلَى حالةٍ ... فإمَّا عليها وإمَّا لها [1]
ولها فِيهِ أشعار كثيرة، وقالت أيضًا:
ألا لا أرى فِي النَّاس مثل معاوية ... إِذَا طرقت إحدى الليالي بداهية
__________
[1] ديوان الخنساء- ط. دار صادر بيروت ص 120- 121.(13/136)
بداهية يصغي الكلاب حسيسها ... ويجعل أسرار النجيِّ علانية [1]
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ يُقال لهاشم صياد الفوارس، وكان شجاعًا كريمًا، فجرى بينه وبين معاوية بْن عَمْرو أخي الخنساء من ولد الشريد، وهو عَمْرو بْن رياح بْن يَقَظة بْن عُصَيَّة بْن خفاف السلمي كلام، فجمع هاشم ولقي معاوية، وهو فِي جماعة من بني سليم فيهم عَبْد العزى بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة بْن خليل بْن عصيّة زوج الخنساء الشاعرة، وكان مع هاشم أخ لَهُ يُقال لَهُ دريد، وَيُقَال رويد، فاقتتلوا ودعا هاشما معاوية إلى المبارزة فبارزه فقتله هاشم، وطعن صَخْرٌ أخُو الخنساء هاشمًا فأفلتَ، وقَالَت الخنساء لأخيها صخر: أسلمتم معاوية حتى قُتل، فجمع صخر بني سليم ومضى إلى بني مرة، فلما دنا منها ومعه ابْنُ أخته عَمْرو بْن عَبْد العزى، وهو أَبُو شجرة، وجد هاشم بْن حرملة مضطجعًا ورأسه فِي حجر ابنته فلما أحس بِهِ ثار فضربه صخر عَلَى وجهه بالسيف فقتله، وَيُقَال بل طعنه فنزف حتَّى مات، واتبعه قوم من بني مرة فهزمهم وقتل بعضهم، وقَالَ صخر فِي أبيات:
وأُفلت هاشم وبه قلوص [2] ... كَعَطِّ [3] البُرْدِ تغلب كل سير
وَيُقَال إن هَذَا فِي الطعنة التي طعنها يَوْم قتل معاوية.
وقَالَ أَبُو عبيدة والمفضل: وقع بين معاوية وهاشم كلام بعكاظ، فغزا معاوية هاشمًا وكان ناقها، فَقَالَ لأخيه: إن معاوية إِذَا رآني لم يَعْتَم أن يَشُدَّ عليّ، فاستطرد لَهُ حتَّى تجعله بيني وبينك فأينا حمل عليه أتاه الآخر من
__________
[1] ديوان الخنساء ص 145.
[2] قلص يقلص قلوصا: وثب، ونفسه غثت. القاموس.
[3] عطّ الثوب: شقه طولا أو عرضا بلا بينونة.(13/137)
خلفه، ففعل وحمل معاوية عَلَى هاشم فاختلفا طعنتين فأنفذ هاشم سنانه من عانة معاوية فقتله، وجاء صخر بعد ذَلِكَ فوجد هاشمًا عليلًا من طعنة معاوية إياه، ومعه أَبُو شجرة بْن خنساء وهو عُمَر بْن عَبْد العزى فطعن صخر هاشمًا فقتله، وطلبه قوم من بني مرة فدفعهم عَنْهُ أَبُو شجرة وقَالَ فِي أبيات لَهُ.
عَلَى ساعة لا يُسلم المرء خاله ... وَقَدْ أَوْعَثَتْ بالمرء كل سبيل
وقَالَ قوم: خرج هاشم بعد قتله معاوية بْن عَمْرو فِي أمر من أموره متخففًا، فشدَّ عَلَيْهِ عَبْد العزى زوج خنساء فطعنه فَخَرَّ ميتًا، وَيُقَال بل شد عَلَيْهِ قيس بْن عامر الجشمي، وهو غار فرماه بمعبلة فقتله.
وقَالَ أَبُو المهدي: كَانَ يمر في النخل فكان لَهُ وراء نخلة ثُمَّ رماه فصرعه فسقط ميتًا، وَيُقَال ان قيسًا الجشمي كَانَ زوج خنساء يومئذ والله أعلم، فقالت خنساء:
فدى للفارس الجشميّ نفسي ... وأفديه بمن لي من حميم
كما من هاشم أقررتُ عيني ... وكانت لا تنام ولا تُنيم [1]
قَالَ ابْنُ الكلبي: ومنهم: حُميضة بْن حرملة، أخو هاشم
وقَالَ غيره هُوَ دريد، ولقبه حُميضة.
ومنهم: معن بْن حذيفة بْن الأشيم بْن عَبْد اللَّه بْن صرمة الشَّاعِر،
الَّذِي يُقال لَهُ المزعفر.
وولد دهمان بْن عوف بْن سعد بْن ذبيان:
عصيم بْن دهمان.
منهم: أَبُو غطفان، كاتب عثمان بْن عفان رَضِيَ اللهُ عنه.
__________
[1] ديوان الخنساء ص 129، البيت الأول فقط.(13/138)
وولد عَبْد بْن سعد:
مالك بْن عَبْد. وبجالة بْن عَبْد، وهم قليل.
منهم: مرداس بْن ظالم بْن مُلَيْل بْن حبيب بْن مالك بْن عَبْد، قتله أسامة بْن زَيْد فِي بعض مغازي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. والعباس بْن سعد كَانَ عَلَى شرط يُوسُف بْن عُمَر الثقفي.
وولد ثعلبة بن سعد بن
ذبيان: مازن بْن ثعلبة. والحارث بْن ثعلبة وهو شزن لقبه. وعجب بْن ثعلبة.
فولد مازن بْن ثعلبة:
رزام بْن مازن.
وناصرة بْن مازن، وهم بالشام. وبجالة بْن مازن.
فولد رزام:
سبد بن رزام.
وحزيمة بن رزام. ومالك بن رزام.
فولد سيد:
ناشب بْن سُبَد.
وسحيم بْن سُبَد.
منهم أَبُو الرُبيس [1] الشَّاعِر وهو عباد بْن عَبَّاس بْن عوف بْن عَبْد اللَّه بْن سعد بْن ناشب،
وقَالَ بعضهم: هُوَ عباد بْن طهفة بْن عوف بْن عَبْد اللَّه بْن سعد بْن ناشب، وكان أَبُو الربيس خبيثًا لا يبالي ما صنع فنظر إلى ناقة بالمدينة عليها رحلها وأداتها والناس يريدون الحج، فسأل عَنْهَا فقيل هِيَ للمطرف عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن عثمان بْن عفان، فسرقها ثم انطلق بها، وقال في أبيات له أولها:
أَبِي القلب إلا ذكر أشَجعية ... دعتها لأكناف المدينة أشجع
فهل تُبلغيها إن أَنَا زُرْتُها ... غدا وانجلى عني الغطاء المقنَّع
قليلة فضل النسعتين إِذَا رمى ... مَعَ الرعلة الأولى الذُّمَيْل المزعزع
إِذَا ذكرتْ وسط المرابع ضغنها ... حتى دونها من ذي تورّم مرتع
__________
[1] بهامش الأصل: أبو الربيس الشاعر.(13/139)
نجيبة بَطالٍ لدُنْ شَبَّ لَهْوُهُ ... لِعَابُ الكِعَابِ والمدام المشعشع
جَلَا المسك والحمَّام والبيضُ كالدُّمى ... وطيْبُ الدِّهَان رأسَهُ فهو أَنزع
جميل المحيا واضح اللون لَمْ يطا ... بحزن ولم تألم لَهُ النكث أصبع
من النفر الشُّمِّ الَّذِينَ إِذَا انتدوا ... وهاب الرجال حلقة الباب قعقعوا
إِذَا النفر الأدْمُ اليمانيون يسرُوا ... لَهُ حوك بُرْدَيْه أَدقُّوا وأَوسعوا [1]
فبلغ الشعر أبا المطرف، وهو عَمْرو بْن عثمان، فَقَالَ: ليته قَالَ فِي كل يَوْم بيتًا مثل هَذَا الشعر. وأخذ مني ناقة وأمنه فلم يزل منقطعًا إِلَيْه.
وكان أَبُو الربيس يهوى ليلى بِنْت نعيم بْن مَسْعُود الأشجعي، صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو مَسْعُود عامر بْن أنيف بْن ثعلبة. وغير الكلبي يَقُولُ:
نعيم بْن مَسْعُود بْن رُخَيْلَة الأشجعي والأول أثبت.
وكان أَبُو الربيس يتحدث إلى ليلى فلما أخذ ناقة المطرف اشتاق إليها فَقَالَ هَذَا الشعر:
أَبِي القلب إلا ذكرها أشجعية..........
وعدا أَبُو الرُبيس عَلَى خلفات لأبي حصن السلمي ثُمَّ الخثمي من رهط أَبِي العاج وقَالَ:
ليبك أَبُو حصنٍ عَلَى خلفاته ... إذَا شبَّ درواش لهن وجابر
غلامًا طوى وكأنما نشغانه ... سديف [2] الذرا معصوبه والكراكر [3]
النشوغ: ما نشغ الصبي الصغير يسقاه.
__________
[1] الأبيات مع فوارق في خزانة الأدب للبغدادي ج 2 ص 532- 533.
[2] السديف: شحم السنام. القاموس.
[3] الكركرة: رحى زور البعير، أو صدر كل ذي خف، والجماعة من الناس. القاموس.(13/140)
أضاع فلما راعه الحرب شمرت ... بِهِ الحرب وهو الفرعلان الغنافر
الغنافر: الضعيف المغفل، والفرعلان: الضبعان الذكر.
يرى النحل بالمعروف كيسًا وكسعة ... ألات الذرا بالغبر لكع كماثر
فِي أبيات. وقَالَ أَبُو الحصن:
إن أبا حصن سيمنع ذوده ... من العبد فتيان الصباح المساعر
إِذَا كَانَ مولاه بِهِ الفقر زاده ... بعادًا وأغناه حليب وخازر
لعمري لئن واعدت جارًا بغدرة ... لقد علم الأقوام أنك غادر
فإن تَدْنُ منها تَدْنُ فِي الليل سارقًا ... وإن تُرَ تَخِطفْكَ الرماح الخواطر
وقَالَ أَبُو الربيس فِي ناقة المطرف:
نجيبة مَوْلَى غلها القت [1] والنوى ... هلالين في مقصورة لا يريمها
فلما استوى المتنان قلت لها اقصدي ... أما تجدين الريح طاب نسيمها
وقَالَ فيها أيضًا:
نجيبة مَوْلَى غَلَّها القت والنوى ... بيثرب حتَّى نَيُّها [2] متطاير
فقلت لها خبيّ فمالك علة ... سنانك ملموم ونابك فاطر
قَالُوا خرج أَبُو الربيس بإبل يطردها، فنزل بامرأة من أشجع، ثُمَّ إحدى ولد نعيم بْن مَسْعُود، فلقي جارية فَقَالَ قولي لمولاتك إنه ليس معي زاد فإن زودتني مدحتك وإن لم تفعلي هجوتك فقالت مولاتها: كل بلية والمديح خير فزودته فَقَالَ:
ألا يا هضيم الكشح خفاقة الحشا ... من الغيد أعناقا أولاك العواتق
__________
[1] القت: الإسفست وهي الفصفصة، أي الرطبة من علف الدواب. معجم أسماء النبات الواردة في تاج العروس.
[2] لعله أراد لحمها من شدة سمنها. انظر القاموس.(13/141)
قفي تخبرينا أَوْ تردي تحية ... لنا أَوْ تبتلي قبل إحدى الصوافق
صديق لوسم الأشجعيين بعد ما ... كستني الشعور القعس شيب المفارق
هجان المحيا عوهج [1] الخلق سرُبلتْ ... من الْحَسَن سربالًا عتيق البنايق
إِذَا البين أحساك [2] الأمرَّين فأعبرنْ ... بشحط النوى فالبين غير موافق
فِي أبيات.
ومنهم ربيعة بْن عَبْد اللَّه بْن نوفل بْن أسعد بْن ناشب،
وهو أدخل خَالِد بْن الوليد عَلَى غطفان.
ومنهم: شريح بْن بجير بْن أسعد بْن ناشب الشَّاعِر
القائل:
فإن كنتما تحاولان رياضتي ... رضا جموح الرأس بعد حران
وولد حَزيمة بْن رزام:
عَبْد العزى رهط قطبة بْن محصَن بْن جرول بْن حبيب وهو الأعظم بْن عَبْد العزى بْن خزيمة بن رزام بن مازن. وقطبة
هو الحادرة [3] الشَّاعِر،
سُمِّيَ بقول مزرّد بْن ضرار لَهُ:
كأنك حادرة المنكبين ... رصعًا ينقضُّ فِي حادر
ويقال إن البيت لزبّان بن سيار، وأن الحادرة ردَّ عَلَيْهِ فَقَالَ:
لحى اللَّه زبَّان من شاعر ... أخي حسد غادر فاجر [4]
وقَالَ الحادرة ليزيد بْن ضرار أخي الشماخ:
فقلت تزرّدها يزيد فإنني ... لدرد الموالي في السنين مزرّد [5]
__________
[1] العوهج: الطويلة العنق.
[2] أحسك الدابة: أقضمها- الحسك- فحسكت. القاموس.
[3] بهامش الأصل: الحادرة ومزرد الشاعران.
[4] ديوان شعر الحادرة- ط. صادر بيروت ص 37 مع فوارق.
[5] ديوان شعر الحادرة ص 96. ودرد: جمع أدرد. وهو الذي سقطت أسنانه.(13/142)
فسمي يزيد مُزَرَّد، والحادرة الَّذِي يَقُولُ:
وشطَّتْ عَلَى كرهٍ فخيلت لما بها ... مفجعةً أن الحبيب لَهُ فقد [1]
يَقُولُ:
فأثنوا عليها لا أبًا لأبيكم ... بإحسانهم إن الثناء هُوَ الخلد [2]
وقَالَ:
متبطحين عَلَى الكثيب كأنهم ... يبكون حول جنازة لم ترفع [3]
وهو القائل:
أمعطية غيظ بن مُرٍّ بجَدِّها ... غلاما لَهُ أم وليس لَهُ أب
يُقال لَهُ قيس بْن زحل بْن ظالم ... كما لوحك العود النخيس المركب [4]
وولد بجالة بْن مازن أمةً،
وهو رَجُل. وجحاش بْن بجالة.
وناصرة بْن بجالة. وعبد غنم بن بجالة.
ومنهم: علقمة بْن عُبَيْد بْن قتبة بْن أمة بْن بجالة،
الَّذِي يَقُولُ لَهُ الحصين بْن الحُمام المري:
فلولا رجال من رزام بْن مازن ... وآل سبيع أَوْ أسوءك علقما
وإنما قَالَ الشماخ:
ألا تلك ابْنَة الأموي قَالَت......... [5]
__________
[1] ديوان شعر الحادرة ص 70.
[2] ديوان شعر الحادرة ص 73.
[3] ديوان شعر الحادرة ص 57.
[4] ليسا في ديوان شعر الحادرة المطبوع.
[5] الشطر الثاني لهذا البيت «أراك اليوم جسمك كالرجيع» ديوان الشماخ بن ضرار- ط. القاهرة 1977 ص 222.(13/143)
يريد أمة. والناس يروونها: الأموي ينسبونه إلى أمية.
ومنهم: مالك بْن سبيع بْن عَمْرو بْن قتبة بْن أمة،
كَانَ شريفًا ووضعت عَلَى يديه الرهن فِي حرب عبس وذبيان.
ومنهم: شماخ الشَّاعِر [1] وهو معقل، وأخوه يزيد وهو مزرد ابنا ضرار بْن سنان بْن أمة بن جحاش.
[أما الشماخ]
وَيُقَال هُوَ ضرار بْن صيفي بْن أصرم بْن إياس بْن عَبْد غَنْم بْن جحاش بْن بجالة.
حَدَّثَنِي عَمْرو بن أَبِي عَمْرو الشيباني قَالَ: كَانَ الشماخ وأخواه يزيد وجزء شعراء، فقالت لهم أمهم: ألا تستحيون لي ولأحسابكم من أن تعرضوني الشعراء العرب، فَقَالَ لها يزيد وهو مزرد. ما ربطتْ أُنثى من العرب بفنائها مثل أجر [2] ربطتهم، فاصبري فإن أمهات الشعراء يلقين ما تلقين وأكثر.
وكانت قريش تفضل شعر الشماخ، وَقَدْ أدرك الْإِسْلَام هُوَ وأخويه، وشخص إلى آذربيجان مَعَ سَعِيد بْن العاص.
حَدَّثَنِي المدائني عن وضاح بْن خيثمة قَالَ: خطب أويس القرني العابد أم الشماخ ومزرد وجزء بْن ضرار فَقَالَ الشماخ:
تقولها ناكحة أويسا.
فَقَالَ: مزرد.
يهدي إليها أعنزا وتيسا.
فقال جزء:
__________
[1] بهامش الأصل: شماخ الشاعر وأخوه مزرد.
[2] جمع جرو، والجرو صغير كل شيء، وولد الكلب والأسد. القاموس.(13/144)
حُمقًا تَرى ذاك بها أَمْ كَيْسَا [1] .
فَقَالَ أويس: لقد أخزى اللَّه من يكون رابعكم.
وحدثني عباس بن هشام ابن الكلبي قَالَ: أقبل عرابة بْن أويس بْن قيظي بْن عَمْرو الأوسي من الأنصار من الطائف، ومعه أبعرة عليها زبيب وأدم وغير ذَلِكَ فَعَنَّ لَهُ الشماخ، فَقَالَ لَهُ: أعطني مما عَلَى أبعرتك من الزبيب فَقَالَ لَهُ: خذ برأس القطار. قَالَ الشماخ: أتهزأ بي عافاك اللَّه؟
قَالَ: الأبعرة وما عليها لَكَ عافاك اللَّه، فأخذ الإبل بما عليها فمدحه بقصيدته التي أولها:
كلا يومي طوالة وصل أروى ... ظَنون آن مطرح الظنون
طوالة: بئر كانوا يجتمعون عليها.
وقَالَ فيها:
رأيتُ عَرَابة الأوسيّ ينمى ... إلى الخيرات مُنقطع القرين
إِذَا ما رأية رُفعَتْ لمجدٍ ... تلقاها عرابة باليمين [2]
وكان سعيد بْن العاص عامل عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ عَلَى الكوفة فغزا آذربيجان، فأوقع بأهل موقان وجيلان، وكان الشماخ مَعَ سَعِيد إلا أَنَّهُ لم يحضر موقان وحربها، فَقَالَ لبكير بْن شداد بْن عامر فارس أطلال وكان قَدْ أصيب بها:
وغُيِّبْتَ عن خليل بموقان أسلمت ... بكير بني الشداخ فارس أطلال [3]
__________
[1] ديوان الشماخ ص 446.
[2] ديوان الشماخ ص 319- 336.
[3] ديوان الشماخ ص 456.(13/145)
وقالوا قدم الشماخ المدينة، فقالت لَهُ امْرَأَة يُقال لها جونة كَانَ لها بنات موصوفات بالجمال، وكانت تأبى أن تُنكح الموالي، ولم تكن العرب تحطب إليها لأنها وزوجها كانا من موالي قريش ممن سبي من العرب: إني جاعلة لَكَ جعلًا عَلَى أن تذكر بناتي لعلهن يُخطبن. فَقَالَ لها: أتهدينَ إليَّ جزورًا من مهر كل واحدة منهن؟ فقالت: ذاك لَكَ. فَقَالَ:
ثلاث غمامات تَنَصَّبْنَ فِي الضحى ... طوال الذُّرا هَبَّتْ لهنَّ جنوب
فتلك اللواتي عند جونة إنني ... صَدوقٌ وبعض الناعتين كذوب [1]
قَالُوا: وخطب الشماخ إلى بعض بني سليم وكان الشماخ فِي حَسَبٍ، غير أَنَّهُ كَانَ أحمر قصيرًا، فَقَالَ لَهُ: والله ما ننكر حسبك ولكنك تخطب امْرَأَة ذات كبر، إن غضبتْ عَلَى زوجها ضربته، وهي ترى أن النَّاس خَوَلٌ لها.
فَقَالَ: أَنَا من قَدْ عرفتم، وإن سَوْءَةً أنْ تردُّوني فزوجونيها. ثُمَّ لتضربني إِذَا شاءت، وبلغها فقالت لقومها: أنكحوا القرد وخذوا ماله، ففعلوا وملكها وخرجت معه ثُمَّ ركبت تريد الرجوع إلى أهلها، فنذر بها فأخذ عودًا فضرب ساقها، فقالت: كسرت ساقي وتَعَالَّتْ، ثُمَّ غفل عَنْهَا فركبت الجمل وأتت أهلها، وأقبل شماخ حتَّى نزل بامرأة من بني سليم فِي طريقه فأحسنت قِراه، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: هَلْ لَكَ علم بأمر العبد اللئيم شماخ فإنه بلغني أَنَّهُ تزوج هندًا فَقَالَ:
تسائل أسماء الرفاق عشية ... لعمرك عن أمر النساء النواكح
وإياكِ لو أنكحتُ دارتْ بكِ الرَّحى ... وألفيتِ بعلًا صالحًا غير طالح
__________
[1] ديوان الشماخ ص 430.(13/146)
يؤدي إليك النصح إمَّا انتصحِتهِ ... وما كل من تُفشي إِلَيْه بناصح [1]
وقَالَ غير هشام ابْنُ الكلبي: سُمِّي مزرّد لقوله
ظللنا نُصادي أمنا عن حميتها [2] ... كأهل الشموس كلنا يتودد
فجاءت بها صفراء ذات أسرةٍ ... تكاد عليها ربّة السسحى تكمد
فقلتُ تَزرَّدْها عُبَيْد فإنني ... لدُرْدِ الموالي في السنبن مُزَرَّد [3]
ومزرّد
الَّذِي يَقُولُ، وَيُقَال بل قَالَ ذَلِكَ جزء بْن ضرار، في عمر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ حين قتل:
أَبَعْدَ قتيل بالمدينة أظلمتْ ... لَهُ الأرض تهتز العصاة بأَسْوُق
جزى اللَّه خيرًا من إمام وباركت ... يد الله في ذاك الأديم الممزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق
قضيت أمورا ثم غادرت بعدها ... بوائق في أكمامها لم تفتق
وما كنتُ أخشى أن تكونَ وفاتُه ... بِكَفَّيْ سَبَنْتيْ أحمر العين أزرق
قَالَ: وخرج غلام من بني ثعلبة بْن سعد بْن ذبيان ومعه إبل لَهُ، فنزل فِي عَبْد اللَّه بْن غطفان، فجاور رجلًا لَهُ بنات لهنَّ جَمال فجعل يُخلي بينه وبين محادثتهن حتَّى استهوينه، فلم يزل الشَّيْخ يخدع الغلام حتَّى أخذ إبله وأعطاه بكل بعير عنزًا، وقَالَ: الغنم أهون عليك من الإبل فلما أخذ إبله حجب بناته عَنْهُ، وكان اسم الرجل أبا البنات زرعة بْن ثوب، وانصرف إلى أهله فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: ويحك عَلَى مَن نَزَلْتَ؟ قَالَ: عَلَى زرعة بْن ثوب، فعلم أَنَّهُ خدعه، ففزع الرجل إلى مزرّد بْن ضرار، فقال مزرد بن ضرار قصيدة
__________
[1] ديوان الشماخ ص 104- 108 مع فوارق كبيرة.
[2] الحميت: وعاء للسمن أو الزق الصغير أو الزق بلا شعر متن بالرق. القاموس.
[3] ديوان المزرد بن ضرار. ط. بغداد 1962. ص 79.(13/147)
يَقُولُ فيها:
فيا آل ثوبٍ إنَّما ذود خالدٍ ... كذات اللظَى لا خير فِي ذود خَالِد
وما خَالِد مني ولو ضَلَّ أهله ... أبانين بالنائي ولا المتباعد
فأدُّوا مخاض الثعلبيّ فذلكم ... أَبَرّ وأوفى مِنْ أَذى غير واحد
وإلا تَرُدُّوها فإن شناعها ... لكم أبدًا من باقيات القلائد
صقعت ابن ثوب صقعة لا حجى لها ... يُوَلْوِلُ منها كل آسٍ وعائد [1]
وهو القائل:
تبرأتُ من شتم الرجال بتوبةٍ ... إلى اللَّه مني لا ينادي وليدها
وكان قَدِ استعدي عَلَيْهِ عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ هذا الشعر، ووصله عرابة الأوسي فَقَالَ:
فَدَتْكَ عراب اليوم أمي وخالتي ... وناقتي الناجي إليكَ بريدها
أي سيرها فِي البريد وهو اثنا عشر ميلًا.
قَالُوا وكان مزرد بدينًا عريضًا، فطلب من أمه شيئًا فلم تعطه إياه، فَقَالَ لها: والله لأعرضنَّك لأخبث شاعر من مضر وقَالَ:
حَكَّ الحمار برأس فيشته ... أُمُّ الحطيئةِ من بني عبس
فأتت أمه الحطيئة فطلبت إِلَيْه ألا يهجوه وأخبرته خبرها فأمسك.
وأتى وفد بني أنمار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مزرد:
تَعَلَّمْ رسول الله أَنْ ليس مثلَهُم ... أَجَرُّ عَلَى المولى وأمنعُ للفضل
فِي أبيات، وهجا بني غطفان فاستعدوا عَلَيْهِ عثمان فبعث فأتي به فقال:
__________
[1] ديوان المزرد ص 77 مع فوارق.(13/148)
أعوذ بربي أن أكون ظلمتكم ... وعثمان والبيت العتيق المحرم
فِي أبيات.
وقالوا تزوج مزرّد امْرَأَة من أنمار، فلما أهدوها إِلَيْه حملوها عَلَى بعير صعب فسقطت فانكسر مقدم أسنانها فَقَالَ:
قد حَمَّلُوها أَقلَّ اللَّه خيرهُمُ ... عَلَى نفورٍ كفرخ الرخ خوار
يا ليتَ فاها فداه الكسر أربعة ... من مَوْكبيهًا بني عبس وأنمار
ومنهم: عَبْد اللَّه بْن الحجاج بْن محصن بْن جندب بْن نصر بْن عَمْرو بْن جحاش بْن بجالة، الفاتك الشَّاعِر،
ويكنى أبا الأقير، وكان بالكوفة، ثُمَّ كَانَ مَعَ كَثِير بْن شهاب الحارثي، فجلده كَثِير مائة جلدة بالري، فلما صار إلى الكوفة وثب عَلَى كَثِير فضربه فِي وجهه فانكسر فاه.
ومنهم: جبل بْن جوّال بْن صفوان بْن بلال بْن أصرم بْن إياس بْن عَبْد غَنْم بْن جحاش الشَّاعِر،
الَّذِي رثى حُيَيّ بْن أخطب اليهودي يَوْم بني قريظة فَقَالَ:
وَهَانَ عَلَى سراة بني لؤيٍّ ... حريقٌ بالبويرة مستطير
تركتم قِدْركم لا شيء فيها ... وقِدْر القوم حامية تفور
ألا يا سعد سعد بني مُعَاذ ... لما لَقِيَتْ قريظة والنضير
وقَالَ:
جحاشٌ ومِنْ شَرِّ الحمير جحاشُها ... قديمًا ومن شر السباع الثعالب
وقال ابن الكلبي كَانَ يهوديًا فأسلم. وهو القائل:
عَذِيرُ رزام إنْ بَغَتْ أَوْ تناصرتْ ... ولكنْ عذيرك ما عذيرك حَشْوَرا
أحْشور عُوذي بالعزيز فإنما ... يَعُوذُ الذليل بالعزيز ليُنْصَرا(13/149)
وولد عجب بْن ثعلبة:
حَشْوَرَة بْن عجب. ووهب بْن عجب.
فولد حشورة: سعد بْن حشورة.
فولد سعد: العجلان بْن سعد. وجابر بْن سعد.
وعائذ بْن سعد.
ودارم بْن سعد. ورياح بْن سعد.
منهم: أَبُو بأس بْن حذمة بْن جعدة بْن العجلان بْن سعد بْن حشورة قتل يَوْم جبلة.
وولد الحارث بْن ثعلبة: شزن بْن الحارث.
فولد شزن: عوال.
فولد عوال: ضبيس بْن عوال. وصبح بْن عوال وزبينة بْن عوال.
وقَالَ غير الكلبي: من بني ثعلبة بن سعد: زياد بن علاثة الكوفي الفقيه مات في زمن خالد بن عبد الله القسري أو بعد ذلك.
وقال أبو اليقظان: ومن بني ثعلبة: جبلة بْن وهْبان، وكان شريفًا.
وفد إلى سجستان، وعَقبُهُ بالجزيرة.
قَالُوا: لما ضرب كَثِير بْن شهاب عَبْد اللَّه بْن الحجاج الجحاشي قَالَ:
إني زعيم أن أجلل عاجلًا ... كفاحًا بسيفي هامة ابْنُ قنان
سأترك ثغر الري ما دام واليًا ... عَلَيْهِ لأمر غالني وشجاني
فإن أَنَا لم أدرك بوغْمي [1] كُثَيِّرًا ... فلا تَدْعُني للصِّيد من غطفان
فإن تلك للشيخ الَّذِي عَض بالخصى ... فإني لَقِرْمٌ يا كَثِير هجان
وكان يكنى أبا الأقيرع. وقَالَ عبد الله بن الحجاج حين ضرب كثيرا في جبهته:
__________
[1] الوغم: التره والحقد الثابت في الصدر، والقهر. القاموس.(13/150)
فمن مبلغ فتيان قوميَ أنني ... ضربت كثيرًا مضرب الظربان
فغادرتُه فِي قومه متجدلًا ... وأخزيتُ منها وجه كل يمان
وقَالَ ابْنُ الكلبي: كَانَ عَبْد اللَّه بْن الحجاج مَعَ كَثِير بْن شهاب بْن الحصين الحارثي، وكثير عَلَى ثغر الري. وأغار النَّاس عَلَى الديلم فأصاب عَبْد اللَّه بْن الحجاج رجلًا من الديلم وأخذ سلبه، فانتزعه مِنْهُ كَثِير، فأسمعه فأمر بضربه فضُرب وحُبس فَقَالَ عَبْد اللَّه:
تسائل سلمى عن أبيها صحابه ... وَقَدْ عَلَّقَتْهُ من كَثِير حبائل
فإن تسألي عَنْهُ الرفاق فإنه ... بأبهر لا غازٍ ولا هُوَ قافل
أَلَسْتُ ضربتُ الديلمي أمامهم ... فغادرتُه فِيهِ سنان وعامل
ثُمَّ خلى سبيله فأقبل إلى الكوفة فلما عزل كَثِير. وقدم الكوفة، لقيه عَبْد اللَّه فضربه بقضيب حديد عَلَى وجهه فكسر فمه أجمع، فكتب ناس من أهل اليمن إلى معاوية: إنَّ سيدنا ضربه رَجُل خسيس من غطفان، فأقْدنا من أسماء بْن خارجة، فَقَالَ معاوية: ما رَأَيْت كتاب قوم أحمق من هَؤُلَاءِ.
ثُمَّ إن عَبْد اللَّه بْن الحجاج خرج مَعَ نجدة بْن عامر الحنفي الخارجي بَعْدُ، ثُمَّ طلب الأمان من عَبْد الملك بن مروان، وقال في أبيات له:
أدنو لترحمني وتقبل توبتي ... وأراك تدفعني فأين المدْفَعُ
ارحم أُصَيْبَيتي هُديتَ فإنها ... حُجُلٌ تَدَرَّجُ بالشزبَّةِ [1] جُوَّعُ
فلقد وطأت بني سَعِيد وطأة ... وبني الزُّبَيْر فعزَّهُم متضعضع
فأمنه عَبْد الملك وَقَدْ كَانَ وهو هارب من عَبْد الملك قَالَ:
رأيتُ بلاد اللَّه وهي عريضةٌ ... عَلَى الخائف المطرود كفة حائل
__________
[1] الشازب: الخشن والضامر اليابس، جمع شزب وشوازب. القاموس.(13/151)
ومدح عبد الملك بقصيدة أولها:
يا بن أَبِي العاص ويا خير فتًى ... أنت النجيبُ والخيار المصطفى
يَقُولُ فيها:
كما قضيت ابْنُ سَعِيد فقضي ... وابن الزُّبَيْر إذ تَسَمَّى وطغى
والفاسق الكندي لما أن نأى ... فِي الترك أهديت له ثمّ الردى [1]
__________
[1] بهامش الأصل: بلغت معارضة ولله كل حمد.(13/152)
بسم الله الرحمن الرحيم
نسب بني فزارة [بن ذبيان]
وولد فزارة بْن ذبيان:
عدي بْن فزارة،
وأمه نُضَيْرة بِنْت جشم بْن معاوية بْن بَكْر بْن هوازن. ومازن بْن فزارة. وشمخ بْن فزارة. وظالم بْن فزارة. ومُرَّة بْن فزارة. ورومي بْن فزارة وأمهم مَنُولة بِنْت جشم بْن بَكْر بْن حُبيب من بني تغلب، بها يعرفون.
فولد عدي بْن فزارة: ثعلبة بْن عدي.
وسعد بْن عدي.
وربيعة بْن عدي، وَيُقَال لبني ربيعة بنو عَنْمة. وشَكْمُ بْن عدي، وَيُقَال هُوَ ابْنُ ملكان بْن جَرْم، فبعضهم ينتسب جرميًا، وبعضهم ينتسب فزاريًا.
فولد سعد بْن عدي:
مالك بْن سعد،
وهو حُمَمة، وأمه العُشَراء بِنْت بُهْثَة بْن غني بْن أعصر. وحرام بْن سعد بْن عدي، وأمه رَقاش بِنْت دارم بْن مالك بْن حنظلة.
فولد مالك بْن سعد:
بغيض بْن مالك
اجتمعت عَلَيْهِ قيس فِي الجاهلية. وعياذ بْن مالك. وسَود بْن مالك. وعمرو بْن مالك، وأمهم العَشْواء بِنْت يربوع بْن غيظ بْن مرة.
فولد بغيض بْن مالك:
خَديج بْن بغيض.
وعُصيم بْن بغيض.(13/153)
وزيد بْن بغيض، وأمهم ذنب بِنْت حُوَيَة بْن لوذان بْن ثعلبة بْن عدي بْن فزارة. ووهب بْن بغيض. وواهب بْن بغيض. ووهبان بْن بغيض.
وقَتَادَة بْن بغيض. وأمهم ريطة بِنْت مخالف بْن دهر- أَوْ مُحالف- بْن الحارث بْن عَمْرو بْن هلال بْن شمخ بْن فزارة. وعمرو بْن بغيض.
وعركي بْن بغيض، وأمهما من بني الصارد بْن مرة.
فولد خَديج بْن بغيض:
سُكين بْن خديج،
وأمه جهمة بِنْت محاربي بْن مرة بْن هلال بْن فالج بْن ذكوان بْن ثعلبة بن بهثة بْن سليم.
فمن بني سُكَين:
يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة بْن مُعَية بْن سكين،
وَقَدْ ذكرنا من خبر عُمَر بْن هبيرة، وخبر يزيد فِي كتابنا هَذَا أشياء فيها كفاية.
وكان عُمَر بْن هبيرة يكنى أبا المثنى. ومات بالشام وكان يزيدًا ابنه سيدًا يقسم على زواره في كل شهر خمسمائة ألف درهم ويطعم النَّاس وقتل بواسط.
ومنهم: جميل بْن حُمران بْن الأشم بْن عَبْد اللَّه بْن معية
كَانَ من سادتهم.
ومنهم: المثنى بْن يَزِيد بْن عُمَر بْن هبيرة
ولي اليمامة لأبيه، وقتله أَبُو حَمَّاد المروزي بالبادية، وهو أَبُو حُميد وأعقابهم بالشام.
ومن بني وهب بْن بغيض:
الربيع بْن ضبع بْن بغيض الشَّاعِر، وعُمّر دهرًا فَقَالَ:
أصبح عَنِّي الشبابُ قَدْ حَسَرا ... إن يَنْأَ عني فقد ثوى عصرًا
وولد حَرَّام بْن سعد بْن عدي:
حَرَجة بْن حَرَّام. وحَريج بْن حرام. وعُشّ بْن حرام. والحارث بْن حرام. وحريش بْن حرام.(13/154)
منهم: الحارث بْن عَمْرو بْن حَرْجة الشَّاعِر، وابن ابنه عَبْد الرَّحْمَن بْن مَسْعُود بْن الحارث بْن عَمْرو، ولاه معاوية الصائفة بعد سُفْيَان بْن عوف الغامدي من الأزد، فوليها غير مرة، وفيه يقول الشاعر:
أقم يا بن مَسْعُود قناة صَليبة ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عوف يقيمها
وسم يا بن مَسْعُود مدائن قيصر ... كما كَانَ سُفْيَان بْن عوف يسومها
وقوم يقولون هُوَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وعبد الرَّحْمَن أثبت. وولى ابْنُ هبيرة مَسْعُود بْن حسان بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن مَسْعُود البصرة.
ومنهم: حسان الجواد، كَانَ من أجواد العرب وهلك فِي خلافة المهدي أمير المؤمنين وهو حسان بْن ميسرة بْن عُمَيلة بْن الحكم بْن شريح بْن الحارث بْن عمرو بن حرجة، وفيه يَقُولُ خلف بْن خليفة:
إن الَّذِينَ بحسان عدلتَهم ... فلن يساووا جميعًا شسع حسان
ومنهم: حصن بْن جُندب بْن خُنيس بْن حرجة، كَانَ سيد أهل البادية، واعتزل قتال كلب وفزارة.
ومنهم: شبيب بْن قيس بْن حريج بْن حرام الَّذِي مدحه الحطيئة.
ومنهم كردم. وكريدم ابنا شعثة بْن زُمَيْرة بْن حريش بْن حرام، وأمهم خالدة بِنْت أزنم بْن عَمْرو بْن حرجة، وكردم هُوَ الَّذِي طعن دريد بْن الصمَّة يَوْم قتل عَبْد اللَّه بْن الصمة ولها يَقُولُ الشَّاعِر:
جزى اللَّه ربك رب العباد ... والملحُ ما ولدت خالدة
هُمْ يطعمون سديف السنام ... والشحم فِي الليلة الباردة
وهم يسكرون صدور الرماح ... فِي الخيل تُطْرَدُ أَوْ طاردة
يُذَكِّرُني حسن أفعالهم ... تأوه مُعْوِلَةٍ فاقدة(13/155)
فإن يكن الموتُ أَفناهُمُ ... فللموتِ ما تلد الوالدة
وكانوا يحلفون بالملح والرماد، وبذاتِ الودع سفينة نوح.
قَالَ رَجُل من بني شيبان فِي يَوْم ذي قار:
حلفتُ بالملح والرماد ... وبالله واللات نُسْلم الحلقة [1] .
وولد ثعلبة بْن عدي بْن فزارة:
لوذان بْن ثعلبة.
فولد لوذان:
جوية بْن لوذان.
وزُنيم بْن لوذان. وأسعد بْن لوذان. وخِزامة بْن لوذان رهط عدي بن أرطاة عامل عُمَر بْن عَبْد العزيز عَلَى العراق، وَقَدْ كتبنا أخباره، ولخزامة بقية.
فولد جوية:
عَمْرو بْن جوية.
وعميرة بْن جوية. وعامر بْن جوية.
وعبد بْن جوية، وأمهم عمرة، وهي الشاة- سُميت بشاة من الغنم- بِنْت عَمْرو بْن صرمة بْن مرة بْن عوف.
فولد عَمْرو بْن جُوية:
بدر بْن عَمْرو.
وجساس بْن عَمْرو. فولد جساس أبدًا لا يزيدون عَلَى أربعة، إِذَا ولد مولود مات رَجُل، وأمهما غني بِنْت زنيم بْن لوذان بْن ثعلبة، وقتل بدر بن عمرو بنو أسد، وعليهم خَالِد بْن الأبح بْن عَبْد الأسدي من ولد أسامة بْن نصر بْن قعين.
[حرب داحس والغبراء ومقتل بعض ولد عمرو]
فولد بدر. حذيفة وكان يقال له أب معدّ. وحمل بن بدر.
ومالك بْن بدر. وعوف بْن بدر قتلوا كلهم فِي حرب داحس. والحارث بْن بدر. وربيعة بْن بدر. وزيد بْن بدر. فأما حذيفة بن بدر فقتله عبس.
حدثت عن عدة من العلماء أن الربيع بْن زياد العبسي كَانَ سيد بني عبس، فأتاه قيس بْن زُهَيْر بْن جذيمة العبسي، بعد مقتل أبيه زهير بن
__________
[1] الحلقة: السلاح.(13/156)
جذيمة، فَقَالَ لَهُ: إن فِي نفسي لأمرًا عظيمًا من بني عامر إِذَا ذكرتُ قتل حندج زهيرا، وإني منطلق إلى أحيحة بْن الجُلاح الأوسي فملتمس من عنده سلاحًا يكون عدة لنا عَلَى حرب بْني عامر، فلما لقيه قَالَ لَهُ: يا أبا عَمْرو أنبئت أن عندك درعا حصينة فبعينها أَوْ هَبْهَا لي. فَقَالَ: مثلي لا يبيع السلاح ولولا أن تَقُولُ بنو عامر أعان علينا لو هبتها لَكَ، فاعطاه ابني لَبُونٍ وأخذها، فَقَالَ لَهُ: خذها فإن البيع مرتخص وغال، وهو أول من قالها، وكان أُحيحة يحفظ لبني عامر أن خَالِد بْن جَعْفَر مدحه بأبيات أولها:
إِذَا ما أردت العز فِي أهل يثرب ... فنادِ بصوتٍ يا أحيحة تُمنَعِ
فتُصبح بالأوس بْن عَمْرو بْن عامر ... كأنك جارٌ لليمانيِّ تبَّع
وكانت الدرع تدعى ذات الموت، ثُمَّ ابتاع قيس من يثرب رماحًا وأدراعًا، وأقبل فوصف للربيع الدرع التي أخذها من أُحيحة، وأراه إياها فصبَّها الربيع عَلَيْهِ وادِّعاها وقَالَ: يا قيس.
الدرع درعي لم أَبْع ولم أَهَبْ ... مسروقة فِي بعض أحياء العرب
أحدث فيها الدهر شيئًا من عجب
وجرى بين الربيع وقيس فِي أمر الدرع كلام وشعر، وبعثت جمانة بِنْت قيس إلى الربيع وهو جدها: يا جَدَّاه رُدَّ عَلَى أبي درعه فإنه لجوج، فأرسل إليها: يا بنية ما أبوك بألج من جدك.
وإن مراعي الربيع أجدبتْ، فأراد الرحيل إلى مكان مكلئ، فركب قيس بْن زهير وإخوته وأهل بيته فعارضوا الظعائن فأخذ قيس بزمام جمل فاطمة بِنْت الخُرْشب أم الربيع، وبزمام جمل امرأته جُمْل وقَالَ: والله لأذهبنّ بكما إلى مكَّة ثُمَّ لأبيعنكما، ثُمَّ أسكن الحرم حتَّى أموت، فقالت له فاطمة:(13/157)
خَلِّ فإني ضامنة لَكَ درعك، فلما صارت إلى أبيها [1] كلمته فاستشاط وقَالَ:
بلغ الأمر هَذَا، قَدْ كنتُ عَلَى ردِّها، فأمَّا الآن فلا.
فلما بلغ ذَلِكَ قيسًا أغار عَلَى النعم فطرد للربيع أربعمائة ناقة لَقُوح فمر بها إلى مكَّة فباعها من حرب بْن أمية، وعبد اللَّه بْن جدعان، وهشام بن المغيرة بالخيل والسلاح وأقام بمكة، ثُمَّ إنه لحق ببني بدر بْن عَمْرو فَقَالَ لحذيفة بْن بدر: أَجْرني. فَقَالَ: ائت حمل بْن بدر فاستجر بِهِ فأتاه، فَقَالَ لَهُ: يا حمل أجرني وإلا فَأذَنْ لحذيفة فِي إجارتي فَقَالَ: قَدْ أجرتك وأذنت لحذيفة في إجارتك فأجاراه، وقسما لَهُ من أموالهما وأكرماه، وكان قيس قَدْ قَالَ وهو بمكة:
تفاخرني معاشر من قريش ... بكعبتها وبالبيت الحرام
فاكرِمْ بالذي فخروا ولكن ... مغازي الخيل دامية الكِلام
وطعنٌ بالعجاجة كل يَوْم ... نُحور الخيل بالُأسُل الدَّوامي
أَحَبُّ إليَّ من عيش رخيٍّ ... مَعَ القرشيِّ حربٍ أَوْ هشام
وما عيشُ ابْنُ جُدعانٍ بعيشٍ ... يجر الخزَّ فِي البلد التهامي
فأجابه العاص بْن وائل:
فخرنا والأمور لها قرار ... بمكتنا وبالبلد الحرام
وإنّا لا يُرام لنا حريم ... وإنّا لا نُرَوَّعُ فِي المنام
وإنا لا تُساقُ لنا كعاب ... خلال النقع بادية الخدام
مُعَاذِ اللَّه من هَذَا وهذا ... فإن اللَّه ليس له مسام
في أبيات.
__________
[1] كذا بالأصل، وهو تصحيف صوابه «ابنها» .(13/158)
قَالَ وغضب الربيع من إجارة حذيفة وحمل ابني بدر قيسًا، وغضبتْ بنو عَبس لغضبه وعظم الشر بين الحيين، وندم حذيفة عَلَى إجارته فاستثقل مكانه وكرهه، وقَالَ الربيع شعرًا فِيهِ:
وكان أبي ابن عمكم زياد ... صفيّ أبيكم بدر بْن عَمْرو
فألجأتم أخا الغَدْرات قيسًا ... فقد أوغرتم ما عشت صدري
فإما ترجعوا أرجع إليكم ... وإن تأبوا فقد أظهرت عذري
فأجابه حذيفة:
وجدنا يا ربيع ذمام قيس ... حرامًا فِي مصارف كل أمر
أجرناه عليك ومن نجره ... يحل مَعَ الكواكب حيث تجري
وشيمتنا الوفاء لمن عقدنا ... لَهُ عقدًا ولسنا أهل غدر
وكان حذيفة يأتي النعمان بْن المنذر فيكرمه ويبره، وكان يهدي إلى المتجردة هدايا وألطافًا وكان الحكم بْن مروان بْن زنباع العبسي يأتي النعمان أيضًا، ويهدي إِلَيْه، فاجتمعا بالحيرة، فَقَالَ الحكم يومًا لحذيفة: لعن اللَّه منزلةً تُصاب بالنساء، فغضبت المتجردة فبعثت إلى حذيفة بشراب وقينة، فَقَالَ حذيفة: يا بن زنباع هَذِهِ المنزلة لا منزلتك، ونادمة، فَقَالَ حذيفة للقينة: غننا لامرئ القيس بْن حجر، وكان امرؤ القيس يشبب بنساء بني عبس منهن: هند، ولميس، وفرتنا، والرباب فغضب الحكم وضرب القينة بالسيف فقال حذيفة:
يا بن مروان قَدْ سَفهْتَ عَلَى الكأس ... وآذيتَ حُرْمَةَ النعمان
وَقَدْم حذيفة عَلَى قومه فأخبرهم، وقدم الحكم فأخبره عبسًا بما كَانَ من حذيفة، فزادهم ذَلِكَ تباينا وتنافرا.(13/159)
وكان قيس بْن زُهَيْر ابتاع داحسًا بمكة من ثمن إبل الربيع، فأنزاه عَلَى فرس لَهُ فجاءت بمهرة سماها الغبراء وهذا قول بني عبس.
وبنو يربوع يقولون: كَانَت جلوى أم داحس لقِرواش بْن عوف، أحد بَنِي عَاصِم بْن عبيد بْن ثعلبة بْن يربوع، وكان ذو العُقّال أَبُوهُ لحوط الرياحي، وإن قيسًا أغار عَلَى بني يربوع، فأخذ ابْنَة قِرواش وكان داحس فِداءها لإعجاب قيس بِهِ.
قَالُوا: واعتمر قيس وهو فِي جوار بني بدر، فأتى بني بدر فِي غيبة قيس بْن زُهَيْر غلام من بني عبس فَقَالَ لَهُ حذيفة: يا جِرْو- وكان اسمه جرو بْن الحارث-: أَخَيْلُ فزارة أكرم أم خيل عبس؟ فَقَالَ: خيل عبس.
فَقَالَ: هَلْ لَكَ في مراهنتي فإن سبقتني فلك خمسة من الإبل، وإن سبقتك جعلتَ جزورين، فحمي الغلام فخاطره، فلما رجع إلى بني عبس قَالُوا لَهُ: ما أنت وخيلنا وليس لَكَ ولا لأبيك فرس، وقدم قيس بْن زُهَيْر من عمرته وَقَدْ بلغه الخبر، فسأله حذيفة أن يخاطره فأبى وقَالَ: أنت دسست جروًا حتَّى دعاني إلى المخاطرة، وأبي حذيفة إلّا الرهان ولجّ، فَقَالَ أَبُو حرجة:
آل بدر دعوا الرهان فإنا ... قَدْ بلونا اللجاج عند الرهان
إنَّ قيسًا لنا حليف وجارٌ ... وغدًا ناصرًا عَلَى ذبيان
وأتى حمل بْن بدر قيسًا فَقَالَ لَهُ: يا قيس لا تراهن حذيفة فإنه رَجُل مشؤوم مزهو، وقَالَ حمل:
يا قيس لا تقرب حذيفة إنه ... نكد اللجاج ورأيه مشؤوم
واحتلْ لنفسك حيلةً عبسيةً ... أَوْلَا فإنك ظالم مظلوم(13/160)
وألح حذيفة عَلَى قيس حتَّى أمحكه، وكان يجب [1] خروج قيس عَنْهُمْ، فراهنه عَلَى داحس والغبراء فرسي قيس، عَلَى أن الغبراء لحذيفة، وَيُقَال بل راهنه عَلَى داحس والغبراء فرسي قيس، وعلى الخَطَّار والحنفاء فرسي حذيفة، واتفقا عَلَى أن الغاية مائة غلوة تنتهي إلى ذات الأصاد، وهي رَدْهة، وَيُقَال ماء معروف، وأوقف حذيفة قومًا فِي طريق داحس وأمرهم إِذَا جاء أن يردوا وجهه عن الغاية، وحمل قيس ابنه عَلَى داحس وقَالَ:
لا ترسلنْ لَهُ العِنان كُلَّهْ ... وإن علاه عرقٌ وبَلَّهْ
وإن جرى العفو وبارى ظله ... حتَّى إِذَا قلت دنا وَعَلَّهْ
فارخِ ساقيك وأَحْسِن سَلَّهْ
وحمل حذيفة ابنه عَلَى فرسه، وقَالَ مثل شعر قيس فضحك قيس وقَالَ: يا حذيفة أَمَثَّلْتِ قولي، فضحك حذيفة وقَالَ: الكلام أشباه، فأرسلها مثلًا. فلما طلعت الخيل قَالَ: سُبقتَ يا قيس، فَقَالَ قيس: بعد اطلاع إيناس. فذهبت مثلًا.
فمن زعم أن الخيل كانت أربعة اثنين واثنين يَقُولُ لما أُرسلت سبقها داحس فتعرض لَهُ بعض أصحاب حذيفة الَّذِينَ وقفهم فلطم وجهه فألقاه فِي وادي ذات الأصاد فلم يخرج مِنْهُ حتَّى فاتته الخيل. وحزم صاحب الغبراء فعدلها عن طريق داحس فلم يشعروا إلا وَقَدْ عارضت الخطار وخلفت الحنفاء، ثُمَّ نظر النَّاس إليهما فِي وعث من الأرض وَقَدْ خرج الخطار عَلَى الغبراء فَقَالَ حذيفة: سبقتُ والله يا قيس. فَقَالَ قيس: رويدك يعلون الجدد فذهب مثلًا، فلما استوت بهما الأرض جاءت الغبراء سابقة حتَّى
__________
[1] بالأصل: وكانت تحب، وهو تصحيف صوابه ما أثبتناه.(13/161)
شرعت فِي الماء فلطمها رَجُل من بني فزارة، وجاء داحس مبطئًا فأخبر الغلام بما كَانَ من أمره.
وقَالَ الَّذِينَ زعموا أَنَّهُ إنما أجرى داحسا والغبراء، وعلى أن داحسًا عن قيس والغبراء عن حذيفة: إن داحسًا برَّز عَلَى الغبراء فلطمه الرجل حتَّى بَرّزت عَلَيْهِ الغبراء، وكانا فِي جدد، فَقَالَ حمل: سبقت يا قيس، فَقَالَ قيس: رويدًا يَعْدُوَنَّ الجدد- بالدال-، لأن الفحل أقوى فِي الوعث، فلما دنوا، وَقَدْ برَّز داحس قَالَ قيس: جَرْيُ المذكيات غلاب، وَيُقَال غلاء، جمع غلوة.
وقوم يقولون: راهنه حمل دون حذيفة، فَقَالَ قيس:
وما لاقيتُ من حمل بْن بدر ... وإخوته عَلَى ذات الأصاد
هُمْ فخروا عليَّ بغير فخرٍ ... وردّوا دون غايته جوادي
وقَالَ المفضل: راهنه حذيفة، ولكن الشعر جرى بأن ذكر بني بدر كلهم، ولم أكثر من ذكر الاختلاف فِي أمر عبس وفزارة، وجرى بين بني عبس وفزارة اختلاف. وقَالَ هَؤُلَاءِ: لُطم فرسنا والسبق لنا، وقَالَ الآخرون: بل السَّبْقُ لنا. وقَالَ قيس: يا قوم إني لم أحتمل الربيع وهو سيد بني عبس، وأطالوا الجدال فِي أمر السَّبْقَة، وبعث حذيفة ابنه مالكًا إلى قيس فَقَالَ لَهُ: يَقُولُ لَكَ أَبِي أطلق السبقة وإلا علمتَ ما أصنع، فلم يصادفه، ثُمَّ بعثه إِلَيْه فَقَالَ لَهُ: قل لَهُ: إن كانت لَكَ فِي نفسك حاجة فهلم السبق، فوثب قيس فطعن الغلام فصرعه، وارتحل قيس من ساعته، وجاءت فرس الغلام عائره فركب حذيفة فِي طلبه فوجد قيسًا قَدِ ارتحل، ووجد ابنه مالك قتيلًا فقال حذيفة:(13/162)
ألا يا قيس قَدْ ألقحت حربًا ... يضيق بها من القوم الصدور
قتلت ابني هُبلتَ بلا قتيل ... وهذا يا بني عبس كبير
سبقتك أَوْ سبقتَ فكل هَذَا ... إلى جنب التي حَدَثَتْ صغير
فسيروا فِي البلاد ولن تسيروا ... وطيروا فِي السماء ولن تطيروا
فلما قتل قيس مالك بْن حذيفة قَالَ: قَدْ وترتُ الربيع وبني بدر، ولا آمَنُ إن صرتُ إلى قوم آخرين أن يجري بيني وبينهم شيء أكرهه، فَقَالَ شعرًا بعث بِهِ إلى الربيع بْن زياد يَقُولُ فِيهِ:
فقولوا للربيع أتاك ضيف ... فلا يكن البعاد لَهُ بزاد
وكلمه فِيهِ عمارة بْن زياد أخوه، وكان متلوِّنًا عَلَيْهِ حتَّى قتل مالك بْن زُهَيْر بْن جذيمة أخو قيس وكان سبب قتله أن حذيفة وجه أخاه حملًا. وقَالَ لَهُ اقتل مالك بْن زُهَيْر بمالك بْن حذيفة، وافتك بِهِ كما فتك بابْن أخيك، فلم يزل يطلب الفرصة فِي قتله فألفاه غارًا فِي ناحية من بلاد بني فزارة فقتله، فَقَالَ عنترة:
لله عينًا من رَأَى مثل مالك ... عقيرة قومٍ إن جرى فَرَسان [1]
وهذا البيت حجة لمن قَالَ إنه لم يجر إلا فرسان.
وَقَدْ كَانَ حذيفة قبل دية ابنه مالك، وكانت مُغَلَّظةً، وهي مائة ناقة عشراء، وغيره ذَلِكَ من إبل وأعبد، فأعظمت بنو عبس وبنو فزارة قتل مالك جدًا.
وقَالَت الجمانة بِنْت قيس بْن زُهَيْر: أزِرْني جدتي آتك بخبر الربيع، فقالت لها: يا جدتاه ما قَالَ الربيع فِي قتل عمي مالك؟ قَالَتْ: والله
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.(13/163)
ما سمعته قَالَ شيئًا، إلا أَنَّهُ لم يزل ضاحكًا، وقَالَ قيس:
أينجو بنو بدر بمقتل مالك ... ويخذلنا فِي النائبات ربيع
وكان زياد قبله يُتقى بِهِ ... شبا الدهر إنْ يومٌ ألم فظيع
لعل ربيعًا يحتذي فعل شيخه ... وما النَّاس إلا حافظ ومضيع
فلما بلغ الربيع هَذَا الشعر بكى عَلَى مالك ورفع صوته والجمانة تسمع قول جدها فَقَالَ:
منع الرقاد فما أغمض حار ... جلل من النبأ العظيم الساري
منْ مثله تمشي النَّاس حواسرًا ... ويقوم معوله مَعَ الأسحار
مَنْ كَانَ مسرورًا بمقتل مالك ... فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرًا يندبنه ... يضربنَ حُرَّ الوجه بالأحجار
يخمشن حُرَّ وجوههنَّ عَلَى فتى ... سهل الخليقة طيب الأخبار
وقد كنّ يخبئن الوجوه تَسَتُّرًا ... فاليوم حين برزنَ للنظار
أفبعد مقتل مالك بْن زُهَيْر قَدْ ... ترجو النساء عواقب الأطهار
ما ان أرى فِي قتله لذوي النهى ... إلا المطيَّ تُشَدُّ بالأكوار
ومسومات ما يَذُقْنَ علوفةً ... يقذفن بالمهرات والأمهار
وفوارس صدأ الحديد عليهم ... فكأنما طلي الوجوه بقار
حتَّى نثير بذي المريقب منكم ... بدرا ونشفي من بني صبار
قتلوا ابْنُ عمهم وجار بيوتهم ... غدرًا بغير دم ولا أوتار
فِي أبيات، فروت الجمانة الشعر وأنشدته أباها، فأتى قيس الربيع فاعتذر إِلَيْه، وقَالَ لَهُ: إنه لم يهرب منك من لجأ إليك، ولم يَسْتَغْنِ عنك من استعان بك، وَقَدْ كَانَ لَكَ شر يَوْم، فليكن لَكَ خير يَوْم، وإنما أَنَا بقومي(13/164)
وقومي بك، ثُمَّ جمع الربيع بني عبس وحلفاءهم من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان، فلما بلغ ذَلِكَ حذيفة أغار عَلَى بني عبس فقتل رجالًا، ثُمَّ سارت فزارة بجماعتها وعليها حذيفة إلى بني عبس فالتقوا بالمريقب فقتل جندب بْن خلف العبسي عوف بْن بدر، وَيُقَال قتله أرطاة أحد بني مخزوم من عبس، وقتل عنترة ضمضما أبا الحصين، وهرم ابني ضمضم اللذين ذكرهما عنترة، وكانا يشتمانه ويتواعدانه حتى قتل أباهما ضمضما.
[الحرب بين عبس وذبيان]
وروي أن حذيفة أسر فِي هَذَا اليوم فخلى الربيع سبيله وأرضاه بعقل عوف أخيه، واصطلح الحيان، ثُمَّ أن حذيفة ندم عَلَى الصلح وقَالَ:
لا أمضيته، وشمر فِي حرب بني عبس، فركب إِلَيْه الربيع فَقَالَ لَهُ: ارْضَ بقتلنا عوفًا بمالك بْن زُهَيْر وأن يكون بوءًا بِهِ [1] ، ورُدَّ علينا إبلنا التي عقلنا بها عوفًا، وركب إِلَيْه قيس وعمارة بْن زياد فسألاه مثل ذَلِكَ، وَيُقَال إنهما سألاه هَذَا عن رسالة الربيع، وإن ربيعًا لم يركب إِلَيْه فأبى فَقَالَ لَهُ بَيْهس بْن غراب الفزاري: ما تريد من القوم يا حذيفة، بدأت قومك بالبغي والقطيعة، سبقوك فلم تعطهم، سَبْقَتَهم ثُمَّ أغرت عَلَى إبلهم، وَقَدْ وُدي مالك بْن حذيفة، وقتلوا بمالك بْن زُهَيْر عوفًا، وما عوف بخير من مالك، فأراد إمضاء الصلح حتَّى قدم عَلَيْهِ سنان بْن أَبِي حارثة المري، فيقال إنه أفسد حذيفة، فَقَالَ حذيفة: إني قتلت مالكًا بابني مالك، وعوف بْن بدر فضلٌ، فأرد الإبل التي أخذتها، وأُقيم الحرب، وأغلظ سنان لبني عبس وكان يكره صلحهم، وقدمت جماعة من أهل يثرب للإصلاح بين الحيين:
عَمْرو بْن الإطنابة، وأُحيحة بْن الجلاح، وقيس بْن الخطيم، وأبو قيس بن
__________
[1] أي دمه بدمه. القاموس.(13/165)
الأسلت وكعب اليهودي، فَقَالَ قيس: إني لا آكل لمالك ثمنًا، ولا أقبل بِهِ إلا حملًا أَوْ حذيفة فانصرفوا، وقَالَ أحيحة:
إن يكن ما أرى حذيفة يأتي ... هـ سدادًا فلا رأيتُ سدادًا
وأرى الغَيُّ ما يقول أخوه حم ... لٌ والفسادُ يدعو الفسادا
وَقَدْ قيل إن سنانًا أشار بالصلح، فكان حذيفة يتلوّن عَلَيْهِ، وكان أهوج مقدامًا لا يثبت عَلَى رأي، وذلك أثبت.
قَالُوا: وتجمع بنو ذبيان، وأغاروا عَلَى بني عبس، فلم يصنعوا شيئًا، فغزتهم بنو عبس، وعليهم الربيع فَهُزمت بنو عبس، واتبعهم بنو ذبيان، وكانت وقعتهم بذي حِسي، بقرب اليعمرية [1] ، ولحق حمل بْن بدر زبان بْن الأسلع فأخذه وأتى بِهِ حذيفة، فَقَالَ لَهُ حذيفة: ادفع إليَّ ابنيك وابني أخيك عَمْرو بْن الأسلع ليكونوا عندي رهينة عنك فلا تقاتلني بعدها، فَقَالَ: أعطيك الحبيبين؟ قَالَ: أي والله وإلا قتلتك. فأعطاه العهود والمواثيق ليأتينه بهما وبابني أخيه، فلما صار إلى بني عبس نهاه قيس عن دفعهم إلى حذيفة، قَالَ: فكيف أصنع بعهدي وميثاقي والله لا خستُ بِهِ، فانطلق بالأربعة إلى حذيفة وقَالَ: قَدْ وفيت لَكَ فادفع الغلمة إلى أخوالهم ليكونوا عندهم، وكانت أم ابنية ابْنَة مالك بْن سبيع الثعلبي، وأم ابني أخيه من بني جحاش، فأما بنو جحاش فمنعوا ابني أخيه، وأما مالك بْن سبيع فدفع ابنيه إلى حذيفة فأمر أخاه حملًا أن يأخذ بأرجلهما فيضرب بهما عراقيب الإبل حتَّى يقتلهما ففعل، وجعلا يقولان: يا أبتاه، حتى ماتا.
__________
[1] اليعمرية: ماء بواد من بطن نخل من الشربة لبني ثعلبة. معجم البلدان.(13/166)
وفي رواية أخرى أن بني فزارة لما لحقوا بني عبس قالوا لهم: أتقتلون أم تقيدون؟ فقال قيس للربيع: هم أكثر منا، ولن نستطيع قتالهم، ولكنا نعطيهم رهائن من أبنائنا، فإنهم لا يقتلون الصبيان، وإن قتلوهم كَانَ ذَلِكَ أيسر من قتل الآباء، فندفعهم عنا حتَّى ينقطع الأمر بيننا وبينهم فيما يريدون من أموالنا، ونُعدّ لهم بعد ذَلِكَ عَلَى مهل، قَالَ الربيع: بل نحاربهم.
فَصَدَّهُ قيس عن ذَلِكَ فَقَالَ الربيع:
حَرَّقَ قيس عليّ البلاد ... حتَّى إِذَا اشتعلتْ أجذما
جريرة حرب جناها فما ... تعرج عَنْهُ وما أسلما
عطفنا وراءك فرساننا ... وَقَدْ مال سرجك واستقدما
فِي أبيات.
فدفعوا إليهم عدة غلمان فجعلوا عند سُبَيْع بْن عَمْرو، وهلك سُبَيع فلم يزل حذيفة يخدع مالك بْن سُبَيع حتَّى دفعهم إِلَيْه، فأتى بهم اليعمرية، فقتلهم بالنبل، فحشدت بنو عبس والتقوا باليعمرية. فقتل زياد بْن الأسلع يزيد بْن حذيفة، وَيُقَال قتله قيس، وولت بنو ذبيان، فأدرك زِبَّان حُميد بْن الحارث بْن بدر فصرعه، وشد الحكم بْن مروان بْن زَنباع بْن جَذيمة عَلَى مالك بْن سبيع فقتله، وقَتَل ورد أَبُو عروة الصعاليك هَرم بْن ضمضم فِي عدة آخرين، وذَلِكَ الثبت.
وقتل مالك بْن ظويلم العبسي وَوَرْد قاتل هرم، ثُمَّ انحدرت فزارة وعبس إلى ذي بقر، فاقتتلوا وحمل قيس بْن زُهَيْر عَلَى مالك بْن بدر فقتله، وانهزمت بنو فزارة.
ولما قتل مالك بْن بدر ويزيد بْن حذيفة، جمع حذيفة بني فزارة وأسد(13/167)
وغطفان وأشجع، واحتشدت عبس، وسبق بنو عبس إلى ماء العقبة فجعلوه وراء ظهورهم. ومشت السفراء بين ذبيان وعبس، وعرضوا عليهم الصلح. فأبى ذَلِكَ حذيفة، وقَالَ: لا والله أَوْ أشرب من ماء العقبة، فَقَالَ قيس: هَذِهِ مِنْهُ مكيدة وخدعة إنَّما يريد الغلبة عَلَى الماء، وقال حمل لأخيه:
قد شمئتنا، والذي يعرض عليك القوم خير من القتل، وأتي بماء العقبة فشربه تبرَّة بيمينه وانصرفوا ذَلِكَ اليوم وهم عَلَى الصلح، فسمع حذيفة امرأته تبكي يزيد ابنه فِي جوف الليل وهي تَقُولُ:
أيَقْتُلُ واحدي قيسٌ ونرضى ... بعَقْلِ النَّاب مِنْهُ والفصيل
وتَلْبسُ يا حذيفةُ ثوبَ عارٍ ... وخزيٍ ما حييتَ فما تَقُولُ
فأسف حذيفة، وأغار عَلَى بني عبس. ثُمَّ جمع لهم وجمعوا لَهُ فلما صارت بنو ذبيان ببعض أرض الشرية وجدوا أموال عبس ونسلهم هناك وَقَدْ قدَّمها قيس والربيع للمكيدة ليشتغل بها القوم ثُمَّ يكرون عليهم، فلما رأوها لا دافع عَنْهَا أكبُّوا عليها فأخذ حمل بْن بدر ابْنَة الشريد، وهي أم قيس بْن زُهَيْر فَرَمَتْ بنفسها فماتت، ثُمَّ عكر العبسيون فتقاتلوا دون الهباءة وذلك فِي يَوْم قائظ شديد الحر، ثُمَّ حجز بينهم الحر، فتراجع بعضهم عن بعض، وأصبحوا فاقتتلوا ثُمَّ تحاجزوا فَقَالَ قيس بْن زُهَيْر: عليكم بالهباءة وهي بئر، وَيُقَال بركة فلنتّخذنّ مصفّراته مستنقعًا فيها، فقصدوا للهباءة، فأتى حذيفة رباياه وكان فيهم فيما يُقال عُيينة بْن حصن وهو يومئذٍ غلام فقالوا: قَدْ أتتك بنو عبس وكان مستنقعًا فِي الجفر أَوِ البركة. ومعه فِي الماء حمل بْن بدر، وعدة من بني ذبيان فلم ينقضِ الكلام حتَّى وقف قيس عَلَى شفير الجفر وهو يَقُولُ: لبيكم لبيكم، للصبية الَّذِينَ قتلهم حذيفة، فَقَالَ حمل:(13/168)
نشدتك الرحم يا قيس. فَقَالَ: لبيكم لبيكم ونهر حملًا أخوه وشتمه وقَالَ:
إياك والمأثور من الكلام، فذهبت مثلًا. فقتل حمل بْن بدر وجاء قرواش العبسي وكان حذيفة رباه فظن أن لن يقدم عَلَيْهِ فنزع لَهُ بمعبلة فأثبتها فِي صلبه، وابتدره الحارث بْن زُهَيْر بْن جذيمة وعمرو بْن الأسلع فضرباه بسيفيهما فقتلاه، وأخذ الحارث سيف حذيفة، وأخذ جميع من كَانَ فِي الجفر ورجعوا إلى نسائهم وأموالهم فجمعوها ودفن قيس أمه.
وقَالَ أَبُو المهدي: لما صار حذيفة إلى الهباءة أمن الطلب، وَقَدْ سرح بنو ذبيان خيلهم فِي أجمة، وبعثت بنو عبس من استنفض خبرهم، فلما وقف الربيع وقيس عَلَى حذيفة وحَمَلَ ومن معهما جعل حذيفة يُرغِّب لهم، والربيع يَقُولُ لَهُ: زدنا يا أبا شريح، فقال له حمل: دع المأثور من الكلام أي الذي يؤثر عنك عيبه، القوم قاتلوك، وكانت بنو عبس تَقُولُ حين قتل مالك بْن بدر: مالك بمالك، ودية بعد ذَلِكَ، وقَالَ الشَّاعِر:
يا عين بكيِّ مالكًا ومالكًا ... وفارس الهباءة المُعاركا
وحملًا عزَّ علينا هالكا
فقتل قيس حذيفة وقتل الحارث حملًا وأخذ سيفه، وهو سيف مالك بْن زُهَيْر، وقتلوا بني بدر إلا حصن بْن حذيفة، وقوم يقولون: إن مالكًا قتل يَوْم الهباءة، والأول أثبت.
وكان عنترة ممن قَتَل أهل الهباءة.
قَالُوا: ونظر قيس إلى تُماضِر مقتولة فدفنها.
وقَالَ عَمْرو بن الأسلع:
إن السماء وإن الريح شاهدة ... والله يشهد والإنسان والبلد(13/169)
أني جزيت بني بدر ببغيهم ... على الهباءة قتلًا ما لَهُ قَوَد
لما التقينا عَلَى أرجاء حَمَّتِها ... والمشرفية فِي أيماننا تقد
علوته بحسام ثُمَّ قلت لَهُ ... خذها حُذَيفُ فأنت السيد الصمد
قَالَ: ومثلوا بحذيفة فقطعوا مذاكيره ودسوها فِي فمه، وجعلوا لسانه فِي استه.
وقَالَ عقيل بْن علفة المري يهجو عويف القوافي:
ويوقد عوف للعشيرة ناره ... فهلا على جفر الهباءة أوقدا
وإن عَلَى جفر الهباءة هامة ... تنادي بني بدر وعارًا مخلدًا
وعض على أير حذيفة بعد ما ... أبير عَلَى جفر الهباءة أسودا
وقَالَ قيس بْن زُهَيْر:
أقام عَلَى جفر الهباءة خير ميتٍ ... وأكرمه حذيفة ما يريم
ولولا ظلمه ما زلت أبكي ... عليه الدهر ما طلع النجوم
ولكن الفتى حمل بن بدر ... بغى والبغي منقصة وشوم
أظن الحلم دل علي قومي ... وَقَدْ يُستجهل الرجل الحليم
أُلاقي من رجال مُنْكَرَاتٍ ... فأُنكرها وما أَنَا بالظلوم
ومارستُ الرجال ومارسوني ... فمعوجٌ عليَّ ومستقيم
واستُصغر عيينة بْن حصن فخلُّوه.
وقَالَ قيس بْن زُهَيْر أيضًا:
شفاني السيف من حمل بْن بدرٍ ... وسيفي من حذيفة قَدْ شفاني
وإنْ أَكُ قَدْ شفيت بهم غليلي ... فلم أَقطعْ بهم إلا بناني [1]
__________
[1] من أجل تفاصيل اضافية لهذه الأيام انظر النقائض ج 1 ص 84- 106.(13/170)
قَالَ ومنهم: حصن بْن حذيفة بْن بدر، وهو ابْنُ اللقيطة، وهي النضيرة بِنْت مروان بْن عُصيم بْن بغيض بْن مالك بْن سعد بْن عدي بْن فزارة،
سميت اللقيطة لان بني فزارة انتجعوا مرة وهي صبية فسقطت فالتقطها قوم فردوها، وخرج حصن يسير لأمر من أموره، فلما كَانَ بالحاجر لقية غزاة بني عامر فاقتتلوا، فطعن كُرْز العقيلي حصنًا فَقَالَ الشَّاعِر:
يا كرز إنك قَدْ فتكتَ بفارسٍ ... بطلٍ إِذَا هب الكماة مُجَرَّبُ
ولقد طعنت أبا عُيَيْنَة طعنة ... حَرَمَتْ فزارةَ بَعْدَهَا أن يَغضبوا
أي حَمَلْتَهم عَلَى أن يغضبوا، واشتد بحصن ألم تلك الطعنة، فدعا بنيه فَقَالَ لأكبرهم: خذ السيف فاعتمد بِهِ على بطني حتى تخرجه من ظهري. فَقَالَ: وهل يقتل الولد أباه؟ وقَالَ ذَلِكَ لسائر ولده فأَبَوْه، ومات من الطعنة.
وابنه عُيينة بْن حصن [1] بْن حذيفة بْن بدر
وَقَدْ رأس، واسم عيينة حذيفة، وكانت أَصَابته لقوة فجحظت عيناه، فسمى عيينة، وكان يكنى أبا مالك، وكان من المؤلفة قلوبهم، وارتد بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرض عَلَيْهِ أَبُوهُ ما عرض عَلَى إخوته، فأخذ السيف وقَالَ: أليس فيما أمرتني بِهِ لَكَ راحة ولي طاعة، وهو لَكَ هوًى، فلما أراد أن يضعه فِي بطنه، قَالَ لَهُ: ضعه فإني أردت امتحاني بطاعتكم، وقَالَ لَهُ: أنت سيِّد ولدي ولك الرئاسة.
وكانت عند عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ أم البنين ابْنَة عيينة،
فدخل عَلَيْهِ وهو يفطر فدعاه إلى العشاء فقال: أنا صائم، فقال: أتصوم
__________
[1] بهامش الأصل: عيينة بن حصن.(13/171)
الليل؟ فَقَالَ: مَثَّلْتُ بين صوم الليل والنهار فوجدت صوم الليل أخفُّ عليَّ.
واستأذن عيينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسر [1] فلما دخل بَشَّ بِهِ وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[ «كفى للمرء شرًا أن يدارَى مخافة فحشه] » .
ودخل مرة عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأى عَائِشَة رَضِي الله تعالى عنها فقال: من هذه الحميراء؟ فلما خرج سَأَلت عَائِشَة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: « [هَذَا الأحمق المطاع فِي قومه] » .
ودخل عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعنده عُدَّةٌ من أصحابه فيهم سلمان الفارسي، فَقَالَ لَهُ: إِذَا أتيناك فاطرد هَؤُلَاءِ الأنتان عنك فقد آذتنا روائحهم، فنزلت: ولا تطرد الذي يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هواه وكان أمره فرطا [2] أي عجالًا عَلَى غير رويَّة، يُقال فرس فرط أي عجل من الطيش.
وسمع عُيينة رجلًا من بني فزارة مكفوفًا يقرأ القرآن فَقَالَ: ماذا لقينا من مُحَمَّد، استغوى أقوياءنا، واستهذى ضعفاءنا.
وكان عيينة رَأَى النَّاس بسوق عكاظ يتبايعون فَقَالَ: أرى هَؤُلَاءِ مجتمعين بلا عهد ولا عقد، لئن بقيتُ إلى قابل لتَعْلَمُنَّ، فغزاهم من قابل فأغار عليهم واستباحهم فَقَالَ الحطيئة:
فدى لابن حصن ما أَرَحْتُ فإنه ... ثمال [3] اليتامى عصمة للمهالك
__________
[1] بسر: أعجل، وعبس، وقهر. القاموس.
[2] سورة الكهف- الآية: 28.
[3] الثمال: الغياث، الذي يقوم بأمر قومه. القاموس.(13/172)
سما لعكاظ من بعيدٍ وأهلها ... بألْفَينْ حتَّى داسهم بالسنابك [1]
وقُدم بِهِ المدينة فِي خلافة أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ فقيل لَهُ: يا عدو اللَّه ارتددت عن الْإِسْلَام؟ فَقَالَ: ومتى أسلمت؟.
ويحكى ذَلِكَ عن الحطيئة أيضًا.
وكان حذر عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ الأعاجم، من السبي، فلما جُرح سَأَلَ عَنْهُ فأُخبر بغيبته فَقَالَ: أي رأي بين الحاجر والرقم.
وأم عيينة فُكَيْهة من بني شمخ بْن فزارة،
ثُمَّ من بني رياح بْن هلال بْن شمخ، وفيهم يَقُولُ عيينة: آل رياح النكد المشائيم.
وعبد اللَّه بْن عيينة بْن حصن أغار عَلَى سرح المدينة.
وسعد بْن عيينة دفعه عَبْد الملك بْن مروان إلى كلب بسبب حرب بنات قين فقتلوه،
وَقَدْ كتبنا خبره فيما تقدم.
وعبد اللَّه، وعبد الرَّحْمَن ابنا مسعدة بْن حكمة بْن مالك بْن حذيفة بْن بدر، وأم حكمة فاطمة وهي أم قرفة بِنْت ربيعة بْن بدر، وكانت أم قرفة تؤلب عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان لها اثنا عشر ذكرًا كلهم عَلَّقَ سيف رئاسة، فبعث إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْد بْن حارثة مولاه فقتلها، وقتل بنيها.
ومنهم: أسماء بْن خارجة بْن حصن،
كَانَ سيد أهل زمانه، ومدحه الأخطل فَقَالَ:
إِذَا مات ابْن خارجة بْن حصن ... فلا مطرت عَلَى الأرض السماء
ولا آب الغزيُّ بغنم خير ... ولا ولدت على الطهر النساء
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 133 مع فوارق.(13/173)
وفيه يَقُولُ ابْنُ الزُّبَيْر الأسدي:
ومُحْتَمِلٌ ضِغْنًا لأسماءَ لو مشي ... بسجلين [1] من أسماء فَارَتْ مراجله
ترى البازل البختيّ فوق خوانه ... مقطّعةٌ آرابه ومفاصله
وكان يكنى أبا حسان، وقَالَ أسماء: ما مددت رجلي قط أمام جليسي، ولا اعتمدني رَجُل فِي حاجة فرأيت أن شيئًا من الدنيا وإنْ كَثُر عوض لبذل وجهه إليّ. فبلغ ذَلِكَ عَبْد الملك من قولُه فَقَالَ: كذا يكون السؤدد.
ومالك بْن أسماء بْن خارجة، وعيينة بْن أسماء،
وكانا شريفين ولهما عقب بالكوفة وَقَدْ ولي مالك ولايات.
ومن ولده: أَبُو إِسْحَاق الفزاري المحدّث، وهو إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن أسماء بْن خارجة،
ومات أَبُو إِسْحَاق بالمصيصة سنة ثمان وثمانين ومائة، وَيُقَال مُحَمَّد بْن الحارث بْن أسماء والأول أثبت.
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ حصن من أعظم غطفان قيادة،
قاد أسدًا وغطفان كلها، فَقَالَ رَجُل لمعاوية وذكره: ما رأينا عربيًا أعظم قدرًا من حصن بْن حذيفة، قسم المغانم وهو متكئ عَلَى سيَّةِ قوسه بين الحليفين أسد وغطفان. قَالَ: وقتلته بنو عَقيل ورثاه النابغة الذبياني فَقَالَ:
يقولون حصن ثُمَّ تأبى نفوسهم ... وكيف بحصنٍ والجبال جنوح [2]
وكان حصن أوصى عُيينة بقتل قاتله، وكان عُيينة بْن حصن سيدًا أخذ المرباع فِي الجاهلية، وخَمَّسَ فِي الْإِسْلَام، وكان تَسَمَّى وثابا لأنه أغار
__________
[1] السجل: الدلو العظيمة مملوءة، وناقة سجلاء: عظيمة الضرع. جمعها: سجل.
القاموس: وانظر شعر عبد الله بن الزبير الأسدي- ط. بغداد 1974 ص 120- 123 مع فوارق.
[2] ديوان النابغة الذبياني ص 29 مع فوارق.(13/174)
عَلَى بعض الأحياء، ثُمَّ أغار عَلَى بني تغلب بالجزيرة، وأدرك الْإِسْلَام وخلافة عثمان، وكان يكنى أبا مالك، وكان أسر زَيْد الخيل فِي الجاهلية فأتاه زَبان بْن سيّار بفرسه فحمله عَلَيْهِ فنجا، ولم يبعث بالفرس فَقَالَ:
كفرتَ فلم تشكر بلائي ونعمتي ... فَأَدِّ كما أَدَّاكَ يا زَيْد سُلَّما
وكان اسم الفرس سلم.
قال: وأوصى حصن بْن حذيفة عُيينة وسائر ولده بقتل قاتله، فقتله عيينة من بينهم، وكانت وصيته لولده وقومه: لا يتكلنّ آخركم عَلَى فِعَال أَولكم، فإنما يدرك الرجل الشرف بفعله، وانكحوا الغريب فإنه عز حادث، وإذا حاربتم فأوقعوا، ثُمَّ قولوا وأصدقوا لا خير فِي الكذب، وصونوا الخيل فإنها حصون الرجال، وأطيلوا الرماح فإنها قرون الخيل، وأغزوا الكثير بالكثير، ولا تغزوا إلّا بالعيون، ولا تسرحوا حتَّى تأمنوا الصباح، وعجلوا القرى فإن خَيْرَه أَعَجَلَهُ، وأعطوا عَلَى حسب المال فإنه أبقى لكم، ولا تحسدوا من ليس مثلكم فإنما يحسد المرء أمثاله، عَلَى أَنَّهُ لا خير فِي الحسد ولا تجسروا عَلَى الملوك، فإن أيديهم أطول من أيديكم وإياكم وصرعات البغي، وفضحات الغدر، وفلتات المزاح، واقتلوا قاتلي كرز بْن عامر العَقيلي، والسلام عليكم. فقتله عيينة بْن حصن.
وقَالَ الكلبي: ومنهم عويف القوافي [1] الشَّاعِر ابْنُ معاوية بْن عقبة بْن حصن بْن حذيفة،
وإنما سمي عويف القوافي بقوله:
سأكذب من قَدْ كَانَ يزعم أنني ... إِذَا قلت قولا لا أجيد القوافيا
قال هشام ابن الكلبي: حَدَّثَنِي بهذا عمار بْن أبان بْن سعيد بن عيينة.
__________
[1] بهامش الأصل: عويف القوافي الشاعر.(13/175)
ومنهم: حسان بْن حسن
الَّذِي قتل عرفجة بْن مصاد الكلبي.
وشريك بْن مالك بْن حذيفة،
قتل صالح بْن لام الكلبي، فَقَالَ الشَّاعِر:
وصالحٌ كَفَاكَهُ شريكْ ... بصارمٍ ذي هَبةٍ بتيك
وحجر بْن معاوية بْن حذيفة الشَّاعِر.
ومنهم: ضبيعة وهو من ولد عيينة بْن حصن،
وكان رَجُل يقال له بَقْعاء من بني بدر قتل رجلًا من ولد ضبيعة، فَقَالَت أخت بقعاء:
لا دَرَّ دَرُّكَ يا بقعاء إن هجعتْ ... ليل التمام بل العبديَّةُ النّجب
أو تقطع الخرق بعد الخرق ملثما [1] ... وَقَدْ يُنَجِّي الفتى ذي الحيلة الهرب
حتَّى يبيت بأرض لا يَقِرُّ بها ... إلا الوحوش وحتى يسكن الطلب
وقَالَ عَقيل بْن عُلفة:
أَبلغ ضُبَيْعَةَ مني إن مررتَ بِهِ ... فالمرء يلبس مولاه عَلَى الريب
أتطلبون بني بدر بجاهِلِهِم ... وتصلحون النائي [2] من سائر العرب
وكان عَبْد اللَّه بْن عمار بْن عيينة بْن حصن سيدًا،
وفيه يَقُولُ عَقيل بْن عُلفة:
لم يبق من آل بدر غير أَهْجِنَةٍ ... شغرا أُنوفُهِم غير ابْن عمار
وولد مازن بْن فزارة:
سُمَيُّ بْن مازن. وحجان بْن مازن، وأمهما نَصِيرة بِنْت جُشم بْن معاوية بْن بَكْر بْن هوازن خلف عليها بعد أَبِيهِ.
فولد سُمَيَّ: هلال بْن سُمَي. والمتيل بْن سمي، وأمهما نصيرة بنت هلال بن فالج بْن ذكوان. فولد هلال: عقيل بْن هلال. وعبد اللَّه.
والحارث، وأمهم الصعبة بِنْت مالك بن مرة.
__________
[1] كذا بالأصل وهو مختل الوزن.
[2] كذا بالأصل وهو مختل الوزن، ولم يرد هذا البيت في ترجمة عقيل في الأغاني ج 12 ص 254- 270، أو مصدر آخر معروف.(13/176)
فولد عقيل بْن هلال: جَابِر بْن عقيل. وعبد مناف بْن عقيل وهو الأفْوَهُ. وعبد العزى بْن عقيل. والحارث بْن عقيل وأمهم معاذة من بني ثعلبة بْن سَعِيد بْن ذبيان.
فولد جَابِر بْن عقيل: عَمْرو بْن جَابِر وهو العُشَرَاء، وكان عظيم البطن، فسمي العُشَرَاء، وربيعة وهو الخَلفة، والخلفة الناقة التي لم يَسْتَبِنْ حملها. وكان ربيعة أصغر بطنًا من عَمْرو فسمِّيَ الخلفة، وأمهما لبني بِنْت خُشَني بْن عُصيم بْن لأي بْن شمخ بْن فزارة.
فمن بني العشراء: زبان بْن سيار بْن عَمْرو بْن جَابِر بْن عقيل وابنه، منظور بْن زبان بْن سيار كَانَ شريفًا وهو جد الْحَسَن بْن الْحَسَن بْن عَلِي بْن أَبِي طَالِب، كانت أمه خولة بِنْت منظور، وهي أم إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن طلحة أيضًا، وفي زبان يَقُولُ الحادرة الثعلبي، ويزعمون أن زبان سماه حادرة ببيت قاله:
كنتَ امرأ من قبل من ولْد استها ... فطغيت لما قيل من ولد الحَرِ
وهجوتَ قَومًا أنكحوكَ بناتهم ... حتَّى ابتنيتَ عَلَى عماد العرعر
والثبت أَنَّهُ سُمي الحادرة بما قَدْ ذكرناه.
وقَالَ أَبُو اليقظان: قتل بنو أبي حارثة من بني مرة ابنا لعمرو بْن هند، فضمن لَهُ سيار بْن عَمْرو ألف بعير دية ابنه، ورهن قوسه بها، ثُمَّ أدى الألف فَقَالَ الشَّاعِر:
ونحن رَهَنَّا القوس ثُمَّ تخلصت ... بألف عَلَى ظهر الفزاري أقرعا
بعشر مئين للملوك وفاؤها ... ليُحمد سَيَّارُ بْن عَمْرو فأسرعا
فولد سيار: زبّان. وقطبة.(13/177)
فأمَّا قطبة فولد: هرمًا وكان من حكام العرب، وإليه تحاكم عامر بْن الطفيل وعلقمة بْن علاثة، وأدرك الْإِسْلَام، فَقَالَ لَهُ عُمَر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ: لأيهما كنت تحكم؟ فَقَالَ: أمر كفانيه اللَّه فِي الجاهلية، فاعفني مِنْهُ فِي الْإِسْلَام، أما إني لو قُلتها لَمَضَتْ.
وأمَّا زبّان فكان سيدًا شاعرًا، وذكروا أَنَّهُ نافر عيينة، فنفر عَلَى عيينة، ولم يدرك الْإِسْلَام، وكانت عنده مليكة بِنْت خارجة، فتزوجها بعده منظور بن زبان، فلما جاء الْإِسْلَام فَرَّقَ بَيْنَهُما، وفي ذَلِكَ يَقُولُ الشَّاعِر:
لبئس ما خَلَّفَ الآباء بعدهم ... فِي الأمهات عجان الكلب منظور
وكان يغمزها والشيخ شاهِدُهُ ... والآنَ أنتَ بغير الغمز معذور
وتزوج بنات منظور: الْحَسَن بْن عَلِي، وعبد اللَّه بْن الزُّبَيْر رَضِي اللَّه عَنْهُمَا، والمنذر بْن الزُّبَيْر، فَقَالَ جرير:
إن الندى من بني ذبيان قَدْ علموا ... والمجد فِي آل منظور بْن سَيَّار
ترضى قريش بهم صهرًا لأنفسها ... وهُمْ رِضًى لبني أُختٍ وأصهار [1]
وقَالَ جرير لبني تغلب:
جيئوا بمثل بني بدرٍ لُأسرتهم ... أَوْ مثل أُسْرَةِ منظور بْن سيار [2]
فولد منظور بْن زبان: زبان بْن منظور، وهو أَبُو وهب الَّذِي يَقُولُ لَهُ حلحلة بْن قيس بن أشيم من ولد الأحدب بْن سيار: «
وخُصَّا بالسلام أبا وهيب ...
» وَقَدْ ذكرنا خبره في حرب بنات قين. وقَالَ عَقيل بْن عُلفة:
لم يبقَ من مازنٍ إلّا شرارهم ... فوق الخُصَي حول منظور بن سيار
__________
[1] ديوان جرير ص 163- 164.
[2] ديوان جرير ص 242.(13/178)
وقَالَ الكلبي: ومنهم هَرِم بْن قُطبة بْن سيار بْن عَمْرو العشراء الَّذِي تحاكم إِلَيْه عامر بْن الطفيل، وعلقمة بْن عُلاثة، وأسلم هرم بْن قطبة، وقدم عَلَى عُمَر بْن الخطاب فَقَالَ لَهُ: لمن كنت حاكمًا؟ فَقَالَ: اعفني يا أمير المؤمنين فو الله لو أظهرتُ من هَذَا شيئًا لعادت الحكومة. قَالَ: صدقت، وبهذا العقل حكمتك العرب، وَيُقَال أَنَّهُ نفر علقمة وقَالَ لعامر: أتنافر علقمة وأنت أعور عاقر؟ وقيل إنه ما راهما، وَيُقَال أَنَّهُ قَالَ: أنتما كركبتي الفرس.
ومنهم حلحلة بْن قيس بْن الأشيم بْن سيار، الَّذِي دفعه عَبْد الملك بْن مروان إلى كلب فقتلوه، مَعَ سَعِيد بْن عيينة بْن حصن، وقيل لَهُ:
اصبر يَا حلحلة فَقَالَ:
أَصْبَرُ مِنْ عوْذٍ بِدَفَّيْهِ جِلَبْ [1] ... قَدْ أَثَّرَتْ فِيهِ الفُروضُ والحقب
وقَالَ:
أَصْبَرُ من ذي ضاغطٍ عَرَكْرَكِ [2] ... ألقى بَوَاني زَوْرِهِ لِلْمَبْركِ
وَقَدْ كتبنا خبره فِي حرب كلب وفزارة ببنات قين.
ومنهم: الربيع بْن قعنب بْن أوس بْن الأعور بْن سيار الشَّاعِر.
ومن بني الخلفة: بدر بْن جراز بْن ربيعة الخلفة، وكان شاعرًا.
ومن بني الحارث بْن سُمَيَّ: قيس بْن عنبس بْن الحارث بْن سُمي الشَّاعِر.
فولد شمخ بْن فزارة:
هلال بْن شمخ. وعُصيم بْن شمخ.
__________
[1] الجلب: الرحل بما فيه، أو غطاؤه، وخشبة بلا أنساع وأداة. القاموس.
[2] العركرك: الركب الضخم، والجمل الغليظ. القاموس.(13/179)
فولد هلال: عوف بْن هلال. وغوث بْن هلال. وعمرو بْن هلال.
وحُرْقَة بْن هلال، دخلوا فِي تغلب عَلَى نسب، وهم رهط الهذيل بْن هبيرة بْن حبيب بْن الحارث بن حرقة.
فولد عَمْرو بْن هلال: الحارث بْن عَمْرو.
فولد الحارث: دَهر بْن الحارث.
فولد دَهر: مخالف بْن دَهر. وخلف بْن دهر، وهم بالشام.
وولد عوف بْن هلال: ربيعة.
فولد ربيعة: رياح بْن ربيعة. وسُبيع بْن ربيعة. وريث بْن ربيعة.
وحصين بْن ربيعة.
فولد رياح بْن ربيعة: ربيعة بْن رياح. وعوف بْن رياح وأمهما ابْنَة حُريج بْن جَابِر من بني فزارة.
فولد ربيعة بْن رياح بْن ربيعة: نُجبة بْن ربيعة. وشاس بْن ربيعة، وأمهما سخطاء بِنْت عَبْد اللَّه من مزينة.
فمن بني نجبة لصلبه: جبار، كَانَ شريفًا. ومرثد. وقرفة وحكم.
وحكيم. ومروان. وربيعة. والمسيب، بنو نجبة.
[المسيب بن نجبة]
وشهد المسيب يَوْم القادسية، ثُمَّ شهد مع علي رضي الله تعالى عنه مشاهده وشهد يَوْم عين الوردة مَعَ سُلَيْمَان بْن صُرد الخزاعي، فقتل بها، وهو أحد التوابين الذين خرجوا يطلبون بدم الحسين رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وَقَدْ كتبنا خبره فيما تقدم من كتابنا هَذَا.
وشهد مَرْثَد بْن نجبة الحيرة مَعَ خَالِد بْن الوليد، ثُمَّ شهد اليرموك بالشام، ثُمَّ كَانَ عَلَى مقدمة خَالِد بْن الوليد يَوْم فتح دمشق فقتل على(13/180)
سورها، وابنه كردم بْن مرثد وَيُقَال كردم بْن حكيم بْن مرثد وكان يلي الولايات فيسيء السيرة فَقَالَ:
النَّاس كل النَّاس بارك فِيهِ ... وكردم لا يبارك فِيهِ
وقَالَ المهلب:
لما رآها كردم تكردما ... كردمة العيس أحسّ الضيغما
ومن ولد كردم: حمران بْن مكروه، كَانَ عَلَى كور دجلة.
وخطب إلى المسيب بْن نجبة الْحَسَن بْن عَليّ، وعبد اللَّه بْن جَعْفَر، فاستشار عليًا كرم اللَّه وجهه فأشار عَلَيْهِ أن يزوج عَبْد اللَّه لأن الحسن كان مطلاقا، فزوج عَبْد اللَّه بْن جَعْفَر.
وهاشم بْن صفوان بْن مرثد، استعمله عُمَر بْن هبيرة عَلَى فارس.
وقَالَ غير الكلبي: هُشيم بْن صفوان، والحكم بْن مروان بْن نجبة، قتل يَوْم عين الوردة.
وربيعة بْن سهل بْن مروان بْن نجبة، حمل ديتين، دية إلى بسيل وقوّالة المربين. والهيثم بْن بشر بْن حكمة بْن نجبة حمل ديات، فَقَالَ ابْنُ ميادة المري:
لكل أناس حاتم يعرفونه ... وحاتمنا يَوْم الحمالة هيثم [1]
وقَالَ أَبُو اليقظان: قتل ابنٌ لنجبة فِي الجاهلية، قتله بعض قومه فبعثوا إِلَيْه: نعطيك ديتين، فأبى وتهيأ للحرب، وخرجت أم ابنه المقتول وهي تميمية تحضض، فلما رأى ذَلِكَ نجبة قَالَ: لهانَ عليك يا أخت بني تميم أن يقتل قومي بعضهم بعضًا، وردَّ أصحابه وقبل دية واحدة.
__________
[1] ليس في ديوان شعره المطبوع.(13/181)
ومنهم كبير بْن زَيَّاد بْن شاس بْن ربيعة، صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد يَوْم القادسية.
وولد عوف بْن رياح: أسماء بْن عوف. وهند بْن عوف وهو رَجُل.
وربيعة بْن عوف. والكيشم بْن عوف. وعبد اللَّه بْن عوف. ووهب بْن عوف. ومرَّة بْن عوف. وعبد شمس بْن عوف. والتوأم بْن عوف.
ومنهم: عفاق بْن المسيح بْن بشر بْن أسماء، كَانَ عَلَى شرط الخميس مَعَ عليّ رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ وأرضاه، وكانوا يعرضون يَوْم الخميس، وكان جَدّه بشر بْن أسماء أنهب ماله من الإبل فِي الجاهلية.
ومنهم: عروة بْن الهيثم بْن عوف، أغار مَعَ عيينة بْن حصن عَلَى بني مَنْوَلَة.
وولد عُصيم بْن شمخ: لأي بْن عصيم، أمه من جهينة.
فولد لأي: خُشين بْن لأي بْن عصيم، وهو ذو الرأسين [1] .
وأخشن. ومُخاشن. وخَشَان- بخاء معجمة- ومُخْدش.
فولد خَشين ذو الرأسين: عرين بْن خشين. وجابر بْن خشين.
قَالَ الكلبي: لم يكن فِي بني فزارة رَجُل أكثر غزوًا بنفسه من ذي الرأسين.
ومن ولده: عَمْرو بْن جَابِر بْن خُشين، وكان لَهُ من كل أسير أسرته غطفان إِذَا أخذوا فداءه بكرتان، حتَّى منعه ذَلِكَ ظويلم بْن عرين.
ومن ولده: مالك بْن حمار بْن حَزْن بْن عَمْرو بْن جَابِر، وَقَدْ رأس وهو وأبوه وجده، وله يقول النابغة:
__________
[1] بهامش الأصل: كان عظيم الرأس فيه قرقبة، وفي القاموس: القرقب: البطن.(13/182)
......
وعلى الهباءة مالك بْن حمار [1]
وقَالَ أَبُو اليقظان: ومن ولد لأي بْن عصيم بْن شمخ: ظويلم بْن عرين بْن خشين، وهو مانع الحريم، وذلك أَنَّهُ انطلق فِي الجاهلية يريد الحج، فنزل عَلَى المغيرة بْن عَبْد اللَّه المخزومي، فأراد المغيرة أن يأخذ مِنْهُ ما كانت قريش تأخذه ممن نزل عليها فِي الجاهلية، وكان يُقال لذلك الحريم، وهو بعض ثيابه، وبعض ما ينحره من لحم بدنته، وهو قول ابْنُ الزبعرى:
.......
لنا فوق أيدي الطائفين حَريم [2]
فَقَالَ ظويلم:
يا رب هَلْ عندك من عقيره ... إن منى مانعها المغيره
ومانع بعد منى بثيره ... ومانعي ربي أن أزوره
أحبس مالي وأدع تنحيره
قَالَ: وظويلم الَّذِي منع عَمْرو بْن جَابِر بكرتيه من الديات فقال:
أرى عمرا بسوم النَّاس خسفًا ... لَهُ مِنْ كُلَّ عانٍ بكرتانِ
فإني مانعٌ ما كُنْتَ تُعطى ... فهل لَكَ بانتزاعهما يدان
وقال جبار بن مالك بْن حمار يذكر ظويلمًا:
ونحن منعنا من قريش حريمها ... بمكة أيام التحالق والنحر
قَالَ: وهجا شوَّال بْن المرقع، أحد بني عَبْد الله بن غطفان ابن ذي الرأسين، فقتله ابْنُ ذي الرأسين، فقال ابن عنقاء الفزاري:
__________
[1] الشطر الأول لهذا البيت: «زيد بن زيد حاضر بعراعر» . ديوان النابغة الذبياني ص 61.
[2] ليس في ديوان شعر عبد الله بن الزبعرى المنشور.(13/183)
أَبى لابن ذي الرأسين مجد مقدم ... وسيف إِذَا مَسَّ الضريبة يقطع
فقلتُ لشوَّالٍ تَوَقّ ذبابه ... ولا تَحْمِ أَنفًا أَنْ يُسَبَّ مُرَقَّعُ
وقَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني لأي: مالك بْن حمار، كَانَ شريفًا شجاعًا سيدًا فِي الجاهلية، وهو الَّذِي قَالَ فِيهِ النابغة:
.........
وعلى الدفينة مالك بْن حمار
ويروى: الهباءة.
وقتل مالكًا خِفاف بْن نَدْبة، وكان معاوية بْن عَمْرو، أَبُو الخنساء السلمية، غزا مرة فزارة، ومعه خِفاف بْن نَدْبة فاعتور معاوية هاشم ودريد ابنا حَرْملة المرِّيَان، فاستطرد لَهُ أحدهما، وشد عَلَيْهِ الآخر فقتله، فلما تنادوا: قُتل معاوية قَالَ خفاف: قتلني اللَّه إنْ رمْتُ حتَّى أثأر بِهِ، فشد عَلَى مالك بْن حمار سيد بني شمخ فقتله وقَالَ:
إنْ تَكُ خَيْلي قَدْ أُصيب صميمُها ... فَعَمْدًا عَلَى عَيْنيْ تَيَمَّمْتُ مالكا
وقفتُ لَهُ علوي وَقَدْ خامَ صحبتي ... لأبني مجدًا أَوْ لَأثْأَرَ هالكًا
أقول لَهُ والرمح يأطر متنه ... تأملْ خفافًا إنني أَنَا ذلكا
وكانت لجبّار بْن مالك بْن حمار بِنْت عند عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود، وأخرى عند حذيفة بْن اليمان، وكان جبّار شريفا في الجاهلية.
ومنهم: عملية بْن كلدة بْن هلال بْن حَزْن بْن عَمْرو بْن جَابِر كَانَ شريفًا.
وابنه الربيع بْن عُميلة كَانَ من أصحاب ابْنُ مَسْعُود.
وابنه الرُّكين بْن الربيع بْن عُمَيْلة، كَانَ فقيهًا، واستعمله أمير المؤمنين أَبُو جَعْفَر. وقَالَ الشاعر:(13/184)
عند ركين ما شئت من ضحك ... إن كنتَ منه رضيتَ بالضحك
وَيُقَال فيهم:
وبنو عميلة جار كل مُدَفِّعٍ ... للنائبات وغيث كل فقير
وسَمُرة بْن جُنْدب بْن هلال بْن حريج بْن مرة بْن حزن بْن عَمْرو بْن جَابِر بْن عقيل بْن هلال بْن سميّ بْن مازن بْن فزارة،
وأم سمرة الكَلْفاء بِنْت الحارث من بني فزارة، وَيُقَال هِيَ امْرَأَة من بني أسد، والأول قول ابْنُ الكلبي. وتزوج أمه مُرَيّ بْن ثابت بْن سنان الخزرجي ربيبه: فلما كَانَ يَوْم أُحُدٍ وعرض النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه رده رسول الله مَعَ من رد من الغلمان، فَقَالَ لمُرَيّ ربيبه: يا أبه أجاز رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رافعَ بْن خَديج، وردني فَقَالَ مُرَيّ:
يا رَسُول اللَّه: أجزتَ رافعًا ورددت ابني وابني يصرعه فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«تصارعا» فصرع سمرة رافعًا، فأجازه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ زياد بْن أَبِي سُفْيَان يستعمله عَلَى البصرة إِذَا خرج إلى الكوفة، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له ولأبي محذورة: [ «آخركما موتًا فِي النار» ،] فمات سمرة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعشرة من أصحابه: [ «آخركم موتًا فِي النار» ] فمات سمرة، وكان موته بالكوفة، ويكنى أبا سَعِيد، وتوفي فِي آخر أيام معاوية بْن أَبِي سُفْيَان، ولسمرة دار بالبصرة مشهورة فِي بني رقاش.
وقَالَ أَبُو اليقظان: كانت لسمرة دار بالكَلّا، وأخرى بالسوق فوقع بينه وبين المنذر بْن الزُّبَيْر كلام عند معاوية فخَوَّنَهُ المنذر، وقَالَ: قَدْ أخذت أمواله بمائة ألف، فابتاعها مِنْهُ بمائة ألف، وعقب سمرة بالكوفة.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عمر القواريري، ثنا أبو المعلّى الجنّائي عَنِ ابْنِهِ قَالَ: كُنْتُ وَاقِفًا عَلَى رَأْسِ سَمُرَةَ فَقَدِمَ إِلَيْهِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا يَسْأَلُ الرَّجُلَ(13/185)
مِنْهُمْ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِي الإِسْلامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ، وَإِمَامِي الْقُرْآنُ فَيَقُولُ: اضْرِبَا عُنُقَهُ فَإِنْ يَكُ صَادِقًا فَسَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرْنَا لَهُ أَخْبَارًا فِيمَا تَقَدَّمَ [1] .
وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ سَمُرَةُ يُكَنَّى أَبَا سَعِيدٍ، تُوُفِّيَ فِي آخِرِ أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ لَهُ بِالْبَصْرَةِ دَارٌ، وَمَاتَ بِالْكُوفَةِ [2] .
وولد ظالم بْن فزارة:
غراب بْن ظالم، يُقال لولده بنو غراب بالشام.
ومنهم قوم بالبادية ودمشق. قَالَ ابْنُ دارة:
قَدْ سَبَتْني بنو الغُراب الأحمرِ ... كل عَوَانٍ منهمُ ومَعْصَرِ
فمنهم: بيهس بْن هلال بْن خلف بْن حَمْحَمة بْن غُراب بْن ظالم بْن فزارة.
حَدَّثَنِي عَبَّاس بْن هِشَام الكلبي عن أَبِيهِ عن جَدّه عن زياد بْن علاثة الثعلبي قَالَ: تزوج هلال أَبُو بيهس السِيَراء بِنْت سهم بْن عوذ بْن غالب بْن قطيعة بْن عبس فولدت لَهُ: بَيْهَس بْن هلال وإخوة لَهُ وهم: نفر.
وعمرو. وَرَبيع. وَرُبَيْع وغيرهم. وإنهم خرجوا من عند أمهم فنزلوا عَلَى أشجع بْن ريث بْن غطفان، وسيد أشجع يومئذٍ نصر بْن دُهمان بْن بصار بْن سبيع بْن بَكْر بْن أشجع بْن ريث بْن غطفان، فأغاروا عَلَى بني الحارث بْن كعب بْن عَمْرو، فلم يكن فيهم أحد أَبْيَنُ شجاعة ونكاية من بيهس وإخوته، فحسدهم نصر بْن دهمان، فلما كَانَ بماء يُقال لَهُ الكَيوانة وبيهس وإخوته فِي رعي إبلهم، عدا عليهم فقتلهم إلّا بيهسًا، وكان أصغرهم، وكانت بِهِ لوثة فكان يُحَمَّق وكان يدعى نعامة لبيت قاله، وَيُقَال لطوله
__________
[1] انظر ما تقدم ص 2063
[2] طبقات ابن سعد ج 7 ص 49- 50.(13/186)
وجسامته وأراد نصر قتله، فَقَالَ لَهُ أشجع: ما تريد بقتل هَذَا وأن يُحسب عليكم برجل لا خير فِيهِ، وقَالَ بيهس: اكفف عن الْإِنْسَان الأحمق، يريد نفسه، دعوة تسكن إليه أمه، فتركه. ثُمَّ إن نصرًا صار إلى ماء آخر فنحر جزورًا، وَقَال: أَظِلَّوا لحمكم فإن الحر شديد، فَقَالَ بيهس: لكن بالكيوانة لحم لا يُظلل. وبعضهم يَقُولُ: لكن بالأثلاث لحم لا يظلل.
وبعضهم يَقُولُ: ببثاء [1] لحم لا يُظلل فأرسلها مثلًا. فَقَالَ نصر: إن بيهسًا لمنكر، وهم بقتله، فَقَالَ بعضهم: رُبَّ كلمة من أحمق. فكف عَنْهُ وفارقهم حين انشعب لَهُ طريق أهله، فأتى أمه فسألته عن إخوته فَقَالَ:
قَتَلَتْهُم أشجع. فقالت: ما نجاك من بينهم وأنت أخسهم عندي؟ فَقَالَ:
لو خيركِ القوم لاخترت، فذهبت مثلًا. ثُمَّ إن أمه عطفت عَلَيْهِ وَرَقَّتْ لَهُ فَقَالَ النَّاس: قَدْ رئمت أم بيهس بيهسًا فَقَالَ بيهس: ثكل أرأمهما ولدًا، فأرسلها مثلًا، ثُمَّ أقبلت تعطيه ثياب إخوته وتركتهم عندها، فَقَالَ: حبذا التراث لولا الذلة فأرسلها مثلًا، فلما احتنك بيهس آلى أن لا يزال يقتل أشجع حيث وجدهم، فمر بنسوة من قومه يُصلحن امرأةً منهن ليهدينها إلى زوجها وهو بعض من قتل إخوته، فكشف ثوبه عن أسته وغطى به رأسه فقلن: ويحك ما تصنع؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ لكل حالةٍ لَبُوسَها، إما نعيمها وإما بؤسها، فأرسلها مثلًا. وجعل يتبع قتله إخوته فيقتلهم حتَّى قتل منهم خلقًا، ثُمَّ قتل نصر بْن دهمان وأنشأ يَقُولُ:
يا لكِ نَفْسًا وَفَتْ بنذر ... أنّى لها الطّعم والسلامة
__________
[1] ذكر ياقوت الأثلات وبثاء في معجمه، وحكى أولا ما أورده البلاذري هنا، ثم روى أن بثاء عين ماء في ديار بني سعد.(13/187)
قتلت نصرًا شفاء نفسي ... فليس لي بعده همامة
لأطرقنَّ معشرًا نيامًا ... وأبركنَّ بَرْكَةَ النعامة
قابِضُ رجلٍ لبسط أخرى ... والسيف مستقدم أمامه
قَدْ قُتل القوم إذْ تَعَدُّوا ... بكل وادٍ زُقَاء هَامَة
فسُمِّي نعامة لقوله: بركة النعامة.
قَالَ: ثُمَّ إنه أُخبر أن تسعة رهط من أشجع فِي غار، فأتى خاله أبا حَشْرٍ، وهو سعد بْن سهم العبسي، فَقَالَ: يا خالاه هَلْ لَكَ فِي غارٍ فِيهِ ظِباء؟ قَالَ: نعم. فانطلق بيهس بِهِ ليلًا وكان خاله قصيرًا فحمله وقَالَ لَهُ: أما تراهم؟ قَالَ: بلى والله إني لأرى شياهًا رُبَّضًا، فرمى بِهِ فِي الغار، وقَالَ: اضرب أبا حشر، فنظر أَبُو حشر، فإذا هُمْ ناس من أشجع فجعل يضرب بسيفه ضربًا مُبَرِّحًا فَقَالَ بيهس: إن أبا حشر لبطل. فَقَالَ أَبُو حشر: مكره أخوك لا بطل، فذهبتْ مثلًا.
ثُمَّ إنه لما وفي بنذره، وأدرك ثأره لحق ببني نَهْد من قضاعة، فكان فيهم، ثُمَّ أحدث حدثًا فخرج حتَّى لحق بجرم، فأحدث أيضًا حدثُا، ثُمَّ خرج هاربًا حتَّى أتى بني رُهَاء من مذحج، فأقام فيهم، فبنوه اليوم فيهم يُقال لهم بنو بيهس وانتسبوا إليهم، فَقَالَوا: بيهس بْن هلال بْن خلف بْن حمحمة بْن ظالم بْن فزارة بْن طابخة بْن عَبْد اللَّه بْن رهاء بْن منبه بْن حرب بْن عُله بْن مالك. قَالَ المتلمس:
ومن حذر الأيام ما حَزَّ أَنْفَهُ ... قصير ورام الموت بالسيف بيهس
نعامة لما قَتَّلَ القوم رهطه ... تبين في أثوابه كيف يلبس [1]
__________
[1] ديوان المتلمس الضبعي- ط. القاهرة 1968 ص 113- 116.(13/188)
وقَالَ رَجُل من بني تغلب:
لقمان منتصرًا وقسٌ ناطقًا ... ولَأنْتَ أَجرأُ صَوْلَةً من بيهس
وقَالَ غير الكلبي: كَانَ التسعة فِي حفرة فألقى خاله عليهم.
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ بيهس استنجد بدرًا أبا حذيفة بْن بدر عَلَى أشجع فلم ينجده فَقَالَ:
ألَا مَنْ مُبْلغٍ بدر بْن عَمْرو ... فكنت بياض وجهكَ أَستديمُ
ثأرتُ عشيرةً ونقضتُ وترًا ... فمن يُثني عليّ ومن يلوم
[سائر رجال بني فزارة]
قَالَ ومنهم سُفْيَان بْن غُراب
القائل:
إنيّ وَجَدِّي لا أُحَوِّل نازلًا ... فيُقَالُ حَوَّلَ ضيفه ابْنُ غُراب
قَالَ: ومن بني فزارة: أَبُو الحِضْرامة بْن المسيب بْن نُجبة،
أدرك أبا الْعَبَّاس أمير المؤمنين، وكان لَهُ مكرمًا.
قَالَ: ومنهم خِذام أحد بني لأي بْن عُصيم بْن شمخ
وهو القائل:
إِذَا خفت غدرًا من فزارة فاستجر ... خذام بْن زَيْد وابن عم خذام
هما منعاني من حذيفة بعد ما ... أشار بمصقول عَلَي حسام
وقَالَ أَبُو اليقظان بنو العَشراء انتسبوا إلى أمهم وكانت عند رَجُل من بني أسد، ثُمَّ تزوجها عُقيل بْن سُمَيّ، فلما دنا منها قَالَ: إني لأراك حبلى، فقالت: العشراء خير من الحائل، فمن ثُمَّ يُقال إنهم من بني أسد.
قَالَ: وكان بنو زنيم ينزلون بنخل، وبينهم وبين المدينة ليلتان، فَقَالَ الشَّاعِر يهجوهم:
إِذَا ذُكرت فزارة لم يكونوا ... فوارس كل طماح عتيق(13/189)
ولكن أهل نخل وجانبيه ... وأسآر [1] العبيد من السويق
وقَالَ أيضًا:
ولولا أمير المؤمنين لشمَّرت ... زُنَيْم بني ضَرْطٍ تُدمى نُحُورُها
فمن بني زنيم: عَمْرو بن ضمرة
القائل لَهُ الشَّاعِر:
قَبَحَ الإله صحيفة مختومة ... عند الأمير غداة أهل المجمع
خُتِمَتْ بفيشلة الحمار وأُعطيت ... عَمْرو بْن ضمرة تبتغي من يخدع
قَالَ أَبُو اليقظان: ومن بني بدر: مسعدة بْن حكمة سباه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فدفعه إلى فاطمة عليها السَّلام فأعتقته
وهو أَبُو عَبْد اللَّه بْن مسعدة الَّذِي شهد الجمل مَعَ عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، ومر بالزبير بوادي السباع فدفنه، وابنه أَبُو يعمر بْن عَبْد اللَّه الَّذِي يَقُولُ لعمر بْن هبيرة:
هلم فقد ماتت حبابة جاريًا ... إلى المجد ترجع يابن عذقاء لاغبا
فإن كنت ترجو أن تنال سراتنا ... بقومك فانظر هَلْ تنال الكواكبا
قَالَ: وسبي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حبيبًا أبا بَجيل من بني بدر،
وفي بَجيل بْن حبيب يَقُولُ عَقيل بن علفة:
أكلتَ بنيكَ أكل الضَّب حتَّى ... وجدت مرارة الكلأ الوبيل
ولو كَانَ الألى غابوا شهودًا ... منعتَ فناء بيتكَ من بجيل
قَالَ: وكان فراس بْن سُمَيّ الفزاري عَلَى البصرة لعمر بْن هبيرة، فحبس النوار امْرَأَة الفرزدق، فَقَالَ الفرزدق:
فإن يك فِي البيضاء مفتاح قيده ... فعند فراس نفسه في المشيّد [2]
__________
[1] السؤر: البقية، وأسأر: أبقاه. القاموس.
[2] ليس في ديوانه المطبوع.(13/190)
قَالَ: ومن بني فزارة: حَذَف، انطلق فِي الجاهلية ورجلان معه فأصابا جُوفان عير، أي أير حمار، فشوياه ثُمَّ قطعاه فلما جاء حذف أطعماه إياه فلما عض عَلَيْهِ ومضغه قَالَ: أير حمار، والله لتأكلانه وإلا ضربت أعناقكما، فأمَّا أحدهما فلم يأكله فضرب عنقه وكان اسمه مَرقمة، فَقَالَ حذف: طاحَ مَرْقمة، فذهبت مثلًا، وأمَّا الآخر فأكله ففزارة تُعَيَّر بِهِ.
قَالَ مدرك بْن حصن الأسدي:
المُوكليّ بني فزارة بعد ما ... أَكَلَتْ فزارةُ أير كل حمار
واقتضى مالك بْن أسماء الفزاري غريمًا لَهُ دينًا كَانَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ:
أعطيك ما ضرب بِهِ الحمار بطنه. فَقَالَ: لقد بارك اللَّه لكم يا بني فزارة فِي أير الحمار، إِذَا جعتم أكلتموه وإذا كَانَ عليكم دين قضيتموه.
ومن بني فزارة: ثابت بْن واقع، طلق امرأته ثُمَّ راجعها فَقَالَ ابْنُ دارة:
يا ثابت بْن واقعٍ ما أنتا ... أنتَ الَّذِي طلقت لما جُعتا
حتَّى إِذَا اصطبحتَ واغتبقتا ... أقبلتَ مُعتادًا لما تركتا
أَردتَ أن تُرجعها كذبتا ... قد أحسن الله وقد أسأتا
فغضب لَهُ زُميل بْن عَبْد مناف، فأوعد ابْنُ دارة فَقَالَ:
أَبْلغْ فزارةَ إني لا أُصالحها ... حتَّى يَنيكَ زميلٌ أُمَّ دينار
وقَالَ ابْنُ دارة:
لا تأمنَنَّ فزاريًا خلوتَ بِهِ ... عَلَى قلوصِك واكبتها بأَسيار
فقتل زُمَيلٌ ابْنُ دارة وقَالَ:
........ ... محا السيفُ ما قَالَ ابنُ دارة أجمعا(13/191)
وقَالَ:
أَنَا زميلٌ قاتلُ ابنَ دارة ... وراحضُ المَخْزَاةِ عن فزارة
ثُمَّ جعلتُ عَقْلَة البكارة
وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: ومن بني فزارة: الرُّكَيْن بْن الربيع بْن عُميلة مات فِي فتنة الوليد بْن يزيد [1] . ويقال بقي بعد ذَلِكَ.
وقَالَ ابْنُ سعد من فزارة: خرشة بْن الحر، روى عن عُمَر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ [2] ، وتوفي فِي ولاية بشر بْن مروان في الكوفة [3] .
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 325.
[2] طبقات ابن سعد ج 6 ص 147.
[3] بهامش الأصل: بلغ العرض ولله الحمد.(13/192)
بسم الله الرحمن الرحيم
نسب بني عبس بْن بغيض
ولد عبس بْن بَغيض:
قُطَيعة بْن عبس.
ووَرقة بْن عبس، وبنو ورقة بْن عبس قليل، وأمهما كبشة بِنْت قطيعة بْن ربيعة بْن منبه بْن صعب بْن سعد العشيرة.
فولد قطيعة:
الحارث بْن قطيعة،
وأمه هند بِنْت مازن بْن ربيعة بْن منبه بْن صعب بْن سعد العشيرة. وغالب بْن قطيعة. ومَعْتَم- مفتوحة التاء- وأمهما سهلة بِنْت سعد بْن ذبيان بْن بغيض.
فولد الحارث بْن قطيعة: مازن بْن الحارث. وزبينة بْن الحارث.
وشداد بْن الحارث. وعامر بْن الحارث، وأمهم هند بِنْت عوف بْن سعد بْن ذبيان. وذكوان بْن الحارث. وجروة بْن الحارث، وأمهما من بني وابش بْن يزيد بْن عدوان.
قَالَ ابْنُ الكلبي: جروة هُوَ اليمان، وحذيفة من ولده وإنما قيل حذيفة بْن اليمان من ولد جروة، وبينه وبين اليمان آباء.
وكان جروة قَدْ أصاب دمًا فِي قومه، فهرب إلى المدينة، فحالف بني عَبْد الأشهل، فسماه قومه اليمان لأنَّه حالف اليمانية، فقيل جروة اليماني.(13/193)
فولد مازن بْن الحارث بْن قطيعة:
ربيعة بْن مازن، وأمه أسماء بِنْت غالب بْن قُطيعة بْن عبس. وبَجالة بْن مازن. ويربوع بْن مازن. وقُمير بْن مازن بْن ثعلبة بْن سعد.
فمن بني يربوع بْن مازن: خَالِد بْن بَرْز، ولاه الوليد بْن عَبْد الملك دمشق، وله يَقُولُ مساور بْن هند:
ثلاثة أشهر فِي دار بَرْزٍ ... نُرَجّي نائلًا عند الوليد
وولد ربيعة بْن مازن: رواحة بْن ربيعة. وعُبيد بْن ربيعة.
ورياح بْن ربيعة. وروح بْن ربيعة، وأمهم عبلة بِنْت مرة من الدِّئل بْن حنيفة بْن لجيم.
فولد رواحة: جَذيمة، وأمه حَيَّة بِنْت عامر بْن مالك بْن مرة بْن عوف.
قَالَ الكلبي: كانت حَيَّة بِنْت عامر بْن مالك بْن مرة عند فقعس بْن طريف، فطلقها وهي حبلى فتزوجها رواحة بن ربيعة بن مازن فولدت لَهُ جذيمة أبا زُهَيْر بْن جذيمة. وخلف بْن رواحة. وعُوَير بْن رواحة، وأمهم تَعِلَّة بِنْت عَمْرو بْن صِرمة بْن مرة، وخرج بنو عَمْرو بْن رواحة مَعَ قيس بْن زُهَيْر حين أتى عُمان، فنزل بها فبقوا بعُمان، وبالكوفة منهم أهل بيت شهد منهم صفين مَعَ عليّ بْن أَبِي طَالِب كرم اللَّه وجهه ضرار بْن فلان، أَوْ فلان بْن ضرار، وخالد بْن رواحة، وحنظلة بْن رواحة.
فمن بني جذيمة بْن رواحة بْن ربيعة: زُهَيْر بْن جذيمة بْن رواحة بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بْن قطيعة بْن عبس، اجتمعت عَلَيْهِ غطفان، وأسيد بن جذيمة. وزنباع بْن جذيمة. وحَذْيَم بْن جذيمة. وقيس بْن(13/194)
جذيمة. وفي أسيد يَقُولُ خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب:
لعل اللَّه يمكنني عليها ... جهارًا من زهيرٍ أَوْ أسيد
فمن بني زُهَيْر بْن جذيمة: قيس بْن زُهَيْر صاحب داحس، وَقَدْ كتبنا خبره فِي نسب فزارة، ولما وقع الصلح سارت عبس تريد الشام، فنزلوا بُعراعر، وهو ماء لكلب، فدفعتهم كلب عَنْهُ فاقتتلوا فظهرت عبس، ثُمَّ إن قيسًا خافوا انقطاع بني عبس عَنْهُمْ، وذبيان خاصة، فسألوهم الرجوع فرجعوا، ونزلوا فِي بني كلاب، ثُمَّ فِي بني مرة، ثُمَّ فِي آل أَبِي حارثة، فلما تم صلحهم قَالَ قيس بْن زُهَيْر: إني لأستحيي من فزارة أن يروني وَقَدْ قتلتُ من قتلتُ منهم فتقول هَذِهِ المرأة: قتل أخي، وتقول الأخرى: قتل زوجي، فأمر بني عبس أن يقيموا، ومضى إلى عُمان فمات بها، وقيل إنه أكل ورق شجر فقتله، وكان أَكْلُهُ إيَّاه جوعًا، وهو القائل:
إن قيسًا كَانَ مِيتتُهُ ... أسفًا والحيُّ منطلق
في دريس ليس يستره ... رُبَّ حُرٍّ ثَوْبُهُ خَلِقُ
وَيُقَال: إن الشعر لعروة بْن الورد [1] .
والحارث بْن زُهَيْر قتلته كلب يَوْم عراعر. وورقاء بْن زُهَيْر، وَقَدِ اختلفوا فِيهِ، فقيل إنه مات فِي مدة تلك الحرب حتف أنفه، وقيل إنه قتل فِي وقعة الربيع وبني فزارة، والله سبحانه وتعالى أعلم. وشأس بْن زُهَيْر قتيل غَبْر. ومالك بْن زُهَيْر قتيل بني فزارة. وعوف بْن زُهَيْر قتيل بني فزارة، وأمهم تماضر بِنْت الشريد السُّلمي.
ومنهم: مُسَاور بْن قيس بْن زُهَيْر الشَّاعِر، ويكنى أبا صَمْعاء، وفيه
__________
[1] ليسا في ديوان عروة المطبوع.(13/195)
يَقُولُ الشَّاعِر:
شَقِيَتْ بنو أسد بشعر مساور ... إن الشقيَّ بكل حبل يُخنَقُ
وكان يَقُولُ: الشعر جزل من كلام العرب يشفي بِهِ الغيظ، ويسقى بِهِ الماء، ويرعى بِهِ الكلأ.
ومنهم: أسود بْن حبيب بْن جُمانة بْن قيس بن زهير، شهد مَعَ عليّ رَضِي اللَّه تَعَالى عنه مشاهده.
ومنهم: القعقاع بْن خُليد بْن جَزْء بْن الحارث بْن زُهَيْر، والبيت فِي بني خليد.
ومنهم: الْعَبَّاس بْن جزء بْن الحارث بْن زُهَيْر، وهو جد الوليد وسليمان ابني عَبْد الملك، وأمهما ولادة ابنته.
وحصين بْن خليد بْن جزء كَانَ شريفًا بالشام.
وعبد اللَّه بْن جزء كَانَ شريفًا بالشام أيضًا، وبعضهم يَقُولُ جَزي.
ومنهم: قُرَّة بْن حصين بْن فضالة بْن الحارث بْن زُهَيْر، صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو أحد التسعة العبسيين الذين صحبوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني هلال بْن عامر يدعوهم إلى الْإِسْلَام، فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «مَثَلُهُ مَثَلُ صاحب ياسين» .] ذكر ذَلِكَ الكلبي عن أبيه.
ومنهم: أبو حليل بْن شداد بْن زُهَيْر الشَّاعِر.
ومنهم: سَليط بْن مالك بْن زُهَيْر، كَانَ أحد العشرة الَّذِينَ كانوا مَعَ خَالِد بْن سنان فِي إطفاء نار الحدثان.
ومن بني زنباع بْن جذيمة: مروان القرظ بْن زِنباع، كَانَ يغير عَلَى أهل القرظ، وهي أرض ينبت فيها القرظ الَّذِي يُدبغ بِهِ.(13/196)
وابنه الحكم بْن مروان بْن زنباع، كَانَ سيدًا فِي زمانه، وأسره أَسْيَد بْن جَنَاءَةَ السَلِيطي يَوْم الصرائم، حين أغارت عبس عَلَى قوم من بني حنظلة، وذكره جرير فَقَالَ:
وما ابْنُ جناءة بالوعْدِ أَلوانْ ... يَوْم شد الحكم بْن مروان [1]
وأسر يومئذٍ فروة وزنباع ابنا الحكم أيضًا.
ومنهم: بُشير بْن أَبِيّ بْن جذيمة بْن الحكم بْن مروان القرظ الشَّاعِر.
ومن بني حَذيم: عروة بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن حذيم الشَّاعِر.
ومنهم: شريح بْن أوفى بْن يزيد بْن زاهر بْن جزء بْن شيطان بْن حذيم، قتل يَوْم النهروان وهو الَّذِي قيل فِيهِ:
اقْتَتَلَتْ همدانِ يومًا ورَحَل ... اقتتلتْ من غُدوةٍ إلى الأصُلْ
فَغَلَّبَ اللَّه لهمدان الرحل
وَقَدْ ذكرنا خبره.
ومنهم: أَبُو الشَّقب، وهو عِكْرِشَة بْن أَرْبَد بْن عُروة بْن مسحل بْن شيطان بْن حذيم، كَانَ شاعر غطفان، وهو الَّذِي يَقُولُ:
وعَيَّابة للشُّرب لو أن أُمَّهُ ... تَبولُ نبيذًا لم يزل يستبيلها
فإن هيّ لم تَمْلَ الإناء ببولها ... دَعَتْ دعوةً ألا يعيشَ حليلُها
وكان عالمًا بنسب قيس.
ومنهم أُبَيّ بْن عمارة بْن مالك بْن جَزْء بْن شيطان بْن حذيم بْن جذيمة: أدرك النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمرَّ، حتَّى أدركه مُحَمَّد بن السائب الكلبي.
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.(13/197)
وخزيمة بْن نصر بْن شداد بْن شيطان بْن حذيم، كَانَ من أصحاب الْمُخْتَار.
وابنه نصر بْن خزيمة، قتل مَعَ زَيْد بْن عليّ بالكوفة.
ومن بني أُسَيْد بْن جذيمة: عفيرة بْن حُليس بْن أُسَيْد الَّذِي قتل حمل بْن بدر الفزاري. وقِرواش بْن هُيَيّ بْن أسيد بْن جذيمة، وهو أَبُو شريح قاتل حذيفة بْن بدر.
ومن بني خلف بْن رواحة: الْعَبَّاس بْن شريك بْن حارثة بْن جنيدب بْن زَيْد بْن خلف، شهد الجمل وصفين مَعَ عليّ رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وقتل عظيمًا من أهل الشام من آل ذي الكلاع.
ومنهم: قنان بْن واقد بْن جنيدب، قتل يَوْم القادسية.
ومن بني عوير بْن رواحة: زهدم. وقيس ابنا حزن بْن وهب بْن عوير بْن رواحة اللذان أدركا حاجب بْن زرارة يَوْم شعب جبلة ليأسراه فغلبهما عَلَيْهِ مالك ذو الرقيبة القشيري، ولهما يَقُولُ قيس بْن زُهَيْر:
جزاني الزَّهْدَمَان جزاء سوء ... وليت المرء يجزى بالكرامة
وولد حنظلة بْن رواحة: عُقْفَان، وهم فِي بني مرة يقولون عُقْفَان بْن أَبِي حارثة بْن مرة بْن نشبة بْن غيظ بْن مرة رهط أرطاة بْن سُهَية [1] الشَّاعِر، وكان أرطاة يَقُولُ الشعر يمدح بِهِ رجلًا، فإذا لم يُثِبْهُ جعله لغيره، وقَالَ: إني لم أُعْطَ مهره.
وقيل لَهُ حين أَسَنَّ: أتقول الشعر؟ فَقَالَ: والله ما أرغب، ولا أرهب، ولا أغضب، ولا أطرب، فكيف أقوله. وَيُقَال إن أرطاة،
__________
[1] بهامش الأصل: أرطاة بن سهية الشاعر.(13/198)
وقومه من بني أسد، فأراد وقومه الفريضة، فَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مسعدة الفزاري: افرض لهم فِي بني أسد فَقَالَ أرطاة: أما إنك ستحملها فِي سقاء غير سرب.
وقَالَ أرطاة:
إنْ تَحُل الأسباب بيني وبينكم ... وتطرحْ بنا أنسابنا فِي المطارح
تجدني امرأً من صلب خندف أنتمي ... إلى خُزَمِيِّ من ورائك طامح
وكان مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بْن عليّ متواريًا عند بني أرطأة بْن سُهيَّة بالبادية، فَقَالَ بعض الشعراء:
فلستَ بمهديٍّ إِذَا كنت ثاويًا ... بدار بني أرطاة وابن بشير
ولو كنت تحت الأرض وسط بيوتهم ... أثارك من تحت التراب مثير
وابن بشير من بني مرة.
ومن بني روح بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث بْن قُطَيعة بْن عبس:
فايد بن بكير بْن إساف بْن شماس بْن أنمار، كَانَ من أصحاب الْمُخْتَار.
وابنه حسان بْن فايد.
وولد عُبَيْد بْن ربيعة بْن مازن بْن الحارث: معَقل بْن عُبَيْد. وزيد بْن عُبَيْد.
فولد معقل: حارثة. وجزء ابني معقل.
فولد حارثة: حزن بْن حارثة، ولي القضاء لهارون الرشيد، وولي قبل ذَلِكَ الخاتم، ثُمَّ جعله عَلَى قضاء القضاة.
وولد زَبينة بْن الحارث بْن قطيعة: ذكوان بْن زبينة.
فولد ذكوان: المقاصف، بطن لم يبق منهم أحد، ولهم مسجد(13/199)
بالكوفة. وقَالَ شَمْعَلَة بْن طيْسَلَة من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان لعبد العزيز بْن الوليد بْن عَبْد الملك- وأمه أم البنين بِنْت عَبْد العزيز بْن مروان، وأمها ليلى بِنْت سهيل بْن عامر بْن مالك بْن جعفر، فهي ليلى القيسية، وأم عَبْد العزيز بْن مروان ليلى بِنْت زبان بْن الأصبغ الكلبي، فهي ليلى عدي-:
أنت ابْنُ ليلى خير قيس ظعينة ... وليلى عدي لم تلدك الزعانف
وما ولدت عَوْصٌ وأَهْيَبَ أُمُهُ ... ولا ولدتها باعث والمقاصف
عوص وأهيب من كليب، وباعث من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان.
وولد جروة بْن الحارث بْن قُطيعة- وجروة هُوَ اليمان-:
عَمْرو بْن جروة. وربيعة بْن جروة.
منهم: حذيفة بْن حُسيل [1] بْن جَابِر بْن ربيعة بْن عَمْرو بن جروة، الذي يقال له حذيفة بن اليمان، صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وكان عداده فِي بني عَبْد الأشهل من الأنصار، وتوفي حذيفة- ويكنى أبا عبد اللَّه- بالمدائن سنة ست وثلاثين، بعد مقتل عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ، وأمه من الأنصار، وله دار بالكوفة، وقَالَ فِي الليلة التي توفي فِي صبيحتها: أعوذ بالله من ليلة صبيحتها تؤدي إلى النار، اللهم إنك تعلم أني لم أشرك غادرًا فِي غدرته، فأجرني من روعات يَوْم القيامة.
فولد غالب بْن قطيعة بْن عبس:
مالك بْن غالب.
وعوذ بْن غالب، وأمهما بِنْت جشم بْن عوف بْن بُهثة بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان. وقيس بْن غالب.
وولد قيس: عطية، وهم حي قليل.
__________
[1] بهامش الأصل: حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.(13/200)
وولد مالك بْن غالب:
مخزوم بْن مالك بْن غالب.
وعبد بْن مالك.
وولد مخزوم: مُعَيْط بْن مخزوم. ومُرَيْطة بْن مخزوم. وقراد بن مخزوم. وصخار بْن مخزوم. وجَدَار بْن مخزوم. وزائد بْن مخزوم، أمهم رقاش بِنْت الأَبَحّ. من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان. وَجُوَيه بْن مخزوم وأمه من همدان. وعبد اللَّه بْن مخزوم وأمه من بني سليم. وجراد بْن مخزوم.
فمن بني مخزوم بْن مالك: ضبيعة بْن الحارث بن خلف بْن ربيعة بْن معيط بْن مخزوم،
الفارس الَّذِي قَالَ لَهُ عامر بن الطفيل يوم النّثأة، وطعنه يومئذ فقتله، وَيُقَال إنه طعن عامرًا فنجا من طعنته، ثُمَّ كَرَّ فطعنه عامر فقتله:
إن تنج منها يا ضُبَيْع فإنني ... وجدك لم أعقد عليك التمائما [1]
وكانت بنو عامر أغارت على عبس بالنثأة، فنذرت بهم عبس، فاقتتلوا فقتل الأحنف بْن مالك أحد بني قراد بْن مخزوم هزاز بْن قرّه، وقتل أَبُو زَعْنة بْن الحارث بْن خليف بْن ربيعة بْن مُعَيْط بْن مخزوم نهشل بْن عُبَيْد بْن مالك بْن جَعْفَر بْن كلاب، وطعن ضُبيعة بْن الحارث عامر بْن الطفيل فنجا عامر من طعنته، ثُمَّ طعنه عامر بعد ذَلِكَ فِي عجانه فقتله.
ومنهم: حَيّان بْن حصين بْن خليد الشَّاعِر.
وعبيد بْن سماك، كَانَ واليًا لعلي بْن أَبِي طالب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى المدائن.
ومنهم: الوليد بْن سماك بْن عُبَيْد بْن الحزَّاز بْن حصين بْن خليف،
__________
[1] بهامش الأصل: يقول لم أطعنك إلّا لتموت.(13/201)
كان مَعَ إِبْرَاهِيمَ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن حسن بْن حسن بالبصرة.
ومنهم: أَبُو حصن بْن لقمان بْن سنَّة بْن مُعْيَط بْن مخزوم،
وهو أحد التسعة الَّذِينَ وفدوا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومنهم: سَبَّاع بْن يزيد بْن ثعلبة بْن قِنْزَعة بْن عَبْد اللَّه بْن مخزوم
أحد التسعة أيضًا.
ومنهم: أُبَيّ بن حُمَام بْن جَابِر بْن قراد بْن مخزوم الشَّاعِر.
ومنهم: أَبُو السَّمْهري عنترة بْن عَمْرو بْن شداد بْن معاوية بْن قراد بْن مخزوم الفارس،
وأمه زبيبة، سوداء وهو الَّذِي قَالَ لَهُ أَبُوهُ:
ما يحسن العبد الكَرَّ ... إلا الذيار [1] والصَّر
وشهد مَعَ عبس حروبها، ولما اصطلحت عبس وذبيان خرج فِي بعض شأنه، فهاجت ريح حرور أَوْ سموم وهو بين شرج وناظرة فقتلته، فوجد ميتًا.
وحدَّثني أَبُو المهدي الكلابي قَالَ: قَالَ أَبُو عنترة:
لا يحسن العبد الكرّ ... إلا الذيار والصّرّ
وكان الرجل يستعبد ولده إِذَا كَانَ من أمة، وقَالَ عنترة:
كل امرئ يحمى حرَه ... أسوَده وأَحمره
والواردات مِشْفَره [2]
وقَالَ أَبُو المهدي الكلابي: كَانَ عنترة يرعى إبله من بلاد عبس وبلاد طيّئ، فخرج الأسد الرهيص، فوجد عنترة فِي رحلة وهو مصطل فرماه
__________
[1] الذيار: هو الصر. القاموس.
[2] لم يرد هذا الرجز في ديوانه المطبوع.(13/202)
بسهم فأصاب عانته فَقَالَ عنترة: الفرس الفرس، ولم يقدر عَلَى النهوض ومات، وركبت امرأته عبلة بعيره وسارت والناس يظنون أن فِيهِ عنترة فلم يقدموا عليها حتَّى أَتَتْ قومها، وغضب لَهُ عامر بْن الطفيل فغزا طيئًا وقتل الأسد الرهيص.
ومنهم الحطيئة، [1] وَهُوَ جرول بْن أوس بْن مَالِك بْن جُوَية بْن مخزوم،
واسم أم الحطيئة الضَّراء، وكانت أمة لامرأة من أسد، ويكنى الحطيئة أبا مليكة، وكان ممن ارتد، وسمي الحطيئة لقربه من الأرض، وكان يُقال إنه من قوم من سدوس ينزلون اليمامة.
وذكر أن ضيفًا نزل بِهِ فَقَالَ لَهُ: وراءك أوسع لَكَ، فلم يفعل، فَقَالَ: تَنَحَّ وإلّا علوتك بهذه العصا فإنها عجراء من سلم. قَالَ: إني ضيف، قال: للضيف أعددتها.
قَالَ: ولما احتضر الحطيئة، قيل لَهُ: أَوْصِ فَقَالَ: غلامي يسار عَبْد ما بقي فِي الأرض عبسيٌّ، وأوصيكم بالأيتام شرًا، كلوا أموالهم، وانكحوا أمهاتهم، واحملوني عَلَى حمار، فإنه لم يمت عَلَيْهِ كريم قط، وويل للشعر من راوية السوء. فقيل لَهُ: قل لا إله إلا اللَّه، فَقَالَ: نِعْمَ الفوارس فوارس عبس، ثُمَّ فاظت نفسه جافيًا.
وقدم الحطيئة عَلَى عيينة بْن النهاش العجلي، فَقَالَ لَهُ: من أشعر النَّاس؟ قَالَ: الَّذِي يَقُولُ:
«من لا يَتَّقِ الشتم يشتم
» [2] .
__________
[1] بهامش الأصل: الحطيئة الشاعر.
[2] هذا بعض من بيت زهير في معلقته حيث يقول:
ومن يجعل المعروف من دون عرضه ... يفره ومن لا يتق الشتم يشتم
شرح ديوان زهير ص 30.(13/203)
فَقَالَ: هَذَا يا أبا مليكة من مقدمات أفاعيك، ثُمَّ قَالَ لَهُ: سَلْ، فَقَالَ: توقر ركابي عَبَاءً ففعل، فقيل لَهُ: عرض عليك أيسر العرب فقنعت منه بهذا فَقَالَ:
سألتُ فلم تبخل ولم تعط طائلًا ... فَسَيَّانَ لا لومٌ عليك ولا حَمْدُ
وأنت امرؤٌ لا الجود منك سجية ... فتعطي وَقَدْ يُعْدي عَلَى النائل الوَجْدُ [1]
وأتى ابْنُ حمامة الحطيئة فَقَالَ: السَّلام عليكم، قَالَ: قولٌ لا يُنْكَر.
قَالَ: إني أريد الظل، قَالَ: أُدْنُ من الجبل، قَالَ: إني خرجت من عند أهلي بلا زاد، قَالَ: إني لم أضمن لَكَ ولا لهم زادهم. قَالَ: إني ابْنُ حمامة، قَالَ: كن ابْنُ أي طير اللَّه شئت.
ومنهم: خالد بن سنان بن عيث بن مريطة بْن مخزوم الَّذِي أطفأ نار الحدثان،
وكان يُقال إنه نبيُّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ.
- خبر نار الحدثان:
قال هشام ابن الكلبي عن أَبِيهِ: كَانَ خَالِد بْن سنان بْن عيث بْن مريطة بْن مخزوم بْن مالك بْن غالب بْن قطيعة فيما يُقال نبيا يوحى إليه، وكان حرّة الحدثان تأجّح بالليل نارًا، فإذا كَانَ النهار صارت النار دخانًا يسطع، وكانت تلك النار قَدْ أضرت بالناس، وربما خرج منها العنق فساح فلا يمر بشيء إلّا أكله، فأتى خَالِد بْن سنان بني عبس فَقَالَ لهم: إن اللَّه قَدْ أمرني بإطفاء هَذِهِ النار فليقم معي من كل بطنٍ منكم رَجُل، فكان عمارة بْن زياد، أخو الربيع ممن قام معه، فانتهى بهم إلى طرف الحرة فإذا عُنُقٌ من النار قَدْ خرج عَلَى خَالِد ومن معه فصاروا مِنْهُ فِي مثل كفة الميزان، ثُمَّ جعل
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 194- 195.(13/204)
العنق يدنو فقالوا: يا خَالِد أَهْلَكْتَنَا فَقَالَ: كلا وجعل يضرب النار بالدّرَّة ويقول: بَدًّا بَدًّا [1] كل هَدْيٍ لله مؤدًّى، أَنَا عَبْد اللَّه، أَنَا خَالِد بْن سنان، فتراجع ذَلِكَ العنق يتخلل الحرة حتَّى انتهى إلى قليب فِي وسط الحرة فانساب فِيهِ، وانقدم عَلَيْهِ خالد، وعليه إزار ورداء فمكث مليًا، فَقَالَ ابْنُ عم لخالد يُقال لَهُ عروة بْن سَنَّة بْن عَيْث بْن مُريطة: لا يخرج منها أبدًا، فما كَانَ أن أسرع من أن خرج وثوباه ينطفان عرقًا وهو يَقُولُ: زعم ابْنُ راعية المعزى أن لا أخرج، وجلدي يَنْدَى، فَسُمُّوا بني راعية المعزى إلى اليوم، وطفئت النار إلى اليوم.
وكان إِذَا قحط النَّاس، وأمسك القطر خرج خَالِد حتَّى يأتي صخرة فَيُغَشِّيهَا بثوبه، ثم يقوم فيدعو الله فيمطرون مادام الثوب عَلَى الصخرة، فإذا كشف الثوب عَنْهَا انقشع السحاب.
قال هشام ابن الكلبي: وأمَّا الشرقي بْن القطامي فأخبرني أن خالدًا قَالَ لهم: انطلقوا معي، فذهبوا إلى مكان من أرضهم فَقَالَ: احفروا فحفروا فاستخرج صخرة فإذا مكتوب فيها: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد» إلى آخر السُّورة فهي التي كَانَ يغطيها بالثوب.
وقَالَ الشرقي أيضًا: إن خالدًا لما تقدم فِي البئر وجد فيها جرّي كلاب تحش تلك النار، فشدخ رءوسها وأطفأ النار.
قَالَ: وحدَّثني أَبُو الشغب عِكرشة بْن أربد قَالَ: قَالَ خَالِد: يا معاشر بني عبس إن امرأتي حامل بغلام يُقال لَهُ مُرَّة، أُحيمر كالذرَّة ولا يصيب لمولى مِنْهُ مَضَرَّة، فارس الكرَّة، لن تصيبكم مِنْهُ مَعَرَّةٌ فاستوصوا به خيرا، ثم
__________
[1] بهامش الأصل: يريد بدد أي تفرقة.(13/205)
قَالَ: إني ميت إلى سبع، فإذا رأيتم العير الأبتر يطوف بقبري ويسوف بمنخره فانبشوني تجدوني حيًا أخبركم بما يكون إلى أن تقوم الساعة، فمكث أيامًا ثُمَّ مات فدفن، ثُمَّ مكثوا ثلاثًا فنظروا إلى العير الأبتر كما وصف، فأرادوا نبشه فقالت بنو مخزوم: لا ننبشه فتعيرنا العرب، وتقول: هُمْ ينبشون موتاهم، فترك عَلَى حاله.
وذكروا أن عنقًا من نار خرجت من تحت الحرة فاتبعها خَالِد بْن سنان، ومعه سوط، ومعه عمارة بْن زياد. أخو الربيع بْن زياد ينظر إلى ما يصنع، فجعل يضرب النار وهو فيها حتَّى دخلت هُوَّةً من الأرض وطفئت ثُمَّ خرج وجبينه عرق.
وسَمِعْتُ ابنته مُحيّاة رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: «قل هُوَ اللَّه أحد» فقالت:
كَانَ أَبِي يَقُولُ: اللَّه أحد. وزعموا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ: [ «ذاك نبيٌّ ضَيَّعهُ قومه» ] .
وزعموا أَنَّهُ لما احتضر قَالَ لقومه: إِذَا أَنَا دُفِنْتُ، فإنه ستجيء عانة حمير، يَقْدُمها عير أَقْمَر، فيضرب قبري بحافره، فإذا رأيتم ذَلِكَ فانبشوا عني فأني سأخرج، فلما مات رأوا ما كان قال، فأرادوا إخراجه فَقَالَ بعضهم: لا تفعلوا فإنا نخاف أن نُسَبّ بنبشنا عن ميت لنا.
وزعموا أَنَّهُ لما أتى النار ليطفئها وخلفه عمارة جعل يَقُولُ: نَدًّا نَدًّا، كل نَعَمٍ مؤدًى، زعم ابْنُ خاصية الجداء ألا أخرج منها وثيابي تندى.
وقَالَ مصعب الزبيري: والله ما بعث اللَّه من مُضَر نبيًا قط إلّا محمدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن عبسًا أرادوا معارضة قريش بزعمهم.
وولد عَبْد اللَّه بْن مالك بْن غالب:
بجاد بْن عَبْد الله.(13/206)
فولد بجاد: عدي بْن بجاد. وربيعة بْن بجاد. وعبيد بْن بجاد.
وأبا كعب بْن بجاد. وسريع بْن بجاد. وخلف بْن بجاد. وعِدَاء بْن بجاد. وفي بني بجاد يَقُولُ الحطيئة:
قَبَح الإله بني بجاد إنهم ... لا يُصلحون وما استطاعوا أفسدوا [1]
فمن بني بجاد: قُبَيَصة بْن ضُبيعة بْن حرملة بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن بجاد قُتل مَعَ حجر بْن عدي الكندي يَوْم مرج عذراء.
ومنهم: حِراش بْن جحش بْن عَمْرو بْن عَبْد اللَّه بْن بجاد، كتب إِلَيْه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرق كتابه.
ومن ولده: ربيع بْن حِراش تكلم بعد موته، فَقَالَ: رأيت ربي فبشرني بروح وريحان، ورب غير غضبان، وهو كوفيُّ وبالكوفة مات.
وربعي بْن حراش. ومسعود بْن حراش البقية لَهُ اليوم.
ومنهم: هِدْم بْن مَسْعُود بْن عَدي بْن بجاد، أحد التسعة الَّذِين أتوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومنهم: بُشر بْن الحارث بْن عبادة بْن سريع بْن بجاد، وهو أحد التسعة أيضًا، فَقَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للتسعة القادمين عَلَيْهِ من عبس:
[ «ابغوني عاشرًا أعقد لكم» ] فأدخلوا طلحة بْن عُبَيْد اللَّه التيمي معهم فعقد لهم وجعل شعارهم عشرة فهو شعارهم إلى اليوم.
وولد عوذ بْن غالب:
هِدْم بْن عوذ. وعبد بْن عوذ. ووائلة بْن عوذ.
وولد سَهْم: سعد بْن سهم، وهو أبو حشر خال بيهس الذي قال:
__________
[1] ديوان الحطيئة ص 161.(13/207)
مكره أخوك لا بطل، وَقَدْ ذكرناه. وعباد بْن سهم.
ومنهم: قدامة بْن علقمة بْن ربيع بْن عَمْرو بْن الحارث بْن غبار، الذي ذكره الحطيئة فِي شعره.
وولد هِدْم بْن عوذ: ناشب بْن هدم. وكراثة بْن هدم. ومعلق.
وشعار. وحلس.
فولد ناشب: عَبْد اللَّه، وعبد مناف وهو القارب. وزيد. وأفلت.
فمن بني أفلت: قَنان بْن دارم أحد التسعة الَّذِين عقد لهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أبلى فِي وقائع خَالِد بْن الوليد بالشام.
ومن بني عَبْد اللَّه بْن ناشب: الربيع بْن زياد، وهو الكامل، وعمارة بْن زياد، وهو الوهاب، وهو دالق، وأنس الخيل، وقيس الحناط بنو زياد بْن سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه بْن ناشب بْن هدم بْن عَوذ بْن غالب، وكانوا من أشراف العرب، وأمهم فاطمة بِنْت الخُرشب الأنماري والربيع الَّذِي أخذ درع قيس بْن زُهَيْر.
ومنهم: قُرَّة بْن شريك بْن مرثد بْن الحارث بْن خُنَيْس بْن سُفْيَان بْن عَبْد اللَّه بْن ناشب بْن هدم، ولهم شرف بالشام، وهو الَّذِي عاب بِهِ عُمَر بْن عَبْد العزيز لتوليته إياه، وكان قُرَّة يشرب الخمر.
ومنهم: عَمْرو بْن الأسلع بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن ناشب وهو حُبيبة، وكان شريفًا.
ومنهم: عروة الصعاليك [1] الشَّاعِر
بْن الورد بن عمرو بن زيد بن
__________
[1] بهامش الأصل: عروة بن الورد.(13/208)
عَبْد اللَّه بْن ناشب، وتتايعت [1] عَلَى العرب سنون جدب، وكان عروة إِذَا كَانَ الجَدْبُ نظر إلى كل ضعيف مهزول صعلوك من قومه فضمَّهُ إِلَيْه، وبنى لَهُ كنيفًا، وهو الحظيرة ثُمَّ يغير عَلَى العرب فما أصاب أتاهم بِهِ حتَّى يصلحوا، فلما تتايعت تلك السنون، نحر جملًا وقَدَّدَ لحمه، وجعله زادًا لهم، وحمل سلاحهم عَلَى جمل آخر، وغزا بهم قضاعة، فمر بمالك بْن خبَّار فَقَالَ: أَيْنَ تذهب بهؤلاء فتهلكهم؟ فَقَالَ: إنَّما الهلاك أن يقيموا فيموتوا جوعًا، فَزَوَّدَهُ مالك، وسار فوقع عَلَى إبل تكون مائة ومعها فُصْلانُها، ومعها فارس، فرماه عروة فقتله واستاق الإبل فأحياهم بها وقَالَ:
أقول لقوم بالكنيف تَروُّحوا ... عَلَى قَمُصٍ مثل الأهلّة رزّح
لعلكم إن تصبحوا بعد ما أرى ... ليوث الغضا فِي غيضها المُتَرَوَّحِ
تنوء عَلَى الأيدي وأفضل زادنا ... بقيةُ لحمٍ من جَزُورٍ مُمَلَّحِ
ومن يَكُ مثلي ذا عيال وقلَّةٍ ... من المال يطرح نفسه كل مطرحِ [2]
وكان أخذه الإبل بذي أطلال.
وقَالَ ابْنُ الأعرابي: كَانَ عروة يغير بالصعاليك، ثُمَّ يقسم الغنيمة فيهم فَقَالَ:
أُقَسِّمُ جسمي فِي جسوم كثيرةٍ ... وأَتركُ صَفْو الماء والماء بارد [3]
وقَالَ أَبُو اليقظان: من قبائل بني عوذ: بنو مِلاص، كَانَ منهم حيّان قتله العوام بْن مُضرّب المزني فقتلوا بِهِ شبيبًا أخاه، وقَالَ العوام:
__________
[1] التتايع: ركوب الأمر على خلاف الناس، والتهافت، والاسراع في الشر، واللجاجة.
القاموس.
[2] ديوان عروة بن الورد- ط. دار صادر بيروت ص 23 مع فوارق كبيرة.
[3] ديوان عروة بن الورد ص 29.(13/209)
سأُجري الزرق زرق بني ملاصٍ ... بيوم نَضاد أيامًا طوالًا
ومنهم: بنو عطية.
قَالَ: وقيل لفاطمة بِنْت الخُرشُب: أيُّ بنيك أفضل؟ فقالت:
ربيع. عمارة، أنس ما أدري، ما حملت واحدا وضعا ولا ولدته يتنا ولا سقيته غيلًا ولا منعته قيلًا، ولا أَنَمْتُه عَلَى ماقة.
الوضع: الَّذِي تحمل أُمه فِي آخر طُهرها وهو أضعف الأولاد، واليَتْنُ الَّذِي تَخرج رجلاه قبل يديه، والغيل اللبن الَّذِي يكون للحامل، والقيل شُربة نصف النهار، والماقه البكار.
وأمَّا عُمارة فلا ينام ليلة يخاف ولا يشبع ليلة يُضاف.
قَالَ: وقتلت عُمارة بنو ضبة.
قال: وكان قرة بْن شريك عَلَى مصر، من قبل الوليد بْن عَبْد الملك، فمات بها، وكان صاحب شراب.
قَالَ ومن بني حذيم: بنو عُنْقُوس.
ومن بني زُهَيْر بْن جذيمة: أَبُو الأبيض [1]
كَانَ فاضلًا وهو القائل:
ومالي مالٌ غيرُ درعٍ حَصينة ... وأبيضَ من ماء الحديد صقيل
ووردت عَلَى عَبْد الملك هدية الحجاج، فَقَالَ لأبي الأبيض: كيف ترى؟ قَالَ: هَذَا حسن إن لم تكن ظلمت فِيهِ الأرملة واليتيم، وكان الحجاج حاضرًا، فَقَالَ: يا أمير المؤمنين اسقني دمه.
وخرج الْعَبَّاس بْن الوليد عَلَى الصائفة، وخرج معه أَبُو الأبيض، فَقَالَ أَبُو الأبيض: رَأَيْت كأني أتيت بتمر وزبد فأكلته ثم دخلت الجنة فقال
__________
[1] بهامش الأصل: أبو الأبيض.(13/210)
الْعَبَّاس: نُعجّل لَكَ التمر والزبد والله لَكَ بالجنة، فدعا بتمر وزبد فأكله، ثُمَّ لقي أَبُو الأبيض العدو فقاتل حتَّى قتل.
قَالَ: وكان من بني خليد: عثمان بْن مَسْعُود،
وكان بخراسان عند قُتَيْبَة بْن مُسْلِم، فَقَالَ للحضين بْن المنذر الرقاشي: أنت عجوز بَكْر بْن وائل، فقال لَهُ: أَنَا شيخها وسيدها، ولكنه سادكم فِي الجاهلية عَبْد- يعني عنترة- وسادتكم فِي الْإِسْلَام امْرَأَة- يعني أم الوليد وسليمان-.
ويقال إنه قَالَ لهم أَوْ غيره: إنما أنتم بحر، فإن جَفَّ جففتم، وإن ندي نديتم.
قَالَ: وكان الوليد بْن القعقاع بْن خليد عَلَى البلقاء، أيام هشام، فأخذ يزيد بْن عُمَر بْن هبيرة وهو يومئذ سُوَقَةٌ فجلده وخَمَّم [1] وجهه وألبسه مدرعة، وجاب [2] عن إسته، فلما قام الوليد بْن يزيد ولي يزيد بْن عُمَر البلقاء فأخذ الوليد بْن القعقاع فعذبه.
وقَالَ: ذكر عَبْد اللَّه بْن المبارك قَالَ: بينا سُلَيْمَان بْن عَبْد الملك يتوضأ وليس عنده غير خاله حُصين بْن خُليد والغلام الَّذِي يصب عَلَيْهِ الماء فَخَرَّ الغلام ميتًا، فقام حصين يصب عَلَيْهِ الماء فَقَالَ سُلَيْمَان:
قَرِّبْ وضوءَك يا حصين فإنما ... هذي الحياة تَعِلَّةٌ ومَتَاع
ومنهم: فرات بْن سالم،
ولاه المنصور اليمن.
ومنهم: سُلَيك بْن مِسْحَل،
روى عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عنه حديثًا فِي النبيذ.
__________
[1] لعله أراد أنه وضع على وجهه الرماد أو مواد نتنه. انظر القاموس مادة «خمم» .
[2] جوب القميص: عمل له جيبا. القاموس.(13/211)
وربعي بْن حراش،
روى عن عُمَر، ومات فِي ولاية الحجاج بعد الجماجم.
قَالَ أَبُو اليقظان: قيل لبني عبس، وكانت الحرب بينهم وبين بني ذبيان أربعين سنة: أي الخيل وجدتم أفضل؟ قَالُوا: الكميت. قيل:
فأي الإبل وجدتم أفضل؟ قَالُوا: كل حمراء جعدة. قَالَ: فأي النساء وجدتم أفضل؟ قَالُوا: بنات العم. قيل: وأي العبيد وجدتم أفضل؟
قَالُوا: المولدين.
قَالُوا: وَقَالَ عَبْد الْمَلِكِ بْن مروان لرجل من بني عبس: كيف بذذتم العرب، وأنتم ألف رجل، قال: لأنا كُنَّا ألف حازم، وأطعنا أحزمنا، فكنا نتبع رأيه، وكنا نصبر بعد صبر النَّاس ساعة.
قَالَ ابْنُ الكلبي عن أَبِيهِ: قام الحجاج بعد الجماجم بواسط خطيبًا فَقَالَ: والله لَهَمَمْتُ أن أبعث إلى هَؤُلَاءِ العصاة ألفًا كألف بني عبس يحشرونهم إلى السواد، فقلت فِي نفسي: وأنا والله من العصاة، ثُمَّ قَالَ:
يا أهل العراق تزعمون أني ساحر، والله يقول: لا يفلح الساحر حيث أتى [1] وتزعمون أني أعلم اسمًا من أسماء اللَّه فِيهِ أقتلكم وأذلكم، والله لو جهد النَّاس كلهم عَلَى اللَّه أن يظلم لهم رجلًا واحدًا ما فعل، وتزعمون أَنَا بقية ثمود، قَالَ: فقلت أقررت والله أَنَا من ثمود، ثم قال: وثمودا فما أبقى [2] نعم البقية بقية ثمود، والله ما بقي مَعَ صالح إلا المؤمنون.
وقَالَ عوانة: وكان يقول وتزعمون أني عدو الله أني أعلم اسما من
__________
[1] سورة طه- الآية: 69.
[2] سورة النجم- الآية 51.(13/212)
أسماء اللَّه، والله أعلى وأَجَلّ من أن يعلم عدوًا لَهُ اسمًا من أسمائه أَنَّهُ يقتل بِهِ أولياءه.
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
نسب أنمار بْن بغيض
وولد أنمار بْن بغيض: عوف بْن أنمار. وطريف بْن أنمار فافترق بنو أنمار منهما. وبنو الخُرشب من بني طريف واسم الخُرشب عَمْرو بْن نصر بْن جارية بْن طريف. وكانت أم شماخ واخوته خُرشبية.
ومن بني أنمار: عَبْد اللَّه بْن عاصم، تزوج ليلى أم عَبْد العزيز بْن مروان فَقَالَ الشَّاعِر:
لقد ظلمت ليلى فلا تبك نفسها ... بمنكحها رأس الحمار ابْنُ عاصم
ولهم بقية.(13/213)
نسب ولد أشجع بْن رَيْث بْن غطفان بْن سَعْد بْن قيس بْن عيلان
ولد أشجع بْن ريث: بَكْر بْن أشجع. وسُليم بْن أشجع.
وعمرو بْن أشجع.
فولد بَكْر بْن أشجع: سبيع. وبكر. وصبرة بْن بَكْر.
فولد سُبيع: خَلاوة بْن سبيع. وفتيان بْن سُبيع.
منهم: مَعْقَل بْن سنان بْن مُظهِّر بن عزكي بن فتيان، صاحب المهاجرين يَوْم الحرة، وقتل يومئذ، وله يَقُولُ الشَّاعِر:
وأصبحت الأنصار تَنْعَى سراتها ... وأشجع تَنْعَى معقل بْن سنان
وَقَدْ كتبنا خبره فِي كتابنا.
وولد خلاوة: عيش بْن خلاوة. وقنفذ بْن خلاوة.
فمن بني عيش: جَبْهاء وقَالَ غير الكلبي جَيْهاء- بْن جُميمة بْن يزيد.
وعبيد بْن كيشم بْن عَبْد اللَّه بْن طريف بْن سَحْمة بْن عُبَيْد بْن هلال بْن عيش الشَّاعِر.
وحاجب بْن وديعة بْن خديج بن سحُمة بْن عُبَيْد بْن هلال الشَّاعِر.(13/215)
وهذيل بْن عَبْد اللَّه بْن سالم بْن هلال بْن الحراق بْن زَبِينة بْن هلال الشَّاعِر هجا الشَّعْبِيّ، وعبد الملك بْن عمير، وابن أَبِي ليلى.
قَالَ هشام الكلبي: قد رأيته وهو القائل:
فتن الشَّعْبِيّ لما ... رفع الطرف إليها
وولد قنفذ بْن خَلاوة: ثعلبة بْن قنفذ. وسعد بْن قنفذ.
وولد ثعلبة: أُنيف بْن ثعلبة. ونُبيح بْن ثعلبة. ونشبة بْن ثعلبة، وخصفة بْن ثعلبة.
ومنهم حَميلة بْن وهب بْن حبال بْن نُبيح، كَانَ شريفًا.
ورُخَيلة بْن عائذ بْن مالك بْن حبيب، قائد أشجع يَوْم الأحزاب مَعَ المشركين.
وحميلة بْن عامر بْن أنيف بْن ثعلبة، صاحب حلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ونُعيم بْن مَسْعُود بْن عامر بْن أنيف بْن ثعلبة، دسَّه أَبُو سُفْيَان بْن حرب الى المسلمين يخوفهم كثرة المشركين ويثبطهم عن إتيان بدر للوعد الَّذِي واعد أَبُو سُفْيَان المسلمين حضوره للقتال، فلما خوف المسلمين كيد المشركين وكثرتهم، قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، وفي ذَلِكَ أنزلت:
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ... إلى قوله مؤمنين [1] .
وغير الكلبي يقول هو ابْنُ مَسْعُود بْن رُخيلة، وأسلَمَ نعيم بْن مَسْعُود، وخَذَّلَ المشركين يَوْم الأحزاب وسعى بينهم بما فرق الله به كلمتهم
__________
[1] سورة آل عمران- الآيات: 173- 175.(13/216)
وألفتهم، فوقع بينهم الاختلاف، وكانت فِيهِ نميمة فأفشى إِلَيْه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يريد قتل قوم فأخبرهم بذلك، وجعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَينة يَوْم الأحزاب.
وقَالَ الكلبي: دلَّاه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قبره، ونزع الأخلة من أكفانه بأسنانه، وترحم عَلَيْهِ.
وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: أسلم نعيم بْن مَسْعُود الأشجعي فِي الخندق، وخَذَّل بين النَّاس، وكان يسكن المدينة، وولده بعده، وبقي إلى زمن عثمان، ومات فِي آخره [1] .
وأنكر الواقدي حديث خلف بْن خليفة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزع عَنْهُ الأخلَّة.
وولد بِصَار بْن سُبيع: دهمان بْن بَصَار. وجابر بْن بصار.
فولد دهمان: نصر بْن دهمان، عمَّر دهرًا، وله يَقُولُ الشَّاعِر:
ونصر بْن دهمان الهنيدة [2] عاشها ... وتسعين حولًا ثُمَّ صَوَّتَ فانصاتا
وعبد بْن دهمان وفالج بْن دهمان.
منهم: عَبَّاس بْن حُليس بْن عُبَيْد بْن عَبْد مناف بْن زَبينة بْن عَبْد بْن دُهمان.
ومنهم: عقبة بْن مُلَيْس بْن عَبْد بْن دُهمان، وكان يُقال لعقبة مُذَبّح، وذلك لأن بني عامر أغاروا على بلاد غطفان بالرَّقَم، والرَّقَم ماء لبني مرة،
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 4 ص 277- 279.
[2] الهنيدة: اسم لكل مائة من الإبل وغيرها. وصاحب هذا البيت هو سلمة بن خرشب الأنماري. اللسان.(13/217)
فلقوا غلمة من بني أشجع بْن ريث فقتلوهم، وعلى بني عامر عامر بْن الطفيل.
ثُمَّ غزا بهم بني فزارة فلقوه وعليهم عُيينة بْن حصن. فانهزمت بنو عامر، ودخلوا واديًا لم يكن فِيهِ منفذ فرجعوا، ووقفت غطفان عَلَى فم الوادي، فلما رَأَى ذَلِكَ بنو جَعْفَر بْن كلاب قَالُوا: إنه لا ينجينا إلّا الصدق، وأن نرميهم بنواصي الخيل، فقتل يومئذ من بني جَعْفَر:
كنانة، والحارث ابنا عبيدة بْن مالك بْن جَعْفَر، وقيس بْن الطفيل، وجعل عامر يَقُولُ وَقَدْ عقربه فرسه: «يا نفس أَلَّا تُقْتَلي تموتي» [1] فحمله جبَّار بْن سلمى بْن مالك بْن جَعْفَر عَلَى فرسه، وارتدف خلفه، وأخذ عامر الرمح فحمل عَلَى رَجُل منهم فجدلَّه، ثُمَّ أقبل نحو فرسه العقير وَقَدْ عار فلم يقدر عَلَيْهِ، فقالت امْرَأَة من بني جَعْفَر:
ما للوَجِيفِ نَصَلَتْ حوافرهْ ... وأَلْغِيَتْ فِي آرِهِ [2] مَشَافِرُهْ
كيف جرى بالأمس عزي جازره
وأسرت غطفان فِي هَذَا اليوم من بني عامر أربعة وثمانين رجلًا، فدفعوا إلى أشجع، فجعل عقبة بْن مُلَيْس- وبعضهم يَقُولُ: عقبة بْن أنيس بْن حُليس، والأول قول ابْنُ الكلبي- يَقُولُ: من جاءني بأسير فله فداؤه، وجعل يذبحهم حتَّى أتى عَلَى آخرهم، وغرم فداءهم فسمي مذبّحا.
__________
[1] لم يرد قوله هذا في ديوانه حتى يكمل ويضبط.
[2] الإرة: النار نفسها أو موضعها أو استعارها وشدتها، والأرى: ما لزق بأسفل القدر، وتأرى عنه: تخلف وبالمكان احتبس. القاموس.(13/218)
ومنهم: جارية بْن جُمَيْل بْن نشبة بْن قرط بِنْ قرَّة بْن نصر بْن دهمان، شهد بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ومن أشجع: نُبيط بْن شُريط [1] أَبُو سَلَمة بْن نبيط الفقيه.
ونُعيم بْن أَبِي هند الأشجعي، مات فِي ولاية خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري، ونعيم كوفي.
وسلمة بْن نُعيم الأشجعي روَى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «من لقي اللَّه لا يشرك بِهِ شيئًا دخل الجنة» ] .
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ من أشجع: زاهر الأشجعي، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «من يشتري مني العبد» .] قَالَ: إذًا يجدني سيدًا يا رسول الله.
ولأشجع حلف في بني هاشم.
وقَالَ: من أشجع: معقل بْن سنان، قدم المدينة فِي أيام عُمَر بْن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ، فسمع قائلًا يَقُولُ:
أعوذ برب النَّاس من شر معقلٍ ... إِذَا معقلٌ جاء البقيع مُرَجَّلًا
فَقَالَ عُمَر: الحق بباديتك، ثُمَّ عاد إلى المدينة بعد عُمَر، وكان مَعَ المهاجرين يَوْم الحرة فجيء بِهِ أسيرًا إلى مُسْلِم بْن عقبة المرِّي، فَقَالَ: أنت الَّذِي قلت حيث أتيت أمير المؤمنين: سرنا شهرًا، وحسرنا ظهرا، ورجعنا
__________
[1] بالأصل: «ابن نبيط بن شريط» وكلمة ابن الأولى زائدة فحذفت، ونبيط بن شريط من الذين شهدوا حجة الوداع، وروى الخطبة التي ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذاك. طبقات ابن سعد ج 6 ص 29- 30. طبقات خليفة بن خياط ص 95.(13/219)
صفرًا، اضربوا عنقه، فضربت عنقه، وكان أشجع ممن أعان عَلَى عثمان يَوْم الدار، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن أم الحكم:
وأمَّا لئام النَّاس أشجع فاغتدتْ ... وباقي اليهود لم يعينوا عَلَى غدر
ومن أشجع: عوف بْن مالك الأشجعي، كانت لَهُ صحبة، ويكنى أبا عَمْرو، ومات بالشام فِي أيام معاوية، وَيُقَال فِي سنة ثلاث وسبعين.(13/220)
نسب بني عَبْد اللَّه بْن غطفان
ولد عَبْد الله بْن غطفان: بُهْثَة بْن عَبْد اللَّه. وعُدْرَة. وغَنْم بْن عبد الله. وشباب بْن عَبْد اللَّه. ومْنبّه بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان.
فولد بُهثة:
عوف بْن بهثة.
فولد عوف: قطبة بْن عوف. وجُشَم بْن عوف. وكلب بْن عوف.
وباعث بْن عوف.
فولد قطبة بْن عوف: خُديج بْن قطبة. ومالك بْن قطبة وهو المُرَقّع الَّذِي قتل مسعود بن مصاد الكلبي يوم عُراعر، وكانت عبس ارتحلت تريد الشام بعد قتل حذيفة بْن بدر، فنزلوا بعُراعر، وهو ماء لكلب، ومعهم بنو عَبْد اللَّه بْن غطفان يومئذٍ فدفعتهم كلب، وخرج مسعودٍ سيد كلب فدعا إلى البراز، فبرز إِلَيْه الربيع بْن زياد، وكان طوالًا شجاعًا ضعيف البطش، وكان مَسْعُود جسيمًا قوي البطش، فاختلفا ضربتين فلم يعملا فِي السَّلاح وتعانقا، فصرع الكلبي الربيع فإنه ليريد ذبحه إِذَا زالت البيضة عن رأسه وبدا من عنقه قدر الدرهم، فرماه جحش بْن نصيب فقتله، وأفلت الربيع(13/221)
فاحتز رأسه، وظهرت بنو عبس عَلَى كلب فهزمتهم، ونازع الربيع جحشًا درع مَسْعُود وقاتله عليها فَقَالَ جحش:
فَسَائلْ ربيعًا إذ يجر برجِله ... من الغلمة الداعون عوفًا ومازنا
رَقَعْتُ عَلَيْهِ جَيْبَهُ بمرَشَّةٍ ... تعالج معبوطًا من الجوف آبِنَا [1]
وولد جشم بْن عوف: عدي بْن جشم. ومالك بْن جشم.
وزهرة بْن جشم، رهط عُقبة بْن كَلَدة بْن وهب بْن زهرة، كَانَ أحد السبعين أصحاب العقبة، وكان حليفًا لبني عوف بْن الخزرج، رهط أُبَيّ بْن سلول. وكان منزله المدينة، فشخص إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مكَّة، وقَالَ:
لا أتخذ دارًا غير دارك فلما أُذِنَ لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الهجرة هاجر إلى المدينة.
قَالَ الكلبي: هُوَ أحد من أكبَّ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد حين أصابه السهم فِي جبهته، فغاب إلَّا شَظيَّةً، فأكب عَلَيْهِ عقبة فنزعه، وسقطت ثناياه.
وغير الكلبي يَقُولُ: الَّذِي فعل ذَلِكَ سعد بْن أَبِي وقاص.
وولد مالك بْن جُشم بْن عوف: ضَبَّ بْن مالك. وثعلبة بْن مالك.
وحبيب بْن مالك.
وولد عدي بْن جُشم: عامر بْن عدي. وكعب بْن عدي، فولد كعب بْن عدي: حرام بْن كعب. والأبح بْن كعب. وكبير بْن كعب.
ورُويبة بْن كعب، وهو دارة القمر، سمي بذلك لجماله.
ومنهم: سالم بن دارة الشاعر.
__________
[1] أبن الدم في الجرح: أسود. القاموس.(13/222)
وقَالَ غير الكلبي: كَانَ اسم عَبْد اللَّه بْن غطفان عَبْد العزى فسماهم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بني عَبْد اللَّه، قَالَ: ودارة القمر أم سالم وعبد الرَّحْمَن ابني دارة وأبوهما مسافع، ودارة القمر من بني أسد، سميت بذلك لجمالها، فأمَّا سالم فكان شاعرًا وهو القائل:
أَنَا ابْنُ دارة معروف لها نسبي ... وهل بدارة يا للناس من عار
من فرع قيس وأخوالي بنو أسد ... من أكرم الناس زندي فيهم واري
وهجا سالم: ابْنُ واقع، وهو ثابت بْن واقع فَقَالَ:
ويحك يابن واقع ما أَنْتَا ... أنت الذي طلقت لما جعتا
فغضب له زُميل فضربه بالسيف، فقدم المدينة فمات فَقَالَ:
محا السيف ما قال ابن دارة أجمعا.........
وكان عبد الرحمن ابن دارة يُهاجي الميدان الأسدي، فَقَالَ فِيهِ:
يجوع الفقعسي فلا يُصلّي ... ويخرى فوق قارعة الطريق
فمات بالجزيرة فقال الميدان:
قتل ابْنُ دارة بالجزيرة سبنا ... وزعمت أنَّ سبابَنَا لا يقْتلُ
وولد عُذرة بْن عَبْد الله بن غطفان:
قدّ بن عذرة.
فولد قَدّ: خداش بْن قَدّ. ويربوع بْن قَدّ. وسَيَّار بْن قَدّ.
وقَالَ أَبُو اليقظان: من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان: أَبُو الفيض كَانَ عَلَى بيت المال وله عقب بالبصرة.
ومنهم بْنو جوشن، وكان عَبْد الرَّحْمَن بْن جوشن شريفًا، ولهم عدد بالبصرة، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
لعمرك ما ضَلَّتْ ضلال ابْنُ جوشن ... حصاة بليل أُلقيت وسط جَنْدَل(13/223)
ومنهم طَيْسَلَة كَانَ شاعرًا، وفيه يَقُولُ الفرزدق:
أطيسلِ لو أدركتَ أمك نكتَها ... ولكنها ماتت وأنت صغير [1]
وابنه شَمْعَلَة بْن طَيْسلة الَّذِي يَقُولُ لعبد العزيز بْن الوليد:
وأنت لليلى خير قيس ظعينة ... وليلى عدي لم تلدك الزعانف
وقَالَ الشَّاعِر يهجوه:
يا شَمْعَلُ ابْنُ أَمَةٍ يا شَمْعَلُ ... إن غذاء غطفان الفيشل
منها قُدَيْرَها ومنها تنشل
ومن بني عَبْد اللَّه بْن غطفان: ابْنُ أم صاحب الشَّاعِر الذي يقول:
لا يطعمون النوم إلا قُلَلًا ... ذَوْقًا لذوق الطير من ماء الوشل
ومن بني عَبْد اللَّه بْن المرقع: شوال بن المرقع، هجا رجلًا من فزارة فِي الجاهلية، فقتله.
ومن بني عَبْد اللَّه: مُرَّةَ الغطفاني قتل رجلًا من بني فزارة فقُدم ليقاد بِهِ فجعل يَقُولُ:
إني إِذَا الموت كَنَعْ ... أسعى إلى الموت أصَعْ
ليس من الموت جَزَعْ
ومنهم قَعْنَب الَّذِي يَقُولُ فِي الوليد بْن عَبْد الملك:
فقدت الوليد وأثقاله ... كمثل البعير أبى أن يبولا
__________
[1] ليس في ديوان الفرزدق المطبوع.(13/224)
ومن بني عَبْد اللَّه بْن غطفان: طُفيل العرائس [1] الَّذِي ينتسب إِلَيْه الطفيليون وهو كوفي.
ومنهم: عيينة بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن جوشن، فِي الطبقة الخامسة من المحدثين [2] .
ومن موالي بني عَبْد اللَّه بْن غطفان: أَبُو البلاد الكوفي الرواية، وله يَقُولُ الفرزدق ولقيه:
«يا لهف نفسي على عينيك من رجل ... »
__________
[1] بهامش الأصل: طفيل العرائس.
[2] ترجم له ابن سعد في الطبقة الرابعة من أهل البصرة- طبقات ابن سعد ج 7 ص 272(13/225)
نسب بَنِي أعصرُ بْن سعد بْن قيس بْن عيلان
ولد منبه، وهو أعصرُ بْن سعد: مالك بْن أعصر. وعمرو بْن أعصر. وهو غني، وأمهما مُليكة بِنْت ناشح بْن وادعة من هَمْدان.
وثعلبة بْن أعصر. وعامر بْن أعصر. ومعاوية بْن أعصر. وأمهم الطفاوة بِنْت جَرْم بْن ربَّان بها يعرفون، وكان من الطفاوة كُرْز وهو سيدهم، وله يَقُولُ الشاعر الأسود بن يعفر:
نبّئت كرز ابن الخبيث يَسبَّني ... كرز الطغام مَدَى العجان الأهلب
ومنهم: حسان بْن الصَّعق، كَانَ أيام بشر بْن مروان عَلَى الشرطة، وقَالَ الشَّاعِر:
إنَّ الطفاويِّ أخو اليَعْسوبِ [1] ... فِي كل حيٍ منهم نصيب
فولد مالك بْن أعصر:
سعد مناة بْن مالك، وأمه باهلة بِنْت صَعب بْن سعد العشيرة. ومعن بْن مالك، وأمه هند بِنْت شباب بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان.
__________
[1] اليعسوب: أمير النحل وذكرها، والرئيس الكبير.(13/227)
فولد معن: أود بْن معن. وجاوة بْن معن، وأمهما باهلة، خلف عليها معن بعد أَبِيهِ نكاح مقت. وشيبان بْن معن، وهو فَرّاص. وزيد بْن معن وهو لحيان. ووائل بْن معن. والحارث بْن معن وهو ليل. وحرب بْن معن. ووَهيبة بْن معن. وعمرو بْن معن، وأمهم أرنب بِنْت شمخ بْن فزارة. وقتيبة بْن معن. وقعنب بْن معن، وأمهما سودة بِنْت عَمْرو بْن تميم، فحضنتهم كلهم باهلة بِنْت صعب فغلبت عليهم.
فولد قُتَيْبَة بْن معن: الحارث بْن قُتَيْبَة. وغَنْم بْن قُتَيْبَة، وأمهم السوداء بِنْت أُسّيد بْن عَمْرو بْن تميم.
فولد غَنْم بْن قُتَيْبَة: ثعلبة بْن غنم. وكعب بْن غنم. وعبد بْن غنم وعمرو بْن غنم.
فولد ثعلبة بْن غنم: عَمْرو بْن ثعلبة.
فولد عَمْرو: ثعلبة بْن عَمْرو بْن ثعلبة. وسهم بْن عَمْرو. وعامر بْن عَمْرو.
منهم: عَمَّارة بْن عبد العزى بْن عامر بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن غنم بْن قُتَيْبَة، من ولد حاتم بْن النعمان بن عمرو بْن جَابِر بْن عَمّارة، وكان سيد أهل الجزيرة، وكان ابنه عَبْد العزيز سيدًا، وولى معاوية حاتم بْن النعمان أرمينية، ثُمَّ عَبْد اللَّه ابنه فمات بها فِي أول أيام يزيد، ثُمَّ ولى يزيد عبد العزيز بن حاتم أرمينية، فَرَمَّ مدنها وحَصَّنَها.
وقَالَ الواقدي: بنى عَبْد الملك بَرْذَعة عَلَى يد حاتم بْن النعمان أَوِ ابنه، وولى عُمَر بْن عَبْد العزيز أرمينية بعض ولد حاتم بْن النعمان، وروى أَبُو اليقظان أن حاتمًا فتح هراة أيام ولاية عَبْد اللَّهِ بْن عامر بْن كُريز خراسان،(13/228)
وذكر أن عَبْد العزيز بْن حاتم كَانَ عَلَى حرب قيس أيام قاتلوا بني تغلب، وكان يُقال لَهُ أَصَمّ باهلة، وكان عَبْد الملك بْن حميد كاتب أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين مولاهم.
منهم الأحدب بن عَمْرو بْن جَابِر، وهو الَّذِي أخذ عِفاق بْن مُرَيّ بْن سَلَمة بْن قُشير بْن كعب فشواه وأكله [1] فَقَالَ الشَّاعِر:
إن عِفاقًا أكلته باهلة ... تمششوا عظامه وكاهله
وتركوا أم عفاق تأكله
قَالَ ابْنُ الكلبي: وأكل ناس من هذيل جارًا لهم فِي سنة أصابتهم، وأكل ناس من فَرِير بْن عُنَين امْرَأَة من بني تميم جاورتهم، وأكل بنو عُذْرَة أَمَةٌ لهم.
قَالَ: ومن بني سهم بْن عَمْرو: سلمان بْن ربيعة بْن يزيد بْن عَمْرو بْن سهم بْن عَمْرو بْن ثعلبة بْن غَنْم بْن قُتيبة الباهلي، كان يُقال له سلمان الخيل وجهه عُثْمَان بْن عَفَّان رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ إلى أرمينية، وفتح بها فتوحًا كثيرة ولقي خاقان عظيم الخزر وهو فِي خيوله خلف نهر البلَنْجَر فقُتل فِي أربعة آلاف من المسلمين، وكان سلمان أول من استُقضي بالكوفة، فأقام أربعين ليلة لا يأتيه خصم، وروى عن عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ وفيه يَقُولُ ابْنُ جُمانة الباهلي:
إنَّ لنا قبرين قبرًا بلنجر ... وقبرًا بصين استان يا لك من قبر
__________
[1] بهامش الأصل: ناس أكلوا ناسا.(13/229)
يعني قبر قُتَيْبَة، وكان الَّذِي جاء بنعيه إلى عثمان قَرْظَة بْن كعب الْأَنْصَارِيّ، وكان سلمان وحبيب بْن مَسْلَمة وُجِّها فِي وجه لمحاربة العدو فتنازعا الإمارة، فَقَالَ بعض أهل العراق لأهل الشام وكانوا قَدْ هَمُّوا بسلمان:
إن تقتلوا سلمان نقتل حبيبكم ... وإن ترحلوا نحو ابْنُ عفان نرحل
وقَالَ أَبُو اليقظان: يُقال لقوم سلمان: الكواسجة، قَالُوا وعرض سلمان الخيل فَقَالَ لفرس مِنْهَا: هَذَا هجين، فَقَالَ عَمْرو بْن معدي كرب:
هُوَ عتيق، فدعا بطست فِيهِ ماء وسقى الخيل فثنى ذَلِكَ الفرس يده، وكذلك تفعل الهجن، فَقَالَ عَمْرو: إن الهجين يعرف الهجين، فبلغ ذَلِكَ عُمَر بْن الخطاب فَقَالَ لعمرو: بلغني ما قلت لأميرك، وعندك سيف تسميه الصَمْصَامة، وعندي سيف أُسميّه مُصَمَّمًا، فإن سَرَّك أن أضعه عَلَى رأسك حتَّى أبلغ جاعِرتك فَعُد. وكان سلمان يَقُولُ: مَنْ حَسُنَتْ مداراته النَّاس سَلَمَ منهم، وحَسُنَ عيشه معهم.
ومنهم أَبُو أمامة [1] صُدَيُّ بْن عَجْلان، صحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وروى عَنْهُ، وكان ممن توجه إلى الشام فِي أيام أَبِي بَكْر غازيًا، ومات فِي سنة ست وثمانين، وهو ابْنُ إحدى وتسعين سنة.
ومنهم: بَكْر بْن حبيب السهمي، ويكنى أبا سهيل، وولي السوس
__________
[1] بهامش الأصل: أبو أمامة الباهلي رحمه الله.(13/230)
لابن هبيرة، فدعاه إلى عمل دون السوس فأباه وقَالَ: العُنُوق بعد النوق [1] . ومات بالبصرة.
وكان عَبْد اللَّه بْن بَكْر بْن حبيب محدثًا، ومات ببغداد سنة سبع ومائتين.
وولد عَبْد بْن غنم: سعد بْن عَبْد بْن غنم. وعمرو بْن عَبْد بْن غنم. ومنقذ بْن عَبْد بْن غنم.
فولد سعد بْن عَبْد بْن غنم: أَعْيا. وصَحْب.
منهم: حَرِّي بْن جَزِي بْن رياح بن عَمْرو بْن عبشمس بن أعيا بْن سعد بْن عَبْد بْن غنم بْن قُتَيْبَة بْن معن. وابنه عَبْد الرَّحْمَن بْن حَرِّي بْن جَزِي بْن رياح، كَانَ سنان بْن سَلَمة بْن المحبق يوليه أمر السرايا بالهند، وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
ولولا طعانَي بالنّوقانِ ما رجعتْ ... منها سرايا ابْنُ حرِّيٍّ بأَسلاب
وقَالَ غير الكلبي: ولي عُبَيْد اللَّه بْن زياد: حَرّي بْن جَزي الباهلي ثغر الهند، ففتح اللَّه عَلَى يده، والأول أثبت.
ومنهم: دُريد بْن رياح بْن عَمْرو قتله رَدّاد بْن جوشن، من بني عَبْد اللَّه بْن غطفان فوثب مُظَهِّر بْن رياح عَلَى رَدّاد فقتله، فقالت الغطفانية:
__________
[1] مثل يضرب لمن كانت له حال حسنة ثم ساءت، والعناق: الأنثى من أولاد المعز.
وجمعه: عنوق، وهو جمع نادر، والنوق جمع ناقة، مجمع الأمثال للميداني ج 2 ص 12 (2417) .(13/231)
إنّا وباهلة بْن أَعصرُ بيننا ... دَأْبُ الضرير بغصّة وثِقاف
من يثقفوا منا فليس بآيب ... ابدًا وقتل بني قُتَيْبَة شاف
قتلت قُتَيْبَة فِي النوائب فارسًا ... لا طائشًا رَعْشًا ولا وَقَّاف
ومنهم: مُصَرِّف بْن الحجاج بْن أوفى بْن مالك بْن زَيْد بْن نضلة بْن صبح بن عبد الله بن عَمْرو بن عبد بْن غنم بْن قُتَيْبَة بْن معن.
ومن بني صَحْب: مالك بْن زُغْبَة بْن ربيعة بْن موهَبة بْن مرة بْن صحب بْن سعد بْن عَبْد بْن غنم بْن قُتَيْبَة بْن معن بْن مالك الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ:
بضربٍ كآذان الفَرَاءِ مهولةٍ ... وطعن كإيزاغ [1] المخاض ثبورها
ومنهم: حَجْل بْن نَضْلة بْن صُبْح بن عبد الله بن عَمْرو بن عبد كَانَ شاعرًا رئيسًا.
ومنهم: أَصْمَعْ بْن مُظهّر بن رياح بن عبشمس بن أعيا بن سعد بْن عَبْد بْن غنم، وهو أَبُو بني أصمع.
ومن ولده: عليّ بْن أصمع، كَانَ شريفًا، ونزل عَلَيْهِ خَالِد بْن عَبْد اللَّه بْن خَالِد بْن أسيد، حين قدم البصرة، وَقَدْ ذكرنا خبره فِي خبر الجفرة.
ومن ولده: عَبْد الملك بْن قُريب بْن عَبْد الملك بْن عليّ بْن أصمع الراوية.
وولد عَمْرو بْن غنم: قعنب بْن عَمْرو. وسواءة بن عمرو.
__________
[1] وزغت الناقة ببولها: رمته دفعة دفعة. القاموس.(13/232)
وولد وائل بْن معن: ثعلبة بْن وائل. فولد ثعلبة: سلامة بْن ثعلبة. وعوف بْن ثعلبة.
فولد عوف: عامر بْن عوف.
وولد سلامة: عُصَيَّة بْن سلامة. وعمرو بْن سلامة. وكعب بْن سلامة. وهلال بْن سلامة.
فولد هلال: كُراثة بْن هلال. وقُضاعي بْن هلال.
منهم: قُتَيْبَة بْن مُسْلِم [1] بْن عَمْرو بْن حصين بْن ربيعة بْن خَالِد بْن أُسيْد الخير بْن كعب بْن قضاعي بْن هلال،
وكان لأسيد الخير أخ يُقال لَهُ أسيد الشر، وكان مُسْلِم بْن عَمْرو خاصًا بيزيد بْن معاوية، وقيل أَنَّهُ كَانَ يُغَنِّيه فَقَالَ الشَّاعِر فِي قُتَيْبَة ويزيد بْن المهلب:
شَتَّانَ مَنْ بالصَّنْج أدرى وبالذي ... بالسيف قُدِّمَ والحروبُ تُسَعَّر
وكان قُتَيْبَة شريفًا عاقلًا، ولاه الحجاج خراسان، ففتح بها فتوحًا كثيرة، وغزا مغازي مذكورة، وفتح بخارى، وغزا السُغْد، وأذعن لَهُ أهل خوارزم، وكان مائلًا مَعَ الوليد بْن عَبْد الملك عَلَى سُلَيْمَان فِي الَّذِي أراد الوليد من خلعه وتقديم ابنه عَلَيْهِ، فلما ولي سُلَيْمَان خلعة قُتَيْبَة، فمالت عَلَيْهِ بنو تميم وغيرها فقتل، وَقَدْ ذكرنا خبره فِي كتاب البلدان وفي خبر وكيع بْن أَبِي سود التميمي.
وكان قُتَيْبَة يَقُولُ لولده: يا بنيَّ الزموا القناعة، فإن أوسع النَّاس غنًى أقنعهم بما قسم لَهُ، وعليكم بالشكر لله فإن أحق النَّاس بالزيادة فِي النعمة أشكرهم لما أوتي منها.
__________
[1] بهامش الأصل: قتيبة بن مسلم.(13/233)
وقَالَ قُتَيْبَة للحجاج حين ظفر بأصحاب ابْنُ الأشعث فأراد قتلهم:
إن اللَّه قَدْ أعطاك مَا تُحبّ من الظفر فأعطه ما تحب من العفو.
وقَالَ الشَّعْبِيّ: كنت بالري مَعَ قُتَيْبَة بْن مُسْلِم فتغديت معه، فقلت: اسقوني فَقَالَ لي: أي الشراب أحب إليك يا أبا عَمْرو؟ قلت:
أعز مفقود، وأهون موجود. فَقَالَ: اسقوا أبا عَمْرو ماءً.
وقَالَ قُتَيْبَة- وَيُقَال سلم ابنه: المعاتبة رائد العوف ومقدَّمَتُه، وقَالَ قُتَيْبَة، ويقال سلم ابنه: اعتذار مَعَ منع أجمل من وعد ممطول.
ومر قُتَيْبَة بكناسة فيها رماد وعظام وأقذار فَقَالَ: إن الَّذِي يبخل بما يصير آخره إلى هَذَا لبخيل.
وحدثني عَبْد اللَّه بْن صالح قَالَ: مر قُتَيْبَة عَلَى عَذرة فأمسك أنفه، وقَالَ: إن من يبخل بما يصير إلى هَذَا لبخيل.
وقَالَ قُتَيْبَة بْن مُسْلِم: أربعة متعرضون للهوان والاستخفاف: طَالِب الفضل من اللئام، والمفرط فِي الدالة عَلَى السلطان، والجالس فِي غير موضعه الَّذِي يؤهَل لَهُ، والمقبل عَلَى قوم بحديث وهم غير مستمعين لَهُ، ويروي ذَلِكَ عن حضين بْن المنذر، وهو عن قُتَيْبَة أثبت.
وتزوج قُتَيْبَة الزَّعُوم بِنْت إياس فَقَالَ حضين بْن المنذر: نعم المنكح هَذِهِ بخراسان، قَالَ: نعم، وبين الصفا والمروة.
وحدث قُتَيْبَة الحجاج قبل توليته إياه أَنَّهُ رَأَى كأن جملَا قَدِ اغتلم، فوثب بِهِ صبي منهم فقتله بشفرة، فلما ولي قُتَيْبَة أرسل عَبْد الملك رجلًا عَلَى خبر قُتَيْبَة فثقل عَلَى الحجاج مكانه فكتب إلى قُتَيْبَة: أما تذكر الجمل المغتلم فدس إِلَيْه قُتَيْبَة من قتله.(13/234)
وقَالَ قُتَيْبَة: من أراد نفسه عَلَى أكثر مما عنده من علم ومنطق افتضح.
وكان قُتَيْبَة إِذَا غزا حَضَّ النَّاس عَلَى الصبر، ونهاهم عن الغلول وقَالَ: إياكم والحرص وطماح الأبصار، وأظلفوا أنفسكم عن المحارم، فإن أفلح النَّاس حجة أغلبهم للحرص والشهوة.
وقَالَ قُتَيْبَة- وَيُقَال سلم بْن قُتَيْبَة، وهو عن قُتَيْبَة أثبت-: يا بنيَّ لا تدخلوا الأسواق فتدق أخلاقكم، ولا تمزحوا فيُسْتَخَف بكم، ولا تمشوا فِي العساكر فتصغروا عند أكفائكم.
وقَالَ قُتَيْبَة: إن رأيك لا يَتَّسع لكل شيء ففرِّغْهُ للمهم، وإن مالك لا يُغني النَّاس كلهم، فاخصص بِهِ أهل الحق.
وقَالَ قُتَيْبَة: البَرُّ الوصول من لم يجعل للبعيد حظ القريب، ولم يصل رحمًا بقطيعة أخرى.
وكان يَقُولُ: الدنيا بحذافيرها الخفض والدعة، وروي ذَلِكَ أيضًا عن معاوية رحمه اللَّه.
وكان يَقُولُ: المراء هُوَ من دواعي الشنآن، وكَانَ قُتَيْبَة يكنى أبا حَفْص.
وقَالَ أَبُو اليقظان ولي قُتَيْبَة الري للحجاج، وولي خراسان ثلاث عشرة سنة، وفتح خوارزم وسمرقند، وبخارى، وكانوا قَدْ كفروا، وقتل وهو ابْنُ خمس وأربعين سنة.(13/235)
وكان سَلْم بْن قُتَيْبَة [1] عاقلًا،
وَقَدْ ذكرنا خبره بالبصرة فِي كتابنا هَذَا.
المدائني قَالَ: قَالَ سلم بْن قُتَيْبَة- ويكنى أبا قُتَيْبَة: لا تستعينَنَّ عَلَى من تطلب إِلَيْه حاجة بمن لَهُ عنده طعمة فإنه لا يؤثرك عَلَى نفسه ولا بكذاب فإنه يباعد لَكَ القريب، ويُقّرب البعيد، ولا بأحمق فإنه يستفرغ مجهوده، ولا يبلغ لَكَ ما تريد.
المدائني عن أَبِي إِسْحَاق المالكي أن سلم بْن قُتَيْبَة قَالَ: ثلاثة أستقلُّ لهم عظيم ما بذلته من مكافأتهم: رَجُل قام عن مجلسه فأوسع لي، والمجلس غاصٌّ باهله، ورجل تَصَفَّحَ ثقاته فاختارني عليهم لحاجته، ورجل أسلفني ماله عند حاجتي إِلَيْه فصانني بِهِ.
وقالوا: قَالَ سلم بْن قُتَيْبَة- أَو أَبُوه قُتَيْبَة: ما من رَجُل إلا وأنا أقدر عَلَى مكافأته إلّا رَجُل خرج من بيته يخوض أقطار البصرة حتَّى أتاني فِي منزلي، فآنسني بحديثه.
قَالَ المدائني: وأتى سَلمًا قوم من أهل الكوفة، فقالوا لَهُ: يا أبا قُتَيْبَة أتيناك فِي حاجة ليست عليك فيها مؤونة ولا مَرْزِيَّة، ولا تعلو لَكَ ظهرًا، فَقَالَ: هَذِهِ من أبغض الحوائج إليَّ. ما أحب أن أسأل إلّا ما يثقل محمله وتعظم مَرْزيَّتْه. ثُمَّ سألوه حاجتهم فقضاها وقَالَ: لكم الفضل فيها إذ قصدتم إليّ بها.
__________
[1] بهامش الأصل: سلم بن قتيبة.(13/236)
وتكلم رَجُل كلامًا حسنًا فحسده بعض من حضر، فَقَالَ: هَذَا كَلام تعلمُه فَقَالَ سلم: قَدْ أَحْسَن من سَمِعَ كلامًا حسنًا فحفظه ثُمَّ أداه فِي موضعه.
وقَالَ سلم: ما أتاني رَجُل ثلاث مرات مسلّمًا لا يسألني حاجة فدريتُ ما مكافأته.
وقَالَ سلم: لا أعُدُّ الرجل عاقلًا ما لم يكن رفيقًا.
وكان سلم يَقُولُ: ربما طويت سري عن صديقي ونفسي مخافة أن ينتقل عن مودتي فيذيعه عني.
وحدَّثني الأثرم قَالَ: قَالَ سلم بْن قُتَيْبَة: بلغني أن غراب بْن ظالم بْن فزارة قَالَ لولده: لا تأمنن صَدْر امْرَأَة، ولو كانت أمك، ولا تأمنن عَلَى سرك غيرك، وأنا أقول لا تأمنن عَلَيْهِ أباك، فربما أفشى الشفيق سرك مُسْقطًا.
وحدَّثني مُحَمَّد بْن الأعرابي عن سَعِيد بْن سلم قَالَ: كَانَ سلم ينشد هَذَا البيت كثيرًا، فلا أدري أهو لَهُ أم لغيره:
ومن أسوأ الظلم قذف البريء ... وحمُلك ذنبًا عَلَى مُعْذِرِ
وكان سلم يَقُولُ: من أَنِفَ من قول لا أدري تكَلَفَّ الكذب، وتعرض للهزؤ والاستخفاف.
وكان سلم يَقُولُ: زَيِّنْ ما علمتَ بتركك ادعاء ما لم تعلم.
وَحَدَّثَنِي ابْنُ الأَعْرَابِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمٍ قَالَ: لَبَسَ أبي ثوب خز موجّه انفق عليه مال، فَجَعَلَ وُجُوهُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ: هَذَا إِسْرَافٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ(13/237)
أَنَّهُ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَعَلَيْهِ مِطْرَفُ خَزٍّ لَمْ يَرَ مِثْلَهُ. فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ «إن اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُهَا» ] .
وقَالَ سَلْم: إِذَا أقبل الأمر أَعْيَتِ الحيلة فِي إدباره، وإذا أدبر أعيت الحيلة فِي إقباله.
وروي عن سَلْم بْن قُتَيْبَة، وعن ابْنُ ضبارة أيضًا أَنَّهُ رَأَى رجلًا يُسَارُّ رجلًا فِي المجلس فيكثر فَقَالَ: إني لأعُدُّهُ مأفونًا لكثرة سراره فِي المجلس.
وقَالَ سلم: من مَطل معروفه حتَّى يكدّ صاحبه فِي طلبه فقد أخذ ثمنه.
وقَالَ سَعِيد بْن سلم: قَالَ لي أَبِي: لا تستحي من المسألة عما جهلت، فإن من رقَّ وجهه رق علمه.
وقَالَ سلم: أول دناءة الحرص تأميل البخيل.
وقَالَ سلم، أَوْ قُتَيْبَة: الصبر عَلَى كتمان السر أيسر من الندامة عَلَى إفشائه.
وروي عن سلم أَنَّهُ قَالَ: وجدت اللجاجة أقل الأشياء منفعة وأضرها فِي العاقبة ووجدت أنكد العيش عيش الحسود.
وقَالَ سلم، وَيُقَال أَبُوهُ: لا تكمل مروءة مَعَ اتباع الهوى، فإن الهوى كمين غير مأمون.
وقَالَ سلم: من المروءة الصبر عَلَى مناجاة الرجال. وكانت أم سَلْم بْن قُتَيْبَة أم ولد.
وولد قُتَيْبَة غير سلم: قطن بْن قُتَيْبَة لأم ولد.(13/238)
والحجاج. وعبد الرَّحْمَن. ومسلمًا. وكثيرًا. وصالحًا، أمهم الزعوم بِنْت إياس بْن سَعِيد بْن هانئ بْن قبيصة.
وعمرًا لُأمِّ ولد. ويوسف لأم ولد.
فأمَّا سَلْم فولي البصرة لابن هبيرة ثُمَّ للمنصور أَبِي جَعْفَر، ومات بالري.
وكان سَعِيد بْن سلم شريفًا،
ولي أرمينية، والموصل، والسند، وطبرستان، وغير ذَلِكَ من قبل بني الْعَبَّاس، وَقَدْ ولي إخوته الولايات أيضًا.
وكان محمد بن الاعرابي الراوية مَعَ سَعِيد بْن سلم مؤدبًا لولده.
وقتل مَعَ قُتَيْبَة أخوه صالح بْن مُسْلِم، وأخوه عَبْد اللَّه بْن مُسْلِم، وزياد، وكان لَهُ من الأخوة غير هَؤُلَاءِ: عَبْد الرَّحْمَن بْن مُسْلِم، وله عقب بخراسان. وحماد بْن مُسْلِم. ورزيق بْن مُسْلِم كَانَ يخلفه بباب الحجاج.
وعمرو بْن مُسْلِم، ولي ابنه وابن ابنه البحرين لأبي جَعْفَر أمير المؤمنين.
ويزيد بْن مُسْلِم كَانَ عَلَى شرط مُسْلِم بْن قُتَيْبَة. ومعبد بْن مُسْلِم يُقال أَنَّهُ قتل مَعَ قُتَيْبَة. وحصين بْن مُسْلِم.
وقَالَ أَبُو اليقظان كَانَ مُسْلِم بْن عَمْرو أَبُو قُتَيْبَة بْن مُسْلِم أثيرًا عند يزيد بْن معاوية،
وكان يكنى أبا صالح وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
إِذَا ما قريش خلا ملكها ... فإن الخلافة فِي باهلة
لِرَبِّ الحَرُونِ [1] أَبِي صالح ... وما تلك بالسّنّة العادلة
__________
[1] بهامش الأصل: الحرون فرسه.(13/239)
فولد مُسْلِم: بشارًا. وزيادًا. وعبد الكريم. وقتيبة.
ومنهم: المنتشر بْن وهب بْن عجلان بْن سَلَمة بْن كراثة بْن هلال،
كَانَ شريفًا ورثاه أعشى باهلة فِي قصيدته التي يَقُولُ فيها:
إمَّا سلكت سبيلًا كنتَ سالكَها ... فاذهْب فلا يُبعدَنْكَ اللَّه مُنْتَشرُ
ويقول فيها.
قَدْ تَكظم البُزْلُ مِنْهُ حين تُبصرُهُ ... حتَّى تقطّعُ فِي أَعناقها الجُررُ
وقتله بنو الحارث بْن كعب، وكان المنتشر يعدو عَلَى رجليه، ويفعل كما كَانَ سليك يفعل أحيانًا، ويُغير أحيانًا فِي جموعه، وكان المنتشر يغاور أهل اليمن، فقتل مُرَّة بنُ عَاهَان الحارثي فقالت نائحته:
يا عينُ بَكيِّ بِشَجْوٍ لابن عاهانا ... لو كَانَ قاتله من غير مَن كانا
لو كَانَ قاتُلُه قومًا ذوي حَسَبٍ ... لكن قاتله بَهْلُ بْن بَهْلَانا
وأسر رجلًا من بني الحارث يُقال لَهُ صَدَاءَة. ثُمَّ قَالَ لَهُ: افْدِ نفسك فتلكأ، فَقَالَ: والله لا يدر شارَقَ [1] إلا قطعت منك مفصلًا فقطعه أنملة أنملة، وعضوًا عضوًا حتَّى أتى عَلَى نفسه فسمت بنو الحارث المنتشر مُجدِّعًا، فطلبوه فلم يقدروا عَلَيْهِ، ثُمَّ إنه حج إلى ذي الخلصة وهو بيت بالعَبْلاء [2] كانت خثعم ومن يليهم من قيس وغيرهم يحجونه، وهو اليوم موضع مسجد العبلاء، فَدَلَّ قوم من بني عَمْرو بْن كلاب اجتعلوا من بني الحارث جعلا،
__________
[1] بهامش الأصل: يريد باهلة.
[2] من أرض تبالة. معجم البلدان.(13/240)
ودلوهم عَلَيْهِ فانتهوا إلى ربيئته [1] وهم نيام، فجاوزوهم إليه، وهو نائم، فأخذوه سلمًا، فقطعوه كما فعل بصاحبهم.
ولقي أعشى بأهله رجلًا فَقَالَ لَهُ: هَلْ من خائبة خبر؟ فَقَالَ: نعم قطع المنتشر بْن وهب، وحَدَّثَهُ حديثه فَقَالَ:
إني أتاني شيءٌ لا أُسَرُّ بِهِ ... من عَلو لا عجب فِيهِ ولا سخرَ
وهي أبيات كثيرة يَقُولُ فيها:
لا يأمن النَّاس مَمْسَاهُ ومَصْبَحَهُ ... من كل أَوْبٍ فإن لم يَغْزُ يَنْتَظر
قَدْ تكظُم البُزْل مِنْهُ حين تَنْظُرهُ ... حتَّى تقطع فِي أعناقها الجرر
لا يغمز الساقَ من أَيِّن ومن وَصَبٍ ... ولا يَعَضُّ عَلَى شُرسُوفه الصَفِر [2]
تكفيه حَرَّةُ فلذاتٍ أَلَمَّ بها ... من الشواء ويكفي شربه الغُمَرُ
من ليس فِي خيره شرٌ يُكَدِّرُهُ ... عَلَى الصديق ولا فِي صفوه كدر
وقَالَ أَبُو اليقظان: قتل حجل بْن نضلة رجلًا فِي الجاهلية يُقال لَهُ:
عَمْرو بْن عاهان [3] فقالت باكيته:
يا عين بَكيِّ عَلَى عمرو بن عاهانا ... لو كَانَ قاتله من غير مَن كانا
وقَالَ: وكان منتشر من بني سَلَمة أحد بني وائل، والأول أثبت، وهو قول الكلبي.
قَالَ الكلبي: ومن بني سلامة: أدهم بْن محرز بْن أسيد بْن أخشن بْن رياح بْن أَبِي خَالِد بْن ربيعة بْن يزيد بن عمرو بن سلامة،
وهو
__________
[1] الربيئة: الطليعة. القاموس.
[2] الصفر: الجائع. القاموس.
[3] بهامش الأصل: ولكن منتشرا أسر صلاءة الحارثي.(13/241)
فيمن أَمَدَّ بِهِ عُبَيْد اللَّه بْن زياد حصين بْن نمير لمحاربة التوابين يَوْم عين الوردة، وهو القائل:
لما رأيتُ الشيب قَدْ شان أهله ... تَفَتَّيْت وابتعتُ الشباب بدرهم
ولم يقل قط بيتًا غيره.
وابنه مالك بْن أدهم بْن محرز، كَانَ من صحابة أمير المؤمنين أَبِي جَعْفَر المنصور، وكان عالمًا فصيحًا.
وقَالَ غير الكلبي: كَانَ أدهم أثيرًا عند الحجاج، وأقطعه دار عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد الرَّحْمَن بْن زياد لخروجه مَعَ ابْنُ الأشعث، وأنَّه قتل معه.
ودخل عَلَى الحجاج وهو أَشْيبَ فأمره بالخضاب فاختضب، وقَالَ هذا البيت:
لما رَأَيْت الشيب قَدْ شان أهله ...
وقَالَ الكلبي: ومن بني سلامة أيضًا: الأعشى أعشى باهلة، وهو عامر بْن الحارث بْن رياح بْن أَبِي خَالِد بْن ربيعة بْن زَيْد بْن عَمْرو بْن سلامة بْن ثعلبة بْن وائل بْن معن الشَّاعِر.
وولد عَبْد ليل بْن معن: عَبْد كعب وهم قليل.
وولد عَمْرو بْن معن: عدي بْن عَمْرو.
فولد عدي: عُلَيم بْن عدي. وعبد بْن عدي.
فولد عَبْد: جَابِر بْن عَبْد. وخلف بْن عَبْد. وزبَّان بْن عَبْد وَيُقَال ذبّان.
وولد عُلَيم بْن عدي: كُليب بْن عليم.
فولد كليب: جُندب بْن كليب. ووهب بْن كليب.(13/242)
فولد جندب: عدي بْن جندب. ونُبيشة بْن جندب.
فولد نُبيشة: معاوية. وعبد العزى. وعبد اللَّه.
فولد معاوية بْن نبيشة: مطهّر جد بَكْر بْن معاوية صاحب ديوان الجند، وكَانَ بَكْر من قواد أَبِي جَعْفَر. وعلقمة بْن معاوية.
وولد وهب بْن كليب: جوَّية. وربيعة.
وولد أَوْد بْن معن: عدي بْن أود. وسعد بْن أود. وكعب بْن أود.
منهم: الحارث بْن حبيب، الَّذِي عَمَّرَ فَقَالَ:
أَلَا هَلْ شبابٌ يُشتري برغيب ... يدَلُّ عَلَيْهِ الحارث بْن حبيب
وولد فَرَّاص بْن معن: عَبْد بْن فَرّاص. وحزام بْن فَرَّاص. وولد جاوَه بْن معن: عينان. وحُمَيْس. وغيلان.
فمن بني فَرّاص: مُطَرِّف بْن الكاهن وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولًا لقومه فكتب لَهُ رسول الله.
ومنهم عَمْرو بْن أحمر [1] العَمَرَّد بْن عامر بْن عَمْرو بْن عَبْد بْن فراص بْن معن بْن مالك بْن أعصر الشَّاعِر
وكان أعور وسُقي بطنه فَقَالَ:
شربتُ شكاعي [2] والتددت أَلَدَّةً [3] ... واقبلتُ [4] أطراف العروق المكاويا
__________
[1] بهامش الأصل: ابن أحمر الشاعر.
[2] شكع: كثر أنينه، وتوجع، والشكاعي: من دقّ النبات، نافع من الحميات العتيقة، واللهاة الوارمة، ووجع الأسنان. القاموس.
[3] اللدود: ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم. القاموس.
[4] القبلة: ما تتخذه الساحرة لتقبل به الإنسان على صاحبه، ووسم بأذن الشاة مقبلا.
القاموس.(13/243)
وكان قدم الجزيرة فاستوبأها، وأقام بقرقيساء أشهرًا، وبها قَالَ:
ألا قَلَّ خَيْسُ الدهر كيف تَغَيَّرا ... فأصبحَ يَرمي الناسَ عن قَرْن أَعْفَرا
وقَالَ الحرمازي: شهد ابْنُ أحمر بعض أمر قيس بالجزيرة وكان مَعَ زفر بقرقيسياء مدة يسيرة.
وقَالَ أَبُو اليقظان: ومن باهلة: مُسْلِم بْن الشَمِرْدَل، الَّذِي دخل عَلَى بلال بْن أَبِي بردة فجلس متربعًا بين يديه، فَقَالَ لَهُ: لقد جلستَ جلسة بغيّ قَالَ: إنك لعالم بجلوسهنَّ. قَالَ: يابن اللخناء. قَالَ: بل أنت.
قَالَ: ومن باهلة ثُمَّ من بني سهم: المستورد بْن قدامة، وكان من الَّذِينَ شهدوا عَلَى نسب زياد أيام معاوية.
ومن بني سهم: حَيَّان بْن يزيد الَّذِي قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِي: إن باهلة كانت كراعًا فجعلناها ذراعًا، قَالَ: ألا أدلك عَلَى المرء من باهلة عَكٍ وأخلاطها من الأشعريين فغضب أَبُو مُوسَى رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ:
يا سَابَّ أميره.
قَالَ: ومن باهلة ثُمَّ من بني عَمْرو بْن عَبْد: حَجْل بْن نضلة، كَانَ شريفًا فِي الجاهلية، وعرض ابنه شبيب عَلَى أبي مُوسَى وهو شيخ فَقَالَ: أنت بالٍ عَلَى بال، فَقَالَ شبيب بْن حجل بْن نضلة:
رآني الأشعريَّ فَقَالَ بالٍ ... عَلَى بال ولم يعلم بلائي
ومثلك قَدْ كسرت الرمح فِيهِ ... فآب بدائه وشفيت دائي
ومن بني عَمْرو بْن عَبْد: قُرَّة بْن حيّان، صاحب قنطرة قُرَّة بالبصرة، وكان من وجوه قومه.
قَالَ: ومن مواليهم: عُبيد الصَيد الصيرفي.(13/244)
قَالَ: وكان عليّ بْن أصمع الباهلي، يقرأ الكتب عَلَى منبر البصرة.
ووجَّه بنو عَقيل مولى لهم يقال له زياد ليمتار لهم، فأتاهم ولم يَمْتَرْ لَهْم، فسألوه عن أخبار أهل البصرة فحدثهم أن عليّ بْن أصمع تزوج امْرَأَة من بني عامر بْن صعصعة، فَقَالَ شاعرهم:
بعثنا زيادًا مائرًا ليميرنا ... فما جاءنا إلّا بصهر ابْنُ أصمعا
قَالَ: ومن بني قُتَيْبَة من باهلة: حاتم بْن حُمران، ولي بعض أمر البصرة فمنع إبلًا للفرزدق من الرعي فَقَالَ:
وتمنع إبْلي أن تَجُوز إلى الحمى ... وأنت تُجيز الحُمْر يا عَبْد حاتم
قرابته شرط ابْنُ حُمرانَ دُونَها ... إِذَا نفذت قامت عَلَيْها المآتم [1]
قَالَ: ومن باهلة: بنو حَبيب بْن زَيْد، يذكرون أنهم من بني الأعرج، قَالَ شاعرهم:
فإن تَكُ عن نسبي غافلًا ... فإني امرؤ من بني الأعرج
ومنهم خُلقتُ ومنهم أَبِي ... كما لَزَّتِ العُنْقُ بالمنسج
فشخص هَذَا الشَّاعِر إلى قُتَيْبَة بخراسان، فَقَالَ لَهُ: ألم تزعم أنك من بني الأعرج من تميم؟ فَقَالَ إنَّما قلت:
فإن تك عن نسبي غافلا ... فإني امرؤ من بني وائل
ومنهم خلقت ومنهم أَبِي ... كما لزَّت العنق بالكاهل
ومن باهلة: عَبْد الرَّحْمَن بْن منقذ، كَانَ مَعَ مروان بْن مُحَمَّد من خاصته، فقتل بالخشب ليلة قتل مروان.
__________
[1] ليسا في ديوانه المطبوع.(13/245)
قَالَ: وكان سلمان بْن ربيعة من الكواسجة، وقتل عَلَى بلنجر.
قَالَ: ومنهم سلمان بْن أَبِي زُهَيْر خال قُتَيْبَة بْن مُسْلِم وفيه يَقُولُ الشَّاعِر:
أليس من الخير لو تعلمين ... سُرادق سلمان من باهلة
ومن باهلة: حجاج بن الفرافصة، كان عابدا وقضى ابْنُ لَهُ عَلَى جنديسابور.
قَالَ: ومن وائل باهلة: سحبان وهو الذي أوفد إلى معاوية، فتكلم فَقَالَ معاوية: أنتَ السحّ [1] ، فقال: أي والله وغير ذلك، فقال سحبان:
لقد علم الوفد العراقيَّ أنني ... إِذَا قيل عند الباب أني خطيبها
وذكر حميد الأرقط: وابنه عجلان بْن سحبان، وهو الَّذِي يَقُولُ لطلحة الطلحات بسجستان:
منك العطاء فأعطني ... وعليَّ شكرك فِي المشاهد
قَالَ: ومن وائل باهلة: الخطيم الخارجي واسمه يزيد.
ومنهم قاتل بشر بْن أبي خازم بسهم، فَقَالَ بشر:
وإن الوائلي أصاب قلبي ... بسهم لم يكن يكسى لغابا [2]
وَيُقَال إن الَّذِي قتله من بني صعصعة.
قَالَ: ومن بني جاوة: مُطْرِف بْن سَيدان كَانَ مصعب بعثه إلى عُبَيْد اللَّه بْن ظبيان، وهو بالأهواز، فقتله ابْنُ ظبيان، وَقَدْ ذكرت خبره فِي
__________
[1] السح: الدائم الصب والهطل بالعطاء. النهاية لابن الأثير. وتقدم هذا الخبر في ص 1986.
[2] ديوان بشر بن أبي خازم ص 25.(13/246)
كتاب البلدان، وفي أيام المصعب بْن الزُّبَيْر، وله عقب بالبصرة [1] .
ومنهم: مُضارب بْن عُبَيْد اللَّه كَانَ يخلف صاحب الشرطة.
ومنهم: عطية بْن عمار، كانت ابنته أم عبّاد عند عدي بْن أرطاة.
ومن بني فَراص: المثلّم دَسَّتْ إِلَيْه الخوارج فقتلوه، فَقَالَ أَبُو الأسود:
آليتُ لا أَمشي إلى رب لقحةٍ ... أساومه حتَّى يؤوبَ المثلم
وقَالَ لَهُ حمراءَ كوماءَ جَلْدَة ... وقاربَه فِي السَّوْم والغدر يكتم [2]
ومنهم: عَبْد الملك بْن جُمانة كَانَ شاعرًا، وهو القائل لقتيبة:
أم كيف يرجوك البعي ... د وقد أضعت له قريبك
__________
[1] انظر البلدان- تحقيق سهيل زكار ص 428.
[2] ديوان أبي الأسود الدولي ص 151- 152 مع فوارق.(13/247)
نسب غَني
وولد غني بْن أَعصرُ:
غَنْم بْن غني. وجعدة بْن غني، وأمهما دُحام بِنْت تغلب بْن وائل بْن قاسط.
فولد غنم: جِلّان بْن غَنْم. وبُهثة بْن غنم. وعمرو بْن غنم فأما بهثة فهم بالجزيرة والكوفة.
فولد جِلّان بْن غنم: كعب بْن جلان. وعتوارة بن جلّان.
فولد كعب: زبان بْن كعب. وعامر بْن كعب. وعوف بْن كعب فِيهِ العدد. وعويف بْن كعب، وأمهم أميمة بِنْت جشم بْن عوف بن ة بْن عَبْد اللَّه بْن غطفان.
فولد عوف بْن كعب: سعد بْن عوف، وأمه ابْنَة رأس حجر الجرمي، وَيُقَال إنه سعد بْن سعد بْن رأس الحجر الجرمي، ورأس حجر أوس بْن شَمِيس بْن طَرود بْن قُدامة بْن جَرْم. وقَالَ عَبْد بْن شَمِيس الجرمي:
أصبح سعدٌ رفدةً لابن أعصر ... غنيّ فلا يهنأ لها ذَلِكَ الرفد
وكنت غلامًا من قُدامة ماجدًا ... نَأَيتَ وما أناكَ قَفْرٌ ولا بُعْدُ
يعني قدامة بْن جرم.(13/249)
فولد سعد: عَبِيد بْن سعد. وعِتريف بْن سعد. ومالك بْن سعد، وأمهم سُلامة بِنْت عامر بْن كعب بْن جلان، إليها ينسبون. وثعلبة بْن سعد. وصُرَيم بْن سعد، وأمهما الفَهْميَّة.
فولد عَبيد بْن سعد: هلال بْن عَبيد. وخويلد بْن عُبَيْد وَقَدِ انقرضوا.
ومنهم: خِشرم بْن عامر، أَسَرَتْهُ بنو نمير، وذكره الراعي عُبيد بْن حَصين [1] ، وفُدِيَ بفداء كبير. وسالم بْن عُبَيْد. وخُرْشُبة بْن عَبيد.
فمن بني عَبْد قيس: النَدامي بْن عَبْد اللَّه بْن عُميلة بْن طريف بْن خُرْشُبة بْن عبيد، قتلته طيّئ، ورثاه طفيل الغنوي فَقَالَ:
ومن قيسٍ الثاويْ برَمَّانَ بيتُه ... ويوم عُقيل فَادَ [2] آخر معجب
وكان قيس هَذَا وفد إلى بعض الملوك، فَقَالَ: لأضعنَّ تاجي عَلَى رأس أكرم العرب، فوضع تاجه على رأسه، ثم أذن له في الانصراف فلقيته طيّئ برمان وهو منصرف ومعه ما حباه بِهِ الملك، فقتلوه ثُمَّ عرفوه فندموا فدفنوه وبنوا عَلَيْهِ بناءً. ومنهم الطَبيخ، واسمه عامر بْن معبد بْن كيشم قتل يَوْم الجمل مَعَ علي بن أبي طالب عليه السلام.
__________
[1] انظر ديوان الراعي ص 255 قوله:
بكى خشرم لما رأى ذا معارك ... أتى دونه والهضب هضب البهائم
[2] بهامش الأصل: فاد أي مات: وفي معجم البلدان: رمان: جبل في بلاد طيّئ في غربي سلمى أحد جبلي طيّئ. انظر هذا البيت مع ترجمة طفيل الغنوي في الأغاني ج 15 ص 349- 355.(13/250)
ومنهم: كناز بْن مرثد [1] بْن حصين بْن يربوع بْن طريف بْن خُرشبة بْن عَبيد، حليف حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ،
شهد بدرًا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الواقدي: لما أسلم حمزة أسلم كناز أَبُو مرثد، وكان تِربًا لحمزة، وكان طوالًا كَثِير شعر الرأس، وشهد يَوْم بدر، وأحد، والخندق والمشاهد كلها، ومات فِي المدينة قديمًا فِي أيام أَبِي بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ سنة اثنتي عشرة، وهو ابْنُ ست وستين سنة، وأسلم ابنه مرثد وشهد بدرًا عَلَى فرس يُقال لَهُ السَّيْل، وشهد يَوْم أحد، وقتل يَوْم الرجيع شهيدًا، وهو أمير السرية، وذلك فِي صفر عَلَى رأس ستة وثلاثين شهرًا من الهجرة، ونزل مرثد وأبوه بالمدينة حين هاجرًا عَلَى كلثوم بْن الهدم، وَيُقَال عَلَى سَعْد بْن خيثمة، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَبِي مرثد وبين عبادة بْن الصامت، وآخى بين ابنه وبين أوس بن الصامت.
والرجيع ماء الهذيل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مرثدًا وعاصم بْن أَبِي الأقلح إلى ماء هناك فِي صفر سنة أربع لقبض صدقات هذيل، وتفقيههم في الدين لا دعائهم الْإِسْلَام عَلَى سبيل المكيدة، فلما صار المسلمون إليهم غدروا بهم، وقتلوهم فَقَالَ الشَّاعِر:
أَبُو مرثد منا المطيَّب وابنه ... الشهيد وسلمان الأمير وحاتم
سلمان بْن ربيعة الباهلي، وحاتم بْن النعمان الباهلي.
__________
[1] بهامش الأصل: أبو مرثد كناز وابنه رضي الله عنهما.(13/251)
ومن بني سالم بْن عَبيد: كعب بْن سعد، ونافع بن خليفة الشاعران، وهما قتلا نسيب بْن سالم النميري بأَهْوَى، وأهوى موضع.
وعمير بْن الجدري، ومكنف بْن ضمضم وكان من فرسان غني بالجزيرة.
ومن بني هلال بن عُبَيْد: رياح بْن الأشل قتل الحُصَيْنَين من عبس فِي الحرب التي كانت بين عبس وغني بسبب قتل شاس بْن زُهَيْر بْن جذيمة العبسي، وابن أخي رياح هَذَا قتل شاسا، رماه بسهم وقد ذكرنا خبره.
ومنهم: الخِمس بْن ربيع بْن هلال كانت بنو عامر ويقال هوازن كلها تَسْلي لَهُ السمن، وتعطيه الخرج بعد رَجُل من تميم يُقال لَهُ عُزَيّ بْن جَروة بْن أُسَيْد قتله ذو العُبْرة ربيعة بن الحريش بْن كعب بْن ربيعة بْن عامر بْن صعصعة، والعُبْرة خرزة كَانَ يلبسها تُشَبَّهُ بتاج الملوك، وكان التميمي قبل قتله يأخذ الأتاوة من هوازن ويتملك عليها، قَالَ طفيل الغنوي وَيُقَال رياح بْن الأشلّ الغنوي وذلك قول الأصمعي:
بني عامرٍ لا تُخْبِرُوا الناسَ فخركم ... مَتَى تَنْشُرُوه فِي الكرام تُكَذَّبُوا
فإنكم لا تنصبون خطيبكم ... ولا تطعمون الزاد حتى تؤنبوا
فنحن ربعنا قبل قيسا وأسهلت ... لكم خيلنا ما لم تكونوا لتقربوا
ونحن منعناكم تميمًا وأنتمُ ... سوالي ألا تُحْسِنُوا السَّلَّ تُضربوا
ونحن حبسناكم حفاظًا عليكم ... وكنتم أناسًا قَدْ رحلتم لتذهبوا
فلما خشينا أن تصيروا لغيرنا ... نفينا الأعادي أن تُضاموا وتُحربوا
وولد مالك بْن سعد بْن عوف بْن كعب بْن جلان: ضَبيس بْن مالك. ومضابس بْن مالك. وحرب بْن مالك. وحبيب بْن مالك.(13/252)
منهم: طُفيل الخيل الشَّاعِر ابْنُ عوف بْن خلف بْن ضَبيس بْن مالك بْن سعد، وكنية طفيل أَبُو قُران.
وقَالَ الأصمعي: هُوَ أكبر من النابغتين، وليس من قيس فَحْلٌ أَقْدَمُ من طفيل.
وكان معاوية يَقُولُ: خلّوا لي طفيلًا ولكم الشعراء.
وولد ثعلبة بْن سعد بْن عوف بْن كعب بْن جلان: يربوع بْن ثعلبة.
وكعب بْن ثعلبة.
منهم: قيس بْن حجوان بْن مطيع بْن كعب بْن ثعلبة بْن سعد، قاتل عَمْرو بْن الأسلع المرادي يَوْم فيف الريح [1] حين اجتمعت بنو الحارث بْن كعب، وجُعْفَي وزبيد، وقبائل سعد العشيرة، ومراد، وصداء، ونهد فأغاروا عَلَى بني عامر ومعهم غني فقئت عين عامر بْن الطفيل، وقَالَ بعضهم قتل عَمْرو بْن الأسلع فِي يَوْم غير هَذَا والله أعلم.
ومن ولده: عليّ بْن الغدير بْن نصر بْن قيس بْن حجوان الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ:
وإذا رَأَيْت المرءَ يَشْعَبُ أمره ... شِعَبَ العصا ويلحُّ فِي العصيان
فاقصد لما تعلو فمالك بالذي ... لا تستطيع من الأمور يدان
ويقول أيضًا:
وَخَلِّ قريشًا تَقْتَتِل إن مُلْكَهَا ... لها وعليها بِرُّهَا وأَثامها
وإن وسَعَتْ أحلامُها وسعَتْ لها ... وإن عجزتْ لم تَدْمَ إلا حِلَامُها
__________
[1] انظر النقائض ج 1 ص 469- 472.(13/253)
وقَالَ فِي مُحَمَّد بْن مروان بْن الحكم فِي أبيات لَهُ:
ألا أبلغا عني الأمير محمدًا ... وهل مُبْتَغٍ عُتْبَاكَ إلا لتعتبا
وقَالَ فيها:
وهَلْكُ الفتى ألا يُراحَ إلى الصبا ... وألا يرى شيئًا عجيبًا فيعجبا
ومنهم: الحارث بْن مُوَيلك بْن واقد بْن رياح بْن يربوع بن ثعلبة، الذي قتل ابني السخفية القشيريين.
ومنهم: مرداس بْن مُويلك أخوه، وفد عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، وأهدى لَهُ فرسًا.
ومن ولده: حمزة بْن طارق بْن عَبْد العزيز، كَانَ أعلم النَّاس بغنى وباهلة، وَقَدْ لقيه هشام بْن مُحَمَّد الكلبي.
والحكم بْن جاهمة بْن الحراق بْن يربوع بْن ثعلبة بْن سعد كَانَ فارسًا.
وشيطان بْن جاهمة، وهو فارس الخذواء، كَانَ فِي أُذُنها استرخاء، وإيَّاهُ عنَي طفيل حيث يَقُولُ:
وَقَدْ مَنَّتِ الخذواء مَنًّا عليهُمُ ... وشيطان إذ يدعوهُم ويَثُوب
قَالُوا: هزمت غني طيئًا، وَيُقَال خثعمًا، فلما انهزموا قَالَ شيطان:
من أخذ شعرة من ذنب الخذواء فهو آمن فهلبوها يومئذٍ، وأمنوا.
وعمرو بْن يربوع بْن ثعلبة، فارس غني كَانَ يأخذ المرباع.
وقَالَ المفضل: أغار زَيْد الخيل الطائي عَلَى بني عامر، فأصاب فِي بني كلاب، وبني كعب، واستحرّ القتل في غني وكانو معهم، ثم إن غنيا أغاروا على طيّئ وعليهم سنان بن هرم فقتلوا وغنموا وأصابوا دماءهم(13/254)
كَملًا، وانصرفوا إلى بلادهم، فَقَالَ طفيل فِي ذَلِكَ قصيدته البائية المخفوضة التي أولها:
بالعَقْر دارٌ من جميلة هَيَّجَتْ ... سَوَالف حُبٍّ فِي فؤادك مُنْصَبُّ
ومن بني عتريف بْن سعد: سعر، وسعر هُوَ سعر الخنوقة بلاد كَانَ حماها، والمشمَعلّ بْن هُزلة بْن مُعتّب بْن أَحبّ بْن الغَوث بْن عتريف، وهو فارس خرقة الَّذِي قتل الشريدي من بني سُليم يَوْم قادهم حرباق الشريدي بين الدمْلاء وشَعْبَي، وسِرْحان بْن معتّب بْن أحب بْن الغوث بْن عتريف الَّذِي يَقُولُ لَهُ الأسدي، ومر بمكان مُكْلًا فَقَالَ: اشهد لا يمنعني سِرحان أن أُعشيّ إبلي الليلة، فرعاها فمر بِهِ سرحان فقتله فَقَالَ هزْلة بْن معتّب أخوه لامرأة الأسدي وكان يُقال لها نصيحة.
أَبْلِغْ نصيحة أن راعي إِبْلَهَا ... سَقَط العشاء بِهِ عَلَى سرحان
سقط العشاء بِهِ عَلَى مُتقمِّرٍ ... لم يُثْنِهِ خوفٌ من الحَدَثَان
متقمر: يرعى فِي القمر، وبذلك سُمِّيَ بسطام بْن قيس متقمرًا.
ومن بني صُرَيْم بْن سعد: شهاب بْن سبيع، الَّذِي قتل خويلد بْن نفيل، وخالد بْن نفيل الْمَازِنِي يَوْم الحلاة. ورجاء بْن الخشخاش الَّذِي قتل كلابًا التغلبيّ.
ومن بني زبان بْن كعب: عُلاثة بْن وهب كَانَ شريفًا.
وعصيمة بْن وهب الَّذِي سند فِي الهضبة يَوْم رَحْرَحَان، وَقَدْ طعن معبد بْن زرارة، فَحدَرَه وأسره فقبض عَلَيْهِ الأحوص بْن جَعْفَر وبنو عبس وحبسوه بالطائف، وأرضوا عصيمة بثلاثين بعيرًا.(13/255)
وعبد اللَّه بْن عقبة كَانَ فيمن قتل الْحُسَيْن بْن عليّ رَضِي اللَّه عَنْهُمَا، وله يَقُولُ ابْنُ عَقَب:
وعند غني قطرة من دمائنا ... وَفِي أسد أخرى تُعَدُّ وتُذْكَرُ
والأسدي: حرملة بْن الكاهل الَّذِي جاء برأس عَبَّاس بْن عليّ بْن أَبِي طَالِب، وهو قتله مَعَ الْحُسَيْن بالطَّف.
وغياث بْن عَبْد، وأمه من بني عبس، فلحق بهم وهم يُقال لهم بنو ملعقة، وهو اسم أمهم.
وولد بُهثة بْن غنم بْن غني: عَمْرو بْن بُهْثَة، وهو الرتل.
فولد عَمْرو: كعب بْن عَمْرو.
فولد كعب: هلال بْن كعب. ومالك بْن كعب.
منهم: عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي شيخ، كَانَ شريفًا بالكوفة من أصحاب عليّ رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وكانت لَهُ من زياد بْن أَبِي سُفْيَان منزلة.
ومنهم: العلاء بْن المنهال بْن العلاء بْن قطبة بْن سُليم بْن الحارث بْن غضبان، ولي شرطة الكوفة.
وولد جعدة بْن غني: عبس بْن جعدة. وسعد بْن جعدة، وأمهما ضبينة بِنْت سعد مناة بْن غامد من الأزد، إليها ينتسبون.
فولد سعد بْن جعدة: ذبيان بْن سعد. ومعاوية بْن سعد.
وعمرو بْن سعد، ومنهم: هادم عرشه هَدَمه بذكره.
ومنهم: سنان بْن عباد، الَّذِي أخذ النعمان نَعَمَهُ.
وولد عبس بْن جَعدة: عامر بْن عبس. ورزاح بْن عبس.(13/256)
منهم: سهم بْن حنظلة بْن جاوان بن خويلد بْن حرثان بْن جَابِر بْن مالك بْن عامر بْن عبس وهو الشَّاعِر.
ومنهم: ربيعة بْن المخارق بْن جاوان، وكان من فرسان الجزيرة فأبلى مَعَ أهل الشام فِي أصحاب سُلَيْمَان بْن صُرَد الخزاعي يَوْم عين الوردة.
تمت رواية ابْنُ الكلبي.
وقَالَ غير ابْنُ الكلبي: ومن غني من بني ضبينه: ابْنُ العوراء، وكان ابْنُ لعروة الرحّال بْن عتبة بْن جَعْفَر بْن كلاب أحْمَى حِمًى، فوجد فِيهِ ابْنُ العوراء فضربه بيده ونهاه، ثم إنه رجع إلى الحمى فأراعاه ماله فجاء ابْنُ عروة فلما رآه ابْنُ العوراء خاف أن يقتله فرماه بسهم فقتل ابْنُ عروة، ثُمَّ أتى قومه من بني ضبينة من غني فأعلمهم، فارتحلوا عن بني جَعْفَر، وكانوا مَعَ بني جَعْفَر، وبنو جَعْفَر لا يعلمون برحلتهم، فأتوا جوَّابًا، وهو مالك بْن عَمْرو بْن عوف بْن عَبْد بْن أَبِي بَكْر بْن كلاب، وأمه من غني، وكان جَوَّاب معاديًا لبني جَعْفَر بْن كلاب، لان ابْنُ أخيه وهو مرة بْن مُطَرِّف بْن كعب طعن مَنِيع بْن مرة بْن خَالِد بْن جَعْفَر بْن كلاب بقوس فِي استه، فحقدها، ثُمَّ شد عَلَى ابْنُ أخي جواب فقتله، فسار بعض القوم إلى بعض، ثُمَّ فارقوا بني جَعْفَر عَلَى أن مضوا إلى الشام، ثُمَّ إنهم رُدّوا فحمى ابْنُ عروة ذَلِكَ الحمى، فَقَالَ طفيل:
فقلت عليكم مالكًا إن مالكًا ... سيعصمكم إن كَانَ فِي النَّاس عاصم
أَمالِ ابْنُ كعب دونك القوم إنني ... رأيتك تنبو عن صَفاك المظالم
محارمك امنعها من الضيم إنني ... أرى زمنًا تُغْتَالُ فِيهِ المحارم
فَقَالَ جَوَّاب: أما إنْ أُطلَّ لبني جَعْفَر دمًا فلا، وإن كنتُ لهم حربا،(13/257)
فإن رضوا بقاتل ابْنُ عروة دفعناه إليهم أَوِ الديَة، وإن أبوا منعتهم من تعديهم. فَقَالَ لبيد بْن ربيعة:
أبني كلاب كيف تُنْفَى جَعْفَر ... وبنو ضَبينة حاضروا الأجباب [1]
ظعنوا وأصبح فِي محل بيوتهم ... صِرْمٌ من الهجَّانِ وابن إهاب
قتلوا ابْنُ عروة ثُمَّ لطوا [2] دونه ... حتَّى تحاكمهم إلى جَوَّاب [3]
وقَالَ شاعر بني ضبينة:
مهلا غنيُّ فإن الليث يتبعه ... حتَّى تَمَلّأ مما يفرس الضبع
وقَالَ طفيل:
بني جعفر لا تكفروا حُسْنَ سَعْينَا ... وائْتُوا بحسن القول في كل محفل
فنحن منعنا يَوْم حَرْسٍ نساءكم ... غداة دعانا عامر غير مُؤْيِلِ
وقَالَ أَبُو اليقظان: من غني: صالح، شهد المرج مَعَ مروان بْن الحكم ولم يشهد معه قيسي غيره، وغير عَبْد اللَّه بْن مسعدة الفزاري، وكان صالح عظيم المنزلة من عَبْد الملك بْن مروان، وقَالَ بشر بْن مروان:
أتجعل صَالِح الغنوي دوني ... ورَحْلي منك فِي أقصى الرحال
سيغنيني الَّذِي أغناك عني ... ويُفْرج كُربتي ويشب مالي
إِذَا أبلغتني وحملتَ رحلي ... إِلَى عَبْد العزيز فما أُبالي
قَالَ: ومن غني: الفَرْقد وهو من بني عَبِيد، وكان شريفًا وله عقب بالأهواز.
__________
[1] الأجباب جمع جب، أي آبار.
[2] لطوا: ستروا.
[3] شرح ديوان لبيد ص 21- 24، دون البيت الثاني.(13/258)
وقَالَ: ومن غني: عَمْرو بْن يربوع، وكان أول من أخذ المرباع فَقَالَ الشَّاعِر:
وعمرو بْن يربوع ومرباعُهُ ... يُعَدُّ إِذَا عُدّ العلى والمكارم
قَالَ: ومن بني غني: الكوثر بْن عُبيد الغنوي صاحب شرطة مروان بْن مُحَمَّد.
قَالَ: ومن غني: بنو حُراق. وبنو رياح، وكانت نجيبة بِنْت رياح ولدت الأحوص بْن جعفر بن كلاب فقالت:
ويحك أَشْبِهْ بني حُراق ... أهل الندى وسعة الأخلاق
وقَالَت:
ويلك أشبه بني رياح ... أهل الندى والجود والسماح
وقَالَ أَبُو اليقظان: من غني: كعب بْن سعد الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ فِي مرثيته لأخيه التي أولها:
تَقُولُ سليمى ما لجسمك شاحبًا ... كأنك يحميك الشراب طبيب
فقلت تباريح تَحز من أخوتي ... وشيبن رأسي والخطوب تشيب
فإن تكن الأيام أَحْسَنَّ مرةً ... إليَّ فقد عادت لهنَّ ذنوب
أتى دون حلو العيش حتَّى أَمَرَّهُ ... نُكوبٌ عَلَى آثارهنَّ تَنُوبُ
لقد كَانَ أما حلمه فمزوج ... علينا وأمَّا جهله فعزيب
وَقَدْ كَانَ يكفيني وكان يعينني ... عَلَى نائبات الدهر حين تنوب
أخي ما أخي لا فاحش عند بيته ... ولا ورع عند اللقاء هيوب
حليم إِذَا ما سَوْرَةُ الجهل أطلقت ... حَبَا الشيب للنفس اللجوج غَلُوب
هَوَتْ أُمُّهُ ما تبعث الصبح غاديًا ... وماذا يؤدي الليل حين يؤوب(13/259)
أخو شتواتٍ يعلم الصيف أَنَّهُ ... سيكثر ما فِي قدره ويطيب
حليف الندى يدعو الندى فيجيبه ... قريبًا ويدعوه الندى فيجيب
إِذَا شهد الأيسار أَوْ غاب بعضهم ... كفى ذاك وضاح الجبين أريب
فتًى أريحييٌ كَانَ يهتز للندى ... كما اهتز من ماء الحديد قضيب
فلو كَانَ ميت يفتدى لفديته ... بما لم تكن عَنْهُ النفوس تطيب
وداع دعا من ذا يجيب إلى الندى ... فلم يَسْتَجبْ عند الدعاء مُجيب
فقلتُ ادْعُ أخرى وارفع الصوت مَرَّةً ... لعل أبا المغوار منك قريب
يجيب كما قَدْ كَانَ يفعل مرة ... لأمثالها رحب الذراع طَلوب
تَرى عَرَصَاتِ الحيّ غُبرًا كأنها ... إِذَا غاب لم يَحْلُلْ بهنَّ غريب
وأعلم أنّ الباقيَ الحيَّ ينتهي ... إلى أجَل أقصى مداه قريب
وحدثتماني إنَّما الموت فِي القرى ... فكيف وهذي هضبة وكثيب
وماءُ سَمَاءٍ كَانَ غير مكدرٍ ... تَهبُّ عَلَيْهِ بالعشيِّ جنوب
قَالَ: وكان يونس النحوي يَقُولُ: هِيَ يتيمة المراثي.
ومنهم: نافع بْن خليفة، الشَّاعِر، الَّذِي يَقُولُ مجيبًا للراعي فِي قصيدة لَهُ:
فواعجبًا حتَّى نميرٌ تَسُبُّني ... وكانت نميرٌ مَدْرَجًا للشتائم
تُواري نميرٌ بالعمائم لؤمها ... وليس يواري اللؤم طَيُّ العمائم
فإن تَجْنُبُوا منا كريمًا فإننا ... تركنا عَلَى أهوى [1] نسيب بْن سالم
تهادى ضباع الجلهتين بشلوه ... وباتت بليل عرسه غير نائم
__________
[1] أهوى: موضع بأرض هجر، وقيل أهوى ماءة لبني قتيبة الباهليين. معجم البلدان.(13/260)
ينادي صداه الهام فِي كل مرقبٍ ... بذمِّ نميرٍ فِي الأمور العظائم
ويومًا عَلَى أهوى رطئنا [1] وجوههم ... فباءوا عَلَى رغم لنا بالمظالم
فككنا أخانا بالمئين وأَسْلَموا ... أخاهم بمعتبس [2] السباع الضياغم
فأنتم ذُنَابى عامرٍ وشرارها ... وليس ذنابي الريش مثل القوادم
ويومًا نميرٍ يَوْمُ طَولٍ عليهم ... ويوم ترى نسوانهم في المقاسم [3]
__________
[1] رطأت القوم: ركبتهم بما لا يحبون، والرطاء الدهن الكثير. النهاية لابن الأثير.
[2] العابس: الكريه الملقى. النهاية لابن الأثير.
[3] انظر بعض هذه الأبيات في الحماسة الصغرى لأبي تمام- ط. دار المعارف القاهرة ص 83.
وذيل الأمالي للقالي- ط. القاهرة 1953 ص 116، وهذه البعض نفسها موجودة في ديوان جرير ص 429.(13/261)
نسب عَدْوان
وولد عَمْرو بْن قيس بْن عَيلان:
الحارث بْن عَمْرو وهو عَدْوان،
سمي عدوان لأنَّه عدا عَلَى أخيه فَهْم بْن عَمْرو فقتله، وأمهما جديلة بِنْت مرّ بْن أدّ، وعدوان يقولون جديلة بِنْت مدركة بِنْت الياس بْن مضر.
فولد عدوان: زَيْد بْن عدوان. ويشكر بْن عدوان. ودوس بْن عدوان، وَيُقَال إنهم دوس الَّذِينَ فِي الأزد.
فولد زَيْد بْن عدوان:
وابِش بْن زَيْد. وغالب بْن زَيْد. وعامر بْن زَيْد، وهو عَياية.
وقَالَ غير الكلبي: ولد زَيْد أيضًا: خارجة وهو القائل لأمه:
إِذَا ولدتِ عامرًا وعامرًا ... فقد ولدتِ العدَدَ الجماهرا
ثُمَّ فَضَلْتِ الخُرَّدَ الحرائرا
فولد وابش بْن زَيْد بْن عدوان: الحارث بْن وابش. وعبس بْن وابش. وكبْلُ بْن وابش.
فولد الحارث بْن وابش: سعد بْن الحارث. ومعاوية بْن الحارث.
وربيعة بْن الحارث، وهم فِي الأزد عَلَى نسب فيهم.(13/263)
فولد معاوية بْن الحارث: نمير بْن معاوية. وغُزَيَّةَ بْن معاوية.
فولد نمير بْن معاوية: جَابِر بْن نمير. ورُؤْبَةَ بْن نمير.
وولد سعد بْن الحارث بْن وابش: خَالِد بْن سعد.
ومن ولده: أَبُو سَيَّارة، وهو عُميلة بْن الأعزل بْن خَالِد بْن سعد، وكان يدفع بالناس في الموسم فِي الجاهلية.
قَالُوا: وصارت الإجازة بعد بني سعد بن زَيْد مناة بْن تميم بْن مر إلى بني عدوان، وكان يفيضون بمن فِي جمع إلى منى، فكان أَبُو سَيَّارة آخر من ولي ذَلِكَ، وكان إِذَا أراد أن يفيض بالناس غداة جمع قَالَ: أَنَا صاحب الحمار الأسْوَد عَلَامَ تُحْسَد، فهلا صاحب الأمور الجلعد، اللهم اكْفِ أبا سيارة الحسد والنكد، وقَالَ قائل من العرب:
نَحْنُ دفعنا عن أبي سَيَّاره ... وعن مواليه بني فزاره
حين أَفَاضَ مُجْرِيًا حماره ... مستقبل الكعبة يدعو جاره
وكان يقَالَ أصح من حمار أَبِي سَيّارة ويخليه فلا يعرض لَهُ أحد، وعاش حماره أربعين سنة، فقيل أصح من حمار أَبِي سيارة.
وذكر بعضهم أَنَّهُ أول من سنَّ الدية مائة من الإبل.
وولد نَوص: ظالم بْن نَوْص. وكامل بْن نَوص. وعامر بن نوص.
والورام بْن نوص. وحُسَيْل بْن نوص. وأحمر بْن نوص. والمُسْتَدرّ وهم كلهم يقال لهم الحِلام.
وولد يشكر بْن عدوان:
ناج بْن يشكر. وبكر بْن يشكر. وعباد بْن يشكر.(13/264)
فولد بَكْر: عوف بْن بَكْر. وخارجة بْن بَكْر. ويُثَيْع بْن بَكْر، وهم مَعَ ثمالة من الأزد بالحجاز، وأمهم أم خارجة البجلية.
[يحيى بن يعمر]
فولد عوف بْن بَكْر: عدي بْن عوف. وعادية بْن عوف. وسحيم بْن عوف. ووشقة، رهط يَحيى بْن يعمر [1] ، كَانَ قاضيًا بخراسان، ويحيى الَّذِي يَقُولُ:
أَبِي الأقوام إلّا بغض قيس ... وقِدْما أَبْغَضَ النَّاس المَهيبا
وكان يَحيى قارئًا فقرأ: فأعشيناهم فهم لا يبصرون [2] بالعين غير معجمة. وقرأ: تفقد صوغ الملك [3] بغين معجمة وقَالَ: كَانَ من فضة.
وقَالَ لَهُ الحجاج: أتسمعني ألحن فِي قراءتي؟ فَقَالَ: نعم، تجعل أنَّ فِي موضع إنَّ، فَقَالَ لَهُ: لا تساكنيّ، ونفاه إلى خراسان فمات بها.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ الأَزْدِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدَ قَالَ: أَرْسَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ الْعَدْوَانِيُّ فَقَالَ: بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ تَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَقَدْ قَرَأْتُهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ فَلَمْ أَجِدْهُ. قَالَ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ حتى بلغ إلى يحيى وعيسى [4] قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَفَلَيْسَ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ
__________
[1] بهامش الأصل: يحيى بن يعمر.
[2] سورة ياسين- الآية: 9 فأغشيناهم فهم لا يبصرون.
[3] سورة يوسف- الآية: 72 تفقد صواع الملك.
[4] سورة الأنعام- الآيتان: 84- 85.(13/265)
إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ؟ قَالَ: صَدَقْتَ فَأَخْبِرْنِي عَنِّي أَلْحَنُ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ:
اعْفِنِي. قَالَ: لَتُكَلِّمَنَّ. قَالَ: إِنَّكَ لَتَخْفِضُ الرَّفْعَ. قَالَ: هَذَا وأبيك اللحن السيء وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ اللَّحْنِ، فَأَخْبِرْنِي عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدٍ أَيَلْحَنُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُهُ تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ عَرَبيَّةٍ قَطُّ. قَالَ: اخْرُجْ فَلا تُسَاكِنِّي.
قَالَ أَبُو حرب بْن أَبِي الأسود الدَّيْلي: وكان يَحيى تعلم العربية من أَبِي.
وقَالَ مُحَمَّد بْن سعد: كَانَ يَحيى بْن يعمر قاضيًا بمرو [1] .
وولد عياذ بْن يشكر: عَمْرو بْن عياذ.
فولد عَمْرو بْن عياذ: ظَرِب بْن عَمْرو. وحجر بْن عَمْرو. وَلَهْب، وفي الأزد لِهْب. ووائلة. ورئاب. ومالك. وملكان.
فولد ظرب:
عامر بْن ظَرِب [2] حكم العرب.
وثعلبة بْن ظرب.
وسعد بْن ظرب. وعمرو بْن ظرب. وصَعْصَعة بْن ظرب.
وحُدثتُ إن لعامر بن ظرب فِي الخُنْثَى حكمًا جرى حكم الْإِسْلَام بِهِ، وكان حكمه أن يورث من قبل مَبَاله، وحكم بذلك بعده رجل من طيّئ.
وحرَّمَ عامر بْن ظرب الخمر عَلَى نفسه فِي الجاهلية وقَالَ: إن شيئًا يذهب بالعقل ويورث الجنون لحقيق بالترك، وحكم بالدية بمائة من الإبل، وفيه يقول الشاعر المتلمس.
__________
[1] لا ترجمة له في المطبوع من طبقات ابن سعد.
[2] بهامش الأصل: عامر بن ظرب.(13/266)
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما عُلِّم الإنسانُ إلا ليَعْلَمَا [1]
وذلك أَنَّهُ كبر وعمي، فكان ينبّه للأمر بأن يُقرع محملٌ أَوْ جفنةٌ، أَوْ عصا بعصا، فإذا سَمِعَ تَنَبَّه.
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِح الْمُقْرِئُ عَن ابْنُ كناسة قَالَ: كَانَ لعامر بْن ظرب كلام ينسبه بعض النَّاس إلى أكثم بْن صيفي مِنْهُ قولُه: أفضل العلم ما أرشدك، وأفضل المنطق ما بلغت حقيقته، وقولُه: المعبّرة كثيرة والاعتبار قليل. وقولُه: مَنْ صَحِبَ الزمان رَأَى الهوان، فِي كل عام سقام حاضر، ومع كل خبرة عبرة ومع كل فرحة ترحة، والمصائب خلال النعم، ومن المَأمَنَة يُؤتي الحَذِرُ، ومن عاش كبر ومن كبر أنكر نَفْسَهُ وعَيْشَهُ.
وَحَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ هِشَامٍ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّخَعُ وَثَقِيفُ بْنُ إِيَادِ بْنِ نِزَارٍ [2] : فَثَقِيفٌ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ النَّبِيتِ بْنِ أَفعَى بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ إِيَادٍ، وَالنَّخَعُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الظَّمْيَانِ بْنِ عَوْذِ مَنَاةَ بْنِ يَقْدُمُ بْنُ أَفْعَى، فَخَرَجَا وَمَعَهُمَا عَنْزُ لَبُونٍ يَشْرَبَانِ لَبَنَهَا، فَعَرَضَ لَهُمَا مُصَدِّقُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ، فَأَرَادَ أَخْذَهَا فَقَالا: إِنَّا نَعِيشُ بِدَرِّهَا. فَأَبَى فَرَمَاهُ أَحَدُهُمَا فَقَتَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِهِ: لا تَحْمِلْنِي وَإِيَّاكَ أَرْضٌ، فَأَمَّا النَّخَعُ بْنُ عَمْرٍو فَمَضَى إِلَى بِيشَةَ فَأَقَامَ بِهَا، وَنَزَلَ قَسِيٌّ مَوْضِعًا قَرِيبًا مِنَ الطَّائِفِ، فَرَأَى جَارِيَةً تَرْعَى لِعَامِرِ بْنِ ظَرِبٍ الْعَدْوَانِيِّ، فَطَمِعَ فِيهَا وَقَالَ:
أَقْتُلُ الْجَارِيَةَ وَآخُذُ الْغَنَمَ. فَأَنْكَرَتِ الْجَارِيَةُ مَنْظَرَهُ فَقَالَتْ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تُرِيدُ
__________
[1] ديوان المتلمس ص 26.
[2] في معجم البلدان: كانا ابني خاله. معجم البلدان- مادة طائف.(13/267)
قَتْلِي وَأَخْذَ الْغَنَمِ، هَذَا شَيْءٌ إِنْ فَعَلْتَهُ قُتِلْتَ وَأُخِذَتِ الْغَنَمُ مِنْكَ، وَأَظُنُّكَ غَرِيبًا خَائِفًا، فَدَلَّتْهُ عَلَى مَوْلاهَا عَامِرِ بْنِ ظَرِبٍ فَأَتَاهُ وَاسْتَجَارَ بِهِ فَأَجَارَهُ وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ، وَأَقَامَ بِالطَّائِفِ مَعَهُ فَقِيلَ: لِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَثْقَفَهُ حِينَ ثَقِفَ عامر إذ أَجَارَهُ.
وَكَانَ قَدْ مَرَّ بِيَهُودِيَّةٍ بِوَادِي الْقُرَى حِينَ قَتَلَ الْمُصَدِّقَ فَأَعْطَتْهُ قُضْبَانَ كَرْمٍ فَغَرَسَهَا بِالطَّائِفِ فَأَطْعَمَتْ وَنَفَعَتْهُ.
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عامر حكمًا فِي الجاهلية. وكانت عمرة ابنته أم عامر بْن صعصعة: وكانت ابْنَة لَهُ أخرى عند قسي بْن مُنَبِّه، وكانت ابْنَة لَهُ أخرى عند عامر بْن عوف من كلب.
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ المصَدَّق يكنى أبا رغال فرماه ثقيف فقتله.
قَالَ: وعامر بْن ظرب أنزل ثقيفًا الطائف.
قَالَ بلعاء بْن قيس الليثي من كنانة:
لعمرك ما ليث وإن كنت منهم ... بتاركة ليث خلافي وعصياني
وَهُمْ أَسْلَمُوني يومَ ذي الرّمت والغضا ... وهم تركوني بين هرْشيَ وَوَدَّان
وهم أخرجوا من كل بيتين سَيِّدًا ... كما كَثُرتْ ساداتُها قبل عَدْوان
وعمرو بْن ظرب القائل:
أرى شعرات على حليتي ... بيضًا نَبَتْنَ جميعًا تؤاما
أظل أهاهي بهن الكلاب ... أحسبهن صوارا قياما
وأَحْسَب أنفي إذا ما مشيت ... شخصًا رآني أمامي فقاما
وولد سعد بْن ظرب: عوف بْن سعد، وإليه يُنسب العوفيون بالكوفة، رهط عطية العَوفي الفقيه، وكان فِي زمن الحجاج يتشيّع،(13/268)
والعوفي القاضي الَّذِي كَانَ مَعَ هارون الرشيد أمير المؤمنين واسمه حُسَيْن بْن الْحَسَن بْن عطية بْن سعد بْن جنادة بْن عوف.
وقَالَ الشرقي: هُوَ جنادة بْن دينار بْن عوف، وهم لا يذكرون دينارًا، وتوفي عطية بْن سعد العوفي فِي ولاية خَالِد بْن عَبْد اللَّه القسري.
قَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ عطية مولى لبني عوف ثُمَّ انتموا إلى العرب.
ومن بني ثعلبة بْن ظرب:
ذو الإصبع الشَّاعِر [1] ،
وهو حرثان بْن مُحرَّث بْن الحارث بْن شَباب بْن ربيعة بْن وهب بْن ثعلبة بْن ظرب.
وَيُقَال حرثان بْن حارثة بْن الحارث بْن ثعلبة بْن ظرب، وهو الَّذِي يَقُولُ فيما وقع من الاختلاف والتحارب بين عَدوان فِي قصيدة لَهُ أولها:
وليس المرء فِي شيء ... مع الإمرار والنقض
غدير الحي من عدوا ... ن كانوا حَيَّةَ الأرض
بغى بعضهم بعضًا ... فلم يرعوا على بعض
ومنهم كانت السادا ... ت والمُوفُونَ بالقَرْضِ
ومنهم حكم يقضي ... فلا يُنقض مَا يقضي
وهم من ولدوا فاز ... بسر الحسب المحض
وهم بوّوا ثقيفا دا ... ر لا ذُلٍّ ولا عضِّ [2]
وذو الإصبع القائل لابنه:
أأسيد إن مالا ملك ... ت فَسِرْ بِهِ سيرًا جميلًا
آخ الكرام إن استطع ... ت إلى إخائهم سبيلا
__________
[1] بهامش الأصل: ذو الاصبع الشاعر.
[2] انظر الأغاني ج 3 ص 89- 92. شعراء النصرانية ص 625- 627.(13/269)
صاحبتَ أقوامًا مماقيتا ... يَمنُّونَ القليلا
إن يَبْخَلوا فَعَسَى وإن ... يُعْطُوك لا يُعْطُوا جَزيلًا
أَهِنِ اللئام ولا تكُن ... لهواهُمُ جَمَلًا ذَلُولَا
إن الكرام متى تؤاخي ... هم تجد لُهُم فُضُولا
وابسط يمينك فِي الندى ... وامْدُدْ لها باعًا طويلًا [1]
فِي أبيات. وقَالَ ذو الإصبع يرثي الحارث بْن زهرة بأبيات فمنها قولُه:
لعمري لقد أعلن الناعيان ... بالحارث الهالك المنْفَسِ
بِسَمْح الخليقة طَلْقِ اليدين ... زين العشيرة والمجلس
وولد ناج بْن يشكر بْن عدوان: عبس بْن ناج. ورُهم بْن ناج.
وودّ بْن ناج. وعمرو بْن ناج.
فولد عَمْرو: وائلة بْن عَمْرو، رهط أَبِي عَبْد اللَّه الجدلي- الَّذِي كَانَ مَعَ ابْنُ الحنفية، واسمه وكنيته واحد، ابْنُ عَبْد اللَّه بْن أَبِي يعمر بْن حبيب بْن عائذ بْن مالك بْن وائلة بْن عَمْرو بْن ناج، وَقَدْ ذكرنا خبره فيما تقدم.
وولد رُهم بْن ناج: جذيمة بْن رهم. وعلي بْن رهم. وثعلبة بْن رهم.
فَوَلَدُ جذيمة كلهم بنو كُنَّة، وهم مَعَ بني كنة الَّذِينَ فِي ثقيف، وكُنَّة امْرَأَة من الأزد من ثمالة وهي أمهم.
__________
[1] الأغاني ج 3 ص 99- 100. شعراء النصرانية ص 632- 633 مع فوارق.(13/270)
وولد ثعلبة بْن رهم: الدرعاء بْن ثعلبة. والحارث بْن ثعلبة.
وعوف بْن ثعلبة.
وولد عليّ بْن رهم: سعد بْن عليّ.
فولد سعد: عَمْرو بْن سعد. وعائش بْن سعد. وأنس بْن سعد.
وعدي بْن سعد.
فولد عَمْرو: ناصرة بْن عَمْرو. رهط: معبد بْن خَالِد بْن ربيعة بْن مُرَيْر بْن جَابِر بْن ناصرة، الَّذِي يُقال لَهُ مَعْبد الطريق، كَانَ ناسكًا فصيحًا، وكان بنو مروان ولُّوه الطريق يمنع الميرة أن تأتي ابْنُ الزُّبَيْر. قَالَ الشَّاعِر:
اذهبْ إليك فإني من بني أسدٍ ... ومن جديلة قيس مَعْبَد الطرق
وقَالَ أبو اليقظان: كان على الطرق زمن زياد، وابن زياد، وكَانَ بعد ذَلِكَ يقص لخالد القسري، والأول قول ابْنُ الكلبي.
والمِدْلاج. ومالك. وثقف. وصفوان بنو عَمْرو: من بني حجر بْن عَمْرو بْن عياذ بْن يشكر بْن عدوان، شهدوا بدرا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم حلفاء لبني عَمْرو بْن دُودان بْن أسد.
وكان الواقدي يَقُولُ مدلاج بْن عَمْرو سُلَمي، والأول قول الكلبي وهو أثبت.
وقَالَ الواقدي: شهد مدلاج المشاهد كلها مع النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومات سنة خمسين.
وقَالَ الواقدي: أسلم ثقف بْن عَمْرو بْن شميط أخو مدلاج، وشهد بدرًا وأحدًا، والخندق، والحديبية، وخيبر، وقتل بخيبر شهيدًا سنة سبع(13/271)
من الهجرة، قتله أسير بْن رِزام اليهودي.
وقَالَ الواقدي: أسلم مالك بْن عَمْرو أخوهما، وشهد بدرا وأحدا، وجميع المشاهد مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستشهد باليمامة سنة اثنتي عشرة.
وقَالَ الكلبي: هُمْ من بني عدوان.
وقَالَ أَبُو اليقظان: من عدوان الفضيل بْن مروان، كَانَ فاضلًا خيرًا، من أهل الكوفة، فبعث إِلَيْه الحجاج بْن يُوسُف فَقَالَ: إني أريد أن أُوَلِّيكَ. فَقَالَ: أَوْ تعفيني أيها الأمير، فأبى وكتب لَهُ عهده، فقبضه من عنده فرمى بالعهد وهرب فطلبه فأُخذ وأُتي بِهِ الحجاج فَقَالَ: يا عدو اللَّه فَقَالَ: لست لله ولا للأمير بعدو. فَقَالَ: ألم أكرمك؟ قَالَ: بل أردت أن تهينني. قَالَ: ألم أستعملك؟ قَالَ: أردت أن تستعبدني. قَالَ: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ ينفوا من الأرض [1] .
قَالَ: ما استوجبت واحدة منهن، قَالَ: كل ذَلِكَ قَدِ استوجبت بخلافك أميرك، وأمر رجلًا من أهل الشام فضرب عنقه.
وقَالَ بعضهم: ألقى عهده وخرج إلى ابْنُ الأشعث.
قَالَ ومنهم: محمد الخارجي القائل:
أجمعتَ مالًا ثُمَّ أنتَ مُوَكَلٌ ... حتَّى الممات بحب ما لم تجمع
وكان عُمَر بْن عَبْد العزيز يتمثل بهذا البيت كثيرًا.
وقال بعض الشعراء:
__________
[1] سورة المائدة- الآية: 33.(13/272)
أتجمعني والخارجيّ محمدًا ... وكأنك فِي جمع الرجال جرير
يعني جرير بْن عطية الخطفى حين يَقُولُ:
لما وضعتُ عَلَى الفرزدق ميسمي ... وضَغَى البعيثُ جَدَعْتُ أنف الأخطل [1]
قَالَ ومن بني وابش رَجُل يُقال لَهُ النابغة، وكان شاعرًا، وكان يهجو الفرزدق.
قَالَ: ومن بني ناج
ذو الأصبع وهو حرثان بْن حُرَيْث وكان شاعرًا جاهليًا
وهو القائل:
أَبَعْدَ بني ناجٍ وما كَانَ منهم ... فلا تُتْبِعَنْ عينيك من كَانَ هالكًا
إِذَا قلتُ معروفًا لأصلح بينهم ... يَقُولُ وَهيْبَةُ لا تعاطنَّ ذلكا
فأضحوا كظهر العَوْد جُبَّ سنامه ... يُطيفُ بِهِ الولْدان أَحْدَبَ باركا [2]
وذو الأصبع القائل فِي قصيدة لَهُ:
ولولا أياصر قُرْبَى لَسْتَ تحفظُها ... ورهبةُ اللَّه فيمن لا يُعاديني
لقد بريتك بريًا لا انجبار لَهُ ... أني رأيتك لا تنْفكُّ تَبْريني
إن الَّذِي يقبض الدنيا ويبسطها ... إن كَانَ أغناك عني سوف يغنيني
ماذا عليّ وإن كنتم ذوي رحمٍ ... ألا أحبُّكُمُ إن لم تُحبُّوني [3]
وقَالَ ذو الإصبع:
ذَهَب الَّذِين إِذَا رأوني مقبلا ... بشّوا وقالوا مرحبا بالمقبل
__________
[1] ديوان جرير ص 357.
[2] شعراء النصرانية قبل الإسلام ص 635.
[3] ديوان المفضليات- ط. بيروت 1920 ص 325- 326.(13/273)
وهم الَّذِينَ إِذَا حملتُ حمالةً ... فلقيتهم فكأنني لم أحمل
وغبرتُ فِي خَلف كأن هريرهم ... ولغ الكلاب تهارشتْ فِي المنزل
وقَالَ أيضًا:
وما المرء إلّا بإخوانه ... كما يقبض الكف بالمعصم
وقَالَ أسيد بْن ذي الأصبع فِي الحنطة:
صفراء مثل عقب الأوتار ... جاءت بها ساقطة التجار
نِعْمَ طعام التاجر الممتار
وَوُهَيْب قبيلة خرجت من عدوان، يقال انهم الخلج الذين فِي قريش، وكانت عدوان كثيرة السادة فبغى بعضهم فتحاربوا وتفرقوا.
قَالَ: وقَالَ رَجُل من ثقيف لرجل آخر من ثقيف، أخواله من بني رهم بْن ناج وكان أخوال القائل بنو أمية:
ألا من مبلغ عثمان عني ... فإني قَدْ مررت بذات حاج
أَأُمُّ خليفة الرَّحْمَن خالي ... وأُمكَ من بني رَهم بْن ناج
قال: ومن عدوان:
عبدربه،
قدم البصرة فانطلق بِهِ رَجُل يُقال لَهُ مِلْحان إلى فاسقة يُقال لها الزُرافة، فلقيه حروري فضربه بالسيف فَقَالَ الفرزدق:
حسبتَ الحروري الزرافة ساقها ... إليك ابْنُ ملحان الَّذِي أنت صاحبُه
أتى ودُن عبدٍ والزِّنَاءُ مُحَكْمٌ ... بذي طبع لم تنب عنه مضاربه [1]
فأجابه عبدربه العدواني فقال:
__________
[1] ليسا في ديوان الفرزدق المطبوع.(13/274)
لعمرك إنَّ القَيْنَ قَيْنَ مُجَاشعٍ ... يُعيّره أَيَّامُهُ ومعايبه
فلو غَيْرهُ إِذَ عَابني عَيَّرَ الزنا ... عَذَرْتُ ولكنْ فِي الزنا طَرّ شَاربُه
قَالَ ومن عدوان: شَجَرةَ، كَانَ فارسًا سيدًا زمن معاوية، وهو صاحب قزوين.
قَالَ ومن عدوان: عَبْد الصمد بْن ثابت كَانَ واليًا عَلَى الري، وكان شريفًا سيدًا.
قَالَ وكان الشَّنْفَرى من عدوان فانتقل إلى الأزد.
قَالَ: وقَالَ ذو الأصبع فِي قومه:
أطاف بنا رَيْبُ الزمان فجاسنا ... له طائف بالصالحين يضير
إِذَا قرعت فينا صَوَائبُ نَبْلِهِ ... صَعِدْنَ إلى أُخرى فقُلْنَ نصير
فما إنْ لنا نصفٌ فيأخذ حقنا ... وما أن عَلَى ريب الزمان مجير
وما هُوَ إلا خادع غير معتبٍ ... وجَلْدٌ عَلَى ريب الزمان صبور
قليلُ تَشَكِّي الدهر حين ينوبه ... سواءٌ عَلَيْهِ كآبة وسرور
وذو الأصبع القائل فِي قصيدته التي أولها:
نَادِ المنازل هَلْ تجيب ... أَنَّي وليس بها غريب
والمرء إن كَانَ ذا مرجوع ... يومًا سيحكمه التجريب
والدهر فِي صرفه أمور ... يعرفها العاقل اللبيب
ما الفضل فيما تُريك عَيْنٌ ... بل هُوَ ما تُضْمِر القلوب
لا يُعْوِزُ الشر من بَغَاهُ ... والناس من سَبّهم سبوب
والموت في بعضه رَواحٌ ... والعيش فِي بعضه تعذيب(13/275)
لكل ذي شَقَّةٍ إيابٌ ... وغائب الموت لا يؤوب
وفي الجديدين كل يَوْم ... لكل ذي مدة تقريب
قومك أصلحْ ودعْ سواهم ... يومًا لنائبة تنوب
وما أكثر اضطراب هَذَا الشعر.(13/276)
بسم الله الرحمن الرحيم نسب فَهْم بْن عَمْرو
وولد فهم بْن عَمْرو بْن قيس بْن عَيْلان:
قين بْن فهم. وسعد بْن فهم. وعائذ بْن فهم.
فولد قين بْن فهم: عَمْرو بْن قين. وعدي بْن قين. والحارث بْن قين.
وولد سعد بْن فهم: تيم بْن سعد. وكعب بْن سعد. وطرود بْن سعد.
منهم: أعشى طرود الشَّاعِر الَّذِي يَقُولُ أَوْ بعض ولده:
وإنِّي فِي المَوَاطنِ غير لَاعٍ [1] ... ولا مُتَهيَّبٍ قَحْمَ النِّزَالِ
وحرب بْن سعد.
فولد حرب: كعب بْن حرب.
فولد كعب بْن حرب: بَلْبَلَة بْن كعب. وعدي بْن كعب.
وخَلاوة بن كعب.
__________
[1] اللعو: الفسل. القاموس.(13/277)
وولد تيم بْن سعد: الحارث بْن تيم. وثعلبة بْن تيم. ومَسَّاب بْن تيم. وحرب بْن تيم.
منهم: تأبط شرًا [1] الشَّاعِر، وهو ثابت بْن جَابِر بْن سُفْيَان بْن عدي بْن كعب بْن حرب بْن تيم بْن سعد بْن فهم الشَّاعِر،
وإنما سمّي تأبط شرًا لأنَّه أقبل وَقَدْ حمل أفاعٍ فِي جونة وجعلها تحت إبطه فقالت أمه: لقد تأبط ابني شرًا.
وَيُقَال سمي لقوله:
تأبط شرًا ثُمَّ راح أَوِ اغتدى ... يُوائم غُنْمًا أَوْ يَشُفُّ عَلَى ذُحْلِ
وكان يمشي ويغير على العرب ويعدو فلا تسبقه الخبل، وهو القائل- وأكمَنَ لَهُ قوم من الأزد قومًا فهرب- فِي أبيات:
أَحُثُّ ثلاثًا نصف يَوْم وليلة ... وأنت مريحٍ عند بيتَك أَرْوَعُ
ولو كَانَ قرن واحد لكفيته ... وما كَانَ لي فِي القوم إذ حدتُ مطمع
وعَلقَ تأبط امْرَأَة من فهم يُقال لها الزرقاء، وكان لها ابْنُ من هُذَيل، فأحبها تأبط وأحبته، وكان يُقال لابنها عَمْرو، فَقَالَ لأمه: من هَذَا الَّذِي يدخل عليك؟ قَالَتْ: عمكِ كَانَ صاحبًا لأبيك. فَقَالَ: دعيني من هَذَا فو الله لئن رَأَيْته عندك لأقتلنك. وكان الغلام قَدْ قارب الحلم فلما رجع إليها تأبط شرًا أخبرته خبر عَمْرو وقَالت: إنه شيطان ما رَأَيْته قط ضاحكًا.
ولا هَمَّ بشيء مذ كَانَ إلّا فعله، ولقد حملته فما رَأَيْت عَلَيْهِ دمًا حتَّى وضعته، فاقتله فأنت والله أَحبُّ إليَّ مِنْهُ. فمر بِهِ تأبط وهو يلعب مع الصبيان فقال:
__________
[1] بهامش الأصل: تأبط شرا الشاعر.(13/278)
يابن أخي انطلق معي أَهَبُ لَكَ نَبْلًا، فمشى معه شيئًا، ثُمَّ قَالَ:
لا حاجة لي فِي نبلك. ثُمَّ لقي تأبط أمه بعد فَقَالَ: والله ما أقدر عَلَيْهِ.
واجتنب تأبط الزرقاء سنوات ثُمَّ قَالَ لَهُ تأبط: يابن أخي هَلْ لَكَ فِي الغزو؟ قَالَ: نعم. فخرج معه غازيًا بلاد الأزد لا يرى لَهُ غرَّةً حتَّى مَرَّ ليلًا بنار هِيَ نار ابنيّ أم قرْفة الفزاريين وكانوا فِي نجعةٍ فلما عرف تأبط لمن النار، وعرف شرارة من عليها، أكبَّ عَلَى رَجله وقَالَ للغلام: إني قَدْ لُدغْتُ وأخذ برجله وصاح: واثكلاه النار النار، فخرج الغلام يهوي حتَّى أتى النار فوثب عَلَيْهِ ابنا أم قرفة فقاتلهما جميعًا فقتلهما، ثُمَّ أخذ جذوة من النار، وأقبل نحو تأبط فلما رَأَى تأبط النار يهوي بها نحوه ظنَّ أن الغلام قَدْ قتل واتبعوا أثره، ووافاه الغلام ومعه النار وَقَدِ اطَّرد إبلًا لابني أم قرفة فَقَالَ لتأبط: لقد غررت بي مُذِ الليلة، فَقَالَ له: إني ظننت أنك قَدْ قُتلت. فَقَالَ: لا والله ولكني قتلت الرجلين. وَيُقَال أن الرجلين ابنا قترة من الأزد، قَالَ تأبط: فالهرب من موضعنا، فأخذ بِهِ تأبط غير الطريق فَقَالَ لَهُ: قَدْ ضللنا، ولم يلبث أن رجع إلى الطريق وما سلكها قط ثُمَّ نام. قَالَ تأبط: فرميت بحصاة فانتبه وقَالَ: أسمعتَ ما سمعتُ؟ قلت: نعم، فقمنا نطوف بالإبل ثُمَّ فعلت مثل ذَلِكَ مرات، فلما كان آخر مرة غضب وقال: فو الله لئن أيقظني شيء كائن ما كان ليموتَنَّ أَحدُنا فتركته فنام حتَّى إِذَا استيقظ قَالَ: ألا تنحر جزورًا فنأكل منها؟ قلت: بلى ففعلنا ذَلِكَ وأكلنا، ثُمَّ سرنا وأراد الغائط فأبْعَدَ فأبطأ عليَّ جدًا فاتَّبعْتُ أثره فأجده مضجعًا عَلَى مذهبه وإذا رجله منتفخة كأنها زقّ، وإذا هُوَ ميت، وإذا هُوَ قابض عَلَى رأس أسود، وإذا هُوَ والأسود ميتان. فقال تأبط يرثيه:(13/279)
ولقد سريت على الظلام بمغشم ... جلد من الفتيان غير مُثَقَّل
مِمَّنْ حَمَلْنَ بِهِ وَهُنَّ عَوَاقدٌ ... حَبْكَ الثياب فَشَبَّ غير مهبل
حَمَلَتْ به في ليلة مزؤودة [1] ... كرها وعقد نطاقها لم يُحْلَلِ [2]
جاءَتْ بِهِ حوش الجنان مُبَطَّنًا ... سُهُدًا إِذَا ما نام ليل الهَوْجَلِ [3]
وإذا رميت بِهِ الفجاج رأيتَه ... يهوى محارمها هُويَّ الأجدل [4]
وإذا طرحتَ لَهُ الحصاة رَأَيْته ... ينزو لوقعتها طمور الأخيل [5]
وَقَدْ يُقال إن أبا كبير الهذلي كَانَ خِدْنًا لأم تأبط شرًا فَقَالَت: إني أخاف هَذَا الغلام عَلَى نفسي وعليك فاقتله فجعل يطلب غُرَّتَهُ فإذا نام فرمى بحصاة وثب كأنه ليث، وأن أبا كبير قَالَ فِيهِ هَذَا الشعر حين قتلته هُذَيل والله أعلم.
وخرج تأبط شرًا ومعه الشَّنْفَرَي الْأَزْدِيّ وآخر وهم يريدون بجيلة، فمروا بماء لهم فلما عرفوا تأبط طلبوه وعدا ففاتهم وقَالَ قصيدة يَقُولُ فيها:
إني إِذَا خلة ضَنَّت بنائلها ... وآذنتْ بضعيف الحبل حَذَّاق
نجوتُ منها نجائي من بُجَيلَة إذْ ... طرحت ليلة ذات الرّهط أرباقي
__________
[1] مزؤودة: فزعة.
[2] أراد أن أمه أعجلت عن حل نطاقها للجماع، أي لم تكن متأهبة فتحل عقد نطاقها أو تأتي الفراش، ولكنها فوجئت وأكرهت فسبق ماء الرجل وغلب، فخرج الولد مذكرا لاحظ فيه للتأنيث، والعرب تزعم ذلك وتتواصف به: حماسة أبي تمام ص 280.
[3] الحوش فيما تزعم العرب: إبل الجن. والمبطن: الخميص البطن، والهوجل الثقيل.
[4] الأجدل: الصقر.
[5] الطمور الوثب، والأخيل: طائر الشقراق، وهو ينزو في مشيه ويحجل كالغراب. شرح حماسة أبي تمام ص 280- 282.(13/280)
كأنما حَثْحَثُوا حُصًّا قَوَادمُهُ ... أَوْ أم خِشف بذي شَثٍّ وطُبَّاقِ [1]
لا شيء أجودُ مني غير ذي نجَم ... أَوْ ذي كدُومٍ عَلَى العانات شَهَّاق
ولا أقول إِذَا ما خُلَّةٌ صَرَمَتْ ... يا ويح نفسي من وَجْدٍ وإشفاق
يا صاحبَّي وبعض اللَّوْم مَعْنَفَةٌ ... وهل متاعيّ إنْ أَبْقَيْتُهُ باقِ
إني زعيمٌ لئن لم تتركوا عَذَلي ... إن يسألوا بي حَيًّا أهل آفاق
إن يسألوا بي حيًا أهل مَشْسَعَةٍ ... ولا يحدثكم عن ثابت لاقِ [2]
وخرج تأبط حتَّى أتى بلاد بجيلة، ورأى نارًا فقصد نحوها، وإذا عليها رَجُل وامرأة جميلة فهويها، وسأل القِرى فقراه زوجها، ثُمَّ إنه اغْتَره فقتله وأخذ امرأته وقَالَ:
بحليلةِ البجليِّ بِتُّ بليلةٍ ... بين الإزار وكشْحِهَا المتنطِّقِ
وإذا تقوم فصعدة فِي رملة ... لَبَدَتْ بماء غمامة لم يُغْدقَ [3]
وقَالَ تأبط شرًا لقومه، وكان شريرًا: إني قَدْ جَرَّبْتُ النَّاس والأمور فما رَأَيْت الدَّعَةَ إلا ذِلَّةً، وما رَأَيْت خيرًا فِي إقامة، فإن من أقام نُسيَ، ومن كَانَ ذا شرٍّ خُشي، ومن أطمع النَّاس أكرم، وللباطل يوم انوه، وللحق من كل نصيب، ولولا أكل القويِّ الضعيفَ لجاعَ، وكُلْ أكيلتك قبل أن يأكلها غيرك.
__________
[1] حثحثوا من الحث. والأحص: الذي تناثر ريشه وتكسر، وأم خشف ظبية: والشث والطباق من نبت السراة.
[2] ديوان المفضليات ص 2- 19.
[3] الأغاني ج 21 ص 150- 151.(13/281)
قَالُوا: وخرج تأبط شرًا فِي نفر من قومه، حتَّى عرض لهم أهل بيت من هذيل فَقَالَ: اغنموا هَذَا البيت أولًا، وأَتَتْ ضَبُعٌ عن يساره فكرهها فَقَالَ: أبشري أشبعك غدًا، فَقَالَ لَهُ بعض أصحابه: أراها بائن وأنت تلعب، فلما كَانَ فِي وجه الصبح وَقَدْ عَدَّ أهل ذَلِكَ البيت عَلَى النَّار، فعرف مبلغ عددهم، شد عليهم، وفيهم غلام دُوَيْنَ المحتلم، فسند فِي الجبل، وَعدا تأبط عَلَى القوم فقتل وأصحابه شيخًا وعجوزًا، وحازوا جاريتين وإبلًا، ثُمَّ قَالَ: ما فعل غلام كَانَ معكم؟ فقيل: سند فِي الجبل فاتبع تأبط أثره، فَقَالَ أصحابه: ويلك دَعْهُ فأبى واستدرأ الغلام بقتادة [1] إلى صخرة، وأقبل تأبط فقصَّ أثره فَفَوَّق لَهُ الغلام سهمًا حين رَأَى أَنَّهُ لا ينجيه شيء وأمهله حتَّى إِذَا دنا مِنْهُ قفز قفزة عَلَى الصخرة، وأرسل السهم، فأصاب صدره فَقَصَدَ قَصْدَهُ وهو يَقُولُ: لا بأس، فَقَالَ الغلام: لا بأس، أما والله لقد وضعته بحيث تَكْرَهُ. وغَشِيَهُ تأبط بالسيف فجعل الغلام يلوذ بالقتادة، ويضربها تأبط بحشاشة نفسه، حتَّى خلص إلى الغلام فقتله، ثُمَّ نزل إلى أصحابه مثخنا يجر رجله فقالوا له: مالك؟ فلم يجبهم ومات في أيديهم، فانطلقوا وتركوه فجعل لا يأكل مِنْهُ سبع ولا طائر إلا مات فاحتملته هذيل فطرحته في غار، فقالت ريطة أخته وهي متزوجة فِي بني الديل:
نِعْمَ الفتى غادرتُم بِرَجْوَانْ [2] ... بثابتِ بْن جابرِ بن سفيان
__________
[1] القتادة: شجرة صلبة لها شوك كالأبر وجناة كجناة السمر، تنبت بنجد. معجم أسماء النباتات.
[2] كذا بالأصل وضبطه صاحب القاموس «رخمان» وكذلك فعل ياقوت في معجمه.(13/282)
وقَالَ مُرَّةَ بْن خليف الفهمي يرثي تأبط شرًا:
إن العزيمة والتعداء قَدْ ثَويَا ... أكفانَ مَيْتٍ ثوى فِي غار رَجْوان
الَّا يكن كرْسُفٌ كَفَّنْتُ أَجوده ... ولا يكن كفنٌ من ثوب كتَّان
فأنتَ حُرٌّ من الأحرار ألبَسَهُ ... ريشُ السَدَى والنَّدى من خير أكفان [1]
وقالت أم تأبط تبكيه: وا ابناه، وا ابْنُ الليل، ليس بزُميل [2] ، شروبٌ للقَيْل، مقرب الخيل يعوضُ بالقَرْن يَوْم الهَوْل. وا ابناه ليس بُعلفوف [3] ، يَلُفُّه هوف [4] كأنما خُلق من صُوف.
وحدَّثني أَبُو عَبْد الرَّحْمَن الهذلي قَالَ: كَانَ تأبط كَثِير السفر، فلقيت هذيل مِنْهُ برحًا، فأرصدوا لَهُ وكثروا فقتلوه، وقَالَ الكلبي: وأخوه حُذَر.
وقَالَ غيره: كَانَ لتأبط شرًا أخ يُقال لَهُ ريش لغب بْن جَابِر بْن سُفْيَان، وسمي ريش لغب بقوله:
مَتَى أَدْعُ من فَهْم وعَدوان يأتني ... فوارسُ منَّاعُون قاصية الشَّربِ
عَلَى كل منسافٍ إِذَا الخيل سُوَّمَتْ ... يُبادِرْنَ غُنْمًا أَوْ يُنجَّيْنَ من كَرْبِ
وما ولدت أمي من القوم عاجزًا ... ولا كَانَ ريشي من ذُنَابَي ولا لَغْبِ
ولا كنت فَقْعًا نائيًا بقراره ... ولكنني أنمي إلى عَطَنٍ رحب
وكان يقال له عمرو:
__________
[1] الأغاني ج 21 ص 168. والكرسف: القطن.
[2] الزميل: الجبان.
[3] العلفوف: الجافي المسن، والشيخ اللحيم المشعراني، والعجوز. القاموس.
[4] الهوف: الريح الحارة. والريح الباردة الهبوب، والرجل الخاوي الذي لا خير فيه.
القاموس.(13/283)
ومن بني فَهْم: بنو يَعْمُر، ولهم يَقُولُ مُرَّيْر بْن جَابِر:
قتلتُ عُميرًا فِي فوارس يعمر ... ثمانية مثل الأسود الخوادر
وهو يعمر بْن كَثِير بْن عوف بْن سعد بْن الظرب بْن عَمْرو بْن عياذ بْن يشكر، وكانوا حلفاء لبني ناج، وسعد بْن الظرب أخو عامر بْن الظرب.
وقَالَ ابْنُ دأب: قَالَ جَابِر بْن سُفْيَان أَبُو تأبط شرًا- والكلبي يَقُولُ جَابِر بْن سفيان بْن عدي، وغيره يَقُولُ سُفْيَان بْن عميثل بْن عدي فِي يَوْم الفيل-:
أتانا راكب فَنَعَى أناسًا ... وعباسًا وناسًا آخرينا
أقمنا بالمغَمَّس نصف شهر ... ويحزوهم بها متجاورينا
وقَالَ ابْنُ دأب: أم تأبط شرًا أميمة الفهمية، من بني قين، ولدت خمسة نفر: تأبط شرًا، وريش نَسْر وهو عَمْرو، وريش لَغْب. ولَغْب حُذَر ولا بواكي لَهُ.
ومن فهم: جَابِر بْن أبي حبيب رثته حَيَّة ابنته فقالت:
فَبَكَّي جابر بْن أبي حبيبٍ ... إِذَا الأضْيَافُ لم يجدوا عَيُوفا
وقَالَ أَبُو اليقظان: لقي تأبط شرًا الغول فقتلها، وهو القائل:
فيومًا بغزّاء ويومًا بِسُرْبه ... ويومًا بجشجاشٍ من الرجل هَيْصَل
يَقُولُ بجيش عظيم لَهُ صوت.(13/284)
نسب بني خَصَفَة بْن قيس
وولد خَصَفَة بْن قيس:
عكرمة بْن خَصَفَة،
وأمه ريطة بِنْت وبرة أخت كلب، ومحارب بْن خَصَفَة، وأمه هند بِنْت عَمْرو بْن ربيعة بْن نزار.
فولد عكرمة بْن خَصَفَة:
مَنْصُور بْن عكرمة.
وملكان بْن عكرمة، وهو أَبُو مالك. وعامر بْن عكرمة وهم فِي تيم اللَّه وفيهم يَقُولُ التيمي:
أعامر لا من أسرة الحي أنتم ... ولا نَسَب فِي قيس عيلان ثابت
وسعد بْن عكرمة، وأمهم تَعِلَّة بِنْت قيس.
فولد مَنْصُور بْن عكرمة:
هوازن بْن مَنْصُور.
ومازن بْن مَنْصُور وأمهما سلمى بِنْت غني بْن أعصر.
وسليم بْن مَنْصُور. وسلامان بْن مَنْصُور، وأمهما تكمة بِنْت مُرّ بْن أدّ.
فولد هوازن:
بَكْر بْن هوازن.
وحرب بْن هوازن. وسَبْع بْن هوازن درجوا، وأمهما هند بِنْت جعدة بْن غني.
فولد بَكْر بْن هوازن: معاوية بْن بَكْر، وزيد بْن بكر قتله أخوه معاوية فوداه عامر بن ظرب بمائة من الإبل، وإنما جعلها مائة لعظم الإبل(13/285)
عندهم وليتناهوا عن الدماء، فهي أول ديَة كانت فِي العرب مائة من الإبل حكم بها عامر بْن ظرب فجرى ذَلِكَ إلى اليوم، وأمهما عاتكة بِنْت سَعْد بْن هُذَيل بنُ مدركة.
ومُنَبِّه بْن بَكْر. وسعد بْن بَكْر وهم الَّذِينَ أرضعوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمهما بِنْت عَوذ مناة بْن يَقْدم بْن دُعمى بْن إياد.
فولد معاوية بْن بَكْر: صعصعة بْن معاوية. ونصر بْن معاوية.
وحَوش بْن معاوية. وجحاش بْن معاوية، وأمهم رقاش بِنْت ناقم، وهو عامر بْن جدان بن جديلة بن أسد بن ربيعة بْن نزار.
وجُشَم بْن معاوية وأمه مليكة بنت جشم بن حبيب بن عمرو بن غنم بْن تغلب. وشيبان بْن معاوية وأمه عُشَيْنَة، بها يعرفون.
وعوف بْن معاوية وهم الوَقَعَة الَّذِينَ ذكرهم الأسدي فقال:
يا أُختَ ذَحْوَة أَوْ يا أُخت إخوتهم ... من عامر وسلول أو من الوقعة
والوقعة مع بني عَمْرو بْن كلاب.
والسَّبَّاق بْن معاوية. والحارث بْن معاوية. وذَحْوَة بْن معاوية.
وذُحَيَّة بْن معاوية، أمهم عاتكة بِنْت حرب بْن هوازن لم يلد حرب غيرهم.
وقَالَ ابْنُ الكلبي: قَالَ شرقي: هُوَ الوَقْعَة، والقتيل الوقَعَة.
فولد صعصعة بْن معاوية: عامر بْن صعصعة. ومازن بْن صعصعة. وعائذ بن صعصعة. ووائل بْن صعصعة وأمهم عمرة بِنْت عامر بْن ظرب العدواني.
وغالب بْن صعصعة، وأمه غاضرة بها يعرف.(13/286)
وقيس بْن صعصعة. وعوف بْن صعصعة. ومساور بْن صعصعة.
وسَيَّار بْن صعصعة. ومثجور بْن صعصعة، وأمهم عُدَيَّة بها يعرفون.
وكبير بْن صعصعة. وعمرو بْن صعصعة. وزبينة، وأمهم وائلة بها يعرفون.
وعبد الله بْن صعصعة والحارث بن صعصعة، وأمهما عادية بها يعرفون.
وربيعة بْن صعصعة وأمة عُوَيصرة بها يعرفون.(13/287)
نسب بني مُحَارب بْن خَصَفَة
فولد محارب بْن خَصَفَة: جسر بْن محارب وأمه كاس بِنْت لكيز بْن أفعى بْن عَبْد القيس.
وخلف بْن محارب، وأمه هند بِنْت عَمْرو بْن قيس.
فولد جسر بْن محارب: عليّ بْن جسر.
فولد عليّ: عميرة بْن عليّ. والهُون بْن عليّ.
فولد عَميرة: بَكْر بْن عميرة.
فولد بَكْر: زَيْد بْن بَكْر. ومُرّ بْن بَكْر. والحارث بْن بَكْر.
فولد زَيْد بْن بَكْر: عوف بْن زَيْد. وعامر بْن زَيْد. ومالك بْن زَيْد.
فولد عوف: عَبْد بْن عوف. وسعد بْن عوف.
فولد عَبْد بْن عوف: شَكْم.
فولد شَكْم: بغيض بْن شكم. ويَقَظَة بْن شكم. وربيعة بْن شكم.
ومنهم: عائذ بْن سَعِيد بْن جندب بْن جَابِر بْن زَيْد بْن عبد بْن الحارث بْن بغيض، وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(13/289)
من ولده: لقيط المحاربي- الرواية- ابْنُ بكير بْن النضر بْن سَعِيد بْن عائذ بْن سَعِيد بْن جندب، وكان بكير أَبُوهُ صدوقًا عالمًا، وَقَدْ حَدَّثَنِي العمري صاحب الهيثم عن لقيط.
ومنهم: سَهْم بْن مُرَّة بْن عَبْد بْن الحارث بْن بغيض، وَقَدْ رأس.
وولد ربيعة بْن شكم: حبيب بْن ربيعة. وأحب بْن ربيعة.
ومحب بْن ربيعة.
منهم: شريك بْن غانم بْن عامر بْن أسعد بْن حبيب بْن ربيعة، كَانَ شريفًا بالكوفة، وهو بيتهم.
وولد سعد بْن عوف: الحارث بْن سعد.
منهم: رزين بْن مالك بْن سَلَمة بْن ربيعة بْن الحارث بْن سعد، وفد عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ونملة بْن عامر الَّذِي رَدَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عن هدم دُور جَسْر، وضمن لَهُ عَنْهُمُ الإنابة، وأَلَّا يأتيه مكروه منهم.
ومنهم مطهّر بْن شيخ بْن صخر بْن قَرْدَد بْن سعد بْن أحَبّ بْن ربيعة الشَّاعِر.
وولد مُرّ بْن بَكْر: معاوية بْن مر. وجشم بْن مر. وعبد بْن مر.
منهم يزيد بْن هبيرة [1] بْن أُقيش بْن جذيمة بْن كَلَتَة بْن خُفاف بْن معاوية بْن مُرّ بْن بَكْر،
كَانَ شريفًا وَقَدْ ولي ولايات، وهو أَبُو دَاوُد الَّذِي يَقُولُ لَهُ عَبْد اللَّه بْن الحجاج الثعلبي- من بني ثعلبة بْن سعد بْن ذبيان:
__________
[1] بهامش الأصل: يزيد بن هبيرة.(13/290)
لتذهب إلى أَقصى منادَحها جَسْرُ ... فليس إليها فِي مباعدَة قَفْرُ
رَأَيْت أبا دَاوُد فِي مُحْدَثَاتها ... زعيمًا عَلَى قيس لقد أَبْرَحَ الدهر
يَقُودُ الجياد المسبقاتِ كأنما ... نَمَاهُ زهيرٌ للرئاسة أَوْ بدر
وولي يزيد بْن هبيرة اليمامة لعبد الملك بْن مروان، وله يَقُولُ جرير بْن عطية الخطفى:
وأرى الْإِمَام إِذَا تبين ناكثًا ... أَوْ ناكثين رماهما بيزيد [1]
وله يَقُولُ الأشهب بْن رميلة:
أبلغ أبا دَاوُد أني ابنُ عمه ... وأنَّ البعيثَ من بني عَمِّ سالم
أيُولجُ باب الملك من ليس أَهْلُهُ ... وريشُ الذُّنَابى قَبْلَ رِيشِ القَوادم [2]
سالم حاجب يزيد بْن هبيرة، فجعل البعيث مثله.
وقَالَ فِيهِ ابْنُ أفرم النميري شعرًا لم نُثْبِتُهُ، وكان فِي جيش أبان بْن مروان، وكان أَبُو دَاوُد مكينًا عنده، فخرج من غير أن يشفع فِيهِ وكان سأله ذَلِكَ.
وبنو جَسَر حلفاء بني عامر بْن رَبِيعَة بْن عامر بْن صعصعة.
وولد الحارث بْن بَكْر: مرة بْن الحارث.
فولد مرة: ضَرس بْن مرة. وعبد بْن مرة.
وولد عَبْد بْن مرة بْن بَكْر بْن عَميرة بْن عليّ بْن جَسر: السَّمين بْن عَبْد بْن ربيعة بن عبد، وهو الشريد.
__________
[1] ليس في ديوان المطبوع.
[2] البيتان للفرزدق، انظرهما في ديوانه ج 2 ص 268.(13/291)
وولد الهون بْن عليّ: جِلّان بْن الهون. وعوف بْن الهون.
فولد جلَّان: جُشَم بْن جلان.
فولد جُشَم: دُهْمان بْن جُشم. ووائلة بْن جشم. وقُعَيْد بْن جُشم.
فالمؤمّل بْن أُمَيل الشَّاعِر من بني الهون بْن عليّ بْن جَسر، وهو الَّذِي يَقُولُ:
إِذَا مرضنا أتيناكم نَعُودكم ... وتُذْنبون فنأتيكم فنَعْتَذر
ويقول:
أنهار قَدْ هَيَّجْتِ لي أوجاعًا ... وتَرَكْتِني صَبًّا لكم مِطواعًا
والله لو علم النهار بأنها ... أَمْسَتْ سميته لطال ذراعا
وقال هشام ابن الكلبي: لقد لقيت أُمَيْلًا أبا المؤمّل.
وولد عوف بْن الهون: جذيمة. ووائلة. وعتاب.
وولد خلف بْن محارب: طريف بْن خلف.
فولد طريف: ذُهل بْن طريف. وغَنْم بْن طريف وهم الأبناء.
ومالك بْن طريف وهم الخُضْر.
قال هشام ابن الكلبي إِذَا تحالف إخوة عَلَى أخيهم قيل الأبناء، فتحالف الأصاغر عَلَى أخيهم الأكبر وعلى ولد ولده.
ومن الخضر: عامر الَّذِي ذكره الشماخ بْن ضرار الثعلبي:
اجْتَمِعُوا فَأَيُّكُمُ يُفَاخر ... أَنْبَأَنِيهِ الخضري عامر [1]
وكان عامر من أرمى الناس، عرضت له ثلاث قطوات فقال
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.(13/292)
لأصحابه: أيتهنَّ تُحبون أن أصيب؟ فأشاروا إلى واحدة فأصابها. وفيه يَقُولُ الشماخ:
وجلَّاها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخضر يرمي حيث تُكْوَي النواحر [1]
فولد ذُهل بْن طريف: بَذَاوة.
فولد بذاوة: سعد بْن بَذَاوة، وهو الكيذبان، بعثه قومه رائدًا لهم فَكذَبَهُم فلقوا ما كرهوا، فسُمِّي الكيذبان لمبالغته فِي الكذب، لأن الرائد لا يكذب أهله.
فولد معاوية بْن بذاوة: ربيعة بْن معاوية وهو حُدَاد.
فولد حُداد: مالك بْن حُداد. وسعد بْن حُداد. منهم: مُحْصَن بْن سَوَّاء بْن الحارث بْن ظالم بْن سَهْم بْن جَراد بْن هلال بْن مالك بْن حُداد، كَانَ شريفًا، ومدحه ابْنُ البرصاء المُرِّي- مُرة غطفان. وعبد الرَّحْمَن بْن جمانة بْن عُصيم بْن الحارث بْن ظالم الشَّاعِر، وبيت بني بذاوة فِي بني عصيم بْن الحارث.
وولد الصادرة بْن بذاوة: وائلة، رهط فراس بْن حبيب بْن سعد بْن وائلة، كَانَ يرحل إلى الملوك فِي أسارى قومه، فَقَالَ الشَّاعِر:
ألا ليتنا إمَّا مُنينا ... بسوءٍ إن مولانا خراش
نُطالب ذحلةً فِي كل يَوْم ... محثرم [2] لا يُمَهِّدُه الفراش
ومنهم: مُضَرِّس بْن أنس بْن خراش بْن خالد، قتل بالمدائن حين دخلها المسلمون.
__________
[1] ليس في ديوانه المطبوع.
[2] الحثرمة: غلظ الشفة، والدائرة تحت الأنف وسط الشفة العليا. القاموس.(13/293)
وأمية بْن كعب بْن وائلة وهو مُسَاحم، قتل الخُرشُب الأنماري بأخيه عامر بْن مساحم.
وولد الكيذبان بْن بذاوة: سَلول بْن الكيذبان. وعُمير بْن الكيذبان.
والصَّعق بْن الكيذبان، أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غزاة ذات الرقاع فَقَالَ:
جملي أحَبُّ إليَّ من ربك، فدعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فمات.
وولد غَنْم بْن طريف: مالك بْن غنم. وثعلبة بْن غنم. وثعبة بْن غنم.
منهم: نُفَيع بْن سالم بْن سَنَّة بْن الأشْيَم بْن ظفر بْن مالك بْن غنم بْن ظريف الشَّاعِر، الَّذِي يُقال لَهُ ابْنُ صَفّار، وصَفّار هُوَ سالم، وصَفّار أكَمَةٌ كَانَ يرعى عندها فسمي بها، وله شعر فِي حرب قيس وتغلب بالجزيرة، وكان يُشاعر الأخطل.
وولد ثعلبة بْن غنم: طريف بْن ثعلبة. وعامر بْن ثعلبة.
فولد عامر: الحارث بْن عامر. ومعاوية بْن عامر. وزيد بْن عامر.
وبُدَيْن بْن عامر. وكعب بْن عامر فيقال لهؤلاء الأبناء.
وَوُلدَ مالك بْن ظريف، وهم الخضر، سموا بذلك لُأدْمتهم:
ثعلبة بْن مالك وهو المُضَرِّب.
فولد ثعلبة: مازن بْن ثعلبة. وسَلَمةَ بْن ثعلبة. منهم الخُضَريّ الشَّاعِر الَّذِي ذكرناه مَعَ خبر ابْنُ ميادة المُرِّي وهو القائل:
وللحرب سُمِّينَا فكنا محاربًا ... إِذَا ما القنا أمسى من الطعن أحمرا
وقَالَ أَبُو اليقظان: أخذ زياد رجلًا بالكوفة يُقال لَهُ معين فحبسه،(13/294)
وأخذ رجلًا آخر من بني تميم فحبسه فِي مثل ما أخذ فِيهِ المحاربي، فتكلمت بنو تميم فِي صاحبهم، فأُخرج، وبقي المحاربي فَقَالَ: أَنَا أشهد أن بني تميم أكرم وأبر من محارب.
قَالَ: ومن محارب: الحكم بْن عبادة، كَانَ عَلَى البحرين لأمير المؤمنين أَبِي جَعْفَر، وكان عبادة سيدًا بخراسان وأشار على سورة بن أبجر الدارمي ألا يسلك الطريق التي سلكها فعصاه، فوقع فيما كره، فَقَالَ لَهُ:
ما الرأي يا عبادة؟ قَالَ: خَلَّفْتَ الرأي خلفك وبقي الصبر.
ومن بني محارب: جامع الَّذِي قَالَ حين بني الحجاج واسطًا: لقد بنيتها فِي غير بلدك، وتُورِثها غير ولدك. وقَالَ ابْنُ سعد: هُوَ جامع بْن شداد الفقيه مات سنة سبع وعشرين ومائة [1] .
__________
[1] طبقات ابن سعد ج 6 ص 324.(13/295)
[عكرمة بن خصفة]
[منصور بن عكرمة بن خصفة]
نسب بني مازن بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة
وولد مازن بْن مَنْصُور: الحارث بْن مازن. ومالك بْن مازن.
وعمرو بْن مازن. وعدي بْن مازن. وعبد بْن مازن.
فولد الحارث: عوف بْن الحارث: وربيعة بْن الحارث. وحامية ابن الحارث.
منهم: عتبة بْن غزوان [1] بْن جَابِر بْن نُسَيْب بْن وُهَيب بْن زَيْد بْن مالك بْن عَبْد عوف بْن الحارث بْن مازن بْن مَنْصُور،
وهو بَصَّرَ البصرة، وكانت يومئذٍ الأبُلَّة، وكان حليفًا لبني نوفل بْن عَبْد مناف، وشهد بدرًا.
وقَالَ الواقدي: كَانَ عتبة يكنى أبا عَبْد اللَّه، وَيُقَال أبا غزوان، وهو قديم الْإِسْلَام، وكان طوالًا جميلًا، وهاجر إِلَى أرض الحبشة فِي المرة الثانية، وكان من رماة أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المذكورين.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالا: ثنا وكيع عن أبي
__________
[1] بهامش الأصل: عتبة بن غزوان رضي الله عنه.(13/297)
نَعَامَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين أَبِي دُجانة الْأَنْصَارِيّ، ونزل بالمدينة حين هاجر عَلَى عَبْد اللَّه بْن سَلَمة العجلاني، واستعمله عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ عَلَى البصرة. فنزل الخريبة [1] ، وكتب إلى عُمَر يعلمه بنزوله إياها وأنَّه لا بد للمسلمين من منزلٍ يشتون فِيهِ إِذَا شتوا، ويسكنون فِيهِ إِذَا انصرفوا من غزوهم، فكتب إِلَيْه أنِ اجمعهم فِي موضع واحد قريب من الماء والمرعى، فأنزلهم البصرة، فبنوا مساكن بالقصب، وبنى عتبة مسجدا من قصب، وذلك فِي سنة أربع عشرة، وبنى عتبة دار الأمارة دون المسجد فِي الرحبة، وكان النَّاس إِذَا غزوا نزعوا ذَلِكَ القصب وحزموه ووضعوه حتَّى يرجعوا من غزوتهم، فإذا رجعوا أعادوه، ثُمَّ بنى النَّاس المنازل بعد ذَلِكَ [2] .
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَجَّهَ عُمَرُ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ فِي ثمانمائة إِلَى الْبَصْرَةِ، ثُمَّ أَمَدَّهُ بِالرِّجَالِ، فَنَزَلَ بِالنَّاسِ فِي خَيْمٍ، فَلَمَّا كَثَرُوا بَنَي رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعَ دَسَاكِرَ مِنْ لَبِنٍ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ إِلَى الأُبُلَّةِ فَقَاتَلَ أَهْلَهَا فَفَتَحَهَا عُنْوَةً وَأَخَذَ دِهْقَانًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَقِيلَ دِهْقَانُ دَسْتَمَيْسَانَ وهزم أصحابه وفتح أبزقباذ [3] ، ثم استأذن
__________
[1] الخريبة موقع مدينة عتيقة كان تسمى وهشتاباذ أردشير، وسماها العرب الخريبة وعندها كانت وقعة الجمل. معجم البلدان.
[2] طبقات ابن سعد ج 7 ص 5- 8.
[3] أبزقباذ: من طساسيج المزار بين البصرة وواسط، وقيل هي كورة أرجان بين الأهواز وفارس. معجم البلدان.(13/298)
عُمَرَ فِي الْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَالْحَجِّ، فَأَذِنَ لَهُ فَاسْتَخْلَفَ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ السُّلَمِيُّ، وَشَخَصَ فَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا قَدِمَ لَهُ أَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَالِيًا فَاسْتَعْفَى فَلَمْ يُعْفِهِ، فَشَخَصَ يُرِيدُ الْبَصْرَةَ، فَمَاتَ فِي طَرِيقِهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشَرَةَ، وَهُوَ ابْنُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَيُقَالُ مَاتَ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشَرَةَ، وَلَهُ سَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةَ.
وَحَدَّثَنِي التُّوزِيُّ عَنِ الأَصْمَعِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ خَطَبَ بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ: إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ آذَنَتْ بِإِصْرَامِ، وَتَوَلَّتْ حَذَّاءَ مُدْبِرَةً، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلا صُبَابَةً كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَأَنْتُمْ مِنْهَا مُرْتَحِلُونَ فَتَزَوَّدُوا لِرَحِيلِكُمْ خَيْرَ مَا بِحَضْرَتِكُمْ وَسَتُجَرِّبُونَ الأُمُرَاءَ بَعْدِي. قَالَ الْحَسَنُ: فَجَرَّبُوا فَوَجَدُوا أنتانا. وأسلم مع عتبة مولاه جناب وتكنى أَبَا يَحْيَى، وَمَاتَ جَنَابٌ سَنَةَ تِسْعَ عَشَرَةَ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسِينَ سَنَةً، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ عُتْبَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.
وقَالَ أَبُو اليقظان: كانت عند مجاشع بْن مَسْعُود السلمي أخت عتبة، واسمها الخُضَيراء، وكانت أول من نَجَّد البيوت، فأمر عُمَر بهتك ما نَجَّدت. قَالَ: وكان عتبة بدريًا، رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُمْ أجمعين.(13/299)
نسب بني سُليم بْن مَنْصُور بْن عكرمة بْن خَصَفَة بْن قيس بْن عيلان
وولد سليم بْن مَنْصُور: بُهْثَة بْن سُليم، وأمه العَصْماء بِنْت بُهثة بْن غَنمْ بْن غني.
فولد بُهثة:
سُليم، وهم فِي بني عامر بْن رفاعة بْن الحارث بْن بُهثة بْن سُليم. وامرأَ القيس بْن بهثة. وعوف بْن بهثة، وكان كاهنًا. وثعلبة بْن بهثة. ومعاوية بْن بهثة، وأمهم هند بِنْت مازن بْن مَنْصُور.
فولد امرؤ القيس بْن بُهثة: خفاف بْن امرئ القيس. وتيم بْن امرئ القيس وهو بَهْز، وأمهم مارية بِنْت الجُعَيد العبدية.
فولد خُفاف: عَميرة. وعصية بْن خفاف. وناصرة بْن خُفاف.
ومالك بْن خُفاف، وأمهم سلمى بِنْت زَيْد بْن ليث بْن قضاعة.
فولد عَميرة: كعب بْن عَميرة، وسلمة بْن عَميرة. ومرة بْن عَميرة، وأمهم ليلى بِنْت المصلات من جُهينة.
ومنهم: بشر بْن قيس بْن مالك بْن أَبِي نُميلة بْن كعب بْن عَميرة، الَّذِي يَقُولُ لَهُ خفاف بْن نُدْبةَ:
ومَيْتٌ بالجناب أَثَلّ عرشي ... كصخر أَوْ كعمرو أو كبشر(13/301)
يعني عَمْرو بْن الشريد، وصخر بْن عَمْرو، وابنه مالك بْن بشر الَّذِي يَقُولُ لَهُ الْعَبَّاس بْن مرداس السلمي:
فليأتينكم ابْنُ قيلة مالك ... بالخيل تردى والرجال غضاب
وقيلة أمّه ابْنَة الحارث بْن عُجْرة بْن عَبْد اللَّه بْن يقظة بْن عُصيَّة.
وعبد اللَّه بْن كامل بْن حبيب بْن عَمْرو بْن رئاب بْن مرة الَّذِي يَقُولُ- وكان من غزاة الشام، وشهد يَوْم مرج الصُفر- فَقَالَ:
شهدتْ قبائل مالكٍ وتَغَيَّبَتْ ... عني عَميرةُ يَوْم مرج الصُفَّرِ
يعني مالك بْن يقظة بْن عصية بْن خُفاف.
ومنهم الفُجاءة،
وهو بَحير بْن إياس بْن عَبْد اللَّه بْن عَبْد ياليل بْن سَلَمة بْن عَميرة.
قَالُوا: أتى الفجاءة أبا بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ: احملني وَقَوِّني أقاتل المرتدين، فحمله وأعطاه سلاحًا فخرج يعترض النَّاس فيقتل المسلمين والمرتدين، وجمع جمعًا، فكتب أَبُو بَكْر إلى طريف بْن حاجرة يأمره بقتاله فقاتله، وأسره ابْنُ حاجرة، فبعث بِهِ إِلَى أَبِي بكر فأمر أَبُو بَكْر بإحراقه فِي ناحية المصلى.
وَيُقَال إن أبا بَكْر كتب إلى معن بْن حاجرة فِي قتال الفجاءة، فوجه إِلَيْه أخاه طريف.
وولد عُصَيَّة بْن خفاف: يَقظة بْن عُصيَّة. ورواحة بْن عصيَّة.
ومُليل بْن عصيَّة.
فولد يقظة: رَيّاح بْن يقظة. وعوف بْن يقظة. ومالك بْن يقظة وهو الدفاع. وعبد اللَّه بْن يقظة.(13/302)
فولد ريّاح: عَمْرو بْن ريّاح وهو الشريد.
قَالَ حَمَّاد الراوية: كَانَ قَدْ شرد عن أَبِيهِ، وهو يَفَعَة، فوجده فسماه الشريد.
ورويبة بْن رياح وأمهما تعجر بِنْت سَلَمة بْن عَميرة بْن خُفاف.
فمن بني الشريد: صخر. ومعاوية.
وخنساء [1] الشاعرة،
واسمها تماضر بِنْت عَمْرو بِنْت الحارث بْن عَمْرو الشريد بْن رياح بْن يقظة بْن عصية، وللخنساء يَقُولُ دريد بْن الصمَّة:
حيُّوا تماضر واربعوا صَحْبِي.......... [2]
وَقَدْ كتبت مقتل صخر، ومقتل معاوية أخوي الخنساء فيما تقدم، أما معاوية فقتله هاشم بْن حرملة، وأمَّا صخر فقتله بنو أسد، وأمَّا الخنساء فخطبها دريد بْن الصمة فَأبت أن تتزوجه، وقالت: هُوَ شيخ كبير فَقَالَ دريد:
وتزعم أنني شيخ كبير ... فهل نَبَّأْتِها أَني ابنُ أمس
فلا تلدي ولا ينكحك مثلي ... إذا ما ليلة طرقت بنحس
وقاك الله يا بنة آل عمروٍ ... من الأزواج أمثالي ونفسي [3]
فتزوجها عَبْد العزى بْن عَبْد اللَّه بْن رواحة بن مليل بن عصيّة.
__________
[1] بهامش الأصل: الخنساء.
[2] الشطر الثاني لهذا البيت: «وقفوا فإن وقوفكم حسبي» . ديوان دريد بن الصمة- ط. دار المعارف القاهرة ص 43.
[3] ديوان دريد بن الصمة ص 115- 116.(13/303)
فولدت لَهُ: أبا شجرة، واسمه عَمْرو بْن عَبْد العزى، وأسلمت الخنساء وجعلت تلبس صدارًا من شعر، وذلك أن صخرًا قَالَ فيها، وكان بَرًّا بها:
وكيف لا أَمْنَحُها خيارها ... ولو هَلَكْتُ شَقَّقَتْ خمارها
واتخذت من شعر صدارها
فلما هلك جعلت تلبس صدارًا من شعر، فَقَالَ لها عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ: عزمتُ عليك لَمَّا ألقيتِ صدارك فإنه شيء اتخذته فِي الجاهلية.
وكان أَبُو شجرة ابْنُ خنساء عَلَى جمع من بني سُليم فِي الردة فقاتلهم خَالِد بْن الوليد المخزومي رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، ففض اللَّه جمع المشركين وجعل خَالِد يحرق المرتدين فبلغ أبا بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ ذَلِكَ، فَقَالَ:
لا أشيم سيفًا سَلَّه اللَّه عَلَى الكفار، ثُمَّ أسلم أَبُو شجرة فقدم عَلَى عُمَر وهو يعطي النَّاس من أهل الخِلَّة، فاستعطاه فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ القائل:
ورويتُ رمحي من كتيبة خالدٍ ... وإني لأرجو بعدها أن أُعَمَّرا
وعلاه بالدّرَّة فَقَالَ: قَدْ محا الْإِسْلَام ذَلِكَ يا أمير المؤمنين فأعطاه.
وحدَّثني عباس بن هشام الكلبي عن أبيه قال: كَانَ عَمْرو بْن الحارث بْن الشريد يأخذ بيدي ابنيه: صخر ومعاوية بالموسم، ويقول:
أَنَا أَبُو خَيْريْ مُضَر، من أنكر فَليُغيّر، فما يُغَيِّر ذَلِكَ عَلَيْهِ أحد.
ومنهم: خُفَاف بْن نَدْبَة [1] ،
وهي أمه سوداء، وأبوه عَمير بْن الْحَارِث بْن الشريد الشَّاعِر، وأبو أمه الشيطان بن قنان سبيّة من بني
__________
[1] بهامش الأصل: خفاف بن ندبة الشاعر.(13/304)
الحارث بْن كعب. وَيُقَال أن نَدبة سوداء، هَذَا قول الكلبي.
وقَالَ أَبُو اليقظان كَانَ خُفاف أسود، وهو القائل:
كِلَانا يُسَوِّدُه قَوْمُه ... عَلَى ذَلِكَ النسب المظلم
كِلَانا سنيد إلى قومه ... فَسُوقَا رويدًا ولا تحطم
وكان خفاف يكنى أبا خراشة، وهو قاتل مالك بْن حمار الفزاري، وَقَدْ ذكرنا خبره وله يَقُولُ:
أقول لَهُ والرمح يأطر متنه [1] ... تأملْ خفافًا إنني أَنَا ذلكا [2]
وأدرك الْإِسْلَام فأسلم، وبقي إلى زمن عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، فلقيه عُمَر وهو عَلَى بعير وبين يديه ابْنُ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَر: يا أبا خُراشة من هَذَا؟ قَالَ: ابني وَقَدْ خرف. قَالَ: ما اتّهمت عَلَيْهِ؟ قَالَ:
امْرَأَة لَهُ سيئة الخلق. قَالَ: إن سوء خلق المرأة ليتخوف منه عَلَى الرجل إِذَا أَسَنَّ. وقَالَ عَبَّاس [3] لخُفاف:
أبا خراشة إمَّا كنت ذا نفرٍ ... فإنّ قومي لم تأكلهم الضبع
تأبى حبيب مواليها وأَنْفُسها ... أن يُسْلِمُوك ولن يُسْطَاعَ ما منعوا
إنْ يَكُ جلمود صخرٍ لا يُثَلِّمُهُ ... توقد عَلَيْهِ فيحميه فينصدع
وَقَدْ رثى خفاف أبا بَكْر رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ.
قَالَ الكلبي: ومنهم: هند الأغر بْن خَالِد بْن صخر بن الشريد،
__________
[1] يأطر: يثني، والمتن: الظهر، يريد ظهر مالك.
[2] الأغاني ج 18 ص 74.
[3] ابن مرداس. انظر الأغاني ج 18 ص 79- 88.(13/305)
وكان أسر فروة بْن مُسيك المرادي فِي غارة كانت بينهم، وَقَدْ أسلم فروة، ووفد عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وولاه عُمَر صدقات مذحج.
وولد عوف بْن يقظة بْن عصية: مالك بْن عوف. ووهب بْن عوف.
منهم: أَبُو العاج [1] .
كبير بْن فروة بْن خثيم بْن عَبْد بْن حبيب بْن مالك بْن عوف بْن يقظة. ولاه يُوسُف بْن عُمَر الثقفي البصرة فِي أيام هشام بْن عَبْد الملك، فَوَلَّى أَبُو العاج شرطته مُحَمَّد بْن واسع العابد، وكان أَبُو العاج أعرابيًا جافيًا، وكني أبا العاج لنتوء ثناياه، وعقبه بالشام.
وقَالَ أَبُو الْحَسَن المدائني: سَمِعَ يونس النحوي أبا العاج يقرأ: فأدبر يشتد. يريد: يسعى [2] .
قَالَ: وكان أَبُو العاج عند هشام، وعند هشام خاله إِبْرَاهِيم المخزومي، فذكر يُوسُف بْن عُمَر، فنالَ إِبْرَاهِيم مِنْهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو العاج:
يابن السوداء أَيُوسُف يُذكر بِهذا؟ فلم يفهم هشام، وأُشير إلى أَبِي العاج فسكت ونميتْ إلى يُوسُف، فشكرها لَهُ، فلما ولي العراق أَخْرَجَهُ معه، وَيُقَال بل استزاره بعد فزَاره فولاه وولى أَبُو العاج رجلا بعض كور دجلة.
فقدم عَلَيْهِ ووصف لَهُ سيرته وقَالَ: لقد بلغ من رضى أهل عملي بي أَنْ نثروا عليَّ حتَّى كسروا قناديل المسجد الجامع. فَقَالَ: لا جَرَمَ لتَغْرَمَنَّ ثمنها أَوْ تشتري مثلها.
__________
[1] بهامش الأصل: أبو العاج.
[2] انظر قوله تعالى: ثم أدبر يسعى سورة النازعات- الآية: 22.(13/306)
المدائني عن عَمْرو بْن خَالِد قَالَ: حفر أَبُو العاج نَهرًا، فكان يَمر إِلَيْه متنكبًا قوسًا عربية والنُهَّرْ يُعْرف بِهِ.
وحدَّثني عُمَرو بْن شبه عن أَبِي عاصم النَّبِيّل قَالَ: عدا رَجُل من باهلة عَلَى رَجُل من بني ضُبيعة فضربه الضبعي، فاستعدى الباهليونَ أبا العاج واستعانوا عَلَيْهِ بسَلْم بْن قُتَيْبَة، فَقَالَ أَبُو العاج: يأمرني ابْنُ قُتَيْبَة أن أتعصب له على بني ضبيعة، فو الله ما أُحب أن النَّاس كلهم فِي الجنة إلّا بني ضبيعة. يا غلام ائتني بسياط عليها ثمارها، فَقَالَ الباهليون لسلم: أصلح بيننا أيها الرجل، فأصلحَ سلم بينهم وانصرفوا. وضُبيعة بْن ربيعة بْن نزار، فيُقال أن بُهْثَة سُليم، هُوَ بُهْثَة ضُبيعة، والله أعلم.
قَالُوا: وكان أَبُو العاج يغضب من أَبِي العاج، فَتَقَدَّم إِلَيْه رَجُل فَقَالَ:
أصلحكَ اللَّه يا أبا العاج، فَقَالَ: أَنَا أَبُو مُحَمَّد يابن البظراء، فَقَالَ:
لا تقل هَذَا فإنها كانت مسلمة قَدْ حجَّت. فَقَالَ: إن بظرها لا يمنعها من الحج.
وأُتي أَبُو العاج بغلام مأبون فقيل: إن هَذَا يُمَكِّنُ من نفسه. قَالَ:
أفتريدونَ ماذا أُوَكِّلُ بِهِ رجالًا يحفظونَ دبره؟ لقد وقعتُ إذًا فِي عناء، الاست استه يصنع بها ما شاء.
قَالُوا: وكانت ولاية أَبِي العاج البصرة نحوًا من سنة، ثُمَّ عزله يُوسُف بْن عُمَر.
وولد مالك بْن يقظة: رياح بْن مالك. ورئاب بْن مالك. منهم:
قِدْر بْن عمار الوافد عَلَى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وولد عَبْد اللَّه بْن يقظة: معيط بْن عَبْد اللَّه. وعُجرة بْن عَبْد اللَّه.(13/307)
منهم: هًوذة بْن الحارث بْن عجرة بْن عَبْد اللَّه بْن يقظة، شهد فتح مكَّة، وهو القائل لعمر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ، وخاصم ابْن عم لَهُ فِي الراية:
لقد دار هَذَا الأمر فِي غير أهله ... فَأَبْصِرْ وَليَّ الأمر أَيْنَ يُريد
وولد مُلَيْل بْن عُصَيَّة: رواحة. منهم أَبُو شجرة، وهو عَمْرو بْن عَبْد العزى بْن عَبْد الله بن رواحة بن مليل بن عصية، وهو الشَّاعِر، وأمه خنساء بِنْت عَمْرو بْن الحارث بْن الشريد الشَّاعِر.
ومنهم: نبيشة بْن الحارث بْن رئاب بْن رواحة بْن مُليل، كَانَ فارسًا وهو قتل ربيعة بْن مُكَدَّم الكناني.
وولد ناصرة بْن خُفاف بْن امرئ القيس بْن سليم: ناجِيَة بْن ناصرة. وخلف بْن ناصرة. وعبيد بْن ناصرة وصُبْح بْن ناصرة. ومعقل بْن ناصرة.
وولد مالك بْن خفاف: حبيب بْن مالك. وَزَعْب بن مالك.
وجذيمة بْن مالك. وَزُبَيْنَةَ بْن مالك. وهلال بْن مالك. وقيس بْن مالك.
منهم: وَحْوَح بْن شيخ بْن عَبْد بْن يعمر بْن الحارث بْن حبيب بْن مالك بْن خفاف، كَانَ من فرسانهم فِي الجاهلية.
ومنهم: الضحاك بْن يُوسُف بْن الحارث بْن زائدة بْن عَبْد اللَّه بْن حبيب بْن خفاف، صحب النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعقد لَهُ.
ومنهم: يزيد بْن الأخنس بْن حبيب بْن جرو بْن زعْب بْن مالك، عَقَدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الفتح، وابنه معن بْن يزيد، وهو أحد الأربعة الَّذِينَ كتب عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه تعالى عنه فيهم إلى الآفاق فاجتمع عنده(13/308)
أربعة كلهم من سُليم وأرادهم للمشاورة فِي أمر الشام، وهم: أَبُو الأعور السُّلمي، ومجاشع بن مسعود، والحجاج بْن عِلاط. ومعن بْن يزيد.
وقَالَ غير الكلبي: أشخص إِلَيْه من البصرة مجاشع بْن مَسْعُود، ومن الكوفة عتبة بْن فرقد ومن مصر معن بْن يزيد، ومن الشام أَبُو الأعور، وشهد معن بْن يزيد يَوْم مرج راهط مَعَ الضحاك بْن قيس الفهري، فِي طاعة ابْنُ الزُّبَيْر.
وولد عوف بْن امرئ القيس بْن بهثة: سَمَّال [1] بْن عوف. وغيظ بْن عوف. ومالك بْن عوف.
فولد سَمَّال: حرام بْن سمال. ويربوع بْن سمال، رهط مجاشع بْن مَسْعُود من أهل البصرة، كَانَ شريفًا، وأصابه سهم يَوْم الجمل، وكان مَعَ عَائِشَة رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهَا، فمات مِنْهُ.
وكان عتبة بْن غزوان لما شخص عن البصرة للحج استخلفه عَلَى البصرة، وكان غائبًا عَنْهَا، فأمر المغيرة بْن شُعْبَة أن يقوم مقامه إِلَى قدومه، فَقَالَ لَهُ عُمَر: أَتُوَلِّي رجلًا من أهل المَدَر، وتوفي عتبة فولى عُمَر المغيرة البصرة، ولما صار عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز إلى فارس فِي أيام عثمان رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ وجَّهَ مجاشع بْن مَسْعُود إلى كرمان، فأتى تَيْمِيد من كرمان، فهلك جيشه بها، ثُمَّ لما توجه ابْنُ عامر إلى خراسان ولى مجاشعًا كرمان ففتح بها فتوحًا وبتَيْمِيد قصر يُعرف بقصر مجاشع.
__________
[1] بهامش الأصل: سمال بفتح السين وشد الميم، وباللام.(13/309)
وكانت عند مجاشع شُميلة بِنْت أَبِي أُزيهر السدوسي من الأزد وكان مجاشع أُميًّا فدخل عَلَيْهِ نصر بْن الحجاج بْن علاط السُّلمي، وكان من أجمل النَّاس، وعنده شميلة فكتب نصر عَلَى الأرض: أحبك حبًا لو كَانَ فوقك لَأظَلَّك ولو كَانَ تحتك لَأقَلَّكِ، فكتبت هِيَ: وأنا والله، فأكبَّ مجاشع عَلَى الكتاب إناء ثم أدخل كاتبا فقرأه، وَيُقَال أن نصرًا محا ما كتب بِهِ، وبقي كتاب شميلة فَقَالَ لنصر: ما كتبتَ؟ فَقَالَ: لا إله إلا اللَّه. فَقَالَ مجاشع:
ليس وأنا والله من هَذَا فِي شيء، وضربها فأقَرَّت فطلقها، ثُمَّ إن ابْنُ عَبَّاس خلف عليها بعد.
ومجالد بْن مَسْعُود، كانت لَهُ صحبة، وجاء بِهِ مجاشع إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فتح مكَّة فبايعه، وَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «لا هجرة بعد الفتح» ] .
وعبيد بْن سمَّال بْن عوف. وجندب بْن سمَّال. وعذيمة بْن سمَّال.
فولد حرام بْن سمال: هلال بْن حرام. وعبس بْن حرام.
ورواحة بْن حرام.
منهم: عَبْد اللَّهِ بْن خازم بْن أسماء بْن الصَّلْت بْن حبيب بْن حارثة بْن هلال بْن سَمَّال،
وكان معاوية لما وجه ابْنُ عامر الحضرمي إلى البصرة للطلب بدم عثمان، صار عَبْد اللَّه بْن خازم معه فجعله عَلَى خيله، ووجه عليّ عَلَيْهِ السَّلام جارية بْن قدامة فحارب ابْن الحضرمي فهزمه واضطره إلى دار سنبيل بالبصرة، فكان عَبْد اللَّه بْن خازم معه فيها.
وكانت أم عَبْد اللَّه سوداء يُقال لها عجلى، فنادته فأشرف عَلَيْهَا فأخرجت ثدييها وقالت: أسألك بِدَرِّهِمَا لما نزلتَ فأبى فَقَالَت: والله لئن لم تنزل لَأتَعَرَّنَّ، وأهوت بيدها إلى ثيابها فنزل وأُحرقت الدار عَلَى ابْنُ(13/310)
الحضرمي، وكانت دار عَبْد اللَّه بْن خازم لعمّته دجاجة بِنْت أسماء بْن الصلت، وهي أم عَبْد اللَّه بْن عامر بْن كريز فأقطعته إياها.
وَيُقَال إن عَبْد اللَّه بْن عامر لما أتى خراسان وجَّه عَلَى مقدمته عَبْد اللَّه بْن خازم، وَيُقَال الأحنف بْن قيس، ووجه ابْنُ عَامِر عَبْد اللَّه بْن خازم إلى نَسَا ففتحها صلحًا، ووجه إلى سرخس فصالح دهقانها، ثُمَّ إن عَبْد اللَّه بْن خازم افتعل بعد خروج ابْنُ عامر مُحرمًا شكرًا لله تَعَالى، عهدًا عَلَى لسان ابْنُ عامر، وتولى خراسان فاجتمعت جموع الترك ففضّها، ثُمَّ قدم البصرة قبل مقتل عثمان بقليل.
وقَالَ ابْنُ خازم: إنَّما يتكلف الكلام والخطب إمام لا يجد من الكلام بدًا، أو أحمق يهمر [1] من أم رأسه لا يبالي ما قَالَ، ولست بواحد منهما، ولكني بصير بالفرص، وثَّاب عليها، وَقَّاف عند الشُّبَه، أُبعد بالسرية وأُقْسِمُ بالسَّوِيَّة، وأضرب هامة البطل المُشِيح.
وولي معاوية رحمه اللَّه ابْنُ عامر البصرة، وضم إِلَيْه خراسان، فولى خراسان قيس بْن الهيثم بْن قيس بْن الصلت، فصالح أهل بلخ عَلَى أن راجعوا الطاعة، ثُمَّ قدم عَلَى ابْنُ عامر بالبصرة فضربه وحبسه، وولى خراسان عَبْد اللَّه بْن خازم، فصالح من كَانَ انتقض، وحمل إلى ابْنُ عامر مالًا.
ثُمَّ ولى معاوية زياد بْن أَبِي سُفْيَان البصرة وخراسان، ولما ولى يزيد بْن معاوية ولى سلم بْن زياد خراسان، فلما مات يزيد التاثَ النَّاس عَلَى سَلْم، فشخص عن خراسان وأتى عبد الله بن الزبير.
__________
[1] الهامر: الكثير الكلام المهذار. القاموس.(13/311)
وكان عَبْد اللَّه بْن خازم لقي سَلْم بْن زياد مُنْصَرَفه من خراسان بنيسابور وأعانه بمائة ألف، فقالت جماعة من بَكْر بْن وائل واليمن وغيرهم:
علام يأكل هَؤُلَاءِ خراسان دوننا، فأغاروا عَلَى ثقل عَبْد اللَّه بْن خازم فقُوتلوا عَنْهُ فكفوا.
وولى عَبْد اللَّهِ بْن الزُّبَيْر عَبْد اللَّهِ بْن خازم خراسان، فاعترض عَلَيْهِ سُلَيْمَان بْن مرثد أحد بني سَعْد بْن مَالِك بْن ضبيعة بْن قَيْس بْن ثعلبة، وقَالَ: ليس ابْنُ الزُّبَيْر بخليفة، وإنما هُوَ عائذ بالبيت فحاربه ابْنُ خازم وهو فِي ستة آلاف فقُتل سُلَيْمَان، واجتمعت ربيعة إلى أوس بْن ثعلبة فاستخلف ابْنُ خازم ابنه مُوسَى بْن عَبْد اللَّه، وسار إِلَيْه فقاتله، ثُمَّ دس إِلَيْه من سَمَّه فمرض وواقعه فأصابته جراحة مات منها.
وولى عَبْد اللَّه بْن خازم ابنه محمدًا هراة، وصَفَتْ لَهُ خراسان، ثُمَّ أن بني تميم هاجوا بهراة وقتلوا محمدًا فقتل أَبُوهُ بِهِ عثمان بْن بشر بْن المحتفز المزني صبرًا، ثُمَّ إن بني تميم خلعوا ابْنُ خازم، وورد كتاب عَبْد الملك بْن مروان عَلَى عَبْد اللَّه بْن خازم بولايته خراسان، فأطعم رَسُوله كتابه، وقَالَ:
ما كُنت لألقى اللَّه وَقَدْ نكثتُ بيعة ابْنُ حواريّ رَسُوله وبايعت ابن طريدة، فكتب عَبْد الملك إِلَى بكير بْن وَسَّاج بولاية خراسان، فدعا النَّاس إلى بيعته فأجابوه وانتقضوا عَلَى ابْنُ خازم، فمضى ابْنُ خازم يريد ابنه موسى وهو بالترمذ فِي عياله، فاتبعه بحير بْن وِقاء الصريمي من بني تميم فقاتله بقرب مرو، ودعا وكيع ابْنُ الدورقية القريعي- واسم أَبِيهِ عَميرة وأمه من سبي دورق- بدرعه وسلاحه فلبسه، وخرج فحمل عَلَى ابْنُ خازم ومعه بحير فطعناه، وقعد وَكِيع عَلَى صدره وقَالَ: يا لثارات دُويلة، ودُويلة أخو وَكِيع(13/312)
لأمه، وكان مَوْلَى بني قُريع قتله عَبْد اللَّه بْن خازم فتنخَّم ابْنُ خازم فِي وجه وكيع، وقَالَ: لعنك اللَّه: أتقتل كبش مضر بأخيك علج لا يساوي كفا من نوى، وقال وَكِيع:
ذق يابن عجلى مثل ما قَدْ أذقتني ... ولا تحسبني كنت عن ذاك غافلا
وكان ابْنُ خازم يكنى أبا صالح.
وقَالَ وكيع: عانقت ابْنُ خازم فسقطنا جميعا، وغلبته بفضل الفتاء فقعدت عَلَى صدره فتنخَّم فِي وجهي وقَالَ: أتقتل كبش مضر بعلج لا يساوي كف نَوَى.
ولما قُتل غَلَب ابنُهُ عَلَى الترمذ مكابرة، وأخرج دهقانها، وحارب الترك، ثُمَّ حاربه عثمان بْن مَسْعُود من قبل مُفضَّل بْن المهلب، فقُتل فِي المعركة، فكان عُمَر بْن هبيرة الفزاري إِذَا ذُكر ابْنُ خازم يَقُولُ: هَذِهِ والله البسالة عند الموت.
وقَالَ المدائني: قَالَ عَبْد اللَّه بْن عامر لعبد اللَّه بْن خازم: يابن السوداء، قَالَ: هُوَ لونها، قال: يا بن عجلى قَالَ: هُوَ اسمها قَالَ: يابن خازم قَالَ: هُوَ خالك [1] .
ومنهم: عروة بْن أسماء بْن الصَّلْت عم ابْنُ خازم قتل يَوْم بئر معونة مسلمًا.
وقيس بْن الهيثم بْن الصلت
ولي البصرة وخراسان، فأمَّا البصرة فاستخلفه عليها القباع، وهو الْحَارِث بْن أَبِي ربيعة المخزومي أيام ابن
__________
[1] بهامش الأصل: بلغ العرض، ولله الحمد، وبالأصل الثالث، من أول هذا الكتاب.(13/313)
الزُّبَيْر، وأمَّا خراسان فولاه إياها ابْنُ عامر. وكان يكنى أبا كَثِير.
وكان الهيثم بْن الصَّلْت أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودعا قومه إلى الْإِسْلَام حتَّى أسلموا، فبنو سليم تَقُولُ هَذَا هُوَ أعظم النَّاس علينا مِنَّةً، وكان يكنى أبا بشر.
حَدَّثَنِي عَلَى الأثرم عن أَبِي عبيدة، وأبو الْحَسَن المدائني عن أَبِي اليقظان، أن قيس بْن الهيثم، ويكنى أبا كَثِير كَانَ خليفة عَلَى البصرة فِي أَيَّام ابْن الزُّبَيْر. وَكَانَ مِمَّن قاتل مَالِك بْن مِسَمع مَعَ الزبيرية يَوْم الجفرة، وهو عَلَى فرس لَهُ مُحَجَّل وَقَدِ استأجر قومًا يقاتلون مَعَهُ، فكانوا يرتجزون:
لَسَاء ما تَحْكُمُ يا حَلَاحِل ... النقد دينٌ والطِّعَانُ عاجل
وأنت بالمال ضنين بَاخِل
وقَالَ أَبُو اليقظان: كَانَ قيس رأس أهل العالية، وكان لَهُ ابْنُ يُقال لَهُ كَثِير فهلك، وله ابْنُ فأخذ قيس ميراثه، فاستعدى عَلَيْهِ الحجاج فأمره أن يدفع إِلَيْه ميراثه، فَقَالَ: ليس بمأمون عَلَيْهِ فأمر بِهِ فقُنِّع ثلاثين سوطًا وهو قاعد، وهو يَقُولُ: أَنَا ابْنُ أَبِي قيس، وقَالَ:
ليس بتعزيز الأمير خزاية ... علي إذا ما كنت غير مُرِيبِ
فبلغ الخبر من بالشام من قيس فغضبوا، وكلَموا عَبْد الملك بْن مروان، فكتب إلى الحجاج: إما إن تُحْسِنَ جواره وإما أن تأذن لَهُ، فأتى الشام.
ولقي الجحاف الحجاج بمكة فَقَالَ: أما والله إني لو كنتَ بلغتَ من قيس تلك لَأمَلْتُ الخيل عَلَى الطائف فلم أَدَعْ بها مُحتلمًا.(13/314)
وكان من ولد قيس بْن الهيثم: عَبْد اللَّه بْن يزيد بْن شبيب، قضى لأبي العاج عَلَى البصرة.
وقَالَ أَبُو اليقظان: ولد أسماء بْن الصلت: خازم بْن أسماء.
ومُعْرض بْن أسماء. ودَجاجة تزوجها عامر بْن كريز، فولدت عَبْد اللَّه بْن عامر، ثُمَّ تزوجها عمير بْن عَمْرو الليثي، فولدت عَبْد اللَّهِ بْن عمير، ثُمَّ تزوجها عَبْد ربه بْن قَيْس المخزومي فولدت لَهُ عَبْد الرَّحْمَن، وهي صاحبة نهر أم عَبْد اللَّه، وحوض أم عَبْد اللَّه بالبصرة وماتت بالبصرة، وقتل مُعْرض بْن أسماء يَوْم الجمل مَعَ عَائِشَة ولا عقب لَهُ.
قَالَ: ولما قتل عَبْد اللَّه بْن خازم قَالَ الشَّاعِر:
أَلَيْلَتَنَا بنيسابور كري ... علينا الليل ويحك أَوْ أبيري
فلو شهد الفوارس من سُليم ... غداة يُطافُ بالَأسَدِ العقير
وحُمل رأسه إلى عَبْد الملك، وقَالَ الفرزدق:
أَتَغْضَبُ إذْ أُذْنَا قُتَيْبَة حُزَّتا ... جهارًا ولم تَغْضَب لقتل ابْنُ خازم
وما منهما إلَّا بَعَثْنَا برأسه ... إلى الشام فوق الشاحجات الرواسم [1]
ومدح ابْنُ عرادة الْبَصْرِيّ مُوسَى ومحمد ابني عَبْد اللَّه بْن خازم، وأمهما صَفية، فلم ير عندهما ما أَحَبَّ فَقَالَ:
كَسَوْتُ ابني صفية من ثنائي ... وإن كانا ذوي حلل ثيابا
مدحتُ محمدًا ومدحتُ مُوسَى ... فما شَكَرا لذاكَ ولا أثابا
حَسِبْتُهُما كطلحة أَوْ كَسلْمٍ [2] ... إذا ندبا لمكرمة أجابا
__________
[1] ديوان الفرزدق ج 2 ص 311.
[2] بهامش الأصل: يعني طلحة الطلحات، وسلم بن زياد.(13/315)
ومنهم: قيس بْن الصلت، وعاصم بْن قيس بْن الصلت. وكان عاصم بْن قيس عَلَى مَنَاذر فِي أيام عُمَر بْن الخطاب رَضِي اللَّه عَنْهُ، فَقَالَ فِيهِ أَبُو الْمُخْتَار:
وما عاصم فيها بصفر عيابُه ... وذاك الَّذِي فِي السوق مَوْلَى بني بدر
وهو قتل ابْنُ مزيد بخراسان.
قَالَ ابْنُ الكلبي: ومنهم ربيع بْن ربيعة بْن رفيع بْن أهبان بْن ثعلبة بْن ضبيعة بِنْ ربيعة بْن يربوع بْن سمال، الَّذِي قتل دريد بْن الصمة يَوْم حنين، وأمه لذغة كَانَ يعرف بها.
وولد مالك بْن عوف: رِعْل بْن مالك. ومطرود بْن مالك.
ومنقذ بْن مالك.
فولد رِعْل: حَيّ بْن رعل. وسلمة بْن رعل، وَيُقَال أن سَلَمة ليس بابنه، وهو ينسب إِلَيْه. ونشبَة بْن رِعْل.
فمن بني رَعْل: أنس بْن عَبَّاس بْن عامر بْن حَيّ، وَقَدْ رأس وقتلته خثعم.
وقَالَ أَبُو عُبَيْدة أغار عَبَّاس بْن عامر الرعلي عَلَى خثعم فقتل وأسر، فكلمته أمه فأطلق الأسرى وأصابت أنسًا طعنة مات منها. وَيُقَال أن عباسًا المطعون، فقالت ابنته تُبَكّيه:
لَعَمْري وما عُمري عليّ بهيِّن ... لنعم الفتى أَرْدَيْتُمُ آل خثعما
أصيب بن حَيَّا سُلَيْم كلاهما ... وعَزَّ علينا أن يصاب وَعَزَّما
ومن بني نشبة: يزيد. وقريش ابنا شقيق الخراسانيان، وَقَدْ رَأَى هشام ابْنُ الكلبي يزيدا.(13/316)
وولد مَطرود بْن مالك: قيس بْن مطرود. وقُيَيسْ بْن مطرود.
وجَدّ بْن مطرود. وضُبَيس بْن مطرود.
منهم: زرعة بن السَّلِيب بْن قيس بْن مطرود، وهو ابْنُ قرقرة الشَّاعِر وقرقرة موضع.
وولد قنفذ بْن مالك: جَابِر بْن قنفذ. وعبد اللَّه بْن قنفذ، وأمهما الجُعَيْدَة بِنْت الكيذبان المحاربي. وسَلْم بْن قنفذ. استلحقه بنو قنفذ حديثًا بالجزيرة، وكان عبدًا لا أصل لَهُ.
فولد جَابِر بْن قنفذ: هَرْمي بْن جَابِر. وربيعة بْن جَابِر. وأسيد بْن جَابِر. وقنفذ بْن جَابِر.
منهم: يزيد بْن أسيد بْن زافر بْن أسماء بْن أَبِي أسيد بْن قنفذ بْن جَابِر بْن قنفذ، ولي أرمينية للمنصور أمير المؤمنين وللمهدي، ووجه إِلَيْه المهدي خادمًا لَهُ فِي بعض أموره، فلما قضى ما وجهه إِلَيْه لَهُ طلب الخادم صِلَتَهُ فأعطاه طائرًا من الحمام وقَالَ: هَذَا صلةُ مثلك فلما قدم عَلَى المهدي أخبره بذلك فأحفظه وعزله.
وفتح يزيد فِي خلافة أمير المؤمنين المنصور باب اللان، ودوخ الضباريه، وصاهر ملك الخزر، فولدت ابنته لَهُ ابنًا فمات وماتت أمه فِي نفاسها، وبنى مدينة أردبيل.
ووَلي ابنه أَحْمَد بْن يزيد بْن أسيد الموصل وأرمينية، ومات مَعَ الرشيد حين توجه إلى طوس.(13/317)
وكان يزيد بْن أسيد تمتامًا [1] .
وَقَدْ ولي أسيد أرمينية لبني مروان. وولد أبا المغراء، ولهم عدد بالرقة.
وولد عَبْد اللَّه بْن قنفذ: خزيمة بْن عَبْد اللَّه. والحارث بْن عَبْد اللَّه.
ووهب بْن عَبْد اللَّه. ووهيب بْن عَبْد اللَّه. وعبدنهم بْن عَبْد اللَّه.
منهم: المنهال بْن قنان بْن شريك بْن ذريح بْن الأخثم بْن وهب بْن عَبْد اللَّه بْن قنفذ، كَانَ من قواد أَبِي جَعْفَر أمير المؤمنين المنصور، وابنه الْحُسَيْن بْن عِمْرَانَ بْن المنهال، وولي الجزيرة لأمير المؤمنين الرشيد.
وولد بهز بْن امرئ القيس: عَمْرو بْن بهز. وعوذ بْن بهز.
ووائلة بْن بهز.
فولد عَمْرو: سعد بْن عَمْرو.
فولد سعد: عامر بْن سعد. ومالك بْن سعد. وظَفَر بْن سعد.
فولد عامر: إياس بْن عامر. ودارم بن عامر. منهم سويد بْن عِزين الشَّاعِر.
وولد مالك بْن سعد: عوف بْن مالك. وولد ظَفَر بْن سعد:
عَبْد بْن ظفر رهط
الحجاج بْن عِلاط [2] بْن خَالِد بْن نويرة بْن حنثر بْن هلال بْن ظفر،
شهد خيبر مَعَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما فتح اللَّه خيبر قدم الحجاج بْن عِلاط من غارة لَهُ فأسلم، واستأذن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إتيان مكَّة ليأخذ مالا
__________
[1] التمتمة: رد الكلام إلى التاء والميم، أو أن تسبق كلمته إلى حنكه الأعلى، فهو تمتام.
القاموس.
[2] بهامش الأصل: الحجاج بن علاط رضي الله عنه.(13/318)